تعريف بموطأ الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عدد أحاديث (موطأ) الإمام مالك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا بيان موجز حول كتاب موطأ الإمام مالك نسأل الله أن ينفع به:
أولا:
الموطأ: هو واحد من دواوين الإسلام العظيمة، وكتبه الجليلة، يشتمل على جملة من الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم هو أيضا يتضمن جملة من اجتهادات المصنف وفتاواه.
وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه: هذَّبَه ومهَّدَه لهم.
ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِي عليه، فسميته الموطأ.
ثانيا:
سبب تأليفه: ذكر ابن عبد البر رحمه الله، في كتاب الاستذكار (1/168) أن أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك: (يا مالك! اصنع للناس كتابا أحْمِلُهم عليه، فما أحد اليوم أعلم منك!!) فاستجاب الإمام مالك لطلبه، ولكنه رفض أن يُلزِم الناس جميعا به.
ثالثا:
مكث الإمام مالك أربعين سنة يقرأ الموطَّأَ على الناس، فيزيد فيه وينقص ويُهذِّب، فكان التلاميذ يسمعونه منه أو يقرؤونه عليه خلال ذلك، فتعددت روايات الموطأ واختلفت بسبب ما قام به الإمام من تعديل على كتابه، فبعض تلاميذه رواه عنه قبل التعديل، وبعضهم أثناءه، وبعضهم رواه في آخر عمره، وبعضهم رواه كاملا، وآخرون رووه ناقصا، فاشتُهِرت عدة روايات للموطأ، أهمها:
رواية يحيى بن يحيى المصمودي الليثي (234هـ) : وهي أشهر رواية عن الإمام مالك، وعليها بنى أغلب العلماء شروحاتهم.
رواية أبي مصعب الزهري: تمتاز بما فيها من الزيادات، وبأنها آخر رواية نقلت عن مالك، وهي متداولة بين أهل العلم.
رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ) : وهي أكبر روايات الموطأ وعبد الله من أثبت الناس في الموطأ عند ابن معين والنسائي وابن المديني.
رواية محمد بن الحسن الشيباني.
رواية عبد الله بن سلمة الفهري المصري.
وغيرها كثير. [تكلم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله عن رواة الموطأ، وذكر تعريفا بأربعة عشر نسخة من نسخه، في مقدمته للطبعة التي حققها من الموطأ ص 6-16] .
وهذه الروايات تختلف فيما بينها في ترتيب الكتب والأبواب، وفي عدد الأحاديث المرفوعة والمرسلة والموقوفة والبلاغات، كما تختلف في كثير من ألفاظ الأحاديث اختلافا كبيرا.
رابعا:
عدد أحاديث الموطأ يختلف باختلاف الروايات، كما يختلف بحسب اختلاف طريقة العدّ، وذلك أن بعض أهل العلم يعد كل أثر من كلام الصحابة أو التابعين حديثا مستقلا، وبعضهم لا يعتبره ضمن العدد، لذلك نكتفي بذكر العدد الذي جاء في بعض الطبعات المحققة للموطأ، وهي:
رواية يحيى الليثي: (وهي الرواية الأشهر، والمقصودة عند إطلاق الموطأ) : رقمها ترقيما كاملا الشيخ خليل شيحا، فبلغ عدد الأحاديث بترقيمه (1942) حديثا، تشمل المرفوع والموقوف.
وأما رواية أبي مصعب الزهري: فقد رقمت في طبعة مؤسسة الرسالة، فبلغ عدد أحاديثها (3069) حديثا، وقد شمل الترقيم كل شيء حتى أقوال الإمام مالك، لهذا السبب كان العدد كبيرا.
خامسا:
شرطه في كتابه من أوثق الشروط وأشدها، فقد كان يسلك منهج التحري والتوخي وانتقاء الصحيح.
قال الشافعي رحمه الله: ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس.
وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله.
وقال سفيان بن عيينة: رحم الله مالكا، ما كان أشد انتقاده للرجال.
"الاستذكار" (1/166) "التمهيد" (1/68)
لذلك تجد أن أكثر أسانيد مالك الموصولة في الدرجة العليا من الصحيح، ومن أجل هذا استوعب الشيخان البخاري ومسلم أكثر حديثه في كتابيهما.
تنبيه: إنما قال الإمام الشافعي رحمه الله كلامه المنقول سابقا، قبل أن يكتب البخاري ومسلم كتابيهما، كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله في اختصار علوم الحديث ص (24-25)
سادسا:
اتبع مالك في موطئه طريقة المؤلفين في عصره، فمزج الحديث بأقوال الصحابة والتابعين والآراء الفقهية، حتى بلغت آثار الصحابة: 613 أثرا، وأقوال التابعين: 285 قولا.
يقدم في الباب الحديث المرفوع ثم يتبعه بالآثار وأحيانا يذكر عمل أهل المدينة، فكتابه كتاب فقه وحديث في وقت واحد، وليس كتابَ جمع للروايات فقط، لذلك تجد بعض الأبواب تخلو من المرويات، وإنما يسوق فيها أقوال الفقهاء وعمل أهل المدينة واجتهاداته، ومن ذلك:
باب ما لا زكاة فيه من الثمار، وباب صيام الذي يقتل خطأ..وغيرها.
ونجد أيضا أنه اقتصر على كتب الفقه والأدب وعمل اليوم والليلة، وليس في كتابه شيء في التوحيد أو الزهد أو البعث والنشور والقصص والتفسير.
[انظر: الفكر المنهجي عند المحدثين، د همام سعيد ص (111-118) ، مناهج المحدثين، د ياسر الشمالي ص (285) فما بعده، مقدمة تحقيق الموطأ، ط فؤاد عبد الباقي] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/277)
شروط الحديث الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط الحديث الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للحديث الصحيح إطلاقان:
إطلاق عام: يشمل المتواتر والصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن.
يقول الحافظ ابن حجر:
" واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح " انتهى. "النكت" (1/480) .
وإطلاق خاص: يشمل الصحيح لذاته والصحيح لغيره فقط.
وهو بهذا التعريف:
الحديث الذي يرويه العدل تام الضبط، بسند متصل، ولا يكون شاذاً ولا معلَّلاً.
فإن كان الضبط خفيفاً وليس تاماً فهو الحسن لذاته. فإن تعددت طرقه فهو الصحيح لغيره.
انظر: "نخبة الفِكَر" للحافظ ابن حجر رحمه الله.
ومن هذا التعريف يمكن إجمال شروط الحديث الصحيح بما يلي:
1- عدالة جميع رواته.
2- تمام ضبط رواته لما يروون.
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه، بحيث يكون كل راوٍ قد سمع الحديث ممن فوقه.
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه، ومعنى الشذوذ: أن يخالف الراوي من هو أرجح منه.
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه، والعلة: سبب خفي يقدح في صحة الحديث، يطّلع عليه الأئمة المتقنون.
وتحديد هذه الشروط جاء نتيجة استقراء الأئمة المتأخرين كلام أهل الحديث وعباراتهم مع تطبيقاتهم، ولذلك تجد في كلام المتقدمين ما يدل على هذه الشروط.
فمثلاً: قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (370-371) :
" ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا، منها: أن يكون من حَدَّثَ به ثقةً في دينه، معروفًا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يُخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إذا حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بَرِيًّا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من انتهى به إليه دونه " انتهى.
فإذا اجتمعت هذه الشروط في الحديث فهو حديث صحيح باتفاق أهل العلم، كما نقله ابن الصلاح رحمه الله.
انظر: "المقدمة في علوم الحديث" (8) والذهبي في "الموقظة" (24) .
ثم إن من أهل العلم من نقص من هذه الشروط:
فقد قبل الإمام مالك وأبو حنيفة الحديث المرسل، وهذا تنازل عن شرط الاتصال إلى منتهى الحديث.
كما قبل بعض أهل العلم حديث المدلس ولو لم ينص على السماع.
وقال الذهبي رحمه الله "الموقظة" (24) : وزاد أهل الحديث سلامته من الشذوذ والعلة، وفيه نظر على مقتضى أصول الفقهاء، فإن كثيرا من العلل يأبونها.
وانظر: "تدريب الراوي" (1/68-75، 155) .
والمقصود: أن اختلاف العلماء في تصحيح الأحاديث إنما يكون لسببين:
الأول: اختلافهم في بعض شروط الصحة، وذلك أن من تنازل عن بعض هذه الشروط، لا بد أنه سيصحح ما لا يصححه غيره.
الثاني: اختلافهم في انطباق هذه الشروط على حديث معين. فقد يختلفون في عدالة بعض الرواة، أو اتصال السند ونحو ذلك.
واعلم أن ما سبق تقريره من شروط الحديث الصحيح، قد اجتمع عليها أدلةٌ من الشرع، وأدلةٌ من العقل، وليست هذه الشروط تعبدية محضة، بل معقولة المعنى، ظاهرة المقصد، وما هي إلا خلاصة لجهود آلاف العلماء، وعصارة لأفكار أهل الحديث المتقدمين عبر سنوات التدوين الطويلة في القرون الثلاثة الأولى ومن بعدهم.
ومن أراد الإطلاع على ذلك فليرجع إلى كتاب الخطيب البغدادي " الكفاية في علم الرواية ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/278)
حديث (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على هذا الحديث، وبهذا اللفظ، في شيء من كتب السنة، ولكن قد ورد في السنة الصحيحة ما يشبهه، فمن ذلك:
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ)
أخرجه الترمذي (1210) والدارمي (2/247) وابن ماجه (2146) وابن حبان (11/276)
قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (994)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/336) :
" (إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ) بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة، مِن غِشٍّ وخيانة، أي: أَحسَنَ إلى الناس في تجارته، أو قام بطاعة الله وعبادته، (وَصَدَقَ) أي: في يمينه وسائر كلامه.
قال القاضي: لمَّا كان من دَيدَنِ التجار التدليس في المعاملات، والتهالُكُ على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها، حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم، وبرَّ في يمينه، وصدق في حديثه.
وإلى هذا ذهب الشارحون، وحملوا الفجور على اللغو والحلف، كذا في المرقاة " انتهى.
كما جاء في السنة الصحيحة ما يدل على سبب وصف التجار بالفجور، وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلف الكاذب وإخلاف الوعد.
عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ)
رواه أحمد (3/428) والحاكم (2/8) وقال صحيح الإسناد، وصححه محققو المسند. والألباني في "السلسلة الصحيحة" (366)
وإلا فإن التجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن بَرَّ وصدق، فإن التاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)
رواه الترمذي (1209) وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن تيمية كما في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/163) : إسناده جيد.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/79) :
" وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال: فنقول:
لسنا نقول التجارةُ أفضل مطلقا من كل شيء، ولكنّ التجارة إما أن تُطلَبَ بها الكفاية أو الزيادة على الكفاية.
فإن طَلب منها الزيادة على الكفاية، لاستكثار المال وادخاره، لا ليُصرَف إلى الخيرات والصدقات، فهي مذمومة؛ لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة، فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق.
فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده، فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل " انتهى.
وانظر سؤال رقم (21575)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/279)
من هم القَصَّاصُون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم القُصَّاصُ الذين يعتبرون من التالفين الضعفاء، الذين يعيبهم أنهم قَصَّاصُون؟ هل هم أي شخص يعظ الناس ويذكر القَصَص؟ أم هناك تفصيل في المسألة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القَصُّ هو فن مخاطبة العامة ووعظهم بالاعتماد على القصة.
يقول ابن الجوزي رحمه الله:
" القاص هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها ...
والتذكير هو تعريف الخلق نِعَمَ الله عز وجل عليهم، وحثهم على شكره، وتحذيرهم من مخالفته.
وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب..
وقد صار اسم القاصِّ عامًّا للأحوال الثلاثة " انتهى.
"القُصَّاص والمذكرون" (157-159) .
والقصص والوعظ محمود وممدوح من حيث الأصل؛ وذلك أن الله تعالى يقول:
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف/176
وقال تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) النساء/63.
وقال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات/55.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكِّرُ الناس ويعظهم، ويقص عليهم من أنباء الأمم السابقة ما فيه العبرة والموعظة.
فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:
(وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ، وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ) . رواه الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث الناس عن قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت. رواه البخاري (2215) ومسلم (2743) .
وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون الناس بالله تعالى، ويقرؤون عليهم القرآن والحديث، ويدعونهم إلى الاعتبار والادكار بأحوال الماضين.
فعن أبي وائل قال: (كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا) . رواه البخاري (70) ومسلم (2821) .
فمن سار على هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فوعظ الناس وذكرهم بالله تعالى على علم وبصيرة، ولم يَتَقَحَّم أبوابَ الكذب والرياء والمبالغة والجهل، فذلك لا سبيل إلى الإنكار عليه، بل هو مأجور مشكور.
قال الإمام أحمد: إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً.
وسئل الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال: إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس.
وروى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يعجبني أمر القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر، قلت له: فترى الذهاب إليهم؟ قال: إي لعمري إذا كان صدوقا.
قال: وجاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال: عليك بالقاص، ما أنفع مجالستهم.
ولكن لما دخل في باب الوعظ والقص والتذكير من يتقحم ما لا علم له به، فيكذب في الحديث أو يزيد وينقص، أو يظهر عليه حب الظهور والسمعة، أو يكون سيئ السيرة والعمل، لما كان ذلك: اضطر الأئمة من أهل العلم إلى التحذير من أمثال هؤلاء والتنفير منهم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول: ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت.
وعن أم الدرداء أنها بعثت إلى رجلين من الناس: قل لهما فليتقيا الله تعالى وتكون موعظتهما للناس لنفسهما.
وعن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له: أقاص أنت؟ فقال: نعم، قال: اذهب فإنا لا نحدث القصاص، فقال له: لم؟ قال: يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا! أي أنهم يزيدون في الحديث.
وسئل سفيان الثوري: نستقبل القصاص بوجوهنا؟ فقال: ولوا البدع ظهوركم.
انظر الآثار السابقة في "الآداب الشرعية" (2/82-89) .
وقال ابن الجوزي: "معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص" انتهى.
"القصاص" (308)
فالحاصل: أن القص ليس مذموما لذاته، وإنما لما قد يختلط به من الكذب والمبالغة والجرأة على الدين.
يقول ابن الجوزي: " والقُصَّاصُ لا يُذَمون من حيث هذا الاسم، وإنما ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده، وربما اعتمد على ما أكثره محال " انتهى.
"تلبيس إبليس" (134) .
وقال الإمام أحمد: " القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه " انتهى.
"الآداب الشرعية" (2/85) .
وبذلك تعلم أن وصف الراوي بأنه م القُصَّاص لا يَلزم منه توثيقا له ولا تجريجا، فقد كان من القصاص الرواة الثقات، كما كان منهم الضعفاء، وهذه بعض الأمثلة:
سعيد بن حسان المخزومي: قاص أهل مكة، قال ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة.
"تهذيب التهذيب" (4/15) .
عائذ الله بن عبد الله بن عمرو: قال مكحول: ما رأيت أعلم منه، وقال الزهري: كان قاص أهل الشام وقاضيهم. "تهذيب التهذيب" (5/74) .
ثابت بن أسلم البناني: قال أحمد: ثابت يتثبت في الحديث، وكان يقص، وقتادة كان يقص. "تهذيب التهذيب" (2/3) .
قال ابن الجوزي: وقد بلغنا عن حماد بن سلمة أنه قال: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت، أجعل أنسا لابن أبي ليلى، وأجعل ابن أبي ليلى لأنس، أشوشها عليه، فيجيء بها على الاستواء " انتهى. يعني: أنه اختبره فوجده حافظاً للحديث.
"القصاص" (260) .
وممن كان يقص من الضعفاء:
أحمد بن عبد الله بن عياض المكي: له مناكير، قال أبو حاتم: كان يقص.
"ميزان الاعتدال" (1/248) .
دراج أبو السمح: قال أحمد: أحاديثه مناكير ولَيَّنَه، وقال ابن يونس: كان يقص بمصر. "ميزان الاعتدال" (3/40) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/280)
قراءة سورة يس على المحتضَر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في جواب السؤال (21870) أنه يُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح. فهل هناك دليل على هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر , واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة , ولكنها لا تخلو من ضعف:
روى أحمد (19789) وأبو داود (3121) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ) .
والحديث ضعيف، ضعفه النووي في "الأذكار"، وقال ابن حجر في " التلخيص" (2/104) : " أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث " انتهى.
وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (688) .
وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ.
قال الحافظ في "الإصابة" (5/324) : إسناده حسن.
وانظر: "المجموع" (5/105) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/341) ، "حاشية ابن عابدين" (2/191) .
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ففي "الاختيارات" (ص 91) :
" والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى.
قالوا: والسبب في استحباب قراءتها:
أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد , بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك , فيسهل خروجها.
انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837) .
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس.
انظر: الفواكه الدواني" (1/284) ، "شرح مختصر خليل" (2/137) .
قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز":
" وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر) ، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟
فأجاب:
" قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (13/93) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟
فأجاب:
" قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء , لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس) ، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (17/72) .
وقال أيضاً:
" (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ?دْخُلِ ?لْجَنَّةَ قَالَ ي?لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ?لْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (17/74) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/281)
تخريج حديث استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (دخل الملك جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ملك الموت بالباب، ويستأذن أن يدخل عليك، وما استأذن من أحد قبلك، فقال له: ائذن له يا جبريل. ودخل ملك الموت وقال: السلام عليك يا رسول الله، أرسلني الله أخيرك بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى. فوقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم (كما سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: أيتها الروح الطيبة، روح محمد بن عبد الله، اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضٍ غير غضبان) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحداثٌ كثيرةٌ، روى فيها الرواةُ الشيءَ الكثير، ولكن خُلِطَ الصحيح فيه بالمكذوب، وتساهل الكثيرون في ذكر ما ليس له أصل، وما لم يأت إلا من طريق منكر متروك، والذي يبتغي السلامة في هذا الباب عليه بالأحاديث الصحيحة، إذ فيها الغنية والكفاية، وفيها من وصف أحداث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه العبرة والعظة والحكمة.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :
" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها، ونكارة متونها، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم، فكثير منه موضوع لا محالة، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده، والله أعلم " انتهى.
وبعد البحث في مرويات قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم نقف على الحديث الذي ذكره السائل بهذا اللفظ لكن رويت أحاديث في استئذان ملك الموت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ قريب مما ذكره السائل، ولكنها أحاديث ضعيفة حكم عليها العلماء بالنكارة والوضع، فمن ذلك:
حديث يرويه علي بن الحسين عن أبيه في قصة طويلة فيها ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ومخاطبته له.
وهذه قصة رواها الطبراني في المعجم الكبير (3/129) وفي كتاب الدعاء (1/367) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/35) : فيه عبد الله بن ميمون القداح، وهو ذاهب الحديث.
وكذلك حكم عليه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/560) والحافظ ابن حجر في "أجوبة بعض تلامذته" (1/87) وابن كثير في البداية والنهاية (5/290) وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5384) : موضوع.
وحديث آخر يرويه ابن عباس رضي الله عنها، وفيه ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/141) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/36) : وفيه المختار بن نافع وهو ضعيف.
وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/560) : وفيه المختار بن نافع منكر الحديث.
وأما تخييره صلى الله عليه وسلم بين الموت والبقاء في الدنيا، وكذلك قوله: (بل الرفيق الأعلى) فهذا ثابت عنه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سبق ذكره في جواب السؤال رقم (45841) فليرجع إليه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين بالنسبة لقصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرت بعض كتب التاريخ أن ملك الموت أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه على شكل أعرابي، ما صحة هذا الكلام؟
فأجاب رحمه الله:
" هذا غير صحيح ... لم يأته ملك الموت ولم يستأذن منه، بل خطب – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته خطبة وقال: (إن عبدا خيَّره الله تعالى بين الخلد في الدنيا ما شاء الله، وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه) هكذا قال في آخر حياته، فبكى أبو بكر، فتعجب الناس كيف يبكي أبو بكر من هذه الكلمات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ورد، أما أن ملك الموت جاء يستأذنه فهذا غير صحيح " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (2/340)
ومن أراد المزيد من الأحاديث الصحيحة في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع إلى كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير (5/248) باب احتضاره ووفاته عليه الصلاة والسلام، وكذلك كتاب "صحيح السيرة النبوية" تأليف إبراهيم العلي، الباب السادس: مرض الرسول – صلى الله عليه وسلم – ووفاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/282)
نعم، كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تؤكد ما إذا كانت عائشة رضي الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: (كان خلقه القرآن) . لقد أمضيت ساعات وأنا أبحث عن الدليل لكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل، فقال:
(فَقُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَت: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟
قُلتُ: بَلَى.
قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ.
قَالَ: فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ... الخ) رواه مسلم (746)
وفي رواية أخرى:
(قُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! حَدِّثِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
قَالَت: يَا بُنَيَّ أَمَا تَقرَأُ القُرآنَ؟ قَالَ اللَّهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) خُلُقُ مُحَمَّدٍ القُرآنُ)
أخرجها أبو يعلى (8/275) بإسناد صحيح.
قال النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (3/268) :
" معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره، وحسن تلاوته " انتهى.
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/148) :
" يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت: (كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ) " انتهى.
وقال المُناوي في "فيض القدير" (5/170) :
" أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك.
وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه، فكان القرآن بيان خلقه ... " انتهى.
ثانيا:
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا – خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها شخصه الكريم لحملة الكذب والتشويه – أن نَذكُرَ شيئا من شمائله الكريمة، وصفاته الحميدة، ليعلم العالَم أن في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أطهر شخص وأعظم نفس وأكرم قلب.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/430-442) :
" بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار، فقال:
كان أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولا يتورع عن مطعم حلال، لا يأكل متكئا ولا على خِوان، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أشد الناس تواضعا، وأسكنهم في غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشْرًا، لا يهوله شيء من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة بغلة، ومرة حمارا، ومرة يمشي حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، يعود المرضى في أقصى المدينة، يحب الطيب، ويكرة الرائحة الرديئة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح فلا ينكره، يسابق أهله، وترفع الأصوات عليه فيصبر، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه، لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [الزمانة: المرض المزمن] ، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا.
ومما رواه أبو البختري قال: ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة، وقال: (إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد، مسلم أو كافر، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له، وما ضرب بيده أحدا قط، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه، فقال: محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159
قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم، يتيما لا أب له ولا أم، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا، ولزوم الواجب وترك الفضول، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين " انتهى بشيء من الاختصار.
ولا يحسبن أحد أن ما سبق من قبيل الكلام الإنشائي الخطابي، بل كل جملة فيه جاء في المسانيد والصحاح والسنن عشرات الأحاديث الصحيحة المسندة مما يدل عليه ويشهد له، ولكن آثرت عدم ذكرها اختصارا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب (الشمائل المحمدية) للإمام الترمذي.
رابعا:
وفي النهاية أنصحك أخي السائل أن تستعين في بحثك بجهاز الحاسوب والبرامج الحديثية الميسرة، وهي كثيرة بحمد الله، فإنها تختصر عليك الوقت والجهد، كما أنك تستطيع من خلالها الوصول إلى الحديث الذي تريد ومعرفة حكمه، وأنصحك بشراء بعض الكتب الشاملة،مما تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على المواضيع، ومن أعظمها وأوسعها وأيسرها كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، وكذلك (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري، فقد رتب أحاديثه على الموضوعات، وجمع من جميع كتب السنة ما يتعلق بالموضوع الذي يتحدث عنه، وقد خدمه أهل العلم بالتحقيق وبيان الصحيح من الضعيف، منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
أسأل الله تعالى لك الأجر على جهدك وبحثك، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/283)
حديث: (من اعتمد على عقله ضل)
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الحديث: (من اعتمد على ماله قلَّ , ومن اعتمد على عقله ضلَّ , ومن اعتمد على الله فلا يضل) . فهل هذا يعني أن العقل لا يستخدم في الاجتهاد؟ ومتى يستخدم العقل في الاجتهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث: (من اعتمد على ماله قلَّ ومن اعتمد على عقله ضلَّ ومن اعتمد على الله فلا يضل)
لم نجده بعد الاطلاع والبحث منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدناه في بعض الكتب منسوباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة، وتكمن أهميته في أمور، منها:
1. أنه شرط التكليف، فمن شروط التكليف بالأوامر وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلاً.
2. أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر والمخدرات.
3. أن استعمال الإنسان لعقله استعمالاً صحيحاً يجعله يفهم الآيات والأحاديث على وجهها الصحيح، وإذا كان كافراً فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10،11، وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح، بل العقل موافق لما جاء في الشرع، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد السلف ومنهجهم فهو المجتهد المأجور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات , والعبادات , وغير ذلك من كتاب الله , وسنَّةِ رسولِهِ , وما اتفق عليه سلف الأمّة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ.
وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس , أو يفهمون منها معنى باطلاً , فالآفةُ منهم , لا من الكتاب والسُّنَّة؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (11 / 490) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/284)
ما هي السورة التي تعدل نصف القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السورة التي تعدل نصف القران؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فضل بعض سور القرآن الكريم أحاديث كثيرة، منها الصحيح، وكثير منها ضعيف أو منكر، ومن ذلك ما جاء في فضل سورة الزلزلة أنها تعدل نصف القرآن، فقد ورد ذلك في أحاديث منكرة، وهي:
الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذَا زُلْزِلَت تَعدِلُ نِصفَ القُرْآَنِ) رواه الترمذي (2894) والحاكم (1/754)
وفي سنده يمان بن المغيرة العنزي، قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك. انظر "تهذيب التهذيب (4/452) "
وقد تفرد يمان بهذا الحديث، دون جميع أصحاب عطاء، ومثله لا يحتمل منه التفرد، بل تفرده منكر، والله أعلم.
وكلمة جماهير أهل العلم على تضعيف الحديث بسبب يمان بن المغيرة، خلافا لمن صححه من أهل العلم. فقد ضعفه الترمذي حيث قال بعد أن أخرجه: غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد") بقوله: هو من أحاديث الشيوخ وليس من أحاديث الأئمة، وضعفه ابن حجر في فتح الباري (8/687) ، والذهبي في تلخيص المستدرك، والمناوي في "فيض القدير" (1/367) ، والشوكاني في الفتح الرباني (12/5930) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1342) : منكر.
الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ عُدِلَت لَهُ بِنِصفِ القُرْآنِ) رواه الترمذي (2893)
وفي سنده الحسن بن سالم العجلي، قال المزي: هو شيخ مجهول له حديث واحد، وقال العقيلي: مجهول في النقل، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات.
انظر "تهذيب التهذيب" (1/396)
وقد اتفقت كلمة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث أيضا، فقد ضعفه الترمذي بقوله بعد إخراجه: غريب، والعقيلي بقوله: "غير محفوظ" كما في "تهذيب التهذيب" (1/396) ، وابن حبان في "المجروحين" (1/279) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/497) ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/523) : منكر، وكذا قال الألباني في "الضعيفة" (1342)
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ فِي لَيلَةٍ كَانَت لَهُ بِعَدل ِنِصفِ القُرْآنِ) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (691)
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1342) :: " أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند أبي هريرة (2/195) ، وإسناده ضعيف جدا، فيه عيسى بن ميمون المدني، ضعفه الجماعة، وقال أبو حاتم وغيره: متروك الحديث " انتهى.
وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (3/268) : " في إسناده راو شديد الضعف " انتهى.
فيتبين بما سبق أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن، ولكن يبدو أن بعض الأئمة من السلف كان يأخذ بهذه الأحاديث، ويذهب في اجتهاده إلى أن ما في سورة الزلزلة من المعاني العظيمة تعدل نصف المقاصد التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها.
جاء في "مصنف عبد الرزاق" (3/372) : عن معمر قال:
(سمعت رجلا يحدث أن إذا زلزلت تعدل شطر القرآن)
وعن جعفر عن هشام بن مسلم قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول:
(إذا زلزلت الأرض نصف القرآن) .
وروى أبو عبيد عن الحسن البصري مرسلا:
(إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، والعاديات تعدل نصف القرآن)
انظر "الإتقان" للسيوطي (2/413)
وجاء عن عاصم بن أبي النجود الإمام المقرئ قوله:
(كان يقال: من قرأ إذا زلزلت فكأنما قرأ نصف القرآن)
قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/270) : رجاله ثقات.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/367) :
" لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد، و" إذا زلزلت " مقصورة على ذكر المعاد، مستقلة ببيان أحواله، فعادلت نصفه، ذكره القاضي " انتهى.
فهو اجتهاد لبعض السلف، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني أبدا أنها تعدل نصف القرآن في الأجر والمثوبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/285)
ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد، وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره، فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي، وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة.
قال الإمام الترمذي:
وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم.
" سنن الترمذي " (5 / 756) وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن ".
وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره، مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره، أو معهما عند من يقول: كل مجتهد مصيب؛ ولذلك أسباب: منها: أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا؛ ويعتقده الآخر ثقة، ومعرفة الرجال علم واسع؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه؛ لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح؛ إما لأن جنسه غير جارح؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح.
وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم.
ومنها: ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة.
ومنها: أن يكون للمحدث حالان: حال استقامة، وحال اضطراب؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة.
ومنها: أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه.
" مجموع الفتاوى " (20 / 240 – 242) باختصار.
ثانياً:
أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد: فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين، وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن، وهو فن علم الحديث، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده، فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً: فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه.
" لقاء الباب المفتوح " (اللقاء " 46 "، سؤال 1136) .
ولينظر جواب السؤال رقم (22652) وفيه بيان الموقف الصحيح من اختلاف العلماء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/286)
درجة حديث ما يسمى " دعاء جبريل "
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل هذا الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نزل عليّ جبرائيل وأنا أصلي خلف المقام، فلما فرغت من الصلاة دعوت الله تعالى وقلت: حبيبي علمني لأمتي شيئا إذا خرجت من الدنيا عنهم يدعون الله تعالى فيغفر لهم، فقال جبريل: ومن أمتك يشهدون لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، ويصومون أيام الثلاثة البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، ثم يدعون الله بهذا الدعاء، فإنه مكتوب حول العرش، وأنا يا محمد بقوة هذا الدعاء أهبط وأصعد، وملك الموت بهذا الدعاء يقبض أرواح المؤمنين، وهذا الدعاء مكتوب على أستار الكعبة وأركانها، ومن قرأ من أمتك هذا الدعاء يأمن عذاب القبر، ويكون من آمناً يوم الفزع الأكبر، ومن موت الفجّار، وغناه عن خلقه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنت شفيعه يوم القيامة يا محمد. . . .
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله الطاهرين سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المؤمن المهيمن سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المصور الرحيم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت السميع العليم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيّوم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت البصير الصادق سبحانك، أنت الله لا إله الله إلا أنت الواسع اللطيف سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت العليّ الكبير سبحانك. . .إلخ الدعاء.
هل ما كتب صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث والذي يسمَّى " دعاء جبريل " لا أصل له في السنة الصحيحة، بل ولا في الضعيفة، وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ ألفاظ الحديث والدعاء لم يشك أنه من وضع الزنادقة، ففي بيان بعض فضائل هذا الدعاء قوله: " ومَن كتبه على كفنه بتربة الحسين عليه السلام أمِنَ مِن عذاب القبر "! .
وفي بعض ألفاظه ما يدل على حماقة قائله، وظنه أنه قد ينطلي هذا الدعاء على حماة الدِّين، فاسمع إليه يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحفظته، وعلَّمته المؤمنين من شيعتنا وموالينا "!!
أما المبالغات في الأجور والثواب، والأخطاء في النحو والإملاء: فحدِّث عن هذا ولا حرج، ونص أوله: " اللهم صلِّ على محمد وآل محمد لا إله إلا الله بعدد ما هلَّله المهللون، الله أكبر بعدد ما كبّره المكبرون، الحمد لله الحمد لله بعدد ما حَمِدهُ الحامدون، سبحان الله بعدد ما سبّحه المسبحون، أستغفر الله أستغفر الله بعدد ما استغفره المستغفرون ".
وعلى كل حال: ففي صحيح السنَّة ما يغني عن مثل هذه الخرافات والضلالات، والوصية للأخ السائل أن يقرأ كتاب " حصن المسلم " أو " صحيح الكلِم الطيب "، وكذا ما ذكره الأئمة الثقات كالبخاري ومسلم في كتبهم في أبواب الأدعية، ففيه الخير الكثير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/287)
هل تشرع صلاة الحاجة؟ وهل تنفع التجربة لفعلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة الحاجة باثنتي عشرة ركعة مع التشهد بين كل ركعتين وفي التشهد الأخير نثني على الله عز وجل ونصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسجد ونقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات ونقول عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، ثم نقول: " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " ثم نسأل حاجتنا ونرفع رأسنا من السجود ونسلم يميناً ويساراً.
سؤالي هو:
قيل لي إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في السجود وقد جربتها في أيام الدراسة والله سبحانه وتعالى استجاب دعائي وأنا لي حاجة إلى الله سبحانه وتعالى وأريد أن أصليها فما هي نصيحتكم لي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رويت " صلاة الحاجة " في أربعة أحاديث: اثنان منهما موضوعان، والصلاة في أحدهما اثنتا عشرة ركعة، وفي الآخر ركعتان، والثالث ضعيف جدّاً، والرابع ضعيف، والصلاة فيهما ركعتان.
أما الأول: فهو الذي جاء في السؤال وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت من آخر صلاتك فأثنِ على الله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك، ثم سلِّم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب لهم) .
رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 63) من طريق عامر بن خداش عن عمرو بن هارون البلخي.
ونقل ابن الجوزي تكذيب عمرو البلخي عن ابن معين، وقال: وقد صح النهي عن القراءة في السجود.
انظر: " الموضوعات " (2 / 63) و " ترتيب الموضوعات " للذهبي (ص 167) .
وفي الدعاء بـ " معاقد العز من عرش الله " خلاف بين العلماء، على حسب المقصود من هذا اللفظ الذي لم يرد في الشرع، وقد منع الدعاء به بعض أهل العلم، ومنهم الإمام أبو حنيفة؛ لأنه من التوسل البدعي، وأجازه آخرون لاعتقادهم أنه توسل بصفة من صفات الله عز وجل لا أنه يجوز عندهم التوسل بالمخلوقين.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: " هذا حديث موضوع بلا شك "، وأقره الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (273) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: " أسألك بمعاقد العز من عرشك " يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل: فهو توسل مشروع بأدلة أخرى، تغني عن هذا الحديث الموضوع.
قال ابن الاثير رحمه الله: " أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي: بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء ".
فعلى الوجه الأول من هذا الشرح وهو الخصال التي استحق بها العرش العز: يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش: فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍّ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل؛ لعدم ثبوته، فنكتفي بما سبق " انتهى كلام الألباني.
" التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 48، 49) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. رواه مسلم (480) .
وفي جواب السؤال رقم (34692) سبق ذكر الحديث وتضعيفه من جهة السند والمتن عن علماء اللجنة الدائمة فلينظر.
وأما الحديث الثاني الوارد في صلاة الحاجة فهو:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام بدعوات فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهن ثم سل حاجتك: يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف السوء، يا أرحم الراحمين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا إله العالمين، بك أنزل حاجت وأنت أعلم بها فاقضها) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) -، وذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في " ضعيف الترغيب " (419) و " السلسلة الضعيفة " (5298) أنه موضوع.
وأما الحديث الثالث: فهو:
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) .
رواه الترمذي (479) وابن ماجه (1384) .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال.
وذكر الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (416) وقال: حديث ضعيف جدّاً.
وقد سبق تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (10387) فلينظر.
وأما الحديث الرابع فهو:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي، ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك؟ توضأ وصل ركعتين واحمد الله وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) .
رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) وضعفه الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (417) وقال: إسناده مظلم، فيه من لا يُعرف، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5287) .
والخلاصة: أنه لم يصح في هذه الصلاة حديث، فلا يشرع للمسلم أن يصليها، ويكفيه ما ورد في السنة الصحيحة من صلوات وأدعية وأذكار ثابتة.
ثانياً:
وأما قول السائلة إنها جربتها فوجدتها نافعة: فهذا قد قاله غيرها قبلها، والشرع لا يثبت بمثل هذا.
قال الشوكاني رحمه الله:
" السنَّة لا تثبت بمجرد التجربة، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنَّة، وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجاً " انتهى باختصار.
" تحفة الذاكرين " (ص 140) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" وأما ما ذكر من أن فلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً، وفلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه؛ لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدراً، أو يصادف ابتلاءً وامتحاناً للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/288)
ما صحة حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث القائل بإحياء أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به ثم ماتت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يصح حديث في أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأنهما آمنا به ثم ماتا، بل الأحاديث الصحيحة الثابتة تدل على أنهما ماتا على الكفر، وأنهما من أهل النار.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) رواه مسلم (976) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (203) .
ومما يدل على عدم صحة هذه الأحاديث: أن هذا الأمر لو وقع لاشتهر وانتشر، لأنه يكون آية عظيمة من آيات الله تعالى، فتتوفر الدواعي على نقلها.
وقد حكم أئمة العلم المحققون على هذه الأحاديث الواردة بأنها موضوعة مكذوبة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: حجَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فمرَّ بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم، فبكيتُ لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل فقال: يا حميراء استمسكي، فاستند إلى البعير فمكث عني طويلاً، ثم إنه عاد إليَّ وهو فرح مبتسم، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نزلت من عندي وأنت حزين مغتم فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح مبتسم، فعَمَ ذا يا رسول الله؟ فقال: ذهبت لقبر أمي آمنة فسألت الله أن يحييها فأحياها، فآمنت بي وردها الله عز وجل.
رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " والخطيب البغدادي في " السابق اللاحق " – كما قال السيوطي في " الحاوي " (2 / 440) -.
قال ابن الجوزي:
" هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا؛ بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع، ويكفي رد هذا الحديث قوله تعالى: (فيمت وهو كافر) وقوله في الصحيح: (استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) وقد كان أقوام يضعون أحاديث ويدسونها في كتب المغفلين فيرويها أولئك، قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: هذا حديث موضوع وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ودفنت هناك وليست بالحجون " انتهى.
"الموضوعات" (1/283) .
الحجون: موضع بمكة.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه، فأحياهما وآمنا به: إنه حديث منكر جدّاً، وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه " انتهى.
"البداية " (2/261) .
وقال ملا علي القاري عن هذا الحديث:
" موضوع، كما قال ابن دحية، وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة " انتهى.
"الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص 83) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب:
" لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث ; بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه "السابق واللاحق" وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة" وأمثال هذه المواضع، فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً، كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث ; لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح، لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين: من جهة إحياء الموتى، ومن جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحد من الثقات عُلِم أنه كذب.
ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع. قال الله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما) وقال: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) . فبين الله تعالى: أنه لا توبة لمن مات كافراً. وقال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس ; فكيف بعد الموت؟ ونحو ذلك من النصوص. . . " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (4/325) .
وبعض أهل التصوف لم يستطع تصحيح هذه الأحاديث وفق القواعد الحديثية فصححها بالكشف!
يقول البيجوري:
" ولعل هذا الحديث - حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما- صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف " انتهى.
"جوهرة التوحيد" (ص 30) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رادّاً على مثل هذا:
" وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى: هذا أمر فوق العقل! ويقول بعضهم: يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل " انتهى باختصار.
"الجواب الصحيح" (2/92) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/289)
صحة رواية في كتاب الآيات الشيطانية
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي قال أن بعض آيات القرآن أُنزلت للموافقة على اكثر ثلاثة أرباب مشهورة ومحببة كانت توجد في مكة ذلك الوقت لتكون القادة على الأرباب.
تلك الآيات أُلغيت وقيل أن تلك الآيات لم تُنزل عن طريق جبريل وإنما كان الشيطان هو الذي وسوس بتلك الآيات ولم يعلم بذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الوقت.
ما هي صحة هذا؟. إذا كان هناك نسبة من الصحة في هذه الرواية فما هي تلك النسبة؟ وأرجو أن تذكر الرواية الحقيقية لما حدث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام مبني على رواية باطلة، قال عنها ابن كثير وغيره: " لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح ". وهي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم على المشركين حنى إذا بلغ: (أَفَرَأَيْتُمْ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (تلك الفرانيق العُلى وإنّ شفاعتهم لتُرتجى) فأعجب الكفار هذا المدح لهذه لأصنام الثلاثة فسجدوا "
هذه الرواية باطلة بلا ريب في وجوه عدة:
1. أنّ أسانيدها واهية لا تصح.
2. أن النبى صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغه للرسالة.
3. على تقدير صحة الأثر، فقد ذكر العلماء أن هذا يكون ممّا ألقاه الشيطان في مسامع الكفار لا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعوه منه.
وانظر كلام ابن كثير رحمه الله في الرد على هذا في تفسير سورة الحج آية رقم 52. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/290)
ضعف رواية وأنا على ذلك من الشاهدين بعد تلاوة سورة التين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يقرأ بعد الانتهاء من قراءة سورة التين يقول الإنسان " بلا شك واشهد" وما صحته وأين أجده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الترمذي رحمه الله في سننه: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَال: سَمِعْتُ رَجُلا بَدَوِيًّا أَعْرَابِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ مَنْ قَرَأَ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَقَرَأَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا يُرْوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ هَذَا الأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلا يُسَمَّى، وهذا تبيين منه رحمه الله لعلّة هذا السّند وهو جهالة هذا الأعرابي وبناء عليه فإنّ السّند ضعيف والحديث غير صحيح وقد رواه أبو داود رحمه الله 753 من طريق الأعرابي المذكور. وقد ضعّف العلامة الألباني الحديث في كتابه ضعيف الجامع رقم 5784 وبما أنّ الحديث لم يثبت فلا نعمل به، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/291)
مبيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر في غار ثور
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن الحديث الذي روى قصة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر لمكة واختبأ في الكهف وكانت الملائكة تغطي بأجنحتها على مدخل الكهف حتى لا يراه من كان يبحث عنه من الكفار.
ما يعرفه أغلب الناس أن عنكبوتاً بنى بيته على مدخل الكهف ولكنني وجدت أن هذه الرواية ضعيفة أو ملفقة وأن الرواية التي تخبر أن الملائكة غطت بأجنحتها مدخل الكهف هي الرواية الصحيحة.
هل يمكن أن تخبرني باسم الراوي وفي أي كتاب حديث أو سيرة أجد هذه الرواية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر مبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله في الغار في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليك بيانها:
أولاً: من كتاب الله..
ورد في كتاب الله قصة المبيت في الغار قال تعالى: " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " المائدة / 40.
فالآية نص واضح على ائتمار المشركين على قتله صلى الله عليه وسلم، وأنهما باتا في الغار.
ثانياً: السنة..
أما ما صح من السنة النبوية في قصة المبيت في الغار:
1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ... ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ (أي حاذق سريع الفهم) ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ (أي يخرج من عندهما آخر الليل) فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ ... الحديث.
رواه البخاري (3905) في قصة طويلة بوب عليها: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
2 - عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. رواه البخاري (3653) .
وأما قصة نسج العنكبوت فقد رواها الإمام أحمد (3241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ.
وقد اختلف العلماء في هذا الحديث، فحسن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وابن كثير في "البداية والنهاية" (3/222) . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (3251) : في إسناده نظر اهـ. وقال محققو المسند (3251) : إسناده ضعيف اهـ. والله أعلم.
وأما قصة الحمامتين فقد ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/223) وقال رواها ابن عساكر ثم قال: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه اهـ وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقاً.
وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3/339) : واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في عض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكن من ذلك على علم اهـ.
وأما ستر الملائكة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر فقد رواه الطبراني في "الكبير" (24/106-108) من حديث أسماء بنت أبي بكر. وهو حديث طويل وفيه: (فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار: يا رسول الله إنه ليرانا، فقال: كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ... الحديث) .
وهذا الحديث في سنده يعقوب بن حُمَيْد بن كاسِب المدني، وقد اختلف فيه أهل العلم. انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (32/318-323) .
فضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، ووهَّاه أبو زرعة الرازي.
وقال أبو داود السجستاني رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل، فأسندها وزاد فيها.
وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته، وهو كثير الحديث، كثير الغرائب.
وقال الذهبي: كان من علماء الحديث لكنه له مناكير وغرائب.
ووثقه ابن حبان. وقال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام.
والألباني رحمه الله يحسن حديثه غير أنه توقف في تحسين هذا الحديث،
قال رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/263) :
المتقرر في يعقوب هذا أنه حسن الحديث. . . فإن لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن. . . ثم قال: وشيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي لم أقف له على ترجمة، وقد أخرج له في "المعجم الأوسط" نحو 16 حديثا، مما يدل على أنه من شيوخه المشهورين، فإن عرف أو توبع فالحديث حسن اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/292)
درجة حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه "ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) ومعنى الحديث وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي 3713 وابن ماجه 121، وقد اختُلِفَ في صحته َقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ1/189 (وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كحَدِيثِ " مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ ") ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه ... وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب) منهاج السنة 7/319. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: (وَأَمَّا حَدِيثُ: مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَلَهُ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1750 وناقش من قال بضعفه.
وصحة هذه الجملة عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صحت ـ لا تكون بحال دليلا على إثبات ما ألحقه به الغالون من زيادات في الحديث للتوصل إلى تقديمه رضي الله عنه على بقية الصحابة كلهم، أو إلى الطعن في الصحابة بأنهم سلبوه حقه، وقد أشار شيخ الإسلام إلى بعض هذه الزيادات وتضعيفها في عشرة مواضع من منهاج السنة.
ومعنى الحديث اختلف فيه، وأيَّاً كان فإنه لا يناقض ما هو ثابت ومعروف بالأحاديث الصحاح من أن أفضل الأمة أبو بكر وأنه الأحقُّ بالخلافة، ثم يليه عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنه الله عنهم أجمعين لأن ثبوت فضل معين لأحد الصحابة، لا يدل على أنه أفضلهم، ولا ينافي كون أبي بكر أفضلهم كما هو مقرر في أبواب العقائد.
ومن هذه المعاني التي ذكرت لهذا الحديث (قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كُنْت أَتَوَلاهُ فِعْلِيٌّ يَتَوَلاهُ مِنْ الْوَلِيِّ ضِدُّ الْعَدُوِّ. أَيْ مَنْ كُنْت أُحِبُّهُ فِعْلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَتَوَلاَّنِي فِعْلِيٌّ يَتَوَلاَّهُ ذَكَرَهُ الْقَارِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ , وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ: قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ اِسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُحِبُّ وَالتَّابِعُ وَالْجَارُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُعْتَقُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا أَوْ قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلاهُ وَوَلِيُّهُ , والحديث المذكور يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ الأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ ولاءَ الإِسلامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} " قَالَ الطِّيبِيُّ: لا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُحْمَلَ الْوِلايَةُ عَلَى الإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ لأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمُسْتَقِلَّ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ هُوَ لا غَيْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَحَبَّةِ ووَلاءِ الإِسْلامِ وَنَحْوِهِمَا) عن تحفة الأحوذي شرح الترمذي حديث 3713 بتصرف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/293)
حكم النوم بعد العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " من نام بعد العصر، فاختُلس عقله، فلا يلومنَّ إلا نفسه "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث ضعيف جدّاً.
انظر: "الموضوعات" لابن الجوزي (3/69) ، و"اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/279) و"ترتيب الموضوعات" للذهبي (839) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/294)
هل وردت أحاديث صحيحة في عتق الأحياء والأموات في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحدهم أن الله يعتق من أموات المسلين كل ليلة واحداً فقط ولا يعتق من الأحياء إلا في آخر ليلة من رمضان بعدد ما أعتق خلال الشهر من أموات، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد – بعد البحث – أحاديث وردت بذلك.
وقد وردت أحاديث أن لله تعالى عتقاء من النار في رمضان، وذلك كل ليلة.
وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع.
فمما صح من الأحاديث في ذلك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) .
رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (759) .
2- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) . رواه أحمد (21698) وابن ماجه (1643) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وأما الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في ذلك، فمنها:
1- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبداً، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (591) و " السلسلة الضعيفة " (5468) .
2- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة ... قال: ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ... ) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (594) .
3- وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى) . وهو حديث ضعيف. انظر: " ضعيف الترغيب " (598) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/295)
هل هذا حديث صحيح (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " أدَّبني ربي فأحسن تأديبي "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث ضعيف.
قال ابن تيمية: لا يعرف له إسناد ثابت.
انظر: "أحاديث القصاص" (78) ، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (1020) .
والفتني في "تذكرة الموضوعات" (87) .
ولكن معناه صحيح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/296)
هل يصوم يوم النصف من شعبان حتى لو كان الحديث ضعيفاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بعد العلم بضعف حديث أن نأخذ به؛ وذلك من باب فضائل الأعمال " إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " علماً أن الصوم نفلاً في تعبد لله وكذلك قيام الليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما ورد في فضل الصلاة والصيام والعبادة في النصف من شعبان ليس من قسم الضعيف، بل هو من قسم الموضوع والباطل، وهذا لا يحل الأخذ به ولا العمل بمقتضاه لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها.
وقد حكم ببطلان الروايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 440 - 445) ، وابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " رقم 174 – 177) ، وأبو شامة الشافعي في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (124- 137) ، والعراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (رقم 582) ، وقد نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في " مجموع الفتاوى " (28 / 138)
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "
إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام: بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر.
وقال – رحمه الله -:
ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية: فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تُخصَّ بشيءٍ، هذا هو الصواب، وبالله التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (4 / 511) .
انظر السؤال رقم (8907)
ثانياً:
وإن سلَّمنا أنها ضعيفة وليست موضوعة: فإن الصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً وإن كان في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وفي الصحيح ما يغني المسلم عن الأخذ بالضعيف، ولا يُعرف تخصيص هذه الليلة ونهارها بشيء في الشرع لا عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه.
وقال العلاَّمة أحمد شاكر: لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيحٍ أو حسنٍ.
" الباعث الحثيث " (1 / 278) .
وانظر لزيادة البيان " القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف ".
وانظر جواب السؤال رقم: (44877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/297)
بيان ضعف حديث في فضل رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث المروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ... الحديث) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن خزيمة بلفظه في صحيحه 3/191 رقم (1887) وقال: إن صح الخبر، وسقطت (إن) من بعض المراجع مثل (الترغيب والترهيب) للمنذري (2/95) فظنوا أن ابن خزيمة قال: صح الخبر، وهو لم يجزم بذلك.
رواه المحاملي في أماليه (293) والبيهقي في شعب الإيمان (7/216) وفي فضائل الأوقات ص 146 رقم 37 وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب (الثواب) عزاه له الساعاتي في (الفتح الرباني) (9/233) وذكره السيوطي في (الدر المنثور) وقال: أخرجه العقيلي وضعفه) والأصبهاني في الترغيب، وذكره المنقي في (كنز العمال) 8/477، كلهم عن طريق سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي، والحديث ضعيف الإسناد لعلتين هما:
1- فيه انقطاع حيث لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي رضي الله عنه.
2- في سنده " علي بن زيد بن جدعان " قال فيه ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به، وضعفه أحمد وابن معين والنسائي وابن خزيمة والجوزجاني وغيرهم كما في (سير أعلام النبلاء) (5/207)
وحكم أبو حاتم الرازي على الحديث بأنه منكر، وكذا قال العيني في (عمدة القاري) 9/20 ومثله قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ج2/262 رقم (871) فيتبين ضعف إسناد هذا الحديث ومتابعته كلها ضعيفة، وحكم المحدثين عليه بالنكارة، إضافة إلى اشتماله على عبارات في ثبوتها نظر، مثل تقسيم الشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى عشر الرحمة ثم المغفرة ثم العتق من النار وهذه لا دليل عليها، بل فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء في كل ليلة، وعند الفطر كما ثبتت بذلك الأحاديث.
وأيضاً: في الحديث (من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة) وهذا لا دليل عليه بل النافلة نافلة والفريضة فريضة في رمضان وغيره، وفي الحديث أيضاً: (من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) وفي هذا التحديد نظر، إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يخص من ذلك إلا الصيام فإن أجره عظيم دون تحديد بمقدار، للحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فينبغي الحذر من الأحاديث الضعيفة، والتثبت من درجتها قبل التحديث بها، والحرص على انتقاء الأحاديث الصحيحة في فضل رمضان، وفق الله الجميع وتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الدكتور / أحمد بن عبد الله الباتلي(4/298)
الرد على من شكك في صحيح البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي الشيعي سألني سؤالاً وهو: كيف نعتمد صحيح البخاري وندعي صحته مع أن الإمام البخاري رحمه الله كان موجوداً بعد 400 سنة من موت النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإمام البخاري رحمه الله: مات سنة 256 هـ أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بـ (245) سنة. وليس كما يزعم صاحبك الشيعي، ولكن الكذب من معدنه لا يُستغرب، وليس معنى ذلك أن البخاري يمكنه أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فهذا ليس مرادا قطعا. وإنما ذكرنا هذا فقط لمجرد التوضيح.
وأما كيف نعتمد على صحيح البخاري وهو لم يلتق بالنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة؟
فالجواب أن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل هو يروي عن شيوخ ثقات، في أعلى درجات الحفظ والضبط والأمانة عن مثلهم إلى أن يصل إلى الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الرواة، فاعتمادنا على صحيح البخاري لأن الرواة الذين نقل عنهم اختارهم بعناية تامة. فهم في أعلى درجات الثقة، ومع هذا فكان لا يكتب حديثا في هذا الصحيح حتى يغتسل، ثم يصلي ركعتين يستخير الله في هذا الحديث ثم يكتبه، وقد استغرق تأليفه لهذا الكتاب ستة عشر عاما، وقد تلقته أمة الإسلام بالقبول، وأجمعوا على صحة ما ورد فيه، وقد عصم الله هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة.
قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة شرح مسلم (1/14) : اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد. انتهى
ولو سألت هذا الشيعي أو (الرافضي) عن ما ينقله زعماؤهم من الأقوال عن علي رضي الله عنه، والباقر، وجعفر الصادق، وغيرهم من آل البيت رحمهم الله، هل سمعوه منهم أم ينقلونه بالأسانيد؟ الجواب واضح. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين أسانيد البخاري، وأسانيد هؤلاء الضالين الذين لا تجد أسماء رجالهم المعتمدين في الرواية إلا في كتب الضعفاء، والكذابين، والمجروحين.
وهذه الدعوى التي يثيرها هذا الرافضي إنما هي مقدمة للطعن في السنة التي تُبين بطلان مذهبهم، وفساد معتقدهم، فلم يجدوا بدا من التهويش بهذه الضلالات. ولكن هيهات فالحق واضح، والباطل مضطرب.
ثم ننصحك أيها السائل ـ وفقك الله ـ أن تحرص على مصاحبة من تنفعك مصاحبتهم من أهل السنة، وأن تجتنب مصاحبة أهل البدع، فقد حذر العلماء من مصاحبتهم لأنهم لا يزالون بالشخص حتى يبعدوه عن الحق بشتى أنواع الحيل والتلبيسات.
نسأل الله لنا ولك التوفيق للسنة والبعد عن البدعة وأهلها،،، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/299)
صحة حديث من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير.
وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يُوافق على ذلك.
والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني.
وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال: محمد بن حمير ليس بالقوي.
وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد. ما علمت إلا خيراً. وقال النسائي ليس به بأس.
والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور.
الأول: أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه.
الثاني: أن الحديث ليس من أصول الأحكام.
الثالث: أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(4/300)
صحة حديث (توسلوا بجاهي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا أصل له.
قال ابن تيمية والألباني: لا أصل له.
انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2/415) ، "السلسلة الضعيفة" (22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/301)
لا يصح حديث: (لا سياحة في الإسلام)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث " لا سياحة في الإسلام "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في حديث رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ليث عن طاووس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا سياحة ولا تبتّل ولا ترهّب في الإسلام) . قال الألباني في ضعيف الجامع (ضعيف) برقم (6287)
وإنما الصحيح ما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2093)
ومعنى سائحات في قوله تعالى: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) التحريم / 5، سائحات أي صائمات، فالسياحة وردت بمعنى الجهاد وبمعنى الصيام في النصوص الشرعية، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/302)
كيف نعرف الأحاديث الصحيحة من المكذوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن علينا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما هو مدى تأكدنا من أن بعض الأحاديث الموجودة اليوم ليست مكذوبة أو مغيرة؟ أرجو أن تتفهم أني لا أقوّمُ الأحاديث ولست أقول أنها خطأ بأي حال من الأحوال، لكن الكثير من الأحاديث التي رُويت لي من قبل بعض المسلمين كانت ضعيفة ومكذوبة. أنا أتمثل الأحاديث ما استطعت. أرجو مساعدتي بتقديم أية معلومات حول ذلك]ـ
[الْجَوَابُ]
1. تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ومنه حفظ الكتاب المعجز، ومعه حفظ السنة النبوية التي تعين على فهم القرآن، قال الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، والذكر يشمل القرآن والسنة.
2. وقد حاول كثيرون - في الماضي والحاضر - أن يدسوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الشرع المطهر وفي السنة النبوية، لكن الله تعالى ردَّ كيدهم في نحورهم، وسخَّر الله الأسباب لحفظ دينه ومنها العلماء الأثبات الثقات الذين ينخلون الروايات، ويتتبعون مصادرها ويقفون على تراجم رواتها حتى إنهم ليذكرون متى اختلط الراوي ومن الذين رووا عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط، ويعرفون رحلات الراوي ودخوله البلدان وعمن أخذ من أهلها، وهكذا في قائمة طويلة يصعب حصرها، وكل ذلك يدل على أن هذه الأمة محفوظة في دينها مهما حاول الأعداء الكيد والعبث والتحريف.
قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض.
وذكر الحافظ الذهبي أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً.
ويستطيع طالب العلم معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بكل يسر وسهولة وذلك بالنظر في أسانيد الرواية ومعرفة حال رجالها من كتب الرجال وكتب الجرح والتعديل.
3. وقد جمع كثير من العلماء مثل هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب خاصة ليسهل النظر فيها مجموعة فيحذر الإنسان ويُحذِّر غيره، ومنها " العلل المتناهية " لابن الجوزي، و " المنار المنيف " لابن القيم، و"اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و " الفوائد المجموعة " للشوكاني و"الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة" لابن عرّاق، و " ضعيف الجامع الصغير " و " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله.
4. وكون الأخ السائل يسمع الضعيف والموضوع كما يقول فهو يدل على أنه يميز - ولله الحمد - بين ما كان صحيحاً وما كان غير صحيح! وهذا من فضل الله وهو يدل على ما ذكرنا من حفظ الله لهذه الشريعة.
5. وإننا ننصح الأخ السائل بالقراءة في كتب الرجال والجرح والتعديل وكتب مصطلح الحديث ليعرف مدى الجهود المبذولة لخدمة السنة النبوية.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/303)
من الذي جمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين جمعوا الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم؟ (التي تعتبر صحيحة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك من قام بجمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم مثل إبن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما وابن السكن في صحيحه، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة، ولكن لم يبلغ عمل أحد منهم مبلغ الصحيحين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(4/304)
ما هي درجة حديث " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "؟ .
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع.
انظر: "ترتيب الموضوعات" للذهبي (600) ، و"الموضوعات" للصغاني (52) ، و"الفوائد المجموعة" للشوكاني (326) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/305)
ثلاثة أحاديث موضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذه الأحاديث المشهورة على الألسنة؟
حب الوطن من الإيمان
يخلق الله من الشبه أربعين
من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة والحكايات المختلقة. وقد اعتاد الكثير تناقل هذه الأخبار دون تثبت من صحتها ولا بحث عن حقيقتها.
وهذا محرم شرعاً وقبيح عقلاً.
وهذه الأحاديث الثلاثة مكذوبة مختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا تحل روايتها ولا التحديث بها بدون بيان بطلانها.
وقد روى البخاري في صحيحه (3509) عن علي بن عياش حدثنا حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن من أعظم الفِرَى أن يدّعي الرجلُ إلى غير أبيه أو يُرِي عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) .
وروى البخاري (110) ومسلم في مقدمة صحيحه (3) من طريق أبي حَصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) .
وكلُّ مَنْ حدث بالأحاديث الباطلة والحكايات الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين صحيحها من سقيمها وحقها من باطلها فقد باءَ بالإثم وتعرض للوعيد.
وقد ذكر السيوطي في كتابه ((تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص (167) أن من أقدم على رواية الأحاديث الباطلة يستحق الضرب بالسياط ويهدّد بما هو أكثر من ذلك ويزجر ويهجر ولا يسلم عليه ويغتاب في الله ويُستعدى عليه عند الحاكم ويحكم عليه بالمنع من رواية ذلك ويشهد عليه)) .
وذلك للذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفي الأخبار الكاذبة عنها ولحماية الأفراد والمجتمعات من هذه الأساطير والأكذوبات. نسأل الله السلامة والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(4/306)
هل حديث " اختلاف أمتي رحمة " صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " اختلاف أمتي رحمة "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع.
انظر: "الأسرار المرفوعة" (506) ، و"تنزيه الشريعة" (2/402) ، و"السلسلة الضعيفة" (11) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/307)
تخريج حديث (ما أحل الله في كتابه فهو حلال) والحكم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ي حول حديث: " ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيا، ثم تلا هذه الآية (وما كان ربك نسيا) " هذا الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 5 صفحة رقم 325 , وحسنه في صفحة رقم 14 في غاية المرام.
لكنه حسب موقع الدرر السنية قد قال عن هذا الحديث أشياء كثيرة فمثلا: " إسناده ضعيف جدا لكن معناه صحيح ثابت " و " إسناده صالح " و " إسناده صحيح " و " صحيح موقوفاً ويمكن تحسينه بشاهده مرفوعاً " و " في إسناده سيف بن هارون البرجمي ضعفه جماعة ووثقه أبو نعيم " و " ضعيف "
وقال عنه الشيخ أبو إسحاق الحويني على موقعه " ضعيف "
فما رأيكم في هذا الحديث؟ وهل يصح لنا أن نحتج به؟
وهل نترك الأحاديث التي تضارب فيها أقوال أهل العلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم:
1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:
(مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌُ، وَمَا حَرَّمَ فَهوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَه (وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيَّا) أخرجه الدارقطني في سننه (2/137) والحاكم في المستدرك (2/406) (10/12) والطبراني في مسند الشاميين (3/209) من طرق عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذا إسناد منقطع، فإن الانقطاع ظاهر بين رجاء بن حيوة وأبي الدرداء، إذ وفاة رجاء كانت سنة 112 هـ، ووفاة أبي الدرداء سنة 32 هـ.
قال ابن حجر في ترجمة رجاء بن حيوة "تهذيب التهذيب" (3/229) : " روايته عن أبي الدرداء مرسلة " انتهى.
وقال الذهبي رحمه الله عن هذا الحديث: " إسناده منقطع " انتهى.
"المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي" (8/3975) .
وكذا قال المعلمي رحمه الله في "الأنوار الكاشفة" (301) .
2- عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، بلفظ: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم عَنِ السَّمنِ وَالجبنِ والفِراءِ فَقَالَ: الحَلالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِه، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهوَ مِمَّا عَفَا عَنهُ) أخرجه الترمذي (1726) وابن ماجه (3367) والحاكم في المستدرك (4/129) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9/320) (10/12) ، وأخرجه الطبراني في الكبير (6/250) من طريق سيف بن هارون البرجمي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان به.
قال المزي في "تهذيب الكمال" (8/255) : " فيه سيف بن هارون، قال ابن معين: ليس بذاك وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: ضعيف متروك " انتهى.
وقال الترمذي: " وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفا، قال البخاري: وسيف بن هارون مقارب الحديث " انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (2/10) :
" قال أبي: هذا خطأ، رواه الثقات عن التيمي عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ليس فيه سلمان، وهو الصحيح " انتهى.
وقال أحمد: منكر، وأنكره ابن معين أيضا.
كذا نقله ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (2/69) .
وقال الشيخ الألباني في "التعليقات الرضية" (3/54) :
" إسناده ضعيف جدا، ولكن معناه صحيح ثابت " انتهى.
3- عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعتدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشيَاءَ فَلا تَنتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَن أَشيَاءَ رَحمَةً لَكم مِن غَيرِ نِسيانٍ فَلا تَبحَثُوا عَنهَا)
رواه جماعة من أهل العلم كلهم من طريق داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة به.
واختلف على داود بن أبي هند:
فرواه حفص بن غياث موقوفا عليه كما عند البيهقي (10/12) وتابعه يزيد بن هارون على وقفه كما ذكره الدارقطني في "العلل" (6/324) .
ورواه علي بن مسهر مرفوعا عند البيهقي في الكبرى (10/12) وكذا إسحاق الأزرق عند الدارقطني (4/184) ومحمد بن فضيل كما ذكر ذلك الدارقطني في "العلل" (6/324) .
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (2/68) :
" له علتان:
إحداها: أن مكحولا لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة، كذلك قال أبو شهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما.
الثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني "العلل" (6/324) : الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر " انتهى.
وقال ابن حجر: " رجاله ثقات إلا أنه منقطع " انتهى. "المطالب العالية" (3/271) .
وقال الذهبي: " منقطع " انتهى. "المهذب" (8/3976) .
وقل الألباني: " في إسناده انقطاع " انتهى. "تحقيق رياض الصالحين" (1841) .
والحاصل: أن أسانيد هذا الحديث لا تخلو من ضعف، ولكن هل يمكن أن تتقوى بمجموعها؟
ذهب بعض أهل العلم إلى ذلك، فقد حسن النووي حديث أبي ثعلبة كما في الأذكار (505) ، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/221) وابن كثير في تفسيره (1/405) وقال الألباني في تحقيق الإيمان لابن تيمية (43) : حسن بشاهده.
وحسَّن الألباني حديث سلمان الفارسي في صحيح الترمذي (1726) وقال في المشكاة (4156) : صحيح موقوفا، يمكن تحسينه بشاهده مرفوعا.
لكن ذهب آخرون إلى أن الضعف الشديد الذي في طرق هذا الحديث يمنع تقوية الحديث بمجموع طرقه، فحديث أبي الدرداء انقطاعه بيِّن ظاهر، وحديث سلمان الفارسي رفعه خطأ منكر، وحديث أبي ثعلبة منقطع ومختلف في رفعه.
وقد صح هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما من كلامه. أخرجه أبو داود (3800) ، قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/367) : إسناده صحيح.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود ومشكاة المصابيح (4074) .
كما أن معنى الحديث الإجمالي مقرر في قواعد الدين وأصوله، ومحل استشهاد وقبول عند أهل العلم.
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/185) : " معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح " انتهى.
وقال أبو بكر بن السمعاني: " هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه، قال: وحكي عن بعضهم أنه قال: ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة " انتهى.
"جامع العلوم والحكم" (2/70) .
وللاستزادة من معنى الحديث وشرحه انظر: شرح ابن رجب على هذا الحديث في "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث الثلاثون (2/68-87) .
ثانياً:
ينبغي التنبه إلى أن حكم بعض العلماء بالصحة أو الضعف على حديث معين، قد يكون المقصود به طريقاً معينة من طرق الحديث وليس حكماً على الحديث بكل طرقه، بمعنى أن العالم قد يحكم على إحدى الطرق بالضعف مثلا، ثم يحكم في مكان آخر على طريق أخرى للحديث نفسه بالصحة، وليس ذلك تناقضاً وإنما اختلفت الطريق المحكوم عليها، وهذا هو الذي وقع من الشيخ الألباني في كلامه على الحديث الذي معنا، أنه صححه من رواية أبي الدرداء، وضعف إسناده من رواية سلمان الفارسي لكنه حسنه بشاهده أي هو حسن لغيره عنده، وليس ذلك تناقضاً بل تفصيل يقتضيه علم الحديث.
والواجب على المسلم اتباع الحق فيما يظهر له بعد البحث والاجتهاد، فإن لم يكن له وسع في الاجتهاد اكتفى بتقليد من يثق بعلمه وأمانته من أهل العلم المشهورين، ولا يلتفت إلى غيره، وهذا يعم المسائل الحديثية والفقهية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/308)
الحديث المتواتر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحديث المتواتر في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعريف الحديث المتواتر في اللغة: مشتق من التواتر، بمعنى التتابع، قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تتْرَى) المؤمنون / 44
واصطلاحا: ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم، ومستند خبرهم الحس.
وقد ذكر العلماء أربعة شروط للحديث المتواتر:
1 – أن يرويه عدد كثير.
2 – أن يكون عدد رواته بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
3 – أن تكون كثرة الرواة في جميع طبقات السند، فيرويه عدد كثير عن عدد كثير حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
4 – أن يكون مستند خبرهم الحس، فيقولوا سمعنا أو رأينا، لأن ما لا يكون كذلك يحتمل أن يدخل فيه الغلط فلا يكون متواتراً
وأما أقسامه فأربعة:
1 – التواتر اللفظي. وهو ما تواتر لفظه ومعناه.
مثاله: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ "
رواه البخاري (107) ، ومسلم (3) ، وأبو داود (3651) ، والترمذي (2661) ، وابن ماجه (30، 37) ، وأحمد (2/159) .
وهذا الحديث رواه أكثر من اثنين وسبعين صحابيا، وعنهم جمع غفير لا يمكن حصرهم.
2 – التواتر المعنوي. وهو ما تواتر معناه دون لفظه.
مثاله: أحاديث رفع اليدين عند الدعاء، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو مئة حديث، كل منها فيه أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء، وقد جمعها السيوطي في جزء سماه: " فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء ".
وأما حكمه: فالخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة، لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري؛ وإن لم يدل عليه دليل آخر، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته، وهذا أمر لا يستريب فيه عاقل.
المراجع:
- نزهة النظر للحافظ ابن حجر
- الحديث المتواتر. د/ خليل ملا خاطر
- الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، للشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير.
- معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/309)
هل صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عدد الروايات للحديث مقارنة بعدد الرواة. وهل هو صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة مع وجود عدد كبير من الرواة الضعاف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصعب عقد مقارنة بين عدد الروايات وعدد الرواة؛ لأن الحديث الواحد قد يرويه جماعة من الرواة، كما أن الراوي قد يروى عددا من الأحاديث.
والقول بأنه لا توجد رواية ضعيفة، قول عار عن الصحة، فإن حال الراوي ومنزلته في العدالة والضبط والحفظ، له أثر في الحكم على مروياته.
ونحن نضرب لك أمثلة على ذلك:
الأول: حديث " اقرؤوا يسن على موتاكم" رواه أبو داود وابن ماجه، من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل بن يسار.
والحديث ضعيف لجهالة أبي عثمان، وجهالة أبيه. [انظر: إرواء الغليل 3/150 رقم 688] .
الثاني: حديث " لا يفرق بين والدة وولدها " رواه البيهقي، من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده. قال النووي رحمه الله: (وهو حديث ضعيف، وحسين بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه) المجموع 9/445
فهذه الأحاديث ضعفت لضعف رواتها.
وقد يكون السند ضعيفا، ويصح الحديث؛ لوروده من طريق آخر صحيح.
كما أنه قد يصح السند، ويضعف المتن، لعلة فيه.
وهذا علم واسع يحتاج إلى دراسة وممارسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/310)
هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل، أو ثلث الليل الأخير كله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اطّلعت على الفتاوي أرقام: 34810 و 22438 وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم 34810: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة أي أن طول الليل 9 ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم 34810. ولكني قرأت في الفتوى رقم 132950 أن وقت جوف الليل الآخر هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل) . فمتى وقت النّزول الإلهي: هل هو وقت جوف الليل الآخر، أم ثلث الليل الأخير كله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) .
وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر"، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام الترمذي رحمه الله: " وهو أصح الروايات". "سنن الترمذي" (2/309) .
ولا يمنع ذلك أن يقال: إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين: الخامس والسادس، وأول هذا الثلث هو السدس الخامس؛ فلذلك يصح أن يقال: إن وقت النزول هو الثلث الأخير، وهو أيضا: السدس الخامس.
فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر؛ كما في رواية لمسلم (758) : (فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) ؛ ازداد الأمر وضوحا، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل، وهو أيضا: السدس الخامس، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده.
على أنه قد يقال: إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني.
هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث.
قال الخطابي رحمه الله:
" قوله (أي الساعات أسمع) ، يريد: أيها أوقع للسمع، والمعنى أيها أولى بالدعاء، وأرجى للاستجابة؟ وهذا كقول ضماد الأزدي، حين عرض عليه رسول الله الإسلام، قال: فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب.
وجوف الليل الآخر: إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى. "غريب الحديث"، للخطابي (1/134) .
وقال ابن الأثير رحمه الله:
" وفيه: (قِيل له: أيُّ اللَّيل أسْمَعُ؟ قال: جَوْف الليل الآخِرُ) ، أي: ثُلثُه الآخِرُ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى. "النهاية" (1/841) .
وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله:
" وجَوْفُ اللَّيْلِ: الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ: أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قال: (َوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ) أَي: ثُلُثُةُ الآخِرُ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم " انتهى. "تاج العروس" (23/108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/311)
تفسير حديث (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين)
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أود أن أشكرك على ما تقدمه من عمل وجهد على هذا الموقع، فلقد استفدت منه كثيرا، والحمد لله، وجزاك الله خيرا. سؤالي يتعلق بحديث قرأته في تفسير ابن كثير، في تفسيره للآية الواحدة والخمسين من سورة القلم، والحديث يقول: (نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن) وسؤالي هو: إذا كان الله عز وجل قد قدر لكل مخلوق ما سيكون، وحفظ ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما قدره سيحدث بكل تأكيد، فكيف تتفوق العين الشريرة على القدر؟ هل المقصود من هذا هو التأكيد على قوة العين الشريرة؟ أرجو أن يكون السؤال واضحا. وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام مسلم (2188) في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) .
وروى الترمذي (2059) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/409) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1252) .
وليس في هذا الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله عز وجل، بل هي من القدر، وكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله، ولكن الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات أثر العين، كي يندفع ما في قلوب بعض الناس من الشك في تأثير العين على الإنسان، ففي هذا الحديث إثبات أثر العين، وتأكيد ذلك بأسلوب المبالغة في سرعة التأثير وقوته، وفيه أيضا إثبات أن العين من قدر الله.
قال القرطبي رحمه الله:
" (ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين) : هذا تحقيق لإصابة العين، ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته، ولا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وإنما هذا خرج مخرج قولهم: لأطلبنك ولو تحت الثرى. أو: لو صعدت إلى السماء، ونحوه مما يجري هذا المجرى، وهو كثير" انتهى بتصرف يسير.
"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/566) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
"وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر، ولكنها من القدر" انتهى.
"التمهيد" (6/240) .
وقال أيضا رحمه الله:
"وفي قوله: (لو سبق شيء القدر لسبقته العين) دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى، وما علم فلا بد من كونه على ما علمه، لا يتجاوز وقته، ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه" انتهى.
"الاستذكار" (8/403) .
وقال القاضي عياض رحمه الله:
" (لو سبق شيء القدر سبقته العين) : بيان أن لا شيء إلا ما قدره الله، وأن كل شيء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه" انتهى.
"إكمال المعلم" (7/85) .
قال النووي رحمه الله:
" (ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى" انتهى.
"شرح مسلم" (14/174) .
وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله:
" (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) يقتضي أنه لا يسبق اقدر شيء ... لكن لما كان تأثير العين تأثيرا متواليا بينا قال فيه صلى الله عليه وسلم هذا القول على معنى المبالغة فيه" انتهى.
"المنتقى شرح الموطأ" (7/258) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي، وحاصله: لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها؟! " انتهى.
"فتح الباري" (10/203-204) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/312)
من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إرسال الحديث الخاص بالسوق، وهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الأسواق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في ذم الأسواق ثابتة في كتب السنة الصحيحة، ومن ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم (671) ، وتروى في مناسبة هذا الحديث قصة طويلة، لكنها موضوعة لا تصح، انظر "السلسلة الضعيفة" (6500) .
قال النووي رحمه الله:
"لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها" انتهى باختصار.
"شرح مسلم" (5/171) .
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) رواه مسلم (2451) .
وقال ميثمٌ - رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر: "موقوف صحيح السند" انتهى. "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب".
قال ابن بطال رحمه الله:
"هذا إنما خرج على الأغلب؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى.
"شرح صحيح البخاري" (6/249) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (13/16) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/313)
هل صح حديث: (لقد جئتكم بالذبح) ، وما توجيه معناه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن من فضلك أن تعلق لي على هذا الحديث وعلى إسناده؟ هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إنه جاءهم ليذبحهم؟ وكيف لنا أن نفهم هذا الحديث؟ وما هو معنى الحديث؟ أرجو منكم أن تشرحوا لأنني أجد الحديث محيراً جداً بالنسبة إلي. ونص الحديث يقول: (لقد جئتكم بالذبح) وقد ترجم الحديث من قبل الشيخ: عبد السلام الشامي: قال يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول؛ حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا - لِما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم – قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك. قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه. قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول - وهو يبكي -: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه المحققون، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19) ، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403) .
وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) .
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أما والله لا تنتهوا حتى يحل بكم عقابه عاجلاً. – وبعد ذلك قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم -: أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً) .
عزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/168) للزبير بن بكار، والدارقطني في " الأفراد " وأشار إلى ضعف هذه الرواية.
وانظر "فتح الباري" (7/166-170) للوقوف على روايات الحديث.
وهذا اللفظ: (جئتكم بالذبح) له معنى صحيح بلا شك، ولا ينبغي أن يثير الحيرة في نفس السائل ولا في نفس أي عاقل، فالمقصود بالذبح هم أشخاص معينون محدودون، وهم أولئك الذين يصرون على الكفر بالله، وعلى حرب الإسلام وأهله، واضطهاد المستضعفين، والتسلط على النساء والشيوخ من المؤمنين، لفتنتهم عن دينهم، وفرض مبادئهم وأفكارهم بالدم والتعذيب والتنكيل، هؤلاء هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شر تقتيل، طعنوا سمية زوجة ياسر في عفتها، وقتلوا ياسر في شيخوخته، وعذبوا بلالاً بالرمضاء، وهموا بقتل خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوا أسلوباً من أساليب التعذيب والظلم إلا مارسوه على هذه الفئة المؤمنة، حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة، مكفكفين جراحهم، ومتحملين آلامهم، لعلهم يجدون لدى ملك الحبشة طعم الراحة والأمان.
هذا بعض ما فعلته هذه الفئة من مجرمي كفار قريش مع المؤمنين، أما عن تطاولهم على رب العباد فذلك شأن آخر، حكاه الله عنهم في عشرات الآيات في القرآن الكريم. ألا يستحق هؤلاء – بعدئذ - القتل دفعا لشرهم، وتخليصا للعباد من آذاهم.
أليس من الحكمة والعقل مجابهتهم – في بعض الأحيان – بالقوة والتهديد والوعيد، وذلك حين يطفح الكيل من مكرهم وظلمهم؟
لماذا يحتار العاقل في قبول تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالعقوبة العاجلة من الله عز وجل، وهم أجدر بها، وأحق بها من قوم عاد وثمود وسائر الأنبياء الذين عرفنا عدوانهم على الأنبياء والمؤمنين في القرآن الكريم؟!
ألهذا الحد ينسى العاقل ما فعله هؤلاء المجرمون بالمؤمنين المستعضفين، وينسى أيام العذاب والهوان التي ذاقوها مما يتقطع له قلب كل إنسان وهو يقرأ صفحاتها، ثم يتعاطف مع الجلادين – وهم صناديد كفار قريش – لأن النبي صلى الله عليه وسلم هددهم بالقتل والذبح مرة من المرات.
أهكذا تقاس الأمور في موازين العقول؟!
وإذا لبَّس الحاقدون على الناس، فاجتزؤوا هذه الكلمة من سياقها، وأرادوا أن يظهروا النبي صلى الله عليه وسلم سفاكاً للدماء، محباً للموت والقتل، فلا يجوز أن ينطلي ذلك على العقلاء من المسلمين ومن غير المسلمين، بل الواجب التعامل مع هذه الحادثة، وكذلك كل حادثة بمقياسين مهمين رئيسيين:
1- السياق الذي جاءت به، ونوع المخاطبين بها، والحادثة التي تفسرها وتبين المقصود منها.
2- النظر في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى فهم نظرة الإسلام إلى المسألة، وليس من خلال نص واحد فقط.
ومن لم يفعل ذلك ضلَّ وتاه، وباع عقله وفكره لكل ناعق بشبهة، ولكل من يحسن الوسوسة بالشر والفساد.
ونقول أيضاً:
كيف تُصَدَّقُ دعوى مَن يدَّعي أن الإسلام جاء بقتل من لم يتبعه مطلقاً، وقد علم الناس جميعاً علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد أذاهم الشديد له فجاءه ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) ، وعفا أيضاً صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين ظلموا المؤمنين وأكلوا أموالهم بعد فتح مكة، بل وأكرم بعض كبرائهم رجاء حسن إسلامهم، وذلك حين قال – يوم فتح مكة -: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) رواه مسلم (331) ؟!
كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد شرع الله تعالى لنا قبول الجزية من أهل الأديان الأخرى، والموافقة على بقائهم في حماية دولة الإسلام وكفالتها؟!
كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد علمنا يقيناً كيف قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع يهود المدينة، وتعايش معهم رجاء أن يحفظوا العهد ولا يخونوا، ولم يقاتل أحداً منهم حتى كانوا هم البادئين بالغدر والخيانة؟!!
ألم يقل رب العزة شارحاً مقاصد البعثة والرسالة في كلمة واحدة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.؟!!
بل قال عز وجل أيضاً: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام/147.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"يقول تعالى: فإن كذّبك - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل: (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) ، وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (3/357)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) رواه مسلم (2599) .
نرجو أن يكون في هذه الكلمات ذكرى نافعة يزيل الله بها عن الأخ السائل حيرته في معنى هذا الحديث.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/314)
ما معنى في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اللهم متعنا بالنظر لوجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. ما معنى هذا الدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء يرويه الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فيقول:
(أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا – يعني في الركعتين - بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ)
رواه أحمد في " المسند " (30/265) وصححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة، ورواه النسائي في " السنن " (رقم/1305) : وفي لفظه بعض الزيادة:
(أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح النسائي " وكتب أخرى.
وقوله صلى الله عليه وسلم (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) احتراز عن أن يكون الشوق إلى لقاء الله سببه ضرر أو فتنة لحقت بالعبد، بل يسأل الله شوقا إليه، سبَبُهُ حبه سبحانه وتعالى، ورجاءُ ما عنده من الفضل.
وقد شرح الحافظ ابن رجب جملا من هذا الدعاء في رسالة بعنوان: " شرح حديث لبيك الله لبيك " (ص/95) ، فكان مما قاله:
" وإنما قال: (من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) لأن الشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا بوقوع الضراء المضرة في الدنيا، وإن كان منهيا عنه في الشرع، ويقع من أهل الدين تمنيه لخشية الوقوع في الفتن المضلة، فسأل تمني الموت خاليا من هذين الحالين، وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله، والشوق إلى لقائه، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف، قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي. وقال أبو عتبة الخولاني: كان إخوانكم للقاء الله أحب إليهم من الشهد. وقالت رابعة: طالت عليَّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله " انتهى.
ويقول الشوكاني رحمه الله في شرح هذا الدعاء:
" قوله: (بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق) فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله.
قوله: (أحييني) إلى قوله: (خيرا لي) هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي) وهو يدل على جواز الدعاء بهذا، لكن عند نزول الضرر، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه، ولفظه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني) إلى آخره.
قوله: (خشيتك في الغيب والشهادة) أي: في مغيب الناس وحضورهم؛ لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله، بل من خشية الناس.
قوله: (وكلمة الحق في الغضب والرضا) إنما جمع بين الحالتين؛ لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق.
قوله: (والقصد في الفقر والغنى) القصد في كتب اللغة بمعنى: استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد الإفراط، وهو المناسب هنا؛ لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط.
وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط، فالقصد فيهما هو اطريقة القويمة.
قوله: (والشوق إلى لقائك) إنما سأله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من موجبات محبة الله للقاء عبده، لحديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) ومحبة الله تعالى لذلك من أسباب المغفرة.
قوله: (مُضِرَّة) إنما قيد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلا أو عاجلا، فلا يليق الاستعاذة منها.
قوله: (مُضِلَّة) وصفها صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية، وهذا بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه. قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار " انتهى.
" نيل الأوطار " (2/333)
وينظر: " فيض القدير " للمناوي (2/184-185) ، " فقه الأدعية والأذكار" (3/160-165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/315)
هل يجب علي أن أذكر الله في كل مجلس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه الأحاديث الثلاثة: 1- (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة , ومن اضطجع مضجعاً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة) 2- (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه , ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة , فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) 3- (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) هل يعني هذا أني لا بد أن أذكر الله دائماً، وأصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما تكلمت مع أي شخص، وأني لو لم أفعل أثمت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تدل هذه الأحاديث وغيرها على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى، وقضاء الأوقات في النافع المفيد، كما تدل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة، لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي، بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
(مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ)
رواه أبو داود (4856) وبوب عليه بقوله: باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله. وروى نحوه ابن حبان في " صحيحه " (3/133) وبوب عليه بقوله: ذكر استحباب الذكر لله جل وعلا في الأحوال، حَذَرَ أن يكون المواضع عليه ترة في القيامة.
وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/262) تحت باب: " الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه، ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ولفظ الترمذي للحديث: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)
رواه الترمذي في السنن (رقم/3380) وبوب عليه بقوله: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله. وقال عقب الرواية: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: (ترة) : يعني حسرة وندامة " انتهى.
فقد استدل العلماء بهذه الأحاديث على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله، وليس على تحريم ذلك، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات، بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات. كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (ص/135) .
وقوله في الحديث: (إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) يدل بظاهره على وجوب الذكر في كل مجلس، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم. قال ابن علان رحمه الله:
" (فإن شاء عذبهم) جزاء ما قصروا في ذلك بتركها (وإن شاء غفر لهم) ذلك النقص. وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس، لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس، والحديث يقتضيه " انتهى. دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (6/127) .
والذي حمل أهل العلم الحديث عليه هو كراهة إخلاء المجلس من ذكر الله تعالى.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه، لحديث أبي هريرة ن رسول الله صلي الله عليه وسلم ... وذكر الحديث " انتهى.
" المجموع " (4/477-478) .
وأما المغفرة المذكورة فهي محمولة على ذنوب أخرى، أو على التشديد في ترك ذلك.
قال الملا علي القاري رحمه الله:
" (إن شاء عذبهم) أي: بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة.. قال الطيبى: قوله فإن شاء عذبهم، من باب التشديد والتغليظ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة ".
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/37) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/316)
الجمع بين حديثي (لأعلمن أقواماً يأتون بحسنات) و (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين: (أناس من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراً) ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وبين قوله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نص الحديثين موضع الإشكال:
أ. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) .
رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
الهباء في الأصل: الشَّيءُ المُنْبَثُّ الَّذي تَراه في ضَوْء الشمسِ.
محارم الله: هي كل ما حرَّمه الله تعالى من المعاصي، الصغائر، والكبائر.
ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
ثانياً:
قد استشكل كثير من الناس الجمع بين هذين الحديثين، وتعددت أماكن سؤالهم عن ذلك الجمع، ونذكر ما تيسر من أوجه الجمع بينهما، سائلين الله تعالى التوفيق، فنقول:
إن الذي دعا إلى استشكال الحديثين هو ما حواه معناهما مما ظاهره التعارض، فإن الحديث الأول ليس فيه أن أصحاب المعاصي قد جاهروا بمعاصيهم، وبمقتضى الحديث الثاني فهم " معافوْن "، فكيف تحبط أعمالهم، ويتوعدون بالسخط والعذاب؟! ومن هنا جاء الإشكال في ظاهر الحديثين، فذهب العلماء في الجمع بينهما مذاهب شتَّى، ومن ذلك:
1. القول بتضعيف حديث ثوبان، وقد علَّله بعضهم فضعَّف سنده بالراوي " عقبة بن علقمة المعافري "، وحكم على متنه بالنكارة.
أ. ويرد على تضعيف سنده:
بأن الراوي عقبة بن علقمة وثَّقه كثيرون، وممن وثقه: ابن معين، والنسائي، ومن حكم على رواياته بالرد فإنما هو إذا روى عنه ابنه " محمد "، أو روى هو عن " الأوزاعي "، وهذا قول الأئمة المحققين في حاله، وليست روايته في هذا الحديث عن الأوزاعي، ولا رواه عنه ابنه محمد، فالسند حسن على أقل أحواله.
ب. ويرد على نكارة متنه بأن له نظائر معروفة، كما في قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/ 108.
وهو وإن لم يكن فيه حبوط أعمال أولئك بلفظ الآية، إلا أنه يُعرف ذلك بمعناها.
قال ابن كثير رحمه الله:
هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مطّلع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) تهديد لهم، ووعيد.
" تفسير ابن كثير " (2 / 407) .
2. أن حديث ثوبان في المنافقين، وحديث أبي هريرة في المسلمين، فلا تعارض بينهما، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان.
والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجباً، من ارتكاب ذنوب " الخلوات " بشكل يمكن إطلاق وصف " انتهاك " عليه! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة، في اللباس، والصلاة، والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّراً لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر، أصدقاء له في السرِّ، كما قال بعض السلف.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة: أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون....) .
لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح: يعظم ضرره، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف، من عنقه.
" الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2 / 764) .
3. قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم! بل قد يكونون مع جماعتهم، ومن على شاكلتهم، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم، لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم، فليس هؤلاء بمعافين، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده، ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين، وأن ربَّه قد ستره، (يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) ، وحديث ثوبان فيه الجمع (قوْم) و (خَلَوا) .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
الذي يبدو أن (خلوا بمحارم الله) ليس معناها " سرّاً "، وإنما: إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم، فـ " خلَوا " ليس معناها " سرّاً "، وإنما من باب " خلا لكِ الجو فبيضي واصفري ".
" سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226) .
7. وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم "ينتهكون" محارم الله، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال، وأمنهم من مكر الله، وعقوبته، وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم. فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجلِّي حال أولئك، وأن يصفهم؛ خشية أن يكونوا منهم، وهم لا يدرون، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.
مِن الناس مَن إذا خلا بالمعصية: خلا بها جريئاً على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية، وهو تحت قهر الشهوة، وسلطان الهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث: ربما غلب إيمانُه شهوتَه، وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة، ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) آل عمران/ 155، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها: فهذا معظِّم لله عز وجل، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عيَّر أحداً، أو أنه عق والداً، أو قطع رحمه، فحجب الله عنه رحمته، أو آذى عالماً، أو وقع في أذية ولي من أولياء الله، فآذنه الله بحرب، فأصبح حاله حال المخذول، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء ... .
فالذي يعصي في السر على مراتب: منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف، فبعض العُصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد: يذهب الزاجر عنه، ويمارسها بكل تهكم، وبكل وقاحة، وبكل سخرية، ويقول كلمات، ويفعل أفعالاً، ولربما نصحه الناصح، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل، ودينه، وشرعه، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى، وصام، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقاراً - والعياذ بالله - فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة، أو يفتن بفتنةٍ يراها، ويحس أن فيها بلاء، وشقاء، ويقدم عليها، وقلبه يتمعر من داخله، ويتألم من قرارة قلبه، ثم إذا أصاب المعصية ندم.
... .
فهذا الحديث – أي: حديث ثوبان - ليس على إطلاقه، وإنما المراد به: من كانت عنده الجرأة - والعياذ بالله -، والاستخفاف بحدود الله.
" شرح زاد المستقنع " (رقم الدرس 332) .
نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا، ونسأله أن يبغِّض إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/317)
التوفيق بين حديث (لن تُغزى مكة بعد هذا العام) وغزو الحجاج والقرامطة لها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال مرتبط بالحديث التالي من كتاب صحيح الجامع الصغير: (لَنْ تُغزى مكةُ بعد هذا العام أبداً) ، فيكف يكون فهمنا للحديث وهناك حوادث، مثل: غزو مكة على يد أبي طاهر من القرامطة، والعراك الذي دار بين الحَجَّاج وعبد الله بن الزبير؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نص الحديث الذي سأل عنه السائل: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَداً) رواه أحمد في "مسنده" (24/133) ، وحسَّنه المحققون.
وللحديث شاهد عند الترمذي (1611) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: (لاَ تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وأما معنى الحديث فهو محمول على معنيين:
الأول: أن أهل مكة لا يَكفرون أبداً , ولا يُغزون على الكفر؛ وهكذا فسَّره سفيان بن عيينة، كما نقله عنه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (4 / 162) .
ويشهد لذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَنْتَهِي الْبُعُوثُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُخْسَفَ بِجَيْشٍ مِنْهُمْ) رواه النسائي (2878) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
والثاني: أنه إخبارٌ بمعنى النهي، أي: لا يجوز لمسلم، أو لجيش أن يتعرض لحرمتها.
ويشهد لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ: الْفِيلَ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وَمُحَصِّله: أَنَّهُ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي، بِخِلَافِ قَوْله: (فَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي) فَإِنَّهُ خَبَر مَحْض، أَوْ مَعْنَى قَوْله: (وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ: لَا يُحِلّهَا اللَّه بَعْدِي، لِأَنَّ النَّسْخ يَنْقَطِع بَعْده؛ لِكَوْنِهِ خَاتَم النَّبِيِّينَ" انتهى.
"فتح الباري" (4/46) .
وعلى كلا الوجهين لا يرِد ما فعله الجنابي القرمطي، ولا الحجَّاج الظالم، بالكعبة، وأهلها، فهم لم يغزوا مكة لأجل كفر أهلها، بل الأول هو الكافر كفراً أشد من كفر أهل الكتاب، والثاني لم يرد إلا إخضاع عبد الله بن الزبير لطاعة الخليفة المسلم.
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله ما فعله أبو طاهر الجنابي بمكة وأهلها، ثم قال:
"وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال: قد أحلَّ الله سبحانه بأصحاب الفيل , وكانوا نصارى ما ذكره في كتابه , ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء , ومعلوم أن القرامطة شرٌّ من اليهود، والنصارى، والمجوس؛ بل ومن عبَدة الأصنام , وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد؛ فهلا عوجلوا بالعذاب، والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟
وقد أجيب عن ذلك: بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت , ولِما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها , وإرسال الرسول منها: أهلكهم سريعاً عاجلاً , ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه: لأنكرت القلوب فضله , وأما هؤلاء القرامطة: فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع , وتمهيد القواعد , والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة، والكعبة , وكل مؤمنٍ يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً , وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين، بما تبيَّن من كتاب الله وسنَّة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار , والله سبحانه يمهل، ويُملي، ويستدرج، ثم يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ" انتهى.
" البداية والنهاية " (11 / 162) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/318)
هل لمن سلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فضل معين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي حين كان عمره (10) سنين في قريتنا رأى النبي الله صلي الله عليه وسلم، وسلَّم عليه، وعلى عمِّي، وأمي، وأخي، وعليَّ أنا، وكان صفته كما ذكر في الحديث، كما قال أخي، وأخبره صلى الله عليه وسلم عن كنز بجانب الطريق الذي بجانب بيتنا. سؤالي حفظكم الله: هل مَن سلَّمَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمسه النار، كما سمعت من بعض الناس، وما هو الكنز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام - إذا وقعت على صورته الحقيقية - فهي رؤيا حق وصدق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (23367)
ثانيا:
إذا رأى الرائي في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية، ورآه في حالٍ مُبَشِّرٍ بالخير أو متكلِّمٍ به: فلا شك أن ذلك مِن عاجل البشرى، ويُرجى لصاحبها الخير من ورائها، إن شاء الله.
أما إن رآه على حال الغضب منه، والإنكار عليه، أو بما يُؤَوِّلُه المعبِّرُ العارف الصادقُ أنه أمارة شرٍّ في الرائي: فيجب عليه حينئذ أن يتَّعظ بهذه الرؤيا، ويتدارك ما فرط وقصر.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" إن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه – أي وخيرٌ فيه -، وعلى العكس فبالعكس ... - فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقد - رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها، ولا يهمل أمرها؛ لأنها إما بشرى بخير، أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.... " انتهى.
" فتح الباري " (12/384)
ثالثا:
بذلك نعلم خطأ دعوى أنَّ كلَّ مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على أي حال كانت هذه الرؤيا أنه قد حرمه الله على النار، وبشره بدخول الجنة، فهذا فَضْلٌ غيبيٌّ لا يجوز تصديقه إلا إذا جاء به دليل خاص من الكتاب والسنة الصحيحة، وقد بحثنا عنه فلم نقف إلا على حديثين يَستدل بهما بعض الناس، ولا يصح الاستدلال بهما على ذلك:
أما الحديث الأول:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي)
رواه الترمذي (3858) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم. ولكنه حديث ضعيف، وعبارة الترمذي تشير إلى تضعيف هذا الوجه، وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الترمذي ".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" وأما الحديث: (من رآني فقد حرمت عليه النار) فهذا لا أصل له، وليس بصحيح " انتهى. باختصار.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 445) و (25 / 126) .
وأما الحديث الثاني:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي)
رواه البخاري (6993) ، ومسلم (2266) ولفظه: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ - لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي)
فذهب بعض العلماء – كما ذكره القاضي عياض وجها في تأويل الحديث - أن في قوله صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) بشرى لكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، أنه سيكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويراه هناك، وسينال شفاعته يوم القيامة.
والأقرب للصواب في تأويل الحديث هو ما توضحه رواية الإمام مسلم رحمه الله، حيث جاء فيها (لكأنما رآني في اليقظة) ، يريد بذلك صلى الله عليه وسلم تأكيد أن من رآه في المنام على صورته الحقيقية لا ينبغي له التشكك في صورته ووجهه، كأنما رآه في اليقظة، وهذا اللفظ هو الأكثر في روايات الحديث.
ينظر: " فتح الباري " (12/383) ، " السلسلة الصحيحة " (رقم/2729) .
وأما رواية (فسيراني في اليقظة) ، فقد فسرها العلماء بما يتوافق مع ألفاظ الأحاديث الأخرى.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" قال العلماء: إن كان الواقع في نفس الأمر: (فكأنما رآني) فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (فقد رآني) أو (فقد رأى الحق) كما سبق تفسيره.
وإن كان: (سيراني في اليقظة) ففيه أقوال:
أحدها: المراد به أهل عصره، ومعناه أنَّ مَن رآه في النوم ولم يكن هاجر، يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا.
والثاني: معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته: مَن رآه في الدنيا ومَن لم يره.
والثالث: يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته " انتهى.
" شرح مسلم " (15/26) ، وينظر: " فتح الباري " (12/385) ، فيض القدير، للمناوي (6/133) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/484) :
" معنى الحديث على هذه الرواية: أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته التي كان عليها في الدنيا فسيرى تأويل رؤياه، ووقوع ما أشارت إليه من الخبر في دنياه؛ لأن رؤياه على صورته حق؛ لما دل عليه قوله آخر الحديث: (فإن الشيطان لا يتمثل بي) " انتهى.
والحاصل: أننا نرجو أن تكون الرؤيا التي رآها الأخ السائل من مبشرات الخير له، ولكل من سلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولكننا لا نجزم بتحريم أحد على النار بسبب هذه الرؤيا، كما لا نجزم في تفسير الكنز المذكور في المنام بشيء معين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/319)
المقصود بالنهي عن كثرة السؤال
[السُّؤَالُ]
ـ[روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) . فهل يعني كثرة السؤال هنا كثرة الطلب من الناس؟ وهل يتعارض هذا مع كثرة الطلب من الله، فالله يقول في كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله أولا: هذا الحديث من آداب الإسلام العظيمة، إذا امتثله المسلم حفظ به عمرَه، ومالَه، وجهدَه، ووقاه من شر النفس ونوازع التفريط والضياع. وقد ذكر العلماء رحمهم الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة السؤال) أوجها عديدة، كلها تدخل في إطلاق هذا اللفظ، وهي: 1- سؤال الناس أموالهم، وبذل ماء الوجه في سبيل ذلك. 2- سؤال العلماء عن المسائل العويصة التي لا تنفع المسلمين، وإنما تفتح عليهم أبواب النزاع، وتثير بينهم مكنون الشقاق. 3- السؤال عن المسائل التي يندر وقوعها أو يستحيل، لما فيه من التنطع والتكلف. 4- كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وتفاصيل الوقائع مما لا يقدم منفعة وإنما يضيع به الوقت. 5- كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن يطلع الناس عليها، فيقع في الضيق والحرج بسبب سؤاله عن ذلك. 6- سؤال السائل عما لا يعنيه، ولا شأن له به. وهذه أمور مذمومة كلها – كما ترى - فالأوجَهُ في تفسير الحديث حمله على إطلاقه، واعتبار أن كل ما دل الشرع والأدب على كراهة السؤال عنه وكراهة طلبه فهو داخل في هذا الحديث. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: (وكثرة السؤال) هل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات، أو أعم من ذلك؟ الأولى حمله على العموم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات. أخرجه أبو داود من حديث معاوية. وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ" انتهى. "فتح الباري" (10/407) . وقال القرطبي رحمه الله: "والوجه: حمل الحديث على عمومه، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها" انتهى. "المفهم" (5/164) . وقال النووي رحمه الله: "وأما (كثرة السؤال) فقيل: المراد به القطع في المسائل، والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه، وفي الصحيح: (كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) . وقيل: المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان، وهذا ضعيف؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن (قيل وقال) . وقيل: يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله، فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب" انتهى. "شرح مسلم" (12/11) . وعلى هذا، فمعنى (كثرة السؤال) أي: سؤال الناس. وأما سؤال الله ودعائه فهو من أفضل العبادات، فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه، ويحب الملحين في الدعاء. وبهذا يتبين معنى الحديث، والفرق بين سؤال الناس الذين هم فقراء إلى الله، وسؤال الله الغني الحميد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/320)
شرح حديث: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح الحديث: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجليلة التي تكسو القلوب انكسارا بين يدي الله، واعترافا بالفقر إليه، ورجاء رحمته وعفوه وإحسانه، فالأمر خطير جد خطير، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج/1-2.
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم، وكذا رواه الإمام مسلم وغيره، وذلك في أحاديث عدة، ترد بمناسبات مختلفة، وسياقات متعددة، كلها تتضمن هذه الجملة العظيمة: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله، وانتقامه ممَّن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع، والموت، وفي القبر، ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف" انتهى.
"فتح الباري" (11/319) .
وقال النووي رحمه الله:
"لو رأيتم ما رأيتُ، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم لأشفقتم إشفاقا بليغا، ولقلَّ ضحككم وكثر بكاؤكم" انتهى.
"شرح مسلم" (15/112) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) : يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلك مشاهدة وتحقيقا، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، قليل الضحك، جُلُّه التبسم" انتهى.
"المفهم" (2/557) .
وقال المناوي رحمه الله:
" (لو تعلمون ما أعلم) أي: من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا، المعبر عنه بقوله (لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق، لأن (لو) حرف امتناع لامتناع" انتهى.
"فيض القدير" (5/402) .
ومن أعظم سياقات هذا الحديث ما رواه الترمذي (2312) عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1722) .
قال المباركفوري رحمه الله:
"قوله: (إني أرى ما لا ترون) أي: أبصر ما لا تبصرون.
(أطَّت السماء) : أي: صوَّتت، أي: أصدرت صوتاً. وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها.
(وحُقَّ) أي: ويستحق وينبغي (لها أن تئط) أي: تصوت.
(ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك) أي: فيه مَلَك.
(واضع جبهته لله ساجداً) قال القاري: أي منقاداً، ليشمل ما قيل إن بعضهم قيام، وبعضهم ركوع، وبعضهم سجود، كما قال تعالى حكاية عنهم: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) أو خص السجود باعتبار الغالب منهم، أو هذا مختص بإحدى السماوات.
(إلى الصُّعُدات) أي: الطرق. وقيل: المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري.
(تجأرون إلى الله) أي: تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء" انتهى باختصار.
"تحفة الأحوذي" (6/601-602) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/321)
حكم تمثيل الأحاديث النبوية، ووضع صور توضيحية أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قنوات تأتي ببعض الأحاديث، وتمثلها، وتأتي ببعض الآيات، وتكون الخلفية على نفس الآية، يعني: إذا كانت الآيات تتحدث عن الجنَّة، فيأتون بصور حدائق، ما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد اطلعنا على جملة من مقاطع مصورة فيها تمثيل لأحاديث نبوية، ويمكن تقسيم ما رأيناه إلى أقسام ثلاثة:
الأول:
مقاطع ساعدت الصورة فيها على فهم الحديث، وليس فيها محظور شرعي
ومن أمثلة ذلك مما رأيناه:
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا ... ) رواه مسلم (2248) .
وفي المقطع المرئي: رجل أوقد ناراً، وفراشات، ودواب، اجتمعن عليها، ووقعن فيها، وهو يذبها عن النار، وهو أمر مطابق لما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أمرٍ يتكرر مع كل من يوقد ناراً في صحراء، أو فضاء.
ب. عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الرِّيشَةِ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ) رواه ابن ماجه (88) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وفي المقطع المرئي: ريشة تتقلب في فلاة بفعل الرياح، وليس في هذا محظور شرعي.
ج. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ) رواه الطبراني (12/411) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2285) .
وفي المقطع المرئي: نخلة يؤخذ منها أجزاء منها، وتستعمل فيما ينتفع به الناس، وهو أمر مطابق يقرِّب الصورة لذهن من يستمع الحديث، ويراه واقعاً عمليّاً.
والأمثلة على هذا القسم كثيرة.
القسم الثاني:
مقاطع لم تفد الصورة كثيراً في تقريب معنى الحديث؛ للبعد عن الصورة الحقيقية، وبين المشهد التمثيلي.
ومن أمثلة ما رأيناه في ذلك:
أ. عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) رواه مسلم (779) .
والمقطع المرئي وإن كان فيه صورتان متقابلتان لبيت يُذكر الله فيه، وآخر فيه غفلة عن ذلك: لكنه لم يظهر فيه الفرق بين الحياة، والموت.
ب. عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم (2585) .
والمقطع المرئي لم يعبِّر عن حقيقة تداعي البدن لشكوى عضو منه، بل كانت الصورة لمريض لم تظهر عليه أعراض الحمى، ولا السهر، بل كان نائماً! .
القسم الثالث:
ومن أسوء ما رأيناه، وقفَّ شعرنا من مشاهدته: هو مقطع تمثيلي لرجل ذهب يغرس فسيلة، فصوِّر وقوع يوم القيامة! فاستمر في غرسها، وفي ظنِّ القائمين على إنشاء هذا المقطع أن الأمر مطابق لحديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صََّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ) رواه أحمد (20/296) وصححه محققو المسند.
وقد سئل الشيخ العلامة عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله، عن هذا المقطع تحديداً، فأنكره، وبيَّن السبب، فنكتفي بذِكر ما قاله الشيخ حفظه الله:
نص السؤال:
في قناة " المجد " مقطع بعنوان (أمثال الحديث النبوي) وقد عرضوا فيه صورة رجل يحمل معه فسيلة نخل، ثم عرضوا في السماء بروقاً، وسحاباً أسود، وأصواتاً، ورعوداً، ثم ظهر على الشاشة نص حديث: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ، ثم قام الرجل بغرس النخلة، وانتهى المقطع، فما حكم هذا العمل؟
فأجاب:
"الحمد لله، من الأمور المسلَّمة أن حسن القصد لا يُسوِّغ الوسيلة، بل غاية ما يحصل: رفع الإثم، إذا لم تكن المخالفة الشرعية مشوبة بهوى، وحقائق الغيب من الماضي، والحاضر، والمستقبل لا يمكن تصورها، فضلاً عن تصويرها! ومِن ذلك: أحوال القيامة؛ كالبعث، والصراط، والميزان، وما يسبق ذلك من النفخ في الصور، وما ينشأ عنه من فزع، وصعق، وتغيرات في العالم العلوي، والسفلي، وما يصاحب ذلك من أهوال.
وما تضمنه هذا الحديث المذكور في السؤال: يفهمه كل مَن يفهم العربية، فإنه يعرف معنى النخلة، ويعرف معنى الغرس، ومعنى الرجل، وإن كان لا يتصور حقيقة الهول، فلا معنى لتوضيح الواضح! ولا يمكن تصور الهول عند قيام الساعة، وهذا الحديث إن كان صحيحاً: فمقصودة: المبالغة في الحث على غرس الشجر المثمر؛ لما فيه مِن النفع العام، والأجر المترتب على ذلك.
ومعلوم أنه إذا قامت الساعة: فلن يُستطاع غرس، ولا يُرجى، ولا يُجنى ثمر، فقد ذهب ما هنالك، وانشغل كلٌّ بنفسه.
إذا ثبت هذا: فنحب من إخواننا القائمين على "قناة المجد" وفقهم الله أن يتجنبوا تمثيل الغيبيات، ويكتفوا بذِكر النصوص، وتفسير، وشرح، ما تدعو إليه الحاجة، فجزاهم الله خيراً على ما أرادوا، وقدموا من الخير، وعفا عما يقع من أخطاء، إنه تعالى سميع الدعاء،
ومما يلاحظ على هذا المقطع: أن عنوانه غير مطابق لمضمونه، وكأن الذي وضع العنوان اختلط عليه المثل بالتمثيل الاصطلاحي، فإن هذا الحديث ليس من " أمثال الحديث "، وإنما أضيف إليه التمثيل، وصلَّى الله وسلم على محمّد" انتهى. وفي ظننا أن أحاديث الأمثال هي أبعد ما يكون عن الوقوع في المحذور الشرعي؛ فلا حرج من تصويرها وتقديمها للمشاهد؛ لتقريب الصورة لذهنه، بخلاف غيرها من الأحاديث، فقد يوقع في شيء من المحظور، مع كونه لم يفد كثيراً ـ كما سبق ـ، في تقريب المعنى لمن يسمعه ويشاهده، وإن كان الحديث في أمرٍ غيبي مما لا يمكن تصويره على الحقيقة: صار الوقوع في المحظور حتميّاً، فالابتعاد عن القسم الثالث: واجب، وعن الثاني: أسلم.
وفي جوابي السؤالين (14488) و (10836) بيان شروط التمثيل، فلتُنظر لمن أراد أن يمثِّل غير ما ذكرناه من أحاديث " الأمثال "؛ خشية الوقوع في الإثم.
ثانياً:
قد قرأنا لمن يُنكر ذلك التمثيل لأحاديث الأمثال، ولم يظهر لنا صواب قوله، وبيان ذلك من وجوه:
1. أن الفعل نفسه ليس بعبادة يفعلونه من أجل التقرب إلى الله.
2. أن الأمثال بحد ذاتها هي لتقريب الشيء مراد إيصاله للناس، فما يحصل من تمثيل لذلك المثال ليس فيه ما يُنكر، وهو مؤدٍ لدور المثال نفسه.
3. استعمل النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً كثيرة من أجل إيصال معانٍ جليلة للصحابة، ومن ذلك:
أ. تقريب معنى رحمة الله تعالى بالعباد بصورة واقعية لامرأة وابنها:
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) رواه البخاري (5653) ومسلم (2754) .
ب. تقريب معنى رؤية الله تعالى برؤية شيء محسوس مشاهَد.
فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ) رواه البخاري (529) ومسلم (633) .
4. استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للرسم لتوضيح الصورة في أذهان من يراه.
ومن أمثلة ذلك:
أ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّاً ثُمَّ قَالَ: (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ) ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: (هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) رواه أحمد (7/208) وحسَّنه المحققون.
ب- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطًا صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: (هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري (6054) .
فهذان الحديثان فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً كان يستعمل ما نسميه الآن "الرسم التوضيحي" لبيان معنى بعض الأحاديث.
ثالثاً:
أما جعل لوحات خلفية تعبيرية وتصويرية مع قراءة القرآن: فينبغي ترك ذلك؛ لأسباب، منها:
1. الغالب على الآيات القرآنية أنها تحوي معانٍ متعددة، وفي كل كلمة من القرآن إعجاز بلاغي، فالصورة التي ستكون مع القراءة ستعطل التأمل في الآية، وسينحصر الذهن في كلمة فيها، كصورة فاكهة، أو نهر، ويترك ما عداها.
2. وجود صورة مع قراءة الآيات قد يأتي بغير المراد من الآية، فمثلاً: وضع صورة جبل مع قراءة قوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) طه/ 105: من شأنه أن يصرف الذهن عن المراد من التهويل بما يحدث يوم القيامة، فالجبل لا يكاد يجهله أحد، وأما النسف له: فهي الصورة التي لا يمكن لأحدٍ أن يصورها في ذهن الناس، فضلاً عن تصويرها! .
3. وضع الصور مع القراءة لا يطابق الواقع في الآخرة، فصورة الأشجار، والفاكهة، والأنهار، وغيرها مما يشبهها: ليست هي ذاتها التي في الآخرة، وإنما الاشتراك بينهما في الأسماء، لا غير، فصار وضع تلك الصور مع القراءة لا يعبِّر عن الحقيقة.
4. قد تشتمل الآية على معنيين متقابلين، فكيف يمكن جمع ذلك في وقت واحد أثناء قراءة الآية؟! وذلك مثل قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحجر/ 49، 50، مثل قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 165.
وكثير من آيات القرآن الكريم تذكر المقابلة بين جزاء أهل الجنة وجزاء أهل النار، فكيف سيتم المقابلة بينهما في الصورة؟
5. وأخيراً: فقد أمر المسلمون عند سماع القرآن بالاستماع والإنصات، ومن شأن النظر في الصور والمشاهد أن يمنع من تفكر القلب، والتدبر بآيات الله تعالى، ومثل هذا ليس مأموراً به من استمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/322)
هل معنى حديث (شقي أو سعيد) الشقاء والسعادة في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أنا وبعض الإخوة في الله نناقش مغزى حديث رسولنا الكريم الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم ليُجمع خلْقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملَك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) متفق عليه، صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أننا كمسلمين يجب أن نؤمن بلب هذا الحديث إيماناً راسخاً، ولكن وردت الأسئلة التالية أثناء النقاش، ولقلة زادنا الشرعي: رغبنا أن نستزيد من علمكم: 1. هل السعادة والشقاء من منظور شرعي - التي وردت في الحديث - هما نفس السعادة والشقاء من منظور حسي - أي: التي نعيشهما، ونحسهما في هذه الدنيا الفانية؟ . 2. هل يمكن للإنسان أن يعرف مع أيِّ الفريقين هو؟ هل هناك علامات نستدل بها؟ . 3. في واقعنا الإنساني نجد بعض القصور في التسليم بذلك - أي: بما ورد في الحديث - فهل هذا يعتبر قصوراً في الدين، أو التقوى؟ . 4. بسبب طبيعتنا الإنسانية نتذمر في العادة عندما يتلبسنا الإحساس بالتعاسة، هل ذلك يعتبر إنكاراً لقدَر الله؟ . 5. عندما تغمرنا السعادة من كل جانب، وتنبسط لنا الدنيا: قلَّ أن ننسب ذلك لقدر الله، ولكن نحاول الإيحاء أن ذلك بجهدنا، وعلو همتنا، هل هذا يعتبر نقضاً، أو إنكاراً لقدر الله؟ . نسأل الله أن لا يحرمكم الأجر، وأن ينفع الإسلام والمسلمين بجهودكم، وعلمكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لفظا " السعادة " و " الشقاء " الواردان في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليسا هما ما نحسه في الدنيا من " سعادة "، وما يصيبنا فيها من " شقاء "، بل هما " الإسلام " و " الكفر "، وهما الطريقان إلى " الجنة " و " النار "، والمقصود بالحديث: ما يختم للإنسان بأحد الأمرين في الدنيا، فمن ختم له بخير فهو سعيد، وهو من أهل السعادة، وجزاؤه الجنة، ومن خُتم له بشرٍّ فهو شقي، وهو من أهل الشقاء، ومصيره النار – والعياذ بالله -.
وقد جاء هذا اللفظان في الكتاب والسنَّة بذات المعنى الذي قلناه:
أ. (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود/ 105 – 108.
ب. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً) قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) ، ثُمَّ قَرَأَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
رواه البخاري (4666) ومسلم (2647) .
(المِخصرة) : ما اختصر الإنسان بيده، فأمسكه من عصا، أو عَنَزة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وقد تكاثرت النُّصوص بذكرِ الكتابِ السابقِ، بالسَّعادة والشقاوة، ففي " الصحيحين " عن عليِّ بن أبي طالب – وذكر الحديث -.
ففي هذا الحديث: أنَّ السعادة، والشقاوة: قد سبقَ الكتابُ بهما، وأنَّ ذلك مُقدَّرٌ بحسب الأعمال، وأنَّ كلاًّ ميسر لما خُلق له من الأعمال التي هي سببٌ للسعادة، أو الشقاوة.
وفي " الصحيحين " عن عمرانَ بن حُصينٍ، قال: قال رجل:يا رسول الله، أيُعرَفُ أهلُ الجَنَّةِ مِنْ أهلِ النَّارِ؟ قالَ: (نَعَمْ) ، قالَ: فَلِمَ يعملُ العاملونَ؟ قال: (كلٌّ يعملُ لما خُلِقَ له، أو لما ييسر له) .
وقد روي هذا المعنى عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ، وحديث ابن مسعود فيه أنَّ السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال.
" جامع العلوم والحِكَم " (ص 55) . وينظر: " فتح الباري " (11 / 483) .
ثانياً:
ما يشير إليه السائل من الغنى أو الفقر، والصحة أو المرض ... ، وسائر ما يصيب الناس من السراء والضراء في عيشهم، وهو ما يعنيه بقوله: السعادة والشقاوة من المنظور الحسي: هذا كله قد سبق به الكتاب، من قبل أن تخلق السموات والأرض، وقد كتب أيضا فيما كتب للجنين من رزقه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القرآن/49.
وإنما يُعرف المؤمن أنه محقق للإيمان في هذا الباب، وأنه مسلِّم لقدَر الله تعالى، مؤمن به: إذا شكر ربه في السرَّاء، وصبر عند الضرَّاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
جعل اللهُ سبحانَه وتعالى لعباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمةٍ من ربهم، أصابَهم ما يُحِبَّون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته، وأقداره التي يقضيها لهم، ويُقدرها عليهم: متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم - الذي إذا دُعي يوم القيامة كلُّ أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه - أنه قال: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله عجب، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيراً له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له) .
فهذا الحديث يَعمُّ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها، وشكرَ لمحبوبها، بل هذا داخلٌ في مسمَّى الإيمان، فإنه كما قال السلف: " الإيمان نصفان، نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر "، كقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) ، وإذا اعتَبر العبدُ الدينَ كلَّه: رآه يَرجِعُ بجملته إلى الصبر، والشكر.
" جامع المسائل " (1 / 165) .
فعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله تعالى خيره وشرِّه، ولا يسعه غير ذلك؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والذي لا يصح من غيره.
وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله، ويسلِّم لما يكتبه الله له، أو عليه؛ فإن في ذلك حكَم بالغة، ولا يتعجل في النظر لظاهر الأمر أنه نعمة، أو نقمة، بل العبرة بما يترتب على ذلك من شكر للنعم، ومن رضى بالمصائب، فهمنا يكون مؤمناً محققا لما طلبه الله منه، ويكون مستفيداً من ذلك دوافع تدفعه للعمل وعدم القنوط واليأس، كما تدفعه لشكر الله تعالى لنيل المزيد منها.
ثالثاً:
ثمة علامات يمكن للمسلم أن يستدل بها على كون أصحابها من أهل الجنة، أو أهل النار؛ وذلك بحسب اتصافه بها، وتخلقه بأخلاقها، ظاهراً وباطناً، وعليه بوَّب الإمام النووي رحمه الله بقوله في " شرح مسلم ": " بَاب الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ "، وقد جعل تبويبه هذا على حديث عياض بن حمار المجاشعي، والذي رواه مسلم (2265) ، وفيه:
(وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ.
قَالَ:
وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
(ذو سلطان مقسط موفق) وهذا هو الشاهد، يعني: صاحب سلطان، والسلطان يعم السلطة العليا، وما دونها.
(مقسط) أي: عادل بين مَن ولاَّه الله عليهم.
(موَّفق) أي: مهتد لما فيه التوفيق والصلاح، قد هدى إلى ما فيه الخير.
فهذا من أصحاب الجنة.
(ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) رجل رحيم، يرحم عبادَ الله، يرحم الفقراء، يرحم العجزة، يرحم الصغار، يرحم كل من يستحق الرحمة.
(رقيق القلب) ليس قلبه قاسياً.
(لكل ذي قربى ومسلم) وأما للكفار: فإنه غليظ عليهم.
هذا أيضاً من أهل الجنة: أن يكون الإنسان رقيق القلب، يعني: فيه لين، وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم.
والثالث: (رجل عفيف متعفف ذو عيال) يعني: أنه فقير، ولكنه متعفف لا يسأل الناس شيئاً يحسبه الجاهل غنيّاً من التعفف.
(ذو عيال) أي: أنه مع فقره عنده عائلة، فتجده صابراً، محتسباً، يكد على نفسه، فربما يأخذ الحبل ويحتطب ويأكل منه، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه، المهم: أنه عفيف، متعفف، ذو عيال، ولكنه صابر على البلاء، صابر على عياله، فهذا من أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أحد هؤلاء الأصناف.
" شرح رياض الصالحين " (3 / 648، 649) .
وقال النووي – رحمه الله -:
شرح النووي على مسلم - (17 / 199)
(الضعيف الذي لا زَبر له الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلاً، ولا مالاً) .
فقوله (زبر) بفتح الزاي وإسكان الموحدة، أي: لا عقل له يزبره، ويمنعه مما لا ينبغى، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
وقوله (لا يتبعون) بالعين المهملة، مخفف، ومشدد، من الاتباع، وفي بعض النسخ " يبتغون " بالموحدة والغين المعجمة، أي: لا يطلبون.
قوله صلى الله عليه وسلم (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة) معنى (لا يخفى) : لا يظهر، قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته، هذا هو المشهور، وقيل: هما لغتان فيهما جميعاً.
قوله (وذكر البخل والكذب) هي في أكثر النسخ (أو الكذب) بـ (أو) ، وفي بعضها (والكذب) ، بالواو، والأول: هو المشهور في نسخ بلادنا، وقال القاضي: روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري فبـ (أو) وقال بعض الشيوخ: ولعله الصواب، وبه تكون المذكورات خمسة.
وأما (الشنظير) فبكسر الشين والظاء المعجمتين وإسكان النون بينهما، وفسَّره في الحديث بأنه الفحَّاش، وهو السيء الخلق.
" شرح مسلم " (17 / 199، 200) .
فليتأمل العبد الموفق، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل علامة أهل الجنة في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا، وجعل علامة أهل النار في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " سمعت سفيان بن عيينة يقول: من يزرع خيرا يحصد غِبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة؛ تفعلون السيئات وترجون أن تُجْزَوُا الحسنات؟!
أجل؛ كما يجني من الشوك العنب!! "
"العلل ومعرفة الرجال" (2/373) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/323)
مسائل في أصل خلق الجنين، وفي كونه ذكَراً أو أنثى، وفي شبهه بأبيه أو أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بعض الأحاديث عن تكون الجنين، والتي أوردها ابن القيم في كتابه " التبيان في أقسام القرآن "، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الجنين ذكراً وإذا سبق ماء المرأة الرجل كان الجنين أنثى ... ) ثم ذكر حديثاً آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل من ماذا خُلق الإنسان؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم قائلاً (من ماء الرجل والمرأة معاً، فماء الرجل تُخلق منه العظام والأعصاب لأنه غليظ، وماء المرأة يُخلق منه الدم واللحم لأنه ليّن) ، هل من الممكن شرح وتوضيح هذه الفكرة على ضوء هذين الحديثين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحديث الثاني المذكور في السؤال: لا يصح، وهذا لفظه، وكلام الأئمة عليه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ: (مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا يَهُودِيُّ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَ: لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ / مِمَّ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ: يَا يَهُودِيُّ، مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ، فَقَامَ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُولُ مَنْ قَبْلَكَ) رواه أحمد في "مسنده" (7/437) .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:
إسناده ضعيف؛ لضعف حسين بن الحسن، وهو الأشقر. والحديث في " مجمع الزوائد " (8 / 241) ، وقال: " رواه أحمد والطبراني والبزار بإسنادين، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب، وقد اختلط ".
"مسند أحمد" تحقيق الشيخ أحمد شاكر (6 / 199) .
وكذا ضعفه محققو المسند (7 / 437) طبعة الرسالة، وقالوا:
إسناده ضعيف؛ لضعف حسين بن الحسن، وهو الأشقر، وعطاء بن السائب اختلط بأخرة، ولم نقف على سماع أبي كدينة - وهو يحيى بن المهلب - منه، هل كان قبل الاختلاط أم بعده، وعبد الرحمن والد القاسم - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يثبت سماعه لهذا الحديث من أبيه، فهو إنما سمع من أبيه شيئاً يسيراً. انتهى.
ومع ضعف سند الحديث: فإن في متنه إشكالاً، حيث ذُكر فيه أن لحم الجنين يكون من نطفة الأم، وعظمه من نطفة الأب، وظاهر النصوص: أن اللحم والعظم من مجموع النطفتين.
ونقل محققو المسند عن نور الدين أبي الحسن السندي رحمه الله قوله:
"قوله: (وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّم) : قلت: ظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً....) الآية المؤمنون/14: يدل على أن مجموع النطفتين يصير عظاماً" انتهى.
ثانياً:
أما خلق الجنين، وكونه ذكراً أو أنثى، وشبهه بأبيه، أو أمه: فكلها مسائل لها ما يدل عليها من الكتاب والسنَّة، وفيها خلاف بين العلماء، ونحن نذكر ذلك مختصراً:
1. خلق الجنين:
قال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ) الطارق/ 5 – 7.
وقد اختلف العلماء في معنى هذه الآية، وقد ذكرنا اختلافهم في جواب السؤال رقم (118879) ، ورجحنا قول طائفة من المفسرين والعلماء أن " الصلب " – وهو الظهر -، و " الترائب " – وهي عظام الصدر -: هي للرجل نفسه.
2. الذكورة والأنوثة، والشبه:
وفي هذا خلاف كبير بين العلماء المتقدمين والمعاصرين، ونحن نذكر طائفة من الأحاديث في المسألة، ثم نختار أشهر أقوال العلماء فيها.
1. عن أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ سأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِى بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا، أَمَّا الْوَلَدُ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ) رواه البخاري (3723) .
ومعنى (ينزع) : يذهب إليه - أو إليها – بشبهه.
2. عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ... قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ، قَالَ: (مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) قَالَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ. رواه مسلم (315) .
3. عن أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ) فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ - وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ - قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ) رواه مسلم (311) .
4. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ: (امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ، إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ) . رواه مسلم (314) .
ونذكر هنا قولين لأهل العلم في معنى تلك الأحاديث السابقة، ومرجع الكلام إنما هو في فهم معنى "السبق"، و "العلو".
أ. قال ابن القيم رحمه الله:
"إن سبق أحد الماءين سبب لشبه السابق ماؤه، وعلو أحدهما: سبب لمجانسة الولد للعالي ماؤه، فها هنا أمران: سبق، وعلو، وقد يتفقان، وقد يفترقان، فإن سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، وعلاه: كان الولد ذكراً، والشبه للرجل، وإن سبق ماءُ المرأة، وعلا ماءَ الرجل: كانت أنثى، والشبه للأم، وإن سبق أحدُهما، وعلا الآخر: كان الشبه للسابق ماؤه، والإذكار، والإيناث لمن علا ماؤه" انتهى.
" تحفة المودود بأحكام المولود " (ص 278) .
ب. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"ووقع عند مسلم من حديث عائشة: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله) ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه: (ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له) ، والمراد بالعلو هنا: السبق؛ لأن كلَّ مَن سبق: فقد علا شأنه، فهو علوٌّ معنوي.
وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان - رفعه – (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله) : فهو مُشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل، ويكون ذكراً، لا أنثى، وعكسه، والمشاهد خلاف ذلك؛ لأنه قد يكون ذكراً ويشبه أخواله، لا أعمامه، وعكسه، قال القرطبي: يتعين تأويل حديث " ثوبان " بأن المراد بالعلو: السبق، قلت: والذي يظهر: ما قدمتُه، وهو تأويل العلو في حديث عائشة، وأما حديث ثوبان: فيبقى العلو فيه على ظاهره، فيكون لسبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه، فيرتفع الاشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه: بحسب الكثرة، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه، فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام:
الأول: أن يسبق ماءُ الرجل، ويكون أكثر، فيحصل له الذكورة، والشبه.
والثاني: عكسه.
والثالث: أن يسبق ماءُ الرجل، ويكون ماء المرأة أكثر، فتحصل الذكورة، والشبه للمرأة.
والرابع: عكسه.
والخامس: أن يسبق ماءُ الرجل، ويستويان، فيذكر، ولا يختص بشبَه.
والسادس: عكسه.
" فتح الباري " (7 / 273) .
فتلخص مما سبق:
أ. أن ابن القيم رحمه الله يرى في تفسير " السبق "، و " العلو " إلى أن سبق أحد الماءيْن: سبب لشبه السابق ماؤه، وعلوُّ أحدهما: سببٌ للتذكير والتأنيث.
ب. وذهب ابن حجر رحمه الله إلى أن السبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه.
والأمر محتمل، ولعلَّ الحقائق – لا النظريات – الطبية الحديثة تقوي أحد القولين، ويمكن الرجوع إلى الكتب المتخصصة في الموضوع لزيادة المعرفة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/324)
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا حديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى (ومثله معه) يعني أن الله أعطاه وحيا آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله عز وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44، فالله أوحى إليه القرآن وأيضا السنة وهي الأحاديث التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، فالسنة وحي ثان أوحاه الله إليه لإكمال الرسالة وتمام البلاغ، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عن ذلك بالأحاديث التي بينها للأمة قولا وفعلا وتقريرا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في كل ما يحتاجه العباد، وفيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا الوحي وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّنه للأمة، فهو من الله وحي بالمعنى، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات. . . إلخ) . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. . . إلخ) الحديث.
ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم: الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل، فهي وحي من الله، ومن كلامه سبحانه، ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. . . إلى آخر الحديث) وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * [يعني محمدا صلى الله عليه وسلم] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/1-4" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/58-61) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/325)
كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو إيضاح كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع الوارد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هل المقصود به التفريق بين البنين والبنات، أم بين البنين بعضهم بعضا، وبين البنات بعضهن بعضا؟ وهل المقصود به التفريق بينهم في الفرش أم لا بد أن يكون كل منهم في غرفة مستقلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحديث عام، يعم البنين والبنات، والتفريق يكون بجعل كل واحد من البنين، وكل واحدة من البنات في فراش مستقل، ولو كانوا في غرفة واحدة؛ لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة. وفق الله الجميع لكل خير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/357) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/326)
شرح حديث ويل للأعقاب من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (تخلَّفَ عنَّا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثا. أريد شرحا مفصلا للحديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن الكلام عن هذا الحديث ضمن المباحث الآتية:
أولا: نص الحديث وتخريجه.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ:
(تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا) رواه البخاري (حديث رقم/60) ، ورواه مسلم (رقم/241) بلفظ آخر فيه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
(رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ)
وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، كما قال الإمام الترمذي رحمه الله – بعد أن روى الحديث نفسه عن أبي هريرة رضي الله عنه -:
" وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وجابر، وعبد الله بن الحارث، ومعيقيب، وخالد بن الوليد، وشرحبيل ابن حسنة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان " انتهى.
" سنن الترمذي " (1/96)
ثانيا: راوي الحديث.
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان من علماء الصحابة ومن المكثرين مِن الرواية، فقد كان يَكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في صحف خاصة عنده، حتى اشتهرت إحدى صحائفه التي سماها بـ " الصادقة "، توفي ليالي الحرة بالطائف.
ثالثا: معاني كلماته (غريب الحديث) .
(تخلف عنا) : أي تأخر عنا.
(أرهقتنا الصلاة) : أي كاد وقتها أن يخرج.
يقول بدر الدين العيني رحمه الله:
" أي: غشيتنا الصلاة. أي: حملتنا الصلاة على أدائها. وقيل قد أعجلتنا لضيق وقتها. وقال القاضي: ومنه المراهق بالفتح في الحج، ويقال بالكسر: وهو الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف " انتهى.
" عمدة القاري " (2/8)
(ويل) : اختلف العلماء في معناها، فمنهم من قال: هو واد في جهنم، ومنهم من قال غير ذلك، والجميع متفق على أنها كلمة وعيد وتخويف وتهديد.
يقول بدر الدين العيني رحمه الله:
" ويل من المصادر التي لا أفعال لها وهي كلمة عذاب وهلاك " انتهى.
" عمدة القاري " (2/9)
(الأعقاب) : جمع عقب، وهو مؤخر القدم.
رابعا: الفوائد الفقهية المستنبطة من الحديث.
1- وجوب غسل الرجلين في الوضوء، وعدم إجزاء المسح من غير غسل، نأخذ ذلك من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة مسحهم أرجلهم مسحا سريعا من غير غسل وإجراء للماء عليها، وهذا الحكم متفق عليه بين مذاهب المسلمين الأربعة، ولذلك بوب عليه الإمام البخاري بقوله: " باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/ باب رقم 27) ، وقال الإمام الترمذي رحمه الله: " وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان " انتهى. " سنن الترمذي " (1/96) وبوب عليه النسائي بقوله: باب إيجاب غسل الرجلين. " سنن النسائي " (كتاب الطهارة/ باب رقم 89) ، كما بوب عليه البيهقي رحمه الله بقوله: " باب الدليل على أن فرض الرجلين الغسل وأن مسحهما لا يجزئ " انتهى. " السنن الكبرى " (1/68) ، وبوب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: " باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء، والدليل على أن الفرض غسل القدمين لا مسحهما إذا كانتا غير مغطيتين بالخف أو ما يقوم مقام الخف، لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤديا للفرض لما جاز أن يقال لتاركٍ فضيلةً: ويل له " انتهى. " صحيح ابن خزيمة " (1/83)
2- وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالغسل، وذلك بإيصال الماء إلى جميع أجزاء أعضاء الوضوء وعدم ترك أي محل منها، نجد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) فتخصيصه ذكر الأعقاب لأنها في مؤخرة القدم، فهي مظنة لعدم وصول الماء إليها لمن لم يتعاهدها بذلك، فدل على ضرورة العناية بإسباغ الوضوء في محل الفرض. وقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله هذه الفائدة من الحديث في إحدى المواضع التي أخرجه فيها، فقال: " باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/باب رقم 27) وبوب النووي رحمه الله على هذا الحديث في " شرح مسلم " بقوله: باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. " صحيح مسلم " (كتاب الوضوء/باب رقم 9) . وبوب عليه أبو داود في سننه: باب في إسباغ الوضوء. " سنن أبي داود " (كتاب الطهارة، باب رقم 46)
خامسا: الفوائد الأخرى المستنبطة من الحديث.
في هذا الحديث فوائد كثيرة أخرى للمتأمل، منها:
1- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، حيث كان يتأخر عن القافلة ويمشي آخرها كي يعين ضعيفهم ويحمل عاجزهم ويتفقد أحوالهم.
2- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أداء الصلاة وعدم تأخيرها عن وقتها ولو كانوا في حال السفر والتعب والنصب.
3- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه وبيان الحكم الشرعي عند حاجتهم إليها، وعدم سكوته صلى الله عليه وسلم عن الخطأ إن وقع منهم.
4- وفي الحديث فائدةٌ نبَّه عليها البخاري رحمه الله بقوله في تبويب الحديث بقوله: " باب من رفع صوته بالعلم " انتهى. صحيح البخاري " (كتاب العلم/باب رقم 3) . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله: (فنادى بأعلى صوته) ، وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك، ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته) الحديث أخرجه مسلم " انتهى. " فتح الباري " (1/143)
5- وفي قول الراوي رضي الله عنه (مرتين أو ثلاثا) دليل أيضا على الأسلوب التعليمي النافع الذي كان يستعمله صلى الله عليه وسلم، وذلك بتكرار الكلام بالعلم كي يحفظ عنه المستمعون ويتثبت المتشككون، وقد أخرج البخاري الحديث أيضا في موقع آخر وبوب عليه بقوله: باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه. " صحيح البخاري " (كتاب العلم/ باب رقم 30)
6- وفي الحديث أيضا تذكير المسلم بضرورة تحري موافقة الشريعة في جميع أفعاله وأقواله، ولا يتهاون في شيء منها، فقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين لا يبلغ الماء أعقابهم في الوضوء بالويل والنار يوم القيامة، وهو أمر يسير في نظر كثير من الناس، ولكنه عند الله عظيم، فليحذر المسلمون أن يتهاون فيما قد يكون سبب هلاكه في الآخرة، وقد قال الله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور/15.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/327)
المراد بنفي الإيمان في حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ، هل المقصود أن الشخص كافر - حتى لو أنه يؤمن بالقرآن والسنة - حتى يحب إخوانه، أم المقصود أنه غير كامل الإيمان؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يرد نفي الإيمان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويراد به تارةً: نفي أصل الإيمان، فيكون الشخص كافراً. ويراد به تارة أخرى: نفي كمال الإيمان، فيكون الشخص معه أصل الإيمان، فهو ليس كافراً، غير أنه ناقص الإيمان.
والحديث المسؤول عنه هو من النوع الثاني.
قال النووي رحمه الله:
"قال العلماء رحمهم الله: معناه: لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة" انتهى.
"شرح مسلم" (2/16) .
وقال القرطبي:
"معناه: أنه لا يتم إيمانُ أحد الإيمان التام الكامل، حتى يضم إلى إسلامه سلامة الناس منه، وإرادة الخير لهم، والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم" انتهى.
"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (1/224) .
وقال أيضا:
"أي: لا يكمل إيمانه؛ إذ من يغش المسلم ولا ينصحه مرتكب كبيرة، ولا يكون كافراً بذلك؛ كما قد بَيَّنَّاه غير مرة.
وعلى هذا: فمعنى الحديث: أن الموصوف بالإيمان الكامل: من كان في معاملته للناس ناصحاً لهم، مريداً لهم ما يريده لنفسه، وكارهاً لهم ما يكرهه لنفسه" انتهى.
"المفهم" (1/227) .
ويدل على أن المراد من النفي في هذا الحديث نفي كمال الإيمان، أنه قد جاء الحديث عند ابن حبان بلفظ: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1780) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"والمراد بالنفي: كمال الإيمان ...
وقد صرح ابن حبان - من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم - بالمراد ولفظه: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان) ومعنى الحقيقة هنا الكمال، ضرورة أنَّ مَن لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً" انتهى.
"فتح الباري" (1/57) .
وقال ابن رجب رحمه الله:
" (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) هذه الرواية تبين معنى الرواية المخرجة في الصحيحين، وأن المراد بنفي الإيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته، فإن الإيمان كثيرا ما يُنفَى لانتفاء بعض أركانه وواجباته، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وقوله: (لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) " انتهى.
"جامع العلوم والحكم" (120) .
ومعنى نفي كمال الإيمان هنا: أي: الكمال الواجب، فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان مقصراً يما يجب عليه من الإيمان، مرتكباً شيئاً محرماً، يستحق عليه العقاب.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
"لمَّا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا يُنفَى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الحديث، وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب" انتهى.
"فتح الباري" (1/41) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/328)
يستحب إغلاق أبواب المنازل في الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: وقت غروب الشمس نقول: بسم الله. ونغلق الشبابيك، كي لايدخل الجن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا بإغلاق الأبواب وذكر اسم الله في الليل، عند دخول الليل، وعند النوم والمبيت، وذلك كي يحفظ المسلم بيته وأهله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن، وكذلك من دخول الحيوانات والحشرات المؤذية.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)
رواه البخاري (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) ولفظه:
(غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً)
وقد بوب عليه الإمام النووي بقوله:
" باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب " انتهى.
وروى مسلم (2013) في الباب نفسه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ)
ورواه ابن حبان في " صحيحه " (4/90) بلفظ:
(أَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ إِذَا رَقَدْتُمْ بِاللَّيْلِ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَابَ مُغْلَقًا دَخَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ السِّقَاءَ مُوكًى شَرِبَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا وَالسِّقَاءَ مُوكًى لَمْ يَحْلِلْ وِكَاءً وَلَمْ يَفْتَحْ بَابًا مُغْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ لِإِنَائِهِ الَّذِي فِيهِ شَرَابُهُ مَا يُخَمِّرُهُ، فَلْيَعْرِضْ عَلَيْهِ عُودًا)
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله:
" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن، وأما قوله: (إن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز وجل على عباده من الإنس، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء، وأنه قد حرم هذه الأشياء، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس " انتهى.
" الاستذكار " (8/363)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال ابن دقيق العيد: في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين.
وأما قوله: (فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا) فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة، قال: واللام في الشيطان للجنس، إذ ليس المراد فردا بعينه " انتهى.
" فتح الباري " (11/87)
وقال أيضا رحمه الله:
" قال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة، ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر.
وقال ابن العربي: ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها، وليس كذلك، وإنما هو مقيد بالليل؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان، فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار " انتهى.
" فتح الباري " (6/356-357)
وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:
" ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل، وإطفاء المصباح للنوم " انتهى.
" مغني المحتاج " (1/31)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ينبغي للإنسان إذا نام أن يجافي الباب بمعنى يغلقه " انتهى.
" شرح رياض الصالحين "
وانظر جواب السؤال رقم (125922) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/329)
حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) يعني: جهاد النفس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلي الجهاد الأكبر) رواه البيهقي بسند ضعيف، قاله الحافظ العراقي في تحقيق أحاديث الإحياء، نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو كلام إبراهيم بن أبي عبلة وليس بحديث، نقله أيضا العجلوني عن الحافظ في الكشف، وهذا ملخص ما ذكره العجلوني، وفي رواية البيهقي: (قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب) ، ورواه الخطيب البغدادي بلفظ: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه) ، وقد روياه جميعا عن جابر، كذا في كشف الخفاء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (11/197) : أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في عزوة تبوك: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر، فلا أصل له) ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/381) .
وانظر جواب السؤال رقم (10455) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/330)
حديث إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ حديث صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على أن وقت المغرب هو وقت انتشار الشياطين، وأنه يجب إدخال الأطفال إلى المنزل في هذا الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ورد في هذا الأدب جملة من الأحاديث الصحيحة. فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ)
رواه البخاري (3280) ومسلم (2012) ، وبوب عليه النووي بقوله: باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب.
وروى مسلم (2013) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ – أي كل ما ينتشر من ماشية وغيرها - وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في الحديث الأول ـ:
" (جُِنح الليل) هو بضم الجيم وبكسرها، والمعنى: إقباله بعد غروب الشمس، يقال: جنح الليل: أقبل.
قوله: (فخلوهم) قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت.
والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد " انتهى.
" فتح الباري " (6/341)
وقال الإمام النووي رحمه الله:
" هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء، ولا حل سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان: (لا مبيت) أي: لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.
وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع، ويلحق بها ما في معناها، قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال، للحديث الحسن المشهور فيه.
قوله (جنح الليل) هو بضم الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، وهو ظلامه، ويقال: أجنح الليل: أي: أقبل ظلامه، وأصل الجنوح الميل.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فكفوا صبيانكم) أي: امنعوهم من الخروج ذلك الوقت.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن الشيطان ينتشر) أي: جنس الشيطان، ومعاه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ. والله أعلم " انتهى.
" شرح مسلم " (13/185)
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
" في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم) ثم جاء فيه: (وأطفئوا مصابيحكم) فهل هذا الأمر للوجوب؟ وإن كان للاستحباب فما هي القرينة الصارفة له عن الوجوب؟
فأجابت:
" هذه الأوامر الواردة في الحديث محمولة على الندب والإرشاد عند أكثر العلماء، كما نص عليه جماعة من أهل العلم، منهم: ابن مفلح في " الفروع " (1/132) ، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/87) والله أعلم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (26/317)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/331)
وقفات مهمة مع حديث الحوض، وبيان الطوائف التي تردهم الملائكة عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير الحديث القدسي في ما معناه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرِد المسلمون إلى حوضه، يُرجع الله طائفة من الناس فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رب، أمتي، أمتي) فيقول عز وجل: إنك لا تدري ما فعلوا بعدك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اصطلح المحدثون على تسمية الحديث الوارد هنا: " حديث الحوض "، وللحديث ألفاظ وروايات متعددة، ليس بينها – بفضل الله – اختلاف.
وهذه بعض الروايات بألفاظها المختلفة:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي) .
رواه البخاري (6212) ومسلم (2290) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ؛ أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا) .
رواه مسلم (249) .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) .
رواه أحمد (41 / 388) وصححه المحققون.
عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) .
رواه البخاري (6211) ومسلم (2304) .
عن عَبْد اللَّهِ بنِ مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) .
رواه البخاري (6642) ومسلم (2297) .
ثانياً:
عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه، فتردهم الملائكة، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي "، " أصحابي "، " أصيحابي "، وليس بينها اختلاف تضاد، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف:
1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام.
2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم بكفرهم.
3. أهل النفاق ممن أظهر الإسلام، وأبطن الكفر.
4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه، كالروافض، والخوارج.
5. وبعض العلماء يُدخل فيهم: أهل الكبائر، وله ما يؤيد من السنَّة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده (9 / 514) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ) وصححه المحققون.
ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع، والخامس، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل.
ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم: أنه عرفهم بالغرة والتحجيل، وهي سيما خاصة بهذه الأمة، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم، لا بأعيانهم؛ لأنهم جاءوا بعده.
ومما يدل على دخول المنافقين في اسم " أصحابي ": قوله صلى الله عليه وسلم (لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) رواه البخاري (3518) ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة، ليس أنهم استحقوا شرفها؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء.
وهذه طائفة من أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث:
1. قال النووي - رحمه الله – في شرح الحديث -:
هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال:
أحدها: أن المراد به المنافقون، والمرتدون، فيجوز أن يُحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وُعدتَ بهم، إن هؤلاء بدَّلوا بعدك، أي: لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد بعده، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك.
والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام.
" شرح مسلم " (3 / 136، 137) .
2. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) بالتصغير على قلة عددهم.
" فتح الباري " (11 / 385) .
3. وقال الشيخ عبد القاهر البغدادي – رحمه الله -:
أجمع أهل السنَّة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كِندة، وحنيفة، وفزارة، وبني أسد، وبني بكر بن وائل، لم يكونوا من الأنصار، ولا من المهاجرين قبل فتح مكة، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم، والصراط المستقيم.
وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله بدراً: من أهل الجنة، وكذلك كل مَن شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية.
" الفَرْق بين الفِرق " (ص 353) .
4. وقال الشاطبي – رحمه الله -:
والأظهر: أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة؛ لأجل ما دل على ذلك فيهم، وهو الغرة والتحجيل؛ لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض، كان كفرهم أصلاً، أو ارتداداً.
ولقوله: (قد بدلوا بعدك) ، ولو كان الكفر: لقال: " قد كفروا بعدك "، وأقرب ما يحمل عليه: تبديل السنة، وهو واقع على أهل البدع، ومن قال: إنه النفاق: فذلك غير خارج عن مقصودنا؛ لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقيةً، لا تعبداً، فوضعوها غير مواضعها، وهو عين الابتداع.
ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنَّة والعمل بها حيلةً وذريعةً إلى نيل حطام الدنيا، لا على التعبد بها لله تعالى؛ لأنه تبديل لها، وإخراج لها عن وضعها الشرعي.
" الاعتصام " (1 / 96) .
5. قال القرطبي – رحمه الله -:
قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكلُّ مَن ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله: فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طرداً: مَن خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدِّلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، والظلم، وتطميس الحق، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ، والأهواء، والبدع.
ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال، ولم يكن في العقائد، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء، يُعرفون به، ثم يقال لهم (سحقاً) ، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظهرون الإيمان، ويُسرون الكفر: فيأخذهم بالظاهر، ثم يكشف له الغطاء فيقول لهم: (سحقاً سحقاً) ، ولا يخلد في النار إلا كافر، جاحد، مبطل، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
" التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة " (ص 352) .
ثالثاً:
مما يبين كذب الروافض في زعمهم أن الصحابة الأجلاء أبا بكر وعمر وعثمان من أولئك المرتدين: أنه قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد حصلت ردة، وقتال للمرتدين، فمَن قاتل مَن؟ إن الذي ارتد هم الذين ذكرنا وصفهم، من بعض قبائل العرب، وإن الذي قاتلهم هو أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وإخوانه من المهاجرين والأنصار - وقد شاركهم في قتالهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسبى من بني حنيفة امرأة، أنجبت له فيما بعد الإمام العلَم " محمد بن الحنفية " -؛ فإذا كان الصحابة الكرام: أبو بكر وعمر، ومن معهما من المهاجرين والأنصار: مرتدين؛ فماذا يكون حال مسليمة وأتباعه، والعنسي وأتباعه؟! إلا إن هذا هو عين النفاق والشقاق، وقول الباطل وشهادة الزور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين، أتباع المرتدين، الذين برزوا بمعاداة الله ورسوله وكتابه، ودينه، ومرقوا من الإسلام، ونبذوه وراء ظهورهم، وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين، وتولوا أهل الردة والشقاق؛ فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم: يحقق أن هؤلاء القوم المتعصبين على الصدِّيق رضي الله عنه وحزبه ـ من أصولهم ـ من جنس المرتدين الكفار، كالمرتدين الذين قاتلهم الصدِّيق رضي الله عنه.
" منهاج السنة النبوية " (4 / 490) .
وقال – رحمه الله -:
وفي الجملة: فأمر مسيلمة الكذاب، وادعاؤه النبوة، واتباع بني حنيفة له باليمامة، وقتال الصدِّيق لهم على ذلك: أمر متواتر، مشهور، قد علمه الخاص، والعام، كتواتر أمثاله، وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة، بل عِلْم الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال " الجمَل " و " صفِّين "، فقد ذُكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر " الجمل "، و " صفين "، وهذا الإنكار وإن كان باطلا: فلم نعلم أحداً أنكر قتال أهل " اليمامة "، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، وأنهم قاتلوه على ذلك.
لكن هؤلاء الرافضة مِن جحدهم لهذا، وجهلهم به: بمنزلة إنكارهم لكون أبي بكر وعمر دُفِنَا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم لموالاة أبي بكر، وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعواهم أنه نص على " علي " بالخلافة، بل منهم من ينكر أن تكون زينب، ورقية، وأم كلثوم من بنات النبي صلى الله عليه وسلم! ويقولون: إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافراً قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
" منهاج السنة النبوية " (4 / 492، 493) .
وقال – أيضاً -:
وهم – أي: الرافضة - يدَّعون أن أبا بكر وعمر، ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام! وقد علم الخاص والعام: أن أبا بكر هو الذي قاتل المرتدين، فإذا كانوا يدَّعون أن أهل اليمامة مظلومون، قتلوا بغير حق، وكانوا منكرين لقتال أولئك، متأولين لهم: كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف، وأن الصدِّيق وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان.
وقوله – أي: ابن المطهر الحلي الرافضي – " إنهم سمُّوا بني حنيفة مرتدين لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر ": فهذا مِن أظهر الكذب، وأبينِه؛ فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم آمنوا بمسيلمة الكذاب، واعتقدوا نبوته، وأما مانعو الزكاة: فكانوا قوماً آخرين، غير بني حنيفة، وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم، وأما بنو حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم ... .
" منهاج السنة النبوية " (4 / 493، 494) .
رابعاً:
يقال لهؤلاء الروافض: لماذا ارتد الخلفاء الثلاثة دون علي؟! وما الذي استثنى مثل " عمار بن ياسر " و " المقداد بن الأسود " و " أبا ذر " و " سلمان الفارسي " من الردة؟! أم هو التحكم والهوى؟! .
ونحن نعتقد أن المهاجرين والأنصار في الجنة خالدين فيها أبداً، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/ 100.
ونعتقد أن أبا بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وهكذا كل من سماهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء جميعاً سيشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شراباً هنيئاً، والويل والثبور لمن لعنهم، وكفرهم، فهو أولى أن يكون يوم القيامة في صف المرتدين الذين حاربهم أولئك الأطهار.
خامساً:
هذه الأحاديث حجة على الروافض؛ حيث يثبتون فيها ردة الصحابة رضي الله عنهم إلا نفراً قليلاً، ويزعمون أنهم " أحدثوا " بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أنهم كانوا على الإيمان قبل ذلك! فأي دين اعتقدوه بعد ذلك؟ وماذا فعلوا ما استحقوا به التكفير؟! فإن قالوا: سلب الخلافة من علي رضي الله عنه: فيقال لهم هذه معصية! تكفرها الحسنات، ويكفي الصحابة سبكم ولعنكم لهم حتى توضع أوزارهم عليكم إن شاء الله.
وإن قالوا: قتل جنين فاطمة! : قلنا قد قُتل في زمن علي رضي الله عنه الآلاف! فهل تطبقون عليه القاعدة نفسها في التكفير؟! .
فتبين مما سبق: أن الصحابة الأجلاء هم الذين دافعوا عن دين الله، وهم الذين أوقفوا مدَّ الردة، والتي قام على إذكائها ونشرها سلف أولئك الروافض، من أمثال مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وأن الله تعالى قد أثنى في كتابه الكريم على المهاجرين والأنصار في قرآن يُتلى إلى قيام الساعة، وقد نزههم ربهم عن الوقوع في البدعة، فكيف يقعون في الردة، وهم الذين نشروا الإسلام في الآفاق؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/332)
طلب الصفات الدنيوية في الخاطب والمخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما جاء أحد الأشخاص لخطبتي , ذكر الحديث التالي , قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لدينها، ومالها، وجمالها، ونسبها , فاظفر بذات الدين تربت يداك) سؤالي هو: هل يجوز للمرأة أن تتزوج شخصا ما لتلك الأسباب نفسها؟ إذا كان ذلك جائزا , فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث نفسه، أم كان الخطاب خاصاً بالرجال دون النساء؟ وفيما يتعلق باختيار المرأة لزوجها , فقد قرأت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد كبير) فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفة واحدة للرجل وهي الدين , ولم يذكر باقي الصفات التي ذكرها في حق المرأة من أنها تنكح لأربع؟ وهل يجوز تطبيق الحديث الأول عل كلٍ من الرجل والمرأة؟ ولماذا كان التخصيص فقط للرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أولا أن نوضح أن الشريعة الإسلامية إنما حثت على طلب الزوجة الصالحة ذات الدين، وكذلك الزوج الصالح صاحب الدين المستقيم، فالدين هو المقصد الأول والرئيس، وغيره من الصفات كالجمال والمال والحسب والنسب إنما هي تابعة، ليست مذمومة في نفسها، ولا هي مقصودة بالأساس، ولكنها صفات تكميلية إذا وجدت فهي الغنيمة الكاملة، وإذا لم توجد فالدين معيار كل خير.
يدل على ذلك ما جاء في السنة من الثناء على بعض هذه الصفات في الزوجة، ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ)
رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838)
وكذلك الشأن بالنسبة للزوج، فالأصل طلب الزواج من الصالح التقي الذي جاء وصفه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (ترضون دينه وخلقه) ، فإن صاحَبَ ذلك جمال ومال وحسب فذلك مِن نعم الله تعالى، فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إضاعة الرجل ماله وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته سببا في العدول عن الزواج به، وذلك في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت: (لَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ – تعني للنبي صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) رواه مسلم (1480)
يقول العلامة السعدي رحمه الله:
" فإن حصل مع الدين غيرُه فذاك، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة " انتهى.
" بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/120)
إذا تبين ما سبق عرفنا الجواب عما ذُكِر، وعرفنا أن المال والحسب والجمال من الأمور المرغوبة في الزوجين عند عامة الناس، مؤمنهم وكافرهم، والرغبة بها مركوزة في طبائع البشر وعادات الناس، والشريعة لا تعارض ذلك، وإنما لم يأت التنبيه عليها لأن الناس ـ بطبيعتهم ـ منتبهون إلى ذلك ويطلبون، حتى إنهم ليبالغون فيه، ويهملون غيره من المهمات؛ فجاءت الشريعة بالتأكيد على ما يغفل الناس عنه، أو يهملونه، مع أن هذا هو المقصود الأعظم من الصفات في ميزان الشرع، وهذا ـ أيضا ـ هو الذي يميز مسلك المؤمن الصالح من مسلك غيره من الناس.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور:
(تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)
رواه البخاري (5090) ومسلم (1466)
قال الإمام النووي رحمه الله:
" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك " انتهى.
" شرح مسلم " (10/51-52)
وقال رحمه الله:
" ومعنى ذلك: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها، واحرص على صحبتها " انتهى.
" رياض الصالحين " (ص/454)
وقال القرطبي رحمه الله:
" هذه الأربع الخصال هي الْمُرغِّبة في نكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم " انتهى.
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/215)
ويقول الشيخ سليمان بن منصور العجيلي الجمل – من فقهاء الشافعية -:
" وبعضهم استدل بهذا الحديث على استحباب كونها جميلة، واعترضه الزركشي بأن الاستدلال بذلك على كونها جميلة عجيب؛ لأن هذا بيان لما هو عادة الناس، ولا أمر فيه بنكاح الجميلة، وهو اعتراض واضح، كما لا أمر فيه بنكاح ذات المال والجمال والحسب " انتهى.
" فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل " (4/118)
وانظر جواب السؤال رقم: (34170)
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الصفات مرغب بها شرعا، وأنه يستحب للخاطب تطلبها في مخطوبته، لكن بشرط أن يكون الدين هو الأساس ـ أيضا ـ وألا تعارضه غيره من الصفات المذكورة؛ فإن حصل تعارض قدم الدين حتما.
قال ابن حجر رحمه الله:
" ويؤخذ منه – أي من هذا الحديث - أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا إن تعارض: نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات.
قوله: (وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة، إلا إن تعارض: الجميلة الغير دينة، والغير جميلة الديِّنَة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق.
قوله: (فاظفر بذات الدين) في حديث جابر: (فعليك بذات الدين) والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية، وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجة رفعه [وفيه ضعف] : (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن -، ولا تزوجوهن لأموالهن: فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل) " انتهى باختصار.
" فتح الباري " (9/135-136) .
وقد استدلت كثير من كتب الشافعية بهذا الحديث على استحباب التزوج من الجميلة.
وجاء في " شرح منتهى الإرادات " (2/623) - من كتب الحنابلة -: " ويسن أيضا تخير الجميلة للخبر – يعني الحديث السابق – " انتهى.
والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، ما دام المقصود الرئيس في الزوجين متفقا عليه وهو الدين، وما دامت الصفات الدنيوية الأخرى غير مذمومة بل ممدوحة.
أما عدم ذكر الصفات المقصودة من الرجال في الزواج كما ذكرت صفات النساء، فليس ذلك بسبب التفريق بينهما، بل لأن الرجل في العادة هو الذي يبحث عن الزوجة ويطلب فيها ما يختاره من الصفات، والمرأة إنما تفكر في صفات من يتقدم لها، فكان الأنسب أن يوجه الخطاب في حديث (تنكح المرأة لأربع) على ما يجري به الغالب من عوائد الناس، وليس على القليل النادر.
ثم إن الغالب في خطاب الشريعة أنه موجه للرجال، وقد قرر الأصوليون أن خطاب الرجال يشمل النساء إلا بقرينة صارفة، وإلا فليس من اللازم ورود نص في كل حكم شرعي للرجال، وآخر للنساء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) .
رواه الترمذي (113) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/333)
تقدير المسافات في الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وفى حديث آخر فيما معناه: (وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام) والسؤال هو: لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام، أما كان أحرى أن يقول: مائة كيلو، أو أي وحدة من وحدات المسافة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه، ولا يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول كذا ولا يقول كذا، فمقام النبوة أعظم من هذا، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن.
ولا مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، ولكن يختار لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم.
ثانياً:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/2، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين.
فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر، لأنهم كانوا يكثرون السفر والتنقل، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة الواحدة، فكثر ذلك في خطابهم.
فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم، حتى يحصل المقصود من الكلام، ويفهم معناه، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاييس غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة، حيث يخاطب الناس بما لا يعرفون، أو بما لا يعرفه أكثرهم، من غير فائدة لذلك.
وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم.
فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ "السنة الضوئية": وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء. فهذا يوافق التقدير المنقول في بعض الأحاديث، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وفي صدر الإسلام.
قال الدكتور جواد علي:
"استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد، ولا سيما في الأسفار. فاستعملوا مصطلح: مسيرة ساعة، ومسيرة ليلة، ومسيرة نهار، ومسيرة قافلة، وأمثال ذلك، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة" انتهى.
"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (14/313) .
وقد جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح "الميل":
فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ) رواه مسلم (2864) .
كما استعمل العرب وحدة: " الإصبع "، و " الشبر "، و" الباع "، و " البريد "، و " الفرسخ "، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء، ويمكن الرجوع إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة. منها بحث الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/334)
شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" معنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شاد الدين غلبه وقطعه.
وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال:
(أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال: " أتقوله صادقا "؟ قلت: يا نبي الله هذا فلان، وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة، قال: " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر)
وفي رواية له: (إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره) – " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -.
وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا:
(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى) – " السنن الكبرى " البيهقي (3/19) وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1/64) -
والمُنْبَتُّ: هو المنقطع في سفره قبل وصوله، فلا سفرا قطع، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك؛ بل هو كالمنقطع في المفاوز، فهو إلى الهلاك أقرب، ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل " انتهى باختصار. " فتح الباري " لابن رجب (1/136-139)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب.
قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.
وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة " انتهى.
" فتح الباري " لابن حجر (1/94)
ويقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة، فقد أسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير، فقال: (إن الدين يسر) أي: ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه:
فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب.
وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة، وبفواتها يفوت الصلاح كله، وهي كلها ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه.
عقائده صحيحة بسيطة، تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة.
وفرائضه أسهل شيء:
أما الصلوات الخمس: فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة لها، وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها؛ فإن الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها، ورتب عليها من خير الدين وصلاح الإيمان وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها، ويحمد الله على فرضه لها على العباد؛ إذ لا غنى لهم عنها.
وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات، ومواساة لمحاويجهم، وقياماً لمصالحهم الكلية، وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق.
وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام، يجتمع فيه المسلمون كلهم، فيتركون فيه شهواتهم الأصلية - من طعام وشراب ونكاح - في النهار , ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم، وزيادة كمالهم، وأجره العظيم، وبره العميم، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير، ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات.
وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع، وفي العمر مرة واحدة، وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحجّ/28, أي: دينية ودنيوية.
ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة، قال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما، رتب على ذلك من التخفيفات، وسقوط بعض الواجبات، أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف.
ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلّى الله عليه وسلم، رأى ذلك غير شاق عليه، ولا مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله، وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة.
وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا وأوغل في العبادات: فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: (ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه)
فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو ولم يقتصد: غلبه الدين، واستحسر، ورجع القهقرى.
ولهذا أمر صلّى الله عليه وسلم بالقصد، وحثّ عليه فقال: (والقصد القصد تبلغوا)
ثم وصى صلّى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة بالخير، وعدم اليأس.
فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد، ويعمل العمل السديد، ويسلك الطريق الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه، فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض، فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة، ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه.
ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16, وقوله صلّى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر.
وفي حديث آخر: (يسِّروا، ولا تعسروا، وبَشِّروا، ولا تنفروا) .
ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس، وهي في غاية النفع فقال: (واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة)
وهذه الأوقات الثلاثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية، مع راحة المسافر، وراحة راحلته، ووصوله براحة وسهولة، فهي السبب الوحيد لقطع السفر الأخروي، وسلوك الصراط المستقيم، والسير إلى الله سيراً جميلاً، فمتى أخذ العامل نفسه، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة لوقته - أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله، وخصوصاً آخر الليل - حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ وأوفر نصيب، ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة، مع حصول مقاصده الدنيوية، وأغراضه النفسية.
وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الأبدية؛ إذ نصبه لعباده، وأوضحه على ألسنة رسله، وجعله ميسراً مسهلاً، وأعان عليه من كل وجه، ولطف بالعاملين، وحفظهم من القواطع والعوائق.
فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد:
القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم.
القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها.
القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.
القاعدة الرابعة: تنشيط أهل الأعمال، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الأعمال.
القاعدة الخامسة: الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله، التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء.
فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها " انتهى.
" بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/77-80)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/335)
حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان) ... قال: (فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط..) وبين خلود الكافر في النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم (لم يعملوا خيرا قط) ، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار، بل هم من المؤمنين الموحدين، ولكنهم فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة.
والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ.
فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا.
ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا.
ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا.
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ)
والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى.
وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله، وجاء بأصل التوحيد، ولكنه لم يعمل خيرا قط.
يقول ابن حجر رحمه الله:
" وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى.
" فتح الباري " (11/428)
ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله، حيث جاء فيها: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) – قال ابن عبد البر رحمه الله:
" وهذه اللفظة – يعني (إلا التوحيد) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) ، أو (لم يعمل خيرا قط لم يعذبه) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب)
والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قالوا: كل من خاف لله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده.
ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله قد تجاوزت عنك)
قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (لعل الله يتجاوز عنا) : إيمان وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قول الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى.
" التمهيد " (18/40-41)
ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب: " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ":
" هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى.
" التوحيد " (2/732)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/336)
تفصيل القول في حديث " أعضوه بهن أبيه " والرد على من قال إنه من الفحش
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني ملحد: كيف يتكلم الرسول عليه السلام بالألفاظ البذيئة!! وهو نبي، مثل: (أعضوه بهن أبيه) ، ويقر قول أبي بكر: " امصص بظر اللات "، مع أنه عليه السلام: نهى عن التفحش؟ . فما الجواب المفصل بارك الله فيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يلتفت لطعن الطاعنين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد زكَّاه ربُّه تعالى في خلُقه فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/ 4، فإذا كانت هذه تزكية رب السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم: فكل طعنٍ فيه لا قيمة له، ولسنا نتبع نبيّاً لا نعرف دينه وخلُقه، بل نحن على علم بأدق تفاصيل حياته، وقد كانت منزلته عالية حتى قبل البعثة، وشهد له الجاهليون بكمال خلقه، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيها، والعجب هو عندما يأتي ملحد قد سبَّ رب العالمين أعظم السب فنفى وجوده، يأتي ليطعن في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ويتهمه بالفحش والبذاءة، ويعمى عن كمال خلقه، وينسى سيرته وهديه، وما أحقه بقول القائل:
وَهَبني قُلتُ هَذا الصُبحُ لَيلٌ أَيَعمى العالَمونَ عَنِ الضِياءِ
ثانياً:
قد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، ومع بعثه بأعظم رسالة للعالَمين، وفيها أحكام لأدق تفاصيل الحياة، إلا أنه في الأبواب التي لها تعلق بالعورة لا نراه إلا عفَّ اللسان، يستعمل أرقى عبارة، ويبتعد عن الفحش في الكلام، ويوصل المقصود بما تحتويه لغة العرب الواسعة، وذلك في أبواب متعددة، مثل: قضاء الحاجة، والاغتسال، والنكاح، وغير ذلك، وقد تنوعت عباراته حتى إن الرجل ليستطيع التحدث بها أمام النساء، ولعلَّنا نكتفي بمثال واحدٍ يؤكد ما سبق ذِكره، وإلا فالأمثلة كثيرة جدّاً:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا) ، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: (تَطَهَّرِي بِهَا) قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي) ، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
رواه البخاري (308) ومسلم (332) .
ومعنى (فِرصة من مِسك) أي: قطعة صوف أو قطن عليها ذلك الطيب المعروف.
وفي رواية للبخاري (309) :
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا) ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: (تَوَضَّئِي بِهَا) فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثالثاً:
بخصوص الجواب عن الحديث المذكور في السؤال: فإننا ننبِّه على أمرين قبل ذِكر تفصيل الجواب:
الأول: أن هذا اللفظ الوارد في الحديث لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهو لم يكن لابتداء الكلام به، بل هو عقوبة لقائله، أي: أنه شُرع ردّاً على مرتكبٍ لمحرَّم وهو التعصب الجاهلي.
الثاني: أن ما يوجد في شرع الله تعالى من عقوبات وحدود إنما يراد منها عدم وقوع المعاصي والآثام التي تُفسد على الناس حياتهم، فمن رأى قطع اليد عقوبةً شديدة فليعلم أنه بها يحفظ ماله من أهل السرقة، ومن استبشع الرجم للزاني المحصن فليعلم أنه به يأمن من تعدِّي أهل الفجور على عرضه، وهكذا بقية الحدود والعقوبات، ومثله يقال في الحد من التعصب الجاهلي للقبيلة، والآباء، والأجداد، فجاء تشريع هذه الجملة التي تقال لمن رفع راية العصبية الجاهلية؛ لقطعها من الوجود، ولكف الألسنة عن قولها، وفي كل ذلك ينبغي النظر إلى ما تحققه تلك العقوبات والروادع من طهارة في الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وهذا هو المهم لمن كان عاقلاً، يسعى لخلو المجتمعات من الشر وأهله.
رابعاً:
أما الجواب التفصيلي عن الحديث الوارد في السؤال: فنحن نذكر ألفاظ الحديث، ثم نعقبها بشروح أهل العلم له.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا: (إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا) .
رواه أحمد (35 / 157) وحسَّنه محققو المسند.
عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى، فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ، فَقَالُوا: مَا كُنْتَ فَحَّاشًا؟ قَالَ: إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ.
رواه أحمد (35 / 142) وحسَّنه محققو المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله -:
ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سُمِع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه.
فقال قائل: كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء من النار) ؟ .
قال: ففي هذا الحديث أن البذاء في النار، ومعنى البذاء في النار هو: أهل البذاء في النار؛ لأن البذاء لا يقوم بنفسه، وإنما المراد بذِكره من هو فيه.
فكان جوابنا في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه:
أن " البذاء " المراد في هذا الحديث خلاف البذاء المراد في الحديث الأول، وهو البذاء على مَن لا يستحق أن يُبذأ عليه، فمن كان منه ذلك البذاء: فهو من أهل الوعيد الذي في الحديث المذكور ذلك البذاء فيه، وأما المذكور في الحديث الأول: فإنما هو عقوبة لمن كانت منه دعوى الجاهلية؛ لأنه يدعو برجل من أهل النار، وهو كما كانوا يقولون: " يا لبكر، يا لتميم، يا لهمدان "، فمن فمن دعا كذلك من هؤلاء الجاهلية الذين من أهل النار: كان مستحقّاً للعقوبة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوبته أن يقابل بما في الحديث الثاني؛ ليكون ذلك استخفافاً به، وبالذي دعا إليه، ولينتهي الناس عن ذلك في المستأنف، فلا يعودون إليه.
وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ، فعن عُتيّ بن ضمرة قال: شهدتُه يوماً - يعني: أبي بن كعب، وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّه بكذا أبيه، ولم يكنه، فكأن القوم استنكروا ذلك منه، فقال: لا تلوموني فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (من رأيتموه تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه، ولا تكنوا) .
ومعناه: معنى الحديث الذي قبله؛ لأن معنى (من تعزى بعزاء الجاهلية) : إنما هو مِن عزاء نفسه إلى أهل الجاهلية، أي: إضافتها إليهم.
" بيان مشكل الآثار " (8 / 51 – 54) باختصار وتهذيب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة، والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا) رواه أحمد، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا فلان، فقال: اعضض أير أبيك، فقيل له في ذلك فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" منهاج السنة النبوية " (8 / 408، 409) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – عند التعليق على حديث أبي داود: أن رجلاً عَطَسَ عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ! فَقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَعَلَيْكَ السَّلامُ وعَلَى أُمِّكَ) -:
ونظيرُ ذِكر الأُم هاهنا: ذكرُ " هَنِ " الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية، فيقال له: اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ، وكَانَ ذِكرُ " هَنِ " الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه، وهو " هَنُ " أبيه، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ، كما أن ذِكرَ الأُم هاهنا أحسنُ تذكيراً له، بأنه باقٍ على أُمِّيته، والله أعلم بمراد رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (2 / 438) .
خامساً:
قد عمل كبار الصحابة بهذه الوصية، ورأوا ذلك عقوبة وقعت على مستحقها، ولم يروا ذلك مستقبحاً في شيء؟! وقد سبق ذِكر قول أبي بن كعب راوي الحديث لها، وقد قالها – أيضاً – أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، فقد قال عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في " الحديبية " للنبي صلى الله عليه وسلم: " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ "، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ "، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ.
رواه البخاري (2581) .
قال ابن حجر – رحمه الله -:
و" البَظْر ": بفتح الموحدة، وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة.
و" اللات ": اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار.
وفيه: جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك، وقال ابن المنيِّر: في قول أبي بكر تخسيس للعدو، وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم " إن اللات بنت الله! " تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بأنها لو كانت بنتاً: لكان لها ما يكون للإناث.
" فتح الباري " (5 / 340) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
وفى قول الصِّدِّيق لعروة: " امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ": دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له: " اعضُضْ أيْرَ أبيك "، ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 305) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/337)
معنى (لعن الله من ذبح لغير الله) .
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) ما هو المقصود من ذلك؟ وهل الذبح للضيف يكون من الذبح لغير الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المقصود من الحديث: تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء؛ رجاء بركتهم، والذبح للجن؛ إرضاء لهم، ورجاء قضائهم للحاجات، أو دفعاً لشرهم، فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه.
أما الذبح للضيوف إكراماً لهم، أو للأهل توسعةً عليهم، والذبح تقرباً إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت، فهذا جائز، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/196) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً (1/225) :
" يجوز ذبح الذبيحة للضيف ويذكر اسم الله عليها عند الذبح، وليس ذلك داخلا في عموم قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، بل المقصود في الآية ما ذبح لغير الله، كالذبح للأموات ونحوهم تقربا إليهم، أما الذبح للضيف، فالمقصود به إكرامه لا عبادته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الضيف.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (44730) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/338)
حديث: (من فطر صائما ... ) يَعُمُّ الغني والفقير
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث: (من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيئاً) هل المقصود بالصائم الفقير؟ أو يدخل في هذا الأقارب والأصدقاء؟ وهل صيام التطوع فيه نفس الأجر إذا فطر صائما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحديث عام يعم الغني والفقير، والفرض والنفل، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/207) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/339)
شرح حديث: (خير صفوف النساء آخرها)
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من النساء نصلي في المسجد في رمضان في مكان منعزل عن الرجال بحيث لا يروننا ولا نراهم، وقد لاحظت أن الأخوات لا يكملن الصفوف الأول ولا يسوينها، وقد احتج بعضهن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) فقلت لهن: إن هذا الحديث يقصد به عندما كان النساء يصلين خلف الرجال بدون ساتر، أما الآن فقد اختلف الوضع. فهل هذا الكلام الذي قلته صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحديث المذكور صحيح، ولكنه محمول عند أهل العلم على المعنى الذي ذكرت، وهو كون الرجال ليس بينهم وبين النساء حائل، أما إذا كُنَّ مستورات عن الرجال فخير صفوفهن أولها، وشرها آخرها كالرجال، وعليهن إتمام الصفوف الأول فالأول، وسد الفرج، كالرجال، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/145) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/340)
الجمع بين حديث غربة الدين وبقاء الطائفة المنصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الجمع بين حديث (بدأ الإسلام غريبا) وحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا منافاة بينهما: فالأول ظاهر من الواقع. وتمامه: (فسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) وفي رواية لغير مسلم: (يحيون ما أمات الناس من سنتي) وفي رواية أخرى: (الذين يُصلحون ما أفسد الناس) .
والحديث الثاني يدل على بقاء الإصلاح والدعوة والعلم والتعليم، وفيه بشارة أن هنالك طائفة لا تزال ظاهرة على الحق، فالغربة لا تنافي الطائفة، ولا يلزم أن تكون بمكان واحد، والحق لا بد من بقائه حتى يخرج الدجال، وحتى تأتي الريح [التي تقبض أرواح المؤمنين قُبيل قيام الساعة] .
ثم إن هذه الغربة قد تزداد في مصر من الأمصار وتقل في مصر آخر، وقد تكون الغربة ذات معان متعددة: في كثرة البدع، أو إنكار صلاة الجماعة، أو عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظمها: غربة أهل التوحيد وظهور الشرك. نسأل الله العافية.
وقد يظهر الإسلام في ناحية ويكون فيها أحسن مما قبل، كما هو الواقع، وقد يكون في زمان أفضل من زمان آخر.
أما حديث: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) فهو محمول على الأغلب، فلا يمنع أن يكون في بعض الزمان أحسن مما قبله، كما جرى في زمان عمر بن عبد العزيز، فإن زمانه أحسن من زمان سليمان والوليد، وكما حصل في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من ظهور السنة والرد على المبتدعة، وكما جرى في الجزيرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/103) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/341)
الجمع بين حديث الجساسة وحديث: (أرأيتكم ليلتكم هذه ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في أشراط الساعة أن المسيح الدجال حي إلى خروجه من حديث تميم الداري، وأيضا حديث النبي رضي الله عنهما (أن كل من الأرض في عهده سيموتون خلال مائة سنة) ، واستدلوا بذلك أنه لا يوجد صحابي بعد سنة 110، سؤالي كيف يتم التوفيق بين الحديثين؟ ولماذا لم يمت المسيح الدجال؟ أعاذنا الله وإياكم من فتنته جميعا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث تميم الداري رواه مسلم في صحيحه، وقد سبق إيراده بنصه في جواب السؤال رقم (82643)
وهو يدل على أن الدجال حي موجود الآن، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سيظل محبوسا حتى يؤذن له في الخروج، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) رواه البخاري (116) ومسلم (2537) .
فهذا الحديث عام، وحديث تميم خاص، فيكون مستثنى من العموم، أو أن الدجال كان يومئذ في البحر، لا على الأرض، فلا يشمله حديث ابن عمر.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/397) في الجواب على من قال بحياة الخضر محتجا بأن العموم ليس نصا في الاستغراق، يعني العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) قال: " لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص، وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه به تميم الداري، وأنه أعجبه حديث تميم المذكور، لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه من خبر الدجال " ثم ذكر حديث تميم، ثم قال:
" فهذا نص صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الداري المذكور، وأنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان، وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة. والقاعدة المقررة في الأصول: أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه، فما أخرجه نص مخصِّص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدلّ على إخراجها دليل، كما قدمناه مراراً وهو الحق ومذهب الجمهور، وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض الأفراد بنص مخصِّص، ويبقي العام حجة في الباقي" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/342)
إطلاق لفظ الرب مقيدا على السيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: (أطعم ربك) ، وقول المولى جل وعلا في سورة يوسف عليه السلام: (أما الآخر فيسقي ربه خمرا) ، فكيف الجمع بين النصين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وردت في هذه المسألة بعض النصوص التي ظاهرها التعارض:
فقد جاء في السنة النبوية نهي عن استعمال لفظ العبودية أو الربوبية مضافا لغير الله تعالى:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلاَي. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي. وَلْيَقُلْ فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي) رواه البخاري (2552) ومسلم (2249) ، وزاد فيه: (ولا يقل أحدكم ربي) .
ولكن جاء في القرآن الكريم، وفي السنة الصحيحة أيضا، ما يدل على استعمال هذه الألفاظ مضافة لغير الله تعالى.
يقول الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، وقال سبحانه: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف/23، وقال عز وجل: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) يوسف/42.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام حين سأله عن أمارات الساعة: (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) رواه مسلم برقم (8) ، وأصله في البخاري برقم (50) .
وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل: (فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) رواه البخاري (91) ومسلم (1722) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) رواه البخاري (1412) ومسلم (157) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمولاه: (وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ) رواه البخاري (3059) .
ثانيا:
تعددت أجوبة العلماء على هذا التعارض:
1. فذهب بعضهم إلى أن الجواز كان في شرع من قبلنا، ولذلك استعملها النبي يوسف عليه السلام، أما في شرعنا فلا يجوز.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (9/250) : " فإن احتج محتج بقول يوسف عليه الصلاة والسلام: (إنه ربى أحسن مثواي) ، وقوله: (اذكرني عند ربك) ، فتلك شريعة وهذه أخرى، وتلك لغة وهذه أخرى، وقد كان هذا مباحا عندنا وفي شريعتنا حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (15/118) : " فإن قيل: لا ريب أن يوسف سمى السيد ربا في قوله: (اذكرني عند ربك) ، وقوله: (ارجع إلى ربك) ونحو ذلك، وهذا كان جائزا في شرعه، كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه وإخوته، وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدا، وإن كان هذا منسوخا في شرع محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
2. وذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص النهي بالذي يضيف اللفظ إلى نفسه، فيقول: عبدي، وأما إذا قال: هذا عبدك: فلا بأس.
قال ابن حزم رحمه الله: " لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه: هذا عبدي، ولا لمملوكته: هذه أَمَتي، لكن يقول: غلامي وفتاي ومملوكي ومملوكتي وخادمي وفتاتي.
ولا يجوز للعبد أن يقول: هذا ربي، أو مولاي، أو ربتي، ولا يقل أحد لمملوك: هذا ربك، ولا ربتك، لكن يقول: سيدي.
وجائز أن يقول المرء لآخر: هذا عبدك، وهذا عبد فلان، وأمة فلان، ومولى فلان؛ لأن النهى لم يرد إلا فيما ذكرنا فقط، وجائز أن يقول: هؤلاء عبيدك، وعبادك، وإماؤك " انتهى.
"المحلى" (9/249) .
3. النهي للكراهة وليس للتحريم.
وهو توجيه أكثر الشراح والفقهاء.
4. النهي هو عن اتخاذ ذلك عادة، وليس عن استعماله أحيانا.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (15/6) : " الجواب من وجهين:
أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه لا للتحريم.
والثاني: أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال، واختار القاضي هذا الجواب " انتهى.
وقال رحمه الله أيضاً: " قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي؛ لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية.
وأما حديث: (حتى يلقاها ربها) فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب الدار، ورب المال.
وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم: (اذكرني عند ربك) فعنه جوابان:
أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري: (وانظر إلى إلهك) طه /97، أي: الذي اتخذته إلها.
والجواب الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لن إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه " انتهى.
"الأذكار" (ص/363) .
وقال القرطبي رحمه الله:
" قال العلماء: قوله عليه السلام: (لا يقل أحدكم) ، (وليقل) : من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، ولأنه قد جاء عنه عليه السلام: (أن تلد الأمة ربها) أي: مالكها وسيدها، وهذا موافق للقرآن في إطلاق ذلك اللفظ، فكان محل النهي في هذا الباب ألا نتخذ هذه الأسماء عادة فنترك الأولى والأحسن.
وقد قيل: إن قول الرجل عبدي وأمتي يجمع معنيين:
أحدهما: أن العبودية بالحقيقة إنما هي لله تعالى، ففي قول الواحد من الناس لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إلى نفسه، وذلك غير جائز.
والثاني: أن المملوك يدخله من ذلك شيء في استصغاره بتلك التسمية، فيحمله ذلك على سوء الطاعة.
وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلام " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (9/195) .
وانظر جواب السؤال رقم (114749) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/343)
فوائد السواك الطبية في السنة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت وسمعت أن هناك فوائد عديدة من استخدام المسواك، مثلا علاج الصداع، منع فقدان الذاكرة، إلخ. أتساءل ما إذا مر بكم حديث لدعم هذا القول. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد الحث على السواك في السنة النبوية في أحاديث كثيرة، وجاء وصف أثر استعمال السواك بأنه (مطهرة للفم) ، يطهره من الأذى والخبث، ويطيب رائحته، ويمنع الفساد من التسارع إليه، فهي كلمة مطلقة، تثبت للسواك كل طهارة وحماية ووقاية.
يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد:
" إنها لمعجزة حقا من الرسول الأمي الأمين صلوات الله عليه، حين يقول: عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) رواه النسائي (حديث رقم/5) وعلقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم. وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/133) ، وحسنه النووي في "المجموع" (1/267) ، وفي زيادة في "المعجم الأوسط" للطبراني (7/278) (ومجلاة للبصر) ولكنها ضعيفة جدا، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (رقم/5276)
كيف لا يكون السواك مطهرة للفم والنبي الأمي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، علمه شديد القوى، أمرنا بالسواك، فوضع لنا الأسس لوقاية أسناننا وأفواهنا من الأمراض لتنظيفهما، وهذا ما يقوله الآن طب الأسنان الوقائي، وكما يقال " الوقاية خير من العلاج " لما توفر لنا من حياة مليئة بالسعادة والهناء.
وإن جميع الوسائل المتبعة لنظافة الفم والأسنان ذات قيمة كبيرة في الطب الوقائي، ومن هذه الوسائل المتبعة عود الأراك الذي ورد ذكره في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، وهذا العود يسمى " السواك " ...
يقول الأستاذ الدكتور محمد سعيد الجريدلي - رئيس قسم النسج المرضية للفم بجامعة القاهرة -:
" إن المسواك يفوق من الناحية الكيماوية والميكانيكية الفرشاة والمعجون بمرات عديدة "
وبعد أبحاث عدة وجد أن المواد التي بالسواك تقتل الجراثيم، فتشفي أفواهنا من الأمراض، فهو بمفرده يقوم مقامهما لما يحتويه من مواد عديدة تفوق ما تحويه المعاجين السنية، وكذلك ألياف طبيعية قوية لينة ناعمة ومتينة تعمل أحسن مما تقوم به ألياف الفرشاة، فلا تؤذي اللثة، كما أنها تزيل بكل فعالية ما يتبقى بأفواهنا ويعلق بأسناننا من فضلات الطعام، والتي تتسبب في أمراض وآفات الفم والأسنان، كما أنه لا يوجد حتى اليوم، وفي عالمنا المتحضر هذا معجون للأسنان يحتوي المواد التي يحويها السواك ... كذلك جاء في مجلة جمعية أطباء الأسنان الأمريكية أن أكثر المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية ليست طبية وصحية.
من هذا نرى أن أغلب المعاجين الموجودة بالسوق تجارية ورخيصة لا يقصد بها إلا الربح، وقد لا يستفيد منها الفم ولا اللثة مطلقا..أما المسواك فلقد وجد فيه – بعد أبحاث علمية – الكثير من المواد الفعالة التي يحملها بين أليافه من مطهرات، كالسنجرين، ومواد قابضة تقوي اللثة كالعفص، وزيوت عطرية حسنة النكهة تطيب بها رائجة الفم، وكلوريد الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم، وكلوريد البوتاسيوم، وإكسالات الجير، ومواد عديدة تجلي وتنظف الأسنان، كما أن بعض المواد التي بالمسواك تقتل الجراثيم، ففيهما عناصر ذات أثر وفعل يشبه فعل البنسلين.
إذن فالمسواك مطهرة للفم والأسنان حقا وصدقا، فصلوات الله عليك يا حبيب الله، ويا شفيع الخلق، يا رسولنا الأمين إلى يوم الدين، جئتنا بالقرآن المبين من عند رب العالمين، وأحكم الحاكمين، فصدقت فيما نطقت وقلت: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) " انتهى.
"السواك والعناية بالأسنان" (ص/9-14) .
وجاء في بحث للدكتور جيمس ترنر من كلية الطب بجامعة تينيسي الأمريكية والمنشور في مجلة (طب الفم والأسنان الاستوائية) : إن مسواك الأراك يحتوي على مواد مطهرة وقاتلة للميكروبات أهمها: الكبريت، ومادة (سيتوسيترول ب) كما يحتوي على الصوديوم.
ودلت الأبحاث والتجارب على أن السواك يحتوي على مادة مضادة لنزيف الدم، ومطهرة للثة، ومعقمة للجروح اللثوية. . . كما يحتوي في أليافه على كميات عديدة من الأملاح المعدنية، وشوارد الكالسيوم، والحديد، والفوسفات، والصوديوم.
ويحتوي السواك على نسبة من الفيتامين (C) ومعلوم عند العلماء أن المشاركة بين هذا الفيتامين والمضادات الحيوية يعد من أرفع مستويات التقنية الطبية كما يحتوي على مادة التانين التي تساعد على شد النسيج اللثوي المرتخي.
وانظر جواب السؤال رقم: (2577)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/344)
حديث من أصبح منكم آمنا في سربه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال: حسن غريب.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة: " وبالجملة، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم. انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318)
يقول المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث:
" قوله: (من أصبح منكم) أي: أيها المؤمنون. (آمناً) أي: غير خائف من عدو.
(في سِربه) أي: في نفسه، وقيل: السرب: الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله. وقيل بفتح السين أي: في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين أي: في بيته. كذا ذكره القاري عن بعض الشراح. وقال التوربشتي:
(معافى) اسم مفعول من باب المفاعلة، أي: صحيحاً سالماً من العلل والأسقام.
(في جسده) أي: بدنه ظاهراً وباطناً. (عنده قوت يومه) أي: كفاية قوته من وجه الحلال. (فكأنما حيزت) : بصيغة المجهول من الحيازة، وهي الجمع والضم. (له) الضمير عائد لـ (من) ، وزاد في " المشكاة ": " بحذافيرها ". قال القاري: أي: بتمامها، والحذافير الجوانب، وقيل الأعالي، واحدها: حذفار أو حذفور. والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (7/11)
وقال المناوي رحمه الله:
" يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره. قال نفطويه:
إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب
فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب
" انتهى. "فيض القدير" (6/88)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/345)
شرح معنى مائلات مميلات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث مائلات مميلات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دل عليه.
فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة. فالدولة إنما تطاع في المعروف، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله.
" عاريات " يعني من شكرها، لم يقمن بطاعة الله، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها، فلا يحصل بها المقصود، ولهذا قال: " عاريات "، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن.
" مائلات " يعني: عن العفة والاستقامة. أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة، أو يقصرن في أداء الفرائض، من الصلوات وغيرها.
" مميلات " يعني: مميلات لغيرهن، أي يدعين إلى الشر والفساد، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته، والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) ، قال بعض أهل العلم: إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة، والبخت نوع من الإبل لها سنامان، بينهما شيء من الانخفاض والميلان، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) فهذا وعيد شديد، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي، إذا متن على الإسلام، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 48، ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات، في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه، ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون، ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) الإسراء / 97، وقال تعالى: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) النبأ / 30، وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) البقرة / 167، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) المائدة / 36 – 37، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
نسأل الله العافية والسلامة من حالهم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 355(4/346)
حكم الشرب من فم الزجاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النهى عن الشرب من فم السقاء ينطبق على الشرب من فم الزجاجات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ) رواه البخاري (5628) و (5629) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.
و"السقاء" هو: الإناء الذي يوضع فيه الماء ويكون له فم يشرب منه، كالقربة.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله عدة علل لهذا النهي:
1- أن القربة لا يظهر ما بداخلها، فقد يكون بداخلها حشرة أو حية فتؤذيه، كما روي أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية.
وهذه العلة غير موجودة في الشرب من الزجاجات اليوم؛ لأن الغالب أن ما بداخلها ظاهر.
2- أن الذي يشرب من في السقاء قد يغلبه الماء، فينصب أكثر مما يحتاج إليه، فيشرق به أو تبتل ثيابه.
وهذه العلة موجودة فيمن يشرب من الزجاجات، كما تراه في كثير من الناس.
3- أن النهي عن ذلك حتى لا يصيب ريقه فم السقاء أو يختلط بالماء الموجود بداخله، أو يصيب نَفَسُه فم السقاء، فيتقذره غيره، وقد يكون ذلك سبباً لانتقال الأمراض.
وهذه العلة ـ أيضاً ـ موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولكنها فيمن يمس الزجاجة بفمه، أما إذا كان يَصُبُّ منها ولا يمسها بفمه فلا بأس.
وكذلك أيضاً: هي خاصة بما إذا كان سيشرب من هذه الزجاجة غيره، أما إذا كانت الزجاجة خاصة به، فلا بأس حينئذ من الشرب من فمها.
ولا يبعد أن يكون النهي عن الشرب من في السقاء من أجل هذه العلل كلها، كما قال ذلك ابن العربي وابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى.
وانظر: "فتح الباري" شرح الحديث رقم (5628) .
وبعض هذه العلل كما سبق، موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولذلك فينبغي أن لا يشرب من فمها، لاسيما إذا كان سيشرب من الزجاجة غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/347)
هل يلزم البقاء في مكان صلاة الفجر كي يدرك الفضيلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من صلى الفجر ثم بدل المكان الذى صلى فيه، وقعد يذكر الله، هل يجوز أم أن عليه أن يبقى في مكانه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3403) .
والذي يظهر أن هذا الثواب لا يشترط لحصوله بقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه، فما دام في المسجد يذكر الله تعالى فإنه يرجى له حصول هذا الثواب، ويدل على ذلك: إطلاق الحديث: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ، فلم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بقاءه في المكان الذي صلى فيه، فلو انتقل إلى مكان آخر داخل المسجد، وجلس يذكر الله تعالى، شمله الحديث، وقد نص على ذلك بعض أهل العلم.
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/56) :
" ورد في فضل من جلس في مصلاه بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحاديث متعددة.
وهل المراد بـ (مُصلاه) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ؟ هَذَا فِيهِ تردد.
وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء.
وفي رِوَايَة لَهُ: كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام.
ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه.
وخرجه الطبراني، وعنده: كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس.
ولفظة: (الذكر) غريبة.
وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم: وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم.
فهذا الحديث يدل على أن المراد بـ (مصلاه الذي يجلس فيه) : المسجد كله.
وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/348)
ما المقصود بـ " محارم الله "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما المقصود بمحارم الله، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) ؟ هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار؟ هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله؟ هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله؟ وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله؟ هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله) وقوله أيضا: (أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله) ؟ هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة؟ هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) المقصود به هم الأقارب فقط، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر؟ هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها، وهذا نجده في قول الله تعالى: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) ؟ هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات، وهذا نجده في قول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
محارم الله: هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر، كالنظر والاختلاط والتبرج المحرم، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة، ونقض ما أمر الله بالوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد:25.
وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2328) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
(مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/182) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ) .
صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3887) .
وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ!
فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ:
اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ) .
رواه أحمد (2/310) والترمذي (2305) والطبراني في "الأوسط" (7/125) وغيرهم من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة.
قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق، تفرد به جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله، ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من أهل العلم، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (4/540) : " لا يعرف " انتهى.
ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم، كالشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/930) ، غير أن جملة الشاهد وهي (اتق المحارم تكن أعبد الناس) لم يرد ما يشهد لها، والله أعلم بالصواب.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/161) :
" أي: احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس، أي: مِن أعبدهم، لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته، فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد، وقال الذهبي: هنا والله تسكب العبرات، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب فيقوم به، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير.
وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني ويكفي،
يقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229
ويقول عز وجل: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/14
على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس له علاقة بالأقارب أو الأهل، أو المسلم والكافر؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار إليها في هذه الأحاديث وأمثالها، والتي يقصد بها: ما حرمه الله على عباده، والمحارم في باب النكاح، كالأم والأخت ونحو ذلك؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/349)
حديث لا غيبة لفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في هذا الحديث: (لا غيبة لفاسق) ؟ فإذا صح فهل التحذير من صاحب العين (العائن) يعتبر غيبة له أو لا؟ ومن الذي يحذر منه ولا تعتبر في حقه غيبة أو نميمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الغيبة محرمة، شديدة التحريم؛ لقوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) الحجرات/11، ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره.
وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته، أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده ـ فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك. وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ًومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة.
وأما السؤال عن لفظ: (لا غيبة لفاسق) هل هو حديث أو لا؟ فقد قال الإمام أحمد: منكر، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل.
ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مُرَّ عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ومُرَّ عليه بأخرى فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت؟ فقال: (هذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، وهذه أثنيتم عليها خيراً فوجبت له الجنة، أنتم شهداء الله في أرضه) ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شراً التي علموا فسق صاحبها، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/19) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/350)
هل هذا الحديث مخالف لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ونصه: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) لأنني قرأت أن بعض الناس شكك فيه لأنه يعارض القرآن الكريم وآياته الداعية إلى إقامة المساواة والعدل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وله طرق كثيرة لا تخلو من مقال، ولكنه بمجموعها يكون حديثاً حسناً.
ومعنى الحديث: استحباب ترك مؤاخذه ذي الهيئة إذا وقع في زلة أو هفوة لم تعهد عنه إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته.
والمراد بـ (ذوي الهيئات) أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم، فوقعوا في ذنب وخطأ، ورد هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات، ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين، والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرق لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد. انتهى كلامه.
وبما تقدم ذكره يتبيّن أن معنى الحديث ليس معارضاً لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام وإنما فيه رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب الذي ليس فيه حد إذا صدر عمن لم يكن من عادته ذلك، لم يترتب على ترك تعزيره مفسدة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/18-20) .(4/351)
معنى المجثمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة فما المقصود بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن المجثمة، وذلك في الحديث الذي رواه الترمذي (1393) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (6857) .
والمقصود بالمجثمة قد بَيَّنه راوي الحديث فقال: (وهي التي تصبر بالنبل) .
أي: هي الحيوان الذي يمسك أو يقيد ويرمى بالنبل حتى يموت، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها لأنها ميتة، وليست مذبوحة ذبحاً شرعياً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/352)
حكم سفر الإنسان بمفرده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث، منها:
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رواه البخاري (2998)
وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها:
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ)
إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين:
أ - أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر. كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده. وهو وإن كان ثقة، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته.
ب - ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف رواية الأكثرين.
ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد. بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها، كما في "السلسلة الصحيحة" (60)
وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726)
وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا، ولا نام رجل في بيت وحده)
إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي، لأنه متهم بالكذب.
كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا يسافرن رجل وحده، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى.
صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130)
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده؟ قال: أحب إليَّ أن يتوقى ذلك. نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428)
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رواه الترمذي (1674) وقال حديث حسن. وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62)
وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه، من ضعف وهلكة ومشقة، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى، فإن الشيطان من الإثنين أبعد.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) :
" وترجم له ابن خزيمة: " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة "؛ لأن معنى قوله (شيطان) أي: عاص. وقال الطبري: " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف.
والحق أن الناس يتباينون في ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك، وقيل في تفسير قوله: (الراكب شيطان) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان، أو أشبه الشيطان في فعله، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى.
والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة، أما الطرق الآهلة، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل، ولا يعدم معينا ولا أنيسا، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه.
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :
" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد، مثل طريق القصيم الرياض، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة؛ لأن الناس يمرون به كثيراً، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) :
" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/353)
ما هو التنطع المذموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى التنطع في الإسلام؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا) رواه مسلم (2670)
وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة، تتوافق ولا تتعارض، وكلها تجتمع في معنى واحد، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني:
1- الغلو في العبادة والمعاملة، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة، ونهت عن التشدد في الدين، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد.
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :
" أي: المتعمقون، الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
2- الابتداع في الدين، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) -:
" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (هلك المتنطعون) ، وقال: (لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم، وأن يقوم قائما ولا يجلس، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه) رواه البخاري. وهذا باب واسع " انتهى.
3- التقعر في الكلام، والتشدق باللسان، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه، حيث لا معنى ولا مضمون، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره.
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ)
رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند.
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان)
قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :
" المُتَنَطِّعون: هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم. مأخوذ من النِّطَع، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى.
4- الخوض فيما لا يعني، والسؤال عما لا ينبغي، وتكلف البحث فيما لا يغني.
قال الخطابي:
" المتنطع: المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى. نقلا عن " عون المعبود " (12/235)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :
" المتنطع: هو المتعمق، البحاث عما لا يعنيه؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يوجب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات، فقبول العافية فيه، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :
" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك.
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض، ويحتاج إلي الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث: هلك المتنطعون.
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً، فنحن نقول لهؤلاء: إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية؛ فتجده يقول: يحتمل كذا ويحتمل كذا، حتى تضيع فائدة النص، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه. هذا غلط. خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان، ولأورد عليها كل شيء، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله.
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر، وهو في عافية من ذلك. أيضاً في الاغتسال من الجنابة، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه، وفي إدخال الماء في منخريه.
وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون)
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار.
ثانيا:
أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة، والمحافظة على حدود الله، وامتثال أوامره، فهذا من واجبات الدين، وسبيل دخول جنة رب العالمين، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة، والطعن في الأحكام الثابتة؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها، فكيف يكون التزامها، والتمسك بها، والعض عليها بالنواجذ تنطعا؟!!
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية –، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع!! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
أما ما لم تأت به النصوص، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة.
ثالثا:
أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة، والتقصير في الواجبات، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها، ولكن المراد بقوله (بين أمرين) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :
" قوله: (بين أمرين) أي: من أمور الدنيا، يدل عليه قوله: (ما لم يكن إثما) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها، وقوله: (ما لم يكن إثما) أي: ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم، فإنه حينئذ يختار الأشد. وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط: (إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/354)
حديث (إنَّ مِن إجلال الله ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ومعنى الحديث التالي: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مِن إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ ذي السلطان المُقسط) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يروي هذا الحديث الصحابي الجليل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)
رواه أبو داود (4843) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (رقم/358) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/565) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/434) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (2/245) وابن حجر في "تلخيص الحبير" (2/673) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود".
جاء في "عون المعبود بشرح سنن أبي داود" (13/132) :
" (إِنَّ مِن إجلالِ الله) أي: تبجيله وتعظيمه.
(إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام، بتوقيره في المجالس، والرفق به، والشفقة عليه، ونحو ذلك، كل هذا مِن كمالِ تعظيم الله، لحرمته عند الله.
(وحاملِ القرآن) أي: وإكرام حافِظِهِ، وسماه حاملا له لِما يَحمِل لمشاق كثيرة، تزيد على الأحمال الثقيلة، قاله العزيزي. وقال القارى: أي: وإكرام قارئه، وحافظه، ومفسره.
(غيرِ الغالي فيه) أي: في القرآن. والغلو: التشديد ومجاوزة الحد، يعني: غير المتجاوز الحد في العمل به، وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانية، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه، قاله العزيزي.
(والجافي عنه) أي: وغير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، وإحكام قراءته، وإتقان معانيه، والعمل بما فيه.
وقيل: الغلو: المبالغة في التجويد، أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى.
والجفاء: أن يتركه بعد ما علمه، لا سيما إذا كان نسيه، فإنه عُدَّ مِن الكبائر.
قال في النهاية: ومنه الحديث (اقرؤوا القران ولا تجفوا عنه) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته، وتشتغلوا بتفسيره وتأويله.
ولذا قيل: " اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل، واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم ".
وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال. كذا في "المرقاة شرح المشكاة".
(وإكرام ذي السلطان المُقسط) بضم الميم. أي: العادل " انتهى مِن "عون المعبود".
وانظر جواب السؤال رقم (33680) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/355)
حديث هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف رأيكم بشأن شرح الحديث رقم (990) في صحيح البخاري، الذى لَمْ يَدعُ فيه النبى صلى الله عليه وسلم لِنَجد، حيث قال: إن الفتنة والزلازل ونفير الشيطان سيخرجون من نجد. وقد سمعت بعض العلماء يشيرون إلى هذا الحديث عند الحديث عن علماء نجد، كالشيخ عبد الوهاب رحمه الله، كما يصح القول بأن كثيرا من زعماء الحركة السلفية ينحدرون من نجد. فما هو الشرح الصحيح لهذا الحديث الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث المقصود في السؤال جاء عن جماعة من الصحابة، ورواه عنهم جماعة كبيرة من التابعين، وأنقل واحدا من هذه الأحاديث، فهي متقاربة في اللفظ والمعنى:
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري (1037) ومسلم (20905) ، واللفظ للبخاري.
ثم الكلام على هذا الحديث في مسائل:
المسألة الأولى:
من المعلوم لدى أهل العلم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض، لا يعني ذلك أبدا تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان، أو لأولئك القوم، على غيرهم من البشر، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن، وذكر ما فيها من الشر، فلا يعني ذلك – بأي حال من الأحوال – ذم وانتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان.
والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم (2564)
فميزان الصلاح والفساد هو القلب والعمل، وليس القبيلة أو العرق أو الجنس أو اللون، وهذا التقرير متفق عليه بين أهل العلم.
روى مالك في "الموطأ" (1459) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة – يعني بلاد الشام -، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ " انتهى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (27/45-47) :
" وهو كما قال سلمان الفارسى، فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع، وقد كانت فى غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها، وقد كانت الشام فى زمن موسى عليه السلام قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين، وفيها قال تعالى لبنى إسرائيل: (سأريكم دار الفاسقين)
فإن كون الأرض دار كفر أو دار السلام أو إيمان، أو دار سلم أو حرب، أو دار طاعة أو معصية، أو دار المؤمنين أو الفاسقين، أوصافٌ عارضةٌ لا لازمة، فقد تنتقل من وصف إلى وصف، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم، وكذلك بالعكس.
وأما الفضيلة الدائمة فى كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) الآية. وقال تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) الآية. وقال تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم)
فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة فى فضل أهلها مطلقا، بل يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ولكن العبرة بفضل الإنسان فى إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب.
وإذا فضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد: كتفضيل القرن الثاني على الثالث، وتفضيل العرب على ما سواهم، وتفضيل قريش على ما سواهم، فهذا هذا والله أعلم " انتهى.
المسألة الثانية:
وعليه فلا يجوز أن يفهم الحديث السابق على أنه ذم لجميع أهل نجد عبر التاريخ، بل وليس فيه ذم (نجد) مطلقا، وإنما ورد الذم والتنفير عنها مقيدا بوجود الفتن والشرور، ولا يلزم أن يكون ذلك في جميع القرون مُطَّرِدًا، بل قد يكون في عصر من العصور منارة علم وهدى وفضل وخير.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "مجموعة الرسائل والمسائل" (4/265) :
" وعلى كل حال؛ فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل، وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس " انتهى.
المسألة الثالثة:
ليس في لفظ الحديث ذم لأهل (نجد) وساكنيها، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج منها، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا.
فقد جاء في السنة النبوية ذكر وقوع الفتن في المدينة المنورة، كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) رواه البخاري (1878) ومسلم (2885)
ولا يجوز أن يفهم من ذلك أي ذم لأهل المدينة المنورة.
يقول الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في كتابه "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" (ص/500) :
" وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه، لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين، وهذا لا يقول به أحد، على أن مكة والمدينة كانتا في زَمَنٍ موضع الشرك والكفر، وأي فتنة أكبر منهما، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة، فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا؟ وإنما مناطُ ذم شخصٍ معينٍ كونُه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع " انتهى.
فالمقصود من الحديث هو ذكر ما سيقع في منطقة (نجد) من الفتن والبلايا العظيمة في مرحلة من التاريخ، وأنها ستكون كالزلازل التي تطال كل من فيها، وسيكون كثير من أهل تلك البلاد ضحايا الفتنة، ولا يعني أن جميع أهلها هم من يُثيرُها ويقومُ عليها، ومَن فهم ذلك من الحديث فقد أساء وظلم.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (5/305) :
" وجهلوا أيضاً أنَّ كونَ الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه , والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر , وفي العراق من عالم وصالح , وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلي الشام: أما بعد , فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً , وإنما يقدس الإنسان بعمله " انتهى.
المسألة الرابعة:
فسر العلماء المتقدمون هذا الحديث، وقالوا المقصود بالفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي فتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، والشر الذي يأتي به، وما يلحقه من المتنبئين الكذابين.
يقول الحافظ ابن حبان رحمه الله كما في "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" (15/24) بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول: إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)
قال أبو حاتم رحمه الله: " مشرق المدينة هو البحرين، ومسيلمة منها، وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام " انتهى.
كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في (العراق) ، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز، وفي العراق (نجد) أيضا، فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث:
فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: (يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) رواه مسلم (2905)
فالحديث يشمل كل (نجد) : أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (27/41-42) :
" هذه لغة أهل المدينة النبوية فى ذاك الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/47) :
" كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة.
وقال الخطابي: (نجد) من جهة المشرق، ومَن كان بالمدينة كان نَجدُهُ باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة. انتهى كلام الخطابي.
وعُرف بهذا وهاء ما قاله الداودي: أن (نجدا) من ناحية العراق، فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا، والمنخفض غورا " انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق في "غاية الأماني" (2/148) :
" ولا بدع، فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به ... إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في علي وسائر الأئمة ومسبة أكابر الصحابة..كل هذا معروف مستفيض " انتهى باختصار.
وللشيخ "حكيم محمد أشرف سندهو" رحمه الله، رسالة في بيان ما ذكرناه بعنوان: " أكمل البيان في شرح حديث: نجد قرن الشيطان "، وهي مطبوعة، قال الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي في تقدمته لها ـ ص (8) ـ:
" والموضع الذي يُعَيَّن من قِبَل أهل الجهل والضلالة اليوم [يعني: نجد المعروف في السعودية]
لم يقله أحد من السلف ولا من الخلف، إلا بعد ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، التجديدية للدين الحنيف، إلا هؤلاء الذين لم يفهموا هذه العقيدة الصحيحة، أو يتجاهلون عنها، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يدلهم على تلك الفتن العظيمة التي ظهرت ظهورا واضحا بينا في ذلك النجد الحقيقي ... " انتهى.
المسألة الخامسة:
ويخطئ كثير من الناس حين يظنون أن المقصود بـ (قرن الشيطان) شخص معين، إذ المقصود هو مطلع الشمس وما يعتريها عند الشروق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهَا – يعني الشمس - تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) رواه البخاري (3273) ومسلم (612)
ودليل ذلك ما في رواية البخاري (7092) : قال صلى الله عليه وسلم: (الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ: قَرْنُ الشَّمْسِ) والشك من الراوي.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/46) :
" وأما قوله: " قرن الشمس " فقال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان، وما يستعين به على الإضلال، وهذا أوجه، وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه " انتهى.
المسألة السابعة:
فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته التجديدية؟!!
وبأي برهان يُعَيِّنُ بعضُ الحاقدين - من غلاة المتصوفة ومن الرافضة - مقصودَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذم في واحد من أشهر علماء المسلمين، وأشهر دعاة الإصلاح في القرون المتأخرة، والذي تحمل دعوة التوحيد علما وعملا ودعوة، وعَدَّهُ أهلُ العلم مجدِّدَ ذلك القرن؟!!
أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية، بالهوى والتشهي!
وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية؟!!
وانظر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للفائدة: جوابَ السؤال رقم (36616)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/356)
هل حرّم الإسلام كنز المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم حرم الإسلام كنز الأموال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسلام لم يحرم كنز المال مطلقا، وإنما ورد التحريم والوعيد الشديد على صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته، وأما إن أدى الزكاة، فليس بصاحب كنز مذموم.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة/34.
وروى أبو داود (1564) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى البخاري (1404) عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ.
وروى مالك في الموطأ (595) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية التوبة: " وأما الكنز
فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: هو المال الذي لا يؤدى زكاته. وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز، وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وقال عمر بن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض " انتهى
فتبين بهذا أن الكنز المذموم هو الذي لا تؤدى زكاته، وأما ما كان دون النصاب، أو بلغ النصاب وأديت زكاته فليس بكنز.
وبهذا يتبيّن أن الإسلام لم يحرم كنز المال وإنما حرّم عدم إيتاء الزكاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/357)
النمرود وأصحاب الأخدود
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي كتب الحديث ورد شرح لقصة قتل النمرود للطفل خلال أيام حضرة إبراهيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النمرود ملك بابل، وهو ملك كافر، وقد جرى له مع إبراهيم عليه السلام، ما ذكره الله بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة / 258
ولم يرد في شأنه قصة مع طفل أو غلام من وجه ثابت فيما نعلم.
وإن كنت تسأل عن قصة الغلام المؤمن مع الملك الكافر، وما جرى فيها من قتل الغلام، وإيمان الناس بالله، واحتمالهم الأذى في سبيل ذلك. وهي قصة أصحاب الأخدود، فقد رواها مسلم (3005) من حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
" كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ فَجِيءَ بِالْغُلامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَق".
وقولك في سؤالك: (حضرة إبراهيم) تعبير حادث الأولى اجتنابه، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم شعار اختصوا به، وهو (الصلاة والسلام عليم) ، وقد انعقد الإجماع على ذلك، كما نقله ابن القيم في (جلاء الأفهام) عن الإمام النووي رحمهما الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/358)
ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء:
منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة:
العقوبات في الدنيا:
1- يمحق الله البركة في عمره
2- لا يستجيب الله لدعائه
3- تذهب من وجهه علامات الصلاح
4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض
5- لا يثيبه الله على عمله الصالح
6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين
العقوبات أثناء الموت:
1- يموت ذليلاً
2- يموت جوعاناً
3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر
العقوبات في القبر:
1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه
2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر
3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً.
العقوبات يوم القيامة:
1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه
2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه
3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر ... ": حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " (22 / 329) : أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما.
وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث كما في " فتاوى اللجنة " (4 / 468) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة:
( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء / 103، وقال تعالى عن أهل النار: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43، فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) والنسائي (431) ، وابن ماجه (1079) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً.
راجع سؤال (2182)
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه.
" فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " (1 / 6) .
نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف.
سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/359)
ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مساعدتي في معرفة الصواب، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال، وموقعكم يقول إنه حرام، فما هو الصواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولاً:
الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة، فمن ذلك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي.
3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى.
ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث.
قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) :
" لأنه إجماع الصحابة: روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى.
وجاء في "المغني" (7/32) :
" ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم: منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر "
وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بشيء من التفصيل، فانظر إجابات الأسئلة: (1103) ، (52803) .
ثانياً:
يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها، ويفهمون من قول الله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء، حتى الوطء في الدبر، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه – ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه: عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وهذا فهم خاطئ للآية، فإن قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة، إذا كانت في موضع الحرث: وهو الفرج، وليس الدبر، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث، وليس الدبر.
ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها: (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ) .
(مُجَبِّيَةً) : أي: منكبة على وجهها، كهيئة السجود.
(في صمام واحد) : هو القبل.
وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) .
وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) :
" وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (من حيث أمركم الله)
الوجه الثاني: أنه قال: (أنى شئتم) أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف. ال ابن عباس: (فأتوا حرثكم) يعني: الفرج " انتهى بتصرف.
ثالثاً:
ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يأتيها في. . .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) :
" هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى.
ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال: يأتيها في دبرها.
وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين:
الأول:
أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها، بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال: أو يفعل ذلك مسلم؟!
قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) :
" فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر،وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى.
الجواب الثاني:
أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية، وقد دلت السنة، وأقوال سائر الصحابة، أنه اجتهاد مجانب للصواب، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ -، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي. حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ.
وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر، فلعله رجع إلى الصواب، بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه، ويقول: أو يفعل ذلك مسلم!!
والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل، وليس فيها شيء يدل على جوازه، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/360)
حديث تميم الداري عن المسيح الدجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حقيقة أن جماعة من المسلمين كانوا على سفر، فالتقوا برجل سألهم عن الزمان وعن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فرجع وقال إن هذا ليس زمن خروجه، فقيل إنه الدجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القصة التي ذكرتها جاءت في حديث مشهور، يعرف بـ (حديث الجسّاسة) ، وهو حديث عظيم، فيه علم من أعلام النبوة، فأترك لك فرصة الاستفادة والاستمتاع بقراءته.
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت:
(سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُنَادِي (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ «لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ» . ثُمَّ قَالَ «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ» ؟
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:
«إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا (أي: التجؤوا) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ (وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع قوارب والواحد قارب) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (أي: غليظ الشعر) كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ (قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال) . قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا (أي خفنا) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ (أي هاج) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؟ قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ (وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام) قَالُوا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ -: «هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ» . يَعْنِى الْمَدِينَةَ «أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟» . فَقَالَ النَّاسُ:نَعَمْ.
«فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ» (قال القاضي: لفظة (ما هو) زائدة، صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)
رواه مسلم في صحيحه برقم (2942) ، فهو حديث صحيح، رواه أهل العلم في كتبهم، من طريقين عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وقال الترمذي رحمه الله "الجامع الصحيح" (2253) : " هذا حديث صحيح غريب " انتهى. وقال ابن عبد البر "الاستذكار" (7/338) : " ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل " انتهى.
وللاستزادة انظر الأرقام التالية (8301) (8806) (32665)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/361)
هل يأتي فيمن بعد الصحابة من هو أكثر منهم أجرا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الموازنة بين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) والحديث الذي يقول فيه: إن لنا خمسين مثلا من الأجر الذي لهم، لأننا لم نره ولكننا صدقنا به بالغيب والأحاديث ووجود الأجيال المتتابعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما الحديث الأول فهو حديث متفق على صحته بين أهل العلم، رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)
وأما الحديث الثاني فقد جاء بسياقات متقاربة عن ثمانية من الصحابة، هم أبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن مسعود وأبو أمامة وعتبة بن غزوان وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، ومحل الشاهد الذي ذكره السائل هو قدر مشترك بين هذه السياقات، ولفظه من حديث أبي ثعلبة عند الترمذي (3058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)
وقد تبين بعد البحث أن في جميع طرق الحديث وشواهده ما يضعفه عن الاحتجاج به، ولا يسلم منها طريق من مطعن، إلا أن بعض أهل العلم ذهب إلى تحسين الحديث لكثرة طرقه وشواهده، فقد قال الترمذي في حديث أبي ثعلبة هذا: حديث حسن غريب. وصححه أيضا بمجموع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (494)
ثانيا:
على القول بتصحيح الحديث الثاني يبدو أن فيه معارضة للحديث الأول، فإن مقتضى الأول أن الأجر الذي يكتبه الله لعمل الصحابة السابقين أعظم من أجر العمل نفسه إذا قام به مَن بعدهم، والحديث الثاني فيه أن أجر مَن بعد الصحابة في زمن الفتنة والشدة أكثر من أجر الصحابة؟
وقد سلك أهل العلم في التوفيق بين هذين الحديثين وحل هذا التعارض الظاهري مسلكين اثنين:
الأول: قالوا بأن جميع أعمال السابقين من الصحابة أكثر أجورا وأعظم ثوابا إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المتأخرين من المسلمين من الذين يعيشون زمان الغربة لهم عليه من الأجور ما يفوق أجر الصحابة عليه، لأنهم لا يجدون على الحق أعوانا.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام:
" الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أي مد الحنطة.
والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها.
وكذلك الجهاد بالنفوس، لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين، لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته.
وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين، وكثرة المنكر فيهم، كالمنكر على السلطان الجائر، ولذلك قال عليه السلام: (يكون القابض كالقابض على الجمر) لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر، فعلى هذا يُنَزَّل الحديث " انتهى. نقلا عن "عون المعبود" (11/333)
فهذا المسلك يخصص نوع العمل، فيجعل جميع أعمال الصحابة فاضلة في أجورها على من بعدهم إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المسلك الثاني: أن أعمال الصحابة أجرها أعظم وثوابها أكبر من أعمال من بعدهم، إلا في أيام الفتنة وغربة الدين، فإن أعمال من بعدهم أفضل من أعمال الصحابة في زمن الطمأنينة وانتشار الإسلام، فالتخصيص هنا في زمان العمل وليس في أنواع العمل.
يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (89/368) :
" أعمال الصحابة فاضلة مطلقا من غير تقييد لحالة مخصوصة، كما يدل عليه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد) الحديث. إلا أن هذه المزية للسابقين منهم.
وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يَرِد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدِّين، حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة، فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة، فأعمال الصحابة فاضلة، وأعمال من بعدهم مفضولة، إلا في مثل تلك الحالة " انتهى.
ثالثا:
وعلى جميع الأحوال فإن أحدا من أهل العلم لم يقل بأن مِن المتأخرين مِن المسلمين مَن يفوق السابقين مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر وأحد وبيعة الرضوان، وليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل غاية ما فيه – إن سلَّمنا بصحته – أنَّ أجورَ بعض الأعمال في زمن الفتنة والغربة تضاعف لهم على أجور من لم يدرك غربة الإسلام الأولى من الصحابة رضي الله عنهم.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (7/7) :
" على أن حديث (للعامل منهم أجر خمسين منكم) لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد " انتهى.
فالفضل والقدر والمنزلة الأعلى ثابتة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أكرمهم الله بمشاهدة ومصاحبة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الفضل لن يدركه بحال أحد ممن جاء بعدهم، وزيادة أجور مَن بعدهم في بعض الأعمال أو الأحوال لا يلزم منه أبدا التقدم عليهم في الفضل والمنزلة، خاصة وأن أجور مَن بعد الصحابة تؤول في محصَّلها إلى موازين حسنات الصحابة الذين نقلوا لنا الدين والشريعة، وحملوا لنا هذا الفضل العظيم، فبلغوا الأمانة على وجهها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) رواه مسلم (1893)
وقد سبق تفصيل ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم (3374)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/362)
معنى حديث (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ) ؛ وكيف أكون في ذمة الله؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) .
قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان " انتهى.
قال الطيبي رحمه الله: " وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده. " شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184) .
وفي المراد بالحديث قولان للعلماء:
الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) :
" في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى.
ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره:
عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ) !!
والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها.
قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما) .
بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها.
ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923) .
واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: " (من صلى الصبح) في جماعة ". انتهى.
وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550) : " أي: جماعة، كما في رواية أخرى ".
ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... ) قال الهيثمي رحمه الله (2/29) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: "ورجال إسناده رجال الصحيح "، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461) .
تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة.
وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة.
وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن.
وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة "، هكذا بإطلاق المصلي.
ثالثا:الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة (8918) (49947) (72398)
وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة:
فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة.
وفي تفسير قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة.
انظر "زاد المسير" (6/339)
وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) .
وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. "الاستذكار" (2/147)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/363)
حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت، فما حكم من ينتحر؟ وما حالته عند ربه؟ وماذا يفعل والداها ليخففا عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الانتحار من كبائر الذنوب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113)
وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم (978) .
قال النووي:
" المَشاقص: سهام عراض.
وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 47) .
ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، فلا تتهاونوا بالدعاء لها، وأخلصوا فيه، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/364)
هل يمكن للبشر رؤية الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم يقظة عياناً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا قد قمنا بمسيرة احتجاجية كبيرة بالعاصمة لمساندة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، بعد انتهاء المسيرة سمعت بعض الإخوان والأخوات يتحدثون أنهم رأوا سيدنا جبريل نازلاً من السماء وكذلك رأوا سيدنا محمد (ص) والكثير من الملائكة يرافقونهم، تأييداً لهذه المسيرة، فهل هذه المشاهدات قد تكون حقيقية ويجب علينا تصديقها وإلا سوف نعاقب بسوء الظن في إخواننا المسلمين؟ بالنسبة لي لم أستطع التصديق علما أن أهل بدر والصحابة الأجلاء العشرة المبشرين بالجنة لم يروا الملائكة الكرام بالعين المجردة ولا رأوا سيدنا جبريل! فهل نستطيع أن نقول إن هذا وهَم المشاهدة؟ أي: تخيل رؤية الشيء حتى يصبح حقيقة يصدقه العقل وتراه العين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم (11469) بيان حكم المظاهرات فلينظر.
ثانياً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة.
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر.
ثالثاً:
الملائكة خلقت من نور – كما رواه مسلم (2996) - ولا يمكن لأحدٍ أن يدَّعي أنه رآها على صورتها الحقيقية إلا أن يكون نبيّاً يُصدَّق قوله، وأما أن يراهم متشكلين على هيئات أحدٍ من البشر فيمكن هذا لعامة الناس وخاصتهم، وقد جاء في السنَّة النبوية من ذلك كثير، سواء في هذه الأمة أم في الأمم التي قبلها.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف أطاقه هؤلاء - هذا إن سلَّمنا أنهم رأوه أصلاً -؟!
قال الشيخ عمر الأشقر:
ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر.
" عالَم الملائكة الأبرار " (ص 11) .
وقال أيضاً – في سياق إثبات بشرية الرسل والرد على من اقترح أن يكونوا من الملائكة -:
الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك.
فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسميَّة والنفسيَّة عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يومَ يروْنَ الملائكةَ لا بُشرى يومئذٍ للمُجرمين) الفرقان/22، ذلك أنَّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدّر أنّهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم.
فكان إرسال الرسل من البشر ضروريّاً كي يتمكنوا من مخاطبتهم، والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك (ومَا مَنَعَ النَّاس أنْ يؤمنوا إذ جاءَهُم الهُدى إلاّ أنْ قالوا أبَعَثَ اللهُ بشراً رسُولاً. قُلْ لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنينَ لنزّلنا عليهم من السّماء ملكاً رسُولاً) الإسراء/94، 95، أما وأن الذين يسكنون الأرض بشر فرحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسُولاً من أنفسِهِم) آل عمران/164.
وإذا كان البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة فيقتضي هذا - لو شاء الله أن يرسل مَلكا رسولا إلى البشر - أن يجعله رجلا (ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لجعلناهُ رَجُلاً ولَلَبسْنا عليهم ما يلبِسون) الأنعام/9.
والتباس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، بل إرسالهم من الملائكة على هذا النحو لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم.
" الرسل والرسالات " (72، 73) .
رابعاً:
وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فهو من أقوال المخرفين من الصوفية، ولا أصل له في الشرع ولا في واقع الحال، وقد وقعت للصحابة رضي الله عنهم أمورٌ عظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أمس الحاجة لوجوده بينهم، فَلِمَ لمْ يظهر لهم؟ ولم يروه وهو أحب الناس إليهم، وهم أحب الناس إليه؟!
وأما استدلال بعضهم بالحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة: فليس فيه ما يدل على ما قالوه، بل هذا فيه البشرى لمن رآه في المنام أن يراه في الجنة، وليس المعنى أنه يراه يقظة في الدنيا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة.
" فتح الباري " (12 / 384) .
وقال النووي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) : فيه أقوال:
أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.
وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك.
" شرح مسلم " (15 / 26) .
ولا يتعارض ما ذكره النووي في القول الأول مع ما أنكره الحافظ ابن حجر؛ لأن النووي ذكر أنه يراد به أهل عصره صلى الله عليه وسلم، وما أنكره الحافظ إنما هو لمن زعم الرؤية حقيقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو العباس القرطبي – ردّاً على من قال برؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة -:
وهذا يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.
نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 384) .
وأيضاً لو كان صحيحاً أن أحداً يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لكان عداده في الصحابة ولاستمرت الصحبة إلى يوم القيامة.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة " أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك "! ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله:
" وهذا مشكل جدّاً، ولو حمل على ظاهره: لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكِّر عليه أن جمعاً جمّاً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
" فتح الباري " (12 / 385) .
وفي رد علماء اللجنة الدائمة على عقيدة التيجاني قالوا:
ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة/3، فلا شك أن ما زعمه أحمد التيجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عيَّن له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 325، 326) .
وقالوا أيضاً:
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: " فقد رآني " الحديث، وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 486، 487) .
وخلاصة ما سبق:
أنه لا يجوز لأحدٍ – بعد الأنبياء - أن يدَّعي رؤية الملائكة؛ فهم أجسام نورانية لم يجعل الله تعالى في مقدور البشر رؤيتهم إلا إن تشكلوا.
ولا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولعل هذه الأوهام والخيالات كانت من بعض مَنْ ليس عنده علم شرعي ولا عقل ناضج فراح يتخيل ويتصور وجود ما لا حقيقة له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/365)
ما ثياب الكفار التي نهينا عن لبسها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يميزون أنفسهم عن الكفار في اللباس؟ هل كان كفار مكة يلبسون هم أيضا الثوب الطويل (الذي يعرف اليوم بالجلابية) ؟ وبناء على ذلك هل يعتبر الثوب الواسع من الملابس اللائقة إسلاميّا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللباس من نعم الله تعالى على عباده، فهي تستر العورة وتقي الحر والبرد، وقد امتن الله به عليهم فقال: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف/26، وقال: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) النحل/81.
والأصل في اللباس الإباحة، فللمسلم أن يلبس ما يشاء مما يصنعه هو أو يصنعه له غيره من المسلمين وغيرهم، وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم في مكة وفي غيرها، فلم يكن من يُسلم منهم يلبس لباساً خاصّاً به، وكان النبي صلى الله صلى الله عليه يبلس الجبة الشامية والحلة اليمنية، ولم يكن أهل صناعتهما من المسلمين، فالعبرة بموافقة اللباس للشروط الشرعية، وتجد في جواب السؤال رقم (36891) ملخصاً لأحكام اللباس بالنسبة للرجال، فلينظر.
وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار عموماً – في اللباس وغيره -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/342) والألباني في "إرواء الغليل" (5/109) .
ونهانا نهياً خاصاً عن: التشبه بهم في اللباس، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم (2077) .
وروى مسلم (2069) عن عمر رضي الله عنه أنه كتب للمسلمين في أذربيجان: (إياكم والتنعم وزي أهل الشرك) رواه مسلم (2069) .
وثياب الكفار التي يحرم على المسلمين لبسها هي ما يختص بلبسه الكفار , فلا يلبسها غيرهم , أما ما يلبسه الكفار والمسلمون , فلا حرج في لبسه ولا كراهية فيه، لأنه ليس خاصاً بالكفار.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن المشابهة بالكفار المنهي عنها فأجابوا:
" المراد بمشابهة الكفار المنهي عنها: مشابهتهم فيما اختصوا به من العادات، وما ابتدعوه في الدين من عقائد وعبادات، كمشابهتهم في حلق اللحية ... .
أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس، فالأصل في أنواع اللباس الإباحة، لأنَّهُ من أمور العادات، قال تعالى: (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الآية، ويستثنى من ذلك ما دلَّ الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال، والذي يصف العورة لكونه شفافاً يُرى من ورائه لون الجلد، أو ككونه ضيقاً يحدد العورة، لأنه حينئذ في حكم كشفها , وكشفها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وكلبس الرجال ملابس النساء , ولبس النساء ملابس الرجال , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال.
وليس اللباس المسمى بالبنطلون مما يختصُّ بالكفار، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الإلف ومخالفة عادة سكانها في اللباس، وإن كان ذلك موافقاً لعادة غيرهم من المسلمين، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألاَّ يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 307 - 309) .
وقالوا أيضاً:
" يجب على المسلمين والمسلمات أن يحرصوا على الأخلاق الإسلامية، وأن يسيروا على منهج الإسلام في أفراحهم وأتراحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع شؤونهم.
ولا يجوز لهم أن يتشبَّهوا بالكفار في لباسهم بأن يلبسوا الملابس الضيقة التي تحدِّد العورة، أو الملابس الشفافة الرقيقة التي تشف عن العورة ولا تسترها، أو الملابس القصيرة التي لا تغطي الصدر أو الذراعين أو الرقبة أو الرأس أو الوجه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 306، 307) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مقياس التشبُّه بالكفار؟
فأجاب:
" مقياس التشبه: أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به، فالتشبُّه بالكفار أن يفعلَ المسلم شيئاً من خصائصهم.
أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبُّهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنَّه تشبّه إلاَّ أن يكون محرَّماً من جهة أخرى.
وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة، وقد صرَّح بمثله صاحب "فتح الباري" حيث قال (10/272) : " وقد كره بعض السلف لبس البرنس؛ لنَّهُ كان من لباسِ الرهبانِ، وقد سئل مالكٌ عنه فقال: لا بأس به، قيل: فإنَّهُ من لبوس النصارى، قال: كان يلبس ههنا " انتهى. قلت: لو استدلَّ مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ... ) لكان أولى.
وفي "الفتح" أيضاً (10/307) : " وإن قلنا النهي عنها (أي: عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبُّه بالأعاجم: فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة، والله أعلم " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / 290) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها؛ لأن الأصل الطهارة؛ فلا تزول بالشك، ويباح ما نسجوه أو صبغوه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه " انتهى.
" الملخص الفقهي " (1 / 20) .
وخلاصة الجواب: أنه يحرم على المسلم أن يتشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من اللباس وغيره , أما ما لا يختص به الكفار فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/366)
معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها - عند جمهور العلماء -: من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، وذهب آخرون – ومنهم أبو العالية من المتقدمين، وابن القيم من المتأخرين، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هو الثناء عليه في الملأ الأعلى، ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، وقد ألَّف ابن القيم – رحمه الله – كتاباً في هذه المسألة، سمّاه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وقد توسع في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحكامها، وفوائدها، فلينظره من أراد التوسع.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" قوله: " صلِّ على محمد " قيل: إنَّ الصَّلاةَ مِن الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء.
فإذا قيل: صَلَّتْ عليه الملائكة، يعني: استغفرت له.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الخطيبُ، يعني: دعا له بالصلاة.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الله، يعني: رحمه.
وهذا مشهورٌ بين أهل العلم، لكن الصحيح خِلاف ذلك، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن، واختلفوا: هل يُصلَّى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه.
وأيضاً: فقد قال الله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة157، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع: أن الصَّلاة ليست هي الرحمة.
وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي: أثنِ عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقرَّبين.
فإذا قال قائل: هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء: فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة.
وعلى هذا فالقول الرَّاجح: أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى.
" الشرح الممتع " (3 / 163، 164) .
ثانياً:
وأما معنى " السلام عليه صلى الله عليه وسلم ": فهو الدعاء بسلامة بدنه – في حال حياته -، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم، وسلامة بدنه في قبره، وسلامته يوم القيامة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
قوله: " السلام عليك ": " السَّلام " قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ " كما قال الله تعالى في كتابه: (الملك القدوس السلام) الحشر/23، وبناءً على هذا القول يكون المعنى: أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك.
وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة.
إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ "، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته.
إذاً؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف.
ونقول - أيضاً -: قد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى: (فردوه إلى الله والرسول) النساء/59، قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته.
وقوله: " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟
الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء.
ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟ .
الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه.
ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره " انتهى.
" الشرح الممتع " (3 / 149، 150) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/367)
قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومعناها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث بخصوص تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر صحيح؟ فقد سمعت الكثير حول الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا، ولم يُنكره إلا المبتدعة، وفيما يلي نص الحديث، وتخريجه، ومعناه، ورد العلماء على من أنكره.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189) .
مطبوب: مسحور.
(مُشط) : آلة تسريح الشعر.
(مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر.
(وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال المازري: أنكر المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها , قالوا: وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل , وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ (هناك) , وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء , قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ , والمعجزات شاهدات بتصديقه , فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض , فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.
قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن , وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.
قلت – أي: ابن حجر -: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري، ولفظه: (حتى كان يرى (أي: يظن) أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي: (أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) .
قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ... .
وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده , ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه , فكذلك السحر، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ , بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام , أو عجز عن بعض الفعل , أو حدوث تخيل لا يستمر , بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين " انتهى.
"فتح الباري" (10/226، 227) باختصار.
وقال ابن القيم رحمه الله:
" هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به:
قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر) قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يَقدح في نبوته.
وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله: فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى.
"زاد المعاد" (4/124) .
وبعد، فقد تبيَّن صحة الحديث، وعدم تنقصه من منصب النبوة، والله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده، ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل، وهو في أمرٍ دنيوي بحت، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة، وفيما سبق من كلام أهل العلم كفاية، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "فتح الباري" و "زاد المعاد".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/368)
ما هي التلبينة؟ وكيف يتم العلاج بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي عن طريقة العلاج بالتلبينة الواردة بالطب النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد ذِكر " التلبينة " في أحاديث صحيحة، منها:
أ. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5101) ومسلم (2216) .
ب. وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5365) ومسلم (2216) .
قال النووي:
" (مَجَمَّةٌ) وَيُقَال: (مُجِمَّةٌ) أَيْ: تُرِيح فُؤَاده , وَتُزِيل عَنْهُ الْهَمّ , وَتُنَشِّطهُ " انتهى.
وواضح من الحديثين أنه يعالج بها المريض، وتخفف عن المحزون حزنه، وتنشط القلب وتريحه.
والتلبينة: حساء يُعمل من ملعقتين من مطحون الشعير بنخالته، ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق.
وبعض الناس يضيف عليها ملعقة عسل.
وسمِّيت " تلبينة " تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها.
قال ابن القيم:
" وإذا شئتَ أن تعرف فضل التلبينة: فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم؛ فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً، والتلبينة تطبخ منه مطحوناً، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلاً، وأعظم جلاءً.... " انتهى.
" زاد المعاد " (4 / 120) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف التلبينة:
" طعام يتخذ من دقيق أو نخالة، وربما جُعل فيها عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً، لا غليظاً نيئاً " انتهى.
" فتح الباري " (9 / 550) .
ومما لا شك فيه أن للشعير فوائد متعددة، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بعضها، منها: تخفيض الكولسترول، ومعالجة القلب، وعلاج الاكتئاب، وعلاج ارتفاع السكر والضغط، وكونه مليِّناً ومهدِّئاً للقولون، كما أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون.
قالت الدكتورة صهباء بندق – وقد ذكرت العلاجات السابقة وفصَّلتها -:
وعلى هذا النحو يسهم العلاج بـ " التلبينة " في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب - خاصة شرايين القلب التاجية - فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية، واحتشاء عضلة القلب.
أما المصابون فعليّاً بهذه العلل الوعائية والقلبية: فتساهم " التلبينة " بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية، وهذا يُظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " التلبينة مجمة لفؤاد المريض ... " أي: مريحة لقلب المريض " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/369)
معنى حديث استوصوا بالنساء خيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث: {استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه} إلخ الحديث، الرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح معنى: أعوج ما في الضلع أعلاه. .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا حديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: {استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا} انتهى.
هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير، وهذا هو الواجب على الجميع لقوله عليه الصلاة والسلام: {استوصوا بالنساء خيرا} وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج، هذا معروف.
فالمعنى أنه لا بد أن يكون في خلقها شيء من العوج والنقص، ولهذا ورد في الحديث الآخر في الصحيحين: {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن} والمقصود أن هذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومعنى نقص العقل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وأما نقص الدين فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي؛ يعني من أجل الحيض، وهكذا النفاس، وهذا نقص كتبه الله عليها ليس عليها فيه إثم.
فينبغي لها أن تعترف بذلك على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ذات علم وتقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما ذلك منه وحي يوحيه الله إليه فيبلغه الأمة كما قال عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - الجزء الخامس.(4/370)
ما صحة حديث: من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن زيارة قبره بعد موته كزيارته وهو على قيد الحياة ولهذا عندما نزور قبره في المدينة لا يعد حراما أن نتحدث إليه كما لو كان حيا وأن نطلب منه الشفاعة لنا عند الله يوم الحساب، لكني قلق من أن يكون هذا من الشرك في شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الدارقطني في سننه (2/278) بإسناده عن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.. الحديث " وهذا حديث حكم عليه كثير من علماء الحديث بالبطلان وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فممن حكم عليه بذلك الحافظ الذهبي في لسان الميزان (4/285) عند ترجمته لأحد رواته وهو هارون بن أبي قزعة فقال الذهبي: هارون بن أبي قزعة المدني عن رجل " عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم " قال البخاري: لا يتابع عليه.
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (6/217) : قال الأزدي: هارون أبوقزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل. قلت: (أي الحافظ) : فتعين أنه الذي أراد الأزدي وقد ضعفه أيضا يعقوب بن شيبة..
وقد ذكره الحافظ ابن حجر أيضا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/266) وقال: وفي إسناده الرجل المجهول. ومقصود الحافظ بالرجل هو رجل من آل حاطب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص134) عن الحديث: إن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته، وكان مؤمنا به، كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه، المجاهدين معه. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجاه في الصحيحين. والواحد من بعد الصحابة لايكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين، بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه. وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه هو مستحب، والسفر إلى الكعبة للحج فواجب. فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته، فكيف بالسفر المنهي عنه.
وقال أيضاً في (ص 133) : فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما.
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (رقم1021) عن الحديث: باطل. وذكر علل الحديث وهي الرجل الذي لم يسم وضعف هارون أبي قزعة وعلة ثالثة وهي الاختلاف والاضطراب ثم قال الشيخ: وبالجملة فالحديث واهي الإسناد.
وقال أيضا في الضعيفة رقم (47) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعليهم، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد ". والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة قال (في الحديث له) :
" فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطّور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تُعْمل المُطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحْل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. انتهى
والخلاصة أنّ السّفر بنية زيارة القبر النبوي بدعة وحرام لأجل الحديث الوارد في النهي عن شد الرّحال إلى بقعة للعبادة غير المساجد الثلاثة، وأمّا زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لمن كان بالمدينة فهو أمر صحيح ومشروع وكذلك السّفر بنية الصّلاة في المسجد النبوي قربة وطاعة وعبادة لله تعالى وإنما يقع في الخطأ والإشكال من لم يفهم الفرق بين ما هو مشروع وما هو ممنوع والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/371)
صحة حديث: (لا تكتبوا عني ... ) وبيان معناه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح , وما هو معنى هذا الحديث , لا تكتبوا عني ومن كتب غير القرآن فليمحه ... وجزاكم الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ ... ) رواه مسلم (الزهد والرقائق/5326)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم:
قَالَ الْقَاضِي: كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم , فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ , وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ , ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا , وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلاف.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي , فَقِيلَ: هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ , وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ. وَتُحْمَل الأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ: " اُكْتُبُوا لأَبِي شَاه " وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات. وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلا أَكْتُب , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الأَحَادِيث. وَقِيلَ: إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الأَحَادِيث , وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة , وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ; لِئَلا يَخْتَلِط , فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.ا. هـ. "شرح مسلم" (18/129-130) .
وحديث أبي شاه أخرجه البخاري من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ) (اللقطة/2254) ومسلم (الحج/1355) .
قال ابن حجر: وَيُسْتَفَاد..َ مِنْ قِصَّة أَبِي شَاه (أكتبوا لأبي شاه) أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ ,
وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْر الْقُرْآن " رَوَاهُ مُسْلِم.
وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِوَقْتِ نُزُول الْقُرْآن خَشْيَة اِلْتِبَاسه بِغَيْرِهِ , وَالإِذْن فِي غَيْر ذَلِكَ.
أَوْ أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِكِتَابَةِ غَيْر الْقُرْآن مَعَ الْقُرْآن فِي شَيْء وَاحِد وَالإِذْن فِي تَفْرِيقهمَا ,
أَوْ النَّهْي مُتَقَدِّم وَالإِذْن نَاسِخ لَهُ عِنْد الأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس وَهُوَ أَقْرَبهَا مَعَ أَنَّهُ لا يُنَافِيهَا.
وَقِيلَ النَّهْي خَاصّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الاتِّكَال عَلَى الْكِتَابَة دُون الْحِفْظ , وَالإِذْن لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ..
قَالَ الْعُلَمَاء. كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كِتَابَة الْحَدِيث وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا , لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتْ الْهِمَم وَخَشِيَ الأَئِمَّة ضَيَاع الْعِلْم دَوَّنُوهُ..أهـ "فتح الباري" (1/208) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/372)
لماذا خص الصوم بقوله تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث) .
ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) لماذا خص الصوم بذلك؟
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي:
1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: (يدع شهوته من أجلي) . وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم.
2- أن المراد بقوله: (وأنا أجزى به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
3- أن معنى قوله: (الصوم لي) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلا للصيام على سائر العبادات. وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ:
الوجه الأول: أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: (يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي) . وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله: إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم.
الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب. والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين. وقَدْ قَالَ الله تَعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10. . . " انتهى.
"مجالس شهر رمضان" (ص 13) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/373)
يسأل عن معنى كلمة أنواط
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ... ) ، فما معنى كلمة أنواط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال: حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السنة، وقال المناوي: إسناده صحيح، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76]
وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه: (أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم،ْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة.) ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (ونحن حديثو عهد بكفر)
سدرة أي: شجرة
وقَوْلُهُ: يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، الأنواط: جمع نوط، وهو كل شيء يعلق، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق. قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
وقوله: " قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ "، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله.
(إنها لسنن) ، أي: طرق، (لَتَرْكَبُنَّ) أي: لَتَتَّبِعُنَّ، (سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: طريقة من كان قبلكم من الأمم، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. قَالَ " فَمَنْ "؟
قال النووي: وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي هذا الحديث من الفوائد:
1- التحذير من الشرك، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه، ويقربه من سخطه.
2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار، والعكوف عليها، والتعلق بها، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى، تارك لطريق النبي، صلى الله عليه وسلم.
3- أن العبرة بالمعاني، وليس بالألفاظ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله، صراحة.
4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم.
5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين.
[انظر فتح المجيد، بشرح كتاب التوحيد، 139-147، القول المفيد، للشيخ ابن عثيمين] .
ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتابه المبارك: كتاب التوحيد، في باب: من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما. فننصح لتمام الفائدة، باقتنائه، مع شيء من شروحه، خاصة الشرحين المشار إليهما.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/374)
صحة حديث الحج كل خمس سنوات ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفهم الحديث الموجود في صحيح الترغيب والترهيب للألباني وهو حديث قدسي، ويقول الله " من أعطاه الله الصحة ولم يزر بيت الله كل خمس سنوات فهو محروم "؟ . هل يقصد الحج أم العمرة أم كلاهما؟ ماذا نفهم من الحديث؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نص الحديث:
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: " إنَّ عبداً أصححتُ له جسمه ووسعتُ عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم ".
رواه أبو يعلى (2 / 304) والبيهقي (5 / 262) .
ثانياً:
الكلام عليه:
قد تكلم بعض أهل العلم على الحديث فذهب بعضهم - كابن العربي المالكي - إلى أنه موضوع، وضعفه آخرون كالدارقطني والعقيلي والسبكي، وقد ذهب ابن حبان والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) إلى أنه صحيح.
ثالثاً:
حمل بعض العلماء معنى الحديث على الحج أو العمرة، وعلى هذا بوَّب الهيثمي للحديث في كتابه " موارد الظمآن "، فقال: " باب فيمن مضت عليه خمسة أعوام وهو غني ولم يحج أو يعتمر ".
" موارد الظمآن " (ص 239) .
وحمله آخرون على الحج فقط كما بوب له المنذري في الترغيب والترهيب بقوله: (ترهيب من قدر على الحج فلم يحج) ا. هـ
وقد استدلَّ بعض العلماء بالحديث على وجوب الحج في كل خمس سنوات مرة على المستطيع، وهو قول ضعيف، إما لضعف الحديث وعدم صحته أو لأن الحديث محمول على الاستحباب لا الوجوب.
قال السبكي:
وقد اتفق العلماء على أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع مرة في العمر إلا من شذ فقال: إنه يجب كل خمسة أعوام مرة , ومتعلقه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " حكاه ابن العربي، وقال: قلنا: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به، انتهى كلامه.
وقال الدارقطني: وقد روي من غير طريق، ولا يصح منها شيء.
" فتاوى السبكي " (1 / 263) .
وقال الحطاب:
(وقال بعض من شذ: إنه يجب في كل سنة وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام "، قال ابن العربي: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به؟ , يعني أنه موضوع , وقال النووي: هذا خلاف الإجماع فقائله، محجوج بإجماع من قبله. ا. هـ
وعلى تسليم وروده فيحمل على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة. أ. هـ
" مواهب الجليل " (2 / 466) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/375)
متعجب من طول آدم عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في صحيح البخاري، حديث رقم 246 ذكر رسول الله بأن آدم خُلق وطوله 30 متراً، أنا لا أستطيع أن أفهم هذا أو أتخيله، فأرجو أن تشرح لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لفظ هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال السلام عليكم فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . رواه البخاري (3336) ومسلم (7092) .
وفي لفظ مسلم: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/367) : (أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك) أ. هـ.
وعلى المسلم أن يؤمن بكل خبر جاء به الدليل من كتاب الله والسنة الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) انظر الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد ص (89) .
فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن إيماناً جازماً بكل ما أخبر به الله جل جلاله، وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت صحته إليه صلى الله عليه وسلم، إيماناً جازماً لا يعتريه أدنى شك ويجب عليه أن يقبله جملة وتفصيلاً سواء فهمه أو لم يفهمه، أو استغربه أم لم يستغربه؛ لأن عدم استيعابه للأمر الصادق المجزوم بصحته وثبوته لا يعني عدم ثبوت هذا الأمر، ولكن القضية أن عقله لم يستطع أن يستوعب ذلك الأمر ويفهمه، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا أن نؤمن بكل ما أخبر عنه سبحانه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات / 15.
ومن جملة الإيمان الإيمان بالغيب، وهذا الحديث الذي بين أيدينا من هذا القبيل، ولقد أثنى الله جل جلاله على الذين يؤمنون بالغيب فقال تعالى: (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ... ) البقرة / 1-3.
واعلم أخي الكريم أن الله على كل شيء قدير فكما خلق الإنسان في صورته التي هو عليها الآن قادر على أن يخلقه في صورة أكبر من ذلك أو أصغر.
وإذا أشكل عليك هذا الأمر فاعتبر ذلك بهؤلاء الأقزام الذين نراهم وهم رجال في حجم الأطفال فإذا كان ذلك واقعاً فما الذي يمنع من العكس وهو أن يكون رجلاً وطوله ستون ذراعاً، وقد وجد في التاريخ البشري عماليق كما يقول ذلك علماء الآثار والحفريات.
وأصل المسألة هو التسليم لكمال قدرة الله تعالى والتسليم لخبره وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقول كما قال الراسخون في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) آل عمران / 7
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/376)
معنى قوله " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره.. " الخ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: (وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أدى المسلم ما فرض الله عليه.. ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك ما وسعه أحبه الله تعالى، وكان عوناً له في كل ما يأتي ويذر فإذا سمع كان مسدداً من الله في سمعه، فلا يسمع إلا إلى الخير، ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم، وجهاداً في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه.
وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويُرشِد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى: ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه، وما جاء في بعض الروايات من قوله تعالى: فبي يسمع وبي يبصر.. الخ ففي ذلك إرشاد إلى المراد من أول الحديث، وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومُعيذ.. وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر: (يقول الله تعالى: عبدي مرضتُ فلم تعُدني الخ ... ) فكل منهما يشرح آخره أوله، ولكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص، ويعرضون عن المُحْكم منها فضلوا سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/35.(4/377)
معنى حديث لا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا غريبا فيه نفي الهامة والصفر والنوء والغول فما معنى هذه العبارات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن مفلح الحنبلي:
في المسند والصحيحين وغيرها عنه عليه السلام قال: " لا هامة ولا صفر "، زاد مسلم وغيره " ولا نَوء ولا غُول ".
فالهامَة: مفرد الهام، وكان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامَة، وكانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامَة فتطير، وكانوا يقولون: إن القتيل يخرج من هامته أي: من رأسه هامة، فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني حتى يؤخذ بثأره ويقتل قاتله.
وقوله " لا صَفَر " قيل: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال عليه السلام " لا صَفَر "، وقيل: كانت العرب تزعم أن في البطن حية تصيب الإنسان إذا جامع وتؤذيه وإنما تعدي فأبطله الشارع. وقال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفر عاماً ويحرمونه عاماً.
والنَّوء: واحد الأنواء، وهي ثمانية وعشرون منزلة، وهي منازل القمر ومنه قوله تعالى {والقمر قدرناه منازل} ، ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، ويطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر فينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا، وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالغرب ناء الطالع بالشرق ينوء نوءا أي: نهض وطلع، وقيل: أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد.
فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى وأراد بقوله مطرنا بنوء كذا أي: في نوء كذا أي: إن الله أجرى العادة بالمطر في هذا الوقت فلنا خلاف في تحريمه وكراهته.
والغول: أحد الغيلان وهي جنس من الجن، والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة يتراءى للناس فيتغول تغولا أي: يتلون تلونا في صور شتى ويغولهم أي: يضلهم عن الطريق ويهلكهم، فنفاه الشارع وأبطله قيل هذا.
وقيل: ليس نفياً لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب وتلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون معنى " لا غول " لأنها لا تستطيع أن تضل أحداً، ويشهد له الحديث الأخير " لا غول ولكن السعالي "، وهو في مسلم وغيره، و " السعالي ": سحرة الجن لكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ... وروى الخلال عن طاوس أن رجلا صحبه فصاح غراب فقال: خير، خير، فقال له طاوس: وأي خير عند هذا، وأي شر؟ لا تصحبني.
" الآداب الشرعية " (3 / 369، 370) .
وقال ابن القيم:
ذهب بعضهم إلى أن قوله " لا يورد ممرض على مصح " منسوخ بقوله " لا عدوى "، وهذا غير صحيح، وهو مما تقدم آنفاً أن المنهي عنه نوع غير المأذون فيه، فإن الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " لا عدوى ولا صَفَر " هو ما كان عليه أهل الإشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قياس شركهم وقاعدة كفرهم، والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من إيراد الممرض على المصح فيه تأويلان:
أحدهما: خشية توريط النفوس في نسبة ما عسى أن يقدره الله تعالى من ذلك إلى العدوى، وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه لاعتقاد العدوى فلا تنافي بينهما بحال.
والتأويل الثاني: أن هذا إنما يدل على أن إيراد الممرض على المصح قد يكون سبباً يخلق الله تعالى به فيه المرض، فيكون إيراده سبباً، وقد يصرف الله سبحانه تأثيره بأسباب تضاده أو تمنعه قوة السببية وهذا محض التوحيد بخلاف ما كان عليه أهل الشرك.
وهذا نظير نفيه سبحانه الشفاعة في يوم القيامة بقوله {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} فإنه لا تضاد الأحاديث المتواترة المصرحة بإثباتها، فإنه سبحانه إنما نفى الشفاعة التي كان أهل الشرك يثبتونها وهي شفاعة يتقدم فيها الشافع بين يدي المشفوع عنده وإن لم يأذن له، وأما التي أثبتها الله ورسوله فهي الشفاعة التي تكون من بعد إذنه كقوله {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقوله {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقوله {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} . " حاشية تهذيب سنن أبي داود " (10 / 289 - 291) .
والله الموفق للصواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/378)
شرح حديث " صنفان من أهل النار لم أرهما ... "
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جوابًا على أحد الأسئلة ولم أستطع فهم الحديث الذي ذكرتموه هناك، رقم السؤال 10221، حيث قلتم: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه أحمد ومسلم في الصحيح. أرجو تفسير هذا الحديث شيئًا ما حتى أفهمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث فيه إخبار عن صنفين من الناس لم يرهما النبي صلى الله عليه وسلم، يظهران بعد مضي زمنه صلى الله عليه وسلم ويكون مصيرهما إلى النار لعصيانهما، وقد عدَّ العلماء ظهورَ هذين الصنفين من أشراط الساعة الصغرى، وهما:
الصنف الأول: رجال معهم سياط ... ، والمراد بهم من يتولى ضرب الناس بغير حق من ظَلَمَة الشُّرَط أو من غيرهم، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة.
قال النووي: " فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة " شرح النووي على صحيح مسلم 17/191. وقال السخاوي: " وهم الآن أعوان الظلمة ويطلق غالبا على أقبح جماعة الوالي، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحكام ". الإشاعة لأشراط الساعة ص 119. والدليل على كون ظهورهم من أشراط الساعة روايةُ الإمام أحمد وفيها " يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم أسياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه ". المسند 5/315. صححه الحاكم في المستدرك 4/483 وابن حجر في القول المسدد في الذب عن المسند ص53-54.
الصنف الثاني: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة.
قال النووي في المراد من ذلك: " أَمَّا (الْكَاسِيَات العاريات) فمَعْنَاهُ تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا , فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وقيل: يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا , كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا (مَائِلات مُمِيلات) : فَقِيلَ: زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى , وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا , وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ , وَقِيلَ: مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ , مُمِيلات أَكْتَافهنَّ , وَقِيلَ: مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا. وَأَمَّا (رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت) فَمَعْنَاهُ: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس , حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت , هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره , قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ , وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ.... " شرح النووي على صحيح مسلم 17/191. باختصار
قال الشيخ بن عثيمين: " قد فُسِّر قوله " كاسيات عاريات ": بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة، لا تستر ما يجب ستره من العورة، وفسر: بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفسرت: بأن يلبسن ملابس ضيقة، فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة ". فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 2/825.
وفي الحديث الترهيب والوعيد الشديد من فعل هاتين المعصيتين:
1- ظلم الناس وضربهم بغير حق.
2- تبرج المرأة وإظهارها مفاتنها وعدم التزامها بالحجاب الشرعي والخلق الإسلامي النبيل.
وهَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة , فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ , وَهُمَا مَوْجُودَانِ. كما قال النووي رحمه الله.
يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (14627) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/379)
معنى حديث: (من وبَّخ أخاه بذنب) ودرجة صحَّته
[السُّؤَالُ]
ـ[روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ". رواه الترمذي.
أرجو أن تشرح الحديث أعلاه بالتفصيل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث رواه الترمذي (كتاب صفة القيامة والورع/2429) ، ولفظه: " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ".
والحديث قال عنه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " رقم (5710) : (موضوع) .
والحديث الضعيف والموضوع لا يُبنى عليهما أحكام ولا يُعمل بهما.
أما معنى الحديث، فقال الشيخ المباركفوري:
قَوْلُهُ: (مَنْ عَيَّرَ) مِنْ التَّعْيِيرِ أَيْ عَابَ (أَخَاهُ) أَيْ فِي الدِّينِ (بِذَنْبٍ) أَيْ قَدْ تَابَ مِنْهُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ (لَمْ يَمُتْ) الضَّمِيرُ لِمَنْ (حَتَّى يَعْمَلَهُ) أَيْ الذَّنْبَ الَّذِي عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ , وَكَأَنَّ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنْ الْعَارِ , وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ يُجَازَى بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ وَذَاكَ إِذَا صَحِبَهُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ لِسَلامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ.
" تحفة الأحوذي " (7 / 173) .
هذا، ولا يعني ضعْف الحديث جواز التعيير لمن وقع في الذنب، والذي يقع منه الذنب أقسام:
منهم من يتوب ويرجع إلى ربه تعالى أو يقام عليه الحد، فهذا لا يحل تعييره لأنه طهَّر نفسه بالتوبة أو بالحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه (4240) وصححه البوصيري كما في " الزوائد / حاشية سنن ابن ماجه ".
وقد حل الإمام أحمد العقوبة التي في الحديث على من عيَّر من تاب من ذنبه كما نقل عنه الترمذي بعد تخريجه الحديث قال: قال أحمد: مِن ذنب قد تاب منه.
ومنهم من يعمل الذنب ولا يجهر به، فيجب على من علم به نصحه والستر عليه.
ومنهم من يجهر بذنبه، فهذا ينصح كذلك، ويحذَّر منه حسب المقام الذي يقتضي التحذير.
قال ابن القيم رحمه الله:
ويحتمل أن يريد: أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب: أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها.
فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون، وقد قال النبي: " إذا زنت أمة أحدكم فليُقم عليها الحد ولا يُثرَّب " أي: لا يعير، كقول يوسف عليه السلام لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم} فإن الميزان بيد الله، والحكم لله، فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة {ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} وقال يوسف الصديق {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} وكانت عامة يمين رسول الله " لا، ومقلِّب القلوب "، وقال: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه " ثم قال: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ".
" مدارج السالكين (1 / 177، 178) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/380)
معنى الإحسان في حديث (فأحسن إليهن)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الإحسان إلى البنات في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإحسان للبنات ونحوهن بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق، والحرص على عفتهن وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله، والبعد عن محارم الله والقيام بحق الله سبحانه وتعالى، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط بل المراد ما هو أعظم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 107(4/381)
ما هي الاستطاعة في حديث الحث على الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بكلمة " من استطاع " في الحديث الذي حث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) .
وجاء: أي وقاية من الوقوع في الفاحشة.
وقد اختلف العلماء في معنى " الباءة " هنا على قولين، فقال بعضهم: إنها القدرة على مؤن النكاح [أي: تكاليفه ونفقاته] ، وقال آخرون: إنها القدرة على الجماع، ولا منافاة بينهما، فيكون المعنى: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته فليتزوج.
قال النووي:
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد أَصَحّهمَا: أَنَّ الْمُرَاد مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع , فَتَقْدِيره: مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاع لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنه وَهِيَ مُؤَن النِّكَاح فَلْيَتَزَوَّجْ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاع لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنه فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَع شَهْوَته , وَيَقْطَع شَرّ مَنِيّه , كَمَا يَقْطَعهُ الْوِجَاء اهـ.
" شرح مسلم " (9 / 173) .
وقال ابن القيم:
وقوله " من استطاع منكم الباءة فليتزوج ": فسرت الباءة بالوطء، وفسرت بمؤن النكاح، ولا ينافي التفسير الأول إذ المعنى على هذا مؤن الباءة.
" روضة المحبين " (ص 219) .
وقال شيخ الإسلام:
وَاسْتِطَاعَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَئُونَةِ لَيْسَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ , فَإِنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْقَادِرِ عَلَى فِعْلِ الْوَطْءِ , وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ فَإِنَّهُ وِجَاءٌ اهـ الفتاوى الكبرى (3/134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/382)
النصيحة لمن يريد الزواج ولا يقدر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل عندنا في المسجد برنامج يتناقش فيه شباب المسلمين مع من هو أكبر منهم سنّاً عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزواج وأنه يجب عليهم تسهيل أمور الزواج للشباب، هذا الموضوع فتح العديد من النقاشات حيث أن الآباء مهتمون بحالة ورفاهية الزوجين وخصوصاً عند إنجاب الأطفال.
والشباب الآن لا ينتهون من الدراسة الجامعية إلا في سن 21 أو 23 لطلاب الطب ولا يستطيعون على مصاريف الزواج، فما هي النصيحة العملية التي تنصحهم بها، والكثير من شباب المسلمين في الغرب الذين يريدون أن يكملوا نصف دينهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النقاش في الأمور الشرعيَّة وقضاء الوقت في ذلك هو من أنفع ما يقدمه المرء لنفسه؛ لأن طلب العلم فريضة وعبادة، وهو يقضي وقته فيما ينفعه وينفع غيره، وإذا أشكل على المتناقشين شيء فإن عليهم أن يسألوا أهل العلم.
ثانياً:
النصيحة لمن يعيش في بلاد الفسق والكفر أن يهاجر منها إلى بلاد المسلمين حيث لا يجد فيها من فتن الدنيا والنساء ما يجده هناك، وهي متفاوتة فيما بينها وعليه أن يختار أحسنها.
وننصحه بترك كل بيئة يمكن أن تزل فيها قدمه سواء كانت البيئة مسكناً أم عملاً أم دراسة.
وننصحه بتعجيل الزواج، واختيار المرأة الصالحة والتي لا ترهقه في مهرها وطلباتها.
وننصحه إن عجز عن الزواج أن يتقي الله تعالى فلا يطلق بصره ولا سمعه في المحرمات ولا يمشي إلى حرام ولا يلمس ما لا يحل له لمسه، وليستعن على ذلك بالصيام والصلاة والدعاء والرفقة الصالحة، وليشتغل بما ينفعه من طلب العلم وحفظ القرآن والدعوة إلى الله، فإن النفس إن لم تشغَلها بطاعة الله أشغلتْك بمعصيته.
ثالثاً:
النصيحة لأولياء الأمور والشباب والفتيات ألا يعتبروا إكمال التعليم عائقاً ومانعاً من الزواج.
فمتى كان الزواج عائقا عن التحصيل العلمي؟ ! بل الواقع والتجربة شاهد على العكس، لأن الزواج يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس وراحة الفكر. وفوق كل ذلك فيه المبادرة إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الشباب.
وعلى أولياء الأمور ألا يرهقوا كاهل الشباب بكثير من الطلبات التي تعتبر نوعاً من الترف والإسراف، وليقتصروا في طلباتهم على ما تحتاج إليه المرأة والبيت فقط. وليعلموا أن الزواج من الأسباب التي يطلب بها الرزق، قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/383)
متى يقال " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أم الثاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد كشف أحد المشايخ عما يقال إنه حقيقة مذهلة أن لفظة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر بدعة؛ لأن بلالاً كان يورد هذه اللفظة في أذان التهجد، غير أن ابن مكتوم كان ينادي لأذان الفجر ولم يكن يذكرها.
والدليل الثاني: أنه بمعنى هذه الكلمات فالمرء يحاول أن يقارن النوم بصلاة الفجر، وهذا مما لا يجب، فإذا كان مدرسي على حق فلماذا يعمل بذلك في مكة والمدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد التثويب في أذان الفجر وهو قول: " الصلاة خير من النوم " في عدد من الأحاديث الصحيحة، وقد ذُكر في بعضها التثويب في الأذان الأول مجملاً دون بيان ما هو المقصود بالأذان الأول، هل هو الأذان الذي يكون قبل الفجر أم أنه هو أذان الفجر ذاته، ومن هذه الأحاديث:
1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت أقول في أذان الفجر الأول: " حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ".
رواه أبو داود (500) والنسائي (647) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
أخرجه الطحاوي (1 / 82) بسند حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " (3 / 169) .
" الثمر المستطاب " (ص 131) .
وعلى هذه الأحاديث اعتمد من قال: إن التثويب في أذان الفجر يكون في الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل، والصحيح أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة. وذلك لأمور:
أ. أن لفظة " الأول " تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري (598) ومسلم (838) .
وجاء في صحيح مسلم (739) تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين) .
والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة. قاله النووي في "شرح مسلم".
ب. جاء التصريح في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذا التثويب يقال في " أذان صلاة الصبح " و " أذان الفجر " و " وصلاة الغداة " وهي ألفاظ تدل على أن التثويب يكون بعد دخول وقت الصلاة والآذان الذي يكون آخر الليل يكون قبل دخول وقت الصلاة، ومن هذه الأحاديث:
1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم.
وفي رواية أخرى نحو هذا الخبر وفيه: (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) .
رواه أبو داود (501) والنسائي (633) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي رواية أخرى عند أبي داود (504) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم) وصححها الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
2- عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم (مرتين) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
أخرجه الدارقطني (90) وابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " (1 / 423) ، وقال: " إسناده صحيح ".
ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا (1 / 82) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ: (كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم) (مرتين) ، وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في " التلخيص " (3 / 148) .
" الثمر المستطاب " (ص 132) .
ففي هذه الأحاديث: أن التثويب يكون في أذان صلاة الصبح.
والأذان الذي يكون للصلاة هو الذي يكون بعد دخول الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) متفق عليه.
وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الصبح , وإنما هو (ليرجع القائم ويوقظ النائم) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. وبهذا يتبين أن التثويب في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة ليس بدعة بل هو السنة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي؟
فأجابوا:
" نعم، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طوع الفجر الصادق، وسمي أولاً بالنسبة للإقامة، فإنها أذان شرعاً، كما في حديث: (بين كل أذانين صلاة) ، وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصادق؛ فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم، وليرجع القائم، وليس أذاناً للإعلام بالفجر، ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلا قبيل الفجر " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 63) .
وانظر تفصيلاً علميّاً في الرد على من قال إن التثويب يكون في الأذان الذي قبل دخول وقت الصلاة للشيخ العثيمين رحمه الله في كتاب "الشرح الممتع" (2 / 61 – 64) .
وأما قول مدرسك: إنه بهذا يقارن المرء بين النوم وصلاة الفجر!
فهذا ليس بصحيح , لأن هذا اللفظ هو خبر بأن الصلاة خير من النوم , وفي ذلك حث للنائم أن يترك النوم ويقوم إلى ما هو خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/384)
نسبة أهل الجنة إلى أهل النار
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (6529 , 6530) بترقيم فتح الباري , في الحديث رقم (6529) ما يفيد أن:
" بعث جهنم من كل مائة تسعة وتسعين "، وفي الحديث رقم (6530) ما يفيد أن: " بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ". أرجو الشرح والتوضيح جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الأول رواه البخاري (6529) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ.
الحديث الثاني رواه البخاري (3348) ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ.
ومعنى "بَعْثَ النَّارِ" أي: الذين يبعثون إلى النار من ذرية آدم.
ومعنى "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" أي: مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرهمْ.
ففي الحديث الأول أن عدد الناجين يوم القيامة عشرة من الألف، وفي الحديث الثاني واحد من الألف.
وقد جمع العلماء بين الحديثين بعدة طرق، ومنها:
1- أن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعددٍ لا يدل على نفي الزائد، والمقصود من العددين واحدٌ وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين.
2- حمْل حديث أبي سعيد الخدري على جميع ذرية آدم، فيكون مِن كل ألف واحدٌ، وحمْل حديث أبي هريرة على مَن عدا يأجوج ومأجوج، فيكون من كل ألف عشرة، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة.
3- ويحتمل أن تقع القسمة مرتين: مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحدٌ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة.
4- ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار: " الكفار ومن يدخلها من العصاة " فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً.
ذكر هذه الأجوبة الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 390) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/385)
معنى حديث إلا رقماً بثوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالرقم في حديث (إلا رقماً في ثوب) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فسر العلماء رحمهم الله الرقم بأمرين:
أحدهما أنه الصورة التي تكون في البسط ونحوها فيداس ويمتهن كالوسائد، فهذا معفو عنه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه، والمقصود: العفو عن استعماله أما التصوير فلا يجوز.
والثاني: أنه النقوش التي تكون في الثياب من غير الصور، فإن النقوش في الثياب لا تضر وليس حكمها حكم الصورة، إنما المحرم صورة ما له روح من آدمي وغيره؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على عائشة ورأى ثوباً فيه صورة فغضب وهتكه، وقال (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ، قالت عائشة: فجعلت منها وسادتين يرتفق بهما النبي صلى الله عليه وسلم، واخرج النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان على موعد مع جبرائيل عليه السلام فتأخر عنه فخرج إليه، ينتظره فقال له جبرائيل: إن في البيت تمثالاً وستراً فيه صورة، وكلباً، فأمر برأس التمثال أن يقطع حتى يكون كهيئة الشجرة، وأمر بالستر أن يتخذ منها وسادتان منتبذتان توطآن، وأمر بالكلب أن يخرج، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل جبرائيل عليه السلام، قال أبو هريرة: وكان الكلب جرواً تحت نضد في البيت أدخله الحسن والحسين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 91.(4/386)
حديث: (اللهم أحيني مسكيناً)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ورواه ابن ماجه (4126) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وقد ضعفه كثير من أهل العلم، وعلى فرض صحته فالمراد بالمسكنة هنا التواضع والإخبات، وليس المراد قلة المال.
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/75) :
" فأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (اللهم أحيني مسكيناً. . . الحديث) فإنَّه حديث ضعيف، لا يثبت من جهة إسناده، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرَّهاويّ وهو ضعيف جداً، والله أعلم.
وقد رواه التّرمذيّ من وجه آخر عن أنس. . . ثم قال: هذا حديث غريب.
قلت (ابن كثير) : وفي إسناده ضعف، وفي متنه نكارة، والله أعلم " انتهى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ" (3/109) بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ:
" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا , وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث فقال:
" هذا يُرْوَى، لكنه ضعيف لا يثبت، ومعناه: أحيني خاشعا متواضعا، لكن اللفظ لم يثبت " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/357) .
وقال أيضاً (18/326) :
" هذا الحديث قد رواه الترمذي، وقد ذكره أبو الفرج (ابن الجوزي) في الموضوعات، وسواء صح لفظه أو لم يصح: فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله ; ليس المراد بالمسكنة عدم المال، بل قد يكون الرجل فقيراً من المال وهو جبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، وفقير مختال، وشيخ زان) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) فالمسكنة خلق في النفس، وهو التواضع والخشوع واللين ضد الكبر. كما قال عيسى عليه السلام: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) مريم/32. ومنه قول الشاعر:
مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر
أي: أذلاء " انتهى.
وفي "لسان العرب" (13/216) :
" وأَصل المسكين في اللغة الخاضع، وأَصل الفقير المحتاج.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أَحْيِني مِسْكيناً) أَراد به التواضع والإِخْبات، وأَن لا يكون من الجبارين المتكبرين. أي: خاضعاً لك يا رب ذليلاً غير متكبر، وليس يراد بالمسكين هنا الفقير المحتاج " انتهى.
ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/109) عن البيهقي أنه قال عن هذا الحديث:
" وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ , وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/387)
ما معنى أن الله يحبّ الجمال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث إن الله جميل يحبّ الجمال، ما هو المقصود بالجمال خصوصا وأن بعض الناس يستدل بهذا الحديث على جواز النظر إلى النساء الجميلات وجواز الاستمتاع بكل شيء جميل، هل من توضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المذكور في السؤال قد أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ.
قال ابن القيم رحمه الله شارحا ومبيّنا: وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء، وفي صحيح مسلم برقم 1686: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا "، وفي سنن الترمذي " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " رواه الترمذي برقم 2963 وقال حسن صحيح، وعن أبي الأحوص الجشمي قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار فقال هل لك من مال قلت نعم قال من أي المال قلت من كل ما آتى الله من الإبل والشاه قال فلتر نعمته وكرامته عليك " رواه أحمد برقم 15323 والترمذي 1929 والنسائي 5128، فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها، ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم؛ فقال: " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " الأعراف 26، وقال في أهل الجنة: " ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) " الإنسان، فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيأة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيأة فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله ولكن ضلّ في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحبّ كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة.. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها.
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم " المنافقون 4 وقال: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " مريم 74 أي أموالا ومناظر، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " صحيح مسلم رقم 4651.. وفي الحديث: " البذاذة من الإيمان " رواه ابن ماجه 4108 وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله
وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك، وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين فأوله معرفة وآخره سلوك فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار فيعرفه بصفات بالجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه فجمع الحديث قاعدتين المعرفة والسلوك.
الفوائد 1/185
أين هذه المعاني العظيمة للحديث من ضلالات أصحاب الهوى الذين يريدون فهما منحرفا لتبرير مقاصدهم السيئة نسأل الله العافية وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/388)
أسماء شروح لصحيح الإمام مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شروح موسعة لصحيح الإمام مسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك بكتاب (فتح الملهم لشرح صحيح مسلم) للإمام السبكي، وكذلك كتاب الشراج الوهاج لأبي الطيب صديق بن حسن خان القنوجي البخاري المولود عام 1248 هـ والمتوفي عام 1307 هـ وهو مكون من 13 مجلد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/389)
ما معنى حديث إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) وهل ينافي هذا ما يتعلمه المسلمون اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لفظ الحديث كما ورد في السؤال وإنما سياقه كما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ". رواه البخاري (1814) ومسلم (1080) .
وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي، وهو يدل على أنه لا يُلتفت في معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر، فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية للبقاء على الجهل وترك تعلّم الحساب العادي وسائر العلوم النافعة ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دنياهم، والإسلام دين العلم، وهو يدعو إليه ويوجبه على كلّ مسلم أن يتعلّم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وأما العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة وغيرها فيجب على المسلمين أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلّم صنعة تلك الإبرة.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية شرح وافٍ لهذا الحديث استقصى فيه فأجاد وفيما يلي مختارات من جوابه:
قوله " إنا أمة أمية " ليس هو طلبا، فإنهم أمِّيُّون قبل الشريعة كما قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم} فإذا كانت هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها، نعم قد يؤمرون بالبقاء على بعض أحكامها، فإنا سنبيِّن أنهم لم يؤمروا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقاً.
...
والأمة التي بعثه الله إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيراً كما كان في أصحابه، وفيهم من يحسب، وقد بعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها مِن الحساب ما فيها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قدِم عاملُه على الصدقة ابن اللتبيَّة حاسَبه، وكان له كتاب عدة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية يكتبون الوحي ويكتبون العهود ويكتبون كُتُبَه إلى الناس إلى مَن بعثه الله إليه مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف وإلى عماله وولاته وسعاته وغير ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه {لتعلموا عدد السنين والحساب} في آيتين من كتابه فأخبر أنه فعل ذلك ليُعلم الحساب.
وإنما الأمي هو في الأصل منسوب إلى " الأمة " التي هي جنس الأميين وهو من لم يتميز عن الجنس بالعلم المختص من قراءة أو كتابة كما يقال " عامي " لمن كان من العامة غير متميز عنهم بما يختص به غيرهم مِن علوم، وقد قيل: إنه نسبة إلى " الأم " أي: هو الباقي على ما عوَّدته أمُّه من المعرفة والعلم ونحو ذلك.
ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة إلى الاختصاص تارة يكون فضلاً وكمالاً في نفسه كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالمتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالتميز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب، فيمدح في حق من استعمله في الكمال ويذم في حق من عطَّله، أو استعمله في الشر، ومن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل، وكان تركه في حقه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل.
فإذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان؛ فالأمة التي بُعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم أولاهم العرب وبواستطهم حصلت الدعوة لسائر الأمم؛ لأنه إنما بُعث بلسانهم فكانوا أميين عامة ليست فيهم مزية علم ولا كتاب ولا غيره مع كون فِطَرهم كانت مستعدة للعلم أكمل من استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزرع، لكن ليس لها من يقوم عليها فلم يكن لهم كتاب يقرأونه منزَّل من عند الله كما لأهل الكتاب، ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة ونحوهم، وكان الخط فيهم قليلاً جدّاً، وكان لهم من العلم ما ينال بالفطرة التي لا يخرج بها الإنسان عن الأموَّة العامة كالعلم بالصانع سبحانه، وتعظيم مكارم الأخلاق، وعلم الأنواء، والأنساب، والشِّعر، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه كما قال فيهم {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال تعالى {قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} ، فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابي غير الأمي.
فلما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعم به وقد جعله تفصيلاً لكل شيءٍ وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة: صاروا أهلَ كتاب وعلم، بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة، وزالت عنهم الأميُّة المذمومة الناقصة وهي عدم العلم والكتاب المنزل إلى أن علِموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب كما قال فيهم {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين} فكانوا أميين مِن كل وجهٍ فلما علمهم الكتاب والحكمة: قال فيهم {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} وقال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أُنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} ، واستجيب فيهم دعوة الخليل حيث قال: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} وقال: {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} .
فصارت هذه الأميَّة منها ما هو محرَّم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل، فمن لم يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ شيئاً من القرآن تسمِّيه الفقهاء في " باب الصلاة " أميّاً ويقابلونه بالقارئ، فيقولون: لا يصح اقتداء القارئ بالأمي، ويجوز أن يأتم الأمي بالأمي ونحو ذلك من المسائل، وغرضهم بالأمِّيِّ هنا الذي لا يقرأ القراءة الواجبة سواء كان يكتب أولا يكتب يحسب أولا يحسب.
فهذه الأميَّة منها: ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه.
ومنها: ما هو مذموم، كالذي وصفه الله عز وجل عن أهل الكتاب حيث قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته، كما قال الحسن البصري: نَزَل القرآن ليُعمل به فاتَّخذوا تلاوتَه عملاً، فالأمي هنا قد يقرأ حروف القرآن أو غيرها ولا يفقه بل يتكلم في العلم بظاهر من القول ظنّاً فهذا أيضا أميٌّ مذموم كما ذمَّه الله لنقص علمه الواجب سواء كان فرض عين أم كفاية.
ومنها: ما هو الأفضل الأكمل، كالذي لا يقرأ مِن القرآن إلا بعضه، ولا يفهم منه إلا ما يتعلق به، ولا يفهم من الشريعة إلا مقدار الواجب عليه، فهذا أيضاً يقال له أميٌّ وغيره ممن أوتى القرآن علماً وعملاً أفضل منه وأكمل.
فهذه الأمور المميزة للشخص عن الأمور التي هي فضائل وكمال فقدها إما فقد واجب عيناً أو واجب على الكفاية أو مستحب، وهذه يوصف الله بها وأنبياؤه مطلقا فإن الله عليم حكيم جمع العلم والكلام النافع طلباً وخبراً وإرادةً وكذلك أنبياؤه ونبينا سيد العلماء والحكماء.
وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به كان هذا فضلاً في حقه وكمالا وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزوِّر خطوط الأمراء والقضاة والشهود: كان هذا ضرراً في حقه وسيئةً ومنقصةً، ولهذا نهى " عمر " أن تعلَّم النساءُ الخطَّ، وان أمكن أن يستغني عنها بالكليَّة بحيث ينال كمال العلوم من غيرها وينال كمال التعليم بدونها كان هذا أفضل له وأكمل وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه {الذين يتبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} فان أموَّته لم تكن من جهة فقْدِ العلم والقراءة عن ظهر قلبٍ فإنه إمام الأئمة في هذا، وإنما كان مِن جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً كما قال الله فيه: {وما كنت تتلو مِن قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك} .
.....
(ثم عاد رحمه الله لبيان المُراد بحديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، وأنّ فيه قرينة تدلّ على المراد فقال:)
فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به: إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو تارة كذلك، وتارة كذلك، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ
وظهر بذلك أن الأميَّة المذكورة هنا صفة مدح وكمال مِن وجوه:
من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبيَن منه وأظهر وهو الهلال.
ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط.
.. إلى آخر كلامه رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
" مجموع الفتاوى " (25 / 164 - 175)(4/390)
الجمع بين أحاديث تفضيل الجماعة على صلاة المنفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (645 , 646) - بترقيم فتح الباري - في الحديث رقم (645) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، وفي الحديث رقم (646) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". أرجو الشرح والتوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الأول جاء من حديث عبد الله بن عمر، وقد رواه البخاري (619) ومسلم (650) ، ولفظه: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ".
والثاني: جاء من حديث أبي سعيد الخدري، وقد رواه البخاري (619) ، ولفظه: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ".
وقد جمع العلماء بين الحديثين، فقال النووي – رحمه الله -:
والجمع بينهما من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفي الكثير , ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين.
والثاني: أن يكون أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله - تعالى - بزيادة الفضل فأخبر بها.
الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة , وتكون لبعضهم خمس وعشرون , ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك , والله أعلم.
" المجموع " (4 / 84) .
وهناك وجوه أخر في الجمع غير هذا، وبعضه متفرع عما سبق، وقد رجَّح الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 132) وجهاً في الجمع غير ما ذكره النووي وهو أن " السبع والعشرين " للصلاة الجهرية، و " الخمس والعشرين " للصلاة السريَّة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/391)
معنى حديث: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) ، وورد في حديث آخر: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبد اللات والعزى) ، وفي رواية: (حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة)
والإشكال: أنه في الحديث الأول يفهم أن الشرك لا يقع في الجزيرة العربية والحديث الثاني يدل على أنه سيقع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الأمور المقررة عند أهل العلم أن الشرك واقع في هذه الأمة كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة، والواقع يؤيد ذلك.
وقد ارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثير منهم رجع إلى عبادة الأوثان.
وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان، ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ... ) فللعلماء عليه أجوبة:
1- أن الشيطان قد أيس أن يجمع كل المصلين على الكفر.
واختار هذا القول العلامة ابن رجب الحنبلي. الدرر السنة (12/117)
2- أن هذا إخبار عما وقع في نفس الشيطان من اليأس لما رأى الفتوح، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فالحديث أخبر عن ظن الشيطان وتوقعه، ثم كان الواقع بخلاف ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. القول المفيد (1/211)
3- أن الشيطان أيس من المؤمنين كاملي الإيمان، فلم يطمع فيهم الشيطان أن يعبدوه، واختاره الألوسي. وانظر دعاوى المناوئين. (224)
4- أن (أل) في كلمة (المصلون) للعهد، والمراد بهم الصحابة.
والأقوال كلها قريبة، وأقربها الثاني، والله أعلم.
انظر " أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين " (2/232-238) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/392)
معنى أن الإيمان يأرز للمدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يقول فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) . و (يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم , ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه , وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها.
وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً, فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة , ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان.
وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمر سبق , وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية.
ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 55.(4/393)
قصة ماشطة ابنة فرعون
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن صحة القصة التالية:
خلال المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم وجد رائحة طيبة كرائحة المسك وعندما سأل عليه الصلاة والسلام عن ذلك، أجابه جبرائيل عليه السلام أنه رائحة الوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون (زمن موسى عليه السلام) . وهي امرأة كانت قد تركت دينها سراً لكن افتضح أمرها عندما سقط المشط من يدها وقالت " بسم الله ". وعندما سمع فرعون بذلك أحرقها هي وأبناءها. وقد قيل إن رضيعها كلمها في تلك اللحظة وطلب منها أن تحتفظ بهدوئها والتمسك بإيمانها. وبسبب إيمانها العظيم، رفع الله مكانتها. هل هذه القصة صحيحة؟ أم هل توجد قصص مقاربة؟ وهل هذه القصة مأخوذة من مصادر نصرانية أو يهودية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت قصة ماشطة ابنة فرعون كما يلي:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: يَا فُلانَةُ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ؛ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلام، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ.
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (1/309) ، والطبراني (12280) ، وابن حبان (2903) ، والحاكم (2/496) .
قال الذهبي في " العلو " (84) عن: " هذا حديث حسن الإسناد "، وقال ابن كثير في " التفسير " (3/15) : " إسناده لا بأس به "، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4/295) ، وقال الأرنؤوط في تخريج المسند (5/30 – 31 رقم 2821) : " إسناده حسن، فقد سمع حماد بن سلمة من عطاء قبل الاختلاط عند جمع من الأئمة ".
وبهذا يتبين أن هذه القصة صحيحة ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وليست مأخوذة من مصادر يهودية أو نصرانية.
(المِدْرَى) : هي حديدة يسوَّى بها شعر الرَّأس.
(فأمَر ببَقَرة من نُحاس فأُحْمِيت) : قال ابن الأثير في " النهاية " (1/145) : قال الحافظ أبو موسى: الذي يقَعُ لي في معناه أنه لا يريد شيئاً مَصُوغا على صورة البَقرة، ولكنَّه ربَّمَا كانت قِدرا كبيرةً واسعة، فسماها بقرة، مأخوذا من التَّبقُّر: التوسع، أو كان شيئاً يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها فسمِّيت بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/394)
شرح حديث: (تنكح المرأة لأربع. . . .)
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أفهم معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها) فهل هذا يعني أن المرأة يجب أن تكون غنية وجميلة وذات حسب وأن تكون متدينة؟ موضوع التدين واضح بالنسبة لي ولكن ماذا عن بقية الأشياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
هذا الحديث رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .
وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها.
وإنما المعنى: أن هذه مقاصد الناس في الزواج، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال، ومنهم من يطلب الحسب، ومنهم من يرغب في المال، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك ... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم " اهـ باختصار.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي:
" قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره " اهـ.
وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تربت يداك) اختلافاً كثيراً، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
" وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَتْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك , وَقَاتَلَهُ اللَّه , مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَب لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء , أَوْ الزَّجْر عَنْهُ , أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ , أَوْ اِسْتِعْظَامه , أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/395)
ما هي درجة حديث: " لا يصيب رجلاً خدشُ عود.. "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة هذا الحديث:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب , وما يعفو الله أكثر) .
وهل يعني أن كل ما يصيب الإنسان هو بسبب ذنوبه؟ هذا قرأته في " تفسير القرطبي ". مع العلم أني بحثت في " صحيح البخاري " وفي " فتح الباري " ولكني لم أجده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه الطبري في " التفسير " (5 / 175) والبيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 153) من مرسل قتادة.
والمرسل هو ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم دون واسطة بينهما، وهو من أقسام الضعيف، فالحديث إسناده ضعيف. وقد ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1796) .
ثانياً:
معنى الحديث صحيح شهدت له أدلة أخرى من كتاب اله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالمصائب التي تصيب الإنسان قد تكون بذنب أذنبه، فيكون البلاء كفارة لذلك الذنب.
قال الله عز وجل: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) النساء /79، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى /30.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/529) :
(ما أصابك مِن حسنة فمِن الله) أي: مِن فضل الله ومنَّته ولطفه ورحمته، (وما أصابك مِن سيئة فمِن نفسك) أي: فمِن قِبَلك ومن عملك أنت، كما قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد: (فمِن نفسك) أي: بذنبك، وقال قتادة في الآية (فمن نفسك) عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك اهـ.
ثالثاً:
المصائب التي يصاب بها المؤمن في الدنيا، ترفع في درجاته وتكفر عنه سيئاته.
ولذلك ينبغي للمؤمن أن يرضى بما يقدره الله تعالى عليه من المصائب، ويعلم أن ذلك خير له.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) . رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) .
وروى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/396)
حديث (عمران بيت المقدس خراب يثرب)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم التفضل بشرح هذا الحديث بالتفصيل: روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث رواه ابن أبي شيبة (7 / 491) وأحمد (5 / 245) وأبو داود (4294) وعلي بن الجعد في مسنده (ص 489) .
كلهم: من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل.
ورواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (4 / 930) من طريق ابن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول: حدثني مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) .
واختلف عنه فيه أيضاً.
قال الدارقطني – وسئل عن الحديث -:
يرويه ابن ثوبان، واختلف عنه: فرواه أبو حيوة شريح بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال حدثني مالك بن يخامر عن معاذ، وخالفه علي بن الجعد فرواه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ، زاد في الإسناد جبيراً، والله أعلم.
" علل الدارقطني " (6 / 53) .
والحديث ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لمسند أحمد (36 / 352) . وقد حسنه الشيخُ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود.
وعلى فرض صحته فإن معناه:
أن كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ فترة زمنية بينهما.
(عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس) أَيْ: عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال.
(خَرَاب يَثْرِب) : أَيْ: سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة.
ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان. ويدل عليه ما رواه أبو داود (2535) عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: (اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فظاهره أن نزول الخلافة في الأرض المقدسة سيكون قريبا جداً من الساعة، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها. والله أعلم.
(وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيمة، وتكون بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم.
(وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني: فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح القسطنطينية.
(وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال.
وفي الحديث إشكال؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94) :
"وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك آخر الزمان، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/397)
ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان صحيحا, فكيف تفسره؟ فقد أشكل علي هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث ليس بهذا اللفظ " لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت "، وإنما هو بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " (وقد يكون اللفظ المذكور جاء بسبب طريقة ترجمة السؤال) ، وقد رواه مسلم عن أبي هريرة (5827) ، وفي لفظ آخر: " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ آخر: " لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ: " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن يا خيبة الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما ".
وأما معنى الحديث فقد قال النووي:
قالوا: هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة الدهر " ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي: لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى.
ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم.
" شرح مسلم " (15 / 3) .
وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير، أي: أنه خالق الدهر، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى: " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً، وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو الدهر، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء.
انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين (1 / 163) .
قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية / 24]-:
قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: " يا خيبة الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال.
وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد. والله أعلم
" تفسير ابن كثير " (4 / 152) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر:
فأجاب قائلا:
سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
القسم الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر.
القسم الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر: فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله.
القسم الثالث: أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً.
" فتاوى العقيدة " (1 / 197) .
ومن منكرات الألفاظ عند بعض الناس أنه يلعن الساعة أو اليوم الذي حدث فيه الشيء الفلاني (مما يكرهه) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب فهو يأثم على اللعن والكلام القبيح وثانيا يأثم على لعن ما لا يستحقّ اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة؟ إنْ هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب، وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق الزّمن، فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا الفحش والمنكر. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/398)
حديث من رضي من الله بالقليل من الرزق..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " مَن رضي من الله بالقليل من الرزق: رضي الله منه بالقليل من العمل "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 204) .
وفيه: إسحاق بن محمد الفروي، وقد ضعفه النسائي وأبو داود والدارقطني.
انظر: " ميزان الاعتدال " (1 / 351) ، و " تهذيب التهذيب " (1 / 217) .
وقد ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/399)
صَادَر بحكم وظيفته رخاماً قبل ثلاثين سنَة على أن يتلفه ولم يفعل فهل يضمنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 1401 هـ تقريباً كان عمري حينها في بداية العشرينات , وكنت أعمل في شركة للنظافة في مدينتي بجانب كوني طالباً بالجامعة , وكان العمل الموكَّل لي " فرقة للطوارئ " - حينها - لإزالة أي مخالفات، أو متروكات، بعد الكتابة عليها، بالإزالة خلال فترة محددة حسب تعليمات البلدية. وكان لي قريب يعمِّر عمارة , وخلال جولاتنا وجدتُ صناديق تحوي رخاماً , وكتبْتُ عليها: " تُرفع عن الشارع وإلا ستزال وتعدم "؛ حيث كنا أي مخلَّف نجده ولا يزيله صاحبُه: نزيله، ونرميه في مرمى البلدية العام. صاحب الرخام لم يَرفع الرخام من الشارع، وخطر ببالي بدلاً من دفنه بمرمى البلدية أن أعطيه لقريبي ليستفيد منه، وبالفعل عقب فوات المدة المقررة: رفعنا الرخام، وبدلاً من المرمى العام للبلدية: أوصلته لعمارة قريبي الذي سبق أن أبلغته بأن هناك رخاماً سأحضره له لو لم يرفعه صاحبه بعد رفعه , وللأمانة لأني أريد أن أقابل الله بعمل صالح: حضر صاحب البلاط لنا، وقدَّم شكوى، وهدَّد، وقلنا له: البلاط أُتلف. سؤالي: والله، ثم والله، ثم والله، لي فترة من الزمن وأمْر البلاط في بالي، فصاحب المنزل والله لا أعرف من هو , وأريد فتوى، هل تصرفي فيه شيء، وإن كان فيه: أريد أن أبرئ ذمتي قبل أن يأتي عليَّ يوم لا ينفع فيه الندم. القصة مرَّ عليها قرابة 30 عاماً، والصناديق والله لا أعلم إن كانت 4، أو أكثر، أو أقل. أفتوني، جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعزير ولي الأمر المخالفين للأنظمة التي فيها منافع للناس، وتدفع عنهم الضرر - كأنظمة المرور، والأغذية -: لا حرج فيه، بل هو واجب عليهم إن لم يرتدع المخالفون إلا بذلك.
وهناك خلاف بين العلماء في جواز التعزير بالمال، والراجح: جواز التعزير بالمال، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو ما رجحه "مجمع الفقه الإسلامي"، كما تجده في أجوبة الأسئلة: (21900) و (130222) و (69872) و (72831) .
وعليه: فيجوز مصادرة البضاعة التي خالف صاحبها الأنظمة بوضعها في طريق الناس، أو باحتمال تسببها بأذى، أو ضرر، وكان قد أُنذر صاحبها بأنها ستصادر إن لم يرفعها من طريق الناس.
وعلى هذا، فلو صادرت هذه الصناديق وأتلفتها لم يكن عليك حرج، ولكنك أخذتها لنفسك، ولم تتلفها، وهذا اعتداء وغصب، فتكون ضامنا لهذا الرخام لصاحبه.
فيجب عليك البحث والسؤال عنه، عن طريق معرفتك بالبيت الذي أخذت الرخام من عنده، فإن وصلت إليه أو إلى ورثته فالواجب أن ترد إليهم قيمة هذا الرخام، وتطلب منهم العفو والمسامحة.
وإذا يئست من الوصول إليه فإنك تتصدق بقيمة هذا الرخام عنه.
وأما بخصوص تقدير كمية الصناديق: فإنك تبني على الأكثر، فإن ترددت في كونها ثلاثة أو أربعة: فاجعلها الأكثر، وهي أربعة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (31234) .
ونسأل الله أن يتقبل توبتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1)
مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -:
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ":
اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال.
... .
ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ".
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض:
1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض.
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى.
ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -:
إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك.
جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944.
2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية.
أ. ففي "الموسوعة العربية":
ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
وقالوا:
إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -:
علاج ADHD:
1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم.
2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة.
3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى.
http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369
ثالثاً:
أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ".
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
" الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ".
... .
ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -:
العلاج الدوائي:
وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى.
http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm
وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء".
فأفاد بما يلي:
"هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ...
وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً.
وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك.
ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2)
المقصود بجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟ . أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان ": لنا معها وقفات:
1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة: غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان، فتحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وما يشبه ذلك من الأحكام: لن يكون حلالاً في زمان، أو في مكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي، ولاكتمال التشريع بها.
2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول، ولا يسلم لهم الاستدلال بها، فهي لا تخدم أغراضهم، وإنما نص الجملة في " الفتوى "، لا في " الأحكام الشرعية "، وبينهما فرق كبير، فالأول في مسائل الاجتهاد، وما كان بحسب الواقع، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية، كائنة ما كانت، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علِم ذلك مَن علمهُ، وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال ": ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها، منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان ": مراد العلماء منه: ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12 / 288، 289) .
3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين، وتبديل أحكامه، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر -: كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذُكر عنهم: أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً! فإن كانوا أرادوا ذلك: فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم، كما تقول النصارى مِن: أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك: فإنه يستتاب، كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم، والمفتي، فيصيب، فيكون له أجران، ويخطئ، فيكون له أجر واحد.
" مجموع الفتاوى " (33 / 94) .
وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية -:
الثبوت من غير زوال، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سبباً: فهو سبب أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً: فهو أبداً شرط، وما كان واجباً: فهو واجب أبداً، أو مندوباً: فمندوب، وهكذا جميع الأحكام، فلا زوال لها، ولا تبدل، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية: لكانت أحكامها كذلك.
" الموافقات " (1 / 109، 110) .
4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين:
أ. التغير في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله.
ب. التغير سببه اختلاف الزمان، والمكان، والعادات، من بلد لآخر.
وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله:
" فصل، في تغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد "، والعوائد: جمع عادة، وهو فصل نفيس، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة، فلتنظر في " إعلام الموقعين " (3 / 3 فما بعدها) .
ونضرب على ذلك أمثلة، منها:
1. اللُّقَطة، فإنها تختلف من بلد لآخر، ومن زمان لآخر، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه، وتملكه من غير تعريف، فيختلف الأمر في البلد نفسه، فالمدينة غير القرية، ويختلف باختلاف البلدان، والأزمنة.
2. زكاة الفطر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً، بمقدار صاع، وقد نص الحديث على " الشعير "، و " التمر "، و " الإقط "، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان، فالشعير صار طعاماً للبهائم، والتمر صار من الكماليات، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل، وعليه: فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز، وآخر يفتي بإخراجها ذرة، وهكذا.
فالحكم الشرعي ثابت ولا شك، وهو وجوب زكاة الفطر، وثابت من حيث المقدار، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج.
والأمثلة كثيرة جدّاً، في الطلاق، والنكاح، والأيمان، وغيرها من أبواب الشرع.
وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم (125853) .
قال القرافي رحمه الله:
فمهما تجدد في العُرف: اعتبره، ومهما سقط: أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك: لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح.
والجمود على المنقولات أبداً: ضلال في الدِّين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق، والعتاق، وجميع الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية.
" الفروق " (1 / 321) .
وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق -:
وهذا محض الفقه، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم: فقد ضلَّ، وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل: أضر ما يكونان على أديان الناس، وأبدانهم، والله المستعان.
" إعلام الموقعين " (3 / 78) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (39286) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3)
هل أُغلق باب الاجتهاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الاجتهاد لغة: مأخوذ من الجَهد، وهو المشقة، أو الوسع، أو الطاقة.
وأما الاجتهاد عند علماء الفقه، أو الأصول: فقد عرَّفوه بتعاريف متقاربة في ألفاظها، ومعانيها، وكلها تدور حول بذل الجَهد، والطاقة لمعرفة الحكم الشرعي من دليله.
وأدق ما قيل في تعريفه: "إن الاجتهاد هو: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنِّي" انتهى.
" الموسوعة الفقهية " (1 / 18، 19) .
ولم تزل الأمة تمر عليها النوازل، ويحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله تعالى فيها، ولا يتم ذلك إلا بالاجتهاد في النظر في الأدلة الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لها.
وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في معرفة الأحكام الشرعية، واجتهد التابعون ومن بعدهم العلماء ونُقلت إلينا اجتهاداتهم.
وفي أوائل القرن السادس ظهرت الدعوة إلى غلق باب الاجتهاد، وكان من أسباب ذلك: التعصب الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم، فأطلقوا تلك الدعوى (غلق باب الاجتهاد) حتى يقطعوا الطريق أمام من يجتهد في فهم النصوص ويستنبط أحكاماً تخالف ما قاله الأئمة السابقون.
ومما لا شك فيه أن هذه الدعوى غير صحيحة، فهناك الكثير والكثير من المسائل المستجدات يحتاج الناس إلى بيان حكم الله تعالى فيها، ولم يتكلم فيها الأئمة السابقون، لأنها لم تكن موجودة في زمنهم.
فالقول بإغلاق باب الاجتهاد يعني أن يبقى المسلمون لا يعلمون حكم الله في وقائع كثيرة ومسائل كثيرة.
ثم القائل بغلق باب الاجتهاد إنما قال هذا القول اجتهاداً منه، لم يقل به الأئمة السابقون، فكيف يسمح لنفسه بالاجتهاد ويجعل هذا آخر اجتهاد يُقبل من المسلمين، ويعلن إغلاق الباب بعد اجتهاده هذا؟!
وقد ذهب آخرون إلى هذه الدعوة "غلق باب الاجتهاد" لما رأوه من جراءة البعض على الأحكام الشرعية، وصاروا يتلاعبون بالنصوص والأحكام بدعوى الاجتهاد.
ولكن الموقف الصحيح تجاه هؤلاء: أن يُبين خطؤهم وتلاعبهم، ويُكشف تزويرهم وكذبهم، لا أن يُغلق باب الاجتهاد.
وقد وضع العلماء شروطاً وضوابط للاجتهاد حتى يكون مقبولاً، وهذه الشروط تضمن له ألا يتحول الاجتهاد إلى التلاعب بالنصوص، فليست المسألة فوضى، يقول مَنْ شاء ما شاء، بل هناك شروط للاجتهاد، يجب على المجتهد التقييد بها، وإلا كان اجتهاده نوعاً من التلاعب والعبث.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (1 / 42، 43) :
"والذي نَدين الله عليه: أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون، على علمٍ بكتاب الله، وسنَّة رسوله، ومواطن الإجماع، وفتاوى الصحابة، والتابعين، ومن جاء بعدهم، كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودونت بها السنَّة النبوية، وأن يكونوا قبل ذلك وبعد ذلك على الصراط المستقيم، لا يخشون في الله لومة لائم، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث، وما يجدّ من نوازل، وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، فيلج فيه من لا يحسن قراءة آية من كتاب الله في المصحف، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع، ويرجح بعضها على بعض.
والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال هؤلاء، وأن يفتري على الله الكذب، فيقولون هذا حلال وهذا حرام، من غير دليل ولا برهان، وإنما يقولون ذلك إرضاء للحكام، ولقد رأينا بعض من يدَّعي الاجتهاد يتوهم أن القول بكذا وكذا فيه ترضية لهؤلاء السادة، فيسبقونهم بالقول، ويعتمد هؤلاء الحكام على آراء هؤلاء المدعين، فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا الاستغلالي دون الاستهلاكي، بل منهم من قال بحله مطلقاً؛ لأن المصلحة - في زعمه - توجب الأخذ به، ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النل، لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي، ويسميه " تنظيم الأسرة "، ومنهم من يرى أن إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ، ومنهم ... ومنهم ... فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب الاجتهاد.
ولكنا نقول: إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع الشريعة نصّاً وروحاً، وإنما القولة الصحيحة هي إباحته، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث لم تقع في العصور القديمة" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحاً لكل إنسان، أو أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في المجتهد؟ وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه، دون معرفته بالدليل الواضح؟ فأجابوا:
"باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحاً لمن كان أهلاً لذلك، بأن يكون عالماً بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها، من الآيات والأحاديث، قادراً على فهمهما، والاستدلال بهما على مطلوبه، وعالماً بدرجة ما يستدل به من الأحاديث، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها، عارفاً من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص؛ ليتأتَّى له الاستدلال بها، والاستنباط منها، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه، أو يُفتي الناس بغير علم، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي، ثم بأقوال أهل العلم، ونظرهم في الأدلة، وطريقتهم في الاستدلال بها، والاستنباط، ثم يتكلم، أو يفتي بما اقتنع به، ورضيه لنفسه ديناً" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 17، 18) .
وذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه "الأصول من علم الأصول" شروط الاجتهاد، فقال: "للاجتهاد شروط منها:
1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها.
2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه، كمعرفة الإسناد ورجاله، وغير ذلك.
3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع.
4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص، أو تقييد، أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك.
5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ، كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، ونحو ذلك؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات.
6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى.
"الأصول من علم الأصول" (ص 85، 86) .
وبهذه الشروط يكون الاجتهاد منضبطاً، بعيداً عن التلاعب والهوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4)
أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر فعل وقول الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة سنة مثلا زواجه من خديجة رضي الله عنها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأصل في أفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة أنها خارجة عن السنة التشريعية، وأنه لا يلزمنا متابعته والائتساء به فيها، إلا ما جاء به شرعه ـ بعد البعثة ـ بمشروعيتها، إما على جهة الوجوب أو الاستحباب، من نحو (الوفاء بالوعد، وإعانة الملهوف، وإكرام الضيف، والإعانة على نوائب الحق، ونحو ذلك) فيلزمنا الاقتداء به فيه؛ لأنه صار شريعة لنا بعد نبوته، لا لمجرد أنه عليه الصلاة والسلام فعله قبل النبوة، وعلى هذا فيوجد في أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة ما لا يلزم اتباعه فيه، إما لأنه لم يثبت في حقنا تشريعه، وإما لورود ما ينسخه ويعارضه بعد البعثة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والأمور التي جرت قبل النبوة لا تذكر للأخذ والتشريع كفعله بعد النبوة , لأن المسلمين أجمعوا على أن الذي فرض على العباد من الإيمان به صلى الله عليه وسلم، والعمل بما جاء به، إنما ذلك لما كان بعد النبوة.
ولهذا كان عندهم: من ترك الجمعة والجماعة، وتخلى في الغيران والكهوف والجبال، حيث لا جمعة ولا جماعة، وزعم أنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه لكونه كان متحنثا في غار حراء قبل النبوة، فترك ما شرع له من العبادات الشرعية التي أمر الله بها ورسوله، واقتدى بما كان يفعل قبل النبوة ـ كان مخطئا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه الله بالنبوة، لم يكن يفعل ما فعله قبل ذلك، من حيث التحنث في غار حراء أو نحو ذلك.
ولم يكن أحد من أصحابه صلوات الله عليه من بعده، يأتي لغار حراء، ولا يتخلفون عن الجمعة والجماعة في الأماكن المنقطعة، ولا عمل أحد منهم خلوة أربعينية، كما يفعله بعض المتأخرين، بل كانوا يعبدون الله بالعبادات الشرعية التي شرعها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ا. هـ من مجموع الفتاوى (18 / 10) .
وأما المحدِّثون فإنهم يعتنون بذكر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كل وقت، ولو كان قبل البعثة، فهي تدخل في السنة على تعريف المحدثين، الذين يعتبرون كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة، فيروونه في كتبهم بناء على ذلك.
انظر: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام، للدكتور محمد العروسي (149) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5)
هل يشرع قصد ما فيه مشقة لزيادة الأجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إجابة السؤال (113385) (لا يؤجر المكلف على المشقة إذا قصدها، وإنما يؤجر عليها إذا كانت مقارنة للفعل المكلف به، وذلك أن المشقة ليست مقصودة لذاتها) ، وأشكل علي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ) ، فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ترك شراء الدابة طلباً لزيادة الثواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد علم من أصول الشريعة أن الشارع لا يقصد بالتكليف المشقة، بل يريد ما فيه مصلحة المكلف في العاجلة والآجلة، وقد يقتضي ذلك تكليفه بما فيه مشقة كالجهاد، وحينئذ يزيد له الشارع في الأجر، ترغيبا له في أداء العمل.
قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا) رواه البخاري (39) .
وقد رغب الشارع في قصد المساجد للصلاة، ورتب عليه الثواب، وجعل كل خطوة يخطوها المصلي إلى المسجد له بها حسنة، فمن كان بيته بعيدا ومشى إلى المسجد كتب له ممشاه، وزيد في أجره لما يلحقه من المشقة، لكن هذا لا يدل على أن المشقة تقصد ابتداء، لا من الشارع ولا من المكلف.
والحديث الذي ذكرت يدل على فضل المشي إلى المسجد، وأن الماشي يؤجر على هذا ما لا يؤجره الراكب، وقد ثبت هذا الفضل بنصوص أخر، كالحديث الذي رواه مسلم (655) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَهُمْ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) .
والعلة في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في البقاء في ديارهم البعيدة، ليست إلحاق المشقة بهم، ولا قصد المشقة ليثابوا عليها، وإنما العلة هي كراهة أن تصير المدينة خالية إذا تحول الناس جميعا إلى قرب المسجد، وقد جاء النص على ذلك، فيما رواه البخاري (1887) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، وَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ فَأَقَامُوا) .
وقوله (تعرى المدينة) أي تصير خالية.
ومن فقه البخاري رحمه الله أنه ترجم للحديث بترجمتين، الأولى في احتساب الآثار، والثانية في كراهة النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة.
قال الحافظ في الفتح: " قَوْله: (بَاب كَرَاهِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُعْرَى الْمَدِينَة) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة بَنِي سَلَمَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي " بَاب اِحْتِسَاب الْآثَار " فِي أَوَائِل صَلَاة الْجَمَاعَة. (تَنْبِيه) : تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيلَيْنِ , فَتَرْجَمَ فِي الصَّلَاة بِاحْتِسَابِ الْآثَار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَكَانَكُمْ تُكْتَب لَكُمْ آثَاركُمْ " وَتَرْجَمَ هُنَا بِمَا تَرَى لِقَوْلِ الرَّاوِي " فَكَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَة " وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِقْتَصَرَ فِي مُخَاطَبَتهمْ عَلَى التَّعْلِيل الْمُتَعَلِّق بِهِمْ لِكَوْنِهِ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْمُوَافَقَة " انتهى.
" فتح الباري " (4/99) .
فحصول المشقة والبعد ليس مقصودا، لكن من كان بعيدا كتب له أجر ممشاه.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: " المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها، وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته، من حيث هو عمل:
أما هذا الثاني؛ فلأنه شأن التكليف في العمل كله؛ لأنه إنما يقصد نفس العمل المترتب عليه الأجر، وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به، وما جاء على موافقة قصد الشارع هو المطلب.
وأما الأول؛ فإن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات كما يذكر في موضعه إن شاء الله، فلا يصلح منها إلا ما وافق قصد الشارع، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة، فقد خالف قصد الشارع، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشقة باطل، فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه، وما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض.
فإن قيل: هذا مخالف لما في " الصحيح " من حديث جابر رضي الله عنه قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد ". قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: " بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ".
في رواية: فقالوا: ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا. وفي رواية عن جابر رضي الله عنه، قال: كانت ديارنا نائية عن المسجد، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن لكم بكل خطوة درجة ".
وفي " رقائق ابن المبارك " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه كان في سفينة في البحر مرفوع شراعها، فإذا رجل يقول: " يا أهل السفينة قفوا سبع مرار، فقلنا: ألا ترى على أي حال نحن؟ ثم قال في السابعة: " لقضاء قضاه الله على نفسه أنه من عطش لله نفسه في يوم حار من أيام الدنيا شديد الحر، كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة ".
فكان أبو موسى رضي الله عنه يتتبع اليوم المعمعاني الشديد الحر فيصومه.
وفي الشريعة من هذا ما يدل على أن قصد المكلف إلى التشديد على نفسه في العبادة، وسائر التكاليف صحيح مثاب عليه، فإن أولئك الذين أحبوا الانتقال أمرهم عليه الصلاة والسلام بالثبوت لأجل عظم الأجر بكثرة الخطا، فكانوا كرجل له طريقان إلى العمل: أحدهما سهل، والآخر صعب، فأُمِرَ بالصعب ووُعِدَ على ذلك بالأجر، بل جاء نهيهم عن ذلك إرشادا إلى كثرة الأجر.
وتأمل أحوال أصحاب الأحوال من الأولياء، فإنهم ركبوا في التعبد إلى ربهم أعلى ما بلغته طاقتهم، حتى كان من أصلهم الأخذ بعزائم العلم، وترك الرخص جملة، فهذا كله دليل على خلاف ما تقدم.
وفي "الصحيح" أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوجعنا له، فقلنا له: يا فلان! لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض؟ فقال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فحملت به حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فدعاه، فقال له مثل
ذلك، وذكر أنه يرجو له في أثره الأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لك ما احتسبت "، فالجواب أن نقول:
أولا: إن هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي، والظنيات لا تعارض القطعيات، فإن ما نحن فيه من قبيل القطعيات.
ثانيا: إن هذه الأحاديث لا دليل فيها على قصد نفس المشقة، فالحديث الأول قد جاء في "البخاري" ما يفسره، فإنه زاد فيه: " وكره أن تعرى المدينة قِبَلَ ذلك، لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها "، وقد روي عن مالك بن أنس أنه كان أولا نازلا بالعقيق، ثم نزل إلى المدينة وقيل له عند نزوله العقيق: لم تنزل العقيق فإنه يشق بعده إلى المسجد؟ فقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويأتيه، وأن بعض الأنصار أرادوا النقلة منه إلى قرب المسجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أما تحتسبون خطاكم "، فقد فهم مالك أن قوله: " ألا تحتسبون خطاكم " ليس من جهة إدخال المشقة، ولكن من جهة فضيلة المحل المنتقل عنه.
وأما حديث ابن المبارك فإنه حجة من عمل الصحابي إذا صح سنده عنه، ومع ذلك فإنما فيه الإخبار بأن عظم الأجر ثابت لمن عظمت مشقة العبادة عليه، كالوضوء عند الكريهات، والظمأ والنصب في الجهاد، فإذن اختيار أبي موسى رضي الله عنه للصوم في اليوم الحار كاختيار من اختار الجهاد على نوافل الصلاة والصدقة ونحو ذلك، لا أن فيه قصد التشديد على النفس؛ ليحصل الأجر به، وإنما فيه قصد الدخول في عبادة عظم أجرها؛ لعظم مشقتها، فالمشقة في هذا القصد تابعة لا متبوعة، وكلامنا إنما هو فيما إذا كانت المشقة في القصد غير تابعة، وكذلك حديث الأنصاري ليس فيه ما يدل على قصد التشديد، وإنما فيه دليل على قصد الصبر على مشقة بعد المسجد ليعظم أجره، وهكذا سائر ما في هذا المعنى.
وأما شأن أرباب الأحوال، فمقاصدهم القيام بحق معبودهم، مع اطراح النظر في حظوظ نفوسهم، ولا يصح أن يقال: إنهم قصدوا مجرد التشديد على النفوس واحتمال المشقات، لما تقدم من الدليل عليه، ولما سيأتي بعدُ إن شاء الله.
ثالثا: إن ما اعتُرِض به معارَض بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا التشديد بالتبتل، حين قال أحدهم: أما أنا، فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا، فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا، فلا آتي النساء، فأنكر ذلك عليهم وأخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك كله، وقال: " من رغب من سنتي، فليس مني "، وفي الحديث: " وردَّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون، ولو أذن له لاختصينا "، وردَّ صلى الله عليه وسلم على من نذر أن يصوم قائما في اشمس، فأمره بإتمام صيامه، ونهاه عن القيام في الشمس "، وقال: " هلك المتنطعون "، ونهيه عن التشديد شهير في الشريعة، بحيث صار أصلا فيها قطعيا، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس، كان قصد المكلف إليه مضادا لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به، فإذا خالف قصده قصد الشارع، بطل ولم يصح، وهذا واضح، وبالله التوفيق " انتهى.
"الموافقات" (2/222-229) .
على أن الذي يترجح عندنا من الجواب عن أحاديث المشي إلى الصلاة، كهذا الذي ذكره السائل، وغيره مما أخبر فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن (أَعْظَم النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، ونحو ذلك، الذي يترجح أن نفسي المشي إلى الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، هي عبادة في نفسها، كما أن الطواف حول البيت عبادة مقصودة في نفسها، والسعي بين الصفا والمروة عبادة مقصودة في نفسها.
ويدل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي وردت في فضل المشي، وتكثير الخطا إلى المساجد، وتفضيل المسجد البعيد.
ولذلك قيد الفضل في المشي إلى الجمعة بترك الركوب: عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) رواه أبو داود (345) ، وصححه الألباني.
وفي حديث اختصام الملأ الأعلى: (.. وَالْكَفَّارَاتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ..) رواه أحمد (3474) والترمذي (3233) ، وصححه الألباني.
قال ابن رجب رحمه الله "فتح الباري، لابن رجب" (5/21) : " وقد دلت هذه الأحاديث عَلَى أن المشي إلى المساجد يكتب لصاحبه أجرهُ، وهذا مِمَّا تواترت السنن بِهِ " انتهى.
وإلى ذلك يشير الشاطبي رحمه الله فيما سبق، بأن مثل هذه المشقة تابعة، لا متبوعة، والمقصود إنما هو هذا العمل، الذي اتفق أن مشقته زائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6)
ما هي الأحاديث التي تصلح دليلا شرعيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحاديث التي يتم الأخذ بها والاستدلال بها شرعا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث التي يجب الأخذ بها والاستدلال بها هي الأحاديث المقبولة: الصحيحة أو الحسنة، أما الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة فلا يجوز الاستدلال بها على الحكم الشرعي:
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص/463) :
" ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " انتهى. يعني: متى ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل:
" سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة، فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وليس للرجل بَصَرٌ بالحديث الضعيف المتروك، ولا الإسناد القوي عن الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به؟
قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمر صحيح، ويسأل عن ذلك أهل العلم " انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/179)
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
" اعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا " انتهى.
"التمييز" (ص/218)
وقال الإمام السرخسي رحمه الله:
" ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام " انتهى.
"أصول السرخسي" (2/7) .
وقال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: الحديث ثلاثة أقسام , صحيح , وحسن , وضعيف. قالوا: وإنما يجوز الاحتجاج من الحديث في الأحكام بالحديث الصحيح أو الحسن، فأما الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد، وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام، كالقصص , وفضائل الأعمال , والترغيب والترهيب " انتهى.
"المجموع" (1/98) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان " انتهى.
"فضل علم السلف" (ص/57) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/250) .
وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله:
" من أراد الاحتجاج بحديث من السنن أو المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأصول رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده، وإلا فلا يحتج به " انتهى.
"فتح الباقي شرح ألفية العراقي"
وانظر جواب السؤال رقم (115125) لمعرفة حكم من يرد الحديث الصحيح.
و (79163) لمعرفة شروط الحديث الصحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/7)
يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) :
" أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى.
وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث.
انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) .
ثانيا:
وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها.
وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى.
قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/8)
موقفنا من اختلاف الأئمة في مسألة تغطية الوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة قضية مهمة تؤرقني، وهي ما معنى اختلاف الأئمة في قضية معينة؟ فإذا قلت لشخص ما إن الشيخ فلان قال إن ذلك الشيء حرام، قال لي: إن هذا في مذهبه هو، أو مذهب بلاده، ونحن نتبع مذهبا آخر يقول إنه حلال، وهذا التفكير أوصلني إليه قضية الحجاب معي، فمثلا البلد الذي أنتمي إليه مذهبه المالكية الذي يقول أئمته إن (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هو الوجه والكفان، أضف إلى ذلك أن الخمار شبه محرم في بلدي، يعني لا يمكن أبدا أن تمارس به حياتك اليومية، كالذهاب به إلى العمل أو المدرسة، وهناك قرارات تمنعه هو والقفازات، رغم أني شخصيا مقتنعة تمام الاقتناع بالخمار، ولكني لا أستطيع أبدا ارتداءه، فما حكمك في ذلك؟ لأني كلما سمعت أشرطة الحجاب للمشايخ الذين من مذهب آخر، أحس أن حجابي ليس شرعيّاً، وأفهم من كلامهم أني الآن سافرة ومتبرجة ومسببة للفتنة في هذه الأمة، فماذا نفعل ونحن حيارى بين هذا وهذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان المسلمون في زمن الوحي يتلقون أحكام الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديثه النبويَّة الشريفة، ولذلك لم يقع الخلاف بينهم إلا في أشياء يسيرة، وإن وقع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم وجه الصواب.
ثم لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانتشر الصحابة في الآفاق يعلِّمون الناس الدِّين ظهر الخلاف في بعض مسائل الفقه التي احتاج الناس إليها على اختلاف مكانهم وزمانهم، وكان لهذا الخلاف مجموعة من الأسباب، نلخصها هنا من كلام أهل العلم:
1. أن يكون الدليل لم يبلغ هذا المخالف الذي أخطأ في حكمه.
2. أن يكون الحديث قد بلغ العالِم، ولكنه لم يثق بناقله، ورأى أنه مخالف لما هو أقوى منه، فأخذ بما يراه أقوى منه.
3. أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه.
4. أن يكون بَلَغَهُ وفهم منه خلاف المراد.
5. أن يكون قد بلغه الحديث، لكنه منسوخ، ولم يعلم بالناسخ.
6. أن يعتقد أنه معارض بما هو أقوى منه من نص أو إجماع.
7. أن يأخذ العالِم بحديث ضعيف أو يستدل استدلالاً ضعيفاً.
وينظر في تفصيل هذه الأسباب، وذِكر غيرها: " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية " و " الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه " للشيخ العثيمين.
ونظن بهذا الذي سقناه من أسباب الخلاف بين العلماء أن معنى اختلاف الأئمة في مسائل الفقه أصبح ظاهراً عندكِ إن شاء الله.
ثانياً:
ما هو موقف المسلم تجاه الخلاف الذي يكون بين العلماء؟ وبعبارة أخرى: بأي قول يأخذ المسلم من أقوال أهل العلم التي اختلفوا إليها؟ الجواب فيه تفصيل:
1. إذا كان المسلم ممن درس العلم الشرعي وتعلم أصوله وقواعده، ويستطيع أن يميز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم: فإن الواجب عليه أن يتبع ما يراه صوابا، ويترك ما يراه خطأ.
2. أما إذا كان من العامة، أو ممن لم يدرسوا العلم الشرعي، وعليه: فهو لا يفرِّق بين صواب الأقوال وخطئها: فهذا الواجب في حقه أن يأخذ بفتوى من يثق بعلمه وأمانته ودينه من أهل العلم، سواء كانوا من أهل بلده أو من غيره، ولا يضره اختلاف العلماء بعد ذلك، فلا يجب عليه أن يغير ما يعمل به لأنه سمع عالما آخر يفتي بخلاف من أفتاه سابقا، إلا أن يكون ما علِمه بعد ذلك هو الحق بناءً على ثقته بالمفتي الآخر بدينه وعلمه.
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
" الواجب على مَن علِم بالدليل أن يتبع الدليل، ولو خالف مَن خالف من الأئمة، إذا لم يخالف إجماع الأمة.
ومَن ليس عنده علم: فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه، لا على سبيل الوجوب؛ لأن من هو أفضل قد يخطئ في هذه المسألة المعينة، ومن هو مفضول قد يصيب فيها الصواب، فهو على سبيل الأولوية، والأرجح: أن يسأل من هو أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه ودينه ".
انتهى باختصار من كتابه " الخلاف بين العلماء " (ص 15 – 17) .
وانظري جواب السؤال رقم (8294) و (10645) .
ثالثا:
فإن سألت عن قولنا في مسألة غطاء الوجه: فالراجح من أقوال أهل العلم عندنا هو وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب، وقد جاءت بذلك الأدلة الكثيرة وأقوال جماهير أهل العلم، ومنهم المالكية، فقد قال كثير منهم إنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، لا لكونه عورة، بل لأنَّ الكشف مظنَّة الفتنة، وبعضهم يراه عورة مطلقاً، لذلك فإنَّ النِّساء - في مذهبهم - ممنوعات من الخروج سافرات عن وجوههنَّ أمام الرجال الأجانب.
قال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الأحزاب/18.
قال القاضي أبو بكر بن العربيِّ المالكي – رحمه الله -:
" المرأة كلُّها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عمَّا يعّ ويعرض عندها " انتهى.
" أحكام القرآن " لابن العربي (3 / 1578، 1579) .
وقال القرطبي – رحمه الله – وهو مالكي أيضاً:
" في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة: بدنها وصوتها - كما تقدم - فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعيَّن عندها " انتهى.
في " الجامع لأحكام القرآن " (14 / 227) .
ولمطالعة مزيد من أقول الفقهاء المالكية في وجوب تغطية المرأة وجهها، يُنظر: " المعيار المعرب " للونشريسي (10 / 165 و 11 / 226 و 229) و " مواهب الجليل " للحطّاب (3 / 141) و " الذّخيرة " للقرافي (3 / 307) و " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (2 / 55) .
وقد سبق في موقعنا ذكر المسألة بأدلتها في أكثر من إجابة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11774) ، (12525) ، (13998) ، (21134) ، (21536) .
رابعاً:
أما ما ذكرتِ من منع القوانين عندكم من تغطية المرأة وجهها: فذلك مما يدمَى له القلب، وتأسف له النفس، أن يحارب الستر والعفاف، ويشجع التبرج والسفور في كل مكان، وخاصة إذا كان ذلك في بلاد تنتسب للإسلام.
فإذا كانت القوانين تمنع من ستر المرأة، وخشيتم من الأذى بسبب لبس غطاء الوجه: فلا حرج عليكم حينئذ من تركه، على أن يكون ذلك بقدر الضرورة، فلا تخرج المرأة من بيتها كاشفة وجهها إلا لحاجة، وإن استطاعت أن تخالف القوانين وتحتمل الأذى اليسير فلتفعل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وانظري جواب السؤال رقم (2198) و (45672) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/9)
مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -:
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ":
اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال.
... .
ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ".
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض:
1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض.
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى.
ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -:
إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك.
جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944.
2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية.
أ. ففي "الموسوعة العربية":
ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm
وقالوا:
إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -:
علاج ADHD:
1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم.
2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة.
3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى.
http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369
ثالثاً:
أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ".
أ. ففي " الموسوعة العربية ":
" الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ".
... .
ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى.
http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm
ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -:
العلاج الدوائي:
وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى.
http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm
وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء".
فأفاد بما يلي:
"هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ...
وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً.
وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك.
ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/10)
شروط إباحة المحرم عند الضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن من الأمور ما تكون حراماً ثم لظروف معينة تصير حلالاً بدافع الضرورة، أرجو أن تدلني على شروط ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من القواعد المقررة في شريعتنا أن " الضرورات تبيح المحظورات "، وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة، من الكتاب، والسنَّة، منها: قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 173.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
(فَمَنِ اضْطُرَّ) أي: ألجئ إلى المحرَّم، بجوع، أو عدم [يعني: عدم وجود طعام غير الميتة] ، أو إكراه.
(غَيْرَ بَاغٍ) أي: غير طالب للمحرَّم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه.
(وَلا عَادٍ) أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطراراً، فمَن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة: فلا يزيد عليها.
(فَلا إِثْمَ) أي: جناح عليه، وإذا ارتفع الجناح - الإثم -: رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة، وأن يقتل نفسه، فيجب إذًا عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلاً لنفسه , وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
ولما كان الحِلُّ مشروطاً بهذين الشرطين، وكان الإنسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها: أخبر تعالى أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصاً وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة.
وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: " الضرورات تبيح المحظورات "، فكل محظور اضطر إليه الإنسان: فقد أباحه له الملك الرحمن، فله الحمد والشكر، أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.
" تفسير السعدي " (ص 81) .
ومن أدلة السنَّة:
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا بِهَا مَخْمَصَةٌ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: (إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا) رواه أحمد (36/227) ، وحسنه المحققون لطرقه وشواهده.
تصطبحوا: المراد به الغداء.
تغتبقوا: المراد به العشاء.
تحتفئوا: بقلا. أي: تجمعوا بقلاً وتأكلوه.
وقد مَثَّل العلماء على الضرورات تبيح المحظورات – غير أكل الميتة عند المخمصة -: إساغة اللقمة بالخمر , والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه , ودفع المعتدي ولو أدى إلى قتله.
انظر: "الأشباه والنظائر" (ص 85) لابن نجيم.
والضرورة التي تبيح فعل المحرم هي:
ما يلحق العبد ضرر بتركه - وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس: الدِّين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال.
وأما شروط إباحة المحرم للضرورة فقد قال الدكتور عبد الله التهامي – وفقه الله - في بيان ذلك:
"هناك شروط، وقيود، لا بد من حصولها في حالةٍ ما؛ ليسوغ تسميتها ضرورة شرعية، ولا يمكن أن تكون تلك الحالة ضرورة شرعية مع تخلف شيء من هذه الضوابط، وإليك بيان هذه الضوابط، مع الاستدلال لها:
1. أن يترتب على الامتثال للدليل الراجح المحرّم ضرر متعلق بإحدى الكليات الخمس، كأن تتعرض نفسه للهلاك إن لم يأكل من الميتة.
2. أن يكون حصول الضرر أمراً قاطعاً، أو ظنًّا غالباً، ولا يلتفت إلى الوهم والظن البعيد، كأن يكون المضطر في حالة تسمح له بانتظار الطعام الحلال الطيب، فلا يقدم على تناول الميتة والحالة كذلك حتى يجزم بوقوع الضرر على نفسه، فيجوز حينها تناول الميتة، ودليل ذلك: ما علم في الشريعة من أن الأحكام تناط باليقين والظنون الغالبة، وأنه لا التفات فيها إلى الأوهام، والظنون المرجوحة البعيدة.
3. ألاّ يُمكن دفع هذا الضرر إلا بالمخالفة، وعدم الامتثال للدليل المحرِّم، فإن أمكن المضطر أن يدفع هذا الضرر بأمرين أحدهما جائز والآخر ممنوع: حرُم عليه ارتكاب المخالفة للدليل المحرم، ووجب عليه دفع الضرر بالأمر الجائز، كأن يغص بلقمة وأمامه كأسان من الماء، والخمر.
4. ألا يعارِض هذه الضرورة عند ارتكابها ما هو أعظم منها، أو مثلها، كأن يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ووجه ذلك: ما ورد من قواعد مثل: " الضرر لا يزال بمثله" انتهى من "مجلة البيان" (عدد 120، ص 8) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ليس هناك ضرورة تبيح المحرم إلا بشرطين:
1. أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا.
2. أن نعلم أن ضرورته تزول به" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (3/19) .
وعلى هذا، فشروط إباحة المحرم للضرورة هي:
1- وجود الضرورة.
2- ألا توجد وسيلة لدفع الضرر إلا بفعل هذا المحرم.
3- أن يكون فعل المحرم مزيلاً للضرورة قطعاً، فإن حصل شك هل تزول الضرورة بهذا الفعل أم لا؟ فلا يجوز فعل المحرم حينئذ.
4- ألا يعارض هذه الضرورة ما هو مثلها أو أعظم منها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/11)
إباحة المحرم للضرورة وشروط ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن المحرمات تكون حلالاً إذا وجدت ضرورة لفعلها، فهل لهذا الحكم شروط، حتى يكون تطبيقه صحيحاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية، والتي اتفق عليها العلماء: أن "الضرورات تبيح المحظورات".
وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية، قمن ذلك قوله الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/3.
وقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
ومن أمثلة هذه القاعدة:
1- أكل الميتة لمن لم يجد غيرها وخشي الموت من الجوع.
2- التلفظ بكلمة الكفر تحت وطأة التعذيب والإكراه.
3- دفع الصائل المعتدي الظالم ولو أدى ذلك إلى قتله.
انظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم ص 85.
والضرورة هي: ما يلحق الإنسان ضرر بتركه، وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس وهي: (الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال) .
وأما شروط إباحة المحرم للضرورة، فقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله شرطين لذلك، وشرحهما شرحاً وافياً مع الأمثلة وذكر بعض الاعتراضات والجواب عليها، ولهذا نكتفي بذكر كلامه، قال رحمه الله:
"وهذه القاعدة من القواعد الفقهية الأصولية التي دل عليها الشرع، "كل شيء ممنوع فإنه يحل للضرورة" ...
فالممنوع يباح للضرورة ولكن بشرطين:
الشرط الأول:
أن نضطر إلى هذا المحرم بعينه، بمعنى: أن لا نجد شيئاً يدفع الضرورة إلا هذا الشيء المحرم، فإن وجد سواه فإنه لا يحل، ولو اندفعت الضرورة به.
الشرط الثاني: أن تندفع الضرورة به، فإن لم تندفع الضرورة به فإنه يبقى على التحريم، وإن شككنا هل تندفع أو لا؟ فإنه يبقى أيضاً على التحريم، وذلك لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقنة، واندفاع الضرورة به مشكوك فيه، ولا ينتهك المحرم المتيقن لأمر مشكوك فيه.
ومن ثَمَّ يختلف الحكم في رجل جائع لم يجد إلا ميتة، فهنا نقول: كُلْ من الميتة. فإذا قال: هذا انتهاك للمحرم، قلنا: حَلَّ لك للضرورة، لأنه ليس عندك ما تأكله سوى هذا، ولأنك إذا أكلت اندفعت الضرورة به.
ورجل قيل له: إن تناول الخمر يشفيك من المرض، فهنا نقول: لا يحل لك أن تتناول الخمر ولو قيل لك: إنه يشفيك من المرض. لماذا؟
أولاً: لأنه لا يتيقن الشفاء به، فإنه ربما يشربه ولا يبرأ من المرض، فإننا نرى كثيراً من المرضى يتناولون أدوية نافعة، ثم لا ينتفعون بها.
ثانياً: أن المريض قد يبرأ بدون علاج، بتوكله على الله، ودعائه ربه، ودعاء الناس له، وما أشبه ذلك. هذا من حيث التعليل.
أما من حيث الدليل؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فهذا الحكم معقول العلة، لأن الله سبحانه لم يحرمه علينا إلا لأنه ضار بنا، فكيف يكون المحرم شفاءً ودواءً؟
ولهذا يحرم التداوي بالمحرم، كما نص عليه أهل العلم، ولا يقال: هذا ضرورة؛ كما يظنه بعض الناس.
لو قال قائل: إنسان غَصَّ، وليس عنده إلا كوب خمر، فهل يجوز أن يشرب هذا الكوب لدفع الغصة؟
الجواب: يجوز، لأن الشرطين وجدا فيه.
فهو قد اضطر إلى هذا بعينه، ونتيقن زوال الضرورة به، فنقول: اشرب الخمر، ولكن إذا زالت الغصة فكفَّ عن الشراب.
لو قال قائل: رجل وجد لحماً مذبوحاً حلالاً ولحماً لحيوان ميت، فهل له أكل الميت لكونه مضطراًّ لذلك؟
الجواب: ليس له ذلك، لأن الضرورة تندفع بغيره، فلا يحل، لعدم تحقق الشرط الأول.
ولو قال: أنا عطشان وليس عند إلا كوب خمر. فهل أشرب؟
الجواب: لا، كما قال العلماء، لأنه لا تندفع به الضرورة، بل لا يزيده إلا عطشاً، فإذاً لا فائدة من انتهاك المحرم، لأنه لا تندفع به الضرورة، فلم يتحقق الشرط الثاني.
ولو قال قائل: لو اضطر المريض إلى شرب الدم للتداوي به فهل يجوز له ذلك؟
الجواب: لا يجوز له ذلك، لانتفاء الشرطين" انتهى.
"شرح منظومة أصول الفقه وقواعده (صـ 59 – 61) .
ولمزيد الفائدة عن هذه القاعدة انظر جواب السؤال رقم (137035) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/12)
حكم النقاش في المنتديات في مسائل الشرع، والتصويت عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في الآونة الأخيرة في كثير من المنتديات قيام بعض المحسوبين على الالتزام الديني بمناقشة القضايا الشرعية المختلفة، مثل لون الحجاب، وصفته، وإغلاق المحلات أوقات الصلوات، وفتح دور السينما، وقيادة المرأة للسيارة بشكل مفتوح بين عوام الناس. ويبدأ كل واحد يدلي بدلوه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وكأنها مسابقة مثلاً، بل تصل أن بعضهم يصف ارتداء أخت مسلمة في كندا للعباءة السوداء، وتجمع أهل البلد عليها مستغربين بالمنظر المقزز!! وعندما يرد عليهم أحد يتهمونه بالتشدد، والانغلاق، وعدم تقبل الرأي الآخر، ورغم أن أصحاب هذه النقاشات محسوبون على أهل الدين: غالباً ما تخلو هذه النقاشات من الأدلة الشرعية، أو الاستدلال برأي العلماء، وعندما يناقَشون في الأمر يقولون: إن هذه مجرد آراء شخصية، لا علاقة لها بالفتوى، وما شابه، وأصبحت هذه النقاشات مصدراً للتناحر، والبغضاء بين الشباب الملتزم. فما هو حكم مناقشة القضايا الشرعية في المجالس المفتوحة بين الناس؟ وماذا تقول للقائمين على هذه المنتديات التي يتم بها مثل هذه الأمور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما جاء في السؤال هو من القضايا المهمة التي ينبغي التنبيه عليها، ويمكن أن نقسِّم الأمر إلى مسائل:
المسألة الأولى: النقاش في مسائل شرعية ثابتة بالنص أو الإجماع.
المسألة الثانية: نقاش في مسائل اجتهادية، أدلتها محتملة، وفيها خلاف بين العلماء.
المسألة الثالثة: عرض شيء من قضايا الشرع على التصويت.
أما المسألة الأولى: فيجب أن يُعلم أن ما ثبت فيه نص من القرآن، أو صحَّ فيه دليل من السنَّة، أو أجمع العلماء على القول به، سواء من مسائل الاعتقاد، أو من الفقه: فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يشكك فيها، ولا أن يجعلها عرضة للنقاش، لا بين العلماء وطلبة العلم، ولا - من باب أولى – بين عامة النّاس، وإنما يُدعى الناس للعمل بتلك المسائل، وتبني ما فيها من اعتقاد.
وأما المسألة الثانية: فكثير من المسائل الشرعية وقع فيها خلاف بين العلماء، من حيث أدلتها، أو الاستدلال بها، ومثل هذه المسائل لا بأس بعرضها في المنتديات ليتم النقاش فيها، والتحاور حولها، على أن يكون ذلك وفق ضوابط، وشروط، منها:
1. أن يكون النقاش والتحاور فيها مبنياً على الأدلة وأقوال العلماء، لا بمجرد الهوى أو الرأي الشخصي، فإنه لا يجوز الكلام في الشرع إلا إذا كان الكلام مبنياً على الأدلة الشرعية.
2. أن يكون الحوار والنقاش بأدب، وأن يُبتعد عن فحش القول، وعن التعصب.
3. أن لا تُعطى المسائل أكبر من حجمها، وأن تعطى المسائل المهمة الأولوية في البحث، والنقاش.
وأما التصويت على شيء من مسائل الشرع – وهي المسألة الثالثة – وفتح المجال لكل إنسان ليقول رأيه فيها: فهو أمر مرفوض، والناس فيهم المسلم والكافر، والطائع والعاصي، والعالم والجاهل، والكبير والصغير، فكيف تُعرض أحكام الله تعالى على هؤلاء جميعاً ليصوتوا على ما يرونه مناسباً أن يكون هو شرع الله؟!
والأحكام الشرعية لا تثبت بهذا الأسلوب، وليس بعدد الأصوات يُعرف الصواب من الخطأ، أو الراجح من المرجوح فيها، بل يُعرف ذلك بنقاش علمي حول الأدلة التي في المسألة، وكيفية الاستدلال بها للتوصل إلى معرفة حكم الله تعالى.
وقد قرأنا في بعض المنتديات: " شارك معنا بصوتك: هل توافق على التعدد "! ومثل: " ما رأيك بالنقاب، وهل تؤيده "!
وإذا نظرنا إلى اختيارات المشاركين وآراءهم، تبين لنا خطورة مثل هذا الأسلوب، فموضوع النقاب – مثلاً – كان من ضمن اختيارات المشاركين فيه: " تخلف ورجعية "! " إرهاب وتطرف "! " استمرار لظلم المرأة "! " أؤيده لأن النساء منحرفات "!
وهذا الكلام سب وتنقص لأحكام شرعية شرعها الله تعالى، وذلك أمر خطير على إيمان من فعل ذلك.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/13)
الفرق بين القصد والنية وأهمية المقاصد في الفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين القصد والنية؟ وما موقع المقاصد في الفقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القصد في اصطلاح الفقهاء هو: العزم المتجه نحو إنشاء فعل. "معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية" (3/96) .
والنية هي كما يقول القرافي رحمه الله: " قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله ". "الذخيرة" (1/20) .
وعرفها النووي بأنها " عزم القلب على عمل فرض أو غيره ". "المجموع" (1/310) .
ومن تعريف القرافي يتبين أن النية والقصد متقاربان، ولهذا عرف النية بالقصد، لكن ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن بينهما فرقا، قال: " فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان:
أحدهما: أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره. والنية لا تتعلق إلا بفعله نفسه، فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره، ويُتصور أن يقصده ويريده.
الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعلٍ مقدورٍ يقصده الفاعل. وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه، ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَالِه رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ عند الله، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فيه بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، وَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فذلك شَرُّ مَنْزِلَةٍ عِنْدَ الله. ثم قال: وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، وَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ) فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه، بخلاف القصد والإرادة فإنهما لا يتعلقان بالمعجوز عنه، لا من فعله ولا من فعل غيره " انتهى من "بدائع الفوائد" (3/190) ، وانظر: "القواعد الكلية والضوابط الفقهية" للدكتور محمد عثمان شبير ص 93، 94.
ثانيا:
المقاصد لها موقع كبير مهم من الفقه، وحسبك من ذلك أن من القواعد الكلية الكبرى قاعدة: الأمور بمقاصدها، المأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
قال السيوطي رحمه الله: " اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية: قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال: ربعه، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها؛ لأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها " إلى أن قال: " وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا " انتهى من "الأشباه والنظائر" ص 9.
وهذا يدل على أهمية معرفة المقاصد واعتبارها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/14)
باب في أحكام الغصب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ شيء من أملاك الغير غصباً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغصب لغة: أخذ الشيء ظلماً ومعناه في اصطلاح الفقهاء: الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق.
والغصب محرم بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) , والغصب من أعظم أكل المال بالباطل , ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) , وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) .
والمال المغصوب قد يكون عقاراًً وقد يكون منقولاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً؛ طوقه من سبع أرضين) .
فيلزم الغاصب أن يتوب إلى الله عز وجل , ويرد المغصوب إلى صاحبه , ويطلب منه العفو؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده لأخيه مظلمة؛ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم [يعني يوم القيامة] : إن كانت له حسنات؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلوم، وإن لم تكن له حسنات؛ أخذ من سيئات المظلوم , فطرحت عليه , وطرح في النار , أو كما قال صلى الله عليه وسلم , فإن كان المغصوب باقياً؛ رده بحاله , وإن كان تالفا؛ رد بدله.
قال الإمام الموفق: (أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير) انتهى.
وكذلك يلزمه رد المغصوب بزيادته , سواء كانت متصلة أو منفصلة , لأنها نماء المغصوب , فهي لمالك الأصل.
وإن كان الغاصب قد بنى في الأرض المغصوبة أو غرس فيها , لزمه قلع البناء والغراس إذا
طالبه المالك بذلك , لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق) , رواه الترمذي وغيره وحسنه , وإن كان ذلك يؤثر على الأرض , لزمه غرامة نقصها , ويلزمه أيضا إزالة آثار الغراس والبناء المتبقية , حتى يسلم الأرض لمالكها سليمة.
ويلزمه أيضاً دفع أجرتها منذ أن غصبها إلى أن سلمها؛ أي أجرة مثلها؛ لأنه منع صاحبها من الانتفاع بها في هذه المدة بغير حق.
وإن غصب شيئاً وحبسه حتى رخص سعره؛ ضمن له نقصه على الصحيح.
وإن خلط المغصوب مع غيره مما يتميز - كحنطة بشعير -؛ لزم الغاصب تخليصه ورده , وإن خلطه بما لا يتميز - كما لو خلط حنطة بمثلها -؛ لزمه رد مثله كيلاً أو وزناً من غير المخلوط , وإن خلطه بمثله أو أحسن منه أو خلطه بغير جنسه مما لا يتميز؛ بيع المخلوط , وأعطي كل منهما قدر حصته من الثمن , وإن نقص المغصوب في هذه الصورة عن قيمته منفردا ًضمن الغاصب نقصه.
ومما ذكروه في هذا الباب قولهم: " والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان ": ومعناه أن الأيدي التي ينتقل إليها المغصوب عن طريق الغاصب كلها تضمن المغصوب إذا تلف فيها , وهذه الأيدي عشر: يد المشتري وما في معناه , ويد المستأجر , ويد القابض تملكاً بلا عوض كيد المنتهب , ويد القابض لمصلحة الدافع كالوكيل , ويد المستعير , ويد الغاصب , ويد المتصرف في المال كالمضارب , ويد المتزوج للمغصوبة , ويد القابض تعويضا بغير بيع , ويد المتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه، وفي كل هذه الصور إذا علم الثاني بحقيقة الحال , وأن الدافع إليه غاصب؛ فقرار الضمان عليه؛ لتعديه على ما يعلمه غير مأذون فيه من مالكه؛ وإن لم يعلم بحقيقة الحال؛ فالضمان على الغاصب الأول.
وإن كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره لزم الغاصب أجره مثله مدة بقائه بيده؛ لأن المنافع مال متقوم , فوجب ضمانها كضمان العين.
وكل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة؛ لعدم إذن المالك.
وإن غصب شيئاً وجهل صاحبه ولم يتمكن من رده إليه؛ سلمه إلى الحاكم الذي يضعه في موضعه الصحيح , أو تصدق به عن صاحبه , وإذا تصدق به؛ صار ثواباً لصاحبه , وتخلص منه الغاصب.
وليس اغتصاب الأموال مقصوراً على الاستيلاء عليها بالقوة بل ذلك يشمل الاستيلاء عليها بطريق الخصومة الباطلة والأيمان الفاجرة: قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) ؛ فالأمر شديد والحساب عسير.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين) , وقال صلى الله عليه وسلم: (من قضيت له بحق أخيه؛ فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من نار) .
[الْمَصْدَرُ]
الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان ص 130.(5/15)
هل يعتبر شهيداً من مات في سفر تجاري بحري
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر شهيداً من مات في سفر تجاري بحري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق، فهل مات شهيداً؟
أجاب: نعم، مات شهيداً، إذا لم يكن عاصياً بركوبه، فإنَّه قد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الغريق شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، والحريق شهيدٌ، والميت بالطاعون شهيدٌ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدةٌ، وصاحب الهدم شهيدٌ "، وجاء ذكر غير هؤلاء.
وركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه، ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (3 / 23) .(5/16)
يخشى على نفسه العطش في الصحراء فهل يعطي الماء لعطشان آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان شخص يمشي في الصحراء ومعه ماءٌ لكنه يخشى العطش في المآل، وهناك عطشان في الحال فهل يجب عليه بذله له أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق:
فأجاب بقوله:
ذكر في " المجموع " في المقدَّم منهما وجهين، ولم أرَ من رجَّح منهما شيئاً، والذي يظهر ترجيحه: أنه يقدَّم العطشان في الحال إذا خشي من العطش الهلاك؛ لأن إتلاف مهجته محقَّق بخلاف المالك فإنه قد يحصل له ماء، فإن كان ببرية أيس فيها من حصول ماء وغلب على ظنه الهلاك لو بذل ما معه فللنَّظر في ذلك مجال، وعدم وجوب البذل حينئذٍ أقرب، وكذا لو خشي العطشان من العطش في الحال إتلاف عضو أو حدوث مرضٍ ونحوه، وخشي المالك من العطش في المآل إتلاف النفس، فلا يجب البذل أيضا على الأقرب.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 69) .(5/17)
أحكام إحياء الموات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو إحياء الموات، وما هو أحكامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموات - بفتح الميم والواو -: هو ما لا روح فيه، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها.
ويعرفه الفقهاء رحمهم الله بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
فيخرج بهذا التعريف شيئان:
الأول: ما جرى ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها.
الثاني: ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد، كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء.
فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه، وأحياها شخص؛ ملكها؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (من أحيا أرضاً ميتة؛ فهي له) , رواه أحمد والترمذي وصححه , وورد بمعناه أحاديث , وبعضها في (صحيح البخاري) .
وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه؛ إلا موات الحرم وعرفات؛ فلا يملك بالإحياء؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك، واستيلائه على محل الناس فيه سواء.
ويحصل إحياء الموات بأمور:
الأول: إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت العادة به؛ فقد أحياه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحاط حائطاً على أرض؛ فهي له) ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه ابن الجارود، وعن سمرة مثله , وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطاً في اللغة، أما لو أدار حول الموت أحجاراً ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقاً؛ فإنه لا يملكه بذلك، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه.
الثاني: إذا حفر في الأرض الموات بئراً، فوصل إلى مائها؛ فقد أحياها؛ فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء؛ لم يملكها بذلك، وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره؛ لأنه شرع في أحيائها.
الثالث: إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر؛ فقد أحياها بذلك؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط.
الرابع: إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك؛ فقد أحياها؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها.
ومن العلماء من يرى أن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور بل يرجع فيه إلى العرف فما عده الناس إحياء؛ فإنه يملك به الأرض الموات؛ واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه , فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف.
ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق , وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت , وأقطع عمر وعثمان وجمعاً من الصحابة , لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه , بل يكون أحق به من غيره , فإن أحياه ملكه , وإن عجز عن إحيائه؛ فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها.
ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات؛ الصيد، والحطب؛ فهو أحق به.
وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح (أي: غير مملوك) كماء النهر وماء الوادي , فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله لمن بعده ... وهكذا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر) ؛ متفق عليه، وذكر عبد الرزاق عن معمر الزهري؛ قال: نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر) . فكان إلى الكعبين؛ أي: قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين , فجعلوا ذلك معياراً لاستحقاق الأول فالأول , وروى أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب؛ أنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور (واد في المدينة مشهور) : (أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين , ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل) .
أما إن كان الماء مملوكاً؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم , ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء.
ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين؛ كخيل الجهاد , وإبل الصدقة؛ ما لم يضرهم بالتضييق عليهم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين) ؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين وأنعام الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان.(5/18)
معنى كلمة بوكيمون
[السُّؤَالُ]
ـ[لعله وصلكم الترجمة التي للبوكيمون لكن أنا أسأل عن صحة هذه الترجمة لأنكم في شريطك عن البوكيمون لم تذكروا هذه الترجمة وفتوى كبار العلماء كذلك لم تذكر هذه الترجمة فنرجو ذكر صحة الترجمة من عدمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سمعنا عن كثيرٍ من الأقوال في ترجمة هذه الكلمة، ولعلها من مبالغات بعض الناس، أو أنه من شركات منافسة.
والصحيح: أن اسم المنتج في اليابان هو " بوكيت مونستر " Poket monster، ومعناه: الحيوان المسخ الصغير بحجم الجيب، وبوكيمون: هو اختصار لهاتين الكلمتين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/19)
طريقة التعامل مع الأوراق المحترمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الشريعة بالأسماء المحترمة التي توجد في الجرائد بما فيها أسماء الأنبياء أو أسماء الله عبد الله أو عبد الكريم؟
كيف نتلف هذه الأوراق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأوراق التي فيها ذكر الله يجب الاحتفاظ بها وصيانتها عن الابتذال والامتهان حتى يفرغ منها، فإذا فرع منها لم يبق لها حاجة وجب دفنها في محلّ طاهر أو إحراقها أو حفظها في محلّ يصونها عن الابتذال كالدواليب والرفوف ونحو ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ ابن باز من كتاب فتاوى إسلامية ج/4 ص/313.(5/20)
تسأل عن زكاة الذهب الأبيض وبيت مسكون بالجن
[السُّؤَالُ]
ـ[في محلات ومعارض الذهب يباع معدن لونه أبيض مثل الفضة وبعض الناس يسمونه ذهب أبيض وآخرين يسمونه بلاتين. هل عليّ زكاه فيه وهل الزكاة بنفس قيمه زكاة الذهب الأصفر؟
ثانيا: هناك علامة معينه تظهر في جبين بعض الرجال ويطلق عليها الناس علامة صلاه وزوجي لا تظهر عنده هذه العلامة رغم أنه مواظب على كل الصلوات في المسجد ومتدين جدا فهل هذه العلامة هي ما يقصد بها "سيماهم في وجوههم من أثر السجود"؟ ولماذا لا تظهر لكل الرجال ولماذا لا تظهر للنساء وهل عدم ظهورها يعنى شيء؟
ثالثا: نسكن في شقه إيجار منذ 5 سنوات وكنا نشعر ونلاحظ أشياء كثيرة تجعلنا نشك بأن الشقة يسكنها الجان وفى الأيام الأخيرة رأيت بنفسي كوب من الزجاج في المطبخ يطير ويرمى وحده في الحائط وينزل عبارة عن فتافيت من الزجاج ولا نعلم ماذا نفعل؟
رابعا: أنا امرأة مسلمة مثل غيري الكثيرات أتقطع حزنا عما تفعله أمريكا واليهود في المسلمين ولا أعلم ما هو واجبي أمام الله تجاه هذا الموضوع وما هو بيدي أن أفعله حتى أكون بريئة الذمة أمام الله وهل على شيء معين واجب أن أفعله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا كان ذهبا أو فضة ففيه الزكاة والمرجع في تحديد نوعيته لأهل الخبرة.
ثانياً: ليس بالضرورة أن تظهر هذه العلامة في الجبهة لكل مصل بل تتفاوت طبائع جلود الأشخاص كما أنّ ظهورها لا يدلّ على صلاح الشخص والمشهور عن المفسرين في معنى قوله تعالى سيماهم في وجوههم: أي نور الطاعة
ثالثاً: عليكم بقراءة سورة البقرة في البيت ثلاثة أيام في كل يوم مرة
رابعاً: اجتهدي بالدعاء لإخوانك هناك لعلّ الله أن يستجيب وتصدقي عليهم بما تستطيعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/21)
لماذا قدّمت الوصية في قوله تعالى: (من بعد وصيّة يوصى بها أو دَيْن)
[السُّؤَالُ]
ـ[لمادا أتت لفظة الوصية في القرآن الكريم قبل الدين ونحن نعلم أن الدين ينفد قبل الوصية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال القرطبي رحمه الله: " إن قيل: ما الحكمة في تقديم ذكر الوصية على ذكر الدَّيْن, والدين مقدم عليها بإجماع، أي تقضى ديون الميت من تركته قبل إخراج ما أوصى به ... فالجواب من أوجه خمسة:
الأول: إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما ; فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ.
جواب ثان: لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها; كما قال تعالى: "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة" الكهف/49.
...
جواب ثالث: إنما قدمت الوصية إذ هي حظ مساكين وضعفاء , وأخَّر الدَّيْن إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال.
جواب رابع: لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدَّمها , والدين ثابت مؤدّى ذكره أو لم يذكره. "
انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج/5 ص/74
وزاد بعض العلماء وجهين آخرين
" وإنما قدّمت الوصيّة على الدَّين في الذكر لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدَّين فإنه إنما يقع غالباً بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل.
وقيل قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدَّين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشقُّ على الوارث من إخراج الدَّيْن وكان أداؤها مظنّة للتفريط بخلاف الدَّيْن فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدّمت الوصية لذلك ". انظر التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية للشيخ صالح للفوزان ص/27.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/22)
صفات المفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الخصال التي يجب تحققها فيمن ينصِّب نفسَه للفتيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم:
ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتابه في " الخلع " عن الإمام أحمد أنه قال: " لا ينبغي للرجل أن ينصِّب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
أولها: أن تكون له نيَّة، فإن لم يكن له نيَّة لم يكن عليه نورٌ ولا على كلامه نور.
والثانية: أن يكون له علمٌ وحلمٌ ووقارٌ وسكينةٌ.
الثالثة: أن يكون قويّاً على ما هو فيه وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية وإلا مضغه النَّاس.
الخامسة: معرفة النَّاس.
وهذا مما يدل على جلالة أحمد ومحله من العلم والمعرفة؛ فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى، وأي شيءٍ نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه.
[الْمَصْدَرُ]
" أعلام الموقعين " (4 / 153) .(5/23)
هل يجوز الذبح بنية دفع السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ أربع سنوات ولم أرزق بأطفال، والحمد لله تلقيت مؤخراً خبراً أن زوجتي حامل، فقمت وبناءاً على نصيحة والدي بذبح ذبيحتين (فدو) وتوزيعهم على المحتاجين من المسلمين خالصاً لوجه الله تعالى عني وعن زوجتي، فما حكمه في الشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذبحُك هذا وإطعامك المحتاجين شكراً لله تبارك وتعالى: فإنه يجوز، فإن إطعام الطعام من الإحسان إلى الناس، والله تعالى يحب المحسنين.
وإذا كان ذبحك هذا دفعاً للسوء وجلباً للخير: فإنه لا يجوز، وهذا هو المشهور عند عامة الناس من كلمة (الفدو) فهم يظنون أن في فعلهم هذا دفعاً للسوء، وهم يفعلونه في حال حدوث الحوادث أو الأمراض التي تصيبهم أو تصيب بعض أفرادهم.
وليس الذبح في الشرع مانعاً من وقوع المقدور خيراً كان أو شرّاً.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن الذبح عند اكتمال البناء أو انتصافه فقال:
هذا التصرف فيه تفصيل، فإن كان المقصود من الذبيحة اتقاء الجن أو مقصداً آخر يقصد به صاحب البيت أن هذا الذبح يحصل به كذا وكذا كسلامته وسلامة ساكنيه فهذا لا يجوز، فهو من البدع، وإن كان للجن فهو شرك أكبر؛ لأنها عبادة لغير الله.
أما إن كان من باب الشكر على ما أنعم الله به عليه من الوصول إلى السقف أو عند اكتمال البيت فيجمع أقاربه وجيرانه ويدعوهم لهذه الوليمة: فهذه لا بأس بها، وهذا يفعله كثير من الناس من باب الشكر لنعم الله حيث منَّ عليهم بتعمير البيت والسكن فيه بدلاً من الاستئجار، ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس عند القدوم من السفر يدعو أقاربه وجيرانه شكراً لله على السلامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدِم من سفر نحر جزوراً ودعا الناس لذلك عليه الصلاة والسلام. رواه البخاري (3089)
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 388) .
وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين – رحمه الله -:
ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب: هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة، كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها، ويقول: إن هذا يمنع الجن من دخول البيت، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور: فهذا لا بأس به.
" الشرح الممتع " (7 / 550، 551) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/24)
هل يشتغل بطهارة القلب أم بنوافل الأعمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ: الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ؟ أَوْ الاشْتِغَالُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: مِنْ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ: مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي قَلْبِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ: وَأَنَّ لِلأَوْجَبِ فَضْلا وَزِيَادَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم: {مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ} ، ثُمَّ قَالَ: {وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} وَالأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالأَعْضَاءُ جُنُودُهُ، فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ} وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الأَوْجَبُ [سَوَاءٌ] سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ: مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ يُعِينُ الآخَرَ وَالصَّلاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ: هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 6/381)
فلا فصل بين صلاح الباطن وإصلاح الظاهر.
والعبادات الظاهرة التي يمارسها الإنسان بجوارحه فإنها – إذا أراد بها وجه الله – تؤثر إيجاباً في باطنه ولا شك.
ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر " رواه النسائي (2386) وصححه الألباني في صحيح النسائي (2249)
ووحر الصدر: غيظة وحقده وحسده.
ومن العلاجات المهمة لأمراض القلب التدبر والتفكر في نصوص الوعيد على من ترك هذه الأمراض ترتع في قلبه كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر " رواه مسلم (91) .
وحديث قول النار: " أُوثرت بالمتكبرين " رواه البخاري (4850) ومسلم (2846)
وحديث: " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال " رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه الترمذي (2510) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2038)
فمن تأمل بعين البصيرة مثل هذا الوعيد على هذه الأمراض القلبية فإنه ولا شك سيجاهد نفسه في تطهير قلبه منها، ويستعين على ذلك بأعمال الجوارح ويدعو ربه أن ينقي قلبه من الغلِّ والحسد والحقد وغيرها كما قال تعالى عن دعاء المؤمنين: {ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} .
والله أعلم وصلى اله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/25)
سجود ما في الكون لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سورة الحج أية (18) سجود الدوآب فما هي كيفية هذا السجود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن هذا الكون بكل ما فيه من مخلوقات هي معبدة لله إما اختيارا أو إكراها.. فالمؤمن يعبد الله اختيارا ويثاب على عبادته سبحانه والكافر وإن كان شاردا عن ربه تاركا لعبادته فذرات جسده وكل ما فيه يعبده سبحانه وتعالى بل ويسبحه عز وجل لكننا بقصور عقلنا وحواسنا لا نشعر بهذا التسبيح ولا نعقله، يقول تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) الإسراء / 44، والمقصود أن كل مخلوق فهو خاضع لله عابد له عبادة لائقة بحاله ووضعه، فالشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب كلها خاضعة لله تسبحه سبحانه وتعالى وتسجد له ولكل واحد منها عبوديتها اللائقة بها لله عز وجل، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج /18، ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ*وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) النحل/ 48-49
يقول الإمام ابن كثير: (يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها؛ جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا فإنه ساجد لله تعالى. قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل)
فأثبت سبحانه وتعالى السجود لكل الكائنات وبين كيفية سجود بعضها وهو بفيء ظلالها ذات اليمين والشمال، ولا يلزم أن يكون سجودها على سبعة أعضاء إذ هذا خاص بالمسلمين أما سجود بقية الكائنات فهو في كل مخلوق بحسبه، يؤكد أن هذا السجود يراد به حقيقة السجود أنه ظاهر النص أولا فإذا لم يرد مانع صحيح من حمل الآية على هذا الظاهر وجب الأخذ به، يؤكده كذلك أن عطف سجود الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب على سجود الملائكة والبشر يدل على حقيقة هذا السجود للكائنات كلها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والسجود من جنس القنوت فإن السجود الشامل لجميع المخلوقات هو المتضمن لغاية الخضوع والذل وكل مخلوق فقد تواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم لقدرته ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء ووضع جبهة في رأس مدور على التراب فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد وذلك سجودها كما قال تعالى: (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) وإنما قيل ادخلوه ركعا ومنهم من يسجد على جنب كاليهود فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من الناس يظن أن هذا هو سجود كل أحد كما في لفظ القنوت) جامع الرسائل 1/27.
ويقول رحمه الله: (ومعلوم أن سجود كل شيء بحسبه ليس سجود هذه المخلوقات وضع جباهها على الأرض) مجموع الفتاوى 21/284، فمما يدخل في هذا السجود كمال خضوع هذه المخلوقات لله وانقيادها له سبحانه وذلها لربوبيته وعزه وسلطانه، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (وهو سجود الذل والقهر والخضوع فكل أحد خاضع لربوبيته ذليل لعزته مقهور تحت سلطانه تعالى) مدارج السالكين 1/107.
كما أن سجود هذه المخلوقات سجود حقيقي يليق بهذه المخلوقات كل بحسبه فسجود الإنسان لائق به وهو ما كان على الهيئة المعروفة وعلى الأعضاء السبعة وسجود الشمس يليق بها كما صح في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: (أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) رواه البخاري 3199
فسجودها سجود حقيقي يناسب الشمس لكن كيف تسجد لله تحت العرش؟
الله سبحانه هو الأعلم بكيفية هذا السجود وظاهر الحديث يأبى أن يكون معنى السجود مجرد خضوعها لأمر الله سبحانه وانقيادها لطاعته بل هو خضوع وذلة وانكسار وانقياد بسجود حقيقي لا نعلم كيفيته، وكذا يقال في القمر والشجر والدواب وسائر الكائنات كل له سجود يناسبه ويليق به، فالواجب على المؤمن أن لا يجعل من جهله بكيفية سجود بعض الكائنات مانعا من التصديق والإيمان بهذا السجود بل الواجب عليه الإيمان بما أخبر الله به من سجود الكائنات له سبحانه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/26)
الصدقة في وقت الحاجة والمجاعة أفضل من التطوع بالعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الدعاة يقول: إن التصدق على المسلمين المضطرين إلى المال، كمن عندهم مجاعة أفضل من الاعتمار في رمضان، ما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم، الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها، وما كان نفعه متعدياً أفضل مما كان نفعه قاصراً، وهذا عام في فقراء المسلمين في كل مكان، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج. والله أعلم ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 333) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/27)
حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية.
وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء.
والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) :
(الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) :
" الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) :
" العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى.
وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (2670)
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220) :
" أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) :
" القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/28)
هل يجوز أن يذبح شكرا لله على نعمة معينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لإنسان قد اشترى سيارة أو داراً أن يذبح شكراً للَّه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنعام الله على الناس كبير، وفضله وكرمه لهم جزيل وعظيم، والنعمة لا تقابل إلا بالشكر والتقدير، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بشكره، فهو سبحانه شكور يحب الشاكرين.
قال تعالى: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114.
وقال تعالى: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) العنكبوت/17.
ومِن شُكر الله تعالى التقرب إليه بأنواع العبادات والطاعات، والتحبب له بالحسنات الطيبات، من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك.
ومن شكر الله أيضا شكره بالنسك وهو الذبح لوجه الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ) :
"والمقصود أن الصلاة والنسك هما أجلّ ما يُتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير، فشكر المنعم عليه وعبادته أعظمها هاتان العبادتان، بل الصلاة نهاية العبادات وغاية الغايات، كأنه يقول إنا أعطيناك الكوثر والخير الكثير، وأنعمنا عليك بذلك لأجل قيامك لنا بهاتين العبادتين شكراً لإنعامنا عليك، وهما السبب لإنعامنا عليك بذلك، فقم لنا بهما، فإن الصلاة والنحر محفوفان بإنعامٍ قبلهما وإنعام بعدهما، وأجلُّ العبادات المالية النحر، وأجلُّ العبادات البدنية الصلاة، وما يجتمع للعبد فى الصلاة لا يجتمع له فى غيرها من سائر العبادات، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وأصحاب الهمم العالية، وما يجتمع له فى نحره من إيثار الله وحسن الظن به وقوة اليقين والوثوق بما فى يد الله أمر عجيب إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فكان كثير الصلاة لربه، كثير النحر، حتى نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وكان ينحر فى الأعياد وغيرها " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (16 / 532) .
فإذا أنعم الله على العبد بنعمة جليلة – وكلُّ نِعَمِه سبحانه جليلة – فيستحب له أن يشكر الله عليها بأن يحسن إلى الناس، فيذبح ويطعم ويدعو إخوانه وأصحابه، ويتصدق على أهل الحاجة والمسكنة.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (26 / 180، 181) :
" يستحبّ تجديد الشّكر عند تجدّد النّعم لفظاً بالحمد والثّناء، ويكون الشّكر على ذلك أيضاً بفعل قربة من القرب، ومن ذلك أن يذبح ذبيحةً أو يصنع دعوةً، وقد ذكر الفقهاء الدّعوات الّتي تصنع لما يتجدّد من النّعم، كالوكيرة الّتي تصنع للمسكن المتجدّد، والنّقيعة الّتي تصنع لقدوم الغائب، والحِذَاق وهو ما يصنع عند ختم الصّبيّ القرآن.
ومذهب الحنابلة، وهو الرّاجح من مذهب الشّافعيّة، أنّ هذه الدّعوات مستحبّة.
قال ابن قدامة: وليس لهذه الدّعوات - يعني ما عدا وليمة العرس والعقيقة - فضيلة تختصّ بها، ولكن هي بمنزلة الدّعوة لغير سبب حادث، فإذا قصد بها فاعلها شكر نعمة الله عليه، وإطعام إخوانه، وبذل طعامه، فله أجر ذلك إن شاء الله " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة، فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن، وشكراً لله عز وجل؟
فأجاب:
"لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه، فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى، وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 161، السؤال رقم 1) .
ثانياً:
الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس، فيقولون: إنه لا بد لحفظ البيت الجديد أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك، وإلا فسرعان ما تزول النعمة، وهذا اعتقاد جاهلي، لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر، وبيده الخلق والأمر، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة.
فأجابوا:
"إذا كانت هذه العادة – أي: الذبح عند عتبة البيت الجديد - من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة: فهي عادة محرمة، بل شرك، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت، وجعله على العتبة على الخصوص.
وإن كان القصد من الذبح إكرام الجيران الجدد، والتعرف عليهم، وشكر الله على ما أنعم به من السكن الجديد، وإكرام الأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة، وتعريفهم بهذا المسكن: فهذا خير يُحمد عليه فاعله، لكن ذلك إنما يكون عادة بعد نزول أهل البيت فيه لا قبل، ولا يكون ذبح الذبيحة أو الذبائ عند عتبة الباب أو مدخل البيت على الخصوص " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 214) .
وانظر جواب السؤال رقم (26952) ففيه فتويان للشيخين عبد العزيز بن باز والعثيمين في الموضوع ذاته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/29)
يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) :
" أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى.
وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث.
انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) .
ثانيا:
وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها.
وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى.
قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/30)
دخول الرياء على العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يثاب الإنسان على عمل فيه رياء ثم تغيرت النية أثناء العمل لتكون لله؟ مثلاً لقد أنهيت تلاوة القرآن وداخلني الرياء فإذا قاومت هذه الفكرة بالتفكير في الله هل أنال ثواباً على هذه التلاوة أم أنها تضيع بسبب الرياء؟ حتى لو جاء الرياء بعد انتهاء العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس، مِن أجل أن يمدحه الناس على صلاته، فهذا مبطل للعبادة.
الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها، بمعنى: أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولُّها صحيح بكل حال، وآخرها باطل.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص.
الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها: فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين:
الأمر الأول: أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه: فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ".
الأمر الثاني: أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه: فحينئذٍ تبطل جميع العبادة؛ لأن أولها مرتبط بآخرها.
مثال ذلك: أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها.
الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك.
وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة.
وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ".
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن ".
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 29، 30) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/31)
أريد أن أكون ربانيّا.. الوصايا العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ي قصير، وهو أنني أحبُّ أن أدخل الجنَّة.. أحبُّ أن أجاهد نفسي، أحبُّ أن أقبِّل يد أمي كلَّ يوم، أحبُّ أن أبعد عن الهوى والشيطان، أحبُّ أن يلقِّبني الله يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء الله، أحبُّ أن أحبَّ إخواني، أحبُّ أن يستمرَّ إيماني في الارتفاع. ماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يثبِّتك على الحقِّ دائمًا، وأن يحقِّق مرادك، وأن يجعلك من الأوَّابين العارفين بالحقِّ والمدافعين عنه والمتمسكين بالدين.
إنَّ التساؤلات التي طرحتها في استشارتك تدلُّ على فطرةٍ سويَّةٍ ونقيَّة، ورغبةٍ كبيرةٍ في الوصول إلى المعالي وإعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وهذه أماني عظيمة تتحقَّق بالإيمان، وكما ورد عن سفيان الثوري قوله: " ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"، ومن هنا سوف نعرج معك أخي على قضيَّة الإيمان، وأهمِّيَّتها في الوصول إلى الربَّانيَّة، وتحقيق رضى وبرِّ الوالدين والفوز بالجنَّة.
* من طلب العلا سهر الليالي، ولله درُّ الشاعر إذ يقول:
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه……. وبات في قلقٍ في حبِّ مولاه
وقام يرعى نجوم الليل منفردًا……. شوقًا إليه وعين الله ترعاه
ولذلك يقول الفضيل: "حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا"، وقال أيضًا: " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنَّك محروم".
فالمؤمن الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة، ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، اسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم) ، يعنى أنَّ الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب.
وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ من سحب المعصية، وهذه الصورة صوَّرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابةٌ كسحابة القمر، إذا علته سحابةٌ أظلم وإذا تجلَّت عنه أضاء) رواه الطبرانيّ في الأوسط وصححه الألباني، كذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلمةٍ ووحشةٍ، فإذا سعى لزيادة رصيده الإيماني واستعان بالله انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء، ولذا يقول بعض السلف: " من فقه العبد أن يعاهد إيمانه وما ينتقص منه " ومن فقه العبد أيضًا: " أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه ".
فلابدَّ من العودة إلى الإيمان، فإذا عدت إلى الإيمان ومقتضياته سيتحقَّق لك ما تريد، ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلُّ بها على وجود الإيمان أو عدمه، يقول الإمام ابن الجوزي: "يا مطرودًا عن الباب، يا محرومًا من لقاء الأحباب، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك، فانظر فيما يستخدمك، وبأيِّ الأعمال يشغلك، كم عند باب الملك من واقفٍ، لكن لا يدخل إلا من عني به، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر ".
فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من الله، وأين هو من أوامره ونواهيه، فلينظر إلى حاله وما هو مشغول به، فإذا كان مشغولاً بالدعوة وأمورها، وفى إنقاذ الخلق من النار، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ومساعدة الضعيف والمحتاج، وبرِّ الوالدين، فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك، فإن الله لا يوفِّق للخير إلا من يحبّ.
وإذا كان منصرفًا عن الدعوة، مبغضًا للدعاة، بعيدًا عن فعل الخيرات، منشغلاً بالدنيا وتحصيلها، والقيل والقال وكثرة السؤال، مع قلَّة العمل، أو متَّبعًا لهواه وشهواته، فليعلم أنَّه بعيدٌ من الله، وقد حُرِم ممَّا يقرِّبه من الجنَّة، إذ يقول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمَّ جعلنا له جهنَّم يصلاها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً) .
أخي ...
إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدِّمةٍ في كلِّ أوجه الخير، بما فيها أن تكون عبدًا ربَّانيّا وبارّا بوالديك، ومبتغيًا الجنَّة، فعليك بالآتي:
أوَّلاً:
عليك بإحياء وإيقاظ الإيمان داخل نفسك، فالإيمان هو الموصلٌ لكلِّ ما ينشده المسلم في الدنيا والآخرة، فالإيمان هو مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ مغلاقٌ لكلِّ شرّ، ووسائل بعث الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، ومنها الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات.
ثانياً:
أن تقبل على مولاك إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر: " إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة ".
وأن تجعل الله عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدف الأعلى: (وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون) .
ثالثاً:
أن تتطلَّع دائمًا إلى الدرجات العلا، وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى الله عزَّ وجلّ، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة، أو بالأحرى الفوز بالفردوس الأعلى، وأن تعمل ما استطعت جاهدًا على تحقيق هذه الأهداف السامية.
رابعاً:
أن تتأسَى بأصحاب القدوة في التاريخ الإسلامي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح.
خامساً:
أن تغتنم كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك الإيماني.
سادساً:
الصحبة الصالحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن، فالصحبة الطيِّبة هي خير معينٍ على الطاعة وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا.
سابعاً:
كثرة الفضائل من الأعمال الصالحات التي تحقِّق لك سعادة العاجل والآجل.
ثامناً:
قيام الليل والدعاء في وقت السحر، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتورم قدماه رغبةً في أن يكون عبدًا شكوراً، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.
تاسعاً:
المداومة على الورد القرآني، وأوراد التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر في أسرار القرآن.
عاشراً:
الحرص على نشر الدعوة في سبيل الله، والعمل للدين على قدر الاستطاعة.
وإذا أردت أن تصل إلى الربانية التي تطمح لها فكن كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فالربانية هي الانتساب للرب، وهذا الانتساب لا يتحقق إلا من خلال تطبيقنا لهذه الآية، أن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا.
فالربانية لا تتأتى مكتملة إلا بهذا، لا تتأتى إلا بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة، وهو جعل الحياة والممات، بل الحركات والسكنات له سبحانه، فلا ننطق إلا بما يرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله، ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله، لا أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة، أو نخرج دريهمات قليلة كل مدة من الزمن، أو نصوم أيامًا معدودات كل عام، أو نحرك ألسنتنا ببعض التمتمات والأذكار.
ولهذا فالأعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من أن تُحصَى أو تعد، وهي تتشعب بتشعب مجالات حياتنا وأماكن وجودنا، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس.
فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه، وفي كل لحظة تمر عليك، عما يرضيه عز وجل، وعما تظن أنه يريد أن يراك عليه واعمل به، تكن بذلك ربانياً.
وختاما نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح العمل، وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسًن أولئك رفيقاً.
المرجع موقع إسلام أون لاين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/32)
كيف يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم، وهو نجس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدم إنما يُحكَم بنجاسته إذا سفح وخرج، أما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ يَكُونُ نَجِسًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَلَا يُغْنِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ وَبَرَزَ بِاتِّفَاقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّجِسَ هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ الْمُسْتَخْبَثُ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَثْبُتُ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَوَاضِعَ خَلْقِهَا فَوَصْفُهَا بِالنَّجَاسَةِ فِيهَا وَصْفٌ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ خَاصَّةَ النَّجِسِ وُجُوبُ مُجَانَبَتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيما فِي الْبَدَنِ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا.
وهذه الدِّمَاء الْمُسْتَخْبَثَة فِي الْأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاتُهُ إلَّا بِهَا، حَتَّى سُمِّيَتْ نَفْسًا، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَحَدَ أَرْكَانِ عِبَادِهِ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَوْعًا نَجِسًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.
كما أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِدَلِيلِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الدِّمَاءِ الْمُسْتَخْبَثَةِ شَيْءٌ مِنْ أَدِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَخَصَائِصِهَا " انتهى بتصرف يسير.
"مجموع الفتاوى" (21/598-600)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" إنما تصير الفضلة بولا وغائطا إذا فارقت محلها، فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، وإنما يصير خبيثا بعد قذفه وإخراجه وكذلك الدم إنما هو نجس إذا سفح وخرج، فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس " انتهى.
"بدائع الفوائد" (3 / 641) .
ثانيا:
إذا افترضنا أن الدم نجس وهو في محله، قبل خروجه من بدن الإنسان أو الحيوان؛ فالمني طاهر وإن تولّد منه، وذلك لأنه استحال؛ أي تحول عن صفات الدم الأصلية، إلى صفات أخرى، فطهر بهذه الاستحالة؛ والعبرة هنا ليست بالأصل الذي تحول عنه، وإنما العبرة بصفاته التي هو عليها وقت الحكم عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. قُلْنَا: مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا: طَهُرَتْ. وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ، بَلْ أَقُولُ: الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ، مِثْلُ جَعْلِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَالدَّمِ مَنِيًّا، وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً، وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا، وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا، وَالزَّرْعُ الْمَسْقِيُّ بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ وَيَزُولُ حَقِيقَةُ النَّجِسِ وَاسْمُهُ التَّابِعُ لِلْحَقِيقَةِ، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، وَلَا الْتِفَاتَ إَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا"
"مجموع الفتاوى" (21 / 600-601)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا، كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟ والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما " انتهى.
"إعلام الموقعين" (2 / 14) .
وينظر حول طهارة المني: جواب السؤال رقم: (2458) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/33)
لا حرج في استخدام سخانات المياه الشمسية
[السُّؤَالُ]
ـ[تستخدم سخانات المياه الشمسية لاستخدام المياه المسخنة على البطيء عن طريق الشمس توفيرا للطاقة (الكهرباء أو الغاز وخلافه) ويقوم خزان المياه بتسخين المياه باستخدام أشعة الشمس. فهل يجوز هذا في الإسلام؟ ولقد سمعت أحد الناس يقول إنه ورد حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه أصحابه عن الوضوء بماء تعرض للشمس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استخدام سخانات المياه الشمسية لتسخين المياه؛ لأن الأصل في الأشياء أنها مباحة ما لم ينه الله عنها.
وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فكل ما في السموات والأرض يجوز للإنسان أن ينتفع به ويستعمله، إلا إذا دل دليل شرعي على أنه ممنوع من استعماله، ولم يرد دليل شرعي صحيح يمنع المسلم من الاستفادة من الطاقة الشمسية أو استعمالها في تسخين الماء.
وقول السائلة: إنها سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن الوضوء بماء تعرض للشمس، فهذا الحديث موضوع، كذب، لا يحل نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الملقن في "البدر المنير" (1 / 428) بعد أن تكلم على طرقه:
"فَتَلَخَّص: أَن الْوَارِد فِي النَّهْي عَن اسْتِعْمَال المَاء المشمس، من جَمِيع طرقه بَاطِل، لَا يصحّ، وَلَا يحلُّ لأحدٍ الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمَا قَصَّرَ ابنُ الْجَوْزِيّ فِي نسبته إِلَى الْوَضع فِي حَدِيث عَائِشَة وأَنس" انتهى.
وذكره الألباني في "الإرواء" (1/53) وقال: موضوع.
وقال العقيلي في "الضعفاء" (2 / 176) :
"ليس في الماء المشمس شئ يصح مسندا" انتهى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن استخدام الماء المشمس والسخانات الشمسية.
فأجابوا: " لا نعلم دليلا صحيحا يمنع من استعمال الماء المشمس " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 74) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/34)
كيفية تطهير البئر إذا ماتت فيه فأرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سقط فأر في بئر ولم نعرف كم كانت مدة بقائه في هذا البئر وبقينا لفترة نستخدمه في حفظ الماء إلى أن تبين لنا مؤخرا حقيقة هذا الأمر، فماذا يجب علينا فعله إزاء ذلك وفق تعاليم الإسلام في هذا الموقف؟ ففضلا عرفني ما فتواك حيث يمثل هذا الأمر مشكلة كبيرة لنا يصعب حلها ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سقطت الفأرة في بئر وماتت: وجب إخراجها منه، ثم إن كان الماء قد تغير بها في لونه أو طعمه أو ريحه فهو نجس لا يجوز استعماله، وإن كان قد بقي على صفاته ولم يتغير فهو طاهر.
ولا يختلف الحكم باختلاف مدة بقائها فيه، إلا أن طول مكثها فيه أدعى إلى تغير مائه.
وقد روى الترمذي (66) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) وصححه الألباني في "سنن الترمذي".
قال ابن القيم رحمه الله في "حاشيته" على السنن (1/ 83) :
"فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا " انتهى.
"شرح الكافي" (5/23) .
وسئل أيضاً:
عندنا خزان ماء بال فيه طفل، وكذلك وجدنا فيه فأراً , فما رأيك؟
فأجاب:
"الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول، أو عذرة، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة، فهو طهور , لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها , مثل لو كانت عذرة، يجب أن تخرج من الماء, أو فأرة تخرج أيضاً" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (102/5) .
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (269) عن معمر قال: سألت الزهري عن دجاجة وقعت في بئر فماتت فقال: "لا بأس أن يتوضأ منها ويشرب إلا أن تنتن حتى يوجد ريح نتنها في الماء فتنزح".
أما تطهير البئر إذا كان الماء قد تغير بالنجاسة، فيكون بإزالة هذا التغير والرجوع بالماء إلى صفاته الأصلية، ويمكن إزالة هذا التغيير بعدة طرق:
إما بإضافة ماء كثير إلى البئر حتى يزول التغيير، وإما بالنزح منه، وإما بإضافة مواد إليه حتى يزول التغيير، أو بغير ذلك من الطرق.
وانظر: "الشرح الممتع" (1/55 – 58) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/35)
حكم الطهارة بالماء المتغير بالصدئ
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مشكلة في المنزل هو أن الماء يخرج من أغلب الصنابير وقد تغير طعمه قليلا وحتى لونه يتغير قليلا أنا لا أعرف يقينا لماذا لكن يبدو أن القنوات التي يصل منها الماء إلى الصنبور قد أصبحت صدئة، ويتعسر تغييرها أنا أعلم أن الماء لا يجوز استعماله للطهارة إذا تغير لونه أو طعمه بنجاسة، لكن لا أعرف هل كون القنوات صدئة ويختلط ذلك بالماء يصبح نجسا أم لا؟ علما بأني أشرب في بعض الأحيان من هذا الماء حين أعجز عن الذهاب لصنبور الحديقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل طهارة الماء حتى يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة وقعت فيه.
أما إذا تغير الماء (لونه أو طعمه أو ريحه) بشيء طاهر ـ كالصدأ ـ فهو باق على طهوريته، ما دام اسم الماء ثابتا له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات كالأشنان والصابون والسدر والتراب والعجين وغير ذلك مما قد يغير الماء مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر ووضع فيه ماء فتغير به مع بقاء اسم الماء فهذا فيه قولان معروفان للعلماء: أحدهما: أنه لا يجوز التطهير به كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ لأن هذا ليس بماء مطلق فلا يدخل في قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) .
ثم إن أصحاب هذا القول استثنوا من هذا أنواعا بعضها متفق عليه بينهم وبعضها مختلف فيه: فما كان من التغير حاصلا بأصل الخلقة أو بما يشق صون الماء عنه فهو طهور باتفاقهم، وما تغير بالأدهان والكافور ونحو ذلك ففيه قولان معروفان، وما كان تغيره يسيرا فهل يعفى عنه أولا يعفى عنه أو يفرق بين الرائحة وغيرها؟ على ثلاثة أوجه.
والقول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه ولا بما لا يشق الاحتراز عنه، فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا، كما هو مذهب أبى حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه، وهى التي نص عليها في أكثر أجوبته
وهذا القول هو الصواب" انتهى بتصرف يسير.
"مجموع الفتاوى" (21/24-25) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
" كل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، فهو طهور، يطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ) رواه أهل السنن، وهو صحيح.
فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة فهو نجس، يجب اجتنابه " انتهى.
"منهج السالكين" (1 / 33) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا تغير الماء بالنجاسات صار نجسا بالإجماع، أما إذا تغير بأشياء
أخرى من الطاهرات كالبوية وأثر الدباغ في القرب ونحوها وما يقع في المياه من الحشائش والأتربة ونحو ذلك، فإنه لا ينجس بذلك، ولا يكون مسلوب الطهورية، بل هو باق على حاله طاهر مطهر ما دام اسم الماء ثابتا له " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (29 /7) .
وتغير الماء بالصدأ ونحوه ليس تغيرا بالنجاسة؛ لأن الصدأ ليس من النجاسات، فالماء باق على طهوريته، لا يضرك تغيره.
ولكن ننصح بعدم الشرب منه؛ لما قد يؤدي إليه من مشاكل وأضرار صحية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/36)
حكم استعمال مياه الصرف بعد تنقيتها بالوسائل الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد محطات تقوم بتنقية مياه الصرف لإعادة استعمالها مرة أخرى، فهل يجوز استعمالها إذا تمت تنقيتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدر في حكم إعادة استعمال مياه الصرف بعد تنقيتها قرار من هيئة كبار العلماء، ونصه:
"الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
ففي الدورة الثالثة عشرة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الآخر من شهر شوال 1398هـ بمدينة الطائف وبناء على رغبة المجلس التأسسي لرابطة العالم الإسلامي في إحالة موضوع الاستفتاء الوارد إلى الرابطة من رئيس تحرير جريدة (مسلم نيوز) الصادرة بكيب تاون إلى هيئة كبار العلماء لإعداد بحث في الموضوع وتقرير ما تراه الهيئة نحوه، والمتضمن الإفادة بأن المسلمين في تلك الجهة يواجهون مشكلة كبيرة بسبب ما أقدم عليه مجلس مشروع التحقيقات العالمية والصناعية الذي يعمل على إنتاج ماء للشرب النقي من مياه المجاري، وأنهم يسألون عن حكم استعمال هذه المياه بعد تنقيتها للوضوء.
بناء على ذلك فقد الطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كما اطلع المجلس على خطاب معالي وزير الزراعة والمياه رقم 1/1299 وتاريخ 30/50/1398 هـ وبعد البحث والمداولة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:-
بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير شمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته.
وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لإعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير، حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات، كما يشهد بذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم.
ولذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها، كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك للمحافظة على النفس، وتفادياً للضرر، لا لنجاستها.
والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطاً للصحة، واتقاءً للضرر، وتنزهاً عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى.
هيئة كبار العلماء.
"مجلة البحوث الإسلامية" (17/40، 41) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/37)
كيف يصلي مَنْ فُتحت له فتحة في بطنه ليخرج منها الخارج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب والدي بورم في المستقيم فقرر الأطباء لإزالة الورم استئصال المستقيم وجزء من القولون وغلق فتحة الشرج وتحويل البراز إلى فتحة في البطن عن طريق كيس له قاعدة جيدة الالتصاق بالبطن ويوضع على القاعدة كيس محكم الغلق يتم إبداله أو إفراغه متى يريد صاحبه وهنا لم يعد لأبي قدرة على التحكم في إخراج البراز في الكيس أو الإحساس بخروج الريح من عدمه لأن عضلة التحكم لم تعد موجودة فكيف ومتى يتم نقض وضوء أبى؟ علما أن هذا الأمر يؤرقه جيداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يعافي والدك، ويكشف الضر عنه، إنه سميع قريب.
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال عن حالة مشابهة لحالة والدك، يقول السائل:
أنا إمام مسجد وأصابني مرض السرطان في الأمعاء، وقرر الدكاترة أن المرض في المستقيم الذي فيه الفضلات وأنه لا بد من استئصاله، وفعلا أجروا العملية وسدوا المخرج وفتحوا فتحة جانبية للبراز، ونستعمل أكياس من النايلون كل يوم وليلة، نلصق كيس على هذه الفتحة بغراء فلا يخرج منها ريح ولا عرق ولا أي شيء يستنكر، ثم ننزعه بعد يوم وليلة ونغسل الفتحة غسلا جيدا، ونلصق أخرى مكانها؟
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة، وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412-413) .
وقال الشيخ ابن باز:
"من كان حدثه دائما بالريح أو البول أو غيرهما فإنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت، ولا يضره ما خرج من الحدث في نفس الوقت أو في نفس الصلاة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/340) .
فالواجب على والدك أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وله أن يصلى بهذا الوضوء ما شاء من النوافل حتى خروج وقت هذه الفريضة، فيتوضأ للصلاة التي تليها عند دخول وقتها، وهكذا في كل صلاة، ولا يضره ما يخرج منه في أثناء ذلك من براز أو ريح، وعليه التحفظ من النجاسات أن تصيب شيئا من بدنه أو ثيابه ما أمكنه.
ولمزيد من الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (39494) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/38)
متى يكون الحدث الناقض للوضوء حدثا دائما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى أعتبر نفسي صاحب حدث دائم؟ هل عندما أتوضأ فينتقض وضوئي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحدث الدائم هو المستمر الذي لا ينقطع.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
"الحدث الدائم هو الذي لا ينقطع من بول أو نحوه، فيلزمه أن يتوضأ لكل صلاة" انتهى من موقع الشيخ.
أو بمعنى آخر: هو الذي لا يتحكم فيه صاحبه، فيمكن أن يخرج في أي وقت بدون اختياره.
أما إذا كان الرجل يتحكم في البول أو الريح، ولكن انتقضت طهارته مرتين أو ثلاثاً لسبب معين، فهذا لا يعد حدثاً دائماً، ويلزمه إعادة الوضوء وغسل ما أصابه من النجاسة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
ينتقض وضوئي في الصلاة , وفي قراءة القرآن بواسطة الريح , سواء بصوت أو برائحة فقط , فأعيد الوضوء كلما انتقض , ولكن هناك إحدى الأخوات في الله قالت لي: إنه ليس عليك إعادة الوضوء عدة مرات , ولكن بوضوء واحد تصلين , وإن انتقض الوضوء فعليك إعادة الوضوء مرة ثانية , وإن انتقض الوضوء ثالثة فلا يلزمك إعادة الوضوء , فهل هذا صحيح , وماذا أفعل في هذه الحال؟
فأجاب:
" إذا انتقض وضوؤك في الصلاة عن يقين بسماع الصوت أو بوجود الرائحة , فعليك أن تعيدي الوضوء والصلاة، إلا إذا كان الحدث معك دائما , فإن عليك أن تتوضئي للصلاة إذا دخل الوقت , ثم تصلي الفرض والنفل - ما دام الوقت - ولا يضرك ما خرج منك في الوقت ; لأن هذه الحال حالة ضرورة يعفى فيها عما يخرج من صاحب الحدث الدائم إذا توضأ بعد دخول الوقت " انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/120-121) .
ولمزيد الفائدة: انظر جواب السؤال (22843) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/39)
مصاب بسلس مذي ويضع لاصقا فهل يلزمه تغييره لكل صلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب بسلس المذي وبصراحة وجدت طريقة أراحتني كثيرا من غسل الثياب وتطهيرها وهي أنني - أكرمكم الله - أضع قطعه صغيره من شريط لاصق على راس الذكر وإذا أردت التبول نزعتها وعند الانتهاء أضع غيرها وسؤالي هو هل يجب علي أن أنزعها عندما تتلوث بالمذي عند الصلاة لأنه يشق على تغييرها قبل كل صلاة وإذا صليت وكان على الشريط اللاصق مذي هل بطل صلاتي وهذه الطريقة بالفعل أراحتني وخصوصا عندما أذهب إلي الجامعة وخارج المنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من به سلس بول أو مذي يلزمه أمران:
الأول: أن يغسل المحل ثم يتحفظ بقطعة قماش أو منديل يمنع انتشار البول أو المذي.
الثالث: أن يتوضأ بعد دخول وقت الصلاة إن خرج منه شيء.
ولا يلزمه أن يجدد غسل المحل والعصابة لكل صلاة، إلا إذا فرط في التحفّظ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/206) : " (والمبتلى بسلس البول , وكثرة المذي , فلا ينقطع , كالمستحاضة , يتوضأ لكل صلاة , بعد أن يغسل فرجه) وجملته أن المستحاضة , ومن به سلس البول أو المذي , وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته , عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث , وشدّه والتحرّز من خروج الحدث بما يمكنه" انتهى.
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/120) : "يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة , ومن به سلس بول , أو مذي , أو ريح , غسل المحل الملوث بالحدث , لإزالته عنه، وتعصيبه: أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن , وشدّه بخرقة طاهرة ... ولا يلزمه إعادتهما، أي: الغسل والعصب لكل صلاة إن لم يفرّط , لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه ... ويتوضأ مَنْ حدثه دائم لوقت كل صلاة إن خرج شيء" انتهى بتصرف واختصار.
وبعض الفقهاء لا يرى وجوب العصب وشد الخرقة.
قال الحطاب المالكي رحمه الله: " واستحب في المدونة أن يدرأ ذلك بخرقة. قال سند: ولا يجب ; لأنه يصلي بالخرقة وفيها النجاسة كما يصلي بثوبه. قال سند: هل يستحب تبديل الخرقة؟ قال الإبياني: يستحب له ذلك عند الصلاة ويغسلها، وعلى قول سحنون: لا يستحب، وغسل الفرج أهون عليه من ذلك " انتهى من "مواهب الجليل" (1/143) .
وحيث إنك تضع شريطا لاصقا يمنع انتشار المذي، فهذا تحفّظ مناسب، ولا يلزمك تغيير الشريط لكل صلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/40)
شخص يعاني من القولون العصبي والانتفاخ والغازات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أعاني من القولون العصبي ومن أعراضه الانتفاخ وغازات وعدم إخراج كامل للفضلات، لذلك فإني أدخل إلى الحمام قبل الأذان بربع ساعة تقريبا أو أقل، وذلك للتخلص من الفضلات ثم من الغازات وعندما أخرج من الحمام أنتظر من عشر إلى ربع ساعة لوقوف البول لأني مصاب بسلس البول علماً أني قد أدخل الحمام وأستغرق أكثر من ساعة، وذلك لاضطراب في عمل القولون والفضلات تخرج بشكل غير طبيعي، وأحيانا أستيقظ من النوم ولم يبق من الوقت ما يكفي، فإن دخلت الحمام ثم خرجت وانتظرت لانقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي صليت مع وجود انتفاخ وغازات، وأحيانا أدخل الحمام قبل الأذان ولا أخرج إلا ولم يبق من الوقت ما يكفي، فلو انتظرت انقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي، صليت والقطرات تنزل مني علماً أن كثيراً من صلاة الجماعة تفوتني لعلمي بأن الطهارة مقدمة على الجماعة، ولكن الذي يشكل علي هو: هل يجب علي أن أبقى هذا الوقت الطويل لإخراج الفضلات والغازات من ثم أحصل على الطهارة، وفي ذلك مشقة علي أو أصلي على حالي؟ علماً أني قد تحصل لي طهارة، لكن لا أعلم متى، وهل المقدم الطهارة أو الوقت علماً أني قد أدخل الحمام في أول الوقت، وأحيانا بسبب الاستيقاظ أدخل ولم يبق من الوقت إلا أربعين أو ثلاثين دقيقة أرجو التكرم بتوضيح الحكم في حالتي، وماذا يجب علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم بالنسبة لمن ابتلي بسلس البول ونحوه ممن كان حدثه مستمرا، أنه يتوضأ لوقت كل صلاة وضوءا مستقلا عند دخول وقتها، ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها قريبا؛ وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) .
وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة، قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (3/280) : "ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول والمذي والودي ومن به جرح يسيل" انتهى.
لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته، لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته" انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/192) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج.
الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة" انتهى.
"أسئلة لقاء الباب المفتوح" (س 17، لقاء 67) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟
فأجابت: "إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 412) .
والذي يظهر لنا أنه لا يلزمك البقاء في قضاء الحاجة كل هذا الوقت الطويل الذي تذكره، بل تقضي حاجتك ثم تخرج وتتوضأ وتصلي، ولا يضرك ما نزل بعد الوضوء أو في الصلاة لأنك معذور.
ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب سلس البول، راجع جواب السؤال رقم (22843) (2723) (39431) (39494) .
ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك ويعافيك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/41)
تعاني من مشكلة أكل الأظافر وتريد وضع الطلاء فهل يؤثر على صلاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكل أكل أظافري يوميا إلى حد المضغ والبلع، فمن شدة خوفي على معدتي استشرت طبيبا فنصحني بالطلاء الأبيض، لأنه يقويها وله ذوق مر يمنع أكلهم، لكني أعلم أن هذا يبطل الصلاة، فهل يجوز لي في هذا الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة الوضوء والغسل: وصول الماء إلى أعضاء الطهارة؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) رواه أبو داود (332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود.
قال النووي رحمه الله: " إذا كان على بعض أعضائه شمع، أو عجين، أو حنَّاء، وأشباه ذلك، فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو: لم تصح طهارته، سواء كثر ذلك أم قل، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى من" المجموع" (1/529) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/218) : " إذا كان للطلاء جِرْم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء " انتهى.
وإذا لم تصح الطهارة، لم تصح الصلاة.
وعليه؛ فيلزمك إزالة الطلاء الذي له مادة – وليس مجرد لون – قبل الوضوء أو الغسل.
ولعل استعمالك له من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وفيما بين الفجر والظهر، وفي أوقات الحيض، يقلل من المشكلة التي ذكرت، حتى تعتادي ترك ذلك دائما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/42)
استيقظ قبيل طلوع الشمس وهو جنب فهل يغتسل ولو طلعت الشمس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مراعاة وقت الصلاة مقدم على الطهارة، أو الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس، هل يغتسل ويقضي الصلاة، أو يصلي قبل طلوع الشمس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يغتسل ويصلي ولو طلعت الشمس، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) المائدة/6، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/43)
مس المحدث والحائض لغلاف المصحف وكتب التفسير
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد مصاحف تكون مغلفة بغلاف من القماش الثقيل فهل يجوز مسكها لمن ليس على طهارة..كذلك ما حكم مسك أطراف الصفحات لقلب الصفحة لأنه يوجد من أجاز مسكها..ومتى نستطيع أن نقول عن كتب التفسير إنها تفسير يجوز للحائض القراءة منها ومتى نقول عنها إنها تتبع حكم المصحف لا يجوز لمسها للحائض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز مس القرآن للمحدث بلا حائل، في مذهب جمهور الفقهاء؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك (468) وابن حبان (793) والبيهقي (1/87) . قال الحافظ ابن حجر: " وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد بل من حيث الشهرة، فقال الشافعي في رسالته: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة" انتهى من "التلخيص الحبير" (4/17) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/158) .
ثانيا:
غلاف المصحف المتصل به [أي: المثبت في المصحف بمادة لاصقة أو بالخياطة… أو غير ذلك] يأخذ حكم المصحف فلا يجوز مسه بغير وضوء، وكذا أطراف الأوراق.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/7) : " ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يمتنع على غير المتطهر مس جلد المصحف المتصل، والحواشي التي لا كتابة فيها من أوراق المصحف، والبياض بين السطور، وكذا ما فيه من صحائف خالية من الكتابة بالكلية، وذلك لأنها تابعة للمكتوب وحريم له، وحريم الشيء تبع له ويأخذ حكمه.
وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى جواز ذلك" انتهى.
أما الغلاف المنفصل عن المصحف، الذي هو عبارة عن كيس يدخل فيه المصحف ويخرج منه، فلا حرج في لمسه بدون طهارة، ولو كان المصحف بداخله.
فيجوز مس المصحف بحائل منفصل عنه، كالكيس الذي يوضع فيه، والقفاز ونحو ذلك.
قال في "كشاف القناع" (1/135) : "وللمحدث حمل المصحف بعلاقته وفي غلافه أي: كيسه من غير مس له ; لأن النهي ورد عن المس والحمل ليس بمس وله تصفحه بكمه أو بعود ونحوه كخرقة وخشبة ; لأنه غير ماس له. وله مسه أي: المصحف من وراء حائل لما تقدم " انتهى بتصرف.
ثالثا:
يجوز للمحدث - حدثا أصغر أو أكبر - أن يمس كتب التفسير، في قول جمهور الفقهاء، إلا أن منهم من قيد ذلك بكون ما فيه من التفسير أكثر مما فيه من القرآن، ومنهم من لم يشترط ذلك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/97) : " يجوز عند جمهور الفقهاء للمحدث مس كتب التفسير وإن كان فيها آيات من القرآن وحملها والمطالعة فيها، وإن كان جنبا، قالوا: لأن المقصود من التفسير: معاني القرآن، لا تلاوته، فلا تجري عليه أحكام القرآن.
وصرح الشافعية بأن الجواز مشروط فيه أن يكون التفسير أكثر من القرآن لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ، وليس هو في معنى المصحف. وخالف في ذلك الحنفية، فأوجبوا الوضوء لمس كتب التفسير " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما كتب التفسير فيجوز مسها؛ لأنها تعتبر تفسيرا، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها.
ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر.
أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن.
وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير " انتهى من "الشرح الممتع" (1/267) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/136) : "يجوز ترجمة معاني القرآن بلغة غير اللغة العربية، كما يجوز تفسير معانيه باللغة العربية ويكون ذلك بيانا للمعنى الذي فهمه المترجم من القرآن ولا يسمى قرآنا.
وعلى هذا يجوز أن يمس الإنسان ترجمة معاني القرآن بغير اللغة العربية وتفسيره بالعربية وهو غير متوضئ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/44)
حكمة تشريع الطهارة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معنى الطهارة للرد على أهل الكتاب في ذلك؟ ولماذا نتطهر في الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من يعلم ما جاءت به شريعة الإسلام الخالدة لا يستشكل ما أمرت به، ولا ما نهت عنه؛ لأن علمه بها يمنعه من أن يقف حائراً يتلمس الحكمة، وينظر في العلة، ولم نر مثل هذه الاستشكالات إلا ممن يجهل هذا الدين العظيم.
ولو أن شخصاً ما يثق بطبيب بشري ثقة مطلقة، ثم جاء ذلك الطبيب ببرامج صحية، ووقائية: لرأيت ذلك الواثق بالطبيب يسلم له، وينفذ أوامره، وكله ثقة بأنه ما قال هذا إلا عن خبرة وتجربة، ولا تجده يقف ويتأمل حتى يعرف لم قال هذا هنا، ولم منع ذاك هناك.
ولله المثل الأعلى، فإن ثقتنا بربنا تعالى لا يمكن مقارنتها بثقة ذلك الشخص بذلك الطبيب، وكيف يكون هذا وليس ثمة مجال للمقارنة بين إله وبشر، بين خالق ومخلوق.
ومما يصدِّق هذا ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله في نهاية بحثه في حكَم تشريع الطهارة، قال:
لو أن " أبقراط " وذويه أوصوا بمثل هذا: لخضع أتباعهم لهم فيه، وعظَّموهم عليه غاية التعظيم، وأبدوا له من الحكَم، والفوائد ما قدروا عليه.
" شفاء العليل " (ص 230) .
ثانياً:
أما بخصوص الحكَم من تشريع الطهارة: فهي كثيرة، ونعني بالطهارة: إزالة القذر، والنجاسات، والوضوء، والغسل، ومن هذه الحِكم:
1. أن الطهارة موافقة للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، ومما لا شك فيه أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه جاء بالحث على " سنن الفطرة " لتوكيد فعل ما يُفعل منها، والبُعد عن ما يُترك منها، فغسل الوجه، وتنظيف الأنف، والفم، واليدين، وكذا الاغتسال، والاستنجاء، كل ذلك لا يحتاج لشرع ليشرعه، بل يكفي الإنسان أن يكون سليم الفطرة لينظف تلك الأعضاء والجوارح، وليحرص على بعدها عن القذر والنجاسة.
2. الإسلام دين النظافة، والجمال، ويحرص على أن يكون أتباعه شامة بين الناس، ينظفون أبدانهم، ويسرحون شعورهم، ويلبسون أطهر الثياب، وتفوح منهم رائحة الطيب، ومثل هؤلاء لا شك ولا ريب أنهم سيكونون محط إعجاب الناس بهم، وهو ما يؤدي إلى نجاح دعوتهم لهذا الدين العظيم، وكما أن الناس تميل قلوبهم إلى النظيف الطاهر في بدنه وثيابه: فإنها تنفر من الوسخ القذر في ثيابه وبدنه، وليس هذا من الإسلام في شيء.
3. أثبت الدراسات العلمية الحديثة المؤصلة أن النظافة والطهارة تحصِّن صاحبها من أمراض كثيرة، وأن القذارة سبب في حصول كثير من الأمراض، فكيف لهذا الدين العظيم أن لا يكون في تشريعاته ما يساهم في الوقاية من الأمراض، ويمنع من حدوثها وانتشارها؟! .
4. للمسلم مع ربه تعالى لقاءات للمناجاة، ومن يقف بين يدي رئيس أو ملك أو عظيم: فإنه يحرص – كما هو مشاهد – على نظافة بدنه، وثيابه، وطيب رائحته، وحرص الناس على هذا مع البشر ليس في الإسلام ما يمنع منه، بل كان هذا هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتجمل للوفود، ونزيد على ذلك أن أعظم من يُتجمل له، وأعظم من نحرص على طهارة أبداننا وثيابه ونحن بين يديه: هو الله تعالى، ولذلك لا نعجب عندما نفعل هذا بين يديه تعالى، وها هم الناس يحرصون على مثله أو أعظم منه بين يدي مخلوق مثلهم؛ فكيف ينبغي أن يكون حاله أمام الله؛ فالله أحق أن يتجمل له الناس، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما. [انظر: صحيح ابن خزيمة (766) ] .
5. ومن تأمل أحكام الشرع، ورزقه الله تعالى الفهم: استطاع أن يفرِّق بين طرق الطهارة في الإسلام، وأنه ثمة حكم في كون الغسل من الجنابة، لا من البول – مثلاً -، وأنه ثمة فرق بين الوضوء والغسل.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
إيجاب الشارع صلى الله عليه وسلم الغسل من المنيّ دون البول: فهذا من أعظم محاسن الشريعة، وما اشتملت عليه من الرحمة، والحكمة، والمصلحة؛ فإن المنيّ يخرج من جميع البدن، ولهذا سمَّاه الله سبحانه وتعالى (سُلالة) ؛ لأنه يسيل من جميع البدن، وأما البول: فإنما هو فضلة الطعام، والشراب، المستحيلة في المعدة، والمثانة، فتأثر البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول.
وأيضاً: فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن، والقلب، والروح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يُخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يُعرف بالحسِّ.
وأيضاً: فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يُحدث له نشاطاً، وخفةً، ولهذا قال أبو ذر لمَّا اغتسل من الجنابة: " كأنما ألقيتُ عنِّي حِمْلاً ".
وبالجملة: فهذا أمر يدركه كلُّ ذي حسٍّ سليم، وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب، مع ما تحدثه الجنابة من بُعد القلب والروح عن الأرواح الطيبة، فإذا اغتسل: زال ذلك البُعد، ولهذا قال غير واحد من الصحابة: " إن العبد إذا نام عرجت روحه، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود، وإن كان جنباً لم يؤذن لها "، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنُب إذا نام أن يتوضأ.
وقد صرح أفاضل الأطباء بأن لاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وإنه من أنفع شيء للبدن والروح، وتركه مُضرٌّ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحُسنه، وبالله التوفيق.
على أن الشارع لو شرع الاغتسال من البول: لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة تمنعه حكمة الله، ورحمته، وإحسانه إلى خلقه.
" إعلام الموقعين " (2 / 77، 78) ، وانظر أيضا: " التحرير والتنوير " للطاهر ابن عاشور (5 / 65) .
6. وفي الإسلام علاقة بين الظاهر والباطن، فمن حرص على تطهير بدنه وثيابه من الأقذار والنجاسات: فإنه ينبغي أن يكون أحرص على تطهير نفسه وباطنه من أخلاق السوء، ومن جمَّل بدنه وثوبه فهو علامة على جمال باطنه، ولا يحرص الإسلام على جمال الظاهر ويغض الطرف عن جمال الباطن، بل كلاهما مطلوب، وإن كان الإنسان يُعذر بعدم توفر ما يجمِّل ظاهره فإنه ليس معذوراً بترك تجميل باطنه، وكلا الطهارتين سبب لتحصيل محبة الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين) البقرة /222.
7. ونختم بكلام جامع للإمام ابن القيم رحمه الله، حيث يقول:
تأمَّل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها كيف تجدها مشحونة بالحكَم المقصودة، والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها، التي لولاها لكان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالاً، فكم في الطهارة من حِكمة، ومنفعة، للقلب، والبدن، وتفريح للقلب، وتنشيط للجوارح، وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة، وألقاه عز النفس من درن المخالفات، فهي منظفة للقلب والروح والبدن، وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور.
وتأملْ كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل، فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق، وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي والذنوب كلها، منها يدخل إليها، ثم جعل في اليدين وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي، ثم في الرِّجلين اللتين بهما يمشي ويسعى.
ولمَّا كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة: جعل مكانه المسح، وجعل ذلك مخرجاً للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة قال: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رواه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضاً عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ) فهذا من أجلِّ حكَم الوضوء، وفوائده.
وقال نفاة الحكمة: إنه تكليف ومشقة وعناء محض لا مصلحة فيه، ولا حكمة شرع لأجلها! ولو لم يكن في مصلحته وحكمته إلا أنه سيماء هذه الأمة وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ليست لأحد غيرهم، ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أن المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة ليستعد للدخول على ربه ومناجاته والوقوف بين يديه طاهر البدن، والثوب، والقلب، فأي حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا؟! .
ولمَّا كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى إن تحت كل شعرة شهوة: سرى غسل الجنابة إلى حيث سرت الشهوة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً)
[رواه أهل السنن، وفيه ضعف] ؛ فأمر أن يوصل الماء إلى أصل كل شعرة، فيبرد حرارة الشهوة، فتسكن النفس، وتطمئن إلى ذكر الله، وتلاوة كلامه، والوقوف بين يديه.
" شفاء العليل " (ص 229، 230) .
وبكل حال: فإنه من تأمل أحكام الشريعة بانت له حكَمها، ومن طمس الله بصيرته: فلن ينتفع بما يراه، ولا بما يسمعه، وليُعلم أن الطهارة من محاسن الأخلاق لم تختلف فيها الشرائع السابقة للإسلام، ولا يُتصور رسول يأتي قومه برسالة إلا وفيها الدعوة – أولاً – لتطهير القلب من رجس الأوثان، ثم تدعو الناس إلى الجميل من الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وتطهير الثوب، والبدن، والغسل، والتطهر، وإزالة القذر والنجاسة مما لا تختلف الشرائع السماوية كلها في تشريعها، ومن جادل في ذلك فإنما يجادل بالباطل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/45)
يخرج منه بول يسير بعد الوضوء فهل يعفى عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعفى عن سلس البول اليسير؟ ذلك أني في بعض الأحيان إذا وضعت ملابسي أجد أن شيئاً يسيراً قد خرج مني، وبدون أن أشعر به. هل يجب علي أن أتفقد ملابسي الداخلية عند كل صلاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيقنت من خروج شيء من البول، فإنه يلزمك إعادة الوضوء وغسل ما أصاب من ثيابك، وإذا كان موضع البول لا يتبين لك، فإنك تغسل ما يغلب على الظن أنها أصابته حتى تجزم بزوال النجاسة.
قال في "زاد المستقنع": " وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " يعني إذا أصابت النجاسة شيئا، وخفي مكانها، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها. واعلم أن ما أصابته النجاسة لا يخلو من أمرين: إما أن يكون ضيقا، وإما أن يكون واسعا. فإن كان واسعا فإنه يتحرى، ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ لأن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة. وإن كان ضيقا فإنه يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها " انتهى من "الشرح الممتع" (1/435) .
وبهذا تعلم أنه لا يعفى عن يسير البول.
وينبغي أن تحذر من الوسوسة، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم، وأورثه الشك، وثقّل عليه العبادة، فاحذر من ذلك.
ولهذا نقول: لا تفتش في ملابسك، ولا تهتم بهذا الأمر حتى يزول عنك.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر، ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك. وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية، وهكذا يفعل دائماً، وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) .
وأما سلس البول فهو خروجه بلا انقطاع في وقت معين، والمصاب بذلك يلزمه أن يغسل فرجه، ويعصب عليه ما يمنع انتقال البول إلى بدنه وثوبه، ويتوضأ بعد الدخول الوقت.
ونرجو مراجعة جواب السؤال رقم (39494) لمعرفة أحكام سلس البول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/46)
حكم التيمم مع وجود الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التيمم مع وجود الماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن (من يتيمّم مع وجود الماء لديه فقال.. " هذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه، وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) الآية.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحْدث حتى يتوضأ) . وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء، أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه، للآية السابقة، ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) متفق عليه.
ومن هذا يُعلم أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان، ما دام قادراً عليه، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة لفقد شرط من شروطها وهو الطهارة بالماء عند القدرة عليه.
وكثير من البادية ـ هداهم الله ـ وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم، والماء عندهم كثير، والوصول إليه ميسر، وهذا بلا شك تساهل عظيم وعمل قبيح لا يجوز فعله لكونه خلاف الأدلة الشرعية، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعُد عنه الماء، أو لم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه مع بُعد الماء عنه، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه وتعالى في جميع أموره وأن يلتزم بما أوجب الله عليه، ومن ذلك الوضوء بالماء عند القدرة عليه، كما يلزمه أن يحذر ما حرّمه الله عليه، ومن ذلك التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله. وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم، وصلى الله عليه نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/1 ص/210.(5/47)
لمس الجنب والحائض للكتب والمجلات التي بها آيات قرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم على الجنب والحائض لمس الكتب والمجلات التي تشتمل على آيات قرآنية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات، لأن ذلك ليس بمصحف" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (4/225) .
وانظر جواب السؤال رقم (22829) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/48)
حدثها دائم وقد خرج الوقت أثناء طوافها ولم تعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة حدث دائم ويلزمني الوضوء عند كل صلاة، في الحج وصلت إلى الحرم في غير وقت صلاة وتوضأت وشرعت في الطواف، وأثناء الطواف دخل وقت الصلاة فصليت بدون تجديد الوضوء، نظرا لشدة الزحام، ثم أكملت الطواف والسعي فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم المستحاضة ومن حدثه دائم أن يتوضأ لوقت كل صلاة، عند جمهور الفقهاء، فخروج الوقت ناقض للوضوء في حقها، وهذا مقيد بما لو خرج شيء، فإذا لم يخرج شيء فهي باقية على وضوئها الأول ولها أن تصلي به الفريضة التالية.
قال البهوتي في "الروض المربع" (ص 57) : " والمستحاضة ونحوها ممن به سلس بول أو مذي أو ريح ... تتوضأ لدخول وقت كل صلاة إن خرج شيء، وتصلي ما دام الوقت فروضا ونوافل، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول " انتهى من "الشرح الممتع" (1/438) .
فإذا لم تتيقني خروج شيء منك بعد وضوئك وإلى فراغك من الطواف، فإن طوافك صحيح، ولا شيء عليك. وأما السعي فلا تشترط له الطهارة، فلو سعيت وأنت على غير طهارة فإن سعيك صحيح.
أما إذا تيقنت خروج شيء بعد وضوئك، فكان عليك أن تتوضئي بعد دخول الوقت الجديد، ليصح طوافك وصلاتك.
فإذا لم تفعلي فإن طوافك لا يصح عند كثير من أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أن الطواف لا يشترط له الطهارة من الحدث الأصغر، وأن من طاف بغير وضوء صح طوافه، وهذا مذهب الحنفية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وينظر جواب السؤال رقم (34695) .
وعلى هذا القول، طوافك صحيح، وحجك صحيح، ولا يلزمك شيء، لكن يلزمك إعادة الصلاة التي صليتها دون أن تتوضئي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/49)
مصاب بالسلس فماذا يصنع في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني منذ سنوات قلائل من سلس البول غير الدائم، تخرج مني قطرات من البول بعد التبول، خلال السنوات الفائتة اعتدت أن أستخدم مناشف ورقية مع ملابسي الداخلية وأنظف نفسي بالماء ثم أتوضأ قبل كل صلاة. أنوي الذهاب للحج هذا العام إن شاء الله، أسئلتي هي: - هل أرتدي ملابس داخلية حال الإحرام؟ - هل يجوز لي جمع كل صلاتين معا أثناء سفري لأداء الحج أو خلال تأديتي للمناسك؟ - هل أنظف نفسي مرتين وأتوضأ مرتين قبل جمع صلاتين معا أثناء الحج؟ - أشعر أحيانا أنني متأكد أن شيئا لم يخرج مني، فهل علي في هذه الحالة أن أنظف نفسي مرة أخرى قبل جمع الصلاتين التاليتين؟ - هل علىّ أن أستخدم الماء لتنظيف نفسي قبل كل صلاة حتى ولم لم أتبول؟ هل يجوز استخدام المناشف الورقية فقط؟ - هل يجوز لي الاستمرار في أخذ الأدوية أثناء الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، ولا يضره لو خرج منه شيء بعد وضوئه ولو أثناء الصلاة.
وأما إن كان البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته فإنه يلزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. وينبغي أن يذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم يضع شيئاً يأمن معه التلوث بعد استنجائه، ثم إذا انقطع البول استنجي وتوضأ وصلى.
وينظر جواب السؤال: 39494 و 6656.
ثانيا:
يمكنك أثناء الإحرام أن تلف على ذكرك مناشف ورقية وأن تضع عليها كيسا يمنعها من السقوط ويمنع البول من الخروج، ولا يعد هذا من المحظورات.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟.
فأجاب: بأن هذا ليس من محظورات الإحرام. وينظر جواب السؤال رقم 11013
فإن شق ذلك عليك فالبس حفاظة أو ملابس داخلية، ولا حرج عليك، لكن تلزمك الفدية وهي على التخيير: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام.
لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) .
ثالثا:
يجوز لك الجمع بين الصلاتين لعذر السفر، وكذلك إذا شق عليك الدخول للخلاء ثم الخروج منه والعودة إليه لا سيما مع وجود الزحام، فحيث وجد الحرج والمشقة شرع الجمع.
ومن جمع بين الصلاتين، فإنه يتوضأ لهما وضوءا واحدا، سواء كان صاحب سلس أو لم يكن.
وكذلك التنظف والتطهر قبل الوضوء، يكون مرة واحدة.
وإذا تأكدت من طهارة المحل وعدم خروج شيء منك فإنه لا يلزمك الاستنجاء ولا التطهر.
ويجوز الاقتصار على استعمال المناديل الورقية للتطهر، وإن كان استعمال الماء أفضل.
رابعا:
لا حرج في استعمال الأدوية أثناء الإحرام.
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة وأن يرزقنا وإياك حجا مبرورا وذنبا مغفورا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/50)
حكم مس المصحف من الغلاف من غير وضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود سؤالكم عن حكم لمس غلاف المصحف وأنا غير طاهرة؟ لأني سمعت أن المصحف الذي يكون مغلف بأخضر يجوز لمس غلافه إذا لم أكن طاهرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غلاف المصحف المتصل به إما بالخياطة أو اللصق أو غير ذلك له حكم المصحف فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمسه، أما الغلاف المنفصل عن المصحف، كالجراب الذي يوضع فيه المصحف لحفظه، فلا حرج في مسه من غير وضوء.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يمتنع على غير المتطهّر مس جلد المصحف المتّصل , والحواشي الّتي لا كتابة فيها من أوراق المصحف , والبياض بين السطور , وكذا ما فيه من صحائف خاليةٍ من الكتابة بالكلّيّة , وذلك لأنّها تابعة للمكتوب وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجوز مس المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان، إذا كان الناقل على غير طهارة.
لكن إذا مسه أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لفافة أو في جرابه، أو بعلاقته فلا بأس، أما أن يمسه مباشرة وهو على غير طهارة فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لما تقدم، وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/149، 150) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/51)
هل يلزم غسل ثياب وأواني من دخل في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم غسل ملابس وأغراض وأواني من اعتنق الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجب ذلك، لأن القول الراجح أن غير المسلمين نجاستهم نجاسة معنوية، وليست حسية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هو وأصحابه من مزادة (إناء من جلد) امرأة مشركة، ولأن الله أباح لنا نكاح نساء أهل الكتاب؛ ولابد من الملامسة، ولأن الله أباح طعام الذين أوتوا الكتاب، ولابد من ملامستهم إياه غالباً.
وبناءاً على ذلك فإنه لا يجب على الرجل إذا أسلم أن يغسل ملابسه وفرشه ونحو ذلك، إلا إذا تيقن أنها أصيبت بنجاسة لم تطهر منها" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/2، 3) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/52)
قراءة القرآن من الجوال هل يشترط لها الطهارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في بعض الجوالات برامج للقرآن تستطيع أن تتصفح منها القرآن في أي وقت على شاشة الجوال، فهل يلزم قبل القراءة من الجوال الطهارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الجوالات التي وضع فيها القرآن كتابة أو تسجيلا، لا تأخذ حكم المصحف، فيجوز لمسها من غير طهارة، ويجوز دخول الخلاء بها، وذلك لأن كتابة القرآن في الجوال ليس ككتابته في المصاحف، فهي ذبذبات تعرض ثم تزول وليست حروفا ثابتة، والجوال مشتمل على القرآن وغيره.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: ما حكم قراءة القرآن من جهاز الجوال بدون طهارة؟
فأجاب حفظه الله: " الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد.
فمعلوم أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب لا تشترط لها الطهارة من الحدث الأصغر، بل من الأكبر، ولكن الطهارة لقراءة القرآن ولو عن ظهر قلب أفضل، لأنه كلام الله ومن كمال تعظيمه ألا يقرأ إلا على طهارة.
وأما قراءته من المصحف فتشترط الطهارة للمس المصحف مطلقاً، لما جاء في الحديث المشهور: (لا يمس القرآن إلا طاهر) ولما جاء من الآثار عن الصحابة والتابعين، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وهو أنه يحرم على المحدث مس المصحف، سواء كان للتلاوة أو غيرها،
وعلى هذا يظهر أن الجوال ونحوه من الأجهزة التي يسجل فيها القرآن ليس لها حكم المصحف،لأن حروف القرآن وجودها في هذه الأجهزة تختلف عن وجودها في المصحف، فلا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات تتكون منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها، وعليه فيجوز مس الجوال أو الشريط الذي سجل فيه القرآن، وتجوز القراءة منه، ولو من غير طهارة والله أعلم " انتهى نقلا عن موقع: "نور الإسلام".
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أنا حريص على قراءة القرآن وعادة أكون في المسجد مبكرا ومعي جوال من الجوالات الحديثة التي فيها برنامج كامل للقرآن الكريم -القرآن كاملا- بعض المرات: لا أكون على طهارة فأقرأ ما يتيسر وأقرأ بعض الأجزاء، هل تجب الطهارة عند القراءة من الجوالات؟
فأجاب: "هذا من الترف الذي ظهر على الناس، المصاحف والحمد لله متوفرة في المساجد وبطباعة فاخرة، فلا حاجة للقراءة من الجوال، ولكن إذا حصل هذا فلا نرى أنه يأخذ حكم المصحف.
المصحف لا يمسه إلا طاهر، كما في الحديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وأما الجوال فلا يسمى مصحفا " انتهى.
وقراءة القرآن من الجوال فيها تيسير للحائض، ومن يتعذر عليه حمل المصحف معه، أو كان في موضع يشق عليه فيه الوضوء، لعدم اشتراط الطهارة لمسه كما سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/53)
الأصل طهارة ماء المسابح حتى تُعلم نجاستها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ماء المسبح طاهر إذا بلل الملابس حيث إن ماء المسبح يسبح فيه الصغار وقد ينجسونه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في كل المياه أنها طاهرة، إلا إذا وقعت فيها نجاسة، وأثرت تلك النجاسة في لونها أو طعمها أو ريحها، فهنا نحكم بنجاسة الماء؛ قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) الفرقان/48، وروى النسائي (326) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (1925) .
وقال علماء اللجنة الدائمة الإفتاء:
"الأصل في الماء الطهارة، فإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وإذا لم تغيره النجاسة فهو طهور " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/84) .
فعلى هذا، فإن ماء المسبح باقٍ على الأصل، وهو الطهارة حتى نتيقن أنه تغير بنجاسة وقعت فيه.
قال الشيرازي رحمه الله في "المذهب" (1/221) : " إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْمَاءِ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ , وَإِنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ , وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/54)
تخرج منه قطرات بعد البول وإذا انتظر ربما فاتته الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عن المذي وهو أنه عندما يخرج أغتسل منه ثم أذهب إلى الصلاة ولكن عندما أرجع للحمام أكرمكم الله للبول أجد متبقيا ينزل مع البول وأحيانا أبقى في الحمام أكثر من نصف ساعة للتأكد أنه خرج كله فسؤالي هو هل أتأكد أنه خرج تماما أو أنني أغتسل ثم أذهب للصلاة علما بأن بعض الصلوات في المسجد تضيع بهذا السبب وأحيانا أبقى في دائرة الشك بحيث أني أذهب للمسجد وأصلي وأرجع أشك في طهارتي وأصليها مرة أخرى في البيت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الذي يخرج عقب البول عادة هو الودي، وهو سائل أبيض ثخين يخرج على شكل قطرات، وأما المذي فإنه يخرج عقب ثوران الشهوة.
وكلاهما ينقض الوضوء، ولا يوجبان الغسل. فقولك: " عندما يخرج أغتسل منه " لعلك تقصد أنك تغسِله، وأما الغُسل فلا يلزمك، بل يلزمك الوضوء.
قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ , لا بشهوة , ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه , ويشترك الرجل والمرأة فيه ...
وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين , يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له , ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة، وعند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما. وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع؟
فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال، وإنما ينقض الوضوء، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء، ولا يجب الاغتسال، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة، لا بدونها؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226) .
ثانيا:
إذا قضيت حاجتك، فيلزمك الانتظار حتى تتيقن انقطاع الخارج، ثم تستنجي وتتوضأ، ولو أدى ذلك إلى فوات الجماعة فلا حرج عليك، لكن ينبغي أن تتهيأ للصلاة قبل وقتها، ما دمت تعلم أنك تحتاج إلى وقت طويل لقضاء الحاجة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابت: "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408)
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله فيمن ابتلي بذلك:
" عليك أولا: أن تحتاط لطهارتك، فتتوضأ قبل دخول الوقت بنصف ساعة أو نحوها بعد أن تتبول وينقطع أثر البول منك، رجاء أن يتوقف قبل حضور وقت الصلاة.
وعليك ثانيا: بعد كل تبول أن تغسل فرجك بالماء البارد الذي يقطع البول ويفيد في توقف النقط.
وإذا كانت هذه النقط وسواسا أو توهما فعليك بعد الاستنجاء أن ترش سراويلك وثوبك بالماء، حتى لا يوهمك الشيطان إذا رأيت بللا أنه من البول، حيث يتحقق أنه الماء الذي صببته على ثيابك " انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/196) .
ثالثا:
ينبغي أن تحذر من الوسوسة، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم، وأورثه الشك، وثقّل عليه العبادة، فاحذر من ذلك، فإذا قضيت حاجتك وتوضأت وصليت، فلا تلتفت للشك، إذ الأصل هو الطهارة وصحة الصلاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟
فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/55)
كيف يتطهر المريض ويصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتطهر المريض ويصلي؟ أرجو بيان ذلك بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: طهارة المريض:
1- يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحدثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الأصغر ويغتسل من الأكبر.
2- ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها في حق من بال أو أتى الغائط.
ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار طاهرة، ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر بالحجارة وما أشبهها؛ كالمناديل ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء، لأن الحجارة تزيل عين النجاسة، والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ.
والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقى بهن المحل، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر.
ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة، ولا حرج في ذلك.
3- إذا لم يستطع المريض الوضوء بالماء لعجزه أو لخوفه زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم.
والتيمم هو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه.
ويجوز أن يتيمم على كل شيء طاهر له غبار، ولو كان على غير الأرض، كأن يتطاير الغبار مثلاً على جدار أو نحوه فيجوز أن يتيمم عليه، وإن بقى على طهارته من التيمم الأول صلى به كالوضوء، ولو عدة صلوات، ولا يلزمه تجديد تيممه؛ لأنه بدل الماء، والبدل له حكم المبدل.
ويبطل التيمم بكل ما يُبْطِل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً.
4- إذا كان المرض يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها، أو ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه – فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته هنا لنفي الضرر، ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء، فوجب عليه استعماله.
5- إذا شق على المريض أن يتوضأ أو يتيمم بنفسه وضأه أو يممه غيره وأجزأه ذلك.
6- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره منه استعمال الماء فأجنب – جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي.
7- من به جرح في أحد أعضاء الطهارة فإنه يغسله بالماء، فإن شق عليه غَسْلُه أو كان يتضرر به مسحه بالماء حال غسل العضو الذي به الجرح حسب الترتيب، فإن شق عليه مَسْحُه أو كان يتضرر به تيمم عنه وأجزأه.
8- صاحب الجبيرة: وهو من كان في بعض أعضائه كسر مشدود وعليه خرقة أو نحوها، فإنه يمسح عليها بالماء، وتكفيه، ولو لم يضعها على طهارة.
9- يجب على المريض إذا أراد أن يصلي أن يجتهد في طهارة بدنه وثيابه ومكان صلاته من النجاسات، فإن لم يستطع صلى على حاله ولا حرج عليه.
10- إذا كان المريض مصاباً بسلس البول، ولم يبرأ بمعالجته فعليه أن يستنجي ويتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه جعل الثوب الطاهر للصلاة، وإلا عفي عنه، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته بوضع حافظ على رأس الذكر.
ثانياً: صلاة المريض:
1- يجب على المريض أن يصلي قائماً قدر استطاعته.
2- من لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في كل القيام.
3- فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن.
4- فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة.
5- ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود.
6- وإن كان بعينه مرض فقال طبيب ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً.
7- من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
8- ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
9- ومن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما أمكنه ذلك.
10- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه فيكبر ويقرأ وينوي بقلبه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلسة بين السجدتين والجلوس للتشهد، ويأتي بالأذكار الواردة، أما ما يفعله بعض المرضى من الإشارة بالإصبع فلا أصل له.
11- ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
12- وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه.
13- لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة في جميع أحواله، وفي صحته ومرضه؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، فلا يجوز لمسلم ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها، ولو كان مريضاً، ما دام عقله ثابتاً بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته على ما ذكر من تفصيل، وأما ما يفعله بعض المرضى من تأخير الصلاة حتى يشفى من مرضه فهو أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشرع المطهر.
14- وإن شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له، إن شاء قدم العصر مع الظهر، وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء.
أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/405) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/56)
حكم لمس الكتب أو المجلات التي تحتوي على آيات قرآنية للحائض والجنب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء , فهل ينطبق هذا الحكم على الآيات المفردة أو كتب التفسير أو كتب السيرة أو ما شابه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمحدث مس الآيات المفردة لأن حكمها حكم المصحف، وأما إن كُتب مع الآيات غيرها ككتب التفسير والفقه فالحكم للأغلب، فإن كان القرآن الذي فيها أكثر من غيره حرم مسها بغير بوضوء، وإن كان غير القرآن هو الأكثر جاز مسها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وما فيه شيء من القرآن حكمه حكم المصحف إن كان مفرداً، فإن كتب مع القرآن غيره فالحكم للأغلب، فيجوز مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن) اهـ شرح العدة (1/385) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/57)
إذا استيقظ ووجد بللا في الثوب ولا يدري ما هو
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل عندما أستيقظ من النوم وأنا غير متأكد إذا كان علي الغسل أم لا؟
بمعنى أنني لست متأكداً إذا كنت قد قذفت المنى أثناء النوم لأي سبب (العلامات غير مرئية أو جزئية.. إلخ)
أرجو أن تنصحني في هذا الموقف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا استيقظ الإنسان من نومه، ورأى في نومه أنه احتلم، غير أنه لم ير بللاً في ثيابه فإنه لا يلزمه الاغتسال بإجماع العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ. رواه البخاري (282) ومسلم (313) . وهذا يدل على أنه لا يجب الاغتسال إذا لم ير الماء. المغني 1/269.
وأما إذا وجد البلل فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يتيقن أنه مني فيلزمه الاغتسال بالإجماع. المغني 1/269.
الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني، فلا يلزمه الاغتسال، ولكن يغسل ما أصابه هذا البلل لأن حكمه حينئذ حكم البول. الشرح الممتع 1/280.
الثالثة: أن يتردد فيه ولا يدري هل هو مني أو مذي؟
فاختلف في ذلك العلماء:
فصحح النووي في المجموع (2/146) أنه يلزمه حكم المني والمذي معاً، فيغتسل رفعا للجنابة لاحتمال أنه مني، ويطهر ثيابه من النجاسة لاحتمال أنه مذي. لأنه لا تبرأ ذمته من الطهارة إلا بذلك.
ومذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إن سبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة مع زوجته أو نظر، فهذا البلل يعتبر مذيا، لأن الماء الذي ينزل بسبب ذلك غالباً هو المذي، والأصل عدم ما سواه. فيطهر ثيابه من المذي برشها بالماء، ولا يجب عليه الاغتسال.
أما إذا لم يسبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة أو نظر، فهذا البلل يعتبر منيا. لما روت عَائِشَةُ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلا يَذْكُرُ احْتِلامًا. قَالَ: يَغْتَسِلُ. وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ: لا غُسْلَ عَلَيْهِ. رواه أبو داود (236) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (216) .
قال الخطابي في معالم السنن: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ الاغْتِسَالَ إِذَا رَأَى بِلَّةً، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهَا الْمَاءُ الدَّافِقُ [المني] , وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ اهـ
ولأن هذا الماء لا بد لخروجه من سبب، وليس هناك سبب ظاهر إلا الاحتلام، والماء الذي يخرج بالاحتلام في الغالب إنما هو المني، فألحقت هذه الصورة المجهولة بالأعم الأغلب.
انظر المغني (1/270) ، شرح العمدة (1/353) .
وكلا القولين قوي، فإن أخذ بالقول الثاني أجزأه إن شاء الله، وإن احتاط لصحة صلاته وأخذ بالقول الأول كان أفضل.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/58)
كيف تتوضأ يوم عرسها، وقد وضعت المساحيق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت في موقعكم أن السائل الذي ينزل من المرأة طاهر ولكن ينقض الوضوء، سؤالي هو ماذا أفعل يوم عرسي فيجب أن أضع مساحيق التجميل قبل العشاء إن لم يكن قبل المغرب وإن امتنعت عن هذا ستغضب أمي بشدة وهي صاحبة قلب ضعيف فقد تؤذى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة، ولكن في نقضها للوضوء خلاف، فمن أهل العلم من يراها ناقضة للوضوء، إلا أنه إذا كانت مستمرة، فإنها تأخذ حكم السلس، فتتوضأ المرأة بعد دخول وقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات.
ومن أهل العلم من ذهب إلى أن هذه الإفرازات المستمرة لا تنقض الوضوء؛ لعدم الدليل على النقض.
والأحوط هو الوضوء، لكن إن شق ذلك فلا حرج في تركه؛ لأن القول بعدم النقض قول قوي.
وعليه فيمكنك الوضوء بعد أذان المغرب أو قبله، والمحافظة عليه، لأداء صلاة العشاء في وقتها.
على أنا بينا في جواب السؤال رقم (39494) أنه إذا شق على صاحب السلس – سواء كان من بول أو ريح أو إفرازات - أن يتوضأ لوقت كل صلاة جاز له الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيصلي الصلاتين جمعاً بوضوء واحد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/59)
علاج الوسواس في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة وقد دخل علي الوسواس منذ فترة وهذا الوسواس يشغلني في الوضوء حتى أني لا أستطيع الموالاة، أستمر في الوضوء ساعة ونصف في كل وقت حيث يخيل إليّ أنني لم أتم الوضوء وكذلك غسل الجنابة استمر فيه الساعات ويخيل إليّ أنني لم أطهر، وقد دخلت إلى مستشفى الأمراض العصبية فماذا تنصحونني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تابعي العلاج في مستشفى الأمراض النفسية وعند الأطباء عسى الله أن يكتب لك الشفاء واستعيني بالله واطلبي منه أن يعافيك من مرضك وأقرئي آية الكرسي عندما ترقدين في فراشك للنوم وقولي: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحاً وثلاث مرات مساءاً وارقي نفسك بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات تنفثين في يديك عقب كل مرة وتمسحين بهما ما استطعت من بدنك عند النوم، لما روى البخاري في صحيحه وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات) ، وادعي الله أن يذهب ما بك من بأس فقولي: (اذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقماً) وكرري ذلك ثلاثاً وادعي أيضاً بدعاء الكرب فقولي: (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) ، وإذا فرغت من الوضوء أو الغسل من حيض أو جنابة فاعتمدي أنك قد طهرت ودعي عنك الوسواس وطول المكث في الحمام فإنه من الشيطان وبذلك ينقطع عنك بإذن الله.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/223(5/60)
يجوز لكل من الزوجين قراءة القرآن بجانب بعضهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حرام للزوجة أن تقرأ القرآن بجانب زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للزوجة قراءة القرآن بجانب زوجها وكذلك العكس، وإنما تحرم قراءة القرآن في حال الجنابة. ويراجع جواب سؤال رقم 10672. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/61)
صاحب السلس يتوضأ لكل صلاة فريضة وضوءا مستقلا
[السُّؤَالُ]
ـ[حسب علمي أن الشخص الذي يواجه صعوبة في البقاء على طهارته بسب ظروف خارجة عن إرادته، مثل سلس البول ونحوه، بأنه لا يجب عليه الغسل باستمرار لمشقة ذلك، وإنما يجب عليه تجديد الوضوء قبل كل فريضة، ولكن ماذا لو كانت هذه الفترة بين الفريضتين قصيرة كأن يكون تأخر في أداء صلاة العصر لعذر ما وأداها قُبيل المغرب بنصف ساعة، فهل يجب عليه أن يجدد الوضوء لصلاة المغرب رغم هذا الفارق الزمني البسيط؟ وكذلك الحال بالنسبة لصلاة الجمعة فإذا توضأ لها فهل يعتبر على طهارة إلى صلاة العصر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم صاحب السلس وضوء مستقل لكل صلاة عند دخول وقتها ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها من قريب، وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم علّم المستحاضة أن تفعل ذلك كما جاء في حديث عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ.. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا جَاوَزَتْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلاةٍ. سنن الترمذي 116 والحديث في البخاري برقم 221
قال ابن حجر رحمه الله: حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله " ثم توضئي لكل صلاة "، وبهذا قال الجمهور.. فتح الباري: كتاب الحيض: باب الاستحاضة. وصاحب الحدث المستمر كسلس البول والرّيح حكمه حكم المستحاضة، ولك أن تصلي بوضوء الفريضة ما شئت من النوافل إلى خروج وقت هذه الفريضة. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/62)
عاجزة عن استخدام الماء؟ متى يُشرع التيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف سيدة تعاني من مشكلات في الجلد عندما تتوضأ بالماء، مما يجعلها عاجزة عن أداء الصلاة. ما الشيء الذي عليها أن تفعله إذا وجدت مشكلة أو معاناة لدى استعمالها الماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من لم يستطع أن يتوضأ بالماء فعليه أن يتيمم ويُصلي بالتيميم، والتيمم أن يضرب بكفيه الأرض ويمسح وجهه وكفيه.
وليُعلم بأن " التيمم شرعه الله عند فقد الماء أو تعذر استعماله لمرض أو نحوه فقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة المائدة/43
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة ـ أُنظر فتاوى إسلامية ج1ص216(5/63)
حكم مس المصحف للمحدث، ومعنى حديث إن المؤمن لا ينجس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم حمل القرآن والقراءة منه (الذي لا يضم ترجمة لمعانيه أو تعليقات حول آياته) دون وضوء؟ لأني سمعت في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن طاهر دائما حتى وإن كان جنبا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز مثل هذا السؤال فقال:
لا يَجُوز للمسلم مَسُّ المُصْحَفِ وهو على غير وُضُوءٍ، عند جمهور أهل العلم، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وهو الذي كان يُفْتِي به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به، من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: " أنْ لاَ يَمَسَّ القرآن إلا طاهر " وهو حديث جيد له طرق يَشُدُّ بعضها بعضاً، وبذلك يُعْلم أنّه لا يجوز مَسّ المُصْحَفِ إلا على طهارةٍ من الحَدَثَيْنِ الأكبر، والأصغر، وهكذا نَقْلُهُ من مكان إلى مكان إذا كان النَاِقُل على غير طهارة، لكن إذا مَسّهُ أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لِفافَة فلا بأس، أما أن يَمَسّه مُبَاشَرَةً وهو على غير طهارة، فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، لما تَقَدّم، أما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو مُحْدِثٌ عن ظهر قلب أن يقرأ ويَمْسِكَ له القرآن مَنْ يَرُدُّ عليه ويَفْتَحَ عليه فلا بأس،
لكن الجُنُبَ صَاحِب الحدث الأكبر لا يقرأ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجبه شيء عن القراءة إلا الجنابة، وروى أحمد بإسناد جيد عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط وقرأ شيئا من القرآن وقال: " هذا لمن ليس بجنب، أما الجنب فلا، ولا آية ".
والمقصود أن ذا الجنابة لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، وأما المحدث حدثا أصغر وليس بجنب فله أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولا يمس المصحف.
فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله 10/150
أما حديث طهارة المؤمن فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ " رواه البخاري (الغسل /276) ومسلم (الحيض/556)
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حياً وميتاً، قال: فإذا ثَبَتَتْ طهارته، فَعَرَقُه ولُعَابُه ودَمْعُه طاهرات سواء كان مُحْدِثا أو جُنُباً أو حَائِضاً أو نُفَسَاء.
وإذا علم هذا عرف معنى كونه طاهراً، فلا يمنع أن يكون جسمه طاهر وهو في نفس الوقت محدث لأن الحدث هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/64)
أخبره رجل بخروج ريح منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبره عدلٌ أنه خرج منه حدثٌ فهل يلزمه قبول خبره أو لا - كما أفتى به بعض أهل اليمن -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق فأجاب:
الصواب: أنَّه يلزمه، وزعْمُ أن خبَرَه لا يفيد اليقين، بل الظن، ولا يرفع يقين طهرٍ بظن حدثٍ: يبطله أنَّه لو أخبره بوقوع نجاسةٍ في الماء: لزمه قبول خبره مع وجود العلة المذكورة، ووجهه أن هذا وإن كان ظنّاً إلا أنَّه قائمٌ مقام اليقين شرعاً في أبوابٍ كثيرةٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 36) .(5/65)
الحكمة في كون التيمم على عضوين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة في كون التيمم على عضوين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله:
وأما كونه - أي: التيمم - في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة؛ فإن وضع التراب على الرءوس مكروه في العادات، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب، والرِّجلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد، ولذلك يستحب للساجد أن يُترِّب وجهه لله، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد وجعل بينه وبين التراب وقاية فقال: " ترِّب وجهك "، وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرِّجلين.
وأيضاً فموافقة ذلك للقياس من وجهٍ آخر: وهو أن التيمم جُعل في العضوين المغسولين، وسقط عن العضوين الممسوحين، فإن الرِّجلين تُمسحان في الخف، والرأس في العمامة، فلمَّا خُفِّف عن المغسوليْن بالمسح خُفِّف عن الممسوحيْن بالعفو، إذ لو مُسحا بالتراب لم يكن فيه تخفيفٌ عنهما، بل كان فيه انتقالٌ من مسحهما بالماء إلى مسحهما بالتراب، فظهر أن الذي جاءت به الشريعة هو أعدل الأمور وأكملها، وهو الميزان الصحيح.
وأما كون تيمم الجنب كتيمم المحدِث فلمَّا سَقط مسح الرأس والرجلين بالتراب عن المحدِث سقط مسح البدن كله بالتراب عنه بطريق الأولى، إذ في ذلك من المشقة والحرج والعسر ما يناقض رخصة التيمم، ويدخل أكرم المخلوقات على الله في شبه البهائم إذا تمرغ في التراب، فالذي جاءت به الشريعة لا مزيد في الحسن والحكمة والعدل عليه، ولله الحمد.
[الْمَصْدَرُ]
" أعلام الموقعين " (1 / 301، 302) .(5/66)
كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما بلغت واحتلمت لم أكن أعرف بأن الغسل لا بد منه فبقيت على ذلك مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبعدها علمت بوجوب الغسل فسؤالي هو ماذا علي أن أفعل من أجل الصلوات التي كنت أصليها في هذه الفترة هل علي قضاؤها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
متى وجدت في ثوبك المني يجب عليك أن تغتسل حتى ولو لم تذكر احتلاماً، فالمسلم إذا استيقظ من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه أو في مكان نومه بللاً يعني أثر مني فيجب عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً في نومه فهذا لا بد منه لأنه موجب الغسل وهو خروج المني ذكر احتلاماً في منامه أم لم يذكر، أما لو ذكر احتلاماً في منامه ولكنه لم يخرج منه شيء كما لو قلت أنا احتلمت في النوم كأن واقعت امرأة ولكن بعد أن استيقظت لم تجد أثر مني لا في ثوبك ولا في ملابسك ولا في بدنك ولا في منامك فهل يجب الغسل؟ فهذا ليس فيه غسل ما دام أنه لم يوجد مني حتى ولو احتلمت إنما الغسل يترتب على وجود المني.
أما أنك تقول إنك لمدة ثلاث سنوات تصلي بدون غسل من الجنابة فالواجب عليك وعلى أمثالك أن تسأل، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل/43 ومالك عذر عند الله، فإن الله سبحانه وتعالى أعطاك الصحة والعافية وأعطاك العقل وأمرك أن تسأل، ولا يجوز لك أن تعبد الله على جهل وضلال فإن عبادة الله على الجهل والضلال هي طريقة النصارى، ألم تقرأ سورة الفاتحة كل يوم في صلاتك (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة /6-7، فالمغضوب عليهم هم اليهود معهم علم ولم يعملوا به، والضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال، فكذلك المسلم إذا عبد الله على جهل وضلال فإنه من الضالين، قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وأنت عليك بتقوى الله ومراقبته والإكثار من النوافل، وبعض العلماء يوجب عليك أن تقضي هذه الثلاث سنين لكن ما دام أنه صدر عن جهل وعددها كثير فأرجو ألا حرج عليك إن شاء الله وتكثر من النوافل وإن أمكن قضاؤها فهو المتعين بكل حال وإن شئت تكثر من النوافل كما ذكره جمع من أهل العلم والمسألة خلافية بينهم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 64(5/67)
يجوز لمس الشريط المسجل عليه قرآن للجنب
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن القرآن الكريم له حرمته لا يمسه إلا المطهرون، فما رأيك في الشريط المسجل عليه قرآن كريم للرجل أو المرأة إذا كان عليهما جنابة أو المرأة إذا كانت حائضاً هل يجوز لمس أو حمل الشريط الذي فيه قرآن كريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في حمل أو لمس الشريط المسجل عليه القرآن لمن كان عليه جنابة ونحوها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم 9620(5/68)
مس الكافر للمصحف وعمله في طباعته أو تجليده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمشرك أو الكافر من أهل الكتاب أو غيره أن يمس أي ورقة كتب عليها قرآن كريم أو يطلع عليها، وزيادة بالإيضاح نحن لدينا مطبعه ونطبع فيها المصحف الشريف، ولقد أصاب الآلة التي تطبع أوراق المصحف عطل فني لم نتمكن من إصلاحه، وتم استدعاء مهندس من الشركة المصنعة للآلة لإصلاح الخلل، وعندما تم الإصلاح من قبله، وأراد هذا المهندس من أهل الكتاب التأكد من المشكلة في الطبعة، أراد أن يلمس الورق المطبوع فيها آيات من المصحف الشريف، فتم منعه من ذلك، وسحبت الأوراق من تحت يده، واختلف الرأي: هناك فريق يقول لا يوجد حرج بأن يفحص ما تم طباعته للتأكد من أن المشكلة الموجودة في الآلة قد حلت، وفريق أخر يقول حرام أن يمس القرآن لأنه نجس، مستنداً بقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) تم بعد ذلك تغير العمل من طباعة المصحف إلى عمل آخر لكتاب لا يوجد فيه قرآن ليتم الفحص من قبل هذا المهندس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف، وتحريم تمكينه منه، لأنه إذا منِع المسلم غير المتوضئ من مس المصحف فالكافر من باب أولى، ولما يخشى من امتهانه المصحف، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
زاد مسلم: (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا: لا يمنع الكافر سماع القرآن، ويمنع مس المصحف. وهل يجوز تعليمه القرآن؟ ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز , وإن رجي جاز في أصح الوجهين " انتهى.
وقال الرملي رحمه الله: " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه , بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389) .
وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه، إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية": " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها: يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة: أنّ أبا حنيفة قال: إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً.
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي: يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ: يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ " انتهى (مصحف، فقرة 30) .
وفيها أيضا: " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف.
وقال محمّد بن الحسن: لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى (كفر، فقرة 16) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم مس النصراني للمصحف، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم؟
فأجاب: " هذا فيه نزاع بين أهل العلم، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه، ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية،
قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل. والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجَم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340) .
على أننا ننبه هنا إلى أن امتهان الكافر للمصحف - في مثل هذه الصورة المسئول عنها – غير ظاهر، بل يبعد هنا جداً. وإنما الامتهان الحقيقي – فيما يظهر لنا هنا – هو أن نقوم بطباعة صفحة من المصحف لا لشيء إلا لتجربة الآلة، وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأوراق البالية من المصحف: هل تُحرق أو تُغسل، أو تمزق ومن منع من شيء من ذلك رأى أنه " خلاف الاحترام "
انظر: "البرهان في علوم القرآن للزركشي" (1/477)
فكيف نعتمد طبع أوراق لمجرد التجربة، ثم نتخلص منها بعد ذلك؟!
وبناء على ذلك، فإذا أمكن فحص آلة الطباعة وتجربتها على غير المصحف، كما فعلتم، فهو الواجب ولا يجوز طباعة ورقة من المصحف لذلك الغرض، ما دام يمكن أن يتم بغير المصحف، وإذا فحص الكافر آلة الطباعة، وجربها من غير مس الأوراق المطبوعة، فلا حرج أيضاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/69)
هل الطهارة واجبة في سجود التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[سجود التلاوة، نرى بعض الناس لا يشترط فيه الطهارة ولا التوجه إلى القبلة، وبعضهم يشترط، فما هو الصواب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أهل العلم من يرى أنه صلاة، ويبني على ذلك اشتراط الطهارة واستقبال القبلة والتكبير عند السجود وعند الرفع منه والسلام، ومنهم من يرى أنه عبادة، ولكن ليس كالصلاة، ويبني على ذلك عدم اشتراط الطهارة والتوجه إلى القبلة وغير ذلك مما سبق، وهذا القول أرجح؛ لأننا لا نعلم دليلاً يدل على اشتراط الطهارة واستقبال القبلة، لكن متى تيسر استقبال القبلة حين السجود وأن يكون على طهارة فهو أولى خروجا من خلاف العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/262(5/70)
صلاة من يُلابس لحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مطعم، حيث تمتد ساعات عملي اليومية إلى اثنتي عشرة ساعة، وبسبب اشتغالي بالمنتجات الخنزيرية تكون حالتي متسخة طوال اليوم.
فما هي شروط الصلاة؟ وهل أستطيع أن أقضي الصلوات الخمس في نهاية اليوم، بعد أن أكون قد اغتسلت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك أن تصلي الصلوات الخمس في أوقاتها بعد أن تزيل النجاسات عن نفسك وتتطهر كما أمر الله، ولا بدّ أن تبحث يا أخي عن عمل آخر تكسب منه رزقا حلالا لأنّ طبخ الخنزير وتقديمه حرام لا يجوز.
وفقنا الله وإيّاك لما يحبّ ويرضى وباعد بيننا وبين أسباب غضبه وسخطه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/71)
ما هي صفة التَّيَمٌّم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة التَّيَمٌّم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفته أنْ يضرِب الأرضَ بيديْه ثم يمسَحَ وجهَه كاملاً ثم يمسَحَ اليديْن بعضَهما ببعضٍ.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.(5/72)
حكم استخدام الصرف الصحي في سقي النخيل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا نخل على مجاري الصرف الصحي، فهل يجوز الأكل من تمره وبلحه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز أن يؤكل من تمر النخل الذي يُسقى بماء مجاري الصحة، لأنه إذا لم يظهر الطعم ولا الريح فإنه يعني أن النجاسة استحالت.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1798 ص/61(5/73)
إذا رفض أخذ الدواء هل يكون عاقاً لأبيه?
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مريض بالربو وكثيراً ما أذهب إلى المستشفى على طول العام وكانوا يعطونني مادة الكرتزون مما أثر على عظامي، فقطعته خشيه الهلاك مما أغضب والدي فهل أنا عاق؟ 2- أعاني من آلام في المعدة مما يسبب لي كثرة الغازات فكيف أتطهر للصلاة؟ ولهذه الأسباب أصبحت لا أستطيع المشي كثيرا وعند قطعي للكرتزون تعبت أكثر فأمرني الطبيب بلزوم البيت وأصبحت لا أكثر من الذهاب للمسجد إلا لصلاة الجمعة لهذا السبب فهل أنا آثم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك.
ثانيا:
إذا كان الدواء يضرك ويؤثر على عظامك، فلا حرج في قطعه، لأنه لا يلزمك أن تتناول ما يضرك من دواء أو غيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
لكن ينبغي مراجعة الطبيب في ذلك، فقد تكون المضرة بتركه أعظم من المضرة الحاصلة بأخذه.
فعليك أن توازن بين المصالح المترتبة على أخذك الدواء وبين المفاسد وبين المفاسد المترتبة على عدم أخذه.
وإذا ثبت أن الدواء مضرّ بك، فلا يكون امتناعك عن أخذه عقوقاً لوالدك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)
ثالثا:
ينبغي أن تبحث عن علاج لكثرة الغازات، حتى تؤدي الصلاة بخشوع واطمئنان مع الجماعة، فإن استمر خروجها، بحيث لا تنقطع وقتا يتسع لفعل الطهارة والصلاة، فهذا ما يسمى بسلس الريح، وحينئذ يكفيك الوضوء بعد دخول الوقت، وتصلي به الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك خروج الريح ولو في الصلاة.
وأما إن كان الريح ينقطع عنك وقتاً يتسع للطهارة والصلاة، فيلزمك أداء الصلاة في هذا الوقت، ولو أدى إلى ترك الجماعة في المسجد.
رابعا:
إذا كان الخروج إلى المسجد يضرك أو يشقّ عليك، فلا حرج عليك في أداء الصلاة في البيت، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وكلما شعرت بالنشاط والقوة خرجت إلى المسجد.
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/74)
يعجز عن الوضوء والتيميم فكيف يصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وأستعمل كرسي المعاقين وسؤالي عن الوضوء
لا أستطيع أن أمسك شيئاً بيدي، لدي شخص يأتيني كل صباح ويساعدني في الاستحمام فهل هذا يكفي لبقية اليوم؟ أحاول التيمم ولكنني لا أستطيع مسح الوجه تماماً وأواجه صعوبة في وضع يدي على التراب للتيمم. أرجو أن تنصحني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله
1. مما جاء به الإسلام التيسير والتسهيل على الناس وأنه لا يحملهم ما لا يطيقون قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} البقرة / 286.
فأوجب الله تعالى على المسلمين الوضوء ورضيه لهم ولكنه لما علم الضعف من بعضهم رخَّص لهم فشرع التيمم وجعله بدلاً من الماء وجعله طهوراً للمسلم.
فإن شق التيمم على صاحبه: جاز له الصلاة من غير وضوء ولا تيمم، وهذا كالذي لم يجد ثوباً يستر عورته في الصلاة: جاز له الصلاة بدون ثوب.
وإذا ساعدك شخص على الاغتسال أو الوضوء فحسن جداً، وهو يكفيك لبقية يومك ما لم تأت بحدثٍ أكبر أو أصغر فتفسد طهارتك.
وإذا تيممت بنفسك أو يممك أحد من الناس فيكفي أن تمرر يدك على التراب، وتمسح ما تستطيعه من وجهك.
ولك – بسبب المشقة والمرض – أن تجمع بين الصلاتين إن لم يتيسر لك الطهارة للوقت الثاني.
فإن لم يتيسر لك الوضوء ولا التيمم حتى ضاق عليك وقت الصلاة فوجب عليك أن تصلي ولو من غير طهارتي الماء والتراب.
والدليل على أنه يجوز للرجل القيام بالصلاة إن لم يستطع الطهارة:
عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير لعائشة جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيراً ". رواه البخاري (329) - واللفظ له - ومسلم (367) .
وفي رواية صريحة عند الطبراني وأبي عوانة أنهم صلوا من غير وضوء.
عن عائشة قالت: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناسا معه في طلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ذلك فنزلت آية التيمم زاد النفيلي فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجا ". رواه أبوعوانة (873) والطبراني (131) .
فهذا دليل على أن عدم وجود الماء - وهو الطهارة الوحيدة قبل التيمم - يبيح الصلاة بدون وضوء، فمن باب أولى أن تباح الصلاة بانعدام التراب الذي هو أدنى منزلة من الماء.
وبه يستدل على أن فاقد الطهور سواء بانعدامه وعدم المقدرة على إيجاده أو عدم المقدرة على استخدامه مع وجوده أنه يجوز له الصلاة بدون طهارة.
وقد بوب البخاري على الحديث بقوله: باب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً.
قال ابن رشيد: كأن المصنف نزَّل فقد شرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم فكأنه يقول حكمهم في عدم المطهر - الذي هو الماء خاصة - كحكمنا في عدم المطهريْن الماء والتراب، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهوريْن ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك. " فتح الباري " (1 / 440) .
قال ابن القيم:
وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم حينئذ فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به فأي فرق بين عدمه في نفسه وعدم مشروعيته فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس. " حاشية ابن القيم على تهذيب سنن أبي داود " (1 / 61) .
قال ابن قدامة:
ولأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه كسائر شروطها وأركانها ولأنه أدى فرضه على حسبه فلم يلزمه الإعادة كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا والعاجز عن الاستقبال إذا صلى إلى غيرها والعاجز عن القيام إذا صلى جالسا. " المغني " (1 / 157) .
وقال الشوكاني:
قوله " فصلوا بغير وضوء " استدل بذلك جماعة من المحققين منهم المصنف على وجوب الصلاة عند عدم المطهرين الماء والتراب وليس في الحديث أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب؛ لأنه لا مطهر سواه ووجه الاستدلال به أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدِِّثين وأكثر أصحاب مالك. " نيل الأوطار " (1 / 337) .
هذا كلام العلماء في هذه المسألة وهو الراجح الذي يصار إليه.
فأنت حكمك حكم الذي لم يجد الماء والتراب إذا تعذر عليك أن تجد من يُيممك بجامع عدم المقدرة عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/75)
الفرق بين المني والودي
[السُّؤَالُ]
ـ[يخرج مني ماء غليظ وثخين في كثير من الأحيان فكيف أفرّق بين المني الذي يجب أن أغتسل منه وبين ما يسميه الفقهاء بالودي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الودي في اللغة: الماء الثخين الأبيض الذي يخرج في إثر البول.
قال الشيخ ابن عثيمين مبيّناً الفرق بين المني والمذي والودي:
"الفرق بين المني والمذي، أن المني غليظ له رائحة، ويخرج دفقا عند اشتداد الشهوة، وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق، ولا يخرج أيضا عند اشتداد الشهوة، بل عند فتورها إذا فترت تبين للإنسان.
أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول، نقط بيضاء في آخر البول.
هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة.
أما بالنسبة لأحكامها: فإن الودي له أحكام البول من كل وجه.
والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح، وهوأن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما.
أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر فقط، وهو موجب للغسل، وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/169) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/76)
امرأة مصابة بالوسواس في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ابتلاها الله بوسواس في الطهارة والشعور بعد الوضوء بمدافعة الخبث، وفي ذات مرة شعرت بمن يأمرها بسب القرآن وسبّ الله فما كان منها إلا أن بكت، فكيف علاجها والخلاص من هذا الوسواس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الوسواس مبتلى به كثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودواء الوسواس كثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا سيما قراءة المعوذتين، فإنه ما استعاذ مستعيذ بمثلها: (قل أعوذ برب الفلق) الفلق/1 إلى آخرها، وهذا يتضمن الاستعاذة من شر الشيطان لأنه من مخلوقات الله، وفي سورة الناس: (قل أعوذ برب الناس) الناس/1 إلى آخرها.
فدواء ذلك بكثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والعزيمة الصادقة، بحيث لا يلتفت الإنسان لما يرد على قلبه من الوساوس.
مثلاً توضأت مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان، حتى لو شعر الإنسان في نفسه أنه لم يتوضأ مثلاً، أو أنه أهمل شيئاً من أعضائه، أو أنه لم ينو فلا يلتفت لهذا الشيء، وكذلك لو أنه في صلاته شعر أو وقع في نفسه أنه لم يكبر للإحرام لا يلتفت لذلك، يمضي في صلاته يكملها، وكذلك أيضاً لو خطر في قلبه ما ذُكر من سبِّ الله عز وجل، أو سب المصحف أو غير ذلك من الكفر، فلا يلتفت لهذا ولا يضره، حتى لو فرض أنه جرى على لسانه هذا الشيء وهو بغير اختيار، فإنه لاشيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق في إغلاق) أخرجه أبو داود (2193) وأحمد في المسند (6/276) وحسنه الألباني في الإرواء رقم 2047، فإذا كان طلاق الموسوس لا يقع فهذا أولى بالعفو، لكن يُعرِض عن هذا ولا يهتم به.
فوصيتي لهذه ولغيرها ممن ابتلي بذلك الإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومن قراءة السورتين العظيمتين: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ، ومن العزيمة الصادقة وعدم الالتفات إلى تلك الوساوس الشيطانية.
ولو أوقع الشيطان في قلبه التشكيك في الله أو ما أشبه ذلك لا يهمه، لأنه ما تألم من هذا الشك إلا لإيمان في قلبه، فغير المؤمن لا يهمه شكَّ أو لم يشك، لكن الذي يتألم من هذه الشكوك والوساوس مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ذلك صريح الإيمان) أخرجه مسلم رقم 132، يعني: أن ما يلقي الشيطان في قلوبكم من مثل هذه الأمور صريح الإيمان أي خالصة ... جعله خالص الإيمان، لأن هذا الذي ورد على قلبه الشك لا يطمئن لهذا الشك ولا يلتفت إليه ويتألم منه ولا يريده، والشيطان لا يأتي إلا القلوب العامرة حتى يدمرها، فالقلوب الدامرة لا يأتيها، لأنها دامرة , قيل لابن عباس أو ابن مسعود: إن اليهود يقولون نحن لا نوسوس في صلاتنا. قال نعم: وما يفعل الشيطان بقلب خراب!!
فوصيتي لها أن تعرض عن هذا كله، وهي سوف تتألم أول الأمر، سوف ترى أنها صلت بغير طهارة أو صلت بغير تكبيرة الإحرام، أو ما أشبه ذلك ولكنها سوف تستريح بعد ذلك، ويزول عنها ذلك الشك والوسواس بإذن الله.
والحمد لله هناك أناس شكوا هذا الشكوى وبُلّغوا بما ينبغي أن يقاوموها به فعافهم الله منها، ونسأل الله لها العافية.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 14.(5/77)
الصلاة بطلاء الأظافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مسموح في الإسلام الصلاة والأظافر ملونة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يباح للمرأة طلاء أظافرها للزينة، بما لا يضر، ولا حرج عليها في الصلاة به، إلا إذا كان لهذا الطلاء مادة تمنع وصول الماء لما تحته، فلا يصح الوضوء والغسل إلا بعد إزالتها. وإذا لم يصح الوضوء لم تصح الصلاة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/218) :
(إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر، فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم أجزأها الوضوء كالحناء) .
والله أعلم..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/78)
جامعها زوجها ثم أتتها الدورة فمتى تغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[اذا جامع الزوج زوجته وبعد ذلك اتتها الدورة الشهرية. فهل تحتاج ان تغتسل بعد الجماع أم بعد انتهاء الدورة؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا جامع الزوج زوجته ثم أتتها الدورة قبل أن تغتسل من الجنابة فلا يجب عليها غسل الجنابة حتى تطهر. لكن لو أرادت أن تقرأ القرآن فيجب عليها أن تغتسل من الجنابة لأن الجُنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن على الراجح من أقوال أهل العلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(5/79)
يعاني من تأخر انقطاع البول بعد التبول
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني مشكلة في التبول، حيث ينزل القليل منه بعد تبولي بـ 5 أو 10 دقائق، مما يجبرني على الانتظار 15 دقيقة تقريبا للتأكد (من انقطاعه) ، وكذلك فأنا أؤخر الصلاة 20 دقيقة، ولا ينزل مني البول في غير هذين الحالتين أعلاه. فهل توجد طريقة تساعدني على الصلاة في الوقت، أم أن علي الانتظار وإعادة الوضوء؟ هذه المشكلة عقدت حياتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشريعة الإسلامية شريعة سمحة ترفع الحرج عن العباد وتيسر عليهم أمورهم قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78، وما سألت عنه أمر لا يدعو إلى القلق والإصابة بالإحباط واليأس لأن ما أصبت به هو ابتلاء من الله تعالى تؤجر على الصبر عليه، واعلم بأن دين الله يسر في كل شئ، فإذا كان هذا من عادتك وأنت تعلم أن انقطاع البول يتأخر خمس أو عشر دقائق، فإن الأمر يقتضي أن تقوم مبكراً قبل الوقت بنحو عشر دقائق من أجل أن تبول حتى ينقطع ثم بعد ذلك تتوضأ لكن لو فرض أنك قمت متأخراً وأنت محتاج إلى التبول فلا حرج عليك أن تبول وتنتظر حتى ينتهي البول ولو فاتتك صلاة الجماعة لإنك في هذه الحال معذور، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان) رواه مسلم برقم (560) فعلى هذا نقول: تقدم قبل الوقت بالمقدار الكافي لانقطاع بولك، فإن لم يتيسر لك ذلك فإنك تنتظر ولو فاتتك صلاة الجماعة، مادمت محصوراً تشتغل بنفسك بمدافعة هذا الشيء والله الموفق. اهـ الشيخ ابن عثيمين: فتاوى منار الإسلام (1 / 106) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/80)
هل المرأة يخرج منها المَذي والوَدي
[السُّؤَالُ]
ـ[حيث أن الأمر يتعلق بعلاقاتي الخاصة بزوجتي، وباستمتاعنا الجسدي، فأنا أريد أن أعرف بعض الأمور المحددة من وجهة النظر الإسلامية. هل هناك أي شيء يخرج من فرج المرأة يشابه ما يخرج من الرجل من المذي والودي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ماء المرأة ينقسم انقسام ماء الرجل، ويخرج منها المَنِيّ، والمَذي، والوَدي. فإذا نزل منها مذي وجب عليها غسل فرجها، وإذا نزل منها ودي فحكمه حكم البول ويجب عليها غسله.
فتوى اللجنة الدائمة
فتاوى العلماء في عشرة النساء ص37
وأجاب الشيخ الفوزان عن حكم الإفرازات التي تخرج من المرأة هل تعتبر نجسة فقال: والإفرازات التي تخرج من قبل المرأة نجسة وتنقض الوضوء وتنجس ما أصاب البدن أو الثياب. فيجب على المرأة أن تستنجي منها وتتوضأ إذا أرادت الصلاة وتغسل المكان الذي أصابته من ثوبها أو بدنها.
وخروج الإفرازات من المرأة نتيجة القُبلة أو المُلاعبة من الزوج لا تُوجِب الغسل إلا إذا كانت مَنِيّاًً خرج بدفق ولذَّة.
فتاوى المرأة المسلمة 1 /222
وإذا تبيَّن أن المذي والودي والبول كلها نجسة فلا يجوز ابتلاعها لأن ابتلاع النجاسة حرام..
قال الشافعي: ولا يحِل شرب النجس ولا أكله. الأم ج/7 ص/221
قال ابن قدامة في المغني: شرب النجس حرام ج/1 ص/378
قال الدسوقي: ولو أكل أو شرب نجساً وجب عليه أن يتقيَّأه.. حاشية الدسوقي ج/1 ص/69
وأما المني فهو طاهر لكن ابتلاعه مستقذر تعافه النفوس السليمة وأصحاب الفطر المستقيمة ولا يجوز أكل المستقذرات ولا شربها ولا ابتلاعها، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/81)
حكم نجاسة لحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت أن الصحون والملاعق والسكاكين التي لامست لحم الخنزير يجب أن تغسل سبع مرات بالماء ومرة واحدة بالرمل , هل هذا صحيح؟
على أي حديث يستند هذا الحكم؟ ألا يكفي أن تغسل الصحون بالصابون مرة واحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لحم الخنزير مُحَرَّمٌ ولا يجوز أكله، سواء كان لَحْمُه أو شَحْمُه أو أيّ جزءٍ من أجزائه.
لقول الله تعالى: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) المائدة /3.
وأجمع المسلمون على تحريم الخنزير بجميع أجزائه، وقد حرَّمه الله لما فيه من الضرر ولأنه رجس، كما قال عز وجل: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) الأنعام/145 ولحمه داء، وكلما تقدم الناس في العلم فإنهم يكتشفون أمراضاً أخرى، بسبب أكل لحم الخنزير.
وينبغي على المسلم الابتعاد عن الأماكن التي يؤكل فيها هذا اللحم القذر حتى لا يأكل منه بدون علمه.
أما غسل الصحون فيكفي غسلها جيداً بما يزيل قذر هذا اللحم.
لأنّ الصحيح أنّ نَجَاسَةَ الخِنْزِيرِ كَغَيْرِهِ ولا يُغْسَلُ سبع مرات إحداها بالتراب،
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/356. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/82)
القولون العصبي والغازات المستمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنني مصاب بمرض القولون العصبي ومن أعراضه غازات وأنتفاخ في البطن ولا أستطيع أن أتحكم في خروج تلك الغازات بالرغم من خروجها باستمرار مما يسببلي أحراج في الصلوات.
وأريد أن اسأل:
في يوم الجمعة إذا خرجتُ مبكراً قبل الصلاة مثلاً بساعة هل يلزمني أعادة الوضوء عند دخول الإمام علماً أن في هذا مشقة كبيرة للزحام على أماكن الوضوء في ذلك الوقت.
ثانياً أنا مؤذن مسجد وأحيانا أأم الجماعة فما حكم أمامتي وأنا على تلك الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حالتك شبيهة بمن عنده سلس بول، لذا يجب عليك أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، ويجب عليك أن تتوضأ كذلك لصلاة الجمعة بعد النداء الثاني ولو كان الزحام شديدا.
أما بالنسبة لإمامتك الناس، فإنها صحيحة على الراجح وإن رأيت أن تترك غيرك يصلي بالناس فقد يكون هذا أحسن لأنه من المحتمل أن يخرج منك شيء ويتفطن الناس إليه، ومع أن صلاتك صحيحة إلا أنك لن تقوم بشرح حالتك للمصلين كي لا يسيئوا الظن بك، نسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك وأن يرد عليك سابق صحتك وعافيتك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/83)
صفة التيمم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتيمم الإنسان إذا لم يجد الماء، أو لم يستطع استعمال الماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري ومسلم حديثَ عمار بن ياسر رضي الله عنهما في صفة التيمم، وقد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، ولفظ إحدى هذه الروايات (347) (1/455) من الفتح: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) . ورواه أبو داود (317) (1/515) من عون المعبود، بنفس إسناد البخاري إلا شيخَ البخاري (محمد بن سلاَم) فإنه أبدله بـ (محمد بن سليمان الأنباري) قال عنه الحافظ في التقريب (2/167) : صدوق اهـ ولفظه: (فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ) .
وذكر الحافظ في الفتح (1/457) أن الإسماعيلي رواه بلفظ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُضَهُمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِيْنِكَ عَلَى شِمَالِكَ، وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِيْنِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِكَ) .
قال الشنقيطي في أضواء البيان (2/43) : فحديثُ البخاري هذا نصٌّ في تقديم اليدين على الوجه اهـ
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (21/423) : فرواية البخاري صريحةٌ في أنه مَرَّ على ظهر الكف قبل الوجه، وقولُه في الرواية الأخرى: (وظاهر كفيه) يدل على أنه مسح ظاهر كل منهما براحة اليد الأخرى اهـ. وقال أيضاً (21/425) : لكنَّ الروايةَ التي انفرد بها البخاري تبين أنه مسح ظهر الكفين قبل الوجه اهـ وانظر الفتاوى (21/422-427) .
وعلى هذا تكون صفة التيمم: أن يقول: بسم الله ناوياً التيمم، ثم يضرب بكفيه وجه الأرض ضربة واحدة، ثم يمسح ظاهر كفه الأيمن براحة يده اليسرى، وظاهر كفه الأيسر براحة يده اليمنى، ثم يمسح وجهه بيديه. ويقال بعد التيمم ما يقال بعد الوضوء من الأذكار. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/84)
يحس بخروج شيء عند تحدثه مع النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول أن أتلو الأذكار أو أصلي ولكن لا أستطيع لأني أجد أشياء تخرج مني. أتكلم مع فتيات لكن ليس هناك انتصاب أو شيء ويخرج مني هذا السائل ربما بسبب البنات لكن لا تستطيع أن تتوقف عن محادثة البنات في مجتمع كهذا. إنني لا أتكلم في أمور سيئة ولا أعرف سبب المشكلة.
أريد أن أعرف إن كان منياً فهل وضوئي ينتقض وماذا أفعل لأتخلص من هذا السائل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يَحْرُمُ عليك أيها السَّائِل النَّظَر إلى النساء ابتداءً، فضلاً عن محادَثَتِهِنَّ، حتى ولو كان كما تقول، أنك لا تَتَكلَّم في أمور سيئة، لأن هذا الأمر يجرّك للوقوع في المُحَرَّمِ، ويراجع سؤال رقم: 1200 و 1121، أما هذا السائل فليس منياً يراجع سؤال 2458 في الفرق بين المِنِّي والمَذي والأحكام المتعلقة بهما، فالواجب عليك الابتعاد عن هذا الأمور، خاصة وأنك كما تَذْكُر، تصلِّي وتَتْلُو الأذكار، ولا تتعلل بالمجتمع الذي تعيش فيه فإن هذا من ألاعيب الشيطان ومَكْرِهِ، لأن مجتمعك لاشك لا يخلو من الرجال الذين يمكنك أن تتحدث معهم بما يرضي الله، وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
نسأل الله لنا ولك الهداية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/85)
التطيب بالكولونيا بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر الجدل حول التطيب بمادة الكولونيا، فهل يشرع للمسلم المتوضيء أن يجدد وضوءه منها أو يغسل ما وقعت عليه من جسده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطيب المعروف بالكولونيا لا يخلو من المادة المعروفة بالسبرتو وهي مادة مسكرة حسب إفادة الأطباء فالواجب ترك استعماله، والاعتياض عنه بالأطياب السليمة، أما الوضوء منه فلا يجب ولا يجب غسل ما أصاب البدن منه لأنه ليس هناك دليل واضح على نجاسته، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية، ابن باز (1/135)(5/86)
إذا تحركت الريح ولم تخرج هل ينتقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة الضابط الواضح فيما يخص انتقاض الوضوء بخروج ريح. فقد يحدث أحيانًا أن تتحرك غازات في الدبر لكنها لا تخرج إلى الخارج. هل يعتبر الوضوء قد انتقض بسبب هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الناقض هو خروج الريح المعتاد من الدبر، هذا الذي ينقض الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث عبد الله بن زيد في الرجل يخيل إليه أنه أحدث في الصلاة ولم يحدث قال: (لا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا حدث في بطنه شئ فشك هل انتقض وضوؤه أو لا فالأصل بقاء الطهارة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور / خالد المشيقح(5/87)
يجوز للعريس أن يستقبل المهنئين وهو جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتاد الناس في بلدتنا انتظار العروس بعد الدخول به ليلة الزفاف ليباركوا لها والجلوس معها بعض الوقت، وكذلك يفعل الرجال مع العريس، هذا الأمر يجعل العرسان يخرجون إليهم قبل الغسل من الجنابة؛ فهل هذا جائز، أم يجب عليهم الغسل أولا ثم الخروج لاستقبال المهنئين، الأمر الذي يأخذ منهم الكثير من الوقت لتجهيز أنفسهم، خاصة المرأة، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في خروج الجنب لاستقبال المهنئين والسلام عليهم والجلوس معهم؛ لما روى البخاري (283) ومسلم (372) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ) .
والأفضل له أن يتوضأ؛ لما روى مسلم (305) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.
ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ) رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522
وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ: هو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء. "فيض القدير" (3/325) .
وراجع السؤال رقم (6533)
على أن هذه العادات القديمة، مما ينبغي توعية الناس وتعويدهم على التخلص منها؛ فمثل هذا الاجتماع المتعمد، والمعتاد، مما يخدش حياء العروسين، بل ويحملهما عبئا نفسيا زائدا في مثل هذه الظروف: أن يشعر الرجل هو وامرأته أن الأقارب والأصدقاء في انتظار انتهائهما من شأنهما، ليباركوا لهما بعد ذلك؟!!
إن وقت التهنئة ليس مضيقا على هذا الوقت المحرج؛ فبالإمكان أن تتم هذه التهنئة أثناء العرس، أو بعد تلك الليلة، أو في أي وقت آخر، ولا وجه لتعمد ذلك الوقت، وتهنئة الزوجين به إلا العادات القديمة البالية، والتي لا أصل لها في الشرع، ولا وجه لها من العقل السليم، أو محاسن الآداب والأخلاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/88)
يريد الحج ولكن تنزل منه قطرات بعد البول فيشق عليه غسل الثياب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الحج عن أخي المتوفى، وأنا أعاني من نزول بعض القطرات اللزجة الشفافة (ليست بول) بعد التبول بفترات زمنية مختلفة، مما يضطرني لغسل ملابسي عند كل صلاة. سؤالي: هل أحج عن أخي هذه السنة مع ما في ذلك من حرج أثناء الإحرام والصلاة أو أؤجل الحج إلى أن أتعالج بإذنه تعالى. سؤالي الآخر: هل تعتبر هذه القطرات مذيا أو وديا أو إفرازات أخرى؟ وما الحكم في كل حالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما يخرج بعد البول غالبا هو الودي، وهو ماء أبيض ثخين، يخرج قطرات بيضاء، وهو نجس ناقض للوضوء.
قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ، لا بشهوة، ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، ويشترك الرجل والمرأة فيه ...
وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين، يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له، ويخرج عقيب البول ... ، وعند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما. وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160) باختصار.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع.
فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال، وإنما ينقض الوضوء، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء، ولا يجب الاغتسال، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة لا بدونها؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226) .
وراجع جواب السؤال رقم (47693) .
ثانيا:
ما دامت هذه القطرات لا تنزل إلا بعد التبول، فلا يكون ذلك كسلس البول الذي ينزل باستمرار بدون اختيار صاحبه، وحينئذ عليك أن تستعد للصلاة قبل دخول وقتها بفترة كافية لانقطاع هذه القطرات، وينبغي أن تجعل قطعة قماش أو منديل يمنع انتشار هذه النجاسة إلى ثيابك، وحينئذ لا تحتاج إلا إلى تغيير هذا المنديل فقط، وهذا أيسر عليك من غسل الثياب أو تغييرها.
وإذا نسيت وضع المنديل أو تعدت النجاسة إلى الثياب وشق عليك تغييرها أو غسلها، لسبب ما، فنرجو ألا يكون عليك حرج في الصلاة بها.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) .
ولا يجوز لك أن تصلى مع نزول هذه القطرات ما دمت تعلم أن ستنقطع ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابوا: إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
ثالثا:
أما الحج عن أخيك هذه السنة أو في السنة القادمة بعد العلاج، فانظر ما هو الأرفق لك، ولا حرج في تأخير الحج عنه إلى العام القادم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/89)
مصابة بالوسواس وتشك في عبادتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة شديدة الوساوس بشكل لا يتصوره عقل بشر في الصيام، وعندما أكون صائمة في رمضان تأتيني الوساوس في كل وقت أن صيامي خاطئ. فمثلا تأتيني الوساوس قبل الفجر وبعده، وأحيانا قبل المغرب على أتفه سبب، ومن ثم أصوم ذلك اليوم ولكن أنوي أن أعيده، وعندما انتهى رمضان قلت في نفسي سأقضي القضاء فقط، لأن تلك الأيام صمتها. ولكن جاءت الوساوس مرة أخرى بأن ما قلت سأعيده يجب إعادته لأنني نويت إعادته والآن لا أدري أأعيدها أم أسال الله عز وجل قبولها؟ بالإضافة أنني جاءتني بعد القصة البيضاء صفرة في رجب وشعبان ورمضان ثم بعد ذلك لم تعد تأتيني بعد القصة البيضاء أي صفرة أو كدرة وهذا كان له كبير الأثر في المعاونة على الوساوس، هذا وتضيع علي الأيام بعد رمضان بسبب الوساوس فهذا لم أنوي وهذا أدخلت نيتين وهذا دخل شيء في حلقي وهذا وذاك حتى يقرب رمضان الآخر وأنا لم أقض وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله عز وجل أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك من هذه الوساوس؛ لأن الوسوسة نوع من المرض يتوصل الشيطان من خلاله إلى إدخال الهم والحزن على المؤمن، ونوصيك بالصبر، والفزع واللجوء إلى الله تعالى وسؤاله العفو والعافية فإنه سميع قريب مجيب، جل وعلا.
واعلمي أن خير علاج للوسوسة هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها.
وانظري جواب السؤال رقم (62839) و (25778) .
ثانياً:
صيامك صحيح، ولا يلزمك إعادة شئ منه، ولو كنت نويت الإعادة، لأنها ـ كما تعلمين وساوس ـ لا حقيقة لها. وانظري السؤال رقم (39684)
ثالثاً:
نزول الصفرة أو الكدرة بعد القصة البيضاء لا يكون حيضاً؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) واللفظ له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/90)
إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) .
فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/91)
يخرج منه سائل شفاف بعد التبول بربع ساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يخرج مني سائل شفاف لزج.. بعد التبول بربع ساعة.. وأحيانا أتوضأ وأصلي فأشعر بإحساس أن هذا السائل يخرج ومرات أجد آثارا على العضو وأحيانا لا أجد فما حكم الصلاة هنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما يخرج بعد البول عادة، هو الودي، ولمعرفة الفرق بين الودي والمذي والمني، وما يترتب على كل منها انظر جواب السؤال رقم (47693) .
ثانيا:
إذا استمر خروج البول أو الودي أو المذي، بحيث كان لا يتوقف في وقت معين، فهذا هو السَّلَس، وصاحبه يعامل معاملة خاصة في باب الطهارة، من جهتين:
الأولى: أنه يتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ويصلي ما شاء من الفرض والنوافل، ولا يضره خروج الخارج، ولو خرج أثناء الصلاة، فإذا دخل وقت الفريضة التالية وأراد الصلاة توضأ مرة أخرى، وهكذا.
والثانية: أنه يلزمه التحفظ من انتشار النجاسة بوضع قطن ونحوه، ثم غسل ما أصابه من النجاسة في بدنه أو ثوبه، فإن شق عليه الغسل أو تبديل الثوب المتنجس صلى على حاله.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) .
هذا فيما إذا استمر الخارج ولم يُعهد وقت لانقطاعه، أما إذا علمت أنه يتوقف بعد ربع ساعة مثلا فإنه يلزمك تأخير الوضوء والصلاة إلى انقطاعه وتوقفه، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة في المسجد، فإن مصلحة أداء الصلاة مع الطهارة المتيقنة آكد من مصلحة أدائها مع الجماعة.
قال في مطالب أولي النهى (1/266) : "وإن اعتيد انقطاع حدثٍ دائمٍ زمنا يتسع للصلاة والطهارة لها تعيّن فعل المفروضة فيه ... ؛ لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعيّن كمن لا عذر له" انتهى بتصرف.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابوا: "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
ثالثا:
إذا لم يكن الخارج مستمرا، وتوضأت وصليت بعد توقفه، فينبغي الحذر من الوسوسة، والتعلق بالوهم والظن، فربما خيل إليك الشيطان أن شيئا يخرج منك أثناء الصلاة، فلا تلتفت لذلك ما لم تتحقق خروجه، ولا يلزمك التفتيش في ثيابك بعد كل صلاة، فإن الشيطان حريص على إدخال الهم والحزن على المسلم، وتشكيكه في عبادته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَأَبَسَ بِهِ، كَمَا يَأْبِسُ الرَّجُلُ بِدَابَّتِهِ، فَإِذَا سَكَنَ لَهُ أَضْرَطَ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ لِيَفْتِنَهُ عَنْ صَلَاتِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا لَا يُشَكُّ فِيهِ) رواه أحمد (8351) وإسناده قوي كما قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ومعنى (فأبَسَ منه) : ضربه، كما يضرب الرجل دابته ليزجرها.
وينبغي استشارة الطبيب في هذا الخارج، والبحث عن دواء له إن كان ناشئا عن مرض، فإن الله تعالى أنزل لكل داء دواءً، عافانا الله وإياك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/92)
طهارة وصلاة من به سلس البول
[السُّؤَالُ]
ـ[اشعر بنزول بعض نقاط من البول سألت بالنسبة للصلاة فقيل لي توضئي لكل وقت صلاة وصلي ما شئت وإذا دخل وقت صلاة أخرى توضئي وضوءا جديدا. سؤالي هو: هل يجوز لي التوضؤ قبل دخول وقت الصلاة مثلا: للحاق بصلاة الجماعة بالمسجد؟ هل عندما أكون خارج المنزل يجوز لي أن أصلي بوضوء الصلوات التي يحين وقتها، وإن لم يجز ماذا أفعل لأطهر ملابسي الداخلية لأتوضأ وأصلي بها؟ وهل يجوز لي صلاة طويلة بوضوء واحد مثل صلاة العشاء ثم التراويح؟ جزاكم الله كل خير..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى.
وذلك لما في الصحيحين عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333)
وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة.
لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت.
قال الشيخ ابن عثيمين:
(المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج.
الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة) . " أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) .
وقد اختلف العلماء في طهارة المستحاضة ونحوها هل تبطل بخروج الوقت أم بدخول الوقت الآخر، وثمرة ذلك تظهر فيمن توضأت لصلاة الصبح، فهل لها أن تصلي بوضوئها هذا صلاة الضحى وصلاة العيدين أم لا؟
فمن قال: إن طهارتها تبطل بخروج الوقت، منعها من ذلك، لأنها بطلوع الشمس قد انتقضت طهارتها.
ومن قال: إن طهارتها تبطل بدخول الوقت الآخر، أجاز لها أن تصلي الضحى والعيدين بوضوء الصبح لأن طهارتها باقية إلى دخول وقت الظهر.
والقولان في مذهب الإمام أحمد وغيره. (الإنصاف 1/378، والموسوعة الفقهية 3/212) .
والأحوط أن تتوضأ للضحى والعيدين وضوءا جديدا، وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وانظري السؤال رقم 22843.
2- وبناء على ما سبق: ليس لك أن تتوضئي قبل الوقت لتصلي بعده، سواء كان ذلك لإدراك الجماعة أو غيرها لأن طهارتك ستنتقض بدخول الوقت الجديد.
غير أننا ننبه على أن هذا الحكم متعلق باستمرار الحدث، وخروج الخارج، لكن لو قُدر أن صاحب السلس توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول.
فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء.
قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح. . . (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول) الشرح الممتع 1/438
3- وإن كنت خارج المنزل، وقد انتقضت طهارتك بدخول الوقت، وأردت الصلاة فإنه يلزمك أن تعيدي الوضوء بعد غسل المحل، وشده بما يمنع خروج الخارج قدر الإمكان.
وتطهير الملابس الداخلية يكون بغسلها، وإن خصصت لصلاتك ثيابا طاهرة تحملينها معك كان أرفق بك وأيسر، وإن شق عليك غسل الملابس أو تبديلها فصلي على حالك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 1/192.
وإذا شق عليك الوضوء وغسل الثياب لكل صلاة فإنه يجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتصليهما بوضوء واحد في وقت إحداهما، وكذلك الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء. سواء كنت داخل البيت أو خارجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) :
ويجمع المريض والمستحاضة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) :
يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشائين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة اهـ.
4- ولك أن تصلي التراويح بوضوء العاء، ولو امتدت صلاة التراويح إلى ما بعد نصف الليل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟
فأجاب رحمه الله:
(هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح) فتاوى الطهارة ص 286.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/93)
استعمال المناديل والأوراق في إزالة النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظّفت المحل من قُبُل أو دبر، والأفضل أن يكون ما يُستجمر به وتراً كثلاث أوراق أو ثلاثة أحجار ونحو ذلك، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ولا يجب استعمال الماء بعده، ولكنه سنة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/107(5/94)
حكم المصنوعات من جلود الحيوانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الضابط في استخدام الجلود سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، وسواء كانت مدبوغة أو غير مدبوغة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما جلود الحيوانات التي تحل بالذكاة فإنها طاهرة، لأنها صارت طيبة بالذكاة كجلود الإبل والبقر والغنم والظباء والأرانب وغيرها، سواء دبغت أم لم تدبغ، وأما جلود غير المأكول كجلود الكلاب والذئاب والأسود والفيلة، وما أشبهها فإنها نجسة، سواء ذبحت أو ماتت أو قتلت، لأنه وإن ذبحت لا تحل ولا تكون طيبة، فهي نجسة، وسواء دبغت أم لم تدبغ على القول الراجح، لأن القول الراجح أن الجلود النجسة لا تطهر بالدباغ، إذا كانت من حيوان لا يحل بالذكاة.
أما جلود الميتة مما ذكي فإنها إذا دبغت صارت طاهرة، وقبل الدبغ هي نجسة، فصارت الجلود الآن على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: طاهر، دبغ أم لم يدبغ، وهو جلود الحيوان المذكى إذا كان يؤكل.
القسم الثاني: جلود لا تطهر لا بعد الدبغ ولا قبل الدبغ فهي نجسة، وهي جلود ما لا يؤكل لحمه كالخنزير.
القسم الثالث: جلود تطهر بعد الدبغ ولا تطهر قبله، وهي جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت بغير ذكاة.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 52/39(5/95)
الفروق بين المني والمذي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا عندما أستيقظ من النوم في الصباح أجد بعض البلل في ملابسي الداخلية. أرجو ألا تنظر للأمر على أنه احتلام أثناء النوم أو تبول لا إرادي لأن المذي أو المادة اللاصقة تخرج مني عادة بعد الاستيقاظ في صباح اليوم التالي وفي أغلب الأحيان أقوم بغسل ملابسي الداخلية وسروالي للسبب ذاته. سبق وقرأت في أحد الكتب أنه إذا لم تكن تلك المادة تحتوي على حيوانات منوية وأنها فقط مجرد مذي عندئذ لا يجب الغسل ويكتفي فقط بالوضوء للصلاة. فإذا كان الحال كذلك ماذا ينبغي أن نفعل مع الملابس؟ وقد لاحظت أن هذا المذي يخرج أيضا في بعض المواقف الحرجة على الرغم من إبعاد نفسي عن جميع المواقف التي تعمل على إفراز المذي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق الأول: في الصفات:
المني: بالنسبة للرجل ماء غليظ أبيض، أما بالنسبة للمرأة فهو أصفر رقيق.
والأصل في هذه الصفات ما جاء عن أم سليم رضي الله عنها أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل " فقالت أم سليم: - واستحيَيْتُ من ذلك - قالت: وهل يكون هذا؟ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون الشبه " متفق عليه. صحيح مسلم 469
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3/222) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر ": هذا أصل عظيم في بيان صفة المني وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب، قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحة كرائحة طَلْع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين،.. (وقد يتغيّر لون المنيّ بأسباب منها) .. أن يمرض فيصير منيّه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمرّ ويصير كماء اللحم وربما يخرج دما عبيطا،.. ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث: أحدها الخروج بشهوة مع الفتور عَقِبَه. والثانية: الرائحة التي شبه رائحة الطَّلْع كما سبق. الثالث: الخروج بدَفْق ودَفْعات، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في مني الرجل، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يَبْيضّ لفَضْل قُوَّتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما أحدهما أن رائحته كرائحة مني الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور قوتها عقب خروجه. أ. هـ.
أما المذي: فهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو إرادته ولا يجد لخروجه منه شهوة ولا دفعا ولا يعقبه فتور، يكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر من الرجال قاله الإمام النووي في شرح مسلم (3/213) .
الفرق الثاني: في الحكم المترتب على خروجه من الإنسان:
المنيّ يوجب الغسل من الجنابة سواء كان خروجه يقظة بجماع أو غيره أو كان في المنام بالاحتلام.
أما المذي فإنه يوجب الوضوء فقط ودليل ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذّاء فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: " فيه الوضوء " متفق عليه واللفظ للبخاري. قال ابن قدامة في المغني (1/168) : قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقُبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة.
الفرق الثالث: الحكم من جهة طهارتهما ونجاستهما:
المني طاهر على القول الراجح من أقوال العلماء ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه. متفق عليه وفي رواية لمسلم " ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه وفي لفظ " لقد كنت أحكّه يابسا بظفري من ثوبه ". بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك غسله وهو رطب ويكتفي بمسحه بعود ونحوه كما روى الإمام أحمد في مسنده (6/243) عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت " يزيل ويميط " المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويَحتّه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه " ورواه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الشيخ الألباني في الإرواء (1/197) .
أما المذي فإنه نجس لحديث علي المتقدم ذكره والذي جاء في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر والأنثيين (أي الخصيتين) ويتوضأ كما أخرجه أبو عوانة في مستخرجه وقال ابن حجر في التلخيص: وهذا إسناد لا مطعن فيه. فهو نجس يجب غسل الذكر والأنثيين من خروجه ويُبطل الطّهارة.
حكم الثوب إذا أصابه المني والمذي
على القول بطهارة المني فإنه لو أصاب الثوب لا ينجّسه ولو صلى الإنسان بذلك الثوب فلا بأس بذلك قال ابن قدامة في المغني (1/763) : " وإن قلنا بطهارته أستحب فركه وإن صلى من غير فرك أجزأه ".
أما المذ: فإنه يكتفى بنضح الثوب للمشقة في ذلك ودليل ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وكنت اكثر من الاغتسال فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إنما يجزئك من ذلك الوضوء. قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث تُرى (أي تظنّ) أنه أصابه " ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا. ا.هـ.
قال صاحب تحفة الأحوذي (1/373) : واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورشّ الماء عليه ولا يجب غسله. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/96)
الطهارة بماء زمزم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الطهارة بماء زمزم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا، وبه قال العلماء كافه إلا أحمد في رواية. دليلنا (دليل ذلك) أنه لم يثبت فيه نهي، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) .
وأما ما يقال عن العباس من النهي عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص16(5/97)
هل يجوز المسح على الخفين إذا لبستهما بعد التيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تيممت وأنا لابس للحذاء أو الجوارب، فهل يجوز لي المسح؟ نفس السؤال إذا لبستهما بعد التيمم وقبل الحدث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يختلف أهل العلم في أنه يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة، فإن لبسهما على غير طهارة لم يصح المسح عليهما بلا خلاف.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
" لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا " انتهى.
" المغني " (1/317)
ثانيا:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الطهارة المشترطة لجواز المسح على الخفين هي طهارة الماء بمعنى أنه يجب أن يكون قد توضأ أو اغتسل قبل أن يلبسهما، أما إذا تطهر بالتيمم لعدم وجود الماء عند تيممه، أو لعدم القدرة على استعمال الماء، ثم أراد أن يتوضأ ويمسح على الخفين: فلا يجوز له ذلك.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
" إن تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح:
1- لأنه لبسه على طهارة غير كاملة.
2- ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، فصار كاللابس له على غير طهارة.
3- ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث " انتهى.
" المغني " (1/319)
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (37/264)
" الجمهور غير الشافعية يشترطون أن تكون الطهارة بالماء؛ من وضوء أو غسل.
أما الشافعية فيجوزون أن تكون الطهارة بالماء أو بالتيمم، ولكن ليس لفقد الماء مثلا، بل لعدم القدرة على استعماله " انتهى.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا تطهَّر الإنسان بالتيمم ولبس الخفين، فهل يجوز له أن يمسح عليهما إذا وجد الماء؟
فأجاب:
لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإني أدخلتهما طاهرتين ". وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل، إنما هي في الوجه والكفين فقط، وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء، فإنه يلبس الخفين، ولو كان على غير طهارة، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادِماً له، أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم " انتهى.
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (11/174)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/98)
كان يمسح الخفين دون أن يلبسهما على طهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت فترة من الزمن وأنا أمسح على الخف (الشراب) ولكني قد نسيت أن من شروط المسح على الخف أنه يجب أن يُلبس الخف على طهارة وبعد علمي بذلك صرت لا ألبس الخف إلا على طهارة , فالسؤال هو: هل يجب عليّ أن أقضي ما تركت من صلاة وصيام أم لا , والصلوات التي كنت لابس الخف على غير طهارة؟ علماً بأني لا أعلم عدد الصلوات التي صليتها وأنا لابس الخف (الشراب) على غير طهارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط للمسح على الخف أو الجورب شروط منها: لبسهما على طهارة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ
عَلَيْهِمَا) رواه البخاري (206) ومسلم (274) .
وإذا كان الحال ما ذكرت من مسحك على الجوربين وقد لبستهما على غير طهارة، جهلا منك بوجوب ذلك، فلا يلزمك القضاء في قول جماعة من أهل العلم، وإن أمكنك القضاء فهو أولى وأحوط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا؛ لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
والواجب على المسلم أن يتعلم ما تتوقف عليه صحة عبادته ومعاملته، فهذا من العلم المفروض عليه، وتركه إثم ومعصية، ولهذا فالأحوط لك هو قضاء تلك الصلوات كما سبق
. وإذا جهلت عدد الصلوات، فصل ما يغلب على ظنك أنه العدد المطلوب.
وإذا كنت ترك الصلاة والصوم زمنا بعد بلوغك، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، ولا يلزمك قضاء ما فات، وعليك أن تكثر من نوافل الصيام والصلاة.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/99)
هل حكم خلع العمامة بعد المسح عليها في الوضوء كحكم الخف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو معيار التفرقة الذي اعتمده الفقهاء في التفرقة بين المسح على الخفين والمسح على العمامة حيث جعلوا النازع للممسوح من الخفين منتقض وضوؤه والنازع للممسوح من العمائم غير منتقض وضوؤه وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: المسح على العمامة ثابت بالسنة النبوية الصحيحة، ففي صحيح البخاري (205) عن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَخُفَّيْهِ) .
والقول بجواز المسح على العمامة هو مذهب الإمام أحمد.
وأما جمهور الفقهاء فلا يجيزون المسح على العمامة.
قال ابن رشد: " اختلف العلماء في المسح على العمامة، فأجاز ذلك أحمد بن حنبل ... ، ومنع من ذلك جماعة منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة ". انتهى " بداية المجتهد" (1/15) .
وقال النووي: " وأما إذا اقتصر على مسح العمامة ولم يمسح شيئاً من رأسه، فلا يجزيه بلا خلاف عندنا، وهو مذهب أكثر العلماء ". انتهى " المجموع" (1/407) .
ولذلك عدَّ المرداوي مسألة المسح على العمامة من مفردات مذهب الحنابلة. ينظر: "الإنصاف" (1 / 185) .
وما ذهب إليه الإمام أحمد هو الأرجح من حيث الدليل.
ثانياً:
القائلون بجواز المسح على العمامة لم يفرقوا بينها وبين الخف في حكم الطهارة عند خلعهما، بل هما عندهم من باب واحد.
فمن يقول ببطلان طهارة من يخلع خفيه بعد المسح، يقول ذلك أيضاً فيمن خلع عمامته بعد المسح عليها، وهو المذهب عند الحنابلة.
قال ابن قدامة عن العمامة: " وحكمها في التوقيت، واشتراط تقديم الطهارة، وبطلان الطهارة بخلعها، كحكم الخف؛ لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل ". انتهى " الكافي " (1/39) .
وقال المرداوي: " وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ، وَرَأْسُهُ، أو انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ". انتهى " الإنصاف" (1 /190) .
ومن يقول: إن خلع الخف لا ينقض الوضوء، يقول ذلك أيضاً في خلع العمامة، وهو قول ابن حزم الظاهري ورواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: "المحلى" (1/137) ، (1/340) ، "الإنصاف" للمرداوي (1 / 190) .
قال شيخ الإسلام: " ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ". انتهى من "الاختيارات العلمية" صـ 26.
وقد سبق بيان أقول العلماء في حكم طهارة من خلع خفيه والراجح منها في السؤال (45788) ، (26343) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/100)
لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الآتي: لو أن شخصاً توضأ ثم لبس الجوربين ثم انتقض وضوؤه فخلع الجوارب لبضع ثوانٍ ليضع بعض الكِريم على قدميه ثم لبس الجوربين مجدداً فهل يلزمه غسل قدميه من جديد إذا أعاد الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح المسح على الجوربين في الوضوء إلا لمن لبسهما على طهارة، وقد دلت على ذلك السنة النبوية الصحيحة.
روى البخاري (206) ومسلم (274) عن الْمُغِيرَةِ بن شعبة رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) .
ولفظ أبي داود (151) : (دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان) .
قال النووي:
" فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوز إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَة " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/174) :
"لَا نَعْلَمُ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ خِلَافًا" انتهى.
وقَالَ الإمام مَالِك رحمه الله:
" إِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ " انتهى.
"الموطأ" (1/37) .
قال في "المنتقي شرح الموطأ" (1/78) :
" وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إِذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ خَلَعَهُمَا ثُمَّ لَبِسَهُمَا فَقَدْ زَالَ حُكْمُ لُبْسِهِمَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَصَارَ لَابِسًا لَهُمَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَإِدْخَالُهُمَا فِي الْخُفِّ طَاهِرَتَيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ " انتهى.
وعلى هذا؛ فمن خلع جوربين ثم أعاد لبسهما على غير طهارة، فلا يجوز له المسح عليهما، بل لابد من غسل الرجلين في الوضوء، وكون مدة خلعهما كانت ثوانٍ يسيرة، لا يختلف به الحكم، لأنه يصدق عليه أنه لبس الجوربين على غير طهارة، فلا يجوز له المسح عليهما.
والله أعلم
ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم: (9640) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/101)
هل الوضوء مع مسح الجوربين يعد وضوءاً كاملاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح غسل القدم في الوضوء من فوق الجوارب؟ وهل يعد هذا الوضوء وضوءا كاملاً؟ وهل تقبل الصلاة حينها؟ وهل هذا النوع من الوضوء يمنع النار من أن تمس قدمنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر أن مراد السائل هو المسح على الجوربين في الوضوء، وهذا المسح مشروع، وهو بدل عن غسل القدمين، ومن توضأ ومسح على الخفين أو الجوربين، فوضوءه صحيح كامل، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين، وتوضأ أصحابه كذلك، فهو وضوء كامل، يترتب عليه ما يترتب على الوضوء من أجر وثواب.
ويشترط أن يَلبس الجوربين على طهارة كاملة، أي غسَل فيها قدميه، ثم يمسح عليها فيما بعد إن أراد.
وإن مسح على جورب خفيف أو مخرق جاز على الراجح، ولمعرفة شروط المسح على الجوربين وصفته، ينظر جواب السؤال رقم (8186) ، ورقم (12796) ، ورقم (9640) .
ثانياً:
قد جاء الوعيد في حق من لم يتم غسل قدميه في الوضوء، وذلك فيما ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) .
وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) .
والعقب هو مؤخر القدم.
وهذا في حق من غسل القدمين لكن لم يتم غسلهما، وأما من مسح على الخفين أو الجوربين فلا يدخل في هذا؛ لأنه أتى بوضوء صحيح كامل، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/102)
إذا مسح على الخف مسح تجديد ثم خلعه فله أن يلبسه ويمسح عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توضأ شخص وقت صلاة الظهر ثم ارتدى الخفين ثم قام بتجديد وضوئه لصلاة العصر بالمسح على الخفين فقط ثم خلع الخفين بعد العصر ثم ارتداهما مجددا عند الخروج فهل يجوز له المسح على الخفين عند صلاة المغرب؟ برجاء تقديم الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خلع الخف لا ينقض الوضوء على الراجح، فلمن خلع الخف أن يصلي بوضوئه السابق.
وينظر جواب السؤال رقم (100112) .
ثانيا:
من شروط المسح على الخفين أو الجوربين أن يلبسهما على طهارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9640) .
والذي توضأ تجديداً لوضوئه ومسح على الجوربين، ثم خلعهما، ثم لبسهما قبل أن ينتقض وضوؤه، فهذا يصدق عليه أنه لبسهما على طهارة، فله أن يمسح عليهما.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ونحن قلنا إنه إذا خلع الخف لا تنتقض الطهارة وقاله غيرنا، لكن ما أحد من هؤلاء الذين قالوا إن الطهارة لا تنتقض قال إنه يجوز أن يعيده ويمسح عليه، ولقد تعبنا ولم نجد أحداً قال بهذا القول وإلا كان وجيهاً.
السائل: حتى ولو كان المسح مسح تجديد؟
الشيخ: لا، إذا كان مسح تجديد فمعناه أن الوضوء الأول لم ينتقض، فيجوز المسح عليه بعد الخلع، وكذلك لو فرضنا أن الشخص ما مسح، خلع وهو على الطهارة الأولى قبل المسح ثم ردها فلا بأس " انتهى من "شرح الكافي".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/103)
يحتاج أن يلبس جوربا قبل نهوضه من فراشه وتطهره فهل يمسح عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد خضعت للمرة الثانية لعملية استئصال الدوالي (ما يعرف بعرق النسا) من إحدى رجلي ويجب علي أن ألبس جوربا خاصا لمنع تأخر الدم في أوردة رجلي المصابة وإلا سيعود المرض من جديد وليس هناك من مجال لعملية ثالثة. حيث يجب لبس هذا الجورب قبل النهوض من الفراش خوفاً من امتلاء الأوردة بالدم مما يؤدي لقلة فائدة الجورب. هل يجوز لي لبس الجورب قبل النهوض لصلاة الفجر (أي قبل أن أتوضأ) . للعلم، أن الجورب يغطي من مشط القدم وحتى أعلى الفخذ، ولأن مهنتي تتطلب مني الوقوف لوقت طويل (دكتور جامعة) فلا بد من لبس الجورب. أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة في الدين والدنيا.
ثانيا:
إن أمكنك لبس هذا الجورب قبل نومك على طهارة كاملة، فهذا حسن، ومعلوم أن المقيم يمسح على الخف ونحوه يوما وليلة (24 ساعة) من أول مسح بعد الحدث.
فلو توضأت ثم لبسته قبل نومك، ومسحت عليه في وقت الفجر، جاز لك المسح عليه إلى وقت الفجر التالي له.
وبهذا تخرج من إشكال لبس الجورب على غير طهارة.
ثالثا:
إن لم يمكنك ذلك، كأن يكون هناك مضرة من لبسه أثناء النوم، فلا حرج في لبسه قبل النهوض من الفراش، ويكون في حكم الجبيرة؛ لأنك مضطر للبسه، وتتضرر بتركه. ولا يشترط لجواز المسح على الجبيرة أن يكون لبسها على طهارة، وهو مذهب الحنفية والمالكية.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (15/108) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الكافي": "فالقول الصحيح بلا شك أنه لا يشترط للجبيرة أن توضع على طهارة بل متى وجد سببها وضعت ومسح عليها" انتهى.
ولكن يجب التنبه إلى أننا إذا اعتبرنا هذا الجورب كالجبيرة، فحينئذ يجب المسح عليه كله، أسفله وأعلاه إلى الكعبين، ولا يجوز الاقتصار على ظاهره فقط – كما هو الحكم في المسح على الخفين أو الجوربين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/104)
لا يشترط في المسح على الجوربين أن ينوي ذلك عند لبسهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تشترط النية في المسح على الجورب؟ بمعنى لو أني متوضئ ولبست الجورب دون أن أنوي استخدامه في المسح عليه، عندما أتوضأ هل يجوز المسح عليه بالرغم أنني لم أنو مسبقاً استخدام الجورب للمسح، وإنما لبست الجورب للخروج فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشترط النية لجواز المسح على الجوربين، فإذا لبس الجوربين على طهارة، فله المسح عليهما، يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليهن إذا كان مسافراً. ولمعرفة شروط المسح على الخفين والجوربين، انظر جواب السؤال رقم (9640) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يُشترط لجواز المسح على الخفين أن ينوي المسح عليهما وكذلك نية المدة؟
فأجاب: "النية هنا غير واجبة، لأن هذا عمل عُلّق الحكم على مجرد وجوده، فلا يحتاج إلى نية، كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلاً، فلا يُشترط في لبس الخفين أن ينوي أنه سيمسح عليهما، ولا كذلك نية المدة، بل إن كان مسافراً فله ثلاثة أيام نواها أم لم ينوها، وإن كان مقيماً فله يوم وليلة نواها أم لم ينوها" انتهى.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/105)
إذا مسح وهو مقيم ثم سافر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مسح الإنسان على الجوربين وهو مقيم ثم سافر فهل يتم مسح مسافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ابتدأ الإنسان المسح على الجوربين أو الخفين وهو مقيم، وبقى له شيء من المدة (وهي 24 ساعة) ثم سافر، فإنه يكمل مسح مسافر، فيكمل ثلاثة أيام بلياليهن على المدة التي كان قد مسحها وهو مقيم.
وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، وذهب الإمام الشافعي وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يتم مسح مقيم.
والصحيح من القولين هو القول الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام بلياليهن، وهو مسافر.
انظر: "المغني" (1/371) ، "الإنصاف" (1/402) ، "الشرح الممتع" (1/251) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر على القول الراجح، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا مسح في الحضر ثم سافر، أتم مسح مقيم، ولكن الراجح ما قلناه، لأن هذا الرجل قد بقى في مدة مسحه شيء قبل أن يسافر وسافر، فيصدق عليه أنه من المسافرين الذين يمسحون ثلاثة أيام، وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه رجع إلى هذا القول بعد أن كان يقول بأنه يتم مسح مقيم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/175) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/106)
متى تبدأ مدة المسح على الخفين أو الجوربين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تبدأ مدة المسح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان:
الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس.
والآخر: من المسح بعد الحدث.
وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، ولا نعلم لهم دليلا يستحق الذكر إلا مجرد الرأي، ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي، ولا علمت لهم سلفا من الصحابة، بخلاف القول الثاني فإمامهم الأحاديث الصحيحة، وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما السنة فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح) وفي بعضها: (رخص في المسح) وفي غيرها: (جعل المسح للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن) ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، وهو كالنص أيضاً على رد القول الأول، لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع: أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر فليس له المسح بعدها، فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوما وليلة؟ أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث، بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة أيام إن كان مسافراً انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة.
فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة. بناء على هذا الرأي المخالف للسنة، ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه لقوة الدليل، فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (1/487) :
(وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلاً، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتدائها من اللبس واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)
وهي أحاديث صحاح كما سبق، وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح، ولأن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر، فعلق الحكم بالمسح. واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان: (من الحدث إلى الحدث) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة وبالقياس. . .) .
قلت (الألباني) : إن القياس المشار إليه لو كان مسلما بصحته في نفسه فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة، أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه، ولذلك قيل: إذا ورد الأثر بطل النظر. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. فيكف وهو مخالف أيضا لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه، كما فعلوا في الطلاق الثلاث، فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة؟ فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) (1/209/807) عن أبي عثمان النهدي قال: (حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين فقال عمر: يمسح عليهما مثل ساعته من يومه وليلته) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة، وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا، مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (المصنف) وعلى سبيل المثال أذكر ما رواه ابن أبي شيبة (1/180) عن عمرو بن الحارث قال:
(خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثا لا ينزعهما) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
فقد اتفقت الآثار السلفية مع السنة المحمدية على ما ذكرنا، فتمسك بها تكن بإذن الله مهديا" انتهى.
"رسالة تمام النصح في أحكام المسح" للشيخ الألباني رحمه الله. ص (89، 92) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/107)
هل ينتقض الوضوء بخلع الجوارب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توضأ الإنسان ومسح على الخفين وأثناء مدة المسح خلع خفيه قبل الصلاة، فهل يصلي وتصح صلاته أم أن وضوءه ينتقض بخلع الخفين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إذا خلع الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم.ولكن لو أعاد الخف بعد ذلك وانتقض وضوءه ثم أراد أن يمسح عليه في المستقبل فلا؛ لأنه لابد أن يلبس الخف على طهارة غسل فيها الرجل، على ما أعلمه من كلام أهل العلم. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
ينظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (11 / 179) ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (21 / 179، 215)(5/108)
هل يصح المسح على الخفين في الصيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما أرى بعض المصلين يمسحون على الشراب في وضوئهم حتى في وقت الصيف، أرجو أن تفيدني عن مدى جواز ذلك، وأيهما أفضل للمقيم الوضوء مع غسل الرجلين، أم المسح على الشراب، علماً أن الذين يقومون بالمسح ليس لهم عذر إلا أنهم يقولون: إن ذلك مرخص به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عموم الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز المسح على الخفين والجوربين يدل على جواز المسح في الشتاء والصيف.
ولا أعلم دليلاً شرعياً يدل على تخصيص وقت الشتاء، ولكن ليس له أن يمسح على الشراب أو غيره إلا بالشروط المعتبرة شرعاًً، ومنها كون الشراب ساتراً لمحل الفرض ملبوساً على طهارة، مع مراعاة المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر بدءاً من المسح بعد الحدث في أصح قولي العلماء. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 113) .(5/109)
بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بأن مدة المسح على الخفين (أي الجوربين) هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، فإذا انتهت مدة المسح فهل ينتقض الوضوء؟ أم يبقى على طهارته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
الصحيح أنه لا ينتقض (الوضوء) بانتهاء مدة المسح، يعني مثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبقيت على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، وهي أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
[الْمَصْدَرُ]
اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح.(5/110)
إذا انتهت مدة المسح أو نزع الخف الأعلى هل تنتقض الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[لو تذكرت وأنا في الصلاة أن مدة المسح على الخف انقضت ماذا أفعل هل أخرج من الصلاة وهل لو لبست الجورب تحت الخف على طهارة ثم خلعت الخف وبقيت بالجورب فهل ينقض وضوئي أم أصبح على طهارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا انقضت مدة المسح على الخفين، وكنت على طهارة، لم تنتقض طهارتك على القول الراجح، الذي اختاره جمع من أهل العلم، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله؛ لعدم الدليل على النقض، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث. وانظر السؤال رقم (69829) .
وعليه، فإذا انقضت المدة وأنت في الصلاة، فاستمر في صلاتك، وصل ما شئت حتى ينتقض وضوؤك.
ثانيا:
إذا خلع الإنسان الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم. وينظر: " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية " (21 / 179، 215) ، ومجموع " فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " (11 / 179) .
وإنما يترتب على نزع الخف انتهاء المسح، أي ليس له أن يلبسه مرة أخرى ويمسح عليه إلا بعد طهارة كاملة يغسل فيها رجليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/111)
حكم المسح على الجورب المثقوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المسح على الجورب المثقوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله (امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة) رواه عبد الرزاق في المصنف (1 / 194)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (21 / 174) فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي. وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تَحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بدّ له من دليل..) .
وهذا مذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور.
وذهب الإمام الشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين ما دام أنه يظهر من الملبوس فتق أو شق في محل الفرض
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكثير.
والصحيح القول الأول وأنه يجوز المسح على الخفين والجوربين ما تعلقت بهما القدم وأمكن المشي فيهما.
ويصح أيضاً المسح على الجوربين اللذين يصفان البشرة لأن الإذن بالمسح على الخفين مطلق ولم يرد تقييده بشيء فكان مقتضى ذلك أن كل جورب يلبسه الناس لهم أن يمسحوا عليه وهذا مقتضى قول القائلين بجواز المسح على الخف المخرق ما أمكن المشيء عليه.
وقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع (1 / 502) أنه إذا لبس خف زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإن كان تُرى تحته البشرة ... ) . والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(5/112)
إذا لبس خفاً على الجورب، فعلى أيهما يمسح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لبست الجورب تحت الخف على طهارة، ثم توضأت، ومسحت على الخف، فهل إذا خلعت الخف أكمل المسح على الجورب ما تبقى من مدة المسح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من لبس خفا على خف، أو خفا على جورب، فلأيهما يكون الحكم؟ في ذلك تفصيل:
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"1- إذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث، ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ، فالحكم للأول.
أي إذا أراد أن يمسح بعد ذلك مسح على الأول، ولم يجز أن يمسح على الأعلى.
2- إذا لبس جوربا أو خفا، ثم أحدث، ومسحه، ثم لبس عليه آخر، فله مسح الثاني على القول الصحيح. قال في الفروع: ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك. اهـ. وقال النووي: إن هذا هو الأظهر المختار لأنه لبسه على طهارة، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول. اهـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول.
وله في هذه الحالة مسح الأول أيضا من غير شك.
3- إذا لبس خفا على خف أو جورب، ومسح الأعلى ثم خلعه، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل؟ لم أر من صرح به، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج، فيما إذا لبس الجُرموق على الخف ثلاثة معان، منها: أنهما يكونان كخف واحد، الأعلى ظهارة، والأسفل بطانة. قلت: وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته ".
انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ ابن عثيمين (ص 192) .
والجُرموق: خف يلبس فوق الخف المعتاد، لاسيما في البلاد الباردة والمقصود بالظَّهارة والِبطانة، فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين، فالعليا تسمى الظهارة، والسفلى تسمى البطانة. "الشرح الممتع" (1/211) .
وقد تبين بهذا أن من لبس خفا على جورب، ثم نزع الأعلى منهما، فإن مسحه لا ينتقض، وله أن يمسح على الأسفل في جميع الحالات الثلاث التي ذكرها الشيخ، إلى انتهاء مدة المسح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/113)
إذا لبس الخف عند الفجر فهل يمسح عليه إلى الفجر التالي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مدة المسح على الخفين؟ فأنا ألبس الخفين على طهارة وذلك بعد الوضوء لصلاة الفجر فهل يجوز أن أستمر في اللبس إلى الفجر الثاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت السنة الصحيحة على أن مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، فقد روى مسلم (276) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) .
وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانيا:
الراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث، لا من اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة.
قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) .
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: " لأن الأحاديث: (يمسح المقيم) ، (يمسح المسافر) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وهذا هو الصحيح ". "الشرح الممتع" (1/186) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/114)
صفة المسح على الخف أو الجورب
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بحديث المسح على الجوارب في حالة المسح على الطهارة، قال ابن خزيمة أنه حسب ما ورد في حديث صفوان بن عسال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: أمرنا بالمسح على الخفين إذا لبسناهما على طهارة لمدة ثلاثة أيام للمسافر ولمدة يوم وليلة للمقيم.
سؤالي هو: هل يمكن أن أفترض أن يوم وليلة في الحديث تعني 24 ساعة؟ وبالتالي هل أستطيع لبس جواربي على طهارة في أي وقت ثم أمسح عليها عند الوضوء مادامت المدة خلال الـ 24 ساعة؟ مثلا، هل يجوز أن ألبس الجوارب عند الحادية عشراً مساءاً في يوم ما , ثم أمسح عليها عند الوضوء حتى الحادية عشرة مساءاً من اليوم التالي؟
كذلك , أرجو أن تخبروني ما هي الجزء من الجوارب الذي يجب أن يمسح؟
أنا أعلم أنه لا يجوز مسح أسفل الجوارب , لكن هل يجب أن نمسح الجوارب من الجانبين والخلف والمقدمة؟
أرجو إجابتي لأن هذا سيجعل حياتي أسهل بكثير , كما أن بشرتي حساسة وإهمالي للأمر يقودني لكثير من الوسواس وعدم الرضا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بداية مدة المسح على الخفين أو الجوربين فإنها تكون مِن أول مرَّة مَسَح فيها بعد الحَدَث وليس من أول لبس الخف. يراجع جواب سؤال رقم 9640.
أما صفة المسح فهي: " أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثمَّ يُمرُّهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح ". انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/43
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة، كما تمسح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: " فمسح عليهما "، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال: مسح عليهما، فظاهر السنة هو هذا. نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى، وهذا لا أصل له فيما أعلم. ... وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل." أ. هـ. انظر فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/250
ولا يمسح من جانبي الخف ّوخلفه فلم يرد في مسحه شيء.
قال الشيخ ابن عثيمين: " وقد يقول قائل: إن ظاهر الأمر قد يكون باطن الخف أولى بالمسح لأنه هو الذي باشر التراب والأوساخ، لكن عند التأمل نجد أن مسح أعلى الخف هو الأعلى والذي يدل عليه العقل، لأن هذا المسح لا يراد به التنظيف والتنقية، وإنما يراد به التعبد، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لكان ذلك تلويثاً له ".
والله أعلم.
يراجع الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/213.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/115)
شروط المسح على الخفين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط المسح على الْخُفَّين مع الأدلة على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُشترط للمسح على الخفَّيْن أربعة شروط:
الشرط الأول: أنْ يكون لابساً لهما على طهارة ودليل ذلك قوله صلَّى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: (دعْهما فإنِّي أدخَلتُهما طاهرتَيْن) .
الشرط الثاني: أنْ يكون الخُفَّان أو الجوارب طاهرةً فإنْ كانت نجسةً فإنَّه لا يجوز المسح عليها، ودليل ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته وأَخبَر أنَّ جبريل أخبره بأنَّ فيهما أذىً أو قذَراً رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده، وهذا يدل على أنَّه لا تَجوز الصلاة فيما فيه نَجاسة ولأنَّ النَّجس إذا مُسِح عليه تلوَّثَ الماسحُ بالنَّجاسةِ فلا يصِحُّ أنْ يكونَ مطهراً.
الشرط الثالث: أنْ يكون مسحهما في الحَدَث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغُسل، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: أَمَرَنا رسولُ الله إذا كنَّا سَفرا أنْ لا نَنْزِع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليَهُنَّ إلاَّ مِن جَنابة ولكنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ رواه أحمد من حديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه في مسنده، فيُشترَطُ أنْ يكون المسح في الحَدَث الأصغر ولا يجوز في الحَدَث الأكبر لهذا الحديث الذي ذكرناه.
الشرط الرابع: أنْ يكون المسح في الوقت المحدَّد شرعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر لحديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للمُقيم يوماً وليلةً وللمسافر ثلاثة أيام ولياليَهن، يعني في المسح على الخُفَّين. رواه مسلم، وهذه المدة تبتدئ مِن أول مرَّة مَسَح بعد الحَدَث وتنتهي بأربعٍ وعشرين ساعةً بالنسبة للمُقيم واثنتين وسبعين ساعةً بالنسبة للمُسافر، فإذا قدَّرنا أنَّ شخصاً تطهَّر لصلاة الفجر يوم الثلاثاء وبقي على طهارته حتى صلَّى العشاء من ليلة الأربعاء ونام ثم قام لصلاة الفجر يوم الأربعاء ومَسَح في الساعة الخامسة بالتوقيت الزوالي فإنَّ ابتداء المدة يكون في الساعة الخامسة مِن صباح يوم الأربعاء إلى الساعة الخامسة مِن صباح يوم الخميس فلو قُدِّر أنَّه مسَحَ يوم الخميس قبل تمام الساعة الخامسة فإنَّ له أنْ يُصلِّيَ الفجر أي فجرَ يوم الخميس بهذا المسح ويُصلي ما شاء أيضاً مادام على طهارته لأنَّ الوضوء لا يُنتَقَض إذا تَمَّت المدَّة على القول الراجح مِن أقوال أهل العلم وذلك لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُوقِّت الطَّهارة وإنَّما وَقَّتَ المسْح فإذا تَمَّت المدة فلا مسْحَ ولكنَّه إذا كان على طهارة فطهارته باقيةٌ لأنَّ هذه الطهارة ثبتَتْ بمُقتضَى دليلٍ شرعي وما ثبتَ بدليلٍ شرعيٍ فإنَّه لا يرتفع إلاَّ بدليلٍ شرعيٍ ولا دليلَ على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح ولأنَّ الأصلَ بقاءُ ما كان على ما كان حتى يتبيَّن زوالُه فهذه الشروط التي تُشترَط للمسح على الخفَّيْن وهناك شروط أخرى ذكرها بعض أهل العلم وفي بعضها نظر.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 14.(5/116)
هل يجوز المسح على الخفين لمدة طويلة بسبب المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 60 سنة وأشكو من مرض في ظهري أجد معه مشقة في غسل رجلي عند الوضوء فهل يجوز لي المسح على الخفين لمدة طويلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أن المسح على الخفين موقت بمدة معلومة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
فقد روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) .
وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث، لا من اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة.
قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحُكِيَ نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) .
وبناء على ذلك فيجب أن تتقيد بمدة المسح، فإذا انقضت لم يجز المسح على الخف، حتى ينزع ويلبس على طهارة كاملة، لكن انقضاء المدة لا يوجب بطلان الوضوء على الراجح، فإذا انقضت المدة وأنت على طهارة، جاز لك الصلاة بهذه الطهارة حتى تحدث.
وما ذكرت من مشقة غسل الرجل، يمكن التغلب عليه بالجلوس على كرسي ونحوه، أو صب الماء على الرجلين دون أن تنحني لغسلهما.
قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دَلْك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير
، أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة
الغسل والوضوء " انتهى من "المجموع" (2/214) .
وانظر جواب السؤال رقم (90218)
ونسأل الله لك الشفاء والمعافاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/117)
لا يشترط أن يكون الجورب من الجلد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما طبيعة الجوارب التي يُمسح عليها؟ هل يجوز المسح على أية جوارب، أم يجب أن تكون من الجلد؟ أرجو أن تجيب على ضوء الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: ((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ)) .
رواه الترمذي (92) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم (86) .
قال " صاحب القاموس ": الجورب: لفافة الرِّجْلِ.
قال أبو بكر بن العربي: والجورب هو غِشَاءٌ للقدم من الصوف يُتَّخَذُ للتَدْفِئَة.
َوعنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
" المصنف " لابن أبي شيبة (1 / 173) .
قال ابن حزم: وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ - مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ , سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ - كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ.... " المُحَلَّى " (1 / 321) .
وخالف في جواز المسح على الخفين بعض أهل العلم، والصحيح الذي تدل عليه الأدلة جواز ذلك كما سبق.
والله أعلم.
ويراجع جواب سؤال رقم (8186) و (9640) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/118)
لبس الجورب ووصل الماء إلى قدمه فهل له المسح عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ألبس الجوارب على طهارة , ولامس جواربي ماء في أرض الحمام وأحببت أن أسكب عليها ماءً من الصنبور، لأنه أحياناً أجد نجاسة في أرض الحمام كبول من غير المسلمين، فأسكب على جواربي الماء من الصنبور حتى أتيقن أنه زالت قطرات النجاسة من عليه , فهل لي أن أمسح على جواربي كالخفين وأنا قد لبستهم على طهارة، وكما تعلمون أنه بعد سكب الماء وصل الماء الطاهر للبشرة , فهل يجوز المسح على الجوربين أم لا؟ وإذا كان لا فماذا أفعل في صلواتي السابقة؟ علما أني فعلت ذلك عدة مرات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل في الجورب وفي المياه أنها طاهرة، ولا يحكم بنجاستها بمجرد الشك، فما لم تتيقن من وصول النجاسة إلى جواربك فلا تهتم بالتفتيش عنها والتفكير في إزالتها.
ثانيا:
وصول الماء إلى بشرة قدمك أثناء تطهير الجورب، لا يضرك، فلك أن تمسح على جوربيك، ما دمت قد لبستهما بعد طهارة كاملة.
وقد اختلف الفقهاء هل يشترط في الخف أن يمنع وصول الماء إلى القدم، أولا؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا يشترط، وهذا مذهب الحنابلة، قال في مطالب أولي النهى" (1/131) : "الشرط السابع: إمكان مشي عرفا بممسوح، لا كونه يمنع نفوذ الماء , لأنه ساتر لمحل الفرض , ويمكن متابعة المشي فيه " انتهى بتصرف.
وذهب آخرون إلى اشتراط ذلك، كما هو مذهب الشافعية، قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/531) : " هل يشترط كون الخف صفيقا يمنع نفوذ الماء؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره: أحدهما: يشترط، فإن كان منسوجا بحيث لو صب عليه الماء نفذ لم يجز المسح.
والثاني: لا يشترط، بل يجوز المسح وإن نفذ الماء , واختاره إمام الحرمين والغزالي لوجود الستر. والمذهب الأول، والله أعلم" انتهى باختصار.
والقول الأول هو الراجح، لأنه لم يرد دليل صحيح يدل على اشتراط عدم نفوذ الماء إلى الجورب، فما دام يسمى جورباً، ويلبسه الناس عادة صح المسح عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/119)
هل فرض الرجلين أثناء الوضوء الغسل أم المسح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكر الله سبحانه المسح للأرجل أثناء الوضوء في الآية الكريمة (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فالذي تعلمناه أننا نغسل أرجلنا أثناء الوضوء، فلم جاءت الكلمة " امسحوا "؛ لأن زميلتي سألتني هذا السؤال وقالت لي: أنا أمسح رجلي أثناء الوضوء ولا أغسلها فلم أعرف بم أجيبها، هل فيها نوع من الإعجاز؟ وما الحكمة من ذكر المسح بدل الغسل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الوضوء هو غسل الرجلين، ولا يكفي مسحهما، وفهم زميلتك من الآية أنها تدل على مسح الرجلين غير صحيح.
والدليل على أن الواجب هو غسل الرجلين، ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) .
وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) .
والعقب هو مؤخر القدم.
قَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِح مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ.
قال الحافظ ابن حجر:
" وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور " انتهى.
"فتح الباري" (1/320) .
وأما الآية، وهي قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فإنها لا تدل على جواز مسح الرجلين، وبيان ذلك: أن في الآية قراءتين:
الأولى: (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام، فتكون الأرجل معطوفة على الوجه، والوجه مغسول، فتكون الأرجل مغسولة أيضاً، فكأن لفظ الآية في الأصل: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم) ولكن أُخِّرَ غسلُ الرجل بعد مسح الرأس للدلالة على أن ترتيب الأعضاء في الوضوء يكون على هذا النحو، غسل الوجه، ثم الأيدي، ثم مسح الرأس، ثم غسل الأرجل.
انظر: "المجموع" (1/471) .
القراءة الثانية: (وَأَرْجُلِكُمْ) بكسر اللام، فتكون معطوفة على الرأس، والرأس ممسوح، فتكون الأرجل ممسوحة.
غير أن السنة بينت أن المسح إنما هو على الخفين أو الجوربين بشروط معروفة في السنة.
انظر: "المجموع" (1/450) ، "الاختيارات" (ص 13) .
ولمعرفة شروط المسح على الخفين انظر السؤال (9640) .
وبهذا يتبن أن الآية على القراءتين لا تدل على مسح الأرجل، وإنما تدل على وجوب غسل الأرجل، أو مسح الخفين لمن يلبس الخفين.
وقد ذهب بعض العلماء – على قراءة الجر – إلى أن الحكمة من ذكر المسح في حق الأرجل مع أنها مغسولة إشارة إلى أنه ينبغي الاقتصاد في استعمال الماء عند غسل الرجلين، لأن العادة الإسراف عند غسلهما، فأمرت الآية بالمسح أي بأن يكون الغسل بلا إسراف في الماء.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/186) :
" ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف. قال أبو علي الفارسي: العرب تسمي خفيف الغسل مسحا , فيقولون: تمسحت للصلاة. أي توضأت " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً " انتهى "منهاج السنة" (4/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/120)
مسح ثلاثة أيام وهو مقيم فهل يعيد صلاة يومين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد توضأت ولمدة ثلاثة أيام متواصلة وأنا أرتدي الجوارب نفسها دون أن أخلعها خلال الثلاثة أيام مع العلم أن مدة المسح على الجوارب هي يوم وليلة للمقيم؟ هل صلاتي في اليومين الثاني والثالث صحيحة أم يتوجب علي إعادتها لمخالفة المدة المسموح بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت السنة الصحيحة على أن مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمسح على الجورب كالمسح على الخفين.
روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) .
وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي (96) والنسائي (127) وابن ماجه (478) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) والحديث حسنه الألباني.
ثانيا:
والراجح من أقوال الفقهاء في ابتداء المدة أنها من أول مسحة بعد الحدث، لا من اللبس، ولا من الحدث بعد اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة.
قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) .
وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: " لأن الأحاديث: (يمسح المقيم) ، (يمسح المسافر) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح وهذا هو الصحيح ". "الشرح الممتع" (1/186) .
ثالثا:
اختار جمع من أهل العلم، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله أن الطهارة لا تنتقض بانتهاء مدة المسح، لعدم الدليل على ذلك، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث. "المحلى 2/151، الاختيارات الفقهية ص 15، الشرح الممتع 1/216".
وعليه: فمن كان على طهارة، وانقضت مدة المسح قبل صلاة الظهر، فله أن يصلي الظهر وما بعده بطهارته السابقة، إلى أن ينتقض وضوؤه.
وبناء على جميع ما سبق:
فإن انقضت مدة المسح وأنت على غير طهارة، فالواجب عليك إعادة جميع الصلوات التي صليتها بعد انقضاء المدة ولم تغسل فيها رجليك.
وإن انقضت المدة وأنت على طهارة، فالواجب عليك إعادة الصلوات من أول ما انتقض وضوؤك بعد انقضاء المدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/121)
هل يمسح على الجورب مع أن رائحته كريهة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء أحد المصلين ليتوضأ وهو مرتد الجوربين، أي أنه يريد أن يسمح عليهما، ولكن لجوربيه رائحة كريهة يخاف أن يؤذى بها المصليين؟ فماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يكون المصلي على حال من النظافة في بدنه وثيابه، بحيث لا تتأذى منه الملائكة، ولا يتأذى به إخوانه المصلون.
ولهذا تأكد الاغتسال واستعمال السواك والطيب يوم الجمعة لازدحام الناس، ومُنع المسلم الذي أكل بصلاً أو ثوماً أو نحو ذلك مما له رائحة خبيثة - منع من حضور المسجد، لئلا يؤذي أحداً برائحته.
روى أحمد (16445) أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَسَوَّكُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لأَهْلِهِ) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند.
وروى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
فإذا كان للجوربين رائحة كريهة، فيتأكد نزعهما، وغسل القدمين، ولا يحل له أن يؤذي الملائكة والمصلين برائحته، فإن دخل المسجد وهو كذلك فإنه يؤمر بالخروج منه.
روى مسلم (567) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لا أَرَاهُمَا إِلا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) .
قال النووي:
هَذَا فِيهِ: إِخْرَاج مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيح الثَّوْم وَالْبَصَل وَنَحْوهمَا مِنْ الْمَسْجِد، وَإِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/122)
هل يمسح على الجوربين إذا لبس اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يغسل رجله اليمنى في الوضوء ثم يلبس الجورب، ثم يغسل اليسرى ويلبس عليها الجورب، فإذا توضأ بعد ذلك فهل يجوز المسح على الجوربين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأولى والأحوط: ألا يلبس المتوضئ الشراب حتى يغسل رجله اليسرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه من حديث أنس رضي الله عنه؛ ولحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. أخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة.
ولما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأراد أن ينزع خفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما بعد كمال الطهارة، والذي أدخل الخف أو الشراب برجله اليمنى قبل غسل رجله اليسرى لم تكمل طهارته.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح، ولو كان الماسح قد أدخل رجله اليمنى في الخف أو الشراب قبل غسل اليسرى؛ لأن كل واحدة منهما إنما أدخلت بعد غسلها.
والأحوط: الأول، وهو الأظهر في الدليل، ومن فعل ذلك فينبغي له أن ينزع الخف أو الشراب من رجله اليمنى قبل المسح، ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل اليسرى، حتى يخرج من الخلاف ويحتاط لدينه " انتهى.
الشيخ ابن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/116) .
ومما يستدل به أيضاً على أنه لا يجوز المسح على الخفين إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة: ما رواه ابن خزيمة والدارقطني عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أنّهُ رَخّص لَلْمُسَافِرِ ثَلاثَةَ أيَامٍ ولَيَاليَهُنَّ، وللمُقيمِ يَوْماً ولَيْلَةً، إذا تَطَهّرَ فَلَبِسَ خُفّيْهِ: أنّ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا.
صححه الخطابي، ونقل البيهقي: أن الشافعي صححه. وحسنه النووي. تلخيص الحبير (1/278) .
وانظر: "المجموع" للنووي (1/541) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/123)
هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أن غسل القدمين أفضل، قالوا: لأن غسل القدمين هو الأصل، فكان أفضل.
انظر: "المجموع" (1/502) .
وذهب الإمام أحمد إلى أن المسح على الخفين أفضل، واستدل بـ:
1- أنه أيسر، و (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) .
2- أنه رخصة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564) .
3- أن في المسح على الخفين مخالفةً لأهل البدع الذين ينكرونه، كالخوراج والروافض.
وقد كثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فعل كل منهما، غسل القدمين، والمسح على الخفين، مما جعل بعض العلماء يقول: المسح والغسل سواء، وهو ما اختاره ابن المنذر رحمه الله.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفضل في حق كل واحد ما كان موافقاً للحال التي عليها قدمه، فإن كان لابساً للخف فالأفضل المسح، وإن كانت قدماه مكشوفتين فالأفضل الغسل، ولا يلبس الخف من أجل أن يمسح عليه.
ويدل لهذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) رواه البخاري (206) ومسلم (274) . فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين.
ويدل لذلك أيضاً ما رواه الترمذي (96) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (104) . فالأمر بالمسح يدل على أنه أفضل، ولكنه في حق لابس الخف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وفصل الخطاب: أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه. فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان: غسلهما ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه , كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين , ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف " انتهى من "الإنصاف" (1/378) .
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/199) :
" ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/124)
إذا مسح على الخفين ثم خلعها هل تبطل طهارته بذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مسح المتوضئ على الخفين أو الجوربين ثم خلعهما، هل تبطل طهارته بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم من توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما.
فقال بعض العلماء: يكفيه غسل قدميه، ويتم بذلك وضوؤه.
وهذا القول ضعيف، لأن الوضوء تجب فيه الموالاة، أي لا يفصل بين غسل الأعضاء بزمن طويل، بل يغسلها متتابعة متوالية.
ولذلك ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/367) أن هذا القول مبني على عدم وجوب الموالاة في الوضوء، وهو ضعيف.
وقال آخرون: تبطل طهارته بذلك، ويجب عليه إذا أراد أن يصلي أن يعيد الوضوء، واحتجوا بأن المسح أقيم مقام الغسل، فإذا زال الخف بطلت الطهارة في القدمين، لأنها بذلك تكون غير مغسولة ولا ممسوح عليها، وإذا بطلت الطهارة في القدمين بطلت كلها لأن الطهارة لا تتجزأ. وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في "مجموع فتاواه" (10/113) .
وقال آخرون: لا تبطل طهارته بذلك حتى يحدث، وقال بهذا القول جماعة من السلف منهم قتادة والحسن البصري وابن أبي ليلى، ونصره ابن حزم في "المحلى" (1/105) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن المنذر، وقال النووي في "المجموع" (1/557) : وهو المختار الأقوى.
واستدل هؤلاء بعدة أدلة:
1- أن الطهارة لا تبطل إلا بالحدث، وخلع الخفين ليس بحدث.
2- أن طهارة من مسح على الخفين قد ثبتت بدليل شرعي، ولا يمكن الحكم عليها بالبطلان إلا بدليل شرعي، وليس هناك من الأدلة ما يدل على انتقاض الطهارة بخلع النعلين.
3- القياس على حلق الشعر بعد الوضوء، فإن من توضأ ومسح رأسه ثم حلق شعره، فطهارته باقية لا تنتقض بذلك، فكذلك من مسح على الخفين ثم خلعهما.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" إذا خلع الخف أو الجورب بعد مسحه لم تنتقض طهارته بذلك، فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح " انتهى. من"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/193) .
انظر: "المغني" (1/366-386) ، "المحلى" (1/105) ، "الاختيارات" (ص 15) ، "الشرح الممتع" (1/180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/125)
من مسح على الجوربين من غير طهارة وصلى
[السُّؤَالُ]
ـ[بقيت فترة من الزمن أمسح على الجوربين على غير طهارة جاهلاً بالحكم فما حكم صلاتي في تلك الفترة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن تقضي الصلوات الماضية التي صليتها وأنت تمسح على الجوربين على غير طهارة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/246(5/126)
حكم المسح على الجوارب المخرقة والشفافة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسح على الجوارب إذا كان بها ثقوب أو شفافة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز المسح عليها في وضوء بدلاً من غسل الرجلين إذا كان لبسهما على طهارة ما لم تتسع الثقوب عرفاً أو تزيد الشفافية حتى تكون الرجلان في حكم العاريتين يرى ما وراءها من حمرة أو سواد مثلاً.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/246(5/127)
للمسح على الجوربين لا بد من لبسهما جميعا بعد الطهارة الكاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا غسل الرجل رجله اليمنى ثم لبس بعد ذلك الجورب قبل أن يغسل رجله اليسرى هل يجوز له المسح على الجوربين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لك المسح عليهما لأنك أدخلت الأولى قبل تمام الطهارة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/247(5/128)
هل يجوز شرب العصير في زجاجة خمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم شرب العصير في زجاجة خمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الأولى بالمسلم أن يتجنب استعمال الأواني التي تستعمل في طبخ الخنزير وشرب الخمر، فإن لم يجد غيرها فيجوز له استعمالها بشرط أن يغسلها بالماء قبل ذلك.
فعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) رواه أبو داود (3839) وأصله في الصحيحين.
وينظر جواب السؤال: (65617) .
ولا نظن الأمر يضيق على مسلم في هذا العصر حتى لا يجد ما يشرب به العصير إلا زجاجة الخمر.
ثم إن شرب العصير في زجاجة خمر قد يفتح الباب للطعن في هذا الشارب، فقد يظن من يراه أنه يشرب الخمر. والذي ينبغي للمؤمن أن يغلق عن نفسه باب القيل والقال.
وأما إذا كان قصد الشارب من الشرب في زجاجة الخمر مشابهة شاربي الخمور في طريقة شربهم، فيحرم الشرب في تلك الزجاجة حينئذ؛ لأن مشابهة أهل الفسق والفجور أمر محرم، وينظر جواب السؤال (119530) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/129)
لبس قفازات من جلد الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة حيث يستخدم العمال دائما قفازات من جلد الخنزير. على حد علمي أي شيء يؤخذ من الخنزير فهو حرام، وإذا لمسته يجب أن أغسل يدي 7 مرات بالإضافة لمرة بالتراب. في هذه الحالة ما الذي يجب أن أفعله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ.
ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن.
قال الشيخ ابن جبرين:
لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس. . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) .
وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء.
وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير – مع وجود البلل – لزم غسل اليد، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب.
وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب) الشرح الممتع 1/356
وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، لما في ذلك من مباشرة النجاسة، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه.
وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/130)
الآنية المطلية بالفضّة وحكم إهداء الهدايا
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتني مؤخرا هدايا لزفافي لكن بعضها لا يتناسب مع السنة مثل صور لذوات الأرواح وبعضها تماثيل وأوعية مطلية بالفضة..الخ فهل يجوز لي إهداء هذه الأشياء لغير المسلمين؟ أم يجب عليّ التخلص منها فقط؟ أيضا هل من المباح أن نهدي الهدية التي أهدانا إياها الآخرون؟ على سبيل المثال لقد أهداني بعض الأصدقاء الكثير من أوعية السلطة وأنا لا أحتاجها جميعها فهل يمكنني تقديم بعض منها كهدية للآخرين؟ جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم طمس الصور ومحق التماثيل لحديث أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالا إِلا طَمَسْتَهُ وَلا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ " رواه مسلم 1609، ولذا يتعين إتلاف صور ذوات الأرواح والتخلص منها، وأما الأواني المطلية بالفضة فلا يجوز استخدامها لقوله صلى الله عليه وسلم: " الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ. " رواه مسلم 3846، والمطلي والمموه بالذهب والفضة حكمه حكم المصنوع من الذّهب والفضّة، أمّا بالنسبة لإهدائك للهدايا التي أهديت إليك فلا حرج في ذلك لأن الإنسان يملك الهدية بقبولها، فيجوز له التصرف فيها بالبيع والهبة والوقف ونحو ذلك، والله أعلم..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/131)
تحريم آنية الذهب والفضة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذه الأيام استعمال آنية الذهب والفضة وخاصة بين الموسرين من الناس بل وصل الأمر عند بعضهم إلى أن يشتري أطقما من المواد الصحية كخلاطات الحمامات أو المسابح أو مواسير المياه أو مساكاتها كلها من الذهب الخالص ولا يزكون هذا الذهب ولا ينظرون إلى قيمته، والمعلوم أن هذا ممنوع ما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل يمكن التوجيه بمنع بيع مثل هذه الأجهزة للمسلمين الذين يجهلون حكمها بارك الله فيكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأواني من الذهب والفضة محرمة بالنص والإجماع وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق على صحته من حديث حذيفة رضي الله عنه، وثبت أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) متفق على صحته من حديث أم سلمة رضي الله عنها وهذا لفظ مسلم.
فالذهب والفضة لا يجوز اتخاذهما أواني، ولا الأكل ولا الشرب فيها، وهكذا الوضوء والغسل، هذا كله محرم بنص الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. والواجب منع بيعها حتى لا يستعملها المسلم، وقد حرم الله عليه استعمالها فلا تستعمل في الشراب ولا في الأكل ولا في غيرهما، ولا يجوز أن يتخذ منها ملاعق ولا أكواب للقهوة أو الشاي كل هذا ممنوع؛ لأنها نوع من الأواني.
فالواجب على المسلم الحذر مما حرم الله عليه وأن يبتعد عن الإسراف والتبذير والتلاعب بالأموال، وإذا كان عنده سعة من الأموال فعنده الفقراء يتصدق عليهم، عنده المجاهدون في سبيل الله يعطيهم في سبيل الله يتصدق لا يلعب بالمال، المال له حاجة وله من هو محتاج، فالواجب على المؤمن أن يصرف المال في جهته الخيرية كمواساة الفقراء والمحاويج وفي تعمير المساجد والمدارس وفي إصلاح الطرقات وفي إصلاح القناطر وفي مساعدة المجاهدين والمهاجرين الفقراء وفي غير ذلك من وجوه الخير كقضاء دين المدينين العاجزين، وتزويج من لا يستطيع الزواج كل هذه طرق خيرية يشرع الإنفاق فيها.
أما التلاعب بها في أواني الذهب والفضة أو ملاعق أو أكواب منها أو مواسير وأشباه ذلك كل هذا منكر يجب تركه والحذر منه، ويجب على من له شأن في البلاد التي فيها هذا العمل من العلماء والأمراء إنكار ذلك وأن يحولوا بين المسرفين وبين هذا التلاعب والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/378(5/132)
اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله
[السُّؤَالُ]
ـ[الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات، لكن إذا أبقى المسلم كلباً لمجرد حراسة البيت، وأبقاه خارجه، ووضعه في مكان في آخر المجمع، فكيف يمكنه أن يطهر نفسه؟ وما هو الحكم إذا لم يجد تراباً أو طيناً لينظف به نفسه؟ وهل يوجد هناك أية بدائل لتنظيف المسلم نفسه؟ في بعض الأحيان يقوم المذكور باصطحاب الكلب معه للجري، وهو يربت عليه، ويقبله ... إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الشرع المطهر على المسلم اقتناء الكلاب، وعاقب من خالف ذلك بنقصان حسناته بمقدار قيراط أو قيراطين كل يوم، وقد استثني من ذلك اقتناؤه للصيد ولحراسة الماشية ولحراسة الزرع.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم (1575) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) رواه البخاري (5163) ومسلم (1574) .
وهل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟
قال النووي:
" اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى.
" شرح مسلم " (10 / 236) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4 / 246) .
وفي التوفيق بين رواية " القيراط " و " القيراطين " أقوال.
قال الحافظ العيني رحمه الله:
أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً.
ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي.
جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين.
" عمدة القاري " (12 / 158) .
ثانياً:
وأما قول السائل " الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات " فهو غير صحيح على إطلاقه إذ النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه لا بتراب ولا بماء، فإن شرب الكلب من إناء فإنه يجب عليه إراقة الماء وغسله سبع مرات بالماء وثامنة بالتراب إن كان يريد استعماله، فإن جعله خاصّاً للكلب لم يلزمه تطهيره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه , أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم (279) .
وفي رواية لمسلم (280) : (إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه طاهرٌ حتى ريقه، وهذا هو مذهب مالك.
والثاني: نجس حتى شعره، وهذا هو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
والثالث: شعره طاهر، وريقه نجسٌ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره لم ينجس بذلك " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 530) .
وقال في موضعٍ آخر:
" وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ , كما قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ) الأنعام/119، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ) التوبة/115 ... وإذا كان كذلك: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وفي الحديث الآخر: (إذَا وَلَغَ الكَلْبُ …) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس ...
وأيضاً: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 617 و 619) .
والأحوط: أنه إن مس الكلب وعلى يده رطوبة , أو على الكلب رطوبة أن يغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب , قال الشيخ ابن عثيمين:
" وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد , وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم , ويجب غسل اليد بعده سبع مرات , إحداهن بالتراب " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/246) .
ثالثاً:
وأما كيفية تطهير نجاسة الكلب، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41090) ، (46314)
وأن الواجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ومع وجود التراب فالواجب استعماله، ولا يجزئ غيره، أما إذا لم يجد تراباً، فلا حرج من استعمال غيره من المنظفات كالصابون.
رابعاً:
وما ذكره السائل من تقبيل الكلاب فهو مسبب لأمراض كثيرة، والأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة مخالفة الشرع بتقبيل الكلاب أو الشرب من آنيتها قبل تطهيرها كثيرة ,
ومنها " مرض الباستريلا " وهو مرضٌ بكتيري، يوجد السبب المرضي له طبيعياً في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان والحيوانات، وتحت ظروفٍ خاصَّةٍ يغزو هذا الجرثوم الجسم محُدِثاً المرض.
ومنها " الأكياس المائية " وهو من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأحشاء الداخلية للإنسان والحيوان، وتكون أعلى إصابة لها في الكبد والرئتين، يليها التجويف البطني، وبقية أعضاء الجسم.
ويسبب هذا المرض دودة شريطية تُسَّمى (ايكاينكوس كرانيلوسيس) وهي دودة صغيرة طول البالغة منها (2 – 9) ملم، تتكون مِن ثلاث قطعٍ، ورأس، ورقبة، ويكون الرأس مزوداً بأربع ممصات.
وتعيش الديدان البالغة في أمعاء المضائف النهائية، المتمثلة بالكلاب والقطط والثعالب والذئاب.
وينتقل هذا المرض إلى الإنسان المولع بتربية الكلاب، حين يقبله، أو يشرب مِن إنائه.
انظر كتاب: " أمراض الحيوانات الأليفة التي تصيب الإنسان " للدكتور علي إسماعيل عبيد السنافي.
والخلاصة:
لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لصيد أو حراسة ماشية وزرع، ويجوز اتخاذه لحراسة الدور بشرط أن تكون خارج المدينة وبشرط عدم توفر وسيلة أخرى، ولا ينبغي للمسلم تقليد الكفار في الركض مع الكلاب، ولمس فمه وتقبيله مسبب لأمراض كثيرة.
والحمد لله على هذه الشريعة الكاملة المطهرة، والتي جاءت لإصلاح دين ودنيا الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/133)
هل يلزمه غسل الأطباق بعد استعمالها وغسلها من قبل غير المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في دولة غير إسلامية حيث يتوجب علي استخدام مطبخ يستخدمه أشخاص غير مسلمين. بعد الفراغ من الطعام يقوم زملاؤنا غير المسلمين بغسل الأطباق، فهل يجوز لنا استخدام هذه الأطباق في الأكل أم يتوجب علينا غسلها ثلاث مرات حتى تطهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الأواني الطهارة، سواء استعملها المسلم أو الكتابي أو غيرهما، حتى يُتقين نجاستها. ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز استعمال آنية الكفار، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:
1- أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب، أي ذبائحهم، ومن المعلوم أنهم يأتون بها إلينا أحيانا مطبوخة بأوانيهم، فدل على جواز استعمال أوانيهم.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه غلام يهودي على خُبْزِ شَعِيرٍ وإِهَالَةٍ سَنِخَة. رواه أحمد، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/71) .
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأصحابه من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ. رواه البخاري (337) ومسلم (682)
والمزادة: وعاء من الجلد يوضع فيه الماء.
فهذه الأدلة تدل على جواز استعمال آنية الكفار.
لكن إذا علمنا أنهم يطبخون في أوانيهم لحم الخنزير أو الميتة، أو يشربون فيها الخمر، فالأولى التنزه عنها وعدم استعمالها إلا إذا احتجنا إليها ولم نجد غيرها، فنغسلها ونأكل فيها.
وإذا قاموا هم بغسلها فلا يلزمنا إعادة الغسل. ولا يشترط في الغسل أن يكون ثلاث مرات، بل تغسل حتى يزول ما فيها من أثر طعامهم وشرابهم.
والدليل على هذا ما رواه البخاري (5478) ومسلم (3567) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ . . . قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا.
وهذا محمول على من يستعمل الآنية منهم في المحرمات، لرواية أبي داود (3839) (إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الخطابي:
" الرَّحْض: الْغَسْل.
وَالأَصْل فِي هَذَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورهمْ الْخِنْزِير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتهمْ الْخَمْر فَإِنَّهُ لا يَجُوز اِسْتِعْمَالهَا إِلا بَعْد الْغَسْل وَالتَّنْظِيف " انتهى من عون المعبود.
وقوله: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) أي كلوا في ذلك الغير واشربوا. وهذا الأمر للاستحباب عند جمهور الفقهاء، أي: يستحب التنزه عن هذه الأواني. ويكره استعمالها حتى مع غسلها، إلا عند عدم وجود غيرها فتزول الكراهة.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (13/80) :
" وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار، وكونها معتادة للنجاسة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/69) :
" وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها) فهذا يدل على أن الأولى التنزه. لكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عرفوا بمباشرة النجاسات من أكل الخنزير ونحوه، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، فإننا نغسلها ونأكل فيها، وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشرع " انتهى.
وخلاصة الجواب:
إذا كان هؤلاء لا يستعملون تلك الأواني في شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة فاستعمالكم لها جائز.
فإن كانوا يستعملونها في الأطعمة أو الأشربة المحرمة أو النجسة فالأفضل لكم عدم استعمالها إذا وجدتم غيرها، فإن لم تجدوا غيرها فلكم استعمالها بعد غسلها، سواء قمتم أنتم أو هم بغسلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/134)
حكم أكل ذبائح الكفار واستعمال أوانيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أسمع - قبل مجيئي للصين - أن الحيوانات التي ذبحها الملحدون، أو بالأحرى قتلوها لا يجوز للمسلم أكلها، وعندنا في الجامعة مطعم صغير للمسلمين، وتوجد فيه لحوم، غير أنني لست على يقين أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية ومتشكك في ذلك، مع العلم أن زميلاتي غير متشككين مثلي ويأكلون منها، أهم على حق أم يأكلون حراما؟
وكذلك بالنسبة لأواني الطعام ليس هناك تمييز بين أواني المسلمين وغيرهم، ماذا ينبغي علي أن أفعل حيال هذه الأمور؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أكل ذبائح الكفار غير أهل الكتاب من اليهود والنصارى، سواء كانوا مجوسا أو وثنيين أو شيوعيين، أو غيرهم من أنواع الكفار، ولا ما خالط ذبائحهم من المرق وغيره؛ لأن الله سبحانه لم يبح لنا من أطعمة الكفار إلا طعام أهل الكتاب في قوله عز وجل: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) الآية.
وطعامهم: هو ذبائحهم، كما قال ابن عباس وغيره.
أما الفواكه ونحوها فلا حرج فيها؛ لأنها غير داخلة في الطعام المحرم، أما طعام المسلمين فهو حل للمسلمين وغيرهم، إذا كانوا مسلمين حقا لا يعبدون إلا الله، ولا يدعون معه غيره من الأنبياء، والأولياء، وأصحاب القبور وغيرهم مما يعبده الكفرة.
أما الأواني: فالواجب على المسلمين أن يكون لهم أوان غير أواني الكفرة التي يستعمل فيها طعامهم وخمرهم ونحو ذلك، فإن لم يجدوا وجب على طباخ المسلمين أن يغسل الأواني التي يستعملها الكفار ثم يضع فيها طعام المسلمين؛ لما ثبت في الصحيحين، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل في أواني المشركين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها)
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/435(5/135)
هل يجوز استخدام مكحلة من ذهب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ما يقال بأن استخدام ميل (ما يوضع به الكحل في العين) من ذهب لتكحيل العين يقوي النظر، وهل يجوز استخدام ميل من الذهب؟ أم أن ذلك يدخل في التحريم؟ .
علما أننا قرأنا ذلك في كتاب ابن القيم الجوزية " الطب النبوي ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صحَّ النص عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق الفقهاء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب بهما.
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ". رواه البخاري (5110) ومسلم (2067) .
عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ". رواه البخاري (5311) ومسلم (2065) - واللفظ له -.
وهذا إنما هو في آنية الذهب والفضة.
وأما استعمال ميل من ذهب، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد (4/310) ، وابن مفلح في الآداب الشرعية (3/23) أنه نافع للعين. فظاهر كلامهما إباحته، وهو ما نص عليه شيخ الإسلام – رحمه الله – في الاختيارات ص (8) قال:
ويباح الاكتحال بميل الذهب والفضة لأنها حاجة، ويباحان لها.اهـ.
وأما نفع ميل الذهب للعين فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد: أنه يجلو العين ويقويها، وينفع من كثير من أمراضها. اهـ.
وذكره ابن مفلح بنصه في الآداب الشرعية: والمرجع في ذلك إلى أهل الاختصاص "
والله تعالى أعلم بالصواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/136)
لا حرج من إزالة النجاسة بالمناديل بعد قضاء الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أمريكا، ولا توجد أية طريقة لأن أستخدم الماء بعد انتهائي من قضاء الحاجة في حمام المكتب الذي أعمل فيه. ولذلك فإني لا أكون طاهرا وأنا في المكتب خلال وقت النهار بكاملة. لكني إذا احتجت لان أصلي خلال أوقات العمل، فكيف أفعل؟ وعندما أرجع لبيتي، فبإمكاني أن أغتسل، لكن ماذا أفعل وأنا في المكتب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قضيت حاجتك فعليك أن تمسح بالمناديل ما ينظف المخرجين وهذا كافٍ في حصول الطهارة المطلوبة، ولا يجب استعمال الماء، ـ وإن كان هذا هو الأفضل ـ وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (59928) و (111813) .
وعلى هذا، فإذا أزلت أثر النجاسة بالمناديل، فإن بإمكانك الخروج من الحمام وتتوضأ وتصلي.
ولا تؤخر الصلاة عن وقتها، ولا تحتاج أن تغتسل إذا رجعت إلى البيت.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/137)
لا ينبغي التشدد في الاستنجاء بعد قضاء الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشعر بحرج شديد أثناء التطهر من الحدث الأكبر حيث إنني أتطهر بالقليل من الماء ومن ثم أستجمر أحيانا 21 مرة وأحيانا أكثر ومع ذلك أرى أثرا مما يجعلني أتطهر مرة أخرى بالماء ولذلك أصبحت أمضي وقتا طويلا في دورة المياه للتطهر مما ألحق بي أضرارا صحية فما رأيكم؟ وهل يوجد عدد معين للاستجمار تحصل به الطهارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحدث الأكبر يطلق على الجنابة والحيض والنفاس، وكيفية التطهر منه: تبدأ المرأة بالاستنجاء ثم تعم بدنها بالماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10790) .
أما خروج الريح والبول والغائط والمذي ... إلخ فهذا هو الحدث الأصغر، ولعلك تقصدين ذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "الحدث الأصغر: ما يُوجب الوضوء دون الغسل كخروج البول والغائط والريح من الدبر، وأكل لحم الجزور والنوم.
أما الحدث الأكبر: فهو ما يُوجب الغسل كالجماع، وإنزال عن شهوة في حال الاحتلام أو غيره، والحيض، والنفاس" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" - المجموعة الثانية - (4/112) .
ثانياً:
الاستجمار هو إزالة ما على السبيلين [الفرجين] من نجاسة بحجر أو منديل وما يشبه ذلك.
والواجب في الاستجمار ألا تقل عدد المسحات عن ثلاثة، وأن يحصل الإنقاء، وهو إزالة النجاسة، وجفاف المكان، وعلامة حصول الطهارة: أن تخرج آخر مسحة جافة ليس عليها أثر من النجاسة، فإذا حصل هذا فقد حصل المقصود وطهر المحل.
روى مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه أنه قال: (نَهَانَا نَبِيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) .
قال ابن قدامة في "المغني" (1/102) :
" يُشْتَرَطُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا: الْإِنْقَاءُ , وَإِكْمَالُ الثَّلَاثَةِ , أَيُّهُمَا وُجِدَ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكْفِ , وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَة" انتهى.
وقد سُئِل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا استنزه الرجال بالأحجار دبراً كان أو قبلاً بماذا يستنزه النساء قبلا عند عدم الماء؟
فأجابوا: "الاستجمار بالأحجار وما يقوم مقامها من غير العظام والأرواث قائم مقام الاستنجاء بالماء في تطهير القبل والدبر، والرجال والنساء في ذلك سواء، والواجب: ثلاثة أحجار منقيات لكل واحد من الدبر والقبل، فإن لم تكف وجبت الزيادة حتى يحصل النقاء، والأفضل: القطع على وتر، فإذا أنقى بأربعة شُرِعَ أن يستجمر بخامس، وإذا أنقى بستة شُرِعَ أن يستجمر بسابع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن استجمر فليوتر) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" - المجموعة الثانية - (4 / 36) .
أما إن كنت تقصدين بالاستجمار غسل أثر النجاسة بالماء، فهذا لا يشترط له عدد، والواجب هو غسل النجاسة حتى يغلب على الظن أنها قد زالت، ويكفي هنا العمل بغلبة الظن، ولا يشترط تيقن أنها زالت.
واعلمي أن هذا التشدد هو من وساوس الشيطان، التي يريد بها أن تكون العبادة شاقة على المسلم فيتركها، أو ينغص عليه حياته، ويوقعه في الضيق والحزن.
فعليك الاقتصار على ما ورد به الشرع من غير زيادة ولا نقصان، فإذا وسوس إليك الشيطان أنك لم تطهري فلا تلتفتي إلى هذه الوسوسة حتى يذهبها الله تعالى عنك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يجب على المؤمن أن يكون عدواً للشيطان، محارباً له، مكافحاً له، لا يخضع له، فإذا أملى عليك أنك ما توضأت وما صليت وأنت تعرف أنك توضأت وصليت فترى يدك فيها الماء وتعلم أنك صليت فلا تطاوع عدو الله، واجزم بأنك صليت، واجزم بأنك توضأت، ولا تُعِدْ شيئاً من ذلك، وتعوذ بالله من عدو الله الشيطان.
هكذا يجب على المؤمن يكون قوياً في حرب عدو الله، وفي مكافحته حتى لا يغلب عليه وحتى لا يؤذيه، فإنه متى غلب على الإنسان جعله كالمجنون يتلاعب به، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة: الحذر من عدو الله، والاستعاذة بالله من شره ومكايده، وبالقوة في ذلك، والصبر في ذلك حتى لا تُطاوعه في إعادة صلاة، ولا في إعادة وضوء، ولا في إعادة تكبير، ولا في غير ذلك.
وهكذا إذا قال لك: ثوبك نجس، أو البقعة نجسة، أو الحمام فيه نجاسة، أو الأرض التي وطأتها فيها نجاسة، أو مصلاك فيه كذا فلا تطعه في ذلك، كذب عدو الله، واستعذ بالله من شره، وصَلِّ في المكان الذي تصلي فيه، والسجادة التي تصلي عليها كذلك، والأرض التي تطأ عليها وتعرف أنها طاهرة إلا إذا رأيت بعينك نجاسة وطأتها رطبة فاغسل رجلك، والحمد لله.
أما وساوسه فلا تطاوع عدو الله فيها، واعرف أن الأصل: هو الطهارة، هذا هو الأصل، فلا تطاوع عدو الله في شيء إلا في يقين رأيته بعينك، وشاهدته بعينك، حتى لا يغلب عليك عدو الله، نسأل الله للجميع العافية" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (1 / 77، 78) .
ونسأل الله أن يلهمك رشدك ويوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/138)
دخول الخلاء بدبلة مكتوب عليها اسم "عبد الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[الدبلة التي مكتوب عليها اسم عبد الله هل يجوز الدخول بها إلى الحمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب تنزيه ما فيه ذكر الله عن الدخول به إلى الحمام - مكان قضاء الحاجة - , فإن احتاج إلى الدخول به ستره ودخل به.
قال ابن قدامة رحمه الله "المغنى" (1/109) : " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه، فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء، وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟
فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة , بل هي مخفية ومستورة " انتهى.
"فتاوى من الطهارة" (ص/109) .
وعلى هذا؛ فإنه يجوز لك الدخول بها لكن الكتابة على الدبلة تكون من الداخل، فهي مستورة وليست ظاهرة.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن الدبلة إن كانت من أجل الخطوبة فلا ينبغي للمسلم لبسها، لما فيها من التشبه بالنصارى، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21441) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/139)
هل يجزئ استعمال المناديل في الاستجمار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفي استعمال المناديل في الاستجمار، أم لابد من استعمال الماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب بعد قضاء الحاجة هو إزالة ما على الموضع من نجاسة، سواء أزيلت بالماء أم بغيره، كالأحجار أو الأوراق أو المناديل، وإن كان استعمال الماء أفضل.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أو لا؟
فأجابوا:
" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظفت المحل من قبل أو دبر، والأفضل أن يكون استعمال ما يستجمر به وترا، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات، ولا يجب استعمال الماء بعده، لكنه سنة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/125) .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل؟
فأجاب:
"نعم؛ يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل، ولا بأس به، لأن المقصود من الاستجمار هو إزالة النجاسة سواء ذلك بالمناديل، أو الخِرَق، أو بالتراب، أو بالأحجار، إلا إنه لا يجوز أن يستجمر الإنسان بما نهى الشرع عنه، مثل العظام والروث، لأن العظام طعام الجن إذا كانت مذكاة، وإن كانت غير مذكاة فإنها نجسة، والنجس لا يطهر، وأما الروث فإن كانت نجسة فهي نجسة لا تطهر، وإن كانت طاهرة، فهي طعام بهائم الجن، لأن الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، أعطاهم ضيافة لا تنقطع إلى يوم القيامة. قال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً) وهذا من أمور الغيب التي لا تشاهد، ولكن يجب علينا أن نؤمن بذلك، كذلك هذه الأرواث تكون علفاً لبهائمهم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/112) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/140)
ماهي الأعضاء التي يجب غسلها عند الاستنجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تبين لي بالتحديد ما هي الأعضاء التي على المسلم أن يغسلها عند استنجائه؟ هل يكفي مجرد غسل الفتحة، أم أن الواجب غسل الذكر بأكمله والمكان الذي ينبت فيه شعر العانة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الاستنجاء وهو إزالة ما خرج من السبيلين بالماء أو بحجر أو بأي شيء يحصل به إزالة النجاسة من الطاهرات: كالحصى والمناديل الخشنة الطاهرة، والأوراق الطاهرة التي ليس فيها شيء من ذكر الله أو أسمائه، ما عدا العظام والأرواث. وهذا في حالة إذا خرج منهما الأذى من الغائط والبول.
أما إذا لم يخرج منهما شيء وإنما أحدث ريحاً فلا يجب الاستنجاء.
أما ما يغسل، فإن خرج منه بول فإنه يكفيه غسل طرف الذكر (أي رأس الذكر) عن البول. ولا يشرع له غسل الدبر إذا لم يخرج منه شيء.
والدبر عليه أن يزيل الأذى منه بغسل حلقة الدبر ما تعلق به الأذى مما حولها.
للاستزادة يراجع كتاب فتاوى الشيخ ابن باز م /10 ص/36، وكتاب الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/88.
وهذا ما يتعلق بالبول والغائط. أما المني والمذي فيراجع جواب سؤال رقم 2458.
ومما لا شك فيه أن البول أو الغائط إذا تعدى موضع خروجه فإنه يغسل مكانه أيضاً وتزال النجاسة والأذى منه.
وهذه جملة من آداب قضاء الحاجة التي يستحب للمسلم أن يفعلها عند قضائه لحاجته:
1- يسن التسمية عند دخول الخلاء لما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (الجمعة/551) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 496. وثبت أيضاً من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه البخاري (الوضوء/139)
2- يقدِّم رجله اليسرى حال الدخول، وعند الخروج يقدِّم رجله اليمنى.
3- إذا كان في مكان غير معد لقضاء الحاجة يستحب له أن يُبعد.
4- لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها عند قضاء حاجته لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) رواه البخاري (الوضوء/141) .
5- وعليه التحرز عند البول من تطاير رشاش البول عليه حتى لا يُصيب ثوبه أو بدنه. لما ثبت من حديث ابن عباس قال: (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) رواه البخاري (الوضوء/209)
6- لا يمس ذكره بيمينه وهو يبول. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ) رواه البخاري (الوضوء/149)
7- لا يجوز قضاء الحاجة في طريق الناس أو في الظل لأَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) رواه مسلم (الطهارة/397)
8- يكره له أن يتكلم حال قضاء الحاجة.
9- يستحب له إذا خرج من الخلاء أن يقول: (غفرانك) لما روته عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ) رواه الترمذي (الطهارة/7) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 7.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/141)
الاستنجاء والاستجمار
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أكون في المدرسة طوال اليوم وأدخل دورة المياه _ ولا أستطيع أن أذهب للمنزل للاستنجاء فهل أتوضأ وأصلي أم أترك الصلاة وأعوضها بعد ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قضى الإنسان حاجته فإنه يجب عليه أن يتطهر من النجاسة إما بالماء وهو أفضل وأكمل، وإما بغير الماء مما يزيل النجاسة كورق التواليت أو القماش أو الأحجار أو غير ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
الإنسان إذا قضى حاجته لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتطهر بالماء، وهو جائز والدليل:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فأنطلق أنا وغلام نحوي بإداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء " رواه البخاري (149) ومسلم (271)
وأما التعليل: فلأن الأصل في إزالة النجاسات إنما يكون بالماء، فكما أنك تزيل النجاسة به عن رجلك، فكذلك تزيلها بالماء إذا كانت من الخارج منك.
الثانية: أن يتطهر بالأحجار، فالاستجمار بالأحجار مجزىء، دلَّ على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله: أما قوله: فحديث سلمان رضي الله عنه قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار" رواه مسلم (262) .
وأما فعله فكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الغائط وأمره أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة وقال: هذا ركس " - رواه البخاري (155) .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه جمع للنبي صلى الله عليه وسلم أحجاراً وأتى بها بثوبه فوضعها عنده ثم انصرف – رواه البخاري (154) - فدل على جواز الاستجمار ...
الثالثة: أن يتطهر بالحجر ثم بالماء.
وهذا لا أعلمه وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من حيث المعنى لا شك أنه أكمل تطهيراً.
" الشرح الممتع " (1 / 103 - 105) .
وعلى هذا فلا عذر لك في ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها لعدم المقدرة على الاستنجاء لأنه بإمكانك إزالة النجاسة والتطهر منها بالمناديل ونحوها، وكل إنسان يستطيع أن يصحب معه في جيبه بعض المناديل التي يتنظف بها، ثم لم يظهر من السؤال ما المانع من الاستنجاء بالماء بعد قضاء الحاجة، لاسيما وأنت تقول: فهل أتوضأ وأصلي أم أترك الصلاة؟ ومعنى ذلك أن الماء موجود، فبإمكانك نقل الماء إلى دورة المياه والاستنجاء به، فإن لم تفعل فإنه يجب عليك إزالة النجاسة بالمناديل ونحوها ثم تتوضأ وتصلي، ولا يجوز لك تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/142)
ما هو الاستِجْمارُ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الاستِجْمارُ؟ وهل يصِحُّ الاستِجْمارُ بالمناديل في الطَّائرة مع وجود الماء؟ وما هو الأكْمَلُ في الطَّهارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستِجْمار: هو تطهيُر القُبُلِ أو الدُّبُرِ مِن البوْل أو الغائط بأحجار أو ما يقوم مقامها، ومما يقوم مقامها المناديل ولكن يُشترط أن لا يقلَّ عن ثلاث مسحات، وألاّ يكون مما نُهِيَ عن الاستجمار به كالرَّوث والعظام وما له حُرمة كالطعام ونحوه.
ويجوز الاستجمار مع وجود الماء وعدمه، قال أهل العلم: والأفضل أن يُجمَع بينهما لأنه أكْمَلُ في الإنْقاء.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 10.(5/143)
حكم الاستجمار بالقواقع البحرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصدف أو القواقع البحرية تعتبر من العظم الذي لا يجوز الإستجمار به.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله:
لا، بل يجوز الإستجمار بها لأن الحديث يقول " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ".
وهذه (أي الصدف والقواقع البحرية) لا تذبح (فليست مثل الذبائح المباحة التي يذكر اسم الله عليها ويحرم الإستجمار بعظامها لأنه طعام الجن المسلمين كما ذكر في الحديث السابق) . انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/144)
دخول الحمام بالجوال وفي شاشته لفظ الجلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لدى المسلم هاتف يظهر على شاشته عبارة: "الله أكبر" بالعربية، فهل يجوز له دخول الحمام والهاتف معه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل إلا لحاجة، كالدراهم التي عليها اسم الله تعالى.
وصرح جماعة منهم بأنه إذا أخفى ما معه فلا حرج حينئذ.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى، واحترز عليه من السقوط، أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه، ويدخل الخلاء. وقال عكرمة: اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه، وبه قال إسحاق، ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين، وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو أن لا يكون به بأس " انتهى من المغني (1/109) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟
فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة، بل هي مخفية ومستورة " انتهى من "فتاوى الطهارة" ص (109) .
وعلى هذا؛ فلا حرج من دخول الخلاء بالهاتف المحمول وعلى شاشته عبارة "الله أكبر" على أن يضعه في جيبه , بحيث لا يكون ظاهراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/145)
لا يلزم الاستنجاء لمن به سلس بول قبل خروج الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مصاب بسلس البول، توضأ بعد دخول الوقت ثم أراد تجديد وضوئه ولم يدخل الوقت التالي، فهل عليه الاستنجاء مرة أخرى عند تجديد الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صاحب الحدث الدائم – كمن به سلس بول - إذا جدد الوضوء قبل خروج الوقت، لم يلزمه الاستنجاء عند التجديد، لأنه متوضئ حكما.
وإذا خرج الوقت لزمه أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ، ثم يصلي ما شاء من فروض ونوافل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". رواه البخاري (226) ومسلم (333)
ولو قُدر أنه توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول.
فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء.
قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم ... (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى.
ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب السلس انظر السؤال رقم 22843، ورقم 39494
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/146)
هل يلزم الاستنجاء عند كل وضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم الإنسان أن يستنجي كل مرة يريد أن يتوضأ فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزمه الاستنجاء كلما أراد أن يتوضأ إنما يلزمه الاستنجاء بغسل قبله إذا خرج منه بول ونحوه ويغسل دبره إذا خرج منه غائط ثم يتوضأ للصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/102(5/147)
الاستنجاء من الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لنا مدرس المادة الدينية إن الوضوء من الريح مكروه أي أن الإنسان إذا ظهرت منه ريح من دبره بعد وضوئه مكروه له أن يتوضأ هل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره الاستنجاء من الريح لما في ذلك من الغلوّ لكن متى خرج الريح بعد الوضوء بطل الوضوء بإجماع المسلمين ولا يسمى غسل الدبر والقبل وضوءاً وإنما يسمى استنجاء إن كان بالماء أما إن كان بالحجار ونحوها فإنه يسمى استجماراً.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/101(5/148)
حكم المسح على القبعة أو الكوفية في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن المسح بماء الوضوء علي ما ألبسه فوق رأسي؟ مثل القبعة أو الكوفية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاُ:
جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز المسح على العمامة في الوضوء، وهذه الأحاديث جاءت على وجهين:
الأول:
المسح على الناصية [مقدم الرأس] والعمامة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفَّيْنِ) . رواه البخاري (182) ومسلم (274) واللفظ له.
الثاني:
الاقتصار على مسح العمامة وحدها، فعن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ) رواه البخاري (205) .
وقد عمل بهذه الأحاديث الإمام أحمد رحمه الله. وانظر: "كشاف القناع" (1/120) .
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجزئ الاقتصار على مسح العمامة في الوضوء، وأن من فعل ذلك لم يصح وضوؤه، وقد سبق بيان هذا، وترجيح مذهب الإمام أحمد في جواب السؤال رقم: (129557) .
ثانياً:
أما مذاهب الأئمة في المسح على العمامة والطاقية ونحو ذلك:
فعند الشافعية: يجب مسح بعض الرأس، ثم يستحب أن يكمل على العمامة.
قال النووي في "المجموع" (1/440) :
"قال أصحابنا: إذا كان عليه عمامة ولم يُرِدْ نزعها لعذر ولغير عذر مسح الناصية كلها , ويستحب أن يتم المسح على العمامة، سواء لبسها على طهارة أو حدث , ولو كان على رأسه قلنسوة ولم يرد نزعها فهي كالعمامة فيمسح بناصيته , ويستحب أن يتم المسح عليها.
وهكذا حكم ما على رأس المرأة , وأما إذا اقتصر على مسح العمامة ولم يمسح شيئا من رأسه فلا يجزيه بلا خلاف عندنا" انتهى.
فأجاز الشافعية المسح على العمامة والقلنسوة [تشبه الطاقية] ، بشرط أن يمسح جزءاً من الرأس، وهذا مبني على أن الواجب عندهم في الوضوء هو مسح بعض الرأس، ولا يجب مسح الرأس كله، ولهذا ذكروا أن إكمال المسح على العمامة والقلنسوة مستحب، فلو لم يمسح عليهما صح وضوؤه.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (70530) أن الراجح هو وجوب مسح الرأس كله في الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك وأحمد رحمهما الله.
وعند المالكية: لا يجوز المسح على العمامة إلا للضرورة، وذلك إذا خاف بنزعها ضرراً.
وإذا كان بعض رأسه مكشوفاً وجب عليه مسحه، ثم يكمل على العمامة وجوباً، كما في "حاشية العدوي" (1/195) .
وجاء في " الشرح الكبير " (1/163) من كتب المالكية:
"ولو أمكنه مسح بعض الرأس أتى به وكمَّل على العمامة وجوبا على المعتمد" انتهى.
أما الأحناف فقد منعوا المسح على العمامة مع ورود الأحاديث بها.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/181) .
أما الحنابلة الذين أجازوا المسح على العمامة فقد علَّلوا جواز المسح عليها بمشقة نزعها، وبَنَوْا على هذا أن المسح على القلنسوة والطاقية لا يجوز، لأنه لا مشقة في نزعها.
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
"لا يجوز المسح على الوقاية [وهي الطرحة تجعلها المرأة فوق خمارها] ; لأنه لا يشق نزعها فهي كطاقية الرجل، ولا على القلانس جمع قلنسوة أو قلنسية، ووجه عدم المسح عليها: أنه لا يشق نزعها فلم يجز المسح عليها" انتهى.
"كشاف القناع" (1/113) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/384) :
"ولا يجوز المسح على القلنسوة، الطاقية، نص عليه الإمام أحمد" انتهى.
فتبين بهذا أن المسح على الطاقية ومثلها: القبعة: لا يصح، وكذلك لا يصح المسح على "الشماغ" و "الغترة" و "الكوفية" وهي بمعنى واحد، إلا على مذهب الإمام الشافعي، إذا مسح معها بعض الرأس، وهذا مبني ـ كما سبق ـ على أن استيعاب الرأس كله بالمسح ليس واجباً عنده، وإنما الواجب مسح بعضه.
وقد أفتى علماؤنا المعاصرون بعدم جواز المسح على الطاقية والقبعة والشماغ ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"يجوز المسح على عِمَامة الرَّجل، والعِمامةُ: ما يُعمَّمُ به الرَّأس، ويكوَّرُ عليه، وهي معروفةٌ.
والدَّليل على جواز المسح عليها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: (مسح بناصيته، وعلى العِمامة، وعلى خُفّيه) ، وقد يُعبَّر عنها بالخِمَار كما في صحيح مسلم: (مسح على الخُفَّين والخِمَار قال: يعني العِمَامة) . ففسَّر الخِمَار بالعِمَامة، ولولا هذا التفسير لقلنا بجواز المسح على " الغُترة " إِذا كانت مخمِّرة للرَّأس، كما يجوز في خُمُر النِّساء" انتهى.
"الشرح الممتع" (1/236) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
"الطاقية هي القلنسوة، تلبس فوق الرأس للوقاية من الشمس والحر، وهي مفصلة بقدر أعلى الرأس، ولا تستر الأذنين غالبا، فلا تقاس بالعمامة في المسح عليها لعدم مشقة رفعها" انتهى.
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book=60&page=3318
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"الطاقية ليست كالعمامة، الطاقية والقلنسوة والقبعة: كل أغطية الرأس لا تأخذ حكم العمامة، العمامة خاصة، هي التي وردت السنة بالمسح عليها، فيقتصر عليها، أما أغطية الرأس الأخرى؛ كالطاقية، والقلنسوة، والقبعة، والطربوش، وما يلبس على الرأس: هذه كلها لا يمسح عليها" انتهى.
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID=10098&PageID=11773
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/149)
صفة غسل اليدين في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن كيفية صفة غسل اليدين في الوضوء، أنا أعرف بفضل الله ثم بفضلكم أن غسيل اليد يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق، ولكن سؤالي هو: هل الغسيل من أطراف الأصابع ثم إلى المرفق يعتبر مرة واحدة ثم الغسيل من المرفق إلى أطراف الأصابع يعتبر مرة ثانية أم أن هذه العملية تعتبر مرة واحدة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الجواب:
من فروض الوضوء التي لا يصح إلا بها: غسل اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين، مرة واحدة.
ويستحب غسلهما ثلاثا.
والمقصود بالمرة الواحدة: أن يصل الماء إلى جميع اليد، بأي طريقة كانت، فإذا وصل الماء إلى جميع اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين يكون قد غسلها مرة واحدة.
فإذا أوصل الماء لليد ثانية من المرفق إلى أطراف الأصابع أو غير ذلك، فهي مرة ثانية، وانظر: "الفواكه الدواني" (1/144) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/150)
حكم الوضوء داخل الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أستخدم الصنبور في الوضوء، ويقول أبي إنه لو سقطت قطرات مياه على الأرض وبلت ملابسي فلم تعد كل من صلاتي ووضوئي صحيحا، فهل هو على صواب؟ ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا توضأ الإنسان في مكان طاهر، فلا يضره لو سقط الماء على الأرض ثم أصاب بدنه أو ثوبه.
وينبغي أن يُعلم أن الأصل هو الطهارة، فلا يحكم بنجاسة المكان إلا بيقين.
وبعض الناس يتحرج من الوضوء في (الحمام) المعد لقضاء الحاجة، ويظن أن الماء إذا نزل على الأرض ثم أصابه فقد تنجس، وهذا ليس صحيحا في أكثر الأحوال، فإن أرضية الحمام طاهرة باستثناء موضع قضاء الحاجة، ولا يحكم بنجاسة هذه الأرض إلا بيقين.
وعليه؛ فلا يضر سقوط الماء على الأرض ثم ارتداده على الثوب أو البدن.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الوضوء في الحمام؟ وهل إذا وضع ساتر بين مكان النجاسة وصنبور الماء يصح الوضوء؟
فأجابوا:
"إذا وضع حائل بين الماء الذي ينزل من الصنبور وبين محل النجاسة بحيث إن الماء إذا نزل على الأرض تكون هذه الأرض طاهرة فلا مانع من الوضوء والاستنجاء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/85) .
وسئلوا أيضا (5/85) : هل يجوز للرجل أن يبول في الحمام؟
فأجابوا:
"نعم، يجوز له ذلك مع التحفظ من رشاش البول، ويشرع له أن يصب عليه ماء ليذهب مباشرة إن أراد أن يتوضأ بذلك المكان " انتهى.
وقالوا أيضاً (5/238) :
" إذا تيسر له الوضوء خارج الحمام فالأكمل أن يتوضأ خارجه مع مراعاة التسمية أوله، وإلا توضأ داخل الحمام وتحفظ مما قد يكون فيه من نجاسة " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بعض الناس عندما يريدون الوضوء يتوضؤون داخل الحمامات المخصصة لقضاء الحاجة فيخرجون وقد ابتلت ملابسهم ولا شك أن الحمامات لا تخلو من النجاسات فهل تصح الصلاة في ملابسهم تلك؟ وهل يجوز لهم فعل ذلك؟
فأجاب: "قبل أن أجيب على هذا السؤال أقول: إن هذه الشريعة ولله الحمد كاملة في جميع الوجوه، وملائمة لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها، وحيث إنها جاءت باليسر والسهولة، بل جاءت بإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخيلات التي لا أصل لها، وبناء على هذا؛ فإن الإنسان بملابسه الأصل أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شكا إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته يعني الحدث، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً) . فالأصل بقاء ما كان على ما كان، فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكر السائل إذا تلوثت بماء فَمَنِ الذي يقول إن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بول أو غائط أو نحو ذلك؟ وإذا كنا لا نجزم بهذا الأمر فإن الأصل الطهارة، صحيح إنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيء نجس، ولكنا ما دمنا لم نتيقن، فإن الأصل بقاء الطهارة، ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ولهم أن يصلوا بها ولا حرج" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/369) .
وننبه إلى أنه لو فرض وجود النجاسة وتحقق الإنسان من وصولها إلى ثوبه، فإن هذا لا يبطل وضوءه، لكن لا تصح صلاته إذا علم بها حتى يزيلها، فالنجاسة لا تؤثر على الوضوء وإنما تؤثر على صحة الصلاة، فيلزمه ـ إن تيقن حصول النجاسة ـ أن يغسلها قبل الصلاة، ثم يصلي بذلك الوضوء، ولا يبطل وضوؤه بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/151)
حكم رفع الإصبع عند التشهد عقب الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن الشيخ عبد الله بن جبرين قال: إنه يجوز رفع الإصبع بعد الوضوء، وقول لا إله إلا الله، ورأيت كثيراً من الإخوة يفعلون ذلك. فأرجو معرفة القول الفصل للعلماء في هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت في السنة النبوية ـ فيما نعلم ـ، استحباب رفع السبابة للتشهد بعد الوضوء خاصة، ومعلوم أن الأصل في العبادة التوقيف، وأنه لا تجوز الزيادة على ما ورد في السنة.
وأيضاً: المشروع للمسلم أن يقول بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) رواه مسلم (234) ولا يقتصر على قوله "لا إله إلا الله" فقط.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم رفع الأصبع في التشهد بعد الوضوء، مع المداومة على ذلك؟
فأجاب:
"لا أعلم له أصلاً، وإنما المشروع لمن انتهى من الوضوء أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وكفاية" انتهى.
"نور على الدرب" (فتاوى الطهارة، فروض الوضوء وصفته) .
وأما ما ذكره السائل عن الشيخ ابن جبرين حفظه الله فلم نجد كلامه باستحباب هذا الفعل.
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة الإشارة بالسبابة، في التشهد من الصلاة، وعند دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة، أما ثبوت ذلك بعد الوضوء، فلم يثبت.
تنبيه:
وصف الله تعالى كلامه بأنه قول فصل، فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) الطارق/13، 14.
وعلى هذا؛ فلا ينبغي أن يقال لاجتهادات العلماء في فهم نصوص الكتاب والسنة: إنها قول فصل، أو يقال: ما القول الفصل في كذا؟ إلا إذا كان هذا القول قد دلت عليه أدلة قطعية من الكتاب والسنة، كتحريم الزنا، وتحريم شرب الخمر.. إلخ.
أما المسائل الاجتهادية فلا يقال فيها: القول الفصل كذا، وإنما يقال: الظاهر كذا، أو الراجح أو الصواب ... ونحو ذلك من العبارات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/152)
حد الوجه في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن حدود الوجه في الوضوء هي: من منبت الشعر إلي الذقن طولا ومن الأذن إلي الأذن عرضا. فهل هناك دليل علي ذلك أم هذا اجتهاد من العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه هي حدود الوجه التي اتفق العلماء عليها، وهي حدوده من جهة اللغة التي نزل القرآن بها، فيكون الوصف والحد بدليلين شرعيين:
- من جهة إطباق العلماء وإجماعهم، وإجماعهم حجة.
- ومن جهة اللغة التي نزل بها القرآن، ونحن مخاطبون بها، ولا مخالف لها من جهة الشرع.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6
قال أهل اللغة:
" والوَجْهُ مستقبَلُ كُلِّ شَيءٍ " انتهى.
"المحيط في اللغة" (1/314) – "كتاب العين" (4/66)
وقال القرطبي:
" الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض؛ فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الأذن إلى الأذن في العرض " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (6/83)
قال أيضا:
" والعرب لا تسمي وجها إلا ما وقعت به المواجهة " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (6/84)
وقال ابن كثير:
" وحَدُّ الوجه عند الفقهاء: ما بين منابت شعر الرأس - ولا اعتبار بالصَّلع ولا بالغَمَم - إلى منتهى اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (3/47)
قَالَ الشيرازي رحمه الله تعالى
" ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذَلِكَ فَرْضٌ لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)
وَالْوَجْهُ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الذَّقَنِ وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ طُولًا , وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا " انتهى.
قال النووي:
" هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمّ " انتهى من المجموع (1/405)
وقال النووي أيضا في "المجموع" (1/399) :
" وَالْوَجْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/3) :
" وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَدَّ الْوَجْهِ , وَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ , وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ , وَهَذَا تَحْدِيدٌ صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً ; لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ , أَوْ مَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ فِي الْعَادَةِ , وَالْمُوَاجَهَةُ تَقَعُ بِهَذَا الْمَحْدُودِ " انتهى.
وراجع: "دقائق أولي النهى" (1/56) – "كشاف القناع" (1/95) – "المغني" (1/83) – "تبيين الحقائق" (1/2) – "فتح القدير" (1/15) – "مطالب أولي النهى" (1/113) – "رد المحتار" (1/96) – "الموسوعة الفقهية" (4/126) – "تفسير ابن كثير" (3/48) – "الكليات" (1628) – "اللباب" (7/219) – "تفسير البغوي" (3/21) – "نظم الدرر" (2/403)
فقد اجتمعت أقوال المفسرين والفقهاء وأهل اللغة على أن الوجه هو ما تحصل به المواجهة، وأن هذا حده. وكفى بذلك حجة شرعية.
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/153)
حكم الوضوء بالماء الفاضل عن وضوء المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا. أما الإمامان أبو داود والنسائي في سننهما فقد رويا عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ , أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ , وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا. والحديث صححه الإمام الألباني طيب الله ثراهم جميعا. وَلِأَصْحَابِ " اَلسُّنَنِ ": اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ , فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا , فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , فَقَالَ: "إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ". ومن المعروف أن الأحاديث إذا صحت فلا تعارض بينها، ولكني أسأل فضيلتكم الشرح والإيضاح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجهين:
الوجه الأول:
أحاديث تدل على جواز أن يتوضأ أو يغتسل الرجل بفضل وَضوء المرأة، وهو ما يتبقى من الماء في الإناء الذي توضأت منه، وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد. قال ابن قدامة: "اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى. "المغني" (1/136) .
وقد ذكر السائل بعض هذه الأحاديث، ومنها أيضا:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي. دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ) رواه البخاري (250) ومسلم (321) واللفظ له.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"لا بأس أن يتوضأ ويغتسل بفضل الجنب والحائض ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل وعائشة من إناء واحد فقد اغتسل كل واحد منهما بفضل صاحبه" انتهى.
"الأم" (8/98) . وانظر من كتب الحنفية: "رد المحتار" (1/133) .
الوجه الثاني:
أحاديث تنهى عن ذلك، وقد أخذ بها ابن عمر فنهى عن فضل المرأة إذا كانت جنبا أو حائضاً، وأخذ بها مطلقاً الحسن البصري وسعيد بن المسيب، كما في " مصنف ابن أبي شيبة " (1/47-49) .
قال ابن حزم في "المحلى": "بهذا يقول عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو , وهما صاحبان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه تقول جويرية أم المؤمنين، وأم سلمة أم المؤمنين، وعمر بن الخطاب , وقد روي عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول" انتهى.
وأخذ بهذا القول الحنابلة في المعتمد من مذهبهم، كما في "كشاف القناع" (1/37) .
ومن هذه الأحاديث: الحديث الذي ذكره السائل، وأيضاً:
عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود (82) ، والترمذي (68) وقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث، فحسنه الترمذي، والألباني في "صحيح أبي داود".
وضعفه الإمام البخاري، وابن عبد البر في "الاستذكار" (1/209) فقال: مضطرب لا تقوم به حجة. وقال النووي في "الخلاصة" (1/200) : ضعيف. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/149) : ليس بصحيح.
وقد أجاب النووي عن هذه الأحاديث بقوله:
" وأما حديث الحكم بن عمرو: فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة:
أحدها: جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف , قال البيهقي , قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح , قال البخاري: وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ , وكذا قال الدارقطني: وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه , قال البيهقي في كتاب المعرفة: الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى.
الجواب الثاني: جواب الخطابي وأصحابنا: أن النهي عن فضل أعضائها، وهو ما سال عنها , ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل , أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن المراد ما سقط من أعضائها , ويؤيده أنا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل , فينبغي تأويله على ما ذكرته ... يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره، ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه.
الجواب الثالث: ذكره الخطابي وأصحابنا: أن النهي للتنزيه جمعاً بين الأحاديث" انتهى باختصار.
"المجموع" (2/221) .
وهذا الجواب الثالث الذي هو المعتمد، أن النهي في الأحاديث ليس للتحريم، فالأفضل للرجل أن لا يتوضأ بفضل طهور المرأة، ولكنه إن فعل فهو جائز.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه ...
فالصواب: أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" انتهى من الشرح الممتع" (1/46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/154)
التقصير الذي يعذب عليه في الوضوء هو التقصير في الواجبات
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلدة فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟ فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره) . فهل التهاون في الوضوء معناه عدم استكماله، أو نسيانه شيئا منه ولم يعد الوضوء، أو المسح على الجوارب بداعي البرد (مبررات) ? وهل يعذب الله عبدا بسبب صلاة بدون استكمال وضوء حتى لو كان ناسيا ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث المذكور في السؤال رواه عبد الرزاق في مصنفه (3/588) وابن أبي شيبة في مصنفه (13/413) وهناد في الزهد (362) ، وغيرهم، عن أبي إسحاق [هو السبيعي] ، عن عمرو بن شرحبيل، به.
وعمرو بن شرحبيل تابعي كوفي ثقة، روى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم.
ولم يصرح عمرو بن شرحبيل برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره من قوله، ولو صرح برفعه: لكان حديثا مرسلا، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف.
ومعلوم أن مثل هذا الأمر الغيبي لا يعتمد فيه إلا على نص كتاب، أو حديث صحيح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما وفي متنه غرابة، بل نكارة، يُتَأَنى في مثلها!!
وقد روى الطحاوي هذا الحديث بإسناده: حدثنا فَهْدُ بن سُلَيْمَانَ قال ثنا عَمْرُو بن عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قال حدثنا جَعْفَرُ بن سُلَيْمَانَ عن عَاصِمٍ عن شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
شرح مشكل الآثار (8/212، رقم 3185) ، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (23/299) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله ـ السلسلة الصحيحة (2774) ـ:
" وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال التهذيب، غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت.." اهـ
والواقع أن ذكر جعفر بن سليمان في الإسناد غلط؛ حيث لم يذكره أحد في الرواة عن عاصم، ولم يذكر أحد عمرو بن عون الواسطي في الرواة عنه، والصواب في الإسناد: حدثنا حفص بن سليمان عن عاصم، وحفص هو القارئ المشهور، صاحب عاصم، وقد روى عنه عمرو عون الواسطي، وما في إسناد الطحاوي هو مجرد تحريف من النساخ، لقرب رسم الاسمين: حفص، وجعفر!!
ومما يؤكد ذلك أمران:
الأول: أن الحافظ ابن رجب رحمه الله صرح بأن المذكور في هذا الإسناد هو حفص بن سليمان القارئ؛ فقال بعد أن ذكر الأثر من قول أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، كما قدمناه:
" ورويناه من طريق حفص بن سليمان القارئ، وهو ضعيف جدا، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم". انتهى. "أهوال القبور" (85) .
الثاني: أن الحافظ عبد الحق الأشبيلي رحمه الله، قد نقل هذا الحديث المرفوع من طريق الطحاوي، فقال: " الطحاوي: حدثنا فهد بن سليمان، ثنا عمرو بن عون الواسطي، ثنا (حفص) بن سليمان، عن عاصم، عن شقيق، عن ابن مسعود، عن النبي.. ".
"الأحكام الشرعية" (3/208)
قال محقق الأحكام، تعليقا على ذكر حفص في الإسناد: "تحرفت في مشكل الآثار إلى جعفر".
فإذا تبين أن الصواب في الإسناد: حفص بن سليمان، عن عاصم..، علم أن الحديث المرفوع ضعيف جدا، لحال حفص هذا، فهو متروك الحديث، كما قال غير واحد من الأئمة، ولأجل ذلك صرح الحافظ ابن رجب بضعفه، كما نقلناه عنه.
ينظر ترجمة حفص بن سليمان في: التاريخ الكبير، للبخاري (2/363) ، الضعفاء والمتروكين، للنسائي (167) ، ميزان الاعتدال، للذهبي (1/558) .
ثانيا:
إسباغ الوضوء والمحافظة عليه من المهمات التي ينبغي للمسلم الاعتناء بها، فالصلاة عمود الدين، والوضوء شرط من شروط صحتها، من تهاون به فقد تهاون في صلاته.
وقد روى مسلم في صحيحه (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) .
وفي رواية النسائي (2437) : (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ..) .
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة من الوعيد ما يخوف المسلم من التقصير في الوضوء:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ:
(تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا) رواه البخاري (60) ومسلم (241) .
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:
" الحديث فيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأنَّ ترك البعض منها غير مجزئ " انتهى.
" إحكام الأحكام " (ص/17) .
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومَن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (5/204) .
وهذا الذم والعقاب إنما هو فيمن علم أنه على غير وضوء، أو أن طهارته ناقصة، أو فرط ولم يعتن بطهارته، ولم يتفقد ما يحتاج إلى تفقد وعناية؛ قال ابن جُزَيّ الغرناطي رحمه الله: " ويأثم في العمد إجماعا ". القوانين الفقهية (74) .
فأما من لم يعلم بحدثه، أو نقصان طهارته، فهذا لا ذم عليه ولا عقاب، وكذلك الناسي الذي يترك بعض الواجبات سهوا ولا يتذكرها بعد ذلك: فهو معذور عند الله عز وجل، فقد استجاب سبحانه دعاء المؤمنين حين قالوا: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، فقال عز وجل كما في الحديث القدسي في " صحيح مسلم " (126) : (قَدْ فَعَلتُ) . وإن كان يجب عليه إن يعيد صلاته، إذا علم بذلك.
َسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية:
" عَنْ رَجُلٍ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ إمَامًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا: فَهَلْ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً: فَهَلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَهُ تَصِحُّ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ".
فَأَجَابَ رحمه الله:
" أَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ أَوْ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ حَتَّى قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَالِمٍ وَيُعِيدُ وَحْدَهُ إذَا كَانَ مُحْدِثًا. وَبِذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ صَلَّوْا بِالنَّاسِ ثُمَّ رَأَوْا الْجَنَابَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَعَادُوا وَلَمْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالْإِعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/369) .
وأما ما ذكر في السؤال من المسح على الجوربين بداعي البرد، أو مبررات أخرى، فهذا أمر لا ينكر على فاعله، ما دام قد لبس الجوربين على طهارة، بعد غسل القدمين، فله أن يمسح عليهما يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وهذا من توسعة الله على عباده، ولا يشترط لذلك المسح أن يكون الجو باردا، أو أن يتعذر عليه الخلع، أو نحو ذلك من الأعذار؛ فالمسلم لا يحتاج مبررا لكي يترخص بتلك الرخصة، بل أن يفعل ذلك في حال السعة، كما له أن يفعله في حال الشغل والسفر، لا سيما إن كان ذلك أرفق به، وأوفق لحاله، وأبعد له عن التكلف والمشقة.
وينظر جواب السؤال رقم (117743) .
والخلاصة: أنه كما لا يجوز للمسلم التهاون في أداء الوضوء الصحيح، لا يجوز أن يصل به الأمر إلى حد الوسوسة، والتوسط بين هذين الطرفين يكون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات جميعها.
وانظر في شرح ذلك في موقعنا جواب السؤال رقم: (11497) ، (102461)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/155)
هل يشترط لصحة الوضوء دلك وتخليل أصابع القدمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط في الوضوء الدلك بين أصابع القدمين في كل مرة، فعلى سبيل المثال القدم تُغسل ثلاث مرات، فهل نخلل بين الأصابع في كل مرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الوضوء غسل الأعضاء مرة، والتأكد من وصول الماء إلى العضو، فإن لم يصل الماء إلا بالدلك تعيّن، وإلا، فالدلك سنة.
والواجب إيصال الماء بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة، بالتخليل أو غيره، فإن خلل مع كل غسلة من الثلاث فلا بأس، وليس شرطا، إنما الواجب التأكد من وصول الماء إلى ما بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة على الأقل.
روى البخاري (157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً "
قال النووي رحمه الله:
" أجمع العلماء على أن الواجب مرة واحدة " انتهى. َ
"المجموع" (1/465) ، وينظر: "شرح مسلم" (3/106) "المغني": (1/94) .
ويراجع: جواب السؤال رقم (72450) .
ثانيا:
دلك العضو بالماء، ليس خاصا بإدخال الماء بين الأصابع، بل هو عام في كل عضو مغسول.
جاء في "الموسوعة الفقهية":
" الدَّلْكُ لُغَةً: مَصْدَرُ " دَلَكَ "، يُقَال: دَلَكْتُ الشَّيْءَ دَلْكًا مِنْ بَابِ " قَتَل ": مَرَسْتَهُ بِيَدِكَ، وَدَلَكْتَ النَّعْل بِالأَْرْضِ: مَسَحْتَهَا بِهَا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ - كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ -: إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ إِمْرَارًا مُتَوَسِّطًا وَلَوْ لَمْ تَزُل الأَْوْسَاخُ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ قَبْل جَفَافِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ هَل هُوَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الدَّلْكَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيُبَالِغُ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ: وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنَ النَّارِ [متفق عليه] .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ: هُوَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، قَال الْحَطَّابُ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَل هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لاَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
الْمَشْهُورُ: الْوُجُوبُ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُول مُسَمَّى الْغَسْل، قَال ابْنُ يُونُسَ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ، وَالأَْمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلأَِنَّ عِلَّتَهُ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلاً، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْل اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْل وَالاِنْغِمَاسِ.
وَالثَّانِي: نَفْيُ وُجُوبِهِ، وَهُوَ لاِبْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْل بِدُونِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ لاَ لِنَفْسِهِ، بَل لِتَحَقُّقِ إِيصَال الْمَاءِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ إِيصَال الْمَاءِ لِطُول مُكْثٍ أَجْزَأَهُ، وَعَزَهُ اللَّخْمِيُّ لأَِبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ.
"الموسوعة الفقهية" (43/358 (.
وقال الإمام النووي رحمه الله:
" واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء، والغسل جريان الماء على الأعضاء، ولا يشترط الدلك. وانفرد مالك والمزني باشتراطه ".
"شرح صحيح مسلم" (3/107) .
وأعدل الأقوال في "الدلك" هو القول الثالث عند المالكية، وهو أن المقصود تحقق وصول الماء؛ فإذا وصل بدون دلك: لم يجب عليه أن يدلك العضو المغسول، وإلا وجب عليه ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما دلك البدن في الغسل، ودلك أعضاء الوضوء فيه: فيجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه، مثل باطن الشعور الكثيفة، وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب.. ".
"شرح العمدة" (1/367-368) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وشُرع الدَّلك ليتيقَّن وصول الماء إلى جميع البَدَنِ، لأنَّه لو صَبَّ بلا دَلْكٍ ربَّما يتفرَّق في البدن من أجل ما فيه من الدُّهون، فَسُنَّ الدَّلك ".
"الشرح الممتع" (1/361) .
وقال أيضا:
" الواجب في الوضوء والغسل أن يُِّمِرّ الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره، وأما دلكه فإنه ليس بواجب، لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه، كما لو كان الماء بارداً جداً، أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ يتأكد الدلك، ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره ... فالغسل هو الفرض، والتدلك ليس بفرض"
"فتاوى نور على الدرب" (3/464 (.
ثالثا:
وأما تخليل الأصابع، فالمراد به إيصال الماء باليد، في الخلال التي بين الأصابع.
روى أبو داود (142) والترمذي (788) وصححه عن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) .
وقد حمل الفقهاء ذلك الأمر بالتخليل، على نحو ما حملوا عليه القول في التدليك، كما مر.
قال في عون المعبود:
" وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب تَخْلِيل أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ" انتهى.
وهذا محمول على أن الماء لا يصل إلى ما بين الأصابع إلا بالتخليل باليد، فإن وصل بغير التخليل فالتخليل سنة.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (11/49) :
" إيصَالُ الْمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتَّخْلِيلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْغُسْلِ , فَهُوَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ ; لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ) .
أَمَّا التَّخْلِيلُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ خِلَالَ الْأَصَابِعِ , فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ , وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ) , وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" السنة أن يخلل الأصابع: أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع، لا سيما أصابع الرجل؛ لأنها متلاصقة " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (8/7) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/156)
الصلاة والوضوء مع وجود الأظافر الصناعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة والعبادة أثناء وضع الأظافر الاصطناعية بسبب كسر الأظافر بشكل دائم لقلة الكالسيوم بالجسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في وضع الأظافر الصناعية بشكل دائم إذا كان ذلك بسبب كسر الأظافر الطبيعية بسبب قلة الكالسيوم في الجسم.
أما وضعها من أجل الزينة والتجمل فلا يجوز ذلك، وانظر جواب السؤال (21724) .
ولا حرج في الصلاة مع وجود هذه الأظافر، لكن يشترط إزالتها عند الوضوء والغسل حتى يصل الماء لما تحتها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/218) : " إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر، فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم أجزأها الوضوء كالحناء " انتهى.
وإذا كان هذا في الطلاء، فالأظافر الصناعية من باب أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/157)
كيف يتوضأ من وضع علاجاً على وجهه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إني فتاة أضع على وجهي دهانات وصفها لي الطبيب، وقال: يجب علي ألا يمسها الماء لمدة تقدر بـ12 ساعة على الأقل، وإني ولله الحمد مسلمة وعلي أن أتوضأ فأخشى أن يلامس الماء الدهان على وجهي، فهل أمسح الأجزاء التي لا يوجد بها دهان أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان في الوجه مرض جلدي وقد وصف له الطبيب دهاناً يوضع عليه وقال لا يمسه الماء لعدة ساعات من أجل بقاء الدهان للعلاج ففي هذه الحالة يجنب موضعه الماء في الوضوء ويغسل الباقي مع بقية الأعضاء ويتيمم بدل غسل الوجه إلى أن تنتهي الحاجة إلى وضع الدهان والله أعلم" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (4/9، 10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/158)
حكم المسح على الحذاء العسكري والصلاة به
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن العسكريون نقوم بلبس البوت الرياضي في الحصة الصباحية على طهارة، ثم بعد انتهاء الحصة نقوم بخلعه ولبس البسطار العسكري [الحذاء العسكري] على نفس الطهارة السابقة، وعند صلاة الظهر نمسح على هذا الحذاء، فما الحكم في ذلك؟ وهل ينتقض الوضوء بذلك؟ وهل الصلاة على هذه الحال صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز المسح على الحذاء العسكري؛ لأنه في حكم الخف.
وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: هل يجوز الصلاة بالبسطار [الحذاء العسكري] أكرمكم الله؟ وما هي كيفية الوضوء فيه؟ وهل له مدة معينة؟
فأجاب: "تجوز الصلاة بالبسطار - أي: الخف - إذا كان طاهرًا وليس عليه نجاسة، ويجوز المسح عليه في الوضوء إذا كان ساترًا سترًا كاملاً للرجل، بأن يكون ضافيًا على الكعبين وما تحتهما، وثابتًا على الرجل، وقد لبسه على طهارة، بأن يلبسه وهو على وضوء.
وصفة المسح أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أطراف أصابع رجله، ثم يمررهما إلى ساقيه.
ومدة المسح يوم وليلة بالنسبة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهو رخصة ثابتة بالسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكره إلا المبتدعة، وابتداء المدة على الصحيح من أول مسح بعد اللبس، والله أعلم " انتهى من "المنتقى" (2/54) .
وينظر جواب السؤال رقم (69793) .
ثانيا:
من شروط المسح على الخفين أو ما في حكمهما كالبسطار أن يلبسهما على طهارة كاملة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9640) .
وإذا كنت على وضوئك الأول الذي غسلت فيه رجليك، ولبست البسطار بعد خلع البوت، جاز لك أن تمسح عليه، لأنه يصدق عليك أن لبسته على طهارة كاملة.
فتمسح على البسطار يوما وليلة إن كنت مقيما، وثلاثة أيام بلياليها إن كنت مسافرا، وتبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث.
وإن احتجت إلى خلع البسطار، فلك أن تمسح على الجوربين، ولا يضرك حينئذ خلع البسطار أو خلع البوت؛ لأن الحكم إنما هو للجوربين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/159)
طريقة مبتدعة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أتوضأ، فأنا أبدأ بالبسملة ثم أستمر قائلة "نويت طهارة الوضوء"، وبينما أقول ذلك على جميع الأعضاء الواجب غسلها، فأنا أعلم أنك قدمت ما يقال عند الوضوء، لكني أريد أن أعرف ما إذا كان يمكنني أن أستمر في قول ما تعودت على قوله بدلا عن ما قدمته أنت، وبالطبع فإنك إذا أخبرتني بما يخالف فعلي، فسآخذ بنصيحتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم في عبادته لله عز وجل أن يتعبَّد الله بما شرعه الله له، والأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع شيء من أنواع العبادة إلا بدليل، ومن أتى بشيء مما لم يأت به الله عز وجل ولا رسوله فقد أحدث في دين الله عز وجل، وعمله هذا مردود، لأن العمل حتى يقبل لا بد فيه من أمرين:
1- الإخلاص لله عز وجل. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) البينة
2- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر
فلا يجوز ابتداع شيء من أنواع العبادة لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)
وروى الترمذي عن الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ من حديث العرباض بن سارية وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " رواه الترمذي (السنة/3991) ، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح برقم 3851. والواجب على المسلم أن لا يتجاوز ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه.
وقد نقل الصحابة صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَنقُل أحد منهم هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب اتباع ما جاء به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مسألة التلفظ بالنية:
لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله ولا عن اصحابه ولا أمر النبى أحدا من أمته أن يتلفظ بالنية ولا عَلّم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان هذا مشهورا مشروعا لم يهمله النبى وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة بل التلفظ بالنية نقص فى العقل والدين.
مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 231
وقال في موضع آخر: وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفى الطهارة وسائر العبادات فهى من البدع التى لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يحدث فى العبادات المشروعة من الزيادات التى لم يشرعها رسول الله فهى بدعة بل كان صلى الله عليه وسلم يداوم في العبادات على تركها، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة.
مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 223
أما الذكر الذي يقال قبل الوضوء أو بعده يراجع جواب سؤال رقم 2165.
فيجب على المسلم ترك ما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم والبعد عن الابتداع في الدين، لأن في الابتداع مشابهة لأهل الكتاب، وينبغي على أن يحرص على تعلُّم أمور دينه حتى لا يقع في البدع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/160)
الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجمع بين المضمضة والاستنشاق سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، الصحيح الثابت في السنة النبوية في أحاديث وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أن يُجمع بين المضمضة والاستنشاق في غَرفة واحدة يتمضمض ويستنشق منها، يفعل ذلك ثلاث مرات من ثلاث غرفات.
روى البخاري (191) ومسلم (235) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا) ، وبوب عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة.
وفي رواية للبخاري (199) : (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) .
قال النووي رحمه الله:
" وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق، والأفضل أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة، ثم يستنشق منها.
وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما، وأما حديث الفصل فضعيف وهو حديث: (رأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق) رواه أبو داود (139) ، فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا؛ لحديث عبد الله بن زيد " انتهى باختصار.
"شرح مسلم" (3/105-106) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الجمع بين المضمضة والاستنشاق بماء واحد أفضل من أن يفصل كل واحد بماء؛ لأن في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات) .
وفي لفظ: (تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا) متفق عليهما.
وفي لفظ: (تمضمض واستنثر ثلاثا من غرفة واحدة) رواه البخاري.
وكذلك في حديث ابن عباس وعثمان وغيرهما.
وهذه الأحاديث أكثر وأصح من أحاديث الفصل " انتهى.
"شرح العمدة" (1/177-178) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/161)
معاقة لا تستطيع الوضوء ويرفض أولادها أن يوضئوها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة معاقة ولا تستطيع الوضوء وأحياناً تأمر أولادها ليوضئوها فلا يفعلون ذلك، فتضطر إلى الصلاة بدون وضوء. فما حكم فعلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الأولاد أن يساعدوا أمهم في طهارتها، فإن هذا من حقها الواجب عليهم، وعدم قيامهم بذلك يوقعهم في كبيرة من أعظم الكبائر، وهي عقوق الأمهات.
ويُخشى أن يعجل الله لهم العقوبة على تلك المعصية.
فعليهم التوبة إلى الله، والندم على ما فعلوا، والاعتذار لأمهم واستسماحها، والاجتهاد في طاعتها وإرضائها، فإن ذلك باب من أبواب الجنة، لا يدرون متى يغلق عنهم، وحينئذ لا ينفع الندم.
وأما عن طهارتها إذا رفضوا مساعدتها..
فالمريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، ولو بأجرة، فإنه يتيمم، ويمكنه التيمم من الفراش الذي ينام عليه إن كان عليه غبار، أو يجعل بجانبه إناء فيه رمل أو تراب يتيمم منه.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " وَإِذَا وَجَدَ َالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَضِّئَ نَفْسَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، أَوْ يُغَسِّلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهَا لزمه ذلك ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ ... فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا مَنْ يُيَمِّمُهُ , بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْأُجْرَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ " انتهى مختصرا.
فإن كانت المرأة المسؤول عنها يمكنها أن تستأجر من يوضئها، لزمها ذلك.
فإن لم يمكنها ذلك، فإنها تنتقل إلى التيمم، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟
فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا - لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو بالبوية فهذا إن كان عليه تراب - غبار - فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) .
فإن عجزت عن التيمم، صلت بلا وضوء ولا تيمم، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
وبهذا يُعلم أنه لا تجوز الصلاة بلا وضوء ولا تيمم ما دامت قادرة على التيمم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/162)
التسمية في الوضوء إذا كان الشخص في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم إذا قضى الحاجة في الحمام أن يقول بعد ذلك "بسم الله" داخل الحمام ثم يتوضأ , أم أنه يخرج ويسمي ثم يدخل ويتوضأ (حيث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) . وهل يجوز أن أذكر الله تعالى وأنا أستحم في الحمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فقال:
التسمية إذا كان الإنسان في الحمام تكون بقلبه ولا ينطق بها بلسانه، وإذا كان كذلك فاعملي بهذا على أن القول الراجح أن التَّسمية ليست من الواجبات بل هي من المستحبَّات، فينبغي ألا يكون لديك هواجس وغفلة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ج/1 ص/219(5/163)
هل يجب مسح الأذنين في الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توضأت، وقلت الشهادتين وتجهزت للصلاة لكن فجأة تذكرت أني نسيت مسح الأذنين. ما يجب علي فعله؟ هل أعيد الوضوء من بدايته أم أمسح الأذنين فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
مسح الأذنين في الوضوء مما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف أهل العلم فيه هل هو واجب أو سنة، فمنهم من قال بالوجوب كما هو المذهب عند الحنابلة؛ لما روى ابن ماجه (443) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ) والحديث مختلف في صحته، وقد صححه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجة.
وإذا كان الأذنان من الرأس كان مسحهما في الوضوء فرضا كمسح الرأس.
وذهب الجمهور إلى أن مسح الأذنين سنة مستحبة وليس واجباً.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (43/364) .
والمنقول عن الإمام أحمد رحمه الله أن من ترك مسح الأذنين، أن وضوءه يجزئه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/90) : " والأذنان من الرأس , فقياس المذهب وجوب مسحهما مع مسحه. وقال الخلال: كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا , أنه يجزئه ; وذلك لأنهما تبع للرأس , لا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه , ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس , ولذلك لم يجزه مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بعضه , والأولى مسحهما معه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما مع رأسه , فروت الرُّبَيِّع أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه , ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. وروى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. وقال الترمذي: حديث ابن عباس وحديث الرُّبَيِّع صحيحان " انتهى.
وبناء على ذلك، فمن نسي مسح الأذنين، فلا شيء عليه، ووضوؤه صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/164)
استعمال (ماسكرا) لرموش العين تمنع وصول الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من النساء نرغب بالاستفسار عن حكم الوضوء للمرأة التي تضع على رموشها ما يسمى بـ (الماسكرا) وهي كالطلاء للرموش تستخدم للتزيين فتعطي الرموش شكلا جميلا وأحيانا كثافة، ومن هذه الماسكارا ما هو منفذ للماء، ومنها ما هو غير منفذ للماء ما يسمى بالانجليزية (الووتربروف) ، ونحن نعلم أن الرموش لا بد أن يصلها الماء في الوضوء، فما حكم الوضوء في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأهداب أو رموش العين، يجب إيصال الماء إليها في الوضوء والغسل، لدخولها في حد الوجه المأمور بغسله، وهكذا شعر الحاجبين والخدين والشارب واللحية.
قال في "الروض المربع" (ص 7) : "ويغسل ما في الوجه من شعر خفيف يصف البشرة كأهداب عين وشارب وعنفقة [الشعر تحت الشفة السفلى] لأنها من الوجه " انتهى باختصار وتصرف.
وينظر: "المجموع" (1/376) ، "مواهب الجليل" (1/185) .
وبناء على ذلك: فإن كان الطلاء لا يمنع وصول الماء إلى الشعر، فالوضوء صحيح، وإن كان يمنع وصول الماء وجب إزالته قبل الوضوء أو الغسل؛ لأن من شرط صحة الوضوء والغسل إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو المغسول.
قال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/165)
حكم وضع الجل على الشعر والوضوء به إذا كان يمنع وصول الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم وضع الجل على الشعر، وأيضا: هل يمنع وصول الماء إلي الشعر؟ وإذا كان يمنع وصول الماء إلي الشعر هل أضعه بعد الوضوء مباشرة وأمسح عليه في الوضوء الآخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الجل الذي يوضع على الشعر، إن كان مأخوذا من جيلاتين حيواني، فالحكم فيه يتوقف على الحيوان المأخوذ منه، فإن أخذ من حيوان مأكول مُذَكَّى، جاز إن لم يكن في استعماله ضرر، وإن أخذ من حيوان غير مأكول كالخنزير، أو من ميتة، لم يجز وضعه على الشعر لنجاسته.
وانظر حكم الجيلاتين في جواب السؤال رقم (210) .
ثانيا:
إن كان الجل لا يمنع وصول الماء إلى الشعر، بل يتحلل بالماء ويصل الماء إلى الشعر، فلا إشكال في صحة الوضوء مع وجوده، وإن كان يمنع وصول الماء، فقد رخص بعض أهل العلم فيه؛ لأن مسح الرأس مبني على التخفيف، والمطلوب هو المسح فقط لا الغسل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا يُمنع – أي المُحْرم- من تلبيده (أي: شعره) بصمغٍ وعسل ليتلبد ويجتمع الشعر، يعني لا بأس أن يضع على شعره صمغاً وعسلاً من أجل أن لا ينتفش ويثبت، ومن المعلوم أنه إذا فعل ذلك فسوف يكون هذا الصمغ والعسل مانعاً من مباشرة الماء للشعر، لكنه لا بأس به، ولهذا أبيح المسح على العمامة مع كونه يمنع مباشرة الرأس، وخُفف في ذلك بالنسبة للرأس دون اليد والوجه والقدم؛ لأن أصل تطهير الرأس مسامحٌ فيه، لا يجب فيه إلا المسح.
وبناءً على ذلك نقول: إذا لَبَّدت المرأة رأسها بالحناء فهل لها أن تمسح عليه عند الوضوء أو نقول: لا بد أن تزيل الحناء؟ لا بأس أن تمسح عليه ولو كان فيه حناء يمنع مباشرة الماء " انتهى من "شرح الكافي".
وسئل رحمه الله أيضا: ما حكم المسح على الحناء الموضوع على الشعر أثناء الوضوء؟
فأجاب: "لا بأس به، ولو كان يمنع وصول الماء، لكن في الغسل من الجنابة والحيض لا بد من إزالته، ويدل على أن الأول لا بأس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في الحج كان قد لبَّد رأسه، أي: وضع عليه لبد من صمغ أو عسل أو ما أشبه ذلك؛ اتقاء الشعث، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (يا رسول الله! ألا تقصر -أي: من العمرة- وتحل كما حل الناس؟ قال: إني قد سقت هديي ولبّدت رأسي فلا أحل حتى أنحر) فالحناء على الرأس ولو منع وصول الماء لا بأس به في الوضوء، لكن في الغسل من الجنابة أو الحيض لا بد من إزالته " انتهى من "اللقاء الشهري" (68/14) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/166)
صفة مسح المرأة لرأسها في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي طريقة مسح المرأة على رأسها عند الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفة مسح الرأس في الوضوء للمرأة ومن كان شعره طويلا من الرجال، هي ما ورد في حديث الربيّع بنت معوذ رضي الله عنها، كما روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقوله (مِنْ قَرْن الشَّعْر) : المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس، أي: يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ.
قَالَ الْعِرَاقِيّ: " وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا " اِنْتَهَى نقلا عن "عون المعبود".
وقد ورد في صفة المسح كيفية أخرى مشهورة، وهي أن يمسح الإنسان شعره بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردّهما إلى الموضع الذي بدأ منه.
ولكن هذه الصفة تؤدي إلى انتشار الشعر وتشعثه، فكان المختار للمرأة أن تمسح بالكيفية الأولى، أو أن تمسح من مقدم رأسها إلى مؤخرته، ولا تعود بيديها، وهذا وجه آخر في تفسير حديث الربيع، وينظر جواب السؤال رقم (45867) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/87) : " فإن كان ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه لم يردهما. نص عليه أحمد، فإنه قيل له: من له شعر إلى منكبيه , كيف يمسح في الوضوء؟ فأقبل أحمد بيديه على رأسه مرة , وقال: هكذا كراهية أن ينتشر شعره. يعني أنه يمسح إلى قفاه ولا يرد يديه.
وإن شاء مسح , كما روي عن الربيع , (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها , فمسح رأسه كله من فرق الشعر كل ناحية لمصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته) رواه أبو داود. وسئل أحمد كيف تمسح المرأة؟ فقال: هكذا. ووضع يده على وسط رأسه , ثم جرها إلى مقدمه , ثم رفعها فوضعها حيث منه بدأ , ثم جرها إلى مؤخره. وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/167)
صفة غسل اللحية في الوضوء والغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلق اللحية ولحيتي وسط في الطول أقرب للكثيف يوجد بها فراغات من الجوانب في العوارض، هل يلزم علي دلكها مع أن الدلك سنة في الوضوء والغسل؟ أم يكفي علي أن آخذ كفا من الماء وأغسلها مرة واحدة مع الوجه، وكذلك شعر الوجه (الحاجبان , الشارب , العنقفة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدلك مستحب في الوضوء والغسل عند أكثر العلماء خلافا للمالكية.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/214) : " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه أو انغمس في ماء كثير أو وقف تحت ميزاب أو تحت المطر ناويا فوصل شعره وبشره أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء " انتهى.
شعر الوجه من اللحية والشارب والعنفقة والحاجبين فيه تفصيل:
فما كان خفيفا يرى منه ظاهر البشرة وجب إيصال الماء إلى باطنه، وما كان كثيفا لا ترى منه البشرة وجب غسل ظاهره فقط، واستُحب تخليله، هذا في الوضوء، وأما في الغُسل فيجب غسل ظاهره وباطنه.
قال في "زاد المستقنع": " ويغسل وجهه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا، وما فيه من شعر خفيف، والظاهرَ الكثيف مع ما استرسل منه " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: " وما فيه من شعرٍ خفيف، والظَّاهرَ الكثيف " الخفيفُ: ما تُرى من ورائه البشرةُ، والكثيف: ما لا تُرى من ورائه.
فالخفيفُ: يجب غسله وما تحته؛ لأن ما تحته إذا كان يُرى فإنَّه تَحصُلُ به المواجهة، والكثيف يجب غسلُ ظاهرهِ دونَ باطنهِ؛ لأنَّ المواجهةَ لا تكون إلا في ظاهر الكثيف.
وكذلك يجب غسلُ ما في الوجه من شعر، كالشَّارب، والعَنْفَقَةِ، والأهداب، والحاجبين والعارضين.
ويُستَحبُّ تخليل الشَّعر الكثيف؛ لأنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان يخلِّل لحيته في الوُضُوء.
قوله: " مع ما استرسل منه ": "استرسل" أي: نَزَلَ " انتهى من "الشرح الممتع" (1/212) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/206) : " يجب غسل ظاهر اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته ولكن يشرع تخليلها، قال النووي رحمه الله تعالى: " لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته اتفاقا، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ". وقال ابن رشد: " هذا أمر لا أعلم فيه خلافا " انتهى. وأما اللحية الخفيفة التي تبين منها البشرة فإنه يجب غسل باطنها وظاهرها " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/168)
هل يلزمه الوضوء قبل أن يدخل الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المسلم الجديد الوضوء قبل نطقه بالشهادتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم ذلك، بل إذا نطق بالشهادتين صح نطقه بهما، وصار بذلك مسلماً، وإن لم يتوضأ؛ لأن الطهارة ليست شرطاً للإسلام" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/5) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/169)
هل تصلي المستحاضة وصاحب السلس التراويح بوضوء العشاء ولو بعد نصف الليل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى الطهارة" (286) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/170)
هل يجب خلع القرط من الأنف والأذن عند الوضوء والغسل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بثقب أنفي، وأريد أن أسأل إن كان علي أن أنزع القرط من أنفي للوضوء كي يصل الماء تحت مكان القرط؟ أم أتركه وأكتفي بتمرير الماء فوقه؟ هل أنزع القرط من أذني أيضا أم أتركه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب خلع القرط، ولا حَلقَةِ الأنف التي تتخذها النساء للزينة، لا عند الوضوء، ولا عند الغسل، بل يكفي غسل ظاهر الأذن والأنف، وذلك للأوجه الآتية:
الواجب هو غسل ظاهر الأنف (الذي هو من الوجه) في الوضوء والغسل، أما داخل الأنف (ومنه الثقب الذي يعلق فيه الحلق) فلا يجب غسله، وإنما الواجب هو الاستنشاق، وهذا يحصل مع وجود هذا الثقب ومع وجود القرط، فلا يجب خلعه ولا تحريكه.
وأما الأذن فلا يجب غسلها في الوضوء، وإنما يستحب مسحها، والذي يستحب مسحه من الأذن هو الصماخ (التجويف الذي في الأذن) تدخل فيه السبابة، ويمسح ظاهر الأذن بالإبهام.
وأما الموضع الذي يثقب من أجل تعليق القرط فلا يستحب مسحه في الوضوء، وبالتالي.. لا يؤثر وجود القرط على صحة الوضوء ولا يجب تحريكه ولا نزعه.
وأما في الاغتسال فتغسل الأذن كما يغسل سائر البدن، ويعفى عن ثقب القرط عند الشافعية، فلا يجب إدخال الماء فيه لأنهم يعتبرونه من الباطن وليس من ظاهر الجسم الذي يجب غسله.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/19) :
" اتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السرة ومحل العمليات الجراحية التي لها أثر غائر.
ولكن الشافعية اعتبروا شعب الأذن يدخل فيه القرط من الباطن، لا من الظاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه ولو أمكن " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(5/171)
كيف يتوضأ ويصلي المريض المركب له كيس للبول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الطهارة والصلاة لمريض راقد في سريره؛ بسبب عملية أو غيره ومركب له أجهزة على يديه، وكيس للبول حتى لا يتحرك من السرير ويذهب للحمام، وهذا الكيس قد يبقى يوم ويفرغ عند امتلائه ثم يركب له مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب الصلاة على المسلم على أية حال كان عليها ما دام عقله باقياً، فإذا كان الإنسان مريضاً، وقدر على الصلاة قائماً، فإنه يصلى قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع صلى مستلقياً؛ لما روى البخاري (1066) عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطيع فعلى جنب) ، وكذا الحكم بالنسبة للطهارة، فإذا قدر على الوضوء بالماء توضأ، فإذا لم يستطع، فإنه يتيمم بالتراب.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن المريض المركب له كيس بول كيف يصلي وكيف يتوضأ؟
فأجاب: " يصلي على حسب حاله، مثل صاحب السلس ومثل المرأة المستحاضة، يصلي المريض إذا دخل الوقت على حسب حاله، ويتيمم إذا كان لا يستطيع استعمال الماء، فإن كان يستطيع ذلك وجب عليه الوضوء بالماء؛ لقول الله عزل وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، والخارج بعد ذلك لا يضره، لكن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ويصلي ولو خرج الخارج ما دام في الوقت، ولو كان البول يخرج من ذكره، وهكذا، المستحاضة تصلي في الوقت، ولو خرج منها الدم مدة طويلة، فإنها تصلي على حسب حالها، لكن لا يتوضأ من حَدَثُه دائماً إلا إذا دخل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (توضئي لوقت كل صلاة) ، فيصلي صاحب السلس والمستحاضة والمريض المسئول عنه في الوقت جميع الصلوات من فرض ونفل، ويقرأ القرآن من المصحف، ويطوف بالكعبة من كان بمكة مادام في الوقت، فإذا خرج الوقت أمسك عن ذلك حتى يتوضأ للوقت الذي دخل " انتهى.
"الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" (ص: 34) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/172)
كيف يتوضأ المريض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم شخص بمساعدة مريض لا يستطيع أن يتيمم بمفرده بسبب الأجهزة على يديه وكيفية ذلك؟ ولو أراد أن يوضئه كيف يمكن أن يمضمضه ويستنثر له؟ أو كيف يمكن أن يوضئه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحديثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإذا لم يستطع أن يتوضأ هو بنفسه، فإنه يوضئه غيره.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " وَإِذَا وَجَدَ الْأَقْطَعُ [من قطعت إحدى يديه] وَنَحْوُهُ، كَالْأَشَلِّ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَضِّئَ نَفْسَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، أَوْ يُغَسِّلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهَا لزمه ذلك ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ " انتهى باختصار.
فإذا لم يستطع المريض أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليه غبار، أو يحمل معه ترابا في إناء أو كيس يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا مَنْ يُيَمِّمُهُ , بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْأُجْرَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ " انتهى.
فعلى هذا، يجوز لك أن توضأ مريضك، وذلك بأن تصب عليه الماء، ويقوم هو بغسل أعضائه، أو تقوم أنت بغسل أعضائه إذا لم يستطع هو القيام بذلك.
أما المضمضة والاستنشاق، فإذا لم يستطع المريض فعلها بنفسه، وتعذر ذلك عليك، فلا حرج من تركها، ولكن عليه بعد الانتهاء من الوضوء أن يتيمم، لأنه يعتبر ترك عضواً من أعضاء الوضوء، وقد سبق في جواب السؤال رقم (88066) بيان أن الوضوء والاغتسال لا يصحان إلا بالمضمضة والاستنشاق.
أما التيمم فإن لم يستطع أن يتمم هو، فإنك تضرب بيديك على التراب ثم تمسح بهما وجهه ويديه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/173)
هل يصلي خلف من لا يعيد غسل كفيه مع اليدين في الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقتصرون في الوضوء على غسل الأيدي من الرسغ إلى المرفق، ولا يغسلونها من الكف، وأحياناً يتقدم بنا رجل ليصلي إماماً وعند شعور قوي أنه لم يغسل يده غسلاً صحيحاً. وأحياناً أكون شاكاً فهل أصلي خلفه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في جواب السؤال رقم (103694) أن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وأن غسلهما من الرسغ لا يصح به الوضوء، وأن هذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للأحناف فإنهم قالوا بصحة وضوء من فعل ذلك.
ثانياً:
تصح الصلاة خلف الحنفي الذي يقتصر على غسل الكفين أولاً، ولا يعيد غسلهما مع الذراعين، لأنها مسألة خلافية، والعامي معذور في تقليد من قلده من أهل العلم.
وتصح الصلاة خلف من لا تعلم حاله ولا تدري هل يغسل يديه غسلا صحيحا أم لا، ولا ينبغي الشك في عبادة المسلم، بل ينبغي حمله على الأصل وهو السلامة والبراءة.
وينبغي أن تبين هذه المسألة لإخوانك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أصروا على رأيهم، وتمسكوا بالمذهب الحنفي أو بقول من يفتيهم، فدع الجدال معهم، ولا تتحرج من الصلاة خلفهم، فما زال الأئمة يصلون خلف بعضهم البعض مع اختلافهم في الفروع، ولهذا صححوا الصلاة خلف من لا يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل، أو مس ذكر، ونحوه مما وقع فيه الخلاف.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) : " فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة. نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض , مع اختلافهم في الفروع , فكان ذلك إجماعا , ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده , فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته , أو مخطئا فله أجر على اجتهاده , ولا إثم عليه في الخطأ , لأنه محطوط عنه. فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام , فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب , فقال: إن كان يلبسه وهو يتأول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) . يصلى خلفه. قيل له: أفتراه أنت جائزا؟ قال: لا , نحن لا نراه جائزا، ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/174)
إذا غسل الرجل اليمنى وجففها ثم غسل اليسرى هل تنقطع الموالاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا توضأت وغسلت رجلي اليمنى وجففتها بقطعة قماش هي قريبة مني وغسلت الرجل الأخرى وجففتها هل في وضوئي هذا عدم موالاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموالاة في الوضوء هي ألا يتأخر غسل العضو حتى يجف ما قبله في زمن معتدل، فلا يؤثر جفاف العضو لشدة حرارة أو وجود ريح أو تنشيفه بثوب مثلا، إذا لم يمض الزمن الذي يقع فيه الجفاف عادة، فالمعتبر هو عدم مضي الزمن.
ويجعل بعض العلماء الموالاة هي: ألا يفصل بين غسل الأعضاء بزمن طويل عرفاً، ولا يقيد ذلك بالزمن الذي يحصل فيه الجفاف.
قال في ابن قدامة في "المغني" (1/181) : " والموالاة الواجبة: أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل ; لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض" انتهى.
وقال في كشاف القناع (1/105) : " والموالاة: المتابعة، والمراد هنا: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله في زمن معتدل الحرارة والبرودة. بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه , ولا مسح الرأس حتى تجف اليدان ولا غسل الرجلين حتى تجف الرأس لو كانت مغسولة , وعلم منه أنه لو أخر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر " انتهى بتصرف.
وعليه؛ فمن غسل رجله اليمنى وجففها، ثم غسل الأخرى دون مضي زمن يقع فيه الجفاف عادة، فوضوؤه صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/175)
الغسل بالصابون في الوضوء وتغيير حفاظة الطّفل
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثا وعندي سؤال يخص الوضوء. هل يجب علي استخدام الصابون عند الوضوء، خصوصا عند غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والرجلين؟ فكل المصادر التي قرأت فيها لم تذكر استخدام الصابون بل استخدمت كلمة "غسل".
هل ينتقض الوضوء إذا غيرت حفاضة صغيري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. نهنئك ونحمد الله على ما منّ عليك به من الهداية إلى الصراط المستقيم ونسأله لنا ولك الثبات على هذا الدّين
2. لا يجب عليك أبداً استخدام الصابون عند الوضوء، وكلمة " غسل " التي قرأتيها في المصادر المشار إليها في السؤال لا تعني استخدام الصابون، أو أي منظّف آخر.
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
غسل الأيدي والوجه بالصابون عند الوضوء ليس بمشروع بل هو من التعنت والتنطع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هلك المتنطعون هلك المتنطعون"، قالها ثلاثا.
نعم، لو فرض أن في اليدين وسخا لا يزول إلا بهذا أي باستعمال الصابون أو غيره من المطهرات المنظفات فإنه لا حرج في استعماله حينئذ، وأما إذا كان الأمر عاديا فإن استعمال الصابون (في الوضوء) يعتبر من التنطع والبدعة فلا تستعمل. "فتاوى إسلامية" (1/223) .
3. أما تغيير حفاضة الطفل، فإن كان المراد ذات التغيير فهو غير مؤثّر في صحة الوضوء.
وإن كان المراد أنك تلمسين وتباشرين النجاسة فهو غير مؤثر في الوضوء أيضاً، إذ لا علاقة بين مس النجاسة وصحة الوضوء، وقد نقل في ذلك إجماع أهل العلم كما في " الأوسط " لابن المنذر (1 / 203) ، والواجب فقط هو غسل الأيدي مما علق فيها من النجاسات.
وإن كان المراد أنك تمسين عورة الطفل أو الطفلة فإنّ الطفل ذي السنتين فأقلّ لا حكم لعورته كما قال العلماء فلو مسستِها لا يتأثّر وضوؤك والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/176)
إذا كان بقدميه ما يمنع وصول الماء وتعذرت إزالته
[السُّؤَالُ]
ـ[تلتصق بقدمي أشياء نظرا لأن قدمي مشققة فلا أستطيع إخراجها هل هذا يبطل الوضوء؟ وفي مرة التصق بقدمي زفت أخرجت جزءا منه ولم أستطع أن أخرج الباقي، هل هذه الصلاة جائزة؟ يوجد برامج للموبايل تذكر بأوقات الصلاة وهكذا ولكن لها حقوق طبع فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، ويعفى عن الشيء اليسير جدا كالوسخ تحت الأظفار أو في شقوق الرجلين بعد الاجتهاد في إزالته.
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/158) : "لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل. . . وقيل: تصح , وهو الصحيح , وإليه ميل المصنف (ابن قدامة) , واختاره الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) وقيل: يصح ممن يشق تحرزه منه , كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها.
وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما، واختاره " انتهى.
وإذا تعذر إزالة ما لصق بالجلد، وكان كثيرا لا يعفى عنه، فإنك تمسح عليه كالجبيرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإذا كان هناك مانع يمنع وصول الماء لم يصدق عليه أنه غسل العضو، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال: إن الشيء اليسير يعفى عنه لا سيما فيمن ابتلي به. وهذا ينطبق على العمال الذين يستعملون البوية فإنه كثيرا ما يكون فيه النقطة أو النقطتان إما أن ينسوها أو لا يجدون ما يزيلونها به في الحال، فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عن هذا. ولكن ينبغي أن نأخذ بالحديث – [وهو ما روى مسلم (243) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى]- وأنه لا يعفى عن الشيء ولو كان يسيرا، فهو إن أمكنه أن يزيله قبل أن يخرج وقت الصلاة أزاله، وإلا مسح عليه وصار كالجبيرة " انتهى من "شرح الكافي".
ثانيا:
برامج الموبايل إذا لم يأذن أصحابها في نسخها، فلا يجوز نسخها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (95173)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/177)
تنشيف الأعضاء بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التنشيف بالمنشفة أو المنديل بعد الوضوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان إذا توضأ أن ينشف أعضاء وضوئه؛ لأن الأصل في هذا الفعل الإباحة.
قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (1/195) : " لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس , وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة" انتهى بتصرف.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء.
فأجاب: " تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع.
فإن قال قائل: كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده؟
فالجواب: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء، وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/93) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/178)
الطلاء على الأظافر هل يبطل الطهارة ويوجب إعادة الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كانت في مكان بعيد عن المدينة، ولا تعلم بوجوب إزالة الطلاء الذي على الأظافر، فعندما علمت بوجوب إزالته لم تجد ما يزيل هذا الطلاء، ولم تستطع النزول إلى المدينة لشراء هذا المزيل؟ فكانت تتوضأ على هذا الحائل لمدة أسبوع؟ فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط صحة الطهارة أن يمس الماءُ الجلد، فلو حال بين الجلد وبين الماء حائل مِن دهون أو طلاء أو شمع أو لصقات لم تصح الطهارة، والصلاة على تلك الحال صلاة باطلة غير مجزئة.
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) رواه أبوداود (332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"وإن كان عليه عِلْكٌ، أو شيء ثخين، فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد: لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه، لا حائل دونه" انتهى.
" الأم " (1 / 44) .
وقال النووي رحمه الله:
"إذا كان على بعض أعضائه شمع، أو عجين، أو حنَّاء، وأشباه ذلك، فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو: لم تصح طهارته، سواء كثر ذلك أم قل، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته" انتهى.
" المجموع " (1 / 529) .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 218) :
"إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء" انتهى.
لذلك؛ فقد كان الواجب على هذه المرأة الحرص على تحصيل ما تزيل به الطلاء، ولو بتكلف الذهاب إلى مكانِ بَيعِهِ البعيد، مع أن إزالتَه ممكنةٌ باستعمال كثيرٍ من سوائل التنظيف المطبخية القوية، أو بمسحه بشيء مرطب بسوائل الوقود، ونحو ذلك من المذيبات.
فلا نرى لهذه المرأة عذرا في صلاتها بطهارة باطلة بسبب وجود الطلاء، والجهل قد يرفع الإثم لكنه لا يصحح الصلاة.
فعليها إعادة الصلوات التي صلتها بطهارة ناقصة بسبب وجود هذا الطلاء.
نسأل الله لنا ولها العفو والمغفرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/179)
حكم وضوء من يغسل اليدين من الرسغين إلى المرفقين ولا يغسل الكفين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين أثناء الوضوء عند غسل اليدين يغسلون من الرسغ إلى المرفق دون إدخال الكفين في الغسل، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء جاءت مبينة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فأوجب الله تعالى غسل اليدين إلى المرفقين بعد غسل الوجه، وهذا لا يتحقق إلا بغسل اليدين من أصابع الكفين إلى المرفقين، فمن اقتصر على غسلهما من الرسغين إلى المرافق لم يكن أتى بهذا الفرض.
وأما غسل الكفين أول الوضوء فهذا غسل مسنون، ولا يجزئ عن الفرض عند جمهور العلماء، خلافا للحنفية.
وجمهور العلماء على أنه يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء، فيغسلها على الترتيب الوارد في الآية: غسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين.
وعليه؛ فلا يصح الاكتفاء بغسل الكفين في أول الوضوء عن إعادة غسلهما مع اليد، لأن ذلك يؤدي إلى اختلال الترتيب، بإدخال غسل الوجه أثناء غسل اليدين، والواجب أن يكون غسل اليدين كله واقعا بعد غسل الوجه.
والحاصل: أن من توضأ فغسل كفيه ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم غسل يديه من الرسغين إلى المرفقين لم يصح وضوؤه عند أكثر أهل العلم.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم من يغسل يده من الرسغ إلى المرفق، دون غسل الكف، مكتفيا بغسلها أول الوضوء، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟
فأجاب: "لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه، فإن غسلهما الأول سنة، وبعد الوجه فرض، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبا، فيغسل الكفين وما بعدهما " انتهى من "اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين" ص 77.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/330) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/180)
هل يجوز الزيادة عن الركعتين بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نصلي أكثر من ركعتين بعد الوضوء كما هو وارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) فقال: (ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنة الوضوء ركعتان، لحديث بلال المذكور وغيره، ويجوز للمرء أن يتنفل بما شاء من النوافل زيادة على الركعتين، في غير أوقات النهي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/276(5/181)
المسح على اللصقة التي توضع على الجروح
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهر ما يشبه الدمامل في رجلي وكان العلاج أن ألفّ مكان الدمامل بلصقة بحيث لا يصلها الماء أثناء الوضوء. ما حكم الوضوء في هذه الحالة?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وضوؤك صحيح إذا مسحت على اللصقة أو مر الماء عليها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة. من مجلة البحوث الإسلامية (59/139) .(5/182)
استيعاب أعضاء الوضوء بالغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان يلتزق بقدمي بعض الأشياء التي لا أستطيع إزالتها إلا بمادة، وهذه المادة ليست معي، فماذا أفعل وهي مانعة للماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المتوضيء أن يستوعب جميع العضو بالغسل، وأن لا يترك منه شيئا، ولو كان يسيراً، وإذا كان على القدم شيء عازل يمنع وصول الماء إلى البشرة فيجب إزالته ولا يتحقق غسل العضو إلا بإزالة ذلك المانع.
والدليل على ذلك ما رواه أحمد في "مسنده" (3/424) وأبو داود (175) عن خالد بن معدان عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ) . قال الإمام أحمد: هذا إسناد جيد. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عما إذا كان في يد الإنسان دهن فهل يصح وضوؤه؟
فأجاب: " نعم، يصح وضوؤه بشرط ألا يكون هذا الدهن متجمدا يمنع وصول الماء، فإن كان متجمدا يمنع وصول الماء فلا بد من إزالته قبل الوضوء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/147) .
وينبغي للمسلم أن يحتاط لعبادته وطهارته بأن يضع على قدمه أثناء العمل ما يحول دون إصابة أعضاء وضوئه بتلك الأشياء العازلة أو أن يصطحب معه المادة المزيلة لتلك الأشياء المانعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/183)
الشك أثناء الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعضِ الأحيانِ يحدث أنْ أنسَى هلْ مسحْتُ على رأسي أم لا، ولم يترجَّحْ لي شيئٌ فهلْ أتوضَّأُ مِن جديدٍ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الشَّكُّ بعدَ الفَراغ مِن الوُضوء فإنَّه لا عِبرةَ به ولا يُلتَفَت إليه، وإذا كان قبْل الفراغِ مثلَ أنْ يَشُكَّ هل مسَحَ رأسَه وهو يغسِلُ رِجليه فإنَّه يمسحُ رأسَه ويغسِلُ رِجليْه، وليسَ في هذا كُلْفةٌ. هذا إذا لم يكنْ مُبتلَىً بكثرة الشُّكوك، فإنْ كان كثيرَ الشُّكوكِ فإنَّه لا يلتَفِت إلى ذلك ويَبْني على ما هو عليه الآنَ، فإنْ كان في غَسْلِ الرِّجلين فإنَّه يبني على أنَّه مسَحَ رأسَه وكذلك بقية الأعضاءِ.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص12.(5/184)
ماذا يفعل في الطهارة إذا لم يجد ماءً ولا تراباً
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يصنع من لم يجد الماء ولا التراب للطهارة؟ وهل عليه إعادة الصلاة بعد وجود أيٍّ منهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن حزم:
ومن كان محبوساً في حضَرٍ أو سفرٍ بحيث لا يجد تراباً ولا ماءً أو كان مصلوباً وجاءت الصلاة فليصلِّ كما هو وصلاته تامة ولا يعيدها، سواء وجد الماء في الوقت أو لم يجده إلا بعد الوقت.
برهان ذلك: قول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم "، وقوله تعالى: (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) ، فصح بهذه النصوص أنه لا يلزمنا من الشرائع إلا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقطٌ عنَّا، وصحَّ أن الله تعالى حرَّم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة إلا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطرٌ إلى ما حرَّم عليه مِن ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنا تحريم ذلك عليه، وهو قادرٌ على الصلاة بتوفيتها أحكامها وبالإيمان، فبقي عليه ما قدر عليه، فإذا صلَّى كما ذكرنا فقد صلَّى كما أمره الله تعالى، ومن صلَّى كما أمره الله تعالى فلا شيءَ عليه، والمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أفضل لما ذكرنا قبل.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي - فيمن هذه صفته -: لا يصلي حتى يجد الماء متى وجده.
[الْمَصْدَرُ]
" المحلى " (1 / 363، 364) .(5/185)
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً.
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين:
الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء.
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى.
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن الصلاح:
" لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى.
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى.
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى.
ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال.
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال.
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء.
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك.
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/186)
حكم الوضوء في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوضوء في المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم.
وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط.
وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد.
ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(5/187)
مصاب بنزلة برد ولا يمكنه الاستنشاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح الغسل إذا كان المرء يعانى من نزلة برد وغير قادر على غسل أنفه من الداخل بشكل كامل؟ أم يجب عليه أن يتجنب الجماع لهذا السبب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب المضمضة والاستنشاق في الغسل، على الصحيح من قولي العلماء، وانظر جواب السؤال رقم (88066) .
والاستنشاق هو جذب الماء بالنفَس إلى الأنف، ولا تجب المبالغة في ذلك، ولا وصول الماء إلى الخياشيم، بل يكفي جذب الماء إلى المنخرين.
فإن كان هناك مرض يمنع الإنسان من إكمال الاستنشاق والمبالغة فيه، فليكتف بأقل ما يمكن، وهو جذب الماء إلى داخل الأنف، ولو إلى أطرافه، ولا يبالغ في ذلك.
قال في كشاف القناع (1/94) : " المبالغة في الاستنشاق: جذب الماء بنفس إلى أقصى الأنف. . والواجب في الاستنشاق جذب الماء إلى باطن الأنف وإن لم يبلغ أقصاه" انتهى.
وعلى هذا؛ فيكفيك إدخال الماء إلى داخل الأنف، ولا يجب عليك المبالغة في ذلك، وإيصاله إلى أقصى الأنف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/188)
هل يجب الوضوء في غير وقت الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك رواية يلزم الوضوء بعد كل بول أوغائط في وقت غير أوقات الصلاه مع العلم أني أوسوس من هذه النقطه كثيراً وتسبب لي الحرج والمشاكل مع زوجي وقوله بأنا هذا من التنطع في الدين والبدع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرِدْ دليل على أنَّه يَلْزَم الوُضوء بعد كل حدث، ما لم يكن الإنسان سيصلي، فإذا أراد الصلاة تجب عليه الطهارة سواء كانت من حدث أكبر أو أصغر، لأن الآية جاءت بالأمر بالوضوء عند الصلاة، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ... ) المائدة/6.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاَءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالُوا أَلا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ قَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ. رواه الترمذي (الأطعمة/1770) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم 1506، فهذا الحديث يدل على أنه لا يلزم الوضوء إلا إذا أراد القيام الى الصلاة، إلا أنّ هناك أعْمال يُسْتحب الوضوء عند القيام بها، كقراءة القرآن، وعند النوم.. وغيرها.
وينبغي العلم أنه يجوز للإنسان أن يصلي بوضوء واحد ما لم يحدث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , فَقَالَ عُمَرُ: رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ رواه مسلم (الطهارة/415) ، قال الإمام النووي، في شرحه لصحيح مسلم: هذا الحديث يدل على جواز الصلوات المفروضات، والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/189)
حكم استعمال المناكير وهل تجب إزالته عند الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في استعمال المرأة للمناكير التي تطلى بها الأظافر إثم؟ وماذا تعمل عند الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم شيئا في هذا، لكن تركه أولى؛ لعدم الحاجة إليه، ولأنه قد يحول دون وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء. والحاصل: أن تركه أولى، والاكتفاء بالحناء، والذي عليه الأوائل أولى، فإن استعملته المرأة، فالواجب أن تزيله عند الوضوء؛ لأنه - كما قلنا - يحول دون وصول الماء إلى البشرة. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله.(5/190)
القبلة بمجردها لا تنقض الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يقبلني دائماً وهو ذاهب إلى خارج البيت، حتى وإن كان خارجاً للصلاة في المسجد، واشعر أحياناً أنه يقبلني بشهوة فما الحكم الشرعي في وضوئه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قَبّل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) أبو داود في الطهارة (178،179،180) ، والترمذي في الطهارة (86) ، والنسائي في الطهارة (1/104) وابن ماجه في الطهارة (502)
هذا الحديث فيه بيان حكم مس المرأة وتقبيلها: هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ والعلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال إن مسست المرأة انتقض الوضوء بكل حال، ومنهم من قال إن مسستها بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، ومنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقاً وهذا القول هو الراجح.
يعني أن الرجل إذا قبّل زوجته أو مس يدها أو ضمها ولم يُنزل ولم يُحدث فإن وضوءه لا يفسد لا هو ولا هي، وذلك أن الأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه، حتى يقوم دليل على أنه انتقض، ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء، وعلى هذا يكون مس المرأة ولو بدون حائل ولو بشهوة وتقبيلها وضمها، كل ذلك لا ينقض الوضوء
فتاوى المرأة، ابن عثيمين ص 20
أما إذا خرج منه مذي أو مني نتيجة التقبيل فقد فسد وضوءه.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/191)
حكم ما يسيل من المرأة باستمرار
[السُّؤَالُ]
ـ[تخرج مني سوائل باستمرار فكيف أصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السائل إذا كان متقطِّعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة، فإنها تؤخّر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت، فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضَّأ وتتلجّم (تتحفّظ) وتصلي.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/224.(5/192)
صفة الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبروني كيف يمكن للمرأة أن تتوضأ. أسأل من أجل زوجتي، وأيضا فأنا أرجو أن تخبروني كيف أتمكن من قراءة آية الكرسي بكلمات عربية، لكن بالأحرف الإنجليزية، فأنا أتشوق لتعلم الآيات الجميلة التي ذكر الله تعالى فيها عن نفسه.
أرجوك رجاء أن تجيب على سؤالي هذا، فقلبي يتشوق إلى الجواب.
وأسأل الله أن يرحم نبينا الحبيب وآله وأصحابه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: نحمد الله عز وجل الذي يسّر لك الهداية وشرح صدرك، ونسأل الله أن يثبّتنا وإياك على طاعته، ونشكر لك جهدك في تعلم أمور دينك، وننصحك بالاجتهاد في تعلم العلم الذي تصحح به عبادتك والحرص على تعلم اللغة العربية، حتى تتمكن من قراءة القرآن، وفهمه على الوجه المطلوب. نسأل الله أن يرزقك العلم النافع.
أما صفة الوضوء فله صفتان:
الأولى: صفة واجبة: وهي:
أولاً: غسل الوجه بالكامل مرّة، ومنه المضمضة والاستنشاق.
ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين مرّة واحدة.
ثالثاً: مسح الرأس كله ومنه الأذنان.
رابعا: غسل الرجلين مع الكعبين مرّة واحدة، والمراد بالمرّة في كلِّ ما سبق أن يستوعب جميع العضو بالغسل.
خامسا: الترتيب، بأن يغسل الوجه أولا ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم يغسل رجليه،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّب الوضوء على هذه الكيفية.
سادساً: الموالاة، وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة متوالياً بحيث لا يفصل بين غسل عضو وغسل العضو الذي قبله بفترة زمنية طويلة عرفاً، بل يتابع غسل لأعضاء الواحد تلو الآخر.
فهذه فروض الوضوء التي لابد منها حتى يكون الوضوء صحيحاً،
والدليل على هذه الفروض، قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6
الصفة الثانية: صفة مستحبة: وهي التي وردت في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفصيلها كما يلي:
1- أن ينوي الإنسان الطهارة ورفع الحدث، ولا يتلفظ بالنيّة، لأنّ محلها القلب. وكذا سائر العبادات.
2- يقول بسم الله
3- ثم يغسل كفيه ثلاث مرات
4- ثم يتمضمض ثلاث مرات، (والمضمضة هي إدارة الماء في الفم) ويستنشق ثلاث مرات وينثر الماء من أنفه بيساره، والاستنشاق هو إيصال الماء إلى داخل الأنف، والاستنثار هو إخراجه من الأنف.
5- يغسل وجهه ثلاث مرات، وحد الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، طولاً، ومن حدّ الأذن اليمنى إلى حد الأذن اليسرى عرضا، والرجل يغسل شعر لحيته لأنه من الوجه،فإن كانت خفيفة وجب غسل ظاهرها وباطنها، وإن كانت كثيفة أي ساترة للجلد، غسل ظاهرها فقط وخللها.
6- ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، وحَدُّ اليد من رؤوس الأصابع مع الأظافر إلى أول العضد، ولا بد أن يزيل ما علق باليد قبل الغسل من عجين أو طين، وصبغ ونحوه مما يمنع وصول الماء إلى البشرة.
7- ثم بعد ذلك يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه، وصفة مسح الرأس أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مقدم رأسه ويمرُّهما إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل أصبعيه السبابتين في خرقي أذنيه، ويمسح ظاهرهما بإبهاميه. وبالنسبة لشعر المرأة فإنها تمسح عليه سواء كان نازلا أو ملفوفا من مقدَّم الرأس إلى منابت شعرها على الرقبة، ولا يجب مسح ما طال من شعرها على ظهرها.
8- ثم يغسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
والدليل على ذلك ما تقدّم من حديث حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه مسلم (الطهارة /331)
أما شروط الوضوء فهي: الإسلام والعقل والتمييز والنية، فلا يصح الوضوء من كافر، ولا من مجنون، ولا من صغير لا يميزه، ولا من لم ينو الوضوء بأن نوى التبرد مثلا، ويشترط أن يكون الماء طهوراً فالماء النجس لا يصح به الوضوء، ويشترط كذلك إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد والأظافر كالمناكير التي تضعها المرأة على أظافرها.
والتسمية مشروعة عند جماهير العلماء، وهم مختلفون هل هي واجبة أو سنة، وينبغي لمن ذكرها في أول الوضوء أو في أثنائه أن يقولها.
ولا اختلاف في صفة الوضوء بين كل من الرجل والمرأة
ويستحب أن يقول بعد الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ رواه مسلم (الطهارة/345) ، وفي زيادة عند الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (الطهارة/50) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 48.
انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/36
أما قولك: " أسأل الله أن يرحم نبيّنا "؛ فالمشروع في حق الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام عليه، كما أمرنا ربنا عز وجل بقوله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب/56 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/193)
صلى بغير وضوء ناسياً
[السُّؤَالُ]
ـ[صَلَّيتُ بغَيْر وُضوء نسياناً وبعد أنْ فرَغْتُ مِن صلاتي تذكَّرتُ ذلك فهل عليَّ إعادةُ الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعمْ مَنْ صلَّى ناسياً بغير وضوء وجَبَ عليه إعادةُ الصَّلاة لقولِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلم: (لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أَحْدثَ حتى يتوضَّأَ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الوضوء. بخلاف مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نَجِسٍ ناسياً فإنَّه لا إعادةَ عليه لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ أثناءَ الصَّلاةِ وأخْبَرَه أنَّ في نَعْلَيْه قَذَراً فخلَعَهما وبَنَى على صلاتِه رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده. مِمَّا يدُلُّ على أنَّ الجاهلَ بالنجاسةِ لا يُؤْمَرُ بالإعادةِ وكذلك النَّاسي.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 12.(5/194)
لا يجب غسل الأطراف الصناعية في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[قطعت قدمي ـ والحمد لله ـ ووضعت بدلها قدماً صناعياً فهل يجب عليَّ غسله والمسح عليه إذا كان عليه جورب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كانت الرِّجل قد قطعت من الساق وذهب الكعب والقدم ولبست مكانها قدماً صناعيّاً فليس عليك غسله، وقد سقط عنك غسل هذه الرِّجل المقطوعة، ولا تمسح على القدم الصناعي، أما إذا كان قد بقي من الرِّجل شيء من الكعب فما تحته، فإنه يجب عليك غسل هذا الباقي، وإذا لبست عليه ساتراً من خف أو جورب فإنك تمسح عليه على ما يحاذيه من الملبوس ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/195)
حكم التسمية في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية في الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم التسمية في الوضوء.
فذهب الإمام أحمد إلى وجوبها، واستدل بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) رواه الترمذي (25) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. انظر: المغني (1/145) .
وذهب جمهور العلماء منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد إلى أن التسمية سنة من سنن الوضوء وليست واجبة.
واستدلوا على عدم وجوبها بأدلة:
1- منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلاً الوضوءَ فقال له: (تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ) رواه الترمذي (302) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (247) . وهذا إشارة إلى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. وليس فيما أمر الله التسمية. انظر: المجموع للنووي (1/346) .
وقد روى أبو داود (856) هذا الحديث بلفظ أكمل من هذا، وأوضح في الدلالة على عدم وجوب التسمية في الوضوء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لا تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. . . الحديث.
فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم التسمية، مما يدل على عدم وجوبها. انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/44) .
2- ومنها: أن كثيراً من الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا فيه التسمية، ولو كانت واجبة لذُكرت.
انظر: الشرح الممتع (1/130) .
وهذا القول اختاره كثير من الحنابلة كالخرقي وابن قدامة.
انظر المغني (1/145) والإنصاف (1/128) .
واختاره من المعاصرين الشيخان محمد بن إبراهيم، ومحمد بن عثيمين رحمهما الله.
انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (2/39) ، الشرح الممتع (1/130، 300) .
وأجاب هؤلاء عن الحديث الذي استدل به من قال بوجوب التسمية بجوابين:
الأول: أن الحديث ضعيف.
ضعفه جماعة من العلماء منهم الإمام أحمد والبيهقي والنووي والبزار.
سئل الإمام أحمد عن التسمية في الوضوء، فقال: ليس يثبت في هذا حديث، ولا أعلم فيها حديثاً له إسناد جيد اهـ المغني (1/145) .
انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/43) ، المجموع (1/343) ، تلخيص الحبير (1/72) .
الجواب الثاني: أن الحديث إن صح فمعناه: لا وضوء كامل. وليس معناه لا وضوء صحيح.
انظر: المجموع (1/347) ، والمغني (1/146) .
وعلى هذا؛ فالحديث –إن صح- فإنه يدل على استحباب التسمية لا وجوبها. والله أعلم.
وعلى هذا لو توضأ المسلم ولم يسم فوضوؤه صحيح، غير أنه فَوَّت على نفسه ثواب الإتيان بهذه السنة، والأحوط للمسلم ألا يترك التسمية على الوضوء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/196)
لا تجب إعادة الوضوء بغير ناقض
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل عن الحكم الصحيح بخصوص الوضوء يقول البعض بأنه ليس من الواجب على المسلم أن يتوضأ لكل صلاة, إذا لم ينتقض الوضوء السابق (بحدث) , مثل خروج ريح وما شابهه. هل ذلك صحيح؟ وهل على المسلم أن يتوضأ لكل صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة ركن من أركان الإسلام التي لا يقوم إلا بها، وللصلاة شروط لا تصح إلا بها، ومنها (الطهارة وهي رفع الحدث الأكبر والأصغر) ويرفع الحدث الأصغر بالوضوء فيجب أن يكون العبد عند كل صلاة طاهرا متوضئا قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..) .
وإذا كان الإنسان على وضوئه، لم ينقضه بأحد النواقض وهي: (الخارج من السبيلين من البول والغائط والريح، والنوم وأكل لحم الإبل وغيرها) فحينها لا يجب عليه إعادة الوضوء وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/197)
كيف يتوضأ راكب الطائرة عند فقد الماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عُدِمَ الماءُ أو تجمَّدَ في الطائرة، أو حِيلَ دون استعماله خشيةَ تسَرُّبِه ووقوعِ أضرارٍ منه في الطائرة أو لم يكنْ كافياً، فكيف يكونُ وُضوء الراكب مع عدم وجود التُّراب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوضوءُ حسب ما ذكرْتَ متعذِّرٌ أو متعَسِّرٌ والله تعالى يقولُ: (وما جعَلَ عليْكم في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. فيتيمَّمُ الراكب على فراشِ الطائرة إنْ كان فيه غُبار وإنْ لم يكنْ فيه غُبار فإنَّه يصلِّي ولو بغير طهارة لعجزه عنها، وقد قال الله تعالى: (فاتَّقُوا الله ما استَطَعْتُم) التغابن/16، لكنْ إذا كان يُمكن أنْ يهبِط في المطار في آخر وقت الثانية وهي مِمَّا يُجمَع إليها ما قبلها فليُؤَخِّرْ أيْ فلْيَنْوِ جمْعَ التأخير ويُصلِّ الصلاتين إذا هبط في المطار، أمَّا إذا كان لا يُمكن كما لو كان هذا هو وقت الثانية في المجموعتين أو كانت الصلاة لا تُجمَع إلى ما بعدَها كصلاة العصر مع المغرب، وصلاة العشاء مع الفجر، وصلاة الفجر مع الظهر، فهذا يصَلِّي على حسب حاله.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص11.(5/198)
وضوء المرأة لأجل السوائل مستمرة الخروج
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله إني ألاقي مشكله صعبة في الطهارة لقد قرأت بعض الإجابات ولكني لم أجد مرادي بعد فأنا أحيانا وليس بشكل دائم تنزل مني بعض السوائل صفراء أو بيضاء وهي حسب ما قرأت تنقض الوضوء ويجب علي أن أتوضأ عند دخول وقت الصلاة ولكن أحيانا كثيرة أتوضأ قبل دخول وقت الصلاة إذا علمت بصعوبة وضوئي في المكان الذي سوف أذهب إليه فهل يعتبر وضوئي صحيحا وماذا علي أن أفعل حيال الصلوات التي صليتها بهذه الطريقة إذا لم يكن وضوئي صحيحا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان به حدث دائم كسلس البول، أو استحاضة أو نحوها فعليه أن يتوضأ لكل صلاة، ويجعل على فرجه ما يمنع تعدي الخارج عن موضعه لئلا ينجس بقية البدن والثياب، وطهارته طهارة ضرورة لا تتقدم وقت الصلاة فعليه مراعاة ذلك، وعلى الإنسان ان يتقي الله ما استطاع، وما جعل عليكم في الدين من حرج. وما سبق من الصلوات، وما فعل من الجهل فإنه صحيح يجزئ إن شاء الله فلا يحتاج إلى إعادة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/199)
حكم الوضوء بالماء الملوث غير النجس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوضوء بماء ملوث غير نجس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجابنا عن هذا السؤال الشيخ عبد الله بن منيع فقال: من قواعد الشريعة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار " ومن هذه القاعدة لا يجوز للمسلم أن يضر نفسه ومن ذلك استعمال الماء الملوث في الوضوء.
لذلك يحرم الوضوء بالماء الملوث، أما من توضأ بالماء الملوث فوضوؤه صحيح لأنه غير نجس ولكن فعله محرم لإضراره بنفسه. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/200)
هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأنني يجب أن أعيد الوضوء في كل مرة ألمس بها امرأة من غير المحارم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلمس امرأة أجنبية عنه، انظر تفصيل الأدلة وأقوال العلماء في إجابة السؤال رقم (21183) .
وأما نقض الوضوء بلمس المرأة ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا ينقض الوضوء، يراجع سؤال رقم (2178) ، ولا فرق بين كون المرأة من محارمه أو زوجته أو أجنبية عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/201)
يعاني من مرض جلدي فهل يتيمم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مرض جلدي (أكزما) ، ولم يتم العلاج منه حتى أنني أصبحت أتوضأ خمس مرات في اليوم فقط، حاولت كل الوسائل ولكن دون جدوى، ماذا أفعل إذا كان الوضوء يسبب لي طفحاً جلديّاً سيئاً جدّاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة/286.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ".
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) .
ومع أمر الله تعالى الواضح في وجوب الوضوء بالماء إلا أنه تعالى استثنى المريض من وجوب الوضوء بالماء وجعل له " التيمم ".
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً) المائدة/43.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
قوله: " أو خاف باسْتِعْمالِه، أو طَلبِهِ ضَرَرَ بَدَنِهِ ".
فإذا تضرَّر بَدَنُه باستعماله الماءَ صار مريضاً، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) الآية المائدة/6.
كما لو كان في أعضاء وُضُوئه قُروح، أو في بَدَنِه كُلِّه عند الغُسْل قُروح وخاف ضَرَر بَدَنِه فله أن يتيمَّم. " الشرح الممتع " (1 / 378، 379) ط ابن الجوزي.
وإن كان يمكنه أن يجعل الماء على جلده دون أن يتأثر جلده فليفعل، ولا يتشرط أن يدلك العضو أو أن يبالغ في غسله.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
وكذلك لا يبالغُ في الاستنشاق إذا كانت له جيوب أنفيَّة زوائد؛ لأنَّه مع المبالغة ربما يستقرُّ الماء في هذه الزوائد ثم يتعفَّن، ويصبح له رائحة كريهة ويصابُ بمرض، أو ضرر في ذلك، فهذا يقال له: يكفي أن تستنشق حتى يكونَ الماء داخل المنخرين. " الشرح الممتع " (1 / 210) ط ابن الجوزي.
وقال:
وإذا كان في الإنسان جيوبٌ أنفيةٌ، ولو بالغ في الاستنشاق احتقن الماءُ بهذه الجيوب وآلمه، أو فسد الماء وأدَّى إلى صديد أو نحو ذلك: ففي هذه الحال نقول له: لا تبالغ درءاً للضَّرر عن نفسك. " الشرح الممتع " (1 / 172) ط ابن الجوزي.
فإذا كان الوضوء يضر بجلدك أو يؤخر شفاءه: فعليك بالتيمم، ولا حرج عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/202)
أوقات النهي عن الصلاة لا تشمل الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقاً لكثير من الأحاديث فإن التهيؤ للصلاة والاستعداد لها هو بمنزلة الصلاة. هل هذا يعني أنه لا يجوز الوضوء أثناء شروق الشمس أو غروبها (الساعة 12صباحاً/12مساءً) ؟ أم أنه جائز؟ وإذا كان الإنسان يصلي صلاة فريضة طويلة وحان موعد الغروب أو الشروق فهل يقطع الصلاة أم يكملها؟
أيضاً: إذا كنا نصلي صلاة تراويح طويلة ولم ننته منها إلا بعد الساعة 12 مساءً، فهل يجب أن نتوضأ مرة أخرى بعد 12 ليلاً أم أن هذا لا يؤثر حيث أنها هي نفس الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ أنه قال: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) (صلاة المسافرين وقصرها/1373)
فالمنهي عنه في هذا الحديث هو الصلاة ودفن الميت، ولا يعتبر الوضوء له حكم الصلاة مطلقاً لأن الصلاة هي: التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
وهذه هي المقصودة بالنهي عنها في الحديث، وليس الوضوء، وقياس الوضوء على الصلاة في النهي قياس مع الفارق، فلا يصح، فلو تكلم الإنسان في أثناء وضوئه لم يكن وضوؤه باطلاً، بينما الكلام يبطل الصلاة، وغير ذلك من الفروق بين الصلاة الوضوء، والمقصود أنه لا يصح قياس الوضوء على الصلاة في النهي في هذه الأوقات، بل إن الإنسان يستحب له أن يكون على طهارة.
ثانياً:
لا تقطع صلاة الفريضة إذا كان يصليها وقرب شروق الشمس أو غروبها؛ وذلك أن إدراك الصلاة في وقتها يكون بإدراك ركعة منها في الوقت، فإذا كان يصلي الفجر - مثلاً - فأطال في الأولى، ثم دخل في الثانية وأطالها وطلعت عليه الشمس فحينها يقال لا بأس في فعله، ويكون قد أدَّى الصلاة في وقتها.
فإن طلعت عليه الشمس ولمَّا ينته من الركعة الأولى فيكون قد صلاها في غير وقتها وهو آثم على تطويله، ومثله يقال في العصر وفي باقي الصلوات.
ثالثاً:
إذا كان الإنسان على وضوئه، ولم ينتقض بأحد النواقض: فحينها لا يجب عليه إعادة الوضوء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد.
عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلوات يوم الفتح بوضوءٍ واحدٍ ومسح على خفَّيه فقال له عمر: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعْه، قال: عمداً صنعتُه يا عمر. رواه مسلم (277) .
قال النووي:
في هذا الحديث أنواع من العلم منها: جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به.
وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في " شرح صحيح البخاري " عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا، واحتجوا بقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. . .} الآية!
وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة.
ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة ومنها هذا الحديث.
وحديث أنس في صحيح البخاري: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث ".
وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سويقا، ثم صلى المغرب ولم يتوضأ ".
وفي معناه أحاديث كثيرة، كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك.
وأما الآية الكريمة فالمراد بها - والله أعلم - إذا قمتم محدِثين، وقيل: إنها منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول ضعيف. والله أعلم.
وأما قول عمر رضي الله عنه: صنعتَ اليوم شيئا لم تكن تصنعه؟ ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم: " عمدا صنعته يا عمر ".
" شرح مسلم " (3 / 177، 178) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/203)
الكلام بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك شيء يجب على الشخص أن لا يقوله بعد الوضوء للصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من توضأ للصلاة، فلا حرج عليه أن يتكلم بالكلام المباح، مع أهله وإخوانه وغيرهم، ولا يحرم عليه كلام معين لأجل وضوئه، بل ما كان محرما قبل الوضوء فهو محرم بعده، كالكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم، ونحو ذلك.
لكن لما كان الوضوء مكفراً للسيئات، تتساقط معه الذنوب، كان على العبد أن يجتهد في ترك المحرمات بعده، ليقف بين يدي الله تعالى طاهرا نقيا. فقد روى مسلم (244) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ ".
وروى أيضا (245) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/204)
هل يلزمها الوضوء من الإفرازات لتقرأ القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتوضا قبل قراءة القرآن فهل إذا خرجت إفرازات مني أثناء قراءتي للقرآن يجب على إعادة وضوئي لمتابعة القراءة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن من غير مس للمصحف، كما يجوز له أن يمس كتب التفسير وأن يقرأ القرآن منها، وليس له أن يمس المصحف إلا بوضوء. وانظري جواب السؤال رقم (10672) .
ثانيا:
الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة، ولكن في نقضها للوضوء خلاف، فذهب جماهير أهل العلم إلى أنها ناقضة للوضوء، ولكن إذا كانت مستمرة، فإنها تأخذ حكم السلس، فتتوضأ المرأة لوقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل، وتمس به المصحف، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات.
وأما إذا كانت الإفرازات غير مستمرة فيمكنك القراءة من المصحف بأن تجعلي على يدك حائلا بينك وبين المصحف كالقفاز ونحوه.
وانظري جواب السؤال رقم (2564) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/205)
هل يؤم المتيمم المتوضئين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤم المتيمم المتوضئين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن حزم:
وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ، والمتوضئُ المتيممينَ، والماسحُ الغاسِلينَ، والغاسلُ الماسحينَ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم، ولم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان.
وروي المنع في ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: لا يؤمُّ المتيممُ المتوضئين، ولا المقيَّدُ المطلَقين، وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله، وبه يقول يحيى بن سعيد الأنصاري.
وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي: لا يؤمهم.
وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم، فإن فعل أجزأه.
وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميراً.
قال علي - أي: ابن حزم -: النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنَّة ولا من إجماع ولا من قياس، وكذلك تقسيم من قسم، وبالله تعالى التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
" المحلى " (1 / 367، 368) .(5/206)
الإسراف في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[الوضوءُ في حَمَّامات الطائرة مِن قِبَل الركَّاب يجعل الماء يتساقط على أرضيَّة الحمام مما قد يُسَبِّب أضراراً فنيةً للطائرة. فهل يصِحُّ نُصْح الركاب بأنْ يتوضَّؤا مرةً مرةً وألاَّ يُسرِفوا في الماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا في ظني أنه غير مسلَّم لأنّ الإنسان العارف إذا توضأ جعل المتساقط من وضوئه في نفس الحوض الذي يصب فيه الماء. نعم بعض الناس لا يعرف فربما يخرج الماء إلى خارج الحوض، وأما الإسراف في الماء فنعم ينبغي للإنسان ألاّ يُسرف فيه.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 13.(5/207)
حامل ولا تستطيع أن ترفع رجلها لتغسلها في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حامل في الشهر الثالث والدكتور الخاص بي نصحني بعدم رفع رجلي للوضوء على الحوض لأن هذا فيه خطر علي كبير، وأنا بالمنزل أتوضأ في البانيو. ولكني أعمل، ولا يوجد أي طريقة لغسل رجلي إلا رفعها على الحوض
فسؤالي كالآتي: هل حرام لو مسحت على رجلي فقط من الأمام كحل مؤقت إلى أن ألد إن شاء الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غسل الرجلين فرض من فرائض الوضوء، لا يصح إلا به، بإجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (69761) .
ويمكنك دفع المشقة الحاصلة عليك بأحد أمرين:
الأول: أن تقومي بصب الماء على الرجلين بكوب أو بيدك أو بغير ذلك من غير رفعهما، وإذا وصل الماء إلى جميع القدم فقد حصل الغسل الواجب، وصحت بذلك الطهارة ولا يشترط الدلك باليد.
قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دَلْك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء " انتهى من "المجموع" (2/214) .
الثاني:
أن تتوضئي في البيت وتغسلي رجليك ثم تلبسي جوربا، فإذا أردت الوضوء بعد ذلك فإنه يكفيك المسح على الجوربين، لمدة 24 ساعة ما دمت مقيمة في البلد، و72 ساعة إذا كنت مسافرة.
ولمعرفة شروط المسح على الخفين راجعي السؤال رقم (9640) و (8186)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/208)
بعد الاستنجاء يحس بخروج شيء من الدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التغوط -أكرمكم الله- أحس بشيء يخرج من الدبر، أحياناً يكون هناك شيء، وأحياناً لا أجد. فسؤالي هو: هل عليّ أن أتفحص وضوئي لكل صلاة؟ وماذا بشأن الصلوات الفائتة؟ هل علي إعادتها؟ مع العلم أني لا أعرف عددها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قضى الإنسان وحاجته، واستنجى ثم توضأ، فهو على طهارة حتى يتيقن وجود ما ينقض طهارته، ولا ينتقض وضوؤه بمجرد الشك، حتى ولو قوي الشك ووصل إلى غلبة الظن.
وعليه؛ فمجرد الشعور بخروج شيء من الدبر لا يعدّ ناقضاً للوضوء، وينبغي الحذر من الوسوسة، وما دمت قد استنجيت ونقيّت المحل، فلا يلزمك الفحص قبل الصلاة.
وما أديته من الصلوات لا يلزمك إعادته، لأنك كنت على طهارة، ولم تتيقن وجود ما ينقضها.
وقد دل على هذا الأصل ما رواه البخاري (137) ومسلم (361) عَنْ عبد الله بن زيد رضي الله عنه أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (لا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
قال النووي رحمه الله: " وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الإِسْلام، وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلاف ذَلِكَ، وَلا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ: المَسْأَلَة الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث، وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف ... قَالَ أَصْحَابنَا: وَلا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الاحْتِمَالانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال " انتهى من "شرح مسلم".
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عند ما أتبول وأتوضأ ثم أصلي أحس بخروج شيء من ذكري، ولو فتشت عن ذلك لوجدت أنه قد خرج بعض البول، فما الحل؟
فأجاب: "لا شك أن الله عز وجل من حكمته أنه جعل للبول والغائط ما يمسكه من الأعصاب القوية التي تشد عليه حتى لا يخرج منه شيء، لكن قد تصاب هذه الأعصاب بمرض فتسترخي فيخرج البول، إما باستمرار، وإما في وقت دون آخر، وقد يكون الإنسان نفسه هو السبب في ذلك، فإن من الناس من إذا انتهى من البول أمسك مجاري البول من عند الدبر إلى رأس الذكر يسلتها سلتاً، ومن الناس من يبقى يتعصر حتى يخرج آخر قطرة من البول، وهذا غلط، حتى وإن كان بعض الفقهاء يقولون: إنه يسن السلت والنتر فإنه قول ضعيف، بل هو بدعة كما نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكما هو ظاهر من السنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما حفظ عنه أبداً أنه يسلت مجاري البول من عند الدبر إلى رأس الذكر أبداً، ولا أنه يتعصر وينتر الذكر أبداً، لكن بعض الناس يفعل هذا؛ إما تقليداً لقول من قاله من الفقهاء، وإما لأنه يتوهم أنه إذا لم يفعل هذا يبقى البول في ذكره، وهذا غلط. إذا بال الإنسان فليغسل رأس الذكر فقط وكفى، ولا حاجة لأن يعصر القصبة أبداً ولا يحركها، بل يغسل رأس الذكر الذي أصابه البول، وينتهي كل شيء، لو اعتاد الإنسان هذا لما حصل له هذا المرض الذي تسبب له هو. فنصيحتي لهذا الأخ: أن يُعْرِض عن هذا، ولا يلتفت إليه، ولا ينتر الذكر ولا يسلته، بل يدعه على طبيعته، فإذا خرجت آخر نقطة غسل رأس الذكر، ربما يحس الإنسان بحركة في ذكره، فليس عليه أن ينظر؛ لأن بعض الناس إذا أحس بحركة أرخى سراويله وجعل يعصر ذكره من فوق، إذا عصره فلابد أن يخرج شيء، لكن دعه ولا تلتفت له، حتى إن بعض العلماء رحمهم الله قال: إنه في هذا الحال إذا ابتلي بهذا الوسواس يرش على سراويله الماء من أجل إذا فكر أو شك يحمل ذلك على هذا الماء، لكن نحن نقول: لا حاجة لهذا، هذا تكلف، أعرض عن هذا، ولا تشتغل به، ويزول عنك بإذن الله، ولا تذهب إذا أحسست ببرودة في رأس الذكر، أو أحسست بحركة في داخل الذكر لا تذهب لتنظر، دع هذا " انتهى من "اللقاء الشهري".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/209)
هل يصح الوضوء مع وجود أثر المكياج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الوضوء مع وجود المكياج على الوجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من شمع وعجين ومادة لاصقة ونحو ذلك، حتى يتحقق المراد من غسل أعضاء الوضوء.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
وقد ذكر في "الإنصاف" (1/144) : أن من شروط صحة الوضوء: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو.
وقال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل.
ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه، دون عينه، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى.
ويُعلم من هذا أن المكياج إذا أزيل قبل الوضوء، أو بقي لونه فقط، فإن الوضوء صحيح.
وعلى هذا، فإذا كان المكياج يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يصح الوضوء، وأما إذا كان مجرد لون أو كان يسيرا بحيث لا يمنع وصول الماء إلى البشرة فإن الوضوء صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/210)
حكم تخليل اللحية في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخليل اللحية في الوضوء؟ وما هو الراجح من أقوال أهل العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اللحية إن كانت خفيفة يظهر جلد الوجه من تحتها، وجب تخليلها وغسل ما تحتها، لأنه داخل في حد الوجه.
وإن كانت كثيفة لا يظهر جلد الوجه من تحتها، فلا يجب غسل ما تحتها، ويستحب تخليها، في قول جمهور العلماء، وهو الراجح.
قال ابن قدامة رحمه الله: " اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها. وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها , ويستحب تخليلها.
وقال إسحاق: إذا ترك تخليل لحيته عامدا أعاد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخلل لحيته) رواه عنه عثمان بن عفان. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال البخاري: هذا أصح حديث في الباب. وروى أبو داود عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه. وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل) . وعن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك , ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها) رواه ابن ماجه.
وقال عطاء وأبو ثور: يجب غسل باطن شعور الوجه وإن كان كثيفا كما يجب في الجنابة ; لأنه مأمور بغسل الوجه في الوضوء كما أمر بغسله في الجنابة , فما وجب في أحدهما وجب في الآخر مثله.
ومذهب أكثر أهل العلم أن ذلك لا يجب , ولا يجب التخليل ; وممن رخص في ترك التخليل ابن عمر , والحسن بن علي , وطاوس , والنخعي , والشعبي , وأبو العالية , ومجاهد , وأبو القاسم , ومحمد بن علي , وسعيد بن عبد العزيز وابن المنذر ; لأن الله تعالى أمر بالغسل , ولم يذكر التخليل , وأكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكه. ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم , وتركه لذلك يدل على أن غسل ما تحت الشعر الكثيف ليس بواجب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية فلا يبلغ الماء ما تحت شعرها بدون التخليل والمبالغة , وفعله للتخليل في بعض أحيانه يدل على استحباب ذلك , والله أعلم " انتهى من "المغني" (1/74) .
وقال النووي رحمه الله: " اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته , هذا هو المذهب الصحيح المشهور، الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به جمهور الأصحاب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم.
وحكى الرافعي قولا ووجها أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب المزني وأبي ثور " انتهى من "المجموع" (1/408) .
ومن أدلة الجمهور على أن تخليل اللحية الكثيفة غير واجب، وأن باطن اللحية الكثيفة لا يجب غسله: ما رواه البخاري (140) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ. . . ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ.
ووجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، فغرفة واحدة لا تكفي لغسل الوجه، وغسل ما تحت اللحية، فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بغسل ظاهرها فقط.
وانظر: "المجموع" (1/408) ، "نيل الأوطار" (1/190) .
ثانيا:
احتج من أوجب التخليل بما روى أبو داود (145) عَنْ أَنَسٍ ابْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ) .
وهو حديث مختلف فيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما حديث أنس فرواه أبو داود وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال ...
وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة " انتهى من "التلخيص الحبير" (1/86) باختصار.
والحديث صححه ابن القيم في "تهذيب السنن"، والألباني في "صحيح أبي داود".
وعلى فرض صحته، فيحمل الأمر فيه على الاستحباب، جمعا بينه وبين الأدلة الأخرى؛ إذ أكثر من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يذكر التخليل، ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم.
ثالثا:
ينبغي التنبه إلى أن ظاهر اللحية الكثيفة يجب غسله، ولو كانت مسترسلة؛ لأنها داخلة في حد الوجه. فيغسل ظاهرها وجوبا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من سنن الوضوء: تخليل اللحية الكثيفة، واللحية إما خفيفة، وإما كثيفة.
فالخفيفة هي التي لا تستر البشرة، وهذه يجب غسلها وما تحتها؛ لأن ما تحتها لما كان باديا كان داخلا في الوجه الذي تكون به المواجهة، والكثيفة: ما تستر البشرة، وهذه لا يجب إلا غسل ظاهرها فقط، وعلى المشهور من المذهب يجب غسل المسترسل منها.
وقيل: لا يجب، كما لا يجب مسح ما استرسل من الرأس، والأقرب في ذلك الوجوب، والفرق بينها وبن الرأس: أن اللحية وإن طالت تحصل بها المواجهة؛ فهي داخلة في حد الوجه، أما المسترسل من الرأس فلا يدخل في الرأس، لأنه مأخوذ من الترؤس وهو العلو، وما نزل عن حد الشعر، فليس بمترئس " انتهى من "الشرح الممتع" (1/106) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/211)
الوضوء مع وجود طلاء الشفاه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر طلاء الشفاه حائلا للوضوء؟ والطلاء عموما إذا توضأنا يخف لكن لا يزول؟ وهل تعاد الصلوات السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من طلاء وغيره، لكن إن بقي لونه أو أثره بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها، دون أن يثبت، صح الوضوء.
قال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل.
ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه، دون عينه، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى.
وعليه فينبغي أن تزيلي طلاء الشفاه قبل الوضوء، بحيث لا يبقى جرمه الذي يمنع وصول الماء، أما بقاء اللون والأثر الدهني فلا يضر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/212)
هل ينتقض الوضوء بلمس المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مس المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟ مع ذكر اختلاف العلماء في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في نقض الوضوء بمس المرأة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن لمس المرأة ينقض الوضوء بكل حال، سواء كان اللمس بشهوة أم لا، وسواء قصد ذلك أم حصل سهواً أو اتفاقاً. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
واستدل بقوله تعالى: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) النساء/43.
والأصل في معنى اللمس أنه اللمس باليد.
وقد جاء في الأحاديث استعمال اللمس بمعنى لمس اليد، كما في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لماعز رضي الله عنه: (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) رواه أحمد في المسند (2130) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) رواه أحمد (8392) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (8204) .
ولكن هذه الأحاديث تدل على أن المس أو اللمس يطلق ويراد به ما دون الجماع، وهذا لا نزاع فيه، وإنما النزاع هل الملامسة في الآية يراد بها الجماع أو ما دونه؟ وهذه الأحاديث لا تدل على شيء من هذا.
وهذا القول هو أضعف الأقوال في هذه المسألة، قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الاختيارات (ص18) : " إذا مس المرأة لغير شهوة فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوءاً ولا يستحب الوضوء منه " انتهى.
القول الثاني:
أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بغير شهوة. وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
وقد دل على هذا القول عدة أدلة:
1- أن الأصل بقاء الطهارة وعدم نقضها حتى يأتي دليل صحيح يدل على أن هذا الشيء ناقض للوضوء، ولا يوجد هذا الدليل هنا، وأما الآية فسيأتي أن المراد بها الجماع، وليس مطلق الملامسة.
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) رواه البخاري (382) وفي رواية للنسائي (166) بإسناد صحيح: (حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ) صححه الألباني في سنن النسائي.
3- وعنها رضي الله عنها قالت: (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ) رواه مسلم (486) ، وفي رواية للبيهقي بإسناد صحيح: (فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ..) وهي عند النسائي أيضاً (169) .
وظاهر هذه الأحاديث بلا شك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مس عائشة رضي الله عنها وهو يصلي، ولو كان مس المرأة ناقضاً للوضوء لبطل الوضوء والصلاة.
وأجاب الشافعية عن هذه الأحاديث جواباً ضعيفاً، فقالوا: لعله كان من فوق حائل!!
قال الشوكاني: وهذا التأويل فيه تكلُّف ومخالفة للظاهر.
4- وعنها رضي الله عنها (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رواه أبو داود (179) وصححه ابن جرير وابن عبد البر والزيلعي، والألباني في صحيح أبي داود.
وضعفه كثيرون: منهم سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل والدارقطني والبيهقي والنووي.
فإن صح هذا الحديث فهو ظاهر جداً في الدلالة على هذا القول، وإن لم يصح فإنه يغني عنه الأحاديث الصحيحة السابقة، مع التمسك بالأصل وهو صحة الطهارة، وعدم الدليل على نقض الوضوء بمس المرأة.
القول الثالث: التفصيل:
إن كان المسّ بشهوة نَقض، وإن كان بغير شهوة لم ينقض. وهذا مذهب المالكية والحنابلة. وهؤلاء حاولوا الجمع بين النصوص، الآية: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) وهي دالة على نقض الوضوء بمس المرأة عندهم، والأحاديث التي استدل بها من رأى عدم النقض.
وهذا المسلك صحيح لو كانت الآية دالة على نقض الوضوء بمطلق المس - كما ذهبوا إليه - ولكن الصحيح في معنى الآية: أن المراد بها الجماع، كذا فسرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واختاره ابن جرير، وتفسيره رضي الله عنه مقدم على تفسيره غيره، لدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: (اللهم فقّهه في الدين وعلمّه التأويل) رواه أحمد وأصله في البخاري، وصححه الألباني في تحقيق الطحاوية.
وانظر: "محاسن التأويل" للقاسمي (5/172) .
وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عن الجماع بالمس في غير ما آية:
قال تعالى: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) البقرة/236.
وقال تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) البقرة/237.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب/49.
ثم الآية عند التأمل تدل على هذا القول (أن المراد بالملامسة فيها الجماع) ، وبيان ذلك:
" أن الله تعالى قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) المائدة/6، فهذه طهارة بالماء أصليّة صغرى. ثم قال: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) فقوله: (فَتَيَمَّمُواْ) هذا البدل، وقوله: (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) هذا بيان سبب الصغرى، قوله: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) هذا بيان سبب الكبرى.
ولو حملناه على المس الذي هو الجسُّ باليد، كانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى، وسكت الله عن سبب الطهارة الكبرى، مع أنه قال: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ) وهذا خلاف البلاغة القرآنية.
وعليه، فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) أي: " جامعتم " ليكون الله تعالى ذكر السببين الموجبين للطهارة " انتهى من الشرح الممتع " (1/240) .
وانظر: "بدائع الصنائع" (1/132) "الفقه المالكي" (1/89) "المجموع" (2/21) .
وأرجح هذه الأقوال هو القول الثاني، أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بدون شهوة.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (12/222) واختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز (10/134) والشيخ ابن عثيمين (1/286) وعلماء اللجنة الدائمة (5/266) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/213)
لا تستطيع خلع الحجاب عند الوضوء في محل عملها فهل تمسح عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ومن الصعب علي الوضوء للصلاة (أي خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين) والسؤال هل الأفضل أن أمسح على الحجاب وأمسح الأذنين قدر استطاعتي فقط؟ أم أن أجمع صلاة الظهر والعصر بالمنزل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الظاهر أن تحرجك من خلع الحجاب هو لوجود الرجال الأجانب في محل عملك، فإن كان الأمر كذلك فاعلمي أن اختلاط المرأة بالرجال الأجانب عنها يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثرة، كالخلوة والنظر والخضوع بالقول وفتنة القلب وغير ذلك مما لا يخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط.
ثانيا:
من ابتليت بذلك، وحان وقت الصلاة أثناء عملها، ولم يمكن تأخيرها إلى حين رجوعها لبيتها، فإنها تصلي في أستر موضع في محل العمل، مع سترها لوجهها وكفيها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (39178) .
ثالثا:
قولك: إنه من الصعب خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين في الوضوء، يثير تساؤلا، وهو كيف تغسلين ذراعيك وقدميك في حضرة الرجال؟
ولا يخفى عليك أن الذراعين والقدمين هما من العورة التي يجب سترها عن الأجانب، وأما الوجه والكفان ففيهما خلاف، والراجح وجوب سترهما أيضا، وانظري السؤال رقم (11774) .
رابعا:
يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها عند الحاجة، كشدة البرد، أو مشقة خلع الحجاب ولبسه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها؟
فأجاب: " المشهور من مذهب الإمام أحمد، أنها تمسح على الخمار إذا كان مدارا تحت حلقها، لأن ذلك قد ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن.
وعلى كل حال فإذا كانت هناك مشقة، إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى، فالتسامح في مثل هذا لا بأس به، وإلا فالأولى ألا تمسح " انتهى.
"فتاوى الطهارة" (ص 171) .
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/60) : " ويصح المسح أيضا على خُمُرِ نساء مُدارةٍ تحت حلوقهن؛ لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر " انتهى.
ومادام الخمار ساترا للأذنين، فإنه يكفي المسح على الخمار، ولا يلزم إدخال اليدين تحت الخمار لمسحهما، وكذلك الرجل إذا لبس عمامة، فإنه لا يلزمه مسح الأذنين، ولو كانتا مكشوفتين، بل يستحب ذلك فقط.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويسن أيضا أن يمسح ما ظهر من الرأس كالناصية وجانب الرأس والأذنين ".
"فتاوى الطهارة" (ص 170) .
خامسا:
على المرأة المسلمة أن تحرص على تقوى الله تعالى، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، والبعد عن العمل المختلط الذي قد يُحل بها غضب الله وسخطه، والحذر من إيثار الدنيا على الآخرة، فإنها متاع زائل، وما عند الله لا ينفد. وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 49) .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/214)
يجزئ غسل الرجل مرة واحدة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أغسل رجلي في الوضوء لا يمكنني عد الغسلات ولكني أكتفي بغسلها كلها مع الدلك وتخليل الأصابع بالسبابة فهل هذه الكيفية تجزئ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هذه الكيفية تجزئ، وقد أجمع العلماء على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن المرتين والثلاث سنة. وذلك لما روى البخاري (157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب فِي غَسْلِ الأَعْضَاء مَرَّة مَرَّة، وَعَلَى أَنَّ الثَّلاث سُنَّة، وَقَدْ جَاءَتْ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالْغَسْلِ مَرَّة مَرَّة، وَثَلاثًا ثَلاثًا وَبَعْض الأَعْضَاء ثَلاثًا وَبَعْضهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضهَا مَرَّة. قَالَ الْعُلَمَاء: فَاخْتِلافهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ كُلّه، وَأَنَّ الثَّلاث هِيَ الْكَمَال وَالْوَاحِدَة تُجْزِئُ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَل اِخْتِلاف الأَحَادِيث " انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله: " وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ " انتهى من "نيل الأوطار" (1/188) .
ولكن لا ينبغي للإنسان أن يداوم على غسل الأعضاء مرة مرة، ويترك الأكمل، فإنه بذلك يحرم نفسه مزيداً من الثواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/215)
يدخل الماء إلى أنفه في الوضوء عند غسل الوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء الوضوء أستنشق وأستنثر ثلاث مرات ولكني عندما أغسل وجهي يدخل بعض الماء في أنفي فأستنثره، فهل هذا جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج عليك في إخراج الماء الذي قد يدخل إلى أنفك أثناء غسل الوجه، بعد انتهائك من المضمضة والاستنشاق، ولا يعدّ هذا زيادة على الثلاث الواردة في السنة، لأن دخول الماء لم يكن بقصد منك.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الأفضل في غسل الوجه أن يبدأ من أعلاه، فلعلك إذا فعلت ذلك لم يدخل الماء في أنفك.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/215) :
" قال الماوردي: صفة غسل الوجه المستحبة أن يأخذ الماء بيديه جميعا لأنه أمكن وأسبغ , ويبدأ بأعلى وجهه ثم يحدره ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل , ولأن أعلى الوجه أشرف لكونه موضع السجود , ولأنه أمكن فيجري الماء بطبعه ثم يمر يديه بالماء على وجهه حتى يستوعب جميع ما يؤمر بإيصال الماء إليه , فإن أوصل الماء على صفة أخرى أجزأه " انتهى.
وذكر أيضاً في "مواهب الجليل" (1/187) في صفة غسل الوجه: أنه يبدأ من أعلاه.
ثانياً:
قد دلت السنة على أن الاستنشاق والاستنثار يكون ثلاثا، كما روى البخاري (186) ومسلم (235) – واللفظ له - عن عَبْد اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه تَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا) .
فهذا الحديث يدل على أن السنة ألا يفصل بين المضمضمة والاستنشاق، بل يمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يمضمض ويستنشق، ثم يمضمض ويستنشق. خلافا لما يفعله كثير من الناس من الفصل بينهما، فيمضمض ثلاث مرات، ثم يستنشق ثلاثاً.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم":
" قَالَ أَصْحَابنَا: وَعَلَى أَيّ صِفَة وَصَلَ الْمَاء إِلَى الْفَم وَالأَنْف، حَصَلَتْ الْمَضْمَضَة وَالاسْتِنْشَاق. وَفِي الأَفْضَل خَمْسَة أَوْجُهٍ: الأَوَّل: يَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق بِثَلاثِ غُرُفَات، يَتَمَضْمَض مِنْ كُلّ وَاحِدَة ثُمَّ يَسْتَنْشِق مِنْهَا. . . وهذا الْوَجْه هوَ الصَّحِيح، وَبِهِ جَاءَتْ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا. وَأَمَّا حَدِيث الْفَصْل فَضَعِيف، فَيَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَى الْجَمْع بِثَلاثِ غُرُفَات كَمَا ذَكَرْنَا، لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن زَيْد الْمَذْكُور فِي الْكِتَاب " انتهى بتصرف.
وأما الزيادة على الثلاث فمكروهة، والأصل في ذلك ما رواه النسائي (140) وأبو داود (135) وابن ماجه (422) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلاثًا ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
قال النووي رحمه الله في تتمة كلامه السابق:
" وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الزِّيَادَة عَلَى الثَّلاث، وَالْمُرَاد بِالثَّلاثِ الْمُسْتَوْعِبَة لِلْعُضْوِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَسْتَوْعِب الْعُضْو إِلا بِغرْفَتَيْنِ فَهِيَ غَسْلَة وَاحِدَة.
وَلَوْ شَكّ هَلْ غَسَلَ ثَلاثًا أَمْ اِثْنَتَيْنِ؟ جَعَلَ ذَلِكَ اِثْنَتَيْنِ وَأَتَى بِثَالِثَةٍ , هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ مِنْ أَصْحَابنَا: يَجْعَل ذَلِكَ ثَلاثًا وَلا يَزِيد عَلَيْهَا مَخَافَة مِنْ اِرْتِكَاب بِدْعَة بِالرَّابِعَةِ، وَالأَوَّل هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِد، وَإِنَّمَا تَكُون الرَّابِعَة بِدْعَة وَمَكْرُوهَة إِذَا تَعَمَّدَ كَوْنهَا رَابِعَة، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
والحاصل أنه لا شيء عليك في إخراج الماء الذي يدخل إلى أنفك من غير قصد، ولا يعد هذا زيادة في الوضوء، لأنك لم تتعمد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/216)
هل يجزئ مسح بعض الرأس في الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن عند الوضوء مسح جزء صغير من الرأس على أن يكون من الجزء الخلفي وليس الأمامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع المسلمون على وجوب مَسْح الرَّأْسِ في الوضوء، لقول اللَّه تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6.
واتفق الفقهاء على أن الأفضل استيعاب الرأس بالمسح، غير أنهم اختلفوا هل هذا الاستيعاب واجب أم لا؟
فذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب مسح الرأس كله.
وذهب الحنفية والشَّافعية إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس.
واستدل المالكية والحنابلة بعدة أدلة:
1- قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وهذا يتناول جميع الرأس. وهذه الآية: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كقوله تعالى فِي التَّيَمُّمِ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والوجه يجب استيعابه في التيمم فكذلك الرأس هنا.
انظر: "مجموع الفتاوى" (21/125) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" اختلف الفقهاء فيمن مسح بعض الرأس، فقال مالك: الفرض مسح جميع الرأس، وإن ترك شيئا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه، هذا هو المعروف من مذهب مالك، وهو قول ابن علية، قال ابن علية: قد أمر الله بمسح الرأس في الوضوء كما أمر مسح الوجه في التيمم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء ولا مسح بعضه في التيمم، فكذلك مسح الرأس " انتهى.
" التمهيد " (20 / 114) .
2- واستدلوا بفعله صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يثبت عنه أنه اقتصر على مسح بعض الرأس.
واحتج الأحناف والشافعية بأدلة منها:
1ـ قوله تعالى (وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم) قالوا: والباء للتبعيض، فكأنه قال: (وامسحوا بعض رؤوسكم) .
وأجيب عن هذا: بأن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للإلصاق، ومعنى الإلصاق: أنه يجب أن يلتصق بالرأس شيء من الماء الذي يمسح به.
انظر: "مجموع الفتاوى" (21/123) .
2ـ ما رواه مسلم (247) عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ) . قالوا: فاقتصر صلى الله عليه وسلم على مسح الناصية وهي مقدم الرأس.
وأجيب عن هذا: بأنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، وأكمل المسح على العمامة، ومسح العمامة يقوم مقام مسح الرأس.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/193) : " لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ أَلْبَتَّةَ , وَلَكِنْ كَانَ إذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَكْمَلَ عَلَى الْعِمَامَةِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين " إجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العمامة معه، فلا يدلُّ على جواز المسح على الناصية فقط " انتهى من "الشرح الممتع" (1/178) .
وبهذا يظهر أن الراجح من القولين هو القول بوجوب مسح الرأس كله في الوضوء.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/227) : " الواجب مسح جميع الرأس في الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) ولما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال: (ومَسَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) , وفي لفظ لهما: (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه , ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/187) : " ولو مسح بناصيته فقط دون بقيَّة الرَّأس فإنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) المائدة/6 ولم يقل: (ببعض رؤوسكم) " انتهى.
وأما صفة مسح الرأس فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45867) فلينظر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/217)
لا يشرع مسح العنق في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب مسح العنق في الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يستحب مسح العنق في الوضوء، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عنقه في الوضوء، بل ولا روي عنه ذلك في حديث صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح على عنقه ; ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم، ومن استحبه فاعتمد فيه على أثر يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أو حديث يضعف نقله: أنه مسح رأسه حتى بلغ القَذَال. ومثل ذلك لا يصلح عمدة، ولا يعارض ما دلت عليه الأحاديث، ومن ترك مسح العنق فوضوءه صحيح باتفاق العلماء " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/127) .
وهذا الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه حتى بلغ الْقَذَالَ، وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا) . رواه أبو داود (132) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
وذكر النووي في "المجموع" (1/489) اختلاف أصحاب الشافعي رحمهم الله في مسح الرقبة في الوضوء، ثم قال: هذا مختصر ما قالوه، وحاصله أربعة أوجه: أحدها: يسن مسحه بماء جديد. والثاني: يستحب ولا يقال مسنون. والثالث: يستحب ببقية ماء الرأس والأذن. والرابع: لا يسن ولا يستحب. وهذا الرابع هو الصواب، ولهذا لم يذكره الشافعي رضي الله عنه، ولا أصحابنا المتقدمون، ولم يذكره أيضا أكثر المصنفين , ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) وأما الحديث المروي عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ. فهو حديث ضعيف بالاتفاق. وأما قول الغزالي: إن مسح الرقبة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ) فغلط، لأن هذا موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
و (الْغُلِّ) هو القيد والسلاسل التي يكون في الرقبة. قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ) الرعد/5. وقال: (وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سبأ/33.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/195) :
" ولم يصح عنه (صلى الله عليه وسلم) في مسح العنق حديث البتة " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز:
" لا يستحب ولا يشرع مسح العنق، وإنما المسح يكون للرأس والأذنين فقط، كما دل على ذلك الكتاب والسنة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/102) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/218)
هل فرض الرجلين أثناء الوضوء الغسل أم المسح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ذكر الله سبحانه المسح للأرجل أثناء الوضوء في الآية الكريمة (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فالذي تعلمناه أننا نغسل أرجلنا أثناء الوضوء، فلم جاءت الكلمة " امسحوا "؛ لأن زميلتي سألتني هذا السؤال وقالت لي: أنا أمسح رجلي أثناء الوضوء ولا أغسلها فلم أعرف بم أجيبها، هل فيها نوع من الإعجاز؟ وما الحكمة من ذكر المسح بدل الغسل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الوضوء هو غسل الرجلين، ولا يكفي مسحهما، وفهم زميلتك من الآية أنها تدل على مسح الرجلين غير صحيح.
والدليل على أن الواجب هو غسل الرجلين، ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) .
وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) .
والعقب هو مؤخر القدم.
قَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِح مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ.
قال الحافظ ابن حجر:
" وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور " انتهى.
"فتح الباري" (1/320) .
وأما الآية، وهي قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فإنها لا تدل على جواز مسح الرجلين، وبيان ذلك: أن في الآية قراءتين:
الأولى: (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام، فتكون الأرجل معطوفة على الوجه، والوجه مغسول، فتكون الأرجل مغسولة أيضاً، فكأن لفظ الآية في الأصل: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم) ولكن أُخِّرَ غسلُ الرجل بعد مسح الرأس للدلالة على أن ترتيب الأعضاء في الوضوء يكون على هذا النحو، غسل الوجه، ثم الأيدي، ثم مسح الرأس، ثم غسل الأرجل.
انظر: "المجموع" (1/471) .
القراءة الثانية: (وَأَرْجُلِكُمْ) بكسر اللام، فتكون معطوفة على الرأس، والرأس ممسوح، فتكون الأرجل ممسوحة.
غير أن السنة بينت أن المسح إنما هو على الخفين أو الجوربين بشروط معروفة في السنة.
انظر: "المجموع" (1/450) ، "الاختيارات" (ص 13) .
ولمعرفة شروط المسح على الخفين انظر السؤال (9640) .
وبهذا يتبن أن الآية على القراءتين لا تدل على مسح الأرجل، وإنما تدل على وجوب غسل الأرجل، أو مسح الخفين لمن يلبس الخفين.
وقد ذهب بعض العلماء – على قراءة الجر – إلى أن الحكمة من ذكر المسح في حق الأرجل مع أنها مغسولة إشارة إلى أنه ينبغي الاقتصاد في استعمال الماء عند غسل الرجلين، لأن العادة الإسراف عند غسلهما، فأمرت الآية بالمسح أي بأن يكون الغسل بلا إسراف في الماء.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/186) :
" ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف. قال أبو علي الفارسي: العرب تسمي خفيف الغسل مسحا , فيقولون: تمسحت للصلاة. أي توضأت " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً " انتهى "منهاج السنة" (4/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/219)
كيف يتوضأ ويغتسل من عليه عصابة بسبب جرح
[السُّؤَالُ]
ـ[لو كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء فهل يتوضأ المسلم الوضوء الكامل ثم يتيمم بالنسبة للجزء الذي فيه جرح في النهاية، أم يتيمم فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء , فهذا الجرح إما أن يكون مكشوفاً وإما أن يكون عليه لصوق أو رباط.
فإن كان عليه لصوق أو رباط فإنه يغسل الجزء الصحيح ثم يبل يده بالماء ويمسح على اللصوق , ولا يحتاج مع هذا المسح إلى التيمم.
وقد رويت أحاديث في المسح على الجبائر إلا أنها كلها ضعيفة غير أنه قد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
" وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. . . وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ " انتهى.
"المجموع" (2/368) .
أما إن كان الجرح مكشوفاً فالواجب غسله بالماء إن أمكن , فإن كان الغسل يضره , وأمكن مسحه , فالواجب مسحه , فإن تعذر , فإنه يُبقي هذا الجرح بلا غسل ولا مسح , ثم إذا انتهى من الوضوء تيمم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/169) :
" قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً.
فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء , فإن تعذر غسله بالماء فالمسح للجرح , فإن تعذر المسح فالتيمم , وهذا على الترتيب.
وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به , فليس فيه إلا المسح فقط، فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم , كما لو كان مكشوفاً , هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إن كان عليه جبيرة مسح عليها، وإن كان مكشوفاً تيمم عنه " انتهى.
فتاوى ابن باز (10/118) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى، فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح؟
فأجاب:
" لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح، لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم، ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة؛ لأن في ذلك خطراً عليك، فأَبْقها على وضعها، وإذا توضأتَ تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد، وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام، ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح، ولو لم تكن عند وضعها على طهارة، ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح.
فالحاصل: أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة، بل يتعين أن تبقيها للمصلحة، وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/220)
هل وجود الزيت والحبر وإفرازات العين المتجمدة يؤثر على الطهارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمنع الوضوء وجود سمن أو زيت أو حبر أقلام الكتابة علي أحد أعضائه؟ وهل شمع الأذن وإفرازات العين المتجمدة تمنع الطهارة؟ وهل هناك أحاديث صحيحة تتحدث في هذا الشأن؟ وهل اتفق العلماء في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الضابط في هذا: (أن ما يمنع وصول الماء إلى العضو لا يصح معه الوضوء. وما لا يمنع وصول الماء إلى العضو فيصح معه الوضوء) .
وعلى هذا: يصح الوضوء مع وجود الحبر على أعضاء الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماء إلى العضو.
وأما السمن فإن كان له جرم يمنع وصول الماء إلى العضو لم يصح معه الوضوء، أما إن كان الباقي على العضو أثره فقط، أو كان سائلا كالزيت، فيصح معه الوضوء، لكن يتأكد هنا دلك العضو لأن الدهن يتمايز معه الماء. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9493) .
قال النووي في "المجموع" (1/456) :
" إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل , ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى.
ثانيا: إفرازات العين المتجمدة التي تكون في موق العين يجب إزالتها عند بعض أهل العلم، وقد ورد في مسح المأقين حديث ضعيف، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45812) .
ثالثا: أما شمع الأذن فما كان منه على صماخ الأذنين، فيجب إزالته، بخلاف ما كان بداخل الأذن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34172) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/221)
هل يلزم من يغتسل للتبرد أن يتوضأ للصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اغتسل المسلم غسله العادي ولم يتوضأ فهل يجوز له أن يصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المستحب للمسلم أن يتوضأ قبل غسله؛ اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والغسل إذا كان عن حدث أكبر مثل غسل الجنابة والحيض، وكان المغتسل قد عمَّم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق: فإنه يجزئه عن الوضوء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بعد غسله.
وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (5032) فلينظر.
أما إن كان الغسل غسل تبرد وتنظف: فلا يجزئه عن الوضوء.
سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ الغسل من الجنابة عن الوضوء؟
فأجاب:
" إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء، فأحدث بعد الغسل، فيجب عليه أن يتوضأ، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 180) .
وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – أيضاً: هل يجزئ الغسل غير المشروع عن الوضوء؟
فأجاب:
" الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 181) .
وسُئل رحمه الله – أيضاً -: هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟
فأجاب:
" الاستحمام إن كان عن جنابة: فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق: فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر؛ لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطَّهَّر، أي: أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أن المغتسل من الجنابة يتوضأ أولاً؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده.
أما إذا كان الاستحمام لتنظيف أو لتبرد: فإنه لا يكفى عن الوضوء؛ لأن ذلك ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة، لكن لا على هذا الوجه، بل النظافة مطلقا في أي شيء يحصل فيه التنظيف.
وعلى كل حال: إذا كان الاستحمام للتبرد أو النظافة: فإنه لا يجزئ عن الوضوء " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 182) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/222)
إذا توضأ لقراءة القرآن فلا بأس من الصلاة بهذا الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت فتوى تقول أنني لو توضأت لقراءة القرآن فلا يصح أن أصلي بنفس الوضوء، ولو توضأت مثلاً للصلاة فلا يصح أن أقرأ القرآن بهذا الوضوء، فما صحة هذا الكلام وبماذا أستدل على قائليه، وإن كان صحيحاً فماذا أنوي عند وضوئي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الفتوى غير صحيحة، بل من توضأ لشيء مما يستحب له الوضوء أو يجب فقد صح وضوؤه وارتفع حدثه، ويجوز له أن يفعل ما توضأ من أجله وغيره، ما دام لم يحدث.
فمن توضأ لقراءة القرآن جاز له أن يصلي بهذا الوضوء، ومن توضأ للصلاة، جاز له أن يقرأ القرآن.
قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى: "وإن نوى الطهارة للصلاة أو لأمر لا يستباح إلا بطهارة كمس المصحف ونحوه أجزأه لأنه لا يستباح مع الحدث , فإذا نوى الطهارة لذلك تضمنت نيته رفع الحدث".
قال النووي في شرحه: "هذا الذي ذكره نص عليه الشافعي رحمه الله واتفق عليه الأصحاب , ثم إذا نوى الطهارة لشيء لا يستباح إلا بالطهارة ارتفع حدثه واستباح الذي نواه وغيره" انتهى.
"المجموع" (1/365) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا توضأ الإنسان لرفع الحدث ولم ينو صلاة فهل يجوز أن يصلي بذلك الوضوء؟
فأجاب: " إذا توضأ الإنسان بغير نية الصلاة، وإنما توضأ لرفع الحدث فقط، فله أن يصلي ما يشاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/149) .
وأما ماذا ينوي المسلم عند وضوئه؟
فينوى رفع الحدث الأصغر، أو ينوي الوضوء من أجل ِفْعل ما يجب أو يستحب له الوضوء.
فمثال ما يجب له الوضوء: الصلاة ومس المصحف.
ومثال ما يستحب له الوضوء: قراءة القرآن وذكر الله، وعند النوم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/223)
مصاب بسلس ريح فهل يلزمه الوضوء لحدث آخر لأداء النوافل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب بانفلات في الريح، سؤالي هو: لو أنى أحدثت حدثاً غير حدثي الدائم بعد أن صليت الفريضة , هل أتوضأ مرة أخرى لصلاة النوافل كقيام الليل وغيرها؟ وماذا أنوي عند الوضوء في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في وضوء المصاب بسلس البول أو انفلات الريح، هل يلزمه الوضوء لكل فرض بعد دخول وقته، ثم يصلي به ما شاء من النوافل، أم أنه يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به كل صلواته ما دام لم ينقض بناقض غير السلس الملازم له؟
فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى أنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها،
وذهب مالك إلى أن صاحب السلس يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به صلواته كلها ما دام وضوؤه لم ينقض بناقض غير ذلك السلس الملازم له.
والقول الأول هو الأحوط والذي عليه الأكثر.
وانظر جواب السؤال (22843) ففيه زيادة فائدة.
وأما إذا أحدث المصاب بالسلس بغير الحدث الدائم، فيجب عليه إعادة الوضوء، ولا يجوز له أن يصلي فريضة أو نافلة من غير أن يتوضأ، لما رواه البخاري (6954) ومسلم (225) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) .
وقد أجمع العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، لا تصح إلا به.
وانظر: "المجموع" للنووي (3/139) ، و "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (22/99) .
وأما ماذا تنوي في هذه الحال؟
فإنك تنوي الطهارة من أجل فعل الصلاة.
مع التنبه إلى أن النية لا يشرع التلفظ بها باللسان، وإنما النية هي القصد بالقلب.
وانظر السؤال: (13337) ، (14234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/224)
هل سلس البول من تأثير الجن وماذا يفعل في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالاً عن شخص ما يعاني من مشكلة في الوضوء وعندي مشكلة مشابهه أو حتى أسوء حينما أريد أن أصلي أشعر بأن هناك ريحاً تخرج مني. لو ذهبت إلى الحمام أقضي 30 دقيقة ولكن البول وسائل آخر يستمر في الخروج مني أثناء الصلاة ويكون عندي رغبة شديدة في الذهاب إلى الحمام ولذلك علي أن أكرر وضوئي مرة بعد مرة وهذا الموقف يحيرني جداً ويخجلني حيث يجعل الصلاة صعبة جداً وهذا يؤثر على إيماني أنا متأكد أن هذا ليس مرضاً لأني ذهبت إلى كثير من الأطباء ولكن بدون تحسن وهذه المشكلة تأتي لي فقط عندما أريد أن أصلي بعض الناس يقولون لي أن هذا بسبب جن دخل جسمي من فضلك أرشدني كيف يمكن أن أصلي بسهولة هل أستطيع أن أؤدي أكثر من صلاة واحدة بنفس الوضوء حتى لو هذه الأشياء تخرج مني. لو هذا بسبب الجن كيف يمكن الخلاص منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سلس البول وما في حكمه مما يخرج من السبيل بدون إرادة، ولا يمكن التحكم فيه لا يلتفت إليه، بل يصلي الإنسان على حسب حاله ولو خرج هذا السائل أثناء الصلاة للمشقة والحرج في الإستنزاه منه، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، لكن إن خشي تلويث بدنه وثيابه، لفَّه (أعني فرجه) بمناديل وشبهها، ويصلي بعد وضوئه، ولا يلتفت إلى أي خارج لا يمكن أن يتحكم به، وهذا مرض عادي، ومنتشر كثيرا ً، وليس من صنع الجن، ولا بسببهم والطهارة ضرورة عليك تجديدها لكل صلاة (فريضة) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير(5/225)
صفة مسح الرأس في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة مسح الرأس في الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كيفية الغسل أو المسح في الوضوء ليست واجبة، فالواجب هو حصول الغسل بالنسبة للأعضاء المغسولة، وحصول المسح للأعضاء الممسوحة، بأي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل.
انظر: "المغني" (1/171) .
ثانياً:
ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين:
الأولى:
أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس ثم يمسح رأسه حتى قفاه، ثم يعود بيديه إلى مقدم رأسه.
وقد ذكر النووي رحمه الله في "شرح مسلم" اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية.
وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري (185) ومسلم (235) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (. . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) .
وروى أبو داود (124) أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أبو داود (122) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذه الصفة تناسب من كان شعره قصيراً، لا ينتفش بعود يديه إلى مقدم رأسه.
الصفة الثانية:
يمسح جميع رأسه، ولكن باتجاه الشعر، بحيث لا يغير الشعر عن هيئته.
وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلاً – رجلاً كان أو امرأة- بحيث يخشى انتفاشه بعود يديه.
روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
(مِنْ قَرْن الشَّعْر) :
المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس، أي: يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ.
(كُلّ نَاحِيَة) : أَيْ فِي كُلّ نَاحِيَة بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع الرَّأْس عَرْضًا وَطُولا.
(لِمُنْصَبِّ الشَّعْر) : الْمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ أَسْفَلَ الرَّأْس.
قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا. اِنْتَهَى.
(لا يُحَرِّك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته) : الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
قَالَ اِبْن رَسْلَان: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّة مَخْصُوصَة بِمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل , إِذْ لَوْ رَدَّ يَده عَلَيْهِ لِيَصِل الْمَاء إِلَى أُصُوله يَنْتَفِش وَيَتَضَرَّر صَاحِبه بِانْتِفَاشِهِ وَانْتِشَار بَعْضه.
وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ تَمْسَح الْمَرْأَة وَمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل كَشَعْرِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ مَسَحَ كَمَا رُوِيَ عَنْ الرُّبَيِّع، وَذَكَرَ الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا، وَوَضَعَ يَده عَلَى وَسَط رَأْسه ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمه، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ (يعني وضعها على وسط رأسه) ثُمَّ جَرّهَا إِلَى مُؤَخَّره.
ويحتمل أن يكون المراد بالقرن هنا مُقَدَّم الرَّأْس , أَيْ: اِبْتَدَأَ الْمَسْح مِنْ مُقَدَّم رَأْسه مُسْتَوْعِبًا جَمِيع جَوَانِبه إِلَى مُنْصَبّ شَعْره وَهُوَ مُؤَخَّر رَأْسه، أي مسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى مؤخره، ولا يعود بيديه مرة أخرى، لأنه بذلك لا يحرك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته، وَقَدْ قَالَت الرُّبَيِّعِ رضي الله عنها: لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ.
انظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود"، "نيل الأوطار" (1/189) ، "المغني" (1/178) .
والحاصل أن هذه الصفة يفعلها من يخشى انتفاش شعره، فيمسح شعره إلى الجهة التي ينحدر إليها حتى لا يتغير عن هيئته.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/226)
الأدعية التي تقال في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأدعية التي تقال على الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية تقال في أول الوضوء وأخرى تقال بعده.
فأما ما يقال في أول الوضوء فلم يثبت فيه إلا التسمية بلفظ: (بسم الله) .
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) روه الترمذي (25) . وقَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ انتهى كلام الترمذي.
والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسبق في إجابة السؤال (21241) أن هذا الحديث مما اختلف العلماء في صحته.
ونقل النووي في "المجموع" (1/385) عن البيهقي قوله:
" أَصَحُّ مَا فِي التَّسْمِيَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ , قَالَ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَالْقَوْمُ يَتَوَضَّؤُنَ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعِينَ رَجُلا. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ "مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ" وَضَعَّفَ الأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ " انتهى
وأما ما يقال بعده: فقد وردت فيه عدة أحاديث.
ومجموع ما ورد أنه يقول:
(أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) .
روى مسلم (234) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) رواه مسلم (234) .
زاد الترمذي (55) : (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) .
وهذه الزيادة ضعفها الحافظ ابن حجر رحمه الله، فإنه قال: " هذه الزيادة التي عند الترمذي لم تثبت في هذا الحديث " انتهى من "الفتوحات الربانية" (2/19) .
وقد صححها الألباني في صحيح الترمذي. وجزم ابن القيم في "زاد المعاد" بثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) .
فقد رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة" والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقد اختلف الرواة هل الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي سعيد رضي الله عنه؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والسند صحيح بلا ريب، إنما اختلف في رفع المتن ووقفه، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ، فلذا حكم عليه بالخطأ، وأما على طريق الشيخ المصنف (يعني النووي) تبعاً لابن الصلاح وغيرهم فالرفع عندهم مقدم لما مع الرافع من زيادة العلم، وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى فهذا مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع " انتهى من "الفتوحات الربانية" (2/21) .
وقد صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (225) و"السلسلة الصحيحة" (2333) .
وانظر: "تمام المنة" (ص 94- 98) .
فهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار التي تقال على الوضوء، أما الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في الأذكار (ص 30) :
وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجئ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/195) :
ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه، ولا علمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: (أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ) في آخره، وفي حديث آخر في "سنن النسائي" مما يقال بعد الوضوء أيضاً: (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/221) :
" لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء، وما يدعو به العامة عند غسل كل عضو بدعة، مثل قولهم عند غسل الوجه: (اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه) وقولهم: عند غسل اليدين: (اللهم أعطني كتابي بيميني، ولا تعطني كتابي بشمالي) إلى غير ذلك من الأدعية عند سائر أعضاء الوضوء " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/227)
يتكون على طرف عينه مثل القشر، فما أثر ذلك على وضوئه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكو منذ فترة تكرار إفرازات من ركن العين الداخلي في المنطقة بين العين والأنف، عندما تجف تكون كقشر الشعر الصغير الحجم، ويتكرر هذا على مدار اليوم حتى أنه أصبحت عادة عندي أن أتفحص عيني قبل كل وضوء أو أقوم بغسلها أو أولي عناية خاصة لعيني أثناء الوضوء، إلا أنه في بعض الأحيان قد لا أقوم بهذا لأكتشف وجود هذه الإفرازات ولا أدري هل كانت موجودة قبل الوضوء ولم أرها أم حدثت بعده أم كانت مثلا ذرات رمل أو ما شابه، أفيدوني أفادكم الله فإن هذا الأمر صار يؤرقني؟ هل يجب علي الإعادة إذا ما وجدت مثل هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
طرف العين الذي يلي الأنف يسمى الموق، وقد روى أحمد (22277) وأبو داود (134) وابن ماجة (444) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح مأقيه. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود.
" قَالَ الأَزْهَرِيّ: أَجْمَعَ أَهْل اللُّغَة أَنَّ الْمُوقَ وَالَمَاق مُؤَخَّر الْعَيْن الَّذِي يَلِي الأَنْف. اِنْتَهَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا مَسَحَهُمَا عَلَى الاسْتِحْبَاب مُبَالَغَة فِي الإِسْبَاغ , لأَنَّ الْعَيْن قَلَّمَا تَخْلُو مِنْ كُحْل وَغَيْره أَوْ رَمَص فَيَسِيل فَيَنْعَقِد عَلَى طَرْف الْعَيْن " انتهى من "عون المعبود" باختصار.
وصرح الشافعية بوجوب غسل الموق في الوضوء، وإزالة ما عليه من إفرازات تمنع وصول الماء.
قال الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/168) : " ويجب غسل موقي العين قطعا , فإن كان عليه نحو رماص يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب وجب إزالته وغسل ما تحته " انتهى.
وفي "أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري في ذكر مندوبات الوضوء (1/43) : " وكذا الموق , وهو طرف العين الذي يلي الأنف يتعهده بالسبابة، الأيمن باليمنى , والأيسر باليسرى , ومثله اللحاظ , وهو الطرف الآخر ومحل سن غسلهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله , وإلا فغسلهما واجب ذكره في المجموع " انتهى.
ويرى بعض العلماء أن مثل هذا إذا كان يسيرا، فإنه يعنى عنه، ولا يضر الوضوء، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال المرداوي في "الإنصاف": " فائدة: لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل. . .
وقيل: تصح , وهو الصحيح , صححه في الرعاية الكبرى , وصاحب حواشي المقنع , وجزم به في الإفادات , وإليه ميل المصنف (يعني: ابن قدامة) واختاره الشيخ تقي الدين ... وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما، واختاره " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/174) بعد أن ذكر قول ابن عقيل بوجوب إزالة ما تحت الأظفار من وسخ، وأن طهارته لا تصح إذا منع وصول الماء إلى ما تحته، قال:
" ويحتمل أن لا يلزمه ذلك ; لأن هذا يستر عادة , فلو كان غسله واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/228)
متى ينوي الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى ينوي المسلم إذا أراد الوضوء؟ في البداية؟ أم عند غسل الوجه؟ أم يجوز أن ينوي في أي وقت أثناء وضوئه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النية شرط لجميع العبادات، فلا تصح عبادة من العبادات –ومنها الوضوء- إلا بالنية.
قال النووي رحمه الله:
" النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ بِلا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وَالإِخْلاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالأَمْرُ بِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَمِنْ السُّنَّةِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) لأَنَّ لَفْظَةَ (إنَّمَا) لِلْحَصْرِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَ الْعَمَلِ لا يَثْبُتُ إلا بِالنِّيَّةِ.
وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ فَلا يَكُونُ لَهُ. . . إلخ " انتهى باختصار من "المجموع" (1/356) ، ونحوه في " المغني " (1/156) .
ثانياً:
ينبغي أن يعلم أن النية محلها القلب، فلا يشرع التلفظ بها بلسانه.
انظر السؤال (13337) .
ثالثاً:
وأما وقت النية.
فالأكمل أن ينوي مع بداية الوضوء أو قبله بزمن يسير، حتى تكون النية شاملة لجميع أجزاء الوضوء، أما الواجب من ذلك فهو أن ينوي مع أول الواجبات.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/159) :
" وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ كُلِّهَا ; لأَنَّهَا شَرْطٌ لَهَا , فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي جَمِيعِهَا , فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدُّ بِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ غَسْلِ كَفَّيْهِ , لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ مَسْنُونَ الطَّهَارَةِ وَمَفْرُوضَهَا. فَإِنْ غَسَلَ كَفَّيْهِ قَبْلَ النِّيَّةِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا. وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ. . . وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " (1/140) :
" والنية لها محلان:
الأول: تكون فيه سنة، وهو قبل مسنون الطهارة إن وجد قبل واجب.
الثاني: تكون فيه واجبة عند أول الواجبات " انتهى.
وعلى هذا فالأكمل أن تكون النية قبل الشروع في الوضوء، والواجب أن تكون مع أول الواجبات، وقد اختلف العلماء في أول واجبات الوضوء، فقيل: التسمية، وقيل: المضمضة. وهو الصحيح، وقيل: غسل الوجه.
انظر الأسئلة: (21241) ، (11497) .
ولكن إذا نوى مع أول الواجبات فلا يثاب على ما فعله قبل ذلك من سنن الوضوء كالتسمية وغسل الكفين ثلاثاً، كما تقدم في كلام ابن قدامة رحمه الله.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه كان في أول الوضوء يغسل كفيه ثلاثا مع نية الوضوء، ويسمي.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10/98) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/229)
هل يصح الوضوء مع وجود الزيت في الشعر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قليل من زيت الزيتون في الشعر يمنع وصول الماء إلى الشعر وبالتالي يكون الوضوء باطلاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن قليل الزيت المذكور لا يمنع وصول الماء إلى الشعر.
والقاعدة، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – أن الإنسان إذا استعمل الدهن (الكريم والزيت) في أعضاء طهارته، فإما أن يبقى الدهن جامدا له جرم، فحينئذ لابد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه، فإن بقي الدهن هكذا جرما، فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وحينئذ لا تصح الطهارة.
أما إذا كان الدهن ليس له جرم، وإنما أثره باق على أعضاء الطهارة، فإنه لا يضر، ولكن في هذه الحالة يتأكد أن يمر الإنسان يده على العضو لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء، فربما لا يصيب جميع العضو الذي يطهره) اهـ.
"فتاوى الطهارة" (ص 147) .
يضاف إلى ذلك أن مسح الرأس خُفِف فيه، إذ فرض الرأس المسح لا الغسل، ولا يلزم في المسح أن يمر الماء على كل شعرة بعينها.
سئل الشيخ ابن عثيمين أيضاً:
إذا لَبَّدت المرأة رأسها بحناء ونحوه فهل تمسح عليه؟
فأجاب:
إذا لَبَّدت المرأة رأسها بحناء فإنها تمسح عليه ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتَحُتُّ (تزيل) هذا الحناء، لأنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في إحرامه ملبداً. فما وُضِع على الرأس من التَّلَبُّد فهو تابع له (يعني تابع للرأس) ، وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل اهـ.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/28) .
والتلبيد هو وضع مادة على الرأس كالحناء تلصق الشعر بعضه ببعض وتمنع دخول التراب ونحوه إليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/230)
لا يجب الوضوء من ألبان الإبل
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال (7103) وفيه أن أكل لحم الإبل من نواقض الوضوء، هل يجب الوضوء من ألبان الإبل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب عامة أهل العلم إلى أنه لا يجب الوضوء من ألبان الإبل، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ويدل على ذلك عدة أدلة:
1- أن الأصل عدم نقض الوضوء، وليس هناك دليل صحيح يدل على نقض الوضوء بشرب لبن الإبل.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر القوم الذين قدموا إلى المدينة وأصابهم مرض أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها. رواه البخاري (233) ومسلم (1671) ، ولو كان شرب لبنها ناقضاً للوضوء لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر: "المغني" (1/245) ، "الإنصاف" (2/58) الشرح الممتع (1/209) .
وأما ما رواه أحمد (18617) وابن ماجه (496) عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِل)
وكذلك ما رواه ابن ماجه (497) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، وَلا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِلِ، وَلا تَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ) .
فكلا الحديثين ضعيف لا يصح الاحتجاج به، وقد ضعفهما الألباني في ضعيف ابن ماجه.
ولو صح هذا الحديث لأمكن أن يحمل الأمر فيه بالوضوء من لبن الإبل على الاستحباب، جمعاً بينه وبين الحديث السابق ذكره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/231)
هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي، فلم أدر ماذا أصنع، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة. فهل ما فعلته صحيح؟ وماذا كان عليّ أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف، وأخذت بالأحسن والأحوط، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف.
قال ابن قدامة:
الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ.
واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها:
1- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) . رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121) .
2- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297) .
فتاوى الشيخ ابن باز (17/213-214) .
3- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟
فأجاب:
طوافها غير صحيح، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها. والله وليّ التوفيق اهـ.
فتاوى الشيخ ابن باز (17/214-215) .
وسئل أيضاً: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟
فأجاب: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة.... اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216-217) .
وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي:
أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ.
وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ.
"مجموع الفتاوى" (21 / 273) .
وهذا القول –أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك، وأحوط وأبرأ للذمة. وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء.
ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء، وذلك يكون في أيام المواسم، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة. . ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور:
وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / 185 اهـ. " الشرح الممتع " (7 / 300) .
وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت -: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ". انظر المغني 5 / 246.
قال الشيخ ابن عثيمين:
فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.
" الشرح الممتع " (7 / 310، 311) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/232)
عندما أغسل أذني في الوضوء هل يجب إدخال يدي في جميع الأذن
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أغسل أذني في الوضوء هل يجب إدخال يدي في جميع الأذن؟ وما حكم المادة الصمغية التي في الأذن هل يجب إزالتها حتى يصل الماء لجميع الأذن من الداخل؟ مع العلم أن هذه المادة الصمغية قد تخرج من داخل الأذن.`]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مسح الأذنين، لا غسلهما، يمسح ظاهرهما بإبهاميه، وباطنهما بسبابتيه، بما تبقى من البلل في يديه بعد مسح الرأس.
روى الترمذي (36) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. قال أبو عيسى الترمذي: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما.
وروى النسائي (74) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه) صححه الألباني في صحيح النسائي.
وفي "تحفة الأحوذي"
" وظاهر الأذنين: خارجهما مما يلي الرأس، وباطن الأذنين: داخلهما مما يلي الوجه " انتهى.
وروى أبو داود عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال "في عون المعبود": " الصماخ: الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الدماغ " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (1/443) :
" وأما كيفية مسح الأذنين، فقال إمام الحرمين والغزالي وجماعات: يأخذ الماء بيديه ويدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويديرهما على المعاطف ويمر الإبهامين على ظهور الأذنين " انتهى بتصرف.
وما كان على فتحة الأذنين من المادة الصمغية فإنه يزال، بخلاف ما كان داخلا، ولا يشرع إدخال الماء داخل الأذن، والمطلوب هو المسح لا الغسل كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/233)
صبغة الشعر هل يجوز المسح عليها في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أرادت المرأة أن تضع طلاء الأظافر فيجب عليها أن تزيله قبل أن تتوضأ ولكن ماذا عن صبغ الشعر؟ هل تجب إزالة الصبغ قبل مسح الرأس عند الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر والله أعلم أن تلبيد الشعر بالحناء أو ما شابهه لا يؤثر في الوضوء، بل يكتفى بالمسح عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(إذا لبدت المرأة رأسها بحناء أو ما شابهه فإنها تمسح عليه، ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتَحُتُّ (تزيل) هذا الحناء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان في إحرامه ملبداً، فما وضع على الرأس من التلبيد فهو تابع له (يعني: تابع للرأس) وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل)
انظر الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/196) ، فتاوى المرأة المسلمة
والتلبيد هو وضع مادة على الشعر تلصق الشعر بعضه ببعض كالحناء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/234)
المسح على اللصقة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهر ما يشبه الدمامل في رجلي وكان العلاج أن ألف مكان الدمل بلصقة بحيث لا يصلها الماء أثناء الوضوء ما حكم الوضوء في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وضوؤك صحيح إذا مسحت على اللصقة أو مرَّ الماء عليها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/248(5/235)
طريقة المضمضة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبطل الوضوء إذا تمضمض الإنسان ولم يدخل أصبعه في فمه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتمضمض بأصبعه وهل هذا خبر صحيح عنه صلى الله عليه وسلم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح الوضوء بدون إدخال إصبعه في فمه عند المضمضة وأما الخبر فقد رواه الإمام احمد بسند ضعيف.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/208(5/236)
دعاء الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت في الشرع دعاء أثناء الوضوء أو لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء عند غسل الأعضاء أو مسحها، وما ذكر من الأدعية في ذلك مبتدع لا أصل له، وإنما المعروف شرعاً التسمية أوله والنطق بالشهادتين بعده وقول: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الشهادتين.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/205(5/237)
الاستنشاق واجب في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[توضأت للصلاة وأثناء الصلاة تذكرت عدم استنشاقي فما حكم وضوئي وصلاتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستنشاق واجب في الوضوء لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بقوله: (من توضأ فليستنثر) رواه البخاري ومسلم، وقوله: (من توضأ فليستنشق) ومن لم يستنشق فوضوؤه غير صحيح، والواجب عليك إعادة الوضوء والصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/209(5/238)
لا بد من غسل الكف في غسل اليد في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يغسل يده من الرسغ إلى المرفق، دون غسل الكف، مكتفيا بغسلها أول الوضوء، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه، فإن غسلهما الأول سنة، وبعد الوجه فرض، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبا، فيغسل الكفين وما بعدهما.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص77.(5/239)
أذكار الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يستحب فعله عند الوضوء؟ وماذا يقال بعده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن صفة الوضوء الشرعي هي: أن يفرغ الشخص من الإناء على كفيه ثلاث مرات ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيتمضمض ويستنثر ثلاث مرات ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات وإن غسل مرتين مرتين أو مرة مرة أجزأ ذلك ثم يقول بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتاوى اللجنة الدائمة 5/231، وأما قبل الوضوء فإنّه يسمّي الله تعالى لحديث: لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. سنن الترمذي 56.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/240)
حكم الوضوء وبين الأسنان بقايا طعام
[السُّؤَالُ]
ـ[عند تناول الطعام تتواجد بعض الفضلات بين الإسنان وإذا توضأنا أو اغتسلنا ولم نستطع إخراج هذه الفضلات هل يصح الوضوء أو الإغتسال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح الوضوء والغسل ولو بقي شيء من الفضلات بين الإسنان لكن إزالتها أفضل.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/234(5/241)
حكم الوضوء عاريا
[السُّؤَالُ]
ـ[عورة الرجل من السرة إلى الركبة فما حكم وضوئه عارياً أو لابساً سروالاً قصيراً لا يستر ركبته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح وضوؤه، لأن كشف العورة ولبس السروال القصير لا يمنعان من صحة الوضوء، ولكن يحرم عليه كشف عورته بحضرة غير زوجته أو سريته وهي الأمة المملوكة له التي يباح له الاستمتاع بها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/235(5/242)
لا يُشرع مسح الرقبة في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مسح الرقبة عند الوضوء أم أنه غير مذكور في كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت في كتاب الله تعالى ولا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن مسح الرقبة سنة من سنن الوضوء، فلا يشرع مسحها.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/235(5/243)
التيمم عن العضو المريض عند عدم استطاعة استعمال الماء في طهارته في الوضوء والغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت في يوليو الماضي، عام 2008، لكني أجد أنه يصعب الاغتسال كل يوم، حيث يصيبني صداع شديد إذا غسلت رأسي كل يوم؛ فهل هناك شكل آخر من أشكال الغسل، بدلا من غسل الرأس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غسل الجنابة فرض واجب باتفاق الأمة، والواجب فيه تعميم البدن كله بالماء، بما في ذلك الرأس.
قال النووي في: (بَاب صِفَة غُسْلِ الْجَنَابَة) : " وَالْوَاجِب مِنْ هَذَا كُلّه النِّيَّة فِي أَوَّل مُلَاقَاة أَوَّل جُزْء مِنْ الْبَدَن لِلْمَاءِ , وَتَعْمِيم الْبَدَن شَعْره وَبَشَره بِالْمَاءِ , وَمِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون الْبَدَن طَاهِرًا مِنْ النَّجَاسَة , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّة " انتهى.
"شرح مسلم" (3/229) .
وقال الشوكاني رحمه الله:
" أما تعميم البدن: فلا يتم مفهوم الغسل إلا به " انتهى.
"السيل الجرار" (1/ 113) .
ثانيا:
رخص الله تعالى للمريض الذي يعجز عن استعمال الماء، أو يشق استعماله عليه مشقة لا يحتملها هو: أن يتيمم، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة، وتخفيفه عنها، ما لم يخفف عن الأمم التي قبلها. قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) النساء / 43
قال السدي: " هو الجراح. والجراحة التي يتخوّف عليه من الماء، إن أصابه ضرَّ صاحبه، فذلك يتيمم صعيدًا طيبًا ".
وقال مجاهد: " والمرض أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدريّ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء " انتهى.
تفسير الطبري - (8 / 386-387) .
قال الطبري: " فتأويل الآية إذًا: وإن كنتم جَرْحى أو بكم قروحٌ، أو كسر، أو علّة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غيرُ مسافرين، فتيمموا صعيدًا طيبًا " انتهى.
"تفسير الطبري" (8 / 388)
وقال السعدي رحمه الله:
" فأباح التيمم للمريض مطلقًا، مع وجود الماء وعدمه، والعلة: المرض الذي يشق معه استعمال الماء " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 179) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ، حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ.
فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الِاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ: فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْجِمَاعِ؛ بَلْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى الِاغْتِسَالِ [اغتسلت] ؛ وَإِلَّا تَيَمَّمَتْ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ ". انتهى.
مجموع الفتاوى (21/451) ، وينظر (21/443 (.
ثالثا:
من أمكنه أن يغسل بعض أعضائه، وعجز عن غسل الباقي: غسل ما قدر عليه، وتيمم عن الباقي.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ إذَا أَمْكَنَهُ غَسْلُ بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ , لَزِمَهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ , وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ " انتهى.
"المغني" (1/162) .
قال علماء اللجنة:
" من به جروح أو قروح أو كسر، أو مرض يضره منه استعمال الماء، فأجنب: جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24 / 407-408)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طولة العام، فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع، وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط.
فأجاب:
" إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض: كفاك مسحه مع التيمم؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) .
"مجموع الفتاوى" (10/181) .
وبناء على ما سبق: فإذا كان غسل الرأس يضرك ضررا شديدا، ولا تقدرين على غسله إلا بحرج شديد، لما يصيبك من الصداع: فإنه يجوز لك أن تغسلي بقية جسدك، وتمسح على رأسك، وتتيممي له. وقد قال الله عز وجل في آخر آية التيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6
أما إن كان الصداع الذي يصيبك عند غسل الرأس صداعا محتملا – ولو ببعض مشقة – أو كان يمكن علاجه ببعض الأدوية، أو كان لا يستمر في العادة إلا فترة يسيرة، أو كان يزول باستعمال الماء الحار دون البارد، ونحو ذلك: فليست لك رخصة في ترك غسل الرأس أثناء الغسل، ولا يوجد بديل عن غسله.
وإن كان يصيبك الصداع بسبب تكرار الغسل، فاغسلي رأسك بالمقدار الذي يغلب على ظنك أنه لا يصيبك من ورائه الصداع، إما تغسلينه مرة، وتتركين مرة، أو تغسلي مرتين وتتركي مرة، أو ما قدرت عليه، ولا يضرك فعله.
ويمكنك التسهيل في غسل الرأس باستعمال أقل قدر من الماء تتحققين به وصول الماء إلى جميع الرأس، ويمكنك أيضا ألا تنقضي ضفائر رأسك، إن كان لك شعر طويل تضفرينه.
والنصيحة لك ـ أخيرا ـ بعرض نفسك على طبيب ثقة، لعل بك علة تزول بالدواء.
وينظر: إجابة السؤال رقم (27065) ، (129496) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/244)
حكم الاغتسال من الجنابة مع وجود لصقة تمنع الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغسل من الجنابة على اللصقة (ايفرا) وهي عبارة عن لصقة توضع على الجلد في أي مكان في الجسم يوجد بها هرمون يمنع من حدوث الحمل يتم تغييرها مرة كل أسبوع، يتم الاغتسال من الجنابة أو الحيض بوجودها، علماً أنه إذا تم تغييرها مرتين أو أكثر في الأسبوع تصبح نسبة الهرمون في الجسم زائدة، فإذا كان لا يجوز فما حكم الصلوات السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
استخدام ما يمنع حدوث الحمل لا يجوز إلا عند الحاجة بضوابط شرعية قد سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (21169) .
ثانياً:
يجب عند إرادة الاغتسال من الجنابة، تعميم البدن بالماء، وينظر جواب السؤال رقم (103738) .
فإن كان على بدنه لصوق أو لفائف ... وجب نزعها عند إرادة الغسل، إن لم يخف ضرراً، فإن خاف ضرراً مسح عليها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/173) : " قال الإمام أحمد: إذا توضأ , وخاف على جرحه الماء , مسح على الخرقة.....وقال القاضي , في اللصوق على الجرح: إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه , وغسل الصحيح , ويتيمم للجرح , ويمسح على موضع الجرح , فإن كان في نزعه ضرر، فحكمه حكم الجبيرة , يمسح عليه " انتهى.
وهذا الحكم " وضع اللصقة على الجرح " فيما إذا كانت هناك ضرورة لوضعها، أما إذا لم تكن هناك ضرورة لوضعها فلا يصح الغسل من الجنابة إلا بإزالتها؛ لوجوب تعميم البدن بالماء، ولا شك أن هذه اللصوق تمنع وصول الماء إلى ما تحتها.
فإن رأيت أنه لا بد من وضعها، فالواجب نزعها عند إرادة الغسل، ولا يجوز المسح عليها، ولا تقاس هذه اللصوق على الجبائر لأن وضعها ليس للضرورة.
ثالثاً:
لا يلزم قضاء الصلوات الفائتة، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (119755) .
رابعاً:
لم يتم التأكد بعد من أن استعمال هذه اللصقة لمنع الحمل وسيلة آمنة.
فقد أثبتت بعض الدراسات حدوث أضرار، فقد تسبب المزيد من الجلطات الدموية بشكل يفوق أقراص منع الحمل إلا أن الأمر بحاجة إلي المزيد من الأبحاث. وأظهرت دراسة أن احتمال إصابة النساء اللائي يستخدمن اللصقة المسماة (اورثو ايفرا) Ortho Evra بالجلطات الدموية يزيد مرتين بالمقارنة مع النساء اللائي يتناولن الأقراص. ولكن دراسة أخرى وجدت أن المخاطر تبدو متماثلة بالنسبة للطريقتين. http://www.elaph.com/ElaphWeb/Health/2006/2/129288.htm
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/245)
خروج المني بعد الاستيقاظ من النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نمت وقمت من النوم أروح للحمام الله يكرمكم أريد التبوّل، وقبل أن أبول أنثر القضيب ويخرج شيء أبيض، ما يطلع وراء بعض دفق، لا، يطلع مرة واحدة، وهو كثيف وأبيض ولزج، وهذا يتعبني كل ما أقوم من النوم لازم أغتسل ما هو هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
لا بد من معرفة المني، والمذي، والودي.
فالمني كما قال النووي رحمه الله: "له رائحة كرائحة طلع النخل قريبة من رائحة العجين، وإذا يبس كانت رائحته كرائحة البيض. وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة , لا بشهوة , ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين , يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له , ويخرج عقيب البول، وعند حمل شيء ثقيل ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما " انتهى من "المجموع" (2/161) باختصار وتصرف يسير.
وفي الحديث: (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) رواه مسلم (311) .
فالظاهر أن ما تجده هو "المني"، فإن كان يخرج مصحوباً بشهوة وجب عليك الغسل، وإن لم يخرج بشهوة، فلا غسل عليك، وبهذا قال جماهير العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (47693) .
وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المني قد يخرج بغير شهوة لمرض أو برد، فننصحك بمراجعة الطبيب.
تنبيه:
قولك: أنثر القضيب.
اعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يثير شهوة نفسه، ما لم يكن عنده تصريف لها بالحلال، كما لو كانت له زوجة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/246)
اغتسل للجنابة ثم وجد بقعة صغيرة من مادة لاصقة على يده
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الاغتسال من الجنابة تبين أنه يوجد بقعة صغيرة من مادة لاصقة على أحد أصابع اليد، ولا أعلم إن كان قبل الغسل أم بعده، فما حكم ذلك؟ هل يلزم إعادة الغسل أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يشترط لصحة الطهارة: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة؛ ليتحقق غسل الأعضاء المأمور بغسلها شرعا.
ومن اغتسل أو توضأ ثم رأى ما يمنع وصول الماء كالمادة اللاصقة، ولم يدر وقت حدوثها، فالأصل أنها بعد الطهارة، لأن "الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته " كما تقرر في قواعد الفقه. وينظر: "غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر" (1/217) ، "درر الحكام في شرح مجلة الأحكام" (1/28) .
وعليه؛ فلا يلزمك إعادة الغسل، لعدم التحقق من وجود المادة اللاصقة قبله.
ثانياً:
ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يعفى عن المانع اليسير سواء كان تحت الأظفار أو في أي محل من البدن، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/158) : " فائدة: لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل , وقدمه في القواعد الأصولية , والتلخيص , وابن رزين في شرحه.
وقيل: تصح , وهو الصحيح , صححه في الرعاية الكبرى , وصاحب حواشي المقنع , وجزم به في الإفادات , وقدمه في الرعاية الصغرى. وإليه ميل المصنف (ابن قدامة) , واختاره الشيخ تقي الدين ... وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما. واختاره " انتهى.
وعلى فرض أن هذه المادة اللاصقة كانت قبل الاغتسال، وأنه لا يعفى عن المانع اليسير، فلا يجب عليك إعادة الغسل، وإنما يكفيك أن تزيل هذه البقعة ثم تغسل ما تحتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/247)
يتساقط شعرها ويضرها غسل رأسها فكيف تغتسل من الحيض والجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت لنا في الله تعاني من تساقط الشعر والدكتور طلب منها عدم غسله بالماء إلا مرة كل أسبوع مع العلاج لمدة ثلاثة أشهر. كيف لها أن تتطهر من الجنابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في غسل الجنابة استيعاب جميع البدن بالماء، إلا أن المرأة إذا ضفرت شعرها لم يلزمها نقضه، لكن تحثي على رأسها الماء بحيث يصل إلى جميع شعرها.
وذلك لما روى مسلم (330) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: (لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ) وفي رواية: (فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لا) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهرِه وباطنِه من غير نقض لم يجب نقضُها، وإن لم يصل إلا بنقضِها وجب نقضُها، وحديث أم سلمة محمول على أنه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض؛ لأن إيصال الماء واجب. وحُكِي عن النَّخعي وجوبُ نقضها بكل حال، وعن الحسن وطاوس وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، ودليلنا حديث أم سلمة " انتهى.
وإذا كان استعمال الماء يضرها ويؤدي إلى تساقط شعر رأسها، فإنها تتيمم وتغسل بقية جسدها؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) المائدة/6، ففي الآية دليل على أن المريض الذي يضره استعمال الماء أو يؤدي إلى تأخير شفائه أنه يتيمم , وقد بيَّن الله تعالى حكمة هذا التشريع فقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6.
وإن أمكنها مسح رأسها، مسحته وتيممت وغسلت باقي جسدها، لأن هذا في وسعها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طول العام فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط ومترددة وقلقة ومنزعجة جدًا رغم أنني أعرف أن الدين يسر، فأرجو إفادتي بالإجابة القاطعة حتى أستطيع أن أعيش في أمان، وأؤدي فرضي كاملاً، علمًا بأنني مدرسة ويوميًا أخرج للعمل فأُصاب بالهواء الذي يُلزمني السرير عادة فأنا مريضة، والله يعلم فأنا حائرة بين ممارسة حياتي الزوجية وهي طاعة الزوج وفوق ذلك طاعة الله.
فأجاب:
"إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض كفاك مسحه مع التيمم، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/214) .
وينظر صفة التيمم في جواب السؤال رقم (21074) .
وهذا التيمم يجوز أن يكون قبل الغسل أو بعده، لأن الترتيب بين الأعضاء لا يجب في الغسل.
ويجب التنبه إلى أن بعض النساء تبالغ في الخوف من تساقط الشعر، فلا بد أن يكون تساقط الشعر مرضا حقيقيا وليس وهما أو هاجسا، حتى يرخص للمرأة في ترك غسل رأسها والاكتفاء بمسحه ولتيمم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/248)
كانت تفعل العادة السرية ولا تغتسل وتصوم وتصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن يفتيني في أمري الذي قد بعثت به إلى الكثير ولم أجد منهم >الرد وقد عشت في قلق دائم فأرجو منكم فتواى كنت في سن صغيرة افعل العادة السيئة منذ عمري 12سنة ولم أكن اعرف معناها أو حتى ما هي وفي سن 14سنة عرفت أنها العادة السرية السيئة ولكن لم أكن اعرف حكمها فقط أنها خطرة وأنها تسبب أمراض ولم أكن في هذه السن أصلي ولكني أصوم دون صلاة. وفي سن 15سنة بدأت أصلي وأصوم ولا أسمع الأغاني ولكني لازلت أفعل العادة السرية ولا أعرف حكمها أيضا وإذا فعلتها لم أكن اغتسل وكنت أصلي بعدها وأصوم وقد فعلتها في ظهر رمضان مرتان لا أدري، وفي سن 18 قرأت في كتاب أنها محرمة ويجب الغسل بعدها ولكني لم أستطع التوبة منها واستمر فعلي لها حتى بعد الزواج والآن تبت إلى الله توبة نصوحاً وعمري 27سنة السؤال ما حكم ما فعلته وما علي فعله؟ وما حكم صومي وصلاتي عندما كنت أفعلها ولم أكن أغتسل ثم أقوم للصلاة وما حكم صيامي وما كفارة ما فعلت وما حكم صيام اليومين الذين فعلت فيهما العادة في ظهر رمضان وما هي الكفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاستمناء أو ما يسمى بـ "العادة السرية" لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم 329،
وإذا خرج المني بذلك وجب الغسل.
وليس في فعل الاستمناء كفارة، لكن تجب التوبة منه، وذلك بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
ثانيا:
إذا كانت ممارستك للعادة السرية يصحبها خروج المني، فهذا مبطل للصوم، ولا تصح معه الصلاة إلا أن تغتسلي.
وإذا لم يكن يصحبها خروج المني فصلاتك وصومك صحيحان.
ثالثا:
من استمنى وهو جاهل بوجوب الغسل منه وبكونه مبطلا للصوم، فهل يلزمه قضاء الصلاة والصوم؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء، والجمهور على وجوب القضاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب، وينظر جواب السؤال رقم (50017) .
والأحوط أن تقضي صوم اليومين، إذا كان قد خرج المني.
وأما الصلاة فينبغي أن تكثري من النوافل والأعمال الصالحة، ولا نرى لزوم قضائها.
رابعا:
ينبغي أن تعلمي أن البلوغ له علامات، وأن الفتاة قد تبلغ قبل سن الخامسة عشرة، إذا حاضت، أو ظهر عليها شيء من علامات البلوغ الأخرى، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (20475) ورقم (21246) .
وما جرى معك يؤكد أهمية طلب العلم الشرعي، وهو أمر ميسر في هذا الزمن والحمد لله.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/249)
إذا استمنى الزوج بيد زوجته فهل يلزمها الغسل أيضا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش هذه الأيام أنا وزوجتي في بيت أقاربها، وفي بعض الأحيان أريد أن أعاشرها، ولكنها تستحي من الغسل بعد ذلك، وأنا بدوري أقدر هذا الموقف، إلا أنني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أحتمل فأطلب منها أن تستخدم يدها في ذلك. أنا أعلم أنه يجب علي الغسل في هذه الحالة، لكن ماذا عنها هل عليها من غسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع ما ذكرت فليس عليها غسل ما لم تنزل هي.
فقد روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ.
فقيد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل بما إذا رأت الماء.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 127) :
" خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِشَهْوَةٍ , يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ فِي نَوْمٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا " انتهى.
وقال أيضا (1/129) :
" عَلَّقَ الِاغْتِسَالَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَفَضْخِهِ , بِقَوْلِهِ: " إذَا رَأَتْ الْمَاءَ " وَ " إذَا فَضَخْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ " فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِه " انتهى.
وينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (1/389) ، وفتح الباري، للحافظ ابن رجب (2/51) .
على أننا ننبه الزوج إلى أن هذا الوضع غير مقبول شرعا، أن يعيش هو وزوجه في بيت بعض أقربائه، أو أقربائها، بحيث لا يتمكن من معاشرتها، على الوجه المناسب، ولا يصون سرها، وتصون سره، والواجب أن يسعى في تدبير مسكن مستقل، يصلح للعشرة الزوجية، في أقرب وقت ممكن.
قال ابن مفلح رحمه الله:
" يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا بِالْمَعْرُوفِ ". انتهى.
"الفروع"، لابن مفلح (10/329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/250)
متى يبدأ وقت استحباب غسل الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجزئ غسل الجمعة بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة؟ أم هل يجب الغسل صبيحة يوم الجمعة؟ كذلك بخصوص سورة الكهف , هل تُجزئ قراءتها ليلة الجمعة بعد المغرب، أم يجب أن تُقرأ يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف العلماء في ابتداء وقت غسل الجمعة، فذهب جمهورهم (منهم الشافعية والحنابلة والظاهرية) إلى أنه من فجر يوم الجمعة، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله عن وقت غسل الجمعة:
" ووقته من الفجر الصادق؛ لأن الأخبار علَّقته باليوم , كقوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى) الحديث , فلا يجزئ قبله.
وقيل: وقته من نصف الليل كالعيد....
وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة , ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى، كما قاله الزركشي ; لأنه مختلف في وجوبه " انتهى باختصار.
" مغني المحتاج " (1/558) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
" وأوله: من طلوع الفجر , فلا يجزئ الاغتسال قبله.... والأفضل أن يغتسل عند مضيه إلى الجمعة؛ لأنه أبلغ في المقصود " انتهى باختصار.
" كشاف القناع " (1/150) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
" أول أوقات الغسل المذكور إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة ... وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة. وعن مجاهد والحسن وإبراهيم النخعي أنهم قالوا: إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه " انتهى باختصار.
" المحلى " (1/266) .
وعند الإمام مالك: يبدأ وقت غسل الجمعة قبيل الذهاب إليها، فلا يجزئه إلا عند الذهاب إليها، فلو اغتسل بعد الفجر ولم يذهب مباشرة للمسجد لم يجزئه ويندب له إعادته.
قال النووي رحمه الله:
" لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم تجزئه على الصحيح من مذهبنا , وبه قال جماهير العلماء. وقال الأوزاعي: يجزئه.
ولو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
وقال مالك: لا يجزئه إلا عند الذهاب إلى الجمعة.
وكلهم يقولون: لا يجزئه قبل الفجر إلا الأوزاعي فقال: يجزئه الاغتسال قبل طلوع الفجر للجنابة والجمعة " انتهى.
" المجموع " (4/408) ، وانظر: " حاشية العدوي " (1/379) ، " التاج والإكليل " (2/543) . وقد اختار القول الأول (أن أول وقته يبدأ من طلوع الفجر) الشيخ ابن باز رحمه الله، وقد نقلنا فتواه في ذلك في جواب السؤال رقم (14073) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر، لكن الأفضل أن لا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، لأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فوقت صلاة الفجر لم ينقطع بعد، فالأفضل أن لا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أن لا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة فيكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/142) .
ثانيا:
أما وقت استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، فهو من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، لأن الأحاديث جاءت بالترغيب في قراءتها (يوم الجمعة) و (ليلة الجمعة) ، وقد سبق بيان ذلك في جواب رقم: (10700) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/251)
لا يكفي مسح الرأس وتخليله في غسل الجنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في سؤال 2648 طريقة غسل الشعر من الجنابة , لكن هل يجوز تخليل الشعر والاكتفاء بالمسح عليه فقط لأني أجد مشقة في غسله كل مرة بسبب استعمال مجفف الشعر للظهور بمظهر جميل أمام زوجي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الغسل من الجنابة غسل البدن كله ومنه الشعر، والغسل هو جريان الماء على العضو. الشرح الممتع 1/ 128
فلا بد من إفاضة الماء على الشعر وإيصاله إلى ما تحته، أما مجرد المسح على الشعر فلا يكفي لأنه لا يعتبر غسلاً، والواجب هو الغسل لا المسح.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " رواه مسلم 474، قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا الحديث: " يجب إيصال الماء في الغسل من الجنابة إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا.
يؤخذ هذا من إدخال أصابعه (صلى الله عليه وسلم) في الشعر وحفن ثلاث مرات بعد أن روّى أصوله ".ا. هـ. شرح بلوغ المرام (ص399)
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " يُرشد النساء اللاتي يتحرجن من غسل رؤوسهن في الجنابة بأنه يكفيهن أن يحثين على رءوسهن ثلاث حثيات من الماء حتى يعمه الماء من غير حاجة إلى نقض ولا تغيير شيء من الزي الذي يشق عليهن تغييره، مع بيان مالهن عند الله من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة والحياة الطيبة الكريمة الدائمة في دار الكرامة إذا صبرن على أحكام الشريعة وتمسكن بها " مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله 6/236
انظر السؤال رقم (34776) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/252)
صفة الغُسْل للجَنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة الغُسْل للجَنابة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
غُسْل الجَنابة له صفتان: صفةٌ مُجزِئَةٌ، وصفةٌ كاملةٌ:
أما الصفةُ الْمُجزِئة فأَنْ يتمضْمَضَ ويستنشِق ويَعُمَّ بدَنَه بالماء ولو دُفعةً واحدةً ولو ينغَمِس في ماءٍ عميقٍ. وأمَّا الكاملة فهي أنْ يغسِل فَرْجَه وما تلوَّثَ مِن آثارِ الجَنابة ثُمَّ يتوضَّأ وُضوءاً كاملاً ثُمَّ يَحْثُو الماء على رأسه ثلاثاً حتى يروِيَه إلى أصول شَعْره ثم يغسل شِقَّه الأيمنَ ثُمَّ شِقَّه الأيسرَ.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 11.(5/253)
يتكاسل عن الغسل لبرودة المياه ويسأل عن رخصة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني أتكاسل أحياناً عن الغسل بسبب برودة المياه أو الإرهاق وأنا أخشى أن أكون منافقا. هل من رخصة أو شيء ما لكي يصبح التطهر أسهل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6.
فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
وكذلك من احتلم وخشي من حصول مرضٍ إن استعمل الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، فإنه يتيمم، وهذا في حكم النادر أو القليل اليوم لمن يعيش في المدن، لكثرة وسائل تسخين الماء المتاحة.
والمقصود أن برودة الماء ليست عذرا في تأخير الغسل، ما دام يمكنك تسخينه، فإن لم يمكن تسخينه، وخشيت الضرر باستعمال الماء البارد، فقد جعل الله لك رخصة في التيمم.
والصلاة شأنها عظيم، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، ويجب المبادر بالغسل لأدائها في وقتها، قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، وتوعد الله من تهاون في أمر الصلاة فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وجاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فبادر أيها الأخ بالاغتسال، وأَدِّ الصلاة في وقتها، واحذر من اتباع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وتخلق بصفات أهل الإيمان، وتجنب خصال أهل النفاق الذين قال الله فيهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/142.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/254)