هل يجب غسل الشعر في غسل الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب غسل الشعر بعد الجماع حتى يصح الاغتسال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غسل الشعر في غسل الجنابة واجب ودليل ذلك حديث عائشة قالت: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " رواه مسلم 474، قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لبلوغ المرام (ص399) : وفيه أيضا دليل على أنه يجب إيصال الماء في الغسل من الجنابة إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا يؤخذ هذا من إدخال أصابعه في الشعر وحفن ثلاث مرات بعد أن روّى أصوله.ا. هـ.
وهذا الحكم لا فرق فيه بين الرجل والمرأة إلا أن العلماء تكلموا في نقض الشعر إذا كان مجدّلا في غسل الجنابة والحيض بالنسبة للمرأة والراجح أنه لا يجب نقض الشعر المضفور ودليل ذلك حديث أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة، وفي رواية " والحيضة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات. رواه مسلم. ومن الأدلة أيضا ما جاء عن عبيد بن عُمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبا لابن عمر هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ولا أزيد على أن أُفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. رواه مسلم (331) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح بلوغ المرام (ص406) : وهذا الحديث في اغتسال المرأة هل يجب عليها أن تنقض هذه الجدايل وتغسل ما تحتها أم لا؟ فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب أن تنقضه لما في ذلك من المشقة ولا سيما في غسل الجنابة وفي هذه المسألة خلاف فذهب بعض أهل العلم أنه يجب على المرأة أن تنقض الشعر في غسل الحيض ولا تنقضه في غسل الجنابة والفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض ظاهر لأن غسل الجنابة يتكرر فيشق عليها أن تنقضه في الصباح وتفتله في المساء وبالعكس أما غسل الحيض فإنه لا يأتي غالبا إلا مرة واحدة في الشهر فيسهل عليها أن تنقضه.. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/255)
اغتسلت وصلت دون أن تغسل شعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المرات أغتسل من الجنابة أو من الحيض ولا أغسل شعري لأنه مضفر فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا خطأ كبير ولا يجوز فعله، وبناء عليه لا تصح الصلاة بل لا بد من أن تغسلي كافة البدن بما في ذلك الشعر كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " رواه مسلم برقم (330) ، فإذا كان شعرك مضفرا فإنك تغسلينه وتدخلين الماء إلى أصوله مع غسل ما استرسل منه وهذا لا بد منه، وصلاتك لا تصح لأنك لم تغتسلي من الجنابة لأن غسل الجنابة مشروط فيه تعميم البدن بالماء بما في ذلك الشعر وكذلك الغسل للطهر من الحيض أو النفاس.
فعليك أن تقضي صلاتك التي صليتها وأنت لم تغسلي شعرك عند رفع الجنابة أو الطهر من الحيض. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 53.(5/256)
احتلم ولم يغتسل لشدة البرد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مرة نائماً بعد الظهر بعد أن تناولت وجبة الغداء، رأيت حلماً ثم احتلمت، استيقظت حين أُذن لصلاة العصر، كان الجو بارداً جداً فلم أستطع أن أغتسل أزلت آثار المني من سروالي وتيممت وصليت العصر.
هل فعلت الشيء الصحيح؟ هل يجب الاغتسال بعد الاحتلام؟ أم يكفي إزالة آثار المني والوضوء لكي أكون طاهراً؟ في الحقيقة وبسبب البرد فقد اغتسلت بعد عدة أيام وكنت أصلي كل هذه الأيام بنفس الملابس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من رحمة الله بعباده أن التكليف يسقط مع العجز عنه، لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
ومن ذلك عدم القدرة على الاغتسال من الجنابة، فمن لم يستطع أن يغتسل لمرضٍ أو بردٍ شديد فله أن يتيمم ولا إعادة عليه؛ لحديث عمرو بن العاص قال: " احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود (334) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323) وعلقه البخاري.
فإذا كنت في مكان ولا تجد ما تسخّن به الماء وتخشى المرض لو اغتسلت بالماء البارد ففعلك صحيح ولا إعادة عليك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/257)
لم يكن يغتسل من الجنابة جهلا فهل يقضي الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في الصف الأول متوسط حدثني أحد أقاربي عن المذي وقال لي إنه هو الذي يخرج عند الشهوة وعندما وصلت إلي الصف الثالث متوسط أخذت درسا عن المذي وكيفية التطهر منه وبعدها كلما أكون جنبا أغسل ذكري وأتوضأ للصلاة جهلا مني أنه المني ولما علمت حكمه تقريبا بعد ثلاث سنوات حزنت على الصلوات التي كنت أصليها فهل يجب علي الإعادة بسبب أني فهمت خطأ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق بين المذي والمني معروف، وينظر بيانه في جواب السؤال رقم (2458) والواجب على المسلم أن يتعلم ما يلزم لصحة عقيدته وعبادته ومعاملته.
ومن صلى صلوات كثيرة بغير طهارة صحيحة، جهلا منه بوجوب الطهارة، لم تلزمه الإعادة على الراجح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) .
وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
وينبغي أن تكثر من النوافل، فإن النوافل تكمل الناقص الحاصل في الفريضة، وأقبل على تعلم العلم النافع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/258)
من احتلم ولم يجد منيا فلا غسل عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أستيقظ من النوم بعد الاحتلام مباشرة أكون على يقين بأنه لم يخرج مني شيء سواء مني أو مذي , ولكن من كثرة الوساوس أقوم بفحص داخل القضيب كأني أجد شيا يسيرا بداخله أقوم بعصر القضيب فلم يخرج شيء ويغلب على ظني أن هذا ليس منيا , وهذا الإشكال يكون عندي في المنام فقط نتيجة فتواكم التي تقول بأن كل ما يكون بعد الاحتلام غالبا يكون منيا وهذا مما يجعل المرء في حيرة من أمره , أفدني جزاك الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رأى أنه احتلم ثم استيقظ ولم يجد بللا، فلا غسل عليه؛ لما روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/130) : " إذا رأى أنه قد احتلم , ولم يجد منيا , فلا غسل عليه. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم ... وإن انتبه فرأى منيا , ولم يذكر احتلاما , فعليه الغسل لا نعلم فيه اختلافا أيضا. وروي نحو ذلك عن عمر وعثمان , وبه قال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي والحسن ومجاهد وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق ; لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه " انتهى.
وإذا لم تجد على بدنك أو ثيابك منيا، فلا يلزمك فحص داخل القضيب، بل هذا مما يوجب الوسوسة، ويقويها.
ولم يكلفنا الله عز وجل بهذا الفحص، لا بعد النوم ولا عقب البول، وليس في الشريعة مثل هذا الحرج، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وهذا لا يؤخذ من فتوانا.
فنصيحتنا أن تدع ذلك، وأن لا تلتفت للوسوسة، وأن تكثر من ذكر الله وطاعته، فهذا خير علاج للوساوس، عافانا الله وإياك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/259)
اغتسل للنظافة ثم تبين أنه كان جنبا فهل يعيد الغسل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استيقظت صباحا واغتسلت حسب عادتي وصليت الفجر وتبين لي بعد ساعتين أنني كنت جنبا فهل أعيد الاغتسال أم أن الغسل السابق يكفيني؟ مع العلم بأنني لم أنو الغسل من الجنابة في الغسل السابق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من صلى ثم تبين له أنه كان جنبا، لزمه الغسل وإعادة الصلاة، ولا يجزئه غسله الأول للعادة أو نظافة دون نية رفع الجنابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) . رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/158) : "فإن نوى بالطهارة ما لا تشرع له الطهارة، كالتبرد.. ولم ينو الطهارة الشرعية لم يرتفع حدثه، لأنه لم ينو الطهارة ولا ما يتضمن نيتها فلم يحصل له شيء " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/260)
إذا خرج المنيّ حال اليقظة بسبب المرض فلا يجب الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[في جوابك على السؤال رقم 1927 قلت بأن سيلان المني بسبب المرض لا يستوجب الغسل. لكنك لم تقدم أي حديث يؤيد جوابك. فهلا تفضلت بإخباري عن الأمور التي بنيت جوابك عليها ليرتاح قلبي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الله تعالى: (وإن كنتم جنُباً فاطَّهروا) المائدة/6، والجنُب هو الذي خرج منه المنيّ دفقاً بلذّةٍ.
ودفقاًً لأن الله سبحانه يقول: (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماءٍ دافق) الطارق/5-6
فإذا خرج من يقظان بغير لذّة فإنه لا يوجب الغسل، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " الماء من الماء " الذي رواه مسلم (الحيض/518) فإنه يحمل على المعهود المعروف مِنْ خروجه بلذّة، ويوجب تحلُّلَ البدن وفتوره، أما الذي يخرج بدون ذلك، فإنه لا يوجب تحلُّلَه وفتوره.
ولهذا ذكروا لهذا الماء ثلاث علامات:
الأولى: أن يخرج دفقاً.
الثانية: رائحته فإذا كان يابساً فإن رائحته تكون كرائحة البيض، وإذا كان غير يابس فرائحته تكون كرائحة الطين واللقاح.
الثالثة: فتور البدن بعد خروجه.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج1/ص277-278
وسئلت اللجنة الدائمة عن الموجب للغسل في الاحتلام فأجابت:
لا يخفى أن الغسل يجب بخروج المنيّ دفقاً بلذّةٍ في اليقظة، وبوجوده مطلقاً في حال النوم، لما روى الإمام أحمد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فضخت الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخاً فلا تغتسل " والفضخ هو خروجه بالغلبة. أهـ
فتاوى إسلامية ج1/ص216
وقد ثبت عند أبي داود والنسائي أيضاً من ْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَفْعَلْ إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ " رواه أبو داود (الطهارة/178) ، والنسائي (الطهارة/193) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 187
قال شارح الحديث: الفضخ الدَّفق، أي صببت المنيَّ بشدّةٍ، وجامعت فاغتسل.
قال ابن منظور: في (وإذا رأيت فضخ الماء) قال: وفضخ الماء: دفْقُه، وانفضخ الدَّلو إذا دفق ما فيه من الماء 3/46. وهذا يدل على أنه إذا خرج غير ذلك حال اليقظة أو كان يسيل بسبب مرض فإنه لا يوجب الغسل.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ انْفَصَلَ - أَيْ الْمَنِيُّ - بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَلا غُسْلَ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: وَإِنْ خَرَجَ بِلا لَذَّةٍ بَلْ سَلَسًا أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ طَرِبَةٍ أَوْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ فَلا غُسْلَ.
نصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُ الرَّجُلِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ , وَلَمْ يُنْزِلْ مِنْ الذَّكَرِ , فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ.
انظر الموسوعة الفقهية ج/31 ص/197
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/261)
إذا استيقظ ورأى بللا لم يدر ما هو
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أستيقظ من نومي وأجد أثرا فلا أدري هل هو مني أو مذي فهل يجب علي الاغتسال منه أو لا؟ وإن كانت لديكم نصائح أخرى للمسلمين المغتربين والذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية في مسائل الصلاة وأوقاتها في الجامعة ومسائل الطهارة ومسائل مصافحة النساء الأجنبيات إلى غير ذلك مما هو مهم أن يراعيه الشاب المسلم أفيدوني وفقكم الله تعالى لما فيه خير للمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استيقظ من نومه ووجد بللاً، فله ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يعلم أنه مني، وذلك بمعرفة صفات المني، وقد ذكر الفقهاء أن رائحة المني الرطب كرائحة العجين أو طلع النخل، ورائحة المني اليابس كرائحة بياض البيض. فحينئذ يجب الغسل. ولا يجب غسل الثوب؛ لأن المني طاهر على الراجح من قولي العلماء.
الثاني: أن يعلم أنه مذي، فلا يجب الغسل، ولكن يجب غسل ما أصاب من البدن ورسن الثوب؛ لأن المذي نجس.
الثالث: ألا يدري هل هو مني أو مذي؟ ففيه تفصيل:
فإن كان تقدم نومه سبب يدعو إلى تحريك الشهوة وخروج المذي، كتفكير أو نظر، فالبلل الذي وجده في ثوبه له حكم المذي.
وإن لم يكن تقدم نومه سبب يدعو إلى خروج المذي، فإنه يعمل بالاحتياط، ويراعي حكم المني والمذي معا: فيغتسل، ويغسل ما أصاب ثوبه، ويأتي بالوضوء مرتبا أثناء غسله.
قال في "مطالب أولي النهى" (1/162) : "وإن أفاق نائم فوجد بللا ببدنه أو ثوبه أو فراشه ...
فإن تحقق أنه مني اغتسل وجوبا، ولو لم يذكر احتلاما , قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا. ولا يغسل ما أصابه , لطهارة المني.
ويعرف المني بريح كريح عجين وريح طلع نخل حال كونه رطبا , أو ريح بياض بيض حال كونه جافا، وإن تحقق أنه غير مني طهر ما أصابه فقط من بدن وثوب , لأنه نجس.
وإن اشتبه عليه ذلك البلل بأن لم يدر أمني أو مذي؟ وتقدم نومه سبب من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار طهر ما أصابه - لرجحان كونه مذيا بقيام سببه , إقامة للظن مقام اليقين , كما لو وجد في نومه حلما فإنا نوجب الغسل لرجحان كونه منيا بقيام سببه.
وإلا يتقدم نومه سبب , ووجد بللا في ثوبه أو بدنه أو فراشه اغتسل وجوبا وتوضأ مرتبا متواليا وطهر ما أصابه أيضا. قال في "شرح الإقناع": احتياطا , ثم قال: وليس هذا من باب الإيجاب بالشك، وإنما هو من باب الاحتياط في الخروج من عهدة الواجب , كمن نسي صلاة من يوم وجهلها , لأنه في المثال لا يخرج عن كونه منيا أو مذيا , ولا سبب لأحد الأمرين يرجح به , فلم يخرج من عهدة الوجوب إلا بما ذكر" انتهى بتصرف.
وانظر جواب السؤال رقم (22705)
وما ذكرت من النصائح المتعلقة بالصلاة والطهارة والعلاقة مع النساء، تجده في موضعه على الموقع، وانظر للفائدة جواب السؤال (22309) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والسداد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/262)
من أجنب واغتسل ثم خرج منه مني بعد الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسل الرجل من الجنابة وبعد الغسل خرج منه بعض المني، فهل يجب أن يغتسل مرة ثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في إيجاب الغسل في حالة خروج المني بعد الاغتسال:
والصحيح في هذا قول الحنابلة: أنه إذا خرج بلا شهوة فلا يجب الغسل لأنه بقية المني الأول , وإن خرج بشهوة وجب الغسل لأنه بذلك يكون غير المني الأول خرج بشهوة جديدة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما إن احتلم أو جامع فأمنى ثم اغتسل , ثم خرج منه مني , فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه , قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ , أنه ليس عليه إلا الوضوء. وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق , وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة ... " انتهى من "المغني" 1/128 باختصار.
وانظر: "الإنصاف" (1/232) و "كشاف القناع" (1/141) .
ودليل ذلك:
1- روى سعيد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ فقال: يتوضأ , وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي.
2- ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا , كما لو خرج دفقة واحدة.
3- ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد , وبه علَّلَ الإمام أحمد حيث قال: لأن الشهوة ماضية , وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء ". انتهى من "كشف القناع" (1/142) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله: " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل. والدليل:
1- أن السبب واحد، فلا يوجب غسلين.
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة.
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من "الشرح الممتع" (1/281) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة فأجاب:
"هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى، فلا يجب عليه الغسل منه، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويُعيد الوضوء فقط " انتهى. فتاوى ابن عثيمين (11/222) .
وهو اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء حيث قالوا: " يكفي من اغتسل من الجنابة ثم خرج منه مني بعد الغسل غسله ذلك , ولا يلزمه إعادة الغسل , وإنما يجب عليه الاستنجاء والوضوء " انتهى.
عبد العزيز بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/325) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/263)
الاحتلام أمر طبيعي لا يؤاخذ عليه الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول منع نفسي من التمتع المحرم ما استطعت إلى ذلك سبيلا. لكن في بعض الأحيان, أستيقظ محتلما واجد البلل في ملابسي. ما حكم ذلك؟ أهو محرم؟ وما عساي أفعل للتخلص منه؟ فالأمر مخجل جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ركب الله الشهوة في الإنسان وأمر عباده بأن يصرفوا هذه الطاقة في الطريق الصحيح وهو النكاح لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، لتتحقق المصالح الدنيوية، من بناء الأسرة وتقوية المجتمع وإعمار الدنيا وفق سنة الله تعالى، ثم إن من الطرق التي غرزها الله في عباده لإخراج هذه الطاقة المخزونة (الشهوة) الاحتلام، فهو سبب لتصريف القوة الجنسية لدى الجنسين، وليس للإنسان دور في إخراجها بل تخرج بمقتضى الطبيعة البشرية والإنسان لا يؤاخذ على ذلك والدليل على ذلك:
1. عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل ".
رواه الترمذي (1343) وابن ماجه (3032) والنسائي (3378) .
وروي كذلك من حديث عائشة في السنن الأربعة إلا الترمذي.
والحديث: حسَّنه الترمذي، والنووي في " شرح مسلم " (8 / 14) .
والنائم لا يعقل مما يفعل شيئاً فهو ممن رفع القلم عنه، والحلم يقع من النائم فالحلم مما يعفى عنه.
2- بل إن الله تعالى جعل الحلم علامة من علامات البلوغ ولذا قال الله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا ….} النور / 59.
فلو كان الحلم حراماً لم يجعله الله علامةً على البلوغ.
3- عن زينب ابنة أم سلمة: عن أم سلمة قالت: " جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء، فغطَّت أم سلمة وجهها وقالت: يا رسول الله أو تحتلم المرأة؟ قال نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟ ".
رواه البخاري (130) ومسلم (313) .
4- وعن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا قال لا غسل عليه قالت أم سلمة يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل قال نعم إنما النساء شقائق الرجال ".
رواه الترمذي (113) وأبو داود (236) .
قال العجلوني:
قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح.
" كشف الخفاء " (1 / 248) .
الخلاصة:
الاحتلام أمر طبيعي، ولا يمكن التخلص منه، وليس الأمر مخجلاً بالحد الذي صورته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/264)
حكم التعرّي عند الاغتسال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص أن يستحم عرياناً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز للشخص أن يستحم عرياناً لما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روت عنه ميمونة رضي الله عنها أنها اغتسلت هي والنبي صلى الله عليه وسلم في قصعة فيها أثر عجين وثبت عنه في غير ما موضع كما في البخاري ومسلم واغتساله مع عائشة رضي الله عنها.
ولا يصح في وجوب الاستتار حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعض السلف يؤثر الاستتار عند الاغتسال لكن الشرع لا يوجبه. ويكفي أن يكون بعيداً عن أنظار الناس.
وقد استدل بعض العلماء بحديث الصحيحين في اغتسال موسى عليه السلام عرياناً - البخاري (274) ومسلم (339) ، وعليه بوب النووي جواز الاعتسال عرياناً في الخلوة في صحيح مسلم.
وكذا اغتسال أيوب عليه السلام عرياناً كما في صحيح البخاري (275) .
قال الإمام النووي:
وقد قدمنا في الباب السابق أنه يجوز كشف العورة في موضع الحاجة في الخلوة وذلك كحالة الاغتسال وحال البول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك فهذا كله جائز فيه التكشف في الخلوة، وأما بحضرة الناس: فيحرم كشف العورة في كل ذلك.
قال العلماء: والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف، والتكشف جائز مدة الحاجة في الغسل ونحوه والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح ...
" شرح مسلم " (4 / 32) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/265)
لا يكره الغسل قبل المغرب ولا بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إنه لا يجوز الاستحمام من الساعة 18:00بتوقيت غرينيتش إلى صلاة المغرب ... فما حكم الإسلام في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
يباح الاغتسال في أي وقت من الليل أو النهار؛ لأن الأصل الإباحة، وليس هناك دليل يمنع من الاغتسال بعد العصر أو قبل المغرب أو في غيرهما من الأوقات.
وقد نصّ بعض الفقهاء من الشافعية وغيرهم على كراهة دخول الحمام قبيل الغروب وبين المغرب والعشاء، ومنهم من علل ذلك بأنه وقت انتشار الشياطين، والمقصود بالحمام في كلامهم الحمام العام الذي كان يذهب إليه الناس، ويحصل فيه التساهل في كشف العورات والنظر إليها.
والصحيح أنه لا يكره أيضا دخول الحمام في هذين الوقتين؛ لعدم الدليل على هذه الكراهة.
ولهذا قال في "مطالب أولي النهى" (1/189) : "ولا يكره دخوله حماما قرب غروب ولا بعده؛ لعدم النهي الخاص عنه , خلافا لابن الجوزي " انتهى.
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/322) : " قال ابن الجوزي في منهاج القاصدين: ويكره دخول الحمام قريبا من الغروب وبين العشاءين؛ فإنه وقت انتشار الشياطين انتهى كلامه. وظاهر كلام غيره يدل على خلافه. وروي عن أحمد أيضا ما يدل على خلافه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/266)
أصابته جنابة في بيت صديقه وخشي أن يتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[استضافني رجل إلى بيته ونمت عنده تلك الليلة وقمت على جنابة ودعاني إلى صلاة الفجر لكي نصليها في بيته فهل يجب علي تلبية دعوته إلى الصلاة أم أرفض مع أن له زوجة في البيت وأخاف أن أقول له إني على جنابة خشيت تسلل الشك إليه في أهله ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أصبحت جنبا، لزمك الغسل، لتتمكن من أداء الصلاة، ولا يجوز لك الصلاة مع الجنابة، ولا يجزئ الوضوء عن الغسل، لكن إن لم تجد ماء، أو وجدته باردا، ولم تجد ما تسخنه به، وخشيت على نفسك من استعماله، فتيمم.
وأما ترك الاغتسال خجلا وحياء، فلا يجوز، ولا يبيح ذلك التيمم.
والصلاة مع الجنابة منكر عظيم، تجب منه التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) رواه مسلم (224) .
وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الصلاة من غير طهارة من الأسباب التي يُعذّب عليها في القبر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731)
والواجب على العبد أن يكون خوفه من الله تعالى فوق خوف الناس، كما قال سبحانه: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن) المائدة/44
وقال: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/ 13.
والحياء الذي يحمل على ترك الواجبات حياء مذموم، بل هو ضعف وعجز.
ولو أنك خرجت إلى المسجد، واغتسلت، وصليت، لأمنت من هذا الحرج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/267)
هل يحرم على المرأة الجُنُب الطّبخ ومسّ الأشياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المدة التي يمكننا مكثها قبل الغسل من الوطء؟ فقد سمعنا أنه يحرم علينا القيام بأي عمل مثل المشي أو طبخ الطعام ما لم نغتسل من الجنابة. هل يمكن تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصلاة التالية؟
والله يثيبك على جهودك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك مدة معيّنة لمكث المرأة جنبا قبل الاغتسال إنما ذلك مرتبط بأداء الصلاة وغيرها من العبادات المشترطة فيها الطهارة، فلا بأس من تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصّلاة التالية ما دامت الصلاة التي قبلها قد أُدّيت على طهارة لكن يُندب للإنسان المسلم أن يعجّل بالاغتسال لكي يكون دائما على طهارة كما هي السنّة ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ (وهو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء: فيض القدير 3/325) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522
فإذا انشغلت المرأة ولم يتيسّر لها الغسل من الجنابة بعد الوطء مباشرة فلا يضرّها ذلك ولا تكون نجسة ويكفيها الوضوء لتخفيف الجنابة وحتى تقربها الملائكة.
وأما يزعمه بعض الناس من أنه يَحرم على المرأة الجنب مس الأشياء والقيام ببعض الأمور فكل ذلك بدعة من القول وزور ليس له أصل في الدين، وإنما قام هذا الاعتقاد الفاسد على الأحاديث المكذوبة والموضوعة الواردة في هذا الباب، قال الشيخ الشقيري رحمه الله: وكذا من الأباطيل اعتقاد النساء أن المرأة الجُنُب إن باشرت عجن العجين فسَد بسبب جنابتها، وأنّ البركة تضيع من كلّ شيء تضع يدها فيه. " السنن والمبتدعات ص: 31.
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة والبحوث نحو السؤال المذكور أعلاه (5/318- الفتاوى) وهذا نص الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد
نعم يجوز للجنب قبل أن يغتسل لمس الأشياء من أثواب وأطباق وقدور ونحوها سواء كان رجلاً أم امرأة لأنه ليس بنجس ولا يتنجس ما لمسه منها بلمسه إياه لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأيام فانخس منه ثم رجع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أين كنت يا أبا هريرة " فقال:"إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة " فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله إن المسلم لا ينجس "رواه البخاري 1/333
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/268)
خروج المني من المرأة بدون جماع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا خرج المنيّ من المرأة بدون جماع فهل يجب أن تغتسل قبل أن تصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا خرج المنيّ من المرأة بدون جماع فعليها الغسل وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بالاغتسال إذا هي رأت الماء كما روى مالك في الموطأ (1/51) والبخاري (282) والنسائي (1/114) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء) . فقد أمر صلى الله عليه وسلم النساء في هذا الحديث إذا رأين الماء الذي هو المنيّ أن يغتسلن.
قال البغوي في شرح السنة (2/9) : (غسل الجنابة وجوبه بأحد الأمرين: أما بإدخال الحشفة في الفرج أو خروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة.. وذهب أهل العلم إلى أنه لا غسل عليه حتى يتيقن أنه بلل الماء الدافق) .
قال ابن قدامة في المغني (1/200) : (أن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الاغتسال على الرؤية بقوله: (إذا رأت الماء وإذا فضخت الماء فاغتسل) فلا يثبت الحكم بدونه.
قال ابن حجر في الفتح (1/389) : (وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال) .
قال ابن رجب في الفتح (1/338) : (وهذا الحديث نص على أن المرأة إذا رأت حلماً في منامها ورأت الماء في اليقظة أن عليها الغسل وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ولا يعرف فيه خلاف إلا عن النخعي وهو شذوذ) .
فهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم يبين الأمر، وهو أنه بمجرد خروج الماء من المرأة قل أو كثر وجب الغسل عليها.
وعليه فخروج الماء من فرج المرأة إذا شعرت به ولو كان قليلاً يجب عليه أن تغتسل منه للنص على ذلك ولا يكفي فيه الوضوء ما لم يكن ماء غير الماء الذي يوجب الغسل كالمذي وغيره فيكفي فيه الوضوء والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/269)
هل يجب الغسل بعد إدخال أنبوب التصوير لفرج المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخضع لعلاج إخصاب منذ بضعة أشهر. أذهب إلى الدكتور باستمرار للتصوير والمراقبة الدورية. أثناء التصوير تقوم الممرضة بإدخال أنبوب إلى فرجي ليحصلوا على صورة قريبة، في بعض الأوقات يتم إدخال الدواء إلى فرجي أيضا. هل الغسل واجب بعد إدخال أنبوب التصوير للفرج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة: إذا أدخلت المرأة أو الطبيبة جهازاً أو علاجاً في الفرج، فهل يجب الاغتسال؟
وهل يفسد ذلك الصوم؟
فأجابت " إذا حصل ما ذُكر فلا يجب غسل الجنابة، ولا يُفسد الصوم ".
[الْمَصْدَرُ]
انظر الفتاوى الجامعة ج/1 ص/50(5/270)
خروج بقايا المني بعد الغسل هل يوجب الغسل مرة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث في بعض الأحيان، بعد انتهائي من بقائي مع زوجي، وبعد اغتسالي، أن ينزل شيء من المني مني مرة أخرى، حتى بعد مرور عدة ساعات. فهل علي أن أعيد غسلي إذا حدث ذلك، أم يكفيني أن أزيل المني من ملابسي وأتوضأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة فأجاب:
هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى، فلا يجب عليه الغسل منه، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويُعيد الوضوء فقط.
فتاوى ابن عثيمين11/222.
وفي شرح عبارة زاد المستقنع: (فإن خرج بعده لم يُعِدهُ)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أي إذا اغتسل لهذا الذي انتقل (أي المني) ثم خرج مع الحركة فإنه لا يعيد الغسل، والدليل:
أن السبب واحد، فلا يوجب غُسلين.
أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذّة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذّة
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/281.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/271)
استيقظ جنبا وخاف فوات المحاضرة فهل يوضأ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أجد نفسي محتلما بعد النوم صباحا وهذا قبل ذهابي للجامعة فلا يوجد وقت للاغتسال ومواعيد محاضراتي مستمرة حتى ما بعد صلاة العصر مما لا يتيح لي إمكانية العودة للمنزل للاغتسال والصلاة بالإضافة لعدم إمكانية الاغتسال في الجامعة؟ فهل يجزئ الوضوء أم أقضي الظهر والعصر بعد رجوعي إلى المنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استيقظ ووجد نفسه محتلما، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل.
وذهابك للجامعة لا يعد عذرا يبيح التيمم، بل يلزمك الغسل ولو أدى إلى تأخرك عن المحاضرة الأولى أو بعضها، وإذا اقتصد الإنسان في غسله أمكن أن يفرغ منه في دقائق معدودة.
والمقصود: أن أمر الصلاة والطهارة لها عظيم، والإتيان بهما مقدم على أمر الدراسة؛ فلا يجوز التهاون في ذلك، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين؛ لقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/272)
هل يجب على الزوجين أن يغتسلا مباشرة بعد الجماع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الزوجين أن يغتسلا مباشرة بعد الجماع؟ أم يمكن أن يؤخرا ذلك حتى يستيقظا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز تأخير الغسل إلى الفجر ويستحب للجنب أن يتوضأ قبل النوم وبهذا أخذ جمهور العلماء ونقل النووي الإجماع عليه الكافي 1/173 والمهذب 1/33 المغني 1/229.
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة) رواه الجماعة وبما رواه ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال: (نعم إذا توضأ) متفق عليه
والحكمة من الوضوء أنه يخفف الحدث، وأنشط للبدن.
وذهب الظاهرية وابن حبيب من المالكية إلى وجوب الوضوء على الجنب مستدلين بحديث عمر المتقدم. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/273)
عملت في نفسها ما أدّى إلى الإنزال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استثارت المرأة نفسها حتى الإنزال، فهل هذا يجعلها جنبا كما الجماع يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا استثارت المرأة نفسها حتى الإنزال وجب عليها الغسل، وتعتبر جُنُبا بذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) صحيح مسلم 151. أي أن الغُسل يجب من إنزال المنيّ.
ولكن هذا العمل - وهو استثارة المرأة أو الرجل نفسه حتى الإنزال - هو الاستمناء، وهو عمل محرم على الرجل والمرأة، ولا فرق بينهما في ذلك. ولمزيد من الأدلة والتفصيل يُرجى الاطلاع على سؤال رقم 329. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/274)
لا يجب الغسل من الجنابة عند الأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص أن يأكل أو يشرب بعد الجماع وقبل أن يغتسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يَجِبُ الغُسْل من الجَنَابَةِ عند الأكل، وإنّما يُسَنُّ له الوُضُوءُ إذا أرادَ الأَكل، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء.
والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنُبْ تَوَضَّأ) رواه مسلم (الحيض/461) ، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: " والذي يظهر لي أن الجُنُبَ لا ينامُ إلا بِوُضُوءٍ على سبيل الاستحباب، وكذا بالنسبة للأكل والشرب، قال بعض العلماء: لا يكره له الأكل والشرب، وهو على جنابة بلا وضوء ".
[الْمَصْدَرُ]
انظر الشرح الممتع 1/310-311.(5/275)
اغتسل ثم تبين له أن رجله لم يصبها الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسل الإنسان غسل الجنابة مثلا، ثم بعد ثلاث ساعات علم أن هناك حائلا منع وصول الماء إلى رجله، فهل يلزمه إعادة الغسل، أم عليه فقط أن يغسل رجله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من شروط الوضوء والغسل التي لا بد من تحققها كي يقع صحيحا مجزئا، زوالُ كلِّ مانعٍ وحائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، كالأدهان والأصباغ والألوان التي لها جِرمٌ يحجز الماء عن الجلد.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" (1/44) :
" وإن كان عليه عِلْكٌ أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه، لا حائل دونه " انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (69817) .
ثانيا:
فإن ترك المغتسل موضعا من جسمه لم يصبه الماء، أو حال بينَ جُزءٍ من جسمه وبين الماء حائلٌ ومانع، ثم تَنَبَّهَ بعد فترة من الزمن، فهل يعيد غسله كاملا، أم يكفي غسل الجزء الذي لم يصبه الماء فقط؟
هذه المسألة مبنية على حكم الموالاة بين الأعضاء في الغسل، والموالاة: أن يقع غسل أعضاء الجسم على الولاء، بعضُها يلي بعضاً، دون وجود فاصلٍ طويل.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوب الموالاة في الغسل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/100-101) :
" التّرتيب والموالاة في الغسل غير واجبين عند جمهور الفقهاء.
وقال اللّيث: لا بدّ من الموالاة.
واختلف فيه عن الإمام مالك، والمقدّم عند أصحابه: وجوب الموالاة. وفيه وجه لأصحاب الإمام الشّافعيّ.
فعلى قول الجمهور: لو ترك غسل عضو أو لمعة من عضو، تدارك المتروكَ وحدَه بعدُ، طال الوقت أو قصر " انتهى باختصار.
وانظر أيضا: "المغني" (1/220) ، "منح الجليل" (1/125)
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/208-209) قول الجمهور، وانتصر له، وذكر من أدلته:
" 1- ما روى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: أنه رأى لمعة بعد غسله فعصر شعره عليها.
رواه ابن ماجه (663) وضعفه ابن حجر في الدراية (1/55) وابن الجوزي في العلل (1/347) والبوصيري في "مصباح الزجاجة"، والألباني في ضعيف ابن ماجه.
2- وعن علي رضي الله عنه قال:
(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك)
رواه ابن ماجه (664) وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة"، والألباني في ضعيف ابن ماجه.
3- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، وكذلك الآكل، والمُجامع ثانيا، وكان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد إذا توضؤوا وهم جنب، ولولا أن الجنابة تنقص بالوضوء لم يكن في ذلك فائدة، وإنما تنقص إذا صح تبعيضها، وإذا صح تبعيضها صح تفريقها، بخلاف الوضوء، فإنه لايصح تبعيضه في موضع واحد، بل لا يرتفع الحدث عن عضو حتى يرتفع عن جميع الأعضاء.
4- وقال ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق في الجنابة وصلى: أنه ينصرف فيمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة. رواه سعيد في سننه.
ورواه الدارقطني في سننه (1/116) وجاء مثله عن جماعة من السلف، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/224-225)
5- ولأن الموالاة تابعة للترتيب، والتريب إنما يكون بين عضوين، وبدن الجنب كالعضو الواحد.
6- ولأن تفريق الغسل يحتاج إليه كثيرا، فإنه قد يكون أصلح للبدين، وقد ينسى فيه موضع لمعة أو لمعتين أو باطن شعره، وفي إعادته مشقة عظيمة، والوضوء يندر ذلك فيه، وتخف مؤونة الإعادة فافترقا " انتهى بتصرف يسير.
فعلى هذا، مَن ترك جزءا مِن جسمه لم يصبه ماء الغسل، أو كان عليه حائل منع وصول الماء إلى الجسم، فإنه يجزئه غسل الجزء المتروك فقط، ولا يجب إعادة الاغتسال.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/88) :
" ولو ترك لُمعةً – يعني موضعا - من جسده - تقل أو تكثر - فصلى، أعاد غسل ما ترك من جسده، ثم أعاد الصلاة بعد غسله " انتهى.
وانظر سؤال رقم (9066)
وانظر جواب السؤال رقم (50320) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/276)
هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل غسل الجمعة للنساء يجزئ عن الوضوء؟ وهل الغسل المستحب كالعيدين يجزئ عن الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اقتصر المغتسل على القدر المجزئ من صفة الغسل، وهي مبينة في جواب السؤال رقم (10790) والتي يكتفي فيها بتعميم الماء دون أن يأتي بالوضوء قبل الغسل.
فإن كان الغسل واجبا لرفع الحدث الأكبر، من جنابة أو حيض أو نفاس، فهذا الغسل يجزئ عن الوضوء، على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن الحدث الأصغر يندرج في الحدث الأكبر، فإذا ارتفع الأكبر بالغسل لزم ارتفاع الحدث الأصغر أيضا.
أما إن كان الغسل مسنونا، كغسل الجمعة والعيدين، (رجلاً كان أم امرأة) فلا يجزئ هذا الغسل عن الوضوء.
جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/175) :
" فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه، وهذا في الغسل الواجب، أما غيره فلا يجزئ عن الوضوء، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى.
وجاء في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/173-174) :
" غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء..وأما لو كان غير واجب – كغسل الجمعة والعيدين فلا يجزئ عن الوضوء، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كما في "مجموع فتاوى ابن باز" (10/173-174) :
" إذا كان الغسل عن الجنابة , ونوى المغتسل الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأ عنهما , ولكن الأفضل أن يستنجي ثم يتوضأ ثم يكمل غسله ; اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , وهكذا الحائض والنفساء في الحكم المذكور.
أما إن كان الغسل لغير ذلك ; كغسل الجمعة , وغسل التبرد والنظافة، فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك ; لعدم الترتيب , وهو فرض من فروض الوضوء , ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية , كما في غسل الجنابة " انتهى.
وقال أيضا " مجموع الفتاوى " (10/175-176) :
" السنة للجنب: أن يتوضأ ثم يغتسل ; تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم , فإن اغتسل غسل الجنابة ناويا الطهارة من الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأه ذلك , ولكنه خلاف الأفضل , أما إذا كان الغسل مستحبا ; كغسل الجمعة , أو للتبرد، فإنه لا يكفيه عن الوضوء ; بل لا بد من الوضوء قبله أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) أخرجه مسلم في صحيحه.
ولا يعتبر الغسل المستحب أو المباح تطهرا من الحدث الأصغر إلا أن يؤديه كما شرعه الله في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
أما إذا كان الغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ونوى المغتسل الطهارتين دخلت الصغرى في الكبرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (رقم109/سؤال14) :
" إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة , فإن كان عن جنابة فإن الغسل يكفي عن الوضوء، لقول الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولم يذكر وضوءاً.
أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه؛ لأن غسله ليس عن حدث.
والقاعدة إذاً: إذا كان الغسل عن حدث – أي: عن جنابة - أو امرأة عن حيض أجزأ عن الوضوء، وإلا فإنه لا يجزئ " انتهى بتصرف يسير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/277)
الفرق بين المني والمذي والرطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه.
أما المني، فصفاته:
1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) .
وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء.
2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين.
3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه.
ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) .
وأما المذي:
فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة.
وأما الرطوبة:
فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً.
وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم:
فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك.
والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه.
أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك.
ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/278)
هل يجوز الاستحمام عريانا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الإسلام الاستحمام عرياناً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا صحيح البخاري 3404
استدل العلماء بهذا الحديث على جواز التعري خاليا سيما إذا كان ذلك لحاجة من مثل الغسل وإلى جواز ذلك ذهب أكثر العلماء كما قال الحافظ في الفتح 1/385 وقد بوب البخاري عليه (باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر أفضل) وأفضليه الستر مأخوذة من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن معاوية بن حيدة قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/279)
ترى في المنام أحلاماً مزعجة، وتَتَخَيَّل الجِماع في النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى في المنام أناساً يطاردونني، وفي بعض الأحيان يكونون أشخاصا من أفراد عائلتي، وأحيانا لا أعرفهم. قد يبدو ذلك غريبا لكن هذا هو الذي يحدث. وأجدني، في مثل هذه الأحلام، أطير في السماء للفرار ممن يطاردني، وقد نجحت في ذلك. فهل يعني هذا أن الله يأخذ روحي ويجعلها تطير فعلا؟ كما أني رأيت في المنام مؤخرا أن رجلا لا أعرفه كان يجامعني. وقد صدمت من هول ذلك الحلم. فهل أخذ الله روحي عندها، أم أن ذلك كان من ألاعيب الشيطان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الرؤى وأشباهها من المَرائي المكروهة هي من الشيطان والمشروع للمسلم إذا رأى ما يكرهه أن ينفث عن يساره ثلاث مرات وأن يتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ) رواه البخاري (بدء الخلق/3049) .
وإذا رأت المرأة في منامها أن هناك من يجامعها، فهذا أمر طبيعي، فالمرأة تحتلم كما يحتلم الرجل، والاحتلام هو تخيل العملية الجنسية في المنام، فقد جاء في الحديث:
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) رواه البخاري (العلم/127) .
قال الشيخ البسام معنى " احتلمت ": (عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، والمراد هنا: إذا رأت المرأة في نومها مثل ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله. وعلى المرأة إذا رأت ذلك في منامها فإذا نزل منها شيء من أثر هذا الاحتلام وجب عليها أن تغتسل، أما إذا كان الاحتلام مجرداً عن الإنزال فلا يوجب الغسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا رأت الماء ") والله أعلم.
انظر توضيح الأحكام 1/297
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/280)
هل يجب الوضوء بعد الغسل للطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الضروري أن أتوضأ بعد الاستحمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كنت تعني بالاستحمام الاغتسال فالجواب كالتالي:
روى البخاري في الصحيح 248 عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جلده كله.
قال الحافظ في الفتح 1/248.. وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصيل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى..
وقال الحافظ أيضا 1/362: واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة، وعلى أن من توضأ بنية الغسل ثم أكمل باقي أعضاء بدنه لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث.
قال ابن قدامة في المغني 1/217 وَلِغُسْلِ الْجَنَابَةِ صِفَتَانِ: صِفَةُ إجْزَاءٍ , وَصِفَةُ كَمَالٍ , فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا صِفَةُ الْكَمَالِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ النِّيَّةِ , وَالتَّسْمِيَةِ , وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلاثًا , وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى , وَالْوُضُوءِ , وَيُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثًا يُروِّي بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ , وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ , وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ , وَيَدْلُكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ , وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِمَاءٍ قَبْلَ إفَاضَتِهِ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ , وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهَا , قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا , وَتَوَضَّأَ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ , ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدِهِ , حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءَ الْجَنَابَةِ , فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ , فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا , ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ , فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ , مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا , ثُمَّ تَمَضْمَضَ , وَاسْتَنْشَقَ , وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ , ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ , ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ , فَأَتَيْته بِالْمِنْدِيلِ , فَلَمْ يُرِدْهَا , وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ الْخِصَالِ الْمُسَمَّاةِ , وَأَمَّا الْبِدَايَةُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ فَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ , وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوِ الْحِلابِ , فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ , ثُمَّ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ , ثُمَّ الأَيْسَرِ , ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْغُسْلِ , فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعِهِ ; فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَغْسِلَهُمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ ; لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَفِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ. .. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال: (وإن غسل مرة وعم بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزاه بعد أن يتمضمض واستنشق وينوى به الغسل والوضوء وكان تاركاً للاختيار) .
هذا المذكور صفة الإجزاء والأول هو المختار ولذلك قال وكان تاركاً الاختيار يعني إذا اقتصر على هذا أجزأه مع تركه الأفضل والأولى وقوله وينوي به الغسل والوضوء يعني أنه يجزئه الغسل عنهما إذا نواهما نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى: لا يجزئه الغسل عن الوضوء حتى يأتي قبل الغسل أو بعده وهو أحد قولي الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كانا منفردين.
ولنا قوله الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} النساء:43 جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ولأنهما عبادتان من جنس واحد فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة في الحج.
قال ابن عبد البر: المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده فقد أدى ما عليه لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون على الغسل وأهذب فيه.. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/281)
يكفي في الغسل تعميم الجسد بالماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرسلت لكم من قبل لكنني إلى الآن في حيرة ولم أجد منكم الإجابة الشافية , أعلم علم اليقين أن أسئلتي قد تبدو لكم أنها لا تستحق الإجابة , لكن أنا أعاني من وساوس وغيري الكثير ممن ابتلاهم الله بالوسواس القهري , فنرجو عدم إحالة أسئلتي إلى استشارات مشابهة لها , لأنني لا أقتنع إلا عندما أسمع رأي فضيلتكم في مشكلتي , مثلا الغسل من الجنابة أريد أن أعلم هل يكفي أن أقف تحت الدش وأمرر الماء على جسمي أم يجب إيصال الماء إلى مابين الفخذين أم فقط على ظاهر الجسم , وبالنسبة للوضوء أنا اكتفيت بغسل الأعضاء مرة واحدة لكي لا أقضي وقتاً كبيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا.
والواجب في الغسل من الجنابة تعميم الجسد بالماء بما في ذلك ما بين الفخذين، فإذا وقفت تحت (الدش) ووصل ومر الماء إلى جميع جسدك، مع المضمضة والاستنشاق، فقد تم غسلك.
ثانياً:
يجوز الاقتصار على الوضوء على غسل الأعضاء مرة مرة، والأكمل فعل ذلك ثلاث مرات، كما هو معلوم.
فإذا اقتصرت على غسل الأعضاء مرة واحدة حتى تتغلب على ذلك الوسواس فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل والدعاء وسؤال العافية.
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويعافيك. والله أعلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/282)
قراءة الأذكار للجُنُبْ
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف عما إذا كان بإمكان الشخص الجنب أن يدعو الله ويذكر الله وبخاصة أذكار ما قبل النوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للشخص إذا كان جُنُباً أن يدعو الله ويذْكُرَهُ ولوكانت أذكار النوم وغيرها، لما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) رواه مسلم /الحيض 558، قال بعض شرَّاحِ الحديث: الحديث مقرِّرٌ للأصل وهو ذكر الله تعالى على كل حال من الأحوال، ولو كان مُحْدثاً أو جُنُبَاً والذكر بالتسبيح والتهليل والتكبيير والتحميد وشبهها من الأذكار جائز كل حين بإجماع المسلمين، والذي يحرُمُ من الذكر تلاوة القرآن وهو بأن يقرأ آية فصاعداً سواءً كان ذلك من المصحف أو عن ظهر قلب , لأنه قد جاء النهي عن ذلك، ولكن يستحب للجنب أن يغسل فرجه ويتوضأ إذا أراد النوم لما جاء في الحديث أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: (نعم إذا توضأ) رواه البخاري / الغسل 280
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/288 , توضيح الأحكام للبسام 1/250 , فتاوى إسلامية 1/232.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/283)
لا يلزم المرأة الجلوس أثناء الاغتسال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المرأة الجلوس أثناء الاستحمام أم أن ذلك الأمر ليس ذا أهمية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على المرأة أن تجلس أثناء الاغتسال، بل لها أن تغتسل كيفما شاءت واقفةً وجالسة ومستلقية، وكذلك الحال بالنسبة للرجل.
ولا حرج أيضا في اغتسال الإنسان عريانا، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (6894) ورقم (6976)
واستحب بعض الفقهاء ألا يقف الإنسان عريانا، حال الغسل وغيره، بل يضم جسمه ليستر نفسه.
قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولا ينتصب الرجل عريانا ليلا أو نهارا فإذا اغتسل فلينضم ما استطاع فإن الله أحق أن يستحى منه " انتهى من "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (2/455) .
وهذا من باب الحياء والستر، لكنه لا يجب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/284)
إذا احتلم في سفره ولم يستطع الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت على طريق سفر ونمت في الطريق واحتلمت وكان الاحتلام قبل صلاة الظهر ولم أستطع الاستحمام مع أصحابي، وصليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فلما عدت إلى الرياض قضيت جميع الصلوات فماذا علي أن أفعل في مثل هذي الأوقات؟ وإذا كنت في طلعة برية واحتلمت فيها فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أصابته جنابة من احتلام أو غيره، وجب عليه أن يغتسل، فإن لم يجد ماء، أو وجده وخاف على نفسه من استعماله، لشدة البرد، ولم يجد ما يسخنه به، تيمم وصلى، ولو كان سيمكث في موضعه هذا أياما؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) النساء/43، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود (334) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين " انتهى من "فتح الباري" (1/454) .
وأما ترك الاغتسال والصلاة مع الجنابة خجلا وحياء، فلا يجوز، وهو منكر عظيم، ونم أسباب عذاب القبر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731) .
والحاصل: أنك إذا كنت لم تغتسل خجلاً وحياءً من أصحابك فذلك حرام، وعليك التوبة إلى الله والندم على ذلك العزم على عدم العودة إليه.
وإن كنت لم تغتسل لكونك لم تجد ماء، أو وجدته وكان الماء بارداً وليس عندك ما تسخنه به، جاز لك ترك الاغتسال، وتتيمم بدلاً منه، فإن كنت تيممت فصلاتك صحيحة، وإن كنت صليت بغير تيمم فصلاتك غير صحيحة، وقد أعدتها بعد عودتك من السفر. ونسأل الله أن يفقهنا في دينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/285)
هل يلزم الغسل من حصول الاستمتاع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو متى يجب الغسل على المرأة بعد أن تكون مع زوجها؟ الأهم: إذا لم يجامعا بعضهما جماعاً كاملاً وكل ما حدث أنه حصل بينهما شيء من الاستمتاع باستعمال اليد فقط فهل عليها غسل قبل صيامها اليوم التالي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الغسل على الرجل والمرأة على حد سواء عند حصول أحد أمرين:
1. التقاء الختانين، أي الإيلاج وهو حصول الجماع، ولو لم يُنزلا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان وغابت الحشفة، فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل) رواه أبو داود وهو في صحيح سنن أبي داود 209.
2. الإنزال ولو بدون التقاء الختانين، ولو كان بسبب الاستمتاع باليد ونحوها. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) رواه مسلم 151. أي إن الغسل يجب عند نزول الماء أي المني.
وأمّا الصيام فلا يلزم لصحّته أن يغتسل الإنسان من الجنابة قبل الفجر بل لو بدأ يوم الصيام وهو جُنُب فصيامه صحيح (يُنظر 70 مسألة في الصيام) وإنما عليه المبادرة إلى الغسل لإدراك صلاة الفجر.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/286)
كان جنبا وأقيمت الصلاة فهل يصلي أم يغتسل ولو فاتته الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الرجل جنباً وحان وقت الصلاة هل يذهب للصلاة في المسجد أم إنه يجب عليه الغسل أولاً ثم يصلي بعد ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بدونه، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) رواه مسلم (224) .
وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء
قال النووي رحمه الله: " أجمع المسلمون على تحريم الصلاة على المحدث، وأجمعوا على أنها لا تصح منه سواء إن كان عالما بحدثه أو جاهلا أو ناسيا، لكنه إن صلى جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه. وإن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصية عظيمة ولا يكفر عندنا بذلك إلا أن يستحله , وقال أبو حنيفة: يكفر لاستهزائه.
دليلنا: أنه معصية فأشبهت الزنا وأشباهه , هذا كله إذا لم يأت ببدل ولا اضطر إلى الصلاة محدثا " انتهى من "المجموع" (2/78) .
فالجنب يلزمه الاغتسال أولاً، ثم يصلي، ولو كان غسله سيفوت عليه صلاة الجماعة.
وراجع السؤال رقم (94311)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/287)
إذا كان لديها إبرة مثبتة في البطن بلاصق فهل تمسح عليها في الغسل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصابة بداء السكري واستخدم للعلاج مضخة الأنسولين كبديل للحقن.. وهذه المضخة لها إبرة صغيرة تكون مثبتة في البطن لمدة ثلاثة أيام ثم أقوم بتغييرها.. علما بأن هذه الإبرة تكون محاطة ومغطاة بطبقة من اللزق الذي يمنع وصول الماء إلى الإبرة وإلى الجلد من تحتها، فهل يكفي عند الاغتسال من عادتي الشهرية أن أمرر الماء عليها إذا كانت طهرتي في خلال هذه الأيام الثلاثة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أمكن نزع هذا اللاصق عند الاغتسال وغسل ما تحته من البدن ثم إعادته من غير ضرر فهذا هو الواجب ولا يجوز المسح عليه.
أما إذا كان هناك ضرر من نزع اللاصق، فلا حرج من المسح عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أحمد: إذا توضأ , وخاف على جرحه الماء , مسح على الخرقة. ..
وكذلك إن وضع على جرحه دواء , وخاف من نزعه , مسح عليه. نص عليه أحمد. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجُل , يضع , عليه الدواء , فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه؟ قال: ما أدري ما يؤذيه , ولكن إذا خاف على نفسه , أو خوف من ذلك , مسح عليه ...
وقال القاضي , في اللصوق على الجرح: إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه..... فإن كان في نزعه ضرر فحكمه حكم الجبيرة , يمسح عليه " انتهى من "المغني" (1/172) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من صلى بالناس جماعة وفيه جرح؟
فأجاب: إذا كان الجرح عليه جبيرة فإنه يمسح عليها وقت الوضوء وغسل الجنابة , ويجزئه ذلك , وصلاته صحيحة , سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا , فإن لم تكن عليه جبيرة تيمم عنه بعد غسل أعضائه السليمة , وأجزأه ذلك وصحت صلاته؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين أصيبوا ببعض الجراحات يوم أحد صلوا بجروحهم ; ولما روى أبو داود رحمه الله عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أصابه جرح فأفتاه بعض أصحابه بغسله , فغسله فمات , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيه أن يَعصِب على جرحه خرقة، ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز (10/119) .
ونسأل الله أن يشفيك ويعافيك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/288)
إذا استيقظ جنبا وخاف إن اغتسل أن يخرج الوقت فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استيقظ الرجل من نومه وهو جنب وقت إقامة صلاة الفجر، فلو اغتسل فاتته صلاة الجماعة، فهل له أن يتوضأ ويصلي في المسجد جماعة ثم إذا رجع اغتسل وصلى ركعتي الفجر، أم يغتسل ولو فاتت صلاة الجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بمجرد الوضوء.
ويجب عليه الاغتسال ولو خشي فوت صلاة الجماعة، بل لو استيقظ متأخرا وخشي خروج الوقت إن اغتسل، فجمهور العلماء – وهو الصواب – على أنه يلزمه الاغتسال، لأنه معذور.
والوقت في حقه هو وقت استيقاظه؛ لما روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين.
وقال ابن قدامة في بيان مذهب الجمهور: " وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت , لم يبح له التيمم , سواء كان حاضرا أو مسافرا , في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الأوزاعي , والثوري: له التيمم. رواه عنهما الوليد بن مسلم " انتهى من "المغني" (1/166) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن استيقظ آخر وقت صلاة وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى , ولو خرج الوقت , وكذا من نسيها " انتهى من "الاختيارات الفقهية".
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟
فأجاب:
"يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت، وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان، وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم، فنحن نقول: إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت، فنقول: اغتسل ولو خرج الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم، وليس من طلوع الفجر، لأنك معذور به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/289)
إذا استيقظ متأخرا والماء بارد فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أصابته جنابة في حلم أي احتلام فأصبح وهو متأخر عن عمله وكان الجو ممطرا وباردا فتيمم بالصعيد الطاهر، فهل يجوز ذلك؟ علما بأنه خاف التأخر عن عمله وخاف على نفسه من المرض والتهلكة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من احتلم وأنزل المني، وجب عليه أن يغتسل من أجل الصلاة، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) .
فمن استيقظ جنبا، وخشي الضرر باستعمال الماء لبرودة الجو، فإن أمكنه تسخين الماء، لزمه ذلك، ولو خرج الوقت؛ لأن النائم معذور، والوقت في حقه هو وقت استيقاظه، فتلزمه الصلاة وما يشترط لها من الطهارة.
وإذا لم يجد ما يسخن به الماء، جاز له التيمم حينئذ.
وخوف التأخر عن العمل لا يعتبر عذرا يبيح ترك الغسل والانتقال إلى التيمم.
وعلى من تيمم، بلا عذر يبيح التيمم أن يعيد ما صلاه بذلك التيمم؛ لتبرأ ذمته.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان البرد شديدا جدا جدا والماء في الإناء كالروب وفي الإبريق يتثلج ومثلا إنسان وقع عليه حدث والماء يؤثر عليه ويعمل له مرض الحمى كيف العمل؟
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يتيمم قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) لكن إذا أمكنه تسخينه بالنار وجب ذلك، ووجب عليه الغسل لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/290)
لم تكن تعلم بوجوب الغسل فهل يلزمها قضاء الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكن أعلم أن خروج شيء من المرأة بشهوة يوجب الاغتسال وعلمت بذلك بعد سنتين من بلوغي بنزول الحيض وبعدها صرت أغتسل بعد النزول. المشكلة أني لا أعلم كم صلاة صليتها دون طهارة من قبل ولكن لا أتوقع أنها كثيرة العدد حيث إني اغتسل بعد الحيض. كما أني أخاف أن يكون هناك عدد من أيام رمضان أيضا صمتها دون طهارة. توقعا مني أنه نزل 3 مرات وقد يكون أكثر. وقد قضيت صلاة أسبوعين. أفيدوني ماذا أفعل؟ أفيدوني دائما أفكر بهذا الأمر وكم مرة وسوس لي الشيطان بأن أسلم من جديد حتى يسقط عني ما فات ولكن ولله الحمد أتعوذ من الشيطان ولا أقوم بهذا الشيء الفظيع..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا يلزمك قضاء الصلوات التي صليتها بلا طهارة، عند جمع من أهل العلم، لأنك معذورة بالجهل. وراجعي السؤال رقم (45648) .
وهذا هو الظاهر إن كان لم يخطر ببالك أن الغسل واجب.
ومن أهل العلم من يلزمك بالقضاء، لأن الجهل في حقك ليس عذرا، لوجودك في بلاد ينتشر فيها العلم.
والأحوط لك: قضاء الصلوات التي صليتها بلا طهارة، وتجتهدي في تقديرها، فإن كانت كثيرة بحيث يشق عليك قضاؤها، فنرجو ألا يكون عليك شيء في تركها، وعليك الإكثار من النوافل ما استطعت.
وأما الصوم، فلا يلزمك قضاؤه؛ لأنه لا يشترط له الطهارة، فصيام الجنب صحيح، وإنما يلزمه الاغتسال لأجل الصلاة.
وأما الوسوسة التي ذكرتِ فأمرٌ عظيم، ونحمد الله أن صرفك عن الاستجابة لها، إذ كيف يقدم العبد على أعظم منكر، وهو الكفر، رجاء أن يغفر له! وما يدريه أن يسلم بعده، فقد يحال بينه وبين الإسلام، عياذا بالله من ذلك المصير. ولو كانت هذه وسيلة مشروعة للتوبة لأرشد إليها الشرع، ولقيلت في حق من أتى الكبائر العظيمة، كمن قتل مائة نفس.
فاحمدي الله تعالى على نعمة الإسلام، وسليه الاستقامة والثبات، وأقبلي على تعلم العلم الشرعي النافع، فإنه نعم الزاد والشرف لك.
نسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/291)
موجبات الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي توجب الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" موجبات الغسل ستة أشياء , إذا حصل واحد منها ; وجب على المسلم الاغتسال:
أحدها: خروج المني من مخرجه من الذكر أو الأنثى , ولا يخلو: إما أن يخرج في حال اليقظة , أو حال النوم , فإن خرج في حال اليقظة ; اشترط وجود اللذة بخروجه , فإن خرج بدون لذة ; لم يوجب الغسل ; كالذي يخرج بسبب مرض, وإن خرج في حال النوم , وهو ما يسمى بالاحتلام , وجب الغسل مطلقا ; لفقد إدراكه , فقد لا يشعر باللذة ; فالنائم إذا استيقظ ووجد أثر المني ; وجب عليه الغسل , وإن احتلم , ولم يخرج منه مني , ولم يجد له أثرا ; لم يجب عليه الغسل.
الثاني من موجبات الغسل: إيلاج الذكر في الفرج , ولو لم يحصل إنزال ; للحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قعد بين شعبها الأربع , ثم مس الختان الختان ; فقد وجب الغسل) فيجب الغسل على الواطئ والموطوءة بالإيلاج , ولو لم يحصل إنزال ; لهذا الحديث , ولإجماع أهل العلم على ذلك.
الثالث من موجبات الغسل عند طائفة من العلماء: إسلام الكافر , فإذا أسلم الكافر ; وجب عليه الغسل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض الذين أسلموا أن يغتسلوا , ويرى كثير من أهل العلم أن اغتسال الكافر إذا أسلم مستحب , وليس بواجب ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر به كل من أسلم , فيحمل الأمر به على الاستحباب ; جمعا بين الأدلة.
الرابع من موجبات الغسل: الموت , فيجب تغسيل الميت ; غير الشهيد في المعركة ; فإنه لا يغسل.
الخامس والسادس من موجبات الغسل: الحيض والنفاس ; لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا ذهبت حيضتك ; فاغتسلي وصلي) وقوله تعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني: الحيض، يتطهرن بالاغتسال بعد انتهاء الحيض " انتهى من "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/292)
لا يجب الدلك في الوضوء والغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب فرك الجسم باليد أثناء الاغتسال من الاحتلام , أم يكفي سكب الماء على الجسم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب الدلك في الوضوء أو الغسل، عند جمهور العلماء، ويكفي وصول الماء إلى عامة الجسد في الغسل، خلافا لمالك رحمه الله.
قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب، أو تحت المطر ناويا، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوءه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) ولم يأمره بزيادة , وهو حديث صحيح وله نظائر كثيرة من الحديث" انتهى من "المجموع" (2/214) باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء , إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده. وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق , وأصحاب الرأي.
وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال يده واجب. ونحوه قال أبو العالية. وقال عطاء , في الجنب يفيض عليه الماء , قال: لا , بل يغتسل غسلاً ; لأن الله تعالى قال: (حتى تغتسلوا) ولا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه ; ولأن الغسل طهارة عن حدث , فوجب إمرار اليد فيها, كالتيمم.
ولنا ما روت أم سلمة , قالت: قلت يا رسول الله , إني امرأة أشد ضفر رأسي , أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: (لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات , ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) . رواه مسلم. ولأنه غسل واجب , فلم يجب فيه إمرار اليد , كغسل النجاسة , وما ذكروه في الغسل غير مسلّم ; فإنه يقال: غسل الإناء وإن لم يمر يده , ويسمى السيل الكبير غاسولا , والتيمم أمرنا فيه بالمسح ; لأنه طهارة بالتراب , ويتعذر في الغالب إمرار التراب إلا باليد " انتهى من "المغني" (1/290) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/293)
صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224)
" فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) .
ثانياً:
فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟
فأجابوا:
يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) .
ثالثاً:
ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجابوا:
يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/294)
هل يجوز للمرأة أن تؤدي أعمال البيت وهي جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تؤدي وظائفها المعتادة كالطبخ، ورعاية الأطفال، وشؤون البيت قبل الاغتسال من الجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الجنب الصلاة والطواف والمكث في المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف، وما سوى ذلك فهو جائز.
فلا حرج على المرأة إن كانت على جنابة أن تطبخ أو تقوم على رعاية بيتها وأبنائها وقضاء حوائجها، وقد دل على ذلك عدة أدلة منها:
أ. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنُب، قال فانخنستُ منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قلت: كنت جنُباً فكرهتُ أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المسلم لا ينجس.
رواه البخاري (279) ومسلم (371) .
قال الحافظ ابن حجر:
وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، ... وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه.
" فتح الباري " (1 / 391) .
والأفضل للجنب أن يسارع إلى الاغتسال خشية نسيانه لجنابته، ولو توضأ قبل مباشرته للطعام والشراب وقبل نومه فهو أفضل من فعل هذه الأشياء، وهو على جنابة، وليس هذا الوضوء بواجب بل هو لتخفيف الحدث، وهو مستحب، وفي ذلك بعض أحاديث، منها:
أ. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
رواه مسلم (305) .
ب. عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب.
رواه البخاري (283) ومسلم (306) .
قال النووي:
وفيها: أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها، ولاسيما إذا أراد جماع من لم يجامعها؛ فإنه يتأكد استحباب غسل ذكَره، وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك والجمهور.
" شرح مسلم " (3 / 217) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
الجنُب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يُكره له النوم إذا لم يتوضأ؛ فإنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ للصلاة " ...
" مجموع الفتاوى " (21 / 343) .
راجع السؤال رقم (6533)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/295)
هل يجوز للزوجين التَّجرّد من الثياب حال النوم وما أثر ذلك في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النوم عارية مع الزوج جائز في الإسلام؟ إذا كان الجواب نعم، فهل المعانقة أثناء النوم توجب الغسل قبل الصلاة أم أن الوضوء يكفي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الشق الأول من السؤال: فيجوز للزوجين ذلك.
قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون /5-6] .
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: فأمر تعالى بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته. أ. هـ "المحلى" (9/165) .
وأما من السنَّةِ: فقد صحَّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ إِنَاءٍ بَيْني وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرَني حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لي، دَعْ لي" رواه البخاري (258) ومسلم (321) - واللفظ له -.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل به الداوديُّ على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً فقال: سألتُ عائشة فذكرتْ هذا الحديث بمعناه. قال الحافظ: وهو نصٌّ في المسألة. أ. هـ.
وحديثٌ آخرُ من السنَّةِ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "احفظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ" رواه أبو داود (4017) والترمذي (2769) وحسنه، وابن ماجه (1920) . ورواه البخاري معلقا (1/508) ، وقال الحافظ ابن حجر عنده: ومفهوم قوله " إلا عن زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر. أ.هـ.
قال ابن حزم رحمه الله: وحلالٌ للرَّجُلِ أَنْ ينظرَ إلى فرج امرأته -زوجته وأمَتِه التي يحل وطؤها - وكذلك لهما أنْ ينظرا إلى فرجه، لا كراهة في ذلك أصلاً، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن طريق عائشة وأمِّ سلمة وميمونة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كنّ يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ، وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزرٍ لأنَّ في خبرها " أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ أَدْخَلَ يَدَهُ في الإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ"، فبطل بعد هذا أنْ يُلتفت إلى رأيِ أَحَدٍ، ومن العجب أنْ يُبيحَ بعضُ المتكلِّفين مِن أهل الجهل!! وَطءَ الفرجِ ويمنع من النظر إليه. أ. هـ "المحلى" (9/165) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: تحريم النظر بالنسبة للجماع من تحريم الوسائل، فإذا أباح الله تعالى للزوج أنْ يجامع زوجته، فهل يعقل أنْ يمنعه من النظر إلى فرجها؟! اللهمَّ لا. أ. هـ "السلسلة الضعيفة" (1/353) .
ثانياً:
أما حكم الطهارة في هذه الحالة: فالمعانقة أثناء النوم إذا لم يترتب عليها إنزال أو لم يحصل جماع فإنها لا توجب الغسل، وإنما إذا حصل مذي فإن على الرجل أن يغسل ذكره وأنثييه، وعلى المرأة أن تغسل فرجها، ويجب عليهما الوضوء فقط لا الغسل، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/296)
يكفي غسل واحد بنية الجمعة ورفع الجنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اجتمع على الإنسان غسل جنابة وغسل جمعة فكيف يصنع من ناحية النية وعدد الاغتسال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اجتمع على الإنسان غسل جنابة وغسل الجمعة فإنه يكفيه أن يغتسل لهما غسلاً واحداً، وينوي الاغتسال للجنابة والجمعة جميعاً، لقول النبي صلى الله وعليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
قال النووي في "المجموع" (1/368) :
" ولو نوى بغسله غسل الجنابة والجمعة حصلا جميعا هذا هو الصحيح " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" إن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما , أجزأه , ولا نعلم فيه خلافا " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يكفي غسل الجنابة عن غسل الجمعة؟
فأجاب:
" إذا كان في النهار كفاه ذلك، والأفضل أن ينويهما جميعا، وذلك بأن ينوي بغسله: الجمعة والجنابة، وبذلك يحصل له- إن شاء الله- فضل غسل الجمعة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/406) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الجمع بين غسل الجمعة وغسل الجنابة؟
فأجاب:
" لا بأس بذلك، فإذا كان الإنسان جنباً واغتسل ونوى بذلك رفع الجنابة والاغتسال للجمعة فلا حرج في هذا، كما لو أن الإنسان دخل المسجد وصلى ركعتين ينوي بهما الراتبة وتحية المسجد فلا بأس.
وهذه المسألة لا تخلو من أقسام ثلاثة:
القسم الأول: أن ينوي الجنابة فقط.
القسم الثاني: أن ينوي غسل الجنابة والجمعة.
القسم الثالث: أن ينوي غسل الجمعة فقط.
بقي قسم رابع وهو لا يمكن أن يرد وهو أن لا ينويهما وهذا غير وارد.
فإذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غسل الجمعة إذا كان بعد طلوع الشمس، وإذا نواهما جميعاً أجزأ ونال الأجر لهما جميعاً، وإذا نوى غسل الجمعة لم يكفه عن غسل الجنابة؛ لأن غسل الجمعة واجب عن غير حدث، وغسل الجنابة واجب عن حدث فلابد من نية ترفع هذا الحدث.
وبعض العلماء قال: يغتسل مرتين، ولكن هذا لا وجه له " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/137) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/297)
إذا اغتسل ونوى رفع الحدثين فمتى يتمضمض ويستنشق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسل الإنسان ونوى به الوضوء، فمعلوم أنه يجب عليه المضمضة والاستنشاق.
سؤالي: متى تكون المضمضمة والاستنشاق؟ أي متى يفعلان قبل الغسل أم بعده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجزئ الاغتسال عن الوضوء إلا إذا كان الاغتسال عن حدث أكبر (جنابة، حيض، نفاس)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا كان الغسل عن الجنابة، ونوى المغتسل الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأ عنهما. .
أما إن كان الغسل لغير ذلك؛ كغسل الجمعة، وغسل التبرد والنظافة فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك؛ لعدم الترتيب، وهو فرض من فروض الوضوء، ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية، كما في غسل الجنابة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/173) .
وانظر جواب السؤال (82759) .
ثانياً:
المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء.
وقيل: يصح بدونهما.
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع".
ثالثاً:
يستحب للمغتسل أن يتوضأ في بداية غسله، فإن لم يفعل وأفاض الماء على جميع جسده أجزأه ذلك وصح غسله، وله أن يتمضمض ويستنشق في أول غسله أو في آخره أو وسطه؛ لأن الغسل لا يجب فيه الترتيب.
وانظر: "المغني" (1/140) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/298)
تذكر أنه جنب وتعذر عليه الغسل فتيمم ثم توضأ
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجت من منزلي صباحا لأقضي أمرا ما وعند اقتراب صلاة الظهر تذكرت أني قد احتلمت أثناء نومي بعد صلاة الفجر وأني الآن جنب ويتعذر علي أن أغتسل فقمت بالتيمم للتطهر من الحدث الأكبر ثم توضأت للصلاة فهل ما فعلت صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من احتلم وأنزل المني، وجب عليه الغسل، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/43.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) .
فكان الواجب عليك أن تغتسل في المسجد، أو تؤخر الصلاة ساعة أو نحوها حتى ترجع إلى البيت فتغتسل وتصليها، ما دمت ستصليها قبل خروج وقتها.
أما التيمم حياء وخجلاً من الغسل أو خشية فوت صلاة الجماعة فلا يصح، لأن التيمم لا يصح إلا إذا فقد الماء أو خاف الإنسان حصول ضرر من استعماله الماء.
وعلى هذا فيلزمك أن تعيد الصلوات التي صليتها بهذا التيمم قبل أن تغتسل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/299)
هل يؤخر غسل قدميه حتى يفرغ من الاغتسال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع الغسل؟ وكيف نؤديها؟ وهل غسل الجمعة كغسل العيدين كغسل التبرد كغسل الجنابة؟ ما هي التي يجب الوضوء بعدها إذا أردنا أن نصلي؟ حين يقال "من السنة ترك غسل الرجلين إلى آخر الغسل؛ أيعني ذلك أننا لا نتم الوضوء الذي نفعله في أول الغسل حتى نصل إلى آخر الغسل (أي يبقى غسل الرجلين إلى آخر الغسل) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغسل المشروع صفته واحدة، سواء كان للجمعة أو للعيدين أو الجنابة، فيستحب فيه البداءة بالوضوء، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد مبتدئاً بالشق الأيمن. وانظر السؤال رقم (10790)
ثانيا:
إذا توضأ الإنسان في مبتدأ غسله فله أن يغسل قدميه مع الوضوء، أو يؤخرهما حتى يفرغ من غسله، فقد ثبت كلا الأمرين عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. رواه البخاري (273) ومسلم (316) .
وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه حين توضأ أولا.
وفي حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. رواه البخاري (265) ومسلم (317) واللفظ له.
وعلى هذا، فكلا الأمرين جائز، سواء غسل رجليه مع الوضوء، أم أخرهما إلى نهاية الغسل.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الأفضل أن يغسل رجليه مع الوضوء إلا من عذر. فقال في "الشرح الممتع" (1/213) :
" قوله: (ويغسل قدميه مكانا آخر) أي: عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول.
وظاهر كلام المؤلف أنه سنّة مطلقا، ولو كان المحل نظيفا كما في حماماتنا الآن.
والظاهر لي أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة، كما لو كانت الأرض طينا، لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين.
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل. ورواية: " أنه غسل رجليه " ضعيفة. والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط " انتهى.
ثالثا:
الغسل الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل من حدث أكبر (الجنابة والحيض والنفاس) أما سائر الأغسال فإنها لا تغني عن الوضوء.
وينظر: السؤال رقم (5032) و (68854)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/300)
أخذ منه الطبيب عينة من الحيوانات المنوية فهل يجب عليه الغسل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للطبيب وأخذ مني عينة من الحيوانات المنوية عن طريق ضغط البروستات بإصبعه فهل أنا جنب في هذه الحالة؟ وهل يجب علي الاغتسال من الجنابة أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استدعاء المني وإخراجه باليد ونحوها هو الاستمناء المحرم، لكن إن كان ذلك لأجل الفحص والعلاج، فلا حرج فيه، كما هو مبين في الجواب رقم (27112) وراجع السؤال رقم (329) لمعرفة أدلة تحريم الاستمناء.
ثانيا:
إذا خرج المني عن طريق الضغط على البروستات، أو بغير ذلك من الطرق، فله حالتان:
الأولى: أن يخرج بلذة، وهذا هو الغالب، فحينئذ يجب الغسل باتفاق العلماء.
الثانية: أن يخرج بدون لذة، وعادةً ما يحصل هذا بسبب المرض، وبدون استدعاء، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء، فالجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه لا يجب الغسل، وهو الصحيح.
وهذا في المستيقظ، وأما النائم، فإنه إذا خرج منه المني وجب عليه الغسل مطلقا، سواء خرج منه بلذة أو بدونها.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وظاهر الحديث [حديث (الماء من الماء) أنه يجب الغسل سواء خرج دفقا بلذة، أم لا، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقا موجب للغسل حتى ولو بدون شهوة وبأي سبب خرج؛ لعموم الحديث. وجمهور أهل العلم: يشترطون لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دَفْقا بلذة.
وقال بعض العلماء: بلذة. وحذف " دفقا " وقال: إنه متى كان بلذة فلا بد أن يكون دفقا.
وذِكْر الدفق أولى لموافقة قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق. خلق من ماء دافق) الطارق/ 5، 6.
فإذا خرج من غير لذة من يقظان فإنه لا يوجب الغسل، وهو الصحيح.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث (الماء من الماء) ؟
قلنا: إنه يحمل على المعهود المعروف الذي يخرج بلذة، ويوجب تحلل البدن وفتوره، أما الذي بدون ذلك، فإنه لا يوجب تحلله ولا فتوره " انتهى من "الشرح الممتع".
وانظر جواب السؤال رقم (12317)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/301)
إذا جامع ولم ينزل وجب الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[في حال حصول جماع ولم يتم القذف (خروج المني) هل يجب على كلاهما الاستحمام؟ وفي حال لم يصلا للشهوة هل يجوز استعمالهما العادة السرية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا حصل الجماع بإدخال الحشفة (رأس الذكر) في الفرج، فقد وجب الغسل على الرجل والمرأة، وإن لم ينزل المني، لما روى البخاري (291) ومسلم (348) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ) زاد مسلم (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/131) : " واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة , إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا يجب " انتهى.
ثانيا:
يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته، وللمرأة أن تستمتع بزوجها، كيفيما شاءا، إذا اتقيا الحيضة والدبر، ومن ذلك أن يستمني بيدها، أو تستمني بيده، فهذا داخل في الاستمتاع المأذون فيه بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5،6.
وأما أن يستمني الرجل بيده، أو المرأة بيدها، فهذا اعتداء محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/302)
صفة الغسل الكامل والمجزئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أغتسل من الحيض كالتالي: 1- أنوي الطهارة بقلبي ولا أنطق بها. 2- أبدأ بالوقوف تحت "الدوش" وتفيض المياه على كامل جسدي. 3- أستحم وأغسل كامل جسدي باستعمال اللوف والصابون بما في ذلك منطقة الفرج. 4- أغسل شعري كله باستعمال الشامبو. 5- بعدها أشطف جسدي من آثار الصابون والشامبو وبعدها أجعل الماء يفيض على شقي الأيمن ثلاثا ثم على شقي الأيسر ثلاثا. 6- ثم أتوضأ. علمت مؤخرا بأنني لا أتبع خطوات الغسل الصحيحة، أرجو منكم إفادتي هل غسلي طوال السنين السابقة بالطريقة المذكورة عاليه خاطئ أم صحيح؟ ... وإذا كان خاطئا ولا يصلح أرجو إعلامي ماذا يمكنني فعله لعلاج هذا الخطأ المتكرر طوال السنوات السابقة؟ وهل صلاتي وصيامي طوال هذه المدة باطل وغير مقبول؟ وإن كان كذلك فماذا يمكنني عمله لإصلاح هذا الأمر؟ ... كما أرجو منكم إبلاغى بالطريقة الصحيحة للغسل من الحيض ومن الجنابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غسلك بالطريقة المذكورة: صحيح مجزئ والحمد لله، لكن فاتك بعض السنن التي لا تؤثر على صحة غسلك.
وبيان ذلك أن الغسل نوعان: مجزئ، وكامل. أما المجزئ فيكتفي فيه الإنسان بفعل الواجبات فقط، ولا يفعل شيئاً من المستحبات والسنن، فينوي الطهارة، ثم يعم جسده بالماء بأي طريقة، سواء وقف تحت (الدوش) ، أو نزل بحراً، أو حمام سباحة ونحو ذلك، مع المضمضة والاستنشاق.
وأما الغسل الكامل: فأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بجميع سنن الاغتسال.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن صفة الغسل:
فأجاب: " صفة الغسل على وجهين:
الوجه الأول: صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6.
الوجه الثاني: صفة كاملة، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً، ثم يغسل بقية بدنه. هذه صفة الغسل الكامل " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" (ص248) .
ثانياً:
لا فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض إلا أنه يستحب دلك الشعر في غسل الحيض أشد من دلكه في غسل الجنابة، ويستحب فيه أيضا أن تتطيب المرأة في موضع الدم، إزالة للرائحة الكريهة.
روى مسلم (332) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَسْمَاءَ رضي الله عنه سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.
وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) .
ففَرَّق صلى الله عليه وسلم بين غسل الحيض وغسل الجنابة، في دلك الشعر، واستعمال الطيب.
وقوله: (شؤون رأسها) المراد به: أصول الشعر.
(فِرْصَةً مُمَسَّكَةً) أي قطعة قطن أو قماش مطيبة بالمسك.
وقول عائشة: (كأنها تخفي ذلك) : أي قالت ذلك بصوت خفي يسمعه المخاطب ولا يسمعه الحاضرون.
ثالثاً:
التسمية عند الوضوء والغسل مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وقال الحنابلة بوجوبها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء، وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر.
والصحيح أنها ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل " انتهى من "الشرح الممتع".
رابعاً:
المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
قال النووي رحمه الله مبينا الخلاف في ذلك: " مذاهب العلماء في المضمضة والاستنشاق أربعة:
أحدها: أنهما سنتان في الوضوء والغسل , هذا مذهبنا [الشافعية] .
والمذهب الثاني: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما , وهو المشهور عن أحمد.
والثالث: واجبتان في الغسل دون الوضوء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والرابع: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة , وهو رواية عن أحمد , قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى من "المجموع" (1/400) باختصار.
والراجح هو القول الثاني، أي وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، وأنهما شرطان لصحته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء.
وقيل: يصح بدونهما.
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع".
خامساً: إذا كنت في الماضي لا تأتين بالمضمضة والاستنشاق في الغسل لعدم العلم بحكمهما، أو اعتماداً على قول من لا يوجب ذلك، فإن اغتسالك صحيح وصلاتك المبنية على هذا الغسل صحيحة، ولا يلزمك إعادتها، لقوة اختلاف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق ـ كما سبق.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/303)
مس الذكر هل ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ الجنب قبل الغسل أم لم يتوضأ ولكن ماذا عن مس الذكر والإليتين أثناء الغسل؟ فهل هذا يوجب الوضوء بعد انتهاء الغسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اغتسل الجنب ومس ذكره أثناء الاغتسال، هل يجب عليه الوضوء أم لا؟
ينبني هذا على اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر، فمن رأى أنه ناقض أوجب عليه الوضوء، ومن رأى أنه غير ناقض فلا يوجب عليه الوضوء.
قال في "الشرح الممتع": " واختلف العلماء رحمهم الله في مس الذكر والقبل هل ينقض الوضوء أم لا؟ على أقوال:
القول الأول: وهو المذهب (أي: مذهب الإمام أحمد) أنه ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي:
1- حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) .
2-حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها ستر فقد وجب عليه الوضوء) ، وفي رواية: (إلى فرجه) .
3-أن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر، أو القبل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم.
القول الثاني: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي:
1 حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة: أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما هو بضعة منك) .
2 أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن. وحديث بسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإذا كان فيه احتمال؛ فالأصل بقاء الوضوء. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا) فإذا كان هذا في السبب الموجب حسا، فكذلك السبب الموجب شرعا، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوما بيقين.
القول الثالث: أنه إن مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة، وحديث طلق بن علي، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر.
ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعة منك) لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء، ولغير شهوة لا يجب الوضوء؛ ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء.
وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: (أعليه) وكلمة: (على) ظاهرة في الوجوب.
القول الرابع: وهو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا، ولو بشهوة.
وإذا قلنا: إنه مستحب، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر، واحتياط، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد. فهذا غير صحيح لما يلي:
1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن.
2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛ لأن الحكم يدور مع علته، والعلة هي قوله: (إنما هو بضعة منك) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ.
3 - أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي، أو تقدم أخذه؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره.
بمعنى: أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام، فلا نقول: إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك.
والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ" انتهى.
ثم جزم الشيخ رحمه الله في شرح "بلوغ المرام" (1/259) أن مس الذكر بشهوة ناقض للوضوء، ومسه بدون شهوة غير ناقض.
وعلى هذا القول؛ فمن مس ذكره بشهوة أثناء الاغتسال من الجنابة وجب عليه الوضوء بعد انتهاء الغسل، وإذا كان مسه بلا شهوة فلا يلزمه الوضوء.
ثانياً:
مس الأليتين لا ينقض الوضوء، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي (444) وابن ماجه (481) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر.
وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء، كمس الخصيتين والصفحتين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/34) : " فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/42) : " قال أصحابنا: والمراد بالدبر ملتقى المنفذ , أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن , كالرُّفغ والأنثيين والإبط , في قول عامة أهل العلم ; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه " انتهى باختصار من "المغني" (1/119) . والرُّفْغ: ما حول الفرج، أو أصول الفخذين من باطن. "مختار الصحاح".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/304)
صفة الاغتسال من الحدث الأكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية الوضوء الأكبر؟ هناك اختلافات في عدة مذاهب، فمن يجب عليَّ اتباعه؟ وكيف كان يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم، الوضوء الأصغر؟ والوضوء الأكبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجب عليك اتباع مذهب معين، إنما يجب عليك أن تسأل من تَثِق به من أهل العلم، ممن اشتهر في الناس علمه وفضله، ثم تأخذ بما يُبَيِّنُه لك من أحكام الدين، ولا يضرك إن كان هناك خلاف بين أهل العلم في مسائل الدين، فهو شيء أراده الله لحكمته، والمسلم الذي لا يمكنه الاجتهاد لمعرفة الحق، إنما يجب عليه سؤال أهل العلم، وليس عليه أكثر من ذلك.
ثانيا:
سبق في جواب السؤال رقم (11497) بيان صفة الوضوء من الحدث الأصغر بالتفصيل، فليرجع إليه.
ثالثا:
أما عن صفة الاغتسال من الحدث الأكبر، فالجواب:
الغسل له صفتان:
صفةٌ مجزئة: بمعنى أنه من اكتفى بالغسل على هذه الصفة صح غسله، وتطهَّر من الحدث الأكبر، ومَن أَخَلَّ بهذه الصفة لم يصحَّ غسله.
صفة كاملة مستحبة: وهي الصفة التي يستحب الإتيان بها ولا يجب.
أما الصفة الواجبة المجزئة فهي:
1- أن ينوي الطهارة من حدثه: جنابة أو حيضا أو نفاسا.
2- ثم يَعُمَّ بدنَه بالغسل مرة، يتفقَّد فيها أصول شعره، والمواضع التي لا يصل إليها الماء بسهولة كالإبطين وباطن الركبتين، مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح من أقوال أهل العلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/423) :
"والدليل على أن هذا الغسل مجزئٌ: قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) المائدة/6، ولم يذكر الله شيئا سوى ذلك، ومن عَمَّ بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه قد اطَّهَّرَ" انتهى.
أما الصفة الكاملة فهي:
1- أن ينوي بقلبه الطهارة من الحدث الأكبر: جنابة أو حيض أو نفاس.
2- ثم يسمي الله تعالى، ويغسل يديه ثلاثا، ويغسل فرجه من الأذى.
3- ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كاملا.
4- ثم يصب الماء على رأسه ثلاث مرات، ويدلك شعره حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.
5- ثم يعم بدنه بالماء والغسل، يبدأ بشق بدنه الأيمن، ثم الأيسر، يدلكه بيديه ليصل الماء إلى جميع الجسم.
والدليل على هذه الصفة المستحبة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّه قَد أَروَى بَشرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) رواه البخاري (248) ومسلم (316) .
وعنها رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحوَ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفّهِ، بَدَأَ بِشقِّ رَأسِهِ الأَيمَنِ، ثُمَّ الأَيسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ) أخرجه البخاري (258) ومسلم (318) .
الحلاب: الإناء الذي يُحلب فيه.
وانظر جواب السؤال رقم (10790) .
ومن الأحكام المهمة في هذا الباب:
أن الغسل من الحدث الأكبر يجزئ عن الوضوء، فمن اغتسل الغسل الكامل أو المجزئ، لا يجب عليه أن يعيد الوضوء، إلا إن جاء بأحد نواقض الطهارة أثناء غسله، وانظر جواب السؤال (68854) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/305)
إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) .
فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/306)
متى يجب الغسل ومتى يستحب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب الغسل بعد الاحتلام، أم إنه فقط بعد المعاشرة؟ وما هي المواضع الأخرى التي يجب أو يستحب فيها الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغسل قد يكون واجبا، وقد يكون سنة مستحبة، وقد بين العلماء رحمهم الله جميع تلك الحالات، ويمكن تقسيم كلامهم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: موجبات الغسل المتفق عليها، وهي:
1- خروج المني ولو من غير جماع.
جاء في الموسوعة الفقهية (31/195) :
" اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المنيّ من موجبات الغسل، بل نقل النّوويّ الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة في النّوم أو اليقظة، والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّما الماء من الماء) رواه مسلم (343) ، ومعناه - كما حكاه النّوويّ - يجب الغسل بالماء من إنزال الماء الدّافق وهو المنيّ " انتهى.
ويراجع الأسئلة التالية (6010) (12317) (47693)
2- التقاء الختانين بتغييب الحشفة كاملة في الفرج، ولو لم يحصل إنزال.
انظر سؤال رقم (7529) (36865)
3-4: الحيض والنفاس
جاء في الموسوعة الفقهية (31/204) :
" اتفق الفقهاء على أن الحيض والنفاس من موجبات الغسل، ونقل ابن المنذر وابن جرير الطبري وآخرون الإجماع عليه، ودليل وجوب الغسل في الحيض قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} " انتهى.
القسم الثاني: الحالات التي لا يجب فيها الغسل بالاتفاق، وإنما يستحب.
1- في كل مجمع للناس، فيستحب الاغتسال له:
قال البغوي رحمه الله: يستحب لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب.
ومن ذلك: غسل العيدين: قال النووي رحمه الله "المجموع" (2/233) : " سنة لكل أحد بالاتفاق، سواء الرجال والنساء والصبيان؛ لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها " انتهى.
انظر سؤال رقم (48988)
ومنه الغسل لصلاة الكسوف والاستسقاء وللوقوف بعرفة، والغسل بالمشعر الحرام ولرمي الجمار في أيام التشريق، ونحو ذلك من مجامع الناس في عباداتهم أو عاداتهم.
2- عند تغير البدن: يقول المحاملي – من فقهاء الشافعية -: يستحب الغسل عند كل حال تغير فيه البدن.
ومن ذلك: ما نص عليه الفقهاء من استحباب غسل المجنون والمغمى عليه إذا أفاق والغسل من الحجامة وبعد دخول الحمام ونحو ذلك، فإن الغسل يزيل ما علق بالبدن ويعيده إلى حاله الطبيعي. انظر "المجموع" (2/234،235)
3- عند بعض العبادات: كالغسل للإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (تَجَرَّدَ لإِهلالِهِ وَاغتَسَلَ) رواه الترمذي (830) ، ونص الفقهاء على استحباب الغسل لطوافي الزيارة والوداع، وفي ليلة القدر، وكان ابن عمر إذا دخل مكة اغتسل، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. رواه البخاري (1478) ومسلم (1259)
القسم الثالث: الأغسال المختلف فيها، وبيان الراجح في ذلك:
1- غسل الميت:
ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الموت من موجبات الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته (اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَو خَمْسًا أَو أَكثَرَ مِن ذَلِكَ) رواه البخاري (1253) ومسلم (939)
2- الغسل من غسل الميت: اختلف العلماء فيه تبعا لاختلافهم في حكم الحديث المروي فيه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن غَسَّلَ مَيتًا فَلْيَغتَسِلْ) رواه أحمد (2/454) وأبو داود (3161) والترمذي (993) وقال حديث حسن، وقال الإمام أحمد "مسائل أحمد لأبي داود" (309) : ليس يثبت فيه حديث.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/411) : " (الاستحباب) هو القول الوسط والأقرب " انتهى.
انظر سؤال رقم (6962)
3- غسل الجمعة:
قال النووي "المجموع" (2/232) : " هو سنة عند الجمهور، وأوجبه بعض السلف " انتهى.
والصحيح فيه ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية "الفتاوى الكبرى" (5/307) : " ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره " انتهى.
4- إذا أسلم الكافر:
جاء في الموسوعة الفقهية (31/205-206) :
ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ إسلام الكافر موجب للغسل، فإذا أسلم الكافر وجب عليه أن يغتسل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أنّ ثمامة بن أثال رضي الله عنه أسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل) وعن (قيس بن عاصم أنّه أسلم: فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر) ؛ ولأنّه لا يسلم غالباً من جنابة، فأقيمت المظنّة مقام الحقيقة كالنّوم والتقاء الختانين.
وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر إذا أسلم وهو غير جنب؛ أنه أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، وإذا أسلم الكافر وهو جنب وجب عليه الغسل، قال النّوويّ: نصّ عليه الشّافعيّ، واتّفق عليه جماهير الأصحاب " انتهى.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/397) : " الأحوط أن يغتسل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/307)
إذا أجنب مرتين كفاه غسل واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الاغتسال عندما يقوم الشخص بإنزال المني مرتين متتاليتين في أوقات مختلفة علما أنه لم يغتسل في المرة الأولى هل يقوم بالغسل مرتين أم تكفي مرة واحدة عنها كلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أنزل الرجل المني مرتين أو أكثر في أوقات مختلفة، ثم اغتسل غسلا واحدا كفاه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه، ثم يغتسل غسلا واحدا، كما روى مسلم (309) عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ.
وقد قرر الفقهاء أنه لو اجتمعت أسباب توجب الغسل كالجماع مرات، أو التقاء الختانين مع الإنزال، أو الجنابة مع الحيض، فإنه يكفيه غسل واحد بالإجماع.
قال النووي رحمه الله: " إذا أحدث أحداثا متفقة أو مختلفة، كفاه وضوء واحد بالإجماع، وكذا لو أجنب مرات، بجماع امرأة واحدة، أو نسوة، أو احتلام، أو بالمجموع، كفاه غسل بالإجماع. وممن نقل الإجماع فيه أبو محمد بن حزم والله أعلم " انتهى من "المجموع" (1/487) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/308)
هل يتيمم أيام البرد الشديد من الجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع أن أصلي وأنا على جنابة بالتيمم أيام البرد الشديد، علما بأنه لا تتوفر لدي الإمكانيات التي تستوجب مني التطهر فوراً، كما أنى مريض بالبرد الذي أصاب ظهري وهو يؤثر علي كثيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من أصابته جنابة وأراد الصلاة أن يغتسل بالماء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ، فإن عجز عن استعمال الماء لكونه غير موجود، أو وجده وكان في استعماله ضرر لمرضه، أو لشدة البرد - وليس عنده ما يسخنه به -: فإنه يعدل عن الاغتسال بالماء إلى التيمم بالتراب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ففي الآية دليل على أن المريض الذي يضره استعمال الماء كأن يؤدي الاغتسال إلى الموت أو زيادة المرض أو تأخير شفائه أنه يتيمم , وقد بيَّن الله تعالى كيفية التيمم فقال: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وبيَّن حكمة هذا التشريع فقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة " ذات السلاسل " فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.
رواه أبو داود (334) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين.
" فتح الباري " (1 / 454) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إن كنت تستطيع أن تجد ماء دافئا أو تستطيع تسخين البارد، أو الشراء من جيرانك أو غير جيرانك: فالواجب عليك أن تعمل ذلك؛ لأن الله يقول: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم) ، فعليك أن تعمل ما تستطيع من الشراء أو التسخين أو غيرهما من الطرق التي تمكنك من الوضوء الشرعي بالماء، فإن عجزت وكان البرد شديداً، وفيه خطر عليك، ولا حيلة لك بتسخينه ولا شراء شيء من الماء الساخن ممن حولك: فأنت معذور، ويكفيك التيمم؛ لقول الله تعالى: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم) وقوله سبحانه: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) .
والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء.
" مجموع فتاوى ابن باز" (10/199، 200) .
وعليك أن تغسل ما تستطيع غسله من بدنك , كأن تغسل اليدين والرجلين وما أشبه ذلك. إذا لم يكن في هذا ضرر عليك , ثم تتيمم.
ونسأل الله لك الشفاء العاجل، وأن يجعل ما أصابك كفارة لك ورفعا لدرجاتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/309)
كيف يتوضأ ويغتسل من عليه عصابة بسبب جرح
[السُّؤَالُ]
ـ[لو كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء فهل يتوضأ المسلم الوضوء الكامل ثم يتيمم بالنسبة للجزء الذي فيه جرح في النهاية، أم يتيمم فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء , فهذا الجرح إما أن يكون مكشوفاً وإما أن يكون عليه لصوق أو رباط.
فإن كان عليه لصوق أو رباط فإنه يغسل الجزء الصحيح ثم يبل يده بالماء ويمسح على اللصوق , ولا يحتاج مع هذا المسح إلى التيمم.
وقد رويت أحاديث في المسح على الجبائر إلا أنها كلها ضعيفة غير أنه قد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
" وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. . . وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ " انتهى.
"المجموع" (2/368) .
أما إن كان الجرح مكشوفاً فالواجب غسله بالماء إن أمكن , فإن كان الغسل يضره , وأمكن مسحه , فالواجب مسحه , فإن تعذر , فإنه يُبقي هذا الجرح بلا غسل ولا مسح , ثم إذا انتهى من الوضوء تيمم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/169) :
" قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً.
فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء , فإن تعذر غسله بالماء فالمسح للجرح , فإن تعذر المسح فالتيمم , وهذا على الترتيب.
وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به , فليس فيه إلا المسح فقط، فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم , كما لو كان مكشوفاً , هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إن كان عليه جبيرة مسح عليها، وإن كان مكشوفاً تيمم عنه " انتهى.
فتاوى ابن باز (10/118) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى، فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح؟
فأجاب:
" لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح، لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم، ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة؛ لأن في ذلك خطراً عليك، فأَبْقها على وضعها، وإذا توضأتَ تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد، وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام، ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح، ولو لم تكن عند وضعها على طهارة، ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح.
فالحاصل: أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة، بل يتعين أن تبقيها للمصلحة، وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/310)
يعاني من كثرة الاحتلام، ويجد بللاً ولا يذكر احتلاماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني منذ حوالي خمس سنوات من خروج المني كثيرا وألقى منه عناء، عند استيقاظي من النوم أجد بللا ولا أذكر أني احتلمت غالبا، ويحدث في معظم الأحيان أني أغتسل من المرة الأولى لأجد البل في اليوم التالي؛ هل يجب عليّ أن أغتسل في كل مرة حيث يمكن أن أجد بللا في الأسبوع مرتين، وما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا استيقظ الإنسان فوجد بللا، فلا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يتيقن أنه مني، فيجب عليه حينئذ الاغتسال، سواء ذكر احتلاما أم لم يذكر.
الحال الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني، فلا يجب عليه الغسل في هذه الحال، ولكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه، لأن حكمه حكم البول.
الحال الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ ففيه تفصيل:
أولا: إن ذكر أنه احتلم في منامه، فإنه يجعله منيا ويغتسل، لحديث أم سلمة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها غسل؟ قال: (نعم، إذا هي رأت الماء) . فدل هذا على وجوب الغسل على من احتلم ووجد الماء.
ثانيا: إذا لم ير شيئا في منامه، فإن كان قد سبق نومه تفكير في الجماع جعله مذياً.
وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف:
قيل: يجب عليه الغسل احتياطا.
وقيل: لا يجب، وهو الصحيح، لأن الأصل براءة الذمة " انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ بن عثيمين رحمه الله (ص 221) .
وقد ذكر الفقهاء أن رائحة المني الرطب كرائحة العجين أو طلع النخل، ورائحة المني اليابس كرائحة بياض البيض. "مطالب أولي النهى" (1/162) .
ولا أثر لكون ذلك يقع في الأسبوع مرتين أو أكثر. فكلما احتلمت وجب عليك الغسل.
ولا ينبغي القلق من حدوث هذا الأمر؛ إذ العامل فيه قد يكون طبيعة البدن، أو نوع الأطعمة، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/311)
هل يلزم من يغتسل للتبرد أن يتوضأ للصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسل المسلم غسله العادي ولم يتوضأ فهل يجوز له أن يصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المستحب للمسلم أن يتوضأ قبل غسله؛ اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والغسل إذا كان عن حدث أكبر مثل غسل الجنابة والحيض، وكان المغتسل قد عمَّم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق: فإنه يجزئه عن الوضوء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بعد غسله.
وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (5032) فلينظر.
أما إن كان الغسل غسل تبرد وتنظف: فلا يجزئه عن الوضوء.
سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ الغسل من الجنابة عن الوضوء؟
فأجاب:
" إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء، فأحدث بعد الغسل، فيجب عليه أن يتوضأ، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 180) .
وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – أيضاً: هل يجزئ الغسل غير المشروع عن الوضوء؟
فأجاب:
" الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 181) .
وسُئل رحمه الله – أيضاً -: هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟
فأجاب:
" الاستحمام إن كان عن جنابة: فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق: فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر؛ لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطَّهَّر، أي: أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أن المغتسل من الجنابة يتوضأ أولاً؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده.
أما إذا كان الاستحمام لتنظيف أو لتبرد: فإنه لا يكفى عن الوضوء؛ لأن ذلك ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة، لكن لا على هذا الوجه، بل النظافة مطلقا في أي شيء يحصل فيه التنظيف.
وعلى كل حال: إذا كان الاستحمام للتبرد أو النظافة: فإنه لا يجزئ عن الوضوء " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 182) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/312)
تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر لا يُبطل الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[احتلمت قبل السحور مرة.. ولم يكن باستطاعتي أن أغتسل.. وكنت أحس بالخجل الشديد من الاغتسال.. لأن والداي سيعلمان بالأمر (أني احتلمت) .. ولذلك فقد تناولت سحوري دون أن أغتسل، وللأسف فإني لم أصلي صلاة الفجر ذلك الصباح أيضا.. لكني اغتسلت وصليت الفجر لاحقا.. وأريد أن أعرف ما إذا كان صومي مقبولاً. لأني أظن أني أخطأت عندما تناولت سحوري وأنا جنب (من الاحتلام) .. فهل صومي مقبول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح صيام من واقع زوجته ليلاً وأصبح جنباً، وكذا يصح صيام من أصابته جنابة في نومه ليلاً أو نهاراً ولا حرج عليه في تأخير الغسل حتى يطلع الفجر، وإنما يُفسد الصيام الجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
فتاوى اللجنة الدائمة 10/327
أما تأخيرك الصلاة حتى تطلع الشمس فإنه محرَّم عليك، والواجب تأدية الصلاة في وقتها، وخجلك الشديد من الاغتسال ليس عذراً يبيح لك تأخير الصلاة عن وقتها، والواجب عليك التوبة من ذلك والاستغفار. وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/313)
اغتسل ثم صلى ثم تبين أنه ترك موضعا من جسده لم يصبه الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الغسل يجب فيه الموالاة أي لو أن شخصا تذكر بعد فترة من الزمن عدم غسله لجزء يسير من جسده هل يغسله فقط أم يجب عليه إعادة الغسل من جديد مع ما به من مشقة. وحالتي هي أنني اغتسلت ويوجد لدي (لصق لجرح في ظهري) فأزلته وأزلت الصمغ الناتج عنه في ظني أني أزلته كاملا لكن بعد فترة تبين لي أنه لم يزل كاملا مع العلم أن الماء قد مر على الموضع فهل علي شيء (أعني صمغ الصق هل يمنع وصول الماء) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نص الفقهاء رحمهم الله على اشتراط إزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الطهارة لصحة الغسل أو الوضوء؛ فإن غسل الأعضاء لا يتحقق بذلك.
قال النووي: " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذلك أم قل ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت صحت طهارته ". انتهى من المجموع (1 /529)
ثانيا: أما حكم ما صليت وهذا الصمغ عليك فتنظر إن كان الصمغ كثيفا يمنع وصول الماء فتعتبر الصلاة باطلة وعليك الإعادة وإن كان يسيرا لا يحجز الماء عن البشرة فالصلاة صحيحة، وأنت من يقدر ذلك لأنك تراه، فإن شككت فالأحوط الإعادة.
ثالثا: اختلف العلماء في حكم الموالاة في الغسل على قولين:
الأول: لا تشترط الموالاة، وهو قول أكثر أهل العلم كما قال في "المغني" (1/220) . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: في "شرح العمدة" (1/208) واستدل له بأدلة كثيرة ـ تجدها في جواب السؤال رقم (99538) .
وعلى هذا القول، فمن ترك غسل جزء من بدنه، ثم تذكر بعد ذلك، فإنه يكفيه غسل الموضع الذي تركه فقط، ولا يجب عليه إعادة الغسل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/314)
أحدث أثناء الغسل من الجنابة فهل يبطل غسله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خروج الريح أثناء الغسل من الجنابة هل يبطل الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج الريح من نواقض الوضوء لا من نواقض الغسل، وعليه: فمن لمس فرجه أو تبول أو أخرج ريحا أثناء غسله فإنه يتم غسله، ويتوضأ بعده.
والغسل إذا كان عن حدث أكبر فإنه يجزي عن الوضوء، فإذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولا يجب عليه أن يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء أثناء الغسل أو بعده، فيجب عليه أن يتوضأ للصلاة، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين بتصرف " (11 /228) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/315)
نزول المني من غير شهوة لا يوجب الاغتسال
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من إفرازات عديدة، وأكثر ما ينزل منى هو المنى بشهوة أو بدونها، ولكنه ينزل منى كل يوم عدة مرات، وفى كل مرة أغتسل منه.
وكذلك عندما لا أتأكد من أنه منى قد أغتسل، وقد أغتسل في اليوم الواحد ست مرات، مما يعطلني عن الصلاة في وقتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي أيتها السائلة أن خروج المني بشهوة يوجب الغسل بإجماع العلماء.
انظر: "المجموع" (2/111) ، "المغني" (1/266) .
وأما خروج المني بغير شهوة فقد اختلف العلماء في ذلك، والراجح أن خروجه بغير شهوة لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء؛ والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا فضحت الماء فقد وجب الغسل) رواه أبو داود (206) وصححه الألباني في "الإرواء" (125) .
وفضح الماء هو: خروجه بشهوة وبتدفق.
انظر الشرح الممتع (1/278)
ويجب أن يفرق الإنسان بين الأشياء التي تخرج من السبيل، فليس كل خارج من السبيل منياً يوجب الاغتسال، بل هناك المذي والودي والإفرازات التي تخرج من المرأة.
فيجب أن يعلم الإنسان الفرق بين هذه الأمور ويميز بينها، فإن المذي والودي لا يوجبان الغسل، وإنما يوجبان الاستنجاء والوضوء.
لما ثبت في الصحيح من حديث علي رضي الله عنه قال: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً (كثير المذي) فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوء. رواه البخاري (132) ومسلم (303) .
وأما الإفرازات فليست نجسة، ولكنها تنقض الوضوء. راجع السؤال (7776)
وأما المني فإذا خرج بشهوة وجب الغسل، وإن كان من غير شهوة لم يوجب الغسل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الفرق بين المني والمذي، أن المني غليظ له رائحة، ويخرج دفقا عند اشتداد الشهوة، وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق، ولا يخرج أيضا عند اشتداد الشهوة، بل عند فتورها إذا فترت تبين للإنسان.
أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول، نقط بيضاء في آخر البول.
هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة.
أما بالنسبة لأحكامها: فإن الودي له أحكام البول من كل وجه.
والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح، وهوأن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما.
أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر فقط، وهو موجب للغسل، وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/169) .
والذي يظهر أيتها السائلة أن حالتك هذه حالة مرضية ينبغي أن تراجعي فيها طبيبة مختصة، نسأل الله أن يجعل لك من كل هم وحزن وضيق مخرجاً. إنه سميع مجيب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/316)
أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر، فهل يلزمه الاغتسال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتطلب تأخير الصلاة بدون عذر الغسل وذلك لأنه كما ورد في الموقع يخرج من الملة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الصلاة عماد الدين.. وعنوان الفالحين.. وسعادة الصالحين.. كتبها الله على المؤمنين: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون/1-8
وهي أول ما يُحاسب عليها العبد يوم الدين. قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والصلاة يمحو الله بها الخطايا والسيئات، ويرفع الدرجات، وهي آخر ما يضيع من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. انظر السؤال (33694)
أخي المسلم
حافظ على صلاتك قبل مماتك ... وصل قبل أن يُصلى عليك..
فإن كنت محافظاً عليها فاستمر.. وإن كنت متهاوناً فيها فتب واستغفر قبل فوات الأوان.. فمن تاب تاب الله عليه.. ومن أقبل على الله أقبل الله إليه.
يقول الله في الحديث القدسي: (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675)
فتب إلى الله توبة نصوحاً.. عسى الله أن يتوب عليك..
ثانياً:
التهاون بالصلاة، وتأخيرها عن وقتها من غير عذر من الكبائر. راجع السؤال (47123) .
بل ذهب بعض العلماء إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. راجع السؤال (39818) . وعلى هذا القول تنبني إجابة سؤالك، وهو أمر من ترك صلاة بغير عذر حتى خرج وقتها بالاغتسال.
فإن اغتسال الكافر إذا أسلم مشروع، ومثله المرتد إذا رجع إلى الإسلام.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/202) :
"إذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.
فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْر دِينِ الإسلام كاليهوديِّ والنَّصرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.
والمرتَدُّ: من كان على دين الإسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ وشريكاً، أو دعا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يُغِيثَه من الشِّدَّةِ، أو دعا غيره أن يُغِيثهَ في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.
والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:
1ـ حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ يغتسل بماء ٍوسِدْر. رواه الترمذي (605) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأَصْلُ في الأمر الوُجوب.
2ـ أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمة أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْل.
وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِل، كما قال: "من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل" وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولمْ يُنْقَل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمرهم بالغُسْلِ أو قال من أسلم فليغتسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة النَّاس إليه.
وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أمْرَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ واحداً مِنَ الأمَّة بحُكمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعاً، إذ لا معنى لتخصيصه به. وأمْرُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.
وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلاً للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يلزم أن يُنقلَ العمل به من كلِّ واحد" اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني:
إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ , سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا , أَوْ مُرْتَدًّا. . . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ" اهـ.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (31/206) :
"ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ إسْلامَ الْكَافِرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ , فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ. . . وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ , فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ" اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/317)
لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكن أعلم بوجوب الغسل من الجنابة للصلاة، فهل عليَّ إعادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلم الأحكام الشرعية وخاصة المتعلقة بما قد كلفه الله به ويستطيع القيام به، فمن ملك المال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة، ومن عمل في التجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء، وعلى الجميع تعلم الاعتقاد الصحيح وما يلزم كل مكلف القيام به، وأحكام الطهارة والصلاة، وقد يسَّر الله تعالى طرق طلب العلم، فلم يعد للكثيرين حجة في عدم العلم إلا التقصير.
وبخصوص المسألة المعيّنة: وهي عدم العلم بوجوب الغسل من الجنابة، وأنك قد صلَّيت صلوات كثيرة وأنت على هذه الحال: فقد ذهب أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر عذراً، فلا يجب عليك قضاؤها ولكن عليك الاغتسال وإعادة الصلاة التي بلغك الحكم وأنت في وقتها. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:
1. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (367) . فلم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء ما مضى من الصلوات وإنما أمره بقضاء الصلاة الحاضرة فقط.
2. عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت (أي: تمرغت في التراب) فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. رواه البخاري (331) ومسلم (368) .
فقد ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة لعدم علمه بوجوب التيمم لمن فقد الماء، وخالف عمار بن ياسر رضي الله عنه طريقة التيمم لعدم علمه بصفة التيمم الصحيحة، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ما تركاه من الصلوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام " أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي.
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " مجموع الفتاوى " (21 / 101، 102) .
وانظر جواب السؤال رقم (21806) .
ويمكن أن يُقال هنا إن السائل إذا كان في مكان تتوافر فيه أسباب التعلم وفرّط ولم يتعلم فإن عليه قضاء الصلوات التي صلاها بغير غُسل من الجنابة ما لم يكن كبيراً جداً، فيسقط قضاؤها حينئذ للحرج لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/318)
يثقل عليها الغسل من الجنابة فتترك الصلاة ثم تتوب ثم تعود لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تصلي وتترك وتريد أن تتوب. تترك الصلاة لأنها تعاشر زوجها وتؤخر الاغتسال ثم ترجع تندم، وقد تترك الصلاة أسبوعاً كاملاً. تريد أن تتوب لكن تحس أنه لا فائدة، تخاف أن ترجع مرة أخرى وأن رب العالمين لن يغفر لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وتاركها تهاونا أو كسلا كافر خارج عن ملة الإسلام في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82)
وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079)
فكيف ترضى مسلمة أن تعرض نفسها للكفر بالله تعالى، لأجل ما تجده من مشقة الغسل؟! والواقع أنه لا مشقة في ذلك لولا تزيين الشيطان وإغواؤه للعبد.
فعلى هذه الأخت أن تتقي الله تعالى وتخاف عقابه، وتبادر بالتوبة النصوح قبل أن يفجأها هادم اللذات ومفرق الجماعات، وعليها أن تعود إلى الصلاة وتستمر عليها، وتكون من أهل الطهارة والنظافة فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وخوفها من الرجوع إلى المعصية والذنب، ينبغي أن يدفعها إلى التمسك بالطاعة والمثابرة عليها، لا إلى التقصير والتفريط، وعلى المؤمن أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يعلم أن الله يتوب على من تاب، وأنه يزيد الذين اهتدوا هدى، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104 وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) مريم/76 وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69
والله سبحانه يغفر الذنوب كلها لمن تاب إليه وندم، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/319)
إذا نزل المني بعد الغسل من الجنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب للأسف الشديد أحاول بقوة ترك العادة السرية ولكني أضعف أحيانا ويحدث أنه بعد الغسل يخرج سائل شفاف لزج فهل هو يوجب الغسل حتى لو كان منيا مع العلم أنه خرج بدون شهوة وهل يجوز إزالة النجاسة مع غسل الجنابة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من العادة السرية وأن تقلع عنها؛ وأن تحذر عاقبة تكرار الذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم2654. ويمكنك مراجعة السؤال (329) ففيه بيان لكيفية الإقلاع عن هذه العادة السيئة.
ثانيا:
من اغتسل من احتلام أو جماع ثم خرج منه شيء بعد الغسل، دون شهوة، لم يلزمه إعادة الغسل، قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: فأما إن احتلم , أو جامع , فأمنى , ثم اغتسل , ثم خرج منه مني , فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه , قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ , أنه ليس عليه إلا الوضوء , بال أو لم يبل , فعلى هذا استقر قوله. وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق , وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة.
وفيه رواية ثانية: إن خرج بعد البول , فلا غسل فيه , وإن خرج قبله اغتسل، وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة , ونقل ذلك عن الحسن ; لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة , فأوجب الغسل كالأول وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة , ولا نعلم أنه بقية الأول ; لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول.
وقال القاضي: فيه رواية ثالثة , عليه الغسل بكل حال. وهو مذهب الشافعي ; لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث. وقال في موضع آخر: لا غسل عليه. رواية واحدة ; لأنه جنابة واحدة , فلم يجب به غسلان , كما لو خرج دفعة واحدة ... ) انتهى من المغني 1/128
والصحيح أنه إذا خرج بغير شهوة لم يجب الغسل كما في الإنصاف 1/232، وكشاف القناع 1/141 ونصه: (فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله) لم يجب الغسل. (أو) خرج المني (بعد غسله من جماع لم ينزل فيه) بغير شهوة لم يجب الغسل (أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة لم يجب الغسل) لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: يتوضأ وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا , كما لو خرج دفقة واحدة , ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد , وبه علل أحمد قال: لأن الشهوة ماضية , وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء) انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله: " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل. والدليل:
1- أن السبب واحد، فلا يوجب غسلين.
2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة.
لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من الشرح الممتع (1/281) . وانظر السؤال رقم (12352)
ثالثا:
المشروع في غسل الجنابة: إزالة ما لوث البدن من مني وغيره، ثم الشروع في الاغتسال بالبدء بأعضاء الوضوء، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد، لثبوت ذلك في صفة غسله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (251) ومسلم (476) عن مَيْمُونَة رضي الله عنها قَالَتْ صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلا فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا"، وإن حصل منك إزالة لسيء من النجاسات أو غيرها فإن هذا لا يبطل الغسل لأن الواجب في الغسل تعميم الجسد بالماء ـ مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح ـ مع نية الغسل، وليس من شروط رفعه للحدث عدم ملامسة النجاسة في أثنائه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/320)
بماذا يكون الجماع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يجب الاغتسال إذا حصل جماع، لكن ما المراد بالجماع؟ هل أي مداعبة تكون جماعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست كل مداعبة تكون جماعاً، وإنما الجماع يكون بإدخال الحَشَفَة كاملة (رأس الذكر) في الفرج، فإذا حصل هذا فقد حصل الجماع، وإن لم يحصل إدخال، أو أدخل بعض الحشفة وليس كلها، فهذا لا يكون جماعاً، وهذا ما دلت عليه الأحاديث:
فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) رواه البخاري (291) ومسلم (525) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ جَهَدَهَا) كناية عن إدخال الذكر في الفرج. قاله الحافظ في "الفتح".
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) رواه مسلم (349) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ غَيَّبْت ذَكَرَك فِي فَرْجهَا، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَقِيقَة الْمَسِّ، وَذَلِكَ أَنَّ خِتَان الْمَرْأَة فِي أَعْلَى الْفَرْج، وَلا يَمَسّهُ الذَّكَر فِي الْجِمَاع , وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانهَا وَلَمْ يُولِجْهُ (يُدخله) لَمْ يَجِب الْغُسْل , لا عَلَيْهِ وَلا عَلَيْهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْمُرَاد بِالْمُمَاسَّةِ: الْمُحَاذَاة , وَكَذَلِكَ الرِّوَايَة الأُخْرَى: (إِذَا اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ) أَيْ: تَحَاذَيَا " انتهى.
وقال في "المجموع" (2/150) :
" وجوب الغسل وجميع الأحكام المتعلقة بالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج , ولا يشترط زيادة (على) الحشفة، ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شيء من الأحكام " انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح":
" وَالْمُرَاد بِالْمَسِّ وَالالْتِقَاءِ: الْمُحَاذَاة، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَة التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظ: (إِذَا جَاوَزَ) وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْمَسِّ حَقِيقَته ; لأَنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَة الْحَشَفَة " انتهى.
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ "الْمُحَاذَاةِ" وَبِلَفْظِ "الْمُلاقَاةِ" وَبِلَفْظِ "الْمُلامَسَةِ" وَبِلَفْظِ "الإِلْصَاقِ" , وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ: الْمُحَاذَاةُ " انتهى.
وقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: " إِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُلاقَاةُ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" من المعلوم أن موضع الختان فوق الحشفة مما يلي قصبة الذكر، فإذا كان كذلك فلا يمس موضع ختان المرأة إلا بعد أن تلج الحشفة، ولذلك اشترطنا في وجوب الغسل من الجماع أن يُغْيّب الحشفة، وقد ورد في بعض ألفاظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل) " انتهى. رواه ابن ماجه (611) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/323) .
وعلى هذا؛ فالمقصود من "مس الختان الختان" و "ملاقاة الختانين": هو محاذاة موضع ختان الرجل لموضع ختان المرأة، ويحصل ذلك بتغييب الحشفة كلها في الفرج، فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حصل الجماع ووجب الغسل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/321)
نسيت أن تغتسل من الجنابة حتى غربت الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في امرأة نسيت أن تتطهر من الجنابة في يوم من أيام شهر رمضان؟ مع ملاحظه أن الجماع قد حدث قبل أذان الفجر لكنها نسيت أن تتطهر قبل المغرب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أصبح الصائم جنبا من احتلام أو جماع فلا شيء عليه، طالما أن الجماع قد حصل قبل أذان الفجر، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم - أي احتلام - فيغتسل ويصوم) رواه البخاري (1926) ، ومسلم (1109) من حديث عائشة - رضي الله عنها -] .
وعلى هذا فصيامك ذلك اليوم صحيح، لكن كان الواجب عليك المبادرة إلى الاغتسال، لأن عليك صلوات لا بد أن تُصَلِّى في وقتها ولا يجوز تأخيرها.
والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي أعظم وآكد من الصيام والزكاة والحجّ وسائر العبادات، فينبغي أن يكون اهتمام المسلم بها على قدر منزلتها.
ولذلك فإن المتكاسل عن أداء الصلاة على خطر عظيم، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها.
وورد في الترهيب من ترك الصلاة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553)
وانظري لمعرفة شرحه السؤال رقم: (49698)
فعلى السائلة أن تتوب إلى الله من تركها الصلاة وتكاسلها عن أدائها في وقتها، والله تعالى يتوب على من تاب، ويغفر لمن رجع إليه وأناب.
والله تعالى أعلم.
وانظري للمزيد من الفائدة السؤال رقم (21806) ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/322)
تريد أن تتيمم بدلا عن غسل الجنابة حياء من أهل زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال إن كان بالإمكان أن أتيمم عوضاً عن أن أغتسل للطهارة من الجنابة لأنني أعيش مع أم زوجي وأخته فأنا أستحيي من الاغتسال يوميا أو يوما بعد يوم مع العلم أنني سوف ألتجئ للتيمم مرة أو مرتين في الأسبوع لكي لا يحس من معي في البيت بكثرة الاغتسال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الاغتسال من الجنابة بالماء؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/43
وقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861)
ولا يجوز العدول إلى التيمم إلا عند تعذر استعمال الماء، لفقده، أو التضرر باستعماله. للآية السابقة.
وأما ترك الاغتسال خجلا، فلا يجوز، ولا يجزئ التيمم حينئذ، ولا تصح الصلاة بذلك، والواجب على العبد أن يكون خوفه من الله تعالى فوق خوف الناس، كما قال سبحانه: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن) المائدة/44
وقال: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13.
والخجل الذي يحمل على ترك الواجبات خجل مذموم، بل هو ضعف وعجز. وليس هو من الحياء الممدوح في شيء.
وبإمكانك ـ للتخفيف مما تجدينه من استحياء ـ أن تغتسلي في أوقات لا يشعرون بك فيها كالاغتسال قبل طلوع الفجر، أو استعمال الماء بطريقة لا يسمع معها صوت للماء ولا يُدرى باغتسالك ونحو ذلك مما ترينه مساعداً على إخفاء ما قد ينتابك الحجل بسببه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/323)
هل يجب على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شعر رأسي طويل جدّاً، وبعد كل مرة يحصل فيها جماع فأنا أغتسل غسلاً كاملاً، فهل أغسل شعر رأسي كل مرة - لأني أجد صعوبة في ذلك خاصة إذا حدث ذلك في أيام متتابعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على المرأة أن تنقض شعر رأسها إن هي اغتسلت للجنابة، ويجب مع هذا أن توصل الماء لجميع بدنها بما فيه شعرها وأصوله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
بعض النساء لدينا يمشطن شعورهن - أي: يضفرنها - وعندما يغتسلن من الجنابة لا تفك المرأة ضفائرها، فهل يصح غسلها؟ مع العلم أن الماء لم يصل إلى كل منابت شعرها. أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
إذا أفاضت المرأة على رأسها كفى؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
فإذا حثت المرأة على رأسها الماء ثلاث حثيات كفاها ذلك ولا حاجة إلى نقضه؛ لهذا الحديث الصحيح.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 182) .
وقال الشيخ ابن باز أيضاً:
أما الطهارة الكبرى: فلا بد أن تفيض عليه الماء ثلاث مرات، ولا يكفي المسح؛ لما ثبت في صحيح مسلم. . . ثم ذكر حديث أم سلمة المتقدم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 161) .
قال ابن القيم في " تهذيب السنن":
حَدِيث أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَة أَنَّ تَنْقُض شَعْرهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَة , وَهَذَا اِتِّفَاق مِنْ أَهْل الْعِلْم , إِلا مَا يُحْكَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا تَنْقُضهُ , وَلا يُعْلَم لَهُمَا مُوَافِق. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: " تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً - أي: قطعة قماش فيها مسك - فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ لها: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. رواه البخاري ومسلم.
ولا يجب نقض شعر الرأس، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها. . . ثم ذكر الحديث المتقدم.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11 / 318، 319) .
وانظر جواب السؤال رقم (34776) و (27065) و (9755) و (2648) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/324)
حبس المني هل يوجب الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا أمسك الرجل ذكره قبل الإنزال مباشرة ومنعه من القذف فلم ينزل منه شيء هل عليه غسل؟ وإذا فعل نفس الشيء لكنه بعد فترة لاحظ نزول بعض القطرات الصغيرة فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا أحس الرجل بانتقال المني عند الشهوة بدون جماع فأمسك ذكره , فلم يخرج منه شيء فلا غسل عليه في قول جمهور العلماء، خلافا للمشهور عن أحمد رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله: إن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره , فلم يخرج فلا غسل عليه.. (وهذا) قول أكثر الفقهاء.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية وفضخ الماء , بقوله: إذا رأت الماء وإذا فضخت الماء فاغتسل فلا يثبت الحكم بدونه " المغني 1/128
وقال النووي رحمه الله: لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيء , ولا علم خروجه بعد ذلك , فلا غسل عليه عندنا , وبه قال العلماء كافة إلا أحمد , فإنه قال - في أشهر الروايتين عنه - يجب الغسل , قال: ولا يتصور رجوع المني. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الماء من الماء " ولأن العلماء مجمعون على أن من أحس بالحدث كالقرقرة والريح , ولم يخرج منه شيء لا وضوء عليه , فكذا هنا " انتهى من المجموع 2/159
وما ذهب إليه جمهور العلماء هو الراجح؛ لما ذكروه من الأدلة.
وينبغي التنبه إلى أن هذا العمل، وهو حبس المني عن الخروج مضر جدا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهل يمكن أن ينتقل (المني) بلا خروج؟
نعم يمكن , وذلك بأن يمسك آلته حتى لا يخرج، أو تفتر الشهوة، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جداً، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن حله أو حرمته، وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وهو الصواب " انتهى من الشرح الممتع 1/280
وأما عند خروج المني فيجب الغسل، ولو كان الخارج قطرة واحدة.
ومنه يعلم أنه لا خلاف بين العلماء في إيجاب الغسل بخروج المني، إذا خرج بشهوة ودفق، وهذا حاصل فيمن يمسك ذكره عند انتقال المني، ثم يغلبه المني ويخرج منه قطرة أو قطرات ولو بعد فترة. انظر المغني 1/268
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن خروج قطرة مني واحدة عن شهوة..
فأجابت بما يلي: " إذا خرج المني دفقاً عن شهوة وجب الغسل ولو كان الخارج منه قطرة واحدة وبدون جماع، ولا يكفي الوضوء بل يجب عليه غسل الجنابة " فتاوى اللجنة 5/303
أنظر السؤال (12317) و (6010) .
ثانياً: إذا حصل جماع فإنه يجب الغسل حتى ولو لم يُنزل المني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغسل، أنزل أو لم يُنزل " حسنه الألباني في صحيح الجامع 379
أنظر السؤال (7529)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/325)
يجوز رفع الجنابة بالتيمم عند العذر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفع الجنابة بالتيمم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وُجد العذر الذي يبيح التيمم وهو إما فقد الماء أو تعذر استعماله بسبب مرض ونحوه فإن التيمم يقوم مقام الوضوء والاغتسال، فيتيمم الجنب ويصلي، ثم إذا وجد الماء وجب عليه الاغتسال.
وقد دل على ذلك القرآن والسنة.
1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6 " فأَمَرَنَا الله سُبْحَانَهُ بِالطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَبِالتَّيَمُّمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا" اهـ. قاله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/396) بتصرف يسير. والطهارة الصغرى هي الوضوء، والكبرى هي الاغتسال.
2- وروى البخاري في موضعين (344) (348) عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد الماء فأَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ وقَالَ: (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ) .
"وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكاف عن الماء لكن إذا وجد الماء فإنه يجب استعماله، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة " قاله ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/239) .
3- وروى مسلم (368) أَنَّ رَجُلا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ: لا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ) فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ! قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ. وفي رواية: (قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا) .
فنسي عمر رضي الله عنه تلك الحادثة.
(فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ!)
"مَعْنَاهُ: قَالَ عُمَر لِعَمَّارٍ: اِتَّقِ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيه وَتَثَبَّتْ. فَلَعَلَّك نَسِيت , أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْك الأَمْر. وَأَمَّا قَوْل عَمَّار إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ فَمَعْنَاهُ , وَاَللَّه أَعْلَم ; إِنْ رَأَيْت الْمَصْلَحَة فِي إِمْسَاكِي عَنْ التَّحْدِيث بِهِ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَة تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْت , فَإِنَّ طَاعَتك وَاجِبَة عَلَيَّ فِي غَيْر الْمَعْصِيَة , وَأَصْل تَبْلِيغ هَذِهِ السُّنَّة وَأَدَاء الْعِلْم قَدْ حَصَلَ , فَإِذَا أَمْسَكَ بَعْد هَذَا لا يَكُون دَاخِلا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْم. وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِر فِي النَّاس , بَلْ لا أُحَدِّث بِهِ إِلا نَادِرًا " اهـ. قاله النووي.
(فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ)
"أَيْ لا يَلْزَم مِنْ كَوْنِي لا أَتَذَكَّرُهُ أَنْ لا يَكُون حَقًّا فِي نَفْس الأَمْر , فَلَيْسَ لِي مَنْعُك مِنْ التَّحْدِيث بِهِ " قاله الحافظ في "فتح الباري "
4- وروى أبو داود (334) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟! فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
قال الحافظ في الفتح (1/589) : إسناده قوي اهـ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: " إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلا " وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ" اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/451) :
"مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلامٍ أَوْ جِمَاعٍ حَلالٍ أَوْ حَرَامٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. سَوَاءٌ كَانَ رَجُلا أَوْ امْرَأَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا" اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/201) :
هل التيمم يُسقط عن الجنب الاغتسال بتاتا؟ وكم صلاة يمكن أن أصلي به؟
فأجاب:
التيمم يقوم مقام الماء، فالله جعل الأرض مسجداً وطهوراً للمسلمين، فإذا فقد الماء أو عجز عنه لمرض قام التيمم مقامه، فلا يزال كافيا حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه الغسل عن جنابته السابقة، وهكذا المريض إذا برئ وعافاه الله يغتسل عن جنابته السابقة التي طهرها بالتيمم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ) ثم قال: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَك) . رواه الترمذي، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ورواه البزار، وصححه ابن القطان، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فإذا وجد الماء الجنب أمسه بشرته، أي: اغتسل بعد ذلك عما مضى، وأما صلواته الماضية فهي صحيحة بالتيمم عند فقده الماء أو عجزه عن استعماله؛ لمرض يمنعه من الماء، حتى ينتهي المرض ويشفى منه، وحتى يجد الماء إذا كان فاقدا له، ولو طالت المدة اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/326)
احتلم وهو صائم ولم ير أثراً للمني
[السُّؤَالُ]
ـ[احتلمت وأنا صائم، ولكني عندما استيقظت لم أر شيئا قد نزل مني، فلقد حلمت دون أن أنزل، فهل أغتسل وأكمل صيامى أم أكمل بدون اغتسال أم أفطر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من احتلم ثم لما استيقظ لم ير أثر المني في ثوبه فإنه لا يلزمه الاغتسال.
قال ابن قدامة في "المغني":
إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ , وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا , فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ...
وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: (نَعَمْ, إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ عَلَيْهَا إلا أَنْ تَرَى الْمَاءَ اهـ.
ثانيا:
لا يبطل الصوم بالاحتلام لأنه يحصل بدون اختيار الصائم.
قال النووي في "المجموع":
إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلا مَنْ احْتَلَمَ وَلا مَنْ احْتَجَمَ) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ اهـ.
وقال في "المغني" (4/363) :
وَلَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ , لأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/276) :
عن شخص نام في نهار رمضان واحتلم وخرج منه المني، هل يقضي هذا اليوم؟
فأجاب:
ليس عليه قضاء؛ لأن الاحتلام ليس باختياره، ولكن عليه الغسل إذا وجد المني اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص284) عمن احتلم في نهار رمضان؟
فأجاب: صيامه صحيح، فإن الاحتلام لا يبطل الصوم؛ لأنه بغير اختياره، وقد رفع القلم عنه في حال نومه اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/274) :
"من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج أو العمرة فليس عليه إثم ولا كفارة ولا يؤثر على صيامه وحجه وعمرته وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منياً اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/327)
هل يجب الغسل لو حصل الجماع بحائل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو حصل الجماع بحائل , كبعض الأدوات المستخدمة في هذا العصر، هل يجب الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حصل إنزال للمني فيجب الغسل من أجل الإنزال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رواه مسلم (343) .
أما إذا لم يحصل إنزال للمني فقد اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال:
الأول: وجوب الغسل على الرجل والمرأة مطلقاً , سواء كان الحائل غليظاً أو رقيقاً. وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
قال النووي: "
" ولو لف على ذكره خرقة وأولجه (أدخله) بحيث غابت الحشفة ولم ينزل فالصحيح: وجوب الغسل عليهما، لأن الأحكام متعلقة بالإيلاج وقد حصل " انتهى باختصار.
"المجموع" (2/150) .
القول الثاني: أنه لا يجب الغسل مطلقاً , وهو مذهب الحنابلة , كما في الإنصاف (2/92) . لأنه لا تحصل الملاقاة مع وجود الحائل.
القول الثالث: إذا كان الحائل رقيقاً بحيث يجد الحرارة واللذة وجب الغسل وإلا فلا , وهو مذهب المالكية كما في الموسوعة (11/201) .
قال ابن عثيمين عن هذا القول الثالث: (وهو الأقرب , والأحوط أن يغتسل) اهـ.
الشرح الممتع (1/234) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/328)
يجب الغسل من الجماع وإن لم يحصل إنزال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حصل جماع ولم يحصل إنزال للمني، هل يجب الاغتسال؟ أم أنه لا يجب إلا إذا نزل المني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على أنه يجب الاغتسال من الجماع.
"الموسوعة الفقهية" (31/198) .
فلو جامع الرجل زوجته وجب الغسل عليهما ولو لم يحصل إنزال للمني , وهذا قد ورد صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) رواه البخاري (291) وزاد مسلم (525) : (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) .
قال النووي في "شرح مسلم ":
" وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ إِيجَاب الْغُسْل لا يَتَوَقَّف عَلَى نُزُول الْمَنِيّ، بَلْ مَتَى غَابَتْ الْحَشَفَة فِي الْفَرْج وَجَبَ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَة , وَهَذَا لا خِلاف فِيهِ الْيَوْم , وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَاف لِبَعْضِ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ , ثُمَّ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وهذا صريح في وجوب الغسل , وإن لم ينزل وهذا يخفى على كثير من الناس , فتجد الزوجين يحصل منهما هذا الشيء , ولا يغتسلان , لا سيما إذا كانا صغيرين ولم يتعلما , وهذا بناء عندهم على عدم وجوب الغسل إلا بالإنزال , وهذا خطأ " انتهى.
"الشرح الممتع" (1/223) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/314) :
" مما يوجب الغسل على المسلم: خروج المني في النوم , وتغييب حشفة الذكر في الفرج ولو لم ينزل مني , ونزول المني يقظة بلذة، ولو بدون جماع , وحيض امرأة ونفاسها , فيجب عليها الغسل إذا انقطع الدم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/329)
صلَّت وعليها جنابة نسياناً فهل تعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت الفجر والظهر والعصر بدون غسل من جنابة ناسية، وبعد استحمامي عند صلاة المغرب أعدت هذه الصلوات قبل أن أصلي المغرب، ثم أخبرني زوجي أن الغسل يشترط فيه النية فاغتسلت وصليت العشاء ولم أعد بقية الصلوات، فهل صلاتي للفجر وحتى المغرب صحيحة؟ وماذا يجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من صلى وهو على غير طهارة، وجب عليه التطهر وإعادة الصلاة بإجماع العلماء، ولو كان ناسياً.
قال النووي في المجموع (2/78) :
" أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً " اهـ.
ثانياً:
لا يصح الاغتسال من الجنابة إلا بالنية، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
والنية محلها القلب، ولا يشرع التلفظ بها باللسان.
فإن كنت تذكرت أنك على جنابة قبل الاغتسال عند صلاة المغرب فاغتسلت من أجل ذلك، وأعدت الصلوات التي صليتيها وأنت جنب، فاغتسالك صحيح لوجود النية، وقد أحسنت بإعادة الصلوات، وهذا هو الواجب عليك.
أما إذا كنت لم تتذكري أنك على جنابة إلا بعد الاغتسال، وكان اغتسالك من أجل التنظف أو التبرد مثلاً، فإن هذا الاغتسال لا يرفع الجنابة لعدم وجود النية، فيجب عليك إعادة الاغتسال والصلاة، وقد قمت بإعادة الاغتسال، وبقي عليك إعادة الصلاة، فتعيدين صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/330)
تأخير غسل الجنابة لبعد طلوع الفجر في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر وهل يجوز للنساء تأخير غسل الحيض أو النفساء إلى طلوع الفجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز(5/331)
إذا ولدت المرأة ولم ينزل منها دم، أو نزل وانقطع قبل الأربعين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة نفساء لها 22 يوم لكن لا ينزل منها دم النفساء..هل تصلي؟ أم تنتظر أربعين يوما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
النفاس هو الدم الخارج من الرحم بسبب الولادة.
وإذا كانت الولادة عارية عن الدم ـ وهذا نادر جداً ـ فلا تُعد المرأة نفساء، ولا يلزمها ما يلزم النفساء من الأحكام؛ لأن الحكم يدور مع وجود الدم.
قال ابن قدامة المقدسي: "وإن ولدت ولم تر دماً، فهي طاهر لا نفاس لها؛ لأنَّ النفاس هو الدم، ولم يُوجد" انتهى من "المغني" (1/429) .
وقال ابن حجر الهيتمي: "من ولدت ولم تر دماً فلا نفاس لها أصلاً، فإذا اغتسلت فلها حكم الطاهرات في كل شيء" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/358) .
وجاء في الموسوعة الفقهية (41/15) : "وإذا عريت الولادة أو خلت عن دم، بأن خرج الولد جافا، فهي طاهر لا نفاس لها؛ لأن النفاس هو الدم، ولم يوجد" انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: بعض النسوة تعسر عليهن الولادة فيضطر إلى توليدهن بطريقة العملية الجراحية، ولربما يحصل من جراء ذلك خروج الولد عن طريق غير الفرج.
فما حكم أمثال هؤلاء النسوة في الشرع من ناحية دم النفاس؟
فأجابت:
"حكمها حكم النفساء؛ إن رأت دما جلست حتى تطهر، وإن لم تر دما فإنها تصوم وتصلي كسائر الطاهرات ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/420) .
ثانيا:
اختلف العلماء في وجوب الغسل عليها.
فقيل: لا يلزمها الغسل، لأن الشرع إنما أوجبه على النفساء، وليست هذه نفساء، ولا في معناها.
وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
ينظر: "المغني" (1/429) ، "الموسوعة الفقهية" (41/15) .
واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: " وإذا نفست المرأة فقد لا ترى الدم، وهذا نادر جدا، وعلى هذا لا تجلس مدة النفاس، فإذا ولدت عند طلوع الشمس ودخل وقت الظهر ولم تر دما فإنها لا تغتسل، بل تتوضأ وتصلي". انتهى من " الشرح الممتع" (1 /281) .
وقيل: يلزمها الغسل؛ لأن الولادة مظنة للنفاس الموجب للغسل، فقامت مقامه في الإيجاب.
وهو مذهب الشافعية، واختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقالوا:
"إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم وجب عليها الغسل والصلاة والصوم، ولزوجها أن يجامعها بعد الغسل؛ لأن الغالب في الولادة خروج دم ولو قليل مع المولود أو عقبه" انتهى. من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/421) .
والأحوط: أن تغتسل خروجاً من خلاف العلماء.
ثالثاً:
أما إذا نزل الدم عدة أيام ثم انقطع عنها فيلزمها الاغتسال، وتصلي وتصوم ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً على ولادتها؛ وعلى هذا أجمع العلماء، لأن النفاس لا حد لأقله، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50308) ، فإن عاد الدم في مدة الأربعين يوماً فهو نفاس، ثم ما زاد على الأربعين يكون استحاضة، لا يمنع من الصلاة والصوم.
ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال رقم (7417) ، (106464) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/332)
هل يلزم الحائض النظر في طهرها قبل الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت في آخر فترة الحيض، هل يجب علي أن أستيقظ قبل صلاة الفجر لكي أعرف إذا طهرت أم لا؟ علماً أني لم أكن طهرت بعد صلاة العشاء؟ وهل يجب علي أن أستيقظ قبل الشروق لكي أعرف إذا طهرت أم لا؟ علماً أني لم أكن طهرت بعد وقت صلاة الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المرأة في آخر مدة الحيض لم يلزمها الاستيقاظ قبل الفجر لتنظر هل طهرت أم لا؛ لأن ذلك من التكلف والحرج الذي رفع عن هذه الأمة، ولهذا لم يرد الأمر به، ولا نقل عن أحد من الصدر الأول. وإنما تنظر المرأة قبل نومها، وفي أوقات الصلوات، فتنظر قبل طلوع الشمس، وفيما بين الظهر والعصر، وهكذا.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب إقبال المحيض وإدباره ... وبلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت: ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن" انتهى.
والأثر أخرجه مالك في الموطأ.
قَال ابن عبد البر رحمه الله: " إنما أنكرت بنت زيد بن ثابت على النساء افتقاد أحوالهن في غير وقت الصَّلاة وما قاربها؛ لأن جوف الليل ليس بوقت صلاة، وإنما على النساء افتقاد أحوالهن للصلاة، فإن كن قد طهرن تأهبن للغسل، لما عليهن من الصَّلاة " انتهى نقلا من "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (1/ 491) .
وقال الخرشي رحمه الله في "شرح مختصر خليل" (1/207) : " (وليس عليها نظر طهرها قبل الفجر بل عند النوم والصبح) أي: وليس على الحائض في أيام عادتها وما بعدها نظر طهرها قبل الفجر لا وجوبا ولا ندبا بل يكره ذلك، بل يجب عليها النظر عند النوم وعند كل صلاة من الصلوات لكن وجوبا موسعا إلى أن يبقى من الوقت قدر ما تغتسل وتصلي فيجب وجوبا مضيقا " انتهى.
وإذا رأت الطهر بعد الفجر وشكت هل كان قبل الفجر أو بعده، صلت الصبح فقط، ولم يلزمها صلاة المغرب والعشاء. ولم يصح صومها هذا اليوم، لعدم التيقن بحصول الطهر قبل الفجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/333)
حدث نزيف بعد تعاطي إبرة لمنع الحمل مؤقتا، فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريبه متزوجة عمرها 30 سنة مريضة بالسكر والضغط وأصابتها الجلطة العام الماضي أثرت على صحتها بشكل عام ثم أخذت إبرة تمنعها من الحمل لمدة ثلاثة أشهر وحدث معها قبل انقضاء المدة المحددة نزيف خفيف ومستمر من قبل رمضان واستمر معها حتى بعد انقضاء رمضان وكانت تصلي وتصوم وتقول لي أيضا إنها قضت الآن 16 يوما. فما حكم هذه الإبرة في حالتها؟ وهل تقضي الصلاة أو الصيام وماذا عليها؟ أو ما الحكم في حالتها عموماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تستعمل وسيلة تمنع الحمل منعاً مؤقتاً، مرعاة لظروفها الصحية التي لا تتحمل الحمل.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"يجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتا للمصلحة الشرعية" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (9/434) .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"إذا كان هذا التنظيم أو تأخير الحمل لداعٍ صحي بالمرأة ككون المرأة مثلاً لا تطيق الحمل والولادة في حالة خاصة أو ظرف خاص لمرضها فإنه لا مانع من أن تعطي ما يمنع الحمل مؤقتًا حتى تزول هذه الحالة التي يشق عليها فيها الحمل والولادة" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (89/20) .
ثانيا:
هذه المرأة تكون مستحاضة، وأيام حيضها السابقة معلومة، وحكمها: أن تجلس مدة حيضها السابقة، فلا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت تلك المدة اغتسلت وصلت وصامت.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم؟
فأجاب:
"مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت.
وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها: أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت، تفعله بعد دخول الوقت، ثم تصلي، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض، وفي هذه الحال ومن أجل المشقة عليها يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر (أو العكس) وصلاة المغرب مع العشاء (أو العكس) حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/220) .
ثالثا:
قد ذكرت أنها كانت تصلي وتصوم في مدة النزيف، فصلاتها في أيام الحيض غير صحيحة ولا يلزمها قضاؤها، لأن الحائض لا تقضي الصلاة.
أما الصوم فهو غير صحيح في أيام الحيض ويلزمها قضاؤه، وقد قضت ستة عشر يوماً فإن كانت هذه هي أيام الحيض أو أكثر فقد فعلت ما وجب عليها ولا يلزمها أكثر من هذا، وإن كانت أيام حيضها أكثر من ذلك، قضت ما تبقى عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/334)
مصاب بسلس مستمر وآخر منقطع فهل يتوضأ بعد دخول الوقت أو ينتظر توقف الحدث؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أجريت لي عملية استئصال قولون وبسبب هذا الاستئصال أصبحت عملية التصريف وقضاء الحاجة عن طريق فتحة خارجية وأصبحت أتوضأ لكل صلاة. ومعي أيضا سلس البول وهذا السلس يستمر معي بعد خروجي من الحمام لفترة محدودة أحيانا يستمر معي لأكثر من ساعة وأحيانا أقل من ساعة أي أن البول لا يجف إلا بعد تمام هذه المدة. السؤال: هل أنتظر مدة جفاف البول وبعدها أتوضأ وأصلى، أم أتوضأ في أول الوقت؛ نظراً للعذر الأول ولا ألتفت إلي جفاف البول؟ وإذا دخل وقت الصلاة وكنت بحاجة ماسة إلى دخول الحمام هل أتوضأ على الفور لإدراك صلاة الجماعة في المسجد أم أنتظر حتى الجفاف وأصلى في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وما قمت به من الوضوء لكل صلاة لأجل خروج الخارج من الفتحة صواب؛ لدخول ذلك في حكم السلس.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن أجريت له عملية استئصال للمستقيم وفتحت له فتحة جانبية للبراز، فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة ... " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412) .
ثانياً:
ما دام البول ينقطع وقتا يتسع للطهارة والصلاة، فهذا لا يعد سلسا، ويلزمك الانتظار لانقطاعه ولو أدى ذلك لترك صلاة الجماعة، وكونك تتوضأ لكل صلاة لأجل الفتحة الجانبية، لا يعني عدم انتقاض وضوئك بالنواقض الأخرى، ومنها خروج البول على وجه لا يعدّ سلسا لانقطاعه وعدم استمراره.
وينظر: "كشاف القناع" (1/88) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (39494) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/335)
توفي جنينها بعد 66 يوما ونزل بعد 100 يوم فهل دمها دم نفاس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي الجنين وكان عمره 66 يوماً، وبقى في بطني مدة 35 يوماً بعدها، ثم سقط بعد ذلك، وخلال تلك الفترة كان يخرج مني دم ولم أكن أصلي، والآن بعد خروجه هل عليّ صلاة أم أنتظر حتى أطهر؟ وهل أقضي ما فاتني من صلاة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أسقطت المرأة جنينيها وقد تبين فيه خلق الإنسان، فالدم النازل منها دم نفاس، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فهو دم استحاضة تصوم معه وتصلي.
والتخليق إنما يكون في مرحلة المضغة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5.
فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة.
ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك.
ويبدأ التخليق في الجنين بعد ثمانين يوماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الجنين يمر بعدة مراحل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
فما دام الجنين قد مات بعد 66 يوماً من الحمل، فإنه لا يكون مخلقاً، ويكون الدم النازل بسببه دم استحاضة وليس نفاساً، فلا تترك له الصلاة.
وأما قضاء الصلوات التي تركتيها بناء على أن هذا الدم نفاس فالأحوط هو قضاء ما تركت من الصلاة وهو مذهب جمهور أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أن المرأة إن تركت الصلاة لجهلها وظنها أن الصلاة مرفوعة عنها ثم تبين أنها مستحاضة، أنه لا يلزمها القضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/336)
نزول قطرات دم بعد الطهر لا تعتبر حيضاً
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت أربعة أيام من رمضان، وجاءني الحيض، وبعد قضاء أيام الحيض تطهرت وبدأت الصوم، ولكن سقطت بعض القطرات من الدم وتتوقف، وعندما أتطهر وأصوم تنزل ثانية طيلة شهر رمضان، ما هو الجواب في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت، فإن قطرات الدم التي نزلت عليك بعد الطهارة من العادة لا تعتبر حيضاً؛ لأنه ليس دماً مستمراً، فلا يأخذ حكم الحيض، ويجب عليك الصوم والصلاة والوضوء لوقت كل صلاة حال وجودها كسائر المستحاضات وأصحاب السلس الدائم، وصومك في تلك الأيام صحيح.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83)(5/337)
متى تغتسل النفساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله ولدت زوجتي منذ أسبوع وأريد أن أستفسر ما إذا كان قد حان الوقت لها أن تغتسل، فهناك عادة تقول بأن على المرأة أن تغتسل بعد عدة أيام من ولادتها، فهل هذا صحيح؟ وهل لهذه العادة من علاقة بالشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وضعت المرأة مولودها، سمي الدم الذي يخرج منها بسبب الولادة: "نفاسا"، وتسمى المرأة: "نفساء"، فمتى نفست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها، حتى تطهر من نفاسها أو تنقضي أيام النفاس، وهي أربعون يوما، ثم تغتسل.
قال الترمذي رحمه الله:
" أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ " انتهى.
"سنن الترمذي" (1/256) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم، ولزوجها جماعها. فإن استمر معها الدم بعد الأربعين فإنها تعتبر نفسها في حكم الطاهرة؛ لأن الأربعين هي نهاية مدة النفاس في أصح قولي العلماء، ويعتبر الدم الذي معها بعد الأربعين دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة، إلا إن صادف عادتها فإنها تعتبره حيضا تدع له الصلاة والصوم ويحرم على زوجها جماعها " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/417) .
فتبين بهذا أن الاغتسال المشروع للنفساء يكون بعد طهارتها من دم النفاس، وهو اغتسال واجب.
وأما إذا جرت العادة في بعض البلاد بأن النفساء تغتسل بعد ولادتها بأيام، فهذا الاغتسال يراد منه التنشيط والتنظيف وهو لا بأس به، ولكنه لا يترتب عليه أحكام شرعية كالصلاة أو الجماع، فالنفساء لا تصلي ولا يجامعها زوجها حتى تطهر من دم النفاس، وتغتسل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/338)
لم يثبت أن علياً رضي الله عنه ولد في الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تضع مولودة في المسجد؟ وهل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب قد ولد في الكعبة؟ وإذا كان صحيحا فالمرأة أثناء الوضع لا تكون على طهور، فكيف تدخل المسجد وهو بيت من بيوت الله وهي نفساء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/243)
"لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (60213) و (33649) .
ثانيا:
أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة:
فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (5/206) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى.
فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال:
"حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى.
"البدر المنير" (6/489) .
وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) :
هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه؟
فأجاب:
" لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي.
أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة، فلم يُنكر ذلك، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم: " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحُمِلت في نِطْعٍ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم.
قال مصعب: ولم يُولد قبلَه، ولا بعده، في الكعبة أحدٌ".
فتعقّبه الحاكم قائلًا: " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ".
وأما ما جاء عند ابن المغازلي، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم 3) ؛ لكن إسناده شديد الضعف، لتتابع المجهولين في إسناده، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها. وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (7/15) .
فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (453) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (1/776) .
فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين.
وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405هـ) ، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق.
أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم: فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري، كما في ديوانه 64:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) :
ولدتْهُ في حرم الإله وأمنِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ
وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها.
وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة "
انتهى.
http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task=view&id=3449&Itemid=87%20-%2035k
فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح.
وعلى فرض صحة ثبوت ذلك، فلا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/564) :
" ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى.
ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة.
وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) .
قال السعدي رحمه الله:
" (أَذِنَ) أي: أمر ووحي
(أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 663) .
فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة.
وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/339)
اضطرب الحيض بسبب حبوب منع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أستخدم حبوب تحديد النسل بسبب بعض المشاكل الطبية عندي، وقد نسيت أخذ بعض تلك الحبوب والآن أنا أعاني من النزيف. أنا أصلي يومين من الأيام التي أعاني من ذلك النزيف , إلا أنني أشعر بالإثم. فما هو الرأي الصحيح في هذا الأمر؟ أرجو الأخذ بعين الاعتبار أن أخذ تلك الحبوب بسبب مشاكل طبية , وزوجي أيضا على علم تام بهذا الأمر , فإما آخذ تلك الحبوب أو أن أواجه مشاكل صحية. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك؛ مثل أن تكون مريضة أو ضعيفة، والحمل يزيد من مرضها أو ضعفها.
والشرط الثاني: أن يأذن لها الزوج؛ لأن للزوج حقاً في الإنجاب.
ثم لابد مع ذلك من مشاورة الطبيب الثقة في استخدام هذه الحبوب، ومدى ملاءمتها لحالتها الصحية، وهل لها أضرار مستقبلية عليها أو لا؟
وقد سبق في جواب السؤال رقم (21169) نقل ذلك عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
ثانياً:
أما حكم هذا النزيف، وحكم الصلاة والصيام فيه، فمن المعلوم أن تناول هذه الحبوب يسبب اضطراباً في الحيض عند المرأة، فقد يزيد، وقد يتقدم.
وقد اختلف العلماء في ذلك: هل يعد حيضاً أم لا؟
فاختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الزيادة في مدة الحيض بسبب هذه الحبوب تكون حيضاً، فقال رحمه الله:
"من مساوئ هذه الحبوب: أنها توجب اضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة؛ لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا؟
وعلى هذا: إذا كان من عادتها أن تحيض خمسة أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها , فإن هذه الزيادة تبع الأصل , بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يوماً , فإن تجاوزت خمسة عشرة يوماً صارت استحاضة , وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (123/1) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أن المرأة تنظر إلى الدم النازل بسبب هذه الحبوب، فإن كان بصفات دم الحيض فهو حيض، وإن كان بصفات الدم المعتاد فهو نزيف، وليس حيضاً.
فقد سئلوا:
في الأيام الحاضرة تستعمل النساء موانع الحمل الاصطناعية كالحبوب واللولب، وأي طبيب قبل وضع اللولب أو إعطاء الحبوب يعطي المرأة حبتين للتأكد من عدم حمل المرأة، بهذه الحالة يجب أن يأتيها الدم إن لم تكن حاملا.
والسؤال: إن هذا الدم الذي ينزل عليها خلال أيام معدودة هل حكمه حكم دم الحيض بترك الصلاة والصيام والجماع؟ علما أن فترة نزول هذا الدم ليست وقت حيضها المعتاد.
كذلك بعد وضع اللولب أو استعمال الحبوب عند بعض النساء يتغير نظام دورة الحيض فتزيد فجأة بعد استعمال المانع للحمل حتى إن بعضهن لا تطهر خلال الشهر أكثر من أسبوع، وينزل الدم عليها خلال ثلاثة أسابيع متوالية ويكون الدم النازل نفس الدم الذي ينزل عند الحيض، وكذلك نفس الدم الذي ينزل عند أخذ الحبتين للتأكد من عدم الحمل كما في السؤال السابق.
والسؤال: ما حكم المرأة خلال هذه الفترة ثلاثة أسابيع أهو حكم الحيض؟ أم تلتزم بعادتها قبل استعمال المانع أسبوع أو عشرة أيام؟
فأجابوا:
"إذا كان الدم الذي نزل بعد أخذ الحبتين هو دم العادة المعروف للمرأة فهو دم حيض تترك وقته الصوم والصلاة، وإذا كان غير ذلك فلا يعتبر دم حيض يمنع الصوم والصلاة والجماع؛ لأنه إنما نزل بسبب الحبوب " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/402) .
وقد نقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه سئل عن الحيض الذي ينتج عن تناول الحبوب، فقال:
"على المرأة أن تسأل الطبيب، فإذا قال: هذا حيض فهو حيض، وإذا قال: هذه عصارات من هذه الحبوب فليس بحيض " انتهى من فتاوى ودروس الحرم المكي للشيخ ابن عثيمين2/284
وهذا القول جيد، وبه يرتفع الإشكال إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/340)
سقط الجنين لشهرين فتركت الصلاة ظنا أنها في النفاس
[السُّؤَالُ]
ـ[سقط جنيني وعمره سبعة أسابيع تقريباً , وبعد التسقيط لم أصل لمدة أحد عشر يوماً , جهلاً مني لأني كنت أظن أن لي حكم النفاس وكان ينزل مني دم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، ولو بالتخطيط فقط، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم. وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس. وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (37784) ورقم (45564) .
وعليه؛ فقد أخطأت بتركك الصلاة، ويلزمك قضاء هذه الأيام في قول جمهور العلماء.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزم القضاء في مثل هذه الحال، من أجل عدم العلم بوجوب الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا؛ لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
والأحوط: أن تقضي هذه الأيام، وذلك بفعلها مجتمعة على قدر الطاقة، فتصلين خمس صلوات عن اليوم الأول، ثم خمسا عن الثاني وهكذا حتى تفرغي منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/341)
نزلت عليها صفرة بعد الأربعين من نفاسها فهل تصلي وتصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الأربعين مباشرة صمت قضاء ما علي من صوم شهر رمضان وخلال صومي أجد خروج الصفرة من غير وجود دم علما أن هذا الوقت موعد حيضتي، فسؤالي هو هل صيامي صحيح أم علي إعادته وقضاؤه من جديد، علما أني أصلي ولم أقطع الصلاة لأني في غالب وقتي توجد معي علامات الطهارة ولا أجد ما يجعلني أترك الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة
إلا إذا صادف وقت العادة، فهو حيض.
وينظر جواب السؤال رقم 10488
وعليه فلو رأيت الدم بعد الأربعين وصادف وقت عادتك، فهو حيض. أما الصفرة فلا يترتب عليها شيء؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد أصبت في أدائك للصلاة وقضاء ما عليك من الصوم، زادك الله علما وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/342)
تنزل عليها مادة بيضاء لزجة قبل العادة وبعدها بأسبوع
[السُّؤَالُ]
ـ[يوم قبل أو يومين من نزول دم الحيض, تنزل مادة بيضاء لزجة, وكذلك بعد انتهاء مدة الحيض بأسبوع فما حكم الصلاة والصيام في تلك الأيام؟ وهل يلزمني إعادة الوضوء الحدث الأصغر فقط أم الحدث الأكبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه المادة البيضاء اللزجة لها حكم الإفرازات، وفيه تفصيل:
فإن كانت مستمرة، فحكمها حكم سلس البول، فيلزمك الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرك نزول هذه الإفرازات بعد ذلك، ولو كان ذلك أثناء الصلاة.
وإن كانت غير مستمرة، ففي نقضها للوضوء خلاف، فالجمهور على أنها تنقض الوضوء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تنقض، لعدم الدليل على النقض، والأحوط العمل بقول الجمهور.
ثانيا:
هذه الإفرازات طاهرة على الراجح، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي وصححها النووي.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال في الشرح الممتع (1/392) : " وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها " انتهى.
وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) .
ثالثا:
لا تأثير لهذه الإفرازات على الصيام.
والحاصل: أنك تصومين وتصلين، وتتوضئين من نزول هذه الإفرازات، إلا أن تكون مستمرة طول اليوم، فتتوضئي لكل فريضة بعد دخول وقتها، ولك أن تصلي بهذا الوضوء ما شئت من النوافل حتى يخرج وقت الصلاة التي توضأت لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/343)
إذا استمر الحيض أكثر من العادة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة عادتها الشهرية ثمانية أيام أو سبعة أيام، ثم استمرت معها مرة أو مرتين أكثر من ذلك، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً، فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حداً معيناً في الحيض، وقد قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) . فمتى كان هذا الدم باقياً، فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي، سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة أو زائداً عنها أو ناقصاً، وإذا طهرت تصلي" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/330) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/344)
حكم الماء والدم النازل قبل الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السائل الذي يخرج من المرأة الحامل قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، وهو عبارة عن سائل شفاف يشبه الماء يطلق عليه بعضهم [ماء الجنين] هل هذا يمنع الصلاة والصيام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يخرج من الحامل قبل الولادة:
1- إن كان دماً، وخرج قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، مع أمارة من ألم أو وجع، فهو دم نفاس، وإلا فهو دم فساد لا تترك معه الصوم والصلاة.
قال في "كشاف القناع" (1/219) : " فإن رأت الدم قبل خروج الولد بثلاثة أيام فأقل بأمارة كتوجع فهو نفاس كالخارج مع الولادة، ولا يحسب ما قبل الولادة من مدت النفاس " انتهى بتصرف.
2- وإن كان ماء كما ذكرت، فحكمه حكم إفرازات الفرج، فهو طاهر لخروجه من الرحم، وينقض الوضوء، ولا يمنع الصلاة والصيام؛ لأنه لا يعتبر نفاساً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قبل الولادة بثلاثة أيام خرج منها ماء مع شيء من الألم فهل هذا نفاس؟
فأجاب: "هذا ليس بنفاس؛ لأن النفاس هو الدم، وليس الماء، وأيضاً: لا يكون نفاساً إلا إذا كان مصحوباً بالطلق قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، وأما إذا كان قبل الولادة بزمن طويل، فإنه ليس نفاساً؛ لأن النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، وأما الماء فليس من النفاس " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينظر حكم الإفرازات في جواب السؤال رقم (37752) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/345)
نزل عليها دم بني اللون ثم على هيئة خيط أسود
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تأخر الحيض عندي حتى إنني ظننت أنى حامل، لكن وبعد 10 أيام نزل مني دم بني اللون، ويوم آخر على شكل خيط أسود، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدم الذي يمنع المرأة من الصلاة والصوم والجماع هو دم الحيض، وقد جعل الله تعالى له علاماتٍ لا تخفى على النساء، فمن حيث اللون فهو أسود أو أحمر قاتم، ومن حيث الرائحة فله رائحة كريهة، وهو – كذلك – ثخين، وهو دم يسيل من الرحم، فلا يكون قطرة أو قطرات، ولا يكون كالخيط.
فقولك: إنه نزل عليك دم بني اللون، إن كنت تقصدين الكدرة، فهذه إن جاءت قبل الدورة لا تعد حيضا، وإن كنت تقصدين أن لون الدم فاتح، فهذا إن كان دما سائلا وليس مجرد أثر أو قطرات، فالأصل أنه حيض.
وأما الخيط الأسود فلا يعد حيضا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق،
وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف
(نزيف) الأنف ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه " انتهى من "60 سؤالا في
الحيض" ص6.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/346)
نزول قطرات من الدم بعد غسل الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الانتهاء من الحيض وبعد الاغتسال فوجئت بنزول قطرات من الدم، فهل يجب علي أن أعيد الاغتسال مرة ثانية أم لا؟ أفيدونا وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: إذا تمت عادتك المعتادة كان الذي رأيته صفرة وكدرة، فهذا لا تعتبرينه شيئا بل صومي وصلي لحديث أم عطية رضي الله عنها قال: " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا " رواه البخاري (1/ 426) ، هذا إذا تمت العادة. وأما إذا كانت الصفرة والكدرة في زمن الحيض، فإنها حيض كما لو كانت عادتك سبعة أيام مثلا وفي اليوم الخامس انقطع الدم ورأيت صفرة وكدرة فهذا حيض فلا تصلين ولا تصومين.
أما ما ذكرت فإن كان يتكرر كل شهر فعليك أن تغتسلي إذا انقطع ورأيت الطهر بعدها. وإذا كانت قطرات قلائل ولا تتكرر بل تأتي في بعض الأحيان وليست دما خالصا بل فيها شيء من الصفرة والكدرة، فهذا لا يعتبر شيئا ولا يلزمك اغتسال، بل وجودها كعدمها واغتسلي متى رأيت الطهر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 52.(5/347)
لم تكن تعلم أن الحائض إذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت من قريب أنه لا بد من الصلاة الأخيرة أو الجمع بين الصلاتين عند انتهاء الدورة، ما كنت أعلم بهذا، وعمري الآن 38 سنة، فماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر.
وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء.
وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر.
وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي.
وروى ابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: (تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا) .
ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يلزمها إلا الصلاة التي أدركت وقتها فقط، ولا يلزمها أن تجمع معها التي قبلها.
والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلين الصلاتين معاً، ومن اقتصرتْ على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج، ومن لم تفعل ذلك فيما سبق جهلا منها، فلا شيء عليها؛ لعموم الأدلة في عذر الجاهل والمخطئ، ولكون المسألة محل خلاف كما سبق، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (45648) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/348)
حكم الدم قبل الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان هل يكون دم حيض أو نفاس وماذا يجب عليها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس بل دم فساد على الصحيح وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتصلي وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة.(5/349)
ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية فأنا عادتي في كل شهر من الدورة تسعة أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق ولا يحسب من العادة فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج فإذا طهرت وانقطعت أيام عدتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة لا تردها عن الصلاة ونحوها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن جبرين.(5/350)
قراءة القرآن أثناء الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض أو الدورة الشهرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله:
فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر.
واستدلوا على المنع بأمور منها:
1- أنها في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل، وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة " رواه أبو داود (1/281) والترمذي (146) والنسائي (1/144) وابن ماجه (1/207) وأحمد (1/84) ابن خزيمة (1/104) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة.
2- ما روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن " رواه الترمذي (131) وابن ماجه (595) والدارقطني (1/117) والبيهقي (1/89) وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460) : وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث أ. هـ. وينظر: نصب الراية 1/195 والتلخيص الحبير 1/183.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها:
1- أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة، وقال: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء.
2- أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم.
3- أن قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف الحائض، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً، بخلاف الجنب فإنه مأمور بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة.
4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم.
فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط.
ومما يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم في هذه المسألة يختص بقراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب، أما القراءة من المصحف فلها حكم آخر حيث أن الراجح من قولي أهل العلم تحريم مس المصحف للمُحدث لعموم قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: " ألا يمس القرآن إلا طاهر " رواه مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87 قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.أ. هـ وقال الشيخ الألباني عنه: صحيح.التلخيص الحبير 4/17 وانظر: نصب الراية 1/196 إرواء الغليل 1/158.
حاشية ابن عابدين 1/159 المجموع 1/356 كشاف القناع 1/147 المغني 3/461 نيل الأوطار 1/226 مجموع الفتاوى 21/460 الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين 1/291.
ولذلك فإذا أرادت الحائض أن تقرأ في المصحف فإنها تمسكه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبس قفازا، أو تقلب أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك، وجلدة المصحف المخيطة أو الملتصقة به لها حكم المصحف في المسّ، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/351)
اغتسلت وصلت دون أن تغسل شعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المرات أغتسل من الجنابة أو من الحيض ولا أغسل شعري لأنه مضفر فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا خطأ كبير ولا يجوز فعله، وبناء عليه لا تصح الصلاة بل لا بد من أن تغسلي كافة البدن بما في ذلك الشعر كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " رواه مسلم برقم (330) ، فإذا كان شعرك مضفرا فإنك تغسلينه وتدخلين الماء إلى أصوله مع غسل ما استرسل منه وهذا لا بد منه، وصلاتك لا تصح لأنك لم تغتسلي من الجنابة لأن غسل الجنابة مشروط فيه تعميم البدن بالماء بما في ذلك الشعر وكذلك الغسل للطهر من الحيض أو النفاس.
فعليك أن تقضي صلاتك التي صليتها وأنت لم تغسلي شعرك عند رفع الجنابة أو الطهر من الحيض. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 53.(5/352)
زوجها يرغمها على الجماع وقت الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة ومتزوجة والحمد لله ولكن زوجي يأتيني في أوقات الحيض فهل يجوز له ذلك أم علي أن أمنعه مع العلم أن هذا يؤذيني ويؤلمني ويكدر علي يومي وأنا أسأل هذا السؤال لأني سمعت من صديقاتي أنه لا يجوز للرجل إتيان المرأة أثناء الحيض. وجزاكم الله خيراً على هذا البرنامج الذي أتاح لي فرصة طرح مسألة محرجة كهذه مع العلم أني أعاني من هذه المشكلة ولا ادري ماذا أفعل وجعلكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإنّ إتيان المرأة في المحيض حرام
قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (البقرة/222) فلا يحل له أن يأتيها حتى تغتسل بعد طهرها لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله..) (البقرة/222) ويدل على شناعة هذه المعصية قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " [رواه الترمذي عن أبي هريرة 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918]
فيجب عليك أن لا تمكّنيه من ذلك وتمتنعي منه فإن طاوعتِه فأنت شريكة له في الإثم وإذا أكرهك كان الإثم عليه. ولمزيد من المعلومات راجع السؤال رقم 2121 والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/353)
تسأل عن دعاء خاص للطهارة من الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك سؤال مشابه في هذا الموقع (في الإنترنت) ولكنه ليس بالضبط ما احتاج. كنت أتفكر في كيفية طهر المرأة من الحيض، وهل هناك دعاء خاص تحتاجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا انقطع الدم وطهرت، ثم اغتسلت بعد ذلك من الحيض بنيّة الطهارة فإنها تعتبر طاهرة، وليس هناك أيّ دعاء خاص بذلك، إلا ما ورد من أذكار الوضوء المعروفة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/354)
أقصى مدة للنفاس 40 يوما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آخر مدة النفاس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في ذلك خلاف بين أهل العلم.
1- فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم.
2- وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً.
3- وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة.
4- وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال. النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً. رواه ابن الجارود في المنتقى.
وقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف.
وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم. وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره.
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم. وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل. وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور:
الأول: أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم.
الثاني: أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم.
الثالث: أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم.
وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي.
وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سلمان بن ناصر العلوان.(5/355)
غلب على ظنها أنها طهُرت فاغتسلت وجامعها زوجها ثم نزل الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ظنت زوجتي أنها طهرت من حيضتها (مع أن ذلك كان مبكرا عن العادة) وبدأت في تأدية الصلاة. ثم وقعت عليها. وظنت بعد هذا أنها رأت الدم مرة أخرى، فلم تصل الفجر في اليوم التالي. ثم اغتسلت وصلت الظهر. فهل علي أو عليها إثم في ذلك؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل علي كفارة (عن ذلك) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا غلب على المرأة الطُّهر وظهرت لها علاماته، فتطهرت وصلت وجامعها زوجها، فإنه ليس عليهما إثم بهذا الجماع، لأنه فعل ما أبيح له إذ المحرَّم هو جماعها حال الحيض، فإذا عاودها دم الحيض فإنها تعتبر حائضاً وتحرم عليها الصلاة، ولا يجامعها زوجها. لأن دم الحيض متى نزل ثبت حكمه، وعلاماته معروفة للنساء، وعلى المرأة أن لا تتعجل الغسل والصلاة حتى ترى القصة البيضاء وهي علامة الطهر، أو الجفاف التام لمن لا ترى القصة البيضاء، فتوقف الدم ليس هو الطهر، وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدَّة المعتادة. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/356)
استعمال النساء للحفائظ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في القران أو الحديث ما يدل على عدم جواز وضع المسلمات للحفاظات القطنية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم مأمور دائماً باجتناب النجاسة، لقول الله تعالى: (وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر، ودَمُ الحَيْضِ نَجِس، وإذا وقع على ثوب المرأة فعليها أن تَغْسِلَهُ، ومثل هذه الحفاظات، تَرْجِع إلى ما تَعَوَّد النساء فِعْلَهُ، وقد كان النِّساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يِتَّخِذْنَ ثِيَاباً خاصّة للحيض، لما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: " حِضْتُ وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانْسَلَلْتُ منه، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها..الحديث " رواه البخاري (الحيض / 311) ، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولم يرد دليل على المنع من ذلك فلا يصح أن يقال بأن ذلك لا يجوز، بل إنه قد جاء ما يدل على جواز استعمال القطن لوقف النزف
فعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي اسْتُحِضْتُ حَيْضَةً مُنْكَرَةً شَدِيدَةً، قَالَ لَهَا: (احْتَشِي كُرْسُفًا) ، قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ: (تَلَجَّمِي وَتَحَيَّضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اغْتَسِلِي غُسْلا فَصَلِّي وَصُومِي ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَخِّرِي الظُّهْرَ وَقَدِّمِي الْعَصْرَ وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا وَأَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَعَجِّلِي الْعِشَاءَ وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا وَهَذَا أَحَبُّ الأمْرَيْنِ إِلَي) رواه ابن ماجة (الطهارة وسننها/619) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 510، والله أعلم.
والكرسف: قال شارح الحديث هو القطن وكذا قال الرازي انظر مختار الصحاح ص/236.
[الْمَصْدَرُ]
الإٌسلام سؤال وجواب(5/357)
حاضت بعد دخول وقت الصلاة؛ فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم، وهل تقضي الصلاة عن وقت الحيض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد دخول وقت الظهر بنصف ساعة مثلاً فإنها بعد أن تطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء/103
ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " رواه البخاري (304) ومسلم (80) .
وأجمع العلماء على أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها في أثناء مدة الحيض.
وأما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ " رواه البخاري (579) ومسلم (607) . فإذا طهرت وقت العصر وكان باقياً على غروب الشمس مقدار ركعة فإنها تصلي العصر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (11/ 276) .(5/358)
طريقة التوبة من جماع الزوجة بعد انتهاء الحيض وقبل الاغتسال
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جميع الأجوبة المتعلقة بالاستمناء والجماع بعد انقضاء الدورة وقبل الاغتسال، وأريد أن أستوضح عن ذلك، هل توجد أية (طريقة) للتوبة، كالدعاء مثلا، للتخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل أو ارتكبتها المرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وطء الحائض في الفرج حرام، لقول الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) البقرة/222، ومن فعل ذلك فعليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه، وعليه أن يتصدّق بدينار أو نصفه كفارة لما حصل منه، كما روى أحمد وأصحاب السنن بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وأيهما أخرجت أجزأك،..ولا يجوز أن يطأها بعد الطهر أي انقطاع الدم وقبل أن تغتسل لقوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة /222، فلم يأذن سبحانه في وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهّر أي تغتسل، ومن وطئها قبل الغسل أثم وعليه الكفارة..أ. هـ. انظر كتاب فتاوى العلماء في عشرة النساء ص/51
فتوى اللجنة الدائمة
أما طريقة التخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل والمرأة فيراجع سؤال رقم (14289) ، (329)
فعليك بالتوبة إلى الله لمخالفتك النهي الوارد في الآية وعدم الامتثال لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) وذلك بالندم على ما حصل والعزم على عدم العودة، واستكثر من الحسنات فإن الحسنات يُذهبن السيئات والله غفور رحيم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/359)
منع العادة الشهرية في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) هذا بغض النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء، فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن عثيمين.(5/360)
طريقة عجيبة ومبتدعة للطهارة من الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة المثلى للغسل بعد انتهاء فترة الحيض؟
قال لي كبار السن بأن أستحم ثم أتوضأ ثم أقرأ التشهد سبع مرات على ماء ثم أصبه على نفسي مبتدئة من الرأس ثم الأكتاف ثم الأرجل ثم الفرج. ثم أقرأ سبع آيات وآية الكرسي على ماء ثم أصبه على نفسي بنفس الطريقة السابقة.
هل يجب أن أقوم بهذه الخطوات؟ سأكون ممتنة لنصيحتك في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه طريقة مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان، يكفيك لإصابة السنة الوضوء ثم تعميم البدن بالماء ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع وأن يعافينا من الجهل والبدع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/361)
طهرت من الحيض، فهل لها أن تلبس الثياب التي كانت تلبسها وهي حائض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حضت، فهل يجوز لي بعد انتهاء الحيض إعادة ارتداء الملابس التي كنت أرتديها أثناء الحيض أم يجب علي تطهيرها من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة إذا طهرت من الحيض أن تلبس الملابس التي كانت تلبسها وهي حائض ما دامت نظيفة طاهرة لم يصبها شيء من دم الحيض.
فإذا كانت الثياب أصابها شيء من دم الحيض فيجب غسل الموضع الذي أصابه الدم قبل الصلاة فيه، فقد جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت:ْ إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِه؟ ِ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) .
(تَحُتُّهُ) أي: تقشره وتحكه.
(تَقْرُصُهُ) أي: تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل.
(تَنْضَحُهُ) أي: تغسله.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطير الثياب قبل الصلاة فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/362)
كيف تحدّد المرأة انتهاء فترة الحيض لتصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تحدد المرأة متى تبدأ الصلاة بعد انتهاء فترة الحيض؟ ماذا يجب أن تفعل إذا اعتقدت بأنها انتهت وبدأت الصلاة ثم اكتشفت المزيد من الدم أو إخراج سائل بني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً: إذا حاضت المرأة فإن طهرها يكون بانقطاع الدم قلَّ ذلك أو كثر وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن أقلَّه يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمه الله على أنه لاحدّ لأقلّه وأكثره بل متى وُجد بصفاته المعلومة فهو حيض قلّ أو كَثُر، قال رحمه الله:
الحيض، علَّق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنَّة، ولم يقدِّر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمَّة بذلك واحتياجهم إليه.. "
ثم قال:
" والعلماء منهم من يحدُّ أكثرَه وأقلَّه، ثمَّ يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله والقول الثالث أصح: أنَّه لا حدَّ لا لأقله ولا لأكثره." مجموع الفتاوى " (19 / 237) ."
ثانياً: وهناك دم يسمى الاستحاضة يكون مختلفاً بصفاته عن دم الحيض وله أحكام تختلف عن أحكام الحيض ويمكن تمييز هذا الدم عن الحيض بما يأتي:
اللون: دم الحيض أسود والاستحاضة دمها أحمر.
الرِّقَّة: فدم الحيض ثخين غليظ والاستحاضة دمها رقيق.
الرائحة: دم الحيض منتن كريه والاستحاضة دمها غير منتن لأنه دم عرق عادي.
التجمد: دم الحيض لا يتجمد إذا ظهر والاستحاضة دمها يتجمد لأنه دم عرق.
وبذلك تتبين صفات دم الحيض فإذا انطبقت على الدم الخارج فهو حيض يوجب الغسل، ودمه نجس، أما الاستحاضة فالدم لا يوجب الغسل.
والحيض يمنع الصلاة، والاستحاضة لا تمنع الصلاة، وإنما تكتفي بالتحفّظ والوضوء لكل صلاة إذا استمر نزول الدم إلى الصلاة التي بعدها، وإن نزل الدم خلال الصلاة فلا يضر.
ثالثاً: تعرف المرأة الطّهر بأحد أمرين:
- نزول القصّة البيضاء وهو سائل أبيض يخرج من الرّحم علامة على الطّهر
- الجفاف التام إذا لم يكن للمرأة هذه القصّة البيضاء فعند ذلك تعرف أنها قد طَهُرت إذا أدخلت في مكان خروج الدم قطنة بيضاء مثلا فخرجت نظيفة فتكون قد طهرت فتغتسل، ثم تصلي.
وإن خرجت القطنة حمراء أو صفراء أو بنية: فلا تصلي.
وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. رواه البخاري معلقاً (كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره) ومالك (130) .
والدُّرْجة: هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها.
والكرسف: القطن.
والقَصَّة: ماء أبيض يخرج عند انتهاء الحيض.
ومعنى الصفرة: أي ماء أصفر.
وأما إن جاءت صُفْرة أو كُدرة في أيام طهر المرأة فإنه لا يُعدّ شيئاً ولا تترك المرأة صلاتها ولا تغتسل لأنه لا يوجب الغسل ولا تكون منه الجنابة.
لحديث أم عطية رضي الله عنها: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً. رواه أبو داود (307) ، ورواه البخاري (320) ولم يذكر " بعد الطهر ".
ومعنى الكدرة: هي الماء البني الذي يشبه الماء الوسخ.
ومعنى لا نعده شيئاً: أي لا نعده حيضاً ولكنه ماء نجس يوجب غسله ويوجب الوضوء.
وأما إذا اتّصلت القصّة البيضاء بالحيض فهي من الحيض.
رابعاً: إذا اعتقدت المرأة أنها طهرت ثم عاد لها الدم، فإن كان الدم يحمل صفات الحيض التي سبق بيانها فهو حيض، وإلا فهو استحاضة.
ففي الأولى: لا تصلي.
وفي الثانية: تتحفظ، ثم تتوضأ لكل صلاة، ثم تصلي.
وأما السائل البني وهو (الكدرة) كما عرفناه فإن رأته بعد الطهر فحكمه: أنه طاهر لكن يوجب الوضوء فحسب.
وإن رأته في زمن الحيض فحكمه حكم الحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/363)
إذا تسببت في نزول الحيض فهل لها أحكامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
"لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن دم الحيض متى وجد وُجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض، فإنها تصلي وتصوم ولا تقضي الصوم، لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) البقرة/222، فمتى وجد هذا الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/272) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/364)
هل يلزم الحائض تغيير ملابسها بعد طهرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم الحائض تغيير ملابسها بعد طهرها، مع العلم أنه لم يصبها دم ولا نجاسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمها ذلك، لأن الحيض لا ينجس البدن، وإنما دم الحيض ينجس ما لاقاه فقط، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء إذا أصاب ثيابهم دم حيض أن يغسلنه ويصلين في ثيابهن" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص202) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/365)
حاضت بعد وقت صلاة الظهر فهل تقضيها إذا طهرت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جائتني الدورة الشهرية بعد دخول وقت الصلاة (مثلا الظهر) بمدة زمنية تكفى للصلاة ولكنى لم أكن قد صليت، فمتى يكون على قضاؤها؟ عندما أغتسل حتى لو كان عند صلاة العشاء أم عند أول ظهر قادم يأتي؟ وهل إذا تطهرت عند العشاء هل أصلى المغرب والعشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا جاءتك الدورة بعد دخول وقت الصلاة بما يكفي لصلاة ركعة وجب عليك قضاؤها إذا طهرت، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المرأة إذا حاضت وقد أدركت من وقت الصلاة مقدار ركعة فهل تجب عليها تلك الصلاة؟
فأجاب: "المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت لزمها القضاء" انتهى.
ووقت القضاء يكون بعد زوال العذر مباشرة، فإذا طهرت من الحيض فإنك تغتسلين وتصلين الصلاة التي كانت عليك، ولو كان ذلك في غير وقتها، ولا تنتظري وقتها من الغد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
ثانيا:
إذا طهرت المرأة قبل انقضاء وقت الصلاة وجبت عليها تلك الصلاة والتي تجمع معها عند جمهور العلماء.
فمثلا: من طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها الظهر والعصر معا، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (6/161) ما يلي: "إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر" انتهى.
وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (82106) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/366)
أخذ حبوب منع الحيض في العشر الأواخر من رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة يأتيها الحيض في العشر الأواخر من رمضان، فهل يجوز لها أن تستعمل حبوب منع الحمل لتتمكن من أداء العبادة في هذه الأيام الفاضلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
لا نرى أنها تستعمل هذه الحبوب لتعينها على طاعة الله؛ لأن الحيض الذي يخرج شيءٌ كتبه الله على بنات آدم
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي معه في حجة الوداع وقد أحرمت بالعمرة فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة فدخل عليها وهي تبكي، فقال ما يبكيك فأخبرته أنها حاضت فقال لها إن هذا شيءٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فالحيض ليس منها فإذا جاءها في العشر الأواخر فلتقنع بما قدر الله لها ولا تستعمل هذه الحبوب وقد بلغني ممن أثق به من الأطباء أن هذه الحبوب ضارة في الرحم وفي الدم وربما تكون سبباً لتشويه الجنين إذا حصل لها جنين فلذاك نرى تجنبها. وإذا حصل لها الحيض وتركت الصلاة والصيام فهذا ليس بيدها بل بقدر الله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله(5/367)
تشك في حصول الطهر قبل الفجر فهل تصلي وتصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في آخر يوم للدورة الشهرية رأيت نزول السائل الأصفر قبل أذان الفجر بحوالي ساعتين ثم نمت ولم أرى هل توقف نزوله قبل الفجر أم لا وفي الصباح لاحظت توقف نزول السوائل ثم انتظرت قليلا أترقب وقد أذن لصلاة الظهر وبعدها اغتسلت فهل يجب علي قضاء ما فاتني من صلاة أم أصلي صلاة الظهر فقط؟ وهل يحب عليّ أن اقضي صيام هذا اليوم بعد رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حاضت المرأة فالأصل بقاء هذا الحيض حتى تتيقن زواله، ولا يجوز لها أن تصوم أو تصلي وهي تشك: هل انتهى الحيض أما لا؟
وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (106452) .
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تأمر النساء بالتمهل وعدم الاستعجال حتى تتيقن الطهر، فكانت تقول: (لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ.
وعلى هذا؛ لا يلزمك قضاء صلاة الفجر، وأما صلاة الظهر فتجب عليك لأنها أدركتك وأنت طاهرة من الحيض.
وأما الصيام فلا يصح صيام ذلك اليوم – لو صمتيه – لأنك كنت حائضاً في أوله، وعليك قضاؤه بعد انتهاء رمضان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/368)
كانت تطهر قبل المغرب ولا تصلي الظهر مع العصر فهل يلزمها القضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتواكم الخاصة بالحائض التي تطهر قبل غروب الشمس فإن عليها صلاة الظهر والعصر، لم أكن أعرف ذلك من قبل فقد كنت أصلي من اليوم التالي، فهل آثم لذلك؟ وهل أقضي تلك الصلوات منذ أن أصبحت مسلمة (منذ ثلاثة أعوام) ؟ أم أن التوبة تكفي؟ أم أن هناك كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر عند جمهور الفقهاء خلافا للحنفية، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (103083)
وإن اقتصرتْ على أداء العصر فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج.
ثانيا:
قولك: "فقد كنت أصلي من اليوم التالي". يعني: أنك لا تصلين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في اليوم الذي طهرت فيه، وتبدئين الصلاة من فجر اليوم التالي فهذا التصرف خطأ، وتفريط كبير، يلزمك فيه التوبة والندم والاستغفار، وأما القضاء فلا يلزمك على الراجح لكونك جاهلة بالحكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل
بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي.
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/369)
نقطة الدم المنفصلة ليست علامة على البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك صديقة لأمي، لديها ابنة تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، لاحظت في ملابسها نقطة دم منذ ما يقرب السنتين، فنصحتها الأم بصيام رمضان الماضي , ظنا منها أنها إشارة تدل على البلوغ، لكن منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم تلاحظ هذه الأم على ابنتها أي علامة حيض. وهي تسأل الآن، هل يجب على ابنتها الصيام؟ مع العلم أنها صامت السنة الماضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر – والله أعلم – أن نقطة الدم في حالة هذه الفتاة لا تعتبر حيضاً، بل هي من الدم العارض الذي يكون بسبب مرض أو غيره، وذلك لأمور:
1- أن هذا الدم لم يرجع إليها بعد ذلك، فهي قد قضت سنتين إلى الآن ولم تر حيضا حقيقيا، وهذا دليل ظاهر على أن الحيض لم ينزل عليها بعد.
2- أن نزول النقطة الواحدة والنقطتين من الدم لا يعتبر حيضاً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – كما في "فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) - عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة، واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب:
" نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء؛ لأنها من العروق " انتهى.
فهذه الفتاة لم تحض ولم تبلغ، فلا يجب عليها الصوم، ولكن ينبغي أن تعوّد على الصيام ما دامت تستطيعه كي يسهل عليها في مستقبل الأيام، وإن صامت فصومها صحيح مأجورة عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/370)
أسقطت في الشهر الثالث ولم تصل أياما فهل تقضيها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أسقطت جنينا في شهرها الثالث، وظنت أن الدم دم نفاس فتركت الصلاة لمدة تتراوح من أسبوع إلى عشرة أيام حتى انقطع عنها الدم ثم صلت بعد انقطاع الدم.. ومضى على هذا عدة سنوات ... هل عليها قضاء الأيام التي تركت الصلاة فيها؟ وإذا كان عليها القضاء، فهل تقضيها سردا؟ أم كل صلاة مع نظيرتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان.
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل واحد وثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5.
فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة.
ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك.
وعلى هذا؛ فإن كان السقط نزل قبل واحد وثمانين يوماً من الحمل فالدم النازل ليس بدم نفاس، بل هو دم استحاضة فلا يمنعها من الصلاة والصوم.
وإن كان قد نزل بعد أن تم له ثمانون يوما، فإن ظهر فيه التخليق فهو نفاس، وإن لم يظهر فيه شيء، فليس بنفاس.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" ص 40:
"ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً" انتهى.
وعند الشك أو الجهل بالحال: هل تم التخليق أم لا؟ فالأصل أنه لم يتم التخليق، فلا يحكم بأنه نفاس مع الشك.
ثانيا:
إذا لم يكن الدم نفاسا، لعدم تخلق الجنين، وتركت المرأة الصلاة ظنا منها أنه نفاس، فلا قضاء عليها عند جماعة من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم
وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما
نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 /102) .
وإذا قضت تلك الصلوات، فهو أحوط وأبرأ لذمتها.
وإذا قضتها فإنها تصليها جميعا سردا على قدر استطعتها، وترتبها، فتصلي الصلوات الخمس عن اليوم الأول، ثم عن الثاني، ثم عن الثالث، حتى تقضي ما عليها، ولا يجوز أن تصلي كل صلاة مع نظيرتها، فإن شق عليها صلاتها جميعاً في وقت واحد، فإنها تصلي ما تستطيع ثم تستريح ساعة أو ساعتين، ثم تكمل.... وهكذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/371)
هل للولادة القيصرية نفاس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للولادة القيصرية نفاس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النفاس هو الدم النازل لأجل الولادة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، بل إذا أسقطت المرأة جنينا متخلقا أي ظهر فيه رأس أو يد أو رجل، وهذا إنما يكون بعد ثمانين يوما من الحمل، فالدم النازل لذلك دم نفاس.
قال في "كشاف القناع" (1/218) : " النفاس , هو دم ترخيه الرحم مع ولادة وقبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة، وبعدها إلى تمام أربعين يوما ويثبت حكم النفاس ولو بتعديها على نفسها بضرب أو شرب دواء أو غيرهما ... بوضع ما يتبيّن فيه خلق الإنسان فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس , وأقل ما يتبين فيه خلق الإنسان أحد وثمانون يوما وغالبها على ما ذكره المجد وابن تميم وابن حمدان وغيرهم: ثلاثة أشهر " انتهى باختصار.
والنفاس قد يبقى أياما ثم ينقطع، فلا يشترط أن يستمر إلى الأربعين.
والله أعلم.
وانظر جواب السؤال رقم (50308) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/372)
عاد إليها دم النفاس وهي صائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل، وإن لم تر الطهر، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين، وإن لم تر الطهر، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته.
لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً. والله ولي التوفيق" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/146) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/373)
كفارة جماع النفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى كفارة مباشرة المرأة فى فرجها أثناء فترة النفاس؟ علما بأن السؤال رقم (36722) لا يحتوى على الكفارة إذا تمت المباشرة الفعلية، ولكنه يوضح فقط أنها محرمة - وهذا معلوم - ولكن قد وقع الخطأ، ونريد أن نعرف كفارته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة على من جامع الحائض أو النفساء، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب الكفارة: حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة، وحكاه بعض الشافعية قولا قديما للشافعي، وبعضهم أنكره، وهو رواية عن أحمد عليها جمهور الحنابلة كما قال المرداوي في "الإنصاف" (1/351) ، وحكى بعض الحنابلة عن أحمد في النفساء رواية واحدة بالوجوب، بخلاف الحيض. انظر: النووي في "المجموع" (2/391) ، "الإنصاف" (1/349)
واستدلوا عليه بما جاء من طرقٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ: (يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ) .
الحديث أخرجه أبو داود (264) وغيره، وهذا الحديث اختلف في إسناده ومتنه على أوجه كثيرة، كما اختلف النقاد في تصحيحه وتضعيفه اختلافا كبيرا.
انظر "التلخيص الحبير" (1/292-293) ، وتعليق الشيخ أحمد شاكر على "سنن الترمذي" (1/246 - 254) .
القول الثاني: الاستحباب وعدم الوجوب:
يقول النووي في "المجموع" (2/391) :
" حكاه أبو سليمان الخطابي عن أكثر العلماء , وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأيوب السختياني وأبي الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد " انتهى.
وهو قول الحنفية والشافعية:
جاء في "الدر المختار" (1/298) :
" ويندب تصدقه بدينار أو نصفه " انتهى. وانظر: "الفتاوى الهندية" (1/39)
ويقول النووي في "المجموع" (2/390) :
" إذا وطئها عالما بالحيض وتحريمه مختارا ففيه قولان , الصحيح الجديد: لا يلزمه كفارة , بل يعزر ويستغفر الله تعالى ويتوب , ويستحب أن يكفر الكفارة التي يوجبها القديم.
والثاني ـ وهو القديم ـ: يلزمه الكفارة ... ، ثم ذكر الخلاف في حكاية الوجوب قولا قديما للشافعي - " انتهى.
القول الثالث: الواجب التوبة والاستغفار ولا كفارة في ذلك: وهو قول المالكية، كما في "الموسوعة الفقهية" (18/325) ، وقول ابن حزم في "المحلى" (2/187) .
ولا شك أن القول بالصدقة المذكورة في الحديث هو أحوط وأبرأ للذمة، وأدعى إلى الانتهاء عن تلك المعصية، وتعظيم حرمات الله عز وجل، وعدم تعدي حدوده، لا سيما وقد قال به ابن عباس رضي الله عنهما، إن لم يصح الحديث مرفوعا.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله:
" وطء الرجل امرأَته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) [الآية، البقرة /222] ، والمراد المنع من وطئها في المحيض، وهو موضع الحيض، وهو الفرج؛ فإذا تجرأ ووطئها، فعليه التوبة، وأَن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة، وهي دينار أَو نصف دينار، على التخيير؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا ... ، والمراد بالدينار: مثقال من الذهب، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة. " انتهى. فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (2/98) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وجوبُ الكفَّارة من مفردات المذهب [يعني: مذهب الحنابلة] ، والأئمة الثَّلاثة يرون أنَّه آثم بلا كفارة.
والحديثُ صحيحٌ، لأنَّ رجالَه كلَّهم ثقاتٌ، وإذا صحَّ فلا يضرُّ انفرادُ أحمد بالقول به.
فالصحيح: أنها واجبةٌ، وعلى الأقل نقولُ بالوجوب احتياطاً." انتهى.
الشرح الممتع (1/255) ط مصر.
وكذلك أفتى بوجوب الكفارة: علماء اللجنة الدائمة، كما في فتاوى اللجنة (6/93،112) .
تنبيه: قيمة الدينار، بالوزن: (4.25) غراما تقريبا، فالواجب عليه أن يتصدق بهذه القيمة، أو نصفها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/374)
كفارة من جامع زوجته الحائض في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكفر التائب عن جماعه لزوجته وهى حائض في دورتها في الأيام العادية وكفارة الجماع وهى حائض في شهر رمضان؟ فهذا حدث وعندنا علم بحرمة هذه الأفعال ونيتنا الآن التوبة لله وطلب المغفرة فأرجوكم دلوني على عمل أعمله ليغفر الله لي وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جماع الحائض محرم بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222، ولما روى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومن فعل ذلك لزمته التوبة والكفارة، وهي أن يتصدق بدينار أو نصفه، على الفقراء والمساكين؛ لما روى أحمد (2032) وأبو داود (264) والترمذي (135) والنسائي (289) وابن ماجه (640) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والدينار: أربع جرامات وربع من الذهب، فانظر قيمة هذا وتصدق به، أو بنصفه، مع العزم على عدم العود لذلك أبدا.
ثانيا:
إن كان مقصودك بالجماع في رمضان: جماع الحائض في ليالي رمضان، فالواجب هو ما سبق ذكره من التوبة والكفارة.
وإن كان المقصود هو الجماع في نهار رمضان، فقد اجتمع هنا ذنبان كبيران، وهما الفطر في نهار رمضان، والمعاشرة أثناء الحيض.
أما الجماع في الحيض فقد عرفت ما فيه.
وأما الفطر في نهار رمضان بالجماع، فيترتب عليه خمسة أمور:
1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء.
5 – وجوب الكفارة مع التوبة.
فيجب عليك قضاء اليوم الذي أفسدت صيامه بالجماع وعليك مع ذلك: الكفارة.
وهي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وانظر جواب السؤال (22938) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/375)
عود دم النفاس في الأربعين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنجبت وظل نزول الدم أسبوعين وكان متقطعا قليلاً ثم ظللت أسبوعين آخرين أو أكثر تنزل منى إفرازات صفراء ورأيت علامة الطهر اليوم الرابع والثلاثين من النفاس فاغتسلت وصليت الظهر وجامعني زوجي، وفي العصر نزلت عليَّ إفرازات صفراء وبعد يومين نزل على دم حتى نهاية الأربعين رأيت الطهر فاغتسلت وصليت، ولكن كان ينزل منى بعض الدم القليل جدا، وأنا الآن منذ الأمس ينزل عليَّ الدم بصفة مستمرة، فلا أدرى هل أنا على طهر أم مازلت نفساء؟ وما حكم الأيام التي كانت تنزل عليَّ فيها إفرازات صفراء هل عليَّ قضاء الصلاة التي لم أصلها فيها أم أنها من النفاس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
المرأة إذا نزل منها الدم بسبب الولادة فإنها نفساء، ولا تزال كذلك حتى ترى الطهر أو تتم أربعين يوماً.
وعليه؛ فما مضى عليك أيتها الأخت قبل أن تري الطهر كله نفاس وإن كان في بعض الأيام عبارة عن إفرازات صفراء، لأن الصفرة والكدرة ما دامت متصلة بالنفاس فهي منه، فلا صلاة عليك في هذه المدة.
وقد سئُل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن المرأة ترى دم النفاس لمدة أسبوعين ثم يتحول تدريجياً إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة ويستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فهل ينطبق على هذه المادة التي تلت الدم حكم النفاس أم لا؟
فأجاب: "هذه الصفرة أو السائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة البينة فإنه تابع لحكم الدم، فلا تكون طاهراً حتى تتخلص من هذا" انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" صـ 304.
أما اغتسالك وصلاتك بعد رؤية الطهر في اليوم الرابع والثلاثين فصحيح والحمد لله، وجماع زوجك لك بعد ذلك جائز، والإفرازات الصفراء التي نزلت بعد ذلك ليست من النفاس، لأنها جاءت بعد الطهر، وقد روى أبو داود في سننه (264) وصححه الألباني عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) .
وعليه؛ فالصلاة في هذه الأيام واجبة، فإن كنت لم تصلها فعليك قضاؤها.
وأما عود الدم بعد ذلك فإنه نفاس ما دام في الأربعين، قال العلامة ابن باز رحمه الله: "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً، ثم عاد إليها الدم في الأربعين، فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم، لأنه نفاس، حتى تطهر أو تكمل الأربعين" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/133) .
وما دمت قد رأيت الطهر عند تمام الأربعين فقد انتهى النفاس وغسلك وصلاتك صحيحان، وأما عود الدم بعد ذلك فإنه حيض، ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا عاد عليها الدم بعد الأربعين فهو حيض إلا أن يستمر عليها أكثر الوقت فإنها تجلس عادتها فقط" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/289، 290) .
وبهذا تعلمين أيتها الأخت أنك أيام نزول الدم بعد الأربعين حائض، ولو كان هذا الدم متقطعاً ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض وهو خمسة عشر يوماً.
لكن: إذا كان هذا الدم قليلاً جداً كما تقولين كقطرة أو قطرتين، فإنه لا يكون حيضاً، ولا يمنع من الصلاة والجماع، ولكن عليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/376)
حكم غسل خرقة الحيض قبل رميها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المرأة تنظيف الثوب الذي تضعه لمنع مرور دم الحيض قبل رميه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يذكر أحد من أهل العلم – فيما نعلم- أن المرأة ينبغي لها أن تغسل الخرقة التي يكون فيها شيء من دم الحيض قبل إلقائها، بل ظاهر فعل الصحابيات أنهن لم يكن يغسلن هذه الخرق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك، ولم يرد أنه نهاهن، فقد روى الترمذي (61) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) وهو حديث صحيح، صححه أحمد ويحي بن معين وابن خزيمة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله.
والمقصود بالحِيَض: جَمْعُ حِيْضَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ.
فالظاهر أنهم كانوا يرمونها ملوثة بالدم، وإلا لم يسأل الصحابة عن طهارة الماء الذي توجد فيه هذه الخرق.
وليس معنى الحديث: أنهم كانوا يلقون هذه الأشياء في البئر عمداً، فإن الصحابة رضي الله عنهم أعظم وأجل من ذلك. وإنما المراد: أن البئر كانت في مسيل بعض الأودية، فيأتي السيل وقد حمل معه هذه الأشياء، فيلقيها في البئر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/377)
هل للحائض أن تجلس في طرف المسجد بقرب الباب لسماع الدرس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الموقع عن مكث الحائض في المسجد ولكن عندما نقول لأخواتنا ذلك الرأي يردون بأن أحد المشايخ الثقات أفتى بأنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد واستدل في فتواه على ما يقولون لي فأنا لم أسمعه بنفسي ما معناه المرأة التي كانت تقم المسجد أي التي كانت تقيم في المسجد أي أنها كانت عندما تأتيها الحيض لا تخرج من المسجد وهذا يدل على جواز مكث الحائض في المسجد فما الحكم في هذا الكلام؟ وكذلك ما حكم جلوس المرأة الحائض بجوار الباب في أطراف المسجد حيث إن ذلك يفعله كثير من النساء التي تقتنع بعدم جواز مكث الحائض المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) .
ثانياً:
أما ما ذكرتِ من أن هناك من نقل لك قولاً آخر في المسألة، وهو أنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، فهذا قول لبعض أهل العلم، لكن الراجح ما ذكرناه من المنع، وهو قول المذاهب الأربعة، وعليه فتوى كثير من أهل العلم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء.
والمرأة التي كانت تقمّ المسجد، لا يجزم أحد بأنها كانت تمكث في المسجد حال حيضها، ومعنى (تقمّ) : تكنس وتنظف، لا بمعنى أنها تقيم.
ثالثا:
للحائض أن تجلس خارج المسجد ولو بجوار الباب، وليس لها أن تجلس داخله بعيدا أو قريبا من الباب، سواء كان في مقدمته، أو في أطرافه؛ لأن الجميع داخل في حد المسجد.
ويجوز لها أن تمكث في ساحة المسجد أو رحبته غير المحوطة؛ لأنها لا تأخذ حكم المسجد.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟
فأجاب: " لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ , لكن لا يجوز جلوسها في المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/220) .
وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: هل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء. أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟
فأجاب: " المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ناوليني الخُمرة [نوع من الفراش] ، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) ، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخُمرة؛ قالت: إني حائض) ، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به: أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها ... وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع، لكن لا تدخل، ولها أن تدني رأسها وتصغي " انتهى مختصرا من "شرح زاد المستقنع".
وقال في "مطالب أولي النهى" (2/234) : " ومن المسجد ظهره، أي: سطحه , ومنه: رحبته المحوطة (الساحة) قال القاضي: إن كان عليها حائط وباب , فهي كالمسجد؛ لأنها معه , وتابعة له , وإن لم تكن محوطة , لم يثبت لها حكم المسجد " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/378)
الحائض إذا طهرت، فإنها تقضي الصلاة الحاضرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس، فهل تصلي العصر فقط أم تصلي الظهر والعصر؟ وكذلك إذا طهرت في وقت صلاة العشاء، هل تصلي العشاء فقط أم تصلي معها المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن الحائض إذا طهرت وجب عليها أن تصلي الصلاة التي أدركت وقتها وتصلي معها الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها.
وعلى هذا، فإذا طهرت قبل غروب الشمس، فإنها تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في وقت العشاء فإنها تصلي المغرب والعشاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/239) : " َإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ , صَلَّت الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ , وإن َطَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ , صَلَّت الْمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ؛ لما رَوَى الْأَثْرَمُ , وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَغَيْرُهُمَا , بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ: تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ , صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا.
وَلِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ , فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا , كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في أصح قولي العلماء , وهكذا إذا طهرت قبل طلوع الفجر وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء؛ لأن وقتهما واحد في حق المعذور، كالمريض، والمسافر " انتهى بتصرف.
"مجموع الفتاوى" (10/217) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (6/158) : " إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر " انتهى.
وذهب الأحناف إلى أنه لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط؛ لأن وقت الصلاة الأولى خرج وهي معذورة، فلا يلزمها قضاؤها.
وانظر "الموسوعة الفقهية" (13/73) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/133) : " لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة) ، و (أل) في قوله: (الصَّلاة) للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئاً من وقتها، وقد مَرَّ به وقتها كاملاً، وهو ليس أهلاً للوجوب فكيف نلزمه بقضائها، وقال عليه الصلاة والسلام (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر.
أما النَّظر: فإننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع، فما الفرق بين المسألتين؟! كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلاً للتكليف، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية " انتهى بتصرف.
والقول الأول أحوط، والعمل به أولى، وإذا اقتصرت على صلاة العصر فقط، أو العشاء فقط، فنرجو أن لا يكون عليها حرج.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/379)
بعد حصول الجفاف تنزل القصة فهل يلزمها الانتظار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في السابق كنت أعرف انتهاء الحيض بالقصة البيضاء , ولكن في بعض الأشهر كنت أنتظرها إلى اليوم الثامن في الليل ولكن لا أرى إلا الجفاف ثم أغتسل ولا أنتظر يوما آخر حتى نزول القصة لأن الجفاف طال وأخشى أن أضيع الصلوات بذلك, ولكن في آخر شهر انتظرت حتى بعد منتصف الليل (في اليوم الثامن) فرأيت القصة، فخفت أن تكون كل تلك الشهور التي أظن أني طهرت فيها بالجفاف فقط , أكون استعجلت فيها, وكان يجب علي السهر حتى الفجر حتى أرى القصة لكي لا تفوتني الصلوات. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطهر يعرف بإحدى علامتين: الأولى: انقطاع الدم وجفاف المحل بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة.
الثانية: نزول القصة البيضاء، وبعض النساء لا يرين هذه القصة.
وما ذكرت من أنك كنت تعتمدين على الجفاف ولا تنتظرين القصة، هو الصواب.
قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
ثانيا:
إذا جاءك الحيض ثم انقطع، وجف المحل تماما، فقد طهرت، ولزمك الصوم والصلاة، ولا يلزمك السهر وانتظار نزول القصة، بل ليس لك أن تفوتي الصلاة لأجل هذا الانتظار.
أما إذا كان المحل لم يجف، بل كان هناك صفرة أو كدرة، فلا تعجلي حتى يحصل النقاء التام أو تنزل القصة، فقد كانت النساء تبعث إلى عائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها الصفرة، فكانت تقول لهن: (لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) . رواه البخاري تعليقاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/380)
الحكمة من استعمال الحائض قطنة ممسكة بعد الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من استخدام القطنة الممسكة بعد انقطاع دم الحيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (314) ومسلم (332) واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا) فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا) فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.
والفرصة الممسكة: قطعة من القطن أو الصوف مطيبة بالمسك.
والحكمة من استعمالها: تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي اِسْتِعْمَال الْمِسْك , فَالصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ الْمَقْصُود بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْك تَطْيِيب الْمَحَلّ , وَدَفْع الرَّائِحَة الْكَرِيهَة.
إلى أن قال: " وَتَسْتَعْمِلهُ بَعْد الْغُسْل , فَإِنْ لَمْ تَجِد مِسْكًا فَتَسْتَعْمِل أَيّ طِيب وَجَدَتْ , فَإِنْ لِمَ تَجِد طِيبًا اُسْتُحِبَّ لَهَا اِسْتِعْمَال ما يُزِيل الْكَرَاهَة [الصابون الآن] ، فَإِنْ لَمْ تَجِد شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاء كَافٍ لَهَا , لَكِنْ إِنْ تَرَكَتْ التَّطَيُّب مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ كُرِهَ لَهَا , وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّن فَلَا كَرَاهَة فِي حَقّهَا " انتهى.
وقد توصلت الدكتورة آمنة علي ناصر صديق أستاذة الأحياء الدقيقة في كلية التربية للأقسام العلمية بجدة إلى اكتشاف أن المسك مضاد حيوي طبيعي لعلاج الأمراض الجلدية والتناسلية في الإنسان والحيوان. وسجل هذا الاكتشاف بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض كبراءة اختراع.
ينظر: مجلة المجتمع:
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InSectionID=81&InNewsItemID=217507
كما قدمت الباحثة في المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد بالكويت 1427 هـ بحثا لها بعنوان: صور من الإعجاز العلمي لاستخدام المسك كمضاد حيوي للفطريات والخمائر المسببة لبعض الأمراض للإنسان والحيوان والنبات.
وأوضحت أن الأحياء المجهرية الممرضة تكثر أعدادها في فترة الحيض وأن المسك له تأثير كبير في القضاء على هذه الميكروبات الممرضة.
ينظر نص البحث في:
http://www.nooran.org/con8/Research/436.pdf
http://www.tafsir.org/vb/archive/index.php?t-6980.html
وبهذا يتبين أن الحكمة من استعمال الحائض للمسك: تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة، والقضاء على الفطريات والميكروبات الممرضة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/381)
إزالة الشعر والأظافر في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثم المرأة عند إزالة الشعر والأظافر والتخلص منهما أثناء فترة الحيض؟ وهل يجب أثناء الحيض غسلهما قبل التخلص منهما؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الإشكال الذي يطرأ عند كثير من النساء، في شأن حكم إزالة الشعر والأظافر ونحوها من سنن الفطرة أثناء فترة الحيض، ناشئٌ عن اعتقادٍ باطلٍ لدى بعضهن، بأن أجزاء الإنسان تعود إليه يوم القيامة، فإذا أزالها وعليه الحدث الأكبر من جنابة أو حيض أو نفاس، عاد إليه يوم القيامة نجسا لم تصبه الطهارة، وهذا كلام فاسد وتوهم لا محل له من الصحة.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (21/120-121) -:
" عن الرجل إذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشَّطَ رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال (إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وفي صحيح الحاكم (حَيًّا وَلَا مَيتًا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (أَلْقِ عَنكَ شَعرَ الكُفرِ وَاختَتِن) – [رواه أبو داود (356) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/120) ]- فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم " انتهى.
ويشير شيخ الإسلام بذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ)
رواه البخاري (1556) ومسلم (1211)
فالامتشاط غالبا ما يصاحبه تساقط بعض الشعر، ومع ذلك أذن به النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم والحائض.
يقول فقهاء الشافعية كما في "تحفة المحتاج" (4/56) :
" النص على أن الحائض تأخذها " انتهى. (يعني الظفر والعانة والإبط، والمقصود نصُّ المذهب)
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (فتاوى الزينة والمرأة/سؤال رقم 9) :
" سمعت بأن مَشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض، ولا قص الأظافر والغسل، فهل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
هذا ليس بصحيح، فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها، ويجوز أن تغتسل من الجنابة، مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة، أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة، فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم " انتهى.
ولا يعرف القول بكراهة ذلك عن أحد من فقهاء الأمة المعتبرين، وإنما تذكره بعض كتب أهل البدع من الطوائف المخالفة لأهل السنة، كما في "شرح النيل وشفاء العليل" (1/347) لمحمد بن يوسف الإباضي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/382)
طهرت من الحيض ثم رأت قطرات من الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة بعد أن طهرت بدأت تجد بعض النقاط الصغيرة من الدم، فهل تفطر ولا تصلي أم ماذا تفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" مشاكل النساء في الحيض بحر لا ساحل له، ومن أسبابه استعمال الحبوب المانعة للحمل والمانعة من الحيض.
وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة من قبل، صحيح أن الإشكال ما زال موجوداً من بعث الرسول، بل منذ وجد النساء، ولكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له، ولكن القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء فما تراه بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة، فليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض.
قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) أخرجه البخاري وزاد أبو داود: (بعد الطهر) , وسندها صحيح.
وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة، ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها. ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف يعني القطن فيه الصفرة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص (25) .(5/383)
تأتيها الدورة متقطعة وتزيد وتنقص
[السُّؤَالُ]
ـ[يشق علي كثيرا تحديد الطهر الحقيقي، ذلك أن حالاتى دائما شبه متجددة، عندي إفرازات شبه ملازمة وتتغير ألوانها وأشكالها وقد يصاحبها دم، أما في الحيض فيسيل الدم بضعة أيام وقد ينقطع ويعود مرارا وهذا من عادة حيضي لكن في الأخير يتجدد عندي الأمر فأحيانا أعرف القصة البيضاء وأحيانا لا وهكذا بين اليبوس وعدمه بين السيلان والانقطاع والطول في المدة والقصر , وقد احترت وأصبحت في حرج ولا أستطيع الخروج من الفتاوى بشيء فقل لي قولا واحدا أتبعه. 2ـ ليس لدينا أولاد ولله الحمد وقد من الله علي بمعرفة طريق الحق وأريد ملأ عمري بعبادة مولاي وحبيبي ربي وإلهي ومن أجل ذلك أطمع كثيرا في تحصيل العلم الشرعي ولطالما انتظرت هذه الفرصة – الإنترنت- فأرجو أن تدلني وتوجهني كيف أطلب ميراث الحبيب صلى الله عليه وسلم وأرجو أن تدلني على أخوات تقيات فقيهات ... أشد على أيديهن....فإني في غربة وحيرة....مع العلم أن الوسيلة الوحيدة لدي الآن هي هذه الشبكة نفعنا الله بها 3ـ أرجوك أن تدعو لي بالثبات ولزوجي بالهداية والرجوع إلى الله فإنه بعيد عن الحق وأهله، وكذلك أدع لوالدي وإخوتي، أسأل الله لنا جميعا الهداية والصلاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الإفرازات المستمرة، لها حكم سلس البول فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد خول وقتها، ثم لا يضرك ما نزل بعد ذلك، ولو كان ذلك أثناء الصلاة.
ثانيا:
الأصل في الدم النازل على المرأة أنه دم حيض، والحيض قد يتقدم ويتأخر، ويزيد وينقص، فإذا جاء الدم فهذا هو الحيض ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما، وعند بعض أهل العلم ما لم يبلغ أكثر الشهر.
فإن تجاوز خمسة عشر يوماً، كان استحاضة، والمستحاضة كما سبق تتوضأ بعد دخول الوقت لكل صلاة.
ثالثا:
من النساء من يأتيها الحيض أياما، ثم تطهر، ثم يأتيها الحيض مرة أخرى، والمقصود أن حيضها يكون متقطعاً ويتخلله طهر، وهذا لا إشكال فيه، فإذا طهرت من الحيض، اغتسلت وصلت، فإن عاد إليها الدم فهو حيض، لا تصلي فيه، وهكذا ما لم يتجاوز المجموع خمسة عشر يوما.
والطهر يعرف بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت نظيفة، فإذا حصل الطهر فاغتسلي وصلي، وإذا لم يحصل فأنت لا زلت في الحيض، ولو كان الدم خفيفا أو متقطعا.
رابعا:
نهنئك بما أنعم الله عليك من الاستقامة ومعرفة طريق الحق، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وعلما ويقينا، وأن يهدي زوجك، ويصلح حاله، ويقر أعينكم بالذرية المؤمنة الصالحة.
ولا شك أن آكد ما عليك الآن هو تحصيل العلم الشرعي الذي تحتاجين إليه لتصحيح عقيدتك وعبادتك ومعاملتك، وهذا القدر من العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
وطرق تحصيل العلم كثيرة، أهمها حضور مجالس العلم وحلقاته على يد أهله، فإن لم يتيسر ذلك فمتابعة هذه المجالس عبر التلفاز أو الإنترنت أو الأشرطة، وهذا مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة، وإليك بعض الأمثلة والنماذج التي يمكنك الاستفادة منها:
1- متابعة قناة المجد العلمية، والانتظام في سماع ما يلقى فيها من دروس في علوم شتى، ومتابعة الأكاديمة العلمية على الإنترنت:
http://www.islamacademy.net/Arabic/index.asp
2- الدراسة في إحدى الجامعات التي تتاح فيها الدراسة عن بعد.
3- الاستفادة من المواقع الإسلامية، المشتملة على البحوث والفتاوى، كموقعنا هذا، وموقع الشبكة الإسلامية، وموقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وغير ذلك من المواقع الإسلامية الرائدة.
4- التعرف على بعض الصالحات والاستفادة من صحبتهن، من خلال بعض المنتديات النسائية، كمنتدى لك:
http://www.lakii.com/
ويمكنك الوصول إلى كثير من المواقع النافعة، عن طريق هذا الرابط:
http://www.sultan.org/a/
5- حضور المحاضرات الدعوية التي تقام في المساجد أو المراكز الإسلامية.
6- الالتحاق ببرامج تحفيظ القرآن الكريم في المساجد أو في دور التحفيظ.
إلى غير ذلك من الوسائل الكثيرة المتنوعة.
نسال الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/384)
هل يشترط غسل الخرق من دم الحيض قبل رميها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند صديقاتي المسلمات أنهن يغسلن الفوط النسائية التي يستعملنها وقت العادة الشهرية قبل أن يرمينها بعد الاستعمال.
هل صحيح أننا يجب أن نفعل هذا مع أننا نستعمل نوع الفوط التي تُستعمل مرة واحدة فقط ثم تُرمى؟
قيل أن هناك نوع من الهستيريا والمضايقة تصيب من لا تغسل فوطها جيداً قبل أن ترميها. قالوا أن الشيطان والجن يحبون أكل دم الحيض المتبقي على الفوط غير المغسولة جيداً وبعدها يؤذون التي لا تغسلها جيداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فلم يذكر أحد من أهل العلم المعتبرين أن المرأة ينبغي لها أن تغسل الخرقة التي يكون فيها شيء من دم الحيض إذا كانت ستلقيها، ولن تستخدمها، بل ظاهر فعل الصحابيات أنهن لم يكن يغسلن هذه الخرق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك، ولم يرد أنه نهاهن فقد روى الترمذي (61) وغيره من أهل السنن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ " وهو حديث صحيح صححه أحمد ويحي بن معين وابن خزيمة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله.
والمقصود بالحيض: بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الياءِ جَمْعُ حِيْضَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الياء وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ كما قال المباركفوري عند شرحه لهذا الحديث. فالظاهر أنهم كانوا يرمونها ملوثة بالدم، وإلا لم يستنكر الصحابة طهارة الماء الذي توجد فيه هذه الخرق.
فما تذكره صديقاتك لا يعلم له أساس من الصحة بل هو من الخرافات والتخرصات والرجم بغير علم، وما أكثر ما أشيع مثل هذه الأمور عند العامة ولذلك لابد من المطالبة بالبينة والدليل والرجوع إلى أهل العلم وكتب العلم ورفض هذه الخزعبلات والتحذير منها، وعلى الشخص أن يتحصن من شر شياطين الإنس والجن بكثرة الذكر وتلاوة القرآن والاستقامة على الأوامر الشرعية، وأن يبتعد عن الأوهام، والأساطير التي لا تثبت. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/385)
حكم السائل البنّي القاتم إذا نزل على المرأة بعد انتهاء حيضها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من هذه المشكلة كل عام في رمضان، فعندما أنتهي من الدورة بعد اليوم السابع، وأغتسل استعدادا للصيام والصلاة، ينزل مني مرة أخرى سائل بني قاتم اللون، وقد ذكرتَ أن المسلمة يمكنها أن تصلي، لكن هل تستطيع المسلمة أن تصوم؟ وأيضا هل على المرأة أن تغتسل مرة أخرى (الوضوء) ؟ كل الذين طرحت عليهم هذه الأسئلة أجابوني بإجابات مختلفة. أرجو أن تساعدني بتوضيح الحكم حول ذلك توضيحا شافيا، هل أصوم وأصلي؟ أم علي أن أقضي ذلك اليوم كغيره من الأيام التي فاتتني (بسبب الدورة) ؟ وهل يمكنك أن تقدم لي دعاء محددا يمكنني قوله كي أغتسل وأصبح طاهرة مرة أخرى، أعلم بالدعاء التالي: " نويت طهارة الحدث فهل يكفي ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا كان لها عادة مستمرة وكان هذا السائل ينزل عليها بعد انتهاء عادتها فهذا ليس من الحيض وإنما هو استحاضة. فلا تلتفت إليه وتتوضأ لكل صلاة وتصوم.
وإن كانت ترى الطهر ـ القصّة البيضاء ـ وكان هذا السائل ينزل عليها بعد الطهر، فلا تلتفت إليه. كالحالة الأولى.
وإن كان هذا في أيام عادتها فهو حيض، فلا تصلي ولا تصوم.
ثانيا: ليس هناك دعاء مخصوص يُقال حتى تطهر المرأة من حيضها، ويراجع سؤال رقم:12897
ثالثا: النيّة محلّها القلب، ولا يجوز التلفّظ بها،فلا يصح أن تقولي قبل أي عمل صالح تعملينه: نويت أن أفعل كذا وكذا، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهّدْي هديه، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وللأهمية يراجع سؤال رقم: 13337.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/386)
ما هي المدة بين الحيضتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أقل مدة الطهر؟ الدورة الشهرية غير منتظمة لدي فأحيانا تغيب اشهر وأحيانا أخرى تتقدم عن موعدها وقد اغتسلت من الدورة قبل عشرة أيام وخلال تلك الفترة كانت هنالك صفرة خفيفة بين الحين والآخر ولكن بعد عشرة أيام ازدادت لتصبح دورة جديدة مع آلامها ولون دمها؟ قيل لي علي الاغتسال والصلاة لان أقل الطهر 15 يوما أفتوني جزاكم الله خيرا لأني تركت الصلاة ظنا مني أنها حيض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حدّ لأقل الطهر بين الحيضتين، بل متى رأت الدم أي دم الحيض الأسود المعروف المنتن فعليها أن تجلس فلا تصوم ولا تصلي، شريطة أن لا يتعدى مجموع حيضها نصف المدة (خمسة عشر يوماً في الشهر) . والصُفرة والكُدرة بعد الطهر ليست بشيء، وليس لها حكم الحيض.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/387)
تناولت حبوباً فاضطربت العادة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تناولت حبوب وحقن طبيه لمنع الحمل فأدى ذلك إلى اضطراب في مواعيد الدورة الشهرية فترى الدم عشرة أيام هي مدة دورتها، ثم تطهر عشرة أيام فترى الدم مرة أخرى على الهيئة السابقة وهكذا فما الحكم الشرعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اضطربت عادة المرأة الشهرية المعتادة فإنها تعمل بالتمييز، فمتى رأت دم الحيض وهو دم أسود معروف له رائحة، فإنها تجلس حتى تطهر.
الشيخ: عبد الكريم الخضير.
وهذا ما لم يزد مجموع أيام العادة عن خمسة عشر يوماً في الشهر.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/388)
حكم من طهرت من النفاس ثم عاد الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتصلي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟ وإذا طهرت مرة ثانية هل تصوم وتصلي أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة وصوم رمضان وحلت لزوجها فإن عاد عليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم وحرمت على زوجها في أصح قولي العلماء وصارت في حكم النفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وإن استمر الدم بعد الأربعين فهو دم فساد لا تدع من أجله الصلاة ولا الصوم بل تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها كالمستحاضة وعليها أن تستنجي وتتحفظ بما يخفف عنها الدم من القطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بذلك إلا إذا جاءتها الدورة الشهرية أعني الحيض فإنها تترك الصلاة والصوم وتحرم على زوجها حتى تطهر من حيضها وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن باز(5/389)
ماذا تفعل النفساء إذا رأت الصفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم خروج الصفار أثناء النفاس وطول الأربعين هل أصلي وأصوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يخرج من المرأة بعد الولادة حكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً أو صفرة أو كدرة لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين، فما بعدها إن كان دماً عادياً ولم يتخلله انقطاع فهو دم نفاس وإلا فهو دم استحاضة أو نحوه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن باز.(5/390)
حكم الدعاء للحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحائض أن تدعو خلال فترة الحيض؟ ما هي الطريقة الصحيحة لفعل هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء السؤال التالي في كتاب: فتاوى إسلامية 1/239:
س: هل يجوز للحائض قراءة كتب الأدعية يوم عرفة على الرغم من أن بها آيات قرآنية؟
جـ: لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضاً لأنه لم يرد نص صحيح صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب، لحديث علي رضي الله عنه وأرضاه، أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) ولكنه ضعيف، لأن الحديث من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو ضعيف في روايته عنهم. ولكنها تقرأ بدون مس المصحف، عن ظهر قلب، أما الجنب فلا يجوز له أن يقرأ القرآن لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل، والفرق بينهما أن الجنب وقته يسير، وفي إمكانه أن يغتسل في الحال من حين يفرغ من إتيان أهله، فمدته لا تطول، والأمر في يده متى شاء اغتسل وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهما وإنما هو بيد الله عز وجل.. والحيض يحتاج إلى أيام والنفاس كذلك، ولهذا أبيح لهما قراءة القرآن لئلا تنسياه ولئلا يفوتهما فضل القراءة وتعلم الأحكام الشرعية من كتاب الله، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الآيات والأحاديث إلى غير ذلك.. هذا هو الصواب وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك. الشيخ ابن باز
وورد السؤال التالي:
س: إنني أقوم بقراءة بعض تفاسير القرآن ولست على طهارة.. كالدورة الشهرية مثلاً فهل في ذلك حرج علي، وهل يلحقني إثم على ذلك؟
جـ: لا حرج على الحائض والنفساء في قراءة كتب التفاسير ولا في قراءة القرآن من دون مس المصحف في أصح قولي العلماء، أما الجنب فليس له قراءة القرآن مطلقا حتى يغتسل، وله أن يقرأ في كتب التفسير والحديث وغيرهما من دون أن يقرأ ما في ضمنها من الآيات، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة، وفي لفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في ضمن حديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد: (أما الجنب فلا ولا آية) الشيخ ابن باز،
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية 1/239(5/391)
تنزل عليها نقاط بنية متفرقة قبل نزول الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[الدورة الشهرية لا تأتي طبيعية بل لابد من أخذ حبوب لإنزالها، ومنذ شهرين أخذت علاجا لإنزالها فلم تنزل ثم أخذت هذا الشهر حبوبا لإنزالها، فنزل في اليوم المفترض نزولها فيه مني نقط بلون بني وهذه النقط متقطعة خلال اليوم ثم في اليوم التالي نزل مني نقط حمراء اللون وبدأت كمية الدم تصبح قريبا من الطبيعية. سؤالي: هل اليوم الأول الذي نزلت فيه النقط البنية اللون أمتنع من الصلاة أم أصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر - والله أعلم - أن هذه النقاط ما دامت في زمن العادة، ومتصلة بالدم النازل بعدها، فهي من الحيض، فتمتنعين فيها من الصلاة والصوم.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى. وتقول: أنا أصلي الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟
فأجاب: " إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع، كدم الاستحاضة.
أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/207) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/392)
رأت قطرات من الدم أثناء الحمل فهل تترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا خرجت قطرات متقطعة من المرأة أثناء الحمل فهل تواصل الصلاة أثناء الحمل أم أنها يجب أن تتوقف عن الصلاة لأن هذا عذر لها؟ أم أنها تتوقف عن الصلاة ثم تقضي بعد توقف القطرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله الدم الذي يخرج من الحامل قد يكون دم حيض وقد يكون دم فساد وقد يكون دم نفاس، فيكون دم نفاس إذا خرج في وقت الطلْق – وبعض العلماء يقول: ولو كان قبل يومين أو ثلاثة من الوضع.
قال شيخ الإسلام: فأما الذي تراه قبل الوضع بيومين أو ثلاثة فهو نفاس؛ لأنه دم خارج بسبب الولادة فكان نفاساً كالخارج بعدها، وهذا لأن الحامل لا تكاد ترى الدم فإذا رأته قريب الوضع فالظاهر أنه بسبب الولد لا سيما إن كان قد ضربها المخاض.
" شرح العمدة " (1 / 514، 515) .
ويكون دم حيض إذا كان على صفة دم الحيض وفي وقته وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين، انظر فتاوى محمد بن إبراهيم 2/97
قال الشيخ ابن عثيمين:
والراجح: أن الحامل إذا رأت الدم المطرد الذي يأتيها على وقته وشهره وحاله: فإنه حيض تترك من أجله الصلاة والصوم وغير ذلك، إلا أنه يختلف عن الحيض بأنه لا عبرة به في العدَّة؛ لأن الحمل أقوى منه.
" الشرح الممتع " (1 / 405) .
والقول بأن الحامل قد تحيض هو من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات ص 59، غير أن خروج الحيض من الحامل نادر.
ويكون دم فساد إذا كان غير هذا وذاك، وهو الدم الأحمر الذي يخرج في الاستحاضة، وهو الذي يسمَّى عند عامة النساء " النزيف ".
فهذا لا يمنع المرأة من الصلاة ولا من الصيام بل هي في حكم الطاهرات.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/270
وهذا القسم الثالث هو المنطبق على الحالة المذكورة في السؤال، فهذه القطرات من الدم ليس حيضاً فلا تمنع المرأة من الصلاة ولا من الصيام ولا تأخذ أحكام الحائض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال سؤال وجواب(5/393)
مشكلة السائل الأصفر في الدورة الشهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة تتعلق بالدورة. ففي كل مرة أغتسل فيها بعد انقضاء الدورة، ينزل مني سائل يميل إلى الصفرة والبياض. وهذا السائل ينزل أيضا في غير أوقات الدورة. فهل علي الانتظار إلى أن أرى السائل الأصفر كي أغتسل؟ في بعض الأحيان ينزل السائل بغزارة وفي أحايين أخرى لا يكون كذلك. أحيانا ينزل مني هذا السائل الذي يميل إلى الصفرة والبياض، وفي أحايين أخرى لا ينزل. أحتاج حقا أن أعرف لأنه من الصعب علي أن أحدد متى أبدأ صلاتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشيء المعتاد من النساء أولا نزول الدم الخالص، ثم يعقبه كُدرة، ثم صُفرة، ثم ينزل السائل الأبيض المسمى: القصّة البيضاء وهو علامة الطُهر، وبعض النساء تنقطع منهن الصفرة، ولا ينزل معهن سائل أبيض بعد ذلك وإنما يكون معها جفاف، فإذا استمر الجفاف يوما كاملا تقريبا فهو طهارة - وإن لم تنزل القصّة البيضاء - إلا إذا كانت المرأة معتادة نزول الدم والكدرة والصفرة زمنا معينا كسبعة أيام مثلا ثم يأتي الجفاف فهذه عليها أن تغتسل وتصلي ولا يلزمها الانتظار يوما كاملا. فإن رأت المرأة الطهارة سواء سائلا أبيض أو جفافا أكثر من يوم ثم نزل معها بعد ذلك كدرة أو صفرة فلا شيء عليها، ولا تعتبره شيئا بل هي باقية على طهارتها، إلا أن يخرج منها دم، لقول أم سلمة رضي الله عنها: كنا لا نعدّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا. وبناءا على ما سبق فأنت ينبغي ان تحددي عادتك، فإما أن تكون عادتك مضطربة، أو تكون عادتك منتظمة. فالمضطربة تنتظر حتى تطهر إلا أن يستمر معها الدم وتوابعه خمسة عشر يوما فإذا بلغ هذه المدة ولم تطهر فتغتسل وتصلي ولا شيء عليها إن شاء الله. والمنتظمة فهي على التفصيل الذي سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(5/394)
أسقطت بعد شهرين من الحمل وتسأل عن صيامها أثناء نزول الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نزل معها الدم قبل إسقاط الجنين بيومين في رمضان وبعد الإسقاط بيومين علماً أن الجنين عمره شهران فهل تقضي الصوم أم ماذا تفعل؟ علماً أنها صامت ولم تفطر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، ولو بالتخطيط فقط، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم. وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784) ورقم (45564)
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أن عمر الجنين شهران، فالدم النازل قبل الإسقاط وبعده، دم فساد، لا دم نفاس، وقد أصابت المرأة في صومها تلك الأيام، ولا قضاء عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/395)
يتقطع طهرها وينزل عليها صفرة في اليوم الحادي عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ينزل عليها دم الحيض الأربع الأيام الأولى ثم بعد ذلك الدورة تنقطع في اليوم الخامس وفي اليوم السادس ينزل عليها دم يسير ... ويوم السابع والثامن والتاسع ينزل عليها شيء يختلف عن دم الحيض في فترة الظهر فقط.. واليوم الحادي عشر ينزل صفرة ... علماً أنها لا ترى القصة البيضاء.. هل صيام يوم الحادي عشر تقضيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المرأة قد تحيض أحد عشر يوما، وأكثر من ذلك، إلى خمسة عشر يوما، عند جمهور الفقهاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حد لأكثر الحيض، إلا إذا أطبق عليها الدم الشهر كله أو أكثره فتكون مستحاضة.
ثانيا:
الطهر من الحيض يعرف بإحدى علامتين: الأولى: نزول القَصَّة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء.
الثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو وضعت في المحل قطنة أو نحوها، خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة.
ثالثا:
الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض، لها حكم الحيض، فإن جاءت بعد تحقق الطهر، فلا يُلتفت إليها؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . رواه أبو داود (307) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وبناء على ذلك نقول:
1- انقطاع الدم في اليوم الخامس: إن كان المراد منه حصول الجفاف التام، فيلزمك حينئذ الغسل والصلاة والصيام لكونك قد طهرت. وإن لم يكن قد حصل الجفاف التام، فالحيض باق.
2- إذا لم يحصل جفاف تام خلال اليوم السابع إلى الحادي عشر، فالجميع حيض، والصفرة الحاصلة في اليوم الحادي عشر، تعتبر حيضا، كما سبق؛ لأنها لم تأت بعد الطهر، بل جاءت متصلة بما له حكم الحيض.
وأما إن حصل جفاف تام خلال هذه الأيام، ولو لمدة ساعات، فهذه الجفاف يعتبر طهرا، تغتسل له المرأة، وتصلي ما فيه من الصلوات.
3- صيام اليوم الحادي عشر، يتوقف حكمه على ما سبق بيانه، فإن كانت هذه الصفرة واقعة بعد علامة الطهر، القصة أو الجفاف، فليست حيضا، ويصح صيام ذلك اليوم، وإن كانت لم يسبقها علامة الطهر، فهو حيض، ولا يصح صيام ذلك اليوم، ويلزم قضاؤه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/396)
هل يجامع زوجته الحائض ويخرج الكفارة نظرا لطول مدة الحيض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مدة حيضي 10 أيام وأجلس 5 أيام أرى فيها صفرة فقط وزوجي لا يحتمل مدة حيضي ويتضايق كثيرا فهل له أن يجامع قبل العشرة ثم يدفع كفارة وخصوصا أن الوقت بين الحيضتين 16 يوما فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت الصفرة بعد الحيض متصلة به، فهي جزء من الحيض، فلا يجوز فيها الجماع ولا الصلاة ولا الصوم. وإن جاءت الصفرة بعد الطهر من الحيض، فلا تعتبر شيئا.
وأما الصفرة قبل الحيض المتصلة به فإن صاحبها آلام الحيض التي تصيب المرأة فهي حيض، وإن لم تصاحبها تلك الآلام فليست بحيض.
وانظر جواب السؤال رقم (37840)
والطهر من الحيض يحصل بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو جفاف المحل بحيث لو احتشت بقطنة أو نحوها خرجت نظيفة لا أثر بها من دم أو صفرة أو كدرة.
ثانيا:
لا يجوز للزوج أن يجامع زوجته في فترة الحيض؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين) البقرة/222 فلا يجوز جماع الحائض حتى تطهر وتغتسل.
وقد ورد الوعيد الشديد في إتيان الحائض، كما روى الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وللزوج أن يستمتع بزوجته الحائض فيما عدا الوطء، وينظر السؤال رقم (36722)
وليس للزوجة أن توافق زوجها على ذلك المنكر، بل يجب أن تأبى وتمتنع منه.
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر من الاستمتاع المحرم، ففي الحلال غنية وكفاية، والوطء في الحيض مع كونه محرما، هو مضر مؤذٍ للرجل والمرأة. وينظر السؤال رقم (43028)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/397)
زادت أيام عادتها بسبب اللولب
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء شهر رمضان زوجتي ذهبت لتركيب لولب بعد أن أتتها الحيضة وزادت أيام الحيض وأفطرت أحد عشر يوما وثبت بعد ذلك أن أربعة أيام منها ليس بدم حيض ولكن دم نزيف ... ما حكم هذه الأيام؟ وهل هناك كفارة؟ وما هي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا زادت أيام نزول الدم بسبب اللولب، وكان الدم متصلا، فالجميع حيض، كأن تكون عادتها سبعة أيام فتزيد إلى أحد عشر يوما.
أما إذا انقطع الدم بعد الأيام السبعة، وتحققت من الطهر، ثم جاءها أربعة أيام، مخالفا لدم الحيض المعروف، وكان ذلك بسبب اللولب، فهذه الأربعة لا تعد حيضا وإنما هي استحاضة.
وكذلك إذا تبين بالطب أن الدم النازل دم نزيف لا دم حيض، فيكون استحاضة.
ثانيا:
إذا أفطرت المرأة عند رؤية الدم ظنا منها أنه دم حيض، ثم تبين أنه دم استحاضة، فلا شيء عليها غير قضاء الأيام التي أفطرتها.
والحاصل: أنه إذا ثبت أن هذه الأيام لم تكن حيضاً فليس عليها إلا القضاء فقط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/398)
ترى نقطة من الدم فهل تصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أدخل الخلاء لقضاء الحاجة أجد في المكان الذي قضيت فيه حاجتي نقطة من الدم مما يثير قلقي وشكي في أن أكون حائضاً فهل أصلى وأكمل صيامي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن نزول نقطة دم لا يكون حيضا، فلا تمنع من الصلاة والصيام.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهو تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق " انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) .
وقال أيضاً:
" القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض وفي النفاس وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض" انتهى.
60 " سؤالا في الحيض".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/399)
نزول الكدرة بعد يوم من الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتني الدورة أول يوم وبعدين توقفت وقام ينزل إفرازات بنيه بعدين نزلت (يعني دورتي أربعة أيام) بعدين يوم ولا شيء اغتسلت ورحت أصلي التراويح وصليت وقرأت قرآن وصمت ثم نزلت علي الدورة بالليل هل علي قضاء هذا اليوم؟ والقرآن الذي قرأته أعيد قراءته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطهر من الحيض يعرف بإحدى علامتين: الأولى: نزول القصة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء.
الثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو وضعت في المحل قطنة ونحوها، خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة.
والحائض قد ترى الدم يوما أو يومين أو أكثر، ثم تطهر مدة يوم أو أكثر، ثم يأتيها الدم مرة ثانية.
والكدرة (الإفرازات البنية) إن نزلت بعد تحقق الطهر، فلا تعتبر حيضا. وإن نزلت قبل حصول الطهر، فهي جزء من الحيض.
وبناء على ذلك نقول:
1- توقف الدم بعد اليوم الأول: إن كان المراد منه حصول الجفاف التام، فيلزمك حينئذ الغسل والصلاة والصيام لكونك قد طهرت. وإن لم يكن قد حصل الجفاف التام، فالحيض باق، والكدرة التي نزلت بعده تعتبر جزءا من الحيض.
2- وإذا كان الدم قد توقف بعد أربعة أيام ورأيت القصة البيضاء أو حصل الجفاف التام، فقد أصبت في اغتسالك وصلاتك وصومك. فإن عاد الدم ونزل في الليل، فهو حيض، ولا يؤثر على صلاتك وصومك في ذلك اليوم، فالصلاة صحيحة والصوم صحيح.
3- وأما قراءة القرآن فهي جائزة للحائض وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (2564) وإنما تمنع الحائض من مس المصحف، فإذا أرادت أن تقرآ القرآن فلتلبس قفازا أو تقلب صفحات المصحف بمنديل حتى لا تكون قد مست المصحف.
وعلى كل حال، لا يلزمك إعادة ما قرأت من القرآن، ولك ثوابه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/400)
انقطع حيضها ثم رأت قطرات من الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تبلغ من العمر 46عاما مصابة بتليف بسيط (قليل) في الرحم انقطع عنها الحيض من يوم20 يونيو والآن أتاها الدم يوم 3 أكتوبر أي بعد مضي ثلاث أشهر و12 يوما تقريبا لونه أحمر فاتح، قليل لا يتعدى المخرج، ولذلك لا تستطيع تميزه، هل تترك الصيام والصلاة أم أنه يكون حالة مرضية من إصابتها بالتليف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدم الذي يمنع المرأة من الصلاة والصوم والجماع هو دم الحيض، وقد جعل الله تعالى له علاماتٍ لا تخفى على النساء، فمن حيث اللون فهو أسود، ومن حيث الرائحة فله رائحة كريهة، وهو – كذلك – ثخين، وما عدا ذلك فلا يكون دم حيض، ويكون دم استحاضة، وهو ما تسميه النساء " النزيف "، وهذا الدم لا يمنع من الصلاة والصيام والجماع.
والذي يظهر بحسب وصف لون الدم الخارج وقلته أنه ليس دم حيض، وبناء عليه: فيجب عليها الصلاة والصيام، ويجوز لزوجها – إن كانت متزوجة - جماعها.
وقد ذكرنا الفروقات بين دم الحيض ودم الاستحاضة في جوابنا على السؤال رقم (5595) فلينظر فهو مهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/401)
أدركت من وقت الصلاة قدر التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة جاءني الحيض بعد أن غربت الشمس بدقائق، فهل ألزم بقضاء صلاة المغرب، إذا طهرت من الحيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء رحمهم الله، فيمن جاءه المانع – أي: الذي يمنع من الصلاة -، كالجنون والحيض بعد دخول وقت الصلاة، هل يلزمه قضاء تلك الصلاة بعد زوال المانع؟ على أقوال:
القول الأول: أن من أدرك من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام، ثم جاءه المانع، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/260) : " وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَنِفَاسٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا ; لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى المكلف " انتهى.
القول الثاني: أنه إذا مضى زمن يمكن فيه فعل الفريضة، ثم حصل المانع من جنون أو حيض، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع، وإذا كان الوقت الذي أدركه أقل مما يمكن فيه فعل الفريضة فلا يجب قضاؤها.
وانظر "المجموع" (3/50،72-73)
القول الثالث: أنه لا يلزم قضاء الصَّلاة، إلا إذا أدرك من وقتها ما يكفي لصلاة ركعة كاملة؛ لما روى البخاري (580) ومسلم (954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" عن: امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟
فأجاب: " الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة " انتهى.
فيجب على من أدركت من الصلاة قدر ركعة، ثم جاءها الحيض أن تقضي تلك الصلاة إذا طهرت من الحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/402)
يحصل لها الجفاف ثم تنزل عليها القصة البيضاء بعد أسبوع
[السُّؤَالُ]
ـ[عادتي الشهرية كانت في السابق 6 إلى 7 أيام وكنت أعرف طهري عند عدم رؤية الدم لأن القصة البيضاء لا تنزل إلا بعد حوالي أسبوع أو أكثر، فهل صلاتي وصيامي مقبولان؟ مشكلتي الآن هي أن عادتي الشهرية اضطربت منذ حوالي 3 أشهر فأصبحت مرة يومين ومرة أخرى 3 أو 4 أيام وأنا الآن لا أعرف ماذا أفعل؟ كم يجب أن أنتظر لأعلم طهري لأن القصة البيضاء كما ذكرت لكم لا تنزل إلا بعد حوالي أسبوع، فهل أصلي وأصوم؟ علما أني البارحة في يوم رمضان وجدت بعض الخيوط بنية اللون فأفطرت. وهل يجب علي تأخير الغسل حتى أرى القصة البيضاء وتكون قد طالت المدة؟ فهل أستطيع الصوم فقط لأن الصلاة لا تجوز؟ وهل أقضي هذه الأيام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطهر يعرف بإحدى علامتين: الأولى: انقطاع الدم وجفاف المحل بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة.
الثانية: نزول القصة البيضاء، وبعض النساء لا ترى هذه القصة.
وما ذكرت أن عادتك كانت ستة إلى سبعة أيام، وأنه يحصل الجفاف بعد ذلك، كاف في الحكم بطهارتك من الحيض، وليس عليك أن تنتظري نزول القصة.
قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
ثانيا:
إذا جاءك الحيض مدة يومين أو ثلاثة أو أربعة، ثم انقطع، وجف المحل تماما، فقد طهرت، ولزمك الصوم والصلاة، ولا تنتظري نزول القصة.
أما إذا كان المحل لم يجف، بل هناك صفرة أو كدرة، فلا تعجلي حتى يحصل النقاء التام أو تنزل القصة، فقد كانت النساء تبعث إلى عائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها الصفرة، فكانت تقول لهن: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. رواه البخاري تعليقاً.
ثالثا:
ما ذكرت من الخطوط البنية، لا تعد حيضا إذا نزلت قبل العادة أو بعدها، أما إذا كانت متصلة بالدم، فتعد حيضا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) .
ولا فرق بين الصلاة والصوم بالنسبة للحائض، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) رواه البخاري ومسلم.
فالمرأة الحائض يحرم عليها الصلاة والصوم، غير أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
فإن كانت هذه الخيوط البنية نزلت بعد الطهر فليست بشيء، فلا تمنعك من الصلاة والصيام، وإن كانت نزلت قبل الطهر فهي حيض، فيحرم عليك الصلاة والصوم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/403)
جامع زوجته وهي حائض جاهلا بالحكم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[جامعت زوجتي وهي حائض، ولم أكن أعرف ما حكم جماع الحائض. أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهل بالحكم الشرعي عذر عند الله سبحانه وتعالى، فقد رحم الله هذه الأمة وخفف عنها، فرفع عنها الإثم في حالات الجهل والنسيان والإكراه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. رواه مسلم (126) .
وقد نص أهل العلم على أن من فعل المحرم جاهلا فلا شيء عليه.
قال النووي في "شرح مسلم" (3/204) :
" فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض، أو جاهلا بتحريمه، أو مكرها: فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامدا، عالما بالحيض والتحريم، مختارا، فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/571) :
" ولا تجب الكفَّارة – على من جامع زوجته وهي حائض - إلا بثلاثة شروط:
1 ـ أن يكون عالماً.
2 ـ أن يكون ذاكراً.
3 ـ أن يكون مختاراً.
فإن كان جاهلاً للتّحريم، أو الحيضِ، أو ناسياً، أو أُكرهت المرأةُ، أو حَصَلَ الحيضُ في أثناء الجماع، فلا كفَّارة، ولا إثم " انتهى.
وبما أنك – أخي السائل – لم تكن تعرف تحريم جماع الحائض فلا إثم عليك إن شاء الله، ولا كفارة.
إلا أن الواجب على كل مسلم السعي في التفقه في الدين، وتعلم أحكام الشريعة وأخلاقها وآدابها، وخاصة ما تمس إليه الحاجة من أمور العبادات وأحكام النكاح والبيوع وما يحتاج إليه في يومه وليلته، ولا ينتظر حتى إذا قام بالفعل وانتهى ذهب ليسأل أو اعتذر بالجهل وعدم العلم، فإن من يقصر في طلب العلم الشرعي الضروري يخشى عليه من الإثم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه (224) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/404)
إذا جاءها الحيض وهي جنب فهل تغتسل من الجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتطهر المرأة من الجنابة وهي حائض؟ وإذا تطهرت من الجنابة وهي حائض هل تتوضأ وتأخذ ثلاث حثيات من الماء ثم تغسل شقها الأيمن ثم الأيسر بالماء؟ أم فقط تغتسل بدون وضوء لأنها حائض أيضا؟ وهل يرفع عنها الجنابة ويبقى الحيض فقط أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أجنبت الحائض، أو حاضت وهي جنب، شرع لها أن تغتسل من الجنابة، وتستفيد بذلك جواز قراءة القرآن من غير مس للمصحف، لأن الجنب يمنع من قراءة القرآن بخلاف الحائض، وانظر جواب السؤال رقم (2564) ، (60213) .
وصفة هذا الغسل، كغيره من الأغسال المشروعة، فتبدأ بغسل أعضاء الوضوء، وتحثي على رأسها ثلاث حثيات، وتغسل شقها الأيمن ثم الأيسر، ثم تفيض الماء على سائر البدن.
وبهذا ترتفع عنها الجنابة ويبقى الحيض.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/134) : " فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها , صح غسلها , وزال حكم الجنابة. نص عليه أحمد , وقال: تزول الجنابة , والحيض لا يزول حتى ينقطع الدم. قال: ولا أعلم أحدا قال: لا تغتسل. إلا عطاء , وقد روي عنه أيضا أنها تغتسل " انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/405)
تشعر بحالة نفسية سيئة أثناء الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر أحيانا ًبأن داخلي ليس نظيفاً، بل إنني عند قرب موعد الدورة الشهرية أشعر كما لو أن دمي يفور في داخل عروقي وأشعر برغبة في تقطيع نفسي فما بالك بالناس من حولي وقد بدأت منذ حوالي سنتين أو أكثر بالتوقف عن الغيبة والمحاولة الجادة في ذلك وكم أحب الإحساس بالراحة الذي تحصّل لي منذ تركي لهذا الإثم. ولكني مع قرب الدورة الشهرية أشعر بأني أغلي فأبدأ بإعادة ما فات من أهلي وأمي فعلت كذا وأبي فعل كذا وأختي كذا ولا أعرف كيف أتوقف وقد تستمر معي هذه الحالة يومين أو أكثر. فأرجو إرشادي]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك لمعرفة خطر الغيبة وشرها، والسعي في التخلص منها، ونسأله سبحانه أن يعينك ويثبتك على ذلك.
ثانيا:
من المعلوم أن كثيرا من النساء يصبن بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض، وخاصة عند بدايته، كما أن حالة المرأة العقلية والفكرية لا تكون طبيعية أثناء الحيض، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن، وبعضهن تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات. ينظر السؤال رقم (43028) .
ولاشك أن ما تشعرين به هو أثر من تأثيرات الحيض، وما عليك إلا أن تصبري وتحتسبي، فإنه ما يصيب المسلم من هم ولا غم إلا كفر به من خطاياه.
وينبغي أن تشغلي نفسك بما ينفعك من عمل ومطالعة ونحو ذلك، فإن الفراغ يزيد المهموم هما.
ولا حرج على الحائض في قراءة القرآن دون أن تمس المصحف، وفي هذا ما يشغلها ويخفف عنها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/406)
صفة الغسل الكامل والمجزئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أغتسل من الحيض كالتالي: 1- أنوي الطهارة بقلبي ولا أنطق بها. 2- أبدأ بالوقوف تحت "الدوش" وتفيض المياه على كامل جسدي. 3- أستحم وأغسل كامل جسدي باستعمال اللوف والصابون بما في ذلك منطقة الفرج. 4- أغسل شعري كله باستعمال الشامبو. 5- بعدها أشطف جسدي من آثار الصابون والشامبو وبعدها أجعل الماء يفيض على شقي الأيمن ثلاثا ثم على شقي الأيسر ثلاثا. 6- ثم أتوضأ. علمت مؤخرا بأنني لا أتبع خطوات الغسل الصحيحة، أرجو منكم إفادتي هل غسلي طوال السنين السابقة بالطريقة المذكورة عاليه خاطئ أم صحيح؟ ... وإذا كان خاطئا ولا يصلح أرجو إعلامي ماذا يمكنني فعله لعلاج هذا الخطأ المتكرر طوال السنوات السابقة؟ وهل صلاتي وصيامي طوال هذه المدة باطل وغير مقبول؟ وإن كان كذلك فماذا يمكنني عمله لإصلاح هذا الأمر؟ ... كما أرجو منكم إبلاغى بالطريقة الصحيحة للغسل من الحيض ومن الجنابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غسلك بالطريقة المذكورة: صحيح مجزئ والحمد لله، لكن فاتك بعض السنن التي لا تؤثر على صحة غسلك.
وبيان ذلك أن الغسل نوعان: مجزئ، وكامل. أما المجزئ فيكتفي فيه الإنسان بفعل الواجبات فقط، ولا يفعل شيئاً من المستحبات والسنن، فينوي الطهارة، ثم يعم جسده بالماء بأي طريقة، سواء وقف تحت (الدوش) ، أو نزل بحراً، أو حمام سباحة ونحو ذلك، مع المضمضة والاستنشاق.
وأما الغسل الكامل: فأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بجميع سنن الاغتسال.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن صفة الغسل:
فأجاب: " صفة الغسل على وجهين:
الوجه الأول: صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6.
الوجه الثاني: صفة كاملة، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً، ثم يغسل بقية بدنه. هذه صفة الغسل الكامل " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" (ص248) .
ثانياً:
لا فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض إلا أنه يستحب دلك الشعر في غسل الحيض أشد من دلكه في غسل الجنابة، ويستحب فيه أيضا أن تتطيب المرأة في موضع الدم، إزالة للرائحة الكريهة.
روى مسلم (332) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَسْمَاءَ رضي الله عنه سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.
وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) .
ففَرَّق صلى الله عليه وسلم بين غسل الحيض وغسل الجنابة، في دلك الشعر، واستعمال الطيب.
وقوله: (شؤون رأسها) المراد به: أصول الشعر.
(فِرْصَةً مُمَسَّكَةً) أي قطعة قطن أو قماش مطيبة بالمسك.
وقول عائشة: (كأنها تخفي ذلك) : أي قالت ذلك بصوت خفي يسمعه المخاطب ولا يسمعه الحاضرون.
ثالثاً:
التسمية عند الوضوء والغسل مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وقال الحنابلة بوجوبها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء، وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر.
والصحيح أنها ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل " انتهى من "الشرح الممتع".
رابعاً:
المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.
قال النووي رحمه الله مبينا الخلاف في ذلك: " مذاهب العلماء في المضمضة والاستنشاق أربعة:
أحدها: أنهما سنتان في الوضوء والغسل , هذا مذهبنا [الشافعية] .
والمذهب الثاني: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما , وهو المشهور عن أحمد.
والثالث: واجبتان في الغسل دون الوضوء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والرابع: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة , وهو رواية عن أحمد , قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى من "المجموع" (1/400) باختصار.
والراجح هو القول الثاني، أي وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، وأنهما شرطان لصحته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء.
وقيل: يصح بدونهما.
والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع".
خامساً: إذا كنت في الماضي لا تأتين بالمضمضة والاستنشاق في الغسل لعدم العلم بحكمهما، أو اعتماداً على قول من لا يوجب ذلك، فإن اغتسالك صحيح وصلاتك المبنية على هذا الغسل صحيحة، ولا يلزمك إعادتها، لقوة اختلاف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق ـ كما سبق.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/407)
طهرت من النفاس قبل الأربعين لكنها لم تصل فهل يلزمها القضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لي أسبوعان من النفاس، لي سبعة أيام لم أر دما ولكني لم أصلّ بعد لنسياني ذلك برغم أني أعرف أن المرأة تصلي أثناء الطهارة ولكن لم أفكر بهذا فقد قلت لنفسي سوف أصلي بعد الأربعين. فهل علي قضاء تلك الأيام السبعة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس لأقل النفاس حد، فقد تطهر المرأة من النفاس بعد يوم أو يومين من الولادة، ومتى طهرت المرأة من نفاسها وجب عليها الاغتسال والصلاة، ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً.
قال الترمذي رحمه الله: " و َقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/458) : " إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ولزوجها جماعها " انتهى.
ثانيا:
حيث إنك تركت الصلاة مدة سبعة أيام، مع علمك أن المرأة إذا طهرت لزمتها الصلاة، فإنه يجب عليك قضاء ما فاتك، وصفة القضاء أن تصلي خمس صلوات عن اليوم الأول: (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) ثم خمس صلوات عن اليوم الثاني، وهكذا حتى تقضي سبعة أيام. وهذا القضاء واجب على الفور ولا يجوز تأخيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
وإذا كان عليك مشقة في قضاء تلك الصلوات جميعاًَ في وقت واحد، فإنك تصلين بعضها ثم ترتاحين ثم تصلين بعضها وهكذا حتى تتميها كلها، ولو استغرق ذلك عدة أيام، دفعاً للحرج والمشقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/408)
تغسل من الحيض ثم ترى الكدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لدي إفرازات مستمرة وهي ذات لون أصفر. وأنا من الفتيات اللاتي لا يوجد عندهن علامة طهر ولا أعرف كيف تكون علامة طهري في هذه الحالة. فدورتي تكون 7 أيام أي (الدم الصريح يكون 7 أيام) وما بعده ينزل من كدرة وصفرة فسؤالي هنا عندما تختفي الكدرة وتبقي الصفرة هل هذه الصفرة تابعة للدورة أم هي تابعة للإفرازات الصفراء المستمرة فأحيانا الكدرة تختفي يوما وتبقي الإفرازات الصفراء فأغتسل وأصلي وبعدها تنزل الكدرة من جديد ولو مرة في اليوم فأبقى في حيرة كبيرة من أمري هل أعيد الغسل أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الإفرازات المستمرة التي تخرج من المرأة، طاهرة على الراجح من قولي العلماء، لكنها تنقض الوضوء، وتعامل صاحبتها معاملة من به سلس بول، فتتوضأ لكل صلاة، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل. وتفصيل ذلك تجدينه في جواب السؤال رقم (50404)
ثانيا:
تعرف المرأة الطهر بإحدى علامتين:
الأولى: نزول القصة البيضاء.
والثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة، ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة.
وقال الباجي في "المنتقى": " وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ: الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ، وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: الْجُفُوفُ، وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ " انتهى باختصار.
ثالثا:
الصفرة أو الكدرة إذا اتصلت بالحيض فهي من الحيض، وإذا جاءت بعد تحقق الطهر، فلا يلتفت لها.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ ".
والدُّرْجة: هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها، والكرسف: القطن، والصفرة: الماء الأصفر.
ودم الحيض غالبا ما يتغير لونه في آخر مدة الحيض، فيخف لونه، وقد تتبعه صفرة أو كدرة. وأثر عائشة رضي الله عنها يشير إلى هذا، ويدل على أن الصفرة المتصلة بالحيض تعد حيضا.
والأصل أن تعتبري هذه الصفرة من الحيض، لا من الإفرازات، ما دمت لم تتحققي من علامة الطهر، لا سيما وأنت ترين الكدرة بعد اغتسالك، فهذا مما يرجح أنها من الحيض.
وأما إذا تحقق الطهر بنزول القصة البيضاء أو بالنقاء التام، فإنه لا يلتفت إلى الصفرة والكدرة حينئذ، وهذا ما دل عليه قول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) رواه البخاري (320) وأبو داود (307) واللفظ له.
وانظري السؤال رقم (5595) ورقم (50059)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/409)
أتاها الحيض قبل أن تقوم بعمرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت أنا وزوجتي إلى مكة قبل يومين لأداء العمرة، وفي الطائرة نوينا الإحرام للعمرة، وعند وصولنا إلى مكة ذهبنا للفندق لوضع الحقائب هناك، وبعد ذلك اكتَشَفَت زوجتي أنها أتتها الدورة الشهرية عندما وصلنا للفندق. فما الحكم في ذلك؟ هل عليها فدية؟ وكم مقدار الفدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحيض لا يمنع المرأة من الإحرام بالحج والعمرة، ولكن يحرم عليها الطواف بالبيت إلا بعد أن تطهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت قبل دخول مكة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) متفق عليه.
وثبت في صحيح البخاري أنها لما طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وهذا يدل على أنه إذا حاضت المرأة قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر.
وعلى هذا فالواجب على زوجتك أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، ثم تقصر شعرها، وبهذا تكون قد أتمت عمرتها، وليس عليها فدية من أجل حيضها وهي محرمة.
وانظر جواب السؤال (40608) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/410)
إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الطهور من الحيض وأغتسل مثلا بالليل كيف أصلي؟ هل أصلي العشاء فقط أم العشاء والمغرب أم اليوم كاملا؟ مع العلم أني لا أرى القصة البيضاء بل أترك يوما لمعرفة أن الدم توقف عني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر.
وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء.
وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر.
وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي ; لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها , فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا.
وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية , وجبت الأولى ; لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر , فوجبت بإدراكه , كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار , بخلاف ما لو أدرك دون ذلك.
ولنا ما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف.
وقال في متن زاد المستقنع: " ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقتها: لزمته وما يجمع إليها قبلها " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع": " مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قدر ركعة أو قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تجمع إلى ما قبلها.
فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظهر في المثال الأول؛ وصلاة المغرب في المثال الثاني؟
فالجواب: الأثر، والنظر.
أما الأثر: فإنه روي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
وأما النظر: فلأن وقت الصلاة الثانية وقت للأولى عند العذر الذي يبيح الجمع، فلما كان وقتا لها عند العذر صار إدراك جزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعا، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه " انتهى، ورجح الشيخ رحمه الله هذا القول الأخير.
والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلي الصلاتين معاً، ولا يلزمها أن تصلي صلوات اليوم كاملاً، وإن اقتصرت على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج.
ثانيا:
تطهر المرأة من حيضها بإحدى علامتين: القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر من حمرة أو صفرة، على ما بيناه في جواب السؤال رقم 5595.
فكونك تجلسين يوما دون صلاة، لعدم رؤيتك للقصة البيضاء، عمل لا يصح؛ لاحتمال أن تكوني قد طهرت بالجفوف، فالواجب عليك مراعاة هذه العلامة في الطهر.
قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/411)
ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك.
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . .
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما".
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) .
وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض.
ثانيا:
يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء.
أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/412)
ظنت أن الدم النازل مع السقط دم نفاس فأفطرت
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم من رمضان ذهبت إلى المستشفى لإسقاط الحمل الذي لم يتم 3 أشهر تناولت بعض الأدوية وبعد الإجهاض أكلت بعض الأكل ظنا مني أنه جائز لي أن آكل. لكن بعد الرجوع إلى البيت بحثت عبر الإنترنت وعلمت أنه يجب علي الصوم وكذلك الصلاة لأن ذلك الدم دم فساد فقضيت ذالك اليوم بعد خروج رمضان. هل يكفي ما فعلته أم ماذا يجب علي القيام به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق بيان حكم الإجهاض المتعمد في جواب السؤال رقم (42321) فراجعيه.
كما سبق بيان الأحكام المترتبة على سقوط الجنين في مراحله المختلفة في جواب السؤال رقم (12475) .
ثانيا:
إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم، وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784)
ثالثا:
إذا أفطرت ظنا منك أن الدم النازل هو دم نفاس، ثم تبين أنه دم فساد، وقضيت الصوم والصلاة، فلا شيء عليك، وإن لم تكوني قضيت صلاة ذلك اليوم فبادري بقضائها.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/413)
رأت الدم بعد طهرها وجماع زوجها لها فماذا يترتب عليهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تطهرت زوجته من الدورة الشهرية ثم جامعها، وبعد ذلك في نفس اليوم وقبل أن تغتسل هي من الجنابة أتاها بعض الدم، وهذا يحدث لها نادراً أن تزيد دورتها عن الأيام المعتادة يوما، فهل يعتبر أتاها في حيض؟ وماذا عليهما؟ وهل يلزم الزوجة الاغتسال من الجنابة أم لها أن تؤجل ذلك إلى نهاية اليوم لتغتسل من الحيض والجنابة معا؟ وهل عليهما إثم؟ علما بأنها كانت متأكدة من طهرها حيث رأت الطهر واغتسلت وصلت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تيقنت رؤية الطهر إما بالجفاف التام، وإما بنزول السائل الأبيض الذي تعرف النساء انتهاء الحيض بنزوله، فما نزل بعد ذلك من دم لا يعتبر حيضاً، فلا يمنع من الصلاة والصيام والجماع.
أما إذا كنت لم تتيقني الطهر، وإنما بنيت على انتهاء حيضك المعتاد، فهذا الدم النازل حيض، لأن الحيض قد يزيد وقد ينقص عن أيامه المعتادة.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية. فأنا عادتي في كل شهر 9 أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي الدم خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟
فأجاب: "هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يحسب من العادة، فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج، فإذا طهرت وانقضت أيام عادتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات، ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة، لا تردها على الصلاة ونحوها" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/277) .
وأما ما حصل من جماع فلا حرج عليكما فيه، لأنكما كنتما تعتقدان أن الحيض قد انتهى.
ولا حرج على المرأة في تأخير غسل الجنابة، حتى تغتسل من الحيض والجنابة جميعاً، وإن كان الأولى أن تغتسل للجنابة، فإنها تستفيد بذلك جواز قراءة القرآن، فإن الجنب ممنوع من قراءة القرآن، بينما الحائض تقرأ القرآن.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (2564) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/414)
سنن الفطرة في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القيام بسنن الفطرة للنساء أثناء فترة الحيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تمنع الحائض من القيام بسنن الفطرة، والتنظف والتجمل والتزين، بل الحائض في ذلك كغيرها من النساء.
وإنما تمنع الحائض من الصلاة والصيام والطواف بالكعبة، ومس المصحف، ودخول المسجد والجماع.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز أن أضع الحِنّا في يدي وشعري أثناء الدورة الشهرية؟
فأجابوا:
" يجوز لك ذلك؛ لأن الأصل في ذلك الجواز، ولم يثبت ما يمنع شرعا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/403) .
ثانياً:
القيام بسنن الفطرة معلق بالحاجة إلى ذلك، فمن طال عليه شعره أو ظفره فيشرع له المبادرة إلى تقصيره
قال النووي رحمه الله "المجموع" (1/340) :
" وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة" انتهى.
ومعلوم أن فترة الحيض قد تتجاوز أسبوعا، والنفاس قد يصل إلى الأربعين، فكيف تؤمر بالجلوس كل هذه الفترة دون أن تقوم بهذه السنن!
ثالثاً:
يعتقد بعض الناس أن من عليه الحدث الأكبر لا يأخذ شيئا من شعره وأظفاره؛ وهذا اعتقاد باطل لا أصل له في شريعة الإسلام.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل اذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشط رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال: (إن المؤمن لا ينجس) وفي صحيح الحاكم: (حيا ولا ميتا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/120-121) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/415)
أحكام الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحكام المترتبة على وجود الحيض للمرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة، فمن ذلك:
الأول: الصلاة:
فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة، فتجب عليها الصلاة حينئذ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره.
مثال ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض.
ومثال ذلك من آخره: امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة.
أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة لا تجب عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه، فإن مفهومه أن من أدرك ركعة لم يكن مدركاً للصلاة.
* وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن.
وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ـ يعني إلى صلاة العيدين ـ وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى) .
فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها، قال النووي في "شرح المهذب": جائز بلا خلاف.
وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز.
وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر: هو جائز، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في "فتح الباري" وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي: لا بأس أن تقرأ الآية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": " ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإن قوله: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى.
* والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال: الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك.
الحكم الثاني: الصيام:
فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك ـ تعني الحيض ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه.
وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً.
أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ قال: (نعم إذا هي رأت الماء) . فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله.
وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة.
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها،وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان) متفق عليه.
الحكم الثالث: الطواف بالبيت:
فيحرم عليها الطواف بالبيت، فرضه ونفله، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) .
وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثنء السعي فلا حرج في ذلك.
الحكم الرابع: سقوط طواف الوداع عنها:
فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) متفق عليه.
وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت.
الحكم الخامس: المكث في المسجد:
فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه، لحديث أم عطية رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض) وفيه: (يعتزل الحيض المصلى) متفق عليه.
الحكم السادس: الجماع:
فيحرم على زوجها أن يجامعها، ويحرم عليها تمكينه من ذلك , لقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) .
والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع. رواه مسلم.
ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها.
وقد أبيح له ولله الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل، لقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض. متفق عليه.
الحكم السابع: الطلاق:
فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، أي: في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع،فتعتد بالحمل،أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر.
فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) .
فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم تحيض مرة أخرى، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها.
ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:
الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) .
الثانية: إذا كان الحيض في حال الحمل.
الثانية: إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض.
وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع.
الحكم الثامن: اعتبار عدة الطلاق به ـ أي الحيض ـ
فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة، إن كانت من ذوات الحيض، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) . أي: ثلاث حيض. فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) . وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) . وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب، هذا هو القول الصحيح، الذي ينطبق على القواعد الشرعية، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل، وثلاثة أشهر للعدة.
* أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة، فليس فيه عدة إطلاقاً، لا بحيض ولا غيره لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) .
الحكم التاسع: الحكم ببراءة الرحم:
أي بخلوه من الحمل، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل:
منها: إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها، وهي ذات زوج، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض، أو يتبين حملها، فإن تبين حملها، حكمنا بإرثه، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض.
الحكم العاشر: وجوب الغسل:
فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) رواه البخاري.
* وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة ـ أي قطعة قماش فيها مسك فتطهر بها ـ فقالت أسماء: كيف تطهر بها؟ فقال: سبحان الله! فقالت عائشة لها: تتبعين أثر الدم) رواه مسلم.
* ولا يجب نقض شعر الرأس، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية للحيضة والجنابة؟ فقال: (لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) .
وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل.
وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل، وتؤدي الصلاة في وقتها، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل " انتهى.
فهذه أهم الأحكام التي تترتب على وجود الحيض من المرأة.
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/416)
اضطرت للمس المصحف وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد مسست المصحف وقرأت منه وأنا حائض على امرأة فيها مس قد ثارت ولم يستطيع أحد أن يقرأ عليها لتهدئتها فلم يكن بينهم من يجود ويرتل غيري فاضطررت للقراءة ... فما الحكم في تصرفي هذا.. هل علي إثم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لغير المتوضئ (الحائض وغيرها) أن يمس المصحف في قول جمهور العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ) رواه مالك في الموطأ (468) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (122) .
وللحائض أن تقرأ القرآن من غير مس للمصحف على القول الراجح، كما لو قرأت من حفظها، أو أمسكت المصحف بحائل، ولها أن تقرأ من المصحف المشتمل على تفسير، كما هو مبين في جواب السؤال (2564) ، (60213) .
فكان عليك أن تتجنبي مس المصحف مباشرة، وأن تمسكيه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبسي قفازا، أو تقلبي أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك.
أما وقد حصل المحظور، فما عليك إلا أن تستغفري الله تعالى، وتتوبي إليه، ونسأل الله أن يتجاوز عنك، كما نسأله أن يتقبل منك ويثيبك على مساعدتك لأختك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/417)
ليس على الحائض حرج في دخولها للمدينة النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تدخل الحرم المدني وهي حائض؟ وماذا عليها إذا كانت حائضاً وهي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تُمنع المرأة الحائض من دخول مكة ولا المدينة، وليس في النصوص ما يمنعها من دخولهما، بل النصوص تدل على عكس ذلك، فالنساء اللاتي يأتين للحج والعمرة يمكن أن يكنَّ حيَّضاً وهنَّ ممنوعات من الطواف بالبيت فقط، وقد كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وحاضت قبل دخول مكة، ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من دخولها حتى تطهر! بل أمرها أن تفعل جميع مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنها تؤجله حتى تطهر، فقال صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (305) ومسلم (1211) .
والنساء اللاتي يسكنَّ المدينة ألم يكن يصيبهن الحيض؟ فهل كانوا يخرجن من المدينة؟! فالحاصل أنه لا حرج في دخول الحائض مكة والمدينة وبقائها فيهما، والأمر أوضح من أن يستدل له.
وأما دخول الحائض المسجد (سواء كان المسجد الحرام بمكة، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، أو غيرهما من المساجد) فقد سبق في جواب السؤال (33649) أنه لا يحل لها دخول المسجد، فلينظر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/418)
أحكام الاستحاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحكام التي تترتب على الاستحاضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (68818) بيان متى يكون الدم حيضاً ومتى يكون استحاضة فمتى كان حيضاً ثبتت له أحكام الحيض، ومتى كان استحاضة ثبتت له أحكام الاستحاضة.
وقد سبق ذكر المهم من أحكام الحيض في جواب السؤال (70438)
وأما أحكام الاستحاضة، فكأحكام الطهر، فلا فرق بين المستحاضة وبين الطاهرات إلا فيما يأتي:
الأول: وجوب الوضوء عليها لكل صلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (ثم توضئي لكل صلاة) رواه البخاري في باب غسل الدم. معنى ذلك أنها لا تتوضأ للصلاة المؤقتة إلا بعد دخول وقتها. أما إذا كانت الصلاة غير مؤقتة فإنها تتوضأ لها عند إرادة فعلها.
الثاني:
أنها إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم، وتعصب على الفرج خرقة على قطن ليستمسك الدم , لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة: (أنعت لك الكرسف , فإنه يذهب الدم، قالت: فإنه أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي) الحديث، ولا يضرها ما خرج بعد ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (اجتنبي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي، وإن قطر الدم على الحصير) رواه أحمد وابن ماجة.
الثالث:
الجماع، فقد اختلف العلماء في جوازه إذا لم يخف العنت بتركه، والصواب جوازه مطلقاً , لأن نساء كثيرات يبلغن العشر أو أكثر استحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يمنع الله ولا رسوله من جماعهن. بل في قوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض) دليل على أنه لا يجب اعتزالهن فيما سواه، ولأن الصلاة تجوز منها، فالجماع أهون. وقياس جماعها على جماع الحائض غير صحيح، لأنهما لا يستويان حتى عند القائلين بالتحريم والقياس لا يصح مع الفارق " انتهى.
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/419)
أحوال المستحاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الدم ينزل من المرأة كثيراً، بحيث تكون مستحاضة، فكيف تصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" للمستحاضة ثلاثة حالات:
الحالة الأولى:
أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم السابق فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، يثبت لها أحكام المستحاضة.
مثال ذلك: امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم طرأت عليها الاستحاضة فصار الدم يأتيها باستمرار، فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر، وما عداها استحاضة , لحديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: (لا. إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) رواه البخاري، وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم حبيبة: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) . فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر حيضها ثم تغتسل وتصلي ولا تبالي بالدم حينئذ.
الحالة الثانية:
أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة بأن تكون الاستحاضة مستمرة بها من أول ما رأت الدم من أول أمرها، فهذه تعمل بالتمييز فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة يثبت له أحكام الحيض، وما عداه استحاضة يثبت له أحكام الاستحاضة.
مثال ذلك: امرأة رأت الدم في أول ما رأته، واستمر عليها لكن تراه عشرة أيام أسود وباقي الشهر أحمر. أو تراه عشرة أيام غليظاً وباقي الشهر رقيقاً. أو تراه عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له , فحيضها هو الأسود في المثال الأول، والغليظ في المثال الثاني، وذو الرائحة في المثال الثالث، وما عدا ذلك فهو استحاضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم. وهذا الحديث وإن كان في سنده ومتنه نظر، فقد عمل به أهل العلم رحمهم الله، وهو أولى من ردها إلى عادة غالب النساء.
الحالة الثالثة:
ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً، فهذه تعمل بعادة غالب
النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر، يبتديء من أول المدة التي رأت فيها الدم، وما عداه استحاضة.
مثال ذلك: أن ترى الدم أول ما تراه في الخامس من الشهر ويستمر عليها من غير أن يكون فيه تمييز صالح للحيض لا بلون ولا غيره فيكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة تبتديء من اليوم الخامس من كل شهر. لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله , إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال: (أنعت لك [أصف لك استعمال] الكرسف [وهو القطن] تضعينه على الفرج، فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. وفيه قال: (إنما هذا ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي) . الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ونقل عن أحمد أنه صححه، وعن البخاري أنه حسنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ستة أيام أو سبعة) ليس للتخيير وإنما هو للاجتهاد فتنظر فيما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خلقة ويقاربها سناً ورحماً وفيما هو أقرب إلى الحيض من دمها، ونحو ذلك من الاعتبارات فإن كان الأقرب أن يكون ستة جعلته ستة , وإن كان الأقرب أن يكون سبعة جعلته سبعة " انتهى.
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
ففي الوقت الذي تحكم فيه بأن الدم دم حيض فهي حائض , وفي الوقت الذي تحكم فيه بانتهاء الحيض فهي طاهر تصلي وتصوم ويأتيها زوجها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/420)
طهرت بعد الظهر فهل تصوم بقية اليوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم اذا طَهُرتُ بعد الظهر ولم أنوِ صيامي من الليل، هل يجوز لي الصيام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام أثناء فترة الحيض والنفاس باتفاق العلماء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) :
" اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقاً فرضاً أو نفلاً وعدم صحّته منها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها) فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار، فسد صومها، وقد نقل ابن جرير والنّوويّ وغيرهما الإجماع على ذلك........كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها، لقول عائشة رضي الله عنها في الحيض: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة. ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الإجماع على ذلك " انتهى.
وبهذا يتضح أنه لا يصح صيام اليوم الذي طهرت فيه الحائض، وعليها قضاء هذا اليوم بعد رمضان.
ثم اختلف العلماء: هل يجب عليها أن تمتنع عن الطعام والشراب بقية يومها احتراما لحرمة الشهر الفضيل أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، الراجح منهما ما ذهب إليه المالكية والشافعية من عدم وجوب الإمساك عليهما. وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/344) .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) :
" لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر، فإنّه لا يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه، ويجب عليها الإمساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ولا يستحبّ لها الإمساك، وعند الشّافعيّة لا يلزمها الإمساك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/421)
هل تصوم المرأة المستحاضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصوم المرأة المستحاضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في المدة التي تحكم فيها المستحاضة على الدم النازل بأنه دم حيض , فهي حائض تجري عليها أحكام الحائض , فإذا انتهى الحيض فهي طاهر، تغتسل وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها , ولو كان الدم مستمراً في النزول.
فعن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ، إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإذا أَقْبَلتْ حَيْضتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ , وَإِذَا أَدْبَرتْ فَاغْسِلي عنكِ الدمَ ثُمَّ صَلِّي) رواه البخاري (226) ومسلم (333) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في بيان معنى (إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ) :
" وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق - ومنه دم العملية [الجراحية]- فإن ذلك لا يعتبر حيضاً، فلا يحرم به ما يحرم بالحيض، وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عيثمين " (11 / السؤال رقم 226) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه , وهي مستحاضة ترى الدم , فربما وضعت الطست تحتها من الدم. رواه البخاري (303) .
وانظر جواب السؤال رقم (7501) و (5595) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/422)
جاءها الدم بسبب تركيب اللولب بعد انتهاء النفاس
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد انقطاع دم النفاس وذلك قبل رمضان بعشرة أيام ذهبت إلى الطبيبة لوضع لولب قبل يومين من رمضان ثم عاد نزول الدم حتى اليوم فهل أصوم وأصلي؟ علما بأني أفعل ذلك الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل أن الدم الذي ينزل على المرأة دم حيض، ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما، فيكون دم استحاضة، عند أكثر الفقهاء، وعند بعضهم: ما لم يطبق عليها الدم أكثر الشهر، فإن أطبق عليها الدم كان استحاضة.
ثانياً: العادة قد تزيد وتنقص، وتتقدم وتتأخر، والدم النازل في هذه الأحوال يحكم بأنه دم حيض، من غير حاجة إلى تكرره، على الراجح من قولي الفقهاء. فقد تكون عادتك سبعة أيام، فتمتد إلى عشرة مثلاً، فيحكم بأن الجميع حيض.
ثالثاً: تركيب اللولب يسبب اضطرابا في الدورة غالبا، زيادة في أيامها، أو تقدما في موعدها، أو تغيرا في صفة دم الحيض.
رابعاً: ما فهمناه من سؤالك أن الدم نزل عليك بعد تركيب اللولب، قبل يومين من رمضان، واستمر حتى هذا اليوم (السابع من رمضان) ولم تبيني قدر عادتك سابقاً، ولا هل جاءت العادة في موعدها أم لا؟
وبناء على هذه المقدمات: فإن الدم الذي نزل عليك يحكم بأنه دم حيض، إلا إن تجاوز خمسة عشر يوما، فتكونين مستحاضة، [وعند بعض أهل العلم لا تكونين مستحاضة حتى يطبق عليك الدم أكثر الشهر] .
وإذا ثبت أنك مستحاضة، فأنت بين أحوال ثلاثة:
1- أن يكون لك عادة سابقة معلومة، فتعتمدين على عادتك السابقة، فتجلسين قدرها، ثم تغتسلين وتصلين، وما زاد على قدر عادتك فهو استحاضة.
2- فإن لم يكن لك عادة سابقة منضبطة، فتلجئين إلى التمييز بين الدماء، فدم الحيض أسود (غامق) ثخين، ذو رائحة كريهة، يصحبه عادة تألم. ودم الاستحاضة فاتح رقيق.
فيكون حيضك هو أيام الدم الأسود الثخين، وأما الدم الآخر، فاستحاضة.
3- فإن لم يكن هناك تمييز، فتجلسين ستة أيام أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسلين وتصلين.
والمستحاضة: تصوم وتصلي وتوطأ، ويلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها، وتصلي بالوضوء ما شاءت من النوافل.
وقد سبق بيان أحوال المستحاضة بأدلتها في جواب السؤال رقم (68818) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/423)
اضطربت عادتها بسبب حبوب منع الدورة فكيف تفعل في الصلاة والصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنوات مضت وبعد أشهر من بلوغي، قررت عائلتي الذهاب للحج، ونزلت العادة قبل أيام من تاريخ السفر المحدد. ولذلك فقد طلبت مني والدتي أن أتناول الحبوب لإيقاف الحيض؛ وقد فعلت ذلك. ومنذ تلك الحادثة والعادة عندي غير منتظمة. حتى إنها لا تنزل عندي لعدة أشهر، وفي بعض الأحيان إذا نزلت فإنها لا تنقطع. وقد بدأ الحيض عندي قبل رمضان لهذا العام بعشرة أو 11 يوما. ثم اغتسلت بعد 9 أيام تقريبا. ثم لاحظت نزوله مرة أخرى بعد يومين. فأخبرتني جدتي ألا أصوم في أول رمضان. ولم أصم اليومين الأولين من الشهر، ثم اغتسلت وصمت الثالث مع أن الدم لم يزل ينزل. وذلك لأني أظن أني قرأت حديثا سمح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة بعد التحفظ بالقطن أو قماش سميك، لأنه لم يكن دم حيض. وأرجو أن تذكر لي بوضوح كيف أتصرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تعرف طهارة المرأة من الحيض بإحدى علامتين: بنزول القصة البيضاء، أو بالجفاف وانقطاع الدم تماما. وحينئذ تصلي وتصوم. فإن عاودها الدم، أخذ حكم الحيض، ولا تكون مستحاضة إلا إذا استمر عليها الدم دائما، أو كان لا ينقطع إلا يسيرا. وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في "فتاوى المرأة المسلمة" ص 275.
ثانيا:
بناء على ذلك فإنه يلزمك أن تقضي الأيام التي صمتِ أثناء نزول الدم، إذا كان الدم لم يستمر عليك بقية الشهر.
ثالثا:
إذا استمر الدم بلا انقطاع، فأنت مستحاضة، وعليك في الشهر التالي:
1- أن تجلسي قدر عادتك السابقة، ثم تغتسلي وتصلي، فالاستحاضة كما ذكرتِ لا تمنع الصلاة والصوم، لكن يلزم التحفظ بقطن أو قماش سميك يمنع انتشار الدم وتلويث الثياب أو محل الصلاة.
2- فإن لم يكن لها عادة سابقة منضبطة، فتعلمين بالتمييز بين الدم، فدم الحيض أسود (غامق) ثخين، ذو رائحة كريهة، يصحبه عادة تألم. ودم الاستحاضة فاتح رقيق.
فيكون الحيض هو أيام الدم الأسود الثخين، وأما الدم الآخر، فاستحاضة.
3- فإن لم يكن هناك تمييز، فتجلس ستة أيام أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسل وتصلي.
والمستحاضة: يلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من النوافل.
ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال (68818) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/424)
تأتيها الدورة في ميعادها ويتوقف الدم يوما أو نصف يوم في أولها وآخرها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تأتيها الدور في ميعادها. ولكن قد تبدأ بدم بسيط ثم يتوقف نصف يوم أو يوم كاملا. وكذلك عند انتهاء الدورة فمتى تبدأ تقف عن الصيام والصلاة ومتى تعود لهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رأت المرأة دم الحيض لزمها ترك الصلاة والصوم، فإن انقطع الدم أثناء الحيض نُظر في ذلك:
1- فإن كان أثر الدم باقيا، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت وعليها أثر الدم، فلا يحكم بانقطاع الحيض، وتظل ممتنعة عن الصلاة والصيام، سواء حدث هذا في أول الدورة أو في آخرها.
2- إن حصل الجفاف والنقاء التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر الدم، فهذا علامة انقطاع حيضها، فتكون طاهراً، فتغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. ثم إن عاودها الدم أمسكت.
والحكم بأن النقاء في فترة الحيض يعتبر طهرا هو مذهب المالكية والحنابلة.
انظر: "مطالب أولي النهى" (1/260) .
وقد سبق في جواب السؤال (37839) ذكر قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل " انتهى.
"مجلة البحوث العلمية" (12/102)
والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ، وقيل: الكثير. "لسان العرب" (4/46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/425)
اضطربت دورتها بسبب الحبوب فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتت الدورة لزوجتي بعد عشرة أيام من الدورة السابقة بسبب نسيانها حبة من حبوب تنظيم الدورة، وقالت لها الطبيبة أن تأخذ حبوب تنظيم الدورة وسوف تنقطع الدورة ولكن استمرت إلى الآن بدم خفيف لمدة 25 يوماً، فماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يمكن ـ عادةً ـ أن تستمر الدورة هذه المدة الطويلة، فتكون زوجتك في هذه المدة مستحاضة، فتجلس أيام عادتها التي كانت تأتيها كل شهر، ويكون هذا هو حيضها، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ويجوز جماعها، فتكون طاهراً ولو نزل الدم.
وانظر جواب السؤال رقم (49671) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/426)
ما زاد من أيام العادة على 15 يوماً هل تعتبره حيضاً أم تصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من فرط الطمث وأيام العادة غير منتظمة، فإذا زادت الأيام عن 10 أو 15 يوماً هل يجوز لي أن أصلي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الشرع دليل ثابت يبيِّن أقل مدة للحيض أو أكثره، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام؟
فأجاب:
" ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدٌّ بالأيام على الصحيح؛ لقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً أو عدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسنٍّ أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيَّناً في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فبناء عليه: فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذٍ يكون دم استحاضة.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/271) .
وعلى هذا فلا يجوز لكِ أن تصلي إلا بعد انقطاع الدورة الشهرية والاغتسال من الحيض، ويعرف انقطاع دم الحيض بإحدى علامتين: إما نزول القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يخرج عند انتهاء الحيض -، وإما بالجفاف التام للدم.
وللمزيد: يُراجع جواب السؤال رقم (5595) ففيه زيادة تفصيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/427)
رأت الطهر ثم نزل عليها إفرازات فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن دورتي الشهرية ستة أيام وفي اليوم السادس انقطع الدم، ووضعت منديل لأتأكد، وكان يخرج القصة البيضاء قليلا، فاغتسلت وجامعني زوجي في تلك الليلة، ثم اغتسلت وصمت (نحن في رمضان) وفي الظهر وجدت بعض الإفرازات فيها شيء يسير جدّاً من الاصفرار أو الاحمرار، فلا أدري ما الحكم؟ هل أقضي هذا اليوم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ندري ما المراد بقولك: "يخرج القصة البيضاء قليلاً".
فإن كان مرادك أنك رأيت القصة البيضاء، فهي علامة على الطهر، فما نزل بعدها من الصفرة أو الحمرة لا يعتبر حيضاً، لقول أم عطية رضي الله عنها: كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى هذا؛ صومك صحيح، ولا حرج فيما وقع من الجماع، لأنك لم تكوني حائضاً.
وإن كان مرادك أنك رأيت بقايا من الصفرة أو الحمرة، فهذا دليل على عدم انتهاء الحيض، ولا ينبغي للمرأة أن تتعجل فتحكم بانتهاء الحيض مع وجود الصفرة أو الحمرة، مهما كان قليلاً، فقد كانت النساء يبعثن إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. رواه مالك (130) .
(الدُّرجَةِ) : ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. وقيل: هي وعاء صغير.
(الْكُرْسُفُ) هو القطن.
وانظري السؤال (66062) .
وعلى هذا، فعليك قضاء صيام هذا اليوم، لأنه لا يصح الصيام مع وجود الحيض.
أما ما وقع من الجماع فيه، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، لأنك كنت تظنين انتهاء الحيض، ولم تتعمدي فعل المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/428)
دخول الحائض المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حائض تريد دخول المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن مع العلم بأنها مواظبة على ذلك بشكل أساسي، وإن تغيبت للحيض سيفوتها مسائل سيتعذر عليها إدراكها فيما بعد، فهل يجوز لها الحضور بشروط معينة استثناء وما هو رأى العلماء الراجح في المسألة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه لا يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) .
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد.
واستدلوا بأحاديث أخرى ولكنها ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (232) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (6/272) :
ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟
فأجابوا: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأمن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/272) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد؟
فأجاب: " المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد، وأما مرورها بالمسجد فلا بأس به، بشرط أن تأمن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدم، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد، فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن، اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر، لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكئ في حجر عائشة، فيقرأ القرآن وهي حائض، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع الذكر، أو القراءة، فإن ذلك لا يجوز، ولهذا لما أُبلغ النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أن صفية كانت حائضا قال: (أحابستنا هي؟) ظن صلى الله عليه وسلم، أنها لم تطف طواف الإفاضة فقالوا إنها قد أفاضت، وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة. وثبت عنه أنه أمر النساء أن يخرجن إلى مصلى العيد للصلاة والذكر، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 273) .
وينظر مذاهب الفقهاء في: "المبسوط" (3/153) ، "حاشية الدسوقي" (1/173) ، "المجموع" (2/388) ، "المغني" (1/195) .
ثانيا:
للحائض أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف، على ما هو مبين في جواب السؤال (2564) .
ولها أن تقرأ من المصحف المطبوع مع التفسير، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما كتب التفسير فيجوز مسها؛ لأنها تعتبر تفسيرا، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها.
ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر.
أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن.
وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير " انتهى من "الشرح الممتع" (1/267) .
ثالثا:
ما ورد في السؤال من خشية فوات بعض المسائل والدروس على الحائض إذا امتنعت من دخول المسجد، يمكن تلافيه بتسجيل هذه الدروس، أو الاستماع إليها من خارج المسجد، إن أمكن ذلك، وينبغي أن يلحق ببعض المساجد ملحقات خاصة لا تأخذ حكم المسجد، تجعل كمكتبة أو دار للتحفيظ، تتمكن صاحبات العذر من الجلوس فيها دون حرج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/429)
هل للحائض أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمرأة إذا حاضت أن تفطر في رمضان وتصوم أياماً مكان الأيام التي أفطرتها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يصح صوم الحائض ولا يجوز لها فعله فإذا حاضت أفطرت وصامت أياماً مكان الأيام التي أفطرتها بعد طهرها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة.(5/430)
الكدرة قبل الطهر تعتبر حيضا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجدت المرأة بعد ستة أيام من الحيض لوناً بنياً فاتحاً نوعا ما، فهل يعتبر من الحيض أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت هذه الكدرة التي تراها المرأة قبل أن ترى الطهر فهي من الحيض، وإن كانت بعد رؤية الطهر فليست من الحيض، فلا تنافي الصلاة والصيام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 19) في بيان الطوارئ على الحيض، قال:
"النوع الثالث: صفرة أو كدرة، بحيث ترى الدم أصفر، كماء الجروح، أو متكدراً بين الصفرة والسواد، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض تثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لقول أُمّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها: (كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) . رواه أبو داود بسند صحيح" اهـ.
وقال أيضاً في "فتاوى أركان الإسلام" (ص 258) :
" القاعدة العامة: أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني بالطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض. .......
ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف ـ يعني القطن ـ فيه الصفرة فتقول لهن: " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/431)
إذا حاضت قبل الغروب ولو بلحظة بطل صومها ووجب عليها القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لو جاءت الدورة الشهرية أثناء الصيام هل أتم اليوم صائمة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حاضت المرأة أثناء الصيام فسد صومها، ولو كان نزول الدم قبل المغرب بلحظة، ووجب عليها قضاؤه إن كان صومها واجباً، ويحرم عليها الاستمرار في الصيام وهي حائض.
قال النووي رحمه الله في المجموع (2/386) :
أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ , وَعَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ صَوْمُهَا. . . وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ باختصار.
وقال ابن قدامة في " المغني" (4/397) :
" أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ , وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: (كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ , وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ , فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ سَوَاءٌ ; لأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ , وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ , سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ , وَمَتَى نَوَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ , وَأَمْسَكَتْ , مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ , أَثِمَتْ , وَلَمْ يُجْزِئْهَا" اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 28) :
" وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً.
أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة صامت وقبل غروب الشمس وقبل الأذان بفترة قصيرة جاءها الحيض هل يبطل صومها؟
فأجابت: إذا كان الحيض أتاها قبل الغروب بطل الصيام وتقضيه، وإن كان بعد الغروب فالصيام صحيح ولا قضاء عليها اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/432)
انقطع الحيض لكن تنزل بقعة دم لونها باهت
[السُّؤَالُ]
ـ[تناولت حقن لمنع الحمل فانقطع الحيض، وكل عدة أيام تنزل بقعة دم صغيرة لونها باهت، فهل تفسد صيام اليوم؟ وهل يجب الغسل؟ أم يكفي الوضوء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما حكم تناول حقن لمنع الحمل فقد سبق الجواب عليه في السؤال رقم (21169)
وأما حكم هذه النقاط اليسيرة من الدم الباهت اللون كل عدة أيام فالظاهر أنها ليست من الحيض، فلا تمنع من الصلاة والصيام، ولا توجب الغسل، وإنما يكفي الوضوء منها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي:
إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب:
نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف (نزيف) الأنف ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه. (60 سؤالا في الحيض ص6)
والله أعلم
وانظري سؤال رقم (25784) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/433)
إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة وضعت قبل ما يقرب 15 يوم من شهر شعبان هل يجوز لها الصلاة والصوم والعمرة وتلاوة القرآن والقيام بكافة التكاليف الشرعية متى وقف دم النفاس وتأكدت من ذلك أو عليها الانتظار 40 يوما كما يقول البعض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن النفاس لا حد لأقله، فمتى طهرت المرأة من النفاس وجب عليها الاغتسال وتصلي وتصوم ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً على ولادتها، " لأنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً " قاله ابن قدامة في "المغني" (1/428) .
بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، قال الترمذي رحمه الله: "و َقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي" اهـ.
وانظر "المجموع" للنووي (2/541) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله (15/195) هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل الأربعين يوماً إذا طهرت؟
فأجاب: نعم يجوز لها أن تصوم وتصلي وتحج وتعتمر ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوماً اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه وهو اجتهاد منه رضي الله عنه ولا دليل عليه.
والصواب أنه لا حرج في ذلك إذا طهرت قبل الأربعين يوماً فإن طهرها صحيح فإن عاد عليها الدم في الأربعين فالصحيح أنها تعتبره نفاساً في مدة الأربعين ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع حال الطهارة اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/458) :
" إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ولزوجها جماعها" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة ولدت قبل رمضان بسبعة أيام وطهرت وصامت رمضان. فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر وأن صيامها شهر رمضان في زمن الطهر فإن صيامها صحيح ولا يلزمها القضاء اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/434)
ما الحكمة من تحريم الصوم على الحائض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف الحكمة من عدم صيام المرأة مع أن الصيام لا دخل له بالنجاسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المؤمن التسليم لحكم الله تعالى والانقياد له ولو لم يعرف الحكمة منه، بل يكفيه أنه أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
ثانياً:
يوقن المؤمن ويؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى حكيم، فلا يشرع شيئاً إلا لحكمة بالغة، فلا يأمر بشيء إلا لما فيه من المصلحة الخالصة أو الغالبة، ولا ينهى عن شيء إلا لما فيه من المفسدة الخالصة أو الغالبة، وما أحسنَ ما قاله ابن كثير رحمه الله في "البداية النهاية" (6/79) :
"وجاءت شريعته (صلى الله عليه وسلم) أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه" اهـ.
لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد تخفى علينا، وقد يخفى علينا أكثرها أو بعضها.
ثالثاً:
أجمع العلماء على تحريم الصوم على الحائض، وأنها يلزمها قضاء ما أفطرته بسبب الحيض إذا كان الصوم واجبا كصيام رمضان.
وأجمعوا أيضا على أنها إذا صامت لم يصح صومها. انظر السؤال رقم (50282) .
واختلف العلماء في الحكمة من عدم صحة الصوم من الحائض.
فقال بعضهم: الحكمة غير معلومة لنا.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَكَوْنُ الصَّوْمِ لا يَصِحُّ مِنْهَا لا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا" اهـ من "المجموع" (2/386) .
وقال آخرون: بل الحكمة أن الله تعالى نهى الحائض عن الصيام وقت الحيض رحمةً بها، لأن خروج الدم يضعفها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصيام، فيخرج الصوم بذلك عن حد الاعتدال، وقد يصل إلى حد الإضرار.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/234) :
" فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ:
إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا. . .
وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. . وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ. . وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/435)
تأتيها الدورة مرتين في الشهر فهل تترك الصلاة والصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعانى من حالة مرضية فالدورة الشهرية تأتى لي مرتين في الشهر الواحد وتستمر في كل مرة من سبع إلى عشرة أيام فكيف أصوم في رمضان؟ وكيف أصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجد دم الحيض المعروف بصفته ولونه: فتلزم المرأةَ أحكامه من تحريم الصلاة والصيام والجماع، حتى لو تكرر نزوله أكثر من مرة في الشهر، وحتى لو طالت مدته عن الأيام المعتادة في كل شهر.
سُئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
عن المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت، وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل، ثم طهرت وصلت أحد عشر يوماً، وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة، فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض؟ .
فأجاب بقوله:
الحيض متى جاء فهو حيض سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية: فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض وهكذا أبداً، كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً أو كان لا ينقطع إلا يسيراً: فإنها تكون مستحاضة، وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال 230) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/436)
إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها.
فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم.
وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر.
وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء.
رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) .
ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها.
الكرسف: القطن.
وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح.
وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟
فأجاب بقوله:
تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ.
وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟
فأجاب بقوله:
الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/437)
من أسقطت بعد شهرين هل يكون دمها نفاساً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حاملاً وحدث سقوط للحمل بعد أن أتممت الشهرين، وسألت سيدة على علم شرعي هل أصوم رمضان وأصلي، فردت عليَّ: بأن نعم، تصومي، وتصلي؛ لأنه لم ينفخ فيه الروح بعد، فيعتبر كأنه استحاضة، وفعلا صمت وصليت، ولكن أخبرني طبيب آخر بأنه عليَّ الإعادة بالنسبة للصيام، فما هو الحكم الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما سمعته الأخت السائلة من القولين المختلفين يعود إلى الاختلاف في المسألة نفسها، والمسألة فيها خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت الجنين متخلقاً: فإنها تترك الصلاة والصيام وتكون نفساء، وإن لم يكن متخلقاً: فدمها دم فساد لا تترك الصلاة والصيام، وأقل زمن يحصل فيه التخليق واحد وثمانون يوماً.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان الجنين قد تخلق , بأن ظهرت فيه أعضاؤه من يد أو رجل أو رأس حرم عليه جماعها مادام الدم نازلا إلى أربعين يوما , ويجوز أن يجامعها في فترات انقطاعه أثناء الأربعين بعد أن تغتسل , أما إذا كان لم تظهر أعضاؤه في خلقه فيجوز له أن يجامعها ولو حين نزوله , لأنه لا يعتبر دم نفاس , إنما هو دم فاسد تصلي معه وتصوم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 422، 423) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء لها أحكام النفاس فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما , ومتى طهرت لأقل من أربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان حل لزوجها جماعها ...
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس ولا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم.
" فتاوى إسلامية " (1 / 243) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً ...
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 304، 305) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/438)
الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس؟ إذا كان سبب التحريم هو الدم لأنه نجس فهل يجوز الوطء بمانع مثل الواقي المطاطي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرّم الله عز وجل على الرجال وطء زوجاتهم في الفرج في زمن الحيض.
وقد نص القرآن الكريم على علّة التحريم، وهي كون المحيض أذى قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) البقرة / 222
والدراسات العلمية في هذا المجال كشفت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة ولكنهم لم يصلوا إلى التعرف على جميع الأذى الذي عناه النص القرآني.
يقول الدكتور محيي الدين العلبي: " يجب الامتناع عن جماع المرأة الحائض لأن جماعها يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي، لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزّق وسريعة العطب، كما أن جدار المهبل سهل الخدش، وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرة مما يؤدي إلى التهاب الرحم أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء عملية الجماع، كما أن جماع الحائض يسبب اشمئزازاً لدى الرجل وزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته، مما قد يكون له تأثير على الرجل فيصاب بالعنة (البرود الجنسي)
ويقول الدكتور محمد البار متحدثاً على الأذى الذي في المحيض: يُقذف الغشاء المبطّن للرحم بأكمله أثناء الحيض.. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك، تماماً كما يكون الجلد مسلوخاً فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح.. ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم.
لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم.
ويرى الدكتور البار أن الأذى لا يقتصر على ما ذكره من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل الذي يصعب علاجه، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى هي:
1. امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها، مما قد يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق.
2. امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول، فالمثانة فالحالبين فالكلى، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة.
3. ازدياد الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان.
والمرأة الحائض كذلك تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع، فإن حدث فإنه يؤذيها أذى شديداً، ويصاحبه آلالام وأوجاع أثناء الحيض ـ يقول الدكتور البار ـ:
1. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات.
2. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته..كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
3. تصاب بعض النساء بالصداع النصفى قرب بداية الحيض، وتكون آلالام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء.
4. تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الجماع أثناء الحيض. وتكون الأجهزة التناسيلة بأكملها في حالة شبه مرضية، فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً ولا يؤدي أي وظيفة، بل على العكس يؤدي إلى الكثير من الأذى.
5. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة، ومع انخفاض درجة الحرارة يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل.
ويذكر الدكتور البار أيضاً أن: الأذى لا يقتصر على الحائض في وطئها، وإنما ينتقل إلى الرجل الذي وطئها أيضاً مما قد يسبب له التهابات في الجهاز التناسلي الذي قد يسبب عقماً نتيجة هذه الالتهابات. كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض من هذه الالتهابات تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم.
إلى غير ذلك من المضار الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن، وإنما عبّر عنها الله عز وجل بقوله: (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن) فوصفه تعالى له بأنه (أذى) أذى للزوجة، وأذى للزوج وغير ذلك من مضار كثيرة الله أعلم بها.
وبهذا يتبيّن أنه ليس المنع من وطء الزوجة في زمن الحيض من أجل الدم فقط. بل لأسباب كثيرة سبق ذكرها.
كما أن على المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل فإنه هو الخالق وهو أعلم بما يصلح العباد وما يضرهم، وهو القائل (فاعتزلوا النساء في المحيض) فحتى لو لم يتبيّن للشخص الحكمة من ذلك فإن عليه أن يسلّم لأمر الله الذي أمر أن يترك الرجل جماع أهله في هذه الفترة.
انظر: الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب د. عمر الأشقر.
توضيح الأحكام للبسام (1/362)
ومع ذلك فإنه يجوز للرجل أن يستمع بزوجته فيما دون الفرج.
يراجع سؤال رقم (36740) و (36722) (36864) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/439)
لا يلزم الاستنجاء لمن به سلس بول قبل خروج الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مصاب بسلس البول، توضأ بعد دخول الوقت ثم أراد تجديد وضوئه ولم يدخل الوقت التالي، فهل عليه الاستنجاء مرة أخرى عند تجديد الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صاحب الحدث الدائم – كمن به سلس بول - إذا جدد الوضوء قبل خروج الوقت، لم يلزمه الاستنجاء عند التجديد، لأنه متوضئ حكما.
وإذا خرج الوقت لزمه أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ، ثم يصلي ما شاء من فروض ونوافل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". رواه البخاري (226) ومسلم (333)
ولو قُدر أنه توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول.
فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء.
قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم ... (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى.
ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب السلس انظر السؤال رقم 22843، ورقم 39494
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/440)
طهارة وصلاة من به سلس البول
[السُّؤَالُ]
ـ[اشعر بنزول بعض نقاط من البول سألت بالنسبة للصلاة فقيل لي توضئي لكل وقت صلاة وصلي ما شئت وإذا دخل وقت صلاة أخرى توضئي وضوءا جديدا. سؤالي هو: هل يجوز لي التوضؤ قبل دخول وقت الصلاة مثلا: للحاق بصلاة الجماعة بالمسجد؟ هل عندما أكون خارج المنزل يجوز لي أن أصلي بوضوء الصلوات التي يحين وقتها، وإن لم يجز ماذا أفعل لأطهر ملابسي الداخلية لأتوضأ وأصلي بها؟ وهل يجوز لي صلاة طويلة بوضوء واحد مثل صلاة العشاء ثم التراويح؟ جزاكم الله كل خير..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى.
وذلك لما في الصحيحين عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333)
وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة.
لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت.
قال الشيخ ابن عثيمين:
(المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج.
الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة) . " أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) .
وقد اختلف العلماء في طهارة المستحاضة ونحوها هل تبطل بخروج الوقت أم بدخول الوقت الآخر، وثمرة ذلك تظهر فيمن توضأت لصلاة الصبح، فهل لها أن تصلي بوضوئها هذا صلاة الضحى وصلاة العيدين أم لا؟
فمن قال: إن طهارتها تبطل بخروج الوقت، منعها من ذلك، لأنها بطلوع الشمس قد انتقضت طهارتها.
ومن قال: إن طهارتها تبطل بدخول الوقت الآخر، أجاز لها أن تصلي الضحى والعيدين بوضوء الصبح لأن طهارتها باقية إلى دخول وقت الظهر.
والقولان في مذهب الإمام أحمد وغيره. (الإنصاف 1/378، والموسوعة الفقهية 3/212) .
والأحوط أن تتوضأ للضحى والعيدين وضوءا جديدا، وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وانظري السؤال رقم 22843.
2- وبناء على ما سبق: ليس لك أن تتوضئي قبل الوقت لتصلي بعده، سواء كان ذلك لإدراك الجماعة أو غيرها لأن طهارتك ستنتقض بدخول الوقت الجديد.
غير أننا ننبه على أن هذا الحكم متعلق باستمرار الحدث، وخروج الخارج، لكن لو قُدر أن صاحب السلس توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول.
فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء.
قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح. . . (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول) الشرح الممتع 1/438
3- وإن كنت خارج المنزل، وقد انتقضت طهارتك بدخول الوقت، وأردت الصلاة فإنه يلزمك أن تعيدي الوضوء بعد غسل المحل، وشده بما يمنع خروج الخارج قدر الإمكان.
وتطهير الملابس الداخلية يكون بغسلها، وإن خصصت لصلاتك ثيابا طاهرة تحملينها معك كان أرفق بك وأيسر، وإن شق عليك غسل الملابس أو تبديلها فصلي على حالك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 1/192.
وإذا شق عليك الوضوء وغسل الثياب لكل صلاة فإنه يجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتصليهما بوضوء واحد في وقت إحداهما، وكذلك الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء. سواء كنت داخل البيت أو خارجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) :
ويجمع المريض والمستحاضة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) :
يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشائين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة اهـ.
4- ولك أن تصلي التراويح بوضوء العاء، ولو امتدت صلاة التراويح إلى ما بعد نصف الليل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟
فأجاب رحمه الله:
(هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح) فتاوى الطهارة ص 286.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/441)
ترى بقعة بنية حمراء جافة قبل العادة بأيام
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مسألة في الحيض وهي أني أجد في الأيام الثلاثة الأولى بقعا صغيرة جافة بنية أحياناً وحمراء فاتحة أحيانا وبعد ذلك أجد دما ثخينا يصحبه ألام لمدة أربعة أيام ثم أجد بعد ذلك خطوطا حمراء فاتحة لمدة يومين.
السؤال: ما حكم الصيام والصلاة في الأيام الأولى والأخيرة. أرجو الاهتمام بالرد لأني لا أعلم كيف تكون عبادتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ترينه من الدم الثخين المصحوب بالألم مدة أربعة أيام، حيض بلا ريب، وأما البقع البنية والحمراء التي تسبق الدورة، فهذه محل تفصيل:
فإن كانت متصلة بالدم، فهي من جملة الحيض، لا يحل فيها الصوم ولا الصلاة.
وإن كانت منفصلة عن الدم فليست من الحيض.
وكذلك ما ترينه من الخطوط الحمراء الفاتحة لمدة يومين، إن كان قبل حصول الطهر، فهو جزء من الحيض، وإن كان بعد حصول الطهر، فليس بشيء، وحكمه حكم دم الاستحاضة، لا يمنع الصوم والصلاة، لكن تتوضئين لوقت كل صلاة.
والطهر إنما يحصل بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو جفاف المحل بحيث لو احتشت بقطنة أو نحوها خرجت نظيفة لا أثر بها من دم أو صفرة أو كدرة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى. وتقول: أنا أصلي الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟ أفيدوني أفادكم الله.
فأجاب رحمه الله:
إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع، كدم الاستحاضة.
أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي.
وهكذا لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضاً، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: " كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا " أخرجه البخاري في صحيحه وأبو داود وهذا لفظه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 10/207
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/442)
تنزل منها إفرازات وهي حامل فهل تترك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تنزل منها مادة قهوية وليس عليها الدورة الشهرية في بعض الأحيان هل تصوم وتصلي أم غير ذلك علما بأنها في بداية حمل لمدة شهر ونصف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحامل لا تحيض وهو مذهب الإمامين: أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله.
انظر: " المغني " (1/443) .
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
وذهب آخرون إلى أن الحامل قد تحيض وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله.
انظر: " المجموع " (2/411-414) .
وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهما الله.
بشرط أن يكون الدم النازل على صفة دم الحيض وفي وقته.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23400) .
وعلى أيٍّ من القولين لا تكون هذه الإفرازات النازلة من زوجتك حيضاً، لأنها ليست بصفات دم الحيض وليست في وقته.
فتكون زوجتك طاهراً، فتصلى وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/443)
نزول دم يسير بعد الحيض بمدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نزول الدم من رحم المرأة أثناء الصيام علما بأن فترة العادة الشهرية قد انقضت لأكثر من عشرة أيام، وكانت المرأة تعاني من التهابات داخل الرحم، وأن هذا الدم ليس دم حيض حيث إنه كخيط سلك رقيق وقصير ولمرة واحدة ليوم واحد ثم انقطع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدم ليس بحيض، فلا يؤثر على الصيام، فلا تتركي من أجله الصلاة، وعليك أن تتوضئي لكل صلاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب: نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف الأنف (أي نزيف الأنف) ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه. اهـ
"رسالة 60 سؤالاً عن أحكام الحيض".
وسئلت اللجنة الدائمة: أحيانا تأتيني العادة تسعة أيام وأحيانا عشرة وعندما أطهر وأقوم بعمل المنزل تعاودني مرة أخرى على فترات متقطعة، فهل إذا عاودتني بعد المدة المقررة لها شرعا يجوز لي الصوم والصلاة والعمرة؟
فأجابت:
"مدة الحيض بالنسبة لك هي المدة التي جرت عادتك أن يأتيك فيها الحيض، وهي عشرة أيام أو تسعة، فإذا انقطع الدم بعد تسعة أو عشرة فاغتسلي وصلي وصومي وطوفي بالكعبة في حج أو عمرة أو تطوعا، ويحل لزوجك الاتصال بك، وما عاودك من الدم بعد مدة العادة من أجل مزاولة عمل أو طارئ آخر ـ فليس بدم حيض، بل دم علة وفساد، فلا يمنعك من الصلاة ولا الصوم ولا الطواف ونحوها من القربات، بل اغسليه عنك كسائر النجاسات، ثم توضئي لكل صلاة، وصلي وطوفي بالكعبة واقرئي القرآن" اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/426) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/444)
إذا طهرت الحائض قبل الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حائضاً وطهرت قبل أذان الفجر ولكن لتعبي لم أغتسل حتى أذّن الفجر، فهل أتم يومي هذا علماً بأني نويت الصوم لهذا اليوم قبل الأذان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طهرت الحائض قبل الفجر فإنها تنوي الصيام ويصح صومها، ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
وهكذا الحكم للجنب إذا لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
روى البخاري (1962) ومسلم (1109) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ.
قال النووي رحمه الله:
أَجْمَعَ أَهْل هَذِهِ الأَمْصَار عَلَى صِحَّة صَوْم الْجُنُب , سَوَاءٌ كَانَ مِنْ اِحْتِلام أَوْ جِمَاعٍ. . .
وَإِذَا اِنْقَطَعَ دَم الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فِي اللَّيْل ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْر قَبْل اِغْتِسَالهمَا صَحَّ صَوْمهمَا , وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامه , سَوَاء تَرَكَتْ الْغُسْل عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ , كَالْجُنُبِ. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة , إِلا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِمَّا لا نَعْلَم صَحَّ عَنْهُ أَمْ لا اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/445)
حاضت بعد أسبوع من الحيضة السابقة
[السُّؤَالُ]
ـ[استخدم حبوب منع الحمل وحصل خطأ في مواعيد الحبوب مما أدى إلى حصول الدورة بعد أسبوع من انتهاء الدورة السابقة فهل يكون حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية، لأن الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى يتبين أنه دم استحاضة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أتاها دم بعد تسعة أيام من الحيضة السابقة.
فقال:
متى جاء الحيض فهو حيض، سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض، وهكذا أبداً كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس اهـ.
فتاوى المرأة المسلمة (1/79) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/446)
اليبوسة التي تحصل للمرأة أثناء عادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من صامت يوماً بعد انقطاع الحيض ثم عاودها الحيض من جديد, هل تقضي اليوم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل ".
فتاوى اللجنة الدائمة (مجلة البحوث العلمية 12/102)
والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ وقيل الكثير. لسان العرب (4/46) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/447)
الكدرة التي قبل الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني استخدم مانع حمل (لولب) لذلك قبل نزول الدم المعتاد بثلاث أيام تنزل كدرة فهل تفسد علي الصيام وعلي القضاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " إن كانت هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض، ويُعرف ذلك بالأوجاع والمغص الذي يأتي الحائض عادة، أما الكدرة بعد الحيض فهي تنتظر حتى تزول لأن الكدرة المتصلة بالحيض حيض، لقول عائشة رضي الله عنها: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " رسالة الدماء الطبيعية 59.
وعلى هذا فلو تبين لك أن هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض وعليه اتركي الصوم والصلاة واقضي الصوم بعد الطهر.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/448)
متى يكون الدم النازل نفاساً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أجريت لها عملية إجهاض، فهل يجوز لها أن تصوم أم يجب أن تنتظر فترة معينة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة النفساء أن تصوم، ولا يصح صيامها، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب النفاس.
والنفاس هو الدم النازل من المرأة بسبب الولادة.
وإذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان.
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5.
فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة.
ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك.
وعلى هذا. . فهذه المرأة التي أجريت لها عملية إجهاض، إن كان ذلك قبل ثمانين يوماً من الحمل فالدم النازل ليس بدم نفاس، بل هو دم استحاضة فلا يمنعها من الصلاة والصوم، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة.
وإذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين –أي بعد مائة وعشرين يوماً من الحمل- فالدم النازل دم نفاس قطعاً.
وإذا كان الإجهاض بعد ثمانين يوماً وقبل تمام مائة وعشرين فإنها تنظر في السقط فإن ظهر فيه تخليق فالدم النازل نفاس، وإن لم يكن فيه تخليق فالدم النازل استحاضة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" ص 40:
ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً اهـ
والنفساء تترك الصلاة والصوم حتى تطهر فإذا طهرت من الدم اغتسلت وصلت وصامت.
وإذا استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، فإذا وافقت الزيادة عادتها فهي حائض، وإن لم توافق عادتها فهي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات.
راجع سؤال (10488) ، (37662) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/449)
السائل الذي ينزل من المرأة باستمرار لا يؤثر على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا خرج سائل شفاف كالماء (ثم أصبح لونه أبيض بعد أن جف) فهل صلاتنا وصيامنا صحيحان؟ وهل يجب الغسل؟ أرجو أن تخبرني، فهذا السائل يخرج مني كثيراً، وأجده في ملابسي الداخلية، وأغتسل مرتين أو ثلاث مرات في اليوم ليكون صيامي وصلاتي صحيحين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السائل ينزل كثيراً من النساء. وهو طاهر ليس بنجس، ولا يجب الاغتسال منه.
وإنما فقط ينقض الوضوء.
وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب:
الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر. . .
هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة، فهو طاهر لا ينجس الثياب ولا البدن.
وأما حكمه من جهة الوضوء فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها فإنه لا ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ.
أما إذا كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت، فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضأ وتتحفظ وتصلي، ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره اهـ
مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/284) .
ومعنى (تتحفظ) أنها تجعل على الفرج خرقة أو قطنة أو نحو ذلك حتى تقلل من خروج هذا السائل، وتمنع انتشاره على الثياب والبدن.
وعلى هذا. . فهذا السائل لا يجب الاغتسال منه، ولا يؤثر على الصيام، وبالنسبة للصلاة يجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها إذا كان نزوله مستمراً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/450)
زادت أيام الحيض بسبب تركيب اللولب
[السُّؤَالُ]
ـ[وقت الدورة الشهرية ستة أيام قبل تركيب اللولب المانع للحمل، وبعد تركيب اللولب زادت مدة الدورة إلي تسعة أيام. فما حكم الصلاة والصيام في الأيام الزائدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا زادت الدورة الشهرية للمرأة بعد تركيب اللولب فإن هذه الزيادة تعتبر حيضاً، فلا تصلي المرأة ولا تصوم حتى ترى الطهر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال:
امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟
فأجاب:
لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن الحيض دم متى وُجد وُجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ولم ينزل الحيض فإنها تصلي وتصوم لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) البقرة/222. فمتى وُجد الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه اهـ
فتاوى أركان الإسلام ص 254.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/451)
نفساء أكملت أربعين يوما ولم تطهر فهل تصوم وتصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المرأة حديثة الولادة صيام رمضان علما بأنها قد أكملت أربعين يوما وما زالت في النفاس أي لم تطهر بعد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في أكثر مدة للنفاس، فذهب جمهور العلماء إلا أنها أربعون يوماً من الولادة.
راجع سؤال (10488) .
وعلى هذا. . فالمرأة التي استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، إن وافق هذا الدم عادتها فتكون حائضاً، وإن لم يوافق عادتها فهو دم استحاضة فتغتسل بعد الأربعين وتصوم وتصلي وتكون طاهرة حكمها حكم الطاهرات من النساء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/452)
اعتمرت وصلت وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت وجاءتني الدورة الشهرية قبل طواف الإفاضة فاستحييت أن أخبر أحدا ودخلت الحرم فصليت وطفت وسعيت فماذا عليّ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ". .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولا يتم التحلل الثاني إلا به وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف والله تعالى أعلم "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/453)
مباشرة المرأة وهي حائض أو نفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز ملاعبة الزوجة وهي في فترة الحيض أو النفاس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مباشرة الرجل وملاعبته لامرأته وهي في فترة الحيض أو النفاس على ثلاثة أقسام:
أَحَدهَا:
أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج , فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وبِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز
قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222.
الْقِسْم الثَّانِي:
الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ حَلال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء.
انظر: "شرح مسلم" للنووي، و "المغني" (1/414) .
الْقِسْم الثَّالِث:
الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر , فهذا قد اختلف العلماء في جوازه. فذهب إلى تحريمه الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي. وذهب إلى جوازه الإمام أحمد، واختاره بعض الحنفية والمالكية والشافعية. قال النووي: هو الأقٌوى دليلاً وَهُوَ الْمُخْتَار اهـ.
واحتج القائلون بالجواز بأدلة من القرآن والسنة:
أما القرآن، فاحتجوا بالآية السابقة: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222.
قال ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/413) :
المحيض هو زمان الحيض ومكانه، ومكانه هو الفرج فما دامت حائضا فوطؤها في الفرج حرام اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/415) :
فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه اهـ.
وأما السنة فروى مسلم (302) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ. . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ!!
ومعنى (لَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْت وَاحِد اهـ. قاله النووي.
وروى أبو داود (272) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا. قال الحافظ: إسناده قوي اهـ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (242) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/395) :
يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في فرجها وهي حائض، وله أن يباشرها فيما عداه اهـ.
والأولى للرجل إذا أرد أن يستمتع بامرأته وهي حائض أن يأمرها أن تلبس ثوباً تستر به ما بين السرة والركبة، ثم يباشرها فيما سوى ذلك.
لما رواه البخاري (302) ومسلم (2293) عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.
وروى مسلم (294) عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ.
(فِي فَوْر حَيْضَتهَا) أي: أَوَّله وَمُعْظَمه. قَالَه الْخَطَّابِيُّ.
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" عند شرح حديث رقم (2167) من عون المعبود:
وَحَدِيث " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة , وَهُوَ النِّكَاح , وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه. وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى , وَهُوَ أَوْلَى اهـ. بتصرف.
ويحتمل أن يفرق بين أول الحيض وآخره، ويكون استحباب ستر ما بين السرة إلى الركبة خاصاً بوقت نزول الدم بكثرة وهذا يكون في أول الحيض.
قال الحافظ:
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أُمّ سَلَمَة أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَة الدَّم ثَلاثًا ثُمَّ يُبَاشِر بَعْد ذَلِكَ. اهـ بتصرف.
تنبيه:
ما سبق من الأحكام تستوي فيها الحائض والنفساء.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لامراته وهي حائض، قال:
والنفساء كالحائض في هذا اهـ المغني (1/419) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/454)
لا يستطيع أن يصبر عن زوجته في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تستمر الدورة الشهرية لزوجته لمدة سبعة أيام ولا يستطيع أن يصبر لأن رغبته الجنسية قوية فماذا يفعل ليحل هذه المشكلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (36722) أن للرجل أن يستمتع بامرأته بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن مباشرة الحائض: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ) يعني الجماع. رواه مسلم (302) .
وأيضاً: للزوج وسيلة أخرى مباحة لقضاء شهوته، وهي الاستمناء بيد زوجته. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المعارج/29-30.
راجع السؤال رقم (826) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/455)
الاستمتاع بالحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأتُ أنه لا يجوز لمس أعضاء المرأة التي توجد أسفل الوسط أثناء الدورة الشهرية ولا الجماع، أما ما فوق الوسط فيجوز ولا مانع من المداعبة مع الزوج في الجزء العلوي، فهل هذا صحيح؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قرأتيه ليس بصحيح، والصحيح أنه يجوز للرجل أن يستمتع بامرأته وهي حائض بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع.
وقد سبق بيان أدلة ذلك في إجابة السؤال رقم (36722) .
وقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم استمتاع الرجل بامرأته وهي حائض فيما بين السرة والركبة، واستدلوا على ذلك بأدلة، ولكنها لا تخلو من اعتراضات عليها.
فمن ذلك:
1- ما رواه أبو داود (213) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ.
وهذا الحديث ضعيف، لا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو داود: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ. وضعفه العراقي كما في "عون المعبود". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (36) .
2- وروى أحمد (87) عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَصْلُحُ للرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ.
قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (86) إسناده ضعيف لانقطاعه اهـ.
3- وروى أبو داود أيضاً (212) عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ.
وهذا الحديث اختلف العلماء فيه، فنقل ابن القيم في "تهذيب السنن" تضعيفه عن بعض الحفاظ وأقره على ذلك , وصححه الألباني في صحيح أبي داود (197) .
ثم لو صح الحديث لم يكن دليلاً على تحريم الاستمتاع بالحائض فيما بين السرة والركبة، لأنه يمكن الجمع بينه وبين الأدلة الدالة على جواز ذلك بأحد أوجه الجمع الآتية:
1- أنه على سبيل الاستحباب والتنزه والابتعاد عن مكان الحيض، وليس على سبيل الوجوب.
2- أنه محمول على من لا يملك نفسه، لأنه لو مُكِّنَ من الاستمتاع بين الفخذين مثلاً ربما لا يملك نفسه فيجامع في الفرج، فيقع في الحرام، إما لقلة دينه، أو قوة شهوته، فتكون الأحاديث الدالة على الجواز فيمن يملك نفسه، والأحاديث الدالة على المنع فيمن يخشى على نفسه الوقوع في المحرم اهـ
من الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/416-417) بتصرف.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/456)
أجري لها عملية في الرحم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أجري للمرأة عملية جراحية في الرحم ونزل منها الدم، فهل هذا الدم يعتبر حيضا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قد يحدث للمرأة سبب يوجب نزيف الدم من فرجها كعملية في الرحم أو فيما دونه وهذه على نوعين:
النوع الأول: أن يعلم أنها لا يمكن أن تحيض بعد العملية مثل أن تكون العملية استئصال الرحم بالكلية أو سده بحيث لا ينزل منه دم، فهذه المرأة لا يثبت لها أحكام المستحاضة، وإنما حكمها حكم من ترى صفرة أو كدرة أو رطوبة بعد الطهر، فلا تترك الصلاة ولا الصيام ولا يمتنع جماعها ولا يجب غسل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غسل الدم وأن تعصب على الفرج خرقة، ونحوها، لتمنع خروج الدم، ثم تتوضأ للصلاة , ولا تتوضأ لها إلا بعد دخول وقتها، إن كان لها وقت كالصلوات الخمس، وإلا فعند إرادة فعل الصلاة كالنوافل المطلقة.
النوع الثاني: ألا يعلم امتناع حيضها بعد العملية بل يمكن أن تحيض، فهذه حكمها حكم المستحاضة. ويدل لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة , فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة) . فإن قوله: (فإذا أقبلت الحيضة) يفيد أن حكم المستحاضة فيمن لها حيض ممكن ذو إقبال وإدبار، أما من ليس لها حيض ممكن فدمها دم عرق بكل حال " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.(5/457)
دخول الحائض لما يلحق بالمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضا، فهل يجوز للنساء الحُيّض دخول هذا الدور السفلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يرجع في ذلك إلى نية من أوقف المسجد، فإن كان نوى أن يكون الدور الأسفل جزءاً من المسجد فحكمه حكم المسجد، فلا يجوز للحائض دخوله.
وإن كان نوى أنه ليس من المسجد وإنما تكون فيه المغاسل وغيرها فلا يعد هذا الدور من المسجد، ولا يأخذ حكم المسجد، وعلى هذا يجوز للحائض دخوله والجلوس فيه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(إذا كان المبنى المذكور قد أعد مسجدا ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع، ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل؛ لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)
أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك؛ لقوله سبحانه: (وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ) النساء / 221، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عائشة أن تناوله الحمرة (وهي السجادة) من المسجد، فقالت: إنها حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزنا ومحلا لما ذكر في السؤال من الحاجات، فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين؛ لأنه ليس تابعا للمسجد في الأرجح من قولي العلماء.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 10 / 221
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/458)
صلّت وهي حائض حياءً
[السُّؤَالُ]
ـ[صلت وهي حائض حياءً فما حكمها وما هي كفارتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال النووي: أجمعت الأمة على أنه يحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها " المجموع (2/351)
سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين فأجاب:
لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم؟ " وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم، ولا يحلّ لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها "
فتاوى المرأة المسلمة (1/285) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/459)
دخول الحائض المسجد لسماع الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحائض أن تحضر الجمعة لتستمع للخطبة فقط؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت ستجلس في المسجد لاستماع الخطبة فإن هذا لا يحل، لأنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد إلا مروراً فقط.
أما إذا كانت ستجلس في مكان ملحق بالمسجد أو قريب من المسجد فإن هذا لا بأس به، لأنها لم تدخل في المسجد حيئنذٍ.
ولتفصيل الجواب في المكان الملحق بالمسجد انظر إجابة السؤال رقم (34815) لمعرفة متى يكون المكان الملحق بالمسجد حكمه حكم المسجد
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد، حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ. رواه البخاري (324) ومسلم (890) اهـ رسالة الدماء الطبيعية للنساء (ص 52-53) .
والعَاتِق هِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة. وذوات الخدور هن الأبكار.
وسئلت اللجنة الدائمة (5/398) عن حكم دخول الحائض المسجد.
فأجابت: لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجنب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً (6/272) ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟
فأجابت: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأُمِن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) النساء / 43.
والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/460)
استمر بها الدم بعد الولادة، وتركت الصلاة فهل تقضي ما زاد على الأربعين
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أصلِّ إلا بعد ستين يوماً من ولادتي وذلك لعدم انقطاع الدم إلا بعد هذه المدة ولجهلي بأن المرأة تطهر بعد الأربعين ويجب عليها الصلاة ولم أعلم بهذا الحكم إلا بعد تسعة أشهر من ولادتي.
فما الذي يجب علي عمله في العشرين يوماً التي لم أصليها؟ وإذا كان يجب علي قضاؤها ففي أي وقت أقضيها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في أكثر مدة النفاس. فمنهم من قال: إن أكثر مدّة للنفاس أربعون يوماً، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: (كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) رواه أبو داود (139) وقال الألباني حسن صحيح، وهو مذهب الجمهور،
فتصلي بعد ذلك وإن استمر الدم، وتقضي ما فاتها من الصلوات ما لم يوافق الدم الذي بعد الأربعين وقت العادة المعتاد فإنه حيض راجع السؤال (10488)
وقال بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية - إن الأصل في الدم الخارج بسبب الولادة أنه نفاس فلا تصلي حتى ينقطع الدم –وقال: لا حدّ لأكثر النفاس.
وقال بعضهم أقصاه إلى ستين يوماً وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
والأحوط لك قضاء ما فاتك بعد الأربعين من الصلوات ما لم يوافق وقت العادة المعتاد.
والله أعلم.
ثانياً:
وأما كيفية قضاؤها، فإنه يلزمك ذلك بمجرد بلوغ هذا الحكم، فإن شق عليك لكثرة عدد الأيام فإنك تقضينها حسب استطاعتك وقدرتك، ولو كان ذلك على عدة أيام.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/461)
هل تغتسل الحائض عند المعاشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تغتسل الحائض عند المعاشرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الحائض الاغتسال بعد المعاشرة لأن حدثها مستمر ما دام الدم يجري فلا يرتفع حدثها إلا بانقطاع الدم ثم الاغتسال، ولا يجوز في إتيانها أن يجامعها زوجها في الفرج لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) سورة البقرة 222، وله أن يستمتع بما دون ذلك لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ. رواه مسلم 455 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/462)
حكم دخول الحائض لما يلحق بالمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية، وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً.
فهل يجوز للنساء الحُيَّض دخول هذا الدور السفلي؟
كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المبنى المذكور قد أُعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحّت صلاة الجميع، ولَم يجُز للحُيّض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل، لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أُحل المسجد لحائض ولا جٌنٌب) . أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك، لقوله سبحانه: {ولا جٌنباً إلا عابري سبيل} .
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد، فقالت إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم، (إن حيضتك ليست في يدك) .
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً ومحلاَّ لما ذكر في السؤال من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين، لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة، لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز. فتاوى إسلامية 1/241-242(5/463)
يجوز للنفساء أن تخرج من بيتها متى شاءت بالشروط الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في XXX، حيث أن للنساء هناك عادة البقاء في المنزل لفترة 40 يوما بعد الولادة، وقد سألت العديد من الناس عن تلك العادة. إلا أن أغلبهم لم يكن يعرف فيما إذا كان ذلك من السنة أم لا. إذ أني أريد اتباع تلك العادة فيما لو كانت من السنة (وأنا الآن في الشهر التاسع من الحمل وهذا حملي الرابع) ، إلا أن هناك من أخبرني بأن هذه العادة بدعة، لذا فالأفضل اجتنابها.
فأرجو إن شاء الله أن تجلوا هذا الموضوع لي، إذ أنني أبحث في هذا الموضوع منذ ست سنوات تقريبا. جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
.أربعون يوما هي أقصى فترة للنفساء تقعد فيها عن الصلاة والصيام مع وجود الدم وبعد ذلك تغتسل وتصلي وتعتبر نفسها مستحاضة إذا لم يتوقف نزول الدم لحديث أم سلمة رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.." رواه الترمذي وانظري بقية التفصيل في الموضوع تحت سؤال رقم 319.
أمّا اعتقاد أنّ المرأة يجب عليها أن تجلس في بيتها أربعين يوما بعد الولادة لا تخرج فهو اعتقاد خاطئ ولا يلزم المرأة فعله، ويجوز لها أن تخرج من بيتها أثناء الأربعين إلى أيّ مكان شاءت بالشروط الشّرعية. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/464)
متى تصوم الحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تعجلي حتى تري القصة البيضاء التي يعرفها النساء وهي علامة الطهر، فتوقف الدم ليس هو الطهر وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن باز يرحمه الله.(5/465)
ترى لحية زوجها غير منظمة فهل تأثم لو طالبته بإزالتها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة ترى أن لحية زوجها غير جذابة ومنظمة، فهل لها أن تطلب منه أن يزيلها؟ وهل تأثم بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الرجل حلق لحيته، وتقصيرها؛ للأدلة الآمرة بإعفائها.
وينظر: جواب السؤال رقم (110462) ورقم (100909)
والواجب على المؤمن أن يسلّم ويذعن لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في نفسه حرج أو ضيق من ذلك، كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65
وقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36
وقد أحسن الزوج بإعفائه لحيته دون مبالاة بكونها جذابة أو غير جذابة.
ولا يجوز للزوجة أن تطلب منه حلقها أو تقصيرها، وتأثم بذلك؛ لأنها دعوة إلى المعصية ومخالفة الشرع.
ونصيحتنا لها أن تتقبل هذا الأمر براحة نفس وانشراح صدر، وأن تعلم أن امتثال أمر الشرع فيه الخير والفلاح والنجاح، وأن من أطلق لحيته فهو متشبه بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء قبله، وبالصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الخير والفضل، فإن حلق اللحية لم يعرف إلا في الأزمنة المتأخرة جدا.
وإن مما يعينها على قبول هذا الأمر أن تعلم أن الله يبتلي عباده بما شاء من السراء والضراء كما قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35، فإن كانت تنفر من اللحية، أولا يعجبها مظهر زوجها بها: فلتصبر على ذلك، وهي مأجورة إن شاء الله، وحسبها أن زوجها إنما أراد طاعة ربه وامتثال أمره.
غير أن نصيحتنا ـ أيضا ـ للزوج أن يعتني بالتزين لزوجته، بما أمكنه من المباحات المناسبة للرجال، فهذا من حقها عليه، كما أن من حقه عليها أن تتزين له، لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ , كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ , لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْنظفَ حَقِّي عَلَيْهَا [أي: أستوفيه وأستقصيه] , لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . " رواه ابن أبي شيبة (5/272) والطبري في تفسيره (4/532) .
قال القرطبي رحمه الله:
" قال العلماء: أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم، فإنهم يعملون ذلك على اللبَق والوفاق، فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب، ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حف شاربه لِيق به ذلك وزانه، والشاب إذا فعل ذلك سمج ومقت؛ لأن اللحية لم توفر بعد، فإذا حف شاربه في أول ما خرج وجهه سمج، وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرني ربي أن أعفي لحيتي وأحفي شاربي) [أخرجه ابن جرير وغيره، وحسنه الألباني] ، وكذلك في شأن الكسوة، ففي هذا كله ابتغاء الحقوق، فإنما يعمل على اللبق والوفاق عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن غيره من الرجال.
وكذلك الكحل من الرجال: منهم من يليق به، ومنهم من لا يليق به. فأما الطيب والسواك والخلال [يعني: تنظيف الأسنان] والرمي بالدرَن وفضول الشعر والتطهير وقلم الأظفار هو بين موافق للجميع ... " انتهى. "تفسير القرطبي" (3/124) .
والخلاصة: أنه لا يجوز للزوجة أن تطلب من زوجها أن يزل لحيته، لما في ذ لك من الأمر بمعصية الله، وعلى الزوج أن يتزين لامرأته بتسريح لحيته وتنظيفها وتطييبها، واستعمال ما يليق بمثله من الزينة المباحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/466)
هل نبات أي شعر حول العانة يحصل به البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بنت بلغت 11 سنة , لقد علمت بأن الإنبات من علامات البلوغ، فهل مجرد نبات القليل والضعيف من الشعر حول الفرج تصبح البنت مكلفة، بحيث يجب عليها الحجاب أو بنبات الكثير والخشن تصبح مكلفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بلوغ سن التكليف له علامات أخرى سوى نبات الشعر، ولا يشترط أن تتحقق العلامات جميعا؛ بل متى وجد في الصبي أو الصبية علامة واحدة منها، فقد صار مكلفا مسؤولا عن تصرفاته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:
1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.
2 ـ إنباتُ العَانةِ.
3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.
فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة ". انتهى." الشرح الممتع" (4/224) .
ثانيا:
الشعر الذي يحصل البلوغ بنباته هو الشعر الذي ينبت حول العانة: ذكر الغلام، أو فرج البنت، وأما شعر اللحية والشارب فلا يحصل البلوغ بنباته.
ثم إنه ليس كل شعر ينبت حول العانة يحصل به البلوغ، بل المعتبر فيه: أن يكون شعرا كثيفا يحتاج إلى حلقه بالموس ونحوه، وأما الشعر الخفيف الذي لا يحتاج إلى حلق، فلا يحصل به البلوغ.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ.
"المغني" (9/392) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في علامات البلوغ:
" أن ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي: قوي صلب، احترازاً من الشعر الناعم الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي الصلب، هذا علامة البلوغ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ، فالعبرة هي نبات العانة " انتهى. "الشرح الممتع" (9/289) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/467)
هل يحضرون خادماً لتنظيف ورعاية أبيهم المقعد
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مسن مقعد يحتاج للرعاية والتنظيف، ووالدتي لا تقوى إلا على إطعامه لكبر سنها ومرضها، ونحن البنات نسكن مناطق بعيدة ونزوره شهريا أو أقل أو أكثر، والبنون في مشاغلهم. سؤالي: هل يجوز أن نجلب رجلا يخدمه وينظفه ويحممه؟؟ علما بأنه سيسكن مع زوجته التي تعمل خادمة عند أمي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) رواه مسلم (338) .
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قَالَ:
(قُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا: مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟
قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟
قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.) . رواه أبو داود (4017) وحسنه الألباني.
فدل ذلك على أنه لا يجوز للرجل أن يطلع على عورة رجل مثله.
قال ابن القطان الفاسي رحمه الله:
" لا يحل للرجل أن ينظر إلى السوأتين من جنس الرجال، هذا ما لا شك ولا خلاف فيه ".
" النظر في أحكام النظر" (258) .
فإذا كان والدكم عاجزا عن القيام بشأنه، ويحتاج إلى من يخدمه، فلا حرج عليكم في استئجار رجل لخدمته، غير أنه لا يحل له أن يطلع على عورته، القبل أو الدبر، ولا أن يباشرها بيده، إذا كان من الممكن أن تتولى والدتكم هذا القدر من الخدمة، كما تتولى إطعامه.
فإن لم يمكن ذلك، جاز له أن يتولى خدمته بصفة عامة، ولو استعمل حائلا عند مس العورة فهو أحسن.
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله:
" وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ، إلَّا الْعَوْرَةَ، وَهِيَ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ...
قال محمد بن مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْحَمَّامِ عَوْرَةَ إنْسَانٍ بيده عِنْدَ التَّنَوُّرِ، إذَا كان يَغُضُّ بَصَرَهُ.
قال الْفَقِيهُ: وَهَذِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَتَهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ". " البحر الرائق" (8/219) .
والتنَوُّر: هو إزالة شعرة العانة (حول العورة) باستعمال النورة، وهي مزيل للشعر كان معروفا لديهم.
وقال في "الروض المربع": " ولطبيب ونحوه: نظرُ ولمسُ ما دعت إليه حاجة ".
قال في الحاشية: " كمن يلي خدمة مريض، أو مريضة، في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق أو حرق ونحوهما، أو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته؛ دفعا للحاجة، وليسترْ ما عداه، لكشفه صلى الله عليه وسلم عن مؤتزر بني قريظة، وعثمان كشف عن سارق، ولم ينبت، فلم يقطعه. ". انتهى.
"حاشية الروض المربع" لابن قاسم (6/236) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/468)
حكم تليين اللحية بالمواد الكيميائية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تليين اللحية؟ يتم ذلك عن طريق وضع بعض المواد الكيميائية ومن ثم تمرير الكاوية الساخنة عليها فتتليّن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم حلق اللحية وتقصيرها؛ للأمر الوارد بإعفائها وتركها، وينظر جواب السؤال رقم (100909) . وإذا كان التليين المذكور لا يضر بالبشرة، ولا يؤدي إلى التقصير من اللحية، وخلا من الإسراف، فلا حرج فيه. وينبغي أن يعلم أن كثرة الاهتمام بالشعر وتسريحه ودهنه أمر مذموم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَنْهَي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاه) رواه أبو داود (4160) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (502) . قال في عون المعبود:
" (كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِير مِنْ الْإِرْفَاه) : بِمَعْنَى التَّنَعُّم , وَمِنْهُ أَخَذْت الرَّفَاهِيَة وَهِيَ السَّعَة وَالدَّعَة وَالتَّنَعُّم، كَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِفْرَاط فِي التَّنَعُّم مِنْ التَّدْهِين وَالتَّرْجِيل (تسريح الشعر) عَلَى مَا هُوَ عَادَة الْأَعَاجِم وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ فِي جَمِيع ذَلِكَ , وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ الطَّهَارَة وَالنَّظَافَة , فَإِنَّ النَّظَافَة مِنْ الدِّين. قَالَ الْحَافِظ: الْقَيْد بِالْكَثِيرِ فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْوَسَط الْمُعْتَدِل مِنْ الْإِرْفَاه لَا يُذَمّ , وَبِذَلِكَ يُجْمَع بَيْن الْأَخْبَار" اِنْتَهَى
فالنظافة مطلوبة، وحسن المظهر مطلوب، غير أن المبالغة في ذلك مذمومة.
فينبغي للرجل أن يترفع عن ذلك، ولا يكون شغله الشاغل تسريح شعره ولحيته، والاهتمام بمظهره، ويكون قلبه فارغاً من الإيمان، أو ضعيف الإيمان ولا يبالي. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/469)
الحكمة من تجنب السواد في تغيير الشيب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أصبغ لحيتي فما الحكمة من تجنب السواد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لعل الحكمة من تجنب السواد ـ والله أعلم ـ أن السواد يحصل به التلبيس والتغيير أكثر، ففيه تشبه بالشباب، وتلبيس بأنه في دور الشباب وسن الشباب، أما الحمرة والصفرة فلا يحصل بها تلبيس، فالحمرة والصفرة يعرف بأنها شيب، وأنه قد صبغ لأجل تغيير الشيب، أما السواد فيحصل به اللبس ويحصل به التزوير، ويحصل بذلك ما لا ينبغي من التزوير على الناس. وكأنه يقول: أنا ما شبت أنا شاب، فهذا نوع من الكذب الفعلي بفعله، بخلاف الأصفر والأحمر فإنه واضح" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/592) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/470)
تحريم حلق اللحية والفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نقاش مع أحد الأشخاص عن حكم حلق اللحية, فقال لي: إن حكم اللحية واجب وليس بفرض, فتارك الفرض يأثم أما تارك الواجب فلا يأثم, فقلت: إن الفرض والواجب عند أهل العلم نفس المعنى فقال: إن أبا حنيفة يفرق بين الفرض والواجب.. فأرجو التفصيل في المسألة في الفرق بين الواجب والفرض، وذكر أقوال العلماء مع الترجيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الأصوليون في الفرض والواجب هل هما مترادفان أو لا؟ على قولين: فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنهما مترادفان، وذهب الحنفية إلى التفريق بينهما، فالفرض عندهم: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني أو فيه شبهة، ورتبوا على ذلك أن منكر الفرض يكفر، بخلاف منكر الواجب، لكن تارك الفرض والواجب آثم معرض للعقاب عندهم.
قال في "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/303) : " قوله: (وأما الفرض فحكمه اللزوم عِلما وتصديقا بالقلب) أي: يجب الاعتقاد بحقيته قطعا ويقينا، لكونه ثابتا بدليل مقطوع به. وهو الإسلام، أي: الاعتقاد بهذه الصفة يكون إسلاما، حتى لو تبدل بضده يكون كفرا. (وعملا بالبدن) أي: يجب إقامته بالبدن، حتى لو ترك العمل به غير مستخِفٍّ به يكون عاصيا , وفاسقا إذا كان بغير عذر , ولكنه لا يكون كافرا إلا أنه ترك ما هو من أركان الشرائع...... ويكفر جاحده ...
وأما حكم الوجوب، أي: الواجب، فلزومه عملا لا علما، أي: يجب إقامته بالبدن , ولكن لا يجب اعتقاد لزومه ; لأن دليله لا يوجب اليقين.
إذا ترك العمل به فهو على ثلاثة أوجه: أما إن تركه مستخِفًّا بأخبار الآحاد بأن لا يرى العمل بها واجبا، أو تركه متأولا لها، أو تركه غير مستخِفٍّ , ولا متأول. ففي القسم الأول: يجب تضليله , وإن لم يكفر ; لأنه راد لخبر الواحد وذلك بدعة.
وفي القسم الثاني: لا يجب التضليل , ولا التفسيق....
وفي القسم الأخير: يفسق , ولا يضلل ; لأن العمل به لمَّا وجب كان الأداء طاعة والترك من غير تأويل عصيانا وفسقا، هذا هو المذكور في عامة الكتب، وعليه يدل كلام شمس الأئمة رحمه الله أيضا , وهو الصحيح " انتهى باختصار.
فتبين بهذا أن الواجب عند الأحناف يلزم العمل به، وأن تاركه من غير تأويل ولا استخفاف: فاسق عاص، فليس الأمر كما زعم صاحبك من أن تارك الواجب لا يأثم عند الحنفية.
ثانيا:
يجب إعفاء اللحية ويحرم حلقها للأدلة الصريحة الآمرة بإعفائها وتوفيرها.
وينظر جواب السؤال رقم (82720) .
وقد صرح الحنفية بتحريم حلق اللحية.
قال في "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (6/407) : " يحرم على الرجل قطع لحيته " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/471)
حكم وصل شعر الشارب باللحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم أن يصل الرجل شاربه مع شعر اللحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: السنة في الشارب قصه وتخفيفه، والأخذ منه حتى تبدو أطراف الشفة، ولا يسن حلقه كاملاً، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (103623) .
ثانياً: اختلف العلماء في طرفي الشارب - السبالان - هل هما من الشارب فيقصان معه، أم من اللحية فيتركان.
قال ابن حجر: " وَأَمَّا الشَّارِب فَهُوَ الشَّعْر النَّابِت عَلَى الشَّفَة الْعُلْيَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ.
فَقِيلَ: هُمَا مِنْ الشَّارِب وَيُشْرَع قَصّهمَا مَعَهُ.
وَقِيلَ: هُمَا مِنْ جُمْلَة شَعْر اللِّحْيَة ". انتهى" فتح الباري" (10/346) .
والقول بتركهما من غير قص اختاره بعض العلماء من المالكية والشافعية.
ويدل عليه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (1 / 66) عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك؟
فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ.
وصححه الألباني في "آداب الزفاف" صـ 137.
قال النفراوي: " وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ [أي ليسا كالشارب] ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إبْقَائِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُمَا كَالشَّارِبِ". انتهى من " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2 / 495)
وقال البجيرمي: " وَلَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ السِّبَالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ". انتهى من "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (5 / 261) ، ومثله في " أسنى المطالب" (1 /266) .
وذهب إلى استحباب قصهما مع الشارب: الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية. ينظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7 / 165) ، "مطالب أولي النهى" (1 / 85) ، "شرح منتهى الإرادات" (1 / 41) .
قال العراقي: " اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ، هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ، أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟
فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذلك لَا يَسْتُرُ الْفَمَ، وَلَا يَبْقَى فيه غَمْرُ الطَّعَامِ، إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ....
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ." انتهى من "طرح التثريب" (2 / 77) ، وقريب منه كلام ابن نجيم في "البحر الرائق" (7 / 165) .
ويستدل لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) رواه البخاري (5892 (، ومسلم (259) .
قال المناوي: " والحديث يتناول السبالين - وهما طرفاه - لدخولهما في مسماه ". انتهى " فيض القدير" (1/198) .
ويستدل على ذلك أيضاً بما رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (12 /289) والبيهقي (716) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، فَخَالِفُوهُمْ.
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا، كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ يُجزُّ الْبَعِيرُ.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2834) .
وبوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب اللباس بقوله: (بَاب قَصِّ الشَّارِبِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ) .
وقد ذكر الكشميري أن الذي عليه عمل السلف قص السبالين؛ لأن اهتمامهم بنقل ترك عمر بن الخطاب لسباليه دليل على أن غيره لا يتركهما. ينظر: "العرف الشذي" (4/161) .
والذي يظهر: أن في الأمر سعة، فمن ترك طرف الشارب موصولاً فلا حرج عليه، أسوةً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن قصَّه فلا حرج عليه، كما كان يفعل عبد الله بن عمر.
والأمر دائر بين استحباب قصه، وجواز تركه.
وأما ترك الشارب، وحلق طرفيه فقط كما يفعله البعض فليس من السنة.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5 / 275) : " ولا يجوز ترك طرفي الشارب، بل يقص الشارب كله، أو يحفيه كله، عملاً بالسنة ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/472)
لحيته تنبت في جهة دون أخرى فهل يحلقها لتخرج متساوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حلق اللحية التي تنبت في الجهة اليمنى كثيرا ولا تنبت في الجهة اليسرى إلا قليلا أي أنها غير متساوية؟ وقد قيل لي: لأنك صغير، فمع الحلاقة ستنبت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز حلق اللحية أو الأخذ من شيء منها ولو كان ذلك لأجل نموها، أو تسويتها؛ لعدم ورود الرخصة في ذلك، مع كونه يقع لكثير من الشباب في مبدأ خروج لحاهم، فلو كان هذا مما يبيح الحلق لجاءت به رخصة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم/64.
وانظر في تحريم حلق اللحية جواب السؤال رقم 82720.
وهل يباح أخذ دواء يسارع في إنبات الجهة اليسرى؟ في ذلك تفصيل:
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن أخذ دواء لإنبات اللحية ومعالجة التفاوت الحاصل فيها، فأجاب: " إذا كان يُرْجَى نباتُه بنفسِه فلا يحاول؛ لأن هذا ليس بعيب، إذْ إن كثيراً من الشباب الذين في ابتداء نبات لِحاهُم لا تنبت اللِّحَى مستوية جميعاً، فينتظر.
أما إذا كان عيباً بحيث نعلم ونيأس أنه لن ينبت بنفسِه فلا حرج أن يعالج ذلك حتى يخرج الباقي، لا سيما إن كانت مشوهة.
أما إذا كانت غير مشوهة فالأفضل ألا يعالجها بشيء؛ لأني أخشى أن يكون هذا من جنس الوصل الذي لعن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام الواصلة والمستوصلة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (41/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/473)
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقلم أظافره كل يوم جمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقلم أظافره كل يوم جمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تحديد يوم الجمعة لقص الأظفار، لا من قوله ولا من فعله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في موضوع قص الأظافر:
" لم يثبت في كيفيته ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء " انتهى.
"المقاصد الحسنة" (ص / 422) .
وما روي في ذلك فهو ضعيف منكر أو موضوع.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " وفي الباب – أيضاً - من حديث ابن عباس وعائشة وأنس، أحاديث مرفوعة، ولا تصح أسانيدها " انتهى.
"فتح الباري لابن رجب" (5/359) .
ومن أراد أن يطلع على شيء مما روي في ذلك فلينظر: "التلخيص الحبير" (2/170) ، "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني" (حديث رقم/1112، 1816، 3239) .
ثانيا:
ورد اعتياد قص الأظفار يوم الجمعة عن بعض الصحابة والتابعين:
روى الإمام البيهقي بسنده في "السنن الكبرى" (3/244) : عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقلم أظفاره ويقص شاربه في كل جمعة.
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/65) : " عن إبراهيم قال: ينقي الرجل أظفاره في كل جمعة " انتهى.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (3/197) : " عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة، وقص شاربه، واستن، فقد استكمل الجمعة " انتهى.
ونقل الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (5/359) : " عن راشد بن سعد قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من اغتسل يوم الجمعة، واستاك، وقلم أظفاره، فقد أوجب) خرجه حميد بن زنجويه " انتهى.
والمقصود بـ أوجب: يعني أوجب الأجر.
ثالثا:
لما ورد عن السلف في هذا الباب: نص فقهاء الشافعية والحنابلة على استحباب تقليم الأظفار كل جمعة:
قال الإمام النووي رحمه الله: " وقد نص الشافعي والأصحاب رحمهم الله على أنه يستحب تقليم الأظفار والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة " انتهى.
"المجموع" (1/340) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ولم يثبت أيضا في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث، وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول، ورويناه في "مسلسلات التيمي" من طريقه، وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة "، وله شاهد موصول عن أبي هريرة، لكن سنده ضعيف، أخرجه البيهقي أيضا في "الشعب".
وسئل أحمد عنه فقال: يسن في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخير، وهذا هو المعتمد: أنه يستحب كيف ما احتاج إليه.
وأما ما أخرج مسلم من حديث أنس: (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا يترك أكثر من أربعين يوما) قال القرطبي في "المفهم": ذكر الأربعين تحديد لأكثر المدة، ولا يمنع تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، والضابط في ذلك الاحتياج. وكذا قال النووي: المختار أن ذلك كله يضبط بالحاجة.
وقال في "شرح المهذب": ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة.
قلت – أي: ابن حجر -: لكن لا يمنع من التفقد يوم الجمعة، فإن المبالغة في التنظف فيه مشروع والله أعلم " انتهى.
"فتح الباري" (10/346) .
وقال العلامة البهوتي الحنبلي رحمه الله:
" (ويكون ذلك) أي: حف الشارب، وتقليم الأظافر، وكذا الاستحداد، ونتف الإبط، (يوم الجمعة، قبل الصلاة) وقيل: يوم الخميس. وقيل: يُخَيَّر " انتهى.
"كشاف القناع" (1/76) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/474)
حلق شعر الخصيتين والدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال عن حلق الشعر أسفل السرة، لست أدري إلى أي حد يجب أن يكون، هل تجب إزالة الشعر الموجود على الخصية؟ أرجو أن تلقي الضوء على هذا.
ماذا عن المرأة، هل يجب أن تحلق الشعر أيضاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، ليس من سنن الفطرة لكنه إذا كان كثيرا فإنه لا بد من إزالته حتى لا يتلوث بالخارج.. انتهى
وقد ثبت في السنة المطهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد مشروعية الاستحداد، وهو حلق شعر العانة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الفطرة خمس: ومنها الاستحداد " رواه البخاري.
ووقت له النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً فلا يترك أكثر من ذلك لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألا يترك أكثر من أربعين يوماً " رواه البخاري 10/284 ومسلم 1/222.
وذكر الفقهاء آداباً للاستحداد فنصوا على أنه يستحب أن يبدأ في حلق العانة من تحت السرة، وأن يبدأ بالجانب الأيمن، وأن يستتر، وأن يواري ما يزيله من شعر أو ظفر.
والحكمة التي شرع من أجلها إزالة هذا الشعر القذر تكون متحققة في شعر الخصيتين والدبر إذا كانت تعلق بها النجاسة، لأن المقصود تمام النظافة وكمال الطهارة، والبعد عن أسباب التقذر وتعلق الوسخ والنجاسات بالبدن، فتكون الإزالة حينئذ أمرا حسناً. والنساء في حلق شعر العانة وإزالة شعر الإبطين كالرجال في الحكم، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/475)
عملت وشماً قبل الإسلام فهل هي ملعونة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل دخولي في الإسلام, قمت بعمل وشم. وقد قرأت مؤخرا بأن المرأة التي تحمل وشما هي ملعونة.
فهل ينطبق ذلك علي أيضا؟ وإذا خُطبت فهل أخبر المتقدم لي بأمر الوشم مقدما, في حالة كونه لا يريد أن يرتبط "بفتاة ملعونة"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن يعلم المسلم أن الإسلام يجبُّ ما قبله من السيئات ويمحوها بل يبدلها الله حسنات كما قال الله تبارك وتعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} الفرقان / 70.
عن عمرو بن العاص قال: ... فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله.
رواه مسلم (121) .
فدل هذا الحديث أن من أسلم يغفر له جميع السيئات التي عملها قبل الإسلام.
ثانياً:
ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الوشم.
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين ".
رواه البخاري (5032) .
فالوشم من كبائر الذنوب، ولكن إن تاب الإنسان منه تاب الله عليه.
ثالثاً:
توصل الطب الحديث إلى إمكانية إزالة الوشم، والدواء موجود ومتداول في الصيدليات ومعروف فيمكنك بسهولة إن شاء الله إزالته.
رابعاً:
إن لعن الواشمة ليس صفة لازمة بل متى تاب الإنسان منه زال الوصف عنه وبالتالي خطأ أن تقولي عن نفسك فتاة ملعونة، بل نسأل الله أن تكوني صالحة.
خامساً:
لاشك أن من يريد التزوج بك سوف يُقدر هذا الأمر وخصوصاً أنه قبل الإسلام، وحتى لو كان بعد الإسلام مادام أن المسلم تاب منه فلا وجه للمؤاخذة والمحاسبة بل تبدل سيئته حسنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/476)
نصحها الأطباء بتأخير ختان الطفل لمرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[عمر ابني حوالي أربع شهور فقط، وقد أجري له زراعة قلب عندما وصل عمره تسعة أسابيع ونصف ولم نقم بختانه لأن الأطباء ذكروا أن الختان قد يؤثر على حياته والآن تواجهه مشكلة أخرى وهي أن خصيتيه لم يهبطا إلى مستوى العضو التناسلي الذكري وقد استشرنا طبيب المسالك البولية وطلب منا الانتظار إلى أن يبلغ الطفل تسعة أشهر، فهل يجوز لنا الانتظار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
إذا كانت هناك ضرورة تمنع ختان هذا الطفل في موعده الشرعي جاز تأخيرها لقول الله عز وجل {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} [النساء 29] ، وقوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة 286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وعلى قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) .
والختان لا يترتب عليه ضرر عادة فيستشار الطبيب وإذا علم الطبيب الذي يمنع الختان أن السبب يؤثر تأثيراً حقيقياً فلا مانع من التوقف عن الختان إلى حين القدرة والاستطاعة.
و"من مسقطات الختان ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر به الضعف كذلك فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات.
(وقال) في " شرح الهداية " فقال: يمنع منه ولهذا نظائر كثيرة منها الاغتسال بالماء البارد في حال قوة البرد والمرض، وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على المريض والحامل وغير ذلك فإن هذه الأعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط وجوبه، والله تعالى أعلم. أ. هـ
[الْمَصْدَرُ]
الختان أبو بكر عبد الرزاق (ص 144) .(5/477)
فوائد الختان الصحية والشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أدين بأي دين، ولكني أتساءل لماذا يعتبر اليهود والمسلمون الختان إلزاميا؟ يبدو لي أن المسلم ينظر إلى كل إنسان كمخلوق كامل من خلق الله، ولكن، لماذا الشك في هذا الكمال بتغيير خلق الله؟ أنا أعرف اعتبارات النظافة الصحية بالطبع، ولكني آمل حقا أن أحصل على رد من طرفكم على سؤالي. ولكم الشكر على تلطفكم بالإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
المسلم يُنفذ أمر الله وهذا معنى الإسلام ومقتضاه، وهو الاستسلام لله وطاعة أمره، سواءٌ تبين له الحكمة منه أم لا، لأن الآمر ـ وهو الله تعالى ـ هو الخالق العليم الخبير، الذي خلق البشر ويعلم ما يُصلحهم وما يصلح لهم، والختان من ضمن الأحكام الشرعية التي يُنفذها المسلم عن طواعية وخضوع ومحبةٍ لله وطلب للأجر والثواب من عنده، وهو يجزم يقيناً بأن الله لم يأمر بشئٍ إلا وله فيه حكمة وللعبد فيه مصلحة سواءٌ علمها العبد أم لم يعلمها، ولا بأس وقد ورد السؤال من طرفك أيها السائل الحريص على معرفة الفائدة الصحية من الختان أن نذكر هنا بعض الفوائد الشرعية والصحية للختان إجابةً لطلبك، وليزداد المؤمنون إيماناً بالحكم، ويعلم غير المسلم جانباً من عظمة هذه الشريعة التي جاءت بجلب المصالح، ودرءِ المفاسد.
أولاً:
الفوائد الشرعية:
"الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده ويُجَمِّلُ بها محاسنهم الظاهرة والباطنة فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها ولهذا كان من تمام الحنيفية ملة إبراهيم، وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية فإن الله عز وجل لما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماماً، ووعده أن يكون أباً لشعوب كثيرة وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يُكثِّر نسله وأخبره أنه جاعلٌ بينه وبين نسله علامةَ العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسماً (أي علامة) في أجسادهم. فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة/138،على الختان، فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعبّاد الصليب، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعمودية ويقولون:الآن صار نصرانياً، فشرع الله سبحانه وتعالى للحنفاء صبغة الحنيفية،وجعل ميسمها الختان فقال: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة/138.
... فجعل الله سبحانه وتعالى الختان علماً لمن يضاف إليه وإلى دينه وملته وينسب إليه بنسبة العبودية والحنيفية ...
والمقصود: أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له، وعبادته وحده لا شريك له، وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر،ونتف الإبط، والمضمضة،والاستنشاق، والسواك،والاستنجاء.
فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم."
تحفة المودود بأحكم المولود - ابن القيم ص 351.
ولا يشترط أن يبقى الجنين على ما هو عليه عند خروجه من بطن أمه إذا كان ما يُفعل معه لمصلحة ومما أمر به الدين الحنيف ومن ذلك حلاقة شعر رأسه بعد ولادته لأن ذلك من مصلحته قال نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام: (أميطوا عنه الأذى) .
وكذلك غسله مما أصابه من الدم وقطع المشيمة التي كان متصلاً بها بأمه ونحو ذلك من إجراء الأمور التي تفيده.
ثانياً:
الفوائد الصحية:
قال الدكتور محمد علي البار (عضو الكليات الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة ـ مستشار قسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز بجدة) في كتابه الختان:
" إن ختان الأطفال المواليد (أي خلال الشهر الأول من أعمارهم) يؤدي إلى مكاسب صحية عديدة أهمها:
1- الوقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب: الناتجة عن وجود القلفة ويسمى ضيق القلفة ويؤدي إلى حقب البول. والتهابات حشفة القضيب وهذه كلها تستدعي إجراء الختان لعلاجها، أما إذا أزمنت فإنها تعرض الطفل المصاب لأمراض عديدة في المستقبل من أخطرها سرطان القضيب.
2- التهابات المجاري البولية: أثبتت الأبحاث العديدة أن الأطفال غير المختونين يتعرضون لزيادة كبيرة في التهابات المجاري البولية.وفي بعض الدراسات بلغت النسبة 39 ضعف ما هي عليه عند الأطفال غير المختونين، وفي دراسات أُخرى كانت النسبة عشرة أضعاف، وفي دراسات أُخرى تبين أن 95 بالمائة من الأطفال الذين يعانون من التهابات المجاري البولية هم من غير المختونين بينما كانت نسبة الأطفال المختونين لا تتعدى 5 بالمائة
والتهابات امجاري البولية في الأطفال خطيرة في بعض الأحيان ففي دراسة ويزويل على 88 طفلاً أصيبوا بالتهابات المجاري البولية كان لدى 36 بالمائة منهم نفس البكتريا الممرضة في الدم، وعانى ثلاثة من هؤلاء من التهاب السحايا، وأُصيب اثنان بالفشل الكلوي، ومات اثنان آخران بسبب انتشار الميكروبات الممرضة في الجسم.
3- الوقاية من سرطان القضيب: قد أجمعت الدراسات على أن سرطان القضيب يكاد يكون منعدماً لدى المختونين بينما نسبته لدى غير المختونين ليست قليلة، ففي الولايات المتحدة فإن نسبة الإصابة بسرطان القضيب لدى المختونين صفر بينما هي 2.2 من كل مائة ألف من السكان غير المختونين. وبما أن أغلبية السكان في الولايات المتحدة هم من المختونين فإن حالات السرطان هناك في حدود 750 إلى ألف حالة كل سنة ولو كان السكان غير مختونين لتضاعف العدد إلى ثلاثة آلاف حالة، وفي البلاد التي لا يُختن فيها مثل الصين ويوغندا وبورتوريكو فإن سرطان القضيب يشكل ما بين 12 إلى22 بالمائة من مجموع السرطانات التي تصيب الرجال. وهي نسبة عالية جداً.
4- الأمراض الجنسية: لقد وجد الباحثون أن الأمراض الجنسية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي (غالباً بسبب الزنا واللواط) تنتشر بصورة أكبر وأخطر لدى غير المختونين، وخاصة الهربس، والقرحة الرخوة والزهري، والكانديدا، والسيلان، والثآليل الجنسية.
وهناك أبحاث عديدة حديثة تؤكد أن الختان يقلل من احتمال الإصابة بالإيدز بنسبة أعلى من قرنائهم من غير المختونين. ولكن ذلك لا ينفي أن المختون إذا تعرض للعدوى نتيجة اتصال جنسي بشخص مصاب بالإيدز قد يصاب بهذا المرض الخطير. وليس الختان واقياً منه، وليست هناك وسيلة حقيقة للوقاية من هذه الأمراض الجنسية العديدة سوى الابتعاد عن الزنا والخنا واللواط وغيرها من القاذورات (وبهذا نعلم حكمة الشريعة الإسلامية بتحريم الزنا واللواط ... ) .
5- وقاية الزوجة من سرطان عنق الرحم: لاحظ الباحثون أن زوجات المختونين أقل تعرضاً للإصابة بسرطان عنق الرحم من غير المختونين." انتهى نقلاً من كتاب (الختان) ص/76 للدكتور محمد البار.. والله أعلم
يراجع: مقال للبروفيسور ويزويل نشرته المجلة الأمريكية لطبيب الأسرة العدد/41، سنة 1991م.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/478)
بماذا يبدأ عند تقليم الأظفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بأي جزء من الجسد ينبغي الابتداء عند قص الأظافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقليم الأظافر سنة من سنن الفطرة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ويستحب التيامن فيه، لما ثبت في صحيح البخاري (163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ)
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/339) : " تقليم الأظفار مجمع على أنه سنة , وسواء فيه الرجل والمرأة واليدان والرجلان , ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم اليسرى " انتهى.
وقال رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (3/149) : " ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ثم يعود إلى اليسري فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها، إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى. والله أعلم " انتهى.
وذكر الحنابلة ترتيباً آخر بين الأصابع عند تقليم الأظفار، غير أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شيء.
قال العراقي رحمه الله في "طرح التثريب" (2/77) : " لم يثبت في كيفية تقليم الأظفار حديث يعمل به " انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (10/345) :
"لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث.... ثم قال: وقد أنكر ابن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزالي ومن تبعه وقال: كل ذلك لا أصل له، وإحداث استحباب لا دليل عليه، وهو قبيح عندي بالعالم، ولو تخيل متخيل أن البداءة بمسبحة اليمنى من أجل شرفها فبقية الهيئة لا يتخيل فيه ذلك. نعم، البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين له أصل وهو (كان يعجبه التيامن) " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/479)
حكم دفن الأظافر وقصها بالليل والتسمية عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت من بعض الناس أن قص الأظافر بالليل حرام، كما علمت بأنه علينا أن نتفل على الأظافر والشعر ثلاث مرات ونقول بسم الله قبل رميها في الزبالة وذلك حتى لا يتمكن الشيطان من التقاطها واستعمالها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القول بأنّ قصّ الأظافر بالليل مكروه لا أصل له، بل يقصّ أظافره متى شاء في أي ساعة من ليل أو نهار.
وكذلك القول بأنّه لا بدّ من التسمية ثلاثا على الأظافر والشّعر قبل رميها وإلا استعملها الشيطان لا أصل له أيضا وكذلك إيجاب دفنها لا يصحّ أيضا وقد ورد فيه حديث ضعيف جدا. فيجوز رميها في القمامة أو البلاعة أو دفنها وإذا خشي الشخص من وقوعها في أيدي السحرة فإنه يتخلص منها في مكان لا يصلون إليه فيه، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/480)
تركيب الرموش والأظافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تركيب الأظافر والرموش جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تركيب الرموش لأنه في حكم وصل الشعر، وتركيب الأظافر الطويلة على هيئة أظافر الوحوش هو مما جاءنا من طريق الكفار والشريعة قد جاءت بقص الأظافر لا بتطويلها فلماذا نخالف شريعتنا نسأل الله الهداية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/481)
ما حكم إهمال سنن الفطرة، وهل يؤثر هذا على الطهارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يلاحظ أن بعض المصلين قد طالت أظفارهم واحتشت بالأوساخ، فهل هذا يتفق مع الدين؟ وهل يصح وضوءهم؟ وهل هناك وقت محدد لتقليم الأظفار وغيرها من سنن الفطرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للناس في تقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب: ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، هكذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس رضي الله عنه: ـ وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: " وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " أخرجه الإمام مسلم في الصحيح (258) ، وأخرجه الإمام أحمد (11823) ، والنسائي (14) ، وجماعة بلفظ:" وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نترك الأظفار والشارب وحلق العانة ونتف الإبط أكثر من أربعين ليلة " فالواجب على النساء والرجال أن يلاحظوا هذا الأمر، فلا يُترك الظفر، ولا الشارب، ولا العانة - وهي: الشعرة-، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة، والوضوء صحيح لا يبطله ما قد يقع تحت الظفر من الوسخ؛ لأنه يسير يعفى عنه.ا. هـ
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 50) .(5/482)
حكم تطويل الأظافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فيمن يطيل أظافره كلها أو بعضها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تطويل الأظافر مكروه إن لم يكن محرماً لأن النبي صلى الله عليه وقّت في تقليم الأظافر ألا تترك فوق أربعين يوماً. رواه مسلم في الطهارة (258)
ومن الغرائب أن هؤلاء الذين يدّعون المدنية والحضارة يبقون هذه الأظافر مع أنها تحمل الأوساخ والأقذار وتوجب أن يكون الإنسان متشبهاً بالحيوان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أنْهَرَ الدم وذُكر اسم الله فكل ليس السن والظفر ... أما السن فعظمٌ وأما الظفر فمُدى الحبشة) رواه البخاري في الشركة (3507) ، ومسلم في الأضاحي (1968) ، يعني أنهم يتخذون الأظافر سكاكين يذبحون بها ويقطعون بها اللحم أو غير ذلك فهذا من هدي هؤلاء الذين أشبه ما يكونون بالبهائم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة /5 الشيخ ابن عثيمين (2/79)(5/483)
إزالة شعر الإبط بمساعدة الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يزيل لي شعر الإبط امرأة أخرى بمزيل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته سنن الفطرة، وهي ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء.
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ".
رواه مسلم (261) .
انتقاص الماء: يعني الاستنجاء.
وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض هذه السنن أن لا تترك أكثر من أربعين يوماً كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: " وُقَّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة ".
رواه مسلم (258) .
ثانياً:
لا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل أو المرأة إلى عورة المرأة.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ".
رواه مسلم (338) .
قال النووي:
فيه: تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبَّه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى.
ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه، وأما المحارم: فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة ومع الجواز حيث لا شهوة.
انظر: " فتح الباري " (9 / 339) .
ثالثاً:
يجوز للمرأة أن تزيل شعر إبط امرأة أخرى؛ لأن إبط المرأة بالنسبة لامرأة أخرى: ليس بعورة بشرط أن تؤمن الفتنة، وأن يؤمن جانبها بأن تصف جسد من رأت لزوجها أو غيره أو لغيرها من النساء.
انظر: " تفسير ابن كثير " (3 / 258) .
رابعاً:
وأما استعمال المزيل دون النتف: فجائز، وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز للرجل أن يستعمل مزيل الشَّعر في إزالة مثل شعر الإبط وشعر العانة؟
فأجابت:
نعم، يجوز ذلك في إزالة شعر إبطه وعانته.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 171) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/484)
هل الإسبال وحلق اللحية وصبغها بالأسود من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإسبال من الكبائر؟ وهل قص اللحية وصبغها بالأسود من الكبائر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الإسبال هو مجاوزة الثوب للكعبين، وهو نوعان:
الأول: ما كان مع الخيلاء، وهذا من كبائر الذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً) رواه البخاري (5788) ، ومسلم (2087) . ولما روى الترمذي (1731) والنسائي (5336) وأبو داود (4117) وابن ماجه (3580) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا) فَقَالَتْ: (إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ) قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) . صححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
قال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/259) : " الكبيرة التاسعة بعد المائة: طول الإزار أو الثوب أو الكم خيلاء " انتهى.
والثاني: ما كان بدون خيلاء، وهو محرم كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار في النار) رواه البخاري (5787) .
وهذا إثمه دون الأول، وإذا لم يكن بذاته كبيرة من الكبائر، فإنه كبيرة مع الإصرار، وهذه قاعدة عامة، وهي أن الصغيرة تصبح كبيرة بالإصرار والمداومة عليها.
قال النووي رحمه لله "في شرح مسلم": " قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار. مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "النوع الثاني من الإسبال: أن يكون لغير الخيلاء، فهذا حرام، ويخشى أن يكون من الكبائر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد فيه بالنار، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/255) .
وينظر في أدلة تحريم الإسبال جواب السؤال رقم 762.
ثانيا:
حلق اللحية محرم، وكذلك تقصيرها وصبغها بالسواد، للأدلة الدالة على وجوب الإعفاء، والنهي عن الصبغ بالسواد، وينظر جواب السؤال رقم 1189 ورقم 82720 ورقم 82671
والإصرار على ذلك كبيرة من كبائر الذنوب.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/139) :" حلق اللحية حرام، لما رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) ولما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) ، والإصرار على حلقها من الكبائر فيجب نصح حالقها والإنكار عليه ... " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يعتبر حلق اللحية من الكبائر؟ وهل يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين فيه العقاب الشديد لمن حلق لحيته؟
فأجاب: " حلق اللحية من الكبائر باعتبار إصرار الحالقين، يعني أن الذين يحلقون لحاهم يصرون على ذلك، ويستمرون عليه، ويجاهرون بمخالفة السنة، فمن أجل ذلك صار حلق اللحى كبيرة من حيث الإصرار عليه، أما الأحاديث الواردة في ذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها من الفطرة، أي أن إعفاء اللحى من الفطرة، وبناء على ذلك يكون مَنْ حلقها مخالفاً لما فُطِرَ الناس عليه. ثانياً: أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حلق اللحية من هدي المجوس والمشركين، ونحن مأمورون بمخالفة المجوس والمشركين، بل وكل كافر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ تشبه بقومٍ فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم": سنده جيد وأقل أحواله يقتضي التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم. ثالثاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعفاء اللحية وقال: (اعفوا اللحى) وفي لفظٍ: (وفروا) وفي لفظٍ: (أرخوا) وقال: (خالفوا المشركين، خالفوا المجوس) والأصل عند أكثر العلماء أن أوامر الله ورسوله للوجوب حتى يوجد ما يصرفها عن ذلك. رابعاً: أن إعفاء اللحية هدي النبي عليه الصلاة والسلام وهدي الرسل السابقين، والقارئ يقرأ قول الله تعالى عن هارون حين قال لأخيه موسى: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) والعالم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغه أنه (عليه الصلاة والسلام كث اللحية عظيم اللحية) ولو خُيِّر لعاقل بين هدي الأنبياء والمرسلين وهدي المشركين فماذا يختار؟ إذا كان عاقلاً فسيختار هدي الأنبياء والمرسلين، ويبتعد عن هدي المجوس والمشركين، لهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله، أقول: اتقوا الله، امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إعفاء اللحية، فإن الله قال: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلك. فالمسألة عظيمة فنحن نخاطب جميع إخواننا المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يؤجروا على ذلك، ويحصل لهم مع طيب المظهر باللحية التي جمَّل الله بها وجه الرجل الطيب المبطن، وطيب القلب، لأن الإنسان كلما ازداد تمسكاً بدين الله ازداد قلبه طيباً، ولنستمع إلى قول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ما قال فلنكثرن ماله فلنرفهنه، قال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) حتى لو كان فقيراً قلبه مطمئن، راضياً بقضاء الله وقدره، فحياته طيبة، نسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا بذكره والإيمان به، وأن يهدي جميع المسلمين لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعدّ بعض العلماء صبغ اللحية بالسواد من الكبائر، وإن لم يكن إصرار؛ لما ورد في ذلك من الوعيد.
قال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/261) : " الكبيرة الحادية عشرة بعد المائة: خضب نحو اللحية بالسواد لغير غرضٍ نحو جهاد. أخرج أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد , وزعمُ ضعفه ليس في محله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) . تنبيه: عدّ هذا من الكبائر هو ظاهر ما في هذا الحديث الصحيح من هذا الوعيد الشديد وإن لم أر من عده منها " انتهى.
والواجب على العبد أن يحذر المعصية مهما كان شأنها، فإن الصغائر تجتمع على المرء حتى تهلكه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه) . رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال الحافظ: إسناده حسن.
وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (2687) .
وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال الغزالي رحمه الله: " تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب، وهو كتواتر قطرات
الماء على الحجر، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة، مع لين الماء وصلابة الحجر" انتهى.
ولقد أحسن من قال:
لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ من الحصى.
وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/485)
هل يقص الجنب ظفره وشعره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل إذا كان جنباً وقص ظفره أو شعره، هل عليه شيء في ذلك؟ لأنه إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه جزء من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، فهل ذلك كذلك أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما: أنه لما ذكر له الجنب قال: (المؤمن لا ينجس) . وفي صحيح الحاكم: (حياً ولا ميتاً) .
وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلاً شرعياً، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) ، فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين. وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (21/120، 121) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/486)
حكم الختان لمن دخل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الختان للمسلم الجديد ومتى يختتن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الختان للمسلم الجديد واجب، كما أنه واجب على المسلم الأصلي، ويجب عليه الاختتان من حين أن يسلم، لكن إن اقتضت المصلحة في تأخير أمره بذلك خوفاً من فراره من الإسلام، لأن الإسلام لم يستقر في قلبه بعد فلا بأس بذلك، لأن المفسدة الحاصلة بتأخير الختان أهون من مفسدة ردته عن الإسلام بعد إسلامه" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/3، 4) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/487)
وقت الختان
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الختان؟ وقت البلوغ أم في حال الصغر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن يكون الختان في زمن الصغر، لأنه أرفق بالصبي. وحتى ينشأ الصبي على حال الكمال.
قال النووي:
يستحب للولي أن يختن الصغير في صغره؛ لأنه أرفق به اهـ "المجموع" (1 / 351) .
وروى البيهقي (8/324) عن جابر قال: عَقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة أيام.
والحديث سنده ضعيف. انظر: إرواء الغليل (4/383) .
ولذلك سئل الإمام أحمد عن وقت الختان فقال: لم أسمع في ذلك شيئاً.
وقال ابن المنذر:
ليس لوقت الختان خبر يُرجع إليه، ولا سنة تستعمل اهـ
وأما وقت وجوبه:
فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجب إلا بعد البلوغ، لأن التكاليف الشرعية لا تجب قبل البلوغ.
قال النووي:
قال أصحابنا: وقت وجوب الختان بعد البلوغ اهـ المجموع (1/351) .
واختار ابن القيم رحمه الله أنه يجب قبل البلوغ، حتى يبلغ الصبي مختوناً، غير أن الوجوب هنا على الولي لا على الصبي.
قال ابن القيم:
وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً، فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به. . . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع وأن يضربوهم على تركها لعشر. فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزا البلوغ اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أما الختان فمتى شاء اختتن، لكن إذا راهق البلوغ: فينبغي أن يختن كما كانت العرب تفعل، لئلا يبلغ إلا وهو مختون.
" الفتاوى الكبرى " (1 / 275) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/488)
حكم حلق الشارب
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلق بعض إخوتي لحاهم ويحلقون شواربهم، ويقولون إن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك، لقد قرأت بعض ردودكم الخاصة بتهذيب الشارب على الموقع، ولكن هل يجوز حلقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في السنة المستحبة في الشارب، على قولين:
القول الأول: أن السنة هي الحلق بالكلية، وهو مذهب الحنفية والحنابلة. واستدلوا بظاهر الألفاظ النبوية الواردة في هذا الباب، ومنها: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) البخاري (5892) ومسلم (259) ، (أَنْهِكُوا الشَّوَاربَ) البخاري (5893) ، وفي لفظ لمسلم (260) (جُزُّوا الشَّوَارب) .
قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/230) :
" الإحفاء أفضل من القص، وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله" انتهى.
ونقل ابن عابدين في "رد المحتار" (2/550) عن المتأخرين اختيار القص، فقال:
" المذهب (يعني المذهب الحنفي) عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص , قال في البدائع: وهو الصحيح " انتهى.
القول الثاني: أن السنة قص الشارب، وأما حلقه فمكروه: وهو مذهب المالكية والشافعية، وشدَّد الإمام مالك رحمه الله في ذلك.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ) رواه البخاري (5891) ومسلم (257) .
2- وعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ شَارِبِي وَفَى – أي زاد - فَقَصَّهُ لِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - عَلَى سِوَاكٍ) رواه أبو داود (188) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده عن: "عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال:
ذكر مالك بن أنس إحفاء بعض الناس شواربهم فقال: ينبغي أن يضرب من صنع ذلك، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفاء، ولكن يبدي حرف الشفتين والفم.
وقال مالك بن أنس: حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس " انتهى باختصار.
وقال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" روى ابن عبد الحكم عن مالك: ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه. وروى أشهب عن مالك: حلقُهُ مِن البدع.
قال مالك رحمه الله: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أحزَنَهُ أمرٌ فَتَل شاربه. ولو كان محلوقا ما كان فيه ما يفتل " انتهى. وانظر "التمهيد" (21/62-68) .
وقال النووي في "المجموع" (1/34-341) :
" ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرفُ الشفة، ولا يحفّه من أصله , هذا مذهبنا " انتهى.
وفي "نهاية المحتاج" للرملي (8/148) من أئمة الشافعية: " ويكره الإحفاء " انتهى. يعني: إحفاء الشارب.
وقد ورد هذا المذهب عن جماعة من السلف أيضا:
فروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده: عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معد يكرب الكندي، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة.
وأجابوا عن أدلة القول الأول بأحد جوابين:
1- أن المراد بالإحفاء والإنهاك هو قص طرف الشعر الذي على الشفة، وليس حلق أصل الشعر، بدليل الروايات التي فيها ذكر القص فقط، فهي مُبَيِّنَةٌ لأحاديث الإحفاء.
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" روى ابن القاسم عن مالك: أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار: وهو ما احمَرَّ من طرف الشفة، والإطار جوانب الفم المحدقة به " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (1/340) :
" وهذه الروايات – يعني روايات (أحفوا..أنهكوا..الشوارب) - محمولةٌ عندنا على الحف من طرف الشفة، لا مِن أصل الشعر " انتهى.
2- أن الإحفاء والإنهاك في اللغة لا يعني الإزالة الكلية، بل يعني إزالة بعضه.
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
" إنهاك الشيء لا يقتضي إزالة جميعه، وإنما يقتضي إزالة بعضه. قال صاحب "الأفعال": نهكته الحمى نهكا: أثرت فيه " انتهى.
والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني، بأن السنة هي القص وليس الحلق.
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/باب السواك وسنن الفطرة/سؤال رقم 54) :
" الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة ... وأما حلقه فليس من السنة، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص، فلا عبرة به، ولهذا قال مالك عن الحلق: إنه بدعه ظهرت في الناس، فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة، فإن في اتباعها الهدى والصلاح والسعادة والفلاح " انتهى باختصار.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ورد في عدة أحاديث: (قصوا الشارب) فهل الحلق يختلف عن القص؟ وبعض الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفه العليا، ويترك شعر شاربه، تقريباً يقص نصف الشارب، ويترك الباقي، فهل هذا هو المعنى؟ أو ينهك الشارب أي: يحلق جميعه؟ أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها.
فأجابت
"دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية قص الشارب، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى؛ خالفوا المشركين) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس) ، وفي بعضها: (أحفوا الشوارب) والإحفاء هو المبالغة في القص، فمن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا أو أحفاه فلا حرج عليه؛ لأن الأحاديث جاءت بالأمرين، ولا يجوز ترك طرفي الشارب، بل يقص الشارب كله، أو يحفيه كله؛ عملاً بالسنة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/149) .
وقد اختار الطبري والقاضي عياض جواز الأمرين: الحف والقص، ومال إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/347) .
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/320) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/489)
هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟
السؤال:
الحمد لله
للرجل أن يطيل شعر رأسه، مع الاهتمام بتسريحه وتنظيفه والاعتناء بمنظره، في غير مبالغة ولا إسراف؛ لما روى أبو داود (4195) والنسائي (5048) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: (احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوْ اتْرُكُوهُ كُلَّه) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
وروى أبو داود (4163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في "عون المعبود ": " أَيْ: فَلْيُزَيِّنْهُ وَلْيُنَظِّفْهُ بِالْغَسْلِ وَالتَّدْهِين وَالتَّرْجِيل وَلَا يَتْرُكهُ مُتَفَرِّقًا، فَإِنَّ النَّظَافَة وَحُسْن الْمَنْظَر مَحْبُوب " انتهى.
لكن إن كان إطالة الشعر مستهجنا بين الناس أو لا يفعله إلا طائفة نازلة بينهم، فلا ينبغي فعله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إطالة شعر الرأس لا بأس به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه، فهو على الأصل لا بأس به، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة، فالمسألة إذن بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم فلا بأس به، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها، ولا يَرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها كان يتخذ الشعر، لأننا نري في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وللأهمية يراجع جواب السؤال (69822) فقد نقلنا فيه كلاما لابن عبد البر رحمه الله في هذه المسألة، يحسن الوقوف عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/490)
مصالح الختان تفوق آلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في الختان مصالح كبيرة حتى أقوم به لطفلي الصغير مع ما تسببه من آلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم إنّ في الختان من المصالح في كونه من سنن المرسلين ومن سنن الفطرة وفيه كمال الطّهارة والنّظافة وهو أنفع وأصحّ في قضاء الحاجة والجماع ومنع الالتهابات وغير ذلك من المصالح ما يطغى بكثير على مفسدة الإيلام والتي تكون في الصِّغر أقلّ منها حين الِكَبر.
زد على ذلك أن عددا من أهل العلم قد قال بوجوبه في حقّ الذّكور، قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فصل: فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم.
قال أحمد: الرجل أشد، وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة ولا ينقى ما ثَمَّ. والمرأة أهون قال أبو عبد الله: وكان ابن عباس يشدد في أمره، وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة، يعني إذا لم يختتن، والحسن يرخص فيه، يقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن. ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يُفَتّش أحد منهم ولم يختتنوا.
والدليل على وجوبه: أن ستر العورة واجب، فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله، ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً، كسائر شعارهم، وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه. لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه. فهذا أولى. وإن أمن على نفسه لزمه فعله، قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم، ترى له أن يطهر بالختان؟ قال: لا بد له من ذلك. قلت: إن كان كبيراً أو كبيرة قال: أحب إلي أن يتطهر. لأن الحديث: (اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة) قال تعالى: (مِلَّة أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ) الحج/78. انتهى
ولذلك فالنّصيحة لك - أيها الأخ المسلم - في الإقدام على إجراء الختان لولدك من قِبل الخبير الماهر. قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ. رواه البخاري 5441
والله يوفقّنا وإيّاك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/491)
إزالة الشعر والأظافر في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثم المرأة عند إزالة الشعر والأظافر والتخلص منهما أثناء فترة الحيض؟ وهل يجب أثناء الحيض غسلهما قبل التخلص منهما؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الإشكال الذي يطرأ عند كثير من النساء، في شأن حكم إزالة الشعر والأظافر ونحوها من سنن الفطرة أثناء فترة الحيض، ناشئٌ عن اعتقادٍ باطلٍ لدى بعضهن، بأن أجزاء الإنسان تعود إليه يوم القيامة، فإذا أزالها وعليه الحدث الأكبر من جنابة أو حيض أو نفاس، عاد إليه يوم القيامة نجسا لم تصبه الطهارة، وهذا كلام فاسد وتوهم لا محل له من الصحة.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (21/120-121) -:
" عن الرجل إذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشَّطَ رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال (إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وفي صحيح الحاكم (حَيًّا وَلَا مَيتًا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (أَلْقِ عَنكَ شَعرَ الكُفرِ وَاختَتِن) – [رواه أبو داود (356) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/120) ]- فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم " انتهى.
ويشير شيخ الإسلام بذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ)
رواه البخاري (1556) ومسلم (1211)
فالامتشاط غالبا ما يصاحبه تساقط بعض الشعر، ومع ذلك أذن به النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم والحائض.
يقول فقهاء الشافعية كما في "تحفة المحتاج" (4/56) :
" النص على أن الحائض تأخذها " انتهى. (يعني الظفر والعانة والإبط، والمقصود نصُّ المذهب)
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (فتاوى الزينة والمرأة/سؤال رقم 9) :
" سمعت بأن مَشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض، ولا قص الأظافر والغسل، فهل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
هذا ليس بصحيح، فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها، ويجوز أن تغتسل من الجنابة، مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة، أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة، فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم " انتهى.
ولا يعرف القول بكراهة ذلك عن أحد من فقهاء الأمة المعتبرين، وإنما تذكره بعض كتب أهل البدع من الطوائف المخالفة لأهل السنة، كما في "شرح النيل وشفاء العليل" (1/347) لمحمد بن يوسف الإباضي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/492)
حكم تهذيب اللحية والأخذ من العنفقة
[السُّؤَالُ]
ـ[مما لا شك فيه أن الشرع أمرنا بعدم حلق اللحية لكن.. هل يجب على المسلم أن لا يأخذ منها شيئاً أبداً.. أعني تخفيفها وترتيبها مع وجود الإعفاء.. بحيث تكون ليست بقصيرة إنما متوسطة في الطول، يتضح أن من له هذه اللحية أنه معفيها إعفاءً. فسؤالي بالنسبة لترتيبها وقص أطرافها من فترة إلى أخرى هل هو جائز؟ حتى وإن لم تصل إلى القبضة التي اجتهد فيها بعض العلماء؟ أمر آخر: هل الشعر الواقع تحت الشفة السفلى في المنتصف يدخل ضمن اللحية.. فأنا أخفف تلك المنطقة باستمرار لأنها تضايقني؟ الأمر الأخير..يقع في بالي أمر قد يكون غريبا.. وهو أنه من الغريب أن الأصل في اللحية أن لا تخفف أو ترتب.. لأنه مما يندر أن تكون اللحية كاملة حين خروجها عند البلوغ ومن النادر أن تكتمل مع النمو والعمر! فهل يعقل أنه من الواجب على كل مسلم في هذه الدنيا أن لا يلمس لحيته أبداً أبداً - وأقصد التخفيف والترتيب مع الإعفاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت الأدلة الصحيحة على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها، وهذا يقتضي عدم الأخذ من شيء منها، وقد تأكد ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يصح عنه أنه أخذ شيئا من لحيته.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم حلق اللحية أو أخذ شيء منها؟
فأجابوا:
"حلق اللحية حرام، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة والأخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) وفي رواية: (أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى.
وإعفاء اللحية تركها على حالها، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء. حكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق، وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) صححه الترمذي. قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن. كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) الحديث، وفي لفظ: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد، وَرَدَّ عمر بن الخطاب شهادة من ينتف لحييه، وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: " يحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية، رواه مسلم عن جابر، وفي رواية: (كثيف اللحية) ، وفي أخرى: (كث اللحية) ، والمعنى واحد، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/133) .
ثانيا:
الشعر الواقع تحت الشفة السفلى وفوق الذقن، يسمى العنفقة، وفي دخوله في اللحية خلاف، والظاهر أنه ليس منها.
قال في القاموس المحيط: " اللِّحْيَةُ، بالكسر شَعَرُ الخَدَّيْنِ والذَّقَنِ " انتهى.
وقال في "الإنصاف" (1/134) في صفة الوضوء: " شعر غير اللحية كالحاجبين , والشارب , والعنفقة , ولحية المرأة وغير ذلك: مثل اللحية في الحكم على الصحيح من المذهب , وعليه الجمهور " انتهى. أي: مثل اللحية في وجوب غسل الخفيف منها في الوضوء، واستحباب تخليل الكثيف، وهو صريح في أن العنفقة ليست من اللحية.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر، أم تبقى كما هي؟
فأجاب: "تسمى العنفقة وليست من اللحية، تبقى كما هي، إلا إذا تأذى منها الإنسان " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/16) .
ثالثا:
لا غرابة في الأمر بإعفاء اللحية وتركها على حالها، مع أنها قد لا تكتمل، أو قد تنتبت متفرقة، فإنها إن تركت على حالها كانت زينة وجمالا، مهما كان شكلها، كما هو مشاهد، وتهذيبها وترتيبها يذهب جمالها في أغلب الأحوال.
وعلى المرء أن ينقاد لحكم الشرع، وألا يعارضه برأي أو ذوق أو عادة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يوفرون لحاهم ويعفونها، ولم يثبت عنهم ترتيبها أو تقصيرها، وهم أكمل الأمة علما وذوقا، فلم يروا ذلك عيبا، لأن خلق الله تعالى كله حسن، وقد روى أحمد (19493) عن يعقوب بن عاصم أنه سمع الشريد يقول: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فأسرع إليه أو هرول، فقال: ارفع إزارك، واتق الله، قال: إني أحنف تصطك ركبتاي. فقال: ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن، فما رؤى ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه، أو إلى أنصاف ساقيه.
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441) .
والأحنف: هو الذي في قدميه اعوجاج.
فتأمل هذا الحديث ففيه عبرة وذكرى لمن يزعم أن عدم تهذيب اللحية ينافي الجمال والحسن، بل كل خلق الله عز وجل حسن، وما على المؤمن إلا أن ينقاد لأمره تعالى، ويتبع نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤثر ذلك على هوى النفس.
زادنا الله وإياك علما وفقها واتباعا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/493)
هل يجوز عدم حلق العانة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز عدم حلق العانة لأن زوجتي تستمتع أكثر عند الجماع؟ وما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
حلق العانة من سنن الفطرة التي حث عليها الإسلام، واتفقت عليها الشرائع، كما روى البخاري (5890) ومسلم (261) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مِنْ الْفِطْرَةِ: حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) .
ودلت السنة على أنه لا يجوز ترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، كما روى مسلم (258) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
قال الشوكاني رحمه الله: " المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها، ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية " انتهى من "نيل الأوطار" (1/143) .
وعليه؛ فلك ترك حلق العانة مدة لا تتجاوز الأربعين، أما أكثر من الأربعين فلا يجوز ذلك.
والواجب على المسلم تعظيم أحكام الله تعالى، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) الحج/32.
ومن العجيب أن تستمتع المرأة بعدم نظافة زوجها، ومشابهته للحيوانات، فضلا عن مخالفة ذلك للشرع والعقل والفطرة السوية المستقيمة، فإن مما يقصد من خصال الفطرة (ومنها: الاستحداد) : نظافة البدن، ومراعاة شعور من يخالطه الإنسان، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري":
"وَيَتَعَلَّق بِهَذِهِ الْخِصَال (يعني: خصال الفطرة) مَصَالِح دِينِيَّة وَدُنْيَوِيَّة، تُدْرَك بِالتَّتَبُّعِ , مِنْهَا: تَحْسِين الْهَيْئَة , وَتَنْظِيف الْبَدَن جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , وَالِاحْتِيَاط لِلطَّهَارَتَيْنِ , وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُخَالَط وَالْمُقَارَن بِكَفٍّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مِنْ رَائِحَة كَرِيهَة , وَمُخَالَفَة شِعَار الْكُفَّار مِنْ الْمَجُوس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعُبَّاد الْأَوْثَان , وَامْتِثَال أَمْر الشَّارِع , وَالْمُحَافَظَة عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: (وَصُوَّركُمْ فَأَحْسَنَ صُوَركُمْ) لِمَا فِي الْمُحَافَظَة عَلَى هَذِهِ الْخِصَال مِنْ مُنَاسَبَة ذَلِكَ , وَكَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ حَسُنَتْ صُوَركُمْ فَلَا تُشَوِّهُوهَا بِمَا يُقَبِّحهَا , أَوْ حَافِظُوا عَلَى مَا يَسْتَمِرّ بِهِ حُسْنهَا , وَفِي الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا مُحَافَظَة عَلَى الْمُرُوءَة وَعَلَى التَّآلُف الْمَطْلُوب , لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا بَدَا فِي الْهَيْئَة الْجَمِيلَة كَانَ أَدْعَى لِانْبِسَاطِ النَّفْس إِلَيْهِ , فَيُقْبَل قَوْله , وَيُحْمَد رَأْيه , وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ" انتهى.
فالواجب نصح هذه الزوجة، أن تعود لفطرتها السوية، وتعظم أحكام الشرع، وعليها أن توقن أن هذه الأحكام شرعها الله تعالى للمؤمنين، لينالوا بها سعادة الدنيا والآخرة، ولا يمكن أن يكون غيرها مساوياً لها أو أحسن منها، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، أي: لا أحد أحسن حكما من الله تعالى.
فمن ظن أن غير حكم الله أفضل من حكم الله فليراجع إيمانه.
نسأل الله العافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/494)
لا بأس بختان الطبيبة للصبي الرضيع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن تقوم طبيبة بإجراء عملية الختان للصبيان (بعلم أو بطريق الخطأ) ؟ أرجو أن توضحوا حكم ذلك حيث أنه يقع في العديد من بلاد العالم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تقوم الطبيبة بختان الطفل الرضيع، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/495)
حلاقة شعر الساقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حلاقة المرأة لشعر الساقين؟ هل هو تشبه بالكفار وماذا قال العلماء في ذلك؟ وإذا كانت المرأة تريد أن تفعله لزوجها فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد سبقت الإجابة عن هذا المسألة يراجع إجابة السؤال رقم 451، 742
وخلاصة الجواب أنه يجوز إزالة شعر الساقين، وأمّا عن أقوال المذاهب الفقهية في مسألة حلاقة شعر الجسد كشعر اليدين والرجلين فقد صرّح المالكية بأنّ للمرأة إزالة كلّ ما في إزالته جمال لها، ويجب عليها إبقاء ما في إبقائه جمال لها ولذلك يحرم عليها حلق شعر رأسها. (الموسوعة الفقهية) 18/100
ويحرم على المرأة النّمص وهو حفّ شعر الوجه وأشدّه الحاجبين للوعيد الوارد في ذلك. وللتفصيل في ضوابط زينة المرأة يُراجع سؤال رقم 261
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/496)
صلاة من لم يحلق عانته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل صلاة من تجاوز شعر عانته شهراً لم يحلقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق العانة - الشعر النابت حول القبل - من سنن الفطرة ولا ينبغي تركه أكثر من أربعين يوماً بدون حلق للحديث الثابت في ذلك، ولا أثر لتأخيره عن الأربعين على صحة الصلاة بل القول بذلك جهل بأحكام الشرع المطهر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/126(5/497)
الختان وانتقاء الاسم للمسلم الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الدنمارك، وأنا من مدة مهتم بالإسلام، ولقد توصلت الآن لمرحلة أصبحت فيها متأكداً بكل معنى الكلمة أنني أريد أن أصبح مسلماً. وعندي أسئلة وهي كما يلي:
- هل يجب أن أكون مختوناً لأصبح مسلماً (وهذا ما أقبله مسروراً) وكيف يتم ذلك {الختان} هل يفعل عن طريق الطبيب أو الإمام أو أفعله بنفسي.
- إنني أحس أن تغيير اسمي عندما أصبح مسلماً هو بصدق حدث مفرح، ولكنني أحب أن أعرف ما الاسم الأنسب من الأسماء الآتية ليكون اسمي الأول الجديد: قاسم -عاصم - تيم الله - سعيد. وسأكون ممتناً إن رددت على رسالتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله، وهذا نبأ سعيد نتلقاه هذه الليلة برغبتك للانضمام إلى ديننا نسأل الله لك التوفيق للحقّ والثبات على الإسلام.
وأمّا عن سؤالك الأوّل فإن كان الختان لا يسبّب لك ضررا فيمكنك إجراؤه عند من تثق بخبرته ومهارته من الجرّاحين، وإذا كان سيسبّب لك ضررا فلا عليك من عدم القيام به ولا يضرّ ذلك بإسلامك إن شاء الله.
وأمّا بالنسبة لتغيير اسمك فإنّ أحبّ الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم (رقم 3975) .
وإذا أردت أن ننتقي لك اسما من الأسماء التي حدّدتها في القائمة فيمكنك أن تتسمى بـ: عاصم ومعناه في اللغة العربية حافظ أو صائن أو واقي
نسأل الله لك حياة طيبة سعيدة في ظلال الإسلام العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/498)
الختان؛ كيفيته وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تبين لنا ما هو الختان وما هو موضعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً قيماً في أحكام المولود سماه: "تحفة المودود في أحكام المولود"، وقد عقد في هذا الكتاب باباً واسعاً تكلم فيه عن الختان وأحكامه، وهذا ملخص منه، مع بعض الزيادات عن غيره من أهل العلم.
1. معنى الختان:
قال ابن القيم:
الختان: اسم لفعل الخاتن، وهو مصدر كالنزال والقتال، ويسمى به موضع الختن أيضا ومنه الحديث: " إذا التقى الختانان وجب الغسل "، ويسمى في حق الأنثى خفضا يقال: ختنت الغلام ختنا، وخفضت الجارية خفضا، ويسمى في الذكر إعذارا أيضا، وغير المعذور يسمى أغلف وأقلف.
" تحفة المولود " (1 / 152) .
2. الختان سنة إبراهيم والأنبياء من بعده:
روى البخاري (6298) ومسلم (2370) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ.
و (الْقَدُوم) هو آلة النجار. وقيل: هو مكان بالشام.
قال الحافظ ابن حجر:
وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الآلَة , فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن رَبَاح قَالَ: "أُمِرَ إِبْرَاهِيم بِالْخِتَانِ , فَاخْتَتَنَ بِقَدُّوم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ عَجِلْت قَبْل أَنْ نَأْمُرك بِآلَتِهِ , فَقَالَ: يَا رَبّ كَرِهْت أَنْ أُؤَخِّر أَمْرك" اهـ
وقال ابن القيم:
والختان كان من الخصال التي ابتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس، وقد روي أنه أول من اختتن كما تقدم، والذي في الصحيح اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فإنه اختتن والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرَّم لحم الخنزير ...
" تحفة المودود " (ص 158 – 159) .
هذا، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الختان
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وأقرب الأقوال: أنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء، ووجه التفريق بينهما: أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة، لأنه إذا بقيت هذه الجلدة: فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك.
وأما في حق المرأة: فغاية فائدته: أنه يقلل من غلمتها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى.
" الشرح الممتع " (1 / 133، 134) .
وهذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. قال ابن قدامة في المغني (1/115) : فأما الختان فواجب على الرجال، ومَكْرُمَة في حق النساء، وليس بواجب عليهن اهـ
3. موضعه:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
قال أبو البركات في كتابه " الغاية ": ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة، وإن اقتصر على أخذ أكثرها جاز ويستحب لخافضة الجارية أن لا تحيف، وحكي عن عمر أنه قال للخاتنة: أبقي منه إذا خفضت، وقال الخلال في " جامعه ": ذكر ما يقطع في الختان: أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال: سئل أحمد: كم يقطع في الختانة؟ قال: حتى تبدو الحشفة.
والحشفة: رأس الذكر، كما في لسان العرب (9/47) .
وقال ابن الصباغ في " الشامل ": الواجب على الرجل أن يقطع الجلدة التي على الحشفة حتى تنكشف جميعها، وأما المرأة فتقطع الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرين وإذا قطعت يبقى أصلها كالنواة.
وقال النووي رحمه الله:
والصحيح المشهور أنه يجب قطع جميع ما يغطي الحشفة اهـ. المجموع (1 / 351) .
وقال الجويني: القدر المستحق من النساء: ما ينطلق عليه الاسم، قال: في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال، قال: أَشِمِّي ولا تَنْهَكي، أي: اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع.
" تحفة المودود " (190 – 192) .
والحاصل أنه في ختان الذكر تقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة، وفي ختان الأنثى يُقطع جزءٌ من الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج.
4- الحكمة من مشروعية الختان
أما للرجل فلأنه لا يتمكن من الطهارة من البول إلا بالختان، لأن قطرات من البول تتجمع تحت الجلدة فلا يُؤمن أن تسيل فتنجس ثيابه وبدنه. ولذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يشدد في شأن الختان. قال الإمام أحمد: وكان ابن عباس يشدد في أمره، ورُوي عنه أنه لا حج له ولا صلاة. يعني: إذا لم يختتن اهـ المغني (1/115) .
وأما حكمة الختان بالنسبة للمرأة فتعديل شهوتها حتى تكون وسطاً.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المرأة: هل تختتن أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، نعم، تختتن، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي عرف الديك، قال رسول الله للخافضة وهي الخاتنة: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أبهى للوجه، وأحظى لها عند الزوج) يعني: لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء [يعني: غير مختتنة] كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا بن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر. ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين. وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال. والله أعلم اهـ مجموع الفتاوى (21/114) .
5- ويجوز دفع المال للختَّان.
قال ابن قدامة:
ويجوز الاستئجار على الختان، والمداواة، لا نعلم فيه خلافا؛ ولأنه فعل يحتاج إليه، مأذون فيه شرعا، فجاز الاستئجار عليه، كسائر الأفعال المباحة.
" المغني " (5 / 314) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/499)
لا بأس بقص الشارب أو أخذه كله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بتهذيب شاربي حتى يكون قصيرا لدرجة أنه لا يرى. فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على مشروعية الأخذ من الشارب للأحاديث الكثيرة الواردة في هذا، كقوله صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه البخاري (5442) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (1/340) : "وأما قص الشارب فمتفق على أنه سنة" انتهى.
ولكن وقع الخلاف بين أهل العلم في القدر الذي يؤخذ.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/148) : "وقد اختلف الناس في حد ما يقص عن الشارب، وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، لظاهر قوله: (أحفوا) و (أنهكوا) . وهو قول الكوفيين، [ورواية عن الإمام أحمد، ويعني بالكوفيين أتباع أبي حنيفة رحمه الله] ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وإليه ذهب مالك [والشافعي وأحمد في رواية عنه] .
وقد شدد الإمام مالك رحمه الله في حلق الشارب فعده مُثْلَةً يستحق صاحبه التأديب، وقال بأن حلقه بدعة ظهرت في الناس، ذكر هذا عنه النووي في "المجموع" وابن القيم في "زاد المعاد" وغيرهما، ولكن جمهور أهل العلم على خلاف هذا، إذ يرون أنه لا بأس بحلقه وقصه، وإن اختلفوا في الأفضل" انتهى.
قال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/121) : "ويحف شاربه أو يقص طرفه، وحفه أولى، نص عليه [يعني الإمام أحمد] " انتهى.
وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (1/171) أن الإمام أحمد رحمه الله قال: إن أحفاه فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. ودليل الإمام أحمد على ذلك أن الأحاديث جاءت بالأمر بـ: الإحفاء، والقص.
وبهذا يعلم الأخ السائل أنه لا حرج عليه فيما فعل، وإن كان الأفضل أن يقص من الشارب بحيث يبدو طرف الشفة، ولا يزيله بالكلية، لأن هذا هو ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه) . رواه أحمد (2733) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/500)
حكم إزالة الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي محيِّر ولكنني أعتقد أنه مهم. وسؤالي هو: هل يجوز للمرء أن يحلق شعر رجليه، إذا كان ينمو بشكل كبير، كما نفعل مع بعض المناطق الأخرى من الجسم؟
أنا أسأل هذا السؤال لأن معظم أصدقائي يفعلون ذلك، ولكنني لا أفعل ذلك لأنني لا أعرف الحكم.
أرجو أن تجيب على سؤالي وألا تعتبره استهزاءا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كيف سنعتبر سؤالك هزؤا وأنت تقوم بما عليك من السؤال عن أمر لا تعلم حكمه
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله وهو أَبُو رِفَاعَةَ رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا *رواه مسلم رقم 876 فحقك علينا إجابة سؤالك إذا عرفناه.
والجواب أنّ الشعر ينقسم إلى ثلاثة أقسام شعر مأمور بإزالته كشعر العانة والإبط وشعر مأمور بإبقائه كشعر اللحية للرجل وشعر مسكوت عنه لم يرد في إبقائه ولا في إزالته نصّ شرعي (وما كان ربك نسيا) ، فأمره على الإباحة إن شئت تركته وإن شئت أزلته ولا حرج عليك (وانظر سؤال رقم 451) والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/501)
حكم الختان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الختان؟ وما حكم ما يفعله بعض الناس من سلخ الذّكر أو منطقة العانة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما الختان فهو من سنن الفطرة ومن شعار المسلمين لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) فبدأ صلى الله عليه وسلم بالختان وأخبر أنه من سنن الفطرة.
والختان الشرعي: هو قطع القلفة الساترة لحشفة الذكر فقط، أما من يسلخ الجلد الذي يحيط بالذكر أو يسلخ الذكر كله كما في بعض البلدان المتوحشة ويزعمون جهلا منهم أن هذا هو الختان المشروع فما هو إلا تشريع من الشيطان زينه للجهال وتعذيب للمختون ومخالفة للسنة المحمدية والشريعة الإسلامية التي جاءت باليسر والسهولة والمحافظة على النفس.
وهو محرم لعدة وجوه منها:
1- أن السنة وردت بقطع القلفة الساترة لحشفة الذكر فقط.
2- أن هذا تعذيب للنفس وتمثيل بها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة وعن صبر البهائم والعبث بها أو تقطيع أطرافها، فالتعذيب لبني آدم من باب أولى وهو أشد إثما.
3- أن هذا مخالف للإحسان والرفق الذي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) الحديث.
4- أن هذا قد يؤدي إلى السراية وموت المختون وذلك لا يجوز لقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقوله سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . ولهذا نص العلماء على أنه لا يجب الختان الشرعي على الكبير إذا خيف عليه من ذلك.
أما التجمع رجالا ونساء في يوم معلوم لحضور الختان وإيقاف الولد متكشفا أمامهم فهذا حرام لما فيه من كشف العورة التي أمر الدين الإسلامي بسترها ونهى عن كشفها.
وهكذا الاختلاط بين الرجال والنساء بهذه المناسبة لا يجوز لما فيه من الفتنة ومخالفة الشرع المطهر.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/423.(5/502)
لا يجوز أن يكون الختان عائقا بين الشخص وبين الدخول في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[محامي من الأرجنتين يسأل عن حكم الاختتان للكافر والكافرة إذا أرادا الدخول في الدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها السائل العزيز
شكرا لك على توجيه هذا السؤال لأن مسألة الختان هي فعلا من المسائل التي تكون في عدد من الحالات عقبة في طريق بعض الذين يريدون الدخول في دين الإسلام.
والمسألة أسهل مما يظنّه الكثيرون، فأما الختان فإنه من شعائر الإسلام ومن الفطرة ومن ملة إبراهيم عليه السلام وقد قال الله تعالى: (ثمّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة..) رواه البخاري 6/388 ط. السلفية، فالختان على الرجل المسلم واجب إذا قدر عليه، فأما إذا لم يقدر عليه كأن خاف على نفسه التلف لو اختتن أو أخبره الطبيب الثقة أنه يحصل له نزيف قد يودي بحياته فيسقط عنه الختان حينئذ ولا يأثم بتركه.
ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تُجعل مسألة الختان عائقا بين الشخص وبين دخوله في الدّين بل إنّ صحة الإسلام لا تتوقف على الختان فيصحّ دخول الشخص في دين الإسلام حتى ولو لم يختتن.
أما مسألة حكم ختان الأنثى فستجد جوابها في السؤال رقم (427) .
أسأل الله أن يوفقك لكلّ خير ويحفظك من كلّ شر وصلى وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/503)
هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر العانة لامرأة أخرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تزيل لي صديقتي المقربة لي جدّاً شعر منطقة العانة؟ أنا أخاف جدّاً، وأنا أتضايق من هذا الشعَر، وإن أزالت لي صديقتي سيكون بيننا يمين أن لا تنطق بأي شيء تراه، فأنا بحاجة لإزالته، واستحي أن أتحدث لأمي أن تزيله لي!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق شعر العانة من سنن الفطرة، وقد وقتت الشريعة في بقائه من غير حلق أربعين يوماً، والأصل أن يحلق كل مكلَّف شعر عانته بنفسه، إلا من كان عاجزاً عن ذلك لكبر سن، أو مرض.
وما تريد الأخت السائلة فعله هو من المحرَّمات، ومن القبائح، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة، وكونها تخاف من إزالته ليس بعذر، فهذا الأمر لا يتطلب شجاعة وجرأة، والطرق كثيرة في إزالته، وبعض هذه الطرق سهل ويسير.
ولا ينفع للإباحة أن تجعل صديقتها تُقسم على عدم إخبار أحدٍ بما تراه، ولو جاز هذا الفعل للضرورة لكانت أمها أولى بأن تحلق لها شعر عانتها.
وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل، والمرأة على عورة المرأة، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم.
عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) .
رواه مسلم (338) .
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الرجل مع الرجل: فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة … وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل.
" المغني " (7 / 80) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهذا ستر النساء عن الرجال، وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ، وكما قال: (احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه) ، (ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد) ، وقال عن الأولاد: (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع) ، فنهى عن النظر واللمس لعورة النظير؛ لما في ذلك من القبح، والفحش، وأما الرجال مع النساء: فلأجل شهوة النكاح، فهذان نوعان، وفي الصلاة نوع ثالث: …
" مجموع الفتاوى " (22 / 113) .
وقال ابن حجر – رحمه الله -:
…. وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع … والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه.
" فتح الباري " (9 / 338، 339) .
والخلاصة:
لا يحل لك الطلب من صديقتك أن تحلق لك شعر العانة، ولا أن تمكنيها من فعل ذلك، وإن خالفتِ هذا وقعتِ – وإياها - في كبيرة من كبائر الذنوب، ولست معذورة في هذا الأمر؛ لأنه يسهل العثور على طريقة سلة لإزالة ذلك الشعر، باستعمال شيء من مزيلات الشعر المعروفة، إذا لم تتمكني من الحلق بالموسى.
ويجوز هذا الفعل لضرورة العجز عن الحركة، والمرض، وذهاب العقل، وما يشبه هذه الأعذار التي لا يتمكن منها الرجل والمرأة من حلق شعر العانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/504)
لا يلزم دفن الشعر أو الأظافر بعد قصّها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم بعد قص الأظافر أو حلق الشعر أن أقوم بدفنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزمك دفنه، وإن دفنته فهو حسن، وإن لم تفعل فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى.
وقد وردت أحاديث في الأمر بدفن الشعر والأظافر غير أنها لا تصح.
قال البيهقي في " شعب الإيمان ": وقد روي حديث دفن الشعر والأظفار من أوجه، كلُّها ضعيفة ". انتهى
" نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " (1 / 189) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " يَدفن الشعر والأظفار، وإن لم يفعل: لم نَرَ به بأساً " رواه الخلال في " الترجل " (ص 19) .
وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم دفن الشعر والأظافر بعد قصها؟
فأجاب:
" ذَكر أهل العلم أن دفن الشعر والأظافر أحسن وأولى، وقد أُثر ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وأما كون بقائه في العراء، أو إلقائه في مكان يوجب إثماً: فليس كذلك " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (11 / جواب السؤال رقم 60) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/505)
ختان الإناث ليس بواجب
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تسأل عن حكم الختان بالنسبة للمرأة لأنها قرأت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المرأة كيف تفعل الختان …
فهل الختان للمرأة واجب أم سنة وإذا كان واجباً ما كيفيته وما هو الجزء الذي يقطع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حقّ النساء وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم. قال (الإمام) أحمد: الرّجل أشدّ.. والمرأة أهون. المغني 1/70
ويكون ختان الأنثى بقطع شيء من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنّة أن لا تُقطع كلّها بل جزء منها. الموسوعة الفقهية 19/28
ومن الحكمة أن يُتبع في ذلك المصلحة فإن كانت القطعة كبيرة أُخذ منها وإلا تُركت ولعل ذلك يختلف باختلاف خِلقة النّساء وهذا يتفاوت بين البلاد الحارّة والباردة.
وقد ورد في موضوع ختان النساء حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " الختان سنّة للرجال، مكرمة للنساء " ولكنه مختلف في صحته: انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رقم 1935
وورد في كيفية الختان حديث عن أمّ عطية رضي الله عنها أنّ امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم: " لا تنهكي (أي لا تستأصلي وتبالغي في الختان) فإنّ ذلك أحظى للمرأة وأحبّ إلى البعل ". رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه وقال: هذا الحديث ضعيف.
ولعلّ فيما تقدّم من كلام أهل العلم كفاية. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/506)
تحديد شعر العانة
[السُّؤَالُ]
ـ[يجب علينا كمسلمين أن نحلق شعر العانة.
بالنسبة للرجل هل هو جميع الشعر بين السرة والركبة؟ (أي جميع الشعر أسفل البطن والفخذ) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الحافظ في الفتح 10/343: قال النووي: المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما قال وذكر الحلق لكونه هو الأغلب وإلا فيجوز الإزالة بالنورة والنتف وغيرهما.
وقال أبو شامة: العانة الشعر النابت على الرَكَب بفتح الراء والكاف وهو ما انحدر من البطن فكان تحت الثنية وفوق الفرج وقيل لكل فخد ركب، وقيل ظاهر الفرج وقيل الفرج بنفسه سواء كان من رجل أو امرأة قال: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو من الدبر أولى خوفاً من أن يعلق شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلا بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار قال ويقوم التنوُّر (استعمال النورة) مكان الحلق وكذلك النتف والقص وقد سئل أحمد عن أخذ العانة بالمقراض فقال أرجو أن يجزي، قيل: فالنتف؟ قال: وهل يقوى على هذا أحد؟ وقال ابن دقيق العيد قال أهل اللغة: العانة الشعر النابت على الفرج وقيل هو منبت الشعر قال: وهو المراد في الخبر وقال أبو بكر بن العربي: شعر العانة أولى الشعور بالإزالة لأنه يكثُف ويتلبد فيه الوسخ.. وقال ابن دقيق العيد: كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس. أهـ والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/507)
استخدام وسيلة لإزالة الشّعر بشكل نهائي
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض الطرق في إزالة الشعر من الجسم تؤدي إلى عدم ظهوره مرة أخرى فما حكم استخدام هذه الطرق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس باستخدام أي وسيلة لإزالة الشّعر المأمور بإزالته (كشعر العانة والإبط) أو الشّعر المباح أخذه (كشعر اليدين والساقين) ما دامت هذه الوسيلة غير ضارة، ولو أدّت إلى عدم نبات الشّعر مرة أخرى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/508)
حكم إزالة شعر العانة بالليزر على يد طبيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الشعر الزائد في منطقة الإبطين والمنطقة الحساسة - فهل يجوز الكشف عند دكتورة لإزالته بالليزر؟ علماً أن الشعر غزير جدا وتأذيت بالموس والنتف مما سبب لي تشوها في البشرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المرأة أن تستر عورتها عمن لا يحل له النظر إليها، وعورة المرأة بالنسبة إلى المرأة ما بين السرة إلى الركبة، في قول جمهور الفقهاء.
ويجوز كشف العورة عند الحاجة، كالتداوي، ويشترط تأكد الحاجة وقوتها إذا كان الأمر يتعلق بالعورة المغلظة.
وعليه فلا حرج في إزالة شعر الإبطين بالليزر، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر.
وأما إزالته من العانة على يد طبيبة، فيشترط له أن تدعو إليه حاجة ماسة، كأن يكون الشعر كثيرا، لا ينفع معه إزالته بالوسائل الأخرى من نتف وحلق، ولا يمكنك إزالته بنفسك بواسطة الليزر مع توجيه الطبيبة، لتجنب اطلاعها على العورة.
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " ستر العورات والسوآت واجب وهو من أفضل المروآت وأجمل العادات ولا سيما في النساء الأجنبيات , لكنه يجوز للضرورات والحاجات. أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه , ونظر الأطباء لحاجة المداواة. وأما الضرورات فكمداواة الجراحات المتلفات , ويشترط في النظر إلى السوآت لقبحها من شدة الحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات , وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال , لما في النظر إلى سوآتهن من خوف الافتتان , وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين كالنظر إلى الأليتين " انتهى من "قواعد الأحكام" (1/165) باختصار.
وقال الشربيني الخطيب: " (واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما. وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فرج، للحاجة الملجئة إلى ذلك ; لأن في التحريم حينئذ حرجا " انتهى من "مغني المحتاج" (4/215) .
وجعل الحنابلة من الأعذار المبيحة لكشف العورة: حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه.
كما ذكره ابن مفلح رحمه الله في الفروع (5/153) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/509)
استعمال النورة لإزالة الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال ما هي النورة؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدمها؟ وما هي الدلائل والبراهين من السنة على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النورة هي مركب من الكالسيوم والزرنيخ كان يستعمل في إزالة الشعر، يدهن به المكان ثم يترك قليلاً ثم يغسل فينزل الشعر. انظر: "القاموس الفقهي" (1/363) و "زاد المعاد" (4/364) .
ثانيا:
وأما استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لها، فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، غير أنها كلها ضعيفة ولا تصح.
فقد روى ابن ماجه (3751) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطَّلَى بِالنُّورَةِ.
والحديث ضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة، والألباني في ضعيف سنن ابن ماجه وشعيب الأرنؤوط في تحقيق زاد المعاد.
وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور في كل شهر ويقلم أظفاره في كل خمسة عشر يوما.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم (4536)
والحاصل أنه لم يصح في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لها حديث، لكن لا حرج في استعمالها أو استعمال غيرها مما يزيل الشعر، في غير مضرة، لكن الحلق أولى، لوروده في السنة. وإلى أفضلية الحلق ذهب جمهور الفقهاء.
ينظر: "الموسوعة الفقهية" (14/83) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/510)
هل ورد حديث صحيح في ختان الإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دليل كحديث صحيح ينص أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر أو سمح لزوجاته أو بناته بالختان بأي شكل أو صفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم حديثا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته أو بناته بالختان، لكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أرشد امرأة كانت تختن بالمدينة، إلى صفة الختان المحمود، وذلك فيما روى أبو داود (5271) والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي رواية: (أشِِمِّي ولا تنهكي) . والإشمام: أخذ اليسير في الختان، والنهك: المبالغة في القطع.
ويدل عليه أيضا: عموم الأدلة الواردة في الختان، كما في البخاري (5891) ومسلم (257) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ) ، وهذا عام في حق الرجال والنساء، إلا ما كان من خصائص الرجال، كالشارب.
وفي صحيح مسلم (349) من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) .
وفي رواية الترمذي (109) وغيره: (إذا التقى الختانان..)
وترجم عليه البخاري في صحيحه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الْمُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَةِ خِتَان الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
وختان الأنثى يكون بقطع شيء من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنّة أن لا تُقطع كلّها بل جزء منها. "الموسوعة الفقهية" (19/28) .
وقد ذهب إلى وجوب ختان النساء الشافعية، والحنابلة في المشهور من المذهب، وغيرهم.
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ليس واجبا في حق النساء، وإنما هو سنة ومكرمة في حقهن.
غير أننا ننبه هنا إلى أن له فوائد طبية، ينبغي الانتباه إليها، بغض النظر عن اختلاف العلماء في وجوبه أو استحبابه. وقد سبق الإشارة إليها في الجواب رقم (45528)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/511)
سنن الفطرة في فترة الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القيام بسنن الفطرة للنساء أثناء فترة الحيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تمنع الحائض من القيام بسنن الفطرة، والتنظف والتجمل والتزين، بل الحائض في ذلك كغيرها من النساء.
وإنما تمنع الحائض من الصلاة والصيام والطواف بالكعبة، ومس المصحف، ودخول المسجد والجماع.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز أن أضع الحِنّا في يدي وشعري أثناء الدورة الشهرية؟
فأجابوا:
" يجوز لك ذلك؛ لأن الأصل في ذلك الجواز، ولم يثبت ما يمنع شرعا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/403) .
ثانياً:
القيام بسنن الفطرة معلق بالحاجة إلى ذلك، فمن طال عليه شعره أو ظفره فيشرع له المبادرة إلى تقصيره
قال النووي رحمه الله "المجموع" (1/340) :
" وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة" انتهى.
ومعلوم أن فترة الحيض قد تتجاوز أسبوعا، والنفاس قد يصل إلى الأربعين، فكيف تؤمر بالجلوس كل هذه الفترة دون أن تقوم بهذه السنن!
ثالثاً:
يعتقد بعض الناس أن من عليه الحدث الأكبر لا يأخذ شيئا من شعره وأظفاره؛ وهذا اعتقاد باطل لا أصل له في شريعة الإسلام.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل اذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشط رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال: (إن المؤمن لا ينجس) وفي صحيح الحاكم: (حيا ولا ميتا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/120-121) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/512)
حدُّ اللحية وحكم حلق الشعر الذي على العنق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحلق الرجل الشعر النابت على العنق تحت شحمة الأذن مباشرة، حتى لا تبرز اللحية كثيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللحية هي: شعر الخدين والذقن.
قال ابن منظور - ناقلاً عن ابن سيده -:
" اللحية اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدين والذقن ".
"لسان العرب" (15/243)
والشعر النابت على العظمين الناتئين (البارزين) بحذاء صماخي الأذنين من اللحية – وهو ما يسميه أهل اللغة " العِذار " وهو جانبا اللحية - لا يجوز نتفه ولا حلقه.
سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المراد باللحية؟
فأجاب:
حدُّ اللحية من العظمين الناتئين بحذاء صماخي الأذنين إلى آخر الوجه، ومنها الشعر النابت على الخدين.
قال في القاموس المحيط ص 387 جـ 4: " اللحية: شعر الخدين والذقن ".
وعلى هذا فمن قال: إن الشعر الذي على الخدين ليس من اللحية فعليه أن يثبت ذلك.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/السؤال رقم 49) .
وسئل رحمه الله:
هل العارضان من اللحية؟ - والعارضان هما الخدان.
فأجاب بقوله: نعم، العارضان من اللحية؛ لأن هذا هو مقتضى اللغة التي جاء بها الشرع، قال الله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون) ، وقال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) ، وبهذا عُلم أن ما جاء في القرآن والسنة فالمراد به ما يدل عليه بمقتضى اللغة العربية، إلا أن يكون له مدلول شرعي فيحمل عليه، مثل: الصلاة هي في اللغة العربية الدعاء، لكنها في الشرع تلك العبادة المعلومة، فإذا ذكرت في الكتاب والسنة حُملتْ على مدلولها الشرعي إلا أن يمنع من ذلك مانع.
وعلى هذا: فإن اللحية لم يجعل لها الشرع مدلولاً شرعيّاً خاصّاً فتحمل على مدلولها اللغوي، وهي في اللغة اسم للشعر النابت على اللحيين والخدين من العظم الناتئ حذاء صماخ الأذن إلى العظم المحاذي له من الجانب الآخر.
قال في "القاموس": " اللِّحية: شعر الخدين والذقن "، وهكذا قال في " فتح الباري " ص 35 جـ 10 طـ السلفية: " هي اسم لما نبت على الخدين والذقن ".
وبهذا تبين أن العارضين من اللحية، فعلى المؤمن أن يصبر ويصابر على طاعة الله ورسوله، وإن كان غريباً في بني جنسه فطوبى للغرباء.
وليعلم أن الحق إنما يوزن بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يوزن بما كان عليه الناس مما خالف الكتاب والسنة، فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين على الحق.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/السؤال رقم 50) .
وأما الشعر النابت على العنق فلا يدخل في حد اللحية، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله أنه لا بأس بأخذ ما تحت حلقه من الشعر، كما في "الإنصاف" (1/250) ، وذلك لأنه ليس من اللحية.
قال الشيخ محمد السفاريني:
فالمذهب المعتمد كما في " الإقناع " وغيره أنه لا يكره أخذ ما تحت حلقه.
"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (1/433) .
وانظر السؤال (9037) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/513)
ختان البنات وإنكار بعض الأطباء له
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع الآن من كثير من الأطباء إنكار عملية الختان للبنات، وأن هذا مضر بها جسديا ونفسيا، وأن الختان عادة من العادات الموروثة وليس له أصل في الشرع. فما رأيكم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس الختان عادة موروثة كما يدعي البعض، وإنما هو شريعة ربانية اتفق على مشروعيتها العلماء، ولم يقل عالم واحد من علماء المسلمين – فيما نعلم - بعدم مشروعية الختان.
ودليلهم في هذا الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تثبت مشروعيته، منها:
1- ما رواه البخاري (5889) ومسلم (257) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) . والحديث يشمل ختان الذكر والأنثى.
2- وروى مسلم (349) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) .
فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الختانين؛ أي ختان الزوج وختان الزوجة؛ فدل ذلك على أن المرأة تختتن كما يختتن الرجل.
3- وروى أبو داود (5271) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) غير أن هذا الحديث قد اختلف العلماء فيه، فضعفه بعضهم وصححه آخرون. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومشروعية الختان للإناث ثابتة بالأحاديث الصحيحة المتقدمة، وليست بهذا الحديث المختلف فيه.
إلا أن العلماء قد اختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال:
القول الأوَّل: أنه واجب على الذكر والأنثى، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية رحمهم الله جميعاً.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/367) : " الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطَّابيُّ، وممن أوجبه أحمد ... والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء " انتهى.
وانظر: "فتح الباري" (10 / 340) ، "كشاف القناع": (1 / 80) .
القول الثاني: أنَّ الختان سنَّةٌ في حقِّ الذكر والأنثى، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد.
قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله في حاشيته: (6 / 751) : " وفي كتاب الطهارة من السراج الوهاج: اعلم أن الختان سنة عندنا – أي عند الحنفية - للرجال والنساء " انتهى.
وانظر: "مواهب الجليل" (3/259) .
القول الثالث: أنَّ الختان واجب على الذكور، مكرمةٌ مُستحبَّةٌ للنساء، وهو قول ثالث للإمام أحمد، وإليه ذهب بعض المالكيَّة كسحنون، واختاره الموفق ابن قدامة في المغني.
انظر: " التمهيد " (21 / 60) ، "المغني" (1 / 63) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/113) :
" الختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور، وسنة ومكرمة في حق النساء " اهـ.
وبهذا يتبين أن فقهاء الإسلام اتفقوا على مشروعية الختان للرجل والمرأة، بل ذهب كثير منهم إلى أنه واجب عليهما، ولم يقل أحد منهم بعدم مشروعيته أو كراهته أو تحريمه.
ثانياً:
وأما إنكار بعض الأطباء للختان، ودعواهم أنه مضر جسدياً ونفسياً!!
فهذا الإنكار منهم غير صحيح، ونحن – المسلمين – يكفينا ثبوت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نمتثله، ونوقن بفائدته وعدم ضرره، فإنه لو كان مضراً لم يشرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد سبق في جواب السؤال (45528) ذكر بعض فوائد الختان الطبية للإناث، نقلاً عن بعض الأطباء.
ثالثاً:
نزيد هنا ذكر فتاوى لبعض العلماء المعاصرين، الذي تصدوا لهذه الحرب التي تشن على ختان الأنثى بدعوى أنه مضر صحيا بها.
قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق:
" ومن هنا: اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً. . . "
ثم قال:
" وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، ولو كان طبيباً، لأن الطب علم، والعلم متطور، تتحرك نظرياته دائماً " انتهى باختصار.
وفي فتوى للشيخ عطية صقر -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر- يقول:
" وبعد، فإن الصيحات التي تنادى بحُرمة ختان البنات صيحات مخالفة للشريعة؛ لأنه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة ولا قول للفقهاء بحرمته فختانهن دائر بين الوجوب والندب، وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول: حكم الحاكم برفع الخلاف فإنه في هذه المسألة له أن يحكم بالوجوب أو الندب، ولا يصح أن يحكم بالحرمة، حتى لا يخالف الشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. ومن الجائز أن يشرِّع تحفُّظاتٍ لحسن أداء الواجب والمندوب بحيث لا تتعارض مع المقرَّرات الدينية.
وكلام الأطباء وغيرهم ليس قطعيًّا، فما زالت الكشوف العلمية مفتَّحة الأبواب تتنفس كل يوم عن جديد يُغير نظرتنا إلى القديم " انتهى بتصرف يسير.
وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية (6/1986) : " ومن هذا يتبين مشروعية ختان الأنثى، وأنه من محاسن الفطرة وله أثر محمود في السير بها إلى الاعتدال , وأما آراء الأطباء عن مضار ختان الأنثى فإنها آراء فردية لا تستند إلى أساس علمي متفق عليه , ولم تصبح نظرية علمية مقررة , وهم معترفون بأن نسبة الإصابة بالسرطان في المختتنين من الرجال أقل منها في غير المختتنين، وبعض هؤلاء الأطباء يرمي بصراحة إلى أن يعهد بعملية الختان إلى الأطباء دون النساء الجاهلات , حتى تكون العملية سليمة مأمونة العواقب الصحية , على أن النظريات الطبية في الأمراض وطرق علاجها ليست مستقرة ولا ثابتة , بل تتغير مع الزمن واستمرار البحث , فلا يصح الاستناد إليها في استنكار الختان الذي رأي الشارع الحكيم الخبير العليم حكمته وتقويماً للفطرة الإنسانية , وقد علمتنا التجارب أن الحوادث على طول الزمن تُظهر لنا ما قد يخفى علينا من حكمة الشارع فيما شرعه لنا من أحكام , وهدانا إليه من سنن , والله يوفقنا جميعاً إلى سبل الرشاد " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/514)
لا يوجد من يحلق لها العانة وهي في الثمانين فهل تحلقها لها الخادمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كبيرة في السن فوق الثمانين ضعيفة الجسم والبصر تعيش مع العاملة ومتوفى زوجها فهل يجوز أن تحلق لها العاملة شعر العانة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز للعاملة أن تحلق لها شعر العانة، للحاجة إلى ذلك، وقد نص على ذلك الفقهاء رحمهم الله.
قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف (8/22) :
"من ابتلي بخدمة مريض أو مريضة في وضوء أو استنجاء أو غيرهما فحكمه حكم الطبيب في النظر والمس. نص عليه [يعني: الإمام أحمد رحمه الله] . كذا لو حلق عانةَ مَنْ لا يحسن حلق عانته. نص عليه. وقاله أبو الوفاء , وأبو يعلى الصغير " انتهى.
وقال في كشاف القناع (5/13) :
" وللطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى فرجها وباطنه، لأنه موضع حاجة. . . . وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج، لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور؛ ويستر منها ما عدا موضع الحاجة، لأنها على الأصل في التحريم.
ومثله - أي: الطبيب - مَنْ يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته ". انتهى باختصار.
ومداواة الطبيب الرجل للأنثى، مقيد بضوابط، منها: عدم وجود طبيبة ولو كافرة.
وينظر جواب السؤال (5693) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/515)
بلغ عشرين سنة.. ولم يختتن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 سنة وقد عملت عملية في صغري ولذلك السبب لم أختتن، وبعد ذلك ذهبت إلى المستشفى فقال لي الطبيب إنه يجب في البداية أن أعمل عملية لوجود عيب خلقي في نفس المنطقة ثم الختان، فمرت السنين ولم أعمل العملية الأولى وبالتالي لم أختتن.. وبلغت العشرين وأنا على هذه الحال.. وأنا أصلي في المسجد فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ختان الرجل واجب في قول كثير من أهل العلم، وهو من سنن الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ) رواه البخاري (5441) ومسلم (377)
وروى البخاري (3107) ومسلم (4368) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً)
لكن صرح الفقهاء بأن الكبير إذا خاف على نفسه من الختان سقط عنه، قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: فأما الختان فواجب على الرجال , ومكرمة في حق النساء , وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد , وذلك أن الرجل إذا لم يختتن , فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة , ولا يُنقَّى ما ثَمَّ , والمرأة أهون.
قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد) : وكان ابن عباس يشدد في أمره , وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة , يعني: إذا لم يختتن , والحسن يرخص فيه يقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود , والأبيض , لم يفتش أحد منهم , ولم يختتنوا. والدليل على وجوبه: أن ستر العورة واجب , فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله ; ولأنه من شعار المسلمين , فكان واجبا , كسائر شعارهم.
وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه ; لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه , فهذا أولى. وإن أمن على نفسه لزمه فعله , قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم , ترى له أن يطهر بالختانة؟ قال: لا بد له من ذاك. قلت: وإن كان كبيرا أو كبيرة؟ قال: أحب إلي أن يتطهر ; لأن الحديث: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة " , قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم) انتهى من المغني 1/101.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/113) :
" الختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور، وسنة ومكرمة في حق النساء " اهـ.
ومع تقدم الطب أصبح الختان مأمونا غالبا، فعليك أن تبادر بالختان أداء للواجب، واقتداء بالأنبياء، وحفاظا على الفطرة، واحتياطا للعبادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/516)
الفوائد الطبية من ختان البنات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضح لي الفوائد الطبية من ختان البنات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى كما خلق الخلق فإنه سبحانه تكفل بما يصلحهم في أمر دينهم ودنياهم فأرسل لهم الرسل وأنزل الكتب ليدل البشر على الخير ويحثهم عليه ويعرفهم الشرَّ ويحذرهم منه.
ولربما أمر الشرع بأمر أو نهى عن شيء لم تظهر للناس - أو لكثير منهم - حكمة الشرع من هذا الأمر أو النهي، فحينئذ يجب أن نمتثل الأمر ونجتنب النهي ونتيقن أن في شرع الله الخير كل الخير ولو لم تظهر لنا الحكمة منه.
إن الختان من سنن الفطرة كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) رواه البخاري (5550) ومسلم (257) .
ولا شك أن سنن الفطرة كلها من الأمور التي ظهرت بعض حكمة الشرع المطهر فيها، والختان كذلك، ظهرت له الفوائد الجليلة التي تسترعي الانتباه لها ومعرفة حكمة الشرع منها.
وفي جواب السؤال رقم (9412) تكلمنا عن الختان؛ كيفيته وأحكامه، وفي جواب السؤال رقم (7073) بيَّنا فوائد الختان الصحية والشرعية عند الذكور.
والختان مشروع في حق الذكر والأنثى، والصحيح أن ختان الذكور واجب وأنه من شعائر الإسلام، وأن ختان النساء مستحب غير واجب.
وقد جاء في السنة ما يدل على مشروعية الختان للنساء فقد كان في المدينة امرأة تختن فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل) رواه أبو داود (5271) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
ولم يشرع الختان للإناث عبثا، بل له من الحكم والفوائد الشيء العظيم.
وفي ذكر بعض هذه الفوائد يقول الدكتور حامد الغوابي:
- ".... تتراكم مفرزات الشفرين الصغيرين عند القلفاء وتتزنخ ويكون لها رائحة كريهة وقد يؤدي إلى إلتهاب المهبل أو الإحليل، وقد رأيت حالات مرضية كثيرة سببها عدم إجراء الختان عند المصابات.
- الختان يقلل الحساسية المفرطة للبظر الذي قد يكون شديد النمو بحيث يبلغ طوله 3 سنتيمترات عند انتصابه وهذا مزعج جدّاً للزوج، وبخاصة عند الجماع.
- ومن فوائد الختان: منعه من ظهور ما يسمى بإنعاظ النساء وهو تضخم البظر بصورة مؤذية يكون معها آلام متكررة في نفس الموضع.
- الختان يمنع ما يسمى " نوبة البظر "، وهو تهيج عند النساء المصابات بالضنى [مرض نسائي] .
- الختان يمنع الغلمة الشديدة التي تنتج عن تهيج البظر ويرافقها تخبط بالحركة، وهو صعب المعالجة.
ثم يرد الدكتور الغوابي على من يدَّعي أن ختان البنات يؤدي إلى البرود الجنسي بقوله:
" إن البرود الجنسي له أسباب كثيرة، وإن هذا الإدعاء ليس مبنيّاً على إحصائيات صحيحة بين المختتنات وغير المختتنات، إلا أن يكون الختان فرعونيّاً وهو الذي يُستأصل فيه البظر بكامله، وهذا بالفعل يؤدي إلى البرود الجنسي لكنه مخالف للختان الذي أمر به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تنهكي) أي: لا تستأصلي، وهذه وحدها آية تنطق عن نفسها، فلم يكن الطب قد أظهر شيئا عن هذا العضو الحساس [البظر] ولا التشريح أبان عن الأعصاب التي فيه.
عن مجلة " لواء الإسلام " عدد 7 و 10 من مقالة بعنوان: " ختان البنات ".
وتقول الطبيبة النسائية ست البنات خالد في مقالة لها بعنوان: " ختان البنات رؤية صحية ":
الختان بالنسبة لنا في عالمنا الإسلامي قبل كل شيء هو امتثال للشرع لما فيه من إصابة الفطرة والاهتداء بالسنة التي حضت على فعلها، وكلنا يعرف أبعاد شرعنا الحنيف وأن كل ما فيه لا بد أن يكون فيه الخير من جميع النواحي، ومن بينها النواحي الصحية، وإن لم تظهر فائدته في الحال فسوف تعرف في الأيام القادمة كما حدث بالنسبة لختان الذكور، وعرف العالم فوائده وصار شائعا في جميع الأمم بالرغم من معارضة بعض الطوائف له.
ثم ذكرت الدكتورة بعض فوائد الختان الصحية للإناث فقالت:
- ذهاب الغلمة والشبق عند النساء (وتعني شدة الشهوة والانشغال بها والإفراط فيها) .
- منع الروائح الكريهة التي تنتج عن تراكم اللخن (النتن) تحت القلفة.
- انخفاض معدل التهابات المجاري البولية.
- انخفاض نسبة التهابات المجاري التناسلية.
عن كتاب: " الختان " للدكتور محمد علي البار.
وقد جاء في كتاب " العادات التي تؤثر على صحة النساء والأطفال " الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في عام 1979م ما يأتي:
" إن الخفاض الأصلي للإناث هو استئصال لقلفة البظر وشبيه بختان الذكور ... وهذا النوع لم تذكر له أي آثار ضارة على الصحة ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/517)
حكم صبغ الشعر باللون الأحمر والأصفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز صبغ شعر الرجل باللون الأحمر أو الأصفر وما الألوان الممنوعة, وبالنسبة للشباب الذين لم يشب شعرهم هل يجوز ذلك للزينة فقط لا غير وماذا عن الشاب لو استحضر نية الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الصبغ رغم عدم وجود الشيب هل يؤجر على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز صبغ الشعر بكل لون غير السواد، ولا فرق في ذلك بين الشيخ والشاب، ولا حرج في صبغ الشعر قبل وجود الشيب.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/168) السؤال التالي:
(رأيت بعض الناس يستعملون مواد تغير لون الشعر سواء تجعله أسود أو أحمر، ورأيتهم يستعملون مواد أخرى تجعل الشعر المجعد ناعما، فهل يجوز من ذلك شئ، وهل الشباب مثل الشيوخ في الحكم؟
فأجابت اللجنة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء، إذا انتفت المضرة وكانت المادة طاهرة مباحة. أما التغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد ".
وبالله التوفيق) انتهى.
والحديث المذكور رواه مسلم (2102) .
ومما يدل أيضا على المنع من الصبغ بالسواد، ما رواه أبو داود (4212) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ويدل على جواز الخضاب بالأحمر والأصفر ما رواه أبو داود (4211) عن ابن عباس قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال ما أحسن هذا. قال فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال هذا أحسن من هذا، ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال هذا أحسن من هذا كل هـ" والكلام في هذا الحديث عن تغيير الشيب بلون آخر لا عن مطلق الصبغ ولو من غير شيب.
والحديث قال عنه الألباني في مشكاة المصابيح: جيد.
ثانياً:
ينبغي التنبّه إلى القاعدة العامة في أمر الزينة وغيرها، أنه يمنع منها ما كان فيه تشبه محرّم، كالتشبه بالكفار أو الفسقة، فإنه يحرم لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني.
ولهذا يُحتاج قبل الحكم بجواز صورة من صور الصبغ المسؤول عنها إلى التأكد من كونها ليست تقليداً للكفار أو الفسقة، أو أحد من يظهرونهم للشباب باعتبارهم قدوات من المغنين واللاعبين ونحوهم.
كما أنه يمنع من الصبغ بما يُعد نوعاً من التميُّع والتشبّه بالنساء لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا التشبّه ولعنه فاعله. (البخاري 5435)
ثالثا:
أما بالنسبة لصبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشعره فقد اختلف في كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب شعره أم لا، قال ابن القيم رحمه الله: (واختلف الصحابة في خضابه فقال أنس: لم يخضب، وقال أبو هريرة: خضب، وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال: رأيت شعر رسول الله مخضوبا، قال حماد: وأخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل قال: رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوب.
وقالت طائفة: كان رسول الله مما يكثر الطيبَ قد احمر شعره فكان يُظن مخضوبا ولم يخضب. وقال أبو رِمثة: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن لي فقال أهذا ابنك؟ قلت نعم أشهد به فقال " لا تجني عليه ولا يجني عليك " قال ورأيت الشيب أحمر، قال الترمذي: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسره لأن الروايات الصحيحة أن النبي لم يبلغ الشيب. قال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة أكان في رأس النبي شيب؟ قال: لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن وأراهنّ الدهن) انتهى من زاد المعاد 1/169
رابعاً:
أما استحضار التأسي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصبغ مع عدم وجود شيب فقد علمت الخلاف القوي في إثبات صبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم إن صبغ الشعر الوارد الأمر به في السنة ليس مقصوداً لذاته، وإنما المقصود منه تغيير الشيب، ومخالفة اليهود والنصارى في ذلك، لحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غيّروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود) رواه النسائي (4986) والترمذي (1674)
وعند مسلم (3924) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى الشيب في شعر والد أبي بكر قال: (غيّروا هذا بشيء) ، وعند البخاري (5448) : (إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم)
وعلى هذا فإن الصبغ من غير وجود شيب لا يُعدّ سنة ولا تأسياً لعدم وجود مقتضيه ولعدم تحقق المصلحة الشرعية الحاصلة بصبغ الشيب.
وأعلى درجاته أن يكون مباحاً ما لم يكن فيه تشبه أو ضرر صحي أو نحوه فيحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/518)
هل يعفي لحيته مع احتمال إصابته بالأذى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتمثل في صراع داخلي، فرغبتي في أن ألتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة اللحية والقميص ولكن الظروف التي نعيشها في بلدي تصعب هذا النوع من الالتزام فلو حدث أي عمل إرهابي في الحي الذي أسكن فيه سأكون أول المعتقلين، أضف إلى هذا لو تنقلت إلى أي مدينة في الداخل وأنت باللحية والقميص ستكون أول من سيوقف، وللأمانة هناك من هو في نفس حالتي وملتزم أعتقد أن قوة إيمانه سمحت له بذلك، ولهذا أخشى على نفسي وديني فهل هذا عذر شرعي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الرجل إعفاء لحيته ويحرم عليه حلقها؛ للأحاديث الصريحة في الأمر بإعفائها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) رواه البخاري (5554) ومسلم (259) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه البخاري (5553) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) رواه مسلم (260) .
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: "وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض" انتهى من "الفروع" (1 / 130) .
ويحرم الإسبال في القميص وغيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) رواه البخاري (5450) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه) رواه أحمد (11415) وأبو داود (4093) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والواجب على المؤمن أن يتقي الله تعالى، بفعل الواجبات وترك المحرمات، وأن يبذل في ذلك وسعه واستطاعته.
وكلما قوي إيمان العبد أمكنه تحمل المشاق وعدم المبالاة بها في سبيل مرضاة ربه جل وعلا.
والشيطان حريص على إخافة الإنسان، وصرفه عن الاستقامة، كما قال الله سبحانه: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/175 فلا ينبغي الاستسلام للهواجس والأوهام.
وإذا كانت هذه المخاوف التي ذكرتها حقيقة، وليست مجرد أوهام فنرجو أن تكون عذراً لترك بعض الواجبات، دفعاً للضرر المتوقع، وهو نوع من الإكراه، وقد قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) النحل/106.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ولكن ليحذر المسلم أن يكون ذلك من تزيين الشيطان له وتخويفه من أوليائه، وتكون هذه بداية سلسلة من التنازلات والتقصير في الواجبات.
فلا بد من الصدق مع النفس: هل هناك ضرر حقيقي أم لا؟
وفقك الله لكل خير، وثبتك على الحق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/519)
رمي الأظافر بعد قصها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن من يرمي بأظفاره بعد تقطيعها حرام وهل صحيح بأنه يجب دفنها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع تقليم الأظافر، لأن إزالتها من خصال الفطرة ولا حرج في رميها ولا يجب دفنها فإن ألقاها في الزبالة أو دفنها فلا بأس بذلك. فتاوى اللجنة الدائمة 5/174
لكن إن خشي أن تصل إلى أيدي السّحرة فإنه يدفنها أو يرميها في مكان لا تصل إليه أيديهم. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/520)
هل يجب على المرأة حلق شعر العانة بعد كل حيضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المرأة حلق شعر العانة بعد كل حيضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إزالة شعر العانة بنتف أو نورة أو حلق أو قص من سنن الفطرة التي حث الإسلام عليها ورغب فيها، لكنه لم يحدد ذلك بعد كل حيضة. فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار " وثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: " وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة " رواه مسلم وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وقالوا: " وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم … ".
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/127(5/521)
حلق شعر الإبط بشفرة الحلاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح حلق شعر الإبط بالشفرة المخصصة للحلاقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز؛ لأن المطلوب إزالة الشعر من الإبطين بنتف أو حلق أو غيرهما؛ والنتف أفضل إذا تيسر ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان وقص الشارب وقلم الظفر ونتف الابط وحلق العانة) متفق على صحته.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/171(5/522)
حكم ختان المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ختان المرأة سنة أم عادة سيئة، قرأت في أحد المجلات أن ختان المرأة في أي شكل منه عادة سيئة ومضرة من الناحية الطبية وقد تؤدي أحياناً إلى العقم فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ختان الأنثى من بنات آدم سنة، وليس عادة سيئة ولا ضرر فيه إذا كان معتدلاً، أما إذا بولغ فيه فقد يحدث منه ضرر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/120(5/523)
حكم إزالة شعر عانة الرجل الكبير لعجزه
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي عندما كبر في السن وصار رجلاً لا يقدر على العناية بنفسه من ناحية النظافة فكنت أقوم بقص شاربه وتحليق عانته ولكنني كنت أطلع على عورته بدون قصد مني فهل علي إثم أم لا حيث أنني سمعت من يرى عورة والديه يصوم شهرين فهل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في إزالة شعر عانة والدك ما دام أنه لا يستطيع إزالته بنفسه وما سمعتيه من صيام الشهرين فغير صحيح.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/127(5/524)
حكم تطويل الأظافر للنساء والرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تربية الأظافر للنساء والرجال والحكمة من تحريمها إن كانت محرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قص الأظافر من سنن الفطرة لقول النبي صى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الابط) رواه البخاري ومسلم وثبت في حديث آخر أن سنن الفطرة عشرة منها قص الأظافر، وعن أنس رضي الله عنه قال: (وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً) . رواه أحمد ومسلم والنسائي واللفظ لأحمد، فمن لم يقص أظفاره فهو مخالف لسنة من سنن الفطرة، والحكمة في ذلك النظافة والنقاء مما قد يكون تحتها من الأوساخ والترفع عن التشبه بمن يفعل ذلك من الكفار وعن التشبه بذوات المخالب والأظفار من الحيوانات. فتاوى اللجنة الدائمة 5/173
وأكثر النساء اليوم يقعن في التشبه بالبهائم المفترسة بإطالة أظفارهن ثم صبغها بطلاء المناكير وهذا منظر في غاية القُبح ويُثير الاشمئزاز في نفس كلّ عاقل صاحب فطرة سليمة، وكذلك من العادات السيئة عند بعض الناس إبقاء أحد الأظفار طويلا وكلّ هذا مخالفة واضحة لسنن الفطرة، نسأل الله السلامة والعافية، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/525)
إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يختتن.
قال النووي:
لو مات غير مختون: فثلاثة أوجه:
الصحيح الذي قطع به الجمهور لا يختن؛ لأن ختانه كان تكليفا وقد زال بالموت.
والثاني: يختن الكبير والصغير.
والثالث: يختن الكبير دون الصغير، حكاهما في البيان وهما شاذان ضعيفان.
" المجموع " (1 / 352) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
فأما الختان [يعني للميت] فلا يشرع، لأنه إبانة جزء من أعضائه. وهذا قول أكثر أهل العلم. وحُكي عن بعض الناس أنه يختن. حكاه الإمام أحمد. والأول أولى لما ذكرناه اهـ المغني (3/484) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن طفل مات ولم يطهر [أي لم يختن) فهل يطهر أم لا؟
فقالت: لا يطهر لفوات زمان ختانه وهو مدة حياته.
فتاوى اللجنة الدائمة (8/369) .
وقال الشيخ ابن باز:
وأما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (13/114) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/526)
هل يجوز وضع المصاحف في مكان تحول من حمام إلى غرفة ملابس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نضع المصاحف وتشغيل القرآن في غرفة حولت من حمام إلى غرفة ملابس حيث أعيد ترميمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز ذلك، ولا حرج فيه، لأن المنع من إدخال المصحف وتشغيل القرآن فيها إنما كان تعظيماً للقرآن الكريم، حيث كان هذا المكان نجساً، ومكاناً لكشف العورات، ومأوى للشياطين، فلما زالت هذه الأوصاف وصار المكان طاهراً نظيفاً، تغير الحكم تبعاً لذلك.
وقد كانت أرض مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قبورا للمشركين، فأزالها النبي صلى الله عليه وسلم وبنى مسجده مكانها.
روى البخاري (1868) ومسلم (524) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: (يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي. فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ) .
قال النووي رحمه الله:
"فِيهِ: جَوَاز نَبْش الْقُبُور الدَّارِسَة , وَأَنَّهُ إِذَا أُزِيلَ تُرَابهَا الْمُخْتَلَط بِصَدِيدِهِمْ وَدِمَائِهِمْ جَازَتْ الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَرْض , وَجَوَاز اِتِّخَاذ مَوْضِعهَا مَسْجِدًا إِذَا طُيِّبَتْ أَرْضه" انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
توجد جماعة من المسلمين في مدينة عانتا في ولاية جورجيا في الولايات الأمريكية، وترغب في إقامة مسجد لأداء الصلوات الخمس والجمعة، وكانت هناك كنيسة معروضة للبيع، فهل يجوز لهم شراء هذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد بعد إزالة الأصلبة الموجودة، وكذلك الصور المعلقة والمنقوشة؟
فأجابت:
"نعم، يجوز شراؤها وجعلها مسجدا، وتجب إزالة الصلبان والصور المعلقة والمنقوشة فيها، وكل ما يشعر بأنها كنيسة، ولا نعلم مانعا يمنع من ذلك" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز تحويل دورات المياه - أعزكم الله - إلى مصلى - يعني بعد هدّها وردمها وتغييرها؟
الشيخ: لماذا لا تجوز الصلاة في المراحيض؟ السائل: لأنه مكان نجس.
الشيخ: لأنه نجس، وإذا أزيل وطُهِّر، فتجوز الصلاة؟ السائل: تجوز.
الشيخ: الآن الأرض إذا كانت نجسة وطهرتها بالماء، ألا تجوز الصلاة عليها؟
فالأعرابي الذي جاء وبال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصَبَّ على بوله ماء، ثم طَهُر ويُصَلَّى فيه، كما أن القبور لو نُبِشَت وجُعِل مكانها مسجداً جازت الصلاة فيها.
ألم تعلم أن المسجد النبوي كان فيه قبور للمشركين، ثم نُبِشَت وجعل مسجداً نبوياً، الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام؟!
إذاً: الحكم يدور مع علته، الآن يوجد تطهير المياه بمواد كيماوية، كتطهير المياه النجسة، والمجاري، هذه إذا ألقي عليها المواد الكيماوية وطهُرت صارت طاهرة، ليس فيها شيء، وخذها عندك قاعدة شرعية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (135/10) .
وعلى هذا، فإذا أعيد ترميم الحمام وجعله غرفة ملابس، فقد زال حكم الحمام، فيجوز قراءة القرآن والصلاة فيه، ودخوله بالمصحف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/527)
لا يشترط لغسل النجاسة نية عند غسلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يخرج مني مذي ثم أدخل لأستحم تنظفا وبالطبع أغسل ذكري وأنثيي ولكني لا أستحضر أثناء غسلهما أني أتطهر من خروج المذي فهل يجب إعادة غسلهما مع استحضار النية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
غسل النجاسة من البدن أو الثوب أو غيرهما لا يحتاج إلى نية، بل متى زالت النجاسة بفعل المكلف أو بغير فعله طهر المحل.
وعليه؛ فلا يشترط في إزالة النجاسة من البدن نية الفعل، بل تكفي الإزالة ولو لم تستحضر النية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/95) : "اتفق الفقهاء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية بشرط في طهارة الخبث، ويطهر محل النجاسة بغسله بلا نية" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/528)
وقعت على ثيابها نجاسة وهي بالمدرسة فكيف تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وقع على ملابس المرأة نجاسة أثناء تواجدها في مكان عام مثل المدرسة أو المستشفى وحضرت صلاة العصر فصلت ولم تعد إلى منزلها إلا بعد صلاة المغرب، فأعادت صلاة العصر بعد صلاة المغرب، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا وقع على ثياب الإنسان نجاسة وهو يعلم أنها نجاسة ليس عن وسواس بل يعلم أنها نجاسة فليس له أن يصلي حتى يغسلها إذا كان عنده ماء وإذا استطاع الماء، ليس له أن يصلي حتى يغسل النجاسة، أما إن كان ظناً وليس بجزم وإنما يظن أنها نجاسة وسواساً منه فهذا لا عمل عليه وليس فيه نجاسة والأصل الطهارة.
فإذا أصاب ثوب المرأة في المدرسة أو في أي مكان شيء رطب أو سقط عليها شيء فيه رطوبة فلا تحمله على النجاسة، الأصل الطهارة حتى تعلم أنه نجس، فإذا علمت ذلك يقيناً غسلته والحمد لله. فإن لم تجد ماء بأن كانت في محل لا ماء فيه ولا تستطيع الخروج وتخشى خروج الوقت صلت ولا حرج عليها في ذلك، وصلاتها صحيحة" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/656، 657)(5/529)
حكم الثياب التي أصابها لعاب الكلب، وحكم الثياب المغسولة معها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم يقم شخص باستخدام التراب لإزالة لعاب الكلب، وقاموا بوضع الملابس في غسالة الملابس مع غيرها من الملابس غير النظيفة، فهل تتنجس جميع الملابس الأخرى؟ وهل تبقي النجاسة في الغسالة نفسها إلى الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل نقوم بغسل الغسالة نفسها بالتراب ومن ثم بالماء بعد ذلك أيضاً؟ ولو لمست الملابس التي لم تغسل بالتراب سلة الملابس فهل تحتاج السلة لأن تغسل بالتراب هي الأخرى لإزالة النجاسة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز اقتناء الكلب إلا إذا كان للحراسة أو الصيد، ومن اقتنى الكلب لغير ذلك: أثم، ونقص من أجره كل يوم قيراط، أو قيراطان من الحسنات.
وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (69777) و (69840) .
ثانياً:
اختلف العلماء هل يجب استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب، أم يجزئ استعمال مواد منظفة أخرى بدلا منه؟ وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك جواب السؤال رقم: (46314) .
وقد اختار القول بإجازة استعمال الصابون ونحوه بدلاً من التراب علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقد سئلوا:
ما حكم لعاب الكلب إذا وقع على جسم الإنسان، وإذا وقع على الثياب؟ وما حكم الثياب التي تغسل مع تلك الثياب في غسالة واحدة وماء واحد؟ .
فأجابوا:
"لعاب الكلب نجس، يجب غسل ما أصابه من إناء أو ثوب لقوله صلى الله عليه وسلم: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) .
والثياب إذا ألقيت في الماء الطهور وغسلت حتى زال أثر النجاسة عنها طهرت جميعا من نجاسة الكلب وغيره، بشرط أن يتكرر غسلها من نجاسة الكلب سبع مرات، تكون أولاهن بالتراب أو ما يقوم مقامه كالصابون والأشنان" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية" (4 / 196) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/530)
تريد الاحتفاظ بالكلب في بيتها كي لا يقتله القائمون على حقوق الحيوان
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتنقت أختي الإسلام مؤخراً وما زال لديها كلب كبير في السن وتخشى إذا تخلصت منه أن يقتله القائمون على حقوق الحيوان في هذه البلاد لأنه كبير في السن، فهل يجوز لها أن تبقيه معها وهل تأثم بالاحتفاظ به؟ كما أنها تريد أن تفتح حضانة للأطفال وتريد أن تسميها "الرعاية الملائكية" فهل هذا الاسم مناسب وليس عليه مأخذ شرعي ولا تشبه بالنصارى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله أن هداها للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها ويزيدها هدى.
ثانياً:
لا يجوز للمسلم أن يقتني الكلب من غير حاجة إلى ذلك.
فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) متفق عليه.
وروى مسلم (1575) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" بهذه النصوص وغيرها يعلم أن ما وقع فيه بعض المسلمين من اقتناء الكلاب لغير مسوغ من المسوغات الثلاثة التي نص عليها النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما يفعل ذلك تشبها بالكفار، أو لمجرد التسلية واللهو- أنه محرم، ولا يسوغ بحال " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (26/165) .
وقال النووي رحمه الله:
"وَأَمَّا اِقْتِنَاء الْكِلَاب فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يَحْرُم اِقْتِنَاء الْكَلْب بِغَيْرِ حَاجَة , وَيَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَلِلزَّرْعِ وَلِلْمَاشِيَةِ. والأصح: أنه يجوز اقتناء الكلب لحفظ البيوت، قِيَاسًا عَلَى الثَّلَاثَة المذكورة في الحديث، عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الْأَحَادِيث، وَهِيَ الْحَاجَة" انتهى بتصرف.
وانظر جواب السؤال رقم: (20939) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب، وكلب الزرع من المواشي والأغنام وغيرها، وكلب الصيد ينتفع به الصائد، هذه الثلاثة التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب فما عداها فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أن يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز، وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، أما لو كان هذا البيت في البر خاليا ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يقتنى الكلب لحراسة البيت ومن فيه، وحراسة أهل البيت أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/181) .
وأيضا: فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، فعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) رواه البخاري (3225) ومسلم (2106) .
فعلى أختك أن تتخلص من هذا الكلب، طاعة لله ورسوله، فإذا ما قتله أحد، فلا إثم عليها في ذلك.
ثالثاً:
أما تسمية الحضانة بـ "الرعاية الملائكية" فلا ينبغي، وذلك للأسباب التالية:
1- فيه شبهة قوية من ناحية التشبه بالكفار الذين يصفون الملائكة بأنهم إناث، كما قال تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف/19.
ووجه الشبهة: أن القائمين على الحضانة في العادة هم الإناث وليس الذكور؛ لأن المرأة أقدر على تربية الأطفال والصبر عليهم من الرجل.
2- التشبه بالنصارى في مثل هذه التسمية.
3- أن هذه التسمية فيها شيء من الكذب أو المبالغة، وذلك لأن الرعاية في هذه الحضانة ليست للملائكة، ولا قريبة منها.
فالأولى أن يختار للحضانة اسم ليس عليه مؤاخذه شرعية.
ونسأل الله تعالى لكما التوفيق
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/531)
تشك في نجاسة الفُرُش التي في بيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[في فترة من فترات حياتي كنت لا أهتم كثيرا بالطهارة حيث إنني كنت أدخل دورات المياه وأصاب برذاذ البول في رجلي ولا أغسله بالماء وأحيانا لا أتطهر جيدا من البول نفسه فتصبح ملابسي نجسة وبعض من أجزاء جسمي أيضا نجسة وكنت أخرج من دورات المياه وملابسي بها رطوبة وكذلك رجلي بها رذاذ البول وأجلس في كل مكان مما جعل جميع أجزاء البيت تتنجس، فكيف السبيل لتطهير المنزل؟ حيث إنني لا أرى عينا للنجاسة مع أنني متأكدة من أني جلست في جميع أجزاء البيت بالملابس النجسة، وكانت بها رطوبة نظرا لدخولي دورات المياه، علما أنني تبت إلى الله وبسبب هذه المشكلة أنا في حرج شديد ومصابة بالوسواس حيث إنني عند كل وضوء لابد أن أغسل جميع أجزاء جسمي لقناعتي بأن الأماكن التي أجلس عليها غير طاهرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لمس الإنسان نجاسة يابسة فإنها لا تنتقل إليه، ولا تتنجس بذلك ثيابه ولا بدنه، وإنما تنتقل النجاسة مع وجود الرطوبة.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
" لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافيًا مع يَبَس القدمين، لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (1/233) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" إذا لمس الإنسان نجاسة رطبة؛ فإنه يغسل ما لمسها به من جسمه؛ لانتقال النجاسة إليه، أما النجاسة اليابسة؛ فإنه لا يغسل ما لمسها به؛ لعدم انتقالها إليه " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (48/18) .
وينبغي التنبه إلى أن مجرد وجود الرطوبة لا يعني انتقال النجاسة ولا بد، بل قد تكون الرطوبة قليلة فلا تنتقل معها النجاسة، ولهذا اشترط فقهاء الحنابلة لانتقال النجاسة بالرطوبة أن يكون معها بلل، أما إذا لم يكن معها بلل، فلا تنتقل النجاسة حتى مع وجود الرطوبة.
وانظر: "كشاف القناع" (1/185) .
والذي يظهر لنا أن هذه النجاسة التي سألت عنها، يسيرة جدا، ونحن في شك من انتقالها إلى الفراش، لأن الرطوبة المصاحبة لها تكون قليلة، وعلى فرض أنها انتقلت إلى الفراش فإنها ما تلبث أن تزول وتتلاشى ولا يبقى لها أثر.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عن رجل دائمًا يوصي زوجته وأولاده وبناته ومن يعولهم بأنهم إذا توضأوا في دورات المياه أو المغاسل أن لا يمشوا على الفرش وبواطن أقدامهم مبتلَّة بالماء لاشتباه وجود بول في بعض الأماكن من فرش البيت عامة لم يُعرف مكانه حتى لا يلتصق البول بأقدامهم فتنقض الصلاة.. لكنهم لم يبالوا بذلك لصعوبة ذلك ولم يسمعوا وهذا أمر مهم والبيت كبير والفرش كثيرة ـ كيف الحل؟ جزاكم الله خيرًا.
فأجاب:
"إذا لم تكن النجاسة التي على الفرش ظاهرة واضحة فالظاهر أنها لا تؤثر فيمن وطئ عليها.
أيضًا: فالعادة: مَنْ غسل قدميه بعد الوضوء ثم وطئ لأول مرة على الفراش فذلك الفراش ينشّف ما في قدميه من البلل لأول مرة، فيمكن غسل الفرش القريبة من الحمامات لتكون منشفة للأقدام بعد الوضوء، فلا يضر الوطء بعدها على الفرش المتنجسة حيث إن الأقدام قد ذهبت رطوبتها بأول وطء للفرش القريبة، ولا حاجة إلى ذلك التشدد في النهي عن الوطء على تلك الفرش المتنجسة، ويمكن أن يجعل عند أبواب الحمامات نشّافات تمتص رطوبة القدم بعد الانتهاء من الوضوء، ولا يضر بعد ذلك ما في القدم من الرطوبة الخفيفة فلا تبطل بها الصلاة ولا تنتقل بها النجاسة" انتهى.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=12303&parent=786
وبهذا يظهر أنه لا داعي لهذا التشدد، والوصول بالأمر إلى هذا الحد من المشقة والضيق.
فهذه الفرش لا يحكم بنجاستها ما دامت النجاسة غير ظاهرة عليها، وليس لها أثر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/532)
كيف يصلي إذا لم يجد إلا ثوباً عليه نجاسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تنجست ثيابي ولم يكن عندي غيرها أصلي فيها، فكيف أصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تصح الصلاة في الثوب النجس، والمصلي يقدر على الصلاة في ثوب طاهر، لقول الله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4.
ولأن امرأة جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ [أي تغسله] ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الثوب من دم الحيض قبل الصلاة فيه.
ثانياً:
إذا تنجس الثوب ولم يكن عنده ثوب غيره يصلي فيه، فلا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يمكنه غسل موضع النجاسة من الثوب والصلاة فيه، كما لو كانت النجاسة على موضع من الكم مثلاً، فيجب غسلها، والصلاة في الثوب، لاستطاعته الصلاة في ثوب طاهر، فلا عذر له إن صلى بالنجاسة.
2- أن يمكنه خلع الثياب من غير أن تنكشف عورته، كما لو كان يلبس تحته ثياباً أخرى تستر عورته، فيجب عليه خلعه، والصلاة في الثياب الطاهرة، ولهذا خلع النبي صلى الله عليه وسلم خفيه وهو في الصلاة، لما جاءه جبريل وأخبره أن فيها قذراً رواه أبو داود (650) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3- أن لا يجد ثياباً أخرى طاهرة يصلي فيها، ولا يمكن غسل موضع النجاسة من الثوب، فالصحيح من أقوال العلماء: أنه يصلي في الثوب النجس، ويكون معذوراً، وصلاته صحيحة ولا يلزمه إعادتها بعد ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً؟ ، فقيل: يُصلي عرياناً، وقيل: يُصلي فيه ويُعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يُعيد، وهذا أصح أقوال العلماء؛ فإن الله لم يأمر العبد أن يُصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل: أن يُصلي بلا طمأنينة فعليه أن يُعيد الصلاة كما أمر النبي من صلى ولم يطمئن أن يُعيد الصلاة، وقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل) ، وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يُعيد كما أمر النبي من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يُعيد الوضوء والصلاة، فأما من فعل ما أُمِرَ به بحسب قدرته فقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/34، 35) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/533)
إذا تنجست الثياب فلا بد من غسلها ولا يكفي فركها
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: إذا تنجست الملابس الداخلية بقطرات من البول أعزكم الله، وحان وقت الصلاة؛ فهل يجوز لي فرك المنطقة المتنجسة بالماء بتحقيق الطهارة من البول، أم يجب تبديل الملابس المتنجسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أصاب البول الثياب، وأردت أن تصلي فيها؛ فإنه يجب عليك أن تغسلها بالماء؛ بأن تغسل محل النجاسة بالماء؛ أي: ما أصابه البول، حتى تتيقن زوال النجاسة، وتصلي فيها، ولا يلزمك أن تستبدلها بغيرها، بل متى غسلت محل النجاسة غسلاً كافيًا تُيُقِّن معه زوال النجاسة؛ فإن صلاتك فيها صحيحة إن شاء الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أصاب دم الحيض ثوبها أن تغسله وتصلي فيه. والله أعلم" انتهى.
"المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ الفوزان" (3/25) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/534)
الماء المتساقط من الأواني طاهر وليس بنجس
[السُّؤَالُ]
ـ[بيتنا ضيق وليس عندنا مطبخ فنضطر لنقل الماء غير النظيف الناتج من غسل الأواني فيتساقط منه على السجاد أثناء نقله لسكبه بالحمام، وليس هناك إمكانية غسل الأواني بالحمام إطلاقا، ولا إزالة السجاد للمشقة في التكرار. فما حكم الصلاة بالمنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الماء المتساقط من غسل الأواني طاهر وليس بنجس، فلا يضر تساقطه على السجاد، ولا حرج في الصلاة عليه حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/535)
كيفية تطهير الفرش الكبيرة والملتصقة بالأرض من نجاسة الكلب وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم تطهير الفرش الثابتة كالسجاد في المسجد أو السيارة من بول الكلب أو سؤره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا أصابت النجاسة هذه الفرش التي لا يمكن عصرها لكبرها أو لالتصاقها بالأرض أو بالسيارة، فإن تطهيرها يكون بإزالة ما عليها من جرم النجاسة، وتنشيف ما عليها من بول، ثم صب الماء عليها، وتنشيفها، ويفعل ذلك عدة مرات، حتى يغلب على الظن زوال النجاسة.
وإذا كانت النجاسة من كلب، فإنه يلزم غسل الفرش سبع مرات بالماء كما سبق، ويجعل أولها مع الصابون أو أي مزيل آخر، ولا يلزم التراب.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما صفة تطهير الفرش الكبيرة من النجاسة؟ وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟
فأجاب: "صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة: أن يزيل عين النجاسة أولاً إذا كانت ذات جرم، فإن كانت جامدة أخذها، وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه، ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره، أو زالت النجاسة، وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث، وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة، مثل أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر، فإنه لابد أن يعصر " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل أيضاً: سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف؟ وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟
فأجاب: " ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف، بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء النجس.
وعلى هذا فنقول: إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة يعني أثر البقعة فإنها لا تطهر بذلك، لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا؛ لأن النجاسة عين يجب التخلي منها، والتنزه منها، فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة.
وأما الفرش فلابد بأن تغسل الفرش التي تفرش بها الأرض، سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة، لابد أن تغسل، وغسلها: بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل رحمه الله: يوجد نقاط تفتيش في بعض المؤسسات الكبرى يستخدم فيها الكلاب المدربة، فتدخل في مقدمة السيارة ثم تبدأ بالشم واللحس.
فهل تتنجس بذلك المقاعد والأماكن التي قام الكلب بشمها أو لحسها؟
فأجاب: " أما الشم فإنه لا يضر؛ لأنه لا يخرج من الكلب ريق، وأما اللحس فيخرج فيه من الكلب ريق، وإذا أصاب ريق الكلب ثياباً أو شبهها فإنها تغسل سبع مرات، ولا نقول: إحداها بالتراب؛ لأنه ربما يضر، لكن نقول: يستعمل عن التراب صابوناً، أو شبهه من المزيل ويكفي مع الغسلات السبع " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (49/7) .
ولا فرق بين بول الكلب وروثه، وبين ولعابه، عند جمهور الفقهاء، بل البول والروث أشد. الشرح الممتع (1/417) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (41090) .
ثانياً:
لا يجوز اقتناء الكلاب إلا فيما رخص فيه الشارع؛ لما روى البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ) .
وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) .
وينظر جواب السؤال رقم (69777) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/536)
كيفية التطهر من نجاسة الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت صغيرة سافرت للخارج مع أهلي وأثناء الرحلة أعطونا بسكويت يحتوي على مواد من الخنزير، عندما علمت أمي منعتنا من الأكل، حسبما أذكر فإننا لم نغسل أيدينا وأفواهنا بالماء والتراب (7مرات إحداهن بالتراب) كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي شخص عندما يلمس الخنزير أو أي شيء من الخنزير.
بعد عدة سنوات كنت خارج بلدي وأكلت الخنزير بالخطأ ولم أغسل فمي بالماء والتراب.
وقعت هاتين الحالتين قبل عدة سنوات ولم يبق أثر للخنزير على فمي أو يدي ولا طعم ولا رائحة ولا لون فهل يجب أن نغسلهم الآن؟
أخشى أن لا يقبل الله صلاتنا بسبب هاتين الحالتين. أرجو التوضيح]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا إثم عليكم في أكل لحم الخنزير من غير تعمد؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 5.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه (2043) وصححه الألباني.
وينبغي الاحتياط والتحري فيما يتناوله المسلم من الأطعمة لاسيما إذا كان في دولة غير إسلامية يأكل أهلها الخبائث.
أما بالنسبة لكيفية تطهير نجاسة الخنزير، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن تغتسل سبع مرات إحداهن بالتراب قياساً على الكلب.
والصحيح أن نجاسة الخنزير يكفي فيها الغسل مرة واحدة فقط، قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: (وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قول الشافعي، وهو قوي في الدليل) .
وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال في الشرح الممتع (1/495) : (والفقهاء رحمهم الله ألحقوا نجاسته بنجاسة الكلب لأنه أخبث من الكلب، فيكون أولى بالحكم منه.
وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب. فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، فتغسل كما تغسل بقية النجاسات) انتهى.
انظر إجابة السؤال رقم (22713)
والصحيح في غسل بقية النجاسات، أنه يكفي ما تزول به النجاسة، ولا يشترط لذلك عدد معين.
ومهما كان القول في صفة التطهر من ملامسة الخنزير، فإنه لا يجب عليكم الآن غسل شيء من أبدانكم، ولا أثر لذلك على صلاتكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/537)
إرخاء المرأة لثوبها شبرا ألا يؤدي إلى اتساخ ثيابها، وكيف تصلي به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بأحد الأجوبة يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم سمح للنساء بأن يسدلن حجابهن على الأرض حتى تتم تغطية الجسم تماماً، إذا فعلن هذا، ألن يؤدي هذا إلى تجمع الأوساخ والقاذورات الموجودة على الأرض، ثم ألا يبطل هذا الصلاة إذا صلين بهذا الحجاب المتسخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مجتمع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كان أحرص ما يكون على الحفاظ على المرأة، وصيانتها، وستر عورتها، والمرأة كلها عورة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجت فالواجب أن تغطي جميع بدنها حتى أقدامها، ولهذا كانت الواحدة منهن تجعل لها ذيلاً- يعني أنها كانت تطيل ثيابها حتى يكون كالذيل خلفها - حتى لا يبدي شيئا من جسمها.
قال شيخ الإسلام: وهذا كان إذا خرجن من البيوت ... وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك. مجموع الفتاوى 22/119
وما ذكرته – وفقك الله – من اتساخ ثوبها فهذا لا قيمة له مع الحفاظ على المرأة، وقطع باب الشر والفتنة عن المجتمع.
واعلم أن الأصل في النساء القرار في بيتها كما قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب / 33، فهي لا تخرج إلا لما دعت إليه الحاجة.
وأما ما ذكرته من اتساخ ثوبها، وأنه ربما أصابته النجاسة، فهذا وارد، وقد حصل هذا الاستشكال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالت: كنت أجر ذيلي، فأمر بالمكان القذر والمكان الطيب، فدخلت عليّ أم سلمة فسألتها عن ذلك، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يطهره ما بعده. أخرجه الإمام أحمد (25949) ، والترمذي (143) ، وابن ماجه (531) وصححه الألباني. انظر: صحيح أبي داود (369) .
انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (1/65) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/538)
اقتناء الكلب ونجاسة لعابه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الكثير من الأحاديث عن أن ترك الكلب في البيت يذهب البركة من البيت، وأنه يحرم تركه في البيت إلا إذا كان الكلب يستعمل في الصيد. لماذا لا يجوز الاحتفاظ بالكلب في البيت كحيوان أليف؟ ولماذا يعتبر لعابه نجساً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أذنَ الشرع باقتناء الكلاب لغايات متعددة ومنها: الصيد، وحراسة الماشية، وحفظ الزرع، وقد قيس عليها ما هو مثلها أو أولى منها، كحفظ البيوت من اللصوص، وكاستعمالها للكشف عن المخدرات واللصوص، وما عدا ذلك فإن مقتنيه معرَّض للوعيد بأن يُنقص من أجره في كل يوم قيراط أو قيراطان من الأجر.
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي - ناقلاً عن بعض العلماء -:
"لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر: في كلبِ الماشية، وفي حديثٍ: في كلب الغنم، وفي حديثٍ: في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحُكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة: جاز الاتخاذ، حتى إنَّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز - لدفع الثعالب عنها - هي في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها: أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة" انتهى.
"الإغراب في أحكام الكلاب" (ص 106 – 107) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرَّماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/246) .
ثانياً:
الشرع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للمكلفين، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم، غير أن هذه الحكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الإناء الذي ولغ الكلب فيه، وما ذاك إلا لنجاسة لعابه، وقد أثبت الطب الحديث وجود أضرار متعددة في الماء الذي ولغ فيه الكلب، والمسلم الذي يتبع الأمر الشرعي ليس له إلا أن يستجيب للأمر، ويكف عن النهي، ولو لم يعلم الحكمة فيهما، ولا مانع من تلمسها، لكن لا يعلق الاستجابة على معرفته بها.
وبعض هذه الأمراض تنتقل بسبب مخالفة الشرع والأكل والشرب من آنية الكلاب، وبعضها ينتقل بسبب حمل الكلاب للجراثيم التي تسبب هذه الأمراض.
وعلى كل حال: فالمسلم يسمع ويطيع، والخير في الاستجابة للشرع بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/539)
تنزل منه قطرات بول بعد قضاء الحاجة وتسبب له الوسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبت منذ حوالى 3 سنوات بمرض بسيط كان من نتيجته أنني أجد في ثيابي بعد التبول - أكرمكم الله - قطرات من البول، وهي حقيقية يا شيخنا وليست من وساوس الشيطان الرجيم، فكنت أضطر إلى تغيير ملابسي بعد انقطاع البول وارتداء ملابس طاهرة للصلاة، ولكثرة الملابس الملقاة للغسيل بدا لي أن ألبس ثوبا للخلاء وثيابا للصلاة، ولكن ثوب الخلاء كنت أخرج به من الحمام وأجلس هنا وهناك في البيت، فظننت أن الأرض والمقاعد التي أجلس عليها نجسة، وكذا الموكيت (السجاد) وإذا أمسكت قلما أو كتابا أو أي شيء في البيت اعتقدتُ نجاسته، وسول لي الشيطان بالجهل ذلك، حتى مقابض الأبواب والسيارة ولعب بي ذلك العدو كما يلعب الصبي بالجوز، فأرجو أن تبين لي الأمور التالية: كيف أتطهر وأطهر ثيابي للصلاة، وهل أطهر الملابس الداخلية فقط أم غيرها، وهل يلزم وضع شاش أو قماش مع العلم أن ذلك شاق كما تعلمون؟ هل حقا ينجس ما أجلس عليه بالثياب النجسة، مع العلم أن الثياب قد تكون مبتلة بعد الاستنجاء، وإن تنجس فكيف أطهره، هذا شبه مستحيل! وقد كنت تركت الاستنجاء من البول لأيام لانقطاع الماء، وظننت أن حالتي لا ينفع فيها الاستنجاء!!!! ولكني تبت من ذلك، فماذا أفعل الآن؟! - وهل أستطيع حضور الجماعة في المسجد، - في كثير من الأحيان يكون لدي عمل أو دراسة، فأخرج من البيت في الصباح وأعود قرب المغرب، وأنا حاليا أحصر نفسي عن البول وأصلي في عملي حتى أرجع إلى البيت، ولكن هذا يشق كثيرا لا سيما في الشتاء، فماذا أفعل؟؟ - أنا حاليا عندما ينقطع البول بعد قضاء حاجتي أغير الملابس النجسة وأغتسل (نعم أغتسل!!) وألبس الملابس الطاهرة ثم أصلي أو أذهب إلى عملي أو غيره، وأنا أعرف أن ديننا دين التيسير لم يأت بمثل هذا، ولكني لا أعلم ما هو الصواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- من الأفضل أن تجعل للصلاة ثوبا خاصا كما ذكرت، فإذا انقطع البول استنجيت، وبدلت ملابسك. والمقصود بثوب الصلاة: ما يشمل الملابس الداخلية وما يلبس فوقها مما يحتمل وصول النجاسة إليه.
2- النجاسة القليلة كقطرات البول، لا تنتقل عادة إلى الأرض والمقاعد والسجاد، بل غايتها أن تنتقل إلى السراويل وقد تنتقل إلى الثوب الخارجي، والقاعدة: "أنه لا يحكم بنجاسة شيء بمجرد الشك والظن".
3- إذا كنت خارج البيت ويشق عليك حمل ملابس خاصة للصلاة، فينبغي أن تستعمل مناديل ونحوها، لمنع وصول قطرات البول إلى ملابسك، فإذا انقطع البول أزلتها واستنجيت وتوضأت.
4- ينبغي الحذر من الوسوسة، فإنها داء إذا تمكن من الإنسان نغص عليه عيشه وأوجب همه وحزنه، وما ذكرت في سؤالك من ظنك تنجس السجاد والأرض، واغتسالك أيضا، كل ذلك يوحي بأنك مبتلى بهذه الوسوسة، فبادر بالعلاج الطبي لمسألة البول، وبادر بعلاج الوسوسة الذي حاصله: الإكثار من ذكر الله وطاعته، وعدم الالتفات للوسوسة، والإعراض عنها.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصلح بالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/540)
أدلة نجاسة الدم والإجماع عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الشوكاني: النجاسات تحتوي على: 1. غائط وبول البشر ما عدا بول الصغير الذكر. 2. لعاب الكلب. 3. الروث والغائط. 4. دم الحيض. 5. لحم الخنزير. وغير هذه فهو غير نجس، حتى وإن كان قذرا في نظر الإنسان؛ لأنه لا دليل على تحريمها من القرآن والحديث ما عدا أكلها. وسؤالي هو: ما هي الأدلة على نجاسة دم الإنسان والحيوان وميتة الحيوان؟ وما هو القول الصحيح في هذا الشأن، بما أن كل الآراء يصرح أصحابها أنها مستنبطة من القرآن والحديث؟ وأيها أتبع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدم السائل نجس باتفاق العلماء، دل على ذلك أدلة صريحة في الكتاب والسنة، منها قوله سبحانه وتعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام/145.
قال الإمام الطبري رحمه الله:
" الرجس: النجس والنتن " انتهى "جامع البيان" (8/53) .
وأما الدليل من السنة الصحيحة: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: إِحدَانَا يُصِيبُ ثَوبَهَا مِن دَمِ الحَيضَةِ كَيفَ تَصنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالمَاءِ ثُمَّ تَنضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) .
وقد بوب عليه البخاري (باب غسل الدم) ، كما بوب عليه النووي (باب نجاسة الدم وكيفية غسله) ، والحديث وإن جاء في دم الحيض، إلا أنه لا فرق بين دم وآخر، فالدم كله جنس واحد، من أي محل خرج.
وهذا الحكم لا اختلاف فيه بين العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة.
سئل الإمام أحمد عن الدم وقيل له: الدم والقيح عندك سواء؟
فقال: الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيه " انتهى "شرح عمدة الفقه" لابن تيمية (1/105) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله:
" الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين، إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال: هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات " انتهى "المجموع" (2/576) .
وقد نقل إجماع العلماء على نجاسة الدم كله جماعة كبيرة من أهل العلم، سبق ذكر الإمام أحمد، والنووي، ومنهم ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص/19) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (22/230) ، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/210) ، وابن رشد في "بداية المجتهد" (1/79) ، وابن حجر في "فتح الباري" (1/352) وغيرهم.
فالأَوْلى - في مقتضى الشرع والعقل - اتباع هذا القول الذي تواتر العلماء على نقله وتقريره، فهو قول مبني على النص الصريح للكتاب والسنة، وتقرير الشوكاني ومن تبعه في طهارة الدم قول مرجوح مخالف للدليل والإجماع، فلا ينبغي جعله مثارا للحيرة والاضطراب، كما لا يجوز الظن بأن العلماء يجمعون في مسألة ولا يكون لهم فيه دليل صحيح صريح، كما يظن بعض طلبة العلم في مسألة نجاسة الدم وغيرها من المسائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/541)
يريد التزوج بنصرانية ويريد ما يقنعها بتحريم اقتناء الكلب في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يسمح بإدخال الكلب البيت؟ أعرف أنه مذكور في الحديث، وأنا أقبله لأنني مسلم، لكن كيف أبرر لزوجتي النصرانية التي سأتزوجها؟ أريد نقاطا قوية عن السبب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الإجابة عن هذه المسألة لا بدَّ أن تعلم أخي السائل أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم قد رغَّبك بحسن اختيار الزوجة، والزوجة الصالحة يأمنها الزوج على أولاده، وبيته، وماله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
وليست هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم للاختيار بين المسلمة والكتابية، بل للاختيار بين المسلمات أنفسهن، فإذا كانت ليست كل مسلمة يوصى بنكاحها: فأولى أن لا يوصى بنكاح غير المسلمة من اليهوديات والنصرانيات، ولم يكن أمر الزواج بهن يتعدى المباح، ولا شك أن الزواج بمسلمة صالحة مما يعين المسلم على طاعة ربه تعالى، ومما يساهم في إصلاح الذرية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة" انتهى.
" الشرح الممتع " (12 / 13) .
ثانياً:
الزواج بالكتابيات – اليهوديات والنصرانيات – جائز مباح من حيث الأصل، ولا ينبغي أن يُختلف فيه؛ إذ هو نص كتاب الله تعالى، ولكن يجب على المسلم الالتفات إلى شروط تلك الإباحة، والنظر في عواقب ذلك الزواج، ومن شروط التزوج بالكتابيات: أن تكون حقيقةً نصرانية أو يهودية؛ إذ يوجد في ديار الكفر الكثيرات ممن لا دين لها، أو من تكون على البوذية، أو غيرها من الديات الوثنية. والشرط الثاني: أن تكون عفيفة، ليست بزانية، ولا تصاحب الرجال الأجانب، كما أن من الشروط أن تكون الولاية على الأولاد للمسلم، وأن ينشأ عقده وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة/5.
ومع هذا الجواز بتلك الشروط فإن ترك التزوج بها أولى.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) .
وترك الزواج بها أولى وأحوط للمؤمن؛ لئلا تجره وذريته إلى دينها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/314, 315) .
وانظر جواب السؤال رقم: (2527) .
وأما عواقب الزواج من كتابيات: فكثيرة، وقد ذكرنا طرفاً منها في أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) .
ثالثاً:
أما بخصوص اقتناء الكلاب في البيوت وتحريم ذلك: فإنه قد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك، وأنه لا يحل اقتناؤها إلا لصيد، أو حراسة ماشية، أو زرع، والمسلم يعلم أن الشريعة لم تحرم عليه شيئاً إلا من أجل مفسدته ومضرته.
وما على المسلم إلا الاستجابة لما يأمره به ربه تعالى بفعله، أو ينهاه عنه، وهو يعلم علم اليقين أنه لا تشريع إلا بحكمة بالغة، والأحكام الشرعية منها ما هو تعبدي محض، لا نعلم حكمته، ومنها ما هو معقول المعنى، ولا مانع من تلمس الحكمة في الأحكام معقولة المعنى، لكن يبقى التعبد لله بالفعل والترك هو الذي ينبغي على المسلم أن لا يغفل عنه.
وينظر جواب السؤال رقم: (9603) ففيه فوائد مهمة.
ونحن نجزم أن تحريم اقتناء الكلب هو في مصلحة المسلم، وأن اقتناءه فيه مضرة وسوء وشر، ومن تلك المفاسد في اقتنائه: ما يسببه من أمراض تنتقل عن طريقه، سواء من إناء شرب منه، أو في برازه الذي يلوث بيت المقتني له، وهذا ما يمكنك إخبار تلك النصرانية به إن تزوجتها.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابٍِ) رواه مسلم (279) .
وقوله (طهور) يدل على تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه، وهو ما أثبته العلم الحديث، والذي لم نشك لحظة في صدقه، وليس يطهر الإناء إلا الماء والتراب دون ما عداهما من مواد التنظيف والتطهير، وهذا ما أثبته العلم الحديث أيضاً، وهو يؤكد أن هذا الدِّين ليس هو إلا وحي أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (20939) .
وقد ثبت وجود أمراضٍ كثيرة تصيب الإنسان الذي يقتني الكلب، أو يلمسه، أو يقبِّله، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال رقم: (69840) فانظره فهو مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/542)
حكم السائل الأصفر الذي ينزل على المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وصل السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة إلى الملابس الداخلية, فهل عليها غسله, أم تتركه وتصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان المراد بالسائل الأصفر المني لكونه يميل إلى الصفرة عند المرأة فقد اختلف العلماء في طهارته والأرجح طهارته وذلك لحديث مسلم أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه. رواه مسلم برقم 288.
قال النووي في شرح مسلم (3/198)
ذهب كثيرون أن المني طاهر روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث.. انظر فتح الباري (2/332)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (5/381) وخروج المني بالاحتلام ونحوه لا ينجّس الملابس التي على المحتلم ولو أصابها لأن المني طاهر لكن المشروع إزالة ما أصاب الثياب من باب النظافة وإزالة الأوساخ. أهـ
أما إن كان المراد بالسائل الأصفر الذي يكون في الحيض وأحياناً بعده كما ورد ذلك في حديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً " رواه البخاري/326 فهذا مما لا خلاف فيه إنه نجس: قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى (1/291) : المعروف عند أهل العلم أن كل ما يخرج من المرأة فهو نجس إلا شيئاً واحداً وهو المني فإن المني طاهر وإلا فكل شيء ذي جرم يخرج من السبيلين فإنه نجس وناقض للوضوء وبناء على هذه القاعدة يكون ما يخرج من المرأة نجساً وموجباً للوضوء هذا ما توصلت إليه بعد البحث مع بعض العلماء وبعد المراجعة ولكني مع ذلك في حرج منه لأن بعض النساء يكون معها هذه الرطوبة دائماً وإذا كانت دائماً فإن التخلص منها أن تُعامل معاملة من به سلس البول فتتوضأ للصلاة بعد دخول وقتها وتصلي ثم إني بحثت مع بعض الأطباء فتبين أن هذا السائل إن كان من المثانة فهو كما قلنا وإن كان من مخرج الولد فهو كما قلنا في الوضوء منه لكنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/543)
بول وروث الحيوان الذي يؤكل لحمه طاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي لديها طيور، وهذه الطيور تتبرز في كل مكان، على السجاد والملابس، أنا أجد هذا الأمر مقرفاً للغاية وأعتبره من النجاسة. أرجو أن تخبرني بالحكم في هذه الحالة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا كانت هذه الطيور مما يجوز أكل لحمها شرعاً، كالعصافير والدجاج والبط.... إلخ فروثها طاهر، وهكذا الحكم في كل حيوان يؤكل لحمه، كالغنم والبقر والخيول...... إلخ.
وقد دل على طهارة بول وروث كل حيوان يؤكل لحمه أدلة كثيرة، منها:
1- أن الأصل في الأشياء أنها طهارة، ولم يأت دليل شرعي صحيح يدل على نجاسة هذه الأشياء.
2- أنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جماعة قدموا إلى المدينة ومرضوا أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ولو كانت أبوال الإبل نجسة لما أمرهم بشربها، لأنه لا يجوز التداوي بشيء محرم.
3- أنه قد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: (صلوا فيها، فإنها بركة) ، ولم يأمر من يصلي فيها باجتناب بولها وروثها، مع أن الغالب أنه سيصيبه شيء من ذلك.
وهناك أدلة أخرى كثيرة، أطال البحث فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فانظرها في "مجموع الفتاوى" (21/542 - 586) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/492) :
"وبول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر ... قال مالك: لا يرى أهل العلم أبوال ما أكل لحمه وشرب لبنه نجساً.... وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم، إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها" انتهى باختصار.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/414) :
"بول ما يؤكل لحمه طاهر، فإذا استعمل في البدن لحاجة فلا حرج من الصلاة به" انتهى.
أما إذا كانت هذه الطيور مما لا يؤكل لحمه، كذوات المخالب من الطيور، كالصقر، فإن روثها نجس، بلا خلاف بين العلماء. انظر "المغني" (2/490) .
ثانياً:
إذا ثبت طهارة روث الطيور التي يؤكل لحمها، فإنه لا يجب غسلها إذا أصابت الثوب أو البدن أو السجاد، ولا حرج من الصلاة بهذا الثوب أو على تلك السجادة.
وينبغي نصح الوالدة أن تجعل لهذه الطيور مكاناً خاصاً بها حتى لا تؤذي أهل البيت، لأن هذا الروث حتى وإن كان طاهراً، فإنه مما يستقذره الناس.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/544)
هل تطهر النجاسة بغير الماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تنجس الثوب، فهل يجب غسل هذه النجاسة بالماء، أم يكفي أن تزال بأي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من العلماء إلى أن تطهير النجاسة لا يكون إلا بالماء، كما أن طهارة الحدث [الوضوء والاغتسال] لا تكون إلا بالماء.
ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه يصح تطهير النجاسة بكل مائع طاهر يزيلها، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جاء في "الاختيارات الفقهية" (ص 23) :
"وتطهر النجاسة بكل مائع طاهر يزيل، كالخل ونحوه، وهو رواية عن أحمد، اختارها ابن عقيل، ومذهب الحنفية" انتهى.
وهذا القول الثاني هو الراجح.
وقد سئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله:
هل تطهر النجاسة بغير الماء؟ وهل البخار الذي تغسل به الأكوات مطهر لها؟
فأجاب:
"إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصداً، أي أنها ليست عبادة مقصودة، وإنما إزالة النجاسة هو التَّخلي من عين خبيثة نجسة، فبأي شيء أزال النجاسة، وزالت وزال أثرها، فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً لها، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي مزيل يكون، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يعتبر ذلك مطهراً لها، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل، لأنها كما قلت: هي عين نجسة خبيثة، متى وجدت صار المحل متنجساً بها، ومتى زالت عاد المكان إلى أصله، أي إلى طهارته، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها - إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه - فإنه يكون مطهراً لها.
وبناء على ذلك نقول: إن البخار الذي تغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/86) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/545)
النجاسة اليابسة لا تنتقل لمن لمسها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تبول الطفل على الفراش ثم جلست على هذا الفراش بعد ما جف، فهل تتنجس ثيابي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النجاسة اليابسة لا تنتقل إلى من لمسها، فلا تنجس ثيابه، ولا بدنه، فمن جلس على بول جاف لم تنجس ثيابه بذلك، ولا يلزمه غسلها.
وإنما تنتقل النجاسة مع الرطوبة، فإن كانت النجاسة رطبة، أو كانت يد من لمسها رطبة فإنها تنتقل بذلك.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"وإذا لمس الإنسان نجاسة رطبة؛ فإنه يغسل ما لمسها به من جسمه؛ لانتقال النجاسة إليه، أما النجاسة اليابسة؛ فإنه لا يغسل ما لمسها به؛ لعدم انتقالها إليه" انتهى.
"المنتقى".
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله:
هل البول الجاف لا ينجس الملابس؟ أي أنه عندما يبول طفل على الأرض ويبقى البول حتى يجف دون أن يغسل فيأتي أحد ويجلس على البول وهو جاف فهل تصيب ثيابه نجاسة؟
فأجاب:
"لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافياً مع يبس القدمين لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/194) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/546)
كيفية تطهير أدوات الذبح إذا ذبح بها الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[اتفقنا مع جزار نصراني لنشتري منه لحماً مذبوحاً على الشريعة الإسلامية، ولكنه يستخدم أدوات الذبح هذه لذبح الخنزير فكيف يمكن أن تطهر هذه الأدوات؟ فهو قد يستخدم أدوات تقطيع حديثة كهربائية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تطهير ما أصابه دم الخنزير يكون بغسله حتى تزول آثار الدم، ولا يشترط أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب كما هو الشأن في غسل نجاسة الكلب، بل يكفي في حصول الطهارة إزالة عين النجاسة بالماء أو المنظفات.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20843) .
وتطهير السكين - وكذلك الآلات المصقولة - التي لا تتشرب النجاسة يكفي فيه المسح بقطعة من القماش أو غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وتطهير الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوها إذا تنجست بالمسح، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ونُقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة" انتهى.
"الاختيارات" (ص39) .
وعلى هذا؛ فيمكنكم تطهير السكين التي يذبح بها، والآلات التي يقطع بها، إما بإسالة الماء عليها، وإما بمسحها حتى لا يبقى لدم الخنزير أثر عليها.
فإن أمكن هذا فهو المطلوب، وإن لم يمكن فلا أثر لنجاسة السكين أو آلات التقطيع على حل الذبيحة، فالذبيحة حلال ما دامت ذبحت الذبح الشرعي، ولكن ينجس من الذبيحة الجزء الذي أصابه دم الخنزير أو آثاره، فإذا غسل اللحم بعد الذبح والتقطيع كان طاهراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/547)
هل يلزم غسل ثياب وأواني من دخل في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم غسل ملابس وأغراض وأواني من اعتنق الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجب ذلك، لأن القول الراجح أن غير المسلمين نجاستهم نجاسة معنوية، وليست حسية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هو وأصحابه من مزادة (إناء من جلد) امرأة مشركة، ولأن الله أباح لنا نكاح نساء أهل الكتاب؛ ولابد من الملامسة، ولأن الله أباح طعام الذين أوتوا الكتاب، ولابد من ملامستهم إياه غالباً.
وبناءاً على ذلك فإنه لا يجب على الرجل إذا أسلم أن يغسل ملابسه وفرشه ونحو ذلك، إلا إذا تيقن أنها أصيبت بنجاسة لم تطهر منها" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/2، 3) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/548)
ماذا يفعل إذا أصاب ثوبه نجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم إذا ما أصابت بعض نقاط البول السروال التحتي عند التبول العادي أو التبول بسرعة؟
1- هل يلزم الغسل ليطهر المرء نفسه؟
2- هل على المسلم أن يغسل السروال التحتي بأكمله، أم يلزمه تغيير السروال (كلما حدث ذلك) ، أم يكتفي بغسل الموضع الذي أصابه البول؟
3- وكيف يصلي المسلم (الذي أصابت نقاط البول سرواله التحتي) ، وهل تكون الصلاة مقبولة لو صلى وهو على تلك الحالة؟
4- وما هو الحكم إذا شك المسلم أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول؟ وهل يؤثر ذلك على الصلاة، وعلى الطهارة؟
5- هل على من صلى وهو شاك (أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول) أن يعيد صلاته؟ وهل يجوز له قراءة القرآن ومسه وهو في تلك الحالة؟
6- ما هي الأمور المحرمة عليه فعلها وهو في تلك الحالة؟
أرجو أن تزيل شكوكي بفتوى واضحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يجتنب النجاسة ويحاول التحرز منها قدر جهده، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " الحديث وفي رواية: " وَكَانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ " رواه مسلم (الطهارة / 439)
ومعنى لا يستنزه من بوله أي لا يجتنبه ولا يتحرز منه. ولذلك كان جواز البول قائما بشرط أن يأمن من تطاير رشاش بوله على ثوبه وجسمه، يراجع جواب سؤال رقم 9790.
ثانيا:
بالنسبة لفقرات السؤال
1- إصابة النجاسة لثوب الإنسان لا توجب عليه الغُسْل. لأن النجاسة ليست من نواقض الوضوء أو الغسل وإنما يجب الغسل للحدث الأكبر والوضوء للحدث الأصغر والنجاسة ليست حدثاً فإذا كان الإنسان طاهراً وأصاب ثوبه نجاسة فإنه لا يكون محدثاً , وإنما الواجب عليه في هذه الحالة أن يزيل النجاسة.
والعبد مأمور بإزالة النجاسة عن ثيابه لقول الله عز وجل: (وثيابك فطهِّر) المدثر/ 4، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في دم الحيض يصيب الثوب: " تحتُّه ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " رواه البخاري (الحيض / 297) ، وإذا كان ما أصابته النجاسة يمكن عصره فلا بد من عصره.
2- وإزالة النجاسة تكون بغسلها حتى يذهب أثر النجاسة فإذا أصابت النجاسة ثوباً فلا يجب عليه إلا غسل موضع النجاسة من الثوب الذي أصابته النجاسة ولا يلزمه أن يغسل غيره، ولا يجب عليه كذلك أن يبدِّل ثيابه، وإن أراد أن يبدِّل ثيابه فلا بأس في فعل ذلك.
3- أما حكم الصلاة في ثوب أصابته نجاسة، فيجب أن يُعلم أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة وإذا لم يتنزه من ذلك فصلاته باطلة، لأنه صلى وهو متلبس بهذه النجاسة، فإذا صلى وهو متلبس بهذه النجاسة فقد صلى على وجهٍ لم يرِدْه الله ورسوله، ولا أمر به الله ورسوله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
- أحوال النجاسة إذا أصابت الثوب:
1- إذا جزم الإنسان بإصابة النجاسة موضعاً معيناً في الثوب، فإنه يجب أن يغسل ما أصابته النجاسة.
2- أن يغلب على الظن أنها أصابت مكاناً معيناً.
3- أن يكون عند الإنسان احتمال في مكان بقعة النجاسة، فالحالة الثانية والثالثة على الإنسان أن يتحرى فيهما، فما غلب على ظنه أنه أصابته النجاسة فإنه يغسله.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 2/221.
- حكم يسير النجاسة:
قال بعض أهل العلم: لا يعفى عن يسير النجاسة مطلقاً.
وقال بعضهم: يُعفى عن يسير سائر النجاسات، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام لا سيما فيما يبتلى به الناس كثيراً فإن المشقة في مراعاته والتطهرمنه حاصلة والله تعالى يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج/78، والصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة وشيخ الإسلام، ومن يسير النجاسات التي يعفى عنها لمشقة التحرز منه يسير سلس البول لمن ابتلي به وتحفظ منه تحفظاً كثيراً قدر استطاعته.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/382
وأما حدُّ اليسير أن المعتبر ما اعتبره أوساط الناس أنه كثير فهو كثير وما اعتبروه قليلاً فهو قليل.
وعليه فيقال: أن الأصل إذا أصاب ثوب الإنسان نقط البول فإنه يغسل ما أصاب ثوبه منه حتى يغلب على ظنه زوال النجاسة، وما بقي مما لم يغسله فيكون داخلاً في يسير النجاسة المعفو عنه كما سبق. والله أعلم
- أما إذا جهل النجاسة فقد سئل الشيخ ابن باز عن ذلك فقال:
إذا كان لم يعلم نجاستها إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أخبره جبريل وهو في الصلاة أن في نعليه قذَراً خلعهما ولم يُعد أول الصلاة. وهكذا لو علمها (أي النجاسة) قبل الصلاة ثم نسي فصلى فيها ولم يذكر إلا بعد الصلاة، لقول الله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، …
أما إذا شك في وجود النجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لم يجز له الانصراف منها سواء كان إماماً أو منفرداً وعليه أن يتم صلاته.
فتاوى الشيخ ابن باز 12/396-397.
4- مسألة الشك في إزالة النجاسة: إذا أصابت النجاسة ثوبه فيكون هذا هو الأصل ويكون هذا الأصل متيقن فيه حتى يزول، وزواله بزوال النجاسة فإذا شك هل أزال النجاسة أم لا، فإنه يبني على اليقين، وهو أنه لم تزل النجاسة. وكذلك العكس فإن تيقن أنه طاهر ثم شك هل أصابت ثيابه نجاسة أم لا فيقال إن الأصل الطهارة لأنها هي المتيقَّنة.
قال الشيخ ابن عثيمين: الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً "
فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة.
فتاوى ابن عثيمين 11/107
5- والذي لا يجوز للإنسان إذا كانت على ثيابه نجاسة هو الصلاة فقط. حتى ولو كان متطهراً من الحدث أما باقي الأفعال من قراءة القرآن وغيرها فلا تحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/549)
لبس قفازات من جلد الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة حيث يستخدم العمال دائما قفازات من جلد الخنزير. على حد علمي أي شيء يؤخذ من الخنزير فهو حرام، وإذا لمسته يجب أن أغسل يدي 7 مرات بالإضافة لمرة بالتراب. في هذه الحالة ما الذي يجب أن أفعله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ.
ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن.
قال الشيخ ابن جبرين:
لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس. . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) .
وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء.
وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير – مع وجود البلل – لزم غسل اليد، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب.
وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب) الشرح الممتع 1/356
وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، لما في ذلك من مباشرة النجاسة، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه.
وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/550)
نشر الغسيل على حبال نشرت عليها ملابس نجسة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب (فقه السنة) أن حبال الغسيل التي توضع عليها ملابس نجسة، أنه يمكن وضع ملابس طاهرة مبتلة عليها دون غسلها، وذلك بجفاف تلك الحبال بفعل الشمس والهواء، فما هو الصواب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
هذه الحبال غالبا لا تتشرب النجاسة، وأيضا فالملابس لا توضع عليها إلا بعد الغسل، فهي طاهرة حينئذ، وأيضا فإنها تعصر بعد الغسل، فتذهب رطوبتها أو تقل، ثم لو قدر أنها تشربت شيئا من النجاسة فهي تجف سريعا، ومع الشمس والريح يذهب أثر النجاسة التي تشربتها لقلتها، وعدم الإحساس بلونها، فلا ينبغي التشدد في التحرز منها، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص80.(5/551)
جواز الاقتصار على الاستجمار بالمنديل
[السُّؤَالُ]
ـ[حسنا, فالطريقة الصحيحة عند قضاء الحاجة هي أن أكون جالسا. أنا أعلم ذلك. لكن أحد أصدقائي قال لي بأنه يظن أنه من المفروض علينا أن ننظف المؤخرة بعد قضاء الحاجة بالماء وليس بالمناديل الورقية "فقط". أنا أغسل يدي بعد قضاء الحاجة لكني لا أستخدم غير المناديل لتنظيف المؤخرة. فهل يوجد حكم إسلامي يقول إن علينا أن نستخدم الماء لتنظيف المخرج؟ أرجو ألا يوجد حكم بذلك, لصعوبة الأمر وكونه يسبب إزعاجا. فكل مرة أحاول فيها استخدام الماء, ولكن الماء يتدفق على المكان من حولي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: الواجب على المؤمن أن يستجيب لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك على خلاف هواه واختياره. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) النور/51-52.
وإذا استجاب المؤمن لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مأجور على أي مشقة تحصل له بسبب ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ وْنَصَبِكِ – أي تعبك -) البخاري (1787) ومسلم (1211) .
وأما حكم المسألة:
فلا يجب استعمال الماء لإزالة ما على المخرج من نجاسة بعد قضاء الحاجة، بل يجزئ إزالتها بالأحجار أو المنديل أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تزيل النجاسة، ودليل ذلك: ما رواه أحمد (23627) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ) . صححه الألباني في الإرواء (44) . ونقل ابن قدامة رحمه الله إجماع الصحابة على جواز الاقتصار على الأحجار وأنه لا يجب استعمال الماء. المغني (1/208) .
ومع جواز الاقتصار على الأحجار أو المناديل فإن الأفضل هو استعمال الماء، ودليل ذلك ما رواه البخاري (150) ومسلم (271) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) . والإداوة هي إناء من جلد.
وروى الترمذي (19) عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ للنساء: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. صححه النووي في المجموع (2/101) . قَالَ الترمذي رحمه الله بعد هذا الحديث: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الاسْتِنْجَاءُ بِالْحِجَارَةِ يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَرَأَوْهُ أَفْضَلَ اهـ
وإذا جمع بين استعمال المناديل والماء فهو أكمل وأفضل، فيبدأ باستعمال المناديل ثم يستعمل الماء.
انظر: المجموع للنووي (2/100) .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/552)
الغسالة تغسل الملابس مرتين هل تكفي لإزالة النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[الغسالات تدور بالثياب النجسة مرتين هل يكفي لتطهيرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
الحكم معلق بعين النجاسة، فإذا زالت النجاسة من الثياب طهرت، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى عدم اشتراط العدد لإزالة النجاسة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/553)
الفرق بين المني والمذي والرطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه.
أما المني، فصفاته:
1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) .
وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء.
2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين.
3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه.
ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) .
وأما المذي:
فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة.
وأما الرطوبة:
فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً.
وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم:
فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك.
والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه.
أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك.
ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/554)
هل تتنجس الملابس بملامسة النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[حَمَّامات الطائرة ضيِّقةٌ وتكون في بعض الأحيان أرضيَّتُها وجدرانُها نَجِسةٌ نجاسةً ظاهرةً وفي حالة الدُّخول للوُضوء أشُكُّ في أنَّ ملابسي تنَجَّسَتْ بالمُلامسة ولكنِّي أُصلِّي وعند وصولي إلى البلد المسافَر إليه أغيِّرُ ملابسي وأعيد الصلاةَ بعد خروج وقتِها فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لابُدَّ أنْ نتيقَّن أنَّ جدران الحمام نَجِسةٌ.
ثانياً: إذا تيقَّنَّا ذلك فإنَّها لا تُنَجِّس الثوبَ بمجرَّد المُلامَسة إلاَّ إذا كان الثوب رَطْباً أو كانت الجدران رطبةً بحيث تَعْلَقُ النَّجاسةُ بالثوبِ.
ثالثاً: وإذا تيقَّنَّا ذلك فإنَّه يصلِّي بالثَّوب النَّجِس وفي هذه الحالة يجب عليه إزالة عين النجاسة عن الثوب لغسلِ البقعةِ المرادِ تطهيرُها، وإذا لم يَجِدْ ثوباً طاهراً صلَّى ولا إعادةَ عليه، لقولِ الله تعالى: (فاتَّقُوا الله ما استَطعْتُم) التغابن آية 16.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص9.(5/555)
إذا جامع أهله هل تتنجس ملابسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا عندما أجامع زوجتي أكون بكامل ملابسي لظروف معينة تتعلق بالعائلة فسؤالي يدور حول هل ملابسي جمعيا تعتبر نجسة أم فقط التي أصابها السائل المنوي. الرجاء عدم تجاهل السؤال والإجابة عليه لحاجتي الضرورية للإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من أهل العلم إلى القول بطهارة المني، سواء خرج باحتلام أو جماع، وذلك لأدلة كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه (288) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/198) : " ذهب كثيرون إلى أن المني طاهر. روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث " انتهى. وينظر فتح الباري (2/332) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/381) : " خروج المني بالاحتلام ونحوه لا ينجّس الملابس التي على المحتلم ولو أصابها؛ لأن المني طاهر، لكن المشروع إزالة ما أصاب الثياب من باب النظافة وإزالة الأوساخ " انتهى.
وأما المذي وهو ما يخرج عند المداعبة والتفكير في الجماع، فنجس، ويكفي في تطهيره رش الثوب بالماء؛ لما روى أبو داود في سننه (210) والترمذي (115) وابن ماجه (506) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّمَا يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وانظر السؤال رقم (2458)
وعليه فالجماع وخروج المني، لا يترتب عليه حصول النجاسة للثوب أو البدن وأما المذي فهو نجس، وخَفَّف الشرع في كيفية تطهيره، حيث يكفي فيه الرش بالماء ولا يجب غسله.
والموضع الذي يجب رشه بالماء هو ما أصابه المذي فقط، أما سائر الثياب التي لم يصبها شيء منه فهو طاهرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/556)
هل قيء الرضيع على أمه نجس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث باستمرار أن يتقيأ ولدي على كتفي أو صدري وأنا أرضعه وأحمله، وشق علي غسل القيء كلما حدث على ثيابي فهل يجوز لي تركه والصلاة بهذه الثياب أم لا بد أن أغسله دائماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم: ريق المولود ولعابه من المسائل التي تعم بها البلوى، وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيراً، ولا يمكن غسل فمه، ولا يزال ريقه يسيل على من يربيه، ولم يأمر الشارع بغسل الثياب من ذلك، ولا منع من الصلاة فيها، ولا أمر بالتحرز من ريق الطفل، فقالت طائفة من الفقهاء: هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة والحاجة كطين الشوارع، والنجاسة بعد الاستجمار، ونجاسة أسفل الخف والحذاء بعد دلكهما بالأرض ... بل ريق الطفل يطهر فمه للحاجة، كما كان ريق الهرة مطهراً لفمها، ويستدل لذلك بما ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء إلى الهر حتى يشرب، ثم يتوضأ بفضله) .
[الْمَصْدَرُ]
الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 350.(5/557)
أثر خروج الدم وماء الجروح على الطهارة والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب ببثور الشباب والتي تظهر في الوجه والكتف. وهذه البثور قد تلتهب وتتورم وفي النهاية قد تنفتح ويخرج دم منها وفي بعض الأحيان سائل أصفر ينتج عن هذا الالتهاب. وقد يحدث أن هذا الدم يصيب ثيابي، فهل يجب علي استبدال هذه الملابس وغسلها إذا أردت الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدم الخارج من غير السبيلين، مختلف فيه بين الفقهاء، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45666) ، وان الراجح أنه لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
ثانيا:
ما أصاب ثيابك من الدم أو القيح، إن كان يسيرا، فلا حرج عليك في الصلاة بها، وإن كان كثيرا لزمك غسلها أو تبديلها في قول جمهور الفقهاء.
ومال بعض أهل العلم إلى أن الدم الخارج من بدن الإنسان من غير السبيلين طاهر غير نجس.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا؛ لأن النص والقياس يدلان عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (1/443) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/558)
تخرج منها قطرات بول بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد بحثي في الأسئلة والأجوبة في الموقع حول نزول بعض قطرات البول على الملابس لازلت أريد السؤال عن حال صلاتي وملابسي وأنا خارج المنزل مثلا في السوق أو العمل فأنا لا أستطيع الانتظار حتى تجف القطرات وهي غالبا تنزل عند رفع رجلي لغسلها أثناء الوضوء ولا أستطيع حمل ملابس داخلية معي أينما ذهبت. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيقنت من خروج بعض قطرات البول، فإنه يلزمك إعادة الوضوء وغسل ما أصابت من ثيابك، وإذا كان موضع القطرات لا يتبين لك فإنك تغسلين ما يغلب على الظن أنها أصابته حتى تجزمي بزوال النجاسة.
قال في "زاد المستقنع": " وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " يعني إذا أصابت النجاسة شيئا، وخفي مكانها، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها. واعلم أن ما أصابته النجاسة لا يخلو من أمرين: إما أن يكون ضيقا وإما أن يكون واسعا. فإن كان واسعا فإنه يتحرى، ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ لأن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة. وإن كان ضيقا فإنه يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها " انتهى من "الشرح الممتع" (1/435) .
وإذا كنت تعرفين أن هذه القطرات تنزل إذا رفعت رجلك لغسلها في الوضوء، فإنك لا تفعلين ذلك، بل تغسلينها وهي على الأرض بصب الماء عليها، وإذا شككت هل خرج منك شيء أم لا فإنه لا يلزمك التحري والتثبت، والبحث عن ذلك، بل عليك الإعراض عن هذا، ووضوؤك صحيح وثيابك طاهرة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) .
ويمكنك أن تضعي منديلا حتى يمنع وصول النجاسة إلى الثياب، وحينئذ لا يلزمك غسل الثياب، بل تكتفين بإزالة المنديل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/559)
هل الوسخ تحت الظفر يمنع من صحة الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوسخ الذي يوجد تحت الأظافر يمنع صحة الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت للناس في تقليم الأظفار، وحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب: ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (258)
فالواجب على الرجال والنساء أن يلاحظوا هذا الأمر، فلا يُترك الظفر، ولا الشارب، ولا العانة، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة، والوضوء صحيح لا يبطله ما قد يقع تحت الظفر من الوسخ لأنه يسير يعفى عنه.
[الْمَصْدَرُ]
انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 50)(5/560)
هل يجب غسل الفراش عند تلوّثه من أثر الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت حديثاً وأحياناً أداعب زوجتي على الفراش فيقع عليه بعض السوائل الجنسية. سؤالي هو: هل يجب أن نغير الفراش كلما حدث مثل هذا. نحن نغيره حالياً لكن المشكلة أننا نعيش في منزل عائلي يضم والدي وإخوتي وإنه لمن الشاق أن نغير الفرش باستمرار من أجل غسلها. هل يجب علينا تغيير الفرش المتسخة؟ هل يجب عليه أو عليها أن تغتسل أو تتوضأ لتصبح نظيفة ثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد فإذا كان هذا السائل الذي خرج بسب الملاعبة وأصاب الفراش منيّا لم يخالطه شيء من الإفرازات الأخرى فلا يجب غسل الفراش لأن المني طاهر على القول الراجح.
وإن كان الذي أصاب الفراش مذياً أو غيره من الإفرازات التي تخرج من فرج الرجل أو المرأة فيجب غسل البقعة التي أصابها ذلك السائل فقط لأن هذه الإفرازات تعتبر نجسة.
وأما الاغتسال فإنه يجب في حالتين:
الأولى: إذا حصل الجماع بأن غيب الرجل كل الحشفة (أي رأس الذكر) في فرج المرأة ولو لم يُنزل. فيجب الغسل على الرجل والمرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ " رواه البخاري (291) ومسلم (349) . وفي رواية لمسلم (وإن لم ينزل)
الثانية: أن ينزل المني من غير جماع، فإذا أنزل الرجل أو المرأة وجب عليهما الغسل، وإذا أنزل الرجل دون المرأة أو المرأة دون الرجل وجب الغسل على من أنزل منهما لقول الله تعالى: (وإن كنتم جنباً فاطهروا) المائدة/6
فالغسل يجب بالإنزال وحده وإن لم يحصل جماع، ويجب بالجماع وحده وإن لم يحدث إنزال، ويجب بهما جميعا.وبالله التوفيق.
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة،والشيخ ابن عثيمين في كتاب فتاوى العلماء في عشرة النساء (36، 42) وفتاوى منار الإسلام (1/110) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/561)
خرج منه المذي مراراً أثناء الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل اعتمر بعد زواجه وكثر معه المذي فتوضأ ليطوف فخرج معه المذي ثم توضأ مرة أخرى وخرج معه المذي فطاف وأكمل عمرته معتبر ذلك ضرورة. وقد عاد إلى بلده وجامع زوجته فما الحكم جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المذي نجس عند أهل العلم وناقض للوضوء، لكن إذا استمر ولم يتوقف فحكمه حينئذ حكم سلس البول والإستحاضة لدى النساء، فعلى المسلم إذا أراد الطواف في هذه الحالة أن يشدّ على فرجه شيئا يمنع الخارج من تجاوز موضعه، ويطوف ويصلي على حسب حاله. وطوافه السابق صحيح وحكمه حكم من صلى وعليه نجاسة ناسيا لها فصلاته صحيحة وحكم الناسي هو حكم الجاهل.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
فتكرر خروج المذي قد يكون بسببٍ مرضيٍّ وقد تبيّن حكمه، وقد يكون بسبب الشهوة والتفكير وملامسة النساء.
فيجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر وهو يطوف ببيت الله، وعليه أن يجتنب أسباب خروجه ويتقي الله، والله بكل شيء عليم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/562)
سلس الريح ونقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة في استمرار خروج الريح، فهل يجب أن أتوضأ لصلاة الفجر بعد القيام، وبعدها كذلك لصلاة الضحى؟ هذا أمر صعب النسبة لي لأنني أصاب بالمرض من كثرة تعرضي للماء.
أرجو أن تجيب على سؤالي بأسرع وقت ممكن لأنني قلق بشأن صلاتي ولا أدري هل يقبلها الله أم لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان استعمالك للماء يعرضك للمرض فيجوز لك أن تتيمم.
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء:
ما هو حد المرض المبيح للتيمم مع وجود الماء؟
فأجابت اللجنة:
هو المرض الذي يخشى منه مع استعمال الماء زيادة المرض أو تأخر برء الجرح.
فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 345
ثانياً:
سلس البول وسلس الريح حكمهما حكم الاستحاضة، والبول والريح والدم الخارج من الفرج نواقض للوضوء، والله تعالى يقول: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} المائدة / 6، وقال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة / 185، ولذلك رُخص لهؤلاء بأن يتوضئوا لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلون على حالهم هذا وإن خرج منهم ريح أو بول أو دم أثناء الصلاة.
وهذا الحكم فيمن كان حدَثه مستمراً، فإن كان متقطعاً بحيث يمكنه أداء الصلاة في وقت انقطاعه وجب عليه أن يتوضأ ويصلي في الوقت الذي ينقطع فيه الحدث.
قال الشيخ ابن عثيمين:
المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج.
الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة.
" أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) .
والأصل أن يكون الوضوء بعد دخول الوقت.
عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) .
غير أنه في الصلوات التي يشق فيها الوضوء بعد دخول وقتها كالجمعة والعيد فيجوز له الوضوء قبل دخول وقتها بيسير
سئلت اللجنة الدائمة عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟
فأجابت اللجنة:
إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة.
فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 412
فإن كان يشق عليك أن تتوضأ لكل صلاة وتصليها في وقتها، فإنه يجوز لك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر فتصليهما في وقت إحداهما بوضوء واحد، وتجمع بين صلاتي المغرب والعشاء كذلك بوضوء واحد.
وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين. صححه الألباني في صحيح أبي داود 284.
ولك أن تصلي قيام الليل – التراويح – بوضوء العشاء.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء.
فأجاب:
هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 292، 293) .
وأما بالنسبة لصلاة الضحى: فإنها مؤقتة، فلا بدَّ من الوضوء لها بعد دخول وقتها وهو الممتد من طلوع الشمس بنحو ربع ساعة إلى قبيل الظهر بالمقدار نفسه.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز لتلك المرأة أن تصلي صلاة الضحى بوضوء الفجر؟
فأجاب:
لا يصح ذلك؛ لأن صلاة الضحى مؤقتة، فلا بدَّ من الوضوء لها بعد دخول وقتها؛ لأن هذه المرأة كالمستحاضة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/563)
إذا شك هل لعق الكلب موضعاً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص يظن أن كلبا ربما لعق موضعا ما في ثوبه، لكنه ليس متأكدا تماما، فماذا عليه أن يفعل؟ هل يجوز له أن يصلي في ذلك الثوب؟ أنا أريد حقا أن أعرف الحكم لأن ذلك يؤرقني فأنا عندي كلب في بيتي (وقد أسلمت مؤخراً) ، وأحيانا يغيب الكلب عن ناظري فلا أعلم إن كان لعق ثوبي أم لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اقتناء الكلب حرام إلا ما استثني من كلب الزرع، أو الصيد، أو كلب الغنم، وما عدا ذلك فاقتناؤه حرام لأنه يُنقص من أجر مقتنيه في كل يوم قيراطا من الأجر، وفي رواية أخرى قيراطان. وإذا اقتني للحاجة لكونه ما أذن فيه فإذا ولغ في إناء أو غيره فإنه يجب تطهيره، بأن يُغسل سبع مرات إحداهن بالتراب وهذا إذا تيقنّا أنه ولغ فيه، أما إذا شككنا في ذلك فإنه لا يجب غسله ما لم نتأكد ذلك لأن الأصل الطهارة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/564)
هل مسّ الكلب ينجّس يد لامسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مس الكلب حرام أم مكروه؟ سمعت من العديد من المسلمين أن الكلاب نجسة، وأن إبليس تفل عليهم.
أيضاً أنه إذا لمسنا الكلب يجب أن نغسل أيدينا عدّة مرّات. لم أجد أي شيء بخصوص هذا في القرآن والحديث أو الكتب الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جواب هذا السؤال من شقّين:
الأول: حكم اقتناء الكلب.
" يحرم على الإنسان اقتناء الكلب إلا في الأمور التي نصّ الشارع على جواز اقتنائه فيها، فإنه من اقتنى كلباً ـ إلا كلب صيد أو حرث ـ انتقص من أجره كلّ يوم قيراط أو قيراطان.
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتنى كلّباً إلا كلباً ضارياً لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقُص من أجره كلّ يوم قيراطان) رواه البخاري (5059) ومسلم (2941) ، وفي رواية لهما (قيراط) .
والقيراط: كناية عن قدر عظيم من الثواب والأجر، وإذا كان ينتقص من أجره قيراط، فإنّه يأثم بذلك، فإن فوات الأجر كحصول الإثم كلاهما يدل على التحريم، أي على ما ترتّب عليه ذلك.
ونجاسة الكلاب أعظم نجاسات الحيوانات، فإن نجاسة الكلب لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداها بالتراب. حتى الخنزير الذي نصّ عليه القرآن أنّه محرّم، وأنه رجس لا تبلغ نجاسته هذا الحدّ.
فالكلب نجس خبيث، ولكن مع الأسف الشديد نجد أن بعض الناس اغتروا بالكفار الذين يألفون الخبائث فصاروا يقتنون هذه الكلاب بدون حاجة، وبدون ضرورة، ويقتنونها ويربونها، وينظفونها مع أنها لا تنظف أبداً ولو نظّفت بالبحر ما نظفت، لأن نجاستها عينيّة.
فالنصيحة لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل ـ وأن يخرجوا الكلاب من بيوتهم.
أما من احتاج إليها لصيد أو حرث أو ماشية فإنّه لا بأس بذلك لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.. وأنت إذا أخرجت هذا الكلب من بيتك وطردتّه فلست مسؤولاً عنه بعد ذلك، فلا تبقه عندك ولا تؤويه.
الثاني: حكم مسّ الكلب.
" إن كان مسّه بدون رطوبة فإنه لا ينجّس اليد، وإن كان مسّه برطوبة فإن هذا يوجب تنجس اليد على رأي كثير من أهل العلم، ويجب غسل اليد بعده سبع مرّات إحداها بالتراب.
أما الأواني فإنه إذا ولغ الكلب في الإناء (أي شرب منه) يجب غسل الإناء سبع مرّات إحداها، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرّات إحداها بالتراب) ، والأحسن أن يكون التراب في الغسلة الأولى. والله أعلم.
انظر مجموع فتاوى الشيخ محمد ابن عثيمين (11/246)
وكتاب فتاوى إسلامية (4/447) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/565)
لديهم مصاب بالسلس ويجلس على الفرش فما حكم الصلاة عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا رجل مريض مصاب بمرض في قدميه ومصاب بمرض سلس البول فيلبس الحفاظات أحياناً، وأحياناً يرفض لبسها ويقول لا يوجد لدي شيء وهو يزحف على كل مفروشات المنزل ما حكم جلوسنا على كل المفروشات والسير عليها إذا كنا متوضئين والصلاة عليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيقن المريض من انقطاع الخارج، فلا حرج عليه في نزع الحفاظة، وجلوسه على الفُرش.
والأصل حمل كلامه على الصدق، لكن إن تبين لكم أن الأمر بخلاف ما يقول، وأن المفروشات يصيبها شيء من بوله، فينبغي الاحتياط لأمر الصلاة، بأن يغسل الإنسان قدميه قبل أن يصلي خشية أن يكون أصابها شيء من النجاسة، ويتخذ فراشا طاهرا يصلي عليه.
والأصل في هذه الفرش الطهارة، فلا يحكم بنجاسة شيء منها بمجرد الشك، لكن إذا تُحقق من وجود النجاسة، وعُلم موضعها، وكان يشق رفعها وغسلها، فيكفي في طهارتها أن يصب الماء على النجاسة، بحيث يغلبها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل إذا بال الطفل على الفرشة على مختلف سنه يكفي صب الماء وتطهر من النجاسة، نظرا إلى أن الفرشة قد تكون كبيرة وقد تكون لاصقة بالأرض، أو تكون مثبتا عليها دواليب كبيرة وسرر أو لا؟
فأجابت:
"إذا كان من بال على هذه الفرشة ونحوها غلاما لم يأكل الطعام كفى في تطهيرها رش الماء عليها حتى يعم موضع النجاسة منها، ولا يجب عصرها ولا غسلها، وإن كان قد أكل الطعام أو كان جارية سواء أكلت الطعام أم لا، فلا بد لتطهيرها من الغسل، ويكفي صب الماء على موضع النجاسة، ولا يجب نزع الفرشة ولا عصرها كالنجاسة على الأرض، لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله دلو من الماء) انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/364) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/566)
يصيبه دم في ملابسه الداخلية ويشق عليه تبديلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي نزيف داخلي أي ينزل دم مع البراز أو ينزل بشكل تلقائي في ملابسي الداخلية وممكن أمضي أكثر من 12 ساعة في عملي فهل يمكنني أن أصلي وملابسي بها هذا الدم أم لا؟ مع العلم بأني في عملي ولا أستطيع تغير ملابسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل ما أراد الصلاة أن يطهّر ثوبه مما فيه من النجاسة، لقوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الذي تحيض فيه المرأة أمر بتطهيره من النجاسة قبل الصلاة. رواه البخاري (308) ومسلم (361) ، فعليك تطهير ثيابك أو تغييرها قبل الصلاة، ويمكنك دفع مشقة ذلك بأن تجعل خرقة أو منديلاً يقلل من انتشار الدم، ثم عند الوضوء تقوم بتغيير هذه الخرقة أو المنديل وتغسل المكان الذي أصابه الدم من جسمك. فإن شق عليك ذلك أيضاً فلا حرج عليك أن تصلي بتلك الثياب
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/567)
هل شرب أحد الصحابة دم النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صَحَّ أنه لما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم.. أنَّ أحد الصحابة شرب الدم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (سَرَت فِيكَ النُّبُوَّة) ؟
ذكرته إحدى الطالبات في حديثنا عن نجاسة الدم وحرمة شربه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدم المسفوح من المحرمات النجسة، وقد جاء الدليل من الكتاب والسنة والإجماع على ذلك.
يقول الله تعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام/145
قال الطبري رحمه الله "جامع البيان" (8/53) :
" الرجس: النجس والنتن " انتهى.
أما السنة: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:
(جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: إِحدَانَا يُصِيبُ ثَوبَهَا مِن دَمِ الحَيضَةِ كَيفَ تَصنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالمَاءِ ثُمَّ تَنضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ)
رواه البخاري (227) ومسلم (291)
وقد بوب عليه البخاري (باب غسل الدم) ، كما بوب عليه النووي (باب نجاسة الدم وكيفية غسله)
وأما الإجماع:
فقال النووي رحمه الله: " الدم نجس، وهو بإجماع المسلمين " انتهى.
ونقله أيضا القرطبي في تفسيره (2/210) وابن رشد في بداية المجتهد (1/79)
ثانيا:
جاء في بعض الأحاديث أن بعض الصحابة رضي الله عنهم شربوا دم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنه أقرهم على ذلك، وفي بعضها أنه أنكر عليهم، ولم أجد في شيء من الروايات اللفظ المذكور في السؤال: (سرت فيك النبوة) ، ونذكر هنا هذه الأحاديث وحكم العلماء عليها:
1- عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:
(أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: يَا عَبدَ اللَّهِ اذهَب بِهَذَا الدَّمِ فَأَهرِقهُ حَتَّى لا يَرَاهُ أَحَدٌ.
فَلَمَّا بَرَزَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَمَدَ إِلَى الدَّمِ فَشَرِبَهُ.
فَقَالَ: يَا عَبدَ اللَّهِ مَا صَنَعتَ؟
قَالَ: جَعَلتُهُ فِي أَخفَى مَكَانٍ ظَنَنتُ أَنَّهُ يَخفَى عَلَى النَّاسِ.
قَالَ: لَعَلَّكَ شَرِبتَهُ.
قَالَ: نَعَم.
قَالَ: وَلِمَ شَرِبتَ الدَّمَ؟! وَيلٌ لِلنَّاسِ مِنكَ وَوَيلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ)
رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/414) ، والبزار في مسنده (6/169) ، والحاكم في المستدرك (3/638) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/67) ، ولكن بلفظ: (ما تلقى أمتك منك!) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/163)
جميعهم من طريق هنيد بن القاسم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه به.
وهنيد بن القاسم: ترجمته في "التاريخ الكبير" (8/249) وفي "الجرح والتعديل" (9/121) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/515) ولم يعرف روى عنه إلا موسى بن إسماعيل.
ومثل هذا الراوي يعتبر في عداد المجاهيل، ولكن يحسن حديثه إن تابعه أو شهد له ما يقويه، وقد جاء عن بعض أهل العلم ما يدل على توثيقه وقبول حديثه:
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/30) :
" وفي إسناده الهنيد بن القاسم، ولا بأس به، لكنه ليس بالمشهور بالعلم " انتهى.
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/366) :
" ما علمت في هنيد بن القاسم جرحة " انتهى.
وللحديث طريق أخرى رواها الدارقطني (1/228) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/162) من طريق:
محمد بن حميد ثنا علي بن مجاهد ثنا رباح النوبي أبو محمد مولى آل الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: أنها ذكرت قصة شرب عبد الله بن الزبير ابنها دم النبي صلى الله عليه وسلم أمام الحجاج، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم له: لا تمسك النار.
قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (1/31) :
" وفيه علي بن مجاهد وهو ضعيف " انتهى.
وعلي بن مجاهد هذا هو الكابلي، كذبه يحي بن الضريس، ويحي بن معين، كما في الميزان، وقال فيه الحافظ في التقريب: " متروك، من التاسعة، وليس في شيوخ أحمد أضعف منه "
وفيه أيضا رباح النوبي، قال الحافظ: " لينه بعضهم، ولا يُدْرَى من هو " [لسان الميزان 2/443] .
وبهما أعله العظيم آبادي في التعليق المغني، قال (1/425) : (قوله: " علي بن مجاهد، حدثنا رباح النوبي "، هما ضعيفان لا يحتج بهما) .
وفيه أيضا: محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف، كما في التقريب وغيره.
كما رواه في جزء الغطريف ـ كما قال ابن حجر في الإصابة (4/93) والتلخيص الحبير (1/32)) ـ ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (28/162) :
عن أبي خليفة الفضل بن الحباب نا عبد الرحمن بن المبارك نا سعد أبو عاصم مولى سليما بن علي عن كيسان مولى عبد الله بن الزبير قال أخبرني سلمان الفارسي ... وذكر القصة، وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الزبير: لا تمسك النار إلا قسم اليمين.
فيظهر من مجموع هذه الروايات أن قصة شرب عبد الله بن الزبير دم النبي صلى الله عليه وسلم لها أصل، والله أعلم.
2- سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن بُرَيه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال:
(احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير، أو قال: الناس والدواب. قال: فتغيبت به فشربته. قال: ثم سألني فأخبرته أني شربته، فضحك)
رواه البخاري في التاريخ الكبير (4/209) ، وابن عدي في الكامل (2/64) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/67) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/81)
كلهم من طريق ابن أبي فديك عن بُرَيه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده.
قال ابن كثير في "الفصول في السيرة" (300) :
" فإنه حديث ضعيف لحال بُريه هذا، واسمه إبراهيم؛ فإنه ضعيف جدا " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1074) :
" وهذا سند ضعيف، وله علتان:
الأولى: عمر بن سفينة، قال الذهبي في "الميزان": لا يعرف، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال البخاري: إسناده مجهول.
وأورده العقيلي في الضعفاء (282) وقال: " حديث غير محفوظ ولا يعرف إلا به "
والأخرى: ابنه بُرَيه – مصغرا -، واسمه إبراهيم، أورده العقيلي أيضا (61) وقال: لا يتابع على حديثه. وقال ابن عدي في "الكامل" (2/64) : له أحاديث يسيرة غير ما ذكرت، ولم أجد للمتلكمين في الرجال لأحد منهم فيه كلاما، وأحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به "
وقال الذهبي في الميزان: ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. وقال أيضا: وتفرد بُرَيه عن أبيه بمناكير "
والحديث ضعفه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام"، وسكت عليه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" فلم يُجِد " انتهى كلام الألباني.
3- سالم أبو هند الحجام رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/30) :
" رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث سالم أبي هند الحجام قال:
حجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت شربته، فقلت: يا رسول الله شربته. فقال: ويحك يا سالم، أما علمت أن الدم حرام! لا تَعُد)
وفي إسناده أبو الحجاف، وفيه مقال " انتهى.
4- غلام لبعض قريش.
عن نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(حجم النبيَّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ لبعض قريش، فلما فرغ من حجامته أخذ الدم، فذهب به من وراء الحائط، فنظر يمينا وشمالا، فلما لم ير أحدا تحسى دمه حتى فرغ، ثم أقبل، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فقال: ويحك ما صنعت بالدم؟ قلت: غيبته من وراء الحائط. قال: أين غيبته؟ قلت: يا رسول الله! نفست على دمك أن أهريقه في الأرض، فهو في بطني. قال: اذهب فقد أحرزت نفسك من النار)
ذكره ابن حبان في المجروحين (3/59) في ترجمة نافع أبي هرمز وقال: روى عن عطاء نسخة موضوعة، وذكر منها هذا الحديث.
5- مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/31) :
" وفي الباب حديث مرسل أخرجه سعيد بن منصور (2/221) من طريق عمر بن السائب أنه بلغه أن مالكا والد أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم مص جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض، فقيل له: مُجَّهُ. فقال: لا والله لا أمُجُّهُ أبدا. ثم أدبر فقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فاستشهد " انتهى.
الخلاصة أن أصح ما ورد في شرب الصحابة بعض دم النبي صلى الله عليه وسلم، هو ما جاء من شرب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، على ما مر من الكلام في سنده، ولم يصح عن أحد غيره.
ثالثا:
فكيف يوفق العلماء بين ما تقرر من نجاسة الدم، وبين شرب عبد الله بن الزبير دم النبي صلى الله عليه وسلم الشريف؟
قالوا: ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بها في الحكم عن سائر الأمة، وهي خصوصيات كثيرة جمعها أهل العلم في مجلدات، مثل الإمام السيوطي في كتابه "الخصائص الكبرى"، فقد نص بعض أهل العلم على طهارة دمه الشريف صلى الله عليه وسلم اعتمادا على قصة عبد الله بن الزبير.
انظر الشفا (1/55) ومغني المحتاج (1/233) وتبين الحقائق (4/51) وإن كان نقل في المجموع (1/288) عن جمهور الشافعية القول بنجاسة دم النبي صلى الله عليه وسلم كسائر الدماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/568)
ما يترتب على نزول المذي
[السُّؤَالُ]
ـ[كل ما قال لي زوجي احبك أو همس لي بذلك اشعر ببلل فلست أدري هل هذا هو المني؟ وهل يستوجب الغسل؟ وهل هذا هو البلل الذي يأتي مع الشهوة ... على الرغم أن إحساسي بالفرح والنشوة عندما يقولها لي يختلف عن شعوري باللذة عند ذروة الجماع ... أفتوني يرحمكم الله لأن زوجي دائما يناديني احبك..وفى كل مرة اشعر بالبلل..فهل يتوجب على في كل مرة الغسل؟ أنا حائرة من أمري ... إذا يتوجب على الغسل في كل صلاة!!!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الظاهر أن هذا البلل الذي تشعرين به هو المذي وليس المني الذي يوجب خروجه الاغتسال.
وعلى هذا، فلا يجب عليك الاغتسال لخروجه، ولكن فقط عليك الوضوء، لأن خروج المذي ناقض للوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المذي: (فيه الوضوء) رواه البخاري ومسلم.
وقد نقل ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (1/168) إجماع العلماء على أن خروج المذي ناقض للوضوء.
ثانياً: يجب التنبه إلى أن المذي نجس، فيجب غسل الموضع الذي أصابه المذي من البدن، وأما الثياب فقد خفف الشرع في تطهيرها دفعاً للمشقة، فيكفي أن تأخذي كفاً وترشيه على الموضع الذي أصابه المذي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كيفية تطهير الثوب من المذي: (يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح (أي: ترش) بها ثوبك حيث تُرى (أي: تظن) أنه أصابه) رواه الترمذي (115) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد سبق بيان الفرق بين المذي والمني والأحكام المترتبة عليهما في جواب السؤال (2458) فارجعي إليه إن أردت الاستزادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/569)
اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله
[السُّؤَالُ]
ـ[الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات، لكن إذا أبقى المسلم كلباً لمجرد حراسة البيت، وأبقاه خارجه، ووضعه في مكان في آخر المجمع، فكيف يمكنه أن يطهر نفسه؟ وما هو الحكم إذا لم يجد تراباً أو طيناً لينظف به نفسه؟ وهل يوجد هناك أية بدائل لتنظيف المسلم نفسه؟ في بعض الأحيان يقوم المذكور باصطحاب الكلب معه للجري، وهو يربت عليه، ويقبله ... إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الشرع المطهر على المسلم اقتناء الكلاب، وعاقب من خالف ذلك بنقصان حسناته بمقدار قيراط أو قيراطين كل يوم، وقد استثني من ذلك اقتناؤه للصيد ولحراسة الماشية ولحراسة الزرع.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم (1575) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) رواه البخاري (5163) ومسلم (1574) .
وهل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟
قال النووي:
" اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى.
" شرح مسلم " (10 / 236) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4 / 246) .
وفي التوفيق بين رواية " القيراط " و " القيراطين " أقوال.
قال الحافظ العيني رحمه الله:
أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً.
ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي.
جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين.
" عمدة القاري " (12 / 158) .
ثانياً:
وأما قول السائل " الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات " فهو غير صحيح على إطلاقه إذ النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه لا بتراب ولا بماء، فإن شرب الكلب من إناء فإنه يجب عليه إراقة الماء وغسله سبع مرات بالماء وثامنة بالتراب إن كان يريد استعماله، فإن جعله خاصّاً للكلب لم يلزمه تطهيره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه , أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم (279) .
وفي رواية لمسلم (280) : (إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه طاهرٌ حتى ريقه، وهذا هو مذهب مالك.
والثاني: نجس حتى شعره، وهذا هو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
والثالث: شعره طاهر، وريقه نجسٌ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره لم ينجس بذلك " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 530) .
وقال في موضعٍ آخر:
" وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ , كما قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ) الأنعام/119، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ) التوبة/115 ... وإذا كان كذلك: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وفي الحديث الآخر: (إذَا وَلَغَ الكَلْبُ …) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس ...
وأيضاً: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 617 و 619) .
والأحوط: أنه إن مس الكلب وعلى يده رطوبة , أو على الكلب رطوبة أن يغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب , قال الشيخ ابن عثيمين:
" وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد , وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم , ويجب غسل اليد بعده سبع مرات , إحداهن بالتراب " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/246) .
ثالثاً:
وأما كيفية تطهير نجاسة الكلب، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41090) ، (46314)
وأن الواجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ومع وجود التراب فالواجب استعماله، ولا يجزئ غيره، أما إذا لم يجد تراباً، فلا حرج من استعمال غيره من المنظفات كالصابون.
رابعاً:
وما ذكره السائل من تقبيل الكلاب فهو مسبب لأمراض كثيرة، والأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة مخالفة الشرع بتقبيل الكلاب أو الشرب من آنيتها قبل تطهيرها كثيرة ,
ومنها " مرض الباستريلا " وهو مرضٌ بكتيري، يوجد السبب المرضي له طبيعياً في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان والحيوانات، وتحت ظروفٍ خاصَّةٍ يغزو هذا الجرثوم الجسم محُدِثاً المرض.
ومنها " الأكياس المائية " وهو من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأحشاء الداخلية للإنسان والحيوان، وتكون أعلى إصابة لها في الكبد والرئتين، يليها التجويف البطني، وبقية أعضاء الجسم.
ويسبب هذا المرض دودة شريطية تُسَّمى (ايكاينكوس كرانيلوسيس) وهي دودة صغيرة طول البالغة منها (2 – 9) ملم، تتكون مِن ثلاث قطعٍ، ورأس، ورقبة، ويكون الرأس مزوداً بأربع ممصات.
وتعيش الديدان البالغة في أمعاء المضائف النهائية، المتمثلة بالكلاب والقطط والثعالب والذئاب.
وينتقل هذا المرض إلى الإنسان المولع بتربية الكلاب، حين يقبله، أو يشرب مِن إنائه.
انظر كتاب: " أمراض الحيوانات الأليفة التي تصيب الإنسان " للدكتور علي إسماعيل عبيد السنافي.
والخلاصة:
لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لصيد أو حراسة ماشية وزرع، ويجوز اتخاذه لحراسة الدور بشرط أن تكون خارج المدينة وبشرط عدم توفر وسيلة أخرى، ولا ينبغي للمسلم تقليد الكفار في الركض مع الكلاب، ولمس فمه وتقبيله مسبب لأمراض كثيرة.
والحمد لله على هذه الشريعة الكاملة المطهرة، والتي جاءت لإصلاح دين ودنيا الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/570)
ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكان الآخر لا يستنزه عن البول - أو من البول -.
سؤالي هو:
ما الاستتار؟ وما هو التنزه؟ والفرق بينهما؟ وكيف نوفق بين الروايتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (216) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) .
وفي رواية لمسلم (لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ) .
وفي رواية للنسائي (2068) (لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي".
قال النووي:
" وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يستتر من بوله) فروى ثلاث روايات: (يستتر) بتائين , و (يستنزه) بالزاي والهاء , و (يستبرئ) بالباء والهمزة، وكلها صحيحة , ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه.
"شرح مسلم" (3/201) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر:
قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر: (يستبرئ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (يستنزه) .
فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني: لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. . .
وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي.
قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أما أحدهما فيعذب في البول) ، ومثله للطبراني عن أنس.
"فتح الباري" (1/318) .
وقال الصنعاني:
ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار، أي: لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه.
"سبل السلام" (1/119، 120) .
والخلاصة:
أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/571)
حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد فجأة على ملابسي الداخلية إفرازات شفافة لا أحس بنزولها، هل تجوز الصلاة بذلك؟ وإذا كانت لا تجوز هل يجب إعادة الوضوء وتغيير الملابس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام على هذه الإفرازات في مسألتين:
الأولى: هل هي طاهرة أو نجسة؟
فمذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي –وصححها النووي- أنها طاهرة.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال في الشرح الممتع (1/457) :
"وإذا كانت –يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" اهـ.
وانظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) .
وعلى هذا، فلا يجب غسل الثياب أو تغييرها إذا أصابتها تلك الرطوبة.
المسألة الثانية: هل ينتقض الوضوء بخروج هذه الإفرازات أو لا؟
فالذي ذهب إليه أكثر العلماء أنها تنقض الوضوء.
وهو الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين، حتى قال:
"الذي ينسب عني غير هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قولي إنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء" اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (11/287) .
وقال أيضاً (11/285) :
"أما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينتقض الوضوء فهذا لا أعلم له أصلا إلا قول ابن حزم" اهـ.
لكن. . إذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك، ولو كانت في الصلاة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"إذا كانت الرطوبة المذكورة مستمرة في غالب الأوقات فعلى كل واحدة ممن تجد هذه الرطوبة الوضوء لكل صلاة إذا دخل الوقت، كالمستحاضة، وكصاحب السلس في البول، أما إذا كانت الرطوبة تعرض في بعض الأحيان –وليست مستمرة- فإن حكمها حكم البول متى وُجدت انتقضت الطهاة ولو في الصلاة" اهـ.
مجموع فتاوى ابن باز (10/130) .
راجع السؤال رقم (37752) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/572)
استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا بد في تطهير نجاسة الكلب من الغسل بالتراب؟ أو يمكن استعمال بدائل أخرى كالصابون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (41090) بيان كيفية تطهير نجاسة الكلب، وأنه يجب أن تغسل سبعاً إحداهن بالتراب.
وقد اختلف العلماء هل يجب استعمال التراب أم يجوز أن يستعمل شيئاً آخر كالصابون أو غيره من المنظفات؟
فمذهب الإمام الشافعي إلى أنه يجب استعمال التراب , ولا يجزئ استعمال غيره , لأن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنَه وأمر به.
ومذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يستعمل غير التراب كالصابون ونحوه.
انظر: "المجموع" (2/600) , "روضة الطالبين" (ص16) , "المغني" (1/74) , "الإنصاف" (2/248) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/139) :
" إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه كي يطهر هذا الإناء يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب , هذا عند الحنابلة والشافعية. . .
فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان (منظف كانوا يستعملونه قديماً) والصابون ونحوهما , أو غسله غسلة ثامنة , فالأصح أنه لا يجزئ , لأنه طهارة أمر فيها بالتراب تعبدا , ولذا لم يقم غيره مقامه.
ولبعض الحنابلة: يجوز العدول عن التراب إلى غيره عند عدم التراب , أو إفساد المحل المغسول به. فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا. وهذا قول ابن حامد " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/292) عن القول بأنه يجزئ عن التراب غيره , قال:
" وهذا فيه نظر لما يلي:
1- أن الشارع نص على التراب , فالواجب اتباع النص.
2- أن السدر والأشنان كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يشر إليهما.
3- لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب.
4- أن التراب أحد الطهورين , لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عدم. وقال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) .
فالصحيح: أنه لا يجزئ عن استعمال التراب , لكن لو فرض عدم وجود التراب وهذا احتمال بعيد , فإن استعمال الأشنان , أو الصابون خير من عدمه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/573)
هل ينتقض الوضوء بخروج الرطوبة من الفرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السائل الأبيض الذي يخرج من المرأة ينقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الظاهر أن السائلة تقصد بسؤالها حكم رطوبة فرج المرأة، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، وتحريرها في بيان مسألتين:
المسألة الأولى: هل تلك الرطوبة طاهرة أم نجسة؟
القول الأول: أنها طاهرة، وهو مذهب الشافعي وأحمد.
القول الثاني: أنها نجسة.
والراجح هو القول الأول، لعدم الدليل على نجاسة تلك الرطوبة، قال في المغني:" لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من جماع ... وهو يلاقي رطوبة الفرج، ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة منيها " ا. هـ.
المسألة الثانية: هل تلك الرطوبة ناقضة للوضوء أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنها ناقضة للوضوء، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، وتلك الرطوبة أو السوائل ملحقة بالاستحاضة، ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) قال - يعني هشام -: وقال أبي - يعني عروة بن الزبير -: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) [رواه البخاري برقم 228] قال الحافظ في الفتح في زيادة الأمر بالوضوء:" وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته، وادعى آخر أن قوله: ثم توضيء من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر، لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله: فاغسلي " ا. هـ[الفتح 1 / 332، وانظر 1 / 409، وانظر الإرواء 1 / 146، 224]
القول الثاني: أنها غير ناقضة للوضوء، وهو قول ابن حزم.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية قولان في المسألة كالمذهبين السابقين، ففي الاختيارات، اختار عدم النقض، وفي مجموع الفتاوى اختار قول الجمهور.
انظر مجموع الفتاوى (21/221) ، والاختيارات ص27.
وقد فصّل الشيخ ابن عثيمين حكم المسألتين السابقتين فقال:..
الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر، ولكنه ينقض الوضوء وإن كان طاهراً، لأنه لا يشترط للناقض للوضوء أن يكون نجساً، فها هي الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم، ومع ذلك تنقض الوضوء، وعلى هذا إذا خرج من المرأة وهي على وضوء، فإنه ينقض الوضوء وعليها تجديده، فإن كان مستمراً، فإنه لا ينقض الوضوء، ولكن لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها وتصلي في هذا الوقت الذي تتوضأ فيه فروضاً ونوافل وتقرأ القرآن وتفعل ما شاءت مما يباح لها، كما قال أهل العلم نحو هذا فيمن به سلس البول.
هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة فهو طاهر، لا ينجس الثياب ولا البدن.
وأما حكمه من جهة الوضوء، فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها، فإن كان مستمراً فإنه ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ.
أما إن كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة، فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش الوقت، فإن خشيت خروج الوقت، فإنها تتوضأ وتتلجم (تتحفظ) وتصلي. ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره.
وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء، فهذا لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم ـ رحمه الله ـ فإنه يقول: إن هذا لا ينقض الوضوء، ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حجة، وعلى المرأة أن تتقي الله وتحرص على طهارتها، فإن الصلاة لا تقبل بغير طهارة ولو صلت مائة مرة، بل إن بعض العلماء يقول: إن الذي يصلي بلا طهارة يكفر لأن هذا من باب الاستهزاء بآيات الله سبحانه وتعالى.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/284-286)
للمزيد راجع السؤال رقم (7776) (13948) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/574)
هل القيء نجس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تقيأ الإنسان، فهل هذا القيء نجس وينقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذهب أكثر العلماء إلى نجاسة القيء.
جاء في الموسوعة الفقهية (34/87) :
" اختلفت الآراء في طهارة القيء ونجاسته. فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة بنجاسته، ولكل منهم تفصيله , وبذلك يقول المالكية في المتغير عن حال الطعام، ولو لم يشابه أحد أوصاف العذرة. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط , والبول , والقيء , والدم , والمني) " انتهى.
واستدلوا على نجاسته أيضا: بقياسه على الغائط، لأنه قد ظهر فيه النتن والفساد.
وذهب بعض العلماء كابن حزم والشوكاني إلى طهارته، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وليس هناك دليل صحيح على نجاسته.
وقد أجابوا عن حديث عمار بأنه ضعيف.
قال النووي في "المجموع" (2/549) : حديث عمار هذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده والدارقطني والبيهقي، قال البيهقي: هو حديث باطل لا أصل له وبين ضعفه الدارقطني والبيهقي " انتهى.
وضعفه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/33) .
وقال الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص 53) معلقاً على قول صاحب "فقه السنة" إن من النجاسات القيء:
" قلت: لم يذكر المؤلف الدليل على ذلك اللهم إلا قوله: [إنه متفق على نجاسته] وهذه دعوى منقوضة فقد خالف في ذلك ابن حزم حيث صرح بطهارة قيء المسلم، وهو مذهب الإمام الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق خان في شرحها، حيث لم يذكرا في النجاسات قيء الآدمي مطلقاً، وهو الحق، ثم ذكرا أن في نجاسته خلافاً ورجحا الطهارة بقولهما: (والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه) وذكر نحوه الشوكاني أيضاً في السيل الجرار " انتهى.
وقد سئل الشيخ سليمان العلوان عن نجاسة القيء فقال: " الصحيح أنه طاهر مطلقاً (يعني سواء كان متغيراً أم لا) ، والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة.
والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة، والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر " اهـ.
وانظر: "المجموع" (2/570) ، "المغني" (1/485) .
ثانياً:
وأما نقض الوضوء بالقيء، فالصحيح من أقوال أهل العلم أن القيء لا ينقض الوضوء، وانظر السؤال (2570) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/575)
كيفية تطهير نجاسة الكلب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم تطهير نجاسة الكلب؟ وهل يجب أن يغسل سبع مرات أم تكفي مرة واحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (279) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ) .
وروى مسلم (280) أيضاً: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) .
ففي هذين الحديثين بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيفية تطهير نجاسة الكلب، وهي غسل الإناء سبع مرات، إحداهن بالتراب. وكلاهما واجب.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/73) :
" لا يختلف المذهب أن نجاسة الكلب يجب غسلها سبعاً، إحداهن بالتراب، وهو قول الشافعي " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (2/598) :
" وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب , فمذهبنا أنه ينجس ما ولغ فيه، ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب , وبهذا قال أكثر العلماء. حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" إذا كانت النجاسة على غير الأرض وهي نجاسة كلب، فإنه لا بد لتطهيرها من سبع غسلات إحداها بالتراب " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/245) .
والأفضل أن تكون الغسلة الأولى هي التي بالتراب، فإن جعل التراب في غيرها حصل المقصود، وطهر المكان.
قال النووي في "المجموع" (2/598) :
" فالحاصل أنه يستحب جعل التراب في الأولى، فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى، فإن جعله في السابعة جاز , وقد جاء في روايات في الصحيح (سبع مرات) , وفي رواية: (سبع مرات أولاهن بالتراب) , وفي رواية: (أخراهن بدل أولاهن) , وفي رواية: (سبع مرات السابعة بتراب) , وفي رواية: (سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيه دليل على أن التقييد بالأولى وغيرها ليس للاشتراط , بل المراد إحداهن " انتهى.
" وغسله بالتراب له عدة طرق:
1- أن يغسل بالماء ثم نذر التراب عليه.
2- أن نذر التراب عليه ثم نتبعه الماء.
3- أن نخلط التراب بالماء ثم نغسل به الإناء " قاله الشيخ ابن عثيمين في "شرح بلوغ المرام" حديث رقم (14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/576)
السن التي يجب فيها غسل بول الغلام
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يصبح بول الرضيع نجساً؟ وهل يختلف الأمر بين الصبي والفتاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بول الإنسان نجس، يجب التطهر منه، سواء كان صغيراً أو كبيراً، غلاماً أو جاريةً، إلا أنه خفف في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، فاكتفي في تطهيره بالنضح (أي: الرش) ، لما روى البخاري (223) ومسلم (287) عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها (أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) .
وروى الترمذي (610) وابن ماجه (525) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ) . قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيعًا. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذا الحديث دليل عل التفريق بين بول الغلام الجارية، فبول الغلام يكفي فيه الرش، وبول الجارية لا بد من غسله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والنضح: أن تُتبعه الماء دون فرك، أو عصر حتى يشمله كله. . .
فإن قيل: ما الحكمة أن بول الغلام الذي لم يطعم يُنضح، ولا يغسل كبول الجارية؟
أجيب: أن الحكمة أن السنة جاءت بذلك، وكفى بها حكمة، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: (كان يصيبنا ذلك على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) .
ومع ذلك التمس بعض العلماء الحكمة في ذلك:
فقال بعضهم: الحكمة في ذلك التيسير على المكلف، لأن العادة أن الذكر يحمل كثيرا، ويفرح به، ويحب أكثر من الأنثى، وبوله يخرج من ثقب ضيق، فإذا بال انتشر، فمع كثرة حمله، ورشاش بوله يكون فيه مشقة؛ فخفف فيه.
وقالوا أيضا: غذاؤه الذي هو اللبن لطيف، ولهذا إذا كان يأكل الطعام فلا بد من غسل بوله، وقوته على تلطيف الغذاء أكبر من قوة الجارية.
وظاهر كلام أصحابنا (الحنابلة) أن التفريق بين بول الغلام والجارية أمر تعبدي.
وغائط هذا الصبي كغيره لا بد فيه من الغسل.
وبول الجارية والغلام الذي يأكل الطعام كغيرهما، لا بد فيهما من الغسل " انتهى من "الشرح الممتع" (1/372) .
وأما سن الغلام الذي يكتفى فيه بالرش، فقد سبق قول قتادة: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيعًا. والمراد بذلك أنه يشتهي الطعام ويتغذى به ويطلبه، وليس المراد أنه يأكل ما يوضع في فمه.
قال ابن القيم رحمه الله: " إنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذياً به " انتهى من "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص 190) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه، بل إذا كان يريد الطعام ويتناوله ويشرئب إليه (أي: يتطلع إليه ويطلبه) ، أو يصيح أو يشير إليه، فهذا هو الذي يطلق عليه أنه يأكل الطعام) انتهى من مجموع فتاويه (2/95) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/577)
استعمال المناديل والأوراق في إزالة النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظّفت المحل من قُبُل أو دبر، والأفضل أن يكون ما يُستجمر به وتراً كثلاث أوراق أو ثلاثة أحجار ونحو ذلك، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ولا يجب استعمال الماء بعده، ولكنه سنة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/107(5/578)
إذا لعق كلب ثوب المسلم فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب أن يفعل أحدنا إذا لعق الكلب جلده أو ملابسه؟
أنا أعرف أنك ستقول أنه من المفترض أن يقوم ذلك الشخص بحك المنطقة المتأثرة بالتراب أو الطين لكن ماذا لو كان الشخص يرتدي ملابس مصنوعة من قماش أملس فاخر كالبدلة مثلا
فهو إن فعل ذلك ستتسخ ملابسه أكثر فماذا لو اكتفى فقط بالغسيل المجفف في المغسلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب أهل العلم إلى القول بنجاسة سؤر ولعاب الكلب، وقالوا بوجوب غسل ما يلعقه من الأواني والثياب. وقد وردت السنّة بما يفعله المسلم للتطهير إذا حصل ذلك
فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات) . وزاد مسلم (أولاهن بالتراب) البخاري بحاشية السندي 1/44 مسلم 1/234
ومعنى ولغ: أي أدخل لسانه في الماء، وغيره، سواء شرب منه، أو لم يشرب، ومن ذلك اللعق، والحديث نص في الآنية، ولم يفرق العلماء بين الآنية وغيرها، وقال العراقي: ذكر الإناء خرج مخرج الأغلب.
فيجب غسل الإناء أو الثوب سبع مرات، إحداهن بالتراب. وهو قول ابن عباس، وأبي هريرة في رواية ـ رضي الله عنهم ـ وبه أخذ ابن سيرين، وطاووس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وغيرهم المجموع 2/586 والمغني 1/46 والمحلى 1/146 ونيل الأوطار 1/74
ولا يلزم أن تكون الغسلة الأخيرة بالتراب ولذلك فلا يرد الاعتراض الوارد في السؤال من أنّ التراب يلوّث اللباس، لأنّه سيُغسل بعدها بالماء، وبعد تجفيفه وكيّه سيعود أنظف مما كان، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/579)
رطوبة فرج المرأة المستمرة.. هل يجب الاستنجاء منها لكل صلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أنه يجب على من لديها إفرازات دائما شفافة والتي تعرف برطوبة فرج المرأة أن تتوضأ لكل صلاه وتصلي وتقرأ ما شاءت إلى وقت الصلاة التي تليها ولكن سؤالي الذي محيرني هل عليها الاستنجاء والتحفظ لكل صلاة أيضا أم يكفي الوضوء بدون استنجاء. أرجو الإجابة على سؤالي أخاف أن تضيع صلواتي لعدم الطهارة لهذا السبب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رطوبة الفرج الخارجة من الرحم - لا من المثانة - طاهرة، وتنقض الوضوء على الراجح، إلا أن تكون مستمرة، فتتوضأ لكل صلاة، ولا يلزمها الاستنجاء وإعادة التحفظ؛ لأن هذه الرطوبة طاهرة كما تقدم.
وأما الرطوبة الخارجة من المثانة، أو سلس البول، فيلزم صاحبه الاستنجاء والتحفظ إذا فرط في الشد والتحفظ، وأما إذا لم يفرط فلا يلزمه غسل المحل وعصبه لكل صلاة.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/120) : " يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة , ومن به سلس بول , أو مذي , أو ريح غسل المحل الملوث بالحدث , لإزالته عنه وتعصيبه أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن , وشدّه بخرقة طاهرة.. ولا يلزمه إعادتهما أي الغسل والعصب لكل صلاة إن لم يفرّط , لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه ... ويتوضأ من حدث دائم لوقت كل صلاة إن خرج شيء " انتهى مختصرا.
وقال في "مطالب أولي النهى" (1/236) : "ولا يلزم إعادة غسل , ولا إعادة تعصيب لكل صلاة حيث لا تفريط في الشد ; لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه. قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه , فكانت ترى الدم والطست تحتها , وهي تصلي) رواه البخاري. فإن فرّط في الشد , وخرج الدم بعد الوضوء لزمت إعادته ; لأنه حدث أمكن التحرز منه" انتهى.
وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بأنه إن شق على صاحب السلس غسل النجاسة وتبديل العصابة، صلى على حاله، وينظر جواب السؤال رقم (82079) .
والحاصل: أن الإفرازات الطاهرة لا يلزم فيها إعادة الاستنجاء أو تغيير العصابة، وإنما الواجب هو الوضوء لوقت كل صلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/580)
مصاب بسلس مستمر وآخر منقطع فهل يتوضأ بعد دخول الوقت أو ينتظر توقف الحدث؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أجريت لي عملية استئصال قولون وبسبب هذا الاستئصال أصبحت عملية التصريف وقضاء الحاجة عن طريق فتحة خارجية وأصبحت أتوضأ لكل صلاة. ومعي أيضا سلس البول وهذا السلس يستمر معي بعد خروجي من الحمام لفترة محدودة أحيانا يستمر معي لأكثر من ساعة وأحيانا أقل من ساعة أي أن البول لا يجف إلا بعد تمام هذه المدة. السؤال: هل أنتظر مدة جفاف البول وبعدها أتوضأ وأصلى، أم أتوضأ في أول الوقت؛ نظراً للعذر الأول ولا ألتفت إلي جفاف البول؟ وإذا دخل وقت الصلاة وكنت بحاجة ماسة إلى دخول الحمام هل أتوضأ على الفور لإدراك صلاة الجماعة في المسجد أم أنتظر حتى الجفاف وأصلى في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وما قمت به من الوضوء لكل صلاة لأجل خروج الخارج من الفتحة صواب؛ لدخول ذلك في حكم السلس.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن أجريت له عملية استئصال للمستقيم وفتحت له فتحة جانبية للبراز، فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة ... " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412) .
ثانياً:
ما دام البول ينقطع وقتا يتسع للطهارة والصلاة، فهذا لا يعد سلسا، ويلزمك الانتظار لانقطاعه ولو أدى ذلك لترك صلاة الجماعة، وكونك تتوضأ لكل صلاة لأجل الفتحة الجانبية، لا يعني عدم انتقاض وضوئك بالنواقض الأخرى، ومنها خروج البول على وجه لا يعدّ سلسا لانقطاعه وعدم استمراره.
وينظر: "كشاف القناع" (1/88) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (39494) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/581)
حكمة الوضوء من أكل لحم الإبل
[السُّؤَالُ]
ـ[حكمة الوضوء من أكل لحم الإبل السؤال: ما الحكمة من الوضوء من لحم الإبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
ما الحكمة من الوضوء من لحم الإبل؟
الجواب:
الحمد لله:
أولاً:
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحم الإبل، ولم يُبيِّن لنا الحكمة , ونحن نعلم أن الله سبحانه حكيم عليم , لا يَشرع لعباده إلا ما فيه الخير والمصلحة لهم في الدنيا والآخرة , ولا ينهاهم إلا عما يضرهم في الدنيا والآخرة.
والواجب على المسلم أن يتقبَّل أوامر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بها , وإن لم يَعرف عين الحكمة , كما أن عليه أن ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله , وإن لم يَعرف عين الحكمة ; لأنه عبدٌ مأمور بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , مخلوق لذلك , فعليه الامتثال والتسليم , مع الإيمان بأن الله حكيم عليم , ومتى عَرف الحكمة فذلك خير إلى خير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/157) .
ثانياً:
من أهل العلم من ذهب إلى أن هذا الحكم تعبدي لا تُعلم علته.
قال المرداوي رحمه الله: " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب ... وَقِيلَ: هُوَ مُعَلَّلُ" انتهى من " الإنصاف " (1/355) .
ومن ذهب إلى أن الحكم معلَّل من العلماء، ذكر لذلك جُملةً من الحِكَم، منها:
1- أن الإبل فيها طبيعة شيطانية، فمن أكلَ منها أَورثه ذلك قوَّةً شيطانيَّةً، فشُرع الوضوء لإذهاب هذه القوة.
فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: (لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ) رواه أبو داود (493) وصححه الألباني في " الإرواء " (176) .
وفي لفظ ابن ماجه: (769) : (فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ) .
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ..) رواه أحمد (2667) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2271) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " أشار صلى الله عليه وسلم في الإبل إلى أنها من الشياطين، يريد والله أعلم أنها من جنس الشياطين ونوعهم، فإنَّ كلَّ عاتٍ متمرِّدٍ شيطانٌ من أي الدواب كان، كالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام، كما للإنس شياطين ... فلعلَّ الإنسان إذا أكل لحم الإبل أورثته نفاراً وشماساً وحالاً شبيها بحال الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفئ النَّارُ بالماء، فأُمر بالوضوء من لحومها كسراً لتلك السَّورة، وقمعاً لتلك الحال، وهذا لأنَّ قلبَ الإنسان وخُلقه يتغير بالمطاعم التي يطعمها " انتهى من " شرح عمدة الفقه " (1/185) .
وقال أيضا: " فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في ذلك من إطفاء القوة الشيطانية ما يزيل المفسدة، بخلاف من لم يتوضأ منها، فإن الفساد حاصل معه، ولهذا يقال: إن الأعراب بأكلهم لحوم الإبل مع عدم الوضوء منها صار فيهم من الحقد ما صار " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/523) .
وقريب منه في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2 /40) لابن القيم رحمه الله.
2- أن لحم الإِبل شديدُ التَّأثير على الأعصاب، فيُهَيِّجها؛ ولهذا كان الطبُّ الحديث ينهى الإِنسان العصبي من الإِكثار من لحم الإِبل، والوُضُوء يسكِّن الأعصاب ويبرِّدها، كما أمر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالوُضُوء عند الغضب؛ لأجل تسكينه " انتهى من " الشرح الممتع (1/308) بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيين رحمه الله: " وسواء كانت هذه هي الحكمة أم لا؛ فإِن الحكمة هي أمر النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، لكن إِن علمنا الحكمة فهذا فَضْلٌ من الله وزيادة علم، وإن لم نعلم فعلينا التَّسليم والانقياد " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/582)
الضحك لا ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الضحك ينقض الوضوء بالرغم من كون الشخص ليس في حالة صلاة ولكن في استعداد لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا خلاف بين العلماء في أن الضحك خارج الصلاة - ولو في حال الاستعداد لها - لا ينقض الوضوء.
قال بن المنذر: " أجمع أهل العلم على أن الضحك في غير الصلاة لا ينقض طهارة، ولا يوجب وضوءاً ". انتهى من " الأوسط " (1/166) .
وقال النووي: " وأجمعوا على أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء ". انتهى من "المجموع " (2 /61) .
ثانياً:
اتفق العلماء على أن الضحك في الصلاة يبطلها.
قال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن الضحك في الصلاة ينقض الصلاة ". انتهى من كتاب "الإجماع " ص3.
ومراده بالضحك الذي يكون قهقهة.
قال ابن قدامة: " ولا نعلم فيه مخالفاً ". انتهى من " المغني" (2/451) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إنَّ الْقَهْقَهَةَ فِيهَا أَصْوَاتٌ عَالِيَةٌ تُنَافِي حَالَ الصَّلَاةِ، وَتُنَافِي الْخُشُوعَ الْوَاجِبَ فِي الصَّلَاةِ ... وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّلَاعُبِ بِهَا مَا يُنَاقِضُ مَقْصُودَهَا فَأَبْطَلَتْ لِذَلِكَ ". انتهى من " مجموع الفتاوى " (22 / 617) .
ثالثاً:
بما سبق يظهر أن المختلَف فيه بين العلماء هو الضحك قهقهة في الصلاة، هل يبطل الوضوء أم لا؟.
والقول الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا ينقض الوضوء، لعدم وجود دليل يدل على نقضه للوضوء.
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: (إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ) . رواه البخاري معلقاً، والدارقطني (51) موصولاً.
وقال ابن حجر: " وهو صحيح من قول جابر ". انتهى " فتح الباري " (1 /280) .
وقال شيخ الإسلام: " ولم يثبت عن صحابي خلافه؛ ولأنه لا ينقض خارج الصلاة، فكذلك في الصلاة ". انتهى من " شرح العمدة" (1 /324) .
وقال النووي: " لمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا ينقض ... وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم.
وروى البيهقي عن أبي الزِّناد قال: أدركتُ من فقهائنا الذين يُنتَهى إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة، وسليمان بن يسار، ومشيخة جِلَّة سواهم، يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها، ولا ينقض الوضوء ".
وقال: " ولم يثبت في النقض بالضحك شيء أصلاً ". انتهى من " المجموع " (2/60) .
والأحاديث التي رويت في نقض الضحك للوضوء ضعيفة لا يصح منها شيء.
قال النووي: " كلها ضعيفةٌ واهيةٌ باتفاق أهل الحديث ". انتهى من " المجموع " (2 /61) .
والخلاصة: أن الضحك لا ينقض الوضوء، سواء كان داخل الصلاة أو خارجها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/583)
وجد مذيا في ثيابه بعد أن صلى صلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت آثار المذي في الملابس الداخلية بعدما صليت الصبح والظهر والعصر فغيّرت ملابسي قبل صلاة المغرب فهل ما صليته باطل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المذي ماء لزج يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورش الثوب بالماء.
وينظر جواب السؤال رقم (2458) .
ثانيا:
صلاتك الصبح والظهر والعصر صحيحة إن شاء الله ولا يلزمك إعادتها.
وذلك لسببين:
1- أنك لا تتيقن موعد خروج المذي، فهناك احتمال أن يكون خرج بعد صلاة العصر، ومع وجود هذا الاحتمال: فالأصل أن ما سبق من الصلوات كان صحيحاً، والقاعدة عند العلماء في هذا: أنه إذا وقع شك بعد الفراغ من العبادة: هل كانت صحيحة أم لا؟ فهذا الشك لا يلتفت إليه، ويبني المسلم على الأصل: وهو أن العبادة صحيحة حتى يتيقن ما يبطلها.
2- أن من صلى بالنجاسة جاهلا وجودها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى الجمهور واختاره. المجموع (3/163) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (أو نَسيَها) أي: نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة؛ وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه.
ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها.
والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به.
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/584)
يعاني من الغازات ويشك في خروج الريح منه فكيف يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة ومشكلتي هي أني أشعر بوجود غازات في بطني وأشعر أيضا أن عملية التبرز لا تتم بالكامل فيخرج تقريبا 90 % منه والباقي لا أستطيع إخراجه أو إنزاله فأقوم باستنجاء الدبر وغسله جيدا حتى أضمن عدم وجود نجاسات بسبب هذا الجزء الباقي من البراز ولله الحمد هذا يحدث بالفعل فدائما لا أجد آثار نجاسات في الملبس لكن المشكلة هي أنى أشعر بخروج ريح عند كل وضوء وكل صلاة تقريبا لكني لا أسمع صوتا ولا أشم ريحا.... وسألت شيوخا في هذه المسألة فقالوا: لي إذا كان الموضوع شكاً فقط فلا تعد الوضوء؛ لأن هذا من الوسواس يريد أن يفسد عليك عبادتك ويجعلها ثقيلة عليك أما إذا تيقنت فعلا بخروج ريح وجب عليك إعادة الوضوء والصلاة حتى إذا لم تسمع صوتا أو لم تشم ريحا، وأخذت عهدا على نفسي أني لن أعيد أي وضوء أو أي صلاة حتى إذا تيقنت تماما أو سمعت صوتا أو شممت ريحا حتى لا أعطى فرصة للوسواس أن يتملك منى ويجعلني دائما أشعر بعدم استقرار نفسي وقلق شديد لدرجة أني بعد أي صلاة أشعر فيها بخروج شيء من الدبر ولم أسمع لها صوتا أو لم أشم ريحا أحلف بالله ألا أعيد هذه الصلاة حتى لا أعطي فرصة للوسوسة.......... لكن مشكلتي هي:- أني خائف جدا وأشعر بقلق شديد وحيرة كبيرة جدا في أن يكون الذي خرج منى بالفعل ريحا وخصوصا أني أعاني من وجود غازات في بطني وعدم القيام بعملية التبرز بصفة سليمة فأشعر بقلق لأنني لم أقم بإعادة هذه الصلاة بل حلفت ألا أعيدها وأكون بذلك قد تركت فرضا من فروض الله - وفي نفس الوقت أيضا أخاف أن أعيد الوضوء والصلاة وبذلك أكون قد حققت غاية وهدف الشيطان لوسوستي وجعل العبادة ثقيلة علي، أنا في حيرة كبيرة وقلق شديد لأن هذا الموضوع يتكرر لي كثيرا ولا أدري ما أفعله يعتبر صحيحا أم خطأ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا توضأ الإنسان ثم شك في انتقاض وضوئه، فلا يلتفت للشك؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
روى البخاري (137) ومسلم (361) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) ، وروى مسلم (362) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
وقد أحسنت في عدم إعادة الوضوء، وينبغي أن تثبت على ذلك، فإنه خير ما تعالج به الوسوسة، واعلم أنك بذلك لا تعد مقصرا ولا مفرطا في صلاتك، بل أنت فاعل ما هو مطلوب منك شرعا.
ولكن العهد الذي أخذته على نفسك -أنك لن تعيد وضوء ولا صلاة حتى إذا تيقنت خروج ريح- غير صحيح.
فإذا حصل اليقين بخروج ريح فقد انتقض الوضوء، كما دل على ذلك الحديث الذي ذكرناه آنفاً.
ونحن نضع بين يديك بعض فتاوى أهل العلم لتزداد يقينا وثباتا.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الإنسان في معدته تنفس كثير ربما غازات ولكن وضوءه لم يتممه إلا بمشقة، مثلاً يصل إلى الوجه فيحس حساً رقيقة ويخاف في نقص الوضوء ثم يبدأ الوضوء من جديد وكذلك في الصلاة عندما يصلي فيحس كذا بدون أن يشم رائحة ما الحل لهذا؟
فأجابوا: "هذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته، والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتاً أو وجد ريحاً؛ لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ، والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/226) .
وسئلوا أيضاً (5/256) : إذا كان الشخص متوضئاَ فسمع داخل بطنه صوت رياح ولكن هذه الرياح لم تخرج من فتحة الشرج فما الحكم هل يبقى متوضئاً أم ينتقض وضوؤه؟
فأجابوا: "إذا كان الشخص متوضئاً وسمع بداخل جوفه صوت رياح فإنه لا ينتقض وضوؤه بذلك إذا لم يخرج شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أشكو من مرض مزمن في القولون , ويتسبب عن ذلك خروج روائح , وخاصة أثناء الصلاة , ولكثرة حدوث ذلك أصبحت أشك في صلاتي حتى ولو شممت رائحة من أي مصدر آخر توهمت أنها مني , فماذا أفعل أثناء الصلاة؟ وهل يجب علي أن أتوضأ حين حدوث الشك؟ وهل يجوز أن أكون إماما في حالة أن المأمومين لا يجيدون القراءة؟
فأجاب: "الأصل: بقاء الطهارة , والواجب عليك إكمال الصلاة , وعدم الالتفات إلى الوسوسة , حتى تعلم يقينا أنه خرج منك شيء بسماع الصوت أو وجود الريح التي تتحقق أنها منك ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة , قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متفق على صحته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/121) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: أحس بغازات كثيرة، فمثلاً أثناء الوضوء أشك هل خرج مني شيء أم لا ثم أعيد الوضوء مرة ومرتين تقريبًا، فهل هذا طبيعي، وما الحكم؟
فأجاب: "ما يحدث لبعض الناس من الإحساس بخروج ريح أثناء الصلاة ونحوها، الغالب أنه وهم لا حقيقة له، وفي الحديث: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحاً) " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وننصحك بمراجعة الطبيب في شأن هذه الغازات، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وذلك ليستريح بالك، وتطمئن نفسك.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك وأن يذهب عنك ما تجد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/585)
تنزل عليها الإفرازات ويشق عليها الوضوء لكل صلاة إذا كانت خارج البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة موجودة في مكان لا تستطيع الوضوء لكل صلاة وتصلي أكثر من فرض بوضوء واحد وتحافظ على وضوئها ولكنى عرفت أن الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة تنقض الوضوء وإذا كانت مستمرة تتوضأ المرأة لكل صلاة فماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإفرازات إن كانت مستمرة، فحكمها حكم الاستحاضة وسلس البول، فيلزم المرأة حينئذ أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها بعد ذلك نزول الإفرازات ولو كان ذلك في الصلاة.
وإذا توضأت بعد دخول الوقت، ولم تنزل الإفرازات حتى دخل الوقت الثاني جاز لها أن تصلي الصلاة الثانية بوضوئها الأول.
وإذا شق عليك الوضوء لكل صلاة، لكونك في مكان لا تستطيعين فيه الوضوء، فلك أن تجمعي بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، فتصليهما في وقت إحداهما، فتتوضئي وضوءً واحداً وتصلي الصلاتين معاً.
ثانياً:
هذه الإفرازات طاهرة على الراجح، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الإمام الشافعي وصححها النووي.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال في الشرح الممتع (1/392) : "وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به،
ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" انتهى..
وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/586)
خروج الهواء من فرج المرأة لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل خروج الهواء من فرج المرأة ينقض الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا لا ينقض الوضوء، لأنه لا يخرج من محل نجس كالريح التي تخرج من الدبر" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى ابن عثيمين" (4/147) .
وقد سبق ذكر فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك، في جواب السؤال رقم (2175) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/587)
إذا شك هل كان نومه مستغرقاً أم لا فهل ينتقض وضوؤه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال رقم (36889) وعرفت أن النوم المستغرق ينقض الوضوء، وأحياناً أنام في القطار أو في السيارة ويحصل عندي شك هل هذا النوم كان مستغرقاً أم لا؟ فهل ينتقض وضوئي بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا توضأ المسلم فلا يحكم بانتقاض هذا الوضوء إلا إذا تيقن حصول ما ينقض الوضوء، أما مجرد الشك – حتى لو كان شكاً قوياً – فإنه لا ينتقض الوضوء بذلك.
روى البخاري (137) ومسلم (361) أنه شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فقَالَ: (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم":
"وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَتَّى يَسْمَع صَوْتًا أَوْ يَجِد رِيحًا) مَعْنَاهُ: يَعْلَم وُجُود أَحَدهمَا، وَلَا يُشْتَرَط السَّمَاع وَالشَّمّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلَاف ذَلِكَ. وَلَا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا. فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَة الْبَاب الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلَا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلَاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلَاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. .
قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلَا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال" انتهى.
فإذا حصل شك، هل كان النوم مستغرقاً أم لا؟ لم ينتقض الوضوء بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/394) :
"النوم الذي يشك فيه: هل حصل معه ريح أم لا؟ لا ينقض الوضوء، لأن الطهارة ثابتة بيقين، فلا تزول بالشك" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/588)
خروج الريح المستمر هل يمنعها من الذهاب إلى المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا يحق لي الصلاة في المسجد؛ لكوني أعاني من خروج ريح ليست لها رائحة بصفة مستمرة؟ وكم مرة علي أن أتوضأ لأصلي الفرض والنوافل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خروج الريح ناقض للوضوء؛ لما روى البخاري (135) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.
وخروج الريح له حالان:
الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكن مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه.
الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج أي وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 221) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/411) : " الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) ، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " انتهى.
ثانيا:
إذا كان لهذا الخارج رائحة كريهة لم يجز حضورك للمسجد، لما فيه من الإيذاء للمصلين والملائكة.
وقد روى البخاري (5452) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) ، وفي رواية لمسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وروى مسلم (567) عن عمر رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) .
فهذا يدل على وجوب تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة، ومنع صاحبها من حضورها أو البقاء فيها.
قال في "كشاف القناع" (2/365) : "ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ عيْنٍ ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط ; لأن المساجد لم تبن لذلك،
ويسن أيضا أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم كفجل , وإن لم يكن فيه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) رواه ابن ماجه، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا) . وفي رواية: (فلا يقربن مساجدنا) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فإن دخل المسجدَ آكلُ ذلك أي: ما له رائحة كريهة من ثوم وبصل ونحوهما قويَ استحباب إخراجه إزالة للأذى.
وعلى قياسه: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله " انتهى بتصرف.
أما إذا كان الريح ليس له رائحة كريهة، فلا مانع من دخولك المسجد وجلوسك فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب الحدث في المسجد"
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري":
"مقصوده – يعني: البخاري -: أنه يجوز تعمد إخراج الحدث في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، ولم ينه عنه، إنما أخبر أنه يقطع صلاة الملائكة.
وقد رخص في تعمد إخراج الحدث في المسجد الحسن وعطاء وإسحاق.
وقد تقدم أن النوم في المسجد جائز للضرورة بغير خلاف، ومنه نوم المعتكف لضرورة صحة اعتكافه، ولغير ضرورة عند الأكثرين، والنوم مظنة خروج الحدث، فلو منع من خروج الريح في المسجد لمنع من النوم فيه بكل حال، وهو مخالف للنصوص والإجماع" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/589)
هل تؤثر الإفرازات على صحة الصلاة والصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من إفرازات تأتيني في غير موعد الدورة الشهرية، وهذا يسبب لي شكا في مسألة صحة الصوم والصلاة. فما حكم الشرع في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الإفرازات التي تأتي في غير موعد الدورة الشهرية لا تمنع من الصلاة والصوم، لقول أم عطية رضي الله عنها: (كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) واللفظ له. وصححه الألباني في صحيح أبو داود.
فإذا طهرت المرأة من الحيض، فما تراه بعد ذلك من إفرازات لا تعتبر حيضاً.
وهذه الإفرازات طاهرة، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي وصححها النووي.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال في الشرح الممتع (1/392) : "وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به" انتهى.
وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/590)
يشعر بنزول شيء من البول بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بعد أن أتوضأ بنزول شيء من البول، ونظرا لأني لم أر ذلك إلا في مرات قليلة، فإنني قمت بوضع لاصق على فتحة الفرج حتى أرى ما يخرج منه، وهذا اللاصق يمنع خروج أي شيء خارج الفرج، ولكني لم أجد - وبعد أكثر من ثلاث ساعات احتفظت فيها بوضوئي - إلا ما هو أقل من ربع قطرة من الإفرازات البسيطة جدا، فهل هذه الكمية إذا نزلت تفسد الوضوء؟ وهل وضع شريط لاصق على فتحة العضو - والتي تمنع خروج أي شيء خارج الجسم - تجعل وضوئي صحيحا لأي فترة أحافظ فيها على وضوئي من أي نواقض أخرى بخلاف هذه الكمية البسيطة؟ أريد أن أذهب للحج، ولكن هذه المشكلة تؤرقني جداً، وخصوصا أني مصاب بشلل، ولا أستطيع الذهاب للوضوء إلا بصعوبة، فهل يجوز أن أستخدم طريقة وضع شريطٍ لاصقٍ على فتحة العضو، وأصلي بوضوئي لأكثر من صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشريعة الإسلامية مبنية على التيسير، ولا يمكن أن تأتي بما يعنت الناس ويوقعهم في الحرج والمشقة، والله سبحانه وتعالى يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ) رواه البخاري (39) .
والذي يظهر لنا من سؤالك أن حالتك طبيعية لا تستدعي وضع شريط لاصق ولا شيء، وإنما هي وسوسة من الشيطان ليوقعك في الحرج والمشقة ويجعلك تضيق على نفسك، حتى يبغض إليك العبادة، وتراها ثقيلة عليك.
فلا يؤمر المسلم بعد الوضوء أن يفتش عن نفسه هل خرج منه شيء أم لا؟
بل عليه أن يستنجي ثم يرش على فرجه شيئاً من الماء، حتى لا يفتح على نفسه باب الوسواس، ثم يتوضأ ويصلي، ولا يلتفت لما يلقيه الشيطان في نفسه أنه خرج منه شيء.
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله عما يجده الرجل من البلة بعد الوضوء والاستنجاء فقال: (الْهُ عنه) أي: لا تشتغل به ولا تهتم به.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (184/15) السؤال الآتي:
إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
فأجاب:
" الذي ينبغي أن يُتلهَّى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلا بد أن يغسل ما أصابه البول، وأن يعيد الوضوء؛ لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتان، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية، وهكذا يفعل دائماً، وليصبر وليحتسب " انتهى
فإذا لم تتيقن خروج شيء، فإنك على وضوئك وطهارتك، ولا تفتش هل خرج شيء أم لا؟
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/591)
هل الإسبال ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسبال، وهل ينقض الوضوء منه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الإسبال في الملابس حرام، ولكنه لا ينقض الوضوء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/592)
لا ينتقض الوضوء بلمس النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الأم تقوم بتنظيف ولدها، ولمست النجاسة، فهل ينتقض وضوؤها بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نواقض الوضوء معروفة، وهي مذكورة في جواب السؤال (14321) ، وليس منها لمس النجاسة.
ولكن. . من مس نجاسة فإنه لا يجوز له أن يصلي حتى يغسلها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
ما رأي سماحتكم في أن عمل الطبيب يتطلب في بعض الأحيان رؤية عورة المريض أو مسها للفحص؟ وفي بعض الأحيان أثناء العمليات يعمل الطبيب الجراح في وسط مليء بالدم والبول فهل إعادة الوضوء واجبة في هذه الحالات أم أنه من باب الأفضلية؟
فأجاب:
" لا حرج أن يمس الطبيب عورة الرجل للحاجة وينظر إليها للعلاج سواء العورة الدبر أو القبل فله النظر والمس للحاجة والضرورة، ولا بأس أن يلمس الدم إذا دعت الحاجة للمسه في الجرح لإزالته أو لمعرفة حال الجرح، ويغسل يده بعد ذلك عما أصابه، ولا ينتقض الوضوء بلمس الدم أو البول، لكن إذا مس العورة انتفض وضوءه قبلا كانت أو دبرا، أما مس الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات فلا ينقض الوضوء ولكن يغسل ما أصابه. . . إلخ" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/593)
لمس الكلب ولعابه لا ينقضان الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لمس الكلب أو لعاب الكلب ينقض الوضوء]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمس الكلب أو لعابه لا ينقض الوضوء لأن الطهارة إذا ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعها إلا بدليل شرعي، ولا دليل في النقض من مس الكلب أو لعابه لذلك لم يذكره العلماء في نواقض الوضوء.
قال ابن قدامة في المغني 1/264 بعد أن ذكر نواقض الوضوء ولم يذكر منها مس الكلب أو لعابه: فهذه جميع نواقض الطهارة ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء.. انتهى.
ولكن لا شكّ أن لعاب الكلب نجس مستقذر ونجاسته شديدة لا تزول إلا بسبع غسلات إحداهن بالتراب، وفرْقٌ بين هذا وبين نقض الطهارة، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/594)
تعاني من انفلات الريح ويشق عليها أن تنتظر انقطاعه وهي خارج المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من خروج كثير للريح لكنه منقطع، وقد قرأت في موقعكم جوابا مفصلا حول الموضوع لكن بقيت لي بعض الإشكالات حتى أتمكن من الصلاة، فمن عادتي أن أحاول استفراغ الريح وانتظر حتى يتوقف وأصلي، لكني أحيانا أتعرض للحرج عندما أكون في غير بيتنا فعندما أكون ضيفة أحيانا لا أتمكن من أداء الصلاة بغير خروج الريح، لأني كما قلت سابقا من عادتي استفراغ الريح قبل الصلاة وإلا فلن أستطيع الصلاة بطهارة إلا نادرا وهذا يحدث صوتا ورائحة كريهة وهذا مما يحرجني فما الحكم إذا صليت مع خروج الريح؟ وهل هذا يعني أني لا أزور أحدا إلا عند الضرورة؟ وهل تدخل الضرورة في إجابة الوليمة (العرس) أو زيارة أخواتي في الله أو عيادة المرضى وزيارة ذوي الرحم؟ كما أني أحيانا أريد الخروج وقد يكون خروجا ضروريا أو غير ضروري وأحيانا تطول مدة انتظاري لتوقف خروج الريح أحيانا حتى أكثر من ساعة ونصف وأحيانا أقل فهل إذا صليت مع خروج الريح ثم خرجت تعد صلاتي باطلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، ونشير عليك بمراجعة الأطباء، فإن لكل داء دواء.
ثانيا:
الذي يظهر لنا من سؤالك أنك مصابة بانفلات الريح، ولا يلزمك أن تنتظري داخل الخلاء ساعة ونصف لاستفراغ الريح، لأن في هذا مشقة بالغة لا تأتي بها الشريعة، وقد قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة /185.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْر) رواه البخاري (39) .
وعلى هذا، فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها، ثم تصلي بهذا الوضوء، ولو خرجت الريح بعده أو أثناء الصلاة، وأنت معذورة في هذا.
ويجوز لك الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك، لأن الجمع رخصة في حق المستحاضة ومن في حكمها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) : " ويجمع المريض والمستحاضة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) : " يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة " انتهى.
ولا حرج عليك في الخروج من البيت لحاجة أو ضرورة أو زيارة أخواتك ما دمت ستصلين الصلاة في وقتها، ولو مجموعةً كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/595)
نواقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا غيرت ثوبي (ملابسي) فهل ينتقض وضوئي بذلك؟ وهل ورد أي تفريق حول هذا الحكم بين الرجل والمرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من نواقض الضوء تغيير الثياب إذا كان الشخص على طهارة لم يأت بأي ناقض من نواقض الوضوء، والرجل والمرأة في ذلك سواء. والله أعلم
ونواقض الوضوء هي:
1- الخارج من السبيلين (من بول وغائط وريح وغيرها) إلا خروج الريح من قُبل المرأة فإنه لا ينقض الوضوء.
2- خروج البول والغائط من غير مخرجهما.
3- زوال العقل، ويكون إما بزواله بالكلية، وهو رفع العقل وذلك بالجنون، أو تغطيته بسبب يوجب ذلك لمدة معيّنة كالنوم والإغماء والسكر وما أشبه ذلك.
4- مس الذَّكَر، لحديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مسّ ذكره فليتوضأ) رواه أبو داود (الطهارة/154) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح برقم (166)
5- أكل لحم الإبل، لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم.) رواه مسلم (الحيض/539) ومما ينبغي التنبيه عليه أن مس جسم المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج شيء نتيجة لهذا اللمس.
ويراجع كتاب الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/219-250
وفتاوى اللجنة الدائمة ج/5 ص/264.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/596)
التبرج ليس من نواقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التبرج يبطل الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب الشرعي، وأن لا تبدي زينتها للرجال الأجانب؛ قال الله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) النور /31، وقد سبق ذكر الأدلة الدالة على وجوب حجاب المرأة في جواب السؤال (21134) و (21536) ، و (11774) .
وإذا تبرجت المرأة وهي على وضوء، فإن وضوئها صحيح ولا ينتقض بذلك، لكنها ارتكبت أمراً محرماً بتبرجها، وقد سبق بيان نواقض الوضوء في جواب السؤال (14321) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/597)
لم تكن تعلم أن المذي ينقض الوضوء فهل تعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثم المرأة في تفكيرها الجنسي قبل الزواج؟ وهل تأثم بإنزال المذي؟ لأنها تتأثر من أدنى شيء أرجو سرعة الرد فأنا قلقة، لم أكن أعلم أن هناك شيئاً اسمه مذي، ولم أكن أجدد وضوئي عند الإنزال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تأثم المرأة بمجرد التفكير الجنسي، ما لم يصحبه عمل أو نظر، أو يتحول إلى عزم وإرادة جازمة، وذلك لما جاء من العفو عن حديث النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: " وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه " انتهى من "الأذكار" (ص 345) .
وقال: " وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ".
ولاشك أن الاسترسال في هذه الخواطر والأفكار، قد يفضي إلى الحرام، طلبا لتفريغ الشهوة، قيقع الإنسان في الاستمناء، أو تتبع الصور المحرمة، أو غير ذلك.
ولهذا ينبغي أن تدعي التفكير في هذه الأمور، وأن تصرفي ذهنك عنها، وأن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى، وما ينفعك في أمور دينك ودنياك.
وانظر جواب السؤال رقم (20161)
ثانيا:
المذي يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورشّ الثوب بالماء.
وينظر جواب السؤال رقم (2458) و (99507) .
وإذا خرج المذي لمجرد التفكير العابر، لم يأثم صاحبه.
ثالثا:
إذا كنت تجهلين أمر المذي، وكونه ناقضا للوضوء، وكنت تصلين بعض الصلوات مع وجوده، فإن صلاتك صحيحة على القول الراجح، لكونك معذورة بالجهل.
وهكذا من جهل بعض نواقض الوضوء، كمن جهل أن لحم الإبل ينقض الوضوء، ثم صلى، فإن صلاته صحيحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) .
نسأل الله لك التوفيق والسداد، والعفة والإحصان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/598)
أكل لحم الإبل ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينقض أكل لحم الإبل الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الصحيح: أنه يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى مطبوخاً أو نيئاً، وعلى هذا دلّت الأدلّة:
1-حديث جابر، سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:إن شئت. رواه مسلم (360) .
2-حديث البراء، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل؟ قال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم فقال لا يتوضاٌ. رواه أبو داود (184) الترمذي (81) وصححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه.
وأما الذين لم يوجبوا الوضوء من لحم الإبل، فإنهم ردوا بأشياء، منها:
أ. بأن هذا الحكم منسوخ، ودليلهم:
حديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار. رواه أبو داود (192) والنسائي (185) .
وهذا الرد لا يقابل النص الخاص السابق في " صحيح مسلم ".
ثم إنه ليس فيه دليل على النسخ؛ لأنهم سألوا أنتوضأ من لحوم الغنم؟ فقال: إن شئت.
فلو كان هذا الحديث منسوخاً لنسخ حكم لحم الغنم ولما قال: " إن شئت ": دل على أن هذه الأحاديث لاحقة لحديث جابر.
والنسخ لا بد فيه من دليل يفيد أن الناسخ مقدم في التاريخ ولا دليل.
ثم إن حديث النسخ عام، وهذا خاص يخصص عموم الحديث.
ثم إن سؤاله عن لحوم الغنم يبين أن العلة ليست في مس النار لأنه لو كان كذلك لتساوت لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك.
ب. واستدلوا بحديث: " الوضوء مما يخرج لا مما يدخل ".
والرد:
الحديث: رواه البيهقي (1 / 116) وضعفه، والدارقطني (ص 55) ، وهو حديث ضعيف فيه ثلاث علل، انظر تحقيقها في " السلسلة الضعيفة " (959) .
وإن صح - تنزلاً -: فهو عام، وحديث إيجاب الوضوء خاص.
ج. وقال بعضهم: إن المراد من قوله " توضئوا منها ": غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم!
والرد:
أن هذا بعيد، لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي، وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب.
د. واستدل بعضهم بقصة لا أصل لها وخلاصتها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح، فاستحيا أن يقوم بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً عليه! : من أكل لحم جزور فليتوضأ! فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا!.
والرد:
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت. " السلسة الضعيفة " (3 / 268) .
والراجح في المسألة: أن الوضوء مما مست النار منسوخ.
وأنه يجب الوضوء من لحوم الإبل.
قال النووي:
وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر ابن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكي عن أصحاب الحديث مطلقا وحُكي عن جماعة من الصحابة.
واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم: قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار , ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام. " شرح مسلم " (4 / 49) .
وقال به من المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/599)
هل يبطل الوضوء بالانتصاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الانتصاب يبطل الوضوء؟ أرجو إعطائي الدليل من الحديث وغيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فقالت:
لا ينتقض الوضوء بانتشار الذكر إذا لم يخرج شيء منه، لأن الانتشار ليس من نواقض الوضوء.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/283.(5/600)
يخرج منه سائل باستمرار فكيف يطوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الشرع في الرجل الذي ينوي الحج ويخرج منه باستمرار سائل أبيض يسيل بسرعة (ليس بمني ولا مذي) ؟ يجب أن أتوضأ لكل صلاة، وأود أن أعرف ماذا سأفعل أثناء الطواف؟ هل أتوضأ عندما أشعر بأن السائل بدأ بالخروج أثناء الطواف؟ أم يكفي أن أتوضأ قبل الطواف وأنهي الطواف بغض النظر عما يخرج؟ أرجو أن تجيب في أسرع وقت ممكن لأني ذاهب للحج قريباً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السائل الذي يخرج من الرجل لا يخرج عن ثلاثة أحوال:
1- أن يكون منيا , وقد خرج منه بلذة إما احتلام أو جماع أو غيره , فهذا طاهر , وليس بنجس , والواجب على الإنسان في هذه الحال الغسل، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة / 6.
2- أن يكون مذيا , وهو سائل رقيق أبيض لزج يخرج عند تحرك الشهوة , وهذا نجس ولكن نجاسته مخففة فيكفي فيه غسل الذكر والأنثيين , ونضح ما أصاب البدن والثوب منه , وهو ناقض للوضوء فيوجب الوضوء. انظر اللجنة الدائمة 5 / 381
3- أن يكون غير ذلك فحكمه حكم البول , فيجب غسل ما أصاب الثوب منه , وهو ناقض للوضوء , فيوجب الوضوء.
انظر الشرح الممتع (1 / 280)
وأما الشخص الذي يخرج منه هذا السائل باستمرار , فهذا حكمه حكم من به سلسل البول، وهو: أن يستنجي ويتحفظ منه حتى لا يصيب ثوبه , ولا يلوث الأماكن التي يرد إليها كالمساجد ونحوها , ويتوضأ لوقت كل صلاة , ثم يفعل في الوقت جميع العبادات التي تشترط لها الطهارة حتى يخرج الوقت، فعليك أن تتوضأ قبل الطواف ولا يضرك ما خرج بعد ذلك.
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل به سلس بالبول كيف يتطهر للصلاة والطواف؟
فأجابت:
إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا حرج عليك في الصلاة والطواف ولو خرج منك بول مادام خروجه مستمراً لأنك في حكم أصحاب السلس وعليك أن تستنجي إذا دخل كل وقت ثم تتوضأ وضوء الصلاة ولا يضرك بعد ذلك ما خرج منك إلى الوقت الآخر.
فتاوى اللجنة الدائمة (5 / 408)
وسئلت: عن رجل دائم البول وبوله لا ينقطع فكيف يصلي؟
فأجابت: يصلي على حسب حاله ويستنجي ويتوضأ لكل صلاة إذا دخل وقتها وعليه أن يجعل على ذكره ما يمنع وصول البول إلى ثوبه وبدنه والمسجد
فتاوى اللجنة الدائمة (5 / 507) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/601)
هل التبرع بالدم ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحل للمسلم التبرع بدمه؟ وإذا حدث وتبرع بدمه هل يمكنه أداء الصلاة مباشرة بعد التبرع بالدم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وجدت الضرورة الداعية إلى هذا النقل فإنه لا حرج فيه على المريض ولا على الأطباء ولا على الشخص المتبرع وذلك لما يأتي:
1- لقوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فدلت الآية الكريمة على فضل التسبب في إحياء النفس المحرّمة ولا شك أن الأطباء والأشخاص المتبرعين بدمائهم يعتبرون متسببين في إحياء نفس ذلك المريض المهددة بالموت في حالة تركها دون نقل الدم إليها.
2- ولقوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) فدلت الآية على نفي الإثم عمن اضطر إلى المحرم والمريض مضطر إلى إسعافه بالدم ولا حرج على الغير في تبرعه وبذله.
3- أن قواعد الشريعة الإسلامية تقتضي جواز التبرع بالدم إذ من قواعدها أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرر يزال والمشقة تجلب التيسير والمريض مضطر، ومتضرر، وقد لحقته المشقة الموجبة لهلاكه فيجوز نقل الدم إليه. (ومزيد من التفصيل حول موضوع التبرع بالدم تحت سؤال رقم 2320)
وأما انتقاض الوضوء بخروج الدم فهذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله تعالى فمن ذهب إلى نقض الوضوء استدل بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ". وقاس عليه الدم بجامع أنه نجس خارج من البدن.
والحديث قد رواه أحمد 4/449 وأبوداود 2981 والترمذي 87 وقال: وَقَدْ رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. انتهى وهو رواية عن أحمد، قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين.
والراجح أن خروج الدم ليس بناقض للوضوء وإن كان الوضوء منه مستحباً ودليل ذلك ما يلي:
1-البراءة الأصلية، فالأصل بقاء الطهارة ما لم يثبت ضدها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على النقض ولذا قال الإمام النووي رحمه الله: لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الوضوء من ذلك.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: الصحيح أن الدم والقيئ ونحوهما لا ينقض الوضوء قليلها وكثيرها لأنه لم يرد دليل على نقض الوضوء بها والأصل بقاء الطهارة.
2- عدم صلاحية قياس الدم على غيره لأن علة الحكم ليست واحدة.
3-أن نقض الوضوء بخروج الدم خلاف ما ثبت عن السلف من آثار ومن ذلك:
صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، وقال الحسن البصري رحمه الله: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم.
4-أن كون النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعد القيئ لا يدل على الوجوب لأن القاعدة أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرّد غير المقترن بما يدل على الأمر لا يدل على الوجوب، وغايته الدلالة على مشروعية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولذا قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله: استحباب الوضوء من الحجامة والقيئ ونحوهما متوجه ظاهر.
فخلاصة ما تقدم:
جواز التبرع بالدم، وأن المتبرع يستحب له أن يتوضأ بعد تبرعه بالدم وإذا لم يتوضأ فلا حرج عليه. والله تعالى أعلم.
ينظر في مسألة التبرع:
المختارات الجلية للشيخ عبد الرحمن بن سعدي 327، أحكام الأطعمة في الشريعة للدكتور عبد الله الطريقي 411 مجلة المجمع الفقهي عدد 1 ص 32، نقل الدم وأحكامه للصافي 27 أحكام الجراحة الطبية للدكتور الشنقيطي 580
وفي مسألة نقض خروج الدم للوضوء:
مجموع الفتاوى 20/526 شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/295 المغني لابن قدامة 1/234 توضيح الأحكام للبسام 1/239 الشرح الممتع لابن عثيمين 1/221
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/602)
الفرق بين المني والمذي والرطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه.
أما المني، فصفاته:
1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) .
وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء.
2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين.
3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه.
ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) .
وأما المذي:
فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة.
وأما الرطوبة:
فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً.
وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم:
فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك.
والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه.
أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك.
ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/603)
هل يبطل الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورة زوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبطل الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورة زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يبطل الوضوء بذلك، وقد سبق في إجابة السؤال: (14321) بيان نواقض الوضوء، وليس منها نظر الرجل إلى عورة نفسه أو غيره.
وسئلت اللجنة الدائمة (5/270) :
هل يفسد الوضوء بمجرد النظر إلى النساء والرجال العراة وهل يفسد الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورته؟
فأجابت:
" لا يفسد الوضوء بمجرد نظر المتوضئ إلى النساء والرجال العراة، ولا بمجرد النظر إلى عورة نفسه لعدم الدليل على ذلك " اهـ
وسئلت ـ أيضاً ـ (5/283) :
هل يستطيع المسلم أن يمس المصحف أو يصلي إذا نظر إلى عورته وهو متوضئ؟
فأجابت:
" نعم، يجوز، وليس النظر إلى العورة من نواقض الوضوء ". اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/604)
مس الذكر هل ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لمس الذكر ينقض الوضوء؟ وهل يكون حكم اللمس من فوق حائل مثل اللمس المباشر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مس الذكر من غير حائل مبطل للوضوء عند كثير من أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم من التابعين والأئمة منهم مالك والشافعي وأحمد واستدلوا على ذلك بأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) . رواه أبو داود (181) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وذهب آخرون إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء كما هو مذهب أبي حنيفة.
وذهب بعض العلماء إلى التفريق بين مس الذكر بشهوة أو بدون شهوة، فينقض الوضوء إذا كان المس بشهوة، ولا ينقض بدون شهوة.
وهو قول قوي جداً، قواه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع وصرح بترجيحه في شرحه لبلوغ المرام.
" والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً ". انتهى من "الشرح الممتع" (1/234) .
أما المس من وراء حائل فإنه لا ينقض.
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/202) : " ظاهر قوله مس الذكر بيده أن المماسة تكون من غير حائل وهو الصحيح "
وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/228) : " لأنه مع الحائل لا يعد مساً ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/605)
الشك في خروج الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاءً أعطني معلومات مفصلة عن أحاديث خروج الريح بعد أو أثناء الوضوء وأيضاً عن فكرة أنه لا بد للإنسان أن يتوضأ بالتأكيد إذا أحس بحركة في معدته أو سمع صوت خروج الريح من فتحة الدُّبر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيقن الإنسان من خروج الريح منه وجب عليه الوضوء، أما إذا كان مجرّد تحرّك الريح في البطن أو توهّم خروج الريح فلا يلتفت إليه، والدليل على أن مجرد تحرك الريح في البطن أو توهم الخروج لا ينقض الوضوء ما ثبت في المتفق عليه من حديث عبد الله بن زيد قال:
(شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رواه البخاري (1915) ومسلم (540) . قال النووي: هذا الحديث أصل في بقاء حكم الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها ا. هـ. .
وقال ابن حجر: وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء.أهـ
والالتفات إلى هذه الشكوك قد يؤدي إلى الوسواس، فينبغي عدم الالتفات إلى ذلك إلا في حالة تحقق خروج الريح فحينئذ يجب الوضوء. قال النووي في قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا) ، قال: أن يعلم وجود أحدهما، ولا يُشترط السماع والشَّمّ بإجماع المسلمين. أهـ والمراد بالعلم: أي (يتيقن ذلك) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/606)
حكم طهارة من يكثر منه خروج الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتقض وضوئي في الصلاة، وفي قراءة القرآن بواسطة الريح، سواء بصوت أو برائحة فقط، فأعيد الوضوء كلما انتقض، ولكن هناك إحدى الأخوات في الله قالت لي: إنه ليس عليك إعادة الوضوء عدة مرات، ولكن بوضوء واحد تصلين، وإن انتقض الوضوء فعليك إعادة الوضوء مرة ثانية، وإن انتقض الوضوء ثالثة فلا يلزمك إعادة الوضوء، فهل هذا صحيح، وماذا أفعل في هذه الحال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله وبعد:
إذا انتقض وضوءكِ في الصلاة عن يقين بسماع الصوت أو بوجود الرائحة، فعليك أن تعيدي الوضوء والصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة " [أخرجه أبوداود (205) والترمذي (1164) ] بإسناد حسن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق على صحته (خ/ 135، م/ 225)
إلا إذا كان الحدث معك دائما، فإن عليك أن تتوضئي للصلاة إذا دخل الوقت، ثم تصلي الفرض والنفل - ما دام الوقت - ولا يضرك ما خرج منك في الوقت؛ لأن هذه الحال حالة ضرورة يعفى فيها عما يخرج من صاحب الحدث الدائم إذا توضأ بعد دخول الوقت؛ لأدلة كثيرة: منها قوله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16
ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المستحاضة حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم توضئي لكل صلاة " [أخرجه البخاري (228) ]
أما القراءة فلا حرج عليك أن تقرئي عن ظهر قلب، وإن كنت على غير طهارة، إلا في حال الجنابة فلا تقرئي حتى تغتسلي، وليس لك مس المصحف إلا على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر، إلا إذا كان الحدث دائما، فإنه لا حرج عليك إذا توضأت لوقت كل صلاة أن تصلي، وتقرئي من المصحف وعن ظهر قلب؛ لما تقدم في حكم الصلاة. وفق الله الجميع. ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 120) .(5/607)
يغتسل بنية رفع الحدثين ويعاني من خروج قطرة من البول بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال عن الغسل من الجنابة , إذا كنت أعاني من خروج قطرات بعد التبول أحيانا تخرج نقطة وأحيانا مع عصر الذكر تتوقف لكن أزال أحس بخروج شيء ولا تتوقف إلا بعد ثلث ساعة , وأردت أن أغتسل من الجنابة وأنوي رفع الحدث الأصغر مع الأكبر , هل يجوز ذلك أم يجب علي الوضوء بعد الغسل بسبب مشكلة خروج البول؟ علما بأنني كنت أفعل هذا من قبل أي بعد دخول وقت الصلاة أغتسل وأنوي رفع الحدثين هل فعلي صحيح؟ وهل إذا نويت أن أغتسل من الجنابة وأثناء اغتسالي دخل وقت صلاة الظهر مثلا , هل يجوز أن أغتسل بنية رفع الحدث الأصغر أم يجب أن أتوضأ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اغتسل للجنابة، ونوى بغسله رفع الحدثين، الأصغر والأكبر، أجزأه ذلك، سواء كان غسله بعد دخول وقت الصلاة أو قبله. وانظر السؤال رقم (88066) .
فإذا اغتسلت بنية رفع الحدثين في وقت الضحى مثلا، جاز لك أن تصلي الظهر بهذه الطهارة، إلا أن تنتقض بناقض، كخروج البول.
وأما خروج قطرة من البول بعد الطهارة، فإن تيقنت من ذلك، لزمك أمران:
غسل ما أصاب ثوبك أو بدنك، وإعادة الوضوء فقط، لا الغسل.
وينبغي أن لا تهتم بهذا الإحساس، وأن تعرض عنه، حذرا من الوقوع في الوسوسة، وليس عليك أن تعصر ذكرك حتى يخرج ما فيه أو تفتش فيه بعد الانتهاء من قضاء الحاجة، فإن ذلك يفتح عليك باب الوساوس فعليك أن لا تلتفت لذلك
قال في منح الجليل: " وما يشك في خروجه بعد الاستبراء يلهو عنه ولا يفتش عليه " اهـ.
وقد جاء في الموسوعة الفقهية: (4/125)
" ذكر الحنفية والشافعية والحنابلة أنه إذا فرغ من الاستنجاء بالماء استحب له أن ينضح فرجه أو سراويله بشيء من الماء، قطعاً للوسواس حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه.. ومن ظن خروج شيء بعد الاستنجاء فقد قال أحمد بن حنبل: لا تلتفت حتى تتيقن، وألْهَ عنه فإنه من الشيطان، فإنه يذهب إن شاء الله " انتهى.
وروى عبد الرزاق في المصنف أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال: إذا توضأت فانضح (أي: رش فرجك بالماء) والْهَ عنه فإنه من الشيطان.
ومثل ذلك قال سليمان بن يسار، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب.
وانظر: "المدونة" (1/120) ، "إعلام الموقعين" (4/63)
(1/103)
وانظر السؤال رقم 93877
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/608)
مصافحة أخت الزوجة هل ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أجلس مع أخت زوجتي وهل ينتقض وضوئي بلمسها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُحرم عليك أن تجلس مع أخت زوجتك أو غيرها من النساء الأجنبيات خالياً بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) رواه البخاري 9/290، ومسلم برقم (1341) ، وأحمد في المسند (1/222و346) .
فيحرم على الرجل أن يختلي بامرأة أجنبية منه، فإن أخت زوجتك أجنبية منك لأنه إذا طلقت زوجتك جاز لك أن تتزوجها، فهي ليست من محارمك، أما بالنسبة لنقض الوضوء: فإن الوضوء لا ينقض إلا بلمس المرأة بشهوة، فإذا مس الرجل امرأة بشهوة نقض وضوؤه سواء كانت المرأة أجنبية أو غيرها والمس الذي ينقض الوضوء هو مس البدن بدون حائل وهذا ما قرره أهل العلم، والله أعلم
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 48.
وقد تقدم بيان تحريم مصافحة المرأة الأجنبية في السؤال رقم 2459.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/609)
أثر خروج الدم وماء الجروح على الطهارة والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب ببثور الشباب والتي تظهر في الوجه والكتف. وهذه البثور قد تلتهب وتتورم وفي النهاية قد تنفتح ويخرج دم منها وفي بعض الأحيان سائل أصفر ينتج عن هذا الالتهاب. وقد يحدث أن هذا الدم يصيب ثيابي، فهل يجب علي استبدال هذه الملابس وغسلها إذا أردت الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدم الخارج من غير السبيلين، مختلف فيه بين الفقهاء، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45666) ، وان الراجح أنه لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
ثانيا:
ما أصاب ثيابك من الدم أو القيح، إن كان يسيرا، فلا حرج عليك في الصلاة بها، وإن كان كثيرا لزمك غسلها أو تبديلها في قول جمهور الفقهاء.
ومال بعض أهل العلم إلى أن الدم الخارج من بدن الإنسان من غير السبيلين طاهر غير نجس.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا؛ لأن النص والقياس يدلان عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (1/443) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/610)
تخرج منه قطرات من البول ماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من تضخم بسيط في غدة البروستاتا. وأحيانا بعد التبول، والانتظار فترة طويلة، تنزل نقاط بول عند وقوفي على القدمين. وأنا أجد حرجا من الصلاة على تلك الحالة. وأنا ليس عندي استعداد مسبق للاستحمام أو تغيير الملابس، لذلك تفوتني عدة صلوات في اليوم الواحد. فهل يمكن أن أصلي على الوقت دون الحاجة إلى القضاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج البول أو قطرات منه لا توجب غسلاً بل توجب الوضوء وغسل الموضع من البدن والثوب فقط.
وحالتك هذه التي ذكرت وهي خروج قطرات من البول في بعض الأحوال إذا كانت بغير تحكُّم فحالتك داخلة في سلس البول فافعل ما يلي:
أولاً: غسل الفرج بالماء.
ثانياً: غسل الموضع الذي أصابه البول من الثوب، (ولا يلزم تغيير الملابس) .
ثالثاً: وضع مناديل أو قطن أو نحوه على القبل حتى لا ينتشر البول.
رابعاً: تتوضأ لكل صلاة، وتصلي على حالتك ما شئت من فرض أو نافلة بهذا الوضوء، ولا يضرك ما خرج بعد فعل ذلك فالله عز وجل يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، ولا تفوت الصلاة ولا تُؤخرها عن وقتها، وصلاتك صحيحة.
هذا في حال السلس، لكن لو كان الخروج بعد التبول بقليل ثم ينقطع بعد ذلك، فيمكنك أن تذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم تضع شيئاً تأمن معه التلوث بعد استنجائك، ثم بعد ذلك تستنجي وتتوضأ وتصلي، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/611)
خروج الريح باستمرار هل ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من القولون العصبي. وبعض أعراضه هي الإحساس بالانتفاخ وخروج الغازات. ويعني ذلك أني كلما توضأت, فأنا أعيده باستمرار, وقد تصل إلى 5 مرات على الأقل بسبب خروج الغازات في أثناء الوضوء وبعده أو وأنا أصلي. وكما ترى , فأنا لا أجد ذلك في كل وقت , لكنه يتكرر معي كثيرا. وهذا يمنعني من تأدية صلاة التراويح ... الخ. ومع أنني فتاة , إلا أني أرغب في حضور صلاة الجمعة، لكني لا أستطيع حضور الجمع للأسباب التي ذكرتها آنفا. وأيضا , فإن الغازات التي تخرج مني لها رائحة كريهة جدا, وهي ليست كرائحة الغازات العادية. فما علي أن أفعل؟ أأستمر في تجديد الوضوء، هل هذا الذي عليّ فعله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي الأخت السائلة، وجزاها الله خيرا لحرصها على التفقه في الدين وعدم الخجل من ذلك من أجل أن تتبصر بأمور دينها.
ثانياً:
قد يتوهم المصلي أحياناً أنه قد خرج منه شيء في الصلاة، ولا يكون قد خرج منه شيء، وهذا قد يكون من وساوس الشيطان التي يريد بها إفساد الصلاة وعدم الخشوع فيها، ولا ينبغي للمصلي أن يدع صلاته إلا إذا تيقن أنه خرج منه شيء.
عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل – أو: لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا ".
رواه البخاري (137) - واللفظ له - ومسلم (362) .
وليس المراد من الحديث تعليق الحكم على سماع الصوت أو شم الرائحة، وإنما المراد حصول التيقن بخروج شيء وإن لم يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
انظر شرح مسلم للنووي 4 / 49
فالأصل بالمصلي إذا كان متوضأً: أن وضوءه لا ينتقض بالشك، بل يجب عليه أن يتيقن الحدث أولاً، فإن تيقن أنه محدث انصرف من صلاته وتوضأ.
والحدث لا يكون إلا مما يخرج من السبيلين خروجا يقينيّاً لا شك فيه ولا لبس، أما مجرد الشعور بالانتفاخ فهذا لا يعد من نواقض الوضوء حتى يخرج شيء.
وهذه الغازات التي شكوتِ منها حكمها حكم المستحاضة ومن به سلس البول. (الشرح الممتع 1 / 437)
ولها حالان:
الأولى:
أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكت مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها ثم تعاود الخروج، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه.
الثانية:
أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج كل وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلي بهذا الوضوء ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الوضوء أو الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوءه بذلك باتفاق الأئمة وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة.
مجموع الفتاوى 21 / 221
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل مصاب بسلس في البول يظهر بعد التبول لفترة لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابت اللجنة:
إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة، وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً:
الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
اللجنة الدائمة للبحوث 5 / 411
ثالثاً:
وأما ذهابك للمسجد مع وجود هذه الريح: فلا يجوز فإن المساجد يجب صيانتها من كل رائحة كريهة لأن ذلك يؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة الكرام.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يقرب المسجد، فروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثوماً أو بصلاً فليعزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته.
وروى مسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج من وجدت منه رائحة البصل أو الثوم من المسجد.
روى مسلم (567) عن عمر بن الخطاب قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/612)
حكم الجمع بين الصلاتين لمن به سلسل بول
[السُّؤَالُ]
ـ[فتوى الشيخ ابن عثيمين عن مسألة الشخص الذي ينزل منه قطرات بول بعد أن يكون قد دخل المرحاض واستنجى هو أن على هذا الشخص أن يستنجي، ثم عندما يدخل وقت الصلاة، فإن عليه أن يتوضأ،
وسؤالي هو: إذا كان المسلم يجمع صلاته بسبب السفر ونزلت بعض القطرات منه في الفترة الفاصلة بين الصلاتين؟ أي: بعد أن يكون قد أدى صلاة الظهر، لكن قبل أن يكون قد انتهى من إقامة صلاة العصر، أو في أي وقت في أثناء صلاة الظهر، أي قبل أن يكون المذكور قد أقام للعصر، فهل عليه أن يعيد وضوءه مرة أخرى ليصلي الثانية أي العصر في هذا المثال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان سلسل البول مستمراً لا ينقطع عنه وهو يصلي فإنه يصلي صلاة العصر بنفس الوضوء، وليس عليه أن يعيد الوضوء.
أما إذا كان سلسل البول ينقطع عنه، ثم نزلت بعض القطرات في الفترة ما بين الصلاتين فإن عليه أن يعيد الوضوء. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ خالد السبت.(5/613)
تَتَخَيَّل خروج الريح منها فهل ينتقض وضوؤها
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما أتوضأ، أظل أشعر بشعور غير مريح في المهبل والشرج. أنا لا أخرج الريح، ولكنني أشعر بنوع من الريح داخل الأعضاء الخاصة والتي لا تخرج منها. لذلك هل أعيد وضوئي باستمرار؟ إنه شيء صعب بالنسبة لي، وكما أنه تصيبني هذه المشكلة باستمرار، فإنني أتوضأ 5 مرات قبل الصلاة. هل هذا الشعور غير المريح يبطل وضوئي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على الإنسان أن لا ينصرف من الصلاة حتى يتيقن خروج شيء منه ولا يلتفت إلى هذه الوساوس، لأنها من الشيطان، ولذلك بوب البخاري رحمه الله بباب " لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن " وجاء فيه حديث
عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ: " لا يَنْفَتِلْ أَوْ لا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا " (الوضوء/134) ، فكل هذه الوساوس والتخيُّلات لا تنقض الوضوء.
أما إذا تيقن الإنسان خروج شيء منه ففي هذه الحالة يبطل الوضوء، وعلى الإنسان إذا عرض له مثل هذه الوساوس أن يتشاغل عنها ويبني على أصل الطهارة، لأن تفكيره في ذلك يؤدي إلى بقاء الوسوسة.
أما خروج الريح من فَرْجِ المرأة فلا ينقض الوضوء وقد سئلت اللجنة الدائمة عن خروج الريح من قُبُل المرأة في الصلاة فأجابت: هذا لا ينقض الوضوء لأنه لا يخرج من محلٍّ نجس كالريح التي تخرج من الدبر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/259.(5/614)
هل استعمال الكريم ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكريم الذي نضعه في اليد أو الوجه ناقض الوضوء أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تَدَهٌُّن المرأة بالكريم أو بغيره من الدهون لا يبطل الوضوء بل ولا يبطل الصيام أيضاً، وكذلك دهنه بالشفة لا يبطل الوضوء ولا يبطل الصيام، ولكن في الصيام إذا كان لهذه التحميرات طعم فإنها لا تستعمل على وجه ينزل طعمها إلى جوفها ".
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/11 ص/201.(5/615)
استخدام زيت الشعر لا ينقُضُ الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استخدام الزيت للشعر ينقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينتقض الوضوء باستخدام زيت الشعر، ونواقض الوضوء محصورة وقد ذكرناها في جواب سؤال رقم (14321) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/616)
هل الأصوات داخل البطن تبطل الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص نقض الوضوء فعندما يخرج من الإنسان ريح ينتقض وضوؤه وقرأت حديثاً يفيد بأنه إذا لم يسمع المرء صوتاً أو يشم رائحة فإن الوضوء لا ينتقض ويستمر في الصلاة. لكن ماذا لو سمعت صوتاً داخل البطن ولم يخرج فهل أخرج من الصلاة وأتوضأ ثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضابط الخروج من الصلاة في الحالة التي سألت عنها، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه: أخرج منه شيء، أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. رواه مسلم (362) .
وعن عبد الله بن زيد قال: شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يُخَيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (4/49) : وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وفي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها.ا. هـ.
ولا عبرة بالنجاسة قبل خروجها، وقد تصدر أصوات من بطن الإنسان نتيجة انتقال الغازات.
فالمصلي إذا سمع صوتا داخل البطن، ولم يخرج منه شيء ناقض للوضوء ولم يجد دليلاً من سماع صوت أو شم رائحة فعليه أن لا يلتفت إليه، لأن الأصل بقاء طهارته، فلا يبطل وضوءه، ولا ينفتل من صلاته حتى يتقين أنه خرج منه شيء، لأن اليقين لا يزول بالشك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/617)
هل يلزم الوضوء أو الغُسْل إذا أصاب الشخص نجاسة في بدنه أو ثوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن موضوع أشكل علي. فقد حدث أن حُشرت المناديل في مكان قضاء الحاجة مما تسبب في تعطيلها، فدفقت الماء لأزيل تلك المناديل لكني لم أنجح. وفي النهاية، قمت وأدخلت يدي اليمنى في الحفرة فغمر الماء يمناي إلى ما دون المرفق.
وفي هذه الحالة، هل من الضروري أن أغتسل لأنظف نفسي، أم يكفي غسل اليد بالماء والصابون ثم الوضوء بعد ذلك؟ وهل ستقبل الصلاة على تلك الحالة؟ لقد قرأت الأسئلة والأجوبة الموجودة على موقعك، كما أني قرأت الحالات التي تستوجب الغسل، لكني أريد أن أنتهي من هذه المسألة التي أقلقتني.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا أصاب الإنسان نجاسة في بدنه أو ثوبه وهو على وضوء فإنَّ وضوءه لا يتأثَّر بذلك، لأنه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء، ولكن غاية ما عليه أن يغسل هذه النجاسة عن بدنه أو ثوبه ويصلي بوضوئه، ولا حرج عليه في ذلك.
انظر المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ج/3 ص/23
ويراجع جواب سؤال رقم (5212) .
وينبغي عليك عند إزالة النجاسة أن يكون ذلك باليد اليسرى لا باليمنى، وإذا أردت غمر يدك في ماء نجس للحاجة ـ كفتحة المجاري وفتحة المرحاض ـ مثلما هو مذكور في السؤال فلا تباشره بيدك والبس قفازاً ونحوه، فإن لم يكن لديك واحتجت لملامسة النجاسة فليكن بالشمال لا باليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/618)
خروج ماء الجروح من الجسم لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في وجهي بثور وحب الشباب وأعلم أن الدم الذي يخرج من الجرح ويسيل هو نجس ويجب الوضوء منه. سؤالي هو: هل السائل الذي يشبه الماء (الصديد) ويخرج من الجرح هل هو نجس؟ وهل يجب الوضوء منه عند خروجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لمعرفة حكم نجاسة الدم، يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (2570) و (2176) .
ثانياً: ذهب بعض العلماء إلى أن ماء الجروح إن كان قليلاً لم ينقض الوضوء. وإن كان كثيراً فإنه ينقض الوضوء.
وذهب جماعة من العلماء، منهم الشافعي وفي رواية عن الإمام أحمد والفقهاء السبعة إلى أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، قَلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط.
واستدلوا بما يلي:
1- أن الأصل عدم النقض، فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
2- أن طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.
ونحن لا نخرج عما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا، فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب، ولا نرفع عنهم طهارة واجبة. أهـ
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/224.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/619)
إذا تحركت الريح ولم تخرج هل ينتقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة الضابط الواضح فيما يخص انتقاض الوضوء بخروج ريح. فقد يحدث أحيانًا أن تتحرك غازات في الدبر لكنها لا تخرج إلى الخارج. هل يعتبر الوضوء قد انتقض بسبب هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الناقض هو خروج الريح المعتاد من الدبر، هذا الذي ينقض الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث عبد الله بن زيد في الرجل يخيل إليه أنه أحدث في الصلاة ولم يحدث قال: (لا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا حدث في بطنه شئ فشك هل انتقض وضوؤه أو لا فالأصل بقاء الطهارة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور / خالد المشيقح(5/620)
إذا توضأ واستنثر خرج الدم من أنفه فهل يعيد الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من جرح في أنفي، وعندما أتوضأ وأريد الاستنشاق والاستنثار، فإذا استنثرت خرج الدم من أنفي، فهل علي أن أعيد الوضوء؟ مع أن هذا قد شق عليّ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج الدم من الأنف لا ينقض الوضوء، على الراجح من قولي العلماء.
وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وهو المروي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ينقض، ولهم تفصيل في ذلك، فالحنابلة يشترطون أن يكون الدم الخارج كثيرا، والكثرة والقلة ترجع إلى تقدير كل إنسان في نفسه.
قال النووي رحمه الله: " ومذهبنا أنه لا ينتقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين , كدم الحجامة والقيء والرعاف (النزيف من الأنف) سواء قل ذلك أو كثر. وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود.
قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين.
وقالت طائفة: يجب الوضوء بكل ذلك , وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق. . . ثم اختلف هؤلاء في الفرق بين القليل والكثير" انتهى من "المجموع" (2/62) باختصار.
وقد احتج القائلون بنقض الوضوء بأحاديث ضعيفة، كما قال النووي رحمه الله وغيره. وانظر السؤال رقم (45666) .
ودليل القول الراجح، وهو عدم النقض، ما يلي:
1- أن الأصل عدم النقض، فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
2- أن طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.
انظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (1/166) .
3- ما رواه أبو داود (198) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ (أي يحرسنا) . فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى رَجُل من المشركين، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنْ الدَّمِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَلا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا. والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وهو واضح الدلالة على أن الدم لا ينقض الوضوء ولو كان كثيرا، لأنه لو كان ينقض لخرج من الصلاة.
قال النووي رحمه الله في المجموع: " وعَلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكره ".
وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "وقال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم.
وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء.
وعصر ابن عمر بَثْرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ.
وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته.
وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه " انتهى.
وقال الحافظ في الفتح (1/281) : " وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبُع دما ".
وهذا كله يدل على أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض للوضوء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/621)
مس الذكر هل ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ الجنب قبل الغسل أم لم يتوضأ ولكن ماذا عن مس الذكر والإليتين أثناء الغسل؟ فهل هذا يوجب الوضوء بعد انتهاء الغسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اغتسل الجنب ومس ذكره أثناء الاغتسال، هل يجب عليه الوضوء أم لا؟
ينبني هذا على اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر، فمن رأى أنه ناقض أوجب عليه الوضوء، ومن رأى أنه غير ناقض فلا يوجب عليه الوضوء.
قال في "الشرح الممتع": " واختلف العلماء رحمهم الله في مس الذكر والقبل هل ينقض الوضوء أم لا؟ على أقوال:
القول الأول: وهو المذهب (أي: مذهب الإمام أحمد) أنه ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي:
1- حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) .
2-حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها ستر فقد وجب عليه الوضوء) ، وفي رواية: (إلى فرجه) .
3-أن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر، أو القبل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم.
القول الثاني: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي:
1 حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة: أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما هو بضعة منك) .
2 أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن. وحديث بسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإذا كان فيه احتمال؛ فالأصل بقاء الوضوء. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا) فإذا كان هذا في السبب الموجب حسا، فكذلك السبب الموجب شرعا، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوما بيقين.
القول الثالث: أنه إن مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة، وحديث طلق بن علي، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر.
ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعة منك) لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء، ولغير شهوة لا يجب الوضوء؛ ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء.
وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: (أعليه) وكلمة: (على) ظاهرة في الوجوب.
القول الرابع: وهو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا، ولو بشهوة.
وإذا قلنا: إنه مستحب، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر، واحتياط، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد. فهذا غير صحيح لما يلي:
1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن.
2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛ لأن الحكم يدور مع علته، والعلة هي قوله: (إنما هو بضعة منك) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ.
3 - أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي، أو تقدم أخذه؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره.
بمعنى: أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام، فلا نقول: إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك.
والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ" انتهى.
ثم جزم الشيخ رحمه الله في شرح "بلوغ المرام" (1/259) أن مس الذكر بشهوة ناقض للوضوء، ومسه بدون شهوة غير ناقض.
وعلى هذا القول؛ فمن مس ذكره بشهوة أثناء الاغتسال من الجنابة وجب عليه الوضوء بعد انتهاء الغسل، وإذا كان مسه بلا شهوة فلا يلزمه الوضوء.
ثانياً:
مس الأليتين لا ينقض الوضوء، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي (444) وابن ماجه (481) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر.
وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء، كمس الخصيتين والصفحتين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/34) : " فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/42) : " قال أصحابنا: والمراد بالدبر ملتقى المنفذ , أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن , كالرُّفغ والأنثيين والإبط , في قول عامة أهل العلم ; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه " انتهى باختصار من "المغني" (1/119) . والرُّفْغ: ما حول الفرج، أو أصول الفخذين من باطن. "مختار الصحاح".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/622)
تنظيف حفاظات الطفل لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبطل الوضوء إذا قمت بتنظيف بول الطفل وحفاظاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يبطل الوضوء بتنظيف بول الطفل وحفاظته، وذلك لأن مس النجاسة لا ينقض الوضوء، لكن يجب غسل النجاسة عند إرادة الصلاة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء":
" لا ينتقض الوضوء بغسل النجاسة على بدن المتوضئ أو غيره " انتهى.
"مجلة البحوث الإسلامية" (22/62) .
وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/139) :
" ملامسة الأدوات الصحية وبلاط الحمام حافية كل ذلك لا ينقض الوضوء، لكن إذا كان في البلاط نجاسة ووطئتها المرأة أو الرجل فهذا لا ينقض الوضوء، لكن على كل منهما أن يغسل رجله إذا وطئها وهي رطبة، أو في رجله رطوبة.
وملامسة ملابس الطفل المبتلة بالبول لا تنقض الوضوء، ولكن على من لمسها وهي رطبة أن يغسل يده، وهكذا لو كانت يابسة ويده رطبة فإنه يغسل يده " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز أيضاً (10/141) :
" أما مس الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات فلا ينقض الوضوء، ولكن يغسل ما أصابه" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المرأة إذا وضأت طفلها وهي طاهرة هل يجب عليها أن تتوضأ؟
فأجاب:
" إذا وضأت المرأة طفلها أو طفلتها ومست الفرج فإنه لا يجب عليها الوضوء، وإنما تغسل يديها فقط، لأن مس الفرج لغير شهوة لا يجب الوضوء، ومعلوم أن المرأة التي تغسل أولادها لا يخطر ببالها الشهوة، فهي إذا وضأت الطفل أو الطفلة فإنما تغسل يديها فقط من النجاسة التي أصابتها ولا يجب عليها أن تتوضأ " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/203) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/623)
إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) .
فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/624)
الإغماء ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإغماء من نواقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، أجمع العلماء على أن الإغماء من نواقض الوضوء، ولو كان يسيراً.
فمن أغمي عليه حتى زال شعوره، ولو لحظة انتقض وضوؤه.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/234) :
" زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل , ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا , قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه.
ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم , بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه , ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (2/25) :
" أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء , وقد نقل الإجماع فيه ابن المنذر وآخرون
واتفق أصحابنا على أن من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما , أو شرب دواء للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه. . .
قال أصحابنا: والسكر الناقض هو الذي لا يبقى معه شعور , دون أوائل النشوة , وقال أصحابنا: ولا فرق في كل ذلك بين القاعد ممكنا مقعده وغيره , ولا بين قليله وكثيره " انتهى.
وسُئل الشيخ ابن عثيمين: هل ينتقض الوضوء بالإغماء؟
فأجاب: " نعم، ينتقض الوضوء بالإغماء، لأن الإغماء أشدُّ من النوم، والنوم يَنقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أمّا النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسُّ بنفسه، فإن هذا النوم لا ينقض الوضوء، سواء من مُضطجع أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ، أو أي حال من الأحوال، ما دام لو أحدث أحسَّ بنفسه، فإنه نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم فإذا أُغمي على الإنسان، فإنه يجب عليه الوضوء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/200) .
وسئل الشيخ بن باز رحمه الله: ما حكم وضوء الذين يعيشون لحظات غيبوبة؟
فأجاب:
" هذا فيه تفصيل: إذا كان شيء يسير لا يزيل الوعي ولا يمنع الإحساس بوجود الحدث فلا يضر، كالناعس الذي لا يستغرق في نومه، بل يسمع الحركة، فهذا لا يضره حتى يعلم أنه خرج منه شيء، هكذا إذا كانت الغيبوبة لا تمنع الإحساس، أما إن كانت الغيبوبة تمنع شعوره بالذي يخرج منه؛ كالسكران، أو المصاب بمرض أفقده شعوره حتى صار في غيبوبة - فهذا ينتقض وضوءه كالإغماء، كذلك المصابون بالصرع " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (10/145) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/625)
إرضاع الطفل لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن انتهيت من الوضوء للصلاة وأراد الطفل الرضاعة من الثدي فهل ذلك يبطل الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يقل أحد من أهل العلم إن إرضاع الطفل من نواقض الوضوء، ونواقض الوضوء أشياء محصورة محددة، وقد سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (14321) .
وقد اتفق العلماء على أن الخارج من غير السبيلين إذا كان طاهرا لا يكون ناقضاً للوضوء، غير أنه اختلفوا في الخارج من البدن إذا كان نجساً، هل ينقض الوضوء أم لا؟
وقد سبق تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (45666) .
"الموسوعة الفقهية" (17/111) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/626)
حكم إفرازات رحم المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة غير متزوجة وأبلغ من العمر 24 عاماً، ومشكلتي هي أنه ينزل مني في بعض الأحيان سائل أصفر أو يميل إلى البياض لكني لا أحتاج لاستخدام الحفائظ النسائية لأنه ينزل بكمية بسيطة، والدتي تقول إن ذلك سببه ضعف الجسم أو الضغوط، وتقول: إن خالتي عانت من نفس المشكلة، وقد قرأت عن الموضوع في عدد من المجلات الطبية وهي أيضا تعزي السبب إلى الضعف، وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أصلي في هذه الحالة؟ وإذا كان الجواب بنعم: فهل يجب عليَّ تغيير الملابس؟ وكم المدة التي أستمر فيها على وضوئي دون أن ينتقض؟ كما أريد إيضاح أن المسألة لا تأتي قبل أو بعد الدورة الشهرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (50404) حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة، وبيّنا فيه أن ما يخرج من رحم المرأة من إفرازات: أنه طاهر، وما يخرج من مجرى البول فهو نجس، وكلاهما يوجب الوضوء على المرأة.
وعلى هذا، فلا حرج عليك من الصلاة بهذه الحالة، ولا يلزمك تغيير الملابس أو غسلها لأن هذه الإفرازات طاهرة.
والمدة التي يمكنك البقاء فيها على طهارتك هي وقت الصلاة التي توضأت لها، فيلزمك الوضوء للصلاة بعد دخول وقتها، ويستمر وضوؤك صحيحا ولو نزل هذا السائل حتى يخرج وقت هذه الصلاة، فتتوضئي للصلاة الأخرى وهكذا ...
فلا يجوز أن تصلي فريضتين بوضوء واحد، إلا إذا جمعت بينهما لسبب من أسباب الجمع.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/627)
مصاب بسلس ريح فهل يلزمه الوضوء لحدث آخر لأداء النوافل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب بانفلات في الريح، سؤالي هو: لو أنى أحدثت حدثاً غير حدثي الدائم بعد أن صليت الفريضة , هل أتوضأ مرة أخرى لصلاة النوافل كقيام الليل وغيرها؟ وماذا أنوي عند الوضوء في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في وضوء المصاب بسلس البول أو انفلات الريح، هل يلزمه الوضوء لكل فرض بعد دخول وقته، ثم يصلي به ما شاء من النوافل، أم أنه يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به كل صلواته ما دام لم ينقض بناقض غير السلس الملازم له؟
فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى أنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها،
وذهب مالك إلى أن صاحب السلس يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به صلواته كلها ما دام وضوؤه لم ينقض بناقض غير ذلك السلس الملازم له.
والقول الأول هو الأحوط والذي عليه الأكثر.
وانظر جواب السؤال (22843) ففيه زيادة فائدة.
وأما إذا أحدث المصاب بالسلس بغير الحدث الدائم، فيجب عليه إعادة الوضوء، ولا يجوز له أن يصلي فريضة أو نافلة من غير أن يتوضأ، لما رواه البخاري (6954) ومسلم (225) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) .
وقد أجمع العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، لا تصح إلا به.
وانظر: "المجموع" للنووي (3/139) ، و "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (22/99) .
وأما ماذا تنوي في هذه الحال؟
فإنك تنوي الطهارة من أجل فعل الصلاة.
مع التنبه إلى أن النية لا يشرع التلفظ بها باللسان، وإنما النية هي القصد بالقلب.
وانظر السؤال: (13337) ، (14234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/628)
حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد فجأة على ملابسي الداخلية إفرازات شفافة لا أحس بنزولها، هل تجوز الصلاة بذلك؟ وإذا كانت لا تجوز هل يجب إعادة الوضوء وتغيير الملابس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام على هذه الإفرازات في مسألتين:
الأولى: هل هي طاهرة أو نجسة؟
فمذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي –وصححها النووي- أنها طاهرة.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع.
قال في الشرح الممتع (1/457) :
"وإذا كانت –يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" اهـ.
وانظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) .
وعلى هذا، فلا يجب غسل الثياب أو تغييرها إذا أصابتها تلك الرطوبة.
المسألة الثانية: هل ينتقض الوضوء بخروج هذه الإفرازات أو لا؟
فالذي ذهب إليه أكثر العلماء أنها تنقض الوضوء.
وهو الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين، حتى قال:
"الذي ينسب عني غير هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قولي إنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء" اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (11/287) .
وقال أيضاً (11/285) :
"أما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينتقض الوضوء فهذا لا أعلم له أصلا إلا قول ابن حزم" اهـ.
لكن. . إذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك، ولو كانت في الصلاة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"إذا كانت الرطوبة المذكورة مستمرة في غالب الأوقات فعلى كل واحدة ممن تجد هذه الرطوبة الوضوء لكل صلاة إذا دخل الوقت، كالمستحاضة، وكصاحب السلس في البول، أما إذا كانت الرطوبة تعرض في بعض الأحيان –وليست مستمرة- فإن حكمها حكم البول متى وُجدت انتقضت الطهاة ولو في الصلاة" اهـ.
مجموع فتاوى ابن باز (10/130) .
راجع السؤال رقم (37752) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/629)
أحدث أثناء الغسل من الجنابة فهل يبطل غسله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خروج الريح أثناء الغسل من الجنابة هل يبطل الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج الريح من نواقض الوضوء لا من نواقض الغسل، وعليه: فمن لمس فرجه أو تبول أو أخرج ريحا أثناء غسله فإنه يتم غسله، ويتوضأ بعده.
والغسل إذا كان عن حدث أكبر فإنه يجزي عن الوضوء، فإذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولا يجب عليه أن يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء أثناء الغسل أو بعده، فيجب عليه أن يتوضأ للصلاة، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين بتصرف " (11 /228) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/630)
لا ينتقض الوضوء بخروج الدم من البدن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينتقض الوضوء بخروج الدم من البدن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج النجاسة من البدن لها ثلاثة أحوال:
الأولى:
أن تكون بولا أو غائطاً وخرجت من المخرج المعتاد، فهذا ناقض للوضوء، بأدلة الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6.
وروى الترمذي (96) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فذكر الغائط والبول والنوم من نواقض الوضوء.
الثانية:
أن تكون بولا أو غائطاً وخرجت من غير المخرج المعتاد، كمن أجريت له عملية جراحية وصار يخرج منه الخارج من فتحة في بطنه – مثلاً، فهذا ناقض للوضوء لأن الأدلة السابقة تدل على نقض الوضوء بخروج البول والغائط، وعمومها يشمل خروجها من المخرج المعتاد أو غيره.
الثالثة:
أن تكون النجاسة الخارجة من البدن غير البول والغائط، كالدم، والقيء عند من قال بنجاسته من العلماء.
فهذا مما اختلف العلماء فيه، فذهب بعضهم – كالإمام أبي حنيفة وأحمد على اختلاف بينهما في تفصيل ذلك – إلى أنه ناقض للوضوء.
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: (إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ) .
قالوا: فَعَلَّلَ وجوبَ الوضوءِ بأنه دم عرق، وكلُّ الدماء كذلك.
2- ما رواه الترمذي (87) عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن خروج النجاسة من البدن لا ينقض الوضوء، واحتجوا بأن الأصل عدم نقض الوضوء، وليس هناك دليل صحيح يدل على نقض الوضوء بذلك.
قال النووي رحمه الله:
" وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع، ولم يثبت " انتهى.
وأجابوا عن أدلة من قالوا بالنقض بما يلي:
أما حديث المستحاضة، فأجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك نفي كونه دم حيض، أي ليس هذا الدم دم حيض وإنما هو دم عرق، وإذا كان كذلك فإنك لا تتركين الصلاة، بل تصلين، غير أنك تتوضأين لكل صلاة.
قال النووي في "المجموع": " لو صح – يعني حديث المستحاضة- لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضاً، بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث، ولم يُرِدْ أن خروج الدم - من حيث كان - يوجب الوضوء " انتهى.
وأما حديث ثوبان، فأجابه عنه بعدة أجوبه:
1- أنه ضعيف. قال النووي في "المجموع" " وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث أبي الدرداء فمن أوجه: أحسنها أنه ضعيف مضطرب , قاله البيهقي وغيره من الحفاظ " انتهى.
2- أنه –مع تقدير ثبوته وصحته- لا يدل على نقض الوضوء بخروج القيء، لأنه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم فيدل على استحباب الوضوء من القيء، لا على وجوبه.
مع أن الاستدلال بهذا الحديث مبني على أن القيء نجس، وقد سبق في جواب السؤال (42929) ذكر اختلاف العلماء في ذلك، وأن الراجح طهارته، لأنه لا دليل على القول بنجاسته.
انظر: "المجموع" (2/63-65) ، "المغني" (1/233، 234) ، (1/247- 250) ، "الشرح الممتع" (1/185- 189) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/631)
هل السب ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السب ينقض الوضوء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السب ليس من نواقض الوضوء، ونواقض الوضوء أشياء محصورة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال (14321) .
لكن يستحب لمن فعل معصية أن يتوضأ، لأن الوضوء يكفر الخطايا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الشيرازي في "المهذب" (2/73) مع "المجموع"، وابن حزم في "المحلى" (1/241) آثاراً عن عائشة وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم في الأمر بالوضوء من الكلام القبيح.
قال النووي في "المجموع" (2/72) :
" الصحيح أو الصواب استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح , كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها. والغرض منه تكفير الخطايا كما ثبت في الأحاديث، ولا يجب شيء من ذلك.
قال ابن المنذر في كتابيه "الإشراف" و "الإجماع": أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح , كالغيبة والقذف وقول الزور وغيرها. . . واحتج الشافعي ثم ابن المنذر ثم البيهقي وأصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال في حلفه باللات والعزى , فليقل: لا إله إلا الله , ومن قال لغيره: تعال أقامرك فليتصدق) رواه البخاري ومسلم " انتهى بتصرف.
يعني: ولم يأمره بالوضوء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (ص 15) :
" ويستحب الوضوء عقيب الذنب " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/632)
القيء لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستفراغ ينقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى أن القيء (وهو الاستفراغ) ينقض الوضوء، منهم الإمامان أبو حنيفة وأحمد، غير أن أحمد يشترط لنقض الوضوء أن يكون القيء كثيرا فاحشاً.
وذهب الإمام الشافعي إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصحيح، لأنه ليس هناك دليل صحيح على نقض الوضوء بالقيء.
انظر: "المجموع" (2/63-65) ، "المغني" (1/247- 250) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ما يخرج من غير السبيلين ينقض الوضوء؟
فأجاب:
" الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء قلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط؛ وذلك أن الأصل عدم النقض، فمن ادّعى خلاف الأصل فعليه الدليل، وقد ثبتت طهارة الإنسان بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي، ونحن لا نخرج عما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا، فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب ولا أن نرفع عنهم طهارة واجبة.
فإنْ قال قائل: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ.
قلنا: هذا الحديث قد ضعًّفه أكثر أهل العلم، ثم نقول: إن هذا مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، لأنه خالٍ من الأمر، ثم إنه معارضٌ بحديث ـ وإن كان ضعيفاً ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ. وهذا يدل على أن وضوءه من القيء ليس للوجوب.
وهذا القول هو الراجح، أن الخارج من بقيه البدن لا ينقض الوضوء وإن كَثُرَ، سواء كان قيئاً أو لعاباً أو دماً أو ماء جروح أو أي شيء آخر، إلا أن يكون بولاً أو غائطاً مثل أن يفتح لخروجهما مكان من البدن فإن الوضوء ينتقض بخروجهما منه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/198) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/633)
لا ينتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالنوم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل على أن النوم يبطل الوضوء؟ وكيف يفسر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر بعد نومه بدون وضوء في حديث قيام الليل مع ابن عباس رضي الله عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء، فقد ثبت في ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني , فذكر النوم من نواقض الوضوء.
وقد سبق في جواب السؤال (36889) بيان اختلاف العلماء في نقض الوضوء بالنوم، وبيان أن الراجح: أن النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء.
ثانياً:
وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه السائل فقد رواه البخاري (698) ومسلم (763) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
فقد نام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام يصلي ولم يتوضأ، وذكر أهل العلم أن هذا الحكم (عدم نقض الوضوء بالنوم) خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، فإذا حدث لشعر بذلك.
قال النووي:
"قَوْله: (ثُمَّ اِضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ) هَذَا مِنْ خَصَائِصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَوْمه مُضْطَجِعًا لا يَنْقُض الْوُضُوء ; لأَنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَلا يَنَام قَلْبه , فَلَوْ خَرَجَ حَدَث لأَحَسَّ بِهِ، بِخِلافِ غَيْره مِنْ النَّاس " انتهى.
وقال الحافظ:
" قَوْله: (فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ) كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه فَلَوْ أَحْدَثَ لَعَلِمَ بِذَلِكَ , وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنْ النَّوْم وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا مُنِعَ قَلْبه النَّوْم لِيَعِيَ الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيه فِي مَنَامه " انتهى.
وروى البخاري (3569) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَنَامُ عَيْنِي، وَلا يَنَامُ قَلْبِي) . ورواه أحمد (7369) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للألباني (696) .
وروى ابن ماجه (474) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأُ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال السندي في "حاشية ابن ماجه":
" قَوْله (حَتَّى يَنْفُخ) هو الصوت الذي يُسْمَع مِنْ النَّائِم.
قَوْله (فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأ) لأَنَّهُ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الصِّحَاح، فَنَوْمه غَيْر نَاقِض، لأَنَّ النَّوْم إِنَّمَا يَنْقَضِ الْوُضُوء لَمَّا خِيفَ عَلَى صَاحِبه مِنْ خُرُوج شَيْء مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْقِل، وَلا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِيمَنْ لا يَنَام قَلْبه، ثم قال: فلا يَنْبَغِي ذِكْر أَحَادِيث نَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب أَصْلا (يعني باب نقض الوضوء بالنوم) إِلا مَعَ بَيَان أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْحُكْم، فَلْيُتَأَمَّلْ " انتهى باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/634)
هل يؤثر نزول الكدرة على الحج والعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حاملاً في الشهر الثاني وسقط الجنين قبل ذهابي للحج بيومين، وكنت طاهرة إلا أنه في يوم التروية في الليل وجدت قليلا من الإفرازات الغامقة تشبه الإفرازات التي تكون في آخر أيام الدورة الشهرية، أي: إنها ليست دماً بل وسخ بني، إلا أني أكملت حجي، فهل حجي صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما رأيتِهِ من الإفرازات لا يؤثر على حجك ولا عمرتك، فهو ليس دم حيض ولا نفاس، بل إفرازات تسمى " الكدرة "، وحكم هذه الإفرازات أنها توجب الوضوء عند جمهور العلماء، فإذا توضأت عند طواف الإفاضة فطوافك صحيح بإجماع العلماء، فإن لم تكوني توضأت فقد اختلف العلماء: هل يصح الطواف من غير طهارة أم لا؟
وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتابعه الشيخ ابن عثيمين أنه لا يشترط.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته؛ لأنه ليس بحيض.
قالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري، وزاد أبو داود: (بعد الطهر) وسنده صحيح، وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر؛ لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف - يعني: القطن - فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " انتهى.
" 60 سؤالاً عن أحكام الحيض " (السؤال رقم 24) .
والحاصل: أن حجك صحيح إن شاء الله تعالى، وهذه الإفرازات التي نزلت ليست حيضاً ولا نفاساً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/635)
إذا نام وشك هل هذا النوم مستغرق أو غير مستغرق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نام وشك هل هذا النوم مستغرق أو لا؟ هل ينتقض الوضوء بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نام وشك هل هذا النوم ناقض للوضوء أم لا؟ فلا ينتقض الوضوء بذلك.
قال النووي في "المجموع" (2/17) :
" ولو شك أنام؟ أم نعس؟ وقد وجد أحدهما , لم ينتقض , قال الشافعي في الأم: والاحتياط أن يتوضأ. . ثم قال:
لو تيقن النوم , وشك هل كان ممكنا أم لا؟ فلا وضوء عليه , هكذا صرح به صاحب البيان وآخرون , وهو الصواب " انتهى.
وقول النووي رحمه الله: "هل كان ممكنا أم لا" يعني: ممكناً مقعدته من الأرض، بناء على أنه لا ينتقض وضوؤه إذا كان ممكناً مقعدته، وقد سبق في جواب السؤال (36889) أن الصحيح في نقض الوضوء بالنوم: أنه إذا كان النوم مستغرقاً نقض الوضوء، وإن كان يسيراً فلا ينقض.
والدليل على أن الوضوء لا ينتقض بمجرد الشك في حصول ما ينقضه: ما رواه البخاري (137) ومسلم (361) عن وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ. قَالَ: (لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
وروى مسلم (362) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم":
" وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَتَّى يَسْمَع صَوْتًا أَوْ يَجِد رِيحًا) مَعْنَاهُ: يَعْلَم وُجُود أَحَدهمَا، وَلا يُشْتَرَط السَّمَاع وَالشَّمّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الإِسْلام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلاف ذَلِكَ. وَلا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ: مَسْأَلَة الْبَاب الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. . .
قَالَ أَصْحَابنَا: وَلا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الاحْتِمَالانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأ اِحْتِيَاطًا " انتهى باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/636)
الإغماء ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإغماء من نواقض الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، أجمع العلماء على أن الإغماء من نواقض الوضوء، ولو كان يسيراً.
فمن أغمي عليه حتى زال شعوره، ولو لحظة انتقض وضوؤه.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/234) :
" زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل , ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا , قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه.
ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم , بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه , ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (2/25) :
" أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء , وقد نقل الإجماع فيه ابن المنذر وآخرون
واتفق أصحابنا على أن من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما , أو شرب دواء للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه. . .
قال أصحابنا: والسكر الناقض هو الذي لا يبقى معه شعور , دون أوائل النشوة , وقال أصحابنا: ولا فرق في كل ذلك بين القاعد ممكنا مقعده وغيره , ولا بين قليله وكثيره " انتهى.
وسُئل الشيخ ابن عثيمين: هل ينتقض الوضوء بالإغماء؟
فأجاب: " نعم، ينتقض الوضوء بالإغماء، لأن الإغماء أشدُّ من النوم، والنوم يَنقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أمّا النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسُّ بنفسه، فإن هذا النوم لا ينقض الوضوء، سواء من مُضطجع أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ، أو أي حال من الأحوال، ما دام لو أحدث أحسَّ بنفسه، فإنه نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم فإذا أُغمي على الإنسان، فإنه يجب عليه الوضوء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/200) .
وسئل الشيخ بن باز رحمه الله: ما حكم وضوء الذين يعيشون لحظات غيبوبة؟
فأجاب:
" هذا فيه تفصيل: إذا كان شيء يسير لا يزيل الوعي ولا يمنع الإحساس بوجود الحدث فلا يضر، كالناعس الذي لا يستغرق في نومه، بل يسمع الحركة، فهذا لا يضره حتى يعلم أنه خرج منه شيء، هكذا إذا كانت الغيبوبة لا تمنع الإحساس، أما إن كانت الغيبوبة تمنع شعوره بالذي يخرج منه؛ كالسكران، أو المصاب بمرض أفقده شعوره حتى صار في غيبوبة - فهذا ينتقض وضوءه كالإغماء، كذلك المصابون بالصرع " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (10/145) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/637)
النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء، فقد ثبت في ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه في السنن، قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني , فذكر النوم من نواقض الوضوء.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في النَّوم هل هو ناقضٌ للوضوء أم لا على أقوالٍ، منها:
القول الأول: أن النَّوم ناقضٌ مطلقاً يسيرُه وكثيره , وعلى أيِّ صفة كان، وهو قول إسحاق والمزني والحسن البصري وابن المنذر، لحديث صفوان بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه المتقدم، فإنه ذكر النوم من نواقض الوضوء، ولم يقيده بحال معينة.
القول الثَّاني: أنَّ النَّوم ليس بناقضٍ مطلقاً لحديث أنس بن مالك: أن الصَّحابة رضي الله عنهم (كانوا ينتظرون العِشاء على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حتى تخفِقَ رؤوسهم ثم يُصلُّون ولا يتوضؤون) رواه مسلم (376) وفي رواية البزَّار: (يضعون جنوبهم) .
وهو قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وسعيد بن المسيب.
وهذان القولان متقابلان , كلٌّ منهما قد أخذ بطرف من الأدلة , أما جمهور العلماء فقد جمعوا بين هذه الأدلة، فقالوا: إن النوم ينقض الوضوء في حالات معينة، ولا ينقض في أخرى، وإن كانوا اختلفوا في طريقة الجمع بين الأدلة.
القول الثالث: إن نام ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض , وإن لم يكن ممكنا انتقض على أي هيئة كان , وهو المذهب عند الحنفية والشافعية.
"المجموع" (2/14) .
القول الرابع: أن النَّوم ناقضٌ للوضوء إلا النوم اليسير من القاعد والقائم , وهو المذهب عند الحنابلة. انظر: "الإنصاف" (2/20 , 25) .
ووجه استثناء النوم اليسير من القاعد والقائم أن مخرج الحدث يكون مضموماً في هذه الحال فيغلب على الظن أنه لم يحدث.
وقال بعضهم وهو القول الخامس: ينقض كثير النوم بكل حال دون قليله، وهو قول مالك ورواية عن أحمد.
والفرق بين النوم الكثير والقليل: أن الكثير هو المستغرق الذي لا يشعر فيه الإنسان بالحدث لو أحدث , والقليل هو الذي يشعر فيه الإنسان بالحدث لو أحدث، كخروج الريح.
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره من علمائنا المعاصرين الشيخ ابن باز وابن عثيمين وعلماء اللجنة الدائمة ـ وهو الصَّحيح ـ , وبهذا القول تجتمع الأدلَّة، فإن حديث صفوان بن عسَّال دلَّ على أنَّ النَّوم ناقض للوضوء، وحديث أنس رضي الله عنه دلَّ على أنه غيرُ ناقض.
فيُحمل حديث أنس على النوم اليسير الذي يشعر الإنسان فيه بالحدث لو أحدث، ويُحمل حديثُ صفوان على النوم المستغرق الذي لا يشعر الإنسان فيه بالحدث.
ويؤيِّد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (العين وِكَاء السَّهِ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد (4/97) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4148) .
(الوِكَاء) هو الخيط الَّذِي تُشَدّ بِهِ الْقِرْبَة.
(السَّهِ) أي: الدُّبُر.
وَالْمَعْنَى: الْيَقَظَة وِكَاء الدُّبُر , أَيْ حَافِظَة مَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوج، لأَنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا أَحَسَّ بِمَا يَخْرُج مِنْهُ , فَإِذَا نَامَ اِنْحَلَّ الوكاء.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا تَيَقَّظَ أَمْسَكَ مَا فِي بَطْنه , فَإِذَا نَامَ زَالَ اِخْتِيَاره وَاسْتَرْخَتْ مَفَاصِله. اِنْتَهَى من "عون المعبود".
فإذا كان الإنسانُ لم يُحكِمْ وكاءَه بحيث لو أحدث لم يحسَّ بنفسه فإن نومه ناقضٌ، وإلا فلا.
انظر: "الشرح الممتع" (1/275) .
قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/97) :
" والأقرب: القول بأنّ النوم ناقض لحديث صفوان. . . ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق، وورود حديث أنس بنوم الصحابة، وأنهم كانوا لا يتوضؤون ولو غطوا غطيطاً، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم، وبأنهم كانوا يوقظون، والأصل جلالة قدرهم، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقاً، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفين بأمور الدين خصوصاً الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام، ولاسيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، فإنهم أعيان الصحابة، وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغطّ من هو في مبادئ نومه قبل استغراقه. ووضع الجَنْب لا يستلزم الاستغراق " انتهى باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى عند تعداده لنواقض الوضوء:
" النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء، ولا فرق في ذلك أن يكون نائماً مضطجعاً أو قاعداً معتمداً أو اعداً غير معتمد، فالمهم حالة حضور القلب، فإذا كان بحيث لو أحْدث لأحسَّ بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض، وإن كان في حال لو أحْدث لم يحسّ بنفسه، فإنه يجب عليه الوضوء، وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما مظنة الحدث، فإذا كان الحدثُ مُنتفياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه، فإنه لا ينتقض الوضوء. والدليل على أن النوم نفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء، ولو كان ناقضاً لنقض يسيرهُ وكثيرهُ كما ينقض البولُ يسيرهُ وكثيره " انتهى.
ونحوه في فتاوى ابن باز (10/144) ، قال:
" النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقا قد أزال الشعور؛ لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة.
ولما روى معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد والطبراني، وفي سنده ضعف، لكن له شواهد تعضده، كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثا حسنا........ , أما النعاس فلا ينقض الوضوء، لأنه لا يذهب معه الشعور، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" النوم المستغرق مظنة لنقض الوضوء فمن نام نوماً مستغرقاً في المسجد أو غيره وجب عليه إعادة وضوئه , سواء كان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً , وسواء كان في يده سبحة أم لا , أما إن كان غير مستغرق كالنعاس الذي لا يفقد معه الشعور فلا تجب عليه إعادة الوضوء لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على التفصيل المذكور " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/262) .
وقالوا أيضاً:
" إن النوم الخفيف الذي لا يزول معه الشعور لا ينقض الوضوء , فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر صلاة العشاء بعض الأحيان حتى كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/263) .
وانظر: "المجموع" (2/14-24) ، "مواهب الجليل" (1/312) ، "الشرح الممتع" (2/189-191) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/638)
هل شرب الدخان ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشريعة في بائع الدخان بأنواعه؟ أنا أدخن وحينما أسمع المؤذن أدخل المسجد هل يجب علي أن أعيد الوضوء، أم المضمضة تكفيني وأنا أعلم بأن الدخان يسبب أمراضاً شتى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم بيع الدخان لخبثه وأضراره الكثيرة، وفاعل ذلك يعد فاسقاً، ولا يجب إعادة الوضوء من شرب الدخان، لكن يشرع له إزالة الرائحة الكريهة من فمه بما يذهبها، مع وجوب المبادرة بالتوبة إلى الله من ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/57.(5/639)
الشك في نزول قطرة من البول على الثوب
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث أنه بعد الاستنجاء والوضوء أشعر بخروج قطرة من البول مما يدعوني للوضوء مرة أخرى وبعض الأحيان إلى مرتين علماً أنني بعد خروج البول أمكث خمس دقائق حتى أتأكد أنه انقطع البول ولكن بعد أن أنتهي من الوضوء أشعر أنه خرج مني قطرة من البول صغيرة وأنا أحاول أن أتجاوز ذلك حتى لا يكون هناك نوع من الشك أو الوسواس، ثم إذا حدث أن أصيب السروال أو الثوب بقطرة من هذا هل يلزمه أن أغسله وإذا صليت فيه هل يمنع جواز الصلاة وهل هي جائزة لأنه في بعض المرات أقوم بغسل السروال خوفاً من الشك أنه أصابه قطرة بول.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت قد تحققت من نزول القطرة وجب عليك الاستنجاء والوضوء منه لكل صلاة وغسل ما أصاب ملابسك منه، أما مع الشك فلا شيء عليك في ذلك وينبغي أن تُعرض عن الشكوك حتى لا تصاب بالوسوسة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/106(5/640)
هل خروج الدم ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو العلم عن الدم هل هو مبطل للصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم دليلاً شرعياً يدل على أن خروج الدم من غير الفرج من نواقض الوضوء والأصل أنه ليس بناقض. والعبادات مبناها على التوقيف فلا يجوز لأحد أن يقول هذه العباداة مشروعة إلا بدليل، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى نقض الوضوء بخروج الدم الكثير عرفاً من غير الفرج، فإذا توضأ من خرج منه ذلك احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(دع ما يريبك إلى مالا يريبك) رواه النسائي 8/328 والترمذي7/221 تحفة الأحوذي والحاكم 2/13، 4/99 (وانظر السؤال رقم 2570) والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/261(5/641)
خروج شيء من المعدة لا ينقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[المر الذي يخرج عند شرب أو أكل أي شيء وهو قليل لا يملأ الفم أو قد يصل أعلا الحلق ثم يرجع هل يقطع الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقطع الوضوء ولا ينقضه.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/262(5/642)
يخرج منه المذي باستمرار دون شهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص صلى وبعد الصلاة وجد على فرجه مذيا وهذا يتكرر عليه كثيرا فهل يعيد الصلاة؟ وكيف تكون طهارته وصلاته، وما حكم صلاة الجماعة بالنسبة له، حيث أن خروج المذي يتكرر منه باستمرار بدون شهوة، ويحصل له ذلك أيضا بعد البول؟ وماذا يفعل بملابسه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
يعتبر هذا حدثا دائما، كسلس البول، فيلزمه الوضوء لكل صلاة، لأنه من نواقض الوضوء، لكونه خارجا من السبيل،، وإذا خرج وهو في الصلاة فلا يعيد، ولا يقطع الصلاة، لأنه يخرج بدون اختيار، ولا ينجس الملابس، وهو في الصلاة لكن بعد الصلاة عليه أن يتوضأ للوقت الثاني إن خرج منه شيء بعد الأولى، وأن يطهر ملابسه للصلاة بعدها، وأن يحاول التحفظ بلبس وقاية تحفظ الخارج، حتى لا يلوث ثيابه، (وله أن يصلي مع الجماعة كمأموم، ولا يكون إماما وهو بهذه الحال، لنقص طهارته) ، وعليه السعي في علاج نفسه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين ص79.(5/643)
توهم خروج ريح أثناء الطهارة والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان في معدته تنفس كثير ربما غازات ولكن وضوءه لم يتممه إلا بمشقة، مثلاً يصل إلى الوجه فيحس حساً رقيقة ويخاف في نقص الوضوء ثم يبدأ الوضوء من جديد وكذلك في الصلاة عندما يصلي فيحس كذا بدون أن يشم رائحة ما الحل لهذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتاً أو وجد ريحاً لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/226(5/644)
بقاء قطرات من البول عالقة في القضيب بعد التبول
[السُّؤَالُ]
ـ[بعدما أتبول (أي بعد نزول الماء) الماء تبقى قطرات من البول في القضيب وأجلس حوالي ربع ساعة في الحمام كي أتنظف جيداً من البول طبعاً هذا مرهق ومتعب لي بعدها أتوضأ للصلاة وذهبت إلى عدة أطباء وأجريت تحاليل واستعملت أنواع الأدوية بخصوص القضاء على هذه الظاهرة لكن دون جدوى وبعد ما أتنظف جيداً من قطرات البول المتبقية أتوضأ وأذهب إلى الصلاة وأثناء الصلاة أحس وكأن هناك قطرات متبقية في القضيب وتريد أن تخرج إلى الخارج طبعاً هذا يسبب لي مشاكل وإحراجاً خاصة إذا صليت جماعة وبعدها أكتشف أن هناك قطرات بول متبقية قد لا تنزل بسرعة أثناء جلوسي في الحمام وأضطر إلى إعادة الصلاة أو أشك في أن صلاتي غير صحيحة الرجاء إفادتي في هذا الموضوع بالفتوى الواضحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا توضأت فالأصل الطهارة ولا تلتفت إلى ما يعرض لك من الشكوك والوساوس، فإن ذلك من الشيطان، نعم إن تيقنت أنه خرج منك شيء بعد الوضوء بطل وضوؤك وعليك أن تتوضأ ثانية وهكذا ما تحس به في الصلاة من بقايا شيء من البول في القضيب عليك أن تتشاغل عنه وتبني على أصل الطهارة ولا حاجة إلى التفتيش بعد ذلك؛ لأن ذلك مما يسبب بقاء الوسوسة عافاك الله من ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/227(5/645)
خروج قطرات من البول بعد قضاء الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على الذي يبول وينتر ذكره ثم يخرج منه قطرات عند انتهائه من البول وقد تحدث هذه القطرات بعد انتهائه بدقيقة أو أكثر وفي بعض الأحيان عند انتهاء الوضوء وذلك بدون إرادته ماذا يفعل وماذا عليه لو تركه بعد غسله مرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي النتر بعد البول، وإذا حدث أن يخرج منه قطرات بول بعد الوضوء فيجب عليه أن يعيد الوضوء ويغسل موضع النجاسة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/239(5/646)
تحرك الغازات في البطن
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص متوضئاَ فسمع داخل بطنه صوت رياح ولكن هذه الرياح لم تخرج من فتحة الشرج فما الحكم هل يبقى متوضأ أم ينتقض وضوؤه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الشخص متوضئأ وسمع بداخل جوفه صوت رياح فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك إذا لم يخرج شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم 1/190.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/256(5/647)
خروج الرّيح من قُبُل المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل خروج الهواء من فرج المرأة ينقض الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروج الهواء من القبل لا ينقض الوضوء. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/259(5/648)
ذكر دخول الخلاء يقال قبل الدخول وليس بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نقول دعاء دخول الخلاء قبل الدخول أم بعد الدخول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة لمن أراد دخول الخلاء أن يأتي بالذكر المستحب قبل دخوله وليس بعد الدخول، وقد دل على ذلك عدة أحاديث، منها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) رواه البخاري (142) .
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ [أي: تحضرها الشياطين] ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أحمد وأبو داود (6) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فقوله: (أراد) صريح في مشروعية الذكر قبل الدخول وليس بعده.
ويدل على ذلك أيضاً: أن ذكر الله تعالى مكروه في مكان قضاء الحاجة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (23308) .
وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على هذا.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله:
"ويقول ندباً عند إرادة دخوله، أو عند وصوله إلى مكان قضاء حاجته بنحو صحراء ... الخ" انتهى.
"مغني المحتاج" (1/159-160) .
وجاء في "منح الجليل" (1/99) من كتب المالكية:
"وندب ذكرُ وِرْدٍ قبله أي دخول محل القضاء، وهو: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث الرجس النجس الشيطان الرجيم" انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (8/88) :
"اتفق الفقهاء على مشروعية التسمية على سبيل الندب , وذلك قبل دخول الخلاء لقضاء الحاجة" انتهى.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/93) :
"من آداب الإسلام أن يذكر الإنسان ربه حينما يريد أن يدخل بيت الخلاء أو الحمَّام، بأن يقول قبل الدخول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ، ولا يذكر الله بعد دخوله، بل يسكت عن ذكره بمجرد الدخول" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/649)
حكم استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البيوت
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البيوت السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا....) الحديث. والسؤال: هناك بعض المراحيض والحمامات في البيوت والمنازل تجاه القبلة فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأحاديث الصحيحة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة كثيرة تدل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة ببول أو غائط، وهذا في الصحراء أمر واضح، وهو الحق؛ لأن الأحاديث صريحة في ذلك، فلا ينبغي ولا يجوز أبداً استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء ببول أو غائط.
أما في البنيان فاختلف العلماء في ذلك أكثر، فقال بعضهم: يجوز في البناء؛ لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في بيت حفصة قضى حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قالوا: هذا يدل على أنه لا بأس باستقبالها واستدبارها في البناء؛ لأن الإنسان مستور بالأبنية، والأصل أنه يفعل ذلك للتشريع ويُتأسى به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، فلما فعل ذلك دل على جوازه؛ لأنه قضى حاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر الكعبة، هذا يدل على جوازه في البناء.
وقال آخرون: هذا لعله خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه فعله في البيت ولم يشتهر ولم يفعله في الصحراء فيدل على أنه خاص به، وأنه يجب على المسلمين عدم الاستقبال وعدم الاستدبار حتى في البناء، عملاً بالأحاديث العامة التي فيها التعميم وعدم التخصيص، وهذا قول أظهر أنه ينبغي عدم الاستقبال وعدم الاستدبار مطلقاً في البناء والصحراء.
لكن كونه محرماً في البناء محل نظر؛ لأن الأصل عدم التخصيص به صلى الله عليه وسلم، لكن يحتمل أن يكون هذا قبل النهي، ويحتمل أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فلهذا لا يكون التحريم فيه مثل التحريم في الصحراء، فالأولى للمؤمن ألا يستقبل في الصحراء ولا في البناء، ولا يستدبر.
لكن في البناء أسهل وأيسر، ولا سيما عند عدم تيسر ذلك لوجود المراحيض الكثيرة إلى القبلة، فحين إذن يكون الإنسان معذوراً لأمرين:
الأمر الأول: وجود المراحيض التي إلى القبلة ويشق عليه الانحراف عنها.
الأمر الثاني: ما عرفت من حديث ابن عمر في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم للشام واستدباره الكعبة في قضاء حاجته في بيت حفصة، هذا يدل على الجواز، والأصل عدم التخصيص له صلى الله عليه وسلم في ذلك، فيكون الفعل جائزاً مع أن الأولى ترك ذلك في البناء، ويكون في الصحراء محرماً لعدم ما يخص ذلك، هذا هو الأقرب في هذه المسألة. والله جل وعلا أعلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/574، 575) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/650)
هل يدخل غرفة منفصلة داخل الحمام ليستتر عن أعين الجن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الضروري دخول غرف منفصلة داخل الحمامات في بيوتنا حتى نحتجب عن أعين الجن، أم أن هذا غير ضروري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا داعي لدخول غرفة منفصلة داخل الحمامات للاحتجاب عن أعين الجن؛ لأن الطريقة الشرعية للاحتجاب عنهم هي قول: (بسم الله) قبل دخول الحمام.
ويدل على ذلك ما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (606) وصححه الألباني في "الإرواء" (50) .
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كان يقال: إن ستر ما بين عورات بني آدم وبين أعين الجن والشياطين، أن يقول أحدكم إذا وضع ثيابه: بسم الله ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 93) .
فلا يحرز الإنسان نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال (26816) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/651)
هل يجوز في الاستنجاء الاكتفاء بصب الماء بدون استخدام اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب استخدام اليد في الاستنجاء أم أن الأوراق أو خراطيم المياه تكفي في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب بعد قضاء الحاجة هو إزالة ما على الموضع من نجاسة، سواء أزيلت بالماء أم بغيره، كالأحجار أو الأوراق أو المناديل، وإن كان استعمال الماء أفضل، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111813) ورقم (10257) .
ويجوز الاقتصار على استعمال خرطوم المياه إن كان سيزيل ما على المخرج من نجاسة بحيث لا يبقى لها أثر.
ويشترط في الاستجمار، أي: استعمال الأحجار أو الأوراق أو المناديل: أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر حتى ينقي المحل.
لما روى مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه أنه قال: (نهانا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ) .
ويجوز أن يستجمر بحجر واحد له جوانب، أو بمنديل كبير يمسح بأطرافه ثلاث مسحات إذا حصل إزالة النجاسة بذلك، وإلا وجب أن يزيد في عدد المسحات حتى تزول النجاسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/652)
إطالة الجلوس في الحمام والقراءة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[يمضي زوجي معظم وقته بالحمام ويمضيه في القراءة والتدخين حتى أنه يشرب وهو جالس في الحمام، وأنا خائفة بشأنه وشأني لأني تعلمت بينما كنت طفلة أن الحمام هو مسكن الجن ويجب ألا نقضي الكثير من الوقت فيه.. وأنا باحثة عن نهج إسلامي يشرح له مساوئ الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
نسأل الله لهذا الزوج الهداية للرشد والتوفيق للصواب، فإن ما ما يقوم به من قضاء معظم وقته في الحمام مما لا ينبغي أن يصدر من مسلم، فإن الحمامات إنما بنيت لقضاء الحاجة والاستحمام، لا للجلوس والقراءة والاستجمام.
وفي جلوسه فيها فترة طويلة محاذير جمة، منها:
أولاً: أن الحمامات في الغالب لا تخلو من النجاسات والقاذورات، وجلوسه فيه يعرضه لملابستها، والمسلم مأمور باجتناب النجاسات والتنزه عنها.
ثانياً: أن أماكن قضاء الحاجة تحضرها الشياطين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَة ٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) . رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في الصحيحة (1070) .
(الْحُشُوشَ) هي أماكن قضاء الحاجة.
(مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين.
(الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) أي ذكران الشياطين وإناثهم.
فمواضع قضاء الحاجة مواطن الشياطين، ولذلك أمرنا بالاستعاذة عند دخولها.
قال الخطابي: " الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد؛ لأنها مواضع يُهجر فيها ذكر الله، وتُكشف فيها العورات ". انتهى "معالم السنن" (1 / 22) .
قال الشيخ ابن جبرين: " ومعلوم أن الشياطين تألف الأماكن المستقذرة، وتألف الأماكن النجسة، فإذا لم يتحفظ الإنسان من الشياطين عبثت به ... فأوقعته في نجاسة، أو في خبث حسي أو معنوي، والحسي يتمثل بأن يتقذر بالنجاسة ولا يبالي، وأما معنوي فبأن يوسوس ويتوهم ويقع في وساوس شيطانية تدوم معه، فلأجل ذلك أُمر بالاستعاذة وبذكر اسم الله تعالى ". انتهى من شرحه لأحاديث عمدة الأحكام (الدرس الثاني) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين، فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة ". انتهى "الشرح الممتع" (1/ 83) .
ثالثاً: أن في البقاء في الحمام فترة طويلة من غير حاجة كشف للعورة من غير مبرر، ولا يجوز للرجل كشف عورته، حتى ولو كان خاليا، إلا لحاجة.
عن معاوية بن حيدة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟.
قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ.
قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ.
قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا.
قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ.
رواه الترمذي (2769) وأبو داود (4017) وحسنه الألباني في آداب الزفاف صـ36.
رابعاً: أن العلماء قد كرهوا إطالة القعود في الخلاء لغير حاجة.
قال شيخ الإسلام: " ولا يطيل المقام لغير حاجة؛ لان المقام فيه لغير حاجة مكروه؛ لأنه مُحْتَضر الشياطين وموضع إبداء العورة ". انتهى " شرح العمدة" (1/60) .
وقال الفقيه ابن حجر الهيتمي: " ويكره إطالة المكث في محل قضاء الحاجة " انتهى من تحفة المحتاج (2/241) .
والواجب على المسلم، واللائق بحاله، أن ينزِّه نفسه عن الخبث والنجس من الأقوال والأفعال وأن ينأى بنفسه عن أماكن هذا الخبث والنجس، بل لو كان ذلك مباحاً له، لكان ينبغي أن يمنعه طيب حاله من إلف هذه الأماكن وإطالة الجلوس فيها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/653)
حكم إلقاء السلام ورده لمن دخل الحمامات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ رد السلام في الحمامات العامة بالرغم من أن الشخص قد لا يكون في هذه الحالة يقضي حاجته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الفقهاء على كراهة إلقاء السلام على من هو في حال قضاء الحاجة، كما تكره إجابته أيضا.
فعن أبي الجهم الأنصاري رضي الله عنه قال: (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه البخاري (رقم/337) ، ومسلم (رقم/369) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. رواه مسلم (رقم/370) .
وعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود (17) وصححه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/205) ، والألباني في "صحيح أبي داود".
وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله:
" أجمعوا أن المتغوط لا يلزمه الرد في الحال ولا بعده؛ لأن السلام عليه حرام , بخلاف من في الحمام إذا كان بمئزر" انتهى.
" فتح القدير " (1/248) .
وقال النووي رحمه الله:
"قال أصحابنا: يكره السلام عليه [يعني: الذي يقضي حاجته] ، فإن سلم لم يستحق جواباً، لحديث ابن عمر والمهاجر" انتهى.
"الأذكار" (ص/27) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/11) :
"ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المتغوط , وكره ذلك الحنفية أيضا , قال ابن عابدين: ويراد به ما يعم البول , قال: وظاهره التحريم " انتهى باختصار.
وبناء عليه: فمن دخل الحمامات العامة فلم يجد أحدا يتوضأ عند المغاسل فيكره له إلقاء السلام على من بداخل الغرف المعدة لقضاء الحاجة، أما إن وجد بعضهم قد أنهى حاجته، وشرع في الوضوء أو غسل اليدين في الأماكن المعدة لذلك: فلا حرج أن يسلم على هؤلاء، ويجب عليهم أن يردوا السلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/654)
دخول الخلاء بدبلة مكتوب عليها اسم "عبد الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[الدبلة التي مكتوب عليها اسم عبد الله هل يجوز الدخول بها إلى الحمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب تنزيه ما فيه ذكر الله عن الدخول به إلى الحمام - مكان قضاء الحاجة - , فإن احتاج إلى الدخول به ستره ودخل به.
قال ابن قدامة رحمه الله "المغنى" (1/109) : " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه، فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء، وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟
فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة , بل هي مخفية ومستورة " انتهى.
"فتاوى من الطهارة" (ص/109) .
وعلى هذا؛ فإنه يجوز لك الدخول بها لكن الكتابة على الدبلة تكون من الداخل، فهي مستورة وليست ظاهرة.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن الدبلة إن كانت من أجل الخطوبة فلا ينبغي للمسلم لبسها، لما فيها من التشبه بالنصارى، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21441) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/655)
كيف يستتر الإنسان عن أعين الجن في الخلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون أحدنا في الحمام، فهل يكون بمفرده؟ وهل يمكن أن يتواجد الجن معه وهو في ذلك الموضع؟ وإذا كان الجواب بنعم، فما هي الخطوات التي يجب علينا اتخاذها حتى لا تخدش حشمتنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم أن الجن يرى الإنسان دون أن يراه الإنسان، قال تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف /27.
ولما كانت الشياطين خبيثة – فإنها تألف الأماكن الخبيثة، قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ... الآية) النور / 26، ولذلك تحضر الشياطين الأماكن التي يقضي فيها الإنسان حاجته، وتريد إتباع الأذية والضرر به.
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نفعل حتى يحمينا الله من شر الشياطين إذا دخلنا الخلاء وذلك بأن يقول المسلم قبل دخول المكان: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)
وروى الترمذي برقم (606) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله) صححه الألباني في صحيح الترمذي (496) .
وروى أبو داود (6) وابن ماجة (296) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (241)
(الحشوش) : هي مواضع قضاء الحاجة، ومنها الكُنُف (دورات المياه) التي في البيوت.
(محتضرة) أي تحضرها الشياطين لقصد إيقاع الأذى بالإنسان.
(الخبث) أي الشر.
(والخبائث) المراد النفوس الخبيثة وهي الشياطين ذكورهم وإناثهم، فيكون استعاذ من الشر وأصحابه. اهـ من عون المعبود
فإذا قال المسلم هذا الدعاء قبل دخول الخلاء أعاذه الله من الشياطين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
فائدة البسملة: أنها ستر.
وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول الله: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة. اهـ الشرح الممتع 1/ 83
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/656)
يشك في نجاسة ثوبه بعد التبول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في دولة أجنبية للدراسة وأقضي معظم اليوم في مكان العمل وعند احتياجي للتبول فأنا أبول واقفا لإحساسي بإمكانية إصابة مقعد الدورة بالنجاسة وكذلك لعدم قبولي نفسيا الجلوس عليها مع المحاولة قدر الاستطاعة الأمن من الإصابة برزاز البول وأنا أستعمل مناديل ورقية للاستجمار من البول، فما هو حكم قطرات البول البسيطة التي قد تسقط على السروال بعد التبول واقفا (مع أخذ الحيطة) ؟ كما أرجو توضيح هل يختلف الحكم في حالة تأكد الشخص من حدوث ذلك عنه في حالة الظن فقط؟ وهل يكفي الرش بالماء أو المسح علي ما يعتقد أنه موضع الإصابة برزاز البول؟ وهل الإكثار من الأسئلة في هذا الأمر من الوسواس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يبول الإنسان قاعداً، فإذا بال قائماً، فلا حرج عليه ما دام يأمن أن لا تصيب النجاسة ثوبه وبدنه.
وإذا بال الإنسان قائماً، ثم تحقق أنه قد أصاب ثوبه شيء من البول، فإنه يجب عليه أن يغسل الموضع الذي أصابته النجاسة، ولا يكفي أن يرش أو يمسح على مكان النجاسة، بل الواجب هو غسل النجاسة، فيسال الماء عليها.
إذا شك الإنسان هل أصاب ثوبه شيء من البول أو لا؟ فلا يلزمه غسل الثوب، لأن الأصل طهارة الثوب حتى يتيقن الإنسان أن النجاسة قد أصابته.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كنت قد تحققت من نزول القطرة وجب عليك الاستنجاء والوضوء منه لكل صلاة وغسل ما أصاب ملابسك منه، أما مع الشك فلا شيء عليك في ذلك، وينبغي أن تُعرض عن الشكوك حتى لا تصاب بالوسوسة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (5/106) .
وسؤال الإنسان عما ينفعه من أمور دينه، فهذا ليس عيباً ولا وسوسة، بل هو طلب للكمال، وحرصٌ على الخير.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (39684) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/657)
هل التَّبَوّل قائماً مُحَرَّم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرأي الشرعي في التبوُّل (للرجل) واقفا ً؟ لدينا مناظرة ساخِنة في هذا الموضوع. البعض يقول إنه مسموح والآخر يقول إنّه حرام مستدلين بحديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في قولها: "من قال لكم إنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) بال واقِفاً لا تُصدقوه". لُطفاً وضِّح هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يَحْرُم تَبَوُّل الإنسان قائِماً، لكِنْ يُسَنّ له أن يَتَبَوّل قاعداً، لقول عائشة رضي الله عنها: " مَن حدّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَبُول قائما فلا تصَدِّقوه، ما كان يبول إلا قاعداً) رواه الترمذي (الطهارة/12) وقال هو أصح شيء في هذا الباب وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 11
ولأنه استر له وأحفظ له من أن يصيبه شيء من رِشَاشِ بَوْلِه.
وقد رُوْيَتْ الرّخصة في البول قائماً بشرط أن يأمن تطاير رشاش البول على بدنه وثوبه، ويأمن انكشاف عورته، عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أَتى سُبَاطَةَ قومٍ فبالَ قائِماً) ، ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها، لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لكَوْنِه في موضِعٍ لا يتمكَّن فيه من الجلوس، أو فعَلَه ليُبَيِّن للناس أن البول قائماً ليس بِحَرَام، وذلك لا ينافي أن الأصل ما ذكَرَتْهُ عائشة رضي الله عنها، من بَوْلِه صلى الله عليه وسلم قاعداً، وأنه سُنّة لا واجب يحرم خلافه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/88.(5/658)
حكم البول واقفاً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يبول الإنسان واقفا، علما أنه لا يأتي الجسم والثوب شيء من ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا حرج في البول قائما،لاسيما عند الحاجة إليه، إذا كان المكان مستورا لا يرى فيه أحد عورة البائل، ولا يناله شيء من رشاش البول، لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما) متفق على صحته، ولكن الأفضل البول عن جلوس؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأستر للعورة، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 352(5/659)
التبول في البانيو
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التبول في البانيو أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن أن يبول الشّخص في مكان استحمامه أم لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب:
لا، لا يدخل لأنه إذا بال فسوف يريق عليه الماء ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه.
سؤال:
هذا التبول يحصل أثناء الاستحمام.
الجواب:
العادة أن التبول له مكان آخر، لكن لو قُدِّر أن الإنسان حضره التبول أثناء الاستحمام فإنه يتوقف عن الاستحمام حتى يبول ويريق عليه الماء.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/660)
صلاة من يدافع الجوع أو الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حبس الريح أثناء الصلاة أو قبل الصلاة للمحافظة على الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن عائشة قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ".
رواه مسلم (560) .
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟ .
فأجاب:
هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت.
ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العَشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة، يعني: أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه.
ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به.
بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له: كُلْ بقدر الضرورة، فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة.
وهل يلحق بالعَشاء الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟ .
الجواب: نعم، يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " يعني: البول والغائط، ومثل ذلك الريح.
فالقاعدة: أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً: فإنه يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة.
ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته.
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 588 ") .
وسئل الشيخ – أيضاً -:
إذا كان الإنسان حاقناً (والحاقن هو الذي يحبس بوله) وخشي إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟ .
فأجاب: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ".
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 589 ") .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/661)
التسمية في القلب عند الوضوء في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز التسمية في القلب لأن مكان الوضوء ملتصق بالحمام ولا أريد أن أذكر فيه اسم الله بصوت مرتفع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره ذكر الله تعالى في مكان قضاء الحاجة تعظيماً لاسم الله تعالى أن يذكر في هذا المكان النجس الذي هو مأوى الشياطين.
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار (ص 21-22) :
[يكره الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام إلا كلام الضرورة حتى قال بعض أصحابنا: إذا عطس لا يحمد الله تعالى، ولا يشمت عاطساً، ولا يرد السلام، ولا يجيب المؤذن، ويكون المُسَلِّمُ مقصراً لا يستحق جواباً، والكلام بهذا كله مكروه كراهة تنزيه ولا يحرم، فإن عطس فحمد الله تعالى بقلبه ولم يحرك لسانه فلا بأس، وكذلك يفعل حال الجماع.
وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مَرَّ رَجُلٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) رواه مسلم في صحيحه (370) . وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيّ وقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ: (عَلَى طَهَارَةٍ) . {حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة} . انتهى كلام النووي رحمه الله.
وعلى هذا إذا كان مكان الوضوء داخل الحمام –الذي هو مكان قضاء الحاجة وليس معداًّ للاغتسال فقط - فقد تعارض هنا كراهة ذكر الله تعالى في هذا المكان مع مشروعية التسمية، فذهب بعض العلماء إلى أنه يسمي بقلبه من غير أن يتلفظ بها بلسانه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/130) :
إذا كان في الحمام، فقد قال الإمام أحمد: إذا عطس الرجل حمد الله بقلبه، فيُخَرَّج من هذه الرواية أنه يسمي بقلبه اهـ
وذهب آخرون إلى تغليب مشروعية التسمية فقالوا: يتلفظ بها بلسانه ولا كراهة حينئذٍ.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا بأس أن يتوضأ داخل الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويسمي عند أول الوضوء، يقول: (بسم الله) لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة لأن الكراهة تزول عند الحاجة إلى التسمية، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوؤه اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (10/28) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 94:
يكره أن يذكر الله تعالى نطقاً داخل الحمام الذي تقضى فيه الحاجة تنزيهاً لاسمه واحتراماً له لكن تشرع له التسمية عند بدء الوضوء لأنها واجبة مع الذكر عند جمع من أهل العلم. انتهى
وإذا كان مكان الوضوء خارجا عن الحمام –ولو كان ملتصقاً به- فإنه يشرع للمتوضئ التلفظ بالتسمية ولا كراهة في هذه الحال لأنه ليس داخل الحمام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/662)
هل يستعمل يده اليسرى أو بعضها في الاستنجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أي الأصابع أستخدم لتنظيف نفسي بعد التغوط؟ أم أستخدم اليد اليسرى بكاملها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ) رواه مسلم (الطهارة / 392)
قال النووي: ولا يَسْتَعِين بِالْيَمِينِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ مِنْ الاسْتِنْجَاء. (أي سواء البول والغائط) . أهـ
وعلى ذلك فيُقال إن على المرء استعمال يده اليسرى في إزالة النجاسة بأي طريقة كانت سواءً استعملها بكاملها أو استعمل بعضها والمقصود هو إزالة النجاسة عن البدن، فالأمر في ذلك واسع المهم أن يتجنَّب استعمال اليمين في إزالة القذر. والله أعلم ويراجع جواب سؤال رقم (2532) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/663)
لدخول بيت الخلاء دعاء وإن لم تدخل لقضاء الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند دخول الحمام أقول الدعاء عند الدخول والخروج منه، وكذلك يفعل جميع أفراد أسرتي. فهل يقال هذا الدعاء عندما ندخل دورة المياه لمجرد ترجيل الشعر وما أشبه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقرر العلماء أن العلة من استحباب الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى عند دخول الخلاء هي الالتجاء إليه سبحانه في الحماية من الشياطين التي تحضر أماكن النجاسات وكشف العورات، وقد جاء في الحديث الشريف ما يدل على ذلك.
فعنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
الحشوش: مواضع قضاء الحاجة (دورات المياه)
جاء في الموسوعة الفقهية (4/10) :
" قال الحطّاب: وخصّ هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين:
الأوّل: بأنّه خلاءٌ، وللشّياطين بقدرة الله تعالى تسلّطٌ بالخلاء ما ليس لهم في الملأ.
الثّاني: أنّ موضع الخلاء قذرٌ ينزّه ذكر الله تعالى فيه عن جريانه على اللّسان، فيغتنم الشّيطان عدم ذكره، لأنّ ذكر الله تعالى يطرده، فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمةً بينه وبين الشّيطان حتّى يخرج " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/83) :
" فائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول الله: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة " انتهى.
وهذه العلة تقتضي من المسلم أن يحافظ على الاستعاذة عند كل دخول للخلاء، سواء كان بقصد قضاء الحاجة، أو كان لغير ذلك من الأمور التي يستعمل الناس اليوم لها دورات المياه من أمور النظافة المتنوعة، وبذلك يحفظ المسلم نفسه من أذى الشياطين.
جاء في "المغني" (1/190) :
" قال أحمد: يقول إذا دخل الخلاء: أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
وما دخلت قط المُتَوَضَّأ [يعني: مكان الوضوء] ولم أقلها إلا أصابني ما أكره " انتهى.
وقد ذكر بعض الفقهاء في فروعهم ما يدل على ذلك، حيث جاء في "حاشية نهاية المحتاج" من فروع الشافعية (1/142) قال:
" دخل الخلاء بطفل لقضاء حاجة الطفل، فهل يُسن له أن يقول على وجه النيابة عن الطفل أو لا يسن؟ فيه نظر، ولا يبعد أن يقول ذلك.
ومن ذلك إرادة أم الطفل وضع الطفل في محل لقضاء حاجته، ومنه إجلاسه على ما يسمونه بالقَصرِيَّة في عرفهم " انتهى باختصار.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/29) : هل الدعاء لمجرد دخول الحمام، أم إذا أراد الإنسان قضاء الحاجة؟
فأجاب باستحباب دعاء دخول الخلاء مطلقا، من غير تقييد بقضاء الحاجة.
ومثل ذلك دعاء الخروج من الخلاء، فقد روى الترمذي (7) وحسنه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ.
فقد ذكر العلماء من الحكم في توجيه الاستغفار عند الخروج من الخلاء أن ذلك لترك ذكر الله تعالى مدة لبثه في الخلاء، والمسلم يرى ذلك تقصيرا فيتداركه بالاستغفار.
انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/703)
وهذه الحكمة تقع أيضا فيمن دخل الخلاء لأمر غير قضاء الحاجة، والاستغفار من ديدن المسلم اليومي، فلا حرج إن شاء الله منه بعد الخروج من الخلاء.
وانظر سؤال رقم (26816)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/664)
حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حالياً أقوم ببناء منزل وقد قيل لي إن المرحاض يجب وضعه في غير اتجاه القبلة فهل هذا صحيح؟ حتى في وجود جدار أمامه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة.
وقد ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى أن هذا النهي إنما هو لمن كان في الفضاء بحيث لا يوجد ساتر بينه وبين القبلة، أما في البنيان فأجازوا استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة.
وذهب آخرون (منهم أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله) إلى تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة مطلقاً، في الفضاء والبنيان.
انظر "المغني" (1/107) ، "حاشية ابن عابدين" (1/554) ، "الموسوعة الفقهية" (34/5) .
وما دمت في مرحلة البناء فالأحوط لك أن تبني المرحاض بحيث لا يقع عند قضاء الحاجة فيه استقبال القبلة أو استدبارها، خروجا من الخلاف.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن حكم استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة في المباني أو الخلاء، ثم ما حكم المباني المستعملة الآن والتي يوجد بها مراحيض تستقبل أو تستدبر القبلة ولا يمكن تعديله إلا بهدم الحمام كله أو جزء منه لإجراء التعديل، وأخيرا إذا كان يوجد لدينا مخططات ولم تنفذ بعدُ وبعض المراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها هل يجب تعديلها أم أنها تنفذ ولا حرج في ذلك؟
فأجابت:
" أولا:
الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة – الكعبة – واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرَحْل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك، وهو قول كثير من أهل العلم؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) رواه أحمد ومسلم؛ ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) رواه البخاري ومسلم؛ ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك؟ قال: (إنما نُهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) وسكت عنه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إسناده حسن.
وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبض بعامٍ يستقبلها) . وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم جمعاً بين الأدلة بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر، وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة.
ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني كلها.
ثانيا:
إذا كان هناك مخططات لمبانٍ لم تنفذ وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها حتى لا تكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها خروجا من الخلاف في ذلك، وإذا لم تعدل فلا إثم لما تقدم من الأحاديث " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/97) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/665)
المصاب بالسلس هل يصلي مع الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل من أهلي مصاب بمرض السلس، فهل تجب عليه الصلوات جماعةً مع الإمام أم يصلي منفردا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: أن يكون الخارج مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع لوضوئه وصلاته، فهذا يلزمه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/201) :
" فأما المستحاضة , ومن به سلس البول , فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد ; لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة , فكانت ترى الحمرة والصفرة , وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري. . . . فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور ; فإن المسجد يصان عن هذا , كما يصان عن البول فيه. ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه , لم يكن لها ذلك " انتهى باختصار.
وقال النووي في "المجموع" (2/177) :
" يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله , وإن أمن لم يحرم , ودليل هذه المسائل حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم " انتهى.
الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابوا: " إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
وانظر السؤال (50075) ، (39494) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/666)
الاستبراء من البول لا يشرع فيه التعمق والتفتيش والنتر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل المسلم أن يفتح أو يلمس أو ينظر إلى القناة في ذكره، التي يخرج منها البول، للتأكد إن كان هناك أي شيء ينزل منه أو يكتفي بالنظر إلى ظاهره؟
ما هو الحكم إذا رأي الرجل آثار سائل غائرة في القناة، هل يكون وضوؤه وصيامه مقبولا مع ذلك، حيث إن السائل لم يصل إلى السطح الخارجي للذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع للرجل فتح قناة الذكر والنظر فيها للتأكد من خلوها من البول، فإن هذا من التعمق والتكلف المنافي ليسر الشريعة وسماحتها، كما أنه باب إلى الوسوسة. والمشروع هو غسل رأس الذكر بعد الانتهاء من البول.
ويشرع كذلك أن يرش على فرجه ماء دفعاً للوسوسة.
روى ابن ماجه (464) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَضَحَ فَرْجَهُ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/125) :
" ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ أَوْ سَرَاوِيلَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ , قَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ , حَتَّى إذَا شَكَّ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ , مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلافَهُ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/106) :
" وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك: كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يَشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قر، وإن حلبته در.
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه. وقد يخيل إليه أنه خرج منه وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر، فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج.
والبول يكون واقفا محبوسا في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عصر الذكر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع، أو غير ذلك، خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء لا بحجر ولا أصبع ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره فإنه يرشح دائما، والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبة قال: هذا من ذلك الماء " انتهى.
وإذا لم يصل البول إلى الخارج، فلا حكم له، ولا تأثير له على الوضوء والصلاة. وأما الصوم فلا يضره خروج البول، ولا ينجس الإنسان به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/667)
أيها أفضل الاستنجاء أم الاستجمار
[السُّؤَالُ]
ـ[عند وجود الماء، هل يصح الاستجمار بالحجر أو بالمنديل، وإذا كان يصح ذلك فما الدليل؟ وأيهما أفضل الاستنجاء أو الاستجمار؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح الاستجمار بالحجر أو المنديل، ولو كان الماء موجودا، بلا خلاف بين العلماء.
والدليل على صحة الاستجمار بالأحجار ونحوها ما رواه البخاري (159) ومسلم (237) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)
ونقل ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (1/151) إجماع المسلمين على جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف.
ويشترط في الاستجمار بالأحجار ونحوها: أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر حتى ينقي المحل، وذلك لما رواه مسلم (262) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) .
والاستنجاء بالماء أفضل، لما رواه مسلم (271) والنسائي (45) واللفظ له عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ أَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ مَعِي نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ.
(إِدَاوَة) إِنَاء صَغِير مِنْ جِلْد.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/206) :
" وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ; لما روينا من الحديث ; ولأنه يطهر المحل , ويزيل العين والأثر , وهو أبلغ في التنظيف.
وإن اقتصر على الحجر أجزأه , بغير خلاف بين أهل العلم ; لما ذكرنا من الأخبار ; ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم " اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/668)
ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكان الآخر لا يستنزه عن البول - أو من البول -.
سؤالي هو:
ما الاستتار؟ وما هو التنزه؟ والفرق بينهما؟ وكيف نوفق بين الروايتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (216) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) .
وفي رواية لمسلم (لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ) .
وفي رواية للنسائي (2068) (لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي".
قال النووي:
" وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يستتر من بوله) فروى ثلاث روايات: (يستتر) بتائين , و (يستنزه) بالزاي والهاء , و (يستبرئ) بالباء والهمزة، وكلها صحيحة , ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه.
"شرح مسلم" (3/201) باختصار.
وقال الحافظ ابن حجر:
قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر: (يستبرئ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (يستنزه) .
فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني: لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. . .
وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي.
قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أما أحدهما فيعذب في البول) ، ومثله للطبراني عن أنس.
"فتح الباري" (1/318) .
وقال الصنعاني:
ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار، أي: لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه.
"سبل السلام" (1/119، 120) .
والخلاصة:
أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/669)
حكم دخول الحمام بالمصحف أو أشرطة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدخول بالمصحف الحمام؟ وهل يقاس عليه الأشرطة الإسلامية المسجل عليها القرآن الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدخول بالمصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صرح العلماء بأنه حرام، لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يسرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج أن يدخل به لضرورة حفظه.
أما الأشرطة فليست كالمصاحف، لأن الأشرطة ليس فيها كتابة، غاية ما هنالك أن ذبذبات معينة موجودة في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فلذلك يدخل بها ولا إشكال في ذلك.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/439) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"أما دخول الحمام بالمصحف فلا يجوز إلا عند الضرورة، إذا كنت تخشى عليه أن يسرق فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/30) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/670)
قضت حاجتها في كأس في الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ذهبت إلى الحرم ودخلت موقع ماء زمزم وكانت لا تستطيع تحمل البول مما اضطرها إلى البول في " كوب " وقامت بإلقائه مع الماء الذي يجري من صنابير الماء، فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام؟ .
عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه.
رواه البخاري (217) ومسلم (285) .
والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يُتم بوله، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به.
وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد، وهذا إذا كان سيبول على أرض المسجد، أما إذا كان ذلك في إناء فذهب بعض العلماء إلى جوازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومثال الحاجة أن يكون كبيراً في السن أو مريضاً لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه، وهذا هو ظاهر الحال المسئول عنها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى":
الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ اهـ.
ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في "الفتاوى المصرية":
وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ اهـ.
ثانياً:
إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوء ته.
عن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرٍ، وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبرٍ واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا.
رواه البخاري (213) و (5708) – واللفظ له - ومسلم (292) .
ومعنى " وما يعذبان في كبير ": أي: لا يشق عليهما تركه، أو ليس بكبير عندهما.
ومعنى " وإنه لكبير ": أي: هو عند الله من الكبائر.
وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بل في كل حال، فإذا كانت الأخت قد حرصت على هذا وفعلتْه: فلا حرج عليها إن شاء الله.
ثالثاً:
والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه: هو تصريف هذا البول، فلو كانت احتفظت به في شيء مأمون إلى أن تخرج به خارج الحرم، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات: لكان أفضل وأحسن، وأما ما فعلتْه وهو وضع هذا البول في مكان تصريف ماء زمزم: فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به: فلا حرج في هذا الفعل، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا.
والحاصل أن ما فعلته هذه المرأة جائز لحاجتها إلى ذلك مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب عليها الاستتار عند قضاء الحاجة حتى لا تظهر عورتها، وعدم أذية الناس وتلويثهم بهذه النجاسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/671)
الوضوء والشرب والبول قائماً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك بأس من الوضوء قائماً والشرب قائماً والبول قائماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتوضأ المسلم حسبما يتيسر له قاعداً أو قائماً وله أن يشرب قائماً وقاعداً والأفضل أن يشرب قاعداً وهكذا له البول قائماً إذا دعت الحاجة إليه ولم ير عورته أحد ولم يخش من عود رشاش البول عليه، والبول جالساً أفضل؛ لأنه الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/202(5/672)
آداب قضاء الحاجة عند المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فهمت على الأرجح من قواعد الحياء التي تدعو إليها أن الرجال يجب أن يجثموا أو ينحنوا عند التبول؟ لكني أتساءل إذا كان من الأكثر حياء عدم استخدام المبولة في غرف نوم الرجال إذا كان أحدهم مسلما وتقترب غرفته من دورة المياه. أنا أعرف أن قواعد الأدب والحياء بالنسبة للمرأة المسلمة كثيرة وشديدة التحفظ عنها بالنسبة للمرأة الغربية. وأنا لهذا السبب أحترم المرأة المسلمة كثيرا. أنا لا أحب مهاجمة المسلمين وإن بدا ذلك من سؤالي لكني فقط لا أمتلك المعرفة الكافية بآدابهم وسلوكياتهم. شكرا لك مقدما على الإجابة حفظك الله من كل سوء وأدام لك الصحة والعافية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بدّ أولا من شكرك أيّها السائل على حرصك على مشاعر المسلمين وسعيك لمعرفة ما يؤذيهم لتجتنبه، ويسرنا أن نعتني بتفصيل الجواب لك فيما طلبتَ وأكثر لعلّه أن ينفتح لك من خلاله ما يقودك إلى خير عظيم.
إنّ من عظمة الشّريعة الإسلامية المباركة أنّها ما تركت خيرا في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلّت عليه ولا شرا في قليل ولا كثير إلا حذّرت منه ونهت عنه، فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدّين حتى قال أحد المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءةَ فَقَالَ سَلْمَانُ أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ.. الحديث، رواه الترمذي رقم 16 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ في صحيح مسلم وغيره وقد وردت في الشريعة الإسلامية عدة آداب وأحكام في قضاء الحاجة ومنها:
1- عدم استقبال قبلة الصّلاة عند البول والغائط (وقبلة المسلمين هي الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام بأمر من الله في مكة) وهذا من احترام القبلة وتعظيم شعائر الله وقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا. رواه مسلم 389.
2- أن لا يمسّ ذَكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ. " رواه البخاري 150
3- أن لا يزيل النّجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها للحديث المتقدّم ولقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ. " رواه البخاري 5199 ولما روته حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ. رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4912، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ. " رواه ابن ماجة 308 وهو في صحيح الجامع 322
4- والسنّة أن يقضي حاجته جالسا وأن يدنو من الأرض لأنّه أستر وآمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه فإن أَمِن ذلك جاز البول قائما
5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وقد كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ (أي مرتفع من الأرض أو حائط نخل وهو البستان) . رواه مسلم 517، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ رواه الترمذي 20 وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ. رواه النسائي 16 وهو في صحيح الجامع 4651
6- أن لا يكشف العورة إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنَس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ رواه الترمذي 14 وهو في صحيح الجامع 4652. وإذا كان في مرحاض فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين النّاظرين، ومن هذه النقطة والتي قبلها تعلم أيّها السائل الكريم أنّ ما يفعله كثير من النّاس في بلاد الغرب وغيرها من التبوّل وقوفا في المحلات المكشوفة داخل المراحيض العامة هو أمر مناف للأدب والحياء والحشمة والأخلاق الفاضلة الكريمة وتقشعرّ منه بدن كلّ صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح، إذ كيف يكشف الشّخص أمام النّاس عورته التي جعلها الله بين رجليه سترا لها وأمر بتغطيتها واستقرّ أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر. وكذلك فإنّ من الخطأ أساسا بناء المراحيض بهذا الشّكل المُشين الذي يرى فيه مستعملوها بعضهم بعضا وهم يبولون متخلّفين في ذلك عن بعض البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبوّل والتغوّط.
7- ومن الآداب الشّرعية عند المسلمين أذكار معيّنة يقولونها عند دخولهم الخلاء وعند خروجهم منه وهي مناسبة تمام المناسبة للحال والمكان فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول الواحد منا عند دخول الخلاء: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فيستعيذ بالله من كلّ أمر خبيث ومن كلّ شيطان وشيطانة، وعند الخروج يسأل الله المغفرة بقوله: غفرانك.
8- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم محذّرا من التساهل في التطهّر من البول: " أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ. " رواه ابن ماجة 342 وهو في صحيح الجامع 1202 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. " رواه البخاري 5592
9- أن يكون غسل النجاسة أو مسحها ثلاث مرات أو وترا بعد الثلاث بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير، لما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً وَطُهُورًا. رواه ابن ماجة 350 وهو في صحيح الجامع 4993، ولما رواه أبو هُرَيْرََةُ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا. " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 375
10- أن لا يستعمل العظم ولا الرّوث في الاستجمار (وهو إزالة النجاسة بالمسح) . وإنما يستعمل المناديل والحجارة ونحوها. لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ.. الحديث رواه البخاري 3571
11- أن لا يبول الإنسان في الماء الراكد. لما رواه جَابِر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. " رواه مسلم 423 ولأنّ في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه.
|12- أن لا يبول في طريق النّاس ولا في ظلّ يستظلّ به النّاس، لأنّ في ذلك إيذاء لهم، وقد روى أبو هُرَيْرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ. " رواه أبو داود 23 وهو في صحيح الجامع 110
13- أن لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يردّ السّلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيها لله أنْ يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ. " رواه ابن ماجة 346 وهو في صحيح الجامع 575. وجمهور العلماء على كراهية الكلام في الخلاء لغير حاجة.
كانت تلك طائفة من الآداب والأحكام التي وردت في شريعة الإسلام بشأن هذا الموضوع الذي يتكرر من كلّ إنسان يوميا فاعتنت به الشّريعة غاية الاعتناء وبيّنت فيه كلّ التبيين فما بالك بما هو أعظم منه، فهل تعلم أيها السائل الكريم دينا أو شريعة في العالم جاءت بمثل هذا، إنّه كاف والله في إثبات كمالها وحسنها ووجوب اتّباعها، نسأل الله لنا ولك التوفيق لكلّ خير والهداية إلى الحقّ وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/673)
كيفية التيمم بالحجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كيفية التيمم بالحجر، وكيفية مسح اليدين إن كان حجرا صغيرا (هل يستعمل الحجر الصغير كالصابون) ؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في موقعنا اختيار ما ذهب إليه الحنفية والمالكية من جواز التيمم بكل ما على وجه الأرض كالأحجار، وذلك في جواب السؤال رقم: (36774) .
وكيفية التيمم بالحجر: أن يضرب عليه بكفيه ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه كله، ثم يمسح كفيه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (11/155) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"ويسمي الله يقول: بسم الله، كما يسمي في الماء عند الوضوء، وإذا ضرب بهما التراب ومسح بهما وجهه وكفيه، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، كما يفعل في الماء؛ لأن هذا يقوم مقام الماء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (29/100) .
وإذا كان الحجر صغيرا فلا بأس من تقليبه في اليدين كما يقلب الصابون، ويكون هذا التقليب بدلاً من الضرب باليد عليه، وبعد التقليب يمسح الوجه ثم الكفين.
هذا؛ والأفضل هو التيمم بالتراب ـ إن تيسر ـ، لأنه الأحوط، وبه يكون التيمم صحيحاً عند جميع العلماء، وقد نص على ذلك بعض فقهاء المالكية كما في "مواهب الجليل" (1/351) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/674)
لا حرج في إمامة المتيمم بالمتوضئين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمتيمم أن يصلي إماماً لعدم وجود من يصلي إماماً غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز أن يصلي المتيمم بالمتوضئين إذا تيمم لعذر شرعي من الحدث الأصغر أو الأكبر جاز أن يؤم الذين تطهروا بالماء، لا حرج في ذلك ولا بأس، ولو وجد من يصلح للإمامة، إذا كان صالحاً للإمامة، وأمَّهم فلا بأس بذلك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/654)(5/675)
ليس هذا البُعد عذراً في التيمم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت في عمل أو سفر ثم حان وقت الصلاة ولكن بيني وبين الماء مسافة عشر دقائق أو ربع ساعة. فهل يجوز أن أتيمم أم أنتظر حتى أصل الماء؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذه المسافة تعد وتعتبر عرفاً [قريبة] ، فالواجب الذهاب إلى الماء والوضوء من الماء والغسل إذا كان عليك غسل، ولا يجوز التيمم في هذه الحالة؛ لأن مسافة عشر دقائق وربع ساعة يعتبر شيئاً قريباً ويعتبر في العرف ليس ببعيد ولا عذر في ترك الوضوء بل يلزمك سواء كنت في عمل أو في سفر أن تذهب إلى هذا الماء وأن تتوضأ الوضوء الشرعي، وإن كان عليك جنابة أن تغتسل وتصلي، وليس هذا البعد عذراً في التيمم لأنه في العرف قريب" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/653) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/676)
احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله. قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع علي صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6
وكذلك من احتلم وخشي من حصول مرض إن استعمل الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه، فإنه يتيمم ويصلي.
قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء ...
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد....
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه، وهو قولُ الحسن " انتهى.
وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل.
وكان الواجب عليك إن لم تجد من يساعدك في الاغتسال أن تغسل ما تستطيع من بدنك، كالرأس والوجه واليدين والرجلين، ثم تتيمم، وتصلي بهذا التيمم.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (71202)
وبناء على ذلك فيلزمك إعادة تلك الصلاة.
ثانيا:
المني طاهر في أصح قولي العلماء، فلا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها، وراجع السؤال رقم (2458) .
ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدين والدنيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/677)
يعاني من مرض جلدي فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مرض جلدي (أكزما) ، ولم يتم العلاج منه حتى أنني أصبحت أتوضأ خمس مرات في اليوم فقط، حاولت كل الوسائل ولكن دون جدوى، ماذا أفعل إذا كان الوضوء يسبب لي طفحاً جلديّاً سيئاً جدّاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة/286.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ".
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) .
ومع أمر الله تعالى الواضح في وجوب الوضوء بالماء إلا أنه تعالى استثنى المريض من وجوب الوضوء بالماء وجعل له " التيمم ".
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً) المائدة/43.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
قوله: " أو خاف باسْتِعْمالِه، أو طَلبِهِ ضَرَرَ بَدَنِهِ ".
فإذا تضرَّر بَدَنُه باستعماله الماءَ صار مريضاً، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) الآية المائدة/6.
كما لو كان في أعضاء وُضُوئه قُروح، أو في بَدَنِه كُلِّه عند الغُسْل قُروح وخاف ضَرَر بَدَنِه فله أن يتيمَّم. " الشرح الممتع " (1 / 378، 379) ط ابن الجوزي.
وإن كان يمكنه أن يجعل الماء على جلده دون أن يتأثر جلده فليفعل، ولا يتشرط أن يدلك العضو أو أن يبالغ في غسله.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
وكذلك لا يبالغُ في الاستنشاق إذا كانت له جيوب أنفيَّة زوائد؛ لأنَّه مع المبالغة ربما يستقرُّ الماء في هذه الزوائد ثم يتعفَّن، ويصبح له رائحة كريهة ويصابُ بمرض، أو ضرر في ذلك، فهذا يقال له: يكفي أن تستنشق حتى يكونَ الماء داخل المنخرين. " الشرح الممتع " (1 / 210) ط ابن الجوزي.
وقال:
وإذا كان في الإنسان جيوبٌ أنفيةٌ، ولو بالغ في الاستنشاق احتقن الماءُ بهذه الجيوب وآلمه، أو فسد الماء وأدَّى إلى صديد أو نحو ذلك: ففي هذه الحال نقول له: لا تبالغ درءاً للضَّرر عن نفسك. " الشرح الممتع " (1 / 172) ط ابن الجوزي.
فإذا كان الوضوء يضر بجلدك أو يؤخر شفاءه: فعليك بالتيمم، ولا حرج عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/678)
لا تجد في المعهد مكانا للوضوء فهل تتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أدرس في معهد للدراسات العليا تخصص إعلاميات، وأجد مشكلة في الصلاة وبما أن المعهد بعيد أضطر إلى الخروج من البيت باكرا حوالي الساعة 12 ظهرا وأصل هناك على 13 ظهرا وفي بعض المرات يفسد وضوئي فهل بإمكاني التيمم؟ مع العلم أنه ليس هناك مكان مغطى يمكنني أن أتوضأ فيه، أم هناك حل آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم، فلا يجوز التهاون في أدائها، بل يجب المحافظة عليها في أوقاتها، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103.
وقال سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238.
ومن وجد الماء وكان قادرا على استعماله لا يجوز له أن يتيمم، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) رواه البخاري (6954) ومسلم (225) .
ولا يجوز التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية حصول ضرر باستعماله، قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه) المائدة/6.
وعلى هذا، لا يجوز لك التيمم وأنت تستطيعين استعمال الماء، ويمكنك أن تتوضئي داخل الخلاء، فإن الوضوء فيه لا بأس به، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/679)
إذا استيقظ جنبا وخاف إن اغتسل أن يخرج الوقت فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استيقظ الرجل من نومه وهو جنب وقت إقامة صلاة الفجر، فلو اغتسل فاتته صلاة الجماعة، فهل له أن يتوضأ ويصلي في المسجد جماعة ثم إذا رجع اغتسل وصلى ركعتي الفجر، أم يغتسل ولو فاتت صلاة الجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بمجرد الوضوء.
ويجب عليه الاغتسال ولو خشي فوت صلاة الجماعة، بل لو استيقظ متأخرا وخشي خروج الوقت إن اغتسل، فجمهور العلماء – وهو الصواب – على أنه يلزمه الاغتسال، لأنه معذور.
والوقت في حقه هو وقت استيقاظه؛ لما روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين.
وقال ابن قدامة في بيان مذهب الجمهور: " وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت , لم يبح له التيمم , سواء كان حاضرا أو مسافرا , في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الأوزاعي , والثوري: له التيمم. رواه عنهما الوليد بن مسلم " انتهى من "المغني" (1/166) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن استيقظ آخر وقت صلاة وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى , ولو خرج الوقت , وكذا من نسيها " انتهى من "الاختيارات الفقهية".
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟
فأجاب:
"يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت، وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان، وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم، فنحن نقول: إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت، فنقول: اغتسل ولو خرج الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم، وليس من طلوع الفجر، لأنك معذور به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/680)
إذا استيقظ متأخرا والماء بارد فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أصابته جنابة في حلم أي احتلام فأصبح وهو متأخر عن عمله وكان الجو ممطرا وباردا فتيمم بالصعيد الطاهر، فهل يجوز ذلك؟ علما بأنه خاف التأخر عن عمله وخاف على نفسه من المرض والتهلكة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من احتلم وأنزل المني، وجب عليه أن يغتسل من أجل الصلاة، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) .
فمن استيقظ جنبا، وخشي الضرر باستعمال الماء لبرودة الجو، فإن أمكنه تسخين الماء، لزمه ذلك، ولو خرج الوقت؛ لأن النائم معذور، والوقت في حقه هو وقت استيقاظه، فتلزمه الصلاة وما يشترط لها من الطهارة.
وإذا لم يجد ما يسخن به الماء، جاز له التيمم حينئذ.
وخوف التأخر عن العمل لا يعتبر عذرا يبيح ترك الغسل والانتقال إلى التيمم.
وعلى من تيمم، بلا عذر يبيح التيمم أن يعيد ما صلاه بذلك التيمم؛ لتبرأ ذمته.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان البرد شديدا جدا جدا والماء في الإناء كالروب وفي الإبريق يتثلج ومثلا إنسان وقع عليه حدث والماء يؤثر عليه ويعمل له مرض الحمى كيف العمل؟
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يتيمم قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) لكن إذا أمكنه تسخينه بالنار وجب ذلك، ووجب عليه الغسل لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/681)
أجرت عملية ولا تستطيع الغسل من الحيض فهل تتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت عملية جراحية ولدي الدورة وأريد الصلاة ماذا أعمل، هل أتيمم، وما هي طريقة التيمم من الحيض، وهل أتيمم عند كل صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحائض يلزمها الغسل إذا طهرت من حيضها، وأرادت الصلاة، فإن عجزت عن الغسل لعدم قدرتها على استعمال الماء، لكونها لا تستطيع النهوض من سريرها، أو كان الماء يضر بها، فإنها تتيمم.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة، خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقال عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) .
فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه، فإنه يتيمم وهو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) .
وقال أيضاً: " وللمريض في الطهارة عدة حالات:
1- إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا مخوفا ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم، أو كان ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه، فهذا لا يجوز له التيمم، لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه؛ ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله.
2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة، فهذا يجوز له التيمم، لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) .
3- وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم.
4- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب، جاز له التيمم للأدلة السابقة، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي.
5- إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 26.
ثانيا:
صفة التيمم من الحيض، لا تختلف عن صفة التيمم من الحدث الأصغر
وقد سبق ذكر صفة التيمم في كلام الشيخ ابن باز رحمه الله.
وقد سبق بيانها مفصلة في جواب السؤال رقم (21074)
ثالثا:
التيمم كالوضوء، يرفع الحدث، على الراجح، فيجوز أن تصلي به أكثر من فرض، ولا يلزمك إعادته لكل صلاة.
فإذا تيممت لصلاة الظهر مثلا، ولم ينتقض وضوؤك، جاز لك أن تصلي به العصر، وهكذا.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تيمم الإنسان لنافلة، فهل يصلي بذلك التيمم الفريضة؟
فأجاب بقوله: " التيمم رافع للحدث، وحينئذ له أن يصلي الفريضة وإن كان يتيمم لنافلة، كما لو توضأ لنافلة جاز له أن يصلي بذلك الوضوء الفريضة، ولا يجب إعادة التيمم إذا خرج الوقت، ما لم يوجد ناقض " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/240) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/682)
زوجته لا تستطيع الاغتسال لمرض فهل له أن يجامعها وتتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي مصابة بمرض يُمنع المصاب به من استعمال الماء، الإصابة ستستمر مع زوجتي لمدة 3 أسابيع فهل يحرم على مباشرة زوجتي في هذه الفترة لأنها لن تستطيع الاغتسال من الجنابة أم أقضي وطرى منها وتتيمم هي للصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في مباشرة أهلك، ولو كان الأمر على ما ذكرت من عدم تمكنها من استعمال الماء بسبب المرض، ويكفيها التيمم إلى أن يشفيها الله فتغتسل.
روى أبو داود (333) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: كُنْتُ أَعْزُبُ عَنْ الْمَاءِ (أي يقيم في مكان بعيد عن الماء) وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طُهُورٍ (يعني: يتيمم ولا يغتسل) فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لِي بِمَاءٍ فاغتسلت، ثم قال: (إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد كره بعض أهل العلم أن يجامع الرجل امرأته وليس عنده ماء يغتسل به، والصواب: عدم الكراهة، لحديث أبي ذر المتقدم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذلك، بل أخبره أن التيمم يكفيه إلى أن يجد الماء فيغتسل.
وقال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر قول من كره ذلك:
" والأولى جواز إصابتها من غير كراهة ; لأن أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه وسلم:. . . ثم ذكر الحديث المتقدم. . وأصاب ابن عباس جارية له , وهو عادم للماء , وصلى بأصحابه وفيهم عمار , فلم ينكروه. قال إسحاق بن راهويه: هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر وعمار وغيرهما " انتهى من "المغني" (1/171) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/683)
الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟.
فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45.
وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟
فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) .
أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) .
وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟
فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى.
ثانياً:
الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله.
وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن.
نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/684)
كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي، يصعبُ عليها الوضوء.
والسؤال: كيفَ تتوضأُ أو تتيمم؟
هل يُجلَبُ لها ترابٌ، أم ماذا؟
هل تتيممُ بالجدار (وليس عليه غبارٌ) ، أم ماذا تفعل؟
وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها؟
وما صفةُ صلاتِها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه:
فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة، ويساعدُه على وضوئِه، فالوضوءُ واجبٌ في حقه.
وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه.
وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) :
" ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها.
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت.
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه.
وهو قولُ الحسن؛ لأنّه عادمٌ في الوقت، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى.
وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (1/265) :
" لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه، فحُكمُه حكمُ العادم.
وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه، تيمَّمَ وصلّى، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى.
وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (1/433-434) :
" فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء، وليس له من يناولُه، فهو كالعادم. وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى.
وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (14/260) :
" يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره، والمحبوسِ، والمربوط بقربِ الماء، والخائفِ من حيوانٍ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه، فإنّ ذلك خير) " انتهى.
وانظر سؤال رقم (20935) .
ثانيًا:
إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (67614) .
ثالثًا:
أما عن صفةِ التيمم:
فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (1/488) :
" والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة: أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (21074) .
رابعًا:
إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه، فلا تلزمُه الإعادة، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه، وفعل ما أُمِرَ به.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (1/425) :
" لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ، يفعلُها بحسبِ الإمكان، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم: (الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم) وقولِه: (الترابُ كافيك) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى.
خامسًا:
التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ، اختلفَ فيه أهلُ العلم، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) النساء/43، والصحيح في معنى الآية: أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة. . أم غير ذلك.
وعلى هذا: إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً (بخشب أو دهان) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد.
وانظر سؤال رقم (36774) .
سادسًا:
أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة:
فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/208) :
" يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر.
وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئُ إيماءً " انتهى.
وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان: لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه، وهذا منذُ عشرِ سنوات، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ. أم لا؟
فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه؟
وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة؟
فأجابَ:
" المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) .
فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء، فإنه يجبُ عليه ذلك.
وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب.
وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة.
فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود.
وهكذا، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/رقم 27)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/685)
يعاني من مرض جلدي في شفته فكيف يتوضأ
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ 6 سنوات وأنا أعاني من مشاكل جلدية في شفتي. فإذا تعرضت للماء، فإنها تتشقق كثيرا، ويتغير لونها إلى الأبيض. ولذلك فإني أجد مشقة في الوضوء.
فهل يجوز لي التيمم والحال ما ذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.
ثانيا:
إذا كانت شفتك تتضرر باستعمال الماء في الوضوء، فيلزمك أن تغسل ما استطعت من وجهك، مع بقية أعضاء الوضوء، ثم تتيمم بدلاً عما تركته من المضمضة وغسل الشفة وما قاربها. لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
ولك أن تتيمم قبل الوضوء أو بعده.
وأما ترك الوضوء بالكلية، والاكتفاء بالتيمم، فلا يجوز، بل يجب الجمع هنا بين غسل الأعضاء الصحيحة، والتيمم.
وما قيل في الوضوء يقال في الغسل، فيلزمك غسل بدنك وما استطعت من وجهك، مع التيمم.
قال في "زاد المستقنع": " ومن جُرح تيمم له، وغسل الباقي " انتهى.
أي: من جُرح ولم يستطع غسل موضع الجرح فإنه يتيمم له، ويغسل باقي أعضائه الصحيحة.
والأصل في ذلك أن من به جرح أو حرق أو علة، في عضو من أعضاء وضوئه، فله أربع مراتب:
" الأولى: أن يكون مكشوفا ولا يضره الغَسل، فيجب عليه غسله.
الثانية: أن يكون مكشوفا، ويضره الغَسل، دون المسح، فيلزمه المسح.
الثالثة: أن يكون مكشوفا ويضره الغَسل والمسح، فهنا يتمم للجرح، مع غسل بقية أعضاء الوضوء.
الرابعة: أن يكون مستورا بلزقة أو شبهها محتاج إليها، فيمسح على الساتر، ويتم وضوؤه، ولا يتيمم ".
"فتاوى أركان الإسلام" للشيخ ابن عثيمين (ص 234) بتصرف.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن توضأ وبيده جرح لا يصله الماء، ونسي أن يتيمم عنه، وصلى، فأجاب:
" إذا كان في موضع من مواضع الوضوء جرح لا يمكن غسله ولا مسحه؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن هذا الجرح يزداد أو يتأخر برؤه، فالواجب على هذا الشخص هو التيمم، فمن توضأ تاركا موضع الجرح، ودخل في الصلاة وذكر في أثنائها أنه لم يتيمم، فإنه يتيمم ويستأنف الصلاة؛ لأن ما مضى من صلاته قبل التيمم غير صحيح ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/197) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/686)
التيمم بآنية من الفخار أو على حائط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التيمم بآنية مصنوعة بمواد من الأرض كآنية الطين أو الفخار أو على الجدران مع أنها تكون مطلية بالدهان.. إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من تراب وطين وحجر ورمل وفخار؛ لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) النساء/43، والصعيد: وجه الأرض. والطيب: الطاهر.
فيجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، فيصح التيمم عندهما بالتراب والرمل والحصى. وجوز أبو حنيفة التيمم بالحجر الأملس والحائط المطين والخزف المصنوع من الطين الخالص. وكذا لو ضرب بيده على ثوب فارتفع غبار.
"بدائع الصنائع" (1/53) ، "التاج والإكليل" (1/511) ، "الموسوعة الفقهية" (14/261) .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد ترابا. "الاختيارات الفقهية" (ص 28) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟
فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض. أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) .
والحاصل أنه يجوز التيمم بالجدار أو الآنية المصنوعة من الطين أو الفخار، ما لم تكن مطلية، فإن كانت مطلية فلا يصح التيمم إلا إذا كان عليها غبار، ويمكن للمسلم أن يجعل في الإناء تراباً أو رملا ويتيمم منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/687)
لماذا نصلي الظهر والعصر سراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نصلي الظهر والعصر سرا في حين أنه ورد في القرآن جليا ما يلي: قال تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) الآية 110 من سورة الإسراء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختير أن الظهر والعصر يُسرّ فيهما بالقراءة لأن وقتهما في النهار، والإنسان في ذلك الوقت قد يكون منشغل البال، فتكثر عليه الواردات فيكون منشغلا بوظيفته أو تجارته أو صناعته فلو كانت القراءة جهرية لانشغل قلبه ولم ينصت لقراءة الإمام، ولم يستمع لها ولم يتفرغ بل تواردت عليه الشواغل فكان الأمر أن يقرأ لنفسه حتى تكون قراءته تجلب له التفكير والتأمل. ومن المعلوم أنه في حالة إن كانوا جماعة في الظهر أو العصر فلا يجهروا في القراءة، لأن فيه تشويشاً على بعضهم البعض، فأمر الإمام والمأموم أن يسرّوا بالقراءة. وأما في صلاة الليل فالغالب أن الإنسان يكون قد تفرغ عن الانشغال فأمر أن يجهر الإمام بالقراءة حتى يُستفاد من قراءته.
أما الآية التي ذكرت فهي خاصة بصلاة الليل والتهجد فإذا كان الإنسان يصلي وحوله أناس يستمعون لقراءته وآخرون في حال نوم فلا يجهر حتى لا يؤذي النائمين، ولا يخافت فتضيع الفائدة على المستمعين، بل عليه أن يجهر قليلا بقدر ما يسمع، ولا يجهر كثيرا حتى لا يتأذى به النائمون. وكما ورد في الآية فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجاهر بقراءته فيسمعه المشركون فيسبوا القرءان ومن جاء به فنهي عن الجهر به ثم أصبح يُسرّ به فتفوت الفائدة عن أهل بيته ومن يستمع إليه فأمر أن يجهر قليلا.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ ابن جبرين رحمه الله(5/688)
حكم وجود الدفايات الكهربائية في المساجد أمام المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الصلاة في المسجد وأمام المصلين مدفأة كهربائية في المناطق الباردة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" كره أكثر العلماء الصلاة إلى النار، منهم: ابن سيرين، كره الصلاة إلى تنور، وقال: هو بيت نار.
وقال سفيان: يكره أن يوضع السراج في قبلة المسجد.
وقال مهنا: سألت أحمد عن السراج والقنديل يكون في قبلة المسجد؟ قال: أكرهه.
ونقل الفرج بن الصباح عن أحمد، قال: إذا كان التنور في قبلة لا يصلى إليه؛ كان ابن سيرين يكره أن يصلي إلى التنور.
ووجه الكراهة: أن فيه تشبها بعباد النار في الصورة الظاهرة، فكره ذلك، وإن كان المصلي يصلي لله، كما كرهت الصلاة في وقت طلوع الشمس وغروبها لمشابهة سجود المصلي فيه سجود عباد الشمس لها في الصورة، وكما تكره الصلاة إلى صنم والى صورة مصورة "
انتهى ملخصا.
"فتح الباري" لابن رجب (3/209) .
وقال الشيخ عليش المالكي رحمه الله في "فتاويه" (1/122) :
" لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِأَهْلِ النَّارِ، وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِ عَذَابٍ، وَلَا مَا هُوَ مِنْ مَلَابِسِ أَهْلِ الْعَذَابِ، كَخَاتَمٍ حَدِيدٍ، وَكَالزُّنَّارِ وَالْغِيَارِ وَالصَّلَاةِ إلَى النَّارِ " انتهى ملخصا.
ثانيا:
المدفأة الكهربائية المعروفة الآن، ذكر أهل العلم أنها تختلف عن النار التي كره السلف الصلاة إليها، فلا تأخذ حكمها، ولا تكره الصلاة إليها، لا سيما مع الحاجة إلى وضعها في هذا المكان.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
يقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام أو مكروه يتنزه عنه؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟
فأجاب بقوله:
" اختلف العلماء ورحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار: فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار، والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها.
ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت، وإن جعلوها عن إيمانهم أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم وهم الذين يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة.
ثم إن الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام، وإنما تكون أمام المأمومين، وهذا يخفف أمرها؛ لأن الإمام هو القدوة، ولهذا كانت سترته سترة للمأموم " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12 / 340-341)
وينظر: "فقه النوازل في العبادات"، للشيخ خالد المشيقح (ص46-47) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/689)
شاب يشتكي من عدم إيقاظ والده له لصلاة الفجر فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يوقظني أبي لصلاة الفجر وقد بلغت سن الحلم، فماذا عليَّ أن أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على أداء صلاة الفجر في المسجد، ونسأل الله سبحانه وتعالى لك الثبات، ومزيداً من التوفيق، والاستقامة.
ثانياً:
يجب على الوالدين أن يحثا أولادهما – ذكوراً وإناثاً - على المحافظة على الصلاة في وقتها، وأن يقوما بتشجيعهما على ذلك؛ فالأب راع في بيته ومسئول عن رعيته، والأم – كذلك - راعية، ومسئولة عن رعيتها.
ولينظر جواب السؤال رقم (103420) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يجوز أن يخرج الرجل إلى الصلاة وأولاده بالمنزل؟ .
فأجاب:
"يجب على المرء أن يقوم بأمر الله عز وجل في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ، يجب على المرء أن يأمر أهله بالصلاة، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) ، وكما ذكر الله تعالى عن إسماعيل أبي العرب أنه كان (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) .
ولا يحل له – أي: الوالد - أن يُبقي أولاده نائمين دون أن يوقظهم للصلاة ويتابعهم، ولا يكفي الإيقاظ فقط، بل لابدَّ من المتابعة؛ لأنه ربما يوقظهم ثم يرجعون، فينامون" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/215) .
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الشاب الذي ينشأ في طاعة الله؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ) ، ذكر منهم: (شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ) رواه البخاري (629) ومسلم (1031) .
ومن أهم الأسباب التي تساعد على نشأة الشاب في عبادة ربه، أن يقوم أبواه أو من يتولى تربيته بتعويده على ذلك من الصغر، وتشجيعه والأخذ بيده باستمرار.
وهنيئاً للوالدين مثل هذا الابن الذي يتأسف على عدم إيقاظ والده له لأداء صلاة الفجر، وكم يوجد من الآباء من هو على استعداد لبذل كل ما يملك في سبيل أن يكون ابنه صالحاً مستقيماً على طاعة الله، ونأسف أن يكون حال بعض الآباء الزهد في تشجيع أبنائه على الصلاة في وقتها، أو في المسجد جماعة.
ثالثاً:
إذا كان والدكَ يستيقظ للصلاة في وقتها، ويصلي في المسجد جماعة: فالأمر سهل - إن شاء الله - فتطلب منه أن يوقظك للصلاة، وأن يصطحبك معه، وتناقش معه الأمر بهدوء.
وأما إذا كان لا يصلي، ويتركك نائماً من باب الشفقة عليك، فهي شفقة في غير محلها بلا شك.
وعليك أن تأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة , كالنوم مبكراً , ووضع المنبِّه , والعزيمة الصادقة , والطلب ممن يستيقظ للصلاة من أهلك أن ينبهك، أو عن طريق طلب التذكير بالهاتف عن طريق بعض الأصدقاء، وغير ذلك من الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة في وقتها.
ويستحسن أن تطلب من إمام الحي أن يبحث هذا الموضوع في درس خاص في المسجد، أو في خطبة الجمعة؛ ليُسمع والدك الحكم الشرعي في فعله، ويتنبه إلى أهمية أمر أولاده وأهله بالصلاة وأن ذلك من الواجبات عليه التي سيسأل عنها بين يدي الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله وتوفيقه , وأن يشرح صدر والدك لإيقاظك للصلاة، وأن يجعلك وأهلك جميعاً من المقيمين للصلاة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/690)
من هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، بينما أجد الكثير من المصلين من يملك أسوأ الأخلاق , نجده مرتشيا، وحراميا، ولصا، وكذابا، وكل شيء من هذا القبيل , فاستغربت لهذا. أود منكم الإيضاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نجد داعيا لاستغرابك أخي السائل، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الحقيقية التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه، يتذلل بها بين يدي الله، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه، وهو في ذلك راغب فيما عنده عز وجل، صادق التوبة والإنابة، مخلص السريرة له سبحانه.
فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة، لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة، التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر، ولم يكتب له من أجرها إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها.
يقول الله عز وجل فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ)
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190)
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
" في الآية تأويل ثالث، وهو الذي ارتضاه المحققون، وقال به المشيخة الصوفية، وذكره المفسرون، فقيل المراد بـ (أقم الصلاة) : إدامتها، والقيام بحدودها.
ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، والصلاة تشغل كل بدن المصلي، فإذا دخل المصلي في محرابه، وخشع، وأخبت لربه، وادكر أنه واقف بين يديه، وأنه مطلع عليه ويراه: صلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة.
فهذا معنى هذه الأخبار؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون.
قلت – أي القرطبي -: لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، وهذا أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإن الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرض معلوم، وهذا مما لا خلاف فيه.
وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكُلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟!
فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر.
ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء، لا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل – كصلاتنا، وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى: تركته الصلاة يتمادى على بعده، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا) " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (13/348) .
والحديث المشار إليه في آخر كلامه: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر، وإذا لم تنهه: دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً، وقد قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) مريم/59، وإضاعتها: التفريط في واجباتها وإن كان يصليها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22/6)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فإن قال قائل: كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان؟
فالجواب: تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل، وهي التي يكون فيها حضور القلب، والقيام بما يجب فيها.
أما صلاة غالب الناس اليوم فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب؛ ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي لا فائدة منها؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب.
لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله، وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة: لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ؛ لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه، وأحب شيء إليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة) .
أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها، لكن قلبه مشغول بغيرها: فهذا لا تكون الصلاة عوناً له؛ لأنها صلاة ناقصة؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها، كما قال الله تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت/45، وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء والمنكر، هو على ما هو عليه،؛ لا لانَ قلبه لذكر، ولا تحول إلى محبة العبادة" انتهى.
" تفسير سورة البقرة " (1 / 164، 165) .
وينظر: " اللقاء الشهري "، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1/سؤال رقم/17) .
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" للصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت/45.
فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله؛ هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ويحصل بها على الفلاح.
أما الذي يصلي صلاة صورية؛ من غير حضور قلب، ومن غير خشوع، قلبه في واد وجسمه في واد آخر؛ فهذا لا يحصل من صلاته على طائل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 53، 54) .
وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (26/86) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/691)
هل يقنت قنوت النوازل في صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ثبت عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا يدعو على بعض القبائل عندما نزلت بأصحابه نازلة فهل كان يقنت في كل الصلوات المفروضة؟ وهل كان يقنت في صلاة الجمعة؟ وهل يجوز لنا عندما تنزل بنا نازلة أن نقنت في صلاة الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه شهراً على قبائل من العرب غدروا بسبعين من أصحابه رضي الله عنهم وقتلوهم.
فروى البخاري (3170) ومسلم (677) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس كلها، لا يخص فرضا دون فرض، فروى أبو داود (1443) وأحمد (2741) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) صححه ابن القيم في "الزاد" (1/280) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال النووي رحمه الله:
" الصَّحِيح فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نَزَلَتْ (يعني النازلة) قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ " انتهى
"المجموع" (3/485) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
"يُشْرَعُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22 / 270)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضا دون فرض" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/42) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"قنوت النوازل سنة مؤكدة في جميع الصلوات , وهو الدعاء على الظالم بأن يخزيه الله ويذله ويهزم جمعه ويشتت شمله، وينصر المسلمين عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (7/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصاً بصلاة الفجر والمغرب، وليس خاصاً بليلة أو يوم معين من الأسبوع، بل هو عام في كل أيام الأسبوع " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (160/32) .
أما القنوت في صلاة الجمعة فقد اختلف العلماء في ذلك، وذهب أكثرهم إلى أنه لا يقنت، اكتفاءً بالدعاء في الخطبة، ولأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيها.
فعن طاوس ومكحول والنخعي أنه بدعة.
وأنكره عطاء والحسن وقتادة.
"مصنف عبد الرزاق" (3/194) ، "مصنف ابن أبي شيبة" (2/46) .
وعن الإمام مالك رحمه الله أنه سأل ابن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال: "محدث" انتهى.
"الاستذكار" (2/293) .
وعنه أيضا قال: "كان الناس في زمن بني أمية يقنتون في الجمعة، وما ذلك بصواب" انتهى.
"الاستذكار" (2/76) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/175) :
" وَعَنْهُ – يعني الإمام أحمد - يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ خَلَا الْجُمُعَةِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ , وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [ابن تيمية] ، وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي" انتهى باختصار.
وقال ابن المنذر رحمه الله:
" اختلف أهل العلم في القنوت في الجمعة، فكرهت طائفة القنوت في الجمعة، وممن كان لا يقنت في صلاة الجمعة: علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير، وبه قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وقال أحمد: بنو أمية كانت تقنت.
وروي عن محمد بن علي، قال: القنوت في الفجر، والجمعة، والعيدين، وكل صلاة يجهر فيها بالقراءة. قال ابن المنذر: بالقول الأول أقول " انتهى.
"الأوسط" (6/41-42) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم القنوت في صلاة الجمعة؟
فأجاب:
"يقول العلماء: إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة، هكذا قال أهل العلم.
فقيل له: وإن قنت؟
فأجاب:
ما دام أن العلماء قالوا: لا يقنت، فعليه أن يترك.
فقيل له: وهل هو جائز؟
فأجاب:
لا بأس؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (24/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/692)
هل تجوز الصلاة في غرفة بها صور ذوات أرواح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نستخدم الفصل للصلاة ومؤخراً تم وضع صور إرشادية عن الأشياء الخطيرة والصور تضم صور بشر فهل يجوز الصلاة في هذه الغرفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أن تكون صلاة الرجال جماعة في المسجد، ولكن إذا خيف من تلاعب بعض الموظفين أو تأخره عن العمل بحجة الذهاب إلى الصلاة أو الإضرار بالعمل فلا حرج حينئذ من الصلاة في مكان العمل.
وانظر جواب السؤال رقم (72895) و (74978) .
ثانياً:
لا تجوز الصلاة في الأماكن التي بها صور لذوات الأرواح إلا للضرورة؛ لما روى البخاري (3322) ومسلم (2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للمسلم أن يصلي في بيت جدرانه مستترة بصور الحيوانات الإنسانية وغيرها؟
وهل يجوز للمسلم أن يصلي بثوب صور عليه الحيوان؟
فأجابوا:
"تصوير ذوات الأرواح حرام، وجعل صور ذوات الأرواح في الحيطان ونحوها حرام كذلك. والصلاة في المكان الذي فيه تلك الصور غير جائزة إلا للضرورة، وهكذا الصلاة في الملابس التي تشتمل على صور لحيوان لا تجوز، لكن لو فعله صحت مع التحريم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لما رأى سترا عند عائشة فيه تصاوير غضب وهتكه وقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 705) .
وسئلوا أيضاً:
إننا منذ سنوات في إحدى الدوائر الرسمية وقد خصص لنا إحدى صالات التوزيع في المبنى الذي نعمل فيه، نصلي فيها جماعة وقت وجودنا بالعمل، ومنذ مدة وضع في الجدار الأمامي اتجاه القبلة عدد من الصور الكبيرة لشخصيات كبيرة، وتحرجنا كثيرا من وجود هذه الصور أمامنا في الصلاة، فما رأيكم في نصب الصور في المكان المخصص لصلاة المسلمين منذ زمن، وهل نستمر في الصلاة مع وجودها؟
فأجابوا:
"الصلاة صحيحة، ولا حرج عليهم إن شاء الله في ذلك إذا كانوا مضطرين للصلاة في المكان المذكور لعدم وجود مسجد قريب منهم، ولكن يجب عليهم أن يبذلوا وسعهم مع المسؤولين لإزالة الصور من هذا المكان، أو إعطائهم مكانا آخر ليس فيه صور؛ لأن الصلاة في المكان الذي فيه الصورة أمام المصلين فيه تشبه بعباد الأصنام، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة دالة على النهي عن التشبه بأعداء الله والأمر بمخالفتهم، مع العلم بأن تعليق الصور ذوات الأرواح في الجدران أمر لا يجوز، بل هو من أسباب الغلو والشرك، ولا سيما إذا كانت من صور المعظمين " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 /250-251) .
وعلى هذا، فالصلاة صحيحة في هذا الفصل، ولكن الواجب عليكم السعي لإزالة هذه الصور، أو على الأقل طمس معالم الوجه، فذلك يغني عن إزالتها كما سبق بيانه في جوال السؤال رقم (121395) .
فإن لم تستطيعوا فحاولوا إيجاد مكان آخر للصلاة يخلو من هذه الصور، فإن لم يمكن فلا حرج عليكم من الصلاة في هذا الفصل، لأنكم مضطرون للصلاة فيه، مع أهمية نصح المسؤولين بإزالة هذه الصور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/693)
حكم دخول المسجد وعلبة الدخان مخبأة في الثوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول المسجد وعلبة السجائر بالجيب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبغ أو التنباك، وهو المعروف اليوم بـ " الدخان "، من المواد التي تسبب ضررا محققا لجسم الإنسان، وصدرت الفتاوى الكثيرة بحرمته وحرمة تعاطيه وبيعه وشرائه، وهذا مما لا شك فيه اليوم.
غير أن ذلك لا يعني نجاسة هذه المادة، فليس كل حرام يعتبر نجسا، فالسم مثلا يحرم تناوله، ولكنه لو أصاب الثوب فلا يجب غسله، وتصح الصلاة به، وهكذا هو الشأن في حكم " الدخان "، يحرم تناوله، ولكن لا ينجس حامله، وتصح الصلاة به، إذ لا دليل على الحكم بنجاسته.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (10/111-112) :
" صرح المالكية والشافعية بطهارة الدخان.
قال " الدردير ": من الطاهر الجماد، ويشمل النبات بأنواعه، قال الصاوي: ومن ذلك الدخان. " انتهى.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن:
" رجل يصلي في المسجد في الروضة، وسقط من جيبه بكت دخان، فما حكم فعله، وهل يجوز حمل الدخان في المساجد؟ ".
فأجابت:
" إن كان المقصود بالسؤال عن حكم فعله: حمل الدخان إلى المسجد؛ فلا يخفى أن الدخان من الأمور المنكرة والخبيثة، وشربه محرم؛ لما فيه من الضرر البالغ على النفس والمال والمجتمع، ولانتفاء المصلحة منه.
وحيث إنه خبيث فينبغي صيانة بيوت الله عنه، وحمله إليها مما يتعارض مع تعظيم بيوت الله وتكريمها، فلا يجوز.
وإما إن كان المقصود بالسؤال عن حكم الفعل بالنسبة للصلاة: هل سقوط الدخان من جيب المصلي يفسد الصلاة، أويبطلها؛ فصلاة من سقط منه الدخان صحيحة ".
فتاوى اللجنة الدائمة (22/183) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
" ما حكم حمل بكت – أي علبة - الدخان إلى المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أنا لا أدري هل أقول إن حمله حلال؟ إن قلت: حمله حلال، معناه شربه حلال، وإن قلت حمله حرام، فقد يظن الناس أننا إذا قلنا إن حمله حرام يعني أن الصلاة لا تصح وهو حامل له، ولكني أقول:
الصلاة تصح ولو كان حاملا له، وذلك لأنه ليس بنجس، إذ ليس كل حرام يكون نجسا، وأما النجس فهو حرام، فهاتان القاعدتان ينبغي لطالب العلم أن يفهمهما: ليس كل حرام نجسا، والقاعدة الثانية كل نجس فهو حرام، فالقاعدة الأولى أنه ليس كل حرام نجسا، فإننا نرى أن السم حرام وليس بنجس، وأكل البصل لمن أراد أن يأكله ليتخلف عن الجماعة حرام، والبصل ليس بنجس، وأما أكل البصل للتشهي أو التطبب فلا بأس به، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة، لأنه لم يقصد بأكله أن يتخلف عن الجماعة، نجد أن الدخان السيجارة حرام وليس بنجس.
أما القاعدة الثانية وهي أن كل نجس حرام فدليلها قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فبين تبارك وتعالى أن علة التحريم كونه رجسا أي نجسا، فيستفاد من ذلك أن كل نجس فهو حرام " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (الصلاة/مكروهات الصلاة)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/694)
إسعاف مغشي عليه أثناء صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء صلاة الجمعة سقط أحد المصلين بالقرب مني مغشيا عليه …..سؤالي هو:
ما الذي ينبغي أن نفعله في هذه اللحظة؟ هل ننبه الآخرين ونطلب المساعدة والنجدة،،، أم ننتظر حتى نفرغ من صلاتنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا بحسب ما أصاب هذا المصلي: فان كان يتضرر بانتظار فراغكم من الصلاة فإنكم تقطعون الصلاة لإسعافه. وإن كان لا يتضرر بانتظار فراغكم فأسعفوه بعد الصلاة. والله أعلم
فتوى الشيخ عبد الله الغديان.
وأنتم في مثل هذه الحال تعملون بما يغلب على ظنكم في تضرره بانتظار فراغكم أو عدم تضرره والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/695)
رجعت لها وساوس الصلاة، فلا تخشع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعاني من وساوس الشيطان، لكن الحمد لله تخلصت منها، لكن الآن أصبحت مختلفة , أصبحت الوساوس في الصلاة , يعني أنني لا أخشع , وأستعيذ بالله، وأحاول أبعدها , لكن بدون فائدة، والمشكلة أن إيماني يقل لدرجة كبيرة , وإذا قلَّ الإيمان تقل الأعمال الصالحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من علامات صلاح العبد وحياة القلب أن لا يزال في مراجعة تامة لأحواله، وأعماله، وخطراته، فالحساب يوم القيامة عسير، والناقد سبحانه وتعالى بصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
غير أننا نخطئ حين نظن أن حياة القلب أمر يسير، يمكن استجلابه في أي حين، أو يمكن تحصيله بأي سبب، ولو كان الأمر كذلك لما وجدت درجات الجنة ولا دركات النار، ولما تفاضل الناس في الإيمان، بل لصافحتنا الملائكة بالطرقات.
كلنا يعلم – أختي الكريمة – مكامن الضعف في نفسه، ومواضع الزلل في قلبه، ومتى يزداد الإيمان في قلوبنا، ومتى يهن اليقين في عزائمنا، نَجِدُّ ونكبو، ونسعى ونتعثر، ونحن في ذلك كله متعلقون برحمة الله وعطفه وإحسانه، لا لفضلنا ومنزلتنا، وإنما لكرمه وجوده وواسع فضله سبحانه، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، يعلم ضعفنا وعجزنا، وخطأنا وجهلنا، وكل ذلك عندنا، بل جعل جميع تلك الخواطر والأحوال من آياته التي يقسم بها، فقال عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أما النفس اللوامة: فقال قرة بن خالد، عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن - والله - ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه " انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (8/275) .
تأكدي أختي الكريمة أن الذي يظن أنه يجد الطمأنينة التامة في الدنيا، والخشوع الكامل، أو أنه لا يتعرض لوساوس الشيطان ونفثات النفس الأمارة بالسوء، فقد أخطأ ظنه، ولم يفلح في تجاوز ما يواجه من ذلك، فالخطوة الأولى في العلاج هي تقبل الأمر، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وبهذا تتخلص النفس من أرق كبير يسببه شعورها بالتفرد بالمعاناة، والشذوذ عن جميع الناس.
ولا يعني ذلك القعود والتكاسل عن تحصيل معالي الأمور، بل طلب الخشوع من الواجبات باتفاق العلماء، لكن الذي نعنيه من ذلك الحث على المصابرة والمجاهدة في استجلاب اليقين التام، والتذلل الكامل لله عز وجل، في الصلاة وخارجها، والله سبحانه وتعالى سيكتب لكل من جاهد في سبيل ذلك الأجر العظيم عنده، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200.
والمسلم الذي يؤمن بهذه الآيات الكريمات، لا يصيبه اليأس من تحصيل ما وعده الله تعالى من النجاح والفلاح، فالمهم هو سلوك الطريق الصحيح إلى الله عز وجل، وطلب أسباب الخشوع والطمأنينة، وتحمل العناء في سبيل ذلك، فإذا أصاب بعد ذلك المطلوب فهنيئا له جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، وإلا فثوابه في الآخرة عند الله تعالى ثواب الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
ونرجو من الأخت السائلة أن تستعين بما سبق نشره في موقعنا من نصائح مفيدة في أمر الخشوع ودرء الوساوس وعلاجها، لم نشأ أن نكررها هنا خشية الإطالة أو الإملال، وهي تحمل الأرقام الآتية: (25778) ، (39684) ، (106426) .
كما ننصح بمراجعة قسم " الكتب " في موقعنا، وقراءة رسالة بعنوان (33 سببا للخشوع في الصلاة) ، ففيها أمور مفيدة إن شاء الله تعالى.
ومع ذلك فلا نخلي جوابنا هنا من فائدة جديدة، ننقلها عن واحد من أكثر العلماء عناية بهذه الأبواب، وهو الإمام الغزالي رحمه الله، فنرجو قراءة هذا النص الذي ننقله عنه بمزيد عناية وتأمل.
يقول رحمه الله:
" لا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه.... فمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب.
فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة، ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم، بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه، وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره.
فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات، وقطع تلك العلائق، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دنه، وجند إبليس عدوه، فإمساكه أضر عليه من إخراجه، فيتخلص منه بإخراجه، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته، وقال عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، وائتوني بأنبجانية أبي جهم) ، وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم، وكان على المنبر، فرماه وقال: (شغلني هذا، نظرة إليه، ونظرة إليكم) ......، ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها، لا ليتزود منها، ولا ليستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته.
وهمة الرجل مع قرة عينه، فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة، ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالا.. وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا.
وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخلٍّ، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخلِّ لا محالة، ولا يجتمعان " انتهى باختصار.
"إحياء علوم الدين" (1/161-165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/696)
إذا اغتسل من الاحتلام استمر معه خروج المني أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً لردكم على سؤالي لكني رأيت أنه يجب المزيد من التوضيح بالنسبة لموضوع رش الماء الساخن على الفرج وهو أن الاحتلام حدث وقت صلاة العصر وأنا لدي مشكلة وهي أن المني وحتى المذي يستمران معي بالخروج بعد نزولهما لمدة ليست بقصيرة وكثيراً ما يحدث لي أن ينزل أحدهما وقت الصلاة سواء كان ذلك بسبب التفكير أو الاحتلام وحتى لا تفوتني الصلاة فإني أقوم برش الماء الساخن لأخرج ما يتبقى. علماً أني لا أشعر بأي شهوة عندما أستخدم هذه الطريقة. حسناً أنا الآن سأقضي صيام ذلك اليوم الذي حدثتكم عنه بإذن الله لكن ماذا علي أن أفعل إذا استمر المني بالخروج وأنا في صلاتي؟ هل أصلي على تلك الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكرك على هذا التوضيح، ونسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياك منكرات الأقوال والأعمال.
ثانيا:
إذا لم يكن الخارج مستمرا دائما، فإنه لا يأخذ حكم السلس، بل ينتقض الوضوء بمجرد خروجه، ولو كان ذلك في الصلاة، فيخرج من ابتلي بذلك ويتوضأ ويعيد الصلاة، ويلزمه غسل ما أصابه إن كان الخارج بولا أو مذيا لأنهما نجسان، بخلاف المني فإنه طاهر.
ولكن المصلي لا يخرج من صلاته إلا إذا تحقق وتيقن من خروج شيء منه؛ لأن الأصل بقاء الطهارة، واليقين لا يزول بالشك.
ومن خرج منه المني فاغتسل له، ثم عاد فخرج بلا شهوة، لم يلزمه الغسل، لكن ينتقض وضوؤه.
ينظر: "الشرح الممتع" (1/337) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا توضأت كل وقت وخرجت للمسجد ينزل مني مذي فهل لي صلاة علما أنني إذا استحميت وخرجت فهو يخرج مني بغير شهوة فهل يلزمني في كل وقت أن أستحم؟
فأجابوا: "إذا نزل ذلك منك باستمرار فهو سلس، وعليك أن تتوضأ منه لكل صلاة عند دخول الوقت، وصلاتك صحيحة ولو نزل أثناءها. وإذا كان لا يتكرر نزوله منك كثيرا وجب عليك الوضوء الشرعي منه للصلاة، وذلك بعد أن تغسل الذكر والأنثيين، وليس عليك الغسل (الاستحمام) من ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/413) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
فأجاب: "الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء، لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/697)
تقلقه الوسواس والخطرات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أصلي أو أنوي فعل أمر طيب تخطر لي أفكار شيطانية. عندما أركز في الصلاة وأحاول أن أركز على معاني الكلمات تدخل الأفكار الشيطانية إلى عقلي وتكون لي اقتراحات سيئة عن كل شيء بما في ذلك الله. أشعر بالغضب من أجل ذلك. أعلم أنه لا أحد يقبل التوبة إلا الله وحده، ولكن بسبب أفكاري أشعر أنه لا يوجد أسوأ من أن يخطر ببالي أفكار سيئة عن الله. أسأل الله المغفرة بعد الصلاة ولكني أشعر بالضيق لأني أريد أن أوقف هذه الأفكار السيئة ولكني لا أستطيع. هذه الأفكار تفقدني التمتع بالصلاة وتشعرني بأني مشؤوم. أرجو منكم نصحي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوساوس السيئة في الصلاة وغيرها من الشيطان، وهو حريص على إضلال المسلم، وحرمانه من الخير وإبعاده عنه، وقد اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوسواس في الصلاة فقال: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " رواه مسلم (2203)
والخشوع في الصلاة هو لبها، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وإن مما يعين على الخشوع " شيئان:
الأول: اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله، وتدبر القراءة والذكر والدعاء، واستحضار أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه، فإن المصلي إذا كان قائماً فإنما يناجي ربه، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان – والأسباب المقوية للإيمان كثيرة – ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وفي حديث آخر أنه قال: " أرحنا يا بلال بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها.
الثاني: الاجتهاد في دفع ما يُشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه، وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، وهذا في كل عبدٍ بحسبه، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ". انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/605) .
وأما ما ذكرته من أن الوساوس بلغت بك مبلغاً عظيماً بحيث أصبحتَ توسوس في ذات الله بما لا يليق بالله، فإن هذا من نزغات الشيطان، وقد قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) فصلت /36.
وقد اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي تنغص عليهم، فجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة.
قال النووي في شرح هذا الحديث: " قوله صلى الله عليه وسلم: (ذَلِكَ صَرِيح الإِيمَان) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلام (بهذه الوساوس) هُوَ صَرِيح الإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الإِيمَان اِسْتِكْمَالا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ , وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ. فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث: سَبَب الْوَسْوَسَة مَحْض الإِيمَان , أَوْ الْوَسْوَسَة عَلامَة مَحْض الإِيمَان " انتهى انظر السؤال (12315)
إذاً " فكراهة ذلك وبغضه، وفرار القلب منه، هو صريح الإيمان ... والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لابد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} ، كلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أُخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب " انتهى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/608)
* العلاج..
1- إذا شعرت بهذه الوساوس فقل آمنت بالله ورسوله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ " رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة 116
2- محاولة الإعراض عن التفكير في ذلك بقدر الإمكان والاشتغال بما يلهيك عنه.
وختاماً نوصيك بلزوم اللجوء إلى الله في كل حال، وطلب العون منه، والتبتل إليه، وسؤاله الثبات حتى الممات، وأن يختم لك بالصالحات.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/698)
القبة الخضراء في المدينة، تاريخها، وحكم بنائها، وبقائها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمؤدية إلى الشرك، فلماذا لا تزيلها الحكومة السعودية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تاريخ القبة الخضراء
لم تكن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة إلى القرن السابع، وقد أُحدث بناؤها في عهد السلطان قلاوون، وكان لونها أولاً بلون الخشب، ثم صارت باللون الأبيض، ثم اللون الأزرق، ثم اللون الأخضر، واستمرت عليه إلى الآن.
قال الأستاذ علي حافظ حفظه الله:
"لم تكن على الحجرة المطهرة قبة، وكان في سطح المسجد على ما يوازي الحجرة حظير من الآجر بمقدار نصف قامة تمييزاً للحجرة عن بقية سطح المسجد.
والسلطان قلاوون الصالحي هو أول من أحدث على الحجرة الشريفة قبة، فقد عملها سنَة 678 هـ، مربَّعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها بأخشاب، أقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة، وسمَّر عليها ألواحاً من الخشب، وصفَّحها بألواح الرصاص، وجعل محل حظير الآجر حظيراً من خشب.
وجددت القبة زمن الناصر حسن بن محمد قلاوون، ثم اختلت ألواح الرصاص عن موضعها، وجددت، وأحكمت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد سنة 765 هـ، وحصل بها خلل، وأصلحت زمن السلطان قايتباي سنة 881هـ.
وقد احترقت المقصورة والقبة في حريق المسجد النبوي الثاني سنة 886 هـ، وفي عهد السلطان قايتباي سنة 887هـ جددت القبة، وأسست لها دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وبنيت بالآجر بارتفاع متناه،....
بعد ما تم بناء القبة بالصورة الموضحة: تشققت من أعاليها، ولما لم يُجدِ الترميم فيها: أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها، وأعيدت محكمة البناء بالجبس الأبيض، فتمت محكمةً، متقنةً سنة 892 هـ.
وفي سنة 1253هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد العثماني بصبغ القبة المذكورة باللون الأخضر، وهو أول من صبغ القبة بالأخضر، ثم لم يزل يجدد صبغها بالأخضر كلما احتاجت لذلك إلى يومنا هذا.
وسميت بالقبة الخضراء بعد صبغها بالأخضر، وكانت تعرف بالبيضاء، والفيحاء، والزرقاء" انتهى.
" فصول من تاريخ المدينة المنورة " علي حافظ (ص 127، 128) .
ثانياً:
حكمها
وقد أنكر أهل العلم المحققين - قديماً وحديثاً – بناء تلك القبة، وتلوينها، وكل ذلك لما يعلمونه من سد الشريعة لأبواب كثيرة خشية الوقوع في الشرك.
ومن هؤلاء العلماء:
1. قال الصنعاني – رحمهُ اللهُ – في " تطهير الاعتقادِ ":
"فإن قلت: هذا قبرُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم قد عُمرت عليه قبةٌ عظيمةٌ انفقت فيها الأموالُ.
قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقةِ الحالِ، فإن هذه القبةَ ليس بناؤها منهُ صلى اللهُ عليه وسلم، ولا من أصحابهِ، ولا من تابعيهم، ولا من تابعِ التابعين، ولا علماء الأمةِ وأئمة ملتهِ، بل هذه القبةُ المعمولةُ على قبرهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أبنيةِ بعضِ ملوكِ مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملكِ المنصورِ في سنةِ ثمانٍ وسبعين وست مئة، ذكرهُ في " تحقيقِ النصرةِ بتلخيصِ معالمِ دارِ الهجرةِ "، فهذه أمورٌ دولية لا دليليةٌ " انتهى.
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين، وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟
فأجابوا:
" لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين، أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/ 7.
وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولأن بناء القبور، واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 83، 84) .
3. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
" ليس في إقامة القبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يتعلل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره: لم تكن بوصية منه، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم، ولا من التابعين، ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم؛ فإذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ما يبطل ذلك: لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264، 265) .
4. وقال الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله:
" قال العلامة الخجندي (1379 هـ) مبيِّناً تاريخ بناء هذه القبة الخضراء المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، محققاً أنها بدعة حدثت بأيدي بعض السلاطين، الجاهلين، الخاطئين، الغالطين، وأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة المحكمة الصريحة؛ جهلاً بالسنَّة، وغلوّاً وتقليداً للنصارى، الضلال الحيارى:
اعلم أنه إلى عام (678 هـ) لم تكن قبة على الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما عملها وبناها الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي في تلك السنة - (678هـ) ، فعملت تلك القبة.
قلت: إنما فعل ذلك لأنه رأى في مصر والشام كنائس النصارى المزخرفة فقلدهم جهلاً منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ كما قلدهم الوليد في زخرفة المسجد، فتنبه، كذا في " وفاء الوفاء " ...
اعلم أنه لا شك أن عمل قلاوون هذا -: مخالف قطعاً للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الجهل بلاء عظيم، والغلو في المحبة والتعظيم وباء جسيم، والتقليد للأجانب داء مهلك؛ فنعوذ بالله من الجهل، ومن الغلو، ومن التقليد للأجانب" انتهى.
" جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية " (3 / 1660 - 1662) .
ثالثاً:
سبب عدم هدمها
فقد بَيَّن العلماء الحكم الشرعي في بناء القبة، وأثرها البدعي واضح على أهل البدع، فهم متعلقون بها بناءً ولوناً، ومدحهم وتعظيمهم لها نظماً ونثراً كثير جدّاً، ولم يبق إلا تنفيذ ذلك من ولاة الأمر، وليس هذا من عمل العلماء.
وقد يكون المانع من هدمها درءً للفتنة، وخشيةً من أن تحدث فوضى بين عامة الناس وجهلتهم، وللأسف فإن هؤلاء العامة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تعظيم تلك القبَّة إلا بقيادة علماء الضلالة وأئمة البدعة، وهؤلاء هم الذي يهيجون العامة على بلاد الحرمين الشريفين، وعلى عقيدتها، وعلى منهجها، وقد ساءتهم جدّاً أفعالٌ كثيرة موافقة للشرع عندنا، مخالفة للبدعة عندهم! .
وبكل حال: فالحكم الشرعي واضح بيِّن، وعدم هدمها لا يعني أنها جائزة البناء لا هي ولا غيرها على أي قبر كان.
قال الشيخ صالح العصيمي حفظه الله:
" إن استمرارَ هذه القبةِ على مدى ثمانيةِ قرونٍ لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوتَ عنها إقرارٌ لها، أو دليلٌ على جوازها، بل يجبُ على ولاةِ المسلمين إزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهدِ النبوةِ، وإزالة القبةِ والزخارفِ والنقوشِ التي في المساجدِ، وعلى رأسها المسجدُ النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنةٌ أكبر منه، فإن ترتبَ عليه فتنةٌ أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلالِ الفرصة متى سنحت " انتهى.
" بدعِ القبورِ، أنواعها، وأحكامها " (ص 253) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/699)
أسلم في وقت صلاة فهل يقضي ما قبلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أسلم في وقت صلاة هل يلزمه قضاء ما قبلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمه قضاء ما قبلها، لقول الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38، يعني: إن ينتهوا عن كفرهم ويسلموا فإن الله تعالى يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم، سواء كانت هذه الذنوب لترك واجب، أو لفعل محرم، ولكن يلزمه أن يصلي الصلاة التي أسلم في وقتها، وأدرك من وقتها مقدار ركعة فأكثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .
وأما الصلاة التي قبلها فإنه لا يلزمه قضاؤها، مثل: أن يسلم بعد العصر، فإنه يلزمه صلاة العصر ولا يلزمه قضاء صلاة الظهر، لأن وقتها انتهى" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/5، 6) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/700)
تأخير الصلاة من أجل إجراء عملية جراحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأخير الصلاة حتى خروج وقتها كصلاة العصر مثلاً للضرورة، وذلك إذا كان الطبيب في حال إجراء العملية وتحت يده مريض لو تركه ولو لفترة قصيرة فإن في ذلك خطراً على حياته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"على الطبيب المتخصص في إجراء العمليات أن يراعي في إجرائها الوقت الذي لا يفوت به أداء الصلاة في وقتها ويجوز في حال الضرورة الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير؛ كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، حسبما تدعو إليه الضرورة، أما إذا كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالعصر والفجر، فإن أمكن أداؤها في وقتها ولو كان عن طريق النوبة لبعض العاملين، ثم يصلي الآخرون بعدهم فذلك حسن، وإن لم يمكن ذلك فلا حرج في تأخير الصلاة وقضائها بعد انتهاء العملية للضرورة، وهي تقدر بقدرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/701)
إمامهم لا ينطق بالراء نطقا صحيحاً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقول في تكبيرة الإحرام " الله أكبن "، بدلا من " الله أكبر "؟ مع العلم أنه ينطق بها بصورة صحيحة أحيانا، أريد إجابة مفصلة جزاكم الله خيرا. ملاحظة: وأنا لا أستطيع الذهاب لمسجد آخر؛ لأن هذا المسجد هو الوحيد في بلدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في أمامة الألثغ وهو الذي يبدل حرفاً بحرف، كإبدال الراء غيناً أو لاماً، أو إبدال السين ثاءً، ونحو ذلك.
فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تصح إمامته، لأن قراءته للفاتحة غير صحيحة، فهو كالأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة.
وذهب آخرون إلى صحة إمامته، لأنه غير مقصر، بل هذا ما يستطيعه، وقياساً على ما لو ترك القيام عاجزا عنه وصلى جالسا، فإن ذلك لا يمنع أن يكون إماماً.
جاء في الموسوعة الفقهية (35/326) :
" ذهب الشّافعيّة في الجديد وأكثر الحنابلة: إلى أنّه لا يصح الاقتداء بألكن، يترك حرفاً من حروف الفاتحة أو يبدّله بغيره.
وبهذا يقول الحنفيّة على المذهب، إلا أنّهم لا يحصرون الحكم في الإخلال بحرف من الفاتحة أو إبداله بغيره , بل يقولون بعدم جواز إمامة من لا يتكلّم ببعض الحروف , سواء كانت من الفاتحة أو غيرها.
ويرى هؤُلاء الفقهاء أنّ الألكن إن تمكّن من إصلاح لسانه وترك الإصلاح والتّصحيح فصلاته في نفسه باطلة , فلا يجوز الاقتداء به , وإن لم يتمكّن من الإصلاح والتّصحيح: بأن كان لسانه لا يطاوعه , أو كان الوقت ضيّقاً ولم يتمكّن قبل ذلك فصلاته في نفسه صحيحة , فإن اقتدى به من هو في مثل حاله صحّ اقتداؤُه؛ لأنّه مثله فصلاته صحيحة.
وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه لو كانت اللثغة يسيرةً , بأن لم تمنع أصل مخرج الحرف وإن كان غير صافٍ لم تؤثّر , وقواعد الحنفيّة لا تأبى هذا الحكم.
ويرى المالكيّة في المذهب وبعض الحنفيّة وأبو ثورٍ وعطاء وقتادة صحّة الاقتداء بالألكن , وهذا ما اختاره المزني، إلا أنّه قيّد صحّة الاقتداء به بأن لم يطاوعه لسانه , أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن فيه التّعلم , وإلا فلا يصح الاقتداء به" انتهى باختصار.
وقد اختار القول بصحة إمامة الألثغ ابن حزم الظاهري، فقال في "المحلى" (4/217) :
" وأما الألثغ، والألكن، والأعجمي اللسان، واللحَّان، فصلاة من ائتم بهم جائزة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه، لا ما لا يقدرون عليه، فقد أدوا صلاتهم كما أمروا، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن، قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) " انتهى.
وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال في "فتاوى نور على الدرب" (أحكام الإمامة/سؤال رقم/18) :
" ويرى آخرون أنها تصح إمامته؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإذا كان العاجز عن القيام يُصلى بالمأمومين القادرين عليه فإن هذا مثله؛ لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن، هذا عن القيام، وهذا عن القراءة.
وهذا القول هو الصحيح، أن إمامة الألثغ تصح وإن كان يبدل حرفاً بحرف، ما دامت هذه قدرته.
ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلى من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب احتياطاً وخروجاً من الخلاف " انتهى.
فعلى هذا، تصح الصلاة خلف هذا الإمام ما دام عاجزاً عن النطق الصحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/702)
حكم إمامة من ينطق الضاد ظاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أخطأ الإمام بتغيير حرف الظاء بدل الضاد في سورة الفاتحة في الصلاة في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهل علي أن أرده أو أن صلاتي تبطل؟ علماً أني أخبرته بفارق المعنى بين الظالين والضالين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمصلي أن يفرق بين الضاد والظاء ويخرج كلا منهما من مخرجه.
لكن. . . إذا أخل به، فصلاته صحيحة على الراجح، للتقارب بين مخرجيهما، ولا يلزمك التصحيح له أثناء الصلاة؛ لأن هذا ليس من باب الخطأ العارض، بل هو راجع إلى اعتياد النطق بذلك.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/143) : " والصحيح من مذاهب العلماء: أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم" انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482) : "وحكم من أبدل منها أي الفاتحة حرفا بحرف , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه , حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله إلا ضاد المغضوب والضالين إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ; لأن كلا منهما أي الضاد والظاء من أطراف اللسان , وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، قاله الشيخ في شرح العمدة " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/24) : "أولا: مخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى بعد مخرج الياء وقبل مخرج اللام مما يلي الأضراس، وتخرج اللام من أقرب حافة اللسان إلى مقدم الفم، وصوت الضاد بين صوت الدال المفخمة والظاء المعجمة تقريبا.
ثانيا:
من قدر على أن يجود حرف الضاد حتى يخرجه من مخرجه الصحيح وجب عليه ذلك، ومن عجز عن تقويم لسانه في حرف الضاد أو غيره كان معذورا وصحت صلاته، ولا يصلي إماما إلا بمثله أو من دونه، لكن يغتفر في أمر الضاد والظاء ما لا يغتفر في غيرهما؛ لقرب مخرجهما وصعوبة التمييز بينهما في المنطق، كما نص عليه جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في تفسير الفاتحة" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (أو يبدل حرفاً) أي: يُبدل حرفاً بحرفٍ، وهو الألثغ ُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي: يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول: (الحمدُ لله لَبِّ العالمين) فهذا أُمِّيٌّ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه.
ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً، فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ، وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ، فإذا قال: (غير المغظوب عليهم ولا الظالين) فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه، وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما، لا سيَّما مِن العوامِ" انتهى.
من "الشرح الممتع" (4/246) .
فتبين بهذا العفو عن الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، وصحة صلاة وإمامة من يفعل ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/703)
هل يصلي بثياب النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تتنجس الملابس التي أنام بها (الأمر الذي يتبعه عدم جواز الصلاة فيها) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في الملابس أنها طاهرة، إلا إذا طرأ عليها نجاسة توجب تطهيرها.
ومجرد نوم الإنسان في الثياب لا يجعلها نجسة، بل هي طاهرة حتى يتيقن أنها أصابتها نجاسة.
قال الشيخ ابن عثيمين: " الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ، فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/107) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (12720) .
ثانياً:
يجوز للإنسان أن يصلي بثياب النوم ما دامت طاهرة ساترة للعورة، وإن كان الأحسن والأكمل للإنسان في صلاته أن يلبس ثيابا حسنة، مما يتزين ويتجمل بها، وذلك امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة بثياب النوم وحضور الجماعات بها؟
فأجاب: " لا بأس بالصلاة بثياب النوم إذا كانت طاهرة سواء أتي بها إلى المسجد أم لم يأت بها، اللهم إلا إذا كانت تلك الثياب تلفت للنظر بحيث يعتب عليه، ويكون شهرة يتكلم به في المجالس من أجلها، فإنه ينبغي للإنسان أن يتجنب كل أمر يكون سبباً لاغتيابه بين الناس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/362) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/704)
هل يلزمه إيقاظ أولاده الذين بلغوا سبع سنين لصلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بنت عمرها سبع سنوات وهي تصلي ولله الحمد، هل يجب علي إيقاظها لصلاة الفجر؟ مع العلم أن هذا قد نَفَّرها من الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأب راع في بيته وهو مسئول عن رعيته، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يربي أبناءه وينشّئهم على أداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك: أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين؛ لما روى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وينبغي أن يتلطف الأب في أمر أولاده الصغار بالصلاة، وأن يشجعهم على أدائها بالثناء والهدية والمكافأة، حتى يعتادوا عليها ويحبوها.
ولك أن تؤخر إيقاظ ابنتك إلى قرب طلوع الشمس، مع ترغيبها في النوم المبكر ليسهل عليها القيام.
ولا حرج عليك إذا تركت إيقاظها في الأيام التي ترى أنه يشق عليها الاستيقاظ فيها، لكونها ـ مثلا ـ قد نامت متأخرة، أو لشدة البرد، ونحو ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟
فأجاب: "نعم، إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم، وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل، وإلا فلا إثم عليه، ولكن الاختيار أن يوقظهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل أيضا: ابني يبلغ من العمر ثمان سنوات، هل أوقظه لصلاة الفجر؟ وإذا لم يصل هل أنا آثم؟
فأجاب: "الظاهر أن هذا يُنظر: إذا كان مثلاً في أيام الشتاء وأيام البرد والمشقة فلا بأس أن يُترك وإذا قام، يقال له: صل. وأما إذا كان الجو معتدلاً ولا ضرر عليه في الإقامة فأقمه حتى يعتاد ويصلي مع الناس، ويوجد والحمد لله الآن صبيان صغار ما بين السابعة إلى العاشرة نراهم يأتون مع آبائهم في صلاة الفجر، فإذا اعتاد الصبي على ذلك من أول عمره صار في هذا خير كثير، أما مع المشقة فإنه لا يجب عليك أن توقظهم، لكن إذا استيقظوا مرهم بالصلاة " انتهى من "اللقاء الشهري" (40/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/705)
حكم مرور الطفل أمام المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا مر طفل دون الخامسة من عمره أمامنا في الصلاة، إذا قمنا بمنعه يزيد في المرور، أو يجلس موضع السجود، أو على رأس المصلى خصوصاً أقل من ثلاث سنين؟ فماذا يجب عمله مع مثل هذا الطفل أفيدونا مأجورين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب رده، لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان) متفق عليه. ومعنى (فليقاتله) : فليدفعه بقوة. والله ولى التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/327) .
لكن.. إذا كثر مرور الطفل وصار منعه يشغل المصلي عن صلاته، فإنه يتركه حينئذ ولا ينشغل بمنعه.
قال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري":
"نقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/706)
كلما أرادت الصلاة وجدت العقبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقتنعة بما قلته عن تارك الصلاة كسلا. وخاصة بعد قراءتي لبعض المراجع. ولكن مشكلتي أني كلما أريد أن ابتدئ الصلاة يقف شيء ما عقبة أمامي إما مرض أو مشكلة يجب حلها بسرعة....... فما السبب في ذلك? الشيطان?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين، ولا حظ لتاركها في الإسلام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد جاء في الوعيد على تركها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وهي دالة على كفر تاركها، وخروجه من الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (5208) .
وما دمت مقتنعة بهذا الحكم، فما عليك إلا المسارعة والمبادرة، فإنك لا تدرين ما يكون غدا، بل لا تدرين ما يكون بعد ساعة، أو بعد لحظة.
وليس هناك عذر لترك الصلاة، مهما زعم الإنسان لنفسه أنه معذور، فالصلاة عمل يسير لا يستغرق إلا دقائق معدودة، لا تزيد على عشر دقائق، تشمل الوضوء وأداء الفرض.
وإنما يحتاج المرء إلى الإيمان الصادق بأن الله تعالى فرض الصلاة، ويريد من عبده أن يصلي، وسيعاقبه إذا ترك الصلاة، فإذا وُجد هذا الإيمان الصادق تحرك البدن، وانقادت الجوارح.
وإن علاجك هو المبادرة، فبمجرد قراءتك لهذا الجواب ينبغي أن تقومي فتتوضئي ثم تصلي الفريضة الحاضرة، وبهذا يزول الوهم الخادع بأنك لا تستطيعين الصلاة، أو يحال بينك وبينها، ثم إذا حان وقت الصلاة التالية قمت فصليت، وهكذا لن تمضي أيام حتى تشعرين بنعمة الصلاة، ولذة الوقوف بين يدي الله.
تأملي في نفسك، وفيما أعطاك الله من النعم والهبات، في شكلك وعقلك وسلامة حواسك ... إلخ، ثم تفكري: هل يليق بك جحود النعم ونكران الجميل؟!
إن الإنسان حين يأتيه الإحسان من إنسان مثله، يجد رغبة قوية في نفسه لرد جميله، وشكر معروفه، ويبحث عن الكلمات والأفعال التي يكافئ بها أخاه، فهل تأملت في إحسان الله تعالى المتتابع؟ وكرمه الممتد؟ وعطائه الواسع؟
وهل شعرت بفضل الله عليك؟ وبكرمه معك؟ وبمحبته لك؟
ألا يستحق هذا منك أن تقولي: لك الحمد يا رب، ما أعظمك وما أكرمك، وما أجمل أن أكون في طاعتك وخدمتك، لك وقتي، وجهدي، وفكري، وطاقتي، وكل ذلك بعض من جودك وكرمك.
والله لو تأملت ذلك لرأيت أن من حق الله عليك أن تصلي الليل والنهار، شكرا له، واعترافا بفضله.
تذكري أن المعاصي حجاب بين العبد وربه، فكلما كثرت الذنوب زاد الحجاب، فحجبه عن محبة الله، والأنس به، والرغبة في لقائه، فما عليك إلا أن تتوبي إلى الله، وتندمي على جميع الزلات والهفوات، وتقلعي عن المعاصي والسيئات، لا سيما مشغلات القلب، من الغناء والموسيقى والتعلق بغير الله، فإن هذه حجب، تحول بين العبد وبين الانتفاع بالقرآن، والتلذذ بالصلاة، والأنس بطاعة الله.
وأما الشيطان فهو حريص غاية الحرص أن تدعي الصلاة، وتسقطي من عين الله، ليتحقق له ما يريد من الغواية والإفساد، لكن كيده ضعيف أمام أهل الإيمان، وليس له عليهم من سلطان. (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) النحل/99
ولعله قد لاح لك من هذا الجواب أنك بحاجة إلى ثلاثة أمور:
الأول: المبادرة لفعل الصلاة.
الثاني: تقوية الإيمان، بالإكثار من الطاعات الأخرى، كالذكر والصدقة وقراءة القرآن.
الثالث: الإقلاع عن المعاصي والتوبة منها، حتى لا يكون للشيطان سبيل عليك.
ويضاف إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى الله، وسؤاله تعالى الهداية والتوفيق والإعانة.
ونحن نسأله سبحانه أن يشرح صدرك، ويغفر ذنبك، وينعم عليك بحلاوة الإيمان، ولذة القرآن، ونور الصلاة، إنه ولي ذلك سبحانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/707)
حكم الصلاة في مسجد فيه قبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا " أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " متفق على صحته (خ/ 427، م/ 528) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك.
ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسما لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 246) .(5/708)
أسباب سجود السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يشرع للمصلي أن يسجد للسهو في صلاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رحمة الله بعباده، ومن محاسن هذا الدين الكامل أن شرع لعباده جبر النقص والخلل الذي يدخل عليهم في عباداتهم، ولا يستطيعون التحرز منه على الوجه التام، إما بنوافل العبادات، أو الاستغفار، أو نحو ذلك.
ومما شرعه الله لعباده جبرا لنقص طرأ على صلاتهم، سجود السهو؛ غير أنه إنما شرع لجبر أمور خاصة، وليس كل شيء يجبره السهو، أو يشرع له.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن أسباب سجود السهو، فأجاب فضيلته بقوله:
سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة:
1- الزيادة.
2- والنقص.
3- والشك.
فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياما أو قعودا ً.
والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنا ً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة.
والشك: أن يتردد كم صلى: ثلاثاً أم أربعاً، مثلاً.
أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، متعمداً، بطلت صلاته؛ لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه مسلم 1718] .
أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام. ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم بما بقى من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعدما سلم. [رواه البخاري 482 ومسلم 573]
وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: أزيد في الصلاة؟
قال: وما ذاك؟
قالوا: صليت خمساً!!
فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين [رواه البخاري 404 ومسلم 572] .
وأما النقص: فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة، فلا يخلو:
إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية؛ فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده.
وإما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام.
مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس، ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام.
ومثال لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى، ولم يسجد السجدة الثانية، ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو.
أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه، مثل: أن ينسى قول: سبحان ربي الأعلى، ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً؛ فميضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام.
وأما الشك فهو: التردد بين الزيادة والنقص، مثل: أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ فلا يخلو من حالين:
إما أن يترجح عنده أحد الطرفين: الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده، ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام.
وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين؛ فيبنى على اليقين وهو الأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام.
مثل ذلك: رجل يصلى الظهر ثم شك: هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة؟ وترجح عنده أنها الثالثة؛ فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو.
ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك: هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة؟ ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة؛ فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام: إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين.
وأنه يكون بعد السلام: إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.
[انظر: مجموع فتاوى الشيخ: 14/14-16] .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/709)
حكم استعمال المنديل في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل أثناء الصلاة في حال إصابتنا بالرشح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمصلي في هذه الحال أن يستعمل المنديل، وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على جواز الحركة اليسيرة في الصلاة إذا احتاج إليها المصلي. كما في المجموع للنووي رحمه الله (4/94) . واستدلوا بأحاديث كثيرة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، منها: ما رواه أبو داود (650) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى. وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا. صححه الألباني في صحيح أبي داود (605) . قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (2/329) : فِيهِ أَنَّ الْعَمَل الْيَسِير لا يَقْطَع الصَّلاة اهـ
وإذا احتاج الإنسان إلى الامتخاط في الصلاة كمن به رشح أو زكام فلا بأس أن يخرج منديلاً يمتخط به، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز هذه الحركة في الصلاة، فروى مسلم (855) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا، فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ) .
وهل يمتخط بيده اليمنى أو اليسرى؟
الجواب: يمتخط بيده اليسرى، لأن الشرع بتخصيص اليمين بالأشياء التي تعد من باب الإكرام، وتخصيص الشمال بالأشياء التي هي من باب الأذى.
روى البخاري (163) ومسلم (395) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّه) .
وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ أيضاً قَالَتْ: (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) صححه الألباني في صحيح أبي داود (26) .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (1/160) : هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ أّنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر وَهُوَ مَشْطُهُ – يعني: تسريح الشعر - وَنَتْف الإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلام مِنْ الصَّلاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلاء , وَالأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلام الْحَجَر الأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ. وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالامْتِخَاط وَالاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه بِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/710)
إذا خافت أن يعرف إسلامها فكيف تصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة غير مسلمة تريد التعرف إلى دين الإسلام وتعلن إسلامها بينها وبين خالقها وتريد الصلاة والقيام بكل الواجبات الدينية هل تستطيع مثلا أن تصلي الظهر والعصر ولا تصلي باقي الصلوات بسبب صعوبة الوضع في المنزل]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يوفق هذه الفتاة، وأن يهديها، وأن يشرح صدرها للإسلام، وينور قلبها بنور الإيمان، وننصحها أن تعجل بذلك، وألا تتردد، وأن تعلن إسلامها فيما بينها وبين خالقها، فتتشهد شهادة الإسلام، وتفعل ما تستطيع من شرائعه.
ثانيا:
يلزم المسلم أداء خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يجوز ترك شيء منها، مهما كان عذره، ما دام عقله معه.
وإذا كانت هذه الفتاة لا تستطيع أن تصلي المغرب والعشاء والفجر خوفا من اطلاع أهلها على إسلامها، فإنها لا تدع الصلاة، ولكن يمكنها فعل ما يلي:
1- أن تجمع المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا، وأن تصليهما سرا. والجهر فيما يجهر فيه بالقراءة كالفجر والمغرب والعشاء سنة لا واجب، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرات الانتقال، ووضع اليمني على اليسرى أثناء القيام، كل ذلك من السنن.
2- أن تقتصر على فعل الأركان والواجبات، فتقتصر على قراءة الفاتحة، ولا تقرأ سورة بعدها، وتكتفي بتسبيحة في الركوع والسجود، وبهذا يمكنها أداء الصلاة في دقائق معدودة، ولا تعجز الفتاة غالبا عن إغلاق باب غرفتها عليها دقائق معدودة، كأنها تبدل ملابسها أو تصلح من شأنها، فتصلي فرضها في هذا الوقت.
3- إذا أرادت الوضوء، فإنها تتوضأ في دورة المياه، بعيداً عن العيون، كأنها تقضي حاجتها، فإن عجزت عن الوضوء جاز لها التيمم، ولو على الجدار أو فرش المنزل، وتصلي بهذا التيمم.
4- إذا فُرض أنها لا يمكن أن تختفي عن أعين أهلها دقائق تؤدي فيها الصلاة، وخشيت من اطلاعهم على إسلامها مضرة معتبرة، جاز لها أن تصلي قاعدة، وتومئ بالركوع والسجود، فإن لم يمكن ذلك صلت قاعدة، تنوي الركوع والسجود بقلبها، وتستقبل القبلة، فإن تعذر الاستقبال صلت إلى أي جهة. ولو فرض أنه لا يمكنها أداء الصلاة إلا مستلقية، فعلت ذلك، والمقصود أن الصلاة لا تسقط عن المكلف بحال.
والأصل فيما ذكرنا: قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) .
وقد ذكر الفقهاء حالات يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود، كحالة الهرب من سبع أو سيل أو التحام القتال، إذا لم يبق متسع من الوقت لفعل الصلاة بتمام أركانها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/258) : " وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف , بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة , أو احتاج إلى المشي , أو عجز عن بعض أركان الصلاة ; إما لهرب مباحٍ من عدو , أو سيل , أو سبُع , أو حريق , أو نحو ذلك , مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب , أو المسايفة , أو التحام الحرب , والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة , فله أن يصلي على حسب حاله , راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن , أو إلى غيرها إن لم يمكن.
وإذا عجز عن الركوع والسجود , أوْمأ بهما , وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته. وإن عجز عن الإيماء , سقط , وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما , سقط , وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر , فعل ذلك. ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ; لقول الله تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} . وروى مالك , عن نافع , عن {ابن عمر , قال: فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا , قياما على أقدامهم , أو ركبانا , مستقبلي القبلة وغير مستقبليها} . قال نافع: لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
بل نص الفقهاء على ذلك في شأن الأسير ومن يخاف معرفة إسلامه، فإنه يصلي
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/140) : ". وإن هرب من العدو هربا مباحا , أو من سيل , أو سبع , أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب. فله أن يصلي صلاة شدة الخوف , سواء خاف على نفسه , أو ماله , أو أهله. والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى , والمختفي في موضع , يصليان كيفما أمكنهما. نص عليه أحمد في الأسير. ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام , أو مضجعا لا يمكنه القعود , ولا الحركة , صلى على حسب حاله. وهذا قول محمد بن الحسن. وقال الشافعي: يصلي ويعيد. وليس بصحيح ; لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه , فلم تلزمه الإعادة كالهارب. ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا ; لأن المبيح خوف الهلاك , وقد تساويا فيه.
ومتى أمكن التخلص بدون ذلك , كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة , والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صوْلة العدو , ولحوق الضرر , فيصلي فيه , ثم يخرج , لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف ; لأنها إنما أبيحت للضرورة , فاختصت بوجود الضرورة " انتهى.
والحاصل أن هذه الفتاة يلزمها أداء الصلوات الخمس، ولا يجوز لها ترك شيء منها، ولكنها تؤدي الصلاة على الكيفية التي تستطيعها، ومن ذلك أن تصلي صلاة شدة الخوف إن اضطرت لذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/711)
حكم الصلاة في أوقات النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي دقيق جداً في أداء الصلاة وهو يصلي أحياناً حتى أثناء غروب الشمس وهو يرى أن ذلك قد يكون مكروهاً، ولكنه ليس ذنبا فقلت له أن الصلاة محرمة ساعة غروب الشمس لمخالفة الكفار فهل الصلاة ساعة الغروب أو الشروق مكروهة؟ أم أثم؟ ولماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب التنفل بالصلاة في جميع الأوقات، إلا في أوقات النهي وهي من بعد صلاة الفجر حتى ترتفِع الشمس مقدار رُمْح، وحين يَقُوم قائم الظّهِيرة إلى أن تَزُول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل أن تزول الشمس بنحو خمس دقائق أو قريبا منها، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمُعْتَبر صلاة كل إنسان بنفسه فإذا صلى العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس. إلا في حالات خاصة فلا تحرم فيها يراجع سؤال رقم 306.
والحكمة من النهي اجتناب مشابَهَةِ الكفار، الذين يسجدون للشمس إذا طلعت ترحيبا لها وفرحا، ويسجدون لها إذا غَربت وداعاً لها، والنبي صلى الله عليه وسلم حرص على سَدِّ كلِّ باب يوصل إلى الشرك، أو يكون فيه مشابَهَةً للمشركين، وأما النهي عند قيامها واستوائها في وسط السماء حتى تزول فلأنه وقت تُسجَّر فيه النار كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي الإمساك عن الصلاة في هذه الأوقات.
اختصاراً من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/354.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/712)
حكم حمل الأشياء المتسخة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن ُنبقي أشياء متسخة (كالمنديل أو المحفظة أو مفاتيح السيارة) في جيوبنا أثناء الصلاة؟
إذا كان الجواب لا فهل نتركهم أمامنا على الأرض أثناء الصلاة؟ أم على الجانب؟
ماذا لو أصبحت أمام شخص آخر أثناء تحركنا في صلاة الجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأشياء المتسخة على نوعين إما أشياء متسخة بأمور حكم عليها الشرع بالنجاسة مثل بول الآدمي وغائطه، وإما أمور مستقذره وليست نجسة شرعا مثل المخاط والبزاق، فأما الحالة الأولى (ما حكم الشرع بنجاستها) فلا يجوز أن تحمل في الصلاة ولا أن توضع في المسجد، وأما الثاني فلا حرج في بقائها مع المصلي في جيبه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/713)
هل الأذان من الوحي أو اقتراح من صحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعتقد أني قرأت عن أن الأذان للصلاة اقترحه شخص على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال أنه لا يريد أن يستخدم الأجراس التي يستخدمها النصارى أو مثلما يفعل اليهود للنداء لصلواتهم. فالسؤال هو: كيف يتفق ذلك الحدث مع الاعتقاد بأن كل ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى؟ إنني لا أحاول أن أكون مجادلاً ولكن سألت ذلك السؤال بقلب نقي أريد فيه المزيد من الفهم. وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت، وقد شرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله اكبر …. (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه أحمد (15881) والترمذي (174) وأبو داود (421) و (430) وابن ماجه (698) .
يتّضح من هذا الحديث:
أنّ كلمات الأذان رؤيا منام رآها صحابي جليل وأقره عليها نبينا الكريم، فهي ليست اقتراحاً كما ذكرت، بل هي رؤيا، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة " رواه أحمد (4449) .
ورواه البخاري بلفظ " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري (6474) ومسلم (4203) و (42005) .
فالرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص فهي نبوة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها رؤيا حق ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه.
وقد رأى عمر رضي الله عنه مثل ذلك ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "… فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي (2600) وابن ماجه (43) وأحمد (16519) .
وقد وافق عمر رضي الله عنه الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ". رواه البخاري (3282) ومسلم (2398) وعنده: قال ابن وهب تفسير " محدَّثون ": ملهمون.
فإن قلت ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام فالجواب أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد عزّ وجلّ ولعلّ فيما حدث إظهارا لفضل هذين الصحابيين وإثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا
فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة: بأنها كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من'' قول أو فعل أو تقرير ''.
فالقول والفعل واضحان وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال.
وقد لا يقره على ذلك وينهاه، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: مُرُوه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه ". رواه البخاري (6326) .
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم، وأبطل عليه باقي ما نذره، فلم يقره عليه.
فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبد الله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به، ولعل ما سبق من الإيضاح يكون قد أزال الإشكال وبيّن الأمر لك أيها الأخ السائل ونسأل الله لنا ولك الفقه في الدين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/714)
هل يجوز السلام على المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يسلم على المسلم وهو في الصلاة أوفي حالة الذكر والدعاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: يشرع للمسلم أن يبدأ بالسلام أخاه المسلم وهو يصلي ولكنه لا يرد عليه السلام وهو في صلاته إلا بالإشارة محافظة على صلاته، لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: يشير بيده. أخرجه أحمد 6/12، وأبوداود 1/569 برقم (927) ، والترمذي2 /204 برقم (368) والبيهقي 2/262.، رواه الخمسة.
وثبت عنه أيضا عن صهيب رضي الله عنه أنه قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد إلي إشارة) وقال: لا أعلم إلا أنه قال (إشارة بأصبعه) رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وقال الترمذي: كلا الحديثين عندي صحيح، وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، قالت دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: (يابنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، فإنه أتاني أناس من بني عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) رواه البخاري ومسلم. ففي هذه الأحاديث مشروعية السلام على المصلي وهو في صلاته وأنه إنما يرد السلام بالإشارة لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ورده بالإشارة فقط.
ثانيا: يشرع للمسلم أن يبدأ بالسلام من كان في حالة ذكر أو دعاء، لما ثبت عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما، فأما أحدهما فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الآخر فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) أخرجه مالك في الموطأ 2/960، وأحمد5/219، والبخاري 1/24، 122، ومسلم 4/1713 برقم (2176) ، والترمذي 5/73 برقم (2724) ، وأبويعلى 3/33 برقم (1445) .
ولما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا دخل المسجد فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال "ارجع فصل فإنك لم تصل ... " الحديث.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/36.(5/715)
الرد على التليفون أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنهم كانوا يصلون إحدى الصلوات في البيت وأخذ منبه التليفون يرن وأشغلهم بالرنين مدة طويلة، فهل يجوز في مثل هذه الحالة أن يتقدم المصلي أو يتأخر ويرفع سماعة التليفون ويكبر أو يرفع صوته بالقراءة ليعلم صاحب التليفون أنه يصلي قياسا على فتح الباب للطارق أو رفع الصوت له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المصلي بالحالة التي ذكرت وأخذ التليفون يرن جاز له أن يرفع السماعة ولو تقدم قليلا أو تأخر كذلك أو أخذ عن يمينه أو شماله بشرط أن يكون مستقبل القبلة وأن يقول (سبحان الله) تنبيهاً للمتكلم بالتليفون لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وفي رواية مسلم: وهو يؤم الناس في المسجد. أخرجه مالك 1/170، والبخاري 1/487 في سترة المصلي، باب إذا حمل جارية صغيرةعلى عنقه، ومسلم (543) في المساجد، باب جواز حمل الصبيان، وأبوداود برقم (917 -920) والنسائي 2/45.
، ولما روى أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه ووصفت أن الباب في القبلة أخرجه أحمد6/31، وأبوداود (922) والنسائي 1/178، والترمذي 2/497.
وما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وليصفق النساء) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/32.(5/716)
صلاة من لم يحلق عانته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل صلاة من تجاوز شعر عانته شهراً لم يحلقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق العانة - الشعر النابت حول القبل - من سنن الفطرة ولا ينبغي تركه أكثر من أربعين يوماً بدون حلق للحديث الثابت في ذلك، ولا أثر لتأخيره عن الأربعين على صحة الصلاة بل القول بذلك جهل بأحكام الشرع المطهر.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/126(5/717)
الأذكار بين الأذان والإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به.
2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة.
3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489.
والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة:
- منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) .
4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة.
5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) .
6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84)
ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/718)
لماذا نصلي خمس صلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في القرآن أن الإنسان يجب أن يصلي ثلاث مرات قبل الشروق وبعد الغروب ووسط النهار فلماذا نصلي 5 مرات؟ أرجو أن لا تعطي لي القصة التي تدل أنه كان المفروض 50000 صلاة ثم خفضت إلى 5 أريد إجابة مقنعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- ما جاء في السؤال من حيث عدد الصلوات خطأ، فقد كانت (50) ثم نسخت إلى (5) صلوات تخفيفاً من رب العالمين على المسلمين.
2- تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: منها ما هو معقول المعنى، ومنها ما هو تعبدي محض وحكمته تخفى علينا ولم تذكر في كتاب ولا في سنة.
ومثال الأول:
تحريم الخمر والميسر، وقد ذكر الله تعالى لنا حكمة تحريمها وهي: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/91 ومثلها كثير من الأحكام.
ومثال الثاني: كون صلاة الظهر عند زوال الشمس، وطواف المسلم حول الكعبة وهي عن يساره وكون نصاب الذهب ربع العشر، وكون صلاة المغرب ثلاث ركعات. ومثلها كثير من الأحكام.
وما جاء في السؤال هو من القسم الثاني، وهو ما لم نعلم حكمته من الكتاب ولا من السنة، فوجب التسليم لأمر الله تعالى، وهكذا ستتكرر الأسئلة في الأحكام جميعها.
فالواجب أن يقف المسلم عند ما أبهم الله حكمته ويقول كما يقول المؤمنون (سمعنا وأطعنا) وأن لا يكون كبني إسرائيل الذين قالوا (سمعنا وعصينا) والوقوف عند قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23، خير له في دينه ودنياه فهو عبد وله ربّ وليس للعبد أن يسأل الرب لم حكم؟ بل الواجب أن يمتثل لأمره سبحانه، فإن أعلمنا عملنا، وإن لم يعلمنا عملنا أيضاً.
3- في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (1/49-51) كلام نفيس ننقله للفائدة:
نقسم مسائل الفقه من حيث إدراك حكمة التشريع فيه أو عدم إدراكها إلى قسمين:
أولهما: أحكام معقولة المعنى , وقد تسمى أحكاما معللة , وهي تلك الأحكام التي تدرك حكمة تشريعها , إما للتنصيص على هذه الحكمة , أو يسر استنباطها.
وهذه المسائل هي الأكثر فيما شرع الله سبحانه وتعالى , وذلك كتشريع الصلاة والزكاة والصيام والحج في الجملة , وكتشريع إيجاب المهر في النكاح , والعدة في الطلاق والوفاة , ووجوب النفقة للزوجة والأولاد والأقارب , وكتشريع الطلاق عندما تتعقد الحياة الزوجية. . . إلى آلاف المسائل الفقهية. وثانيهما: أحكام تعبدية , وهي تلك الأحكام التي لا تدرك فيها المناسبة بين الفعل والحكم المرتب عليه , وذلك كعدد الصلوات وعدد الركعات وكأكثر أعمال الحج. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن هذه الأحكام قليلة بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى. وتشريع هذه الأحكام التعبدية إنما يراد به اختبار العبد هل هو مؤمن حقا؟ ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الشريعة في أصولها وفروعها لم تأت بما ترفضه العقول , ولكنها قد تأتي بما لا تدركه العقول , وشتان بين الأمرين , فالإنسان إذا اقتنع - عقليا - بأن الله موجود , وأنه حكيم , وأنه المستحق وحده للربوبية دون غيره , واقتنع - عقليا - بما شاهد من المعجزات والأدلة - بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عنه فإنه بذلك قد أقر لله سبحانه وتعالى بالحاكمية والربوبية , وأقر على نفسه بالعبودية , فإذا ما أُمِرَ بأمر , أو نهي عن شيء , فقال: لا أمتثل حتى أعرف الحكمة فيما أمِرْتُ به أو نهيتُ عنه , يكون قد كذب نفسه في دعوى أنه مؤمن بالله ورسوله , فإن للعقول حدا ينتهي إليه إدراكها , كما أن للحواس حدا تقف عنده لا تتجاوزه.
وما مثل المتمرد على أحكام الله تعالى التعبدية إلا كمثل مريض ذهب إلى طبيب موثوق بعلمه وأمانته , فوصف له أنواعا من الأدوية , بعضها قبل الأكل وبعضها أثناءه وبعضها بعده مختلفة المقادير , فقال للطبيب: لا أتعاطى دواءك حتى تبين لي الحكمة في كون هذا قبل الطعام وهذا بعده , وهذا أثناءه , ولماذا تفاوتت الجرعات قلة وكثرة؟ فهل هذا المريض واثق - حقا - بطبيبه؟ فكذلك من يدعي الإيمان بالله ورسوله , ثم يتمرد على الأحكام التي لا يدرك حكمتها , إذ المؤمن الحق إذا أمر بأمر أو نهي عنه يقول سمعت وأطعت , ولا سيما بعد أن بينا أنه ليس هناك أحكام ترفضها العقول السليمة , فعدم العلم بالشيء ليس دليلا على نفيه , فكم من أحكام خفيت علينا حكمتها فيما مضى ثم انكشف لنا ما فيها من حكمة بالغة , فقد كان خافيا على كثير من الناس حكمة تحريم لحم الخنزير , ثم تبين لنا ما يحمله هذا الحيوان الخبيث من أمراض وصفات خبيثة أراد الله سبحانه وتعالى أن يحمي منها المجتمع الإسلامي. ومثل ذلك يقال في الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب. . إلى غير ذلك من الأحكام التي تكشف الأيام عن سر تشريعها وإن كانت خافية علينا الآن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/719)
مسلم جديد يريد أن يتعلم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتضمن أشياء كثيرة. دخلت الإسلام حديثاً جداً منذ فترة قصيرة جداً وفي البداية كنت أحافظ على كل الصلوات قدر استطاعتي (أنا لا أعلم اللغة العربية) وقال لي شخص إنني يجب فقط أن أتكلم باللغة العربية … فتوقفت عن الصلاة في نهاية الأمر …. وأنا أفكر في ربي عدة مرات كل يوم …. وأتبع تعاليم الإسلام … ولكنني لا أستطيع أن أتوقف عن بعض الأشياء التي أعلم أنها خاطئة …. ومنذ أن هداني الله فقد بدلت حياتي للأفضل كثيراً وأنا الآن أسعد حالاً مما كنت لسنوات طوال. فقد كنت أشرب الخمر حتى الثمالة كل يوم وأنا الآن تقريبا لا أشرب مطلقا وكنت أقامر بأموالي كلها والآن توقفت عن ذلك تقريبا بالكلية وعندما أفعل هذه الأشياء الخاطئة أشعر بأنها خطأ وأنني لا أريد أن أعود لسابق عهدي وأشعر أن الله يهديني بطرق لا أعرفها.. أنا لا أشعر بالذنب ولكنني أشعر لماذا أفعل هذا.. وقد سألت عدة مسلمين أعمل معهم وحتى شخص قابلته على شبكة الإنترنت سألتهم أن يعلموني الصلاة بالكيفية الصحيحة ويساعدوني في أمور أخرى.. ولكن ولأنني استرالي فهم لا يشعرون أنني جاد في إسلامي … لذا كانوا مترددين. أنا لست شخصاً جيداً على ما أعتقد.. ولكنني أفضل حالاً بكثير مما كنت عليه من قبل وبعون الله وهدايته أعلم أنني أستطيع أن أنجح … ما زال أمامي الكثير لأتعلمه … من فضلك انصحني.. هل يجب علي أن أحاول بمفردي أم أظل أطلب المساعدة من المسلمين رغم أنهم لا يبدو أنهم يريدون مساعدتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله أولاً وأخراً.. والشكر له دائماً وأبداً.. يمنُّ على من يشاء بالهداية.. وينعم على من شاء بالسعادة.. ويُنجي عبده من الضلالة.. وينصر أولياءه إلى قيام الساعة.
أيها الأخ المسلم.. هنيئاً لك على نعمة الهداية.. ونسأل الله لك الثبات حتى الممات.
لقد كان إنجازاً عظيماً حين قررت أن تعتنق دين الإسلام، وأن تترك الضلال الذي نشأت عليه، وتجتنب الشرك الذي نُهيت عنه، فأهلاً بك أخاً جديداً للمسلمين، ومرحباً بك زائراً كريماً في هذا الموقع.
في البداية.. نذكرك بأن الإنسان في هذه الدنيا يمرُّ بامتحان عظيم، وبلاءٍ جسيم، يحتاج معه إلى الصبر والثبات، والعزم حتى الممات، (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه) .
ومن جملة ما ابتلى الله به عباده ما افترض عليهم من الفرائض والواجبات كالصلوات والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات، وما نهاهم عنه من الكذب والغش والزنا واللواط وسائر المحرمات، ليرى المؤمن الصادق الذي ينفذ أمر الله فيدخله الجنة، ويرى الكاذب المنافق الذي يترك طاعة الله فيدخله الله النار.
فاحرص - وفقك الله – على بذل الجهد في تعلم أمر الله لتفعله، وتعلم ما حرم الله لتجتنبه.
والأوامر كثيرة، والنواهي مثلها , وتعدادها أو شرحها في مكان واحد متعذر، ولكنَّا نُحيلُك على ما ورد في موقعنا هذا من الأسئلة التي اشتملت على تعاليم الدين الحنيف، فلعلك أن تتصفحها، وتقرأ ما ورد فيها لعل الله أن ينفعك بها.
وأما ما ذكرته في سؤالك من أنه يجب عليك أن تتعلم اللغة العربية، فهذا صحيح ولكن ليس كل اللغة، بل الواجب تعلم ما تحتاج إليه في أُمور دينك انظر السؤال (6524) ، وعدم معرفتك للغة العربية ليس مسوغاً لترك الصلاة لأنك تستطيع أن تتعلم ما تحتاجه في صلاتك في وقت يسير، وإلى أن تتعلمه فعليك أن تحافظ على الصلاة في وقتها، وتصلي حسب استطاعتك، و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .
وأما كيفية الصلاة فستجد الجواب في الموقع برقم (13340) ، وانظر للفائدة (8580) و (2427) و (11040) .
وختاماً ننصحك أيها الأخ بالبحث عن مركز إسلامي في بلدك، ومصاحبة المسلمين المتمسكين بدينهم، ولا تنسَ متابعة المواقع الموثوقة، والحرص على الاستفادة منها بقدر الإمكان، كما نفيدك بأننا نَسْعَدُ بخدمتك وخدمة أمثالك ممن يحرصون على ما ينفعهم، وسنقدم لكم ما نستطيع من التوجيه والإرشاد، فكن معنا على اتصال، والله يحفظك ويرعاك، والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/720)
أوقات النهي عن الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أوقات النهي عن الصلاة خلال اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوقات النهي ثلاثة على سبيل الاختصار، وخمسة على سبيل البسط وهي:
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح، ويقدر هذا الوقت باثنتي عشرة دقيقة، والاحتياط جعله ربع ساعة.
وعند قيام الشمس في الظهيرة حتى تزول عن كبد السماء.
ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس.
وعند شروع الشمس في الغروب إلى أن يتم ذلك.
وأما على سبيل الاختصار فهي:
من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح.
وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول. (والمعنى:
ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس.
وقولنا: من طلوع الفجر، يعني منع التطوع بعد أذان الفجر إلا بسنة الفجر، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة
وذهب الشافعية إلى أن النهي يتعلق بصلاة الفجر نفسها، فلا يمنع التطوع بين الأذان والإقامة،
وإنما يكون المنع بعد أداء فريضة الفجر.
وهذا هو الراجح، لكن لا ينبغي للإنسان بعد طلوع الفجر أن يتطوع بغير ركعتي الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد طلوع الفجر.
(انظر الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله 4/160) .
ويدل على ما سبق: ما رواه البخاري (547) ومسلم (1367) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: (شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) .
وروى البخاري (548) ومسلم (1371) عن ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ)
وروى البخاري (551) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ)
وروى مسلم (1373) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/721)
هل يقتل الثعبان أو العقرب أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شرع رجل في صلاته وهذه الصلاة فرض من الأوقات الخمسة ورأى أمامه ثعبانا أو عقربا فهل يقطع صلاته ويقتل ذلك أم يتم صلاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يقطع صلاته ويقتل الثعبان أو العقرب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب) . أخرجه أهل السنن وصححه ابن حبان، وإن أمكن قتلهما وهو في صلاته من دون عمل كثير عرفا فلا بأس وصلاته صحيحة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/31.(5/722)
إمامة الرجل غير المختون
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أسلم رجل أو أمرأة بعد أن بلغ عمرهما ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل هل يلزمهما الختان، وهل يجوز إمامة الرجل غير المختون؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الختان من سنن الفطرة في حق الرجال والنساء فإن تركه بعد أن كبرت سنه فلا شيء عليه، وأما إمامة غير المختون فصحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/117(5/723)
هل تُقبل صلاة آكل الطعام المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه إذا أكلت طعاماً حراماً فإن صلاتك لن تقبل لمدة أربعين يوماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أكلت طعاماً حراماً تسبَّبت في ردِّ دعوتك، ولذا جاء في الحديث القدسي: " وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك ". وهذا استبعاد لإجابة دعوته، أما صلاته المشتملة على الدعاء وغيره فهي مقبولة، بمعنى أنها مجزئة مُسقطة للطلب، فلا يُؤمر بإعادتها، وجاء فيمن شرِب المسكر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/724)
جواز الصلاة بالأحذية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة بالأحذية للضرورة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى وهو منتعل حذاءه، ففي الصحيح من حديث أبي سعيد قال: (صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لابس نعليه، قال: فخلعهما، فخلع الناس نعالهم، ثم لما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى فخلعتهما، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإذا رأى في نعليه أذى أو قذراً فليمسحهما، فطهورهما التراب) رواه أبو داود رقم (650) أو كما ورد، فالحاصل أن الصلاة بالنعلين جائزة فقد جاء الحديث: (خالفوا اليهود، صلوا في خفافكم ونعالكم) رواه أبو داود رقم (652) ، لكن الشرط أن تكون النعال طاهرة، فإذا كانت النعال فيها نجاسة أو وطئ بها أذى، فلا ينبغي أن يصلي الإنسان منتعلاً، ولا يدخل المسجد بنعليه إلا إذا تحققت سلامة النعلين من الأذى ومن النجاسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 93(5/725)
فيما إذا عطس في صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطس في الصلاة هل يستحب له أن يقول: الحمد لله؟ وإذا قاله هل يستحب لمن سمعه أن يقول له: يرحمك الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يستحب له ذلك، ويستحب لسامعه الذي ليس في صلاة ونحوها أن يقول له: يرحمك الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/726)
حضر وقت الصلاة وهو في بيت شخص نصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يحين وقت الصلاة وأنا في بيت أحد النصارى فآخذ سجادتي الخاصة وأصلي أمامهم، فهل صلاتي صحيحة، لكونها في بيت من بيوتهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم تصح صلاتك، زادك الله حرصاً على طاعته، وخاصة أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، والواجب أن تحرص على أدائها في جماعة، وتعمر بها المساجد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/270.(5/727)
الفروق بين النساء والرجال في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك اختلاف بين النساء والرجال في كيفية أداء الصلاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنّ المرأة في جميع أحكام الدين مثل الرجل سواء بسواء لقوله صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ". رواه الإمام أحمد وصححه في صحيح الجامع 1983، إلا إذا دلّ الدليل على اختصاصهنّ بشيء، ومما ذكره العلماء في هذا في موضوع الصلاة ما يلي:
- ليس على المرأة أذان ولا إقامة لأن الأذان شرع له رفع الصوت والمرأة لا يجوز لها رفع صوتها، قال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فيه خلافاً (1/438 المغني مع الشرح الكبير) .
- كل المرأة عورة في الصلاة إلا وجهها، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه الخمسة. وفي كعبها وقدميها خلاف. قال في المغني (2/328) . وأما سائر بدن المرأة الحُرَّة فيجب سترها في الصلاة وإن انكشفت منه شيء لم تصح صلاتها إلا أن يكون يسيراً وبهذا قال مالك والأوزاعي والشافعي.
- أنَّ المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود بدلاً من التجافي … لأنه أستر لها. المغني (2/258) .
وقال النووي قال الشافعي في المختصر ولا فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى بعض وأن تلصق بطنها بفخذيها في السجود كأستر ما تكون وأحب ذلك لها في الركوع وفي جميع الصلاة. انتهى (انظر المجموع (3/429) .
- استحباب صلاة النساء جماعة بإمامة إحداهن لحديث: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمّ ورقة أن تؤم أهل دارها. وفي المسألة خلاف بين العلماء فليراجع المغني (2/202) والمجموع النووي 4/84-85 وتجهر المرأة بالقراءة إذا لم يسمعها رجال غير محارم.
- يباح للنساء الخروج من البيوت للصلاة مع الرجال في المساجد وصلاتهن في بيوتهن خير لهن لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن " (لمزيد من التفاصيل في هذه المسألة يُراجع سؤال رقم 983) .
- وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع 3/455: ويخالف النساء الرجال في صلاة الجماعة في أشياء:
1- لا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال.
2- تقف إمامتهن وسطهن.
3- تقف واحدتهن خلف الرجل لا بجنبه بخلاف الرجل.
4- إذا صلين صفوفاً مع الرجال فآخر صفوفهن أفضل من أولها وفائدة مما سبق يُعلم تحريم الاختلاط انتهى. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/728)
كيف كان ابتداء تشريع الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن المسلمين في صدر الإسلام كانوا يصلون 40 صلاة في اليوم ثم قل العدد إلى 5 صلوات لعلم الله سبحانه وتعالى بأنه يصعب على الكثير القيام بها، هل حصل هذا لأن الله يريد أن يرينا رحمته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما سمعتَه فيما يتعلق بالصلاة غير صحيح، والصواب: أن الله تعالى فرض الصلاة أول الأمر – في ليلة المعراج بنبينا صلى الله عليه وسلم - خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، وقد أمضى الله أمره في الأجر لا في الأداء، فمن صلى خمس صلوات فإنه يأخذ ثواب خمسين صلاة.
عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هذا قال هذا جبريل قال هل معك أحد قال نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم فقال أرسل إليه قال نعم فلما فتح علونا السماء الدنيا ... ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي ...
رواه البخاري (342) ومسلم (163) .
قال الحافظ ابن حجر:
والمراد: هنَّ خمس عدداً باعتبار الفعل، وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب.
" فتح الباري " (1 / 463) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/729)
صلاة كبير السن الذي وصل إلى مرحلة الخرف
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي تبلغ من العمر 61 عاما تعول جدي البالغ من العمر بضعا وتسعين عاماً، بدأ منذ فترة بعيدة بفقدان عقله وبدأ يهيأ له بعض الأمور، كما أنه ليس لديه إحساس بالوقت، وعندما يقوم للصلاة ونعلمه أن هذا الوقت هو وقت الظهر مثلاً نجده يصلي المغرب أو الفجر على سبيل المثال، ينادي على أمي في منتصف الليل لتقوم له بإحضار وجبة الإفطار أو ليصلي العصر على سبيل المثال، السؤال: هل على جدي صلاة أم أنها مرفوعة عنه؟
من الممكن أن ينادي جدي على أمي تكراراً ومراراً دون أن يكون له حاجة، فتارة يسألها عن الساعة وتارة يحكي لها قصة تاريخية، ووالدتي كبيرة في السن ولا تتحمل الذهاب والإياب إلى غرفته بكثرة، فهل إذا تيقنت أمي أنه ليس لديه حاجة وأنها قامت بمتطلباته من أكل ووضوء وصلاة وما إلى ذلك هل من الممكن ألا ترد عليه دون أن تأثم بذلك؟،، وخصوصاً أنه كثير النداء في منتصف الليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت، فإن جدك لا تجب عليه الصلاة؛ لاختلال عقله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِيهِ: (وَالْخَرِفِ) .
والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والخرف هو فساد العقل بسبب كبر السن، وقد ذكر في "عون المعبود" ضعف هذه الرواية التي فيها ذكر " الخرف" من حيث الإسناد، إلا أنه ذكر عن السبكي ما يفيد أن معناها صحيح، قَالَ السُّبْكِيّ: الخرف زَائِد عَلَى الثَّلَاثَة، وَهَذَا صَحِيح، وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف، وَلا يُسَمَّى جُنُونًا ; لأَنَّ الْجُنُون يَقْبَل الْعِلاج وَالْخَرَف بِخِلافِ ذَلِكَ , وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيث: (حَتَّى يَعْقِل) لأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لا يَبْرَأ مِنْهُ إِلَى الْمَوْت , وَلَوْ بَرِئَ فِي بَعْض الأَوْقَات بِرُجُوعِ عَقْله تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيف " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا أن الخرف يرفع التكليف: " لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء.
- الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون أو خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح".
والحاصل أن من وصل إلى مرحلة الخرف، وأصبح لا يدرك الوقت، ولا يميز بين الصلوات، فهذا لا تجب عليه الصلاة.
ثانيا:
إذا قامت والدتك بما يحتاجه جدك من طعام وشراب وغيره، وغلب على ظنها أن نداءه لها، ليس لحاجة، وإنما هو بسبب ما اعتراه من الكبر، فلا حرج عليها في ترك إجابته، لاسيما مع حصول المشقة بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/730)
النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صلى المسلم وقت طلوع الشمس أو غروبها، فإن ذلك يشابه الصلاة بين قرني الشيطان. وأن هذين الوقتين لا يجوز الصلاة فيهما. وأيضا فقد ذكر بأن الوقتين المذكورين آنفا هما الوقتان اللذان تصلي فيها الجن للشيطان.. فهل هذا حديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ورد في صحيح البخاري (581) وصحيح مسلم (831) النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، وعن الصلاة عند زوال الشمس وقت الظهر، وعن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان وفي ذلك الوقت يسجد لها الكفار.
الشيخ سعد الحميد.
ولم يرد في الحديث أن الجن يصلون فيها للشياطين، بل إن الشياطين هم مردة الجن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/731)
حكم المصافحة ورفع اليدين بالدّعاء بعد السلام من الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للمصافحة بعد التسليم من صلاة الفرض، ورفع اليدين للدعاء بعد الفريضة كذلك.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على طلب العلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلا الأمرين الذين ذكرتهما أيها السائل الكريم لم يرد عليهما نصّ شرعي فعلينا باتّباع السنّة والبعد عن الابتداع في الدّين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة.
واعلم وفقني الله وإياك أنّ المحذور ليس في مصافحة المسلم أخاه المسلم ولا في رفع اليدين ودعاء الله عزّ وجلّ ولكنّ المحذور في توقيت هذين الأمرين بعد السّلام من الصّلاة والمواظبة على ذلك، ولذلك لو رفع يديه ودعا بين الأذان والإقامة - كما وردت السنّة باستحباب الدعاء في هذا الوقت - أو صافح من لقي من إخوانه عند دخول المسجد أو الخروج منه أو لقي أخاه بجانبه بعد غياب فصافحه فلا حرج في ذلك مطلقا. نسأل الله أن يوفقّنا لاتّباع السنّة واقتفاء أثر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/732)
دفع وساوس الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[يقرأ الإمام بعض الأحيان سورا طويلة ويحدث أن يشرد فكري من دون إرادتي فماذا ينبغي علي أن أفعله وهل يجوز لي ترديد آيات قرآنية أو أدعية دينية أم ينبغي لي الاستماع إلى قراءة الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ادفع ما يعترضك في صلاتك من خواطر الدنيا ومشاغلها قدر الطاقة واستمع لقراءة الإمام الجهرية وتدبر معاني ما يقرأ لتنتفع به ويدفع عنك الهواجس ويرد عنك وساوس الشيطان واقرأ الفاتحة في السرية والجهرية وسورة أو آيات من القرآن في السرية مع تدبر واعتبار عسى أن يكف الله بذلك عنك ما يعتريك من شرود الفكر، ويشرع لك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند كثرة الوسوسة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/40.(5/733)
هل النية شرط للجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النية شرط لجواز الجمع؟ فكثيراً ما يصلون المغرب بدون نية الجمع وبعد صلاة المغرب يتشاور الجماعة فيرون الجمع ثم يصلون العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء، والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه من خوف أو مطر أو مرض.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/294.(5/734)
حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الإخوة يرفعون أصواتهم بالذكر بعد الفراغ من الصلاة وخاصة صلاة الفجر بحجة حديث ابن عباس وغيره، بحيث يشوشون على باقي المصلين وعندما يقال لهم هذا يقولون: نحن نتبع السنة وهؤلاء لو رفعوا أصواتهم مثلنا لما سمعونا ولم نشوش عليهم فهل فعلهم صحيح؟ وهل يجبر الآخرون على رفع أصواتهم وفيهم العامي وكبير السن الذي لا يستجيب بسهولة؟ وما مقدار رفع الصوت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فمنهم من ذهب إلى أنه سنة، ومنهم من كره ذلك وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه وإنما فعله للتعليم ثم تركه.
وسبب الخلاف: اختلافهم فيما رواه البخاري (805) ومسلم (583) عن أبي معبد مولى ابن عباس أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
وفي رواية للبخاري (806) ومسلم (583) عن ابن عباس قال: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) .
فاختلفوا هل هذا يدل على المداومة أم لا؟ وهل يعارض قوله تعالى: (َاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) الأعراف/205، أم لا يعارضه.
فممن ذهب إلى رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة: الطبري وابن حزم وشيخ الإسلام وغيرهم.
وممن ذهب إلى أن ذلك كان للتعليم: الشافعي والجمهور.
قال الشافعي رحمه الله: " وأختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يسر؛ فإن الله عز وجل يقول (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) يعنى – والله تعالى أعلم -: الدعاء، (ولا تجهر) ترفع، (ولا تخافت) حتى لا تُسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه - قال الشافعي: وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير.
وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر.
وذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهراً، وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر " انتهى من "الأم" (1 /127) .
وقال ابن حزم رحمه الله: " ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن " انتهى من "المحلى" (3 /180) .
ونقل البهوتي في "كشاف القناع" (1/366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر: " (قال الشيخ [أي ابن تيمية] : ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة ".
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم المسألة فأجاب:
" الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) . ورواه الإمام أحمد وأبو داود. وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له..) الحديث. ولا يُسمع القول إلا إذا جهر به القائل.
وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من السلف والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة رضي الله عنهم. والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلا، أو تسبيحا، أو تكبيرا، أو تحميدا لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وبهذا يُعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير.
وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة، فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة؟! قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم) .
وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) .
فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره (بالغدو والآصال) وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ. وأما احتجاج منكر الجهر أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم ... ) الحديث.
فإن الذي قال: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم) هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله.
ثم إن السياق في قوله: (أربعوا على أنفسكم) يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعا بليغا يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: (أربعوا على أنفسكم) . أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.
أما من قال: إن في ذلك تشويشا.
فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، وإن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيدا منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.
وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح " انتهى.
وقال أيضا: " لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش ".
وقال رحمه الله: " فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضا - أعني رفع الصوت - ولا يكون رفعا مزعجا فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: (أيها الناس، أربعوا على أنفسكم) ، فالمقصود بالرفع، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/247، 261) .
ثانيا:
قد تبين مما ذكرنا أن الأمر فيه سعة، وأن الخلاف في المسألة قديم، ولعل الراجح هو ما ذكره الشيخ رحمه الله من رفع الصوت، لكن يكون رفعا من غير إزعاج.
وأما من أشرت إليهم من العوام وكبار السن، فإنه سيعتادون ذلك بعد مدة، وقد يكون من المناسب قراءة كلام الشيخ عليهم، ليعلموا السنة، ويرغبوا في تطبيقها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/735)