هل هناك حديث في لعن الزوجة إذا طلبت الطلاق من زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث أن الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها ملعونة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
وأما لعن من تفعل ذلك، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ.
ويجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع إن وجد ما يدعو لذلك؛ لما روى البخاري (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) .
وقولها: " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك.
ينظر: "فتح الباري" (9/400) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع: " إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع.
ثانياً: إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع.
ثالثاً: إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع.
رابعاً: إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع.
خامساً: إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة (عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه، أو زهد فيها، أو صدود إلى غيرها، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع، والله أعلم " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (1859) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/18)
حكم من يرد الحديث الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفر من يرد الحديث الصحيح؟ أحد الإخوة يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيح: البخاري ومسلم وغيرها ... بحجة أنها تعارض القرآن، فما حکم من يرد الحديث الصحيح، هل يکفر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ومصداق ذلك قول الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4.
وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه وحكمه، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رده ولم يقبل به: أنه ليس من الإيمان في شيء، فقال عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
ولذلك وقع الاتفاق بين أهل العلم على أنَّ مَن أنكر حجية السنة بشكل عام، أو كذَّبَ حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم – فهو كافر، لم يحقق أدنى درجات الإسلام والاستسلام لله ورسوله.
قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله:
" من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" انتهى.
وقال السيوطي رحمه الله:
" اعلموا رحمكم الله أنَّ مَن أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو من شاء من فرق الكفرة " انتهى.
"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" (ص/14)
وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله:
" التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح " انتهى.
"العواصم والقواصم" (2/274)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":
" الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين " انتهى.
"المجموعة الثانية" (3/194)
وانظر جواب السؤال رقم: (604) ، (13206) ، (77243)
ثانيا:
أما مَن رَدَّ الحديث ولم يقبله، مُنكِرًا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس كالقسم الأول، ونحن ندرك أن أكثر أصحاب التيار " التنويري " الجديد، هم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم، وهؤلاء ـ في واقع الأمر ـ لم يأتوا بجديد، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم، الذين حكى أهل العمل شبهاتهم، وتولوا الردع عليها.
ولهؤلاء، وأمثالهم نقول:
المنهجية العلمية تقتضي النظر في أمور مهمة قبل رد الحديث وإنكار أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول:
المناقضة التامة بين ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن الكريم من نص واضح الدلالة غير منسوخ، ونحن نؤكد هنا على قيد " المناقضة التامة "، وليس مجرد تعارض ظاهري يبدو في ذهن الناظر العجل، ولعل أولئك الذين يخوضون في إنكار الأحاديث يوافقوننا على هذا التقييد؛ لأن غالب التعارض الظاهري الذي يعرض في أذهان كثير من الناس لا حقيقة له، وإنما هو ظنٌّ قائمٌ في ذهن المعترض، يمكن بالتأمل وتلمس أوجه اللغة والمعاني الجواب عليه، وبيان موافقته لأصول الشريعة ومقاصدها، ومن تأمل كتاب العلامة ابن قتيبة الدينوري، المسمى " مختلف الحديث "، عرف قدر المجازفة التي جازفها كثيرون في إنكارهم الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للقرآن، أو عدم تصديق العقل بما فيها، ثم إذا ذكر ابن قتيبة تفسير العلماء الصحيح لهذه الأحاديث تبين أن لها أوجها صحيحة موافقة للشريعة، وأن توهم المعارضة للقرآن إنما هو ظنون فاسدة.
إننا نسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يتجرأ على رد السنة، والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، من غير منهجية علمية، أو أصول نقدية مقبولة، ومن غير أن يحكموا أصول العلم الذي يتحدثون فيه:
هل ترون أن مِن الممكن أن يناقض الحديثُ القرآن الكريم مناقضة تامة بحيث يجزم الناقد بأن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مع ذلك جميع علماء الإسلام، من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، متوافقين على قبول هذا الحديث وشرحه وتفسيره والاستدلال به والعمل بما جاء فيه؟!
ألا يقضي العقل السليم – الذي يزعمون التحاكم إليه – باحترام اتفاق أهل التخصص على أمر هو في صلب تخصصهم؟!
هل يجرؤ أحد على تخطئة علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو علوم التربية أو الاقتصاد مثلا إذا اتفقوا وتواردوا على أمر معين، خاصة إذا لم يكن المعترض عليهم من أهل العلم بذلك التخصص، وإنما غاية أمره أن يكون قد قرأ بعض المقالات حوله، أو شيئا من كتب: تبسيط العلوم، أو: العلم لكل الناس؟!
الشرط الثان:
وجود حلقة من حلقات الضعف الإسنادي، التي تتحمل الخطأ الوارد في المتن:
ونظن – كذلك – أن هذا الشرط منهجي قويم، لا ينبغي أن يخالف فيه من يفهم شيئا في أصول النقد العلمي، وذلك أن إنكار المتن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، يعني وجود حلقة ضعيفة في السند هي التي أوهمتنا أن هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ـ فعليا ـ ليس كذلك.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو من هو في منازل العلم والإيمان، وهو أول من صنف في علم أصول الفقه:
" الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك ثبوته "
"اختلاف الحديث ـ ضمن الأم ـ (10/107) ".
ويقول:
" لا يُستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه، إلا بصدق المُخْبِر، إلا في الخاص القليل من الحديث ".
"الرسالة": فقرة (1099) .
ويقول أيضا:
" المسلمون العدولُ: عدولٌ أصحاء الأمر فى أنفسهم ... ، وقولُهم عن خبر أنفسهم، وتسميتُهم: على الصحة والسلامة، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم ".
"الرسالة": فـ (1029-1030) ، وانظر: الأم (8/518-519) .
وبعد أن يحكي الإمام الشافعي رحمه الله بعض الأصول العلمية في هذا الباب، وهو أمر تعرض له كثيرا في كتبه المختلفة، يذكر لنا أن ما قرره، مما نلقلنا بعضه هنا، ليس اجتهادا فرديا، أو مذهبا شخصيا له، وإنما هي أصول أجمع عليها أهل العلم من قبله. يقول:
" فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا، لعدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فما خالف منهم واحدٌ واحدا، وقالوا: هذا مذهبُ أهل العلم من أصحاب رسول الله، والتابعين، وتابعي التابعين، ومذهبُنا؛ فمن فارق هذا المذهب: كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلِ العلم بعدَهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة، وقالوا معا: لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل، وجاوزوا، أو أكثرهم، فيمن يخالف هذا السبيل، إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه "!!
" اختلاف الحديث" ـ الأم ـ (10/21) ، وانظر نحوا من ذلك في: الرسالة: فـ (1236-1249) .
إن أول ما يجب على من رد حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبحث ويفسر من هو الراوي الذي أخطأ في نقله هذا الحديث، فإذا لم يجد المُنكِرُ سببا إسناديا مقبولا لإنكاره الحديث فذلك علامة على خطأ منهجيٍّ، وهو علامة أيضا على ضرورة مراجعة فهم الحديث والقرآن والمقاصد الشرعية.
فكيف إذا كان الحديث واردا بأصح الأسانيد على وجه الأرض، بل كيف لو كان الحديث قد ورد بطرق كثيرة جدا – كما هو حال أكثر الأحاديث التي يردها " التنويريون " -، وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم؟!
الشرط الثالث:
نسبة الأمر كله إلى الاجتهاد المحتمل، ونبذ أساليب الجزم والحسم واتهام المخالف والطعن في عقول المسلمين، وهذا فيما إذا كان هناك وجه لهذا الاحتمال، وكان من يتكلم في هذا مؤهلا ـ بأدوات البحث اللازمة ـ لإدراك ذلك والبحث فيه. فقد يبدو لأحد العلماء ضعف حديث معين لعلة معينة، ولكنه لا يستعمل لغة الاتهام لكل من قبل الحديث.
فمن خالف هذه الشروط الثلاثة، وأصر على إنكار الحديث وتكذيبه، فهذا على خطر عظيم، إذ لا يجوز للمسلم أن يتأول متهجما من غير شروط ولا ضوابط، وإلا أثم ووقع في الحرج.
يقول الإمام أحمد رحمه الله:
" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " انتهى.
ويقول الحسن بن علي البربهاري:
" وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار: فاتّهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع.
وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقمْ من عنده وودّعه " انتهى.
"شرح السنة" (113-119) باختصار.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق. فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/41)
وانظر جواب السؤال رقم: (245) ، (9067) ، (20153)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/19)
حديث ضعيف في فضل الدعاء بـ يا أرحم الراحمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة الحديث التالي: روى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملكا موكلا بمن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/728) قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله العماني، ثنا مسعود بن زكريا التستري، ثنا كامل بن طلحة، ثنا فضال بن جبير، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملكا موكلا بمَن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فاسأل) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ضعيف. قال الذهبي: " فضال: ليس بشيء.
قال ابن عدي في "الكامل" (1/325) : " ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة "....
ثم روى الحاكم من طريق الفضل بن عيسى، عن عمه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلي الله عليه وسلم برجل وهو يقول: يا أرحم الراحمين! فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: " سل؛ فقد نظر الله إليك ". وقال الحاكم: " الفضل بن عيسى هو الرقاشي، وأخشى أن يكون عم يزيد بن أبان، إلا أني قد وجدت له شاهداً من حديث أبي أمامة " انتهى. ثم ساق حديث الترجمة.
قلت – (الألباني) -: ويزيد بن أبان - وهو الرقاشي – متروك. والفضل بن عيسى ضعفوه كما في "المغني"، وقال فيه الحافظ: " منكر الحديث " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (3200) .
فالحديث ضعيف لا يصح، غير أن سؤال الله سبحانه بوصف الرحمة مشروع؛ لأنها من أخص صفاته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الإسراء/110.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/20)
معنى نقص العقل والدين عند النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[دائماً نسمع الحديث الشريف (النساء ناقصات عقل ودين) ويأتي به بعض الرجال للإساءة للمرأة. نرجو توضيح معنى الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) بَيَّن صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها، وأن شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى، وذلك لضبط الشهادة، بسبب أنها قد تنسى، فتزيد في الشهادة أو تنقصها، كما قال سبحانه: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282.
وأما نقصان دينها فلأنها في حالة الحيض والنفاس تدع الصلاة، تدع الصوم، ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل، هو الذي شرعه عز وجل رفقاً بها، وتيسيراً عليها؛ لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك، فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس، والقضاء بعد ذلك.
وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة، فمن رحمة الله جل وعلا أن شرع لها ترك الصلاة، وهكذا في النفاس، ثم شرع لها أنها لا تقضي، لأن في القضاء مشقة كبيرة، لأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات، والحيض قد تكثر أيامه، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر، والنفاس قد يبلغ أربعين يوماً، فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء، ونقص دينها في كل شيء، وإنما بَيَّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقص عقلها من جهة ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة، ونقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجل في كل شيء، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء.
نعم، جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة، لأسباب كثيرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح، وفي تقواها لله عز وجل، وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها، وتجتهد في حفظها وضبطها فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك.
وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضاً تقواها لله، وكونها من خيرة عباد الله، ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها، وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله، ومن جهة قيامها بأمره، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور، فهو نقص خاص في العقل والدين، كما بَيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء، وضعف الدين في كل شيء، وإنما ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إنصافها، وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم، على خير المحامل وأحسنها. والله تعالى أعلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
مجلة البحوث الإسلامية (29/100- 102) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/21)
منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث وفي كل خير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفقيه هو المجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعية، ويوضح مقررات الشريعة، ويشرح للناس أحكام دينهم، فدائرة حديثه مقاصد الدين، ومحكمات القرآن المبين، وتحقيق الفهم الصحيح لما يريده الله سبحانه وتعالى من العباد.
وهذا عمل لا يقوم به إلا أفراد الناس والقلائل منهم، لما يقتضيه من اطلاع واسع على النصوص، وممارسة طويلة لكلام أهل العلم، وذكاء في دراسة الواقع وتنزيل الأحكام الشرعية عليه.
أما راوي الحديث: فهو ناقل لما سمع من السنة النبوية، يؤدي ما تحمله بكل صدق وأمانة، ويعتني بتبليغ الحديث كما بلغ إليه بأي طريقة كانت، ولا يتكلف عناء شرح الحديث أو استنباط الأحكام الشرعية منه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، وإنما يقتصر دوره على الأداء والرواية.
وهذا عمل يتطلب الدقة والعناية النقلية، ولا يقتضي نظرا فقهيا ولا عناية أصولية.
وقد وصف الإمام الأعمش رحمه الله عملَ كلٍّ مِن الفقيه وراوي الحديث بوصف دقيق فقال:
" يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة " انتهى.
"نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي" (1/45) .
ولا يخفى أن عمل كُلٍّ من الطبيب والصيدلي عمل متكامل، لا يستغني أحدهما عن الآخر، فكان لكل منهما من الفضل والتأثير القدر البالغ من الأهمية، وبذلك جاءت الشريعة أيضا تقر لكل من الفقيه والراوي بالفضل والأجر عند الله تعالى، مع مزيد فضل للفقيه (الطبيب) الذي يعتني بالفهم والاستنباط.
وقد استنبط بعض أهل العلم هذا التقرير من قوله صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ) رواه أبو داود (3660)
قال الرامهرمزي (ت 360هـ) رحمه الله: " ففرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه) وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر، مثال ذلك أن تمثل بين مالك بن أنس وعبيد الله العمري، وبين الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي، وبين أبي ثور وابن أبي شيبة، فإن الحق يقودك إلى أن تقضي لكل واحد منهم بالفضل، وهذا طريق الإنصاف لمن سلكه، وعلم الحق لمن أمه ولم يتعده " انتهى.
"المحدث الفاصل" (1/169-170) .
وأما من جمع بين الحسنيين، فوعى مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ ما جاء به من العلم، وتفقه في معانيه، فانتفع به في نفسه، ونفع به الناس، فهؤلاء خير أصناف الناس قاطبة.
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً.
فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) رواه البخاري (79) ، ومسلم (2282) .
الغيث: المطر. الأجادب: الأرض التي لا تنبت كلأ. القيعان: جمع القاع وهو الأرض التي لا نبات فيها.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس:
فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيى بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم " انتهى.
"شرح مسلم" (15/47-48) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر.
وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر، لأنها المحل الذي يمسك الماء، فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته.
ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه وفهم معانيه واستنباط أحكامه واستخراج حكمه وفوائده:
أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه؛ فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط ... فهذا مثل الحفاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية.
القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزِقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تفقها في معانيه ولا استنباطا ولا استخراجا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه، ويراعي حروفه وإعرابه، ولم يرزق فيه فهما خاصا عن الله، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: (إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه) . والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت، فرب شخص يفهم من النص حكما أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه وهذا يسقى وهذا يزرع.
فهؤلاء القسمان هم السعداء، والأولون أرفع درجة وأعلى قدرا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
القسم الثالث: الذين لا نصيب لهم منه، لا حفظا ولا فهما، ولا رواية ولا دراية؛ بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان، لا تنبت ولا تمسك الماء.
وهؤلاء هم الأشقياء، والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم، كل بحسب ما قبله ووصل إليه، فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه، والقسم الثالث لا علم ولا تعليم، فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا ولم يقبلوه، وهؤلاء شر من الأنعام، وهم وقود النار.
فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شقيهم وسعيدهم، وتقسم سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد.
وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر، بل أعظم، وأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث.
قال الإمام أحمد: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس " انتهى.
"مفتاح دار السعادة" (1/65-66) .
فيا أيها الأخ الكريم، أين أنت من ذلك كله، ومن أي أنواع الأرض ـ يا ترى ـ طينتك، أمن التي انتفعت في نفسها، ونفعت الناس، فحفظت وتفقهت، وعملت وعلّمت؟ أمن التي حفظت لغيرها حتى انتفع، والدال على الخير كفاعله؟
إننا نعيذك بالله، ونكرمك عن أن تكون طينتك من الأرض السباخ، فلا أمسكت ولا أنبتت، ولا حفظت ولا تفقهت، ثم هي تقيم نفسها مقام الحكم بين الفريقين!!
انظر في همتك ـ يا عبد الله ـ ووطنها على معالي الأمور، واطلب لها الحفظ والفقه، فإن عجزت عن بعض ذلك، فليس أقل من أن تكون دالا على الخير، حافظا لما أمرت به.
قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(4/22)
جواب مجمل عن بعض المستهزئين بأحاديث البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في إحدى الدول الغربية، حيث يوجد مجموعات من المسلمين لا بأس بها من مختلف التيارات والأجناس والألوان , ولكن بشكل عام يوجد جهل بالإسلام وأحكامه من مختلف الجوانب , وقد لفت انتباهي بعض الإخوة هنا - هدانا الله وإياهم - ممن يشككون في الأحاديث النبوية، وخاصةً التي وردت في صحيح البخاري، وفيها: (يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) ، وأحاديث تجلي الله لعباده يوم القيامة، ورؤيتهم له، وحديث ما جاء في النجوى: (.. يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، وحديث نكاح المتعة، وحديث المرأة التي عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أرجو منكم التكرم بإرسال الرد المناسب حتى يتسنى لنا الرد على هؤلاء الجهلة ممن يشككون، وربما يضلون البعض من المسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس بعد الكفر ذنب، والذي يبلغ به تفكيره أن يجعل مثل هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة مثارا للتشكيك والاستهزاء فقد أضحك الناس على عقله، والملحد يستهزئ بكل شيء، بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، فليس من الصواب مناقشته في تفاصيل العقيدة، وهو لم يؤمن بعد بأصولها الكبيرة.
ولو رحنا نتتبع كل من يسخر من الآيات أو الأحاديث لضاق بنا وبكم العمر الطويل، ولما انتهينا من أصوات الحاقدين الناعقين بكل سوء وجهالة.
أما أولئك المنتسبون إلى الإسلام، الذين يتنكرون لتراث الأمة وتاريخها وثقافتها وقيمها، ويتسترون وراء ألقاب " العقلانية "، و " التنويرية " فوالله لا نراهم إلا منادين على أنفسهم بالجهل والعمى، ومسلمين عقولَهم التي يتفاخرون بها لبعض المستشرقين الحاقدين، فيكررون على ألسنتهم كل سوء وبذاءة فاهت بها ألسنتهم، وهم واقعون تحت تخدير وهم "العقلانية"، حتى أصبح كل جاهل يريد أن يروج لبضاعته ينتسب إلى هذا الاسم، وهو أبعد ما يكون عن العقل الصحيح.
وحاصل ما جاء في هذا السؤال من طعون تجتمع في مسائل ثلاثة:
الأولى: الطعن في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بذكر تفاصيل ما يحصل للناس في المحشر، وعند الصراط، وفي عرصات – أي: ساحات - يوم القيامة.
ونحن نشير إلى الجواب المجمل أيضا عنها بالنقاط الآتية:
1- هذه الأحاديث كلها تتحدث عن عالم غيبي، لا ندرك كنهه ولا حقيقته إلا رموزا يسيرة بينتها لنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة، ومن استهزأ بها فلم يبعد أن يستهزئ أيضا بما جاء في القرآن الكريم من ذكر تفاصيل يوم القيامة، كيف تُطوى السماوات، وتسير الجبال سيرا، وتكون كالعهن المنفوش، وبما جاء في القرآن الكريم من ذكر مجيئ الرب تعالى للحساب والفصل بين الناس، وسؤاله لهم عن كل صغير وكبير، إلى غير ذلك الكثير الكثير مما لو استهزأ بشيء منه لظهر كفره للقاصي والداني، وبان إلحاده، ولكان لنا وله شأن آخر في المناظرة والمناقشة.
أما أن يعمد إلى أحاديث صحيحة، رواها العشرات من الثقات والحفاظ، وتناقلها العلماء والأئمة بالإقرار، ثم يستهزئ بما جاء فيها، بدعوى أنه اكتشف بعقله الفذ!! نقدا لم يكتشفه أحد قبله، فهذا تدليس على الناس وأعظم تدليس، وإلا فليخبرنا عن الرب سبحانه وتعالى، كيف هو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وكيف هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، فإن أجاب بالتسليم لعجز العقل القاصر عن الخوض في الغيبيات، قلنا له: وليسلم عقلك القاصر عن التفاصيل التي جاءت في السنة النبوية الصحيحة عن أحوال الآخرة، وإلا كنت متناقضا.
2- ثم ما هو الشيء الذي يحيله العقل وتذكره هذه الأحاديث، فما الذي يمنع من رؤية المؤمنين لله سبحانه وتعالى، وما الذي يحيل أن يكشف لهم عن شيء من صفاته التي تليق بجلاله، كما أنه سبحانه بذاته وجلاله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأين مثار السخرية في مرور الناس بالصراط، وتجاوزهم على قدر أعمالهم، أو في خروج العصاة من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فليخبرنا من يدعي أن ذلك كله مستحيل ما وجه استحالة ذلك في منطق العقل السليم، وليبين لنا ذلك بحجته الباهرة!! وليس بالكلام البذيء ولا بالاستهزاء بعقول القراء الكرام.
الشبهة الثانية: الاستهزاء بأحاديث جواز نكاح المتعة في بداية الإسلام.
ونحن نحب أن نبين لهذا المستهزئ الجاهل أن نكاح المتعة في بداية الإسلام كان نكاحا قائما على شروط وأركان، ولم يكن عبثا ولا فسادا مستترا، فقد كان بموافقة الولي، وحضور الشهود، والإعلان، ووجود المهر، والرضا من كلا الطرفين، وتبنى عليه أحكام الزواج الحقيقي جميعها: من نسب، وميراث، ومحرمية، وطلاق، وعدة، ونحوها، تماما كأي نكاح شرعي يتم اليوم في عرف الناس وشرعهم.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
" من قال: المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً - أو ما شابه ذلك - على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك؟! هذا هو الزنا بعينه، ولم يُبَح قط في الإسلام " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (5/87)
غير أن الفارق الوحيد بينهما هو التأقيت والتحديد الزمني، ليكون كل من الزوجين بعد هذه المدة بالخيار، إن أحبا أن ينفصلا أو يستمر زواجهما إلى ما شاء الله، وقد كان لجوازه في بداية الإسلام ظرف خاص، تعددت الروايات في شرحه وبيانه، وأقوى ما جاء فيه ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض، وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر " انتهى. "فتح الباري" (9/172)
وعلى كل حال فقد نسخ هذا النوع من النكاح، ومنعته الشريعة بعد تجاوز الظرف الخاص الذي جاز فيه، وصحت الكثير من الأحاديث في تحريمه، واتفق على المنع منه الأئمة الأربعة والعلماء جميعهم. بل في نفس الحديث الذي ذكره المعتر ض، نص الإمام البخاري في روايته (5119) على نسخ هذا النكاح:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا) ...
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ [هو الإمام البخاري] : وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.
وانظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر، رحمه الله.
3- حديث المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها. ونحن نتساءل عن الضير في ذلك، هل من العيب أو الخزي أو من مثارات السخرية أن تسأل إحدى النساء الصالحات المؤمنات العفيفات النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فتنال مرتبةً عظيمةً في الدين في صحبة سيد المرسلين، وتكون مع خير الخلق زوجةً في الدنيا والآخرة، هل تُلام المرأة إن أبدت رغبتها في الزواج الشرعي من خير الخلق وسيد الأولين والآخرين، أليس من حقها أن تبحث عما يسعد حالها ويرفع شأنها في الدنيا والآخرة، أين هو المحرم أو الممنوع الذي وقعت فيه تلك المرأة الصالحة، أم هو الطعن والاستهزاء لأجل التشويش والفتنة.
أما إيماننا بما في صحيحي البخاري ومسلم فليس من قبيل التقليد الأعمى، أو التسليم الاعتباطي، بل هو إيمان مبني على دراسات استقرائية محكمة لجميع رواة وأسانيد ومتون هذين الصحيحين، استغرقت آلاف الصفحات ومئات السنين وعشرات العلماء، منها القديم والمعاصر، كلها تثبت - بما لا يدع مجالا للشك – صحة الإجماع الواقع تلقي الكتابين بالقبول، وترجيحهما على ما سواهما، ومن أوائل هذه الدراسات مقدمة ابن حجر لكتابه فتح الباري، المسماة " هدي الساري "، فقد تكلم فيها بتطويل عن الأسس والأركان التي قام عليها صحيح البخاري، والتي اقتضت التسليم له بالصحة والثبوت.
هذا جواب مجمل مختصر، وأما الجواب المطول المفصل فيقتضي أن نعرف هوية المسيء بهذه الكلمات، كي يكون جوابنا مناسبا لحاله واعتقاده، وإن كنا لا ننصح إخواننا المسلمين بالاشتغال بالرد على هؤلاء المتنطعين من المتكلمين، حفظا لأوقاتهم وأعمارهم، ولكن إذا اقتضى الأمر ضرورة المناقشة والمجادلة، فبالدليل والبرهان، وليس بالتهويش والتهويل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/23)
سائل يعلق على جواب سابق في الصوم، وحديث ابن عباس في رؤية الهلال بشاهد واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[في جوابكم على السؤال رقم (26824) ذكرتم جواز الأخذ برأي الثقة في رؤية الهلال، ولكن هذا يتعارض مع الحديث الذي جاء فيه بدوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره برؤية الهلال، عندها سأله الرسول هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فلمَّا أجاب بالإيجاب، سأله هل تشهد أنك رأيت الهلال؟ فمن هذا الحديث الدليل على جواز قبول رؤية الهلال من أي مسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي أشار إليه السائل هو:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ - قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِى: رَمَضَانَ - فَقَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) .
رواه الترمذي (691) وأبو داود (2340) والنسائي (2112) وابن ماجه (1652) .
والحديث: ضعيف، لا يصح، وقد ضعفه النسائي والألباني وغيرهما.
وإذا كان الحديث ضعيفاً، فلا تعارض بينه وبين ما ذكرناه أنه لا بدَّ أن يكون الرائي للهلال عدلاً.
وعلى فرض صحة الحديث: فإن معناه يحمل على وجوه، منها:
1. أن الأمر في قبول شهادة الرائي للهلال، وكونه ثقة، عدلاً: يرجع للقاضي، وأنه إن استقر في نفسه بسبب خبرته بالناس أن هذا الرائي موثوق بشهادته: فإن له قبول تلك الشهادة منه، وإن لم يكن يعرفه أحد ليزكيه ويوثقه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
إذاً: أمر بلالاً بأن يؤذن، أي: يعلن في الناس أن يصوموا غداً، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بمعنى: أنه عرف أنه مسلم، لكنه ما جرَّبه، ولا عرف ذكاءه، وفطنته، وكياسته، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومع ذلك قبِل شهادته، فهذا فيه تيسير واسع، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرِّفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً، يكتفي منه بأن يعرف إسلامه، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام، فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين، فهو مسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، وبناءً على شهادته وإسلامه قال: يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً.
" التعليق على كتاب بلوغ المرام " دروس صوتية، الحديث رقم 5، كتاب الصيام.
2. أن يكون هذا الحديث دليلاً على أن الأصل في المسلم العدالة، حتى يتبين خلاف ذلك.
قال الصنعاني رحمه الله في فوائد حديث ابن عباس:
فيه دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة، إذ لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إلا الشهادة.
" سبل السلام الصنعاني " (2 / 153) .
3. أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالصحابة، وهو كذلك؛ لأنهم جميعاً عدول، ومما لا شك فيه أن ذاك الأعرابي قد انتظم في عقد الصحابة رضي الله عنهم، وهو بذلك صار من العدول، والذين لا يُحتاج النظر في عدالتهم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم، وإن كان مجهولاً، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر.
والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله، في عدة نصوص، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان ... .
انتهى " مصطلح الحديث " من موقعه رحمه الله.
وهناك أمر يقوِّي ما سبق، وهو كون تلك الشهادة في زمن الوحي، ولا يمكن أن يُقرَّ ذلك الأعرابي على شهادة باطلة تتعلق بطاعة المسلمين وعبادتهم.
وبما أن الحديث ضعيف: فقد أغنانا الله تعالى عن تأويله، والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/24)
حديث في فضل البسملة وأنها تنجي من الزبانية التسعة عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (من أراد أن ينجيه الله تعالى من الزبانية التسعة عشر، فليقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنّها تسعة عشر حرفاً، ليجعل الله كل حرف منها جُنّة من واحد منهم) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الأثر ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/92) وابن كثير في "تفسيره" (1/18) عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا سند صحيح من وكيع إلى ابن مسعود.
والأعمش وإن كان مدلساً إلا أنه يقبل منه ما رواه عمَّن لازمهم وأكثر عنهم كإبراهيم النخعي وأبي وائل.
قال الذهبي في ترجمة الأعمش من "ميزان الاعتدال" (2/224) :
"وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرَّق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل (وقع في المطبوع: "ابن أبي وائل" وهو خطأ فكلمة "ابن" مقحمة) وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال" انتهى.
ولكن يبقى النظر في حال من دون وكيع من رجال السنة فإن القرطبي وابن كثير لم يذكرا تمام سنده، ولعله لأجل هذا حذفه العلامة أحمد شاكر في مختصره لتفسير ابن كثير المسمى: "عمدة التفسير" وقد نصَّ في مقدمته (1/11) على أنه حذف كل حديث ضعيف أو معلول.
ولكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/26) إلى وكيع، والإمام وكيع بن الجراح له تفسير مشهور.
انظر: "المجمع المؤسس" للحافظ ابن حجر (ص113) .
فإن ثبت ذلك فالسند صحيح، ويصح به الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/25)
حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان.. إلخ. وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله: بأن حديث سلمان من الموضوعات، وكذلك قوله: من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وقوله: ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار. وقال: إن هذه الكلمات كذب على الرسول، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار.. إلخ. فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه، وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة ربما وهم.
وعلى هذا؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب، لكنه ضعيف، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/26)
حديث (نوم الصائم عبادة) ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نوم الصائم عبادة) . فهل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث غير صحيح، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/1437) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف) .
وضَعَّف إسناده البيهقي، فقال: معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد) : ضعيف، وسليمان بن عمرو النخعي أضعف منه. وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/310) : سليمان النخعي أحد الكذابين. وضعفه المناوي في "فيض القدير" (9293) ، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4696) وقال: ضعيف.
والواجب على المسلمين عموماً - ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ - أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1391) ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (4) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/27)
رواية الحديث بالمعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أنصح الآخرين عندما أراهم على خطأ وأبين لهم الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ولكن أحيانا أنسى الأحاديث وأذكرها بصيغة مقاربة للصيغة الأصلية أو ذكر جزء من الحديث أو ذكر معناه دون التعرض للمعنى الأصلي، فهل هذا جائز أو يدخل في باب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأنا أحيانا أتراجع عن النصح خوفا من الوقوع في الخطأ، وأن أضل نفسي وغيري والعياذ بالله من الضلال، وبماذا تنصحوني في مثل هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قيام الإنسان بالدعوة إلى الله هذا من أجل الأعمال وأسماها عنده سبحانه وتعالى، كيف لا، وهي وظيفة من اصطفاهم الله من خلقه من الأنبياء والرسل، ومن ورث منهجهم من العلماء والدعاة، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف /108.
وقد امتدح الله سبحانه من سلك تلك الطريق بقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33.
لكن يشترط فيمن تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله؛ لما روى البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وقال في الحديث: (ولو آية) ، أي: واحدة، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي، ولو قَلَّ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً.. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز " انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329.
ثانياً:
يجوز للإنسان أن يروى الحديث بمعناه عند جمهور أهل العلم، لمن كان عارفاً باللغة، ويأمن من اللحن وتغيير المعنى الذي به يتغير الحكم، وأن لا يكون ذلك التغيير في الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " رواية الحديث بالمعنى، معناه: نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه.
وهو يجوز بشروط ثلاثة:
1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه: من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه.
2 - أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.
3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به: كألفاظ الأذكار ونحوها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين".
فعلى هذا؛ لا بأس أن تروي الحديث بالمعنى إذا لم تكن حافظاً لفظه، شريطة أن لا يكون في كلامك تغيير للمعنى المقصود من الحديث.
وأخيراً، نشكر لك اهتمامك بنصح إخوانك المسلمين، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/28)
أهمية التحري في نقل ورواية الأحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت لأحد الأصدقاء حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم وعندما تركته اكتشفت أني ذكرته بصيغة خاطئة كأن أقول مثلا: (من قال لأخيه: يا كافر فقد كفر) وكان ذلك بغير قصد مني، فهل علي إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الناقل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يتحرى الدقة، فينقل اللفظ كما هو، أو ينقل المعنى نقلا صحيحا، حتى لا ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يبلغ حديثه كما هو، فقال: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) رواه الترمذي (2657) وأبو داود (3660) وابن ماجه (230) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن كثير رحمه الله في رواية الحديث بالمعنى: " وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى: فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة.
وأما إذا كان عالماً بذلك، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك: فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجيء بألفاظ متعددة، من وجوه مختلفة متباينة.
ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث، منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء الأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد. وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم.
وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضي الله عنهم يقولون - إذا رووا الحديث -: " أو نحو هذا "، أو " شبهه "، " أو قريباً منه "" انتهى من "الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث".
ثانيا:
قد أخطأت فيما نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يقل: (من قال لأخيه: يا كافر فقد كفر) وإنما بين صلى الله عليه وسلم أن من قال لأخيه يا كافر: إما أن يكون محقا فلا يلحقه شيء، وإما أن لا يكون أخوه كذلك فيرجع الكفر عليه.
روى البخاري (6104) ومسلم (60) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) .
وعند أبي داود (4687) (أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْكَافِرُ) .
وروى البخاري (6045) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ) .
فينبغي أن تتحرى الدقة فيما تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونرجو أن يعفو الله عنك في خطئك الذي لم تتعمده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/29)
هل لبس خاتم الحديد حرام على الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن لبس خاتم الحديد حرام للرجال، فنرجو توضيح الموضوع مع ذكر الأدلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب، فقال: (مالي أجد منك ريح الأصنام؟) فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟) فطرحه، فقال: يا رسول الله من أي شيء أتخذه؟ قال: (اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالاً) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي: هذا حديث غريب، وعن إياس بن الحارث بن المعقيب عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال فربما كان في يدي، قال، وكان المعيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، خرجه أبو داود والنسائي. وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي خطب المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا يدل على جواز لبس الخاتم من الحديد، كما يدل عليه حديث معيقيب، أما حديث بريدة المذكور آنفاً ففي سنده ضعف، وبذلك يتضح أن الراجح عدم كراهة لبس الخاتم من الحديد، ولكن لبس الخاتم من الفضة أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة كما ثبت في الصحيحين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/64) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/30)
حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ناسخ أم منسوخ؟ حيث أشكل عليّ فهم هذا الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها.
وقد جاءت عدة أحاديث، تدل على المعنى نفسه:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) أخرجه مسلم (1767) .
2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال: آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد" (1/169) ، ومحققو المسند، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132) .
والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث: الجزيرة العربية كلها، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة، لا من النصارى، ولا من غير النصارى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية، فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود، والنصارى، والبوذيين، والشيوعيين، والوثنيين، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر، كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج.
أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين، وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها، هذا هو الواجب، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت" انتهى.
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (6/454) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله أيضاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ. ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
فأجاب:
" لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه شك.
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة، عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة، وألا يستقدموا إلا المسلمين.
هذا هو الواجب، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف. فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة، وعنده من الشر ما عنده، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة.
أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية، أي: التي يقدرها ولاة الأمر، وفق شرع الإسلام وحده.
ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة. وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى.
"فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/282) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟
فأجاب:
"استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) . لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة.
وحيث قلنا: جائز، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك: ما يخشى من محبتهم، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/41) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/31)
(الدين المعاملة) ليس بحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (الدين المعاملة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له في كتب السنة.
وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة المجلد الخامس من "سلسة الأحاديث الضعيفة" ص 11، وقال عنه: "لا أصل لذلك، ولا في الأحاديث الموضوعة! " انتهى.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله، فقال:
"هذا ليس بحديث، إنما هو من كلام الناس" انتهى.
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=1140
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/32)
التفسير العلمي لتحنيك المولود بالتمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت فقط معرفة هل من أسباب علمية وراء تحنيك المولود بالتمر أو بشيء حلو عقب الولادة؟ وإذا لم تكن هناك فوائد علمية وراء ذلك فهل توجد أي فوائد أخرى لذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
تحنيك الطفل بالتمر بعد ولادته سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها (أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فحنكه بتمرة، ثم دعا له وبرَّك عليه) .
وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة) .
والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان، العالم بما يصلحه ويفسده. والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر، وقد يظهر بعضها دون بعض، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها، لأن ذلك مقتضى إيمانه.
وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو، ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 /588) :
"والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى.
ثم بمجيء العلم الحديث باكتشافاته تبين شيء جديد من الإعجاز العلمي الذي تحمله هذه السنة النبوية، إذ تبين أن الطفل يحتاج إلى سكر الجلوكوز، وقد يتعرض بسبب نقصه لآفات كبيرة، وأن التمر خير مصدر لهذا.
ونحن نسوق لك هنا مختصرا مما قاله المختصون من الأطباء، فقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل، ومما جاء فيه:
" إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً، وكلما كان وزن المولود أقل، كان مستوى السكر منخفضاً.
وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم. وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام.
ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:
1-أن يرفض المولود الرضاعة.
2-ارتخاء العضلات.
3-توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.
4-اختلاجات ونوبات من التشنج.
وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة، وهي:
1-تأخر في النمو.
2-تخلف عقلي.
3-الشلل الدماغي.
4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.
5- نوبات صرع متكررة (تشنجات) .
وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى.
ثم قال في مناقشة تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بالتمر:
"إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة. فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.
وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود.
وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجاً، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً. وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.
إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم. وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات. كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين" انتهى ما أردنا نقله من كلام الدكتور البار، وفيه إن شاء الله ما يكفي لبيان الإعجاز العمي الذي تضمنته هذه السنة النبوية العظيمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/33)
هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولاد هبة من الله تعالى، وسائر أرزاق العباد ومقاديرهم بيده سبحانه، وإليه سبحانه يرجع الأمر كله: يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه سبحانه:
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49-50) قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك: في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء؛ فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا، ومنهم من يزوجه، أي: يجمع له ذكورا وإناثا، ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ} بكل شيء {قَدِيرٌ} على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته " انتهى.
وقد جاء في فضل البنات والقيام عليهن وتربيتهن أحاديث صحيحة، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) رواه مسلم (2631) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ) رواه الترمذي (1916) وأبو داود (5147) وابن ماجه (3669) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
وأما فضل مجيء البنت أولا، فقد جاء فيه حديث ضعيف، بل موضوع عند بعض أهل العلم
قال الحافظ السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (1/677) : " حديث (من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى) : الديلمي عن واثلة بن الأسقع مرفوعا بلفظ: (من بركة تبكيرها بالأنثى ألم تسمع قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا) فبدأ بالإناث) ، ورواه أيضا عن عائشة مرفوعا بلفظ: (من بركة المرأة على زوجها تيسير مهرها وأن تبكر بالإناث) وهما ضعيفان " انتهى.
وقال السيوطي في فتاويه: لا يصح. انظر: "كشف الخفاء" (2/287) .
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة والموضوعة" (9/ 142) : " (من يمن المرأة أن يكون بكرها جارية) : موضوع، أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 302) من طريق شيخه محمد بن محمد بن الأشعث: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي مرفوعاً.
قلت: موضوع، المتهم به هذا الشيخ؛ فقد ساق له ابن عدي نحو خمسة وعشرين حديثاً من أصل قرابة ألف حديث بهذا الإسناد العلوي، وقال: "وعامتها من المناكير، وكان متهماً". وقال الدارقطني: "آية من آيات الله! وضع ذاك الكتاب. يعني العلويات".
وقد مضى له حديث آخر موضوع في المجلد الرابع رقم (1932) . وقال الذهبي في "الميزان": "وساق له ابن عدي جملة موضوعات" " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/34)
كتب يستفاد منها في تخريج الأحاديث النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب التي تنصحون بها لتخريج الأحاديث الشريفة؟ وما هو البرنامج (برنامج حاسب آلي) الذي تنصحون به لتخريج الأحاديث الشريفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الكتب التي يستعان بها لتخريج الأحاديث النبوية كثيرة، منها ما هو مرتب على الأبواب، ومنها ما هو مرتب على الأطراف، ومنها المرتب على أسماء الرواة.
ومن هذه الكتب: صحيح الجامع الصغير، وضعيف الجامع الصغير، كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله، وهما مرتبان على أطراف الأحاديث، على ترتيب حروف المعجم.
ومنها: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني أيضا، وهو مرتب على أبواب الفقه.
ومنها: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية لحافظ الزيلعي، وكلاهما مرتب على أبواب الفقه.
ومنها: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي، وهو مرتب على أسماء الرواة، على ترتيب حروف المعجم، وإذا أورد الحديث ذكر من خرجه من الأئمة، فيضع أمام الحديث مثلا: (خ م ت) أي رواه البخاري ومسلم والترمذي.
ثانيا:
وأما برامج الحاسب، فكثيرة، وأنفعها: برنامج الحديث الشريف، لشركة (حرف) وبرنامج الموسوعة الذهبية للتراث، وبرنامج الموسوعة الشاملة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/35)
هل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجر في قراءة الأحاديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم قراءة العلم كلها فيها أجر، تعلم العلم، وطلب العلم من طريق القرآن، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم، فالعلم يؤخذ من الكتاب، ويؤخذ من السنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم العلم وعلمه) رواه البخاري (5027) ، وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) رواه مسلم (804)
وقال عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان- وادي في المدينة- فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله. فقال: لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه مسلم (803) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على فضل تعلم القرآن، وقراءة القرآن.
وفي حديث ابن مسعود: (من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) رواه الترمذي (2910) هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن، فقراءة الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم. لأن هذا من تعلم العلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) رواه الترمذي (2646) ، وهذا يدل على أن دراسة العلم، وحفظ الأحاديث، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب، ويكون من طريق السنة، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله. "انتهى"
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/11)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/36)
هل يحاسب الإنسان عما يدور في نفسه من الخير والشر
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يبتلى الإنسان بالتفكير في معصية من المعاصي، ومثل ذلك أمور وسوسه الشيطان والنفس بالسوء، فهل يجازى المرء على ما يدور في نفسه، ويكتب عليه، سواء كان خيرا أم شرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري في صحيحه (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) .
وروى البخاري (5269) ومسلم (127) ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) .
قال ابن رجب رحمه الله:
" فتضمنت هذه النصوص أربعة أنواع: كتابة الحسنات، والسيئات، والهم بالحسنة والسيئة، فهذه أربعة أنواع.. "، ثم قال:
" النوع الثالث: الهمُّ بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة، وإنْ لم يعملها، كما في حديث ابن عباس وغيره، ... وفي حديث خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ: ".. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً.. " [رواه أحمد 18556، قال الأرناؤوط: إسناده حسن، وذكره الألباني في الصحيحة] ، وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بالهمِّ هنا: هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم.
قال أبو الدرداء: من أتى فراشه، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ، كتب له ما نوى ...
وروي عن سعيد بن المسيب، قال: من همَّ بصلاةٍ، أو صيام، أو حجٍّ، أو عمرة، أو غزو، فحِيلَ بينه وبينَ ذلك، بلَّغه الله تعالى ما نوى.
وقال أبو عِمران الجونيُّ: يُنادى المَلَكُ: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقولُ: يا ربِّ، إنَّه لم يعملْهُ، فيقول: إنَّه نواه.
وقال زيدُ بن أسلم: كان رجلٌ يطوفُ على العلماء، يقول: من يدلُّني على عملٍ لا أزال منه لله عاملاً، فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تأتيَ عليَّ ساعةٌ مِنَ الليلِ والنَّهارِ إلاَّ وأنا عاملٌ لله تعالى، فقيل له: قد وجدت حاجتَكَ، فاعمل الخيرَ ما استطعتَ، فإذا فترْتَ، أو تركته فهمَّ بعمله، فإنَّ الهامَّ بعمل الخير كفاعله.
ومتى اقترن بالنيَّة قولٌ أو سعيٌ، تأكَّدَ الجزاءُ، والتحقَ صاحبُه بالعامل، كما روى أبو كبشة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِلُ به رَحِمَه، ويعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيتِه، فأجرُهُما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً، ولم يرزُقه علماً يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربّه، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأخبثِ المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوِزْرُهما سواءٌ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذى وهذا لفظُهُ، وابن ماجه [صححه الألباني لغيره] .
وقد حمل قوله: " فهما في الأجر سواءٌ " على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل، دون مضاعفته، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله، فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ حسناتٍ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ} ، قال ابن عباس وغيره: القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون درجة همُ القاعدون من أهلِ الأعذار، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجاتٍ هم القاعدون من غير أهل الأعذار ".
ثم قال رحمه الله:
" النوع الرابع: الهمُّ بالسَّيِّئات من غير عملٍ لها، ففي حديث ابن عباس: أنَّها تُكتب حسنةً كاملةً، وكذلك في حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما أنَّها تُكتَبُ حسنةً، وفي حديث أبي هريرة قال: (إنَّما تركها مِن جرَّاي) [مسلم 129] ، يعني: من أجلي. وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ قَدَرَ على ما همَّ به مِنَ المعصية، فتركه لله تعالى، وهذا لا رَيبَ في أنَّه يُكتَبُ له بذلك حسنة؛ لأنَّ تركه للمعصية بهذا المقصد عملٌ صالحٌ.
فأمَّا إن همَّ بمعصية، ثم ترك عملها خوفاً من المخلوقين، أو مراءاةً لهم، فقد قيل: إنَّه يُعاقَبُ على تركها بهذه النيَّة؛ لأنَّ تقديم خوفِ المخلوقين على خوف الله محرَّم. وكذلك قصدُ الرِّياءِ للمخلوقين محرَّم، فإذا اقترنَ به تركُ المعصية لأجله، عُوقِبَ على هذا الترك ...
قال الفضيلُ بن عياض: كانوا يقولون: تركُ العمل للناس رياءٌ، والعمل لهم شرك.
وأمَّا إنْ سعى في حُصولها بما أمكنه، ثم حالَ بينه وبينها القدرُ، فقد ذكر جماعةٌ أنَّه يُعاقَب عليها حينئذٍ لحديث: (ما لم تكلَّمْ به أو تعمل) ، ومن سعى في حُصول المعصية جَهدَه، ثمَّ عجز عنها، فقد عَمِل بها، وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار) ، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتلُ، فما بالُ المقتول؟! قال: (إنَّه كان حريصاً على قتل صاحبه) [رواه البخاري 31 ومسلم 2888] .
وقوله: (ما لم تكلَّم به، أو تعمل) يدلُّ على أنَّ الهامَّ بالمعصية إذا تكلَّم بما همَّ به بلسانه إنَّه يُعاقَبُ على الهمِّ حينئذٍ؛ لأنَّه قد عَمِلَ بجوارحِه معصيةً، وهو التَّكلُّمُ باللِّسان، ويدلُّ على ذلك حديث [أبي كبشة السابق] الذي قال: (لو أنَّ لي مالاً، لعملتُ فيه ما عَمِلَ فلان) يعني: الذي يعصي الله في ماله، قال: (فهما في الوزر سواءٌ) . "
ثم قال رحمه الله:
" وأمّا إن انفسخت نِيَّتُه، وفترَت عزيمتُه من غيرِ سببٍ منه، فهل يُعاقبُ على ما همَّ به مِنَ المعصية، أم لا؟
هذا على قسمين:
أحدهما: أن يكون الهمُّ بالمعصية خاطراً خطرَ، ولم يُساكِنهُ صاحبه، ولم يعقِدْ قلبَه عليه، بل كرهه، ونَفَر منه، فهذا معفوٌّ عنه، وهو كالوَساوس الرَّديئَةِ التي سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: (ذاك صريحُ الإيمان) [رواه مسلم 132] ...
ولمَّا نزل قولُه تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ، شقَّ ذلك على المسلمين، وظنُّوا دُخولَ هذه الخواطر فيه، فنَزلت الآية التي بعدها، وفيها قوله: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [رواه مسلم 126] ، فبيَّنت أنَّ ما لا طاقةَ لهم به، فهو غيرُ مؤاخذٍ به، ولا مكلّف به..، وبيَّنت أنّ المرادَ بالآية الأُولى العزائم المصمَّم عليها ...
القسم الثاني: العزائم المصممة التي تقع في النفوس، وتدوم، ويساكنُها صاحبُها، فهذا أيضاً نوعان:
أحدهما: ما كان عملاً مستقلاً بنفسه من أعمالِ القلوب، كالشَّكِّ في الوحدانية، أو النبوَّة، أو البعث، أو غير ذلك مِنَ الكفر والنفاق، أو اعتقاد تكذيب ذلك، فهذا كلّه يُعاقَبُ عليه العبدُ، ويصيرُ بذلك كافراً ومنافقاً ...
ويلحق بهذا القسم سائرُ المعاصي المتعلِّقة بالقلوب، كمحبة ما يُبغضهُ الله، وبغضِ ما يحبُّه الله، والكبرِ، والعُجبِ ...
والنوع الثاني: ما لم يكن مِنْ أعمال القلوب، بل كان من أعمالِ الجوارحِ، كالزِّنى، والسَّرقة، وشُرب الخمرِ، والقتلِ، والقذفِ، ونحو ذلك، إذا أصرَّ العبدُ على إرادة ذلك، والعزم عليه، ولم يَظهرْ له أثرٌ في الخارج أصلاً. فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء:
أحدهما: يؤاخذ به، " قال ابنُ المبارك: سألتُ سفيان الثوريَّ: أيؤاخذُ العبدُ بالهمَّةِ؟ فقال: إذا كانت عزماً أُوخِذَ ". ورجَّح هذا القولَ كثيرٌ من الفُقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم، واستدلوا له بنحو قوله - عز وجل -:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} ، وقوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ، وبنحو قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (الإثمُ ما حاكَ في صدركَ، وكرهتَ أنْ يطَّلع عليه النَّاسُ) [رواه مسلم 2553] ، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تجاوزَ لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تكلَّم به أو تعمل) على الخَطَراتِ، وقالوا: ما ساكنه العبدُ، وعقد قلبه عليه، فهو مِنْ كسبه وعملِه، فلا يكونُ معفوّاً عنه ...
والقول الثاني: لا يُؤاخَذُ بمجرَّد النية مطلقاً، ونُسِبَ ذلك إلى نصِّ الشافعيِّ، وهو قولُ ابن حامدٍ من أصحابنا عملاً بالعمومات. وروى العَوْفيُّ عن ابنِ عباس ما يدلُّ على مثل هذا القول ... " انتهى، من جامع العلوم والحكم: شرح الحديث السابع والثلاثين (2/343-353) باختصار، وتصرف يسير.
والخلاصة:
أن من هم بالحسنة والخير، وعقد قلبه وعزمه على ذلك، كتب له ما نواه، ولو لم يعمله، وإن كان أجر العامل أفضل منه وأعلى.
ومن هم بسيئة، ثم تركها لله، كتبت له حسنة كاملة.
ومن هم بسيئة، وتركها لأجل الناس، أو سعى إليها، لكن حال القدر بينه وبينها، كتبت عليه سيئة.
ومن هم بها، ثم انفسخ عزمه، بعد ما نواها، فإن كانت مجرد خاطر بقلبه، لم يؤاخذ به، وإن كانت عملا من أعمال القلوب، التي لا مدخل للجوارح بها، فإنه يؤاخذ بها، وإن كانت من أعمال الجوارح، فأصر عليها، وصمم نيته على مواقعتها، فأثر أهل العلم على أنه مؤاخذ بها.
قال النووي رحمه الله ـ بعد ما نقل القول بالمؤاخذه عن الباقلاني ـ:
" قال القاضي عياض رحمه الله عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب.
لكنهم قالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة، وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية، فتكتب معصية؛ فإذا عملها كتبت معصية ثانية فان تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة، كما في الحديث إنما تركها من جراي فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه حسنة، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم) انتهى.
شرح مسلم (2/151) .
واختار ابن رجب رحمه الله أن المعصية " إنَّما تكتَبُ بمثلِها من غير مضاعفةٍ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيةِ، ولا ينضمُّ إليها الهمُّ بها، إذ لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها، لعُوقبَ على عمل المعصية عقوبتين، ولا يقال: فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة، فإنه إذا عملها بعد الهمِّ بها، أُثيب على الحسنة دُونَ الهمِّ بها، لأنَّا نقول: هذا ممنوع، فإنَّ من عَمِلَ حسنة، كُتِبَت له عشرَ أمثالِها، فيجوزُ أن يكونَ بعضُ هذه الأمثال جزاءً للهمِّ بالحسنة، والله أعلم ". انتهى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/37)
هل يمكن الوثوق بجميع الأحاديث؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن الوثوق بجميع الأحاديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام منها ما هو صحيح لا شك في نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو ضعيف في نسبته شك. والصحيح والضعيف كلاهما لا يخفى على أهل العلم وقد صنفت الكتب الصحيحة المشتملة على الأحاديث الصحيحة كصحيح البخاري وصحيح مسلم، ومنها ما يضمّ الصحيح وغيره كبقية كتب الحديث. وللعلماء جهود مباركة في تمييز الصحيح من غيره بحيث لا يخفى الأمر على صغار المتعلمين فضلا عن المتخصصين بالسنة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(4/38)
الحديث الشريف
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يعتبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث هو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.
والحديث أما أن يكون مؤكداً لما في القرآن كالأمر بالصلاة والزكاة ونحوهما أو يكون مفصلاً لما أجمل في القرآن كعدد ركعات الصلوات , وأنصبة الزكاة وصفة الحج ونحو ذلك أو يكون مبيناً لحكم سكت عنه القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج.
وقد أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ببيانه للناس بقوله: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل/44.
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من ربه قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) النجم/2-4.
وقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه مبشراً بالجنة ومنذراً بالنار: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) الإسراء/105.
والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة ما علم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا وحذرها منه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة/128.
وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة إلى الناس كافة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/107.
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه الوحي الذي أنزل عليه فقد وجبت طاعته , بل صارت طاعته طاعة لله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء/80.
وطاعة الله ورسوله هي سبيل النجاة وطريق الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة: (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) الأحزاب/71.
ومن هنا وجبت طاعة الله ورسوله على جميع الناس لأن فيها فلاحهم ونجاتهم: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) آل عمران/132.
ومن عصى الله ورسوله فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً: (ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) النساء/14.
وإذا حكم الله ورسوله في أمر فليس لأحد أن يختار أو يعترض بل تجب الطاعة والإيمان بالحق: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) الأحزاب/36.
ولا يتم إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله والمحبة تستلزم الطاعة ومن أراد أن يحبه الله ويغفر له ذنوبه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم , والله غفور رحيم) آل عمران/31.
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كلمات تردد بل هي عقيدة وسلوك تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر أن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ولما أكمل الله هذا الدين وبلغ الرسول رسالة ربه قبضه الله إلى جواره وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3.
وقد حفظ الصحابة رضي الله عنهم بفضل الله أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء من بعدهم السلف الصالح فدونوها في كتب عرفت بالصحاح والسنن والمسانيد ومن أصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند الأمام أحمد وموطأ مالك وغيرها.
وقد أكمل الله هذا الدين وما علم الرسول صلى الله عليه وسلم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا حذرها منه فمن أحدث في دين الله شيئاً من البدع , والخرافات كسؤال الموتى , والطواف على قبورهم ودعاء الجن والأولياء وغير ذلك مما لم يشرعه الله ورسوله فذلك كله مردود غير مقبول كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه مسلم/1718.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(4/39)
حديث موضوع لم نجد له أصلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحد الشيوخ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين صحابته وإذا برجل يمر من أمامهم وبيده كيس قمح، فلما رآه صلى الله عليه وسلم ابتسم، وبعد ساعة عاد الرجل، فلهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح، فسأله الصحابة عن حال الرجل، فقال عليه الصلاة والسلام: هذا الرجل كان ذاهباً إلى حقله ليبذر القمح لينتظر أشهراً حتى يخرج، ثم ينتظر مدة حتى يصبح قمحاً ثم يحصده، وسبب ابتسامتي هو أنه لم يبق له في الدنيا سوى سبعة أيام، فمرَّ في طريقه على أخته أم أيتام فوجدهم بأسوأ حال فأعطاهم كيس القمح الذي يملك، وقال في نفسه: أنا يرزقني الله، فزاد الله عمره سبعين عاماً.
سؤالي:
إخواني الأعزاء
هل هذه القصة صحيحة؟ وإن كانت صحيحة أين أجد مراجعها؟
آمل مساعدتي ولكم الأجر والثواب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه القصة لا أصل لها، ولم نجدها بعد طول بحث.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/40)
معنى قولنا عن حديث رواه الشيخان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قولنا رواه شيخان؟ ومن هما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بالشيخين: الإمام البخاري، والإمام مسلم رحمهما الله.
والبخاري: هو محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ، له كتاب: صحيح البخاري، جمع فيه جملة من الأحاديث الصحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
ومسلم: هو مسلم بن الحجاج النيسابوري، المتوفى سنة 261 هـ، وهو مؤلف صحيح مسلم.
وهذان الكتابان: صحيح البخاري وصحيح مسلم، هما أصح الكتب التي روت الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
فإذا قيل عن حديث ما: رواه الشيخان، فالمقصود رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك لو قيل: " متفق عليه " أي اتفق على روايته البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح مسلم (1/14) : " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/41)
هل حديث من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " مِن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه الترمذي (2151) .
وقد صححه الحاكم (1 / 699) ووافقه الذهبي، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 184) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/42)
ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء:
منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة:
العقوبات في الدنيا:
1- يمحق الله البركة في عمره
2- لا يستجيب الله لدعائه
3- تذهب من وجهه علامات الصلاح
4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض
5- لا يثيبه الله على عمله الصالح
6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين
العقوبات أثناء الموت:
1- يموت ذليلاً
2- يموت جوعاناً
3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر
العقوبات في القبر:
1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه
2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر
3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً.
العقوبات يوم القيامة:
1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه
2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه
3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر ... ": حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " (22 / 329) : أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما.
وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث كما في " فتاوى اللجنة " (4 / 468) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة:
( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء / 103، وقال تعالى عن أهل النار: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43، فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) والنسائي (431) ، وابن ماجه (1079) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً.
راجع سؤال (2182)
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه.
" فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " (1 / 6) .
نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف.
سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/43)
قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث عندما اعتنق نصراني الإسلام، فحكى للرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة إسلامه، فأخبره أنه التقى عدة رهبان، كل واحد منهم يوصيه بالذهاب للآخر، فكان آخرهم رجل صالح يخرج مرة في العام، يشفي الناس، فلما أدركه نصحه بالذهاب لمكة، وأعطاه أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن صدقت القول فهو المسيح عيسى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي يعنيه السائل هو حديث طويل في قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقد كان على الديانة المجوسية ثم انتقل إلى النصرانية ثم انتقل إلى الإسلام،
وذلك بعد أن التقى عدة رهبان من رهبان النصارى، وكان آخرهم رجل صالح عنده علم عن نبي آخر الزمان، فنصح الراهب سلمان أن يذهب إلى بلاد العرب التي سيخرج فيها ووصفها له، فكانت هي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الراهب إنه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، بل عيسى عليه السلام في السماء، رفعه الله إليه إلى أجل مسمى، حتى ينزله الله تعالى فيقيم به الدين في آخر الزمان.
وقصة إسلام سلمان قصة عظيمة، فيها العبرة والعظة والفائدة، وأترك السائل الكريم ليقرأ الحديث بكماله، ويستفيد مما فيه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ
(كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ (أي رئيسها) ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ (أي خادمها) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ (أي بستان) عَظِيمَةٌ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَتِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ قُلْتُ: كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ، قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ. قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ. قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِِّيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ. وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِِّيبِينَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ (الحرة: الأرض ذات الحجارة السود) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ. قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ فُلانُ: قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ (برد الحمى) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قَالَ قُلْتُ: لا شَيْءَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ. وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَحَوَّلْ. فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ (حفرة الفسيلة التي تغرس فيها) وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا أَخَاكُمْ. فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً (أي صغار النخل) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا (أي احفر لها موضع غرسها) ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ، فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا: فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ، مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ. قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ)
رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون: إسناده حسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/44)
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي، أقول: إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. أسأل عن السنة، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم.
قال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ) النجم/3-4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف:
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى.
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي، قال: " بسند صحيح ".
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام.
يقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين:
الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام.
الثاني: زيادة حكم على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى.
ثانيا:
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع.
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
" قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى.
ثالثا:
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون.
ومِن فَهْمِ هذا الفرق، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها، ومعناها، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله، وليس في ألفاظها وحروفها.
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ، والحق والباطل.
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا، فيقال:
رابعا:
أسباب تعدد الروايات:
1- تعدد الحادثة:
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا، لأن النبي صلى اله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى.
2- الرواية بالمعنى:
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن.
مثاله: حديث (إنما الأعمال بالنيات) : فقد روي بلفظ (العمل بالنية) ولفظ (إنما الأعمال بالنية) وآخر (الأعمال بالنية) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى، فإن مخرج الحديث واحد، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع، والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس هذا محلها.
3- اختصار الراوي للحديث:
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال، ويذكره كاملا في حال أخرى.
مثاله: روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر، فكلها جاءت عن أبي هريرة، وهي قصة واحدة، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة. انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4- الخطأ:
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم، فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى.
والسنة، على الوجه الذي ذكرناه أولا، من كونها وحيا من عند الله تعالى: يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم، ولو يأت تفصيله، أو أصله في كتاب الله تعالى، نقول: السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه، بما تحمله الكتب، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ، أو تعدد لسياقات الحديث، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها، أو القلق من حفظها، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ:
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات، حتى الشاذة منها، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم، وشارحه: " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس: من علم الكلام، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى، من الخوارج والروافض (خذلهم الله تعالى) ، وأما حجية الكتاب والسنة: فمتفق عليها عند الأمة، ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى.
انظر: حجية السنة (248-249) .
وانظر: إجابة السؤال (93111)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/45)
حديث: " خير الأسماء ما عبّد وحمّد" لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث "خير الأسماء ما حمّد وعبّد"؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح، ولا أصل له.
قال في "كشف الخفاء" (1/468) : " خير الأسماء ما حُمّد وعُبّد: قال النجم: لا يُعرف. .
وروي بلفظ: (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد) قال السيوطي: لم أقف عليه " انتهى بتصرف.
وقال في "المقاصد الحسنة" (ص 87) : " وأما ما يذكر على الألسنة من: (خير الأسماء ما حمد وما عبد) فما علمته) انتهى.
وقال الألباني رحمه الله: " (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد) : لا أصل له كما صرح به السيوطي وغيره " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (1/595) رقم (411) .
وقد صح في فضل التعبيد لله، والتسمي بعبد الله وعبد الرحمن: ما روى مسلم (2132) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/46)
هل صيام رمضان لا يرفع إلا بزكاة الفطر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ضعيف.
عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لابن شاهين في "ترغيبه" والضياء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) .
وضعفه السيوطي، وبين المناوي في "فيض القدير" سبب ضعفه فقال: "أورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال: لا يصح، فيه محمد بن عبيد البصري مجهول ".
وضعفه الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة" (43) وقال: " ثم إن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج صدقة الفطر، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يقول به.... والحديث ليس بصحيح " انتهى باختصار.
وإذا لم يصح الحديث، فلا يستطيع أحد القول بأن صوم رمضان لا يقبل إلا بزكاة الفطر، لأن هذا لا يمكن معرفته إلا من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت في سنن أبي داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
فهذا الحديث يبين الحكمة من زكاة الفطر، وأنها تجبر النقص الحاصل في الصيام، ولم يذكر أن الصيام لا يقبل إلا بزكاة الفطر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/47)
حديث: (أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة الحديث: (أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ) ؟ أنا أقصد الخطبة فقط ليس العقد. هل يفضل عدم إقامة حفل للخطوبة؟ أنا أعلم أن إعلان العقد أو النكاح واجب ولكن ماذا عن الخطبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ: (أظهروا النكاح وأخفوا الخِطبة) وهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2494) ، وفي ضعيف الجامع الصغير (922) .
لكن الجملة الأولى منه صحت بلفظ: (أعلنوا) .
فقد روى أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح) والحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل (1993) .
وإعلان النكاح بمعنى الإشهاد عليه واجب عند جمهور العلماء، بل هو شرط من شروط صحة النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557) .
وقد استحب بعض العلماء إخفاء الخِطبة خوفاً من الحسدة الذين يسعون للإفساد بينه وبين أهل المخطوبة. كما في "حاشية العدوي على شرح مختصر خليل" (3/167) .
ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمةٍ محسود) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (943) .
وهذا ليس خاصاًّ بالخطبة، بل ينبغي للإنسان أن لا يظهر نعمة الله عليه أمام من يحسده عليها.
وأما إقامة حفل للخطوبة فهو من الأمور التي اعتادها كثير من الناس، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى.
مع مراعاة أنه يجب التقيد بالأحكام الشرعية في هذا الحفل، فلا يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء، أو استعمال الآلات الموسيقية عدا الدف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في استعماله في الأعراس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/48)
صحة حديث (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ... ) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي: حدثنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ)
وقال:
حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَرِيكٍ
قال الألباني: يحيى هذا ثقة محتج به في الصحيحين، فلا مجال للغمز منه، ولاسيما وفوقه شريك وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، وهو سيء الحفظ، فهو علة الحديث، ويؤكد ذلك اضطرابه فيه فتارة يرفعه وأخرى يوقفه، وتارة يجزم في إسناده فيقول: عن أبي صالح، وتارة يشك فيه فيقول: عن أبي صالح أو عن رجل آخر، وذلك من علامات قلة ضبطه وسوء حفظه فلا جرم ضعفه أهل العلم والمعرفة بالرجال، فالحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً.
انظر السلسلة الضعيفة (3/470) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/49)
حديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام يروى عن إبراهيم عليه السلام لمَّا رمي به قومه بالمنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك. فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي.
وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً إلى ضعفه (5/327) .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (1/183) :
وَمَا يُرْوَى أَنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سَلْ قَالَ " حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي " لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". . .
وَأَمَّا سُؤَالُ الْخَلِيلِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَكَيْفَ يَقُولُ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي؟! .
وقال أيضاً (8/538) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ: حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي فَكَلامٌ بَاطِلٌ خِلافَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ مِنْ دُعَائِهِمْ لِلَّهِ وَمَسْأَلَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ خِلافُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنْ سُؤَالِهِمْ لَهُ صَلاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَقَوْلِهِمْ: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. وَدُعَاءُ اللَّهِ وَسُؤَالُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ مَشْرُوعَةٌ. . . اهـ.
وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (21) وقال: هو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع. اهـ.
وقد أخذ هذا المعنى بعض الصوفية فقال: "سؤالك منه اتهام له".
قال الألباني رحمه الله:
"وهذه ضلالة كبرى! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا. . .) إبراهيم /37-38. إلى آخر الآيات، وكلها أدعية وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ثم تلا قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60.
وذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه، من رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال صلى الله عليه وسلم: " من لا يدع الله يغضب عليه "
أخرجه الحاكم (1/491) وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن، وقال صلى الله عليه وسلم " سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر " أخرجه ابن السني (رقم 349) بسند حسن، وله شاهد من حديث أنس عن الترمذي (4/292) وغيره.
وبالجملة، فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه السلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يقوله من سمانا المسلمين؟! " اهـ
سلسة الأحاديث الضعيفة (1/29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/50)
صحة حديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أحاديث تُرَوَّج بين الناس، وتشتهر على الألسنة، وقد يحرص بعض الناس على نشرها جهلاً منهم بعدم صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب على المسلم أن يتحرى ولا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يعلم أنه ثابت عنه.
وهذا الحديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد رواه الطبراني في الدعاء (2/795) والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/452) وابن عدي في الكامل (7/2621) .
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص ": " تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي وهو متروك".
وقال الألباني في الإرواء: (3/143) " موضوع".
وحكم عليه في السلسلة الضعيفة (2/96-637) بأنه باطل.
هذا من جهة ثبوت هذا اللفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما من جهة المعنى:
فإن المقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى مسلم (1794) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا.
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: اِسْتِحْبَاب تَكْرِير الدُّعَاء ثَلاثًا. وَقَوْله: (وَإِذَا سَأَلَ) هُوَ الدُّعَاء , لَكِنْ عَطَفَهُ لاخْتِلافِ اللَّفْظ تَوْكِيدًا اهـ.
وقال البخاري رحمه الله: بَاب تَكْرِير الدُّعَاء، ثم ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الله تعالى، وكَرَّرَ الدعاء لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي، قالت عائشة: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا. . . الحديث. رواه البخاري (6391) ومسلم (2189) واللفظ له.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الداء والدواء" ص 25: ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء اهـ.
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد (305) عن قتادة: قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة فهو يدعو: يارب ... يارب.. لعل الله أن ينجيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/51)
حديث: (المؤمن بين خمس شدائد ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إذا كان هذا حديثاً صحيحاً أم لا؟
(المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يغبطه , ومنافق يحسده , وكافر يقاتله , ونفس تنازعه , وشيطان يضله) وإذا كان حديثاً فمن خرّجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد هذا الحديث من طريقين:
الطريق الأولى: أخرجها الديلمي في " الفردوس " كما أشار المناوي في " فيض القدير " (5/292 رقم 7352) من حديث أبي هريرة بلفظ: (للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه , وشيطان يضله , وكافر يقاتله) .
قال المناوي عقب الحديث: " وفيه صخر الحاجبي قال الذهبي في الضعفاء: " متهم بالوضع "، وخالد الواسطي مجهول، وحصين بن عبد الرحمن قال الذهبي: " نسي وشاخ "، وقال النسائي: " تغير " اهـ.
وقال العلامة الألباني في " ضعيف الجامع " (4749) : " ضعيف جداً ".
الطريق الثانية: أخرجها أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " كما أشار العراقي في " المغني عن حمل الأسفار " (3/63) من حديث أنس، بلفظ: (المؤمن بين خمسة شدائد: مؤمن يحسده , ومنافق يبغضه , وكافر يقاتله , وشيطان يضله , ونفس تنازعه) .
قال العراقي: " أخرجه أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " من حديث أنس بسندٍ ضعيفٍ " اهـ.
فالحديث لا يثبت، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/52)
ما صحة حديث الحمد لله الذي أطعمني ورزقني
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعاء الذي نقوله بعد الأكل " الحمد لله الذي أطعمني ورزقني وجعلني من المسلمين " هو حديث ضعيف ولكن ليس لدي الدليل وسألني أحدهم عن الدليل، أرجو الشرح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لفظ الحديث: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ.
رواه أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) .
قال العلامة الألباني في تخريجه لـ " الكلم الطيب " (189) لشيخ الإسلام ابن تيمية:
ضعيف الإسناد، لأنه اضطرب فيه الرواة كما بينه الحافظ في " التهذيب "، ومن قبله الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (3/353-354) ، ومن قبلهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (1/1/353-354) ، والنسائي في " اليوم والليلة " (288-290) ، والترمذي مع تساهله المعروف لم يحسنه.ا. هـ.
والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مشابهة في هذا الباب ومنها:
- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا، وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا. رواه البخاري (5459) .
- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا.
رواه أبو داود (3851) ، وصححه الألباني في الصحيحة (2061) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/53)
بطلان حديث (لولاك ما خلقت الأفلاك)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك بهذا الحديث: " إذا لم يكن يوجد محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليخلق الكون". بصراحة فأنا أشتبه بصحة هذا الحديث فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد رويت أحاديث باطلة وموضوعة بهذا المعنى، فمن ذلك:
(لو لاك ما خلقت الأفلاك)
ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 326) وقال:
قال الصغاني: موضوع اهـ
قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (282) : موضوع اهـ
ومنها: ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال:
أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن.
قال الحاكم: صحيح الإسناد!! وتعقبه الذهبي بقوله:
أظنه موضوعاً على سعيد اهـ.
يعني: سعيد بن أبي عروبة (أحد رواة هذا الحديث) ، وقد روى هذا الحديث عنه عمرو بن أوس الأنصاري وهو المتهم بوضع هذا الحديث، وقد ذكره الذهبي في "الميزان" وقال: أتى بخبر منكر، ثم ساق هذا الحديث، وقال: وأظنه موضوعاً. ووافقه الحافظ ابن حجر كما في "اللسان".
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (280) : لا أصل له اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
هل الحديث الذى يذكره بعض الناس: لولاك ما خلق الله عرشاً ولا كرسياً ولا أرضاً ولا سماء ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك صحيح هو أم لا؟
فأجاب:
محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم. أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا.
لكن ليس هذا حديثا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله احد من أهل العلم بالحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يُدْرَى قائله اهـ. مجموع الفتاوى (11/86-96) .
وسئلت اللجنة الدائمة:
هل يقال: إن الله خلق السماوات والأرض لأجل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى لولاك لما خلق الأفلاك هل هذا حديث أصلا؟
فأجابت:
لم تخلق السماوات والأرض من أجله صلى الله عليه وسلم بل خُلقت لما ذكره الله سبحانه في قوله عز وجل: "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما" , أما الحديث المذكور فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (1/312) .
وسئل الشيخ ابن باز عن هذا الحديث فقال:
الجواب: هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون، يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويُعلم سبحانه وتعالى وليُعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليُعرف بأسمائه وصفاته، وبقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له اهـ فتاوى نور على الدرب (46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/54)
ما هي درجة حديث حبب إلي من دنياكم النساء والطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " حبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث صحيح.
وقد رواه النسائي (3939) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -.
وصححه الحاكم (2 / 174) ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (3 /15) و (11 / 345) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/55)
حديث ضعيف في تحريم الإعانة على قتل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد حديث صحيح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله) يعنى: لا تنزل رحمة الله على من ساعد الكافر فى قتل المسلم. هذا ما فهمته من الحديث. والرجاء التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه ابن ماجه (2620) والعقيلي في الضعفاء (457) والبيهقي في السنن (8/22) وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام أحمد: ليس هذا الحديث بصحيح.
بل حكم عليه أبو حاتم بأنه موضوع، وأقرّه الذهبي، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/104) ، وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا أصل له من حديث الثقات.
وقال ابن حجر والمنذري: حديث ضعيف جداً. وقال الزيلعي: وهو حديث ضعيف.
وقد ذكره الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" وقال: ضعيف جداًّ.
ثانيا:
مع ضعف هذا الحديث فلا شك أن الإعانة على قتل المسلم بغير حق من الكبائر.
قَالَ العز بْن عَبْد السَّلَام رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه (الْقَوَاعِد) :
"إِذَا أَرَدْت مَعْرِفَة الْفَرْق بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة فَاعْرِضْ مَفْسَدَة الذَّنْب عَلَى مَفَاسِد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا ; فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلّ مَفَاسِد الْكَبَائِر فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِر , وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِد الْكَبَائِر أَوْ رَبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر فَمَنْ شَتَمَ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , أَوْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ اِسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ , أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ , أَوْ ضَمَّخَ الْكَعْبَة بِالْعَذِرَةِ , أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَف فِي الْقَاذُورَات فَهِيَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر. وَلَمْ يُصَرِّح الشَّرْع بِأَنَّهُ كَبِيرَة. وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ اِمْرَأَة مُحْصَنَة لِمَنْ يَزْنِي بِهَا , أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلهُ , فَلَا شَكّ أَنَّ مَفْسَدَة ذَلِكَ أَعْظَم عَنْ مَفْسَدَة أَكْل مَال الْيَتِيم , مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر. وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّار عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمه أَنَّهُمْ يَسْتَأْصِلُونَ بِدَلَالَتِهِ , وَيَسْبُونَ حَرَمَهُمْ وَأَطْفَالهمْ , وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالهمْ , فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد أَعْظَم مِنْ تَوَلِّيهِ يَوْم الزَّحْف بِغَيْرِ عُذْر مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر. وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إِنْسَان كَذِبًا يَعْلَم أَنَّهُ يُقْتَل بِسَبَبِهِ ; أَمَّا إِذَا كَذَبَ عَلَيْهِ كَذِبًا يُؤْخَذ مِنْهُ بِسَبَبِهِ تَمْرَة فَلَيْسَ كَذِبُهُ مِنْ الْكَبَائِر" اهـ.
وقد تصل إعانة الكافر على قتل المسلم في بعض الأحوال إلى الكفر. فقد ذكر أهل العلم أن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. راجع السؤال رقم (33691) .
ثالثاً:
لا يجوز لأحد أن يتساهل في نسبة الأحاديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) . رواه البخاري (1291) ومسلم (4) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال النووي:
"ضَبَطْنَاهُ: يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْكَاذِبِينَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْع وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللَّفْظَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الرِّوَايَة فِيهِ عِنْدنَا الْكَاذِبِينَ عَلَى الْجَمْع , وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ عَلَى التَّثْنِيَة. . . وَذَكَرَ بَعْض الأَئِمَّة جَوَاز فَتْح الْيَاء فِي يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ , فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاء فَمَعْنَاهُ يُظَنُّ , وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا. فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ. وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ ; لا يَأْثَم إِلا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمهُ أَوْ يَظُنّهُ كَذِبًا , أَمَّا مَا لَا يَعْلَمهُ وَلَا يَظُنّهُ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي رِوَايَته وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا , أَوْ عَلِمَهُ , وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بَِا لَمْ يَكُنْ" اهـ.
وإذا لم يكن عند الشخص القدرة العلمية التي يستطيع أن يعرف بها صحة الحديث أو ضعفه فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم المختصين بهذا الشأن والرجوع إلى أقوال الأئمة والحفاظ المدونة في الكتب، عملاً بقوله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل/43.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/56)
حديث من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " من أصابتْه فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجل ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) .
وقد صححه الترمذي والحاكم (1 / 566) ووافقه الذهبي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/57)
حديث " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان "
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني بصحة هذه الرواية: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأين أجده إذا كان صحيحاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية، وابن عدي في الكامل، والعقيلي في الضعفاء، ولفظه: " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". وهو مروي من حديث معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأبي بردة.
والحديث قال عنه ابن أبي حاتم: منكر، وحكم ابن الجوزي بوضعه.
وضعفه العراقي، والسيوطي في الجامع الصغير، والعجلوني في كشف الخفاء.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/195) : (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود" رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه سعيد بن سلام العطار قال العجلي: لا بأس به، وكذبه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ".
[علل ابن أبي حاتم 2/255، فيض القدير للمناوي 1/630، كشف الخفاء للعجلوني 1/135] .
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/436 (حديث رقم 1453) وفي صحيح الجامع برقم943.
وقد أورد ما ذكره العلماء من علل هذا الحديث، ولكنه صححه من رواية سهل بن عبد الرحمن الجرجاني عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال: فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي. [السلسلة الصحيحة 3/439] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/58)
صحة حديث تعلموا السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث سمعته عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تعلموا السحر ولا تعملوا به) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث باطل لا أصل له، ولا يجوز تعلم السحر ولا العمل به وذلك منكر بل كفر وضلال، وقد بين الله إنكاره للسحر في كتابه الكريم في قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة / 102، 103.
فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن السحر كفر وأنه من تعليم الشياطين، وقد ذمهم الله على ذلك وهم أعداؤنا، ثم بين أن تعليم السحر كفر، وأنه يضر ولا ينفع، فالواجب الحذر منه.
لأن تعلم السحر كله كفر، ولهذا أخبر عن الملكين أنهما لا يعلمان الناس حتى يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة فلا تكفر، ثم قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) فعلم أنه كفر وضلال وأن السحرة لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، والمراد بذلك إذنه سبحانه الكوني القدري لا الشرعي الديني؛ لأنه سبحانه لم يشرعه ولم يأذن فيه شرعا بل حرمه ونهى عنه، وبين أنه كفر ومن تعليم الشياطين كما أوضح سبحانه أن من اشتراه أي اعتاده وتعلمه ليس له في الآخرة من خلاق؛ أي من حظ ولا نصيب، وهذا وعيد عظيم، ثم قال سبحانه: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) والمعنى باعوا أنفسهم للشيطان بهذا السحر، ثم قال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فدل ذلك على أن تعلم السحر والعمل به ضد الإيمان والتقوى ومناف لهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/371(4/59)
هذا الحديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذات يوم في مسجدنا خطب علينا أحد مدعي العلم بعد أن صلى بنا صلاة الظهر، حدثنا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما توفيت زوجته خديجة ذبح عليها ناقة وأقام عليها العزاء لمدة ثلاثة أيام وقال: إن ذلك جاء في حديث قتادة. ثم ساق حديثا آخر رفض أن يبين راويه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا شجرة وعلي ساقها وفاطمة فروعها والحسن والحسين ثمارها. ثم أورد حديثا ثالثا قال فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادفه يوما بأحد جبال مكة رجل يهودي، فقال لها: ألم تؤمن بي؟ قال اليهودي: لا أو من بك، فقال له: ادع تلك الشجرة، فقال لها: إن محمدا يدعوك فجاءت إليه تضلله بأغصانها وتجر جذورها، فقال لها: من أنا قالت: إنك محمد رسول الله، فنطق اليهودي بالشهادتين بعد ذلك ثم صعدت الشجرة إلى السموات وطافت حول العرش والكرسي واللوح والقلم، وطلبت من الله الإذن لها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أيها اليهودي: قبل كفي وقدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق قصة أخرى فقال: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه وجد رجلا يطوف بالكعبة فقال له إنك زان، فقال له: كيف عرفت ذلك؟ قال: عرفته في عينيك، فقال الرجل: أنا لم أزن ولكني نظرت إلى يهودية، فقال الرجل لعثمان رضي الله عنه: وهل عرفت ذلك بالوحي؟ قال لا، ولكنها فراسة المؤمن، ولما طولب بالأدلة كاد أنصاره أن يفتكوا بنا نرجو معرفة رأي الشرع في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأخبار التي ذكرها هذا الواعظ كلها باطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصل لها، فلم يفعل عزاء عند موت خديجة رضي الله عنها ولم يذبح ناقة ولم يدع الناس إلى عزاء، كما يفعل بعض الناس اليوم. وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لخديجة رضي الله عنها كثيرا، وفي بعض الأحيان يذبح الشاة ويوزعها على خليلاتها وصديقاتها من باب الهدية والإحسان، ويدعو لها ويحسن إليها بالدعاء.
وهكذا ما قاله عن الشجرة كل هذا باطل ولا أصل له، وكذلك ما قال عن اليهودي، كل هذا كذب من كذب المفترين المجرمين. وكذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه مع الرجل، وقتادة ليس بصحابي بل هو تابعي.
فالمقصود أن هذه الأخبار الأربعة كلها باطلة ولا صحة لها، لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه دعا بعض الشجر فانقاد له وذلك من علامات النبوة، والقصة ثابتة في صحيح مسلم وذلك أنه في بعض أسفاره أراد أن يقضي حاجته فدعا شجرتين فالتأمتا وجلس بينهما حتى قضى حاجته، ثم رجعت كل شجرة إلى مقرها، وذلك من آيات الله سبحانه ومن دلائل قدرته العظيمة وأنه يقول للشيء كن فيكون، وذلك أيضا من دلائل صدق رسول الله وأنه رسول الله حقا وهذا غير الخبر الذي ذكره هذا المفتري. فينبغي التحذير من هؤلاء الكذابين، وينبغي للواعظ أن يتقي الله سبحانه إذا وعظ الناس، وأن يذكرهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية وفيها الكفاية والشفاء، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) متفق على صحته. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 357(4/60)
ما هي درجة حديث لا تُرضين أحداً بسخط الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " لا تُرضينَّ أحداً بسخط الله، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله، ولا تذمنَّ أحداً على ما لم يؤتك الله؛ فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرصُ حريصٍ، ولا يردُّه عنك كراهية كاره، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهمَّ والحزن في السخط ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه الطبراني في " الكبير " (10 / 215) .
قال الهيثمي:
رواه الطبراني في الكبير، وفيه خالد بن يزيد العمري، واتُّهم بالوضع.
" مجمع الزوائد " (4 / 71) .
ورواه – من طريق أخرى – أبو نعيم في " الحلية " (5 / 106) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 221) .
وفيه: عطية العوفي وهو ضعيف، ومحمد بن مروان السدي وهو متروك الحديث.
قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيءٍ، وقال إبراهيم: كذاب، وقال السعدي: ذاهب، وقال النسائي وأبو حاتم الرازي والأزدي: متروك الحديث، وقال البخاري: لا يكتب حديثه، وقال – مرة -: سكتوا عنه، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً ولا الاحتجاج به بحال.
انظر: " ميزان الاعتدال " (6 / 328) و" الضعفاء والمتروكين " (3 / 98) .
ورواه هناد السري في " الزهد " (1 / 304) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 221) موقوفاً على عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/61)
صحة حديث الإخلاص سر من سري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة الحديث القدسي " الإخلاص سرٌّ من سرِّي، استودعته قلب من أحببته من عبادي "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث ضعيف جدّاً أو موضوع.
وقد رواه القزويني في " مسلسلاته " – كما قال العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (4 / 365) – من حديث حذيفة – رضي الله عنه -، وفيه: أحمد بن عطاء الهجيمي وعبد الواحد بن زيد وكلاهما متروك.
ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " (3 / 187) عن علي وابن عباس.
وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 109) : حديث واهٍ جدّاً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/62)
بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الحديث (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) .
قال السندي في حاشية ابن ماجه:
(غَرِيبًا) أَيْ لِقِلَّةِ أَهْله وَأَصْل الْغَرِيب الْبَعِيد مِنْ الْوَطَن (وَسَيَعُودُ غَرِيبًا) بِقِلَّةِ مَنْ يَقُوم بِهِ وَيُعِين عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَهْله كَثِيرًا (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) الْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ، و"طُوبَى" تُفَسَّر بِالْجَنَّةِ وَبِشَجَرَةٍ عَظِيمَة فِيهَا. وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى أَنَّ نُصْرَة الإِسْلام وَالْقِيَام بِأَمْرِهِ يَصِير مُحْتَاجًا إِلَى التَّغَرُّب عَنْ الأَوْطَان وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الْغُرْبَة كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر اهـ.
ونقل النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض أنه قال في معنى الحديث:
"أَنَّ الإِسْلام بَدَأَ فِي آحَاد مِنْ النَّاس وَقِلَّة، ثُمَّ اِنْتَشَرَ وَظَهَرَ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْص وَالإِخْلال، حَتَّى لا يَبْقَى إِلا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأَ " اهـ.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/170) :
"معنى الحديث أن الإسلام بدأ غريباً حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليه الناس إليه فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد، فكان حينذاك غريباً بغربة أهله، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فراراً بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته، ويقوم معه بنصر الإسلام وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض وجعل سبحانه كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً، ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم يومئذ كثير، وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من شاء الله فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم وتناحروا فيما بينهم على إمارتها وتراثها، فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم وتمكنوا من ديارهم ورقابهم فاستعمروها وأذلوا أهلها وساموهم سوء العذاب، هذه هي غربة الإسلام التي عاد إليها كما بدأ بها.
وقد رأى جماعة – منهم الشيخ محمد رشيد رضا – أن في الحديث بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية آخذين ذلك من التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم "وسيعود غريباً كما بدأ " فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار.
وهذا الرأي أظهر، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان من انتشار الإسلام وعزة المسلمين وقوتهم ودحض الكفر والكفرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/63)
هل يهجر أهله الذين ينكرون السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله.
قال تعالى: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى} النجم / 1 - 6.
وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها:
قال الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} آل عمران / 32.
وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} النساء / 80.
وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء / 59.
وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} النور / 56.
وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومنكر السنة كافر مرتد.
قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة":
اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ
وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام. ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به!!!
إذ كيف يصلي هؤلاء؟ وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة؟ وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة؟ وما هو نصابها؟ وما القدر الواجب إخراجها منها؟ وكيف يحجون ويعتمرون؟ وكم مرة يطوفون بالكعبة؟ وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة؟ ...
وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن، وإنما ذكرها القرآن مجملة، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته.
فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن؟
إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً.
وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم -، قال:
فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب.
فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب، والكتاب أمر بطاعة الرسول، ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب، وفى وجوب اتباع سنته كقوله: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم "، هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم.
وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع: " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " (وللحاكم: " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937) ، وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له: هل أوصى رسول الله؟ قال: لا. قيل: فكيف كُتب على الناس الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله ". رواه مسلم (1634)
وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك.
وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طائف المسلمين.
" مجموع الفتاوى " (19 / 84 – 86) بتصرف يسير فيما بين القوسين.
فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق كما أن القرآن حق.
ثانياً:
وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك، وعليك أن تعاملهم بالحسنى، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها.
قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل /125.
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لقمان / 14 - 15.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/64)
حديث إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " أوحى الله إلى بعض أنبيائه: إذا رأيتَ الفقر مقبِلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين، وإذا رأيتَ الغنى مقبِلاً فقل: ذنبٌ عجِّلت عقوبته "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه الديلمي في مسند الفردوس – كما قال الحافظ العراقي - من رواية مكحول عن أبي الدرداء، وهو حديث ضعيف، فلم يسمع مكحول من أبي الدرداء.
انظر " تخريج إحياء علوم الدين " (4 / 191) .
ورواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 5) من رواية مجاهد عن كعب الأحبار.
ورواه في (6 / 37) من رواية قتادة عن كعب الأحبار.
وفي الطريقين: إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو متروك، وقال أبو زرعة: كان يكذب، وقال الدارقطني كذاب متروك، وقال الأزدي: متروك الحديث ساقط يُرمى بالكذب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب.
انظر: " الجرح والتعديل " (2 / 214) ، و " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (1 / 100) .
وهو من القصاص التالفين، قال الذهبي في ترجمته: الشيخ، العالم، القصَّاص، الضعيف، التالف، أبو حذيفة إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم الهاشمي مولاهم البخاري مصنف كتاب " المبتدأ "، وهو كتاب مشهور في مجلدتين، ينقل منه ابن جرير فمن دونه، حدَّث فيه ببلايا وموضوعات.
" سير أعلام النبلاء " (9 / 477، 478) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(4/65)
حديث من حفظ أربعين حديثاً ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث " أن من حفظ 40 حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيضمن دخول الجنة أو يُبعث مع العلماء " صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. هذا الحديث ضعيف، وهو على كثرة طرقه لا تصلح لأن تقوِّي بعضها بعضاً، وله روايات كثيرة وبألفاظ مختلفة، ومنها ".. بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء "، وفي رواية " بعثه الله عالماً فقيهاً "، وفي رواية " وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً "، وغيرها.
أ. قال الحافظ ابن حجر:
[رواه] الحسن بن سفيان في " مسنده " وفي " أربعينه " من حديث ابن عباس، وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة، أخرجها ابن الجوزي في " العلل المتناهية " وبيَّن ضعفها كلَّها وأفرد ابن المنذر الكلام عليه في جزء مفرد، وقد لخَّصت القول فيه في " المجلس السادس عشر " من الإملاء، ثم جمعتُ طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة.
" التلخيص الحبير " (3 / 93، 94) .
ب. وقال ابن الملقِّن:
حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كُتب فقيهاً ": يُروى من نحو عشرين طريقاً وكلها ضعيفة، قال الدارقطني: كل طرقه ضعاف لا يثبت منها شيء، وقال البيهقي: أسانيده ضعيفة.
" خلاصة البدر المنير " (2 / 145) .
وقال البيهقي:
هذا متن مشهور فيما بين الناس وليس له إسناد صحيح.
" شعب الإيمان " (2 / 270) .
وقال النووي:
واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه.
" مقدمة الأربعين النووية ".
2. ومما ينبغي أن يقال هنا أنه قد جاء في السنة ما يبيِّن فضل من سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلَّغه، ولو كان حديثاً واحداً.
عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نضَّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه، ورب حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ ".
رواه الترمذي (2656) وحسَّنه، وأبو داود (3660) ، وابن ماجه (230) .
قال المباركفوري:
والمعنى: خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعمه في الاخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة ثم قيل إنه إخبار يعني جعله ذا نضرة وقيل دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة.
" تحفة الأحوذي " (7 / 347، 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/66)
حديث: " اللهم أجرني من النار " سبع مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث صحيح أننا يجب أن نقول "اللهم أجرني من النار" سبع مرات بعد الفجر وبعد العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (17362) وأبو داود (5079) ، ولفظه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس " اللهم أجرني من النار سبع مرات " فإنك إن متَّ مِن يومك ذلك كتب الله لك جواراً مِن النار، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس اللهم لإنس أسألك الجنة، اللهم أجرني من النار" سبع مرات فإنك إن متَّ مِن ليلتك كتب الله عز وجل لك جواراً مِن النَّار".
والحديث فيه أمران:
1. ليس فيه أنه يقال بعد العشاء كما جاء في السؤال.
2. الحديث غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، انظر " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله (1624) .
وعلى هذا فلا يجب ولا يستحب أن يقول هذا الدعاء بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب.
3. وقد ورد عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار".
رواه الترمذي (2572) وابن ماجه (4340) ، وهو حديث صحيح، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (6275) .
لكنه غير مقيد بشيء من الصلوات ولا بوقت من الأوقات.
فيستحب للمؤمن أن يكثر من سؤال الله الجنة، والاستجارة من النار، من غير أن يقيد ذلك بشيء من لا صلوات، ولا بوقت من الأوقات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/67)
حديث ضعيف في فضل قراءة آخر سورة الحشر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التأكد من صحة هذه الحديث: عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وان مات في ذلك اليوم مات شهيدا , ومن قالها حين يمسي كان له بتلك المنزلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر رقم (2922) .
والإمام أحمد في مسنده رقم (19795)
وفي سنده خالد بن طهمان قال عنه ابن حجر: صدوق رمي بالتشيع ثم اختلط.
تقريب التهذيب (1644)
وضعفه الألباني رحمه الله، انظر ضعيف أبو داود (2922)
وهناك الكثير من أذكار الصباح والمساء الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر بعضها في سؤال رقم (12173)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/68)
معنى أن الإيمان يأرز للمدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يقول فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) . و (يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم , ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه , وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها.
وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً, فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة , ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان.
وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمر سبق , وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية.
ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 55.(4/69)
حديث موضوع في فضل قيام الليل ليلة السبت
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث يقول: (من صلى ليلة السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمس وعشرين مرة، حرم الله جسده عن النار) . هل هذا الحديث صحيح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع، ذكره الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 44) باللفظ المذكور في السؤال، وقال: رواه الجوزقاني عن أنس مرفوعاً، وهو موضوع، ورجال إسناده بين مجهول ومتروك اهـ.
وصلاة الليل مستحبة في جميع الأيام، ولا يقف الترغيب فيها على هذا الحديث الموضوع.
قال الله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة / 16-17.
وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) سورة الذاريات / 15-18.
روى الترمذي (3549) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) . حسنه الألباني في إرواء الغليل (452) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/70)
حديث (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث: (لا مهدي إلا عيسى) صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه (4039) .
وتكاد تتفق كلمة المحدثين على تضعيف هذا الحديث.
فقد ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/256) وابن القيم في المنار المنيف (ص 148) .
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/535) : هو خبر منكر اهـ.
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (10/183) : ضعيف باتفاق المحدثين اهـ.
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (127) وقال: قال الصغاني: موضوع اهـ.
وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (77) : منكر اهـ.
وإن صح هذا الحديث –وهو لا يصح- فمعناه لا مهدي كامل أو معصوم إلا عيسى ابن مريم. ذكره القرطبي وابن القيم وابن كثير.
فلا ينافي ذلك خروج المهدي في آخر الزمان، والذي سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام، ويصلي عيسى خلفه مأموماً.
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (1252) الأدلة من السنة على خروج المهدي في آخر الزمان بالصفات التي ذكرها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تعارض هذه الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الحديث الضعيف.
انظر: الأحاديث الضعيفة (1/89) للألباني، و"الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة" للبستوي (ص 94-104) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/71)
كيف يعرف الأحاديث المكذوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعرف إذا كان الحديث موضوع أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن معرفة الحديث إن كان موضوعاً أولاً بالنظر في سنده أو متنه، فإن كان في سنده أحد الكذابين: فهو حديث موضوع، وأما بالنسبة للمتن فيمكن ذلك – أيضاً – ولكن يحتاج أكثره لأن يكون عند الناظر خبرة ومعرفة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -:
وسئلتُ هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابطٍ من غير أن ينظر في سنده؟ .
فهذا سؤال عظيمُ القدر، وإنما يَعلم ذلك مَن تضلَّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملَكة، وصار له اختصاصٌ شديدٌ بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيما يَأمر به ويَنهى عنه، ويُخبر عنه ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحدٍ من أصحابه، فمِثل هذا يَعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يُخبر به وما لا يجوز: ما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كلِّ متبعٍ مع متبوعه؛ فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن يُنسب إليه وما لا يصح: ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمِّتهم يعرفون أقوالَهم ونصوصهم ومذاهبهم، والله أعلم.
" المنار المنيف " (ص 43، 44) .
وما كتبه الإمام ابن القيم – رحمه الله – بعد ذلك الكلام إلى آخر الكتاب: هو أمثلة متعددة لأحاديث موضوعة في أبواب متفرقة، مع فوائد متنوعة، فليُنظَر فإنه نفيس.
ولينظر جواب السؤال رقم (6981) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/72)
ما صحة حديث من داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث فيمن داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر بريء من الكفر والنفاق على أن هناك حديث يبين ذلك لمن حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) شعب الإيمان 3/62
قال في العلل المتناهية:" هذا حديث لا يصح ولا يعلم رواه غير بكر بن أحمد عن يعقوب بن تحية وكلاهما مجهول الحال " 1/432
لكن جاء في سنن الترمذي بلفظ: (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي، وحسنه الألباني
وهذا الحديث ضعفه أيضا جماعة من العلماء المتقدمين وأعلوه بالإرسال، وحسنه بعض المتأخرين. انظر تلخيص الحبير 2/27
وليس في الحديث الاقتصار على ذكر صلاة الفجر بل الأجر في الحديث مرتب على المحافظة على تكبيرة الإحرام في كل الصلوات الخمس.
ولاشك أن الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام كل هذه المدة دليل على قوة في دين الشخص.
وما دام الحديث محتمل الصحة فيرجى لمن حرص على فعل ما فيه أن يكتب له هذا الفضل العظيم، وأقل ما يحصِّله الإنسان من هذا الحرص تربية نفسه على المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة.
نسأل الله أن يكتب لنا ولكم البراءة من النفاق والنار إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/73)
حديث أسألك بمعاقد العز من عرشك
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسجد واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) ثم قل اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا، وشمالا. ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون» . فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المذكور أخرجه الحاكم وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال: تفرد به عامر بن خداش النيسابوري، قال: وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير، وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي، وهو متروك متهم، أثنى عليه ابن مهدي وحده.
وبهذا تعرف أن الحديث ضعيف من جهة الإسناد.
هذا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على النهي عن قراءة القرآن في السجود؛ فيكون الحديث ضعيفاً أيضاً من جهة المتن، فلا يجوز العمل به لعدم صحته ومخالفته للأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/439(4/74)
بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح؟
(لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب، لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه، فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة. . . ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد اهـ.
هكذا قال الحاكم! وقد تعقبه جمع من العلماء، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث.
وهذه بعض أقوالهم في ذلك:
قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ.
وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال": خبر باطل اهـ.
وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان".
وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ. وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) .
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ.
والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث، فكيف يكون حديثه صحيحاً؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) :
ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ.
انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/75)
حديث ضعيف في فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة تكتب له براءة من النفاق. فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد (12173) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ) . وهو حديث ضعيف.
ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (364) وقال: ضعيف اهـ. وذكره في "ضعيف الترغيب" (755) وقال: منكر اهـ.
وذكر الألباني في كتابه "حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص185) أن من بدع زيارة المدينة النبوية "التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوعا حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة، لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار" اهـ.
وقال الشيخ ابن باز:
أما ما شاع بين الناس من أن الزائر يقيم ثمانية أيام حتى يصلي أربعين صلاة فهذا وإن كان قد روي في بعض الأحاديث: (أن من صلى فيه أربعين صلاة كتب الله له براءة من النار، وبراءة من النفاق) إلا أنه حديث ضعيف عند أهل التحقيق لا تقوم به الحجة ولا يعتمد عليه. والزيارة ليس لها حد محدود، وإذا زارها ساعة أو ساعتين، أو يوماً أو يومين، أو أكثر من ذلك فلا بأس اهـ باختصار.
فتاوى ابن باز (17/406) .
ويغني عن هذا الحديث الضعيف حديثٌ حسن رواه الترمذي (241) في فضل المحافظة على تكبيرة الإحرام مع الجماعة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " حسنه الألباني في صحيح الترمذي (200) .
والفضل المترتب على هذا الحديث عام في كل مسجد جماعة، في أي بلد، وليس خاصاً بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي.
وبناءً عليه فمن حافظ على صلاة أربعين يوماً يدرك فيها تكبيرة الإحرام مع الجماعة كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق، سواء كان مسجد المدينة أو مكة أو غيرهما من المساجد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/76)
حديث (عمران بيت المقدس خراب يثرب)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم التفضل بشرح هذا الحديث بالتفصيل: روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث رواه ابن أبي شيبة (7 / 491) وأحمد (5 / 245) وأبو داود (4294) وعلي بن الجعد في مسنده (ص 489) .
كلهم: من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل.
ورواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (4 / 930) من طريق ابن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول: حدثني مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) .
واختلف عنه فيه أيضاً.
قال الدارقطني – وسئل عن الحديث -:
يرويه ابن ثوبان، واختلف عنه: فرواه أبو حيوة شريح بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال حدثني مالك بن يخامر عن معاذ، وخالفه علي بن الجعد فرواه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ، زاد في الإسناد جبيراً، والله أعلم.
" علل الدارقطني " (6 / 53) .
والحديث ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لمسند أحمد (36 / 352) . وقد حسنه الشيخُ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود.
وعلى فرض صحته فإن معناه:
أن كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ فترة زمنية بينهما.
(عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس) أَيْ: عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال.
(خَرَاب يَثْرِب) : أَيْ: سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة.
ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان. ويدل عليه ما رواه أبو داود (2535) عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: (اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فظاهره أن نزول الخلافة في الأرض المقدسة سيكون قريبا جداً من الساعة، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها. والله أعلم.
(وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيمة، وتكون بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم.
(وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني: فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح القسطنطينية.
(وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال.
وفي الحديث إشكال؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94) :
"وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك آخر الزمان، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/77)
حديث موضوع عن الوصية لعلي
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلني عبر البريد حديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد رأيته في أكثر من منتدى.
ومن يكتبه يقول أوصلني عبر البريد.
وهذا نص الحديث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا علي لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي: قراءة القرآن الكريم كله، التصدق بأربعة ألاف درهم، حفظ مكانك في الجنة، إرضاء الخصوم.
فقال علي: وكيف يارسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟
قال رسول الله صلى الله علية وسلم: أما تعلم يا علي أنك:
إذا قرأت (قل هو الله أحد) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله؟ وإذا قرأت (سورة الفاتحة) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة الأف درهم؟ وإذا قلت " لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير " عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة؟ وإذا قلت " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " عشر مرات فقد أرضيت الخصوم؟
ثم يختمونه بقولهم: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهل هذا الحديث صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث باطل موضوع.
قال علماء اللجنة الدائمة عن هذا الحديث:
هذا الحديث لا أصل له، بل هو من الموضوعات، من كذب بعض الشيعة كما نبَّه على ذلك أئمَّة الحديث.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 462، 463) .
وقد سئل عنه الشيخ بن محمد بن صالح العثيمين فقال - رحمه الله -:
هذا الحديث الذي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الوصايا: كذب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح أن يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن " مَن حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين "، و " مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار "؛ إلا إذا ذكره ليبيِّن أنه موضوع ويحذر الناس منه، فهذا مأجور عليه، والمهم أن هذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى علي ابن أبي طالب.
" فتاوى إسلامية " (4 / 111) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/78)
حديث من رضي من الله بالقليل من الرزق..
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة حديث " مَن رضي من الله بالقليل من الرزق: رضي الله منه بالقليل من العمل "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث: رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 204) .
وفيه: إسحاق بن محمد الفروي، وقد ضعفه النسائي وأبو داود والدارقطني.
انظر: " ميزان الاعتدال " (1 / 351) ، و " تهذيب التهذيب " (1 / 217) .
وقد ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/79)
هل العمل بالأحاديث الضعيفة يعتبر شركاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اتباع الأحاديث الضعيفة يعد من الشرك؟ إذا كان الجواب بنعم، فإن عندي سؤالاً عن الأحاديث الصحيحة. لكن قبل أن أطرح سؤالي، فأنا أريد أن أعرض الآية التالية تدعيما لسؤالي: قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) الآية 82 من سورة النساء، وهذا يذهب ليثبت أن أي كتاب مكتوب، أو مقدم من عند غير الله سبحانه وتعالى سيكون فيه تعارض. وإذا كان هذا هو الحال، فكيف يمكننا أن نطلق على الأحاديث أنها صحيحة؟ إن لم تكن كذلك، فإننا نقع في الشرك بفعلنا ذلك. أرجو أن توضح لي الأمر الذي حيرني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقال إن العمل بالأحاديث الضعيفة يعتبر شركا، وذلك لأن الأحاديث رويت بالأسانيد فبحث العلماء في تلك الأسانيد فكثير منها يوجد في إسناده رجل يوصف بأنه ضعيف الحفظ، لكن لا يلزم أن يكون الحديث مكذوبا، لأننا لا نتهم ذلك العالم بأنه كذب، ولكن قد يكون أخطأ في وصل الحديث أو رفعه كما يقع من كثير من المحدثين الذين وصفوا بأنهم ضِعاف في الحديث، فيجوز العمل بالأحاديث الضعيفة بثلاثة شروط: 1- أن لا يكون الضعف شديدا يقرب من أن يكون مكذوبا.
2- أن يكون الحديث داخلاً في قاعدة عامة كفضائل الأعمال.
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته حتى لا يقول عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما لم يفعل.
أما الاختلاف الذي يوجد بين الأحاديث فقد يكون من خطأ أحد الرواة، أو يكون ذلك لأن بعض الحديث ينسخ بعضه بعضا كما في كتاب الله، أما أن يكون في الأحاديث الصحيحة الثابتة اختلاف فهذا غير صحيح ولا يكون، لأن كل ما جاء عن الله تعالى أو عن رسوله عليه الصلاة والسلام سالم من الإختلاف، لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) . فليس في كتاب الله آيات متضادات، ولا في أحاديث النبي الثابتة شيء من الاختلاف.
وأما إذا كان المخالف حديثا ضعيفا فهذا لا يضر، لأننا نقول إنه خطأ من بعض الرواة، وقد أجاز بعض العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة كفضائل الأعمال أي أنها دالة على الفضائل، لا أنها دالة على الأحكام، ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله: إذا روينا في الحلال والحرام تشددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا. لأن الفضائل لا يترتب عليها حكم إنما هي كفضائل الصيام، والجهاد، والصلاة وكذلك غيرها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ ابن جبرين رحمه الله(4/80)
شرح حديث ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه
[السُّؤَالُ]
ـ[نود شرحا لحديث: (ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه، ونشر عليه رحمته، وأدخله جنته: من إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) بالتحديد ما معنى: (إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ثلاثة مَن كُنَّ فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: من إذا أُعطِيَ شَكَر، وإذا قَدِرَ غفر، وإذا غضب فتر)
وله عن ابن عباس طريقان، كلاهما ضعيف جدا:
الطريق الأول: رواه الخطيب البغدادي في " المتفق والمفترق " (رقم/1070) ، والحاكم في " المستدرك " (1/214) ، وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) ، من طريق عمر بن راشد مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان التيمي، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي، عن هشام بن عروة، عن محمد بن علي، عن ابن عباس به.
وعمر بن راشد هذا متهم بالكذب، ترجم له الذهبي في " ميزان الاعتدال " (4/303) فقال: " عمر بن راشد المدني الجاري – كان ينزل الجار -، أبو حفص، عن ابن عجلان، ومالك، ويزيد بن عبد الملك النوفلي.
قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا وزورا.
وقال العقيلي: منكر الحديث.
وتكلم فيه ابن عدي.
روى عنه مطرف بن عبد الله، وأبو مصعب المديني، ويعقوب الفسوي.
قال ابن عدي: كل أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات.
وقال الدارقطني: كان ضعيفا، لم يكن مرضيا، وكان يتهم بوضع الحديث على الثقات.
وقال أبو حاتم: العجب من يعقوب بن سفيان كيف روى عنه لأني في ذلك الوقت وأنا شاب علمت أن تلك الأحاديث موضوعة، فلم تطب نفسي أن أسمعها، فكيف تخفى على يعقوب ذلك.
قلت ـ القائل هو الحافظ الذهبي ـ: هذا يدل على عظم قدر يعقوب عند أبي حاتم.
وقال أبو داود: ضعيف.
وقال الحاكم وأبو نعيم: يروي عن مالك أحاديث موضوعة.
وقال الخطيب: كان ضعيفا، روى المناكير عن الثقات " انتهى
ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حبان في " المجروحين " (2/93) وقال: " فيما يشبه هذا من الأخبار التي ينكرها من لم يجهل صناعة الحديث، إذ الخبر لا أصل له " انتهى.
وضعفه البيهقي – بعد روايته له – بقوله: " عمر بن راشد: مولى مروان بن أبان بن عثمان، وهو شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه " انتهى.
فلا يقبل كلام الحاكم عقب روايته الحديث: " هذا حديث صحيح الإسناد، فإن عمر بن راشد شيخ من أهل الحجاز، من ناحية المدينة، قد روى عنه أكابر المحدثين " انتهى.
ولذلك تعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله: " بل واه " انتهى.
وقد رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) بسند آخر فيه عمر بن راشد أيضا، ولكن جعله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تعقبه البيهقي نفسه بقوله: " وهذا إسناد ضعيف " انتهى.
الطريق الثاني:
رواه مطرف بن عبد الله أبو مصعب المديني، عن ابن أبي ذئب. كما عند ابن عدي في " الكامل " (6/378) ، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) .
وفيه أحمد بن داود بن أبي صالح قال فيه ابن حبان: " يضع الحديث " انتهى. " المجروحين " (1/146) ، وانظر: " ميزان الاعتدال " (1/96)
ولذلك حكم على الحديث بالوضع الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/587)
ثانيا:
فضيلة الشكر عند النعمة، والعفو عند المقدرة، وتمالك النفس عند الغضب أبواب ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة بما يغني عن الأحاديث المكذوبة والموضوعة:
يقول الله تعالى: (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) القمر/35.
ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى/37.
ويقول عز وجل: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن/14.
والنصوص الثابتة في هذا الباب كثيرة، تراجع في مظانها، مثل رياض الصالحين وغيره من كتب الترغيب والرقاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/81)
حديث مكذوب في التحذير من إغضاب الزوج لزوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث التالي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (فوالله لو أغضب زوجٌ زوجتَه وقفَّى عنها راحلا، تاركا إياها حزينة، فإن الله يكتب له في كل خطوة لعنة، ويبعد عنه رزقه، ويقلل من عافيته، ويكتب له من كل دمعة من عينيها ألف جمرة في كل ليلة، نصفها في الدنيا، والنصف الآخر في الآخرة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من الأكاذيب التي لا أصل لها، والتي ينقلها بعض أهل البدع وبعض عوام الناس الذين لا يعون مدى خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواضح جداً ما في هذا الكلام من المبالغة الشديدة في ترتيب عقوبة معينة على فعل لا يستحق كل ذلك.
ومن أراد أن يأمر الرجل بالإحسان إلى امرأته، وينهاه عن ظلمها فعنده من الأحاديث الصحيحة ما يغني عن هذا الكذب.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وقال: حسن غريب صحيح، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1174) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (146) ومحققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015) .
ومعنى الحديث: اللهم اشهد أني أضيق على الناس وأشدد عليهم في تضييع حق اليتيم والمرأة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/82)
يسأل عن أحاديث ضعيفة وموضوعة في الترهيب من الظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل هذه الأحاديث صحيحة؛ لأن معي موضوعا عن الظلم، وأريد أن أكتب هذه الأحاديث. وجزاكم الله خيرا. 1- عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوحى الله تعالى إليّ: يا أخا المرسلين! يا أخا المنذرين! أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة , فإني ألعنه ما دام قائما يصلي بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة) 2- عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه) 3- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد ظُلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال الله عز وجل: لبيك عبدي حقا، لأنصرنك ولو بعد حين) 4- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننقل هنا أحكام العلماء على هذه الأحاديث باختصار، وحاصل ذلك كله أن الأحاديث الواردة في السؤال جميعها مردودة غير مقبولة، منها الضعيف، ومنها الموضوع والذي لا أصل له.
ومن أراد الوقوف على الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع، فعليه بكتاب:
1- " رياض الصالحين " للإمام النووي: " باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم ".
2-وكتاب: " الترغيب والترهيب " للإمام المنذري بتحقيق الشيخ الألباني (3/127) : " باب الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته ".
الحديث الأول:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أوحى الله تعالى إليّ: يا أخا المرسلين! يا أخا المنذرين ... )
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ضعيف، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6/116) : حدثنا سليمان بن أحمد: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج: ثنا إسحاق بن إبراهيم بن رزيق: ثنا أبو اليمان: ثنا الأوزاعي: حدثني عبدة: حدثني زر بن حبيش قال: سمعت حذيفة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال: " غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى العكي عن الأوزاعي ... به ".
قلت – أي الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات مترجمون في " التهذيب "، إلا شيخ أبي نعيم سليمان بن أحمد وهو الحافظ الطبراني صاحب " المعاجم الثلاثة "، وهو أشهر من أن يذكر، وإلا إسحاق بن إبراهيم بن زريق. فإني جهدت في أن أجد له ترجمة فلم أوفق. ثم بدا لي شيء وهو أن جده: (زريق) ... محرف من (زبريق) ، وأنه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء المصري، فإنه يعرف بـ: (ابن زبريق) ، وهو من هذه الطبقة، وقد مضى له حديث برقم (758) من رواية الطبراني بواسطة آخر له عنه: ثنا عمرو بن الحارث ... فإذا كان هو هذا، فهو ضعيف جداً - كما بينت هناك -، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب "، ولعله قد خفي حاله على الحافظ ابن رجب الحنبلي، فقال في " جامع العلوم والحكم " (ص 261) - بعد أن عزاه للطبراني -: " وهذا إسناد جيد، وهو غريب جداً ". ولم أجد من عزاه للطبراني، ولا هو في شيء من " معجمه الثلاثة "، فلعله في بعض كتبه الأخرى مثل " مسند الشاميين " فليراجع، فإن يدي لا تطوله الآن، وليس هو في المجلدين المطبوعين بتحقيق أخينا عبد المجيد السلفي فرج الله عنه كربه. وأما إسحاق بن أبي يحيى العكي: فلم أعرفه " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/6308) .
وقد خرج الشيخ طارق عوض الله هذا الحديث، وجزم أنه: ابن زبريق، قال: " وابن زبريق هذا ليس بشيء، لا تقوم بحديثه الحجة ". ثم ذكر أن صواب الاسم الأخير: إسحاق بن أبي يحي الكعبي. قال: " والكعبي هذا هالك، كما في الميزان واللسان " انتهى.
انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق الشيخ طارق عوض الله (2/360، هـ1) .
الحديث الثاني:
عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (9/301-302) والبيهقي في " شعب الإيمان " (9/533) ، من طريق صالح بن حسان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياك ودعوة المظلوم، فإنما يسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه)
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب صالح بن حسان، فهو متروك متفق على نكارة حديثه وشدة ضعفه. انظر: " تهذيب التهذيب " (4/385) .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة"، رقم (1697) .
الحديث الثالث:
(ما من عبد ظُلم فشخص ببصره إلى السماء ... )
لم نجده في كتب السنة والآثار، وإنما تنقله بعض كتب الأدب، أحيانا مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأحيانا من كلام بعض التابعين، ككتاب " نهاية الأرب " للنويري (6/37) ، وكتاب: " المستطرف " (1/233) ، فلا يجوز التحديث به، كما تحرم نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوقف له على إسناد ثابت إليه.
الحديث الرابع:
(يقول الله تعالى: اشتد غضبي على مَن ظَلَمَ مَن لا يجد له ناصرا غيري)
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" (يقول الله عز وجل: اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري)
ضعيف جدا: أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/111/2228) ، و " الصغير " (رقم 718 – الروض النضير) ، ومن طريقه الديلمي (1/1/115 - 116) عن مسعر بن الحجاج النهدي: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي مرفوعا به.
وقال الطبراني: " لم يروه عن أبي إسحاق إلا شريك، تفرد به مسعر بن الحجاج "
قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -:
وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالعلل:
الأولى: الحارث - وهو الأعور - متهم بالكذب.
الثانية: أبو إسحاق - وهو السبيعي - كان اختلط.
الثالثة: شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - ضعيف الحفظ.
الرابعة: مسعر بن الحجاج النهدي كذا في المصادر المذكورة، ولم أجد له ترجمة. وفي " الميزان " و " اللسان ": "مسعر بن يحيى النهدي، لا أعرفه، وأتى بخبر منكر "، ثم ساق له حديثا آخر من روايته عن شريك عن أبي إسحاق عن أبيه عن ابن عباس، والظاهر أنه هو هذا. والله أعلم " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/2392)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/83)
هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد، وهي عن المسبحة، وكانت كالآتي: لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها، ولم يستخدم الحجر، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك، هذا غير صحيح، لم يقرّها على استخدام النّوى. التسبيح بالمسبحة جائز، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء ... ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500، والترمذي حديث رقم 3568، وقال: حديث حسن. السؤال هنا: كيف نفهم التناقض هنا؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف؟ وجزاكم الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان:
الحديث الأول:
عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ، فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف، فيه: هاشم بن سعيد الكوفي، قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
"تهذيب التهذيب" (11/17) .
ولذلك قال الترمذي بعد روايته له:
"هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف" انتهى.
وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه: منكر.
ورواه الطبراني في "الدعاء" (ص/494) وفي سنده: يزيد بن متعب مولى صفية.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
"يزيد لم يوجد له ترجمة" انتهى.
"السبحة" (ص/18) .
ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في "مرقاة المصابيح" فقال: "وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة" انتهى. نقله عنه في "تحفة الأحوذي".
وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في "الدعاء"، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه.
نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/245) .
الحديث الثاني:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) .
قوله: (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها، وحديثها في صحيح مسلم، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى.
انظر: "الفتوحات الربانية" (1/244) .
وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها. وروي أيضا بإسقاط خزيمة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم (2 / 95) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن؟! " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (83) .
ومع هذا، فقد صححه الحافظ ابن حجر، فقال: "حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر، وصححه الحاكم" انتهى.
"الفتوحات الربانية" (1/244) .
وقال عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/360) :
"إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما" انتهى.
وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال:
"وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في ثبوت كل منهما نظر" انتهى.
"السبحة تاريخها وحكمها" ص 16.
ثانيا:
قد يختلف العلماء في حكم حديث معين، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات.
قال المعلمي رحمه الله:
"يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه" انتهى.
"الأنوار الكاشفة" (ص/52) .
وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه.
فإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث، ثم يفعل ما يفتيه به.
وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى.
ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها. راجع جواب السؤال رقم (70455) .
ثالثا:
أما حكم استعمال السبحة؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/84)
يسأل عن مدى صحة هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحت هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما مناسبتها؟ • اللهم أرني الحق حقاً وأرزقني إتباعه وارني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. • اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. • اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم. اللهم أذل الشرك والمشركين. • اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك. • اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء. • اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجوا رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
1- دعاء: " اللهم أرني الحق حقاً وارزقني إتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه "
فليس بحديث، وإنما هو دعاء مأثور عن بعض من تقدم من السلف، كما قال ابن شاهين رحمه الله: " ومن أدعية من تقدم: اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وألهمنا اجتنابه " انتهى.
" شرح مذاهب أهل السنة"، لابن شاهين رحمه الله (ص 40) ، وينظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 571) .
قال الحافظ العراقي رحمه الله:
" حديث: كان يقول (اللهم أرني الحق حقا فأتبعه وأرني المنكر منكرا وارزقني اجتنابه، وأعذني من أن يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك، واجعل هواي تبعا لطاعتك ... )
لم أقف لأوله على أصل " انتهى. "تخريج أحاديث الإحياء" (5/ 391) .
2- دعاء: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ".
دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فروى أحمد (15066) والبخاري في "الأدب المفرد" (699) والحاكم (1868) ، (4308) والطبراني في "الكبير" (4549) والبزار في "مسنده" (3724) عن رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي) فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ) .
قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (541) .
وقد ثبت الدعاء بذلك عن عمر رضي الله عنه، ودعا الناس به في زمانه، في قنوت الوتر في رمضان: وفيه الجمل المذكورة في آخر السؤال: (اللهم إياك نعبد..) :
... فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف:
" اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ". ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوى ساجدا ".
رواه بن خزيمة في "صحيحه" (1100) ، وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة: " إسناده صحيح ".
وقد ورد آخر هذا الدعاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بإسناد ضعيف.
روي بإسناد ضعيف، رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3267 عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى مُضَرَ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَكَتَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلاَ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْكَ عَذَابًا لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ هَذَا الْقُنُوتَ:
(اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْضَعُ لَكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجَدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ) .
قال البيهقي عقبه: " هَذَا مُرْسَلٌ ".
ولكن تقدم أنه صحيح عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
قال البيهقي عقب الرواية السابقة:
" وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحًا مَوْصُولاً "
ثم ساقه بسنده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ:
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِى لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِى عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ".
وينظر: تهذيب الآثار، للطبري، رقم (2653) .
وصححه الألباني في "الإرواء" (2/164-165) .
3- دعاء: " اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم "، دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو.
روى البخاري (2966) ومسلم (1742) عن عبد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) .
ثُمَّ قَالَ:
(اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) .
4- أما دعاء: " اللهم أذل الشرك والمشركين "، فلا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من أصحابه، أو السلف الصالحين، وإنما اعتاد الدعاء به بعض الإمام في القنوت، أو غيره من الأدعية، وهو ـ من حيث المعنى ـ: صحيح، لا حرج على من عا به.
5- دعاء " اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك "، فقد روي بنحوه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود (5052) والطبراني في "المعجم الصغير" (998) والبيهقي في "الدعوات" (336) عَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ) .
والحديث وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"، غير أن الدعاء من حيث المعنى صحيح، وقد قال الله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الصافات / 173.
6- دعاء: " اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ": هذا الدعاء صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم (2713) عَنْ سُهَيْلٍ بن أبي صالح قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/85)
ضوابط لتمييز الحديث الصحيح من الضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ضوابط الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم على الحديث بالصحة أو بالضعف يأتي بعد دراسة شاقة تمر في مرحلتين إجماليتين:
المرحلة الأولى: البحث عن مواضع ورود الحديث في كتب السنة المسندة جميعها قدر الإمكان، وجمع الأسانيد التي ورد بها، وتمييز أماكن التقاء هذه الطرق وأماكن افتراقها، ثم تحديد السند الذي دار عليه الحديث وتمييزه للانتقال إلى المرحلة الثانية من الدراسة.
المرحلة الثانية: دراسة إسناد الحديث، أو أسانيده المتنوعة، دراسة مفصلة لجميع الجوانب التي تؤثر في الحكم على الحديث، وذلك من خلال:
1- البحث في درجة عدالة الرواة ومدى تدينهم وصدقهم.
2- البحث في درجة حفظ رواة الإسناد ومدى ضبطهم لأحاديثهم.
3-البحث في اتصال الإسناد: بمعنى أن كل راو فيه أخذ عن شيخه الذي حدثه، وأنه ليس ثمة انقطاع أو تدليس أو إرسال.
4-البحث في توافق إسناد الحديث ومتنه مع الأحاديث الأخرى، والسلامة من المعارضة أو المناقضة، وهذا مهم جدا أيضا.
5- التأكد من خلو الحديث من العلل الخفية التي لا يميزها إلا العلماء الأفذاذ.
فإذا تمت دراسة الحديث عبر هاتين المرحلتين أمكن الحكم عليه بالصحة أو بالضعف، وهذا – كما ترى – عمل شاق مضن، يتطلب الكثير من الوقت والجهد والخبرة التامة بعلوم الحديث ومناهج المحدثين، ولا يمكن شرح تفاصيله في جواب مختصر ينشر عبر الموقع، بل هو علم كامل يدرسه الطلبة في الكليات والجامعات ويتخصصون فيه.
وقد سبق في الموقع الكثير من الأجوبة التي تشرح شروط الحكم بالتصحيح أو بالتضعيف، وهي: (6981) ، (70455) ، (79163) ، (122507) ، (128854)
ولكننا هنا نذكر بعض الضوابط التي تساعد المسلم – الذي لم يتخصص في دراسة علوم الشريعة – في الاطلاع على حكم الحديث وتمييز كونه صحيحا أو ضعيفا:
1- إذا كان الحديث من رواية الإمام البخاري في صحيحه بإسناده فهو حديث صحيح.
2- إذا كان الحديث من رواية الإمام مسلم في صحيحه فهو حديث صحيح.
3- إذا كان الحديث من رواية الإمام مالك في الموطأ بإسناده المتصل فهو حديث صحيح.
4- إذا حكم الإمام أحمد، أو أبو حاتم، أو أبو زرعة، أو البخاري، أو مسلم، أو أبو داود، أو الدارقطني على حديث ما بالصحة أو بالضعف، ولم يخالفه أمثاله من الأئمة، فهو كما قالوا.
5-إذا بحثت عن الحديث في كتب أهل العلم، أو في موقع " الدرر السنية "، وكان بحثك دقيقا، ووجدت أحكام العلماء متفقة على تصحيح الحديث، أو على تضعيفه: فهو كما قالوا، إذ لا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة.
6-إذا وجدت متن الحديث يتكلم عن واحد من الأمور التي نص العلماء على أنه لم يصح فيها حديث: ففي ذلك دلالة على ضعف الحديث وعدم صحته. ويمكن معرفة الأبواب التي لم يصح فيها حديث من كتب عدة، منها: " المنار المنيف " لابن قيم الجوزية، و " التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث " للشيخ بكر أبو زيد.
7- كل حديث تنفرد بإخراجه الكتب التالية، ولا يرويها أصحاب السنن والمسانيد المشهورة فهو حديث ضعيف، وهذه الكتب هي: الضعفاء الكبير للعقيلي، الكامل في الضعفاء لابن عدي، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، تاريخ دمشق لابن عساكر، نوادر الأصول للحكيم الترمذي، مسند الفردوس للديلمي. ويمكنك معرفة هل انفرد بإخراج الحديث واحد من هؤلاء عن طريق كتاب " الجامع الكبير " للسيوطي رحمه الله. بل إن كثيرا من الأحاديث التي ينفرد بها ابن ماجه عن باقي أصحاب الكتب الستة، أو ينفرد بها الطبراني أو أبو نعيم أو ابن حبان أو الحاكم أو الدارقطني أو البيهقي ونحوهم هي أحاديث ضعيفة، وإن كان فيها الكثير أيضا من الأحاديث الصحيحة التي انفردوا بإخراجها.
هذه بعض الضوابط العامة، والتي يمكن أن يستعان بها في تمييز الحديث الصحيح من الضعيف، ولا يفوتنا التنبيه إلى وجود بعض الاستثناءات من هذه الضوابط، ولكنها لا تؤثر في مجموعها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/86)
لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أجبتم عن السؤال حول صحة حديث أبي موسى: (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) : فأجبتم – بارك الله فيكم - ولكن لم تذكروا أن هذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني - كما قرأت في بعض المواقع -، وأنا عندي ثقة كبرى بكم أكثر من كل المواقع؛ لنهجكم، وأمانتكم العلمية. فسؤالي: هل - فعلاً - صحَّح الشيخ الألباني هذا الحديث؟ لأنكم تذكرون في فتواكم رأي الشيخ الألباني رحمه الله، فلماذا لم تذكروه هنا؟ هل لم يذكره هو أصلاً؟ وما هو موجود في تلك المواقع غير صحيح، أم ماذا؟ علماً أن التصحيح - كما قرأته - موجود في " صحيح الجامع "، حديث رقم (1819) . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، كما نسأله تعالى أن ينفع بهذا الموقع، وأن يجزي جميع القائمين عليه خيراً.
ولا يخفى على أحد أننا غالبا ما نعتمد تصحيح الشيخ الألباني وتضعيفه؛ ولكن يحصل أحياناً أننا نبحث في الحديث فنجد حكماً لعالِمٍ آخر غير الشيخ الألباني رحمه الله، فربما ترجح لدينا ذلك في حديث معين، وربما كانت هناك أصول بحثية ترجح عدم متابعة الشيخ رحمه الله، في حديث ما؛ فربما رأينا شهرة حكم الشيخ الألباني على الحديث، وقلة المخالفين له، فذكرنا حكمه، وعلَّقنا عليه، وربما رأينا كثرة المخالفين لحكم الشيخ الألباني، فلم نهتم بذِكر حُكم الشيخ، والتعليق عليه؛ مكتفين بما ننقله من المخالفة لطائفة العلماء.
وهذا الثاني هو الذي حصل معنا في عدم ذِكرنا لحكم الشيخ الألباني رحمه الله على الحديث، وقد نقلنا قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في تضعيف الأكثر من العلماء لأحاديث فضل النصف من شعبان.
مع التنبيه هنا على فائدة مهمة، وهي أن الشيخ الألباني رحمه الله يرى تضعيف إسناد حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه! وهو موافق لما ذكرناه من كون إسناده ضعيفاً، لكننا لم ننقله عنه لأنه – رحمه الله – يرى تصحيح الحديث بمجموع طرقه.
قال – رحمه الله -:
وأما حديث أبي موسى: فيرويه ابن لهيعة أيضاً عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (نحوه) .
أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل ابن لهيعة، وعبد الرحمن، وهو ابن عرزب، والد الضحاك: مجهول، وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة.
" السلسلة الصحيحة " (3 / 218) .
وقد ذكر الشيخ رحمه الله طرق الحديث وشواهده في كتابه " السلسلة الصحيحة " (1144) وخلص إلى القول بصحة متن حديث أبي موسى رضي الله عنه.
ولكننا لم يترجح لدينا ما ذكره الشيخ رحمه الله، ولم نرَ تلك الطرق تصلح لتقوية بعضها بعضاً، وقد أحلنا في آخر إجابتنا على رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "، وفيها قوله:
والذي أجمع عليه جمهور العلماء: أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممَّن نبَّه على ذلك: الحافظ ابن رجب في كتابه " لطائف المعارف ".
انتهى
وهذا هو الذي ترجح لدينا، ومسألة تصحيح حديث، أو تضعيفه، في مثل ذلك هي من موارد الاجتهاد، التي يعمل فيها العالم بما ترجح لديه، ويتابع فيها طالب العلم ما ترجح لديه من أقوال أهل العلم، وليست من موارد الإنكار على المخالف.
ولينظر جواب السؤال رقم: (113687) ففيه فوائد مهمة حول الشيخ الألباني.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/87)
قصة علقمة مع أمه التي غضبت عليه قصة موضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث عن رجل صالح يسمى علقمة والذي كان على فراش الموت ولم ينطق الكلمة، ثم أرسل النبي لأمه التي قالت إنها كانت غاضبة منه؛ لأنه كان يفضل زوجته عليها، ثم جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الحطب وأخبر أمه بأنه سوف يحرق ابنها أمام عينها، فقالت: يا رسول الله! إنه ابني، ولا يطيق قلبي رؤيتك تحرقه أمامي! فقال النبي: يا أم علقمة: عقاب الله أشد وأبقى، فإذا أردت أن يسامحه الله فسامحيه، والذي نفسي بيده لا تنفعه صلاته وصيامه وزكاته ما دمت غاضبة عليه، فسامحت المرأة ابنها، وبعد بعض الوقت مات بعض أن نطق الشهادتين. ويقول الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نادي في المهاجرين والأنصار وقال: (إذا قدم أحدكم زوجته على أمه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، فل يقبل الله صدقته أو صالح عمله إلا أن يتوب لله تعالى، وأن يطلب عفو أمه ورضاها، وإن الله يظل غاضبا لغضبها) وقد قيل إن الحديث في " مسند أحمد " ولكنني لا أستطيع أن أجده. فإن كان صحيحا فأرجوا أن تحددوا لي مكانه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الحكاية كان الإمام أحمد رحمه الله قد أثبتها في مسنده في بداية جمعه لأحاديث الكتاب، وقد كان الجمع الأول يشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة والمتروكة، ثم بدأ الإمام رحمه الله بتنقية كتابه من هذه الأحاديث، فحذف هذه القصة فيما حذفه.
جاء في " مسند الإمام أحمد " (32/155) من طبعة مؤسسة الرسالة ما يلي:
" قال أبو عبد الرحمن: وكان في كتاب أبي: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا فائد بن عبد الرحمن قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول:
(جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن هاهنا غلاماً قد احتضر؛ يقال له: قل لا إله إلا الله، فلا يستطيع أن يقولها. قال: أليس قد كان يقولها في حياته؟ قال: بلى، قال: فما منعه منها عند موته؟ فذكر الحديث بطوله)
لم يحدث أبي بهذين الحديثين - حديثين من طريق فائد عن ابن أبي أوفى - ضرب عليهما من كتابه؛ لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن، وكان عنده متروك الحديث " انتهى النقل من " المسند "
وأما بقية الحديث، كما جاءت في المصادر الأخرى التي ذكرته، فهي كالتالي:
قال: (فنهض رسول الله صلي الله عليه وسلم ونهضنا معه حتى أتى الغلام فقال: يا غلام! قل لا إله إلا الله. قال: لا أستطيع أن أقولها، قال: ولم؟ قال: لعقوق والدتي، قال: أحية هي؟ قال: نعم، قال: أرسلوا إليها، فأرسلوا إليها؛ فجاءت، فقال لها صلي الله عليه وسلم: ابنك هو؟ قالت: نعم. قال: أرأيت لو أن ناراً أججت؛ فقيل لك: إن لم تشفعي له قذفناه في هذه النار. قالت: إذن كنت أشفع له، قال: فأشهدي الله، وأشهدينا معك بأنك قد رضيت. قالت: قد رضيت عن ابني، قال: يا غلام! قل لا إله إلا الله. فقال: لا إله إلا الله. فقال صلي الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه من النار)
أخرجه العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) ، وعزاه غير واحد للطبراني، ورواه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (رقم/251) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (6/197) وفي " دلائل النبوة " (6/205) ، والقزويني في " التدوين في تاريخ قزوين " (2/369)
جميعهم من طريق فائد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى.
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب فائد بن عبد الرحمن، قال فيه الإمام أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: فائد ذاهب الحديث، لا يكتب حديثه، وأحاديثه عن ابن أبى أوفى بواطيل لا تكاد ترى لها أصلا، كأنه لا يشبه حديث ابن أبى أوفى، ولو أن رجلا حلف أن عامة حديثه كذب لم يحنث. وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: " تهذيب التهذيب " (8/256)
وقال ابن حبان:
" كان ممن يروى المناكير عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به " انتهى.
" المجروحين " (2/203)
وقال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:
" يروي عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة " انتهى.
" المدخل إلى الصحيح " (155)
وذكر ابن الجوزي هذه القصة في " الموضوعات " (3/87) وقال: " هذا حديث لا يصح " انتهى. كما ذكرها في " الموضوعات كل من: " ابن عراق (2/296) ، والشوكاني (231) ، والألباني (رقم/3183) ، والشيخ سليمان العلوان في رسالته " الإعلام بوجوب التثبت في رواية الحديث " (ص/16-17)
وانظر: " قصص لا تثبت " للشيخ مشهور حسن سلمان (3/19-39، القصة الحادية والعشرون)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/88)
هل يحرم سماع الغناء في الجنة مَن سمعه في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يسمع الأغاني في الدنيا لا يسمعها في الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في السنة بعض ما يدل على أن من أنواع النعيم الذي يلقاه أهل الجنة الاستماع إلى أصوات جميلة تستفرغ لذاتهم، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه " حادي الأرواح " في الباب السابع والخمسين فصلا كاملا في " ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة " (ص/358-365) جمع فيه كل ما ورد في هذا الباب من صحيح وضعيف.
ولعل من أصح ما ورد في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ)
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/149) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3/269)
ثانيا:
من المعلوم أيضا أن استماع المعازف في الدنيا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الكتاب والسنة الصحيحة، وقرر ذلك فقهاء المذاهب الأربعة، فمن تهاون في الوقوع في هذه المعصية استحق الإثم والعذاب على ارتكابه لذلك، كما هو الحال في سائر ما حرم الله على عباده في الدنيا.
ولم يرد دليل على أن من سمع المعازف في الدنيا حُرم من سماع الغناء والأصوات الجميلة في الجنة حين يدخلها، وإن كان بعض أهل العلم يذكر أن من عقوبة من تنعم بشيء على وجه محرم في الدنيا، أن يحرم من التنعم به في الجنة، أو ينقص حظه منه فيها، كما أن من لبس الذهب أو الحرير من الرجال في الدنيا، يحرم منه في الجنة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" إذا كان – الله عز وجل - قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا، فإن توسع في حلاله، ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرامٍ فاته نظيرُه يوم القيامة " انتهى.
" روضة المحبين " (ص/362) .
لكن الجزم بذلك، أو القول بأن هذا الحرمان على وجه التأبيد: مما يحتاج إلى دليل بخصوصه، فالله أعلم بحقيقة الحال.
ثالثا:
أما ما ورد من أحاديث يدل ظاهرها على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة فهي أحاديث ضعيفة جدا، من أشهرها حديث:
(من لها بالغناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون؟ قال: قراء أهل الجنة)
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" موضوع، أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 – طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً.
قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهذا موضوع، آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي -، قال الذهبي في "المغني": روى عن الثقات موضوعات، قاله النقاش، وقال النسائي: متروك. وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي
في الحديث الذي بعده – " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/89)
هذا الذكر يفضل ذكر الليل مع النهار
[السُّؤَالُ]
ـ[عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحرك شفتي فقال لي: (بأي شيء تحرك شفيتك يا أبا أمامة؟) فقلت: أذكر الله يا رسول الله. فقال: (ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد الله، مثل ذلك) هل هذا الحديث صحيح أم مكذوب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد هذا الحديث من طرق عدة عن الصحابي الجليل أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه، فقال:
ماذا تقول يا أبا أمامة؟
قال: أذكر ربي.
قال: ألا أخبرك ... ، فذكر الحديث.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي: صدي بن عجلان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله عنه طرق ... ".
ثم ذكر الشيخ طرقه، وقال عن رواية الحاكم لبعض طرقه: " وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا ".
ينظر: " السلسلة الصحيحة " (رقم/2578) ، ونص على تصحيح الحديث ـ أيضا ـ في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (1575) .
وقد حسن الحديث الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/84) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/110) : "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، وصححه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (36/459-460) وتوسعوا في تخريجه.
ثانيا:
أما ما يستفاد من الحديث، فأهمه فضيلة هذا الذكر الخاص، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مَن أتى به نال الأجر العظيم الذي يفضل أكثر الأذكار.
ولذلك بوب الحافظ ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه عندما أخرج الحديث (1/370) بقوله:
" باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير بوصف العدد الكثير من خلق الله أو غير خلقه " انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله:
" تفضيل سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته: على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة، فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) من معرفته وتنزيهه وتعظيمه، من هذا القدر المذكور من العدد، أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط. وهذا يسمى الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناءً من الذكر المفرد، فلهذا كان أفضل منه.
وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه:
فإن قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له، فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون، وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه، لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره، فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا ولا يحصيه الحاصر ...
والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره، وأنه لو وزن غيره به لوزنه وزاد عليه، وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم، مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول: أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه والثناء عليه.
الثاني: محبته والرضا به.
الثالث: فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدرا، وأكثرها عددا، وأجزلها وَصفا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه، كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره، وبالله التوفيق " انتهى باختصار.
" المنار المنيف " (34-38)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/90)
حديث منكر في استحباب صلاة خاصة لحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك صلاة تدعى صلاة الحفظ، بحيث يكون في ختامها دعاء خاص، يقال: علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وأرضاه عندما شكى له نسيانه القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد في صلاة ركعتين لأجل حفظ القرآن الكريم ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فيقول:
(بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي.
قَالَ: إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا، فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ:
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي.
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّيَ.
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
يَا أَبَا الْحَسَنِ! تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، تُجَبْ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:
فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا لَا آخُذُ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ، وَإِذَا قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّت، وَأَنَا الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ فَإِذَا تَحَدَّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا حَرْفًا.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ:
مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ) .
روى هذا الحديث عطاء وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء عن عكرمة من طريقين:
الطريق الأولى: الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس به.
رواه الترمذي (حديث رقم/3570) ، والدارقطني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/138) ولم نقف عليه في كتبه المطبوعة -، والحاكم في " المستدرك " (1/461) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (2/108) ، والخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي " (2/259) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (51/251) وغيرهم، إلا أن في طريق الدارقطني: عن عطاء عن ابن عباس، ولم يقل: عطاء وعكرمة.
وقد ضعف بعض العلماء هذا الإسناد بسبب تهمة تدليس الوليد بن مسلم تدليس تسوية، ومثله يشترط تصريحه بالسماع من إلى آخر الإسناد، وليس عن شيخه فقط، وهذا ما لم يتحقق في هذا السند.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" أما الوليد فقال علماء النقل: كان يروى عن الأوزاعي أحاديث، هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم " انتهى.
" الموضوعات " (2/140) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله:
" أنكر ما له – يعني الوليد بن مسلم - حديث رواه ... - فذكر الحديث السابق.
ثم قال -: هذا عندي موضوع والسلام، ولعل الآفة دخلت على سليمان ابن بنت شرحبيل فيه، فإنه منكر الحديث وإن كان حافظا، فلو كان قال فيه: عن ابن جريج لراج، ولكن صرح بالتحديث، فقويت الريبة " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (9/217-218)
وقال أيضا رحمه الله:
" وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدا، في نفسي منه شيء، فالله أعلم، فلعل سليمان شُبِّه له، وأدخل عليه، كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (2/213)
وقال أيضا رحمه الله:
" هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعا، وقد حيرني والله جودة سنده " انتهى.
" تلخيص المستدرك " (1/316) ، هكذا في المطبوع: " لا يكون "، ولعل الصواب: " أن يكون ".
وقال السخاوي رحمه الله:
" ليست له علة إلا أنه عن ابن جريج عن عطاء بالعنعنة " انتهى.
" القول البديع " (345)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" منكر ... الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، فهو علة الحديث، وإن خفيت على كثير " انتهى باختصار.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/3374) .
الطريق الثانية: الحسين بن إسحاق التسترى، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن إبراهيم القرشي، حدثنا أبو صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس.
رواه الطبراني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/138) ولم أقف عليه في كتبه المطبوعة -.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا حديث لا يصح، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح وهو متروك " انتهى.
" الموضوعات " (2/138)
وقال الذهبي رحمه الله:
" هذا الحديث يرويه هشام بن عمار، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد هذا ليس بثقة، وشيخه لا يدرى من هو " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (9/217-218) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أخرجه العقيلي في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي، من طريق هشام بن عمار، عنه، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس ... فذكر الحديث بطوله، ثم قال: ورواه سليمان بن عبد الرحمن، عن الوليد، عن ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس. قال ـ أي: العقيلي ـ: وكلاهما ليس له أصل.
قلت ـ أي الحافظ ابن حجر ـ: فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي، فدلسه عن ابن جريج؛ فإسقاطه ـ كذا ـ هذا القرشي، وسواه لابن جريج، عن عكرمة. والعلم عند الله تعالى ".
"النكت الظراف على تحفة الأشراف" (5/91) .
على أنه في الأسانيد إلى الوليد بن مسلم ـ أيضا ـ بعض المتكلم فيهم، من أمثال سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، انظر: " تهذيب التهذيب " (4/181) .
قال العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله:
" وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك.. " انتهى.
ينظر تمام كلامه في تعليقه الفوائد المجموعة للشوكاني (43) .
وفيها أيضا: محمد بن الحسن بن محمد النقاش شيخ الدارقطني متهم بالكذب، انظر: " ميزان الاعتدال " (3/520) .
وأما ما جاء في سنن الترمذي قوله:
" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم " انتهى.
فقد علق عليه الشيخ الألباني رحمه الله بقوله:
" كذا وقع في طبعة بولاق والدعاس: "حسن ... "، وقد نقل الحافظ ابن عساكر عبارة الترمذي المذكورة دون لفظة: " حسن "، وكذلك الحافظ الضياء، وهو الأقرب إلى الصواب واللائق بهذا الإسناد " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/3374) .
وما نقله الشيخ الألباني رحمه الله عن الحافظ ابن عساكر، هو الذي نقله ـ أيضا ـ الحافظ المزي رحمه الله، فقال ـ بعد عزوه للترمذي ـ: " وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد " انتهى.
" تحفة الأشراف " (5/91) .
وأما عن تصحيح الحاكم للحديث، وهو من المعروفين بالتساهل الشديد في التصحيح والتحسين. قال الشوكاني رحمه الله:
" ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة، وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوي، والتعليم المصطفوي، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في الموضوعات، ولهذا ذكرته أنا في كتابي الذي سميته " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" " انتهى.
" تحفة الذاكرين " (ص/207)
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله:
" ظاهره أنه حسن، وما علمت عالما صححه من العلماء الأولين إلا الترمذي والحاكم، وهما متساهلان، وقد قال أئمة النقد إنه منكر " انتهى.
" أحاديث معلة " (ص/198) .
وقد تبين أن في ثبوت تصحيح الترمذي نظرا، والذي نقله عن غير واحد أنه استغربه.
فالحاصل أنه حديث منكر لا يصح، ولا يجوز العمل به لشدة ضعفه ونكارته، وقد اتفق العلماء على عدم جواز العمل بالحديث الضعيف شديد الضعف، بل نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن العلماء الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لم يقصدوا جواز العمل بها إذا جاءت بتخصيص صلاة معينة بكيفية وطريقة معينة، وإنما قصدوا جواز احتساب الأجر الوارد فيها على أعمال هي أصلا مشروعة في الدين.
وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم: (131106)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/91)
مدى صحة قصة النبي داوود مع المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذه القصة حقيقية؟ أرجو الإفادة: قصة وعبرة: روي أن امرأة دخلت على داود عليه السلام فقالت: يا نبي الله! ربك ظالم أم عادل؟ فقال داود: ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور. فقال لها: ما قصتك؟ قالت: أنا أرملة، عندي ثلاثة بنات أقوم عليهن من غزل يدي، فلما كان أمس شددت غزلي بخرقة حمراء، وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه وأطعم أطفالي، فإذا بطائر انقض علي وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئا أطعم به أطفالي. فبينما كانت المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود، فأذن بالدخول، وفوجئ حينها بعشرة من التجار، كل واحد بيده (100) دينار , قالوا: يا نبي الله أعطها لمستحقها. فقال داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال؟ قالوا: يا نبي الله! كنا في مركب، فهاجت علينا الريح، وأشرفنا على الغرق، فإذا بطائر يلقي علينا خرقة حمراء وفيها غزل، فسددنا به عيب المركب، فهانت علينا الريح، وانسد العيب، ونذرنا إلى الله أن يتصدق كل واحد منا ب (100) دينار، وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت. فالتفت داوود عليه السلام إلى المرأة وقال لها: ربي يجزيك في البر والبحر وتجعلينه ظالما؟! .. وأعطاها المال، وقال: أنفقيه على أطفالك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد أثرا لهذه الحكاية في كتب العلماء، ولم نقف لها على سند، فلا نعلم حقيقة أمرها ولا مصدرها.
ويبعد تصديق مضمون هذه القصة، فإننا نستبعد أن ينتظر مَن على المركب أن يلقي إليهم طائر قماشا وغزلا يسدون به الخرق، فعيب المركب لا يسده الغزل، ولو كان كذلك لخلعوا بعض ثيابهم وأنقذوا أنفسهم من الغرق بها، ولم ينتظروا ذلك الطائر، وذلك القماش.
وهي حكاية على كل حال، تروى من غير تصديق ولا تكذيب، فالغالب أنها من الإسرائيليات التي جاز لنا حكايتها مع عدم الجزم بوقوعها.
وإذا كان من يحكي هذه القصة، يريد أن يقول للناس: إن الله تعالى يُقدّر الخير للمؤمن من حيث لا يحتسب، ومن حيث يظن العبد أن هذا شر له، فهذا المعنى صحيح، وله شواهد من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216.
وقال تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19.
وقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
فعلى المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويؤمن أن الله تعالى لن يقدر له إلا الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/92)
ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ولي الله، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا: (وليكم من بعدي) ، أو (أنا مِن عَلِي، وعَلِيٌّ مني) ، هل هذه الأشياء صحيحة؟ وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء (لا الرسل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين، هو رابع الخلفاء الراشدين، ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات خاصة، كالإمام أحمد بن حنبل في: " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام النسائي في كتابه: " خصائص علي ".
ثانيا:
ومن هذه الفضائل:
قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) رواه البخاري (رقم/2699) .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أي: في النسب، والصهر، والمسابقة، والمحبة، وغير ذلك من المزايا " انتهى.
" فتح الباري " (7/507)
ومن هذه الفضائل أيضا:
ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول:
(بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ، فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ.
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا؟!
فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ:
مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي) .
رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة، والترمذي (رقم/3712) وآخرون كثيرون، كلهم من طريق: جعفر بن سليمان، قال حدثني يزيد الرشك، عن مطرق بن عبد الله، عن عمران بن حصين به. قال الذهبي رحمه الله: " هو من أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) .
وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين:
القول الأول: الحكم بقبول الحديث:
قال الترمذي:
" هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي.
" المستدرك " (3/119)
وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374)
وقال ابن عدي رحمه الله:
" أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه، ولم يدخله البخاري " انتهى.
" الكامل " (2/146)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" إسناد قوي " انتهى.
" الإصابة " (4/569)
وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223) .
وحجتهم في تصحيح الحديث: توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان الضبعي، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث، وهما عن ابن عباس في " مسند أحمد " (1/330) ، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد المحسن التركي، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه. والشاهد الثاني من حديث بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله الكندي وهو شيعي ضعيف، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ، ومنها في صحيح البخاري برقم: (4350) .
القول الثاني: الحكم بتضعيف الحديث:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/385)
وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة.
وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به، فقد كان يحيى بن سعيد القطان يستضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدي: لا ينبسط لحديثه. وقال فيه البخاري رحمه الله: يخالف في بعض حديثه. وقال علي بن المديني: أكثر عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد: كان ثقة وبه ضعف. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97)
ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا، يشتم معاوية، حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به، فمثله لا يقبل تفرده، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته، وهذا ما نميل إليه في مثل أحاديث الفضائل التي معنا.
ثالثا:
على فرض تصحيح الحديث وقبوله، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من أوجه عدة:
1-أن كلمة (ولي) لها معان كثيرة في اللغة العربية، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة، يقول الفيروزأبادي رحمه الله: " الوَلْيُ: أي: القُرْبُ، والدُّنُوُّ، والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ. والوَلِيُّ: الاسمُ منه، والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ. ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو هي المَصْدَرُ وبالكسر: الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابِعُ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732)
2-لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولي كل مؤمن بعدي) ، وعلي رضي الله عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى يوم القيامة.
3-جاء في بعض روايات الحديث لفظ: (ولي كل مؤمن في الدنيا والآخرة) " مسند أحمد " (5/179) : وهذا اللفظ ينفي أن معنى (ولي) ههنا هي الإمارة، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة؟!
4-لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من أحد من أنصاره، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد، فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن، ونصرته وتأييده على الحق كذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: (والي كل مؤمن بعدي) كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي.
فقول القائل: (علي ولي كل مؤمن بعدي) كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى.
" منهاج السنة " (7/278)
وانظر جواب السؤال رقم: (26794)
ويقول أيضا رحمه الله:
" وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ، وقال: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)
فبين أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)
وهو ولي المؤمنين، وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.
وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنا وظاهرا، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضا له موالى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله)
وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ: (من كنت مولاه فعلي مولاه)
وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا.
رابعا:
أما دعوى أن علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء: فهذه دعوى كاذبة باطلة، بل هي كفر هادم لعقيدة المسلم، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء لا يبلغها أحد من غير الأنبياء؛ قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله، ومن ادعى خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث والأخبار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" من غلا في الأولياء، أو من يسميهم أولياء الله، أو يسميهم أهل الله، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها بأسماء الأنبياء، وجعلهم مثل الأنبياء، أو أفضل من الأنبياء، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل " انتهى.
" الصفدية " (1/262)
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
" من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم، أومساوياً لهم فقد كفر، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم " انتهى.
" رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29) ، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/93)
هل ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرق اللبان في زمن الطاعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلني إيميل أرجو الإفادة بصحته جزاكم الله خير في زمن انتشار أنفلونزا الخنازير وغيرها بإذن الله أخي المسلم أختي المسلمة يجب حرق (اللبان العربي) في المنازل يوميا لأنه يعقم الهواء فقد فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) في زمن الطاعون فحمى الله المدينة المنورة من الطاعون لا تدع الرسالة تقف عندك انشرها وبإذن الله تؤجر وبرسالتك هذه قد تحمي المئات من المسلمين من هذا المرض الخطير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما جاء في الرسالة التي وصلتك من وجوب حرق اللبان في المنازل يوميا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالمدينة، هو كذب وإفك لا أساس له من الصحة، فإن الطاعون لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه بالشام، وحين وقع لم يقل أحد من الصحابة: احرقوا اللبان، ونحو ذلك من السخف والباطل، وإنما رووا فيه الحديث المشهور: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) رواه البخاري (5728) ومسلم (2218) .
والطاعون لا يكون في المدينة، كما روى البخاري (7133) ومسلم (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) .
فبان بهذا أن ما ذكر كذب محض.
ثانيا:
ورد في تبخير البيت باللبان حديث لا يصح، ولفظه: (بخروا بيوتكم باللبان والشيح) . عزاه في كنز العمال (10/ 52) إلى البيهقي في الشعب، عن عبد الله بن جعفر معضلا، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 387) : إنه لا يصح.
ثالثا:
سبق التحذير من نشر الرسائل التي لا يعلم الإنسان صحتها اغترارا بقولهم: انشر تؤجر، بل قد يأثم ويؤز؛ إذا كان ينشر باطلا وكذبا كهذا الذي وردك.
وينظر جواب السؤال رقم (113730) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/94)
كيف ينتسب الأشراف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ولد ذكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من فضلك: اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك، صارت ذريته ينتسبون إليه، ولا ينسبون إلى آبائهم، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) .
قال الشريف السمهودي:
"معلوم أن أولادها بضعة منها، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم، وهذا غاية الشرف لأولادها" انتهى.
نقله الألوسي في "روح المعاني" (26/165) .
ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) .
فسمَّاه "ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما.
قال ابن القيم رحمه الله:
"المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته: (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة....
إلى أن قال:
وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره، الجليل خطره؟ " انتهى باختصار.
" جلاء الأفهام " (ص/299-301) .
وجاء في "مغني المحتاج" (3/63) :
"فَائِدَةٌ: مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/640) :
"ممّا اختصّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ ابني هذا سيّد) " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي:
"ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم: أنه يطلق عليه أنه أب لهم، وأنهم بنوه، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف. [وهذا عند من اعتبر الفاءة في النسب في النكاح، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا جميع أوليائها. [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال رقم (65510) وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] .
ثم قال ابن حجر: وقولهم: "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة.
وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم، [وهذه مسألة افتراضية، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال: هذا لأولادي، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .
وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام.
نعم، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم. ومن فوائد ذلك أيضاً: أنه يجوز أن يقال للحسنين: أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أب لهما اتفاقا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد) " انتهى باختصار.
"الصواعق المرسلة" (4/462) لابن حجر الهيتمي.
وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (2/381) ، غير أنها ضعيفة، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص" (3/142) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (801، 4104، 4324) .
ثانياً:
هذا الحكم، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه، إنما هو لأولاد بناته، ثم أولاد الحسن والحسين، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم، وإنما ينسبون إلى آبائهم.
قال السيوطي رحمه الله:
"هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم؟
والجواب: لا. وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي "أولاده".
وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل، وبين مَن ينسب إليه:
ولهذا قالوا: لو قال: وقفت على أولادي: دخل ولد البنت.
ولو قال: وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي: لم يدخل ولد البنت.
وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم: أنه ينسب إليه أولاد بناته، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته، فالخصوصية للطبقة العليا فقط، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله، لا إلى الأم، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم؛ لأنهم أولاد بنت بنته، لا أولاد بنته، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها، وهو مقصور على ذرية الحسن، والحسين....
ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم.
ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك، وإنما أعقبت بنتاً، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم.
هذا تحرير القول في هذه المسألة" انتهى باختصار.
"الحاوي" (2/31) .
ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص 67) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/95)
أيهما أفضل قراءة سورة من القرآن بتدبر وفهم أم قراءة القرآن كله من غير تدبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من يقرأ سورة العصر بانتباه وفهم أفضل ممن يقرأ القرآن كاملا دون فهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح في فضائل سورة " العصر " شيء سوى أنها من المفصل.
جاء في " موسوعة فضائل سور وآيات القرآن " (القسم الصحيح 2/319)
" لم يصح فيها شيء سوى أنها من المفصل " انتهى.
وتقول الباحثة آمال سعدي:
" لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة العصر شيء، بل وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة العصر غفر الله له، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر) " انتهى.
" الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم " (ص/96)
ثانيا:
ننقل ههنا كلاما نفيسا للعلامة ابن القيم رحمه الله، يبين فيه أقوال العلماء في المفاضلة بين قراءة القدر اليسير من القرآن بتدبر وفهم، وبين قراءة القدر الكثير من القرآن من غير تدبر ولا تفكر.
يقول ابن القيم رحمه الله:
" اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين:
فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها.
واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه، وتدبره، والفقه فيه، والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا، ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السهم.
قالوا: ولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومثل المنافق الذي يقرأ القران كمثل الريحانة: ريحها طيب، وطعمها مر) .
والناس في هذا أربع طبقات: أهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناس. والثانية: من عدم القرآن والإيمان. الثالثة: من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا. الرابعة: من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا.
قالوا: فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر.
قالوا: وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح.
وقال أصحاب الشافعي رحمه الله: كثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي وصححه.
قالوا: ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة.
والصواب في المسألة أن يقال:
إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا:
فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا.
والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة.
وفي " صيح البخاري " عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يمد مدا) .
وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك.
وقال إبراهيم: قرأ علقمة على ابن مسعود - وكان حسن الصوت – فقال: رتل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن.
وقال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
- والهذّ: سرعة القراءة، والدَّقَل: رديء التمر -.
وقال عبد الله أيضا: إذا سمعت الله يقول: (يأيها الذين آمنوا) فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه. " انتهى.
" زاد المعاد " (1/337-340)
وانظر جواب السؤال رقم: (4040) ، (131788)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/96)
حديث: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس) (كتاب الترغيب والترهيب الجزء الثاني، ص 557) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (17545) عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) .
وهو من أحاديث الأربعين النووية، وقد حسنه النووي والمنذري والشوكاني، وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" (1734) .
وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه حديث وابصة، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) .
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ) رواه أحمد (29/278-279) طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه المحققون بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط. وقال المنذري: "إسناده جيد" انتهى. "الترغيب والترهيب" (3/23) ، وكذلك قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/251) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2/151) .
ثانياً:
يخطئ كثير من الناس في فهم هذا الحديث، حيث يجعلونه مطية لهم في الحكم بالتحليل أو التحريم على وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم، فيرتكبون ما يرتكبون من المحرمات ويقولون: (استفت قلبك) !! مع أن الحديث لا يمكن أن يراد به ذلك، وإنما المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحداً في شيء فيفتيه بأنه حلال، ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله، فهنا عليه أن يتركه عملاً بما دله عليه قلبه.
قال ابن القيم رحمه الله:
"لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) .
فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار) .
والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها" انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/254) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"أي: حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (2/284) .
فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم، لا القلب المريض، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها!
وفي هذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" (الإثم ما حاك في نفسك) أي: تردد وصرت منه في قلق (وكرهت أن يطلع عليه الناس) لأنه محل ذم وعيب، فتجدك متردداً فيه وتكره أن يطلع عليك الناس.
وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس.
أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن" انتهى.
"شرح الأربعين النووية" (صـ 294، 295) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/97)
ما صحة حديث (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بعد البحث عن هذا الحديث تبين لنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصح نسبته إليه، ولم يثبت عمن يُروَى عنهم أيضا من الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد روي هذا الحديث عن الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه.
عزاه إليه أبو الليث السمرقندي في " بستان العارفين " – كما قال السخاوي في " المقاصد الحسنة (207) -، ولكن لم نقف على أصل هذه الرواية، والسمرقندي تروج عليه الأحاديث الموضوعة كما قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (16/323) ، فلا تقبل منه نسبة هذا الحديث إلى أبي أمامة رضي الله عنه، ولذلك تعقبه السخاوي بقوله: " ولكن ما علمته في المرفوع " انتهى.
وقد روي بسند ضعيف عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
فعن سعيد بن جبير قال: (جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: وكان حبرا سمينا، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى؟ قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) الأنعام/91.
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (4/1342) ، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (11/521) كلاهما من طريق يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة القمي، عن سعيد بن جبير به.
وهذا إسناد ضعيف بسبب يعقوب بن عبد الله القمي، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/452) ، وقال ابن مندة في جعفر بن أبي المغيرة: ليس هو بالقوى في سعيد بن جبير. انظر: "ميزان الاعتدال" (1/417) .
ثانياً:
روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما ولا يصح عنهما.
أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (81) ، وفي "إصلاح المال" (333) قال: حدثنا خالد بن مرداس، قال: حدثنا المعلى الجعفي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عمر.
وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه المعلى بن هلال بن سويد الحضرمي، ويقال الجعفي، أبو عبد الله الطحان الكوفي العابد: كذاب وضاع باتفاق النقاد. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/152) .
وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه، فقد عزاه إليه الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/81) ، ولم نقف عليه بعد البحث، وكتب الغزالي مليئة بما لا أصل له.
فالحاصل: أنه لم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام.
والثابت في شريعتنا ذم السمن لمن تكلفه بالإسراف في الملذات من الطعام والشراب والاشتغال به عن العمل النافع الصالح الذي يستغرق على المسلم عمره ووقته.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ اقْرَءُوا: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) رواه البخاري (4729) ومسلم (2785) .
قال النووي رحمه الله:
"فيه ذم السِّمَن" انتهى.
"شرح مسلم" (17/129) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"في هذا الحديث من الفقه: ذم السِّمَن لمن تكلفه، لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن.
ومن حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم - قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن من بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) وهذا ذم، وسبب ذلك: أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الأكل والشره، والدعة والراحة والأمن والاسترسال مع النفس على شهواتها، فهو عبد نفسه، لا عبد ربه، ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام، وكل لحم تولد عن سحت فالنار أولى به، وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الأكل فقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، فإذا كان المؤمن يتشبه بهم، ويتنعم بتنعمهم في كل أحواله وأزمانه، فأين حقيقة الإيمان، والقيام بوظائف الإسلام؟! ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه، وزاد بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائما، وليله نائما " انتهى باختصار.
"الجامع لأحكام القرآن" (11/67) .
وقد روى أبو نعيم رحمه الله في "حلية الأولياء" (9/146) بسنده إلى الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: (ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن. قيل له: ولم؟ قال: لأن العاقل لا يخلو من إحدى خلتين: إما أن يغتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه، والشحم مع الغم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم، فيعقد الشحم) .
والمقصود من ذلك كله ذم السِّمَن الناتج عن الإسراف والفراغ والاستغراق في ملذات الدنيا عن العمل للآخرة، أما من أصابه السمن لعلة أو لطبيعة جسمه عن غير إسراف ولا إفراط فهذا لا عتب عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/98)
حديث (لا تمارضوا فتمرضوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) ؟ وما حكم من يتمارض ليأخذ ما ليس حقه في عمله كموظف حكومة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله:
"سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري، عن محمد بن سليمان الصنعاني، عن منذر بن النعمان الأفطس، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) .
قال أبي: هذا حديث منكر " انتهى.
"العلل" (2/321) .
وقال السخاوي رحمه الله:
"أسنده الديلمي من جهة أبي حاتم الرازي: حدثنا عاصم بن إبراهيم، عن المنذر بن النعمان، عن وهب بن قيس به مرفوعا. وعلى كل حال فلا يصح، وإن وقع لبعض أصحابنا، وأما الزيادة التي على ألسنة كثير من العامة فيه، وهي: (فتموتوا فتدخلوا النار) فلا أصل لها أصلا" انتهى.
"المقاصد الحسنة" (716) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
"منكر ... وعلته محمد بن سليمان هذا قال الذهبي في "الميزان": مجهول، والحديث الذي رواه منكر، يعني هذا" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (259) ، وانظر "الفوائد المجموعة" للشوكاني (262) ، "الأسرار المرفوعة" لعلي القاري (590) .
والتمارض: يعني التظاهر بالمرض مع أن الحقيقة السلامة منه، وهو من الكذب على الناس، ومن النفاق العملي الظاهر، ولا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأمر مخالف للحقيقة.
وتشتد الحرمة إذا تظاهر بهذا المرض للوصول إلى مراده بالكذب والحيلة والتزوير، كحال أولئك العمال والموظفين الذين يتمارضون ليحصلوا على ما لا يستحقون من الأجازات أو التعويضات أو غيره، وكلها يأكلها أصحابها سحتا نسأل الله السلامة والعافية.
وقد سبق في موقعنا التحذير من هذا العمل في جواب السؤال رقم: (99359) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/99)
حديث: (لا تكونوا إمعة) لا يصح سندا، ومعناه صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحّة حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا يكون المؤمن إمّعة، ذا أساء النّاس أساء معهم، وإذا أحسنوا أحسن معهم) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) رواه الترمذي (2007) بإسناد ضعيف.
وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "ضعيف الترمذي" غير أنه صححه من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولا شك أن المعنى الذي تضمنه الحديث صحيح، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحسن اعتقاداته وأقواله وأعماله، سواء أحسن الناس أم أساؤوا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسيا، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة/3" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/100)
هل يصح حديث (لن يغلب عسر يسرين) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال الرسول صلى الله عليه وسلم - بما معناه-: (اصبروا فلا يهزم عسر يسرين) ، هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان، فما هو نص الحديث الصحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد هذا الحديث من طريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ـ فيما نعلم ـ وكلاهما ضعيف.
الأول: من مراسيل الحسن البصري، ومراسيله ـ كما هو معلوم ـ ضعيفة، بل من أضعف المراسيل.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"ضعيف: أخرجه الحاكم (2/ 528) عن إسحاق بن إبراهيم الصنعاني: أنبأ عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن أيوب، عن الحسن: في قول الله عز وجل: (إن مع العسر يسراً) قال: خرج النبي صلي الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك وهو يقول: (لن يغلب عسر يسرين)
وقال هو والذهبي: مرسل. فعلة الحديث الإرسال.
كذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 151) من مرسل الحسن وقتادة، ولا يقوي أحدهما الآخر؛ لاحتمال أن يكونا تلقياه من شيخ واحد، واحتمال أن يكون تابعياً مثلهما، واحتمال أن يكون ضعيفاً أو مجهولاً، وهو السبب في عدم الاحتجاج بالحديث المرسل وجعلهم إياه من أقسام الحديث الضعيف، كما هو مقرر في علم المصطلح " انتهى باختصار.
"السلسلة الضعيفة" (4342) .
الثاني: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف " (4/236) – قال:
" فيه مرفوع آخر رواه ابن مردويه في تفسيره فقال:
حدثنا أحمد بن محمد بن السري، ثنا المنذر بن محمد بن المنذر، ثني أبي، ثنا يحيى بن محمد بن هانئ، عن محمد بن إسحاق، ثني الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: (لما نزلت: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابشروا لن يغلب عسر يسرين) " انتهى.
وهذا إسناد ضعيف بسبب الحسن بن عطية العوفي، فقد اتفق أهل العلم على تضعيفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/294) ، ولذلك ضعف الحافظ ابن حجر حديث جابر هذا في "فتح الباري" (8/712) .
ثانيا:
ثبت هذا من كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم، أصحها ما رواه الحاكم في "المستدرك" (2/329) بسند صحيح، قال فيه الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في "التلخيص"، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين، و (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) قال: فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك. وأما بعد: فإن الله يقول في كتابه: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) إلى آخرها. قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فالعسر - وإن تكرر مرتين - فتكرر بلفظ المعرفة، فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة، فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين " انتهى.
" بدائع الفوائد " (2/155) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال ابن عباس عند هذه الآية: (لن يغلب عسر يسرين) قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) ، (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران، وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف.
(فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر فنتظر التيسير " انتهى باختصار.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/80)
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (5/19) طبعة مؤسسة الرسالة وصححه المحققون، وقال ابن رجب: حسن جيد. " جامع العلوم والحكم " (1/459) .
فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه، فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به، وأن يبذل أسباب الفرج من الصبر والتقوى وحمد الله على كل حال، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) الطلاق/4- 5.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج - فإن الله يكفي مَن توكل عليه، كما قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) " انتهى.
" جامع العلوم والحكم " (ص/197) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/101)
هل يجلب الزواجُ الغنى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو من الفقر، فقال له: تزوج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاءت النصوص الشرعية وأقوال الصحابة تؤكد أن النكاح من أسباب حصول الرزق والغنى.
1- قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32.
وقال السعدي رحمه الله:
"قوله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) أي: الأزواج والمتزوجين. (يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه.
وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر.
(وَاللَّهُ وَاسِعٌ) كثير الخير، عظيم الفضل. (عَلِيمٌ) بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما ممن لا يستحق، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه " انتهى.
"تيسير الكريم الرحمن" (ص/567) .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1655) وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (5/3) ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (رغبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى) . رواه ابن جرير الطبري (17/275) من طريق علي بن أبي طلحة، وهي طريق صحيحة معتمدة عن ابن عباس.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (التمسوا الغنى في النكاح) . رواه ابن جرير الطبري في "جامع التأويل" (17/275) ، وفي سنده انقطاع بين القاسم بن الوليد وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (8/2582) بسند مرسل.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (التمسوا الغنى في الباه) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (3/868) ، وفي سنده انقطاع بين إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وهو من صغار التابعين، وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (عجبت لرجل لا يطلب الغنى بالباءة، والله تعالى يقول في كتابه: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/32. عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/149) لعبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عمر قال: وذكره. وقتادة عن عمر: منقطع.
ثانياً:
أما ما ورد في السؤال من قصة ذاك الرجل الذي جاء يشكو الفقر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى العلاج، وقال له: تزوج.
فهذا الحديث يُروَى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة، فأمره أن يتزوج) .
رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (1/365) قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان، قال نبأنا عبد الباقي بن قانع، قال نبأنا محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، قال نبأنا إبراهيم بن المنذر، قال نبأنا سعيد بن محمد مولى بني هاشم، قال نبأنا محمد بن المنكدر، عن جابر به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب سعيد بن محمد مولى بني هاشم، قال أبو حاتم: ليس حديثه بشيء. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به. ثم أورد الذهبي هذا الحديث في مناكيره، انظر: "ميزان الاعتدال" (2/156) .
وقد عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149) ، والمناوي في "فيض القدير" (3/241) لرواية الثعلبي من طري الدراوردي، عن ابن عجلان: أن رجلاً شكا إلى النبي صلي الله عليه وسلم الفقر، فقال: عليك بالباءة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"هذا مع أنه معضل، فلا ندري ما حال الإسناد إلى ابن عجلان" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (تحت حديث رقم/3400) .
فالحاصل: أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القصة التي يتناقلها الناس، أن الرجل الذي اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر تزوج أربع زوجات حتى فتح الله عليه باب الرزق بسبب زواج الرابعة: فهذه قصة مكذوبة لا أصل لها.
وقد جاءت أحاديث أخرى تبين أن النكاح من أسباب الغنى، ولكنها ضعيفة لا تصح.
منها: ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التمسوا الرزق بالنكاح) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"ضعيف: رواه الواحدي في "الوسيط" (3/116/2) ، والديلمي (1/1/42) عن مسلم بن خالد، عن سعيد بن أبي صالح، عن ابن عباس مرفوعا.
وقال الحافظ في "مختصر الديلمي": "مسلم فيه لبس، وشيخه" كذا الأصل، بيض لشيخه، ولم أعرفه، وأما مسلم بن خالد، فهو المعروف بالزنجي قال في "التقريب": "صدوق كثير الأوهام" " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (رقم/2487) .
ومنها: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا النساء؛ فإنهن يأتينكم بالمال) .
ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3400) وأجاب على من صححه.
ومنها: ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا فقراء يغنكم الله) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا أعرفه" انتهى.
"أحاديث القصاص" (ص/89) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" لا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (6/52) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/102)
ما صحة حديث السفياني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صحة رواية هذا الحديث التالي: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم) المستدرك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث (حديث السفياني) من الأحاديث التي تناقلها الناس في السنوات الأخيرة، وحاول بعض الناس تفسيره بما يوافق ما يمر به المسلمون من أزمات وحروب، إلا أنه حديث ضعيف لا يصح.
قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله:
" منكر: أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/520) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
قلت – أي الشيخ الألباني -: وفيه نظر من ناحيتين:
الأولى: أن ابن أبي سمينة لم يخرج له مسلم.
والأخرى: عنعنة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس تدليس التسوية، وهو أن يسقط شيخ شيخه، أي: شيخ الأوزاعي، فقد جاء في ترجمته: عن الهيثم بن خارجة قال: قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث الأوزاعي! قال: وكيف؟ قلت: تروي عنه عن نافع، وعنه عن الزهري، وعنه عن يحيى - يعني: ابن كثير - وغيرك يدخل بين الأوزاعي ونافع: عبدَ الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري: قرة، فما يحملك على هذا؟ فقال: أُنبِّلُ الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء! قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير – وهم ضعفاء - فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات، ضعف الأوزاعي! فلم يلتفت إلي قولي!
ذكره العلائي في "المراسيل" (ص 118) ، والحافظ في "التهذيب" ومن قبله الذهبي في "السير" (9/215) ، ومن قبله المزي في " تهذيبه" (31/97) ، ومن قبلهم ابن عساكر في "التاريخ" (17/906) . وذكروا نحوه عن الإمام الدارقطني.
وإذا عرفت هذا، وأن الوليد كان يدلس تدليس التسوية أيضاً، فمن الغريب أن لا يفصح الذهبي في كتبه عن ذلك! ومنها: " السير "، فقال فيه: ثقة حافظ، لكنه رديء الحفظ، فإذا قال: حدثنا، فهو حجة ". ومثله قوله في " الكاشف ": " ... وكان مدلساً، فيتقى من حديثه ما قال فيه: (عن) ". ولعله يعني ذلك في كل سلسلة إسناده، أعني: كما عنعن هنا بين الأوزاعي وشيخه يحيى، وبين هذا و (أبي سلمة) ، ويحتج به، إذا صرح بالتحديث مكان العنعنة. هذا التأويل محتمل يساعد عليه ما تقدم، لكني رأيته قد أفصح بخلافه، فقال في "المغني": " فإذا قال: حدثنا الأوزاعي، فهو حجة "! وهذا تقصير منه بلا شك، فالصواب وصفه بالنوعين من (تدليس السماع) ، وهو ما صرح به الحافظ في "التقريب" و " مقدمة الفتح"، فقال فيه (450) : " عابوا عليه كثرة التدليس، والتسوية ... وقد احتجوا به في حديثه عن الأوزاعي، و..و..". لكن في هذا الإطلاق المتعلق باحتجاج الشيخين به نظر، فقد قال الذهبي عقب رواية الهيثم المتقدمة وغيرها: قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به، ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما ينكر له ".
قلت: ولعل حديثنا هذا من قبيل ما تجنباه لنكارته، ولما فيه من العنعنة، ولذلك فقد وهم الذهبي - فضلاً عن الحاكم - في تصحيحه على شرطهما، لما علمت من ترجمة ابن أبي سمينة، ولأنه ليس فيه تحديث الأوزاعي فمن فوقه.
يضاف إلى ذلك: يحيى بن أبي كثير مدلس أيضاً عن شيوخه، معروف بذلك، كما في "مراسيل العلائي" وغيره.
والخسف المذكور في آخر الحديث قد صح من حديث حفصة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليؤمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأوسطهم، وينادي أولُهم آخرهم، ثم يخسف بهم، فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1924 و 2432) " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (6520) .
وقد ضعف هذا الحديث - بل وجميع أحاديث السفياني كذلك - الدكتور الطريفي حفظه الله، في ملتقى أهل الحديث:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=2560&perpage=15&pagenumber=2
وكذلك الدكتور حاتم العوني حفظه الله:
http://www.islamtoday.net/fatawa/quesshow-60-10580.htm
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
" لم يجئ في خروجه – يعني السفياني - حديث صحيح يعتمد عليه " انتهى.
" إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (1/63) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" حديث السفياني أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولكن الحاكم - رحمه الله - معروف بالتساهل بالتصحيح " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/62)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/103)
ما هو الحديث القدسي، وكيف كان يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقي الحديث القدسي؛ عن طريق جبريل أو عن أي طريق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث القدسي وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وقد اختلف الناس في الحديث القدسي: هل لفظه ومعناه من الله تعالى، أم إن معناه من الله ولفظه من رسوله صلى الله عليه وسلم:
فاختار بعضهم أن الحديث القدسي، لفظه ومعناه، موحى من الله تعالى.
قال الزرقاني رحمه الله:
" الحديث القدسي الذي قاله الرسول حاكيا عن الله تعالى: فهو كلام الله تعالى أيضا، غير أنه ليست فيه خصائص القرآن التي امتاز بها عن كل ما سواه.
ولله تعالى حكمة في أن يجعل من كلامه المنزل معجزا وغير معجز، لمثل ما سبق في حكمة التقسيم الآنف من إقامة حجة للرسول ولدين الحق بكلام الله المعجز، ومن التخفيف على الأمة بغير المعجز؛ لأنه تصح روايته بالمعنى وقراءة الجنب وحمله له ومسه إياه إلى غير ذلك.
وصفوة القول في هذا المقام: أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا، وأن الحديث القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور، والحديث النبوي أوحيت معانيه ـ في غير ما اجتهد فيه الرسول ـ والألفاظ من الرسول.
بيد أن القرآن له خصائصه: من الإعجاز، والتعبد به، ووجوب المحافظة على أدائه، بلفظه ونحو ذلك، وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص.
والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن، فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل.
أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز , ولهذا أباح الله روايتهما بالمعنى، ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن الكريم , تخفيفا على الأمة , ورعاية لمصالح الخلق في الحالين من منح ومنع , إن الله بالناس لرءوف رحيم "
انتهى.
"مناهل العرفان" (1/37-38) .
واختار بعض أهل العلم القول الثاني، وذهب إلى أن الحديث القدسي موحى من الله تعالى بمعناه، دون لفظه:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وقد اختلفَ العلماءُ رحمهم الله في لَفْظِ الحديثِ القُدْسيِّ: هل هو مِن كلامِ الله تعالى أو أنّ الله تعالى أَوْحَى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم مَعْنَاه؛ واللفظُ لَفْظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ على قولينِ:
القول الأول: إنّ الحديثَ القُدْسيَّ مِن عند الله لَفْظُهُ ومعناهُ، لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافهُ إلى الله تعالى، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ بِلَفْظِ قائِله لا ناقلِه، لا سيَّمَا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً.
القول الثاني: إنّ الحديث َ القُدْسِيَّ معناه مِن عند الله، ولفظهُ لفْظُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الراجح.
ثم لو قيلَ: إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ، والاقتصارُ على القول: بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ وكفى، لكانَ كافيًا، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ " انتهى مختصرا.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (9/59-62) .
ومع أن الخلاف في المسألة سائغ ومشهور بين أهل العلم، فالقول الأول، وهو أن الحديث القدسي موحى بلفظه ومعناه، أظهر وأولى.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله
" الحديث القدسي كلام الله لفظاً ومعنًى، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه، أنه قال: قال الله تعالى قال في حديث أبي ذر: " قال الله تعالى: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظَّالموا " رواه مسلم.
وهو كلام الله لفظاً ومعنًى، لكن يختلف عن القرآن: القرآن كلام الله لفظاً ومعنًى، والأحاديث القدسية كلام الله لفظه ومعناه. لكن له أحكام خاصة تختلف عن أحكام القرآن: القرآن لا يمسه إلا متوضئ والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ، القرآن يُتَعَبَّدُ بتلاوته والحديث القدسي لا يُتَعَبَد بتلاوته، فله أحكام تختلف ...
ولو كانت الأحاديث القدسية معناها من الله ولفظها من الرسول لما صار هناك فرق بين الأحاديث القدسية وغيرها، ولما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا إلى ربه، قال: قال الله، عن ربه أنه قال، فنسبه إلى الله، أضافه إلى الله، قال: " قال الله: إني حرمت الظلم على نفسي " انتهى.
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=14910 -
وأيا ما كان الراجح من القولين، فالقولين يتفقان على أن الحديث القدسي وحي من الله تعالى، ولذلك ينسب إليه، فيقال: قال الله تعالى، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة ...
وإذا كان وحيا من الله تعالى، فإن الوحي به يكون بنفس طرق الوحي الذي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى:
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى/51.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
وقوله: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} : كما كلم موسى عليه السلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم، فحجب عنها.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله: "ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث، وكان أبوه قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.
وقوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} كما ينزل جبريل عليه السلام، وغيره من الملائكة، على الأنبياء عليهم السلام " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (7/217) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث: (إن الله قد كتب الحسنات والسيئات) :
" قَوْله: (فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ) : هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْإِلَهِيَّةِ , ثُمَّ هُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِمَّا تَلَقَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك وَهُوَ الرَّاجِحُ " انتهى.
"فتح الباري" (11/323) .
ومن طرق تبليغ الرسالة إلى الرسل الكرام، وإنزال الوحي عليهم: الرؤيا المنامية، وهي داخلة في الوحي المذكور في قوله تعالى: (إلا وحيا) .
قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) .
رواه البخاري (4954) ومسلم (160) .
والله تعالى أعلم.
وللاستزادة: يراجع السؤال رقم: (121290)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/104)
تفسير حديث يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو فهمكم وتفسيركم للحديث التالي حول المهدي، والوارد في موقع الدرر السنية - الموسوعة الحديثية: (يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصل إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا - فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: البزار - المصدر: البحر الزخار - الصفحة أو الرقم: 10/100. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح. أرجو توضيح: ما هو الكنز؟ من هم الثلاثة؟ من هو الخليفة؟ هل زمن حدوث ذلك قريب أم بعيد؟ من هم أصحاب الرايات السود؟ هل هم مجوس الفرس في إيران؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الإيمان بخروج المهديّ من عقيدة أهل السنّة والجماعة، وقد تواترت الأحاديث تواترا معنويّاً بذلك؛ ولذلك أورد العلامة الكتاني رحمه في ضمن ما جمعه من الأحاديث المتواترة، ونقل الحكم بتواتره عن غير واحد من أهل العلم، كأبي الحسين الآبري، صاحب كتاب مناقب الشافعي، والحافظ السخاوي، وغيرهما. ينظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (236-240) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (3 / 141) : (الأحاديث التي دلّت على خروج المهدي كثيرة، وردت من طرق متعدّدة، ورواها عدد من أئمّة الحديث، وذكر جماعة من أهل العلم أنّها متواترة معنويًّا منهم: أبو الحسين الآبريّ من علماء المائة الرّابعة، والعلامة السّفارينيّ في كتابه [لوامع الأنوار البهية] ، والعلامة الشّوكانيّ في رسالة سمّاها [التوضيح في تواتر أحاديث المهديّ والدّجّال والمسيح] ) .
وليس المقصود من هذا المهديّ ما يزعمه الرافضة: أنّه موجود الآن، وينتظرون خروجه من سرداب سامراء؛ إذ ذاك نوع من الهذيان، وهوس شديد من الشّيطان؛ حيث لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا معقول صحيح.
ثانيا:
جاء هذا الحديث من رواية الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ - ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ - فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ)
رواه ابن ماجه في " السنن " (رقم/4084) ، والبزار في " المسند " (2/120) ، والروياني (رقم/619) ، والحاكم في " المستدرك " (4/510) ، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " (6/515)
رووه من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان به مرفوعا.
ورواه الحاكم والبيهقي أيضا – بعد الرواية السابقة - من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، به موقوفا من كلام ثوبان.
وقد اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث، على قولين:
القول الأول: تصحيح الحديث.
قال البزار رحمه الله:
" وهذا الحديث قد روى نحو كلامه من غير هذا الوجه بهذا اللفظ، وهذا اللفظ لا نعلمه إلا في هذا الحديث، وإن كان قد روي أكثر معنى هذا الحديث، فإنا اخترنا هذا الحديث لصحته، وجلالة ثوبان، وإسناده إسناد صحيح " انتهى.
وقال الحاكم رحمه الله:
" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين " انتهى. ولم يتعقبه الذهبي في تلخيصه.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" وهذا إسناد قوي صحيح " انتهى.
" النهاية في الفتن والملاحم " (ص/17) ، وقد اختلف حكم ابن كثير على الحديث، فرجح في " البداية والنهاية " وقفه كما سيأتي.
وصححه القرطبي في " التذكرة " (ص/1201) ، والبوصيري في " مصباح الزجاجة " (3/263) ، وصححه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187)
القول الثاني: تضعيف الحديث.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:
" حدثني أبي قال: قيل لابن علية في هذا الحديث؟ فقال: كان خالد يرويه فلم يُلتَفَت إليه، ضعَّفَ ابنُ علية أمره، يعني: حديث خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات " انتهى.
" العلل " (2/325)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" رواه بعضهم عن ثوبان فوقفه، وهو أشبه، والله أعلم. " انتهى.
" البداية والنهاية " (10/55)
وقال الذهبي رحمه الله:
" أحمد في مسنده، حدثنا وكيع، عن شريك، عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي)
قلت – أي: الذهبي -: أراه منكرا، وقد رواه الثوري، وعبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، فقال: عن أسماء، عن ثوبان " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (3/128) .
كما أعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في " تفسير المنار " (9/419-421) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" منكر ... وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين كما تقدم نقْلُه عن الذهبي وغيره، ولعله لذلك ضعف الحديث ابنُ علية من طريق خالد، كما حكاه عنه أحمد في " العلل " (1 / 356) وأقره، لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي " انتهى باختصار.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/85)
ثالثا:
وقع الخلاف أيضا في تفسير المراد بالكنز في هذا الحديث، فمِن قائل إنه كنز الكعبة، ومِن قائل إنه الكنز الذي يحسر نهر الفرات عنه كما أخبرت عنه الأحاديث الصحيحة.
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
" قال ابن كثير في " النهاية ": " والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة "
قلت – أي الشيخ التويجري -: وفي هذا نظر؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) رواه أبو داود، والحاكم، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي في " تلخيصه. وقد رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. وإسناده جيد.
والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه الفرات، وقد يكون غيره. والله أعلم " انتهى.
" إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187) .
وهذا القول الثاني في تفسير الكنز، قد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله احتمالا، فقال:
" فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب ـ يعني الحديث الذي ذكر انحسار الفرات عن جبل من ذهب ـ، دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي، وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما ". فتح الباري (13/81) .
رابعا:
لم نقف على من نصّ على المقصود من الثلاثة والخليفة في الحديث كما أنه لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة النص على زمان خروج المهدي. لكنّ النّصوص تدلّ على عودة الخلافة الإسلاميّة قبل قيام الساعة، كقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ ".
أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حوالة الأزديّ - رضي الله عنه - برقم (2535) ، وأحمد في المسند (5/288) ، والحاكم في المستدرك (4/471) ، وصحّحه، ووافقه الذّهبيّ، وصحّحه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود برقم (2535 (
ولعلّه أن يكون أحد هؤلاء الخلفاء الذين يظهرون في وقتهم المهديّ.
ينظر: المهديّ وفقه أشراط السّاعة للدكتور محمّد إسماعيل المقدّم (ص728) وما بعدها.
وينظر أيضا: فتاوى اللجنة الدائمة (3/140) في الفتوى رقم (1615) . وجواب السؤال رقم (3259 (.
خامسا:
أصحاب الرايات السود ليسوا هم مجوس الفرس في إيران، بل الذي يدل عليه ظاهر الحديث أنهم أناس من أهل المشرق ينصرون المهديّ، ويقيمون سلطانه، ويشدّون أركانه، وتكون راياتهم سوداء. وهذا كله إذا قدر أن الحديث في ذكرهم ثابت محفوظ.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة؛ أي: يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده، بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سوداء أيضاً ". انتهى.
النّهاية في الفتن والملاحم (1/49) ، وكتاب الفتن للمروزيّ (1/310) ، إتحاف الجماعة، للشيخ حمود التويجري (1/286) وما بعدها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/105)
حديث بروا نساءكم لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو صحة حديث: (بروا نساءكم، فإن بني إسرائيل لم يبروا نساءهم فزنت نساؤهم) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لهذا الحديث أصل في كتب السنة ـ فيما نعلم ـ، كما لم نقف على حديث قريب من معناه، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من ذكره في المنتديات والمواقع، والواجب علينا تطهير المواقع من مثل هذه الأحاديث المكذوبة.
ويغني عنه الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي جاءت بالأمر بالإحسان إلى النساء والزوجات ومعاشرتهن بالمعروف، منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/106)
حديث مكذوب في فضل سجدة الشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل سجدة الشكر: (إن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي، أدى فريضتي، وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، يا ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاه ما همه. فيقول الله سبحانه وتعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة. فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. فيقول الله تعالى: لأشكرنه كما شكرني، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي) . أفتوني بارك الله فيكم: ما صحته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجود الشكر مستحب، وهو سجدة واحدة يسجدها المسلم عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، واستحبابها ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه الكرام رضي الله عنهم.
فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ) رواه أبو داود (2774) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سجد كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاءه خبر توبة الله عليه. رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) .
وسجد أبو بكر رضي الله عنه شكرا حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب.
وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رأى ذا الثدية بين قتلى الخوارج.
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/366-368) .
وأما الحديث الوارد في السؤال فلم يروه أحد من علماء الحديث الثقات، ولم يذكره أحد في كتب السنة والآثار، وإنما تذكره بعض كتب الشيعة المليئة بالأحاديث المكذوبة، ككتاب " من لا يحضره الفقيه " (1/333، حديث رقم/979، باب سجدة الشكر والقول فيها، وكتاب " تهذيب الأحكام " للطوسي (2/110) ، وإنما يسندانه إلى جعفر الصادق، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في إسناده محمد بن أبي عمير، جاء في ترجمته في " لسان الميزان " (5/221) " محمد بن أبي عمير، عن أبيه: حدَّث عنه ابن جريج: مجهول. انتهى.
وفي إسناده أيضا كل من حريز بن أبي حريز، ومرازم بن حكيم، ولم يذكر أحد من أهل العلم فيهما توثيقاً، وانظر ترجمتهما في "لسان الميزان" (2/181، 186) .
فالحاصل: أنه لا تجوز نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من نشره بين الناس.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (5110) ، (21888) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/107)
من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إرسال الحديث الخاص بالسوق، وهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الأسواق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في ذم الأسواق ثابتة في كتب السنة الصحيحة، ومن ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم (671) ، وتروى في مناسبة هذا الحديث قصة طويلة، لكنها موضوعة لا تصح، انظر "السلسلة الضعيفة" (6500) .
قال النووي رحمه الله:
"لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها" انتهى باختصار.
"شرح مسلم" (5/171) .
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) رواه مسلم (2451) .
وقال ميثمٌ - رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر: "موقوف صحيح السند" انتهى. "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب".
قال ابن بطال رحمه الله:
"هذا إنما خرج على الأغلب؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى.
"شرح صحيح البخاري" (6/249) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (13/16) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/108)
أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما يلي صحيح؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 1. أربع تمرض البدن "كثرة الكلام وكثرة النوم وكثرة الطعام وكثرة الاجتماع بالناس" 2. أربع تفني الجسد "الهم والحزن والجوع والسهر" 3. أربع تشحب الوجه وتزيل البشر منه "الكذب والأذى والفتوى دون علم وكثرة الغلط" 4. أربع تزيد نضرة الوجه وسعادته "المروءة والوفاء والكرم والتقوى. 5. أربع تمنع الرزق "نوم الصبح وقلة الصبح والكسل والخيانة. 6. أربع تزيد الرزق "قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار وتعاهد الصدقة والذكر أول النهار وآخره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل مسلم أن يتحرى فيما يقوله أو يكتبه، قبل أن ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يقع في الكذب عليه، ونسبة ما لم يقله إليه؛ وليس كل كلام صواب وحق، أو معنى جميل، ولفظ رائق: يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمجرد ذلك.
فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1/7) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) متفق عليه.
قال النووي رحمه الله:
" يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيد , مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيث السَّابِق " مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ " انتهى.
ثانياً:
هذا الكلام المذكور في السؤال، سواء أكان حديثا واحدا أو عدة أحاديث، لم نجد له ـ بعد البحث ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، لا بإسناد، ولا بغير إسناد، ولا ذكره، فيما نعلم، أحد ممن تكلم في الأخلاق والرقائق.
وجملة: "أربع تمنع الرزق: نوم الصبح": وردت من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الصُّبْحَة تمنع بعض الرزق) .
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9/251) ، وهو حديث ضعيف جداً. انظر: "السلسلة الضعيفة"، للشيخ لألباني، رحمه الله (3019) .
وورد بلفظ: (لا تناموا عن طلب أرزاقكم فيما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس) .
وهو ضعيف جدا أيضا، انظر: "الضعيفة" (6991)
وجملة "أربع تزيد الرزق" وذكر منها تعاهد الصدقة: روى نحوا منها الديلمي في "مسند الفردوس" (1/47) بلفظ: (استعينوا على الرزق بالصدقة) ، وهو حديث ضعيف.
راجع: "ضعيف الجامع" (818) ، للشيخ الألباني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/109)
هل صح حديث: (لقد جئتكم بالذبح) ، وما توجيه معناه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن من فضلك أن تعلق لي على هذا الحديث وعلى إسناده؟ هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إنه جاءهم ليذبحهم؟ وكيف لنا أن نفهم هذا الحديث؟ وما هو معنى الحديث؟ أرجو منكم أن تشرحوا لأنني أجد الحديث محيراً جداً بالنسبة إلي. ونص الحديث يقول: (لقد جئتكم بالذبح) وقد ترجم الحديث من قبل الشيخ: عبد السلام الشامي: قال يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول؛ حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا - لِما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم – قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك. قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه. قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول - وهو يبكي -: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه المحققون، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19) ، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403) .
وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) .
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أما والله لا تنتهوا حتى يحل بكم عقابه عاجلاً. – وبعد ذلك قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم -: أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً) .
عزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/168) للزبير بن بكار، والدارقطني في " الأفراد " وأشار إلى ضعف هذه الرواية.
وانظر "فتح الباري" (7/166-170) للوقوف على روايات الحديث.
وهذا اللفظ: (جئتكم بالذبح) له معنى صحيح بلا شك، ولا ينبغي أن يثير الحيرة في نفس السائل ولا في نفس أي عاقل، فالمقصود بالذبح هم أشخاص معينون محدودون، وهم أولئك الذين يصرون على الكفر بالله، وعلى حرب الإسلام وأهله، واضطهاد المستضعفين، والتسلط على النساء والشيوخ من المؤمنين، لفتنتهم عن دينهم، وفرض مبادئهم وأفكارهم بالدم والتعذيب والتنكيل، هؤلاء هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شر تقتيل، طعنوا سمية زوجة ياسر في عفتها، وقتلوا ياسر في شيخوخته، وعذبوا بلالاً بالرمضاء، وهموا بقتل خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوا أسلوباً من أساليب التعذيب والظلم إلا مارسوه على هذه الفئة المؤمنة، حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة، مكفكفين جراحهم، ومتحملين آلامهم، لعلهم يجدون لدى ملك الحبشة طعم الراحة والأمان.
هذا بعض ما فعلته هذه الفئة من مجرمي كفار قريش مع المؤمنين، أما عن تطاولهم على رب العباد فذلك شأن آخر، حكاه الله عنهم في عشرات الآيات في القرآن الكريم. ألا يستحق هؤلاء – بعدئذ - القتل دفعا لشرهم، وتخليصا للعباد من آذاهم.
أليس من الحكمة والعقل مجابهتهم – في بعض الأحيان – بالقوة والتهديد والوعيد، وذلك حين يطفح الكيل من مكرهم وظلمهم؟
لماذا يحتار العاقل في قبول تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالعقوبة العاجلة من الله عز وجل، وهم أجدر بها، وأحق بها من قوم عاد وثمود وسائر الأنبياء الذين عرفنا عدوانهم على الأنبياء والمؤمنين في القرآن الكريم؟!
ألهذا الحد ينسى العاقل ما فعله هؤلاء المجرمون بالمؤمنين المستعضفين، وينسى أيام العذاب والهوان التي ذاقوها مما يتقطع له قلب كل إنسان وهو يقرأ صفحاتها، ثم يتعاطف مع الجلادين – وهم صناديد كفار قريش – لأن النبي صلى الله عليه وسلم هددهم بالقتل والذبح مرة من المرات.
أهكذا تقاس الأمور في موازين العقول؟!
وإذا لبَّس الحاقدون على الناس، فاجتزؤوا هذه الكلمة من سياقها، وأرادوا أن يظهروا النبي صلى الله عليه وسلم سفاكاً للدماء، محباً للموت والقتل، فلا يجوز أن ينطلي ذلك على العقلاء من المسلمين ومن غير المسلمين، بل الواجب التعامل مع هذه الحادثة، وكذلك كل حادثة بمقياسين مهمين رئيسيين:
1- السياق الذي جاءت به، ونوع المخاطبين بها، والحادثة التي تفسرها وتبين المقصود منها.
2- النظر في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى فهم نظرة الإسلام إلى المسألة، وليس من خلال نص واحد فقط.
ومن لم يفعل ذلك ضلَّ وتاه، وباع عقله وفكره لكل ناعق بشبهة، ولكل من يحسن الوسوسة بالشر والفساد.
ونقول أيضاً:
كيف تُصَدَّقُ دعوى مَن يدَّعي أن الإسلام جاء بقتل من لم يتبعه مطلقاً، وقد علم الناس جميعاً علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد أذاهم الشديد له فجاءه ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) ، وعفا أيضاً صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين ظلموا المؤمنين وأكلوا أموالهم بعد فتح مكة، بل وأكرم بعض كبرائهم رجاء حسن إسلامهم، وذلك حين قال – يوم فتح مكة -: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) رواه مسلم (331) ؟!
كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد شرع الله تعالى لنا قبول الجزية من أهل الأديان الأخرى، والموافقة على بقائهم في حماية دولة الإسلام وكفالتها؟!
كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد علمنا يقيناً كيف قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع يهود المدينة، وتعايش معهم رجاء أن يحفظوا العهد ولا يخونوا، ولم يقاتل أحداً منهم حتى كانوا هم البادئين بالغدر والخيانة؟!!
ألم يقل رب العزة شارحاً مقاصد البعثة والرسالة في كلمة واحدة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.؟!!
بل قال عز وجل أيضاً: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام/147.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"يقول تعالى: فإن كذّبك - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل: (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) ، وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (3/357)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) رواه مسلم (2599) .
نرجو أن يكون في هذه الكلمات ذكرى نافعة يزيل الله بها عن الأخ السائل حيرته في معنى هذا الحديث.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/110)
ليس هذا بحديث: الدنيا سوق ربح فيه قوم وخسر آخرون
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في بعض الرسائل البريدية نصائح عن استغلال الدنيا بالطاعات ويذكر فيها: (الدنيا سوق ربح فيها قوم، وخسر آخرون) ما صحة هذا الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ، وإنما هو حكمة من الحكم المأثورة، يَقصِد بها الواعظ تذكيرَ الناس بحقيقة الدنيا، وأنها مزرعة للآخرة، فالسعيدُ من يفهم حقيقتها ويجتهد فيها بما يكون به رابحاً لا خاسراً.
روى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (55/149) بسنده إلى سفيان بن عيينة رحمه الله قال:
" دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قوم غرَّهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين [المُرْمِل هو من نفد زاده] ، لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتَسَم مالَهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين! افتح الأبواب، وسهل الحُجَّاب، وانصر المظلوم " انتهى.
وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله:
" وكنت قد سمعت من الشيخ – يعني محمد الأمين الشنقيطي - رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول:
إن العمر وزمن الحياة حجة على الإنسان، كالرسالة والنذارة سواء، وذكر قوله تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ) ، فجعل في الآية التعمير، وهو إشغال العمر موجباً للتذكر والتأمل، ومهلة للعمل، كما تخبر إنساناً بأمر ثم تمهله إلى أن يفعل ما أمر به، فهو أمكن في الحجة عليه.
فكان القسم في العصر على الربح والخسران – يعني في سورة العصر (والعصر إن الإنسان لفي خسر) - أنسبَ ما يكون بينهما، إذ جعلت حياة الإنسان كسوق قائمة، والسلعة فيه العمل، والعامل هو الإنسان، كما قال تعالى: (هلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
وفي الحديث الصحيح عند مسلم: (سبحان الله تملأ الميزان - وفيه -: كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ، فإن كان يشغل عمره في الخير فقد ربح وأعتق نفسه، وإلاَّ فقد خسر وأهلكها.
ويشير لذلك أيضاً قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ) .
فصح أن الدنيا سوق، والسلعة فيها عمل الإنسان، والمعاملة فيه مع الله تعالى " انتهى.
" أضواء البيان " (8/445-446) .
وما تجده في بعض مواقع الفرق المبتدعة من نقل هذا الكلام بعنوان: قال عليه السلام: (الدنيا سوق ربح فيه قوم، وخسر آخرون) فهم لا يقصدون بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يريدون بعض أئمة آل البيت، وهم يسوقونه كعادتهم من غير إسناد ولا توثيق، والواجب الحذر من كل ما ينقلونه، فمادة علومهم ومواقعهم هي الكذب والافتراء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/111)
هل ثمة دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دعاء يحفظك من موت الفجأة ? وما هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
موت الفجأة من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، بأن يصيب الموتُ العبدَ مفاجأة من غير إمهال ولا إخطار، وإنما هجوما تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته.
وهو صورة من صور الموت التي وجدت قديما، وزاد انتشارها حديثا بسبب حوادث السير المعروفة اليوم، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات القتل الحديثة الفاتكة.
وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث أن انتشار موت الفجأة من علامات الساعة، حسَّن هذه الآثار الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص/506) وقال: له طرق يقوي بعضها بعضا، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (5/370) ، ويمكن الاطلاع عليها في كتاب: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/236) للشيخ حمود التويجري.
ثانيا:
ثم إن موت الفجأة يحتمل أن يكون خيرا، ويحتمل أن يكون شرا، وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عز وجل:
1- فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير، وله عند الله من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة: فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات الموت: موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد، فلا يجد من ألم الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته فجأة كان تكفيرا لسيئاته، ورفعة لدرجاته عند الله، وذلك تصديق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له من نصب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة.
2- أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة: فموت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب، إذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يمهل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود (رقم/3110) .
ولما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة، وتتفاوت فيها القلوب، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين، وجدنا في الآثار عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة، فمَن غَلَّبَ جانب الخوف من الله، وظنَّ في نفسه التقصير: كان يستعيذ من موت الفجأة، ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب الرجاء، وسعة رحمة الله: رأى في موت الفجأة فرجا ورحمة وعفوا من الله عز وجل.
فإذا قرأنا عن السلف كلاما عن موت الفجأة ظاهره التعارض، فهو في الحقيقة والباطن ليس اختلاف تعارض، وإنما اختلاف تنوع.
عن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا:
" أسف على الفاجر وراحة للمؤمن: يعني الفجأة " انتهى.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/370) ، " السنن الكبرى " للبيهقي (3/379) .
وعن تميم بن سلمة، قال: مات منا رجل بغتة، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذة غضب , فذكرته لإبراهيم - وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا إلا وجدنا عنده فيه - فقال: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف.
" مصنف ابن أبي شيبة " (3/370)
ثالثا:
أما الأحاديث المرفوعة فلم يصح منها شيء سوى الحديث المذكور سابقا: (موت الفجأة أخذة أسف) ، مع أن بعض أهل العلم تكلم فيه، وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه روي مرفوعا وموقوفا، وذكر أنه الإمام البخاري رحمه الله أشار بترجمته إلى أنه في إسناده مقالا.
ينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (3/254) .
أما غيره من الأحاديث المتعلقة بموت الفجأة مدحا أو ذما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منها: فلم يصح منه شيء.
ولذلك قال الفيروزأبادي رحمه الله:
" ما ثبت فيه شيء " انتهى.
" سفر السعادة " (ص/353)
رابعاً:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة، وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة، وقد سبق أن بينا ذلك في جواب السؤال رقم: (126635) ، (127615) .
والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)
رواه مسلم (2739)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/112)
قراءة سورة يس في الصباح والمساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن صحة حديث: (من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح) انتهى. وعن ما ورد عن مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءتها فجراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الأثر المذكور في السؤال روي من قول التابعي الجليل يحيى بن أبي كثير رحمه الله أنه قال:
(من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح. قال: وأنبأنا مَن جرَّبَ ذلك)
رواه ابن الضريس في " فضائل القرآن " (رقم/218، ص/101) قال: أخبرنا عباس بن الوليد، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال ... فذكره.
ثم قال في (حديث رقم/220) : أخبرنا علي بن الحسن، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال: من قرأ ... مثل حديث عباس.
فمدار هذا الأثر على عامر بن يساف، وقد اختلف فيه أهل الجرح والتعديل، قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات، ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال أبو داود: ليس به بأس، رجل صالح. وقال العجلي: يكتب حديثه وفيه ضعف. وذكره بن حبان في الثقات. انظر " لسان الميزان " (3/224) ، وقال أبو حاتم: هو صالح. " الجرح والتعديل " (6/329) وجاء في "تعجيل المنفعة " (1/207) : واختلف فيه قول يحيى بن معين، فقال ابن البرقي عنه: ثقة. وقال عباس الدوري عنه: ليس بشيء. وانظر: " تهذيب التهذيب " (5/66) ورواية الدوري عن ابن معين أرجح من رواية ابن البرقي.
فتحصل من كلام الأئمة أن تفرد عامر بن يساف غير مقبول لوجود المناكير في حديثه. ولذلك قال الذهبي: له مناكير. وقال الحافظ في " تقريب التهذيب ": لين الحديث.
وبهذا يتبين ضعف روايته لهذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير.
على أنَّه، لو قدر صحته، فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا كلام أحد من أصحابه، وإنما هو من كلام يحيى، وهو من صغار التابعين، توفي سنة (132هـ) .
قال الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله:
" العمدة في دين الله عز وجل: صحة النقل، وثبوت العرش، وهذا أثر منكر لا يصح " انتهى.
" أحاديث ومرويات في الميزان " (ص/75) طبعة ملتقى أهل الحديث.
كما لم نقف على حديث يدل على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة " يس " فجراً، وقد سبق في موقعنا بيان أن جميع الأحاديث المروية في فضل هذه السورة ضعيفة، يمكن مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (75894)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/113)
هل جاء في قول لا إله إلا الله عدد الحركات والسكون فضل خاص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما رأيتها في المنتديات والإيميل تأتيني: قال رجل من السلف: لا إله إلا الله عدد ما كان , وعدد ما يكون , وعدد الحركات والسكون، وبعد مرور سنة كاملة قالها مرة أخرى، فقالت الملائكة: إننا لم ننتهِ من كتابة حسنات السنة الماضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح نسبة الأجر والفضل إلى هذا الدعاء، أو غيره من الأدعية والأذكار والعبادات، بغير دليل صحيح من الكتاب والسنة.
والأثر المذكور في السؤال لم يرد في كتب أهل العلم، ولا رواه المحدثون في كتبهم المسندة، فلا يجوز نشره بين الناس ولا التحديث به إلا على وجه التحذير منه، والواجب على المسلمين الحذر من نشر الكذب على الدين، ومن تساهل في ذلك أصابه نصيب من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من كذب عليه متعمداً.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
ما صحة دعاء امرأة تقول: لا إله إلا الله عدد ما كان وما يكون، وعدد حركاته، وعدد خلقه من خلق آدم حتى يبعثون.
فقال:
أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع، ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته)
هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/63، سؤال رقم/14)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/114)
الكلام على حديث: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ، وهل هو انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام؟ وهل كان هدهد سليمان يعيب على أهل سبأ أن امرأة كانت تملكهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ولم يتردد أحد من المحدثين والفقهاء والعلماء والشرَاح في قبول هذا الحديث، فلا يترك إجماع المسلمين عليه بكلام بعض المعاصرين:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
(لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً)
رواه البخاري (4425) ، ورواه النسائي في " السنن " (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله: "النهي عن استعمال النساء في الحكم " انتهى.
وليس في هذا الحديث انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام، ولكنه توجيه لقدراتها التوجيه الصحيح المناسب، حفاظاً عليها من الهدر والضياع في أمر لا يلائم طبيعة المرأة النفسية والبدنية والشخصية، ولا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الأخرى، التي حفظت المرأة من الفساد والإفساد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
هل يجوز لجماعة من المسلمات اللائي هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس في الصلاة، ما هي الموانع الأخرى من تولي المرأة للمناصب أو الزعامة، ولماذا؟
فأجابت:
دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارساً ولّوا أمرهم امرأة قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فإن كلا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول.
وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن؛ ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها رجالاً ونساءً، في السلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
ويشهد لذلك أيضا إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة ". انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17/13-17)
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ: عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان.
وقد سبق الكلام في هذا الموضوع مفصلاً أيضاً، في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (20677) ، (71338)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/115)
هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس.
وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها.
والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي.
فمثلاً:
الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) .
أولاً:
هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ.
ثانياً:
غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر.
ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح.
فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص.
وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار.
ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة.
جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) :
" إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية:
فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق:
إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/116)
حديث: (مصر كنانة الله في أرضه) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث: (مصر كنانة الله في أرضه) ، وما معناه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا أصل له، ولم يرو في كتب السنة، وقد نص العلماء على ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" هذا مأثور لكن ما أعرف إسناده " انتهى.
" أحاديث القصاص " (ص/87)
يقول بدر الدين الزركشي رحمه الله:
" لم أجده " انتهى.
" التذكرة " (ص/191)
وقال السخاوي رحمه الله:
" لم أره بهذا اللفظ في مصر " انتهى.
" المقاصد الحسنة " (ص/609)
وقال السيوطي رحمه الله:
" لا أصل له " انتهى.
" الدرر المنتثرة " (ص/17)
وقال الشيخ مرعي الكرمي رحمه الله:
" لا أصل له " انتهى.
" الفوائد الموضوعة " (ص/107)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" لا أصل له " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/888)
والكنانة هي الجعبة الصغيرة من الجلد لحفظ النبل والسهام، فكأن هذا الأثر يشبه مصر بكنانة السهام التي يصيب الله تعالى بها الطغاة والظالمين والمتجبرين، فيرميهم بأهلها الذين هم جند الله، ولذلك جاء في بعض الكتب تكملة الأثر السابق بقولهم: ما طلبها عدو إلا أهلكه الله.
وقد ورد نحو هذا الأثر في بلاد الشام أيضاً:
يقول الملا علي قاري رحمه الله:
" وقد ورد لفظ الكنانة في الشام، أخرجه ابن عساكر عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله على بعض الأنبياء أن الله يقول: الشام كنانتي، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم. موضوع مبناه، وإن كان صحيحاً عندنا معناه " انتهى.
" الأسرار المرفوعة " (ص/319)
ونحن نرجو أن تكون مصر والشام وسائر بلاد المسلمين منطلقاً لجند الله لتحرير أراضي المسلمين المحتلة، وإرجاع العزة المسلوبة لهذه الأمة.
هذا وقد صح في فضائل مصر حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا)
قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ َخَرَجَ مِنْهَا.
رواه مسلم (رقم/2543)
قال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به.
وأما الذمة: فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام.
وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم.
وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم " انتهى.
" شرح مسلم " (16/97)
وقال المناوي رحمه الله:
" أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيراً، أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم، يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية، يعني: إذا استوليتم عليهم، وتمكنتم منهم، فأحسنوا إليهم، وقابلوهم بالعفو عما تنكرون، ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم، فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة.
ثم علَّلَه بقوله: (فإن لهم ذمة) ذماماً وحرمة وأماناً من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن أمه مارية منهم.
(ورحماً) بفتح فكسر: قرابة، لأن هاجر أم إسماعيل منهم " انتهى.
" فيض القدير " (1/523-524)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/117)
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لحوم البقر أنها داء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (لحوم البقر داء، وسمنها ولبنها دواء) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لحم البقر من اللحوم الحلال، امتن الله على عباده بها في سورة الأنعام، فقال عز وجل: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) الأنعام/144، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. رواه البخاري (294) ومسلم (1211) ، وهي من الأنعام والبُدن التي أجمع العلماء على حلها وطيب لحمها، وقد قال الله عز وجل فيها: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الحج/36.
ثانيا:
أما الحديث المقصود في السؤال، فهو حديث منكر لا يصح، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من روايات عدة كلها منكرة:
أولا: عن مليكة بنت عمرو الجعفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ألبانها شفاء – يعني البقر -، وسمنها دواء، ولحمها داء)
رواه علي بن الجعد في " مسنده " (ص/393) ، وأبو داود في " المراسيل " (ص/316) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (25/42) ، ومن طريقه أبو نعيم في " معجم الصحابة " (رقم/7850) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " (9/345) وفي " شعب الإيمان " (5/103)
جميعهم من طريق زهير بن معاوية أبي خيثمة، عن امرأته وذكر أنها صدوقة، وأنها سمعت مليكة بنت عمرو، وذكرت الحديث.
هذا لفظ علي بن الجعد، وهو أعلى مَن أسند الحديث، وأما غيره فقالوا: عن امرأة من أهله – يعني زهير بن معاوية -.
وهذا إسناد ضعيف، ومليكة بنت عمرو الزيدية السعدية مختلف في صحبتها، ورواية أبي داود لحديثها في كتابه " المراسيل " دليل على أنه لا يرى صحبتها، وإن كان جزم بصحبتها آخرون، ولكن التحقيق يقتضي أنه لا سبيل إلى الجزم بذلك، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " (753) : يقال لها صحبة، ويقال: تابعية. ولم يجزم فيها بشيء، فيبقى في الأمر احتمال قائم، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال. وانظر ترجمتها في " الإصابة " (8/122)
لذلك ضعف هذا السند السخاوي في " الأجوبة المرضية " (1/21) ، والمناوي في "فيض القدير" (2/196) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " (2/182) .
ثانيا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(عليكم بألبان البقر وسمنانها، وإياكم ولحومها، فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء، ولحومها داء)
رواه الحاكم في " المستدرك " (4/448) ، وعزاه السيوطي (5557) أيضا لابن السني وأبي نعيم كلاهما في " الطب ".
قال الحاكم: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا معاذ بن المثنى العنبري، ثنا سيف بن مسكين، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه عدة علل:
1- سيف بن مسكين: قال ابن حبان رحمه الله: " يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات على قلتها " انتهى. " المجروحين " (1/347)
2- الاختلاف في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. انظر " تهذيب التهذيب " (6/216)
3- اختلاط عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي. انظر " تهذيب التهذيب " (6/211)
ولذلك كله حكم العلماء بتساهل الحاكم حين قال في الحديث:
" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى.
والصواب مع تعقب الذهبي له بقوله:
" سيف: وهَّاه ابن حبان " انتهى.
وقال الزركشي:
" هو منقطع، وفي صحته نظر، فإن في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر، وهو لا يتقرب بالداء " انتهى.
" التذكرة في الأحاديث المشتهرة " (ص/148)
وقال السخاوي:
" ضعيف منقطع " انتهى.
" الأجوبة المرضية " (1/23)
وقال الحافظ ابن حجر:
" روي بأسانيد ضعيفة " انتهى.
" أسئلة وأجوبة " (ص/61) .
ثالثا: روى ابن عدي في " الكامل " (7/298) وغيره الحديث من مسند ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده محمد بن زياد الطحان متهم بالكذب، فلا يستشهد به.
رابعا: روى ابن السني، وأبو نعيم، الحديثَ عن صهيب الرومي رضي الله عنه، عزاه السيوطي إليهما.
وقال ابن القيم رحمه الله:
" روى محمد بن جرير الطبرى بإسناده، من حديث صُهيب يرفعُه: (عليكم بألبان البقَرِ، فإنها شفاءٌ، وسَمْنُها دَواءٌ، ولُحومُها داء) ، رواه عن أحمد بن الحسن الترمذى، حدَّثنا محمد ابن موسى النسائى، حدَّثنا دَفَّاع ابن دَغْفَلٍ السَّدوسى، عن عبد الحميد بن صَيفى بن صُهيب، عن أبيه، عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد " انتهى.
" زاد المعاد " (4/324-325)
قال العلامة الشيخ سليمان العلوان حفظه الله:
" هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك. ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مرسل ضعيف.
ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء ... فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل، وليس لتصحيحه وجه معتبر، وقد أجاد ابن الجوزي في قوله: فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره " انتهى.
وعلى كل حال: فجميع العلماء متفقون على حل أكل لحوم البقر، ولكن بعض أهل العلم يحذرون من المبالغة في أكله، خاصة إذا لم ينضج على النار إلى حد الاستواء الكافي، وهذا هو أيضا تفسير الداء الناجم عنه، عند من حسّن الحديث السابق من العلماء.
قال ابن القيم رحمه الله:
" لحم البقر عسير الانهضام، بطيء الانحدار، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية، ولحم العجل ولا سيما السمين من أعدل الأغذية، وأطيبها، وألذها، وأحمدها، وإذا انهضم غذى غذاءً قوياً " انتهى.
" زاد المعاد " (4/374) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله، وهو ممن يحسن الحديث:
" كل لحم البقر، وفيه العافية، لأن آل النبي وأهله أكلوا لحم البقر، وضحى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهله في حجة الوداع بالبقر، لكن أنصحك بأن لا تكثر منه؛ لأن هذا الإكثار هو مراد الحديث " انتهى.
" سلسلة الهدى والنور " (رقم/236 (7:20-8)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/118)
هل ورد أن الله أمر بإدخال رجل النار فقال: ما كان هذا ظني بك يارب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يأمر الملائكة بإدخال رجل النار، فيقول هذا الرجل: (ما كان هذا ظني بك يا رب) فيأمر الله بأن يدخلوه الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لعل الحديث المشار إليه هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن عبدا في جهنم ينادي ألف سنة: يا حنان! يا منان! فيقول الله تبارك وتعالى: يا جبريل اذهب فأتني بعبدي هذا، فيذهب فيجد أهل النار منكبين على وجوههم يبكون، فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول: اذهب فأتني بعبدي. فيقول: هو في موضع كذا وكذا، فيذهب فيجيء به، فيوقف بين يدي الله تعالى، فيقول: عبدي كيف وجدت مكانك، وكيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا رب شر مقيل وشر مكان. فيقول: ردوا عبدي. فيقول: يا رب! ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تعيدني إليها. فيقول: دعوا عبدي)
رواه أحمد في " المسند " (21/99) طبعة مؤسسة الرسالة، وابن أبي حاتم في " التفسير " (9/2935) ، وابن خزيمة في " التوحيد " (2/749-750) ، وابن أبي الدنيا في " حسن الظن بالله " (110) ، والبيهقي في في " شعب الإيمان " (1/500) وغيرهم:
من طرق عن سلام بن مسكين، عن أبي ظلال، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به مرفوعا.
قلنا:
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب أبي ظلال، واسمه هلال بن أبي هلال عامة المحدثين على ضعفه ونكارة حديثه.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا حديث ليس بصحيح " انتهى.
" الموضوعات " (3/267)
وقال الألباني رحمه الله:
" ضعيف جدا " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (1249)
وقد روي هذا المعنى أيضا عن بلال بن سعد، من قوله:
(يأمر الله تعالى بإخراج رجلين من النار، قال: فيخرجان بسلاسلهما وأغلالهما، فيوقفان بين يديه، فيقول: كيف وجدتما مقيلكما ومصيركما؟ فيقولان: شر مقيل، وأسوأ مصير. فيقول بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد. فيأمر بهما إلى النار، فأما أحدهما فيمضي بسلاسله وأغلاله حتى يقتحمها، وأما الآخر فيمضي وهو يتلفت، فيأمر بردهما، فيقول للذي غدا بسلاسله وأغلاله حتى اقتحمها: ما حملك على ما فعلت وقد اختبرتها؟ فيقول: يا رب قد ذقت من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيا. ويقول: للذي مضى وهو يتلفت ما حملك على ما صنعت؟ قال: لم يكن هذا ظني بك يا رب. قال: فما كان ظنك؟ قال: كان ظني حيث أخرجتني منها أنك لا تعيدني إليها.
قال: إني عند ظنك بي، وأمر بصرفهما إلى الجنة)
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (5/226) قال: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا الوليد بن أبان، ثنا أبو سعيد الدشتكي، ثنا سليمان بن منصور بن عمار – هكذا في المطبوع ولعل الصواب سليم بن منصور -، ثنا أبي، ثنا الهقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن بلال بن سعد به.
وهذا إسناد ضعيف أيضا، بسبب منصور بن عمار، جاء في ترجمته في " ميزان الاعتدال " (4/187) " قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: حديثه منكر. وقال الدارقطني: يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها " انتهى.
إضافة إلى أن بلال بن سعد من الطبقة الوسطى من التابعين، كان قاصا مكثرا من القصص، وهو وإن حكم العلماء بتوثيقه، لكنه لم يسند كلامه هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تقبل منه حكايته هذه لعدم ثبوتها.
وقد روي نحو ذلك المعنى، مختصرا عن الحسن البصري، رحمه الله.
ينظر: "القول المسدد"، للحافظ ابن حجر (35) .
والخلاصة: أنه لا يثبت شيء في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وينظر، في حسن الظن بالله عز وجل، جواب السؤال رقم: (125618)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/119)
هل هذه الأحاديث صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تأتيني رسائل على الإيميل تتضمن أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم صحة هذه الأحاديث، مما يؤدي إلى خوفي من إرسالها ونشرها , خوفا من أن تكون هذه الأحاديث ضعيفة وموضوعة , لخطورة نقل هذه الأحاديث , لما فيها من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم. وأرجو من فضيلتكم تخريج هذه الأحاديث وبيان سبب العلة إن كانت ضعيفة لنساهم في نشر السنة النبوية الصحيحة. والأحاديث هي: 1- (من صلى علي ألف صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة) 2- (من صلى علي في اليوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها في الآخرة وثلاثين منها في الدنيا) 3- (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) 4- (من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات) 5- (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أسلم عليه) 6- (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) 7- (يأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا , يحبون الدنيا وينسون الآخرة , يحبون المال ينسون الحساب , يحبون المخلوق وينسون الخالق , يحبون القصور وينسون القبور , يحبون المعصية وينسون التوبة , فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء وموت الفجاءة وجور الحاكم) 8- (من يزني يزنا بأهله) 9- (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) 10- (من قال لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحد صمد، ونحن له مسلمون، ولا إله إلا الله لا شريك له، إلها واحدا، ربا شاهدا، أحد صمد، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، وربا شاهدا، ونحن له صابرون، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين) من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، وبمجرد أن قاله الرسول صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد، ولو مرة واحدة في العمر، بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر , أمنته من سؤال منكر ونكير , أمررته على الصراط , حفظته من موت الفجاءة , حرمت عليه دخول النار , حفظته من ضغطة القبر , حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن الجواب عن درجة صحة هذه الأحاديث بالأحكام الآتية:
الحديث الأول: (من صلى عليَّ ألفَ صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة)
هذا الحديث رواه أبو الشيخ الأصبهاني – كما عزاه إليه السخاوي في " القول البديع " (95) ، وحكم عليه بالنكارة، ونقل الحكم بنكارته أيضا عن الحافظ ابن حجر -.
وقد خرج الشيخ الألباني رحمه الله حديثا قريبا من لفظه: (من صلى علي في يوم (الجمعة) ألف مرة؛ لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة) ، حيث جاء في كلامه رحمه الله:
" ضعيف جداً: رواه ابن سمعون في " الأمالي " (172/ 1) عن محمد بن عبد العزيز الدينوري: أخبرنا قرة بن حبيب القشيري: أخبرنا الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعاً.
ومن هذا الوجه: أخرجه ابن شاهين في "الترغيب والترهيب" (ق 261/ 2) ؛ وإليه عزاه المنذري (2/ 281) مشيراً إلى تضعيفه.
قلت – أي الشيخ الألباني -: وعلته: الحكم بن عطية؛ فإنه ضعيف؛ كما في "التقريب".
والدينوري شر منه؛ قال الذهبي: ليس بثقة؛ أتى ببلايا.
لكن رواه الأصبهاني في " ترغيبه " (ص 234 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن عبد الله بن محمد بن سنان القزاز البصري: أخبرنا قرة بن حبيب به.
ومحمد بن عبد الله بن محمد؛ لم أعرفه، ولعل الأصل: " ... عن محمد بن سنان"؛ فإن محمد بن سنان القزاز البصري معروف، وهو ضعيف. والله أعلم.
وقال السخاوي في "القول البديع" (ص 95) : " رواه ابن شاهين في " ترغيبه " وغيره، وابن بشكوال من طريقه، وابن سمعون في "أماليه"؛ وهو عند الديلمي من طريق أبي الشيخ الحافظ، وأخرجه الضياء في " المختارة " وقال: لا أعرفه من حديث الحكم بن عطية، قال الدارقطني: حدث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها. وقال أحمد: لا بأ به؛ إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة. قال: وروي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة.
قلت – أي السخاوي -: وقد رواه غير الحكم، وأخرجه أبو الشيخ من طريق حاتم ابن ميمون عن ثابت؛ ولفظه: (لم يمت حتى يُبَشَّرَ بالجنة) .
وبالجملة فهو حديث منكر كما قاله شيخنا - يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله -.
وقال في مكان آخر – يعني السخاوي - (145) : أخرجه ابن شاهين بسند ضعيف " انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله باختصار من " السلسلة الضعيفة " (رقم/5110)
وينظر: تحقيق " جلاء الأفهام " لابن القيم (ص/61،64) ، طبعة مجمع الفقه الإسلامي – جدة،" مجموع فتاوى ابن باز " (26/343) ، "اللقاء الشهري" (لقاء رقم/27، سؤال رقم/6) .
الحديث الثاني: (من صلى علي في اليوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها في الآخرة وثلاثين منها في الدنيا)
هذا الحديث مروي عن اثنين من الصحابة رضوان الله عليهم:
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم عليَّ صلاة في الدنيا، من صلى عليَّ في يوم الجمعة وليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكا يدخله في قبري كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء)
رواه ابن منده في " الفوائد " (ص/82) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (3/111) ، و"حياة الأنبياء" (29) ، ومن طريق البيقهي: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (54/301) ، وعزاه السيوطي في " الحاوي " (2/140) للأصبهاني في " الترغيب ".
رووه من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار، عن أبيها عثمان بن دينار، عن أخيه مالك بن دينار، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به.
مع التنبيه إلى أن سند البيهقي في "الشعب" سقط منه كل من عثمان بن دينار وأخوه مالك بن دينار، وهما مثبتان في "حياة الأنبياء" له، وعند ابن عساكر عن البيهقي، فالصواب إثباتهما.
جاء في " لسان الميزان " (4/140) :
" عثمان بن دينار، أخو مالك بن دينار البصري، والد حكامة: لا شيء، والخبر كذب بين" انتهى، وذكره ابن حبان في الثقات قال: يروي عن أخيه، وعنه بنته حكامة، وهي لا شيء. قلت – أي الحافظ ابن حجر -: ولفظ العقيلي، روت عنه ابنته أحاديث بواطيل ليس لها أصل " انتهى.
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من صلى عليَّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك)
قال السخاوي رحمه الله:
" أخرجه أحمد بن موسى الحافظ بسند ضعيف " انتهى.
" القول البديع " (ص/169)
وعزاه السيوطي في " جمع الجوامع " إلى ابن النجار محمد بن محمود بن حسن بن هبة الله (643هـ) صاحب تاريخ بغداد، كما عزاه في " داعي الفلاح " (رقم/92) للمستغفري، ولم نقف على سنده عندهما، وإنما وقفنا على سند الحافظ أحمد بن موسى، فقد نقله ابن القيم رحمه الله في " جلاء الأفهام " (ص/507) حيث قال: قال أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، قال ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أسيد، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا إبراهيم بن الأشعث الخراساني، حدثنا عبد الله بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة المدني، عن أبي سهل بن مالك، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما به.
وهذا سند ضعيف، فيه إبراهيم بن الأشعث: منكر الحديث. " لسان الميزان " (1/! 32)
وله طريق أخرى عن جابر:
قال ابن القيم رحمه الله:
" قال ابن مندة الحافظ: حدثنا عبد الصمد العاصمي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد المستملي، حدثنا محمد بن درستويه، حدثنا سهل بن متويه، حدثنا محمد بن عبيد، حدثن عباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صلَّى علَيَّ في كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة: سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه) قال الحافظ أبو موسى المديني هذا حديث حسن " انتهى.
" جلاء الأفهام " (ص/509)
والصواب أن هذا إسناد منكر، بسبب أبي بكر الهذلي البصري: قال النسائي: متروك الحديث. وقال علي بن المديني: ضعيف ليس بشيء. واتفقت كلمة أهل العلم على تضعيفه. انظر " تهذيب التهذيب " (12/46)
والخلاصة أن الحديث منكر لا يثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا من حديث أنس ولا من حديث جابر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" وأما حديث: (من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة؛ سبعون منها لآخرته وثلاثون منها لدنياه) فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (8/314) .
الحديث الثالث: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) .
هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة)
رواه الطبراني – كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من كتب الطبراني – ورواه ابن أبي عاصم في " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (ص/48، رقم61) .
والحديث عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ـ (10/163) ـ إلى الطبراني، قال: " رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد أحدهما جيد، ورجاله وثقوا".
وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/63) إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي، حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي، حدثنا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال: سمعت خالد بن معدان، يحدث عن أبي الدرداء به.
وفي هذا الإسناد علل عدة، منها:
1-خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء. انظر: " جامع التحصيل " (ص/171)
2-إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: ترجمته في " التاريخ الكبير " للبخاري (1/323) ، " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2/127) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع.
4- سليمان بن عبد الله الرقي: قال فيه ابن معين: ليس بشيء. " لسان الميزان " (3/96)
ولذلك ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1/441) ، والسخاوي في " القول البديع " (179) ، والألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/5788) ، والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270)
وقد جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة كثيرة تغني عن مثل هذا الحديث الضعيف، كما أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالعديد من الأعمال الصالحة المعينة في السنة الصحيحة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
رواه البخاري (614)
وانظر جواب السؤال رقم: (130213) .
الحديث الرابع: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ)
رواه النسائي (1297) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
الحديث الخامس: (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أسلم عليه)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ)
رواه أحمد (16/477) ط الرسالة، وأبو داود (2041) وصححه النووي في " الأذكار " (154) ، وابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " (2/173) وغيرهم.
الحديث السادس: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) .
رواه الترمذي (484) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه ابن حبان كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (455) ، وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (3/295) ، وحسنه الشيخ الألباني لغيره في " صحيح الترغيب " (1668) .
الحديث السابع: (يأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا , يحبون الدنيا وينسون الآخرة , يحبون المال ينسون الحساب , يحبون المخلوق وينسون الخالق , يحبون القصور وينسون القبور , يحبون المعصية وينسون التوبة , فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء وموت الفجاءة وجور الحاكم)
لم نقف عليه في كتب السنة، والظاهر أنه لا أصل له، وكذا جاء الحكم عليه في موقع " الدرر السنية " على الرابط الآتي:
http://www.dorar.net/enc/hadith_spread/%D9%8A%D8%AD%D8%A8%D9%88%D9%86+%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A7/+p
الحديث الثامن: (مَن يَزْنِ يُزْنَ بأهله)
ليس هذا بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كلام منتشر على ألسنة الناس، ومضمونه غير صحيح باللازم، فأهل الزاني قد يكونون من أهل الخير والصلاح، فكيف يؤاخذهم الله بجريرة غيرهم، وهو سبحانه عز وجل يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، وقد يقبل مثل هذا الكلام في حالة أن يكون الزاني وأهله من أهل الشر والفسق والفساد، فيعاقب الله الزاني بزوجته العاصية، فيصيبه في عرضه كما أصاب الناس في أعراضهم، وكما تدين تدان، وقد خبر الناس هذا الأمر في أحوال الزناة كثيرا، حتى يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال:
عفّوا تعِفُّ نِسَاؤُكُمْ فِي المَحْرَمِ ** وتجنبوا مالا يليقُ بمسلمِ
إنَّ الزنا دينٌ فإن أقرضتهُ ** كَانَ الزِّنَا مِنْ أهلِ بَيْتِك فَاعْلَمِ
وانظر جواب السؤال رقم: (22769) ، (81528) ، (136197) .
وقد أورد ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " (3/106) حديثا قريبا من هذا المعنى، جاء فيه: (ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته) ... ثم قال ابن الجوزي رحمه الله:
" ليس في هذه الأحاديث شيء يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج حديث: (ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته) :
" موضوع. رواه ابن عدي (15 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 278) عن إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا.
وقال ابن عدي: " وإسحاق بن نجيح بيِّنُ الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث ". وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 149 رقم 728) وقال: " إنه
من أباطيل إسحاق بن نجيح ".
ومما يؤيد بطلان هذا الحديث أنه يؤكد وقوع الزنى في أهل الزاني، وهذا باطل يتنافى مع الأصل المقرر في القرآن: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)
نعم إن كان الرجل يجهر بالزنا ويفعله في بيته فربما سرى ذلك إلى أهله والعياذ بالله تعالى، ولكن ليس ذلك بحتم كما أفاده هذا الحديث، فهو باطل " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/723)
وقال أيضا رحمه الله في تخريج حديث: (من زنى زني به، ولو بحيطان داره) :
" موضوع. رواه ابن النجار بسنده عن القاسم بن إبراهيم الملطي: أنبأنا المبارك بن عبد الله المختط: حدثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا.
قال ابن النجار: " فيه من لا يوثق به ". قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهو القاسم الملطي كذاب. كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 134) و " تنزيه الشريعة " لابن عراق (1/316) . قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن النجار هذا!! وخفي أمره على المناوي فلم يتعقبه بشيء " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/724) .
الحديث التاسع: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)
هذا الحديث رواه جماعة من أصحاب السنن عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)
رواه الترمذي (1159) وقال: وَفِي الْبَاب عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقال الهيثمي رحمه الله: " إسناده حسن " انتهى. " مجمع الزوائد " (9/10) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (7/54) .
الحديث العاشر: (من قال لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحد صمد، ونحن له مسلمون، ولا إله إلا الله لا شريك له، إلها واحدا، ربا شاهدا، أحد صمد، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، وربا شاهدا، ونحن له صابرون، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين) من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، وبمجرد أن قاله الرسول صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد، ولو مرة واحدة في العمر، بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر , أمنته من سؤال منكر ونكير , أمررته على الصراط , حفظته من موت الفجاءة , حرمت عليه دخول النار , حفظته من ضغطة القبر , حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم)
هذا الحديث كذب موضوع، سبق في موقعنا بيان حكمه والنقل عن اللجنة الدائمة تكذيبه، وذلك في جواب السؤال رقم: (126635) ، (127615) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/120)
حديث: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا) حديث ضعيف لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن خير أجناد الأرض جند مصر) أليس أصل اليهود الذين آمنوا مع رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم من مصر، أليس جند مصر هم من اكتفوا بتحرير سيناء عام 1973، ولم يحاربوا من أجل القدس. وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المقصود في السؤال جزء من خطبة طويلة لعمرو بن العاص رضي الله عنهما، خطبها في أهل مصر، فكان مما قال لهم: حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة) أخرج هذه الخطبة ابن عبد الحكم (ت257هـ) في " فتوح مصر " (ص/189) ، والدارقطني في " المؤتلف والمختلف " (2/1003) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (46/162) ، وأخرجها ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي (ت 387هـ) في " فضائل مصر " (ص/83) ، وعزاه المقريزي في " إمتاع الأسماع " (14/185) لابن يونس.
جميعهم من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وهذا إسناد ضعيف، فيه علل ثلاثة:
عبد الله بن لهيعة: قال الذهبي رحمه الله في " الكاشف " (ص/590) : " العمل على تضعيف حديثه " انتهى.
الأسود بن مالك: لم أقف له على ترجمة.
بحير بن ذاخر المعافري: ترجم له البخاري في " التاريخ الكبير " (2/138) ، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/411) ، والذهبي في " تاريخ الإسلام " (7/326) ولم يذكر فيه أحد جرحا ولا تعديلا، وإنما ذكره ابن حبان في " الثقات " (4/81) .
وبهذا يتبين أن الحديث ضعيف جدا، فلا يستشكل المعنى بعد ضعف السند.
وعلى كل حال: فأجناد المسلمين فيهم الخير الكثير، وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله، وفي وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز إطلاق الأحكام العامة على أجناد بلاد معينة بغير دليل صحيح، وخسارة بعض المعارك ليس دليلا على فساد جميع الجند، كما أن النصر في المعركة ليس دليلا على صلاح جميع الجند.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/121)
حديث: (أجر المعلم كأجر الصائم القائم) لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث التالي ومن رواه: (أَجْرُ الْمُعَلِّمِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد – بعد البحث والتفتيش – هذا الحديث مسندا في كتب أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما لم نقف عليه في آثار الصحابة والتابعين، أو في كلام العلماء المتبوعين.
وغاية ما هنالك أن الإمام الماوردي ذكره في كتاب "أدب الدنيا والدين" (ص/99) في معرض حديثه عن آداب المعلمين، فقال:
"ومن آدابهم: أن يقصدوا وجه الله بتعليم من علَّموا، ويطلبوا ثوابه بإرشاد من أرشدوا، مِن غير أن يعتاضوا عليه عوضا، ولا يلتمسوا عليه رزقا.
قال الله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) قال أبو العالية: لا تأخذوا عليه أجرا، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم! علِّم مجانا كما عُلِّمْتَ مجانا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أجر المعلم كأجر الصائم القائم) ، وحَسْبُ مَن هذا أجره أن يلتمس عليه أجرا " انتهى.
وفي إيراده للحديث بصيغة المبني للمجهول " روي " إشعار بعدم ثبوته.
هذا؛ وقد وضع الكذابون في أبواب " فضائل المعلم " أحاديث كثيرة، عقد لها الحافظ ابن الجوزي بابا في كتابه "الموضوعات".
وفي الأحاديث الصحيحة في فضل من عَلَّم الناسَ الخير ما يغني عن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
ومن أعظم ما جاء في فضائل المعلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي (3685) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/122)
حديث (زيارة إبليس للرسول صلى الله عليه وسلم) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث معاذ الذي يذكر قصة زيارة إبليس اللعين للرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا بعض نصه: يا أهل المنزل.. أتأذنون لي بالدخول ولكم إليّ حاجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتعلمون من المنادي؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا إبليس اللعين لَعَنَه الله تعالى. فقال عمر بن الخطاب: أتأذن لي يا رسول الله أن أقتله؟ .... وجزاكم الله عنا وعن المسلمين لما تقدمون لهم خير الجزاء!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد هذا الحديث في شيء من كتب السنة والآثار التي بين أيدينا، ولا ندري عن مصدره ولا مرجعه، ويبدو أنه من المكذوبات الموضوعات التي لا أصل لها.
وقد سئل عنه علماء الجنة الدائمة للإفتاء فقالوا: إنه لا أصل له.
ففي "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/252) :
أسأل عن الحديث الذي أورده مؤلف الكتاب المسمى " من رياض التوحيد "، الذي نصه: عن ابن العباس رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل من الأنصار في جماعة، فنادى مناد يا أهل المنزل أتأذنون لي بالدخول ولكم إلي حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتعلمون من المنادي؟) فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا إبليس لعنه الله تعالى) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتأذن لي بقتله يا رسول الله. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مهلا يا عمر، أما علمت أنه من المنظرين إلى يوم معلوم، ولكن افتحوا له الباب، فإنه مأمور فافهموا عنه واسمعوا فإذا هو شيخ أعور. .) إلخ.
فأجابوا:
"الحديث المذكور لا أصل له فيما نعلم، والمصدر المنقول منه غير معروف، فالواجب تركه وعدم نشره بين الناس" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/123)
حديث العمل عبادة لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم نصه: (إن العمل كالعبادة) ، وبحثت في كل الكتب الصحيحة ولم أجد هذا الحديث.. ساعدوني في معرفة إن كان حديثا صحيحا أو ضعيفا، ولكم الأجر إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث: (العمل عبادة) أو (العمل كالعبادة) لا أصل له في كتب الحديث والآثار، ولم نقف عليه فيما بين يدينا من كتب السنة، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب تحذير الناس من ذلك، وتنبيههم إلى وجوب التحري عند نشر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله:
"هذا الحديث لا أصل له، ولعل مستند هذا القول هو ما يتداوله العوام من أن رجلاً كان يتعبد في المسجد ليل نهار وله أخ ينفق عليه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: من ينفق عليك؟ قال: أخي. قال: أخوك أعبد منك.
وهذا باطل لا أصل له في شيء من كتب السنة المعتبرة" انتهى باختصار. (نقلا عن موقعه) .
والعمل المباح كالتجارة والصناعة.. ونحوها يكون عبادة إذا نوى الإنسان به نية حسنة، ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم، أو النفقة على أهله، والتصدق على المحتاجين، وصلة الرحم، ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها.
ولكن.. بشرط: أن لا يشغله هذا العمل عما أوجبه الله عليه، كالصلاة والزكاة والصيام، قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وأما العمل فإنه لا يصح أن نقول إن العمل عبادة إلا العمل الذي هو تعبد لله، فهذا لا شك فيه، لكن العمل من أجل الدنيا: هذا ليس بعبادة إلا أن يؤدي إلى أمرٍ مطلوبٍ شرعاً، مثل أن يعمل لكف نفسه وعائلته عن سؤال الناس، والاستغناء بما أغناه الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله -قال الراوي- أحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) والعمل للدنيا على حسب نية العامل، فإن أراد به خيراً كان خيرا، وإذا أراد به سوى ذلك كان على ما أراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى النكاح/ التعدد والقسم بين الزوجات) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/124)
ما مدى صحة حديث تشبيه جمال يوسف بجمال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث تشبيه جمال يوسف بجمال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله فلينظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يصح في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم نقف على شيء مسند في هذا الباب، وغاية ما هنالك حديث يذكره بعض من كتب في السيرة، وملأ كتابه بالموضوعات والمكذوبات.
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله هذا الحديث في كتابه "الموضوعات"، فقال:
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى على بن أبى طالب) أخرجه " الملَّاء " في سيرته" انتهى.
"الموضوعات " (1/17) وعزاه إلى " الملَّاء " أيضا المحب الطبري في " الرياض النضرة "، وفي " ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى " (ص/94) .
والملَّاء هذا هو عمر بن محمد الأربلي الموصلي، أبو حفص، المتوفى سنة (579هـ) ، جاء في ترجمته في " الأعلام " (5/60) .
"كان صالحا زاهدا عالما، له أخبار مع الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، أمر الملك العادل نوابه في الموصل أن لا يبرموا فيها أمرا حتى يعلموا به الملاء، وهو الذي أشار على العادل بعمارة الجامع الكبير في الموصل، وتولى الإنفاق عليه، فتم في ثلاث سنوات (سنة 568 هـ) وبلغت نفقاته 60 ألف دينار، وقيل أكثر، وهو المعروف اليوم بالجامع النوري،
وحمل الملاء دفاتر حسابه إلى العادل، وهو جالس على دجلة، فلم ينظر فيها، وقال له: نحن عملنا هذا لله، دع الحساب إلى يوم الحساب! وألقى الدفاتر في دجلة.
قال سبط ابن الجوزي: وإنما سمي " الملَّاء " لأنه كان يملأ تنانير الآجر، ويأخذ الأجرة فيتقوت بها، ولا يملك من الدنيا شيئا.
وصنف كتاب " وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين – مخطوط " بضعة أجزاء منه، في معهد المخطوطات " انتهى.
فيتبين بهذا أن الحديث يحكيه " الملاء " في سيرته حكاية من غير إسناد، وهذا غير كافٍ في إثبات الحديث، خاصة وأن كتابه في السيرة النبوية مليء بما لم يثبت وما لا يعرف له إسناد، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك تعرض لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/125)
حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .
ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(4/126)
حديث مكذوب عن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وصلني عبر بريدي الإلكتروني وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، أود من فضيلتكم إعلامنا عن مدى صحة هذه الوصايا، وجزاكم المولى عنا ألف خير. من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام لابنته السيدة فاطمة الزهراء: يا فاطمة! ما من امرأة طحنت بيديها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة، ومحا عنها بكل حبة سيئة. يا فاطمة! ما من امرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة. يا فاطمة! ما من امرأة غسلت قدرها إلا وغسلها الله من الذنوب والخطايا. يا فاطمة! ما من امرأة نسجت ثوباً إلا كتب الله لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيئة. يا فاطمة! ما من امرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها إلا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان. يا فاطمة! ما من امرأة دهنت رؤوس أولادها، وسرحت شعورهم، وغسلت ثيابهم وقتلت قملهم إلا كتب الله لها بكل شعرة حسنة، ومحا عنها بكل شعرة سيئة، وزينها في أعين الناس أجمعين. يا فاطمة! ما من امرأة منعت حاجة جارتها إلا منعها الله الشرب من حوضي يوم القيامة. يا فاطمة! خمسة من الماعون لا يحل منعهن: الماء، والنار، والخمير، والإبرة، ولكل واحد منهن آفة، فمن منع الماء بلي بعلة الاستسقاء، ومن منع الخمير بلي بالغاشية، ومن منع الرحى بلي بصدع الرأس، ومن منع الإبرة بلي بالمغص. يا فاطمة! أفضل من ذلك كله رضا الله ورضا الزوج زوجته. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً لو متِّ وزوجك غير راضٍ عنكِ ما صليت عليكِ. يا فاطمة! أما علمت أن رضا الزوج من رضا الله، وسخط الزوج من سخط الله؟ يا فاطمة! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها، ولو ساعة من النهار. يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة، إلا كان لها عند الله أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها. يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار، إلا كتب الله لها بكل شعرة في جسمها حسنة، ومحا عنها بكل شعرة سيئة. يا فاطمة! إن أفضل عبادة المرأة في شدة الظلمة أن تلتزم بيتها. يا فاطمة! امرأة بلا زوج كدار بلا باب، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة. يا فاطمة! جلسة بين يدي الزوج أفضل من عبادة سنة، وأفضل من طواف، إذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء والحيتان في البحر، وكتب الله لها في كل يوم ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة. فإذا أخذها الطلق كتب الله لها ثواب المجاهدين، وثواب الشهداء والصالحين، وغسلت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها، وكتب الله لها ثواب سبعين حجة، فإن أرضعت ولدها كتب لها بكل قطرة من لبنها حسنة، وكفر عنها سيئة، واستغفرت لها الحور العين في جنات النعيم. يا فاطمة! ما من امرأة عبست في وجه زوجها إلا غضب الله عليها وزبانية العذاب. يا فاطمة! ما من امرأة قالت لزوجها أُفٍّ لك، إلا لعنها الله من فوق العرش والملائكة والناس أجمعين. يا فاطمة! ما من امرأة خففت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً إلا كتب الله لها بكل درهم واحد قصرا في الجنة. يا فاطمة! ما من امرأة صلت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها إلا رد الله عليها صلاتها، حتى تدعو لزوجها. يا فاطمة! ما من امرأة غضب عليها زوجها ولم تسترض منه حتى يرضى إلا كانت في سخط الله وغضبه حتى يرضى عنها زوجها. يا فاطمة! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها إلا لعنها كل رطب ويابس حتى ترجع إلى بيتها. يا فاطمة! ما من امرأة نظرت إلى زوجها ولم تضحك له إلا غضب عليها في كل شيء. يا فاطمة! ما من امرأة كشفت وجهها بغير إذن زوجها إلا أكبها الله على وجهها في النار. يا فاطمة! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها إلا أدخل الله في قبرها سبعين حية وسبعين عقربة، يلدغونها إلى يوم القيامة. يا فاطمة! ما من امرأة صامت صيام التطوع ولم تستشر زوجها إلا رد الله صيامها. يا فاطمة! ما من امرأة تصدقت من مال زوجها، إلا كتب الله عليها ذنوب سبعين سارقاً. فقالت له فاطمة الزهراء: يا أبتاه متى تدرك النساء فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال لها: ألا أدلك على شيء تدركين به المجاهدين، وأنت في بيتك؟ فقالت: نعم يا أبتاه. فقال: تصلين في كل يوم ركعتين تقرئين في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، فمن فعل ذلك كتب الله له ولها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا حديث كذب مختلق مصنوع على النبي صلى الله عليه وسلم، لا تحل روايته، ولا يجوز نقله ولا التحديث به إلا على سبيل التحذير منه، وليتق الله كل من يشارك في نشر مثل هذه الأحاديث، فإن خصمهم يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي حذرهم من الكذب عليه، وأخبر أن من كذب عليه فسيتبوأ مقعده من النار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/127)
هل صح أن الله عز وجل يستحيي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يستحي أن يعذب شيبة في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بذلك، وما روي فيه عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه فهو ضعيف لا يصح، وهذا بيان ذلك:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يقول الله تبارك وتعالى: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام فتشيب لحية عبدي ورأس أمتي في الإسلام أعذبهما في النار بعد ذلك)
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ضعيف جداً، أخرجه أبو يعلى في (مسنده) (2764) ، وابن حبان في (الضعفاء) (1/168) ، وابن عدي في (الكامل) (1 / 349 - 350) من طريق سويد بن عبد العزيز، عن نوح بن ذكوان، عن أخيه أيوب بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس مرفوعاً.
وقال ابن حبان: (منكر باطل، لا أصل له)
قلت – أي الشيخ الألباني -: وهو مسلسل بثلاثة ضعفاء على نسق واحد، آخرهم أشدهم ضعفاً، وهو سويد.
وقال ابن عدي: (وأيوب بن ذكوان عامة ما يرويه لا يتابع عليه) .
وقال الهيثمي في (المجمع) (5 / 159) : (رواه أبو يعلى، وفيه نوح بن ذكوان وغيره من الضعفاء)
ولم يتفرد به؛ فقد رواه يحيى بن خذام قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري قال: ثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه.
أخرجه ابن حبان أيضاً (2 / 267) ، وأبو نعيم في (الحلية) (2 / 387 - 388) وقال:
(لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري، تفرد به عنه يحيى بن خذام) .
العلة من أبي سلمة، وفي ترجمته ساق الحديث ابن حبان، وقال: (منكر الحديث جدًّا، يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم) .
والحديث؛ أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) (1 / 177 - 178) من طريق ابن حبان من الوجهين عن أنس. ونقل كلامه المتقدم وأقره.
وأما السيوطي في (اللآلئ) (1 / 133 - 137) فقد ... جمع فيه ما هب ودب من الطرق، حشرها حشراً دون أن يتكلم عليها ببيان حالها! وهي كما قال المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص 480) : (كلها هباء) . ثم بيَّن – أي المعلمي رحمه الله - عللها واحدة بعد أخرى، ثم قال: (ويكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: (والله لا يستحي من الحق) " انتهى باختصار.
على أنه قد وردت أحاديث عدة في فضل من شاب في الإسلام، فمن ذلك:
ما رواه الترمذي (1635) ، والنسائي (3142) عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وصححه الألباني.
وينظر روايات أخرى حول ذلك في: "صحيح الترغيب والترهيب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/128)
حكم الدعاء بالصيغة التي جاءت في حديث ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ورد دعاء في حديث ضعيف أو موضوع ليس فيه محظور شرعي، فهل يجوز الدعاء به من باب الاستفادة من الصيغة، لا من باب التعبد به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء نوعان:
النوع الأول: دعاء مقيد بزمان أو مكان أو عبادة أو عدد أو فضيلة: كدعاء استفتاح الصلاة، ودعاء دخول الخلاء، والأدعية التي تقال عند النوم، أو دعاء دخول المسجد ونحو ذلك.
فهذا النوع لا يجوز فيه استحداث دعاء آخر غير ما ورد به الشرع، فكما أنه يشترط فيه إخلاصه لله عز وجل ليكون مقبولا، فكذلك يشترط فيه المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/511) .
وقال العلامة المعلمي رحمه الله:
"وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى.
"العبادة" (524) .
والذي ينبغي هو التزام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة من الأدعية التي يدعى بها في الأوقات والأحوال المختلفة.
ولهذا اعتنى أهل العلم بجمع الأدعية المأثورة لتكون بين أيدي الناس وفي متناولهم، فيستغنوا بها عن الأدعية المبتدعة التي لم تثبت.
قال الإمام الطبراني رحمه الله في مقدمة كتابه "الدعاء" (22) :
"هذا كتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوَرَّاقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11017) .
أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو الذي يدعو به الإنسان في الأحوال أو الأوقات التي لم يرد فيها دعاء معين في الشرع، مثل الدعاء في الثلث الأخير من الليل ونحوه.
فهذا ليس فيه دعاء معين مقيد من الشرع، بل هو متروك لنفس كل داع، يسأل الله تعالى حاجته، وفي هذا النوع لا حرج من الاستفادة من أدعية الصالحين، أو صيغ الدعاء الواردة في بعض الأحاديث الضعيفة، إذ قد يكون فيها من جوامع الكلم، وحسن الثناء على الله، وحسن المسألة ما يقربها إلى قلب المسلم، بشرط ألا يكون في هذه الصيغ نكارة، وألا يعتقد لها فضيلة معينة، وألا يلازم الدعاء بها، فلو دعا بها أحيانا فلا حرج في ذلك؛ لأنه بالتزامها يعطيها مرتبة السنة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/129)
حديث: (إن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر) حديث موضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان درجة الحديث الوارد في " الغرر في فضائل عمر رضي الله عنه " لجلال الدين السيوطي، الحديث الأربعون: عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمار! أتاني جبريل آنفاً فقلت: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء فقال: يا محمد! لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/158) ، وأبو يعلى في "المسند" (3/179) ، من طريق: الوليد بن الفضل العنزي قال: نا إسماعيل بن عبيد بن نافع العجلي، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه به.
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد إلا إسماعيل، تفرد به الوليد" انتهى.
والوليد بن الفضل العنزي، قال ابن حبان في "المجروحين" (3/82) في ترجمته: "شيخ، يروي عن عبد الله بن إدريس وأهل العراق المناكير التي لا يشك من تبحر في هذه الصناعة أنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال إذا انفرد" انتهى.
وفيه أيضا: إسماعيل بن عبيد العجلي البصري، ضعيف كما في "ميزان الاعتدال" (1/238) .
ولذلك حكم الأئمة على هذا الحديث بأنه موضوع مكذوب.
قال أبو حاتم:
"هذا حديث باطل موضوع، اضرب عليه" انتهى.
"العلل" (2/385) .
وقال الإمام أحمد:
"لا أعرف إسماعيل بن نافع، هذا حديث موضوع" انتهى.
"المنتخب من العلل" للخلال (108) .
وحكم عليه بالوضع ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/321) ، وابن القيم في "المنار المنيف" (ص/115) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/238) .
وفضائل أبي بكر وعمر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحيحة كثيرة ومشهورة لا تخفى، ولا تحتاج إلى هذا الحديث الموضوع لإثباتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/130)
حديث: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه ألف صلاة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى عليه صلاةً صلى الله عليه ألف صلاة , ومن صلى عليه عشراً كانت له نوراً يوم القيامة، ومن صلى عليه ألف صلاةً كاملة كانت له شفيعاً يوم القيامة، ومن صلىّ عليه في كل يوم ألف صلاة لم يعذب في قبره ولو كانت ذنوبه كزبد البحر) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد هذا الحديث في شيء كتب السنة التي بين أيدينا، ولم نقف على نقله عند أحد من أهل العلم، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والظاهر: أنها مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك: أنه مخالف لما ثبت في الصحيح، فمما ثبت في السنة الصحيحة أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر مرات، وليس ألف مرة.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) رواه مسلم (384) .
والمشروع للمؤمن أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بقدر استطاعته، لما يترتب على ذلك من عظيم الثواب في الدنيا والآخرة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وراحتها , وفي السكون إلى الله سبحانه وتعالى والأنس به سبحانه , وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة , لكن ليس للاستغفار حد محدود , ولا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حد محدود , بل المشروع أن تكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يتعين عدد معين , وتستغفر كثيرا مائة أو أكثر أو أقل , أما التحديد بمائة فليس له أصل، ولكنك تكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا , في الليل والنهار , وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) ، فأكثر من ذلك وأبشر بالخير، وليس هناك حد محدود، تصلي على النبي ما تيسر: عشرا أو أكثر أو أقل، على حسب التيسير، من غير تحديد" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/209) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/131)
أحاديث مكذوبة في فضائل المعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو: (خير الناس، وخير من يمشي على وجه الأرض، المعلمون لكتاب الله، فإنهم كلما خلق الدين جددوه، أعطوهم ولا تشاحوهم، فإن المعلم إذا قال للصبي قل: " بسم الله الرحمن الرحيم " فقالها كتب الله براءة للصبي، وبراءة للمعلم، وبراءة لأبويه من النار) ومنه: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) وكذلك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وبارك لهم في كسبهم ومعاشهم) وقال: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وأظلهم تحت ظلك، فإنهم يعلمون كتابك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعلم الخير والقرآن في ديننا مكانة عظيمة، ومنزلة عالية لا تكاد تعدلها منزلة أخرى، إذ التعليم وظيفة الأنبياء وعمل الرسل الكرام، وأي فضيلة أعظم من حمل ميراث الأنبياء وتقسيمه بين الناس.
ويكفي لبيان فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027) .
وأما الأحاديث الواردة في السؤال: فهي غير صحيحة، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الحديث الأول فيروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المعلمون خير الناس، كلما خلق الذكر جدوده، عظموهم، ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإن المعلم إذا قال للصبي قل: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وقال الصبي: (بسم الله الرحمن الرحيم) كتب الله براءة للصبي، وبراءة لوالديه، وبراءة للمعلم من النار)
رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه غير واحد -، ومن طريقه ابن الجوزي في " التحقيق في أحاديث الخلاف " (2/219) ثم قال:
"هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأنه من عمل أحمد بن عبد الله الهروي، وهو الجويباري، وكان كذابا يضع الحديث" انتهى.
وكذا حكم عليه بالوضع كل من المزي، وابن عبد الهادي، والذهبي كما في "تنقيح تحقيق التعليق" (3/67) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) .
وأما حديث: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر....إلخ) فقد رواه الطبراني وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2578) . وظاهرٌ أن الحديث ليس في فضل معلم القرآن.
وأما حديث: (اللهم اغفر للمعلمين - ثلاثا -، وأطل أعمارهم، وبارك لهم في كسبهم)
فرواه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/500) ، ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (3/63) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221) في "باب ثواب المعلمين" عن ابن عباس رضي الله عنهما، من طريق أصرم بن حوشب عن نهشل بن سعيد، وكلاهما كذاب أو متهم بالكذب، انظر "تهذيب التهذيب" (10/479) ، "ميزان الاعتدال" (1/272) .
ولذلك تواردت كتب الموضوعات على ذكر هذا الحديث والحكم عليه بالوضع، منهم الخطيب البغدادي، وابن الجوزي، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/253) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (287) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) ، وملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (107) ، وغيرهم.
وأما حديث: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وأظلهم تحت ظلك، فإنهم يعلمون كتابك) .
فهذا يرويه الخطيب البغدادي أيضا في "تاريخ بغداد" (12/399) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221) من طريق محمد بن الفرخان: قال الخطيب البغدادي: غير ثقة. وقال الذهبي رحمه الله: "ومحمد بن الفرخان افتراه، وألصقه بابن عرفة بسند الصحيحين، وزاد فيه: (وأظلهم تحت عرشك) " انتهى. "تلخيص الموضوعات" (ص/57) .
وإتماما للفائدة فقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله مجموعة من الأحاديث الموضوعة في فضل المعلم، فقال:
"ومنها حديث: (اللهم اغفر للمعلمين لا يذهب القرآن وأعز العلماء لا يذهب الدين) وهو موضوع
ومنها حديث: (من علم عبدًا آية من الكتاب فهو له عبد) قال الحافظ ابن تيمية: هو موضوع , وقد رواه الطبراني.
ومنها حديث: (الأنبياء قادة , والفقهاء سادة , ومجالستهم زيادة) قال الصغاني: موضوع , ونقول: إنه زاد في مدح الفقهاء على مدح الأنبياء , وظاهره أن الواضع يريد المشتغلين بعلم الأحكام الظاهرة , ولم يكن يسمى هذا فقهًا في العصر الأول كما أنه لم يكن يومئذ في المسلمين صنف يلقبون بالفقهاء.
ومنها حديث: (سأل النبي صلى الله عليه وسلم سائل عن علم الباطن: ما هو؟ فقال: سألت جبريل عنه , فقال: يقول الله: هو بيني وبين أحبائي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم , لا يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل) . ذكره في الذيل عن حذيفة مرفوعا. قال الحافظ ابن حجر: هو موضوع. ونقول: إن فيه من الضلالة أن الله يهب لهؤلاء الأولياء المعارف التي لا يهبها للأنبياء والملائكة على الإطلاق , والظاهر أن واضعه من مشايخ الطريق الدجالين.
ومنها حديث: (من خرج في طلب العلم؛ حفته الملائكة بأجنحتها، وصلت عليه الطير في السماء والحيتان في البحار , ونزل في السماء منازل سبعين من الشهداء) . قالوا: في إسناده كذاب.
ومنها حديث: (من تعلم بابًا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله؛ أعطاه الله أجر سبعين نبيًّا) . قالوا: في إسناده متروك. ونقول: قاتل الله أمثال هذا الواضع، فإنهم لم يزاحموا إلا الأنبياء عليهم السلام.
ومنها حديث: (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) إلخ ما هو مذكور في الإحياء وغيره , قال الحافظ الذهبي في الميزان: إنه موضوع.
ومنها حديث: (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة , وطلب العلم يومًا خير من عبادة ثلاثة أشهر) . في إسناده كذاب , وكأنه أراد أن يعتذر عن عدم عبادته.
ومنها حديث: (إذا جلس المتعلم بين يدي المعلم؛ فتح الله عليه سبعين بابًا من الرحمة) إلخ , وهو موضوع.
ومنها حديث: (من زار العلماء فقد زارني، ومن صافح العلماء فقد صافحني، ومن جالس العلماء فكأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلس إليّ يوم القيامة) في إسناده كذاب.
ومنها حديث: (الشيخ في قومه كالنبي في أمته) . جزم ابن حجر وغيره بأنه موضوع. ومنها الحديث المشهور الذي يعلقه كثير من العلماء فوق رؤوسهم بالخط العريض تنبيهًا للناس على علو مقامهم وهو: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) . قال ابن بحر الزركشي: لا أصل له " انتهى.
" مجلة المنار " (3/657) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/132)
حديث: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح وهو: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث يروى عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم:
الحديث الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: (ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) .
وقد جاء عنه من طريقين:
الطريق الأول: رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/26) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (6/105) ، والترمذي في "الجامع" (1986) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (10/129) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/320) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/451) جميعهم من طريق:
أبي اليقظان، عن زاذان، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً.
وهذا السند ضعيف، بسبب أبي اليقظان واسمه عثمان بن قيس، قال فيه يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك.
انظر: "تهذيب التهذيب" (7/146) .
الطريق الثاني: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/433) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/318) وغيره من طريق:
الحارث بن مسلم، ثنا بحر بن كثير، عن الحجاج بن فرافصة، عن الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر.
وهذا السند ضعيف جدا أيضا بسبب بحر بن كثير السقا، قال فيه الذهبي في "الضعفاء" (1/192) : "كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه؛ حتى استحق الترك" انتهى.
الحديث الثاني: عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، ولفظ حديثهما:
(ثلاثة على كثيب من مسك أسود يوم القيامة، لا يهولهم الفزع، ولا ينالهم الحساب: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم به راضون. ورجل أذن في مسجد دعا إلى الله ابتغاء وجه الله. ورجل ابتلي بالرق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن طلب الآخرة) .
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/382) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (3/355) من طريق: الفضل بن ميمون السلمي، عن منصور بن زاذان، عن زاذان أبي عمر الكندي، قال: سمعت أبا سعيد وأبا هريرة رضي الله عنهما.
وهذا السند ضعيف جدا أيضا، فيه الفضل بن ميمون، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/451) : "الفضل بن ميمون، أبو سلمة، شيخ لعارم، قال أبو حاتم: منكر الحديث، سمع معاوية بن قرة وجماعة. قال بن المديني: لم يزل عندنا ضعيفا. انتهى، وضعفه الدارقطني في العلل، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهما" انتهى.
فالحاصل: أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نص جماعة من الأئمة والعلماء على تضعيفه، كالإمام البخاري رحمه الله في "التاريخ" (6/105) . والدارقطني في "العلل" (13/159) . وابن عساكر في "معجم الشيوخ" (2/147) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/319) . والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6812) ، وضعفه محققو مسند الإمام أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (8/418) .
ثانياً:
أما مضمون الحديث، فقد جاء بذكر فضائل ثلاثة من الأعمال الجليلة، وهذه الأعمال لا تتوقف فضيلتها على هذا الحديث الضعيف، بل أجرها مستقر بأدلة وشواهد أخرى:
1- أما الإمامة في الصلاة: فيقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " هذه الوظيفة الدينية المهمة التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتولاها خلفاؤه الراشدون ... ولهذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي؛ لما يعلمون في ذلك من الفضيلة والأجر. لكن مع الأسف الشديد؛ نرى في وقتنا هذا كثيرًا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة، ويزهدون فيها، ويتخلون عن القيام بها؛ إيثارًا للكسل وقلة رغبة في الخير، وما هذا إلا تخذيل من الشيطان، فالذي ينبغي لهم القيام بها بجد ونشاط واحتساب للأجر عند الله؛ فإن طلبة العلم أولى بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة " انتهى باختصار. " الملخص الفقهي " (1/215-216) .
2- وأما الأذان، فقد سبق بيان فضائله في جواب السؤال: (70472) .
3- وأما إحسان العبد إلى مولاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ) رواه مسلم (1666) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/133)
هل يجوز الذكر بما ورد في أحاديث ضعيفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي في حكم قول بعض أذكار الصباح والمساء التي حكم بعض العلماء ومنهم الشيخ الألباني بضعفها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة مشهورة بين أهل العلم باسم: " حكم العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال "، وقد اختلفت فيها أقوال المحدثين والفقهاء قديماً وحديثاً.
والذي نراه أقرب للصواب إن شاء الله هو أن الحديث الضعيف لا يعمل به في فضائل الأعمال ولا في غيرها، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم: (44877) ، (49675) ، (98780) ، (85609) .
وقد اختار هذا القول جماعة من أهل العلم، منهم الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حيث قال:
"الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب:
فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه مَن قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها" انتهى.
قال ابن رجب رحمه الله:
"ظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تُروى أحاديث الترغيب إلا عمن تروى عنه الأحكام" انتهى.
"شرح علل الترمذي" (1/373) .
وهذا ظاهر قول ابن حبان رحمه الله في مقدمة كتابه "المجروحين"، واختاره أكثر علمائنا المعاصرين.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
"الأحاديث الضعيفة لا يُستدل بها، ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يُبيَّن فيه أنها ضعيفة، ومَن حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ، فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف.
لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: ألا يكون ضعفه شديداً.
والشرط الثاني: أن يكون له أصل.
والشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبداً إلا إذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه، وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضاً.
مثال الذي له أصل: أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلاً وهو ضعيف، فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة؛ لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر؛ لأنه إن كان صحيحاً فقد نال الثواب المرتب عليه، وإن لم يكن صحيحاً فقد استعان به على طاعة الله.
لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث: أن لا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب.
على أن بعض أهل العلم قال: إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقاً إلا مقروناً ببيان ضعفه.
وهذا القول لا شك أنه أحوط، وأسلم للذمة، ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (مصطلح الحديث) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
"ومن المؤسف أن نرى كثيراً من العلماء - فضلاً عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثاً صحيحاً، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد" انتهى.
"تمام المنة" (ص/36) .
وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف من الحفاظ والمحدثين المتقدمين لم يقصدوا إثبات استحباب الإتيان بأذكار معينة بأعداد مخصوصة وأوقات مخصوصة إذا وردت في أحاديث ضعيفة، وإنما أرادوا أنه إذا ورد حديث ضعيف يبين مقدار ثواب ذكر معين مثلاً، وكان قد ورد فضل هذا الذكر نفسه في حديث صحيح، أنه يجوز العمل بهذا الذكر مع احتساب الفضل الوارد في الحديث الضعيف، رجاء تحقيقه وتحصيله، أما أن نقول باستحباب عمل – كصلاة التسابيح مثلاً – بدعوى أنها من فضائل الأعمال، والأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال: فهذا لم يقل به المحدثون والحفاظ المتقدمون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، ولكن إذا عُلم تحريمه، وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب؛ جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهَّب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/250) .
ويقول أيضا رحمه الله:
"إذا ثبت أن العمل مستحب بدليل شرعي، وروي له فضائل بأسانيد ضعيفة: جاز أن تروى إذا لم يعلم أنها كذب.
وذلك أن مقادير الثواب غير معلومة، فإذا روي في مقدار الثواب حديث لا يعرف أنه كذب؛ لم يجز أن يُكذِّب به، وهذا هو الذي كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره يرخصون فيه وفي روايات أحاديث الفضائل، وأما أن يثبتوا أن هذا عمل مستحب مشروع بحديث ضعيف، فحاشا لله" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (10/408) .
وقال أيضا:
"إذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً؛ مثل صلاة في وقت معين، بقراءة معينة، أو على صفة معينة؛ لم يجز ذلك – أي العمل بها – لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روي فيه: (مَن دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا) فإن ذكر الله في السوق مستحب، لما فيه من ذكر الله بين الغافلين، فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي: (من بَلَغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/67) .
وعلى هذا، فأذكار الصباح والمساء أو غيرها من الأذكار المقيدة بوقت أو سبب لا يعمل بها إذا رويت بأحاديث ضعيفة، وفيما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفاية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/134)
قول الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) إنما هو مثل وليس بحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صحة الحديث أو القول الذي يتواتر على ألسنة الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مثل مشهور تتناقله ألسنة الناس، يقصدون منه بيان عظيم قدرة الله تعالى، وأن الله تعالى قد يُري للناس كمال قدرته في مخلوق ضعيف من مخلوقاته، فيجعل هذا المخلوق آية واضحة وعلامة ظاهرة على كمال قدرة الله تعالى.
وليس المقصود أن نفس قدرة الله تعالى تكون في هذا المخلوق، فإن هذا لا يمكن، أن يتصف مخلوق بصفات الله تعالى.
ومن أمثلة ذلك: المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن الذباب، ليبين سبحانه عجز الآلهة المزعومة، وفقرها أن تنصر نفسها من انتقاص الذباب منها، وهو خلق حقير صغير بالنسبة لمخلوقات الله، ولكن عظيم قدرة الله تبدو في كل شيء.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الحج/73.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) أي: لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) أي: أنصتوا وتفهموا، (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.
وأخرج صاحبا الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة)
ثم قال تعالى أيضا: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئًا من الذي عليها من الطيب، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك.
هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال: (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
قال ابن عباس: الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. واختاره ابن جرير، وهو ظاهر السياق. وقال السدي وغيره: الطالب: العابد، والمطلوب: الصنم " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (5/453-454) .
وقد أظهر الله بعض آياته العظيمة على يد أضعف خلقه، وذلك حين أهلك أبرهة الحبشي لما أراد هدم الكعبة بجيشه الجرار، ولكن الله سبحانه وتعالى أهلك هذا الجيش بواسطة الطير الأبابيل، تحمل في أرجلها حجارة من سجيل، فكانت آية عظيمة إلى يوم القيامة.
وقد قال قتادة في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ) محمد/4، قال: "إي والله بجنوده الكثيرة، كلُّ خَلْقِه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا" انتهى.
"جامع البيان" (22/158) .
ومنه ما يذكره المفسرون في سبب هلاك نمرود الذي ألقى إبراهيم عليه السلام في النار، فقد ذكروا أن الله تعالى أهلكه وجنده بالبعوض.
وقد عقد الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "العظمة" (4/1509) بابا قال فيه: "ذكر نمرود، وعظم سلطانه، وعتوه، وتمرده، وتسليط الله تعالى أضعف خلقه عليه، احتقارا له، وتهاونا بشأنه" انتهى.
وما الأمراض الخطيرة التي يبتلي الله بها العباد إلا مثالا ظاهرا على قهر الإنسان بخلق ضعيف صغير من خلق الله، وهي الجراثيم، فيقف الإنسان عاجزاً عن مدافعتها أو مقاومتها!!
وفي جميع ذلك عظة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/135)
تعريف الحديث المرسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث المرسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسمى الحديث بـ " الحديث المرسل ": إذا كان الذي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعيا وليس صحابيا، وتمييز الصحابي من التابعي يمكن من خلال كتب الرجال والتراجم.
قال الإمام أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:
" مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو: الذي يرويه المحدِّثُ بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"معرفة علوم الحديث" (67) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" هذا الاسم أوقعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار، أو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أو عبد الله بن عامر بن ربيعة، ومن كان مثلهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك من دون هؤلاء، مثل: سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، ومن كان مثلهم.
وكذلك علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وسعيد بن جبير، ومن كان مثلهم من سائر التابعين الذين صح لهم لقاء جماعة من الصحابة ومجالستهم. فهذا هو المرسل عند أهل العلم.
ومثله أيضا مما يجرى مجراه عند بعض أهل العلم مرسل من دون هؤلاء، مثل: حديث ابن شهاب، وقتادة، وأبي حازم، ويحيى بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، يسمونه مرسلا، كمرسل كبار التابعين " انتهى.
" التمهيد " (1/19-20) .
ومن الضروري التنبيه على أن المحدثين – وخاصة المتقدمين منهم – يطلقون على كل انقطاع في السند إرسالا:
يقول الخطيب البغدادي رحمه الله:
" المرسل: ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال: ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" الكفاية " (ص/21)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/136)
حديث قدسي مكذوب يصف حال الجنين في رحم أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلني هذا الحديث على الإيميل، وأريد التأكد من صحته وشكرا: حديث قدسي تقشعر له الأبدان، تتجلى عظمة الخالق.. في الحديث القدسي الشريف قال سبحانه وتعالى: قال سبحانه وتعالى: (يا ابن آدم! جعلتك في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك، فهل يقدر على ذلك غيري، فلما أن تمَّت مُدَّتك، وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه، لا لك سن تقطع، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى، فأبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبنا خالصا، حارا في الشتاء، وباردا في الصيف، وألقيت محبتك في قلبي أبويك فلا يشبعان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى ترقد، فلما قوي ظهرك، واشتد أزرك، بارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا إن دعوتني أجبتك، وإن سألتني أعطيتك، وإن تبت إلي قبلتك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا حديث مكذوب موضوع، لا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينقله أهل العلم في كتبهم، ولا عرفوه في علمهم، وإنما جاء بسند ضعيف عن محمد بن كعب القرظي قال:
" قرأت في التوراة - أو قال في صحف إبراهيم الخليل - فوجدت فيها:
يقول الله: يا ابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك ولم تك شيئا، وجعلتك بشرا سويا، خلقتك من سلالة من طين، فجعلتك نطفة في قرار مكين، ثم خلقت النطفة علقة، فخلقت العلقة مضغة، فخلقت المضغة عظاما، فكسوت العظام لحما، ثم أنشأتك خلقا آخر ... ".
ثم ذكره، بنحو مما ورد في السؤال.
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (10/399) بسند فيه راوٍ اسمه: موسى بن عبيدة الربذي، وقد اتفقت كلمة أئمة الحديث على تضعيف هذا الراوي.
انظر " تهذيب التهذيب " (10/359)
وبهذا يتبين أن هذه التفاصيل الواردة في الأثر غير ثابتة، وكثير منها منكرة غير صحيحة،
منها قوله:
(وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام) : ومعلوم أن مكان الجنين مفصول تماما عن مكان الطعام، فلا تصله رائحته أصلا.
ومنها قوله: (وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال) وليس الكبد ولا الطحال متكأ للجنين.
ومنها قوله: (وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه) وخروج الجنين من بطن أمه على ريشة من جناح الملك لم يرد في الأحاديث الصحيحة، والمعلوم المشاهد أنه ينزل من بطن أمه بالولادة.
وانظر جواب السؤال رقم: (128797)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/137)
تعريف الحديث الغريب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحديث الغريب..أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الغريب هو الذي وقع فيه وجه من وجوه التفرد.
ووجوه التفرد كثيرة، أهمها وجهان:
1- تفرد مطلق: وهو أن ينفرد راو معين – في أي طبقة من طبقات السند – برواية هذا الحديث، ولا يشاركه فيها أحد، فيكون الحديث الغريب حينئذ هو: الحديث الذي لا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإسناد واحد.
مثاله: حديث: (إنما الأعمال بالنيات) هذا الحديث ليس له إلا إسناد واحد مستقيم، يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب.
2- تفرد نسبي: هو أن يتفرد أحد الرواة برواية حديث معين عن شيخه، ولا يشاركه في الرواية عن شيخه أحد، رغم أن الحديث مروي من طرق عدة، وأن هذا الشيخ قد تابعه كثيرون، غير أن تلاميذ هذا الشيخ لم يرو أحد منهم الحديث عنه إلا راو واحد.
ومن مثاله: ما رواه عيسى بن موسى غُنْجارٌ، عن أبي حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسموا العنب الكرْم)
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا أبو حمزة السكري.
فانظر كيف تفرد أبو حمزة السكري برواية هذا الحديث عن الأعمش، فكان تفرده بالنسبة لشيخه الأعمش، وليس تفردا مطلقا، فقد روي الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/138)
حديث لا أصل له في أن الأكل والشرب عورتان
[السُّؤَالُ]
ـ[" الأكل والشرب عورتان، فاستروهما "، هل هو حديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد البحث عن هذا الحديث في كتب السنة لم نجد له أصلاً، وهذا الحديث لم يذكره حتى العلماء الذين ألفوا في جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فلعله من الأحاديث المكذوبة التي وضعت في الأزمنة المتأخرة.
والمعنى الذي تضمنه الحديث لا أصل له في السنة النبوية، فليس الأكل والشرب من العورات التي يلزم سترها.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع أصحابه، فكيف يكون الأكل والشرب عورة؟!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/139)
حديث في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: (إنّ الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه، وقال: يا محمّد صلّى عليك فلان بن فلان، وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالى أن أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا الحديث مروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله وكل بقبري ملَكا أعطاه أسماع الخلائق، فلا يصلي عليَّ أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك) .
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/416) ، والبزار في "المسند" (2/266) ، والحارث بن أبي أسامة في "المسند" – كما في "بغية الباحث" (2/962) –، وعزاه غير واحد للطبراني في "المعجم الكبير"، ورواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/248) جميعهم من طرق عن نعيم بن ضمضم العامري، عن عمران بن حميري الجعفري، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه به مرفوعا.
زاد ابن النجار: (وقد ضمن لي ربي تبارك وتعالى أن أرد عليه بكل صلاة عشرا) .
قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يُروَى عن عمار إلا بهذا الإسناد.
وهذا الحديث ضعيف جدا بسبب نعيم بن ضمضم، وابن الحميري.
قال ابن عبد الهادي رحمه الله:
"هذا حديث ليس بثابت، وعمران بن حميري: مجهول، وقد ذكر البخاري أنه لا يتابع على حديثه. هذا، ونعيم بن ضمضم - ويقال ابن جهضم -: لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول خبره" انتهى.
"الصارم المنكي" (1/205) .
وقال الهيثمي رحمه الله:
"فيه ابن الحميرى، واسمه عمران، قال البخاري: لا يتابع على حديثه. وقال صاحب الميزان: لا يعرف. ونعيم بن ضمضم ضعَّفه بعضهم. وبقية رجاله رجال الصحيح" انتهى.
"مجمع الزوائد" (10/162) .
وضعفه السخاوي في "القول البديع" (ص/165) ، وكذلك السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/362) .
وقد صحت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه سلام من يسلم عليه من أمته، وأنه يرد ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِن أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيهِ السَّلَامَ) رواه أبو داود (2041) ، صححه النووي في "الأذكار" (ص/154) ، وابن حجر في "فتح الباري" (6/563) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود".
وعن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل بي ملكا عند قبري، فإذا صل علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1530) .
رواه الديلمي (1/1/31) .
ولكن.. لم نجد شاهدا لقوله: (وقد ضمن لي ربي.... إلخ) .
وقد ورد فيمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، بأن الله تعالى هو الذي يصلي عليه عشراً.
فقد روى مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وواب(4/140)
حديث: (من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني – كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من معجم الطبراني، لأن أحاديث أبي الدرداء، لم تطبع بعد في "المعجم الكبير" للطبراني.
وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/63) إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي، حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي، حدثنا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال: سمعت خالد بن معدان، يحدث عن أبي الدرداء به.
وفي هذا الإسناد عدة علل، منها:
1- خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء. انظر: " جامع التحصيل " (ص/171) .
2- إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: لم ينقل عن أحد فيه توثيق ولا تجريح. ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/323) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/127) .
3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع، غير أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في "السلسلة الضعيفة" (5788) أنه صرح بالتحديث في رواية أخرى، وأن السند إليه صحيح.
وقد ضعف هذا الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/441) ، والسخاوي في "القول البديع" (179) ، والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270) .
وكان الشيخ الألباني رحمه الله قد حَسَّن هذا الحديث في "صحيح الجامع" (5357) ثم تراجع وضعفه في "السلسلة الضعيفة" (5788) .
وقد جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة كثيرة تغني عن مثل هذا الحديث الضعيف، كما أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالعديد من الأعمال الصالحة المعينة في السنة الصحيحة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/141)
حديث: (صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: (أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إنما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما بسند ضعيف جدا، ولفظه: (أكثروا الصلاة علي، فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة الوسيلة، فإن وسيلتي عند ربي شفاعة لكم) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"ضعيف جدا، رواه ابن عساكر (17/246/1) ، عن ناشب بن عمرو الشيباني: نا مقاتل بن حيان عن أبي صالح عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، ناشب بن عمرو الشيباني، قال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (رقم/2252) .
وما جاء في هذا الحديث من أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لمغفرة ذنوبه، قد ثبت في حديث آخر.
روى أحمد (20736) والترمذي (2457) - واللفظ له - عن أبي بن كعب رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) وحسنه الألباني في "سنن الترمذي".
قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام":
"سئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه؟ فقال إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك ... إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي: أجعل دعائي كله صلاة عليك؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك. لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه. هذا معنى كلامه رضي الله عنه" انتهى.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ. حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/142)
موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما واجبنا تجاه مصيبة انتشار الأحاديث الموضوعة؟ ما هو دورنا نحن عامة الناس أمام انتشار الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونريد منكم كلمة لأولئك الذين ينشرون الأحاديث دون التأكد من صحتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم الصادق هو الذي يحرص على نقاء الدين وصفاء الشريعة من كل دخيل وغريب، فقد أكمل الله علينا النعمة، وأتم لنا المنة بهذه الشريعة السمحة، وأخذ الميثاق على أهل العلم أن يبلغوه للناس ولا يكتموه، وذم كثيرا من الذين أوتوا الكتاب من الأمم السابقة حين ابتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم ترد به، وفي جميع ذلك دعوة إلى الحرص الشديد على ذب الكذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاربة كل من يتطاول عليها بالأحاديث والأحكام المفتراة.
ولعل الأهم في هذا الشأن هو اقتراح بعض الخطوات العملية التي تساهم في حصر انتشار الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضييق دائرته، ومن ذلك:
1- تعريف الناس بخطورة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق فاعلها أن يذوق العذاب الأليم في دركات جهنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (110) ومسلم (3) .
2- نشر الكتب التي تعتني ببيان الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، مثل كتاب " الموضوعات " لابن الجوزي، وكتاب " الموضوعات " للشوكاني، و "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" للألباني ... وغيرها.
3- العناية بمواقع الإنترنت المتخصصة في هذا الشأن، ومن أهمها موقع "الدرر السنية".
4- بيان عظيم جناية الأحاديث المنكرة والموضوعة على فكر الأمة وثقافتها وتراثها، وكيف كانت سببا في انحراف الكثيرين عن الجادة، كما كانت سببا مباشرا لانتشار الخرافة والشطح والغلو، مع أخذ العظة والعبرة من الأمم التي حرف دينها ومسخت شريعتها بسبب عدم صيانة علمائها لها عن الدخيل والموضوع، ومثال ذلك في الأديان: النصرانية، وفي الفرق: الرافضة.
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
" فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانوا يُمنَعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد - بل هو غَضٌّ لم يشب -، فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا، مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط؟!
فبالحري أن نزجر القوم عنه، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون – والله - الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد.
نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه وغَرَّ المؤمنين: فهذا ظالمٌ لنفسِهِ، جانٍ على السُّنَنِ والآثار، يُستَتاب من ذلك، فإن أناب وأقْصَر وإلا فهو فاسقٌ، كفى به إثماً أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع. وإن هو لم يعلم: فليتورّع، وليستعِن بمن يُعينُهُ على تنقية مروياته.
نسأل الله العافية.
فلقد عَمَّ البلاء، وشمَلت الغفلة، ودخل الدّاخل على المحدّثين الذين يَرْكَنُ إليهِم المسلمون. فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (2/601) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يوجد الآن أحياناً منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصاً لا أصل لها، ثم تنشر بين العامة، وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك، حيث يُضل عن سبيل الله، يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة، أحياناً يكون الحديث موضوعاً ليس ضعيفاً فقط، ثم تجد بعض الجهال ييدون الخير، فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف، وهو لا يدري أن الأمر خطير، وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام؛ لأنه من الترويع بلا حق، أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو موضوع، هذا أيضاً محرم؛ لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت، فيحتسبونه على الله عز وجل، وهو ليس كذلك، فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذباً ليضلوا الناس بغير علم، وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين، وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (مصطلح الحديث) .
وقال الشيخ سليمان العلوان حفظه الله:
" إن مما يحزن ويؤسف ما عمَّ وانتشر عند كثير من العلماء وطلبة العلم والخطباء وغيرهم من التساهل في رواية الحديث، وعدم التثبت في صحته، وكثيرا ما نسمع من كثير من الخطباء والوعاظ – فضلا عن غيرهم – من الأحاديث الموضوعة والضعيفة جدا، ومع ذلك يجزمون بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: لقوله صلى الله عليه وسلم...... وما أشبه ذلك، وهذه شهادة على الرسول بلا علم، وجزم بلا برهان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فعمَّت الأحاديث الموضوعة والضعيفة بين العوام لكثرة سماعهم لها من الخطباء والوعاظ، والله جلّ وعلا أمر بالتثبت في الأخبار الجارية بين الناس؛ فكيف بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قوله تشريع وفعله تشريع؟!
والبعض الآخر يذكر الحديث وينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم مَن خَرَّجه ولا صحته، فإذا أردت أن تستفهم منه أو تسأله: من رواه؟ وما صحته؟ أجابك مبادراً رافعاً رأسه: لا يضر جهالة صحته، هذا من فضائل الأعمال. عجبا! (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) يونس/59. ولو فرضنا أنها من فضائل الأعمال؛ فالأحاديث الموضوعة لا يجوز ذكرها إلا مع بيان أنها موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبسبب هذا التساهل توصل أهل البدع إلى بث بدعهم ونشرها بين الناس؛ بحجة أنها أحاديث فضائل لا بأس بالعمل بها، متناسين أنهم بذلك يشرعون للناس بها؛ لأنهم سيعملون بها ويبلغونها غيرهم" انتهى.
" الإعلام بوجوب التثبت برواية الحديث " (ص/4) .
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (6981) ، (98780) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/143)
حديث: (النظر إلى علي عبادة) حديث كذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النظر إلى علي عبادة) رواه الطبراني والحاكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطرقه كلها ضعيفة شديدة الضعف، وقد حكم عليه جماعة من العلماء بأنه كذب موضوع، لا سيما وفي الحديث فضيلة لم يعلم في السنة نسبتها لأحد، ولا حتى للنبي صلى الله عليه وسلم!
وأيضاً: الحديث يتعلق بفضيلة من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد كان هذا الموضوع مرتعاً خصباً للكذبة والوضاعين، فوضعوا أحاديث نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لترويج باطلهم، ونشر مذهبهم، ولكن علماء الحديث وحفاظه كانوا لهم بالمرصاد، وكشفوا كذبهم.
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله هذا الحديث في كتابه "الموضوعات" وقال:
"لا يصح من جميع طرقه" انتهى.
"الموضوعات" (2/126) .
وحكم عليه الإمام الذهبي بالوضع والبطلان في أكثر من موضع في كتبه، منها في "ميزان الاعتدال" (3/236) .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص/359) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" موضوع.... – ثم توسع في تخريج الحديث ثم قال: - وجملة القول أن الحديث - مع هذه الطرق الكثيرة - لم تطمئن النفس لصحته؛ لأن أكثرها من رواية الكذابين والوضاعين، وسائرها من رواية المتروكين والمجهولين الذين لا يبعد أن يكونوا ممن يسرقون الحديث، ويركبون له الأسانيد الصحيحة. ولذلك فما أبعد ابن الجوزي عن الصواب حين حكم عليه بالوضع " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (4702) .
وأخيرا ... فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصحيحة كثيرة، لا ينقصها هذه الفضيلة الضعيفة التي لم يروها أصحاب المشهورة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/144)
حديث مكذوب في الدعاء على من زنى في الغربة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مَن زنى خارج البلاد التي يقيم فيها؟ وما صحة الحديث الذي يقول: قال صلى الله عليه وسلم: (مَن زنى في غربته لا رجع سالماً ولا غانماً) هل هو صحيح أم موضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا الكلام بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله دعاء دعا به بعض الخطباء على من زنى في غربته فظنه الناس حديثاً.
هذا وقد ذكر بعض أهل العلم في كتب الموضوعات كلمة قريبة من هذا المعنى، وفيها:
(من عصى الله في غربته رده الله خائباً) .
قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله:
"لا أصل له فيما أعلمه" انتهى.
" الأسرار المرفوعة " (ص/354) ، "كشف الخفاء" (ص/189) .
والزنا من كبائر الذنوب وأقبحها في أي مكان كان، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/32.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/145)
لم يثبت استحباب قراءة غير سورة الكهف يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك أدلة صحيحة على قراءة سورة الكهف، ويس، والدخان، والرحمن، والواقعة، والملك في يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأدلة الصحيحة وردت في استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها، وقد سبق تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (10700) .
أما قراءة سور: يس، والدخان، والرحمن، والواقعة، والملك: فلم نجد لها أدلة صحيحة، ولعل مصدرها بعض كتب الأذكار التي اخترعها بعض المؤلفين وقرروها على أتباعهم، فيجب الحذر منها.
ومع اشتهار فضل سورة (يس) بين الناس، إلا أننا لم نقف على حديث صحيح في فضلها، وانظر: جواب السؤال رقم: (75894) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/146)
هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية وقد قرأت في الإنترنت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (سبع لا ينظر إليهم الخالق يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويدخلهم النار: الفاعل، والمفعول به، والناكح بيده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة من دبرها، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نص الحديث المقصود في السؤال كالآتي:
(سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلون النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا ممن تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب أبويه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره) .
وقد روي هذا الحديث عن اثنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولا: عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
رواه أبو علي الحسن بن عرفة في جزء حديثي له (رقم/41) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2/144) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (7/329) ، والآجري في " ذم اللواط " (رقم/54) قال ابن عرفة: حدثني علي بن ثابت الجزري، عن مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذا إسناد ضعيف جدا.
قال الذهبي رحمه الله:
" مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد عن أنس، في سب الناكح يده: يُجهَل هو وشيخه. وقال الأزدي: ضعيف " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (4/108)
وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله:
" قال المؤلف: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حسان يعرف، ولا مسلمة " انتهى.
" العلل المتناهية " (2/144) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (5/463) .
وقد نص على تضعيفه أيضا: ابن الملقن في " البدر المنير " (7/662) ، وابن حجر في " التلخيص الحبير " (3/1216) ، والألباني في " إرواء الغليل " (8/58) .
ثانيا: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه:
رواه الآجري في " ذم اللواط " (رقم/53) ، وعنه ابن بشران في " الأمالي " (رقم/477) وغيره.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وشيخه الإفريقي، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، وقد أورد المنذري في " الترغيب " (3 / 195) قطعة من الحديث، وقال: رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما، وأشار لضعفه " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/319)
والحاصل: أنه لم يثبت حديث خاص في لعن من ابتلي بالعادة السرية، أو بيان جزائه عند الله، وإنما يقرر العلماء حرمة هذه القاذورة من وصف الله عز وجل لكل طريق لتفريغ الشهوة ـ غير الزواج وجماع الأمة ـ: أنه من الاعتداء، وذلك في قوله تعالى: (والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7.
ولا شك أن العادة السرية، ونكاح اليد، مما هو "وراء ذلك "؛ فهو من العدوان.
وقد استدل بهذه الآية على تحريم نكاح اليد الإام مالك والإمام الشافعي، رحمهما الله.
قال الشنقيطي رحمه الله:
" الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة، على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة " انتهى.
" أضواء البيان " (5/317) .
وأما باب التوبة فمفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، لا يحول دونه حائل، ولا يمنع منه مانع، والله يقبل التوبة من عباده جميعا، ويغفر الذنوب جميعا، وإذا كان المشرك التائب المعلن إسلامه يغفر الله له ما سلف، فكيف بالمؤمن الذي ضعف أمام الشهوة ثم آب وأناب إلى الله عز وجل.
يقول الله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/53-54.
على أن الحديث المذكور، على فرض أن يكون صحيحا ـ يشهد لصحة توبة ناكح يده، إذا تاب إلى الله تعالى.
وانظر جواب السؤال رقم: (329) في تحريم العادة السرية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/147)
معنى قول المحدثين: " للحديث شواهد وطرق كثيرة "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى: للحديث شواهد وطرق كثيرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا التعبير يستعمله علماء الحديث الشريف، يريدون به بيان أمر مهم في علوم الحديث، وهو وجود المتابعات والشواهد للحديث المعين، إذ من المعلوم أن أصحاب الكتب الستة والمسانيد إنما يوردون الأحاديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن الإمام البخاري مثلا يروي الحديث عن شيخه الذي أخذ عنه، وذلك الشيخ يروي الحديث عن شيخه..، وهكذا حتى تصل السلسلة إلى الصحابي الذي سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم.
مثال ذلك:
قال الإمام البخاري رحمه الله في "الجامع الصحيح"، حديث رقم: (552) :
حدثنا عبد الله بن يوسف، قال أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) .
وهذا الإسناد – كما ترى – مهم جدا في معرفة ثبوت الحديث من عدمه، فالعلماء يبحثون في سيرة رجال الإسناد، ودرجة ضبطهم وحفظهم للحديث، فإذا وجدوا أنهم من الثقات الحفاظ حكموا على الحديث بالصحة والقبول.
ثم إذا وجدوا أن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رواه إمام آخر عن الصحابي نفسه، ولكن بإسناد آخر، قالوا: هذا الإسناد متابع للإسناد الأول، أو قالوا: إن للحديث طرقاً عدة.
وهذا الحديث الذي مثلنا به، رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عمر (626) ، ولكن بإسناد مختلف عن إسناد الإمام البخاري، فقال رحمه الله:
حدثني هارون بن سعيد الأيلي، قال حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن أبيه – يعني ابن عمر –: إلى آخر الحديث.
فإسناد الحديث عند الإمام مسلم يسميه العلماء طريقا آخر، وذلك لأن الصحابي واحد في الحديثين، وهو ابن عمر رضي الله عنهما، وإنما رواه عنه تلميذ آخر من تلاميذه.
أما إذا روى واحد من الأئمة هذا الحديث عن صحابي آخر غير ابن عمر، فهذا يسميه المحدثون بـ " الشاهد "، فيقولون: للحديث شواهد أخرى.
وفي المثال السابق نجد أن الإمام النسائي روى الحديث في "السنن" (478) عن الصحابي الجليل نوفل بن معاوية رضي الله عنه.
فقال: أخبرنا سويد بن نصر، قال أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال أنبأنا جعفر بن ربيعة، أن عراك بن مالك حدثه، أن نوفل بن معاوية حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) .
فحديث نوفل بن معاوية هذا يسمى " شاهدا " لحديث ابن عمر السابق، والعكس أيضا، حديث ابن عمر يسمى " شاهدا " لحديث نوفل بن معاوية، رضي الله عن الجميع.
وبهذا نفهم معنى قول العلماء: " للحديث شواهد وطرق كثيرة ".
فالشاهد: أن يروي الحديث عن صحابي آخر.
والطريق: أن يروي عن الصحابي نفسه ولكن بسند مختلف عن السند الأول.
ثانياً:
يبقى السؤال: ماذا نستفيد من هذه الطرق والشواهد للأحاديث؟
فالجواب: يستفاد منها فوائد كثيرة، منها:
1- معرفة الأخطاء التي قد تقع من بعض الرواة، وقد قال علي بن المديني رحمه الله: "الباب إذا لم تُجمَع طُرُقُه لم يَتَبَيَّن خطؤه" انتهى. رواه الخطيب البغدادي في "الجامع" (2/212) .
2- زيادة الاطمئنان إلى صحة الحديث وثبوته، فالقلب يطمئن إلى صحة الخبر الذي جاء من طريقين أكثر من اطمئنانه للخبر الوارد من طريق واحد.
3- قد يأتي الحديث بسند ضعيف، ولكن تتعدد طرقه وشواهده، فيرتقي بهذا إلى درجة القبول، ويكون حديثاً مقبولاً، وهذا ما يسميه العلماء: تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، وهو باب عظيم من أبواب علوم الحديث له شروطه وضوابطه الدقيقة التي يجب الالتزام بها.
قال السخاوي رحمه الله:
"قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضها بعضاً، ويصير الحديث حسناً، ويحتج به، وسبقه البيهقي في تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة، وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد إليه، فإنه قال: هذا القسم لا يحتج به كله، بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه، أو عضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن، واستحسنه شيخنا - يعني ابن حجر - وأشار إلى أنَّ مذهب ابن دقيق العيد التوقف" انتهى.
"فتح المغيث" (1/69) .
نرجو أن نكون قد وفقنا لبيان ما سأل عنه السائل بعبارة واضحة سهلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/148)
حديث بعنوان "دروس في الحب" ليس في شيء من كتب السنة المعتمدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التأكد من صحة هذا الحديث بعنوان " دروس في الحب ": (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم، وسألهم مبتدأً بأبي بكر ماذا تحب من الدنيا؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أحب من الدنيا ثلاثا: الجلوس بين يديك، والنظر إليك، وإنفاق مالي عليك. وأنت يا عمر؟ قال: أحب ثلاثا: أمر بالمعروف ولو كان سرا، ونهي عن المنكر ولو كان جهرا، وقول الحق ولو كان مرا. وأنت يا عثمان؟ قال أحب ثلاثا: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأنت يا علي؟ قال: أحب ثلاثا: إكرام الضيف، والصوم بالصيف، وضرب العدو بالسيف. ثم سأل أبا ذر الغفاري: وأنت يا أبا ذر ماذا تحب في الدنيا؟ قال أبو ذر: أحب من الدنيا ثلاثا: الجوع، والمرض، والموت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولِمَ؟ فقال أبو ذر: أحب الجوع ليرق قلبي، وأحب المرض ليخف ذنبي، وأحب الموت لألقى ربي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة. وحينئذ تنزل جبريل عليه السلام وأقرأهم السلام وقال: وأنا أحب من دنياكم ثلاثا: تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وحب المساكين. ثم صعد إلى السماء وتنزل مرة أخرى وقال: الله عز وجل يقرؤكم السلام ويقول: إنه يحب من دنياكم ثلاثا: لسانا ذاكرا، وقلبا خاشعا، وجسدا على البلاء صابراً) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث غير موجود في كتب السنة والآثار، ولم نعثر له على أصل عند المحدثين، وقد وجدنا الشيخ إسماعيل العجلوني ذكره في كتاب " كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس " (ص/340) ، وعزاه إلى كتاب "المواهب"، وغالب الظن أنه كتاب " المواهب اللدنية في المنح المحمدية " للقسطلاني، وهو كتاب تكثر فيه الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها، ثم نقل عنه قوله: "وقال الطبري: خرجه الجندي، والعهدة عليه. انتهى"
ثم قال العجلوني رحمه الله:
"ونقل الشبراملسي في "حاشيته على المواهب" عن " الذريعة " لابن العماد أنه قال فيها: وعن الشيخ أبي محمد النيسابوري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ... إلى آخر الحديث" انتهى. ثم عزاه لكتاب " المجالس " للخفاجي.
وهذه الكتب كلها كما ترى ليست من أصول السنة ولا من الكتب التي هي دواوين الإسلام.
وخروج الحديث عن كتب السنة المشهورة المعتمدة مما يستدل به على ضعفه، إذ لو كان صحيحاً لما أعرض عنه هؤلاء الأئمة مع حاجة الناس إليه.
وقد ذكر كثير من علماء الحديث: أن من الطرق التي يعرف بها عدم صحة الحديث: كونه روي في بعض الكتب التي ليست من دواوين الإسلام المشهورة.
قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/99) : "فمتى رأيت الحديث خارجاً عن دواوين الإسلام كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود ونحوها فانظر فيه: فإن كان له نظير من الصحاح والحسان قرب أمره، وإن ارتبت فيه ورأيته يباين الأصول فتأمل رجال إسناده.. الخ" انتهى.
وقال الزيلعي: "يكفينا في تضعيف أحاديث الجهر بالبسملة إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ومسائل الدين عنه" انتهى.
"نصب الراية" (1/479) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث استشفاع آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام:
"هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ولا صحيح، بل ولا ضعيف يستأنس به ويعتضد به ...
ويكفيك أن هذا الحديث ليس في شيء من دواوين الحديث التي يعتمد عليها، لا في الصحاح كالبخاري ومسلم وصحيح ابن خزيمة وأبي حاتم بن حبان وابن منده والحاكم، ولا في المستخرجة على الصحيح لأبي عوانة وأبي نعيم ومستخرج البرقاني والإسماعيلي، ولا في السنن كسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ولا في الجوامع كجامع الترمذي وغيره، ولا في المسانيد كمسند أحمد ونحوه، ولا في المصنفات كموطأ مالك ومصنف عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ووكيع ومسلمة، ولا في كتب التفسير المروية بالأسانيد التي يميز فيها بين المقبول والمردود كتفسير عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وابن أبي شيبة وبقي بن مخلد ونحوهم، وتفسير ابن أبي حاتم وابن داود ومحمد بن جرير وأبي بكر بن المنذر وابن مردويه" انتهى.
"الرد على البكري" (1/57) .
وقال أيضاً:
"والحديث المذكور: (إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون) كذب مفترى، لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، ولا هو في شيء من دواوين الإسلام المعتمدة" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/446) .
وقال أيضا:
"ولكن بعض الناس ظن أن توسل الصحابة به صلى الله عليه وسلم كان بمعنى أنهم يقسمون به، ويسألون به.
وليس في الأحاديث المرفوعة في ذلك حديث في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها في الأحاديث، لا في الصحيحين، ولا كتب السنن، ولا المسانيد المعتمدة كمسند الإمام أحمد وغيره، وإنما يوجد في الكتب التي عرف أن فيها كثيرا من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي يختلقها الكذابون" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/248) .
وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: "إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته" انتهى.
"المقدمة" (صـ 16) .
وقال ابن جماعة: "مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة" انتهى من "تدريب الرواي" (1/143) .
فتبين بذلك: أن العلماء يستدلون بخروج الحديث عن دواوين الإسلام المشهورة يستدلون بذلك على ضعفه.
ومما يدل على عدم صحة هذا الحديث: ما نسب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) ، فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا.
قال ابن القيم رحمه الله:
"ومن رواه: (حبب إليَّ من دنياكم ثلاث) فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: (ثلاث) ، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تُضاف إليها" انتهى.
" زاد المعاد " (1/151) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"وأما زيادة: (ثلاث) فهي في "الإحياء" في موضعين، وفي "الكشاف" في آل عمران: قال الزين العراقي، وابن حجر، والزركشي، وغيرهم: ولم تقع في شيء من طرقه، بل هي مفسدة للمعنى، فإن الصلاة ليست من الدنيا" انتهى.
"الفتاوى الحديثية" (ص/277) ، وانظر: "الإحياء" (3/219) ، "السلسلة الضعيفة" (6940) .
والواجب على المسلم أن يتثبت فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب التي يستحق صاحبها عذاب النار، نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/149)
حديث قدسي مكذوب فيه تفصيل ما حول الجنين في رحم أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء لي حديث عن طريق الإيميل، وأريد التأكد منه هل هو صحيح أم لا، ويقول الحديث: قال سبحانه وتعالى: (يا ابن آدم! جعلتك في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك، فهل يقدر على ذلك غيري، فلما أن تمَّت مُدَّتك، وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه، لا لك سن تقطع، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى، فأبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبنا خالصا، حارا في الشتاء، وباردا في الصيف، وألقيت محبتك في قلبي أبويك فلا يشبعان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى ترقد، فلما قوي ظهرك، واشتد أزرك، بارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا إن دعوتني أجبتك، وإن سألتني أعطيتك، وإن تبت إلي قبلتك) أرجو الإفادة بصحة هذا الحديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام المذكور هو مما اشتهر بين الناس مما لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم.
وقد وجدنا نصا قريبا منه منقولا عن التوراة، وليس عن الكتاب والسنة رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (10/399) بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال:
" قرأت في التوراة - أو قال في صحف إبراهيم الخليل - فوجدت فيها:
يقول الله:
يا ابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك ولم تك شيئا، وجعلتك بشرا سويا، خلقتك من سلالة من طين، فجعلتك نطفة في قرار مكين، ثم خلقت النطفة علقة، فخلقت العلقة مضغة، فخلقت المضغة عظاما، فكسوت العظام لحما، ثم أنشأتك خلقا آخر.... " فذكره مطولاً، بنحو ما ورد في السؤال، وفيه زيادات بعض الجمل عليه.
والواجب على كل مسلم أن يتثبت فيما ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يقع في الكذب عليه.
ثم إن بدا له أن ينقل كلاماً عن معيّن فلينسبه إلى قائله. وإذا قدر أن الكلام مقبول ومعناه صحيح، فهذا لا يجيز نسبته لله سبحانه وتعالى ولا لنبيه صلى الله عليه وسلم، بدون برهان، وعلم صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/150)
هل يهتز عرش الرحمن لشيء من المعاصي والذنوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد في السنة أن جريمة الزنا يهتز لها عرش الرحمن؟ وهل جريمة الزنا وحدها هي التي يهتز لها عرش الرحمن، أم جريمتا القتل واللواط أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد في الكتاب والسنة ما يدل على أن عرش الرحمن يهتز لارتكاب شيء من المعاصي والذنوب، والزنا واللواط من فواحش الذنوب وكبائرها، ولكن لم يرد اهتزاز العرش بخصوص وقوعها، ولا يجوز دعوى ذلك إلا بدليل شرعي صحيح وصريح.
يقول الإمام الذهبي رحمه الله:
" والعرش خلق لله مسخر، إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (1/297)
وانظر جواب السؤال رقم: (43498)
على أننا نبه السائل إلى أنه قد ورد في شأن هذه الفواحش ما هو أشد، وأفزع لسامعها، من اهتزاز العرش.
فقد روى البخاري (4634) ومسلم (2760) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ) وفي الحديث الأخر الذي رواه البخاري (5221) ومسلم (901) من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والغيرة فيها من البغض والغضب ما يدفع به الإنسان ما غار منه ... فالله سبحانه يبغض ذلك، وهو سبحانه يبغض كل م نهى الله عنه، كما أنه يحب كل ما أمر به؛ بل الغيرة مستلزمه لقوة البغض؛ إذ كل من يغار يبغض ما غار منه، وليس كل من يبغض شيئا يغار منه؛ فالغيرة أحض وأقوى " انتهى. قاعدة في المحبة (200- 201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/151)
العلاقة بين آية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة؟ وإذا كان الجواب بلا: فما تفسير هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: لمَّا نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا؟ , قال: فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان , فقال: (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه الترمذي (3261) ، وفي إسناده مقال، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، قال الترمذي بعد روايته له: غريب في إسناده مقال. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب. وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة. وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، فيه مقال معروف.
ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً، كالألباني رحمه الله، ولهذا صححه في صحيح الترمذي.
والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها: (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) .
وأما اللفظ الآخر وهو: (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) : فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054) ، وفيها قوله: "وجملة القول: أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ: "العلم"، وإنما الصحيح فيه: "الإيمان"، و "الدين". انتهى.
ثانياً:
هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية:
الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم، كما سبق.
على فرض صحة الحديث، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم.
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
" تفسير القرطبي " (18 / 194) .
ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس.
قال الماوردي رحمه الله:
" (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد.
الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -.
الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد" انتهى.
" النكت والعيون " (5 / 307، 308) .
3. وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس ": فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وأقول: هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى.
" التحرير والتنوير " (26 / 139) .
وعلى هذا؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم.
فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى.
" فتح الباري " (8 / 643) .
ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين انظر جواب السؤال رقم (45563) و (118101) و (60046) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/152)
ما صحة حديث: (لولا محمد ما خلقتك) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذا الحديث: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد؟ فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا ـ لا إله إلا الله، محمد رسول الله ـ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، وإذ قد سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا الحديث موضوع، كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن الله سبحانه إنما خلق الجن والإنس ليُعبد وحده لا شريك له، ومن جملة الإنس: آدم عليه الصلاة والسلام، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/327) .
وقال عنه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/489) : "تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف" انتهى.
وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "التوسل" (ص166) :
"روي مرفوعا وموقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه: عبد الرحمن بن أسلم، ضعيف باتفاقهم، ويغلط كثيرا" انتهى.
وحكم عليه الألباني رحمه الله بأنه موضوع، في "السلسلة الضعيفة" (25) .
وانظر جواب السؤال رقم (23290) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/153)
أحاديث توقيت الحجامة لم يصح منها شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحجامة في أيام السبت أو الجمعة مكروهة إذا صادفت 19 أو 17 أو 21؟ كما ورد حديث: (لا تحتجموا يوم الأربعاء، ولا الجمعة، ولا السبت، ولا الأحد) ، وهذا أصبح مهما بين مسلمي بريطانيا. أرجو التوضيح: هل هذه أحاديث ضعيفة أم صحيحة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في توقيت الحجامة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله ومن فعله، وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أحاديث تنص على أيام الحجامة المفضلة، وأنها أيام السابع عشر – خاصة إذا صادف يوم ثلاثاء -، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، وأيام الاثنين والخميس من أيام الأسبوع.
القسم الثاني: أحاديث تنهى عن الحجامة في أيام معينة من أيام الأسبوع: وهي أيام السبت، والأحد، والثلاثاء – وقد ورد أيضا الحث على الحجامة يوم الثلاثاء -، والأربعاء، والجمعة.
وقد أكثر الأئمة على ضعف أحاديث هذين القسمين كلها، وأنه لم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض النصوص عنهم:
1- سئل الإمام مالك عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء فقال:
" لا بأس بذلك، وليس يوم إلا وقد احتجمتُ فيه، ولا أكره شيئا من هذا " انتهى باختصار.
" المنتقى شرح الموطأ " (7/225) نقله عن " العتبية ".
وجاء في " الفواكه الدواني " (2/338) من كتب المالكية:
" تجوز في كل أيام السنة حتى السبت والأربعاء , بل كان مالك يتعمد الحجامة فيها , ولا يكره شيئا من الأدوية في هذين اليومين , وما ورد من الأحاديث في التحذير من الحجامة فيهما فلم يصح عند مالك رضي الله عنه " انتهى.
2- يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله:
" ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء – يعني في توقيتها - إلا أنه أمر بها " انتهى.
نقله ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/215)
3- نقل الخلال عن الإمام أحمد أن الحديث لم يثبت.
نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/149) .
4- يقول البرذعي:
" شهدت أبا زرعة لا يُثبِتُ في كراهة الحجامة في يوم بعينه، ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا " انتهى.
"سؤالات البرذعي" (2/757)
5- وقال الحافظ ابن حجر - في شرح قول الإمام البخاري: " باب في أي ساعة يحتجم، واحتجم أبو موسى ليلا " -:
" وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج، ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا " انتهى.
"فتح الباري" (10/149)
6- وقال العقيلي رحمه الله:
" وليس في هذا الباب - في اختيار يوم للحجامة - شيء يثبت " انتهى.
"الضعفاء الكبير" (1/150)
7- وقد عقد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "الموضوعات" (3/211-215) أبوابا كاملة جمع فيها هذه الأحاديث الواردة، ويعقبها بقوله:
" هذه الأحاديث ليس فيها شيء صحيح " انتهى.
8- ويقول الإمام النووي رحمه الله:
" والحاصل أنه لم يثبت شيء في النهي عن الحجامة في يوم معين" انتهى.
" المجموع " (9/69) وإن كان النووي يحسن حديث توقيت الحجامة في أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين.
9- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" هذه الأحاديث لم يصح منها شيء " انتهى.
"فتح الباري" (10/149)
ثانيا:
استحب كثير من أهل العلم عمل الحجامة في أيام السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، اعتمادا على عدة حجج:
1- ورود ذلك بأسانيد صحيحة عن الصحابة رضوان الله عليهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون لوتر من الشهر)
رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (رقم/2856) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس به.
وهذا إسناد صحيح. قال أبو زرعة: أجود شيء فيه حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة، ولتسع عشرة، وإحدى وعشرين) "سؤالات البرذعي" (2/757)
وروى الطبري أيضا بعد الأثر السابقة عن رفيع أبو العالية، قال: (كانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر)
وعن ابن عون، قال: (كان يوصي بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة) قال أحمد: قال سليم: وأخبرنا هشام، عن محمد أنه زاد فيه: وإحدى وعشرين.
ولعل اعتياد الصحابة لذلك كان عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يشعر بأن لهذه الأحاديث المرفوعة أصلا؛ بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تقوية بعض الأحاديث المرفوعة في ذلك،، كالإمام الترمذي حين أخرج حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين) رقم (2051) ، قال: حديث حسن.
وكذلك فعل بعض المتأخرين كالسيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/279-280) ، وابن حجر الهيتمي في فتاواه (4/351) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/622، 1847) .
وإن كان ما قدمناه من نصوص الأئمة على تضيعف المرفوع أقوى وأظهر.
2- تأييد ذلك من جهة الطب:
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله – بعد أن أورد أحاديث الحجامة في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين -:
" وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء: أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره.
وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره.
قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت " انتهى.
"زاد المعاد" (4/54)
أما بالنسبة لاختيار أيام الأسبوع للحجامة فلم يثبت شيء من ذلك من جهة الطب، فيما نعلم، وإن كان ورد عن بعض الصحابة ذلك، وثبت عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى الحجامة يومي السبت والأربعاء، نقل ذلك ابن القيم في " زاد المعاد " (4/54) عن الخلال.
قال ابن مفلح، رحمه الله:
" تكره الحجامة في يوم السبت ويوم الأربعاء نص عليهما في رواية أبي طالب وجماعة وزاد أحمد رواية محمد بن الحسن بن حسان ويقولون يوم الجمعة وهذا الذي قطع به في المستوعب وغيره.
وقال المروذي: كان أبو عبد الله يحتجم يوم الأحد ويوم الثلاثاء.
قال القاضي: فقد بين اختيار يوم الأحد , والثلاثاء وكره يوم السبت , والأربعاء وتوقف في الجمعة. انتهى كلامه ,
والقاعدة أنه إذا توقف في شيء خرج فيه وجهان.
وعن الزهري مرسلا (من احتج يوم السبت , أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.) ذكره أحمد واحتج به، قال أبو داود وقد أسند ولا يصح.
وذكر البيهقي أنه وصله غير واحد وضعف ذلك , والمحفوظ منقطع انتهى كلامه.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن مكحول مرسلا. , والوضح: البرص.
وحكي لأحمد أن رجلا احتجم يوم الأربعاء واستخف بالحديث وقال ما هذا الحديث؟ فأصابه وضح , فقال أحمد: "لا ينبغي لأحد أن يستخف بالحديث " رواه الخلال.
وعن ابن عمر مرفوعا (أن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه) رواه البيهقي بإسناد حسن وفيه عطاف بن خالد وفيه ضعف ". انتهى.
الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/333) .
وكذلك ورد عن ابن معين وعلي بن المديني نحو من ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/154)
شرح حديث يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بإهداء بضعة كتب إسلامية باللغة الفرنسية لشخص غير مسلم , من بين تلك الكتب كتاب 110 أحاديث قدسية، نشر دار السلام , قال لي ذلك الشخص إنه مقتنع أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله , ولكن أبدى تحفظه، ولم يفهم حديثا قدسيا في ذلك الكتاب، والذي هو: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصنافٍ، صنف يدخلون الجنة بغير حسابٍ، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوباً، فيسأل الله عنهم وهو أعلم بهم، فيقول: ما هؤلاء؟ فيقولون: هؤلاء عبيد من عبادك، فيقول: حطوها عنهم واجعلوها على اليهود والنصارى، وأدخلوهم برحمتي الجنة) قال لي: لماذا على اليهود والنصارى؟ قلت له: اليهود والنصارى الذين خالفوا شرع الله، وأضلوا الناس، وقاتلوا الأنبياء، وليس الذين اتبعوا شرع الله، واتبعوا الأنبياء! قال: لا لم يذكر هذا في الحديث، ولكن جاء كلمة (اليهود والنصارى) . قلت له: هناك شرح لكل حديث سأخبرك عنه لاحقاً لأسأل بعض أهل الحديث , وللأسف أن بعض الكتب المترجمة لا تشرح لغير المسلم وتوضح له. أريد شرحا مفصلا، أفيدوني بارك الله بكم (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث المذكور أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (10/343) ، قال الهيثمى: فيه عثمان بن مطر وهو مجمع على ضعفه. والحاكم (1/126، رقم 193) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.
وأصل الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ)
وكان سعيد بن أبي بردة قد حدَّث بهذا الحديث أمام عمر بن عبد العزيز، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحلف له.
وفي لفظ:
(لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا)
وكلها في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من طريق أبي بردة عن أبيه حديث رقم: (2767)
وقد أخذ هذا الحديث عن أبي بردة أكثر من ثمانية من الرواة، كما في " مسند أحمد " (4/391) ، ومسند عبد بن حميد (537،540) ، وسنن ابن ماجه (4291) ، وغيرها، اختلفت ألفاظ بعضهم عن بعض، إلا أنها متفقة في المعنى كلها، تتحدث عن فداء المسلم من النار بواحد من اليهود والنصارى.
غير أن واحدا من هذه الألفاظ فيه اختلاف عن الباقي، وهو ما يرويه غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، بلفظ: (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى)
ثانيا:
ولما كان ظاهر هذا الحديث مخالفا لقول الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، كان للعلماء مسلكان في التعامل مع هذا الحديث:
المسلك الأول:
عدم قبوله وتضعيفه لسببين:
1- اختلاف الرواة عن أبي بردة في إسناد الحديث.
فمرة يقول بعضهم: عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرى يقول آخر: عن أبي بردة، عن عبد الله بن يزيد.
ويقول آخر: عن أبي بردة، عن رجل من أصحاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء مرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه.
ومرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن بعض أهله.
كل هذه الأوجه نجدها في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري رحمه الله (1/39)
ثم قال الإمام البخاري رحمه الله:
" والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، وأن قوما يُعَذَّبُون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر ... - ثم قال -: ألفاظهم مختلفة الا أن المعنى قريب " انتهى.
" التاريخ الكبير " (1/39)
وقال الإمام البيهقي رحمه الله:
" وقد علل البخاري حديث أبي بردة باختلاف الرواة عليه في إسناده، ثم قال: الحديث في الشفاعة أصح " انتهى.
" البعث والنشور " (حديث رقم/ 86)
2- بسبب شك الراوي فيه، فقد جاءت في رواية الإمام مسلم الأخيرة قول أحد رواة الحديث: (ويضعها على اليهود والنصارى فيما أحسب أنا) قال أبو روح حرمي بن عمارة أحد رواة الحديث: لا أدري ممن الشك.
قال البيهقي رحمه الله:
" اللفظ الذي تفرد بها شداد أبو طلحة بروايته في هذا الحديث. وهو قوله: (ويضعها على اليهود النصارى) مع شك الراوي فيه: لا أراه محفوظا. والكافر لا يعاقب بذنب غيره. قال الله عز وجل: (لا تزر وازرة وزر أخرى)
وإنما لفظ الحديث على ما رواه سعيد بن أبي بردة، وغيره، عن أبي بردة " انتهى.
" البعث والنشور " (حديث رقم/86)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وفي حديث الباب وما بعده – وهي أحاديث تحت باب القصاص يوم القيامة - دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير ... - وذكر الحديث ونقل عن البيهقي تضعيفه - " انتهى باختصار.
" فتح الباري " (11/398)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" رواه الجماعة عن أبي بردة دون تلك الزيادة – يعني لفظ (ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهي عندي شاذة، بل منكرة، لوجوه:
أولا: أن الراوي شك فيها، وهو عندي شداد أبو طلحة الراسبي، أو الراوي عنه حرمي بن عمارة، ولكن هذا قد قال - وهو أبو روح -: (لا أدري ممن الشك) ، فتعين أنه الراسبي، لأنه متكلم فيه من قبل حفظه وإن كان ثقة في ذات نفسه، ولذلك أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا. وقال العقيلي: له أحاديث لا يتابع
عليها. وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ. وليس له في مسلم إلا هذا الحديث. قال الحافظ في " التهذيب ": " لكنه في الشواهد ".
ثانيا: ولما كان قد تفرد بهذه الزيادة التي ليس لها شاهد في الطرق السابقة، وكان فيه ما ذكرنا من الضعف في الحفظ، فالقواعد الحديثية تعطينا أنها زيادة منكرة، كما لا يخفى على المهرة.
ثالثا: أن هذه الزيادة مخالفة للقرآن القائل في غير ما آية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) " انتهى باختصار.
" السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/1316، ورقم/5399) .
المسلك الثاني:
توجيه معنى الحديث بما يتوافق مع ظاهر القرآن الكريم:
قال الإمام البيهقي رحمه الله:
" ووجه هذا عندي - والله أعلم - أن الله تعالى قد أعد للمؤمن مقعدا في الجنة ومقعدا في النار كما روي في حديث أنس بن مالك، كذلك الكافر كما روي في حديث أبي هريرة، فالمؤمن يدخل الجنة بعدما يرى مقعده من النار ليزداد شكرا، والكافر يدخل النار بعد ما يرى مقعده من الجنة لتكون عليه حسرة، فكأن الكافر يورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن يورث على الكافر مقعده من النار، فيصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر " انتهى.
" البعث والنشور " (حديث رقم/85)
وذكر رحمه الله احتمالا آخر في شرح الحديث الذي بعده فقال:
" ويحتمل أن يكون حديث الفداء في قوم قد صارت ذنوبهم مكفرة في حياتهم، وحديث الشفاعة في قوم لم تعد ذنوبهم مكفرة في حياتهم، ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة، فلا يكون بينهما اختلاف، والله أعلم " انتهى.
وقال الإمام النووي رحمه الله:
" معنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة: (لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار) فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره.
ومعنى: (فكاكك من النار) أنك كنت معرَّضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. وأما رواية: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) : فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم، لا بذنوب المسلمين، ولا بد من هذا التأويل، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وقوله: (ويضعها) مَجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم، وأبقى على الكفار سيئاتهم، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها، بأن سنُّوها، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها " انتهى.
" شرح مسلم " (17/85)
وقال رحمه الله:
" معنى (فكاكك) : أنك كنت معرضا لدخول النار، هذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم " انتهى.
" رياض الصالحين " (ص/534) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) :
" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله، فذلك قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ)) - رواه ابن ماجه في السنن برقم (4341) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (11/451) : إسناده صحيح. وقال البوصيري في " الزوائد " (3/327) : " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، وصححه السيوطي في " البدور السافرة " (ص/456) -
وقال ابن جُرَيْج، عن لَيْث، عن مجاهد: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة، ويُهدّم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة، ويُبنى بيته الذي في النار.
وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك.
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له - أحرزَ هؤلاء نصيب
أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ... - ثم ذكر الأحاديث السابقة " انتهى باختصار.
" تفسير القرآن العظيم " (5/465)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وقال غيره – يعني غير البيهقي - يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة بلفظ: (لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا..) الحديث، وفيه في مقابله: (ليكون عليه حسرة) فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا) ، وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره.
وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره: بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين، فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين، ويكون قوله: (ويضعها) أي: يضع مثلها؛ لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم.
ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها، فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية، لكون الكافر لا يغفر له، فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ، ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة، سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة. وهذا الثاني أقوى. والله أعلم " انتهى.
" فتح الباري " (11/398)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/468) :
" أما قوله صلى الله عليه وسلم: (فيغفرها للمسلمين ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهذا الحديث قد شك راويه فيه، ولا يحتج به مع الشك، ولكونه يخالف ظاهر القرآن الكريم، لكن إن صح عنه صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق، ويجب حمله على ما يوافق الأدلة الأخرى، وذلك بحمله على اليهود والنصارى الذين كانوا سببا في وقوع المسلمين في الذنوب التي غفرت لهم، لقوله سبحانه: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل إثم من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) ولما جاء في معناه من الأحاديث " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (9488)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/155)
ما حكم حديث المرأة التي سجرت التنور ودعت الله فامتلأت الجفنة طعاما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الْحَاجَةِ خَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَتْ امْرَأَتُهُ قَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَوَضَعَتْهَا، وَإِلَى التَّنُّورِ فَسَجَرَتْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا. فَنَظَرَتْ فَإِذَا الْجَفْنَةُ قَدْ امْتَلَأَتْ. قَالَ: وَذَهَبَتْ إِلَى التَّنُّورِ فَوَجَدَتْهُ مُمْتَلِئًا. قَالَ: فَرَجَعَ الزَّوْجُ قَالَ: أَصَبْتُمْ بَعْدِي شَيْئًا؟ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: نَعَمْ مِنْ رَبِّنَا. قَامَ إِلَى الرَّحَى. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا لَمْ تَزَلْ تَدُورُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ صيرًا ثُمَّ يَحْمِلَهُ يَبِيعَهُ فَيَسْتَعِفَّ مِنْهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا يَسْأَلُهُ) وهل يجوز التحديث به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في " المسند " (16/385) واللفظ له، وإبراهيم الحربي في " إكرام الضيف " (46) ، والبزار - كما في " كشف الأستار " - (3687) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (5/370) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " (6/105) ، وفي " شعب الإيمان " (2/481) (1339) جميعهم من طريق أبي بكر بن عياش، عن هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قال البزار: لا نعلم رواه عن هشام إلا أبو بكر بن عياش.
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا هشام بن حسان، ولا عن هشام بن حسان إلا أبو بكر بن عياش، تفرد به أحمد بن يونس.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهو ثقة – يعني أحمد بن يونس - من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، سوى أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري، وفيه كلام يسير لا يسقط حديثه عن مرتبة الحسن، ولا سيما وله طريق أخرى " انتهى باختصار.
" السلسلة الصحيحة " (2937) .
وصححه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/259) ، والشيخ مقبل الوادعي في " صحيح دلائل النبوة " (335) .
وفي الحديث دليل على ما يؤمن به أهل السنة والجماعة من وقوع الكرامات للأولياء والصالحين، وعلى استجابة الله عز وجل دعاء عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/156)
حديث مكذوب في محاولة جبريل عليه السلام أن يقيس عرض الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن توجهوني هل هذا حديث أم أثر، لكي أعرف كيف أرد على كاتبي هذا الحديث أو المعتقدين به: عن جبرئيل عليه السلام عندما طلب الإذن من الله بأن يقوم بقياس عرض الجنة، فأعطاه الله الإذن بذلك، فانطلق بالطيران في الجنة، فطار مدة 300 ألف عام ثم توقف وطلب من الله أن يمده بالعون ليطير 300 ألف عام أخرى، فأمدَّه الله سبحانه وتعالى، فانطلق جبريل، ولما قطع 300 ألف عام توقف، وطلب من الله أن يمده ب 300 ألف عام أخرى، وهكذا حتى قطع جبريل 900 ألف عام يطير في الجنة، ثم توقف فرأى قصرا في الجنة قد أطلت منه إحدى الحوريات، فقالت له يا جبرئيل ماذا تفعل؟ قال أريد أن أقيس عرض الجنة، قالت: يا جبرئيل لا تتعب نفسك، أنت الآن منذ انطلاقتك الأولى تطير في حدود مملكتي، قال: ومن أنت؟ قالت: أنا زوجة لأحد المؤمنين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا النقل الوارد في السؤال بحديث ولا بأثر، ولم يذكره أحد من أهل العلم من المُحدِّثين ولا المفسرين ولا المؤرخين، فيما نعلم؛ وإنما تتناقله بعض كتب الرافضة ومواقعهم، وهي مليئة بالكذب والأساطير والخرافات، فيبدو أن هذه القصة واحدة من افتراءاتهم على الدين.
والمسلم يستغني في وصف الجنة بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فقد وصف الله عز وجل عرض الجنة في القرآن الكريم فقال:
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.
وقال عز وجل:
(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الحديد/21.
يقول الإمام البغوي رحمه الله:
" (عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ) أي: عرضها كعرض السموات والأرض، كما قال في سورة الحديد: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أي: سَعَتُها، وإنما ذكر العرض على المبالغة؛ لأن طول كل شيء في الأغلب أكثر من عرضه، يقول: هذه صفة عَرْضِها فكيف طُولها! قال الزهري: إنما وصف عرضها، فأما طولُها فلا يعلمه إلا الله، وهذا على التمثيل، لا أنها كالسموات والأرض لا غير، معناه: كعرض السموات السبع والأرضين السبع عند ظنكم، كقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السمواتُ والأرضُ) سورة هود/107، يعني: عند ظنكم، وإلا فهما زائلتان، وروي عن طارق بن شهاب أن ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه رضي الله عنهم وقالوا: أرأيتم قوله: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ) فأين النار؟ فقال عمر: أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار، وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا: إنه لمثلها في التوراة. ومعناه أنه حيث يشاء الله " انتهى.
معالم التنزيل " (2/104)
وإذا كان قد ورد في وصف شجرة من أشجار الجنة أنه (يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا) رواه البخاري (3251) ومسلم (2826) ، فكيف هو شأن الجنة نفسها إذن؟!
وإذا كان ورد أيضا أن أدنى أهل الجنة منزلة له (مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا) رواه البخاري (6571) ومسلم (186) ، وهو فرد واحد، فكيف تكون سعة الجنة لجميع أهلها ومن فيها إذن؟! هذا يدلك على أن الجنة من أعظم مخلوقات الله عز وجل.
فالحاصل أن هذا الخبر الوارد في السؤال غير صحيح، بل مكذوب مصنوع، تتناقله بعض المنتديات التي تكثر فيها الخرافات، فلا بد من الحذر منها.
وقد اتفق علماء المسلمين على حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمة رواية الأحاديث المكذوبة ولو كان معناها مقبولا، فالكذب نفسه كبيرة من كبائر الذنوب، فإذا كان كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعظم إثما عند الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/157)
حديث مكذوب فيه: (بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء)
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاء لمرة واحدة بالعمر: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضمون الحديث أنه قال: من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق ب 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما، وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث نزل جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد قرأ الدعاء ولو مرة واحدة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر. أمنته من سؤال منكر ونكير. أمررته على الصراط. حفظته من موت الفجأة. حرمت عليه دخول النار. حفظته من ضغطة القبر. حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم. الدعاء: لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار, لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له مسلمون , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له قانتون , لا إله إلا وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له صابرون , لا إله إلا الله محمد رسول الله , اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت، يا أرحم الراحمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفضل المنسوب لهذا الدعاء فضل مكذوب، لم يرد في كتب السنة والآثار، ولا عن الصحابة ولا التابعين، وتظهر عليه علامات الكذب، لما فيه من المبالغة والمجازفة في ترتيب الأجر على العمل، وقد حكم العلماء المعاصرون عليه بالرد والكذب.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-283) ما يلي:
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) ، وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه:.. ". [وذكروا الحديث بنحو مما ورد في السؤال] .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت:
بأن هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث مَن خَرَّجه بهذا اللفظ، ودلائل الوضع عليه ظاهرة؛ لأمور، منها:
1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء.
2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ، ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية.
3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا.
وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
وقد سبق الجواب عن هذا الذكر في جواب رقم: (126635)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/158)
ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لمسألة تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت (أي هل يموتون الآن أم بعد مدة) كما حصل معه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، كيف نقول بالنسبة لمن قتل منهم أي الأنبياء والرسل، هل خُيروا أم لم يُخيروا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يخير عند موته بين الدنيا والآخرة، جاء ذلك في روايات عدة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ. فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ)
رواه البخاري (4437) ومسلم (2444)
وعنها رضى الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ) رواه البخاري (4586)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يُخَيَّر) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية، وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: (إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير) وهو شك من الراوي، هل قال يُحَيَّى، أو يُخَيَّر.
وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير)
ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة)
وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه: (خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل) " انتهى من " فتح الباري " (8/137)
وقال أيضا:
" هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت " انتهى من " فتح الباري " (10/131)
ومن ذلك قصة استئذان ملك الموت على نبي الله موسى عليه السلام فلطمه موسى ففقأ عينه وهي مروية في الصحيحين أيضا.
يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله:
" مما تفرد به الأنبياء أنّهم يخيَّرون بين الدنيا والآخرة " انتهى من " الرسل والرسالات " (ص/63)
ثانيا:
لما كان تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت من عالم الغيب الذي لم نطلع عليه إلا بواسطة الوحي الصحيح، لم يجز لنا أن نتكلم في تفاصيله بغير علم ولا هدى، بل يجب الوقوف عند حدود النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهي نصوص عامة لم تستثن أحدا من الأنبياء، بل جاءت بصيغة تؤكد العموم، ففي الرواية الأولى بلفظ: (لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ) ، وفي الرواية الثانية بلفظ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ) ، فيظهر أنها تعم كل نبي، سواء مات ميتة طبيعية على فراشه، أو قتل شهيدا باعتداء المعتدين.
هذا ما يمكننا قوله، ولا نستطيع تجاوز ذلك.
ثالثا:
لا يفوتنا التنبيه هنا على كثرة الكذب في هذا الموضوع، فقد رويت أحاديث كثيرة ضعيفة تذكر قصة استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، وما دار من حوار طويل بينهما، سبق التنبيه عليه في جواب السؤال رقم: (71400)
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
" وأما الجواب عن - استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم - فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه , ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات " انتهى من " مجلة المنار " (11/352)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/159)
حديث مكذوب بعنوان ليته كان جديدا..ليته كان بعيدا ... ليته كان كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراش الموت، فنطق بثلاث كلمات: ليته كان جديدا، ويذهب في غفوة، ويفيق وهو يقول: ليته كان بعيدا، ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول: ليته كان كاملا. وبعدها فاضت روحه. ذهب الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن هذه الكلمات، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الرجل في يوم من الأيام كان يمشي، وكان معه ثوب قديم، فوجد مسكينا يشتكي من شدة البرد فأعطاه الثوب، فلما حضرته الوفاة، ورأى قصرا من قصور الجنة، فقالت له ملائكة الموت: هذا قصرك. فقال: لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك تصدّقت ذات ليلة على مسكين بثوب. فقال الرجل: إنه كان باليا فما بالنا لو كان جديدا، ليته كان جديدا. وكان في يوم ذاهبا للمسجد، فرأى مُقعدا يريد أن يذهب للمسجد، فحمله إلى المسجد، فلما حضرته الوفاة، ورأى قصرا من قصور الجنة، قالت له ملائكة الموت: هذا قصرك. فقال: لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك حملت مُقعدا ليصلي في المسجد. فقال الرجل: إن المسجد كان قريبا، فما بالنا لو كان بعيدا، ليته كان بعيدا. وفي يوم من الأيام كان يمشي، وكان معه بعض رغيف، فوجد مسكينا جائعا فأعطاه جزءا منه، فلما حضرته الوفاة ورأى قصرا من قصور الجنة، فقالت له ملائكة الموت: هذا قصرك، فقال لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك تصدّقت ببعض رغيف لمسكين. فقال الرجل: إنه كان بعض رغيف، فما بالنا لو كان كاملا، ليته كان كاملا ً. أريد أن أعرف هل هذا حديث، وهل هو صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا الكلام الوارد في السؤال من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من كلام أحد الصحابة أو التابعين، بل لم نجده – حسب ما وصل إليه بحثنا - في شيء من كتب العلماء، قديمها وحديثها، صحيحها وضعيفها، فالغالب أنه كذبة من الكذبات التي يتداولها الناس، وربما ابتكرها بعض المتأخرين، ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثرها هذه الأيام والله المستعان، فقد تجرأ أقوام على هذه الكبيرة العظيمة، جريمة وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على كل مسلم الحذر من هذه الموضوعات، والعمل على تحذير الناس منها، وعدم المساعدة في نشرها، بل المساعدة في محوها من المجالس والمنتديات، واستبدالها بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في الحث على الصدقة والإحسان للفقراء والمساكين.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) .
رواه مسلم في مقدمة صحيحه (5) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/160)
كيف يخرج البخاري في صحيحه عن رواة ضعفاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت شبهة تحتاج لرد متخصص، وهي: البخاري ضعف أحد الرواة، وهو حمران بن أبان، ثم أخرج له روايات فى صحيح البخاري.. فكيف يضعف راو ثم يخرج له؟؟ كيف تكون هذه الأحاديث صحيحة وفيها راو ضعفه البخاري نفسه؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه المسألة من دقيق مسائل علوم الحديث، يخطئ في فهمها كثير من الناس، ويتورطون بما ينصبه لهم أعداء الإسلام من شبه، في حين أن جوابها سهل ميسور لا يختلف فيه أهل العلم المتخصصون.
وخلاصة هذه المسألة أنه ليس من منهج الإمام البخاري في صحيحه ألا يخرج عن رواة متكلم فيهم أو موصوفين بالضعف، ولكن من منهجه ألا يخرج إلا الصحيح من حديثهم، وفرق بين الأمرين:
فالراوي الضعيف أو المتكلم فيه لا يلزم أن ترد جميع مروياته – ما دام غير متهم بالكذب -، إذ قد يكون مضعفا في حال دون حال، أو في شيخ دون شيخ، أو في بلد دون بلد، أو في حديث معين دون أحاديث أخر، ونحو ذلك من أنواع التضعيف، فلا يجوز أن نرد جميع مروياته حينئذ، بل نقبل حديثه الذي تبين لنا أنه ضبطه وحفظه وأداه كما حفظه، ونرد حديثه الذي تبين لنا أنه أخطأ فيه، ونتوقف فيما لم يتبين لنا شأنه، وهكذا هو حكم التعامل مع جميع مرويات الرواة الضعفاء، وليس كما يظن غير المتخصصين أن الراوي الضعيف ترد جميع مروياته.
هذا هو منهج الأئمة السابقين، ومنهج الإمامين البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين، ويسمى منهج " الانتقاء من أحاديث الضعفاء "، يعني تصحيح أحاديث بعض الرواة المتكلم فيهم بالضعف إذا تبين أنهم قد حفظوا هذا الحديث بخصوصه، تماما كما أننا قد نرد حديث الراوي الثقة إذا تبين أنه لم يحفظ هذا الحديث المعين، أو خالف فيه من هو أوثق منه وأحفظ. والبحث في المتابعات والشواهد ومن وافق هذا الراوي المتكلم فيه من الرواة الثقات مِن أنفع وسائل التثبت من حفظ الراوي المتكلم فيه لتصحيح حديثه أو تضعيفه.
وخلاصة الكلام أن إخراج البخاري عن بعض الرواة الضعفاء أو المتكلم فيهم لا يخلو من الأحوال الآتية:
1- إما أن الصواب في هذا الراوي هو التوثيق، وأن تضعيف مَن ضعَّفه مردود عليه مثل: عكرمة مولى ابن عباس.
2- أو أن الراوي مُضعَّف في الأحاديث التي يتفرد بها فقط، أما ما وافق فيه الرواة الآخرين فيقبل حديثه، فيخرج البخاري له ما وافق فيه الثقات، لا ما تفرد به، مثل: أفلح بن حميد الأنصاري، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وفضيل بن سليمان النميري.
3- أو أن الراوي مُضعَّفٌ إذا روى عن شيخ معين، أما إذا روى عن غيره فيقبل العلماء حديثه، فتجد البخاري يجتنب روايته عن الشيخ المضعف فيه، مثل: معمر بن راشد عن ثابت البناني.
4- أو أن الراوي مُضعَّف بالاختلاط والتغير، فيروي له البخاري عمَّن أخذ عنه قبل اختلاطه وتغيره، مثل: حصين بن عبد الرحمن السلمي.
5- أو أن الراوي ضعيف، لكن البخاري لم يَسُق له حديثا من الأحاديث الأصول، وإنما أورده في إسناد يريد به متابعة إسناد آخر أو الاستشهاد له به، أو في حديث معلق.
وننقل هنا من كلام العلماء ما يدل على التقرير السابق:
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله – ضمن كلامه عن سبب وجود رواة ضعفاء في صحيح مسلم، ومثله يقاس الكلام على البخاري -:
" عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية، الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا.
والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها:
أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده.
الثاني: أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا، ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه.
الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته " انتهى باختصار.
" صيانة صحيح مسلم " (ص/96-98)
ويقول الحافظ الحازمي (ت 524هـ) – وقد قسم الرواة إلى خمس طبقات وجعل الطبقة الأولى مقصد البخاري، ويخرج أحياناً من أعيان الطبقة الثانية -:
" فإن قيل: إذا كان الأمر على ما مهدت، وأن الشيخين لم يودعا كتابيهما إلا ما صح، فما بالهما خرجا حديث جماعة تكلم فيهم، نحو فليح بن سليمان، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن أبي أويس عند البخاري، ومحمد بن إسحاق وذويه عند مسلم.
قلت: أما إيداع البخاري ومسلم " كتابيهما " حديث نفر نسبوا إلى نوع من الضعف فظاهر، غير أنه لم يبلغ ضعفهم حداً يُرَدُّ به حديثهم " انتهى.
" شروط الأئمة الخمسة " (ص69 – 70)
ويقول الحافظ الذهبي رحمه الله:
" فما في الكتابين – يعني صحيحي البخاري ومسلم – بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة ... ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات ففيهم مَن في حفظه شيء، وفي توثيقه تردد " انتهى باختصار.
" الموقظة " (ص/79-81) .
وقال الإمام ابن القيم – وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ كمطر الوراق وغيره، ومثله يقاس الكلام على البخاري -:
" ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ " انتهى.
" زاد المعاد " (1/364)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وأما الغلط فتارة يكثر في الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط، ينظر فيما أخرج له، إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط، علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف فيما هذا سبيله، وليس في الصحيح – بحمد الله – من ذلك شيء، وحيث يوصف بقلة الغلط، كما يقال: سيء الحفظ، أو له أوهام، أو له مناكير، وغير ذلك من العبارات، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله، إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك " انتهى.
" هدي الساري " (ص/381)
ولهذا يرى الحافظ ابن حجر أن يكون تعريف الحديث الصحيح على هذا النحو:
" هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط، أو القاصر عنه إذا اعتضد، عن مثله، إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً. وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيراً من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم عليها الحكم بالصحة إلا بذلك – يعني بتعدد الطرق – " انتهى.
" النكت على ابن الصلاح " (1/86)
ويقول العلامة المعلمي رحمه الله:
" إن الشيخين يخرجان لمن فيهم كلام في مواضع معروفة:
أحدهما: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً، أو حيث تابعه غيره، ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما سمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنه وهو مدلس، ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس.
فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح " انتهى.
" التنكيل " (ص/692)
ولذلك كله ينبه العلماء إلى عدم صحة الاستدلال على ثقة الراوي بإخراج البخاري له، وإنما ينبغي النظر في كيفية إخراج البخاري له، فإن أخرج له حديثا في الأصول صحيحا لذاته فهذا الذي في أعلى درجات التوثيق، أما من أخرج له في المتابعات أو صحيحا لغيره فهذا يشمله اسم الصدق العام، ولكن قد لا يكون في أعلى درجات التوثيق.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم " انتهى.
" هدي الساري " (ص/381)
وهذا القيد الأخير مهم جدا في كلام الحافظ ابن حجر، يبين أن قوله في بداية الفقرة أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه مقيد بمن أخرج لهم في الأصول، يعني الأحاديث التي يصححها بنفسها ولم يوردها كمتابعة أو شاهد أو لغرض حديثي آخر، وهذا لا يميزه إلا أهل العلم المختصون بالحديث.
وللتوسع في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى فصل بعنوان: " موقف البخاري من الرواة الضعفاء "، من كتاب " منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها " لأبي بكر كافي (ص/135-159) .
ثانيا:
وعلى هذا فمن الخطأ الظاهر عند علماء الحديث الاعتراض بوجود بعض الرواة المتكلم فيهم في صحيح البخاري، فهذا أمر لا يخفى على المحدِّثين، ولا يخفى على الإمام البخاري نفسه، فالبخاري ينتقي من حديث المتكلم فيهم ما يجزم أنه صحيح مقبول، سواء كان هذا الراوي مضعفا مِن قِبَل البخاري نفسه، أو مِن قِبَل غيره مِن المحدثين.
فكل راو يُنقَل عن البخاري تضعيفه، لا بد في دراسته من التثبت من عدة أمور:
1- التأكد من تضعيف البخاري له حقا، ولتحقيق ذلك يجب التنبه إلى أن ذكر البخاري المجرد للراوي في كتابه " الضعفاء " لا يلزم منه أنه يميل إلى تضعيفه تضعيفا مطلقا، فقد يكون يرى ضعفه في بعض الأحاديث دون أخرى، أو في بعض الشيوخ دون آخرين، أو في حال دون حال، وهكذا، وهذه مسألة دقيقة أيضا تحتاج شرحا وبسطا ولكن ليس هذا محله، مع العلم أن للبخاري كتابين في الضعفاء، وهما " الضعفاء الكبير " وهذا الكتاب ما زال مخطوطا، وكتاب " الضعفاء الصغير " وهذا هو المطبوع اليوم.
2- النظر في كيفية إخراج البخاري عنه في صحيحه تبعا للأمور التي سبق ذكرها في الجواب أعلاه، هل أخرج له في الأصول، وما هي الأحاديث التي أخرجها، هل لها شواهد ومتابعات، وإن كان الراوي مختلطا ينظر كيف أخرج البخاري عنه، قبل الاختلاط أم بعده، إلى غير ذلك من التفاصيل التي يتقنها أهل الحديث.
ثالثا:
ومن ذلك ما ورد في السؤال من الكلام حول الراوي حمران بن أبان، وهو مولى عثمان بن عفان، قال ابن عبد البر رحمه الله: أهل السير والعلم بالخبر قالوا: وكان حمران أحد العلماء الجلة، أهل الوداعة والرأي والشرف بولائه ونسبه " انتهى. " التمهيد " (22/211) ، وعامة أهل العلم على توثيقه، مع كونه قليل الحديث، ولم ينقل تضعيفه إلا عن ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (5/283) حيث قال: " كان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجون بحديثه " انتهى. وهذا جرح مبهم يقابل التعديل، والعلماء يقدمون التعديل والتوثيق على الجرح المبهم، ولذلك يقول الذهبي رحمه الله:
" حجة، قال ابن سعد: لم أرهم يحتجون به. قال الحاكم: تكلم فيه بما لا يؤثر فيه. قلت: هو ثبت " انتهى.
" الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم " (ص/9) .
وأما تضعيف البخاري له فلم نقف عليه إلا في نقل الإمام الذهبي أيضا حيث قال:
" أورده البخاري في الضعفاء، لكنَّ ما قال ما بليته قط " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (1/604)
وهذا كما ترى غير كاف لتضعيفه أيضا، إذ لم نقف على نص كلام البخاري نفسه في الضعفاء، ويبدو أنه في " الضعفاء الكبير " الذي لم يطبع بعد، ويبدو أنه البخاري أورده إيرادا مجردا من غير حكم عليه بالضعف، وهو ما يدل عليه قول الذهبي: (ما قال ما بليته) ، يعني: أن البخاري لم يذكر سبب ضعفه. وقد ترجم البخاري رحمه الله نفسه لحمران بن أبان في " التاريخ الكبير " (3/80) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وعلى كل حال، فما أخرج البخاري في صحيحه لحمران هما حديثان اثنان فقط:
الحديث الأول قال فيه:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِى الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
رواه البخاري تحت الأرقام التالية: (159، 164، 1934)
وهذا الحديث من رواية حمران عن سيده عثمان بن عفان، وهي من أوثق الروايات وأصحها، فقد كان حمران ملازما لعثمان، يخدمه ويصحبه، بل كان حاجبا له، وكاتبا بين يديه، حتى كتب لعثمان وصية له بالخلافة لعبد الرحمن بن عوف حين مرض مرة، وقال قتادة: إن حمران بن أبان كان يصلى مع عثمان بن عفان فإذا أخطأ فتح عليه. وكان قرابة عثمان يجلون حمران كثيرا، ويقدرونه لأجل صحبته له، تجد كل ذلك في " تهذيب التهذيب " (3/25)
فمن هذا حاله ألا يقبل حديث يحدث به عن مولاه عثمان، ليس فيه ما يستنكر، بل جاءت له شواهد لا تعد كثرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفي فضل الوضوء؟!
فعلى فرض أن الإمام البخاري يضعف حمران على وجه العموم، فذلك لا يلزم منه أن يرد جميع أحاديثه، بل سبق وأن بينا أنه قد يخرج حديثه الذي يطمئن إلى صحته لقرائن وأدلة أخرى.
الحديث الثاني قال فيه:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
(إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ)
رواه البخاري (رقم/587)
وهذه الرواية كما ترى من رواية حمران عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في موضوع ساق له البخاري مجموعة من الأحاديث عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة في باب " لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس "، وهذه المسألة وردت فيها الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن الصلاة بعد العصر، فليس في رواية حمران شيء مستنكر ولا مستغرب، حتى يرد حديثه هنا، فتأمل كيف انتقى البخاري من حديثه ما هو صحيح مقبول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/161)
يستحب تخير الزوج الصالح حسن الصورة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثًا وأريد أن أعرف صحته، وما الأحكام المنوطة به، وما معنى سيء المنظر. ذكر القرطبي فيما معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أولياء الأمور أن لا يزوجوا بناتهم لمن كان قبيح المنظر أو دميم الخلقة. كما ذكر أيضاً أن امرأة ثابت بن قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما تجده من قبح زوجها وأنها لا تطيق أن ترى وجهه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه مهره؟ فقالت: وأكثر لو أراد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ ما أعطيتها وخل سبيلها، فطلقها. أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي وقفنا عليه من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار الجمال في الخاطب المتقدم للفتاة، حديثان اثنان:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ)
رواه البخاري (4802) ومسلم (1466)
والعلماء يقولون إن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للرجال هو خطاب للنساء أيضا، وقد سبق في موقعنا في جواب الرقم: (125907) ، بيان استحباب هذه الصفات في الرجال والنساء.
الحديث الثاني:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
(أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)
رواه البخاري (رقم/5273)
وفي رواية أنها قالت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ نَعَمْ) رواه البخاري (رقم/5275)
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث أن من أسباب طلب امرأة ثابت بن قيس الطلاق منه هو أنه دميم الخلقة. يراجع في ذلك " فتح الباري " (9/400)
وهذان الحديثان ليسا صريحين في حث الأولياء على مراعاة جمال صورة من يخطب بناتهم.
ولكن روي ذلك صريحا عن بعض الصحابة والتابعين:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهن يُحبِبْنَ ما تحبون)
رواه سعيد بن منصور في سننه (رقم/781) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " (4/94) ، وابن شبة في " تاريخ المدينة " (2/338) ، وابن أبي الدنيا في " العيال " (ص/272) ، من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب.
وروي أنه رضي الله عنه أُتِيَ بامرأة شابة زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال:
(يا أيها الناس! اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، - يعني: شبهها -)
رواه سعيد بن منصور في سننه (1/210)
وروى ابن أبي الدنيا أيضا في " العيال " (ص/275) بسنده عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أبو بِكرٍ دعاها إلى رجل فهويت غيره؟ قال: يلحق بهواها.
يقول الغزالي رحمه الله:
" يجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج، ولينظر لكريمته، فلا يزوجها ممن ساء خَلقُهُ أو خُلُقه، أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها، أو كان لا يكافئها في نسبها.
قال صلى الله عليه وسلم: (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) - قال البيهقي في " السنن الكبرى " (7/83) : روي مرفوعا والموقوف أصح -.
والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح، لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال، ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه، وتعرَّض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار.
وقال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟
قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها " انتهى.
" إحياء علوم الدين " (2/41)
وانظر جواب السؤال رقم: (5202) ، (6942)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/162)
حديث مكذوب في فضل المرأة التي تموت ولا زوج لها
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءني هذا الحديث على البريد الإلكتروني، وأرجو بيان صحته، وكذلك - جزاكم الله خيرا - كيف يتأكد المسلم من الأحاديث التي تصل إليه، مع كثرة الأحاديث التي ترد إلينا عبر الشبكة العنكبوتية، وها هو الحديث: (بينما رجل من أهل الجنة يتنعم فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ وإذا ببرق يضيء في الجنة، وهو من حورية من حوريات الجنة، يتنعم معها. قال فيرفع رأسه، فإذا بحورية أجمل من التي بين يديه، وإذا بها تقول: يا ولي الله أما لنا فيك جولة؟..أما لنا فيك نصيب؟ ... يقول: بالله من أنت؟! ... قالت: أنا ممن قال الله فيهن: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) .. وكل ما في الجنة مذلل لأهلها، فيطير بسريره إليها، فيأتيها فإذا بنورها سبعين ألف ضعف نور الحورية التي كانت بين يديه هناك، فيعجب، ويقول: لم؟! ... قالت: لأني صليت وصمت وعبدت الله، أنا من نساء أهل الدنيا، لم أتزوج بالدنيا، فأنا أعرض نفسي عليك، قال: وهل أنت لي؟! قالت: نعم جزاء من الله لك، وجزاء من الله لي، فيعتنقا أربعين عام لا تمله ولا يملها........تقف بين يديه وفي رجليها خلخال من ياقوت، إذا مشت سمع من خلخالها صفير صوت كل طير في الجنة ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث لم نره في كتب السنة، ولم نقف له على سند ولا أثر، والغالب أنه حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وضع الكذابون كثيرا من الأحاديث في وصف الجنان ووصف الحور العين.
أما ذكر ابن الجوزي له في كتابه " بستان الواعظين ورياض السامعين " (ص/124-125) فلم يكن على سبيل رواية الحديث، وإنما على سبيل التخييل للقارئ كي يتصور شيئا مما أعد الله لأهل الجنان، وهذا كثير في كتب ابن الجوزي، وإلا فهو يعلم رحمه الله أنه لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أنشأه من كلامه رحمه الله.
هذا ولم نقف على حديث صحيح في فضل المرأة التي تموت ولا زوج لها، إلا ما جاء في الكتاب والسنة في فضيلة الصبر وعظيم أجر الصابرين، والمرأة التي لا تتزوج وتحافظ على عفتها وطاعتها لربها هي من الصابرين المحتسبين إن شاء الله تعالى، والله تعالى يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المرأة إذا توفيت وهي لم تتزوج ماذا يكون مصيرها: هل تتزوج من الرجال الذين لم يتزوجوا في الجنة؟
فأجاب:
"إذا كانت في الجنة - بارك الله فيك - ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين , أنت إذا أوصلتها إلى الجنة فستلقى كل خير , إما أن تتزوج من أهل الدنيا , والجنة سيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا , فينشئ الله لها أقواماً يدخلهم الجنة , فقد تتزوج من هؤلاء الأقوام , فطمئنها وقل: إن شاء الله تعالى إذا دخلتِ الجنة فستجدين ما يسرك من كل ناحية، ودليل ذلك: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت/31، أي: ما تطلبون" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/18/سؤال رقم/23) .
ثانياً:
بخصوص رغبتك في معرفة صحة الأحاديث التي تصل إليك، فمن أفضل المواقع التي تنفعك في هذا موقع "الدرر السنية" على الرابط التالي:
http://www.dorar.net/enc/hadith
2- كما يمكنك الاستعانة بموقع " ملتقى أهل الحديث " على الرابط التالي:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/index.php ?
فهذا الموقع مليء بمناقشات طلبة العلم المعاصرين حول كثير من الأحاديث، وخاصة الأحاديث المكذوبة والموضوعة التي لا تجد لها ذكرا في كتب المتقدمين.
وحتى تكمل الاستفادة من هذين الموقعين ينبغي قراءة كتاب مختصر في علم "مصطلح الحديث" حتى يتمكن المسلم من فهم كلام العلماء في الحكم على الحديث، لأن لهم مصطلحات خاة لابد من معرفتها.
ومن أوضح الكتب في هذا كتاب "مصطلح الحديث" للطحان.
وأخصر منه كتاب "مصطلح الحديث" للشيخ ابن عثيمين.
والله أعلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/163)
شرح مراتب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أفهم مراتب الحديث، مثلا: ما معنى حديث حسن غريب؟ وما هي الأحاديث التي يجوز الاستدلال بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله أن وفقك إلى السؤال عن ذلك، ومحاولة تمييز مصطلحات المحدثين ومعرفة مقاصدهم في كلامهم، فهذا علم شريف عظيم، أفنى العلماء أعمارهم في تحقيقه وشرحه وتوضيح مسائله، ومع ذلك فيمكن لكل مسلم حريص أن يتحصل على ثقافة كافية في هذا العلم، ليفهم ما يقرؤه أحيانا في الصفحات والمواقع الإسلامية، وليتمكن من البناء على قواعد المعلومات التي عنده بعد ذلك.
ولذلك فالنصيحة لك أختنا الكريمة بقراءة شرح ميسر في علم " مصطلح الحديث "، وستجدين فيه كل ما يهمك من علوم الحديث واصطلاحات المحدثين، ومما ننصحك بالاطلاع عليه شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله على كتاب " المنظومة البيقونية "، يمكنك متابعته على الرابط التالي:
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=1367
ثانيا:
أما عن مراتب الحديث فللعلماء تقسيمات كثيرة لأنواع الأحاديث، كل تقسيم نظروا فيه لزاوية معينة:
فلما نظروا إلى من ينسب إليه الحديث، قسموه إلى الأقسام الآتية:
1- المرفوع: إذا كان الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
2- الموقوف: إذا كان الحديث من كلام الصحابي رضي الله عنهم أجمعين.
3- المقطوع: إذا كان الحديث من كلام التابعي.
وقد سبق شرح هذا التقسيم في جواب رقم: (121290)
ولما نظروا إلى طرق الحديث وأسانيده، وهي سلاسل الرجال الذين نقلوا الحديث عن قائله، قسموه إلى الأقسام الآتية:
1- متواتر: إذا جاء الحديث من طرق وروايات كثيرة جدا.
2- آحاد (أو غريب) : إذا جاء الحديث من طريق ورواية واحدة فقط، ويسمونه أيضا بالغريب المطلق أو الفرد المطلق، أما إذا روى الحديث تابعي واحد عن صحابي، ثم رواه عن هذا التابعي راويان اثنان فأكثر، فهذه تسمى غرابة نسبية، أي أنه غريب وآحاد بالنسبة لرواية ذلك التابعي عن الصحابي.
ولما نظر المحدثون إلى حكم الحديث، وهل يُقبَل أو يُرد - ولعل هذا هو محل السؤال تحديدا - قسموه إلى الأقسام الآتية:
1- المقبول: إذا انطبقت عليه شروط القبول، وكان صالحا لأن يُحْتج به، ويُعمل بمضمونه.
2- المردود: إذا لم تنطبق عليه شروط القبول.
ثم قسموا المقبول إلى عدة أقسام:
1- الصحيح: إذا انطبقت عليه أعلى شروط القبول. ويمكن مراجعتها في جواب رقم: (79163)
2- الحسن: إذا انطبقت عليه أدنى شروط القبول.
وفي أحيان كثيرة يستعمل المحدثون ألقابا أخرى مرادفة للألقاب السابقة، فمثلا يطلقون على الحديث الحسن أحيانا قولهم: جيد، كما يطلقون على الحديث الصحيح قولهم: على شرط الشيخين، ونحو ذلك من الكلمات المترادفة، وإن كانت هناك فروق دقيقة أحيانا بين هذه الاصطلاحات، لكن مرادنا في جوابنا هذا هو تقريب وتسهيل فهم هذه المراتب على وجه العموم.
ثم قسم المحدثون الحديث المردود إلى عدة أقسام:
1- الضعيف: وهو ما أخل بشرط من شروط القبول.
2- الموضوع: إذا كان في إسناده كذاب أو متهم بالكذب.
وفي أحيان كثيرة أيضا يستعملون مصطلحات مرادفة أيضا، فيطلقون على حديث ضعيف إنه حديث باطل، لا سيما إذا اشتد ضعفه، أو يقولون إسناده تالف، أو يسمون الحديث الموضوع بالمكذوب، ونحو ذلك، وانظري للفائدة سؤال رقم: (6981)
ثالثا:
ما سبق هو الغالب في استعمال علماء الحديث وفي كلامهم وكتبهم، ثم وجدنا أن بعض العلماء يستعملون مصطلحات أكثر دقة، فيضيفون بعض القيود للتدقيق أكثر في وصف الحديث، ومن ذلك قول الإمام الترمذي رحمه الله: " حديث حسن غريب ":
فقوله رحمه الله: " حديث حسن " فيه إعلام بأن الحديث تضمن أدنى شروط القبول، فكان في مرتبة الحسن من حيث القبول والرد.
وأما قوله رحمه الله: " غريب "، فهو وصف للحديث بأنه حديث آحاد. وإن كان ذلك لا ينفي أن يكون له طريق أخرى، فيكون مراده وصف هذه الطريق بالغرابة، وهو ما يعرف بالغرابة النسبية، لا أنه غريب مطلق، ليس له إلا هذه الطريق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الترمذي إذا قال: حسن غريب: قد يعني به أنه غريب من ذلك الطريق، ولكن المتن له شواهد صار بها من جملة الحسن " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (18/24) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/164)
هل صح حديث في هجر الشخص المؤذي مائة مرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ عام سألت إحدى صديقاتي سؤالاً، ما كان يتوجب علي أن أسألها؛ لأنه على ما يبدو أنه جرحها، ومنذ ذلك الحين هجرتني ولم تعد تكلمني، وعندما هدأت الأمور بعض الشيء سألتها عن سبب هجرانها لي، فقالت: إن هناك حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن الشخص إذا جرح مشاعرك فاهجره مائة مرة. فهل هذا صحيح، وهل هناك حديث يتعلق بمثل هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على حديث يتضمن هذا المعنى، ولا نرى ذلك صحيحا ولا مقبولا، فقد صحت الأحاديث الكثيرة في التحذير من هجر المسلم لأخيه المسلم، كما جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة في الحث على العفو عن الزلات، وتجاوز العثرات، ومسامحة الإخوان والأصدقاء عند صدور أي خطأ منهم، فكيف يصح حديث بالحث على هجر المسلم من غير سبب شرعي صحيح.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:
" لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة، أن يظن بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا ". التمهيد، لابن عبد البر (18/20) .
وقال الأحنف بن قيس: حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثا: ظلم الغضب، وظلم الدالة، (يعني: الدلال) وظلم الهفوة. وقال آخر: ما شتمت أحدا قط؛ لأنه إن شتمني كريم: فأنا أحق مَن غَفَرَها له، أو لئيم: فلا أجعل عرضي له غرضا. ثم تمثل وقال:
وأَغفِرُ عوراءَ الكريم ادِّخَاره ... وأُعرِضُ عن شتم اللئيم تكرما
وقد قيل:
خذ من خليلك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر
فالعمر أقصر مِنْ مُعا ... تَبةِ الخليلِ على الغِيَر
ينظر: " إحياء علوم الدين " (2/183-186) .
واعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن من أعظم مقاصد الشيطان الخبيث، وأشد حيله: أن يوقع البغضاء والعداوة بين المسلمين.
عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) .
ولهذا حرم الله تعالى كل ما من شأنه أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين. قال الله تعالى:
(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة /91.
ويمكن الاطلاع على الأحاديث الواردة في ذم التهاجر في كتاب الإمام المنذري، واسمه: " الترغيب والترهيب " (3/304) ، فقد عقد فيه بابا بعنوان: " الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر "، جمع فيه أكثر ما ورد في السنة في هذا الموضوع.
وانظري في موقعنا أجوبة الأسئلة ذوات الأرقام التالية: (26333) ، (98636) ، (21878) ، (65500)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/165)
الأحاديث الواردة في فضل طول العمر في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذه الأحاديث؟ 17555- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - رفع الحديث – قال: (المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده - أو لوالديه -، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم، أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمَّنه الله من البلايا الثلاثة: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفَّعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه) 17556- وفي رواية: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يعمر في الإسلام. فذكر نحوه وقال: فإذا بلغ السبعين سنة في الإسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء) 17557- وفي رواية: (إذا بلغ سبعين سنة في الإسلام أحبه أهل السماء وأهل الأرض) 17558- وفي رواية: (فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته) رواها كلها أبو يعلى بأسانيد. 17559- ورواه أحمد موقوفاً باختصار وقال فيه: (فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل إنابة يحبه عليها) 17560- وروى بعده بسنده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله. من "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " المجلد العاشر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد بهذا المعنى جاء عن سبعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم: أنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وشداد بن أوس، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، وأشهر هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد جاء من طرق كثيرة، روى بعضها الحافظ أبو يعلى في " المسند " (6/351) .
وبعد الاطلاع على كلام أهل العلم على هذه الأحاديث، تبين أنها كلها ضعيفة ضعفا لا ينجبر ولا يتقوى بتعدد الطرق والأسانيد، وأنها مثال على الأحاديث التي تكثر طرقها ولكن لا تزيدها إلا ضعفا بسبب وجود المجاهيل والمناكير في أسانيدها.
قال الإمام البيهقي رحمه الله:
"روي هذا من أوجه أخر عن أنس رضي الله عنه، وروي عن عثمان وكل ذلك ضعيف" انتهى.
"الزهد" (646) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" الموضوعات " (1/180) .
وقال الحافظ العراقي رحمه الله:
" موضوع قطعا " انتهى.
" القول المسدد " للحافظ ابن حجر (9) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا حديث غريب جدا، وفيه نكارة شديدة " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/397) .
وضَعَّف الحديثَ محققو مسند الإمام أحمد من جميع طرقه (21/12) طبعة مؤسسة الرسالة.
وكذا ضعفه العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على " الفوائد المجموعة " (ص/482) وقال:
" واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسناداً جديداً، أو يلقنه من يقبل التلقين، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتا عن بيان حاله " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس؛ فقد بلغت الخامسة والسبعين! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة) رواه البخاري وغيره. وهو مخرج مع بعض شواهده في " الصحيحة " برقم (1089) . قال الحافظ في " الفتح " (10 / 240) : " الإعذار: إزالة العذر. والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به. .... وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (5983-5984) .
على أن الحديث ـ إن صح ـ فله معنى صحيح، وهو أن يُحمل الحديث على أهل الاستقامة، فهؤلاء يكرمهم الله تعالى بما جاء في هذا الحديث، أما الفسقة الفجرة فلا يستحقون مثل هذا الإكرام.
قال الحافظ بن حجر:
"على أن للحديث عندي مخرجا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة وذلك أنه وإن كان لفظه عاما فهو مخصوص ببعض الناس دون بعض، لأن عمومه يتناول الناس كلهم، وهو مخصوص قطعا بالمسلمين، لأن الكفار لا يحميهم الله، ولا يتجاوز عن سيئاتهم، ولا يغفر ذنوبهم، ولا يشفعهم، وإذا تعين أن لفظة العام محمول على أمر خاص فيجوز أن يكون ذلك خاصا أيضا ببعض المسلمين دون بعض، فيخص مثلا بغير الفاسق، ويحمل على أهل الخير والصلاح، فلا مانع لمن كان بهذه الصفة أن يمن الله تعالى عليه بما ذكر في الخبر، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان والله المستعان" انتهى.
" القول المسدد " (22-24) .
فائدة:
ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر" (ص/278) موعظة، لاعتبار الإنسان بما يمر من زمانه، وما يستقبل منه فقال:
"العاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار....
فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن.
كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير.
فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة، ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد.
وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده.
فإذا دخل في عشر الثمانين ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف.
نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/166)
تعريف موجز بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في أحد المنتديات دعاء غريبا يقول ناشره أنه: " من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، ... ."الخ فقمت بالبحث في "google" وتفاجأت فعلا بحجم انتشار هذا الدعاء، ولم أجد إلا مواقع (أو صفحات) قليلة جدا ردت بالفتوى رقم 21084 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ولكن المشكلة هي: هل بمجرد كتابة هذه الجملة " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " أسفل الجواب يعطي مصداقية للفتوى، أم يجب علينا التأكد من المصدر، وأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فعلا هي مصدر الفتوى. وما هو السبيل للتأكد من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت، وأنها فعلا هي المسؤولة عن إصدار فتوى معينة. وهل هناك موقع رسمي وثقة خاص بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت. وهل يأثم من ينشر الفتوى بدون التأكد من المصدر أو عدم ذكره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية إحدى اللجان العلمية المعتبرة في العصر الحاضر، تضم نخبة من كبار أهل العلم في هذه البلاد، ولها مصداقية عالية في الأوساط العلمية والإسلامية، ولها جهود كبيرة في بيان الأحكام الشرعية للناس، وإصدار الفتاوى المتعلقة بجميع شؤون الحياة، وقد قام الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش بجمع الفتاوى الصادرة عن اللجنة فخرجت المجموعة الأولى منها في ستة وعشرين (26) مجلدا، وخرجت المجموعة الثانية منها في ستة مجلدات، وهي من أهم المراجع التي يستفيد منها الناس وطلبة العلم اليوم في النظر في المسائل الفقهية المعاصرة.
وهذه الفتاوى كاملة متوفرة على شبكة الإنترنت في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على الرابط الآتي:
http://www.alifta.net/Default.aspx
كما يتوفر الكتاب مصورا في شبكة الإنترنت تحت الرابط الآتي:
http://www.archive.org/details/fldbeefldbee
ثانيا:
أما الدعاء المقصود في السؤال، فقد صدرت فيه فتوى حقا من اللجنة الدائمة، وهي منشورة في الكتاب الذي يضم مجموع فتاواهم، ونحن ننقل لك ههنا ما يتعلق بهذا الدعاء:
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-284) فتوى رقم (21084) ما يلي:
" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي \ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه:
لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا اله الواحد القهار، لا إله إلا الله العزيز الغفار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا صمدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له قانتون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له صابرون، لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي ولي الله، اللهم إليك وجهت وجهي، وإليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمون الحديث أنه قال: (من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق بـ 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما)
وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث نزل الأمين جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله: أي عبد من عبيد الله أو أمة من أمتك يا محمد قرأ هذا الدعاء ولو مرة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء:
1 - أرفع عنه الفقر.
2 - أمنه من سؤال منكر ونكير.
3 - أمرره على الصراط.
4 - حفظته من موت الفجأة.
5 - حرمت عليه دخول النار.
6 - حفظته من ضغطة القبر.
7 - حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن:
هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث من خرجه بهذا اللفظ.
ودلائل الوضع عليه ظاهرة لأمور منها:
1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء.
2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية.
3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا.
وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ " انتهى.
ولا بد من التنبيه هنا على وجوب التأكد من نسبة الفتاوى لأصحابها، قبل نشرها والإعلان عنها، بل هذا واجب في كل ما ينسبه الإنسان إلى غيره. قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36، ولو استجاب الناس لهذا الأمر الإلهي كفاهم كثيرا من الشقاق والنزاع الذي لا يأتي إلا بالشر.
ويحصل لك الثقة بأن هذه الفتوى صدرت من اللجنة الدائمة، إما بقراءتها في كتابهم، إن كان متيسرا لديك، أو كانت لديك مصورته، أو بقراءة ذلك في الموقع الرسمي للرئاسة العامة للإفتاء، والذي ذكرنا رابطه فيما مضى، أو بأن ينقل ذلك عنهم أحد الثقات من أهل العلم، أو المواقع الموثوق فيها. وتجد في موقعنا هذا مئات من الأجوبة المنقولة عن اللجنة الدائمة، مع ذكر الجزء والصفحة الذي وردت فيه الفتوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/167)
من أذكار الصباح والمساء ما يحفظ من الضر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يدعو الشخص بدعاء بالنيابة عن أبويه وإخوانه، فقد ورد حديث فيه: أن مَن قاله في الصباح لم يمسسه ضر حتى يمسي، ومن قاله في المساء لم يمسسه ضر حتى يصبح: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) . حيث أنه ورد في بعض الكتب أن أبا الدرداء كان يقول هذا الذكر، فحدث أن نشبت حريق في الحي الذي يعيش فيه أبو الدرداء، فاحترقت البيوت من حوله، ولم يحترق من بيته شيء. فهل ورد حديث صحيح في هذا؟ وهل يصح أن يقول هذا الدعاء بالنيابة عن أفراد عائلته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما الدعاء الوارد في السؤال فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك بعض أهل العلم.
فعن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ)
وقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا.
رواه أبو داود (5088) ، ورواه الترمذي في سننه (رقم/3388) بلفظ:
(مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ)
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه ابن القيم في " زاد المعاد " (2/338) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
يقول الدكتور عبد الرزاق البدر:
" هذا من الأذكار العظيمة التي ينبغي أن يُحافظ عليها المسلمُ كلَّ صباح ومساء، ليكون بذلك محفوظاً بإذن الله تعالى من أن يصيبه فجأةُ بلاءٍ أو ضرُّ مصيبة أو نحو ذلك. قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: " هذا خبَرٌ صحيحٌ، وقولٌ صادق علمناه دليلَه دليلاً وتجربة، فإنِّي منذ سمعته عملت به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أن تركته، فلدغتني عقربٌ بالمدينة ليلاً، فتفكرتُ فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات " - انظر " الفتوحات الربانية " لابن علان (3/100) -
والسُّنَّة في هذا الذِّكر أن يُقال ثلاثَ مرَّات كلَّ صباح ومساء، كما أرشدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
وقوله: (الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ) أي: مَن تعوَّذ باسم الله فإنَّه لا تَضرُّه مُصيبةٌ من جهة الأرض ولا من جهة السماء.
وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) أي: السَّميع لأقوال العباد، والعليمُ بأفعالِهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء.
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم (2709)
وفي رواية للترمذي: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) رقم (3604)
والحُمَةُ: لدغةُ كلِّ ذي سمٍّ كالعقرب ونحوها.
وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سُهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنَّه قال:
(كان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونَها كلَّ ليلةٍ، فلُدغَت جارِيَةٌ منهم، فلَم تَجِدْ لَها وجَعاً) .
فالحديث فيه دلالةٌ على فضلِ هذا الدعاء، وأنَّ مَن قاله حين يُمسي يكون مَحفوظاً بإذن الله مِن أن يَضرَّه لَدْغُ حيَّةٍ أو عقرَبٍ أو نحوِ ذلك " انتهى باختصار النقل عن الدكتور.
" فقه الأدعية والأذكار " (3/12-14)
ومن الأذكار التي تقي من السوء وتدفع الضرر بإذن الله ما رواه عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال:
(خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح غريب. وقال النووي في "الأذكار" (ص/107) : إسناده صحيح.
فالحاصل أن الأدعية والأذكار السابقة تحفظ المسلم من الضر والأذى بجميع أنواعه بإذن الله تعالى، ولكن ليس على وجه اللزوم، فمن أصابه من البلاء مع محافظته على هذه الأذكار فذلك بقدر الله تعالى، وله سبحانه الحكمة البالغة في أمره وقَدَرِه. قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11.
روى عكرمة عن ابن عباس، قال: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خَلَّوا عنه.
وقال مجاهد: ما من عبد إلا له مَلَك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك؛ إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
"تفسير ابن كثير" (4/438) .
ثانيا:
أما الدعاء به نيابة عن أهل البيت فغير مجزئ عنهم، ولا يكفيهم، إذ لم يرد ما يدل على صحة النيابة في الأذكار عن الأحياء، فينبغي أن يحرص كل مسلم على ما ينفعه، وألا يكون حاله حال الغافلين عن ذكر الله عز وجل.
يقول الله تعالى:
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ. إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) الأعراف/205-206.
ثالثا:
أما قصة احتراق البيوت حول بيت أبي الدرداء وسلامة بيته رضي الله عنه فلم ترد في هذا الذكر الوارد في السؤال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ، وإنما وردت في سياق دعاء آخر:
عن طلق بن حبيب، قال:
جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال: يا أبا الدرداء! قد احترق بيتك.
قال: ما احترق، الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك؛ لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم)
رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم/57) والطبراني في " الدعاء " (رقم/343) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " (7/121) من طريق الأغلب بن تميم، حدثنا الحجاج بن فرافصة، عن طلق بن حبيب به.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا حديث لا يثبت، وآفته من الأغلب، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث." انتهى.
" العلل المتناهية " (2/352)
وضعفه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/401)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهذا إسناد ضعيف جداً، الأغلب هذا قال البخاري وغيره: " منكر الحديث ". والحجاج بن فُرافصة فيه ضعف " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6420)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(4/168)
تقسيم الأحاديث إلى آحاد ومتواتر لا يعني التشكيك في صحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتنقت الإسلام والحمد لله، وبسبب أني أدرس التأريخ والحديث في جامعتي، فأنا مهتمة بعلم الحديث، وحسب علمي أن الأحاديث إما صحيح أو ضعيف، ولكني اكتشفت أن هناك المتواتر والآحاد، وأن الأحاديث المتواترة قليلة جدًّا، قد لا تصل إلى عدد مائة حديث، وأن هذه الأحاديث هي المقطوع بصحتها مائة بالمائة، أما ما سواها فليس هناك نوع مقطوع بصحته مائة بالمائة، بما في ذلك الأحاديث الصحيحة، فهل هذا صحيح أم لا؟ وإذا كان الأمر هكذا فما هي هذه الأحاديث المتواترة، ولماذا لا يُؤكد عليها أكثر من غيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بداية فالشكر لله عز وجل أن أنعم عليك بنعمة الإسلام وهداية الإيمان، وأن ألهمك سبحانه سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فالإسلام دين الأخلاق والقيم، كما هو دين الشريعة العادلة والأحكام التي تُصلِح أحوالَ الناس، وهو الدين الذي أكمل الله به الرسالات السابقة، يمتاز أتباعُه بأنهم يؤمنون بجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهنيئا لك هذا الباب من السعادة في الدنيا والآخرة، واسألي الله دائما الثبات والتوفيق.
ثم نرحب بك معنا في موقعنا، وسوف نكون سعداء إذا أرسلت إلينا بما عندك من أسئلة واستفسارات، فنرجو ألا تترددي في الكتابة بما عندك.
ثانيا:
وفي شأن علم الحديث الشريف، فهو علم غاية في الدقة، غاية في الإحكام، دُوِّنَت فيه آلاف الصفحات، وبُذلت في سبيله الأرواح والأموال والأعمار، حتى استطاع المسلمون الذين أحبوا نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم أن ينقلوا أقواله وأفعاله وصفاته وأحواله لجميع العصور من بعدهم، حتى نقلوا ضحكاته وسكتاته، ونقلوا قيامه وقعوده، ونومه ويقظته، نقلوا تفاصيل كثيرة عن هذا النبي العظيم.
ثالثا:
أما عن تحديد زمن كتابة الأحاديث النبوية، فهذه مسألة يخطئ فيها كثير من الناس بسبب تحريف بعض المستشرقين للحقائق التاريخية، فقد ثبت بالأدلة القطعية أن كتابة الأحاديث وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي حياته، وأن الذي تأخر هو جمعها كلها في كتاب واحد، وترتيبها على الأبواب، والعناية بتأليفها وتصنيفها، والأدلة على ذلك كثيرة جدا، لا يُنكِرها إلا جاحد معاند يبتغي تشكيك المسلمين بدينهم، أو جاهلٌ لا يعرف أن كتابة السنة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تدوينها – بمعنى تأليف الكتب الكبار في جمعها وتصنيفها والعناية بها – هو الذي تأخر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:
(كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) . رواه أبو داود (3646) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فانظري كيف أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جمع من الأحاديث كتابا كبيرا كان يسمى " الصحيفة الصادقة "، وهي من أشهر الصحف الحديثية المكتوبة في العصر النبوي، فهناك صحف – أي كتب – كثيرة كان الصحابة يكتبون فيها الأحاديث التي يسمعونها من النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منها محفوظ بنصه إلى اليوم، وما تَبَقَّى رواه لنا الأئمة الكبار كالبخاري ومسلم في كتبهم، ومن أراد الاطلاع على جميع ما ورد في ذلك فليرجع إلى ثلاثة دراسات مهمة في هذا الموضوع، وهي:
1- " دراسات في الحديث النبوي ": تأليف الدكتور: محمد مصطفى الأعظمي.
2- " تدوين السنة النبوية " للدكتور محمد مطر الزهراني.
3- " تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين " للدكتور حاكم بن عبيسان المطيري. ففي هذه الكتب شرح مفصل وبيان دقيق لهذه المسألة المهمة، وقد ذكرنا لك هنا خلاصة الأفكار التي جاءت في هذه الكتب.
رابعا:
أما عن فكرة درجة التصديق بما جاء في الأحاديث تبعا لتنوعها بين الآحاد والمتواتر، فنحب أن ننبه هنا إلى أنها مسألة تحكمها الاحتمالات والافتراضات العقلية أكثر من تعلقها بالواقع العملي، وقواعد العلماء في التصحيح والتضعيف؛ وعلم الحديث إنما يقرر القواعد التي نستطيع من خلالها الحكم على الحديث بالقبول أو الرد، والقبول بمعنى التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قوله عليه الصلاة والسلام، بغض النظر عن درجة ذلك القبول.
ولكي تتضح الصورة، نضرب لك مثالا يوضح لك المسألة إن شاء الله، ويبين لك أن تقسيم العلماء للأحاديث إلى متواتر وآحاد، لا يعني الشك في ثبوت أحاديث الآحاد:
إذا جاءت واحدة من زميلاتك الطالبات فأخبرتك أن المعلمة قد حددت موعدا للاختبار في اليوم الفلاني، وأنت لا تشكين في صدق هذه الطالبة، ولا تشكين في حفظها ونباهتها، ألا يكفي ذلك بالنسبة لك لبدء الإعداد لذلك الامتحان والتحضير له، أوليس خبرها كافيا أيضا لتوجيه اللوم لك إن قصرت في التحضير للامتحان، وكل من حولك سواء من أهلك أو زميلاتك أو معلماتك سيتوجهون إليك بأصابع الاتهام بالتقصير إن أنت لم تحصلي على علامة جيدة.
هذا هو معنى كون خبر زميلتك هذه مقبول عندك.
فما رأيك إذا جاءت صديقة أخرى فأخبرتك الخبر نفسه! لا شك أن ذلك سيؤكد الخبر بالنسبة لك، ولكن تأكيد الخبر لا يعني أن خبر صديقتك الأولى لم يكن كافيا، أو لم يكن مفيدا، بل هو كاف ومفيد، ولكن أخبار الصديقات الأخريات عززه وأكده.
فما رأيك إذا رجعت إلى الجامعة فسمعت من معلمتك نفسها عن موعد الاختبار، ألا يبلغ قلبك حينئذ درجة من العلم قد لا يمكن تأكيدها أكثر من ذلك! فهل هذا يعني أن إخبار صديقاتك لك لم يكن كافيا بالنسبة لك، أم أنه كان كافيا ولكن سماعك من معلمتك بلغ بقلبك مرحلة اليقين.
هذا هو معنى ما يتكلم به بعض أهل العلم أن حديث الآحاد ليس كالحديث المتواتر، ونحن نقول: نعم، والحديث المتواتر أيضا ليس كالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكن ذلك لا يعني أن حديث الآحاد غير مقبول وغير كاف لإقامة الحجة على العباد، تماما كما أن كل العقلاء يعرفون أن خبر صديقتك الصادقة الحافظة لك أنها سمعت المعلمة تحدد موعد الامتحان كاف في إقامة الحجة عليك، ودفعك للتحضير والدراسة.
نرجو أن تكون المسألة أصبحت واضحة بهذا المثال.
ثم نزيد فنقول، إن ما أشرت إليه من أحاديث البخاري ومسلم، أو غيرهما، مما تلقاه أهل العلم بالقبول، قد جاء ما يقويها ويؤكدها ويرفعها إلى مرتبة إفادة العلم، ووجوب تصديقها، والعمل بما فيها:
1- فأكثرها جاء من طرق وروايات وأسانيد كثيرة، مما يؤكد مضمون الحديث وصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد التأكد من ذلك فليرجع إلى الكتب الستة ليرى كيف أن الحديث الواحد يرويه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وهكذا، وإن لم يبلغ حد التواتر.
2- وكثير من أحاديث الآحاد أجمعت عليها الأمة، وتلقاها العلماء بالقبول، من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وعملوا بها جميعا، وهذا أيضا يؤكد ويقوي هذه الأحاديث، مثال ذلك الأحاديث الواردة في الصحيحين: البخاري ومسلم، فما زال العلماء يقبلونها ويعملون بما فيها، ومعلوم أن اتفاق العلماء على مر العصور على قبول حديث معين علامة من علامات تأكيده وقوته.
3- بل وكثير من هذه الأحاديث الصحيحة تشهد لها آيات من القرآن الكريم، وتشهد لها أقوال الصحابة الكرام، بل ويشهد لها الواقع والتاريخ أيضا، فكل هذه مؤكدات رفع مستوى التصديق بخبر الآحاد.
وهذه المؤكدات يسميها العلماء " القرائن "، أي المؤكدات التي تثبت الأحاديث وتؤكدها، وقد رجح المحققون من العلماء أن حديث الآحاد إذا اقترنت به بعض هذه المؤكدات فإنه يفيد العلم الذي يفيده الحديث المتواتر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما المتواتر فالصواب الذي عليه الجمهور: أن المتواتر ليس له عدد محصور، بل إذا حصل العلم عن إخبار المُخبِرين كان الخبر متواترا، وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبِرين به، فرب عدد قليل أفاد خبرُهم العلم بما يوجب صدقهم، وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم؛ ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم؛ وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر؛ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلَمُ علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول، وخبر الواحد المتلقَّى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك؛ فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن؛ لكن لمَّا اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكمٍ مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي؛ لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يُجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث، لا يُجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق، وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار، توجب لهم العلم، ومَن عَلِمَ ما عَلِمُوه حَصَلَ له مِن العلم ما حصل لهم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (18/40-41) .
وبناء على ما سبق، فإن الذي يحتاجه المسلم، وهو الأمر الذي تفضلتِ ـ أختنا الكريمة ـ بالإشارة إلى أهمية العناية به من المسلمين، ليس هو ما يطلق عليه ـ اصطلاحا ـ: الحديث المتواتر؛ فإن هذا بحث علمي اصطلاحي، وإنما الذي تريدينه، وهو ما ثبت لدى أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، دائرته أوسع من ذلك بكثير، كما مر معنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدخل في هذه الدائرة الواسعة، التي يجب على المسلم العناية بها، أحاديث الصحيحين: البخاري ومسلم، فقد تلقى العلماء هذين الكتابين بالقبول، واعتمدوا على أحاديثهما.
فإياك أن تظني أن معنى كون الحديث آحادا أنه مشكوك في صحته، وإياك أن تظني أن الأحاديث التي تأكدت صحتها يقينا هي المتواتر فقط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/169)
هل ورد أنه يدخل مع المرأة النار أربعة أشخاص إذا هي دخلتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن المرأة إذا قُدّر لها أن تدخل النار فإنه يدخل معها أربعة أشخاص كذلك، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على حديث بهذا المعنى، لا صحيحٍ ولا ضعيف، ولن يدخل أحد النار بذنوب غيره، فإنه لن يتحمل أحد ذنوب أحد، قال الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْر أُخْرَى) الأنعام/164، وقال عز وجل: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فاطر/18.
وهذا الأصل قد بينه الله تعالى في كتبه المنزلة على أنبيائه السابقين أيضاً، كما قال تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/36- 39.
"فكل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنباً". "تفسير السعدي".
وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان من خطبته: (أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) رواه الترمذي (2159) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فلا يؤخذ أحد بجريرة أحد، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس في السنة حديث يدل على أن أناسا يدخلون النار بسبب أوزار غيرهم، وإنما يدخلونها بوزر أنفسهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (98675) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/170)
كيف روى أبو هريرة رضي الله عنه كل هذه الأحاديث ومدة صحبته ثلاث سنوات فقط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات المسلمات سألتني سؤالاً فلم أستطع أن أجيبها، قالت: طالما أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث سنوات فقط، فكيف روى جميع هذه الأحاديث؟ أرجو التفصيل، وتدعيم الإجابة بالأدلة، حتى أتمكن من الشرح لها وتفهيمها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس هذا محل إشكال على الإطلاق، وإذا قمنا بعملية حسابية سريعة يتبين لنا أن هذا الإشكال لا حقيقة له.
وبيان ذلك: أن ثلاث سنوات من صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم تعني أكثر من (1050) يوماً.
وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة، يصاحبه أينما حل وارتحل، ويقضي معه معظم يومه، كما أخبر هو عن نفسه رضي الله عنه، وأقر له الصحابة بذلك، فكم حديثاً نتوقع أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم؟
لا نريد أن نبالغ في العدد المفترض كي يتقبل القارئ الحجة، بل نفترض عدداً يقبله كل منصف يريد معرفة الحق لاتباعه، ولتكن خمسة أحاديث في اليوم فقط، ونعني بالأحاديث هنا خمسة مواقف، فالحديث قد يكون قولياً، وقد يكون فعلياً، وقد يكون إقرارا من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أو قول فعل أمامه أو بلغه، وقد يكون الحديث وصفا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فلو نقل أبو هريرة رضي الله عنه لنا فعلاً فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو حدثاً معيناً - ولو كيفية الخروج للصلاة - فهذا يعد حديثا في عرف المحدثين.
فلو فرضنا أن أبا هريرة رضي الله عنه سيسمع عند كل صلاة من الصلوات الخمس كلمة من النبي صلى الله عليه وسلم، أو يشاهد موقفاً معيناً، فستكون حصيلة العلم الذي يجمعه أبو هريرة رضي الله عنه في اليوم الواحد خمسة أحاديث فقط.
ولا نظن أن أحداً يزعم أن هذا عدد كبير لحال أي صديق مع صديقه، فكيف بحال أبي هريرة رضي الله عنه المتفرغ للعلم، وهو يصاحب أعظم الرسل، وسيد البشر، محمداً صلى الله عليه وسلم؟
وعليه؛ ففي آخر صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ستكون حصيلة الأحاديث أكثر من خمسة آلاف حديث.
وهكذا هي فعلا الأحاديث التي تروى عن أبي هريرة في كتب السنة، نحو (5374) بحسب عددها في " مسند بقي بن مخلد " أضخم موسوعة حديثية مؤلفة، نقلاً عن الدكتور أكرم العمري في كتابه " بقي بن مخلد ومقدمة مسنده " (ص/19) .
فأين هي المبالغة المنسوبة لأبي هريرة رضي الله عنه في روايته للأحاديث؟
نظن أن أي منصف يتأمل عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه مع مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم يستنتج أنه لا صحة لهذه الزوبعة التي يثيرها البعض على مرويات أبي هريرة رضي الله عنه.
فكيف إذا علم القارئ الكريم أن الخمسة آلاف حديث المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل الصحيح والضعيف والموضوع؟ يعني أن بعض هذه الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة رضي الله عنه لم تصح عنه من الأصل.
وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل المكرر الذي جاء بمتن ونص واحد ولكن تعددت أسانيده وطرقه؟ فبعض الأحاديث تروى من عشرة طرق ونصها واحد، فهذه يعدها العلماء عشرة أحاديث وليست حديثا واحداً.
وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً: أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة لم يأخذها كلها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل أخذ كثيراً منها عن إخوانه السابقين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم؟
ثم كيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنوات، وليس ثلاثة فقط.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مدة صحبة أبي هريرة رضي الله عنه:
" قدم في خيبر سنة سبع، وكانت خيبر في صفر، ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فتكون المدة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري" انتهى.
" فتح الباري " (6/608) .
وأما إخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن نفسه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، كما وقع في "صحيح البخاري" (حديث رقم/3591) أنه قال: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ سِنِينَ، لَمْ أَكُنْ فِى سِنِىَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِىَ الْحَدِيثَ مِنِّى فِيهِنَّ) .
فهذا محمول على تقديره رضي الله عنه للمدة التي لازم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة، واستثنى الأيام التي ابتعد فيها حين ذهب إلى البحرين، أو في بداية إسلامه، أو في أيام الغزوات، حيث قد لا يتيسر له ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة، وذلك بعد قدومهم من خيبر، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعُمَرِه؛ لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى، والله أعلم " انتهى.
" فتح الباري " (6/608) .
فإذا تبين أن صحبة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنين، وأسقطنا من عدد الأحاديث المروية عن أبي هريرة الأحاديث المكررة والضعيفة، فأي محل يبقى لدعوى مبالغة أبي هريرة رضي الله عنه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
ثانياً:
ثم ننقل هنا بعض ما كتبه علماؤنا رحمهم الله في توضيح أسباب كثرة روايات أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة عن غيره من الصحابة رض الله عنهم.
قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله:
"لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب، استخرجناها من عدة روايات:
أحدها: أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وضبط أحواله؛ لأجل أن يستفيد منها، ويفيد الناس، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله، وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة، وقد ثبت أنهم كانوا يُسَرُّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الدلائل على هذا السبب ما رواه عنه البخاري قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث) .
وما رواه أحمد عن أُبيّ بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره.
ثانيها: أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبعه حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه، ولو في أثناء الطريق، فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة من صحبة كثير من الصحابة الذين لم يكونوا يَرَوْنه صلى الله عليه وسلم إلا في وقت الصلاة، أو الاجتماع لمصلحة يدعوهم إليها، أو حاجة يفزعون إليه فيها، وقد صرح بذلك لمروان.
وأخرج البغويّ بسند جيد - كما قال الحافظ ابن حجر - عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة:
أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه.
وفي " الإصابة " عنه أنه قال: أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث.
وعن طلحة بن عُبيد الله: لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما لم نسمع.
ثالثها: أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة، وما يقرب منه؛ إذ كانوا يعتمدون على حفظهم، ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدءوا يأخذونها، وقالوا: إن الإنسان يتكل على ما كتب فيضعف حفظه، وإننا نفاخر بحفاظ أمتنا جميع الأمم، وتاريخهم ثابت محفوظ، قال الإمام الشافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال البخاري مثل ذلك، إلا أنه قال: عصره. بدل دهره.
وأعظم من ذلك ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه.
رابعها: بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان، كما ثبت في حديث بسط الرداء المتقدم – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: (ابْسُطْ رِدَاءَكَ. فَبَسَطْهُ. فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمّهُ. قال أبو هريرة: فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) رواه البخاري (119) - وهو مروي من طرق متعددة في الصحاح والسنن.
خامسها: دعاؤه له بذلك كما ثبت في حديث زيد بن ثابت عالم الصحابة الكبير رضي الله عنه عند النسائي، وهو: (أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد، ندعو الله ونذكره، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال زيد فدعوت أنا وصاحبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ودعا أبو هريرة فقال: إني أسألك
مثل ما سأل صاحباي، وأسألك علمًا لا يُنسى , فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي) – قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (4/208) : إسناده جيد -.
سادسها: أنه تصدى للتحديث عن قصد؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال، والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة؛ لأنه يقصد التعليم لذاته، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه.
سابعها: أنه كان يحدث بما سمعه وبما رواه عن غيره من الصحابة كما تقدم، فقد ثبت عنه أنه كان يتحرى رواية الحديث عن قدماء الصحابة، فروى عن أبي بكر وعمر، والفضل بن العباس وأُبيّ بن كعب، وأسامة بن زيد وعائشة، وأبي بصرة الغفاري، أي: أنه صرح بالرواية عن هؤلاء، ومن المقطوع به أن بعض أحاديثه التي لم يصرح فيها باسم صحابي كانت مراسيل؛ لأنها في وقائع كانت قبل إسلامه، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور.
فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب.
على أن جميع ما أخرجه البخاري في صحيحه له (446) حديثًا، بعضها من سماعه، وبعضها من روايته عن بعض الصحابة، وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة.
فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا، وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟! " انتهى باختصار.
"مجلة المنار" (19/25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/171)
موقفنا ممن يضعف أحاديث في صحيح البخاري ومسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقفنا ممن يضعف أحاديث في صحيح مسلم أو صحيح البخاري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا شذوذ عن العلماء لا يعول عليه إلا في أشياء يسيرة عند مسلم رحمه الله نبه عليها الدارقطني وغيره، والذي عليه أهل العلم هو تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول والاحتجاج بها كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر والحافظ ابن الصلاح وغيرهما، وإذا كان في بعض الرجال المخرج لهم في الصحيحين ضعف فإن صاحبي الصحيح قد انتقيا من أحاديثهم ما لا بأس به، مثل: إسماعيل بن أبي أويس، ومثل عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجماعات فيهم ضعف لكن صاحبي الصحيح انتقيا من أحاديثهم ما لا علة فيه؛ لأن الرجل قد يكون عنده أحاديث كثيرة فيكون غلط في بعضها، أو رواها بعد الاختلاط إن كان ممن اختلط، فتنبه صاحبا الصحيحين لذلك فلم يرويا عنه إلا ما صح عندهما سلامته.
والخلاصة: أن ما رواه الشيخان قد تلقته الأمة بالقبول، فلا يسمع كلام أحد في الطعن عليهما رحمة الله عليهما، سوى ما أوضحه أهل العلم كما تقدم.
ومما أخذ على مسلم رحمه الله رواية حديث أبي هريرة: (أن الله خلق التربة يوم السبت. . . إلخ الحديث) . والصواب: أن بعض رواته وهم برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار؛ لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
الصحيحة كلها قد دلت على أن الله سبحانه قد خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة؛ وبذلك علم أهل العلم غلط من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله خلق التربة يوم السبت) ، وغلط كعب الأحبار ومن قال بقوله في ذلك، وإنما ذلك من الإسرائيليات الباطلة، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/69) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/172)
حديث: (أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث جاء بسند واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام الدارمي رحمه الله في سننه (1/69) فقال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، حدثنا أبي، حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن أبى أيوب، عن عبيد الله بن أبى جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) .
وهذا الإسناد إلى عبيد الله بن أبي جعفر صحيح، غير أن عبيد الله بن أبي جعفر المتوفي سنة 136 من أتباع التابعين، ولا تعرف له رواية عن الصحابة رضي الله عنهم. فحديثه هذا يسمى "معضل" وهو من أقسام الحديث الضعيف، لعدم اتصال سنده.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله:
" أما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه: المعضل، وهو أخفض مرتبة من المرسل " انتهى.
" الكفاية " (ص/29) .
وقد ضعفه كل من الحافظ ابن رجب في " شرح حديث ما ذئبان جائعان "، والعجلوني في "كشف الخفاء"، وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1814) .
والحديث وإن كان ضعيفاً غير أن معناه صحيح، فمن أقدم على الفتوى من غير تثبت ولا بحث في الأدلة فقد تسبب في إدخال نفسه النار.
وانظر: "فيض القدير" (1/205، 206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/173)
الحديث القدسي إني والإنس والجن في نبأ عظيم لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تخريج الحديث القدسي التالي، فهو متداول بكثرة في المنتديات، وأرغب في معرفة الزيادات الضعيفة أو الموضوعة في الحديث، وجزاكم الله خيرا. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ) (أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!) (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الجزء الأول من هذا الحديث وهو قوله: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) من الأحاديث القدسية الضعيفة المشهورة، والأحاديث القدسية من أكثر الأبواب التي دخل فيها الضعيف والمكذوب.
أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (2/93) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17/77) وعبد الغني المقدسي في " التوحيد " (108) -، وأخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " – كما عزاه إليه في " الدر المنثور " (7/625) - وأخرجه أيضاً البيهقي في " شعب الإيمان " (4/134) ، والديلمي في " الفردوس " (3/166)
كلهم من طريق بقية بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله:
" ضعيف.... منقطع، فإن عبد الرحمن بن جبير، وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، فعلة الحديث الانقطاع " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/2371) ، وضعفه السيوطي في " الجامع الصغير "، والمناوي في شرحه " فيض القدير " (4/469) .
ومع ذلك فمعنى الحديث صحيح مقبول، وليس فيه ما ينكر، إلا أنه لا تجوز نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" معناه صحيح، أن الله يخلق ويعبد سواه، الله خلق المشركين وعبدوا سواه، والله يرزق ويشكر سواه، هذا واقع " انتهى.
نقلا من موقعه على هذا الرابط:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID=19878&PageID=9839
ثانيا:
أما الجزء الثاني وهو قوله: (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ)
فهو حديث موضوع مكذوب وإن كان معناه مقبول أيضا:
جاء في " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/3287) للشيخ الألباني رحمه الله:
" (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إليَّ صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عند كل يوم وليلة بعمل قبيح! يا ابن آدم! لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف؛ لسارعت إلى مقته)
موضوع. أخرجه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/ 4) ، والديلمي (4/ 257-زهر الفردوس) من طريق داود بن سليمان الغازي: حدثني علي بن موسى الرضا.. (قلت: فساق إسناده عن آبائه عن علي رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ... فذكره.
قلت – أي الشيخ الألباني -: وهذا موضوع؛ آفته الغازي هذا، وهو شيخ كذاب كما تقدم مراراً.
لكن تابعه أحمد بن علي بن مهدي الرقي: حدثنا أبي: حدثنا علي بن موسى الرضا به.
أخرجه الديلمي، وكذا نظيف المصري في "الفوائد" (ق106/ 2) ، ومن طريقه أبو نصر الغازي في "جزء من الأمالي" (ق78/ 1) وزاد:
(تفعل الكبائر أو ترتكب الكبائر ثم تتوب إلي فأقبلك إذا خلصت نيتك، وأصفح عما مضى من ذنوبك، وأدخلك جنتي وأجعلك في جواري، سوءة (!) لإقامتك على قبيح فعالك)
لكن الرقي هذا وأبوه لم أعرفهما، ولعل أحدهما سرقه من الغازي؛ فإن لوائح الوضع والصنع على الحديث ظاهرة " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
والحديث أخرجه أيضا ابن عساكر في " معجم الشيوخ " (رقم/1270) من الطريق الأولى الموضوعة، ويروى في كتب أخرى من نقل وهب بن منبه عن الكتب السابقة، وهو بذلك أشبه.
ثالثا:
أما الجزء الثالث من الحديث المذكور، وهو قوله:
(أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!)
فلم نجده مسندا ولا مأثورا في كتب أهل العلم، وأقدم من رأيناه ذكره هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (14/319) حيث قال:
" وقد جاء فى بعض الأحاديث:
(يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، أي محبهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب)
وذكر تكملته ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " (1/194) من غير عزو لكتاب.
رابعا:
أما الجزء الأخير من الحديث، وهو قوله: (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم)
فقد صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ) رواه مسلم (2687) .
وبالجملة، فالحديث ـ بهذا السياق ـ ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض جمله قد روي مفرقا، كما ذكرنا في الجواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/174)
كيف التوفيق بين قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وحديث إن ابني هذا سيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) وعند البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) سؤالي رعاك الله: هل يصح أن نقول إن الإمام الحسن أو الحسين أبناء النبي صلى الله عليه وسلم لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم؟ أم إنهم يدخلون في عموم قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. . الآية) فيما يخص النهي عن التبني بشكل عام، ويدخل فيه تبني رجل أحدا ليس من صلبه مباشرة، وإن كان من سلالته وإن نزلت؟ وهل منزلة البنوة التي أثبتها صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور آنفاً حقيقية أم مجازية؟ وفقكم الله، وفتح عليكم من واسع فضله وعلمه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس بين الآية والحديث تعارض والحمد لله، وإنما يقوم التعارض في ذهن بعض السامعين بسبب عدم تمكنهم من تصور مقصود السياق تصوراً تاما.
فالآية الكريمة إنما تتحدث عن شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل تحريم التبني، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمات ليزيل ما قد يقع في قلوب بعض الناس من إنكار زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني سابقا، فذكر عز وجل أن التبني باطل، وأنه لا تنبني عليه أحكام أبوة النسب الحقيقي، فقال عز وجل:
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب/37-39.
ومعلوم أنه ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الأولاد الذكور، وولد له حفيدان اثنان من ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وليس هؤلاء الأولاد محل إشكال ولم يدخلوا في النفي أصلا، لأسباب عدة:
1- أن سياق الآيات لا يقصدهم أصلا، بل يقصد نفي وجود أبوة نسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المسلمين كي لا تنكر قلوبهم زواجه من زينب رضي الله عنها، ولذلك جاءت الآية بلفظ الخطاب فقال: (من رجالكم) ، فلا يدخل فيه أصلا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن أبناءه الذكور صلى الله عليه وسلم ماتوا جميعا قبل بلوغ الحلم، وهذا من حكمة الله عز وجل، لما في ذلك من تقرير ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونفي توهم كون النبوة تنتقل بالوراثة بين الأب وأبنائه، وأما الحسن والحسين فهما وإن كانا من أحفاده صلى الله عليه وسلم لكنهما لا ينتسبان إليه من جهة الأبوة، بل ينتسبان إلى أبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذلك كان بقاؤهما أحياء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حكمة الله عز وجل أيضا، فلم يدَّعِ أحد لهما النبوة بعد جدهما من أمهما النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض مع نفي أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من رجال المسلمين.
3- ثم إن الآية نفت أبوة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية لأحد من المسلمين، وليس الأبوة المجازية، وأبوة الرجل لأحفاده من جهة ابنته أبوة مجازية، بل أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لسائر المسلمين أبوة مجازية، وفي تفسير بعض الصحابة لقول الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) قال: وهو أب لهم.
وننقل هنا كلام أهل العلم في هذه الآية، وفي بعضه جواب عن التعارض الذي عرض للسائل الكريم:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" وقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) نهى تعالى أن يقال بعد هذا: " زيد بن محمد " أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه صلوات الله عليه وسلامه لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم؛ فإنه ولد له القاسم، والطيب، والطاهر، من خديجة، فماتوا صغارا، وولد له إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضا رضيعا، وكان له من خديجة أربع بنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته ثلاث، وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به، صلوات الله وسلامه عليه، ثم ماتت بعده لستة أشهر " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (6/428)
ونحوه في " معالم التنزيل " للبغوي (6/358) ، و" اللباب " لابن عادل (15/557) .
وقال بهاء الدين ابن قدامة (682هـ) رحمه الله:
" وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: (إن ابني هذا سيد) – رواه البخاري (2704) - مجاز بالاتفاق، بدليل قول الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) " انتهى.
" الشرح الكبير " (6/224)
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" فقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) إنما سيق لانقطاع حكم التبني، لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام " انتهى.
" الصواعق المحرقة " (2/462)
وجاء في " الدرر السنية " (13/368) :
" وسئل أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ عن قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) سورة الأحزاب آية/40 هل هذه الآية قطعت كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والدا للحسن والحسين، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على تسميتهما ابنين له؟
فأجاب:
سبب نزول الآية يزيل هذا الإشكال ; وذلك أنه ذكر المفسرون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس: تزوج امرأة ابنه، وأنزل الله هذه الآية – يعني: زيد بن حارثة – يعني: لم يكن أبا لرجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح.
فإن قيل: قد كان له أبناء: القاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، وقال للحسن: (إن ابني هذا سيد) ؟
فالجواب: أنهم قد خرجوا من حكم النفي بقوله: (من رجالكم) ، وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال.
وأجاب بعضهم: بأنه ليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين، وإضافة (رجالكم) إلى المخاطبين يخرج من كان من بنيه، لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/175)
لم يثبت استحباب قراءة هذه السور في أذكار الصباح والمساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك أدلة صحيحة على قراءة سورة الإخلاص عشر مرات مع أذكار الصباح. وأواخر سورة الحشر، وسورة الصافات عند كل ليلة. وبداية سورة البقرة، والآيتان بعد آية الكرسي والنصر والكافرون مع أذكار النوم. أرجو منكم الرد في أسرع وقت، لأني أفعل كل هذه الأشياء، وأخاف أن تكون بدعة. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في السنة الصحيحة استحباب قراءة هذه الآيات والسور في أذكار الصباح والمساء على هذا النحو، وإنما الذي صح قراءة الآيات والسور الآتية:
آية الكرسي، وأواخر سورة البقرة، وسورة الإسراء، والزمر، والسجدة، وتبارك، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان.
وقد سبق سرد الأدلة الصحيحة في جواب السؤال رقم: (72591)
ومن الأدلة الصحيحة أيضا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ: " الم تنزيل " – أي السجدة - و " تبارك الذي بيده الملك ".
رواه الترمذي (2892) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/585)
وانظر جواب السؤال رقم: (26240)
وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال:
(خرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح. وصححه النووي في " الأذكار " (107) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ورد في سورة الإخلاص بعد الفجر موقوفات ضعيفة، منها ما يرويه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/102) بسند فيه رجل مجهول، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (من قرأ بعد الفجر (قل هو الله أحد) عشر مرات لم يلحق به ذلك اليوم ذنب وإن جهدته الشياطين)
وأما أواخر سورة الحشر فالحديث فيها ضعيف أيضا لا يثبت:
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ)
رواه الترمذي (2922) وقال: حديث غريب. قال النووي: " إسناده فيه ضعف " انتهى. " الأذكار " (ص/114) ، وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال " (1/632) : غريب جدا. وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (2/58) : " علته خالد بن طهمان. قال ابن معين: ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين " انتهى.
فالحاصل أننا ننصحك بالالتزام بما ورد في السنة النبوية، ففيه الغنية والكفاية عن زيادة ما عداه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/176)
هل صح أن الحجب تنكشف بين الله وبين العباد وقت الإفطار من الصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث عن فضل الصيام: " أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب! لقد شرفتني بالتكلم معك بلا ترجمان , فهل أعطيت هذا الشرف لغيري؟ فيقول الله سبحانه وتعالى: يا موسى! سوف أرسل أمة من الأمم - والتي هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم - وهم ذو شفاه وألسن جافة , وأجسام نحيلة هزيلة، وسوف يدعونني فيكونوا أقرب إلي منك. يا موسى! بينما أنت تتكلم معي، هناك 70000 حجاب بيني وبينك , لكن عند وقت الإفطار سوف لن يكون هناك أي حجاب بيني وبين أمة محمد صلى الله عليه وسلم " سؤالي هو: هل هذا الحديث صحيح؟ لأنه قد انتشر على النت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا الحديث من السنة النبوية، وليس هو مما يعرفه الحفاظ والمحدثون في كتبهم ومسانيدهم، ولا تتناقله إلا بعض الكتب التي ملأها أصحابها بالموضوعات والمكذوبات والقصص والخرافات، ككتاب " نزهة المجالس ومنتخب النفائس " للمؤرخ الأديب عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري، المتوفى سنة (894هـ) ، ص/182-183 باب فضل رمضان والترغيب في العمل الصالح فيه "، وكذلك في تفسير " روح البيان " (8/112) لإسماعيل حقي الحنفي الخلوتي المتوفى سنة (1127هـ) ، فقد ذكرا نحو هذا الحديث الذي يقصده السائل، حيث جاء فيه: (قال موسى عليه السلام: يا رب! أكرمتني بالتكليم، فهل أعطيت أحداً مثل ذلك؟ فأوحى الله تعالى: يا موسى! إن لي عباداً أخرجهم في آخر الزمان وأكرمهم بشهر رمضان فأكون أقرب لأحدهم منك؛ لأنك كلمتني وبيني وبينك سبعون ألف حجاب، فإذا صامت أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى ابيضت شفاههم، واصفرت ألوانهم، أرفع الحجب بيني وبينهم وقت إفطارهم. يا موسى! طوبى لمن عطش كبده، وأجاع بطنه في رمضان)
ثم إن في متن هذا الحديث ما يدل على نكارته، وذلك في قوله في الحديث (فأكون أقرب لأحدهم منك – يعني موسى عليه السلام) ، والمعلوم في عقائد المسلمين أن الرسل والأنبياء أفضل من جميع البشر سواهم، فكيف وموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، فكيف يتقرب الله إلى عباده أكثر من نبيه موسى عليه السلام، وقد قال في حقه جل وعلا: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) مريم/52، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " أُدنيَ حتى سمع صريف القلم " – يعني بكتابة التوراة -. انظر: " تفسير القرآن العظيم " للحافظ ابن كثير (5/237) .
والخلاصة: أن هذا الحديث المذكور ليس في شيء من الكتب المعتمدة، ولا يجوز نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اعتقاد ما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(4/177)
هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري هو أصح كتاب مأثور بعد كتاب الله تعالى، وما زال العلماء والمحدثون والحفاظ يشهدون له بالجلالة والمرتبة العالية في التوثيق والإتقان، حتى نقل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في " صيانة صحيح مسلم " (ص/86) بسنده إلى إمام الحرمين الجويني أنه قال:
" لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما " انتهى.
وليس ذلك بمستبعد والبخاري هو الإمام الحافظ الكبير الذي شهد له جميع المحدثين بالحفظ والإتقان، وقد كان يستخير الله تعالى ويصلي ركعتين في كل حديث يثبته في كتابه حتى أتمه على هذا الوجه.
ونحن وإن كنا نعلم أنه قد وجهت بعض الانتقادات اليسيرة لأحاديث معدودة مثبتة في صحيح البخاري، إلا أننا نؤكد أنه لا حرج في إطلاق الصحة على جميع أحاديث الكتاب، وذلك لما يلي:
1- أكثر العلماء والمحدثين يرون الصواب مع الإمام البخاري فيما انتقد عليه، ومعلوم أنه ليس من المنهج السليم التسليم بالانتقاد لمجرد وجوده، بل الأمر يرجع إلى الحجة والبرهان، وقد فصل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه العظيم " فتح الباري "، وخاصة في مقدمته المسماة " هدي الساري " الجواب عن هذه الانتقادات اليسيرة، وأوضح وجه الصواب فيها.
2- مجموع أحاديث صحيح البخاري بالمكرر – بترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله – بلغ (7563) حديثا، فإذا عرفنا أن الانتقادات الموجهة لا تتجاوز بضع عشرات، وأن أكثر هذه الانتقادات إنما هي موجهة لأمور تتعلق بالأسانيد ورسومها، أو لأمور تتعلق ببلوغ درجة أصح الصحيح، أو تتعلق بكلمة أو كلمتين من الحديث، وأما الانتقادات المتعلقة بأمور تؤثر في صحة المتن فهي نادرة نحو الحديث والحديثين والثلاثة - إذا عرفنا ذلك كله أدركنا أن إطلاق الصحة على جميع ما في البخاري من متون مسندة في صلب الكتاب إطلاق صحيح لا يجوز إنكاره.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما " انتهى.
"تهذيب الأسماء واللغات" (1/73)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
" ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/74)
ويقول الحافظ ابن حجر في الجواب على وجود انتقادات لصحيح البخاري:
" والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول:
لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه. وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا، وروى الفربري عن البخاري قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته. وقال مكي بن عبد الله سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة.
وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما:
القسم الأول منها: ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالطريق الناقصة، فهو تعليل مردود ... وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ... فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ماله متابع وعاضد، أو ما حفته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع.
القسم الثاني منها: ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد ... فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف فينبغي الإعراض أيضا عما هذا سبيله.
القسم الثالث منها: ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها: فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إن كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين.
القسم الرابع منها: ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف من الرواة، وليس في هذا الصحيح من هذا القبيل غير حديثين، وتبين أن كلا منهما قد توبع.
القسم الخامس منها: ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله، فمنه ما يؤثر ذلك الوهم قدحا، ومنه ما لا يؤثر.
القسم السادس منها: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك، أو الترجيح، على أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء ذلك من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد، فما لم يتعرضوا له من ذلك: حديث جابر في قصة الجمل، وحديثه في وفاء دين أبيه، وحديث رافع بن خديج في المخابرة، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة نفسها، وحديث أنس في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وحديث ابن عباس في قصة السائلة عن نذر أمها وأختها، وغير ذلك.
فهذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح، وقد حررتها، وحققتها، وقسمتها، وفصلناها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر " انتهى.
" هدي الساري " (345-346)
وانظر جواب السؤال رقم: (20153)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/178)
الفرق بين قولهم حديث صحيح، وقولهم إسناده صحيح.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحديث الصحيح، والحديث الذي إسناده صحيح؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يقرر المحدثون أن الحديث الصحيح الذي يغلب على الظن ثبوت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط الخمسة الآتية:
1- أن يكون كل راوٍ من رواته عدلا.
2- أن يكون كل راوٍ من رواته ضابطا (تمام الضبط أو قاصرا عنه)
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه.
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه.
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (79163)
ثانيا:
ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق الشروط وأصعبها على الناقد، لأن تحقيقها يحتاج إلى بحث شديد، وتدقيق، وجمع لطرق الحديث ورواياته، كما يحتاج إلى خبرة واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد – لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين في أحكامهم، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى، فإذا قامت هذه الشروط بإسناد معين قالوا: إسناد صحيح. ليشعروا القارئ أنهم ضمنوا له الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس، كي يكون القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث.
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله:
" قولهم: (هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد) دون قولهم: (هذا حديث صحيح أو حديث حسن) لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح لكونه شاذا أو معللا " انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول ابن كثير:
" الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً " انتهى. " اختصار علوم الحديث " (ص/43)
ويقول العراقي في ألفيته:
" والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا " انتهى. " التبصرة والتذكرة " (1/107)
ثالثا:
ومع ذلك فقد يستثنى من هذه التفرقة ما إذا عرف الإمام بأنه لا يفرق في اصطلاحه بين هذين الاستعمالين " إسناد صحيح " و " حديث صحيح "، فقد يطلق الإمام – وخاصة إذا كان من المتقدمين – قوله " إسناد صحيح " ويريد به تصحيح الحديث نفسه، والحكم بانطباق الشروط الخمسة جميعها.
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله:
" غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر. والله أعلم " انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين مَن يُفَرِّقُ - في وَصفِهِ الحديث بالصحة - بين التقييد والإطلاق، وبين مَن لا يُفَرِّق.
فمن عُرف مِن حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك، ويُحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا، وتقييده على الإسناد فقط.
ومَن عُرف مِن حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد، فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا " انتهى. [وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة] .
" النكت على ابن الصلاح " (1/474)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/179)
حديث ارحموا موتاكم بالصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في حاشية الستين: ذكر في نزهة المجالس عن كتاب " المختار ومطالع الأنوار " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى، فارحموا موتاكم بالصدقة، فمن لم يجد فليصل ركعتين، يقرأ في كل ركعة منهما فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وألهاكم، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ويقول اللهم ابعث ثوابها إلى قبره فلان ابن فلانة، فيبعث الله من ساعته إلى قبره ألف ملك، من كل ملك نور وهدية، يؤنسونه في قبره إلى أن ينفخ في الصور، ويعطي الله المصلى بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع الله له أربعين ألف درجة ألف حجة وعمرة ويبنى له ألف مدينة في الجنة ويعطى ثواب ألف شهيد ويكسى ألف حلة.....) السؤال هل هذا الكلام صحيح , أرجو مساعدتنا بالإجابة لتصحيح أدياننا في البلاد غير الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من الكذب عليه، وتوعد عليه أشد الوعيد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1209) ومسلم (5) عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة. وانظر جواب السؤال رقم 34725
وقد ذكر أهل العلم بعض علامات، يمكن للمشتغل بسنة النبي صلى الله عليه، الذي طالت ممارسته لأحاديثه، ومعرفته بما يخرج من مشكاته، أن يتعرف بها النص المروي، هل هو مما يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا؛ وذكروا بعضا من العلامات التي تشيع في أحاديث الكذابين والوضاعين.
فمن ذلك قول ابن القيم رحمه الله في هذه العلامات:
" فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات، التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله، وهي كثيرة جدا " انتهى. المنار المنيف (50) .
وهذا إذا كان للحديث المذكور إسناد مروي يمكن النظر فيه، والحكم عليه بما يقتضيه حاله، وفق قواعد علم الحديث؛ فكيف إذا كان مجرد حكاية مذكورة في كتاب، لا يعرف صاحبه بعلم السنة، أو التحقيق فيها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة الحديث المذكور في السؤال، فأجابت:
" لا شك أن الحديث المذكور في السؤال من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الصدقة والصلاة بالكيفية المذكورة في هذا الحديث الموضوع لا أصل لهما، ولا يشرع للمسلم أن يصلي عن أحد لا في أول ليلة يدفن فيها الميت ولا في غيرها، أما الصدقة فمشروعة عن الميت المسلم متى شاء أقاربه أو غيرهم الصدقة عنه؛ لما ثبت من الحديث الصحيح، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» ) .
ولم يخص ليلة الدفن ولا غيرها، وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الميت المسلم ينتفع بالصدقة عنه والدعاء له، أما المؤلف لكتاب (المختار ومطالع الأنوار) فلا نعرفه، ولم نقف على كتابه المذكور، ولكن ما نقلتم عنه يدل على أنه ليس من أهل العلم المعتبرين، فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين المزيد من العلم النافع والعمل الصالح ".
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: المجلد التاسع ـ الفتوى رقم (2090) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/180)
فضل سورة " الجمعة "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لسورة الجمعة أهمية خاصة؟ وهل يستحب قراءتها يوم الجمعة كسورة الكهف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يصح في فضائل سورة الجمعة شيء مخصوص، إنما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الجمعة في الركعة الأولى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ) رواه مسلم (879) .
جاء في كتاب " الصحيح والسقيم من فضائل القرآن الكريم " لآمال سعدي (ص/81) : " لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الجمعة شيء، وقد وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها من أمصار المسلمين) – رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" (9/305) من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم الكذاب الوضاع المشهور، ولذلك قال المناوي في "الفتح السماوي": موضوع - " انتهى.
ولكن سورة الجمعة من سور " المفصل " التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل بها على سائر الكتب والأنبياء، فعنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ) رواه أحمد (4/107) ، صححه الألباني في "بداية السول" (ص/59) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/181)
حديث موضوع في فضل الحمل والولادة والرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن ما صحة حديث قرأته مؤخراً ولم أسمع بها من قبل ومما جاء فيه: (.. أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين، فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها، ولم يمص مصة، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. ..) وهل يمكن إحالتي على مرجع أو كتاب يتحدث عن فضل طاعة المرأة لزوجها شريطة أن يكون ما فيه صحيحاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه:
(أن سلامة - حاضنة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: يا رسول الله! تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء. قال: أصحابك دسسنك لهذا؟ قالت: أجل، هن أمرنني. قال: أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين، فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها، ولم يمص مصة، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. سلامة! تدري لمن أعني بهذا؟ للمتعففات الصالحات المطيعات لأزواجهن، اللواتي لا يكفرن العشير)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/20) ، وأبو نعيم في "معجم الصحابة" (رقم/7049) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (43/347) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/274) وغيرهم:
من طريق هشام بن عمار، حدثني أبي عمار بن نصير، عن عمرو بن سعيد الخولاني، عن أنس بن مالك به.
ثم قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن النبي إلا بهذا الإسناد تفرد به هشام بن عمار. اهـ.
وهذا حديث موضوع مكذوب، حكم عليه ابن حبان في " المجروحين " (2/34) بالوضع، وكذا ابن الجوزي في "الموضوعات" (باب ثواب المرأة إذا حملت ووضعت) (2/273)
يقول الشيخ الألباني رحمه الله:
" حديث موضوع، لوائح الوضع عليه ظاهرة، آفته الخولاني هذا. قال الذهبي: " حدث بموضوعات ". ثم ساق له هذا الحديث. وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/274) من رواية الطبراني في " الأوسط "، وقال: " قال ابن حبان، عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس ; لا يحل ذكره إلا على جهة الاعتبار للخواص ". وأقره السيوطي في " اللآلىء " (2/175) . ومن طريق الخولاني هذا رواه ابن منده في " المعرفة " (2/329/2) ، وكذا الحسن بن سفيان في " مسنده " كما في " الفيض " " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (رقم/2055)
ومن أراد النظر في الأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع فضل طاعة المرأة لزوجها وقيامها على شؤونه، فليرجع إلى كتاب الإمام المنذري، واسمه " الترغيب والترهيب "، فقد عقد في الجزء الثالث (ص/31) فصلا بعنوان: " ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتها، والمرأة بحق زوجها، وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته "
جمع في هذا الفصل جميع الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع، وهي في غالبها صحيحة، ولكن في بعضها ضعف، فمن أراد الاقتصار على قراءة ما يصححه أهل العلم من ذلك فليرجع إلى كتاب " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني (2/193) وليقرأ الفصل السابق نفسه وقد حذف منه الأحاديث الضعيفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/182)
أقسام الحديث من حيث قائله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم عندي استفسار عن بعض المصطلحات أتمنى أن توضحوها لي: في بعض المحاضرات الصوتية أسمع مثلاً: حديث مرفوع - مقطوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعلماء الحديث تقسيمات عدة للأحاديث، متنوعة بتنوع اعتبارات التقسيم، وإحدى تلك الاعتبارات تقسيم الحديث من حيث قائله، فيقولون:
يقسم الحديث من حيث قائلُه أو مَن أُسنِدَ إليه إلى أربعة أقسام:
الأول: الحديث القدسي:
هو ما نُقِلَ إلينا عن النبي صلي الله عليه وسلم مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل، يقول فيه الراوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، ونحو ذلك.
الثاني: الحديث المرفوع:
هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة.
الثالث: الحديث الموقوف:
هو ما أضيف إلى الصحابي من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة: يعني هو القول أو الفعل الذي يصدر عن الصحابي وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مثاله قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (447) .
قال الخطيب البغدادي:
" الموقوف: ما أسنده الراوي إلى الصحابي ولم يتجاوزه " انتهى.
وزاد الحاكم شرط الاتصال وعدم الانقطاع، فقال رحمه الله: " أن يروى الحديث إلى الصحابي، من غير إرسال ولا إعضال، فإذا بلغ الصحابي قال: إنه كان يقول كذا وكذا، وكان يفعل كذا وكذا، وكان يأمر كذا وكذا " انتهى.
قد يستعمل مصطلح " الوقف " فيما جاء عن غير الصحابة، لكن مقيداً، فيقال مثلا: " هذا حديث وقفه فلان على الزهري، أو على عطاء، ونحو ذلك، وكل منهما من التابعين أو أتباعهم.
الرابع: الحديث المقطوع:
وهو ما أضيف إلى التابعي من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. ويسمى: (الأثر) كذلك.
مثاله: قول مسروق بن الأجدع: (كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه) .
قال ابن الصلاح رحمه الله:
" وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام (الإمام الشافعي) و (أبي القاسم الطبراني) وغيرهما " انتهى.
"مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" (ص/28) .
ومن الكتب التي تكثر فيها الآثار الموقوفة والمقطوعة: كتاب " المصنف " لابن أبي شيبة، وكتاب " المصنف " لعبد الرزاق الصنعاني، وكتاب " جامع البيان في تأويل آي القرآن " للإمام الطبري، وكتب ابن المنذر، وغيرها كثير.
وللتوسع في تقسيم الأحاديث على اختلاف الاعتبارات يمكن مراجعة: "نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر (ص/21) ، وانظر فوائد أخرى في: "فتح المغيث" للسخاوي (1/108-112) ، " تحرير علوم الحديث " للدكتور عبد الله الجديع (1/25 فما بعدها) ، " تيسير مصطلح الحديث " للدكتور محمود الطحان (ص/67) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/183)
حديث: (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (من رأيتموه يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) الآيَةَ) رواه الترمذي (2617) ، وأحمد في مسنده (27325) ، وغيرهما، جميعهم من طريق دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد به.
وهذا إسناد ضعيف، علَّتُه: دراج بن سمعان أبو السمح القرشي: قال الدارقطني: ضعيف. وخص الإمام أحمد وأبو داود تضعيفه في الأحاديث التي يرويها عن أبي الهيثم، كما في هذا الحديث. انظر "تهذيب التهذيب" (3/209) .
ولذلك قال الترمذي عقب روايته الحديث: غريب حسن، وقال في الموضع الثاني: حسن غريب.
وقال العلامة علاء الدين مغلطاي: " هذا حديث ضعيف الإسناد " انتهى.
"شرح سنن ابن ماجه" (1/1345) .
ولما صحح الحاكم الحديث في "المستدرك" تعقبه الذهبي بقوله: " دراج كثير المناكير " انتهى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ليس بصحيح ولا حسن الإسناد؛ لأنه من طريق دراج أبي السمح عن أي الهيثم عن أبي سعيد، ودراج هذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف "
ولذلك تعقب الذهبيُّ الحاكمَ بقوله: " قلت: درَّاج كثير المناكير " " انتهى.
"تمام المنة" (ص/291) .
وجاء تضعيفه أيضا في فتوى للجنة الدائمة (4/444) ، وضعفه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين"، وسبق نشر ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم: (34593) ، وقد أشار الحافظ ابن رجب إلى أن متن الحديث فيه ما ينكر أيضا، لأنه لا يشهد لأحد بالإيمان، وإنما يشهد بالإسلام، لأن الإسلام وصف الظاهر، وأما الإيمان فهو وصف الباطن.
كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا سَعْدُ! ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه البخاري (27) ومسلم (150) .
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" والظاهر - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر سعدا عن الشهادة بالإيمان؛ لأن الإيمان باطن في القلب، لا اطلاع للعبد عليه، فالشهادة به شهادة على ظن، فلا ينبغي الجزم بذلك، كما قال: " إن كنت مادحا لا محالة فقل: أحسب فلانا كذا، ولا أزكي على الله أحدا ".
وأمره أن يشهد بالإسلام لأنه أمر مطلع عليه، كما في " المسند " عن أنس مرفوعا: " الإسلام علانية، والإيمان في القلب ". – قال الشيخ الألباني: منكر. "السلسلة الضعيفة" (6906) -
ولهذا كره أكثر السلف أن يطلق الإنسان على نفسه أنه مؤمن، وقالوا: هو صفة مدح، وتزكية للنفس بما غاب من أعمالها، وإنما يشهد لنفسه بالإسلام لظهوره.
فأما حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) : فقد خرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعا. وقال أحمد: هو حديث منكر، ودراج له مناكير " انتهى.
"فتح الباري" (1/122) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/184)
هل هناك أحاديث نبوية تخبر عن هدم المسجد الأقصى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أحاديث نبوية عن هدم المسجد الأقصى من قبل اليهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف في السنة النبوية على خبر يشير إلى تعرض المسجد الأقصى للهدم في آخر الزمان، مع أن الأحاديث الواردة في أبواب الفتن، والملاحم، وأشراط الساعة، وحوادث آخر الزمان كثيرة، ولكن ليس في أي منها إشارة إلى ذلك.
والواجب على المسلمين حماية المسجد الأقصى من اعتداء اليهود الغاصبين، الذين أفسدوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، ونال اعتداؤهم الإنسان والحيوان والشجر والحجر.
نسأل الله تعالى أن يرد المسجد الأقصى المبارك إلى حوزة المسلمين.
وقد أشار بعض الناس إلى أن حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) رواه أبو داود (4294) .
أشاروا إلى أن في هذا الحديث تعلقا بموضوع هدم المسجد الأقصى.
ولكن الصواب أنه ليس فيه إشارة لذلك من قريب أو من بعيد، وذلك أن:
1- الحديث مختلَف في صحته أصلا، ضعفه بعض أهل العلم بسبب عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) ، وضعفه محققو مسند أحمد (36/352) ، وحسنه الحافظ ابن كثير والشيخ الألباني.
2- أن المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (عمران بيت المقدس) المدينة التي تسمى اليوم " القدس "، وليس المقصود خصوص المسجد الأقصى، بدليل أنه قابل هذه المدينة " بيت المقدس " بالمدينة المنورة " يثرب "، وهذا لا يلزم منه بالضرورة الحديث عن المسجد الأقصى بالخصوص.
3- كما يمكن فهم الحديث على وجهين: أن بيت المقدس تخرب ثم تعمر، ويمكن فهمه على أن عمران بيت المقدس المقصود به كمال العمارة، وإلا فإن بيت المقدس لا تخرب.
جاء في كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (11/270) :
" قال الأردبيلي في " الأزهار ": قال بعض الشارحين:
المراد بـ " عمران بيت المقدس ": عمرانه بعد خرابه، فإنه يخرب في آخر الزمان، ثم يعمره الكفار.
والأصح: أن المراد بالعمران الكمال في العمارة، أي عمران بيت المقدس كاملا، مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب، فإن بيت المقدس لا يخرب.
قال القاري - نقلا عن الأشرف -: لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه، وكثرة عمارتهم، فيه أمارة مستعقبة بخراب يثرب، وهو أمارة مستعقبة بخروج الملحمة، وهو أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية، وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد عين ما بعده وعبر به عنه " انتهى.
ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا أن المسجد الأقصى يستحيل هدمه أو استيلاء اليهود عليه، فإن هذا لم يرد في النصوص أيضاً، وقد استولى النصارى عليه زمناً طويلاً ثم استنقذه المسلمون من أيديهم.
قال الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل حفظه الله:
" ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدرا، وليس شرطا أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع، فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر آية أو ترد في حديث، وبعضها أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.
إن الكعبة نفسها قد هدمت من قبل – في زمن الحجاج – دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث، والحجر الأسود قد نزع من الكعبة – في زمن القرامطة – ونقل إلى البحرين ليظل هناك سنين عددا قبل أن يعاد، ولم تأت الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة، إذن فليس لأحد أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع، لأن الأمر قد يسطر في القدر، ولا يذكر في الكتب.
والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله بما يشاء وقوعه.
وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة، فإنها شاهدة بدأب اليهود والنصارى وأخذهم بكل الأسباب المادية، في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب، وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحدا، فماذا يفعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون عدديا مليارا وربع المليار؟ ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاما لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت بينهم ثم فرضت وجودها عليهم؟
إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه، إلا إن أراد الله أمرا، فقدر بسببه شأنا إلهيا محضا ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده، كما رد الله كيد أصحاب الفيل لهدم الكعبة قبل الإسلام ... ولكن المشكلة أن هذا أيضا أمر لم يأت به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون.
ماذا لو هدم الأقصى؟
أتصور أن فئاما من الناس سيفتنون لو وقع الحدث، وسيقولون، كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن، وتواترت بفضله الأحاديث، كيف يهدم، وكيف يتحول إلى معبد يهودي؟ وينبغي أن يقال لهؤلاء: إن المسجد الأقصى قد مرت عليه السنون في مرحلة من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه، أيام كان الاحتلال الصليبي، وقد كان مسجدا إذ ذاك ولم تنتف عنه صفته الشرعية، ولا خصوصياته المسجدية، والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث، ثم عاد لأهل التوحيد عزيزا مطهرا، لما عادوا إلى نصرة التوحيد.
فلا بد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة، ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها، واستحباب شد الرحال إليها، سواء أكان البناء موجودا أو غير موجود، فالساحة نفسها سميت مسجدا وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء، ولم يكن ثمة مسجد مقام. إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجدا في الإسلام، وصلى فيه إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم بأولي العزم من الأنبياء في أرض فضاء ... فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يبن مرة أخرى بعد هدمه الثاني بعيد زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام ولما تم الفتح، جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام، ثم بنى هناك مسجدا متواضعا من خشب، فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن، وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة، حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه، فوقع المسجد في الأسر، وها هو يتهدد بالهدم.
وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه، وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول مساجد أربعة، منها المسجد الأقصى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (وعلامته: يمكث في الأرض أربعين صباحا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور " – رواه أحمد في "المسند" (5/364) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/112) -.
وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو، بحفظ الله وحده، أو أنه سيعاد كما كان – إذا أصابه مكروه – لا قدر الله – أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء " انتهى.
"حمى سنة 2000م" (ص/64-67) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/185)
حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مصدر (أبغض الحلال عند الله الطلاق) حديث أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث مداره على الراوي الثقة: " معرف بن واصل "، عن الإمام الثقة " محارب بن دثار "، المتوفى سنة (116هـ) ، وهو من طبقة التابعين، ولكن جاء عن " معرف " على وجهين:
الأول: مسندا متصلا عن معرف بن واصل، عن محارب، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه محمد بن خالد الوهبي عن معرف، هكذا، مسندا، كما عند أبي داود (2178) ، ومن طريقه البيهقي في " السنن الكبرى" (7/322) ، وابن عدي في "الكامل" (6/2453) .
الثاني: مرسلاً عن معرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر ابن عمر.
رواه هكذا أحمد بن يونس، ويحيى بن بكير، ووكيع بن الجراح.
كما عند أبي داود في "السنن" (2177) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/322) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/253) ، وذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (11) ، والدارقطني في "العلل" (13/225) .
ولمَّا رأى المحدِّثون أنَّ مَن رواه مرسلا أوثق وأكثر ممَّن رواه مسندا متصلا رجحوا الإرسال، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، ونصوا على أن من رواه متصلا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخطأ ووهم.
قال ابن أبي حاتم:
" قال أبي: إنما هو محارب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. "العلل" (1/431)
وقال الدارقطني رحمه الله: " والمرسل أشبه " انتهى. "العلل" (13/225) .
وقال البيهقي رحمه الله:
" هو مرسل، وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر موصولا، ولا أراه حفظه " انتهى. "السنن الكبرى" (7/322)
وقال ابن عبد الهادي رحمه الله عن الإرسال: " وهو أشبه " انتهى. "المحرر في الحديث" (1/567) .
ورجح السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/11) الإرسال، وقال: " وصنيع أبي داود مشعر به فإنه قدم الرواية المرسلة " انتهى.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "عمدة التفسير" (1/583) : "في صحته نظر كثير" انتهى.
وقال الألباني في "إرواء الغليل" (2040) : "وجملة القول: أن الحديث رواه عن معرف بن واصل أربعة من الثقات، وهم: محمد بن خالد الواهبي، وأحمد بن يونس، ووكيع بن الجراح، ويحيى ابن بكير.
وقد اختلفوا عليه، فالأول منهم رواه عنه عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعاً وقال الآخرون: عنه عن محارب مرسلاً.
ولا يشك عالم بالحديث أن رواية هؤلاء أرجح، لأنهم أكثر عدداً، وأتقن حفظاً، فإنهم جميعاً ممن احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، فلا جرم أن رجح الإرسال ابن أبي حاتم عن أبيه، وكذلك رجحه الدارقطني في "العلل" والبيهقي كما قال الحافظ في "التلخيص" (3/205) وقال الخطابي وتبعه المنذري في "مختصر السنن" (3/92) : "والمشهور فيه المرسل" انتهى.
وللحديث شاهد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، رواه الدارقطني في "السنن" (4/ 35) ، وابن عدي في "الكامل" (2/ 694) بلفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) ، وله ألفاظ أخرى، ولكن إسناده ضعيف جدا لا يصلح للاستشهاد به.
غير أن الحديث مع ترجيح عدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن معناه صحيح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح، لكنَّ معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق، ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة، إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين، أو ناقصة العفة، وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي، أو سبب عادي، فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 55، سؤال رقم 3) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/186)
هل في البخاري ومسلم أحاديث من رواية الرافضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث في البخاري أو مسلم رواه شخص رافضي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان المقصود بالرافضي من يكفر الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويتبرأ منهما، ويعتقد عقائد الكفر الموجودة في كثير من كتب الرافضة الاثني عشرية، فمثل هذا لا تقبل روايته ولا يعتد بها وليس له في الصحيحين رواية قطعاً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية.
وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة " انتهى.
"تهذيب التهذيب" (1/81) .
وقال الإمام الذهبي رحمه الله:
" البدعة على ضربين: فبدعة صغرى: كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا.
فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو مَن تَكَلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضى الله عنه، وتعرض لسبهم.
والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال معثَّر " انتهى.
"ميزان الاعتدال" (1/5-6) .
أما إذا كان المقصود الرواة الشيعة الذين قدموا علي بن أبي طالب على عثمان، أو على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، من غير سب لهما، ولا تبرؤ منهما، ومن غير اعتقاد عقائد الكفر التي تنص عليها كثير من كتب الشيعة الاثني عشرية، فمثل هؤلاء لهم أحاديث في الصحيحين وفي غيرهما، يقَبلُ المحدِّثُون حديثَهم إذا عُرفوا بالصدق والحفظ والأمانة، وقد جمع الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " أسماء جميع من وُسِموا بالتشيع من رواة البخاري، كما كتب جماعة من المعاصرين عن منهج صاحبي الصحيحين في التعامل مع الرواة الشيعة، ومن تلك المراجع:
1- " منهج الإمام البخاري في الرواية عن المبتدعة من خلال الجامع الصحيح: الشيعة أنموذجا " كريمة سوداني، مكتبة الرشد، الرياض.
2- " منهج الإمامين البخاري ومسلم في الرواية عن رجال الشيعة في صحيحيهما " محمد خليفة الشرع، جامعة آل البيت، 2000م.
3- " دراسات في منهج النقد عن المحدثين " محمد العمري، دار النفائس، عمان، 2000م، فيه مبحث عن: البخاري والرواية عن أهل الابتداع، ص105 – 109.
4- " منهج النقد عند المحدثين " أكرم العمري، ص39.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/187)
التعليق على دعاء " الجوشن الكبير " عند الرافضة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت دعاء " الجوشن الكبير "، وبصراحة: أريد أن أتأكد هل هو من أدعية الرافضة؟ وما صحة الحديث الذي ورد في مقدمة الدعاء؟ وهل يجوز الدعاء به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هذا الدعاء وارد في كتب الرافضة المبنية على الجهل، والكذب، والخرافة، وهو وارد عندهم في كتبهم بسند مختلق مكذوب - عَنِ السّجاد عن أبيه عَنْ جدّه عن النبيّ صلّى الله علَيهِ – ويزعمون أنه " قد هبط به جبريل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهُو في بعْضِ غزواته وَعَلَيْهِ جَوشن – أي: درع - ثقيل، فقال: يا محمّد، ربّك يقرئك السّلام ويقوُل لكَ: اخلع هذا الجوشَنْ، واقرأ هذا الدّعاء؛ فهو أمان لكَ، ولأمّتك ".
وزعموا: أنه " مَنْ كتبه على كفنه: استحى الله أن يُعذّبه بالنّار، ومَنْ دعا به بنيّة خالِصة في أوّل شهر رَمضان: رزقه الله تعالى ليلة القدر، وَخلق له سَبعين ألف ملك يسبّحون الله، وَيُقدّسونه، وَجَعَلَ ثوابهم له، وَمَن دعا به في شهر رمضان ثلاث مرّات: حرّم الله تعالى جَسده على النّار، وأوجب له الجَنّة، ووكّل الله تعالى به مَلَكين يحفظانه مِن المعاصي، وَكانَ في أمان الله طول حَياته ".
وزعموا في آخر المطاف: " أنه قال الحُسين عليه السلام: أوصاني أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام بحفظ هذا الدّعاء، وتعظيمه، وأن أكتبه على كفنه، وأن أعلّمه أهلي، وأحثّهم عليه، وهُو ألف اسْم، وفيه الاسم الأعظم ".
ونص أول الدعاء:
" اَللهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ يا اَللهُ يا رَحْمنُ يا رَحيمُ يا كَريمُ يا مُقيمُ يا عَظيمُ يا قَديمُ يا عَليمُ يا حَليمُ يا حَكيمُ سُبْحانَكَ يا لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ.
يا سَيِّدَ السّاداتِ يا مُجيبَ الدَّعَواتِ يا رافِعَ الدَّرَجاتِ يا وَلِيَّ الْحَسَناتِ يا غافِرَ الْخَطيئاتِ يا مُعْطِيَ الْمَسْأَلاتِ يا قابِلَ التَّوْباتِ يا سامِعَ الاَْصْواتِ يا عالِمَ الْخَفِيّاتِ يا دافِعَ الْبَلِيّاتِ ".
ونص آخره:
" يا حَليماً لا يَعْجَلُ يا جَواداً لا يَبْخَلُ يا صادِقاً لا يُخْلِفُ يا وَهّاباً لا يَمَلُّ يا قاهِراً لا يُغْلَبُ يا عَظيماً لا يُوصَفُ يا عَدْلاً لا يَحيفُ يا غَنِيّاً لا يَفْتَقِرُ يا كَبيراً لا يَصْغُرُ يا حافِظاً لا يَغْفُلُ سُبْحانَكَ يا لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ ".
ولا يشك كل من شمَّ رائحة علم الحديث أن هذا الدعاء مختلق مكذوب على نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن ما فيه من فضائل فإنما هي من وضع الكذَّابين، وليس هذا بغريب على الرافضة، فهم أجهل الطوائف المنتسبة للإسلام وأكذبها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فإنَّك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلا من الرافضة، ولا أكثر حرصاً على الدنيا، وقد تدبرتهم، فوجدتهم لا يضيفون إلى الصحابة عيباً إلا وهم أعظم الناس اتصافا به، والصحابة أبعد الناس عنه، فهم أكذب الناس بلا ريب، كمسيلمة الكذاب إذ قال " أنا نبي صادق، ومحمد كذاب "! ، ولهذا يصفون أنفسهم بالإيمان، ويصفون الصحابة بالنفاق، وهم أعظم الطوائف نفاقاً، والصحابة أعظم الخلق إيماناً.
" منهاج السنة النبوية " (2 / 87) .
وهذا الدعاء المكذوب فهو أبعد ما يكون نسبةً لهذا الدين العظيم، وفيما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وسنه من الأدعية والأذكار من الغنى والكفاية ما عجز المرء عن القيام به كله، والوفاء بحقه.
ثم إن فيها من جوامع الكلم، والنور، والبهاء، والبلاغة، ما يُعرف أنه من دين الإسلام، فهي بعيدة عن الطول، والسجع المتكلف، والفضائل المبالغ بها، يعرف ذلك كل من وقف عليها، وتأمل معانيها.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
رواه أبو داود (1482) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
قوله: " يستحب الجوامع من الدعاء " أي: التي تجمعُ الأغراض الصالحة، والمقاصد الصحيحة، أو تجمعُ الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة. قوله: " ويدع ما سوى ذلك " أراد به: الأدعية المطولة، والتي لا تجمعُ الأغراض الصحيحة. " شرح سنن أبي داود " للعيني (5 / 397، 398) .
وفي " عون المعبود " (4 / 249) :
أي: الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي ما كان لفظه قليلاً، ومعناه كثيراً، كما في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة.
انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/188)
حديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا) حديثُ ضعيف الإسناد صحيح المعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[ (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روي هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) رواه أبو داود (1518) وابن ماجه (3819) ، وأحمد في "المسند" (1/248) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6/240) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/351) ، وغيرهم.
جميعهم من طريق الحكم بن مصعب، ثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، أنه حدثه عن ابن عباس به.
وهذا السند ضعيف بسبب الحكم بن مصعب، لم يوثقه أحد، إنما قال فيه أبو حاتم: هو شيخ للوليد بن مسلم، لا أعلم روى عنه أحد غيره، وحكم عليه كل من الذهبي وابن حجر بالجهالة، بل ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/187) ، وقال: يخطئ، وذكره في "المجروحين" (1/249) ، وقال: ينفرد بالأشياء التي لا ينكر نفي صحتها من عني بهذا الشأن، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار.
لذلك ضعفه البغوي في "شرح السنة" (3/100) ، والذهبي في "المهذب" (3/1278) وفي تعقبه على الحاكم في المستدرك، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/705) .
ثانيا:
ورغم ضعف الحديث، فإن معناه مقبول له ما يشهد له من الأدلة الصحيحة، فقد قال الله تعالى في فضل الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10-12.
ويقول سبحانه وتعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير) هود/3.
ولذلك ذكر العلامة ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في الفصل الثامن عشر: الاستغفار، ضمن الأذكار الجالبة للرزق، الدافعة للضيق والأذى.
وهو على كل حال من تقوى الله عز وجل، التي هي سبب كل خير يصيب المتقين.
يقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحديث المذكور رواه أبو داود وابن ماجه، وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول.
ولكن الأدلة الكثيرة من الآيات والأحاديث تدل على فضل الاستغفار والترغيب فيه، مثل قول الله سبحانه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) الآية من سورة هود، وقوله سبحانه في آخر المزمل: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/90) .
وقال أيضا رحمه الله:
" على كل حال فالحديث المذكور يصلح ذكره في الترغيب والترهيب؛ لكثرة شواهده الدالة على فضل الاستغفار، ولأن أكثر أئمة الحديث قد سهلوا في رواية الضعيف في باب الترغيب والترهيب، لكن يُروى بصيغة التمريض كـ " يُروى "، و " يُذكر "، ونحوهما، لا بصيغة الجزم، قال الحافظ العراقي في ألفيته، رحمه الله:
وإن ترد نقلا لواه أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما
فأت بتمريض كيروى واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم
وسهلوا في غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي وغير واحد " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/259) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" هذا الحديث ضعيف، ولكن معناه صحيح؛ لأن الله تعالى قال: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ، وقال تعالى عن هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ، ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب، وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها، وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب، ومن كل هم، فالحديث ضعيف السند، لكنه صحيح المعنى " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شروح الحديث والحكم عليها) (شريط 238، وجه أ)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/189)
حديث (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة: (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) فهل هذا حديث أم لا؟ ، وإذا كان حديثاً فهل هو صحيح؟ وما حكم قرع الكؤوس ببعضها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما ما يروى من حديث فيه النهي عن قرع الكؤوس، فمما لا أصل له في السنة النبوية، بل لم يرد له ذكر في كتب الموضوعات حتى، فيبدو أنه متأخر الوضع والانتشار بين الناس.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث: (ما تقارع كأسان إلا حرم ما فيهما)
فأجاب: " ليس له أصل " انتهى.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
هل هذا القول حديث: (إذا قرع الكأس بالكأس حرم ما فيه) ، وما درجة صحته إن كان حديثا؟
فأجاب بقوله: " لا يصح، لا يصح " انتهى.
http://alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID=19879&PageID=9582
ثانيا:
أما حكم قرع الكؤوس عند الشرب فهو المنع والتحريم؛ لما فيه من تشبه ظاهر بعادات شراب الخمور الذين يتخذون بعض المظاهر عادات لهم في وقوعهم في المعصية.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" لو اجتمع جماعة، وزينوا مجلسا، وأحضروا آلات الشرب وأقداحه، وصبوا فيها السكنجبين، ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حَرُمَ ذلك عليهم وإن كان المشروب مباحا في نفسه؛ لأن في هذا تشبها بأهل الفساد " انتهى.
"إحياء علوم الدين" (2/272) .
السكنجبين: شراب مركب من حامض وحلو، كذا في "المعجم الوسيط" (1/440) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/190)
هل في البخاري ومسلم أحاديث ضعيفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل أحاديث صحيح البخاري ومسلم صحيحة؟ سمعت بأن هناك أحاديث ضعيفة فيهما، ما هي بعض الأمثلة؟ أرجو من فضيلتك أن توضح لي هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد اتفق أهل العلم على أن الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى، ولهما من المنزلة الرفيعة، والمكانة العالية، في قلوب المسلمين، خاصهم وعامهم، عالمهم وجاهلهم، ما هو معلوم.
كما اتفق جمهورهم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، من حيث الصناعة الحديثية.
قال أبو عمرو بن الصلاح:
" وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز "
"مقدمة ابن الصلاح" (ص10)
قال النووي: " باتفاق العلماء "
"النكت على مقدمة ابن الصلاح" (ص163)
وقال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص8) :
" اقتضى كلام ابن الصلاح أن العلماء متفقون على القول بأفضلية البخاري في الصحة على كتاب مسلم، إلا ما حكاه عن أبي على النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم. وعن بعض شيوخ المغاربة: أن كتاب مسلم أفضل من كتاب البخاري، من غير تعرض للصحة " انتهى بتصرف يسير.
وعلى ذلك، فلا بد أن تبقى هذه المنزلة لهما من الإجلال والإعظام والتقدير كما هي في قلوب الناس، ولا يجوز بحال السعي وراء التشكيك، أو إثارة الشبه بأحاديثهما.
فإن هذه المراجع الأساسية ذات الثوابت، والتي عليها اعتماد أهل العلم في معرفة الأحكام الشرعية، لا يجوز الطعن فيها، ولا المساس بها، بما يخدش مصداقيتها في قلوب الناس، عالمهم وجاهلهم.
وإنما يتكلم عن هذه المسائل كبار أهل الاختصاص من المحدثين والحفاظ، وليس لغيرهم الخوض فيها بما يزعزع الثوابت، ويشكك في الأصول، ويثير الفتن.
هذا من ناحية العموم والإجمال.
أما من ناحية التحرير والتفصيل:
فما اتفق عليه الشيخان لا سبيل إلى القول بضعف شيء منه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.
قال شيخ الإسلام:
" لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحا لا ريب فيه، قد اتفق أهل العلم على صحته " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (18/20)
وما عدا ذلك، فقد تكلم على بعض منه بعض الحفاظ، وغالب ما في البخاري منه سالم من التضعيف عند التحقيق.
وما عدا ما تُكُلم فيه، فقد وقع اتفاق الأمة على صحته.
قال أبو عمرو بن الصلاح:
" ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن " انتهى. "مقدمة ابن الصلاح" (ص10) .
ففي صحيح مسلم خاصة، جملة من الأحاديث، تكلم عليها بعض العلماء، بالتضعيف والإعلال، منهم أبو الحسن الدارقطني، وأبو علي النيسابوري، وأبو الفضل بن عمار، وأبو علي الغساني، وأبو الحسين العطار، وأبو مسعود الدشقي وأبو عبد الله الذهبي.
وفي صحيح البخاري بعض ذلك، إلا أنه قليل جدا، وقد يسلم هذا القليل أيضا.
انظر: "كتاب الإلزامات والتتبع" لأبي الحسن الدارقطني، "ميزان الاعتدال" (4/39-40) ، "مقدمة الفتح" (344) ، "شرح مسلم للنووي" (1/27) ، "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/142) (2/471-475) (5/218) .
قال ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم له:
" ما أخذ عليهما - يعني على البخاري ومسلم - وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " انتهى.
قال الحافظ:
" وهو احتراز حسن. واختلف كلام الشيخ محي الدين في هذه المواضع؛ فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه: " قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد ألف الدارقطني في ذلك، ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك، ولأبي علي الغساني في جزء العلل من التقييد استدراك عليهما. وقد أجيب عن ذلك أو أكثره "
وقال في مقدمة شرح البخاري: " قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك ".
قال الحافظ:
" وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك، وقوله في شرح مسلم: " وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " هو الصواب " انتهى. "مقدمة الفتح" (ص344) .
وقال شيخ الإسلام:
" ومما قد يسمى صحيحا: ما يصححه بعض علماء الحديث وآخرون يخالفونهم في تصحيحه فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح، مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه، ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم، إما مثله أو دونه أو فوقه، فهذا لا يجزم بصدقه إلا بدليل، مثل ما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات. انفرد بذلك عن البخاري، فإن هذا ضعفه حذاق أهل العلم وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم.
ومثله حديث مسلم: (إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة)
فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم، مثل: يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما. وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار.
وطائفة اعتبرت صحته مثل أبى بكر ابن الأنبارى، وأبى الفرج ابن الجوزى وغيرهما. والبيهقى وغيره وافقوا الذين ضعفوه.
وفى البخاري نفسه ثلاثة أحاديث نازعه بعض الناس في صحتها.
والبخاري أحذق وأخبر بالفن من مسلم، ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري، ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة. ثم قد يكون الصواب مع من ضعفها، كمثل صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع، وقد يكون الصواب مع مسلم، وهذا أكثر ".
انتهى مختصرا. مجموع الفتاوى (18/17-20)
وقال أيضا:
" جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/256)
وانظر: "التاريخ الكبير" (1/413) ، "شرح مسلم للنووي" (16/63) ، "جلاء الأفهام" (248) ، "إرواء الغليل" (3/127) ، "الضعيفة" (2/427) .
وقال د. الشريف حاتم بن عارف العوني، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى:
" نص العلماء على أن أحاديث الصحيحين كلها مقبولة، إلا أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار، الذين بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق في علم الحديث، وأن ما سوى تلك الأحاديث اليسيرة، فهي متلقاة بالقبول عند الأمة جميعها.
وبناء على ذلك: فإن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صحيح البخاري له حالتان: الأولى: أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهد متقدم، فهذا قد يكون حكم الشيخ الألباني فيه صواباً، وقد يكون خطأ، وأن الصواب مع البخاري.
الثانية: أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه، فهذا ما لا يقبل من الشيخ رحمه الله؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث. والله أعلم "
انتهى بتصرف يسير.
والذي نريد التأكيد عليه حقيقة هو الانكفاف عن أمثال هذه المسائل، التي لا يحسن الخوض فيها إلا أكابر علماء الحديث، ولا بد أن يكون الأصل هو ما عليه عمل الناس قديما وحديثا، من تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، وعدم المنازعة في شيء منها، إلا شيئا انتقده الأكابر، ونص غير واحد منهم عليه، وهذا شيء نادر الحصول، ولا يحسن تتبعه والسؤال عنه، إنما يعرفه الباحث المتخصص، إذا صادفه أثناء بحثه.
وللصحيحين هيبة في قلوب كبار الحفاظ تمنع مما قد تتوجه الصناعة الحديثية إلى إعلال شيء منهما أو تضعيفه.
وانظر: "فتح الباري" (11/341) "جامع العلوم والحكم" (358) "السلسلة الصحيحة" (2/384)
وعلى ذلك: فليس من الحكمة إيراد بعض تلك الأحاديث التي تُكُلم فيها مما في الصحيحين، مراعاة للأصل المتقدم ذكره.
والله تعالى أعلم.
راجع السؤال رقم: (20153)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/191)
قول الإمام "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله، لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح " انتهى.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/21) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/192)
حديث أعطوا السائل ولو جاء على فرس
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف صحة حديث ورد بمعنى: (أعطوا السائل، ولو جاءكم على فرس) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث روي بأسانيد عدة، وأحسن هذه الأسانيد:
1- مرسل زيد بن أسلم: فقد روى الإمام مالك في الموطأ (5/1450) عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَعْطُوا السَّائِلَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافا بين رواة مالك وليس في هذا اللفظ مسند يحتج به فيما علمت " انتهى.
"التمهيد" (5/294) .
2- حديث الحسين بن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للسائل حق وإن جاء على فرس) أخرجه أبو داود (1665) ، وأحمد (1/201) ، وغيرهم من طريق مصعب بن محمد بن شرحبيل، قال حدثني يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت حسين، عن حسين بن علي به.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهذا إسناد ضعيف، ومن جوده فقد أخطأ؛ فإن يعلى بن أبي يحي مجهول، كما قال أبو حاتم وتبعه الحافظ، ومصعب بن محمد: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتج به.
قلت [القائل: الشيخ الألباني] : وقد اختُلف عليه في إسناده "
وفصل الشيخ رحمه الله وجوه الاختلاف فيه، ثم قال في آخره، بعد تقرير ضعفه:
" وأما قول الحافظ العراقي: (بسند جيد) : فغير جيد؛ لما فيه من الجهالة والاضطراب، كما سبق بيانه " انتهى.
السلسلة الضعيفة (3/558-562) ، رقم (1378) .
وانظر: أيضا: التعليق على مسند الإمام أحمد، ط الرسالة (3/254-255) .
والحديث قال عنه ابن المديني أيضا: لا أصل له، كما في كشف الخفا (1/144) .
وقال عنه الإمام أحمد ـ أيضا ـ: لا أصل له، كما ذكره ابن الصلاح في مقدمته (155) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/193)
هل يبحث في عدالة الصحابة عند دراسة الأسانيد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: في علم الحديث النبوي الشريف، هل ينظر إلى عدالة الرواة دون الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم يبحث أيضا في عدالة الصحابي، وتطبق عليه الشروط التي وضعها علماء الحديث للتأكد من الحديث النبوي الشريف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أردت البحث في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم – بمعنى توفر الدين والتقوى المانع من الكذب في الحديث - فما عليك إلا أن تفتح كتاب الله تعالى، وتقرأ فيه العشرات من الآيات التي جاءت في تزكيتهم والثناء عليهم.
يقول سبحانه وتعالى:
(فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/157
(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/88-89
(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100
(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح/29
(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر/8-9
(لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء/95
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح/18
وكذلك فإن كتب السنة مليئة بالأحاديث التي جاءت في فضائل أعيانهم تارة، وفضائل مجموعهم تارة أخرى، وأسانيدها من أصح الأسانيد على وجه الأرض، ولا يخلو كتاب من كتب الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم منها، وقد جمع بعض أهل العلم ما روي في فضائلهم مجلدات كثيرة، يمكن الرجوع إليها، فإن المقام لا يتسع هنا لذكرها.
إذن فعدالة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسجلة من السماء، في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت عدالة الراوي تقبل بتزكية واحد من أهل الجرح والتعديل المعتدلين، فمن باب أولى أن تقبل تزكية القرآن والسنة القطعية.
على أنا لو سلكنا في تقرير عدالة عامة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلك النظر في صفاتهم وأحوالهم، لوجدنا فيهم ما يستوجب الحكم بالعدالة والديانة، بغض النظر عن الآيات التي جاءت في تزكيتهم، فالقرآن الكريم إنما هو كاشف عن عدالتهم وثقتهم، وليس منشئا لها، والعدالة تقوم في النفس أولا، ثم تظهر في شهادة المزكين.
يقول الخطيب البغدادي:
" على أنّه لو لم يَرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى.
"الكفاية" (ص/49)
ثايا:
إذا ثبت ما سبق تبين أن البحث في عدالة كل صحابي عند دراسة إسناد أي رواية إنما هو ضرب من العبث الذي لا طائل تحته، فقد كفانا القرآن الكريم هذه المؤونة، كما كفانا العلماء هذا العمل، وأثبتوا بالدراسات الاستقرائية التامة عدالة جميع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه، وخاصة المكثرين منهم.
ونحن ننقل هنا مجموعة من نصوص أهل العلم، من المحدثين والحفاظ والفقهاء في هذا الشأن:
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:
" لا فرق بين أن يسمي التابعُ الصاحبَ الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث " انتهى.
"التمهيد" (22/47)
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله:
" (باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم)
كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن " انتهى.
"الكفاية" (ص/46)
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله:
" الصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله.
هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة.
وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم.
ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث. وهذا مردود " انتهى.
"الجامع لأحكام القرآن" (16/299)
ويقول الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله:
" للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق مُعَدَّلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) الآية. قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) . وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ. وقال سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) الآية، وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)
ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة.
ومن لابس الفتن منهم: فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة. والله أعلم " انتهى.
"مقدمة ابن الصلاح" (ص/171)
ويقول الإمام النووي رحمه الله:
" اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم، ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " انتهى.
"شرح مسلم" (15/149)
وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي بكر الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح؟ قال: نعم.
وروى أيضا رحمه الله بسنده إلى الحسين بن إدريس قال: وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن عمار ـ: إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أيكون ذلك حجة؟ قال: نعم، وإن لم يسمه؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة " انتهى.
"الكفاية" (ص/415)
وانظر جواب السؤال رقم: (83121)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/194)
حديث: (يا علي، لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف، هل هو صحيح أم لا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك في الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك: إذا قرأت سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله، وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، فقد زرت الكعبة، وإذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات، فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات، فقد أرضيت الخصوم) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نص أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الوصايا المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بها عليا، وكل ما صدر بياء النداء من الرسول لعلي كلها موضوعة، ما عدا قوله عليه الصلاة والسلام: (يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي) ، وممن نص على ذلك الشيخ ملا علي القاري في كتاب: "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" المعروف بـ "الموضوعات الكبرى"، والشيخ إسماعيل العجلوني في كتابه: "كشف الخفاء ومزيل الإلباس".
ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين، لما في ذلك من تضليل العامة، والتلبيس عليهم، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وقال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) .
وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم المدونة في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح والسنن والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين، أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف، إنه سميع قريب" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/328-330) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/195)
قصة التشهد في الصلاة هل يصح أن أصلها كان في المعراج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يتناقل كثيراً في المنتديات موضوع عن قصة التشهد، ويدعو كاتب المقال فيه إلى الخشوع في الصلاة وإلى التفكر في أصل قصة التشهد، وقد جاء في هذا المقال:..حوار التشهّد يبدأ المشهد بسيدنا رسول الله وهو يمشي في معيّة سيدنا جبريل في طريقهما لسدرة المنتهى في رحلة المعراج، وفي مكان ما يقف سيدنا جبريل عليه السلام فيقول له سيدنا محمد: أهنا يترك الخليل خليله؟ قال سيدنا جبريل: لكل منا مقام معلوم يا رسول الله، إذا أنت تقدّمت اخترقت، وإذا أنا تقدّمت احترقت، وصار سيدنا جبريل كالحلس البالي من خشية الله، فتقدم سيدنا محمد إلى سدرة المنتهى واقترب منها، ثم قال سيدنا رسول الله: التحيات لله والصلوات الطيبات، رد عليه رب العزة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، قال سيدنا رسول الله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال سيدنا جبريل - وقيل: الملائكة المقربون -: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّداً رسول الله. هل نستشعر عند قراءة التشهد هذا الحوار الراقي؟ هل نستشعر أن سيدنا رسول الله تذكرنا هناك عند سدرة المنتهى،....ولكنه بحنانه تذكرنا هناك؟ ... كم نحبك يا رسول الله، كم نتمنى أن نراك في المنام، ولو معاتباً، المهم أن نكحل أعيننا بطلعتك، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله. هل بعد هذا ستقرأ التشهد كما كنت تقرؤه سابقاً؟ هل بعد ذلك ستصلي على سيدنا رسول الله في الصلاة الإبراهيمية بنفس الفتور؟ هل ستكثر بعد هذا من الصلاة على حبيبك سيدنا محمد؟ بالتأكيد ستثاب إذا أرسلتها، ولن تأثم إذا تركتها، إذاً هل تريد الثواب؟ . اللهم ارحم قارئ وناشر هذه الرسالة، واجعله من عتقائك..".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما جاء في السؤال من وجود قصة لأصل التشهد حصلت في معراج نبينا صلى الله عليه وسلم: لا أصل له في الشرع.
سئل علماء اللجنة الدائمة: هل التشهد الذي نقرؤه في الصلاة هو الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد عند سدرة المنتهى في المعراج؟ .
فأجابوا: " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفِّي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) رواه الجماعة، وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله ... ) ، وذكره، وفيه عند قوله: (وعلى عباد الله الصالحين) : (فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض) ، وفي آخره: (ثم يتخير من المسألة ما شاء) متفق عليه.
ولأحمد من حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وأمره أن يعلمه الناس (التحيات لله) ، وذكره.
قال الترمذي:
حديث ابن مسعود أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وقال أبو بكر البزار: هو أصح حديث في التشهد، قال: وقد روي من نيف وعشرين طريقاً، وممن جزم بذلك: البغوي في " شرح السنة " انتهى.
وبهذا تعلم أن هذه الصفة هي أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما كونه صلى الله عليه وسلم أتى بالتشهد وهو ساجد عند " سدرة المنتهى " ليلة المعراج: فلا نعلم له وللسجود في ذلك المكان ليلة المعراج أصلاً " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 6، 7) .
وانظر جواب السؤال رقم: (113952) .
وبذلك يتبين أنه لا يشرع نشر مثل هذه الرسائل التي لم يثبت مضمونها، أو احتوت على بدعة من بدع الاعتقاد أو العمل، بل لا ينبغي للمرء أن يقدم على نشر شيء إلا بعد تأكده من ثبوته وصحته.
عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم (5) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/196)
حديث تبغض العرب فتبغضني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما درجة صحة هذا الحديث: عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نص هذا الحديث كما يلي:
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يَا سَلْمَانُ! لاَ تَبْغَضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ أَبْغَضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ؟
قَالَ: تَبْغَضُ العَرَبَ فَتَبْغَضُنِي) .
هذا الحديث رواه الترمذي (رقم/3927) ، والبزار في "مسنده" (2513) والطبراني في "المعجم الكبير" (6/238) ، والحاكم في "المستدرك" (4/86) وغيرهم من طريق أبو بدر شجاع بن الوليد، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن سلمان.
وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
1- قابوس بن أبي ظبيان: قال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه الدارقطني وغيره. انظر "تهذيب التهذيب" (8/306)
2- الانقطاع بين أبي ظبيان – وهو حصين بن جندب – وبين سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال الترمذي بعد روايته الحديث: " وسمعت محمد بن إسماعيل [يعني: البخاري] يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان، مات سلمان قبل علي " انتهى. وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (50) : لا أظن حصين بن جندب سمع من سلمان. وانظر: "تهذيب التهذيب" (2/380) .
والحديث أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (7/270) من طريق خالد بن عبد الرحمن، عن مسعر، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان.
وهذه متابعة ضعيفة جدا بسبب خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن سلمة المخزومي المكي: وهو ذاهب الحديث، ورماه عمرو بن علي الفلاس بالوضع.
ولذلك قال الحافظ المنذري في "أجوبة على أسئلة في الجرح والتعديل" (ص/84) : " حديث منكر " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف الإسناد " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/2029)
ثانيا:
ضعف هذا الحديث لا يعني عدم ثبوت أي فضل لجنس العرب، فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب، القليل منها صحيح، والكثير منها ضعيف أو موضوع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وفي المسألة آثار غير ما ذكرته، في بعضها نظر، وبعضها موضوع " انتهى.
"اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/159)
ويقول أيضا رحمه الله معلقا على هذا الحديث:
" فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بغض العرب سببا لفراق الدين، وجعل بغضهم مقتضيا لبغضه.
وقد سبق في موقعنا الحديث عن موضوع تفضيل جنس العرب، وبيان ما هو الفهم الصحيح لهذه المسألة، وذلك في جواب السؤال رقم: (115934) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/197)
حديث امش ميلا عد مريضا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخا في الله) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث جاء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بإسناد ضعيف، وجاء من كلام بعض التابعين بأسانيد صحيحة.
أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر أخا في الله) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (5/179) قال: حدثنا محمد بن بشر القزاز، قال حدثنا هشام بن عمار، قال ثنا عمرو بن واقد، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم عن أبي أمامة به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب عمرو بن واقد: قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: استحق الترك. وقال النسائي والدارقطني: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (8/116) .
وكذلك علي بن يزيد الألهاني اتفق أهل العلم على ضعفه. انظر "تهذيب التهذيب" (7/397) .
والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (2936) .
أما ما صحَّ عن التابعين، فقد ورد عن ثلاثة منهم:
1- عن مكحول رحمه الله قال: (امش ميلا عُد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر في الله) رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: وأخبرني مسلمة بن علي، عن زيد بن واقد، وهشام بن الغازي، عن مكحول.
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب مسلمة بن علي: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (10/147) ، وانظر "السلسلة الضعيفة" (رقم/2936) .
ورواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/152) قال: حدثنا عمار بن نصر المروزي حدثنا شعيب أبو حرب عن أبي عتبة العنسي عن يحيى عن مكحول.
وهذا إسناد حسن إن كان شعيب هو ابن حرب، وإلا فلم أقف على ترجمة شعيب أبي حرب. والله أعلم.
2- عن عطاء الخراساني رحمه الله.
رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: أخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني.
وهذا إسناد صحيح.
3- وجاء أيضا من كلام حسان بن عطية رحمه الله.
رواه هناد بن السري في "الزهد" (1/227) قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
يقول المناوي رحمه الله:
" (امش ميلا) هو ثلاثة فراسخ، (عُد) ندبا (مريضا) مسلما.
(امش) ندبا (ميلين أصلح بين اثنين) إنسانين أو فئتين، أي: حافظ على ذلك وإن كان عليك فيه مشقة، كأن تمشي إلى محل بعيد.
(امش) ندبا (ثلاثة أميال زر أخا في الله تعالى) وإن لم يكن أخاك من النسب.
ومقصوده أن الثالث أفضل وآكد وأهم من الثاني، والثاني من الأوّل " انتهى.
"التيسير شرح الجامع الصغير" (1/484) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/198)
حديث من كان في قلبه مودة لأخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (من كان في قلبه مودة لأخيه ثم لم يُطلعه عليها فقد خانه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/124) ، ومن طريقه ابن قدامة في "المتحابين في الله" (ص/66، رقم/78) عن زياد بن أيوب، حدثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو كعب الشامي، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من كان في قلبه مودة لأخيه لم يُطلعه عليها فقد خانه) .
يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا إسناد ضعيف لإرساله. وأبو كعب الشامي لم أعرفه. وعبد الحميد بن عبد الرحمن: هو الحماني؛ وفيه ضعف " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (رقم/4639) .
ويغني عن هذا الحديث الضعيف، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ) رواه أبو داود (رقم/5124) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/128) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (417) .
ويغني عنه أيضا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) رواه أبو داود (رقم/5125) ، وصححه النووي في "رياض الصالحين" (183) ، والألباني في "صحيح أبي داود".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: مَعْنَاهُ الْحَثّ عَلَى التَّوَدُّد وَالتَّأَلُّف، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُحِبّهُ اِسْتَمَالَ بِذَلِكَ قَلْبه وَاجْتَلَبَ بِهِ وُدّه، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبّ لَهُ وَوَادّ لَهُ قَبِلَ نَصِيحَته وَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ قَوْله فِي عَيْب إِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسه، أَوْ سَقْطَة إِنْ كَانَتْ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُؤْمَن أَنْ يَسُوء ظَنّه فِيهِ فَلَا يَقْبَل مِنْهُ قَوْله، وَيُحْمَل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن " اِنْتَهَى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/199)
أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره، فعليه مثل صاحب مكس) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح:
الحديث الأول: عَنْ جُودَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ) .
رواه أبو داود في "المراسيل" (رقم/521) ، وابن ماجه في "السنن" (رقم/3718) ، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/182) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/275) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وغيرهم. رووه جميعا من طريق وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء - عن جودان به.
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1907) : " العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": " مقبول ".
وجودان: لم تثبت له صحبة، وقال أبو حاتم: " جودان مجهول، وليست له صحبة ".
وفي "التقريب": " مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين " انتهى.
الحديث الثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق.
من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين:
1- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين، عن أبي عمرو العبدي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/283) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وقال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين، تفرد به الليث " انتهى.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/155) : " فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف " انتهى.
وضعفه العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/138) .
2- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه.
رواه الحارث في المسند – كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/269) – قال: حدثنا حفص بن حمزة، ثنا سيف بن محمد الثوري، عن الحسن بن عمارة.
ورواه ابن حبان في "الثقات" (8/388) ثنا أبو بدر، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح، ثنا أبي عن الحسن بن عمارة عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/307) .
الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا تعف نساؤكم، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض) .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/241) وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير، تفرد به خالد بن يزيد العمري " انتهى.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/81) : " فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب " انتهى.
الحديث الرابع:
حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق.
أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/190) - من طريق أبي هدبة الفارسي، عن أنس بن مالك.
وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة: وهو كذاب، قال ابن حبان في المجروحين (1/114) : " إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة، شيخ يروي عن أنس بن مالك: دجال من الدجاجلة، وكان رقاصا بالبصرة، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (2/119) : " موضوع " انتهى.
وكذا في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) .
الحديث الخامس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه، محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض) .
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/154) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وتعقبه الذهبي بقوله: " بل سويد ضعيف " انتهى.
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/218) : " سويد عن قتادة، هو ابن عبد العزيز: واهٍ " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) : " ضعيف الإسناد " انتهى.
والحاصل: أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح.
ثانيا:
إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه، لا يعني أن ذلك غير مطلوب، بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق، وأسباب المحبة والمودة.
قال ابن حبان رحمه الله في " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (1/183) : " فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، ولتقصير سبق، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه.
ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ...
إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر " انتهى.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله:
" أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه - بما يوجب إيحاشه: فلا خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن، ويتصور تمهيد عذر فيه، قريب أو بعيد، فهو واجب بحق الإخوة " انتهى.
"إحياء علوم الدين" (2/185-186) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/200)
أحاديث المفاضلة بين العلماء والشهداء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (مداد حبر العالم أقدس من دم الشهيد) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
الأحاديث الواردة في تفضيل العلماء على الشهداء، أو تفضيل مداد العالم على دم الشهيد جاءت عن جماعة من الصحابة، ولكن بأسانيد واهية وبطرق شديدة الضعف أو موضوعة: نذكرها هنا باختصار:
1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه: يرويه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/150) ، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد، قال عنه ابن حبان: دجال. ولذلك ضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (ص/5)
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: يرويه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1718) ، والديلمي في "مسند الفردوس"، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد السابق أيضا. ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81) من طريق أخرى وقال: " وهذا لا يصح، قال أحمد بن حنبل: محمد بن يزيد الواسطي لا يروي عن عبد الرحمن بن زياد شيئا، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات " انتهى.
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما: يرويه الديلمي في "مسند الفردوس"، وفي إسناده إسحاق بن القاسم وأبوه: لا يعرفان. ويرويه الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/193) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/80) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الخطيب: رجاله كلهم ثقات غير محمد بن الحسن، ونراه مما صنعت يداه " انتهى.
4- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: يرويه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص/91، 222) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81) ، وقال: " هذا لا يصح: أما هارون بن عنترة فقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، يروي المناكير التي يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها. ويعقوب القُمِّي: ضعيف " انتهى.
5- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: يرويه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/481) ، وفي إسناده عبد الملك بن مسلمة: يروي المناكير، وكذلك فيه عبد الله بن لهيعة.
6- عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أخرجه المرهبي في "فضل العلم" – كما نقل ذلك السيوطي في "الدر المنثور" (3/423) –، وهو في "جزء ابن عمشليق" (ص/44) بإسناده. وفيه أحمد بن محمد بن القاسم مؤذن طرسوس لم أقف له على ترجمة.
7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: يرويه ابن النجار عنه كما ذكر ذلك السيوطي، وذكره في "لسان الميزان" (5/225) من طريق: جراب الكذاب.
8- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه في "جزء ابن عمشليق" (ص/45) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهذا إسناد واهٍ بمرة.
9- عن أبي هريرة رضي الله عنه: يرويه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص/181) وفي إسناده المظفر بن الحسين شيخ السمعاني لم أقف له على ترجمة.
وخلاصة الكلام أن الحديث لا يصح، قال فيه الخطيب البغدادي: موضوع، وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "متنه موضوع " انتهى. "ميزان الاعتدال" (3/517) ، وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص/17) ، والعامري في "الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث" (ص/203) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/4832) : " وهو الذي يميل إليه القلب " انتهى. يعني أنه موضوع. وكذا قال الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (3/698)
ثانيا:
الذي يظهر أن ما ورد من الفضائل لدم الشهيد، في حد ذاته، لم يرد مثله في مداد العلماء، بل لا نعلم حديثا صحيحا في فضل مداد العلماء في نفسه، فضلا عن تفضيله على دم الشهيد، وأما دم الشهيد فقد ثبت فيه أن يأتي يوم القيامة: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وأن الشهيد يغفر له بأول قطرة منه..، إلى آخر ما ورد في ذلك، لكن هذا شيء، وتفضيل الشهيد نفسه على العالم شيء آخر.
قال المناوي رحمه الله:
" والإنصاف أن ما ورد للشهيد من الخصائص، وصحَّ فيه من دفع العذاب، وغفران النقائص: لم يرد مثله للعالم لمجرد علمه، ولا يمكن أحدا أن يقطع له به في حكمه، وقد يكون لمن هو أعلى درجة ما هو أفضل من ذلك.
وينبغي أن يعتبر حال العالم وثمرة علمه وماذا عليه، وحال الشهيد وثمرة شهادته وما أحدث عليه، فيقع التفضيل بحسب الأعمال والفوائد، فكم من شهيد وعالم هون أهوالا، وفرج شدائد، وعلى هذا فقد يتجه أن الشهيد الواحد أفضل من جماعة من العلماء، والعالم الواحد أفضل من كثير من الشهداء، كل بحسب حاله وما ترتب على علومه وأعماله " انتهى.
"فيض القدير" (6/603)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" هذه – تفضيل مداد العلماء على دم الشهداء، وعكسه - المسألة كثر فيها الجدال، واتسع المجال، وأدلى كل منهما بحجته، واستعلى بمرتبته.
والذي يفصل النزاع ويعيد المسألة إلى مواقع الإجماع:
الكلام في أنواع مراتب الكمال.
وذكر الأفضل منهما.
والنظر في أي هذين الأمرين أولى به وأقرب إليه؟
فهذه الأصول الثلاثة تبين الصواب، ويقع بها فصل الخطاب.
فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة، والصديقية، والشهادة، والولاية.
وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما)
فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة، ويليها الصديقية، فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة.
فإن جرى قلم العالم بالصديقية، وسال مداده بها، كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية.
وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها. فأفضلهما صِدِّيقهما.
فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة، والله اعلم.
والصديقية: هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول، وأكمل تصديقا له: كان أتم صديقية. فالصديقية شجرة، أصولها العلم، وفروعها التصديق، وثمرتها العمل.
فهذه كلمات جامعة في مسألة العالم والشهيد، وأيهما أفضل؟! " انتهى.
"مفتاح دار السعادة" باختصار (1/297-299)
وهذا التفصيل – في ظننا – أولى وأقرب من الجزم في المفاضلة بين العلم والشهادة كعملين مجردين كما جرى إطلاقه لدى كثير من العلماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/201)
حديث (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هدا الحديث صحيح: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نعثر على هذا الحديث – بعد البحث والتفتيش – في كتب السنة النبوية، ولم يذكره ـ فيما وقفنا عليه ـ سوى برهان الدين الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/295) من غير إسناد ولا عزو لكتب الأثر، ولذلك فلا تصح نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قد يكون في معناه بعض التردد.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا القول الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له " انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (رقم/3942)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (3/224) :
" هذا اللفظ المذكور ليس حديثا فيما نعلم " انتهى.
على أن الأدب الذي تضمنه هذا الكلام، مازال أهل العلم، وأهل العقل والحكمة يقولون به: أنه لا ينبغي للإنسان أن يُدخل طعاما على طعام آخر في بطنه، بل ينتظر حتى تطلب نفسه الطعام وتشتهيه، فإذا اشتهته وأعطاها حاجتها منه، فليقتصد في تناوله، ولا يملأ بطنه منه، بحيث يتجاوز حد الاعتدال والتوسط في ذلك.
عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ؛ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه أحمد (16735) والترمذي (2380) ، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألباني.
قال صاحب " الفواكه الداواني" (2/317) :
(ومن آداب الأكل) المقارنة له (أن تجعل بطنك) ثلاثة أقسام (ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس) لاعتدال الجسد وخفته ; لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة , ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي للنفس موضع إلا على وجه يضر به , ولما ورد: {المعدة بيت الداء , والحمية رأس الدواء , وأصل كل داء البردة. والحمية خلو البطن من الطعام , والبردة إدخال الطعام على الطعام , ولفظ المعدة} إلخ من كلام بعض الحكماء أدخله بعض الوضاع في المسند المرفوع ترويجا له ...
ومن كلامهم أيضا ما قاله مالك: ومن طب الأطباء أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه ... وقال سحنون: كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم إذا شبع رقد.. "
وقال السفاريني في غذاء الألباب (2/110) :
" ينبغي للآكل أن يجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للهواء..، امتثالا لما قال الرسول الشفيق الناصح لجميع الخلق المرشد للمنافع الدينية والدنيوية , والمنقذ من الهلاك , والمفاسد صلى الله عليه وسلم فهو الحكيم الناصح , والعليم الذي أتى بالعلم النافع , والحق الواضح. ولهذا قال الحافظ ابن رجب عن هذا الحديث: إنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها. وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني من قوله صلى الله عليه وسلم {: حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه} إلى آخره لسلموا من الأمراض , والأسقام ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة. قال الحافظ ابن رجب: وإنما قال هذا ; لأن أصل كل داء التخم قال بعضهم: أصل كل داء البَرْدَة وروي مرفوعا ولا يصح رفعه. , وقال القرطبي في شرح الأسماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وفي الإحياء ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا , ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح , وإنما خص الثلاثة بالذكر ; لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها.. وقال (الحارث بن كلدة) طبيب العرب: " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء) ورفعه بعضهم ولا يصح أيضا قاله الحافظ , وقال الحارث أيضا: الذي قتل البرية , وأهلك السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/202)
لم يثبت أن المسيح سيدفن في آخر الزمان في الحجرة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[يروى أن هناك مساحة فارغة بجانب قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكي يستخدمها نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يَرِد في السنة النبوية ما يدلُّ على مكان دفن المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأما الحديث الذي يُروى في ذلك فضعيف جدا لا يثبت، وهذا بيانه:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) .
رواه ابن أبي الدنيا – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/562) - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/915) وفي "المنتظم" (1/126) ، وفي "الوفا" (2/714) أيضا: من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي.
قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة " انتهى.
وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" في سياق المناكير التي رواها هذا الراوي، وقال: " فهذه مناكير غير محتملة " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6562) : " منكر " انتهى.
ووردت بعض الآثار في هذا الشأن عن علماء الصحابة ممن قرؤوا التوراة وعرفوا ما فيها:
1- قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (مكتوب في التوراة صفة محمد، وصفة عيسى بن مريم، يدفن معه) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/229) ، والترمذي في "السنن" (رقم/3617) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (القطعة المفقودة ص/111) ، والآجري في كتاب "الشريعة" (3/1324) بألفاظ متقاربة، ولكني اخترت اللفظ الذي عند الترمذي لتصريحه بنقل الكلام عن التوراة.
كلهم رووه من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده.
وهذا إسناد ضعيف، فيه عثمان بن الضحاك: قال أبو داود: ضعيف. انظر "تهذيب التهذيب" (7/124) . وفيه: محمد بن يوسف لم يوثقه أحد، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/534) لذلك قال البخاري رحمه الله بعد إخراجه الحديث في التاريخ الكبير في ترجمته: " هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6962) : " موقوف ضعيف " انتهى.
2- عن سعيد بن المسيب قال: (إن قبور الثلاثة في صُفَّة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من وجه ضعيف " انتهى.
"فتح الباري" (7/66) .
كما ذكر ذلك بعض العلماء والمؤرخين:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: " ثم يقبض الله روح عيسى عليه السلام ويذوق الموت، ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ... ، وقد قيل إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء " انتهى.
"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/1301) وذكر نحوه ابن عساكر وغيره.
والذي يتحصل مما سبق أنه لم يثبت في حوادث آخر الزمان دفن عيسى عليه السلام في الحجرة النبوية، وما ورد في ذلك إنما هي آثار ضعيفة السند، ومأخوذة عن غير الكتاب والسنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(4/203)
يريد بيان سبب ضعف الأحاديث التي يحكم عليها بالضعف
[السُّؤَالُ]
ـ[قمتم فى بعض المواضع بكتابة أن هذه الأحاديث موضوعة أو ضعيفة. فهل بوسعكم - رجاء - تقديم مزيد من التفصيل بشأن سبب كونها موضوعة أو ضعيفة، كأن تقولوا يعيب هذا الراوى أو ذاك كذا وكذا ... وما إلى ذلك. وقد عينتم بعض الأحاديث الصوفية بأنها موضوعة أو ضعيفة، كما قلتم ذلك فى الكثير من المواضع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك حرصك على العلم والمعرفة بأدلتها، وتثبتك في أمر السنة النبوية، ونسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين إلى سلوك هذا المنهج في جميع شؤونهم.
وبخصوص سؤالك، فنحب أن ننبه أخانا الكريم إلى أننا نحرص على شرح وجه تصحيح الحديث أو تضعيفه إذا كان الحديث مدار المسألة، وينبني عليه الحكم فيها.
والحديث الذي نذكر صحته أو ضعفه، دون تفصيل أو بيان سبب لذلك فنحن نحيل في كلامنا على من حكم عليه بذلك من أهل العلم الثقات الذين يؤخذ عنهم ذلك العلم، ويرجع إلى قولهم فيه، ونبين الكتاب الذي ورد فيه، وموضعه منه بالتحديد، وبإمكان القارئ أن يرجع إلى المصدر المنقول عنه، ليتوسع في تفاصيل ذلك، إن كان التفصيل يعنيه.
وأحيانا يذكر الحديث عرضا وليس قصدا، فنختصر الحكم عليه في جملة قصيرة تبين حاله، ولا نفصل خشية التطويل أو الإملال، ذلك أن موقعنا يرتاده فئات كثيرة من الناس، والظن أن أغلبهم غير متخصص في فهم مصطلحات علماء الحديث وعباراتهم، ولذلك نحاول دائما التوسط في الشرح والتفصيل، فلا نخلي الجواب من الفائدة، ولا نُطَوِّلُ الشيء الكثير.
فنرجو إن كنتم ترغبون التأكد من صحة أحاديث معينة أو من ضعفها، مما يعنيكم شأنه، أن ترسلوا لنا نصوص هذه الأحاديث، كي نتمكن من بحث الجواب المحدد عنها وإرساله لكم.
وإن كان قصد السائل الكريم السؤال رقم: (14017) فأغلب الأحاديث المذكورة فيه مما ليس لها أصل ولا سند، وإنما يتناقلها بعض الصوفية وغيرهم في كتبهم وأحاديثهم من غير تثبت، وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي غير موجودة في كتب السنة أصلا، فلا تبقى حاجة إلى شرح سبب الضعف ما دام الحديث لا يروى بالسند أصلا، وهذا كاف في رده وعدم قبوله.
وننبه هنا إلى أنه ليس ثمة " أحاديث صوفية " وأحاديث غير صوفية، إلا إن كان المقصود أحاديث كذبتها الصوفية، وهذا ليس غالبا، إذ الغالب – إذا كانت المسألة تتعلق بأمر ابتدعه بعض الصوفية - أنها أحاديث ضعيفة أو مكذوبة استغلها بعض الصوفية واستدلوا بها على بدعتهم، ولكن لا تسمى بالأحاديث الصوفية على جميع الأحوال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/204)
حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد هذا الحديث عن ثمانية من الصحابة:
أشهرها وأكثرها طرقا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وورد أيضا عن عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعا.
وورد عن الشعبي مرسلاً.
وعامة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه التي أوردها الحافظ الدارقطني في "السنن" (كتاب الصلاة/باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة واختلاف الروايات) (1/323) ، وضعفها كلها هناك.
وكذلك فعل الإمام البيهقي في جزء خاص سماه: "القراءة خلف الإمام"، وفي "السنن الكبرى" (2/159) (كتاب الصلاة/ باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق)
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه " انتهى.
"خير الكلام في القراءة خلف الإمام" (ص/9) مكتبة الإيمان – الطبعة الثانية – 1405هـ.
وقال المجد ابن تيمية رحمه الله:
" وقد روي مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل " انتهى.
"منتقى الأخبار" (رقم/700)
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" لهذا الحديث طرق: عن جابر، وعن علي، وابن عمر، وابن عباس، وعمران بن حصين: ليس فيها ما يثبت " انتهى.
"العلل المتناهية" (1/428)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (1/109)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره " انتهى.
"فتح الباري" (2/242)
وقال أيضا رحمه الله:
" حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) مشهورٌ من حديث جابر رضي الله عنه، وله طرق عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وكلها معلولة " انتهى.
"تلخيص الحبير" (1/232)
وقال النووي رحمه الله:
" ضعيف " انتهى.
"الخلاصة" (1/377)
وقد نص على ضعفه أيضا كثير من أصحاب الرأي أتباع أبي حنيفة، وإن قالوا بمضمونه بسقوط القراءة عن المأموم مطلقا.
جاء في "معرفة السنن والآثار" (رقم/953) للبيهقي قال:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت سلمة بن محمد الفقيه، يقول:
سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة) ؟
فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه الروايات عن علي، وعبد الله بن مسعود، والصحابة.
قال أبو عبد الله – هو الحاكم صاحب المستدرك -:
أعجبني هذا لمَّا سمعته، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض " انتهى.
وللتوسع في تخريج الحديث ينظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/6) ، "إرواء الغليل" للشيخ الألباني (2/268)
وأما حكم قراءة المأموم خلف الإمام، فهي من مسائل الخلاف بين أهل العلم؛ وقد سبق في موقعنا بيان أن الصحيح وجوب قراءة صلاة الفاتحة على الجميع: الإمام والمأموم والمنفرد، وفي جميع الصلوات أيضا: السرية والجهرية.
فيرجى مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (10995) ، (74999)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/205)
حديث من أصبح منكم آمنا في سربه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال: حسن غريب.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة: " وبالجملة، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم. انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318)
يقول المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث:
" قوله: (من أصبح منكم) أي: أيها المؤمنون. (آمناً) أي: غير خائف من عدو.
(في سِربه) أي: في نفسه، وقيل: السرب: الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله. وقيل بفتح السين أي: في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين أي: في بيته. كذا ذكره القاري عن بعض الشراح. وقال التوربشتي:
(معافى) اسم مفعول من باب المفاعلة، أي: صحيحاً سالماً من العلل والأسقام.
(في جسده) أي: بدنه ظاهراً وباطناً. (عنده قوت يومه) أي: كفاية قوته من وجه الحلال. (فكأنما حيزت) : بصيغة المجهول من الحيازة، وهي الجمع والضم. (له) الضمير عائد لـ (من) ، وزاد في " المشكاة ": " بحذافيرها ". قال القاري: أي: بتمامها، والحذافير الجوانب، وقيل الأعالي، واحدها: حذفار أو حذفور. والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى.
"تحفة الأحوذي" (7/11)
وقال المناوي رحمه الله:
" يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره. قال نفطويه:
إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب
فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب
" انتهى. "فيض القدير" (6/88)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/206)
يسأل عن حديث يحض على تعلم القراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (الذي يقرأ جميل في نظر ربه، فتعلموا القراءة، وإذا تعلمتم فدرسوها) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل لفظ الحديث المقصود في السؤال، هو ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027)
والحث على تعلم قراءة القرآن كثير في الكتاب والسنة، وهو أيضا حث على تعلم القراءة، فقد كان القرآن الكريم الكتاب الوحيد الذي يقرؤه المسلمون في صدر الإسلام، فكان تعلم القراءة والكتابة يبدأ من تعلم القرآن الكريم، بل جاء الأمر بتعلم القراءة في أول كلمة من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول سبحانه وتعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق/1-5
فانتشر العلم وقل الجهل نتيجة تعلم قراءة القرآن وكتابته وتفهم معانيه.
أما إن كان المقصود حديثا آخر فيه أن الله يحب الذين يتعلمون القراءة مطلقا، فلم نقف على لفظه في كتب السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/207)
حديث من لم يعرف إمام زمانه يموت موتة الكافر من كذب الشيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرحا لهذا الحديث؛ لأن الشيعة دائما يستدلون به: (من لم يعرف إمام زمانه، يموت موتة الكافر) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشيعة من أجهل الناس في المنقولات، وأحمقهم في العقليات، إذا استدلوا فلا يستدلون بدليل صحيح، وإذا تكلموا فلا يتكلمون برأي رجيح.
قال الشعبي رحمه الله: " لو كانت الشيعة من الطير لكانت رخَما، ولو كانت من البهائم لكانت حُمُرا " رواه عبد الله بن أحمد في السنة (2/549) .
وهذا الحديث الذي يستدلون به مثال على ذلك، فقد امتلأت به كتب الشيعة من المتقدمين والمتأخرين، فأورده الكليني في "الكافي"، وابن بابويه القمي، والطوسي، والبرقي، والنعماني، والحر العاملي، والمجلسي، والبحراني، وغيرهم من الذين سطروا مخازي الشيعة في كتبهم.
ومع ذلك فليس لهذا الحديث إسناد يعرف، ولا طريق يعتمد، بل هو – باللفظ المذكور – كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في رده على " الحلي " الرافضي استدلاله بهذا الحديث -:" قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) يقال له:
أولا: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ؟ وأين إسناده؟ وكيف يجوز أن يحتج بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث، فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف، إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم في صحيحه عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد ابن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعته يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)
وهذا حدث به عبد الله بن عمر لعبد الله بن مطيع بن الأسود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد، مع أنه كان فيه من الظلم ما كان، ثم إنه اقتتل هو وهم، وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة، فعلم أن هذا الحديث دل على ما دل عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف، وأن من لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية، وهذا ضد قول الرافضة، فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور، وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها، ونحن نطالبهم أولا بصحة النقل.
ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدا، فكيف يجوز أن يثبت أصل الإيمان بخبر مثل هذا الذي لا يعرف له ناقل، وإن عرف له ناقل أمكن خطؤه وكذبه، وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي.
"منهاج السنة النبوية" (1/59)
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله:
" وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة، ثم في بعض كتب القاديانية، يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي، ولو صح هذا الحديث لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا، وغاية ما فيه وجوب اتخاذ المسلمين إماما يبايعونه، وهذا حق كما دل عليه حديث مسلم وغيره.
ثم رأيت الحديث في كتاب " الأصول من الكافي " للكليني من علماء الشيعة (1/377) ، رواه عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله مرفوعا، وأبو عبد الله هو الحسين بن علي رضي الله عنهما.
لكن الفضيل هذا - وهو الأعور - أورده الطوسي الشيعي في "الفهرست" (ص126) ، ثم أبو جعفر السروي في "معالم العلماء" (ص81) ، ولم يذكرا في ترجمته غير أن له كتابا!
وأما محمد بن عبد الجبار فلم يورداه مطلقا، وكذلك ليس له ذكر في شيء من كتبنا.
فهذا حال هذا الإسناد الوارد في كتابهم " الكافي " الذي هو أحسن كتبهم كما جاء في المقدمة (ص 33) .
ومن أكاذيب الشيعة التي لا يمكن حصرها قول الخميني في "كشف الأسرار" (ص197) : وهناك حديث معروف لدى الشيعة وأهل السنة، منقول عن النبي: ... ثم ذكره دون أن يقرنه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذه عادته في هذا الكتاب!
فقوله: وأهل السنة كذب ظاهر عليهم؛ لأنه غير معروف لديهم كما تقدم، بل هو بظاهره باطل إن لم يفسر بحديث مسلم كما هو محقق في " المنهاج " و " مختصره "، وحينئذ فالحديث حجة عليهم فراجعهما " انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (رقم/350)
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أو كما قال.
فما المقصود بالحديث في العصر الراهن، وكيف نفهمه ونطبقه؟
فأجابت:
الحديث الأول: لا نعلم صحته بهذا اللفظ.
وأما الحديث الثاني: فأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن نافع رحمه الله قال: لما خلعوا يزيد واجتمعوا على ابن مطيع أتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال عبد الله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال له عبد الله بن عمر: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية) .
ومعنى الحديث: أنه لا يجوز الخروج على الحاكم (ولي الأمر) إلا أن يرى منه كفرا بواحا، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، كما أنه يجب على الأمة أن يؤمروا عليهم أميرا يرعى مصالحهم ويحفظ حقوقهم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/419)
إذا فالفرق بين أهل السنة والشيعة في هذين الحديثين هو أن الحديث الذي اخترعه الرافضة يوجب على المسلمين الإيمان بالإمامة التي هي في مقام النبوة عندهم، حيث يعتقدون العصمة للأئمة، ويعتقدون ولايتهم عن الله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك من العقائد البدعية المضلة.
أما أهل السنة فيفهمون من الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم ضرورة طاعة ولاة أمور المسلمين – إذا أقاموا الدين والعدل -، وهو مضمون حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أيضا، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) رواه البخاري (3606) ومسلم (1847) ، فالمقصود لزوم جماعة المسلمين، وعدم شق عصا الفتنة والفرقة، والسمع للإمام الذي هو الحاكم في غير معصية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/208)
هل يكثر الموت في شهر شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد أثر أن شعبان يكثر فيه قبض الأرواح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي جاء في بعض الآثار أن أسماء من كُتب عليهم الموت في العام كله توحى إلى ملك الموت في شهر شعبان، ويخبر بأسمائهم في صحائف من عند الله سبحانه وتعالى، أو أن التقدير السنوي لآجال البشر يكتب في شعبان، فالموت يقدر في هذا الشهر بحسب ما ورد في هذه الآثار.
لكنها آثار وأحاديث ضعيفة كلها، فلا ينبغي الاعتماد عليها، ولا التعويل على ما جاء فيها.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله:
"وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّلُ عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها" انتهى.
"أحكام القرآن" (4/117) .
وقد سبق بيان ذلك، ونقل كلام أهل العلم في هذا الشأن في جواب السؤال رقم: (8907) ، (49675) ، (49678) .
وننقل هنا - لمزيد فائدة – بعض ما ذكره السيوطي رحمه الله من الآثار المتعلقة بكتابة الآجال في شعبان، في كتابه "الدر المنثور" (7/401-402) ، ونعقب كل أثر بتعليق يسير.
قال رحمه الله:
" أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة:
(فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد.
وهذا مخالف للصواب الموافق لتفسير جماهير السلف للآية، أن المراد بها ليلة القدر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11722) .
وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) .
ضعفه الشوكاني في "فتح القدير" (4/801) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، وذلك أنه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة.
وهذا مرسل ضعيف.
وأخرج أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، فسألته؟ قال: (إن الله يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) .
رواه أبو يعلى في "المسند" (8/311) وفي سنده سويد بن سعيد الحدثاني، ومسلم بن خالد الزنجي، وطريف، وكل منهم مضعف في كتب التراجم.
وأخرج الدينوري في " المجالسة " عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة) .
"المجالسة وجواهر العلم" (ص/206) ، وهو مرسل، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (رقم/4019) .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في " شعب الإيمان " عن الزهري، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل ينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) .
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة. فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى.
وهو مجرد قول لعطاء، ولم يَذْكر له إسناداً.
وأخرج الخطيب وابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، ولم يكن يصوم شهرا تاما إلا شعبان، فقلت: يا رسول الله! إن شعبان لَمِن أحب الشهور إليك أن تصومه؟ فقال: " نعم يا عائشة! إنه ليس نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي وعمل صالح) .
ولفظ ابن النجار: (يا عائشة! إنه يكتب فيه ملك الموت من يقبض، فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم) .
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/436) وفي إسناده أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني كما في "ميزان الاعتدال" (4/507) ، وفيه أحمد بن محمد بن حميد المخضوب، أبو جعفر المقرئ، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. فالحديث ضعيف جدا.
والحاصل: أنه لم يصح في كثرة الموت في شعبان حديث صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/209)
هل ذكرت التحيات في قصة المعراج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة قصة أن لفظ: (التحيات) كانت عندما عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ووصل سدرة المنتهى، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التحيات لله والصلوات والطيبات، فقال الله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقالت الملائكة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ، فهذه القصة تدرس للأطفال في المدارس لتساعدهم على حفظ التحيات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يعرف لهذه القصة أصل ولا سند، ولم نقف لها على أثر في كتب السنة الصحيحة، وقصة المعراج ثابتة بتفاصيلها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وليس فيها شيء عن مناسبة ذكر التشهد المعروف في الصلاة، وكذلك لم يرد شيء عن هذه القصة حين عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام هذا التشهد.
فقد روى الشيخان: البخاري (6328) ومسلم (402) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. - فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) .
وغاية ما وقفنا عليه في هذه القصة:
ما تنقله بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يّس /58، فقالوا: " يشير إلى السلام الذي سلمه الله على حبيبه عليه السلام ليلة المعراج إذ قال له: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته "، فقال في قبول السلام: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " انتهى. انظر "روح المعاني" للآلوسي" (3/38) .
وما يذكره بعض شراح السنة عند الكلام على حديث التشهد، ذكره بدر الدين العيني في "شرح سنن أبي داود" (4/238) ، ونقله الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" عن ابن الملك، وكذلك تذكره هذه القصة في بعض كتب الفقه، مثل حاشية "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/121) ، وفي بعض كتب الصوفية كالقسطلاني والشعراني.
وجميع ذلك ذكر معلق غير مسند، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز تعليمه الأولاد الصغار، لأنه لا يعرف له أصل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق أهل العلم على حرمة رواية الأحاديث الموضوعة إلا على سبيل التكذيب والتحذير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/210)
حديث جابر في العبد الذي يدعو الله وهو عليه غضبان ثم يستجيب له
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة الحديث التالي: ورد في " الحلية " عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، إن العبد ليدعو الله وهو عليه غضبان، فيعرض عنه، ثم يدعوه فيعرض عنه، فيقول سبحانه لملائكته: أبى عبدي أن يدعو غيري، فقد استحييت منه، يدعوني وأعرض عنه، أشهدكم أني قد استجبت له) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في "الدعاء" (1/28) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/208) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (رقم/7088) ، جميعهم من طريق: عبد الأعلى بن حماد النرسي، ثنا أبو عاصم العباداني، عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ... فذكره.
وهذا إسناد ضعيف جدا.
فيه الفضل بن عيسى الرقاشي: قال فيه أبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال أحمد: ضعيف. وسئل أبو داود عن التحديث عنه فقال: لا، ولا كرامة.
انظر: "تهذيب التهذيب" (8/284) .
وأبو عاصم العباداني: لين الحديث.
ومع ذلك، فالإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/211)
هل ورد حديث صحيح في فضل عنترة بن شداد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح ورود حديث عن فضل عنترة بن شداد، فيه أنه اجتمع فيه صفات الرجل المسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الزركلي في ترجمة عنترة:
" عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية ابن قراد العبسي: أشهر فرسان العرب في الجاهلية، ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها.
وكان من أحسن العرب شيمة، ومن أعزهم نفسا، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة. وكان مغرما بابنة عمه " عبلة "، فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلا، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي. ينسب إليه " ديوان شعر - ط " أكثر ما فيه مصنوع. و " قصة عنترة - ط " خيالية يعدها الإفرنج من بدائع آداب العرب، وقد ترجموها إلى الألمانية والفرنسية، ولم يعرف واضعها. وللمستشرق الألماني (توربكي) كتاب عن " عنترة " طبع في هيدلبرج سنة 1868 م، ولمحمد فريد أبي حديد " أبو الفوارس عنتر بن شداد - ط، " ولفؤاد البستاني " عنتر بن شداد - ط " " انتهى.
"الأعلام" (5/91)
ولم يرد في كتب السنة والآثار – فيما علمنا - أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنترة بن شداد العبسي (المتوفى سنة 22 قبل الهجرة) في حديث واحد، ومع ذلك وجدنا بعض الناس ينقلون أن النبي صلى لله عليه وسلم يقول: (لم أسمع وصف عربي أحببتُ أن أقابله أكثر من عنترة)
ولكن هذا أيضا لا أصل له، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز التحديث به إلا على وجه الرد والتضعيف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/212)
حديث الأعرابي الذي يقول إن سألني لأسألنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن حديث الأعرابى للرسول صلى الله عليه وسلم، فى كلامه عن الله عز وجل: (إن سألني لأسألنه: إن سألني عن ذنوبي سألته عن مغفرته) وأظن حضراتكم تعلمون بقية الحديث. هل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم المنتشرة بين الناس.
وقد سئل عنه الشيخ حاتم الشريف فقال:
" إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب، وفيه من ركاكة اللفظ، وضعف التركيب، وسمج الأوصاف، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه.
على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً في مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث.
وقد قال العراقي عن هذا الحديث:" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466، وطبقات الشافعية الكبرى: 6/364) ، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة.
قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25
وقال تعالى: (ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/156
وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى.
http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/213)
من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[في معنى الحديث (من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم) . أريد التأكد من صحة الحديث، وراوي الحديث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث جاء مرويا عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن الطرق إليهم كلها منكرة شديدة الضعف، وهذا بيان ذلك:
الحديث الأول:
عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم)
روي هذ الحديث من عدة طرق عن حذيفة:
1- عن شقيق بن سلمة عن حذيفة به:
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/352) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/132) من طريق إسحاق بن بشر، ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن شقيق به.
وهذا إسناد شديد الضعف منكر:
بسبب إسحاق بن بشر، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/184) : " قال ابن حبان: لا يحل حديثه إلا على جهة التعجب. وقال الدارقطني: كذاب متروك. يروي العظائم عن ابن إسحاق وابن جريج والثوري " انتهى. ولذلك قال الذهبي في "التلخيص": " أحسب الخبر موضوعا " انتهى. وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والمتهم به إسحاق " انتهى. وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180)
2- عن أبي العالية عن حذيفة:
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/270) "والصغير" (2/131) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/252) : من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية به. وقال الطبراني: لايروى هذا الحديث عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن أبي جعفر الرازي.
وهذا سند ضعيف منكر:
فرواية عبد الله عن أبي جعفر محل طعن ومظنة نكارة، لذلك قال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه. فمثله لا يحتمل تفرده بحديث لم يشاركه فيه سوى المتهمين والمجهولين.
انظر ترجمة عبد الله بن أبي جعفر في "تهذيب التهذيب" (12/57) وفي (5/177)
وله طريق ثالث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/266) ، وضعف الشيخ الألباني سنده جدا، بسبب من فيها من المتهمين، وبعض المجاهيل.
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم)
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/356) وأبو عبد الله الدقاق في "مجلس إملاء في رؤية الله" (رقم/396) وابن بشران في "الأمالي" (رقم/395) :
من طريق: إسحاق بن بشر، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود مرفوعا به.
وهذا إسناد منكر أيضا.
فقد سبق نقل طعن أهل العلم في إسحاق بن بشر، ولذلك قال الذهبي في " تلخيص المستدرك ": إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين.
الحديث الثالث:
عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/29) من طريق طريق يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي ذر به. وقال: تفرد به يزيد بن ربيعة.
وهذا إسناد منكر أيضا.
فيه يزيد بن ربيعة الرحبي: قال فيه البخاري: أحاديثه مناكير. وقال النسائي: متروك. انظر "ميزان الاعتدال" (4/422) ، وبه ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/433) ، وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180) .
الحديث الرابع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم)
رواه ابن عدي في "الكامل" (7/67) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/361) من طريق وهب بن راشد، ثنا فرقد السبخي، عن أنس به.
وهذا إسناد منكر.
فيه وهب بن راشد: قال فيه الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. "ميزان الاعتدال" (4/352) وقال البيهقي: إسناده ضعيف. وفيه أيضا فرقد السبخي ضعيف الحديث، كثير الخطأ.
والحاصل أن طرق الحديث جميعها ضعيفة شديدة الضعف، لا تتقوى بتعددها، فلا يجوز نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعف الحديث من جميع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/309-312)
ولكن يغني عنه جميع الشواهد من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم، ومنها قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/214)
حديث موضوع في الوعيد على من ترك الصلوات الخمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة نسبة هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك صلاة الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك صلاة المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت "اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/259) عن هذا الحديث وأحاديث أخرى، فأجابت عليها بقولها:
" هذه الأحاديث لم تُعزَ إلى كتاب من كتب السنة، ولا نعلم لها أصلا بعد البحث عنها، فالواجب منع توزيعها ونشرها " انتهى.
كما سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في برنامج نور على الدرب في تاريخ 20/محرم/1427هـ (الدقيقة 17-19 من الشريط) عن هذا الحديث فقال:
" هذا لا أصل له فيما أعلم، وجاء الوعيد فيمن ترك الصلاة من القرآن ومن السنة النبوية الصحيحة، فيُكتَفى بما جاء، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بَينَ العَبدِ وَبَينَ الكُفرِ تَركُ الصَّلاةِ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ) رواه أهل السنن. والله عز وجل يقول عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ، قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ) السبب الأول الذي أوردهم سقر هو أنهم تركوا الصلاة، فترك الصلاة كفر والعياذ بالله، مخرج من الملة، سواء تركها جاحدا لوجوبها أو تركها معترفا بوجوبها، إلا من تركها ناسيا أو نائما..
وأما هذا الذي ذكره السائل فلا أعرف له أصلا، وكذلك ما يوزع من بعض النشرات (مَن ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة عقوبة) لا أصل له " انتهى.
فعلى هذا لا يجوز نشر هذا الحديث، ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب التحذير منه، وبيان أنه لا أصل له في كتب أهل السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/215)
هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الميت تكون روحه في قبره يوم الجمعة فيعرف من يأتي إليه زائرا ويستأنس به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة الخبر الصادق: الكتاب والسنة الصحيحة، وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما يواجهه الإنسان بعد الموت.
ومن التفاصيل التي وردت في ذلك: أن الميت يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا، روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم:
(ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام)
رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/185) قال:
أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد، قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول، قال: أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي، في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قالت: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، قال حدثنا: بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، إلا شيخ ابن عبد البر، وفاطمة بنت الريان، لم أقف لهما على ترجمة، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق، وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها. كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث، فقال: " قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331)
وكذلك صحح الحديث من المتأخرين: الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والقرطبي في "المفهم" (1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم الدين" (4/491) ، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365) ، والسيوطي في "الحاوي" (2/302) ، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304) وغيرهم.
وللحديث شاهدان آخران عن أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنهما، لكن في أسانيدهما ضعف لا يصلحان معه للاعتبار. انظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (رقم/4493)
ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب، حتى قال ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به " انتهى. "الروح" (ص/5) ، ومثله يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/325)
وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور"، تحت باب " معرفة الموتى بزيارة الأحياء "، والقرطبي في "التذكرة"، كما جمعها الحافظ السيوطي في "شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور"
وأما العلماء المتأخرون، فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه:
" الروح تشرف على القبر، وتعاد إلى اللحد أحيانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ، والميت قد يعرف من يزوره، ولهذا كانت السنة أن يقال: (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/303-304)
أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في يوم الجمعة فلا يثبت بدليل صحيح.
جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (3/36) :
" قوله: (فيسلم عليه) أي في جميع أيام الأسبوع , ولا يختص ذلك بالأوقات التي اعتيدت الزيارة فيها.
وقوله: (إلا عرفه ورد عليه السلام) : فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو بعد الموت , وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه , ومع ذلك لا ثواب فيه للميت على الرد ; لأن تكليفه انقطع بالموت " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه: (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) في أي وقت " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/9، سؤال رقم/37)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/216)
أحاديث في اقتران الإجابة بالدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة هذه الأحاديث: 1- روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: (من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول ادعوني استجب لكم) . 2- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماكان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكبر من ذلك) . انظر: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب معزوا للطبراني، وعزاه الهيثمي في شرح الأربعين للطبراني، وعزاه في كنز العمال للديلمي. وفي الحلية لأبي نعيم عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) انظر الفتح الكبير. 3- روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) . 4- روى أبو يعلى بإسناده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أربع خصال واحدة منهن لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي فأما التي لي لا تشرك بي شيئا وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ماترض لنفسك) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه الأحاديث تتعلق بموضوع واحد، وهو باب اقتران الإجابة بالدعاء، وهي – وإن كانت ضعيفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن القرآن الكريم جاء بمقتضى ما فيها، ويشهد لمعانيها، حيث يقول الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.
غير أن الإجابة التي وعد الله بها يجب أن تسبقها بعض الشروط التي تحقق القبول عند الله عز وجل.
قال الطبراني في "المعجم الصغير" (2/198) :
" وقد افتتن جماعة ممن لا علم لهم، بأن يقولوا ندعوا ولا يستجاب لنا، وهذا رد على الله عز وجل؛ لأن الله يقول وقوله الحق: (ادعوني استجب لكم) وقال: (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، ولهذا معنى لا يعرفه إلا أهل العلم والمعرفة، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم: روى أبو سعيد الخدري وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا استجاب له، فهو من دعوته على إحدى ثلاث: أما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن تدخر في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثلها) " انتهى.
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/392) :
" لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة، مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه " انتهى.
ثانيا:
أما أحكام الأحاديث الواردة في هذا السؤال، فهي على الوجه الآتي:
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أَعطَى أربعًا أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتاب الله:
من أعطى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: (اذكروني أذكركم) .
ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة؛ لأن الله يقول: (ادعوني استجب لكم) .
ومن أعطى الشكر أعطي الزيادة؛ لأن الله يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) .
ومن أعطى الاستغفار أعطي المغفرة؛ لأن الله يقول: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/117-118) وفي "المعجم الصغير" (2/198) ، ومن طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1/247) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/839) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/126) ، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/532) ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/360) لابن مردويه. وذكره الواقدي في "فتوح الشام" (266) .
كلهم مِن طريق:
محمد بن إسحاق بن موسى المروزي قال حدثنا محمود بن العباس صاحب بن المبارك قال حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا هشيم تفرد به محمود بن العباس.
ومحمود بن العباس هذا قد اتهمه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/77) بوضع الحديث، وقال: "له خبر منكر. ثم ذكر هذا الحديث " انتهى.
وقال في "تلخيص العلل المتناهية" (ص/307) : باطل.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/152) : " فيه محمود بن العباس وهو ضعيف "انتهى.
وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به محمود بن العباس وهو مجهول " انتهى.
فهذا حديث ضعيف جدا، لا يصح بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما كان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكرم من ذلك)
فقد جاء من طريقين عن أنس رضي الله عنه:
الأولى: عن جعفر بن محمد بن بريق قال حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي قال حدثنا الحسن بن محمد البلخي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه به.
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/242) ، وقال: لا أصل له. ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/171)
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن محمد البلخي، قال فيه العقيلي: منكر الحديث ولا يتابع عليه وليس له أصل.
الثانية: عن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال: حدثنا حبيب قال: حدثنا محمد بن عمران، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس مرفوعاً لكن بلفظ: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) .
رواه أبو نعيم في "الحلية" (3/263) وقال: "حديث غريب من حديث ربيعة، تفرد به حبيب كاتب مالك عن محمد عنه" انتهى.
وهذا إسناد ضعيف جدا أيضا، بسبب حبيب بن أبي حبيب، فهو متروك، وكذبه بعض أهل العلم، انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (2/182) ، وعبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال فيه الدارقطني: متروك الحديث. انظر "لسان الميزان" (3/413) .
ولذلك حكم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/4416) على هذا الحديث بقوله: موضوع.
3. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) .
فلم نجده بهذا اللفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى الترمذي، والظاهر أنه يقصد الحكيم الترمذي صاحب "نوادر الأصول"، وليس الإمام أبا عيسى صاحب السنن، وكتب الحكيم الترمذي تتفرد بالموضوعات والمناكير كثيرا، فلا يعول عليها إن لم تذكر فيها الأسانيد الصحيحة.
أما صاحب السنن أبو عيسى الترمذي، فقد روى نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما (3548) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) .
وهذا أيضا حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ، وَهُوَ الْمَكِّيُّ الْمُلَيْكِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/145) : إسناده لين.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
4. وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أَرْبَعُ خِصَالٍ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي:
فَأَمَّا الَّتِي لِي: فَتَعْبُدُنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا.
وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عَلَيَّ: فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ.
وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الإِجَابَةُ.
وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ)
رواه أبو يعلى في "المسند" (5/143) ، والبزار في مسنده برقم (19) "كشف الأستار"، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/151، 533) :
كلهم من طريق صالح المري قال: سمعت الحسن، يحدث عن أنس بن مالك به.
وصالح المري وهو ابن بشير بن وداع، جاء في "تهذيب التهذيب" (4/383) تضعيف عامة المحدثين له، قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ضعيف ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع" (1/51) : " في إسناده صالح المري وهو ضعيف، وتدليس الحسن أيضا، والمحمل هنا على صالح بن بشير المري، فهو ضعيف جدا، وقد تفرد به " انتهى.
وقال ابن عدي في "الكامل" (5/96) : منكر.
فالحاصل أن هذه الأحاديث المسؤول عنها كله ضعيفة لا تصح، ويغني عن هذه الأحاديث الآيات التي ذكرناها، والتي فيها وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/217)
حديث: (تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو راكع. فهل هذا الحديث صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث موضوع، وضعه وروّجه بعض الكذابين، ليثبت به فضيلة لعلي رضي الله عنه.
وعلي رضي الله عنه فضائله كثيرة مشهورة لا تحتاج إلى مثل هذا الكذب.
وعند التأمل في هذه الحديث فإنه لا يثبت فضيلة لعلي رضي الله عنه.
وقد بَيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال:
"وقد وضع بعض الكاذبين حديثاً مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بَيِّن من وجوه كثيرة:
منها: أن قوله: (الذين) صيغة جمع، وعليّ واحد.
ومنها: أن (الواو) ليست واو الحال، إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع، فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة.
ومنها: أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة، فإن في الصلاة شغلاً.
ومنها: أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال الركوع، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن.
ومنها: أن علياً لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنه لم يكن له أيضاً خاتم، ولا كانوا يلبسون الخواتم، حتى كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى كسرى، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من وَرِق [فضة] ونقش فيها: محمد رسول الله.
ومنها: أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم، فإن أكثر الفقهاء يقولون: لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة.
ومنها: أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل، والمدح في الزكاة: أن يخرجها ابتداء، ويخرجها على الفور، لا ينتظر أن يسأله سائل.
ومنها: أن الكلام في سياق النهي عن مولاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين، كما يدل عليه سياق الكلام" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (2/30-32) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الحديث فقال:
"هذا الحديث ليس بصحيح، ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير، وحكم عليه بالضعف؛ لضعف رجال أسانيده، وجهالة بعضهم.. وذكر أنه لم يقل أحد من أهل العلم فيما يعلم بفضل الصدقة حال الركوع. أهـ المقصود.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منهاج السنة أن الحديث المذكور موضوع.
وبهذا يعلم أن قوله تعالى: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) معناها: وهم خاضعون، ذليلون لله تعالى؛ لأن الركوع والسجود يمثلان غاية الذل لله والاستكانة، فالمؤمن يتصدق وهو خاضع لله، لا متكبر، ولا مُدْلٍ بعمله، ولا مراءٍ ولا مُسَمِّع.. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/218) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/218)
ما هي الأحاديث التي تصلح دليلا شرعيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأحاديث التي يتم الأخذ بها والاستدلال بها شرعا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحاديث التي يجب الأخذ بها والاستدلال بها هي الأحاديث المقبولة: الصحيحة أو الحسنة، أما الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة فلا يجوز الاستدلال بها على الحكم الشرعي:
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص/463) :
" ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " انتهى. يعني: متى ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل:
" سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة، فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وليس للرجل بَصَرٌ بالحديث الضعيف المتروك، ولا الإسناد القوي عن الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به؟
قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمر صحيح، ويسأل عن ذلك أهل العلم " انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/179)
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
" اعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا " انتهى.
"التمييز" (ص/218)
وقال الإمام السرخسي رحمه الله:
" ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام " انتهى.
"أصول السرخسي" (2/7) .
وقال النووي رحمه الله:
" قال العلماء: الحديث ثلاثة أقسام , صحيح , وحسن , وضعيف. قالوا: وإنما يجوز الاحتجاج من الحديث في الأحكام بالحديث الصحيح أو الحسن، فأما الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد، وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام، كالقصص , وفضائل الأعمال , والترغيب والترهيب " انتهى.
"المجموع" (1/98) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان " انتهى.
"فضل علم السلف" (ص/57) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/250) .
وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله:
" من أراد الاحتجاج بحديث من السنن أو المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأصول رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده، وإلا فلا يحتج به " انتهى.
"فتح الباقي شرح ألفية العراقي"
وانظر جواب السؤال رقم (115125) لمعرفة حكم من يرد الحديث الصحيح.
و (79163) لمعرفة شروط الحديث الصحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/219)
الأحاديث الواردة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وكلثوم أخت موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الحياة الآخرة السيدة مريم أم عيسى عليه السلام، وآسية زوجة فرعون، وكلثوم أخت النبي موسى عليه السلام. ما هو الثابت من هذا في الأحاديث، وما هو غير الثابت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في بعض الأحاديث المروية ما يدل على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة كلا من السيدة مريم البتول أم عيسى عليه السلام، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون، وكلثوم أخت موسى عليه السلام.
ونحن نورد هنا ما ورد من ذلك، مع مناقشتها من حيث القبول أو الرد:
الدليل الأول:
ما جاء في تفسير قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) التحريم/5
فقد روي عن بريدة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية قوله:
(وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه، فالثيب: آسية امرأة فرعون، وبالأبكار: مريم بنت عمران)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" – نقلا عن تفسير ابن كثير (8/166) وإلا فلم أقف عليه في المطبوع بين أيدينا من المعجم الكبير - قال: حدثنا أبو بكر بن صدقة، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثنا عبد القدوس، عن صالح بن حَيَّان، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه به.
وهذا إسناد ضعيف.
صالح بن حيان: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/386) قول ابن معين فيه: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، شيخ، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: يروى عن الثقات أشياء لا تشبه حديث الأثبات، لا يعجبنى الاحتجاج به إذا انفرد.
كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
(دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر، فوجدتها معه ... - فذكر حديثا طويلا، جاء في آخره -:
فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وأخت نوح، ومن الأبكار مريم بنت عمران، وأخت موسى عليهم السلام)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/13) قال:
حدثنا إبراهيم، قال حدثنا هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومي إمام مسجد صنعاء، قال أخبرنا موسى بن جعفر بن أبي كثير مولى الأنصار، عن عمه، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به.
ثم قال: " لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام بن إبراهيم " انتهى.
وهذا إسناد منكر.
موسى بن جعفر جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (6/113) قول الذهبي: " لا يعرف وخبره ساقط " انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر: " ولفظ العقيلي لما ذكره: مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه، ولا يصح.
وأظن أن الذهبي حكم عليه بالبطلان لِما في آخره من الخطأ، وأما قصة مارية فلها طرق كثيرة تشعر بأن لها أصلا " انتهى. وضعفه السيوطي في "الدر المنثور" (8/216)
الدليل الثاني:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
(جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت خديجة فقال: إن الله يقرئها السلام، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب، بعيد من اللهب، لا نَصَب فيه ولا صَخَب، من لؤلؤة جوفاء، بين بيت مريم بنت عمران، وبيت آسية بنت مزاحم)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/117) قال: أخبرنا أبو المظفر بن القشيري، وأبو القاسم زاهر بن طاهر، قالا أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس التميمي، أنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي السرخسي، نا سويد بن سعيد، نا محمد بن صالح بن عمر، عن الضحاك ومجاهد، عن ابن عمر به.
وهذا إسناد منكر أيضا، فيه عدة علل:
1- محمد بن صالح بن عمر، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/581) : مجهول.
2- سويد بن سعيد الحدثاني: ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/275) وفيها تضعيف كثير من أهل العلم له، وأنه كان يقبل التلقين.
3- أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس (378هـ) : ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (26/633) وقال: شيخ صالح مسند.
الدليل الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال:
(يا خديجة! إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام. فقالت: يا رسول الله، وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن عمرو بن محمد الشيرازي بأصبهان، أنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب المقرئ، نا القاضي أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد البردي إملاء، أنا أبو بكر هلال بن محمد بن محمد بالبصرة، نا محمد ابن زكريا الغلابي، نا العباس بن بكار، نا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد منكر أيضا.
أبو بكر الهذلي: ترجمته في "تهذيب التهذب" (12/46) وفيها اتفاق المحدثين على تضعيفه جدا، وأنه أخباري متروك الحديث.
وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (8/166) : ضعيف أيضا.
الدليل الرابع:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون. فقلت: هنيئًا لك يا رسول الله)
رواه أبو يعلى – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) - والطبراني في "المعجم الكبير" (8/258) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/459) ، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (4/113) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (رقم/1460) ، وابن عدي في "الكامل" (7/180) جميعهم من طريق:
عبد النور بن عبد الله، حدثنا يونس بن شعيب، عن أبي أمامة به.
وهذا إسناد موضوع.
عبد النور كذاب، قال العقيلي: " كان غالياً في الرفض، ويضع الحديث خبيثاً " وقال الذهبي: " كذاب " انتهى. ويونس بن شعيب: قال فيه البخاري: "منكر الحديث"، وقال العقيلي: "حديثه غير محفوظ"، وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/139) : "لست أعرف له من أبي أمامة سماعا، على مناكير ما يرويه في قلتها، كأنه كان المتعمد لذلك، لا يجوز الاحتجاج به بحال". وانظر "لسان الميزان" (6/332)
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) : " وهذا إسناد موضوع " انتهى.
الدليل الخامس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(دخل علي رسول الله مسرورا، فقال: يا عائشة! إن الله عز وجل زوجني مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم في الجنة.
قالت: قلت: بالرفاء والبنين يا رسول الله)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (2/683-684/604-عجالة الراغب المتمني) والديلمي في "مسند الفردوس" (8620) ، قال ابن السني:
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المديني بعمان، حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها به. قال أبو بكر بن السني: كذا كتبته من كتابه.
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه تدليس أبي إسحاق السبيعي، وهو من أهل المرتبة الثالثة من المدلسين في تصنيف الحافظ ابن حجر، فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، كما لم نقف على ترجمة لشيخ ابن السني: أحمد بن إبراهيم المديني.
الدليل السادس:
عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله عز وجل قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/52) – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) – قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن ناجية، ثنا محمد بن سعد العوفي، ثنا أبي، ثنا عمي، ثنا يونس بن نفيع، عن سعد بن جنادة به.
وهذا إسناد ضعيف جدا.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) : " رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) : " فيه من يعرف بالضعف ... محمد بن سعد - هو: ابن محمد بن الحسن بن عطية -: قاضي بغداد، وفيه لين، وأبوه سعد مثل يونس بن نفيع؛ لم أجد لهما ترجمة. وعمه هو: الحسين بن الحسن بن عطية؛ قال الذهبي في " المغني ": " ضعفوه ". انتهى.
الدليل السابع:
عن ابن أبي رواد، قال:
(دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه، فقال لها: بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون؟ قالت: وقد فعل الله بك ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: بالرفاء والبنين)
رواه الطبراني (22/451) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/119) وأبو نعيم الأصبهاني في "معجم الصحابة" (رقم/6738) ، ورواه ابن الجوزي في "المنتظم في التاريخ" (1/267/ ترجمة خديجة) من طريق ثنا الزبير بن بكار، حدثني محمد بن حسن، عن يعلى بن المغيرة، عن بن أبي رواد به.
وهذا سند منقطع معضل.
فإن ابن أبي رواد هو عبد العزيز بن عبد المجيد بن أبي رواد من كبار أتباع التابعين، توفي سنة (159هـ) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) : " منقطع الإسناد، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف " انتهى.
والخلاصة أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة منكرة، لا يصح منها شيء، ولا تجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز الخوض بما جاء فيها، فذلك من الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه، ويجب أن نكل أمره إلى الله عز وجل.
يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/75) بعد أن ساق مجموعة من أحاديث الباب:
" وكل من هذه الأحاديث في أسانيدها نظر " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/220)
إشكال حول حديث الأعمى الذي قتل أمَتَه التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنك رجاء أن تشرح لي الخلفية والمبرر لما جاء في حديث سنن أبي داود، حيث قُتل العبد الذي أهان الرسول صلى الله عليه وسلم، قتله سيدُه ولم يعاقَب، هل ذلك بسبب أن الدية لا تدفع للأولياء الكفار الذين يؤذون المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القصة المقصودة في السؤال يرويها ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فيقول:
(أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ:
أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ.
فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ)
رواه أبو داود (4361) وغيره، وقد سبق في جواب السؤال رقم: (103739) بيان صحة أصل القصة، وأنها جاءت بألفاظ وأحداث مختلفة، تدل بمجموعها على وقوع الحادثة رغم التردد في بعض الجمل والعبارات.
وليس قتل هذه المرأة لأنها ذميّة، بل لأنها سبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحقت القتل لذلك، ولو كانت مسلمة، كفرت بهذا السب، واستحقت القتل أيضاً.
قال الصنعاني رحمه الله
" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ "
سبل السلام (3/501)
وسبق ان نقلنا جواب شيخ الإسلام عن الإشكال الواقع في القصة من قتل الأعمى لهذه المرأة- التي استحقت القتل- من دون إذن الإمام. انظر جواب السؤال رقم (103739) .
وفي هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصانة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرمت جميع حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميا أو معاهدا، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات.
انظر " أحكام أهل الذمة " (3/1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809)
هذا هو التوجيه الصحيح، والفهم السليم للقصة، وليس كما ينشره كثير من الحاقدين الطاعنين في حكم الشريعة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم لم يختر قتلها بهذه الطريقة، ولكنها لما استحقت القتل حدا لنقضها العهد ووقوعها في النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقتص من قاتلها، فقد كانت تُسمعه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، مرات ومرات، حتى كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، إلى أن طفح الكيل به فلم يصبر حتى أسكت صوتها الذي يؤذيه في دينه ونبيه.
وأما قتل الذمي بغير حقّ، فهو كبيرة من الكبائر، والوعيد فيه شديد، كما ثبت في صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) ، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ التَّقْيِيد فِي الْخَبَر، لَكِنَّهُ مُسْتَفَاد مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع، وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ " بِغَيْرِ حَقّ " وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَة بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/221)
حديث ضعيف فيه دعاءٌ يُقبِلُ بالدنيا على العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة هذا الحديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله! إن الدنيا أدبرت عني وتولت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون؟ قل عند طلوع الفجر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا صاغرة) فولى الرجل، فمكث ثم عاد فقال: يا رسول الله! لقد أقبلت علي الدنيا فما أدري أين أضعها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (3731) ، ونقله الحافظ في "لسان الميزان" وقال: أخرجه الدارقطني في "الرواة عن مالك"، وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/262) للخطيب البغدادي في "رواة مالك".
وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3/434) في ترجمة عبد الرحمن بن محمد اليحمدي، ويقال التميمي: " شيخ مجهول، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام خليل وهو تالف، وأخرج الدارقطني في " الرواة عن مالك " عن داود بن حبيب، عن أحمد بن محمد بن غالب، عنه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله! وذكر الحديث
قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الخطيب من طريق أبي الفتح الأزدي، عن عبد الله بن غالب، عن غلام خليل، عن عبد الرحمن بن محمد التميمي به.
وأخرج من طريق أبي حمة محمد بن يوسف، عن يزيد بن أبي حكيم، عن إسحاق بن إبراهيم الطهوي، عن مالك نحوه، وقال: لا يصح عن مالك، ولا أظن إسحاق لقي مالكا. وقد رواه جماعة بأسانيد كلها ضعاف " انتهى باختصار.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة فيها سؤال الغنى، والبركة في الرزق، فليدع المسلم بها ويجتنب الأحاديث الضعيفة، منها:
1- عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
2- روى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ، فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي. قَالَ: فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا؟) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
3- وفي دعاء القنوت المشهور: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ) رواه الترمذي (646) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولتعلم أخي السائل أن الغنى الحقيقي هو غنى النفس، وليس كثرة المال، روى البخاري (6446) ومسلم (1051) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/222)
حديث أم سلمة فيمن لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى غربت الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن طواف الإفاضة لا بد أن يكون يوم العيد قبل غروب الشمس، وأن من لم يطف قبل غروب الشمس فإنه يرجع إلى الإحرام مرة أخرى ولا يجوز له لبس المخيط ولا التطيب.. حتى يطوف. فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ورد في ذلك حديث رواه أحمد (25321) وأبو داود (1708) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مساء يوم النحر: (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) .
إلا أن هذا الحديث ضعفه أكثر العلماء، وحُكي الإجماع على عدم العمل به.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب:
"سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرماً.
أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من وجوه:
الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) .
فأما ابن إسحاق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحاق تقبله؟ قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة، وإنما يعتبر به اهـ "تهذيب" (9/39-46) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة.
وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلي" (7/142) : ليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ، ولو صح يعني: حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك.
وقد أخرج الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه عن طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في "التقريب" (1/144) : صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما اهـ قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقاً، وبعضهم فيما روى عنه غير العبادلة.
فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له.
الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت، بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: "فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " اهـ.
الوجه الثالث: من جهة العمل به، إذ لم يعمل به من الأمة [من] أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من الصحابة. إن صح النقل عنهم. فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: "وهذا حكم لا أعلم أحداً قال به" اهـ. ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخاً، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ ولا يُنْسخ، لكن يدل على ناسخ اهـ فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعاً دالاً على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر، لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلاً حتى يدعى فيه النسخ.
هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي.
وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحة أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرماً.
أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر.
الوجه الرابع:
أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجباً، وكل قاعدة لها مستثنيات" انتهى من فتوى مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله بتاريخ 5/12/1415هـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/223)
ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعرف شيئاً في الكعبة ورد في السنة النبوية أنه من الجنة إلا شيئين:
1- الحجر الأسود، وقد ورد ذلك من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رواه الترمذي (877) .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (4/219) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/260) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/732) ، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/540) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2618) .
وجاء من قول ابن عباس وابن عمرو وغيرهما أيضا، انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (4/35) ، ومن قول أنس رضي الله عنه في "مسند أحمد" (3/277) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1902) ، (21402) ، (45643) .
2- مقام إبراهيم: وقد ورد ذلك في حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الرُّكْنَ وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) .
جاء من طريق مسافع بن شيبة الحجبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقد رواه عن مسافع جماعة من الرواة على وجهين:
أ- موقوفا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص:
كذا رواه الزهري وشعبة، كما ذكره أبو حاتم في "العلل" (1/300) دون أن يورد الأسانيد. ب- مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
رواه رجاء أبو يحيى عن مسافع.
كما في "مسند أحمد" (2/213) ، وسنن الترمذي (878) ، وصحيح ابن خزيمة (4/219) وصحيح ابن حبان (9/24) ، ومستدرك الحاكم (1/627) .
ورجاء هو ابن صبيح الحَرَشي، قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال ابن خزيمة: لست أعرف أبا رجاء هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله.
وقد وثقه الإمام البخاري وابن حبان، وقد اختار توثيقهما الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند.
انظر: "تهذيب التهذيب" (3/268) .
ورواه مرفوعا أيضا:
شبيب بن سعيد الحبطي، وأيوب بن سويد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن مسافع، الأول عند البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، والثاني عند ابن خزيمة في "صحيحه" (4/219) ، والحاكم في "المستدرك" (1/626) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، وهذا السند صحيح، فإن شبيب بن سعيد ثقة، وثقة ابن المديني.
انظر ترجمة في: "تاريخ بغداد" (11/329) و "تاريخ الإسلام" (28/381) .
وقد صححه النووي في "المجموع" (8/36) وقال: صحيح على شرط مسلم. وابن تيمية في "المناسك من شرح العمدة" (2/434) ،.
وقال الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (2731) : إسناده حسن لغيره، فإن أيوب بن سويد سيء الحفظ، وقد تابعة شبيب بن سعيد الحبطي عند البيهقي، وهو ثقة، عن رواية ابنه أحمد عنه، فإسناده صحيح. انتهى.
وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان (3710) : حديث حسن لغيره، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الترمذي (878) .
وقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه المسند (7000) وأطال في تخريجه.
وقد اختار محققو مسند الإمام أحمد أن الأصح وقفه على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأن إسناد المرفوع ضعيف، وكأن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (3/540) يميل إلى هذا القول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/224)
هل ذكرت أم المؤمنين صفية بنت حيي في قصة الشاة المسمومة التي أهديت إلى النبي صلى لله عليه وسلم في خيبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للسيدة صفية أم المؤمنين دخل من قريب أو بعيد فى سم الشاة التي قدمت إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر ثابتة في السيرة الصحيحة، وقد جاءت في سياقات متعددة، أشهرها سياقان اثنان:
الأول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِىءَ بِهَا، فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لاَ. فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِى لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (2617) ومسلم (2190) كلاهما من طريق خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس به. يقول النووي: (لهوات) : جمع لهاة، هي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره.
والثاني: رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (رقم/3169) : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ:
(لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا إِلَىَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ. فَجُمِعُوا لَهُ: فَقَالَ: إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ. فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ. فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ. قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ. فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا.
فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ. قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)
وليس في هاتين الروايتين – كما ترى – أي ذكر لأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها.
وإنما ورد ذكرها في سياق آخر يرويه ابن شهاب الزهري فيقول:
(لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية - وهي ابنة أخي مرحب - لصفية شاة مصليَّةً وسمَّتها وأكثرت في الكتف والذراع؛ لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش منه، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أن قد بُغِيتُ فيها. فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي. فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول)
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (4/360) قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عمه موسى بن عقبة.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: حدثنا موسى بن عقبة
- وهذا الإسناد مرسل، فالزهري من أئمة التابعين، توفي سنة (125هـ) ، ولا يُدرى عمن يروي القصة بهذا السياق، وهو كثير الإرسال، وقد استضعف العلماء مراسيله حتى كان يحيى بن سعيد القطان لا يعدها شيئا.
- ثم إن في الطريق إلى الزهري بعض الضعفاء كابن لهيعة، ومحمد بن فليح، واسماعيل بن أبي أويس، وكلهم في تراجمهم من الطعن والتضعيف ما يوجب الشك والتردد.
- ومما يدل على عدم الوثوق بالتفاصيل المذكورة هنا أيضا الاختلاف الواقع في مرويات الزهري لهذه القصة، مما يغلب على الظن أن الوهم فيها من شيوخ الزهري الذين أخذها عنهم وطوى ذكرهم، ويمكن مراجعة جميع روايات الزهري في هذا الأمر في كتاب "مرويات الإمام الزهري في المغازي" للدكتور محمد العواجي (2/636-646)
وعلى كل حال، فلو ثبت هذا السياق فمعناه أن المرأة اليهودية أهدت الشاة المسمومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأكل منها في بيت أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، ولو كان لها رضي الله عنها علم بما فعلته تلك المرأة لجاء الوحي بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءه بخبر السم الموجود في كتف الشاة، ولكنها رضي الله عنها كانت راغبة في الإسلام، مقبلة على الدين الجديد، مستبشرة بزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها، وفي سيرتها من كتب التراجم ما يدل على عظيم غبطتها بزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد إسلامها مباشرة، يمكن مراجعتها في "الإصابة" لابن حجر (7/739)
وتأمل معي، أخي السائل، ذلك المقام العالي، الذي أنزلها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلم منه أدب الذبّ عن أهل بيت رسول الله وحريمه، ومن تكون صفيّة الحسيبة النسيبة:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكِ ابْنَةُ نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا حَفْصَةُ) رواه أحمد (11984) والترمذي (3894) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/225)
حديث (تسبيح التمر في بطن من أكله) لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا حديث الذي في معناه: أنه مَن تَصَبَّحَ بسبع تمرات سبَّحْنَ في بطنه طول اليوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أبواب الأطعمة من أكثر الأبواب التي كُذِبت فيها الأحاديث، واختُلِقت فيها الآثار، فقد عمد الكذابون إلى أشياء من حِكم الطب وتجارب العلاج فصيروها أحاديث مرفوعة، كما استغل بعضهم شهرة بعض الأطعمة ليضع في الترغيب فيها أقوالا سمجة تدل على جهل واضعها، بل هناك مِن الكذابين مِن التجار مَن وضع أحاديث للترويج لبعض الأطعمة التي يبيعها، فنصبوا بذلك أنفسهم خصوما للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ومن كان خصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخسر وتبوأ مقعده من النار.
والتمر واحد من أنواع الطعام التي كثرت فيها الأحاديث المكذوبة، حتى وضع أحدهم حديثا فيه أن التمر يقرب إلى الله ويباعد من النار، وعقد ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " أبوابا كثيرة في هذا الموضوع (3/22-28) ، منها باب خاص في أكل التمر على الريق، فقد اشتهر بين الأطباء قديما أن التمر على الريق يقتل الدود، فنسب بعضهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبا وزورا.
ولم نقف – بعد البحث الطويل – على حديث مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على تسبيح التمر في بطن ابن آدم، وإن كان كل شيء يسبح بحمده سبحانه، كما قال عز وجل: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الإسراء/44
ولكن لم يرد – حسب علمنا - في خصوص فضيلة سبع تمرات على الريق هذا الشيء، ولعل أقرب لفظ لهذا المعنى ما تذكره بعض الكتب هكذا معلقا من غير إسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عَلَيْكُمْ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ فَكُلُوهُ فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ فِي شَجَرِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لِآكِلِهِ) ولكن لم نقف على سند لهذا الحديث، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والكتب التي تذكره هي من مظان الحديث الضعيف والمكذوب، ككتاب " عرائس المجالس في قصص الأنبياء " لمؤلفه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي أو الثعالبي المتوفى سنة (427هـ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/5) :
" أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، ولهذا يقولون هو كحاطب ليل، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال " انتهى باختصار.
وأما الصحيح في هذا الباب فأشهره حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ)
رواه البخاري (5769) ومسلم (2047)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/226)
ذكر كلمة التوحيد سبعين ألف مرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنني إذا قلت " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة يغفر لي كل ذنوبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد تخصيص الذكر بـ " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي اعتقاد نسبته إلى الدين، ولا يجوز تعليمه الناس على أنه من كلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم نجده إلا في كلام ابن عربي (ت 638هـ) صاحب كتاب " فصوص الحكم " المليئ بالغلو إلى حد الكفر وهدم الشريعة، فقد قال في " الفتوحات المكية":
" والذي أوصيك به أن تحافظ على أن تشتري نفسك من الله بعتق رقبتك من النار، بأن تقول:
(لا إله إلا الله) سبعين ألف مرّة، فإن الله يعتق رقبتك بها من النار أو رقبة من تقولها عنه من الناس، ورد في ذلك خبر نبوي " انتهى.
وتابع ابن عربي على العمل بهذا جمع من الصوفية، واستأنسوا بالمروي فيه، مع اعتراف بعضهم بضعفه، انظر: حاشية تحفة المحتاج (6/158) ، وبريقة محمودية شرح طريقة محمدية (2/459) .
ونحن لا ننكر أن يكون لكلمة التوحيد فضل وأجر عظيم، بل هي سبب نجاة العبد يوم القيامة، وأثقل ما يوضع في الميزان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري (128) ومسلم (32) .
وانظر: (14608) .
إلا أن الذي ننكره أن يخصص الذكر بالشهادتين بهذا العدد، سبعين ألف مرة، وأن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل الخاص.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (24/323) :
عمَّن (هلَّلَ سبعين ألف مرة وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار) حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟
فأجاب:
" إذا هلل الإنسان هكذا: سبعون ألفا، أو أقل، أو أكثر، وأهديت إليه نفعه الله بذلك، وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا " انتهى.
ونقل المقري أيضا في "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" (2/55) عن الحافظ ابن حجر إنكار كونه حديثا أيضا، ولكني لم أقف عليه في كتبه رحمه الله.
وقد سبق في موقعنا بيان ضوابط الذكر المشروع من الذكر المبتدع، يمكن الاستفادة منها في الأرقام الآتية: (22457) ، (47073) .
كما يمكن الاستفادة من الجواب رقم: (13693) وفيه ذكر أسباب أخرى لتكفير الذنوب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/227)
دعاء (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله)
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت السؤال عن صحة هذا الدعاء: (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لي فيه) ، وإن كان صحيحا فهل يقال في ظرف أو وقت معين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت هذا الدعاء في كتب السنة والأثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد من قول أحد الصحابة أو التابعين، وإنما هو دعاء أعرابية مجهولة سمعها بعض أهل العلم تدعو به في عرفات.
فقد روى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" بسنده (ص/727) : " عن الأصمعي قال:
" سمعت أعرابية بعرفات وهي تقول: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائيا فقربه، وإن كان قريباً فيسره " انتهى.
وكذا نقله الجاحظ في "البيان والتبيين" (517) ، والزمخشري في "ربيع الأبرار" (178) وغيرهم.
والمراد من هذا الدعاء، من حيث الجملة، تحقيق حصول الرزق، وتيسير وصوله، وهو أمر لا حرج فيه، وإن كنا نرى في هذا الدعاء نوعا من التكلف، والتشقيق في المسألة، وهو خلاف أكمل الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ) رواه أحمد (27649) وأبو داود (1482) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والمراد بجوامع الدعاء: " الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلًا وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار) ، وَمِثْل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ: وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة، أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة " انتهى.
"عون المعبود شرح سنن أبي داود" (4/249) .
وعَنْ ابْنٍ لِسَعْد بن أبي وقاص، أَنَّهُ قَالَ: (سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ) ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ؛ إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنْ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ!!) رواه أحمد (1486) وأبو داود (1480) ، وصححه الألباني.
وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
(اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم (2713) .
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي؟! قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟! ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظر: تصحيح الدعاء، للشيخ بكر أبو زيد، ص (61-63) .
فأين هذا كله من تشقيق دعاء الأعرابي هذا؟! .
فالذي نختاره لك، ويختاره كل عاقل، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فإن عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، فادع بما تحب من قضاء حاجتك، وتيسير أمرك، وليس من شرط ذلك أن يكون الدعاء بعينه مأثورا محفوظا، بل إن كان في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم حاجتك ومسألتك، فبها ونعمت، وهو الأكمل، وإلا فادع بما تحب من خير الدنيا والآخرة.
فإن أبيت إلا أن تدعو بهذا الدعاء، فليكن ذلك في المرة بعد المرة، ولا تجعله وردا دائما لك، ولا هديا ملازما، لكن من غير نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم اعتقاد أفضليته، ولا تخصيصه بزمان أو مكان أو عبادة.
وقد وقع بعض متأخري فقهاء الشافعية في هذا الخطأ، فذكروا هذا الدعاء فيما يسن في صلاة الضحى، وقالوا:
" يسن أن يدعو في صلاة الضحى بهذا الدعاء:
اللهم إن الضحى ضحاؤك، والبها بهاؤك، والجمال جمالك، والقوة قوتك، والقدرة قدرتك، والعصمة عصمتك، اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن ان في الأرض فأخرجه، وإن كان معسرا فيسره، وإن كان حراما فطهره، وإن كان بعيدا فقربه، بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك، آتني ما آتيت عبادك الصالحين " انتهى.
ذكره الدمياطي البكري في "حاشية إعانة الطالبين" (1/295) ، وحاشية الطبلاوي على "تحفة المحتاج" (2/231) ، وحاشية الجمل (1/485) .
فخصصوا هذه الجمل في عبادة معينة من غير دليل من الكتاب والسنة، وزادوا في جمل الدعاء كلمات تضم مخالفات وتجاوزات، كقوله (بحق ضحائك) ، ولا يعلم أن للضحى حق وجاه يسأل الله به.
فالحق أن دعوى استحباب هذا الدعاء في صلاة الضحى فتح لباب البدعة والإحداث في الدين، وليس هو من هدي الفقهاء المتقدمين الراسخين، ولا من عمل السلف الصالحين، فينبغي الحذر منه، وبيان كذب نسبته إلى السنة النبوية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/228)
حديث مكذوب في فضل سبحان الله والحمد لله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مدى صحة الحديث القائل بأنه: إن قال قائل سبحان الله تزرع له نخلة في الجنة، فإن قال الحمد لله تكون أوراقها ملائكة يسألون الله لك المغفرة حتى يوم القيامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء في الحديث الصحيح في فضل التسبيح أنها كلمةٌ تُغرس بها نخلة في الجنة.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)
رواه الترمذي (3464) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. وقال المنذري (2/347) : إسناده جيد. وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/104) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (حديث رقم/64)
ثانيا:
أما الأحاديث الواردة في بيان صورة النخلة التي تغرسها كلمة " سبحان الله "، وتفصيل أوراقها وأغصانها، فلم يصح منها شيء، وقد ورد فيها ثلاثة أحاديث مرفوعة – بحسب ما وقفنا عليه – كلها شديدة الضعف أو مكذوبة، وهذا بيان ذلك:
الحديث الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فقرا أو دينا في حاجة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها ينزل الله الرزق من السماء؟
قال ابن عمر: فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟
قال فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا، وكان متكئا، فقال:
يا ابن عمر! تقول من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأستغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا راغمة ذاخرة، ويخلق الله عز وجل من كل كلمة تقولها ملكا يسبح له، لك ثوابه إلى يوم القيامة)
جاء هذا الحديث من طرق ثلاثة، كلها كذب موضوعة:
1- من طريق إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن عبد الله بن الوليد العدني، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر به.
رواه ابن حبان في "المجروحين" (1/138) بسنده، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) ، ورواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1/343) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (3731) ، ونقله الحافظ في "لسان الميزان" من إخراج الدارقطني له في "الرواة عن مالك"، ولعل الدارقطني يرويه هنا عن ابن حبان، فإنه كذلك في سند ابن الجوزي، وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/262) للخطيب البغدادي في "رواة مالك"، وعزاه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/299) إلى المستغفري في " الدعوات ".
قلت: وهذا سند منكر جدا، بسبب إسحاق بن إبراهيم الطبري: قال فيه ابن حبان: " منكر الحديث جدا، يأتي عن الثقات الأشياء الموضوعات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب " انتهى.
2- من رواية ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) عن بعض المجهولين، حيث قال: وقد روي من طريق آخر الله أعلم بها: أنبأنا إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، أنبأنا عبد الله بن علي بن إسحاق الفقيه، أنبأنا أبو حسان محمد بن أحمد المزكي، حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جابر العطار، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم الهروي، حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد بن حمدويه، حدثنا علي بن الجهم، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر: " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنى أكد في العمل ولا يأتيني إلا الجهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أنت عن تسبيح الملائكة؟ قالوا: وما هو؟ قال: أن تسبح قبل أن تصلي الفجر مائة مرة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أتاك الله برزقك وإن كرهت " انتهى.
3- قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/462) :
" وله طريق آخر: قال الحاكم في " تاريخه ": حدثنا محمد بن أحمد النصرأباذي، حدثنا العباس بن حمزة، حدثنا أحمد بن خالد الشيباني، حدثنا عبد الله بن نافع المدني، عن مالك به. فذكره بلفظ الطريق الأول سواء. وأحمد بن خالد: الظاهر أنه الجويباري: أحد الدجالين الكبار. والله أعلم " انتهى.
ولذلك اتفق المحدثون على ضعف هذا الحديث.
فقال عنه ابن حبان في "المجروحين" (1/138) : لا أصل له بجمله، ولا أشك أنه موضوع على مالك " انتهى.
وقال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1/343) :
" باطل عن مالك " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين للغزالي" (1/299) :
" أخرجه المستغفري في " الدعوات " من حديث ابن عمر، وقال: غريب من حديث مالك، ولا أعرف له أصلا في حديث مالك " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3/434) ، في ترجمة عبد الرحمن بن محمد اليحمدي، ويقال التميمي:
" شيخ مجهول، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام خليل وهو تالف، وأخرج الدارقطني في " الرواة عن مالك " عن داود بن حبيب، عن أحمد بن محمد بن غالب، عنه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله! وذكر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الخطيب من طريق أبي الفتح الأزدي، عن عبد الله بن غالب، عن غلام خليل، عن عبد الرحمن بن محمد التميمي به.
وأخرج من طريق أبي حمة محمد بن يوسف، عن يزيد بن أبي حكيم، عن إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن مالك نحوه، وقال: لا يصح عن مالك، ولا أظن إسحاق لقي مالكا.
وقد رواه جماعة بأسانيد كلها ضعاف " انتهى باختصار.
وقد سبق الحكم عليه في جواب السؤال رقم (110949) .
الحديث الثاني:
أورد السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (2/40) حديثا بهذا المعنى أيضا:
(من قال سبحان الله وبحمده، خلق الله ملكا، له عينان، وجناحان، وشفتان، ولسان، يطير مع الملائكة، ويستغفر لقائلها إلى يوم القيامة)
وأروده صاحب السيرة الحلبية (1/246) ، وأيضا في "نزهة الجالس" (ص/287)
ولم نقف على إسناد لهذا الحديث.
الحديث الثالث:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من قال: سبحان الله وبحمده: غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة، أصلها ذهب، وفروعها در، وطلعها كثدي الأبكار، أحلى من العسل، وألين من الزبد، كلما أخذ منها شيء عاد كما كان)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (2/150) قال: ثنا حذيفة، ثنا أبو أمية، ثنا جعفر بن جسر بن فرقد القصاب، عن أبيه، عن ثابت، عن أنس به.
قلت: وجعفر بن جسر هذا، قال فيه ابن عدي في "الكامل" (2/150) بعد أن ذكر حديثه هذا في مناكيره:
" لجعفر بن جسر أحاديث مناكير غير ما ذكرت، ولم أر للمتكلمين في الرجال فيه قولا، ولا أدري كيف غفلوا عنه؛ لأن عامة ما يرويه منكر، وقد ذكرته لما أنكرت من الأسانيد والمتون التي يرويها، ولعل ذاك إنما هو من قبل أبيه، فإن أباه قد تكلم فيه من تقدم ممن يتكلمون في الضعفاء؛ لأني لم أر يروي جعفر عن غير أبيه " انتهى.
وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/187) :
" حفظه فيه اضطراب شديد، كان يذهب الى القدر، وحدث بمناكير " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/833) :
" هذا حديث لا يصح " انتهى.
وضعفه ابن القيم في "المنار المنيف" (ص/43) ، والحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/404)
وقد جاء من كلام شهر بن حوشب، الراوي المعروف، قوله:
(من قال: سبحان الله وبحمده: خلق الله من كلمته تلك ملكا، فيذهب إلى السماء الرابعة فيغتسل في نهر يقال له الحياة، ثم يخرج منها، فينفض جناحه، فيقطر منه مثل قطر السماء، فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يسبحه، ويقدسه، ويثبت ذلك للعبد إلى النفخة الأولى)
رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (1/492) قال: حدثنا الفضل بن العباس بن مهران، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب به.
والحاصل أنه لم يصح حديث في أنه إذا سبح المسلم ربه، خلق الله تعالى ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/229)
أحاديث ضعيفة في عدم قبول عمل المبتدع مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالا في موقعكم حول شخص يقع في البدع، وذكرتم أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع الذي لم تصل بدعته إلى حد الشرك، لكني قابلت الحديث التالي في ابن ماجه والدارمي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجا، ولا عمرة، ولا جهادا، ولا صرفا، ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين) فإذا كان هذا الحديث صحيحا فكيف نصلي وراء المبتدع حتى ولو لم يقع في الشرك؟ في الحديث السابق جاءت كلمة: " صاحب بدعة " عامة تشمل كل مبتدع. في المنطقة التي أعيش بها توجد بعض المساجد تقع في البدع، بينما المسجد الذي يسير على السنة بعيد عن بيتي جدًا. فماذا أفعل؟ رجاء بيان الأمر بأدلته من القرآن والسنة. بارك الله فيكم تلقاء هذا العمل العظيم الذي تقومون به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق تقرير حكم الصلاة خلف المبتدع، في جواب السؤال رقم: (20885) ، (26152) ، فلا داعي لإعادته هنا.
ثانيا:
أما الحديث الذي جاء في السؤال، وغيره من الأحاديث المرفوعة الواردة في عدم قبول عمل المبتدع، فهي أحاديث ضعيفة أو منكرة لا تصح، وهذا بيان ذلك:
الحديث الأول: عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا صَدَقَةً، وَلَا حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا جِهَادًا، وَلَا صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ)
رواه ابن ماجه في "السنن" (رقم/49) قال: حدثنا داود بن سليمان العسكري، حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن حذيفة به.
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1493) :
" موضوع، آفته ابن محصن هذا فإنه كذاب كما قال ابن معين وأبو حاتم، وقال الحافظ في " التقريب ": كذبوه " وتساهل البوصيري فيه فقال في " الزوائد " (1/10) : " هذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن محصن، وقد اتفقوا على ضعفه " ووجه التساهل أن الراوي قد يتفق على ضعفه، وليس بكذاب، وحينئذ فذكر الاتفاق دون ذكر السبب لا يكون معبرا عن واقع الراوي. فتأمل " انتهى.
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ)
رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/439) ، وابن ماجه في السنن (رقم/50) ، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (3/111) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم/32) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/185) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/144) جميعهم من طريق:
بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عباس به.
قال ابن أبي حاتم –بعد روايته له -: " سئل أبو زرعة عنهما – يعني أبا زيد وأبا المغيرة -: فقال: لا أعرفهما، ولا أعرف بشر بن منصور الذي روى عنه الأشج " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/145) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مجاهيل " انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1492) :
" منكر، وهذا إسناد ضعيف، مسلسل بالمجهولين، قال أبو زرعة: " لا أعرف أبا زيد ولا شيخه ولا بشرا " وقال الذهبي في أولهم: " يجهل ". وقال في الآخرين: " لا يدرى من هما " ووافقه البوصيري في " الزوائد " (1/11) " انتهى.
ثالثا:
ولكن قد يستشكل بعض الناس ما ورد في حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن أحدث حدثا في المدينة: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) رواه البخاري (7300) ومسلم (1370)
وكذلك ما جاء عن جماعة من التابعين: كالحسن البصري أنه قال: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجة، ولا عمرة، حتى يدعها " انتهى.
رواه الآجري في "الشريعة" (64) ، وأبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص/16) وغيرهما. وجاء نحوه عن الأوزاعي - كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح (27) -، وعن الفضيل بن عياض أنه قال: " لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/139)
فقد ذكر الشاطبي احتمالين في تفسير مثل هذه الآثار، فقال في "الاعتصام" (1/108-112) :
" إما أن يراد: أنه لا يقبل له بإطلاق، على أي وجه وقع من وفاق سنة أو خلافها.
وإما أن يراد: أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة، دون ما لم يبتدع فيه.
فأما الأول: فيمكن على أحد أوجه ثلاثة:
الأول: أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت فأعماله لا تقبل معها، داخلتها تلك البدعة أم لا، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين.
الثاني: أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال: كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإن عامة التكليف مبني عليه.
الوجه الثالث: أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصَيِّرُ اعتقاده في الشريعة ضعيفا، وذلك يبطل عليه جميع عمله.
وأما الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة، فيظهر أيضا، وعليه يدل حديث: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى باختصار.
ولكن التحقيق في هذه المسألة ما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" (1/292-293) حيث قال:
" ما دلت عليه ظواهر النصوص وكلام السلف من أن صاحب البدعة لا يقبل الله له عملا، يمكن حمله على الأوجه التالية:
الوجه الأول: أن الكلام على ظاهره، وأن المراد رد عمل المبتدعِ كلِّه، ما ابتدع فيه وما لم يبتدع فيه، وهذا في حق المبتدع الكافر لا غير.
الوجه الثاني: أن المراد رد العمل المبتدَع خاصة، سواء كان ابتداعا محضا، أو كان شرعيا دخل عليه الابتداع فأفسده.
الوجه الثالث: إحباط البدع أجر العمل على سبيل الجزاء، حتى كأنه لم يقبل.
الوجه الرابع: أن النصوص محمولة على الزجر عن الابتداع والتنفير منه.
والحامل لتوجيه النصوص وكلام السلف هنا هو ما يظهر من معارضة ظواهر هذه النصوص لأصول الشريعة الدالة على قبول عمل المسلم إذا توفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة، دون النظر إلى ما عليه صاحب العمل من ابتداع ومعصية في غيره من الأعمال، إذ لا تأثير لها على قبول ذلك العمل " انتهى باختصار.
والوجه الثالث المذكور هنا، لا ينبغي حمله إلا على بدعة دل الشرع أنها تحبط عمل صاحبها وليست كل بدعة يصح فيها هذا التوجيه.
وقد ذكر أهل العلم شراح الحديث أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في شأن المحدث:
(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا)
قال القاضي وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما
"شرح النووي على مسلم" (9/141)
والحاصل أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع إذا لم تكن بدعته مكفرة كفرا صريحا، وأن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/230)
حديث اتخاذ العهد عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الحديث قبل أن أنشره؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا؟ قيل: يا رسول الله! وما ذاك؟ قال: يقول عند كل صباح ومساء: " اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير، وتقربني من الشر، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد " فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً، ووضعها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الله عهد؟ فيقوم فيدخل الجنة) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء بما ورد في هذا الحديث لا بأس به ولا حرج، اقتداء بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد صح عنه أنه كان يدعو به، وكلماته جليلة عظيمة لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة.
غير أن لا يجوز اعتقاد الفضل المذكور في الحديث: أن ملكا يكتبه عنده ويختمه ويحفظه إلى يوم القيامة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الفضل، بل ولا حتى الدعاء، إنما ورد عن ابن مسعود أنه كان يدعو بكلماته، ولم يرد عنه ذكر ذلك الفضل له، فيجب أن يتنبه إلى الفرق بين الأمرين.
ثانيا:
أما بيان تخريج الحديث ودرجته، فهو كالآتي:
هذا الدعاء جاء عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم:
الأول: عن ابن مسعود رضي الله عنه.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
إِلَّا قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّ عَبْدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَوْفُوهُ إِيَّاهُ. فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ)
قَالَ سُهَيْلٌ فَأَخْبَرْتُ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَوْنًا أَخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا فِي أَهْلِنَا جَارِيَةٌ إِلَّا وَهِيَ تَقُولُ هَذَا فِي خِدْرِهَا.
هذا الحديث جاء من طريق مرفوعة، وأخرى موقوفة، وهي الأصح.
أما المرفوعة:
فمن طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود به.
رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/412) قال ابن كثير في تفسيره (7/103) : انفرد به الإمام أحمد. قال الهيثمى في "مجمع الزوائد" (10/174) :
" رجاله رجال الصحيح، إلا أن عون بن عبد الله لم يسمع من ابن مسعود " انتهى.
ولذلك ضعفه أيضا محققو المسند (7/32) ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/9) .
أما الموقوفة:
فمن طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود به.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/68) وابن أبي حاتم في "التفسير" – كما عزاه إليه ابن كثير في "التفسير" (5/265) ، والسيوطي في "الدر المنثور" (5/542) – ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/186) ، والحاكم في "المستدرك" (2/409) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/271)
إلا أن الحاكم لم يذكر في سنده أبا فاختة وهو سعيد بن علاقة والد ثوير بن أبي فاختة – ويبدو أنه سقط من المطبوع.
قلت: وهذا سند صحيح، ليس في رجاله مطعن، اللهم إلا في المسعودي، فقد أخذ عليه العلماء أنه اختلط في آخر عمره، ولكن نص ابن معين على أن حديثه عن عون بن عبد الله صحيح قبل الاختلاط. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/211)
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.
وأخرجه محمد بن فضيل الضبي في "الدعاء" (رقم/51) موقوفا أيضا من طريق أخرى:
حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ومالك بن مغول، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان يقول: فذكره وفيه (فما قالهن عبد قط إلا كتبن في رق، ثم ختمن بخاتم، حتى يوافيها يوم القيامة، أين أصحاب العهود؟)
قلت: ورواية القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله بن مسعود مرسلة، كما في "تهذيب التهذيب" (8/322) ، و"جامع التحصيل" (ص/252)
الثاني: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:
(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: ُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ:
(لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَذَّةَ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ.
اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/191) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/119) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/421) ، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم/47) بلفظ مختصر.
كلهم من طريق أبي بكر ابن أبي مريم، عن ضَمْرَة بْن حَبِيبِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ به.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/697) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/489) من الطريق نفسها إلا أنه لم يذكر فيها أبا الدرداء، بل رواه عن زيد بن ثابت مباشرة.
قلت: وهذا السند له علتان:
الأولى: اتفقت كلمة المحدثين على ضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، انظر "تهذيب التهذيب" (12/29) .
الثانية: الانقطاع بين ضمرة بن حبيب - ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/459) وفيها أنه توفي سنة (130 هـ) - وبين أبي الدرداء توفي سنة (32هـ)
ولذلك علق الذهبي على قول الحاكم " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى.
قال الذهبي في تعليقه: أبو بكر ضعيف فأين الصحة؟
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (5/157) متابعة لأبي بكر ابن أبي مريم، من طريق بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت ولم يذكر أبا الدرداء.
إلا أن بكر بن سهل الدمياطي (287هـ) قال فيه النسائي: ضعيف. كما في "سير أعلام النبلاء" (13/426) ، وضمرة بن حبيب (130هـ) عن زيد بن ثابت (45،48هـ) منقطع أيضا.
لذلك ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (397)
الثالث: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من قال في دبر الصلاة بعد ما يسلم هؤلاء الكلمات، كَتَبَهُ مَلَك في رق، فختم بخاتم، ثم رفعها إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله العبد من قبره جاءه الملك ومعه الكتاب ينادي: أين أهل العهود؟ حتى يدفع إليه. والكلمات أن تقول:.. فذكر نحو حديث ابن مسعود)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (2/272) من المطبوع، وهو بسنده في المخطوط (ورقة/207) - حيث إن المطبوع خال من الأسانيد -:
قال الترمذي الحكيم: حدثنا عمر بن أبي عمر، قال ثنا عبد الله بن أبي أمية الفزاري، عن أبي علي الرمَاح، عن عمر بن ميمون، عن مقاتل بن حيان، عن الأسود بن هلال، عن أبي بكر الصديق به.
وفي هذا السند عمر بن أبي عمر شيخ الحكيم الترمذي، فقد جاء في "لسان الميزان" (1/31) نقل الحافظ عن الجوزقاني قوله فيه: مجهول، ثم عقب بقول: " عمر معروف، لكنه ضعيف " انتهى.
والواقف على حديثه يرى فيه من المناكير ما يجزم بضعفه ووهنه، ولعله ممن يركب الأسانيد أو يسرقها. كما أن عبد الله بن أبي أمية شيخه لم نجد من يوثقه من أهل العلم.
فالخلاصة أن هذا الدعاء لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من أراد أن يدعو بكلماته من غير اعتقاد فضل خاص لها فلا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الدعاء به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/231)
سبب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب بعض العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أسباب وجود أحاديث ضعيفة في كتب المتقدمين كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله؟ وكيف نتعامل معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تنقسم الأحاديث الضعيفة – من حيث جزمنا بردها وضعفها - إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
أحاديث يجزم بردها وكذب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهي نوعان:
1- أحاديث جاءت من طريق الرواة الكذابين والمتهمين، أو شديدي الضعيف سيِّئِي الحفظ، ويظهر في متنها نكارة لا يصدر مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أو التي يُجزَم بخطئ راويها حين يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددا، فيرفع الموقوف، أو يسند المرسل، أو يزيد وينقص في المتن أو الإسناد.
فهذه الأحاديث لا تكاد تجد منها شيئا في كتب أهل العلم المحققين إلا ما يذكرونه للتنبيه على وهنه ونكارته، أما أن يكون في معرض الاستدلال والاستشهاد: فهذا لا يقع إلا نادرا على سبيل الوهم والخطأ.
القسم الثاني:
أحاديث ضعيفة بسبب وجود راو ضعيف أو مجهول محتمل الضعف، أو بسبب انقطاع يسير، مع عدم وجود نكارة في المتن مناقضة للثابت من الشريعة.
وهذا القسم لا يجزم العلماء برده وتكذيب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يعتبرون احتمال صدوره عنه صلى الله عليه وسلم قائما، إذ قد يحفظ الراوي الضعيف ويصيب، كما قد يكون الراوي الساقط من الإسناد أو الراوي المجهول ثقة، فتجدهم يحكمون بقبول الحديث إذا اجتمعت بعض القرائن التي تقوي هذين الاحتمالين كتعدد الطرق ومجيئه من غير وجه.
يقول ابن الصلاح في "المقدمة" (ص/9) :
" إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر، وإنما المراد به: أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور " انتهى.
ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/75-76) :
" (وإذا قيل) هذا حديث (غير صحيح) : فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب، وإصابة مَن هو كثير الخطأ " انتهى.
فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة، لم يتورعوا – في الغالب – عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا، فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها.
فيمكن تلخيص أسباب ذكر العلماء هذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم بما يلي:
1- اعتبار احتمال ظهور صدقها وصحتها ببعض الشواهد والطرق والمتابعات، فيستأنسون بمعانيها في تلك الأبواب إذا كانت مقبولة في الجملة.
2- تقليد من سبقهم من أهل العلم، ممن أخرج الحديث وبوب عليه في مصنفات السنة ولم يحكم برده وتكذيبه، فيوكلون العهدة عليه.
3- وفي كثير من الأحيان يصحبون ذكر هذه الأحاديث ببعض ما يدل على ضعفها، كالتصريح بالضعف، أو ذكرها بصيغة التمريض: رُوي، حُكي، وجاء في الحديث ... ونحوها.
القسم الثالث:
أحاديث مختلف فيها، مترددة بين القسمين السابقين، وبين قسم الحديث الحسن والمقبول، فيكون ذكر أهل العلم لها في كتبهم من باب اعتبار هذا الخلاف، أو ترجيح قبول الحديث أو على الأقل عدم الجزم برده.
هذا واحتمال الخطأ وارد في كل ذلك، فالعلماء وإن اتسعت معارفهم فذلك لا يثبت العصمة لهم، فقد يذكر الحديث الضعيف ظنا منه أنه صحيح، وإذا كان الخطأ قد وقع لأئمة السنة أصحاب المصنفات والسنن والجوامع، فوقوعه فيمن بعدهم من العلماء أولى وأقرب.
يقول الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/447) :
" فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة، إما لذهول عن ضعفها، وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/232)
أثر عن كعب الأحبار في بعض ما أنزل على موسى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما صحة هذا الحديث الشريف: عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: قرأت في بعض ما أنزل على موسى عليه السلام: " يا موسى! ركعتان يصليهما أحمد وأمته - وهي صلاة الغداة - مَن يصليهما غفرت له ما أصاب من الذنوب من ليله ويومه، ويكون في ذمتي. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته - وهي صلاة الظهر - أعطيهم بأول ركعة فيها المغفرة، وبالثانية أثقل ميزانهم، وبالثالثة أوكل عليهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم، وبالرابعة أفتح لهم أبواب السماء، ويشرف عليه الحور العين. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته - وهي صلاة العصر – فلا يبقى مسلم فى السماوات والأرض الا استغفر لهم، ومن استغفر لهم الملائكة لم أعذبه. يا موسى! ثلاث ركعات يصليها أحمد وأمته حين تغرب الشمس أفتح لهم أبواب السماء، لا يسألون من حاجة الا قضيتها لهم. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته حين يغيب الشفق، وهي خير لهم من الدنيا وما فيها، ويخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. يا موسى! يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم، أعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والأرض. يا موسى! يصوم أحمد وأمته شهرا فى كل سنة - وهو شهر رمضان - أعطيهم بصيام كل يوم مدينة فى الجنة، وأعطيهم بكل خير يعملون فيه من التطوع أجر فريضة، وأجعل فيه ليلة القدر، من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادما صادقا من قلبه، فإن مات من ليله أو شهره أعطيته أجر ثلاثين شهيدا. يا موسى! إن في أمة محمد رجالا يقومون على كل شرف، يشهدون أن لا إله إلا الله، فجزاؤهم بذلك جزاء الأنبياء عليهم السلام، ورحمتى عليهم واجبة، وغضبي بعيد منهم، ولا أحجب باب التوبة عن واحد منهم ما داموا يشهدون أن لا إله إلا الله "]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد هذا الأثر من كلام كعب الأحبار في كتب أهل العلم المسندة وغير المسندة، ولم نقف على شيء قريب من معناه، وكعب الأحبار (ت 32هـ) من أكثر الرواة الذين كَذَب عليهم الكذَّابون، ونسب إليهم كلُّ مُغرضٍ ما أراد أن يدسه في الدين، ومع أنه ليس من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، إلا أنه من علماء بني إسرائيل من التابعين الذين أسلموا، ونقلوا إلى المسلمين شيئاً من الكتب السابقة، فكثرت في أحاديثه العجائب والغرائب والمنكرات.
فلا يجوز التصديق بهذا الأثر المنسوب إليه، لما فيه من المبالغات الظاهرة، منها - على سبيل المثال - قوله:
(يا موسى! يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم، أعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والأرض)
ومنها قوله: (وأَجْعَلُ فيه ليلة القدر، من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادما صادقا من قلبه، فإن مات من ليله أو شهره أعطيته أجر ثلاثين شهيدا)
قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (2/843) :
" ومن جملة القرائن الدالة على الوضع (يعني وضع الحديث، وأنه مكذوب) : الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير موجود في حديث القُصَّاص والطُرقِيَّة – يعني جهلة المتصوفة - " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/233)
الحديث القدسي المشهور (خلقتك للعبادة فلا تلعب)
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل فضيلتكم عن مدى صحة الحديث القدسي التالي: (يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب , وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب , فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً , وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الذي يظهر أن هذا الكلام منقول عن بعض كتب بني إسرائيل، نقله كعب الأحبار أو غيره، فنسبه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمدا.
إذ لم يرد هذا الحديث في شيء من كتب السنة، ولم يرد بسندٍ حتى ينظر في صحته أو ضعفه، فلا يجوز الجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل من نقله أو ذكره في كتابه إنما ينسبه لآثار بني إسرائيل أو التوراة، كما فعل ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/52) ، وابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/141) ، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/426) .
وقال الأبشيهي في "المستطرف" من كتب النوادر والأدب (1/153) :
" روي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة فكتبها، وهي: ... - فذكر رواية أطول من المذكور في السؤال " انتهى.
وقد حكم الشيخ ابن عثيمين عليه بقوله: " غير صحيح "، كما في "الفتاوى الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة" (3/63) ، نقلا عن هذا الرابط:
http://saaid.net/Minute/m16.htm
ثانيا:
يغني عن هذا الأثر، الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ) رواه الترمذي (2466) وحسنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/262) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (16/284) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1359) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(4/234)
حديث (مَن استغفر للمؤمنين كتب له بكل مؤمن حسنة)
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الحديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة) ما المقصود بالحديث؟ وهل هو على ظاهره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وما ورد في ذلك لا يثبت، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت.
وعيسى بن سنان: ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية. انظر "تهذيب التهذيب" (8/212)
وعتبة بن حميد: قال فيه أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/428)
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد.
2- عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة)
رواه الطبراني في الكبير (23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال مرة: متروك الحديث.
وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقد مشاه شعبة، وقال: اكتبوا عنه، فإنه شريف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة، لكنها منكرة الاسناد " انتهى.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف " انتهى.
3- عن أنس رضي الله عنه، جاء عنه من طريقين:
- من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:
(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز وجل عليه من آدم فما دونه) .
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم.
قلت: فيه علتان: الأولى: ضعف شعيب بن كيسان، والثاني: الانقطاع بينه وبين أنس، فقد قال البخاري عقب إخراجه له: " لا يعرف له سماع من أنس، ولا يتابع عليه "
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف.
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر " انتهى.
- من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ:
(ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217)
قلت: وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/99)
4- عن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض)
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) :
" رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء، وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور، وبقية رجاله المسمين ثقات " انتهى.
5- عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه من لم أعرفهم " انتهى.
6- عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة)
رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه، وإسناده ضعيف؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209)
ثانيا:
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام، فقد دعا به نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/28
ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/41
وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ) محمد/19
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين، الأحياء منهم والميتين، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) :
" عن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟
قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ)
قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا.
قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟
قال: بل بنفسي، كما قال الله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) " انتهى.
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) :
" والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم، فيصير هِجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به.
وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها، وسمعتُه يقول: إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى.
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولخصوص الأجور المذكورة فيها، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/235)
قصة خرافة عن كوكب " الزهرة " ونجم " سهيل "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقية كوكب الزهرة أنها كانت امرأة، ونجم سهيل أنه كان رجلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعنهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القصة التي تُروى عن كوكب الزُّهرة، جاءت في سياق قصة أخرى تحكي أمر هاروت وماروت، حاصلها أن الملائكة تعجبوا مِن عصيان بني آدم في الأرض، فأمرهم الله أن يختاروا منهم مَن ينزل إلى الأرض وتركب فيه الشهوة، كي ينظروا أيطعيون أم يعصون، فاختاروا هاروت وماروت، فجاءت الزهرة – امرأة حسناء – فتعرضت لهما حتى أغوتهما، ثم مسخها الله كوكبا في السماء، وأدرك الملائكةُ الأمر فاستغفروا للمؤمنين.
جاءت هذه الرواية من حديث ابن عمر على وجهين:
1- من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار.
وذلك من طرق عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار به.
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/73-74) وعنه الطبري في "تفسيره" (2/429-430) ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) ، وهذا سند صحيح متصل رجاله ثقات.
2- من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
وذلك من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به، وقد رواه عن نافع ثلاثة:
- فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
عند الطبري في تفسيره (2/432) . وفرج بن فضالة: له أحاديث مناكير. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/262) ، ومعاوية بن صالح: له أوهام. انظر: "تهذيب التهذيب" (10/211)
- زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا.
رواه أحمد في المسند (2/134) ، وعبد بن حميد (787) ، وابن حبان في صحيحه (14/63) ، والبزار (2938) – كشف الأستار-، والبيهقي في "السنن" (10/4-5) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (662) . وموسى بن جبير: قال فيه ابن حبان: يخطئ ويخالف. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. كذا في "تهذيب التهذيب" (10/339) ، وزهير بن محمد فيه كلام أيضا، خلاصة حكم الحافظ ابن حجر عليه أنه ثقة يغرب ويأتي بما ينكر. انظره في "تهذيب التهذيب" (3/350)
- موسى بن سرجس عن نافع:
كما عند ابن مردويه - كذا نقله ابن كثير في تفسيره (1/354) -، وموسى بن سرجس لم يُنقل عن أحد فيه حكم، فهو مجهول الحال، وقد ضعف الترمذي حديثا له رواه في سننه. انظر "تهذيب التهذيب" (10/307)
وبذلك يتبين أن الرواية الصحيحة هي من كلام كعب الأحبار، وليست المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رفعه [أي نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم] منكر ظاهر من خطأ بعض الرواة، دلنا على ذلك اجتماع قرائن نكارة المتن وضعف السند، ومخالفة الصحيح.
لذلك قال أبو حاتم - كما في "العلل" (2/69) – عن واحدة من روايات الرفع:
"هذا حديث منكر" انتهى.
وقال البزار: " وإنما أتى الرفع هذا عندي من زهير؛ لأنه لم يكن بالحافظ " انتهى.
وقال البيهقي عن روايته عن كعب الأحبار: " وهذا أشبه " انتهى.
ويقول ابن كثير رحمه الله بعد أن وصف الروايات عن نافع بالغرابة:
" وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/354)
وقد مال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" إلى تصحيح أصل القصة فقال (ص/39) :
" له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة، لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها " انتهى.
غير أن كلام المتقدمين الذين ضعفوا الرواية أولى وأقرب، فالطرق الكثيرة مخالفةٌ للطريق الصحيحة، وضعف رواتها يرجح رجوعها إلى كعب الأحبار وليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق المسند (2/143) على كلام الحافظ بقوله:
" أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها، فلا، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية، إلى مخالفتها الواضحة للعقل، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط، بل من ناحية أن الكوكب الذي تراه صغيرا في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف، فأنَّى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة " انتهى.
ومن أظهر علامات نكارة القصة التفاوت الكبير في ألفاظ رواياتها، فمنها المختصر ومنها المطول، ومنها الزائد ومنها الناقص، وبعضها فيها لعن النبي صلى الله عليه وسلم كوكب الزهرة وبعضها يسكت عن ذلك، بل ومنها ما يذكر مسخ الزهرة إلى كوكب، ومنها ما يسكت عنه، أما الرواية عن كعب الأحبار فقد جاءت بلفظ واحد مختصر، ليس فيه ذكر قصة الزهرة ومسخها إلى كوكب، وإنما تقتصر على قصة الملكين هاروت وماروت.
وقد وردت القصة عن ابن مسعود وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم، وعن جماعة من التابعين، ساق مروياتهم الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ثم قال (1/360) :
" وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال " انتهى.
ثانيا:
أما ما يُحكى عن النجم " سُهيل "، أنه كان رجلا من بني آدم، ثم مُسخ إلى نجمٍ مُعلق في السماء، فكل ما ورد فيه مكذوب موضوع، وقصة خرافة يتناقلها الناس والرواة، وهذا تفصيله:
1- عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر في السفر، فكان إذا طلع سُهيلٌ قال: لعن الله سهيلا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كان عشَّارا – يأخذ عشر الأموال ضريبة - يظلمهم ويغصبهم أموالهم، فمسخه الله شهابا، فجعله حيث ترون)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/147) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم/651) ، والبزار – كما في "كشف الأستار" (1\902 و903) جميعهم من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار به
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد.
لكن عند البزار متابعة مبشر عن عمرو بن دينار، إلا أنها متابعة ساقطة، فقد قال البزار بعد إخراجه لهما:
" لا نعلم أحدا رواه عن عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا إبراهيم: وهو لين الحديث , وإنما ذكرناه على ما فيه من العلة لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين " انتهى.
وذكره الذهبي في "الميزان" (3\433) في ترجمة مُبَشِّر، وعده من مناكيره.
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/187) :
" هذا الحديث لا يصح موقوفا ولا مرفوعا " انتهى.
ومن دلائل نكارة الحديث وتخليط إبراهيم بن يزيد أنه يرويه مرة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر، ومرة عن عمرو عن عبد الرحمن بن السايب عن ابن عمر. = كما أسنده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق الدارقطني -
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لعن الله سهيلا - ثلاث مرات - , فإنه كان يعشر الناس في الأرض , فمسخه الله شهابا)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/108) , وكذا أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (649،650) في باب: ما يقول إذا رأى سهيلا. والخطيب البغدادي في "السابق واللاحق" (ص/78) والدارقطني في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187)
من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه.
يقول ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/188) :
" وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح. وهذا لا يصح لأن مداره على جابر الجعفي. قال جرير: لا أستحل أن أروي عنه. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب منه. وقال يحيى بن معين: لا نكتب حديثه " انتهى.
وجاء في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187) :
" وسئل عن حديث أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا رأى سهيلا لعنه وقال: كان رجلا ينحس الناس بالظلم فمسخه الله شهابا.
فقال: يرويه جابر الجعفي، واختلف عنه:
فرواه الثوري عن جابر: فقال إبراهيم بن خالد وأبو حذيفة عن الثوري عن جابر عن أبي الطفيل عن علي ولا أراه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفهما وكيع ومحمد بن عبد الوهاب القناد فروياه عن الثوري موقوفا بغير شك.
ورواه عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر مرفوعا أيضا، ورفعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر.
والصحيح موقوفا " انتهى.
3- وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب بسياقٍ مختلفٍ جاء فيها:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المُسوخ؟ فقال: هم ثلاثة عشر ... فذكرها ثم قال:
وأما سهيل فكان عشَّارًا باليمن، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت " انتهى.
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/249) للزبير بن البكار في "الموفقيات"، و"ابن مردويه" و"الديلمي" ولم أقف على إسناد منها.
ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" في " باب ذكر المسوخ " (1/185) بسنده ثم قال:
" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مستهين بالدين لا يبالي ما فعل، والمتهم به مغيث – مولى جعفر بن محمد عنه عن أبيه عن جده عن علي -.
قال أبو الفتح الازدي: خبيث كذاب لا يساوي شيئا، روى حديث المسوخ، وهو حديثٌ منكر.
قال المصنف – ابن الجوزي -: وحديث ابن حبيبة الصحيح: (فإنه ما مسخ الله عز وجل شيئا فجعل له نسلا) يرد هذا " انتهى.
فالحاصل أنه لم تثبت الحكاية عن مسخ رجل إلى النجم " سهيل " بسند مرفوع صحيح، وكل ما ورد في ذلك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهي أحاديث منكرة ضعيفة، حكم عليها أهل العلم بالوضع والترك، منهم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4196) .
وغاية ما هنالك أنه قد تصح فيها بعض الآثار الموقوفة عن بعض الصحابة، غير أن هذه الآثار ليس لها حكم الرفع، والأخذ بما فيها موضع شك، لاحتمال تلقيها عن بني إسرائيل احتمالا قويا ظاهرا، كما هو الأمر في قصة مسخ الزهرة إلى الكوكب المعروف، والخرافات التي ترويها الإسرائيليات تأتي بهذا القبيل من القصص والأحدا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/236)
أحاديث ضعيفة وموضوعة عند المتصوفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث الذي يذكره المتصوفة صحيح " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل قال: " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".
أجاب:
الحمد لله
هذا ما ذكروه في الإسرائيليات ليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه وضع في قلبه محبتي ومعرفتي.
وما يروى: " القلب بيت الرب "، هذا من جنس الأول، فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته.
وما يروونه: " كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فبي عرفوني ".
هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً. وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق العقل، فقال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك، فبك آخذ وبك أعطي ".
هذا الحديث باطل موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
وما يروونه: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " هذا معروف، عن جندب بن عبد الله البجلي وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس له إسناد معروف.
وما يروونه: " الدنيا خطوة رجل مؤمن "، هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من سلف الأمة ولا أئمتها.
وما يروونه: " من بورك له في شيء فليلزمه "، " ومن ألزم نفسه شيئا لزمه ".
الأول: يؤثر عن بعض السلف، والثاني: باطل فإن من ألزم نفسه شيئاً قد يلزمه وقد لا يلزمه بحسب ما يأمر به الله ورسوله.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم في غد دولة وأي دولة "، " الفقر فخري وبه أفتخر "، كلاهما كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المعروفة.
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعلي بابها "، هذا الحديث ضعيف، بل موضوع عند أهل العلم بالحديث، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ووقع هذا وهو كذب.
وما يروونه: أنه صلى الله عليه وسلم " يقعد الفقراء يوم القيامة، ويقول: وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي ولكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم انطلقوا إلى الموقف فمن أحسن إليكم بكسرة أو سقاكم شربة ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به إلى الجنة "، قال الشيخ: الثاني كذب لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، وهو باطل خلاف الكتاب والسنة والإجماع.
وما يروونه، عن " النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات النجار بالدفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع إلى آخر الشعر فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم ":
حديث النسوة وضرب الدف في الأفراح صحيح فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله: " هزوا غرابيلكم " هذا لا يعرف عنه.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك "، هذا حديث باطل كذلك، وقد رواه الترمذي وغيره، بل إنه قال لمكة: " إنك أحب بلاد الله إلي "، وقال: " إنك لأحب البلاد إلى الله ".
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام دخل الجنة "، هذا كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث.
وما يروونه، عن علي رضي الله عنه: أن أعرابيا صلى ونقر صلاته، فقال علي: " لا تنقر صلاتك "، فقال الأعرابي: يا علي لو نقرها أبوك ما دخل النار. هذا كذب. وما يروونه، عن عمر أنه قتل أباه، هذا كذب فإن أباه مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وكنت وآدم لا ماء ولا طين " هذا اللفظ كذلك باطل.
وما يروونه: " العازب فراشه من نار، مسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة امرأة بلا رجل "، هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن إبراهيم الخليل عليه السلام لما بنى البيت صلى في كل ركن ألف ركعة فأوحى الله تعالى إليه: " يا إبراهيم ما هذا سد جوعة أو ستر عورة "، هذا كذب ظاهر ليس هو في شيء من كتب المسلمين. وما يروونه: " لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين "، هذا ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وما يروونه: " من علم أخاه آية من كتاب الله ملك رقه "، هذا كذب ليس في شيء من كتب أهل العلم.
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اطلعت على ذنوب أمتي فلم أجد أعظم ذنبا ممن تعلم آية ثم نسيها " وإذا صح هذا الحديث فهذا عنى بالنسيان التلاوة، ولفظ الحديث أنه قال: " يوجد من سيئات أمتي الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها " والنسيان الذي هو بمعنى الإعراض عن القرآن وترك الإيمان والعمل به، وأما إهمال درسه حتى ينسى فهو من الذنوب.
وما يروونه: " إن آية من القرآن خير من محمد وآل محمد، القرآن كلام الله منزل غير مخلوق فلا يشبه بغيره "، اللفظ المذكور غير مأثور.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من علم علما نافعا وأخفاه عن المسلمين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار "، وهذا معناه معروف في السنن، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ".
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا وصلتم إلى ما شجر بين أصحابي فامسكوا، وإذا وصلتم إلى القضاء والقدر فأمسكوا "، هذا مأثور بأسانيد منقطعة.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال لسلمان الفارسي وهو يأكل العنب: دو دو "، يعني عنبتين عنبتين، هذا ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو باطل.
وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من زنى بامرأة فجاءت منه ببنت فللزاني أن يتزوج بابنته من الزنا "، وهذا يقوله من ليس من أصحاب الشافعي وبعضهم ينقله عن الشافعي، ومن أصحاب الشافعي من أنكر ذلك عنه، وقال: إنه لم يصرح بتحليل ذلك ولكن صرح بحل ذلك من الرضاعة إذا رضع من لبن المرأة الحامل من الزنا، وعامة العلماء كأحمد وأبي حنيفة وغيرهما متفقون على تحريم ذلك، وهذا أظهر القولين في مذهب مالك.
وما يروونه: " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله "، نعم ثبت ذلك أنه قال: " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله "، لكنه في حديث الرقية، وكان الجعل على عافية مريض القوم لا على التلاوة.
وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من ظلم ذميا كان الله خصمه يوم القيامة أو كنت خصمه يوم القيامة "، هذا ضعيف، لكن المعروف عنه أنه قال: " من قتل معاهدا بغير حق لم يرح رائحة الجنة ".
وما يروونه، عنه: " من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج "، هذا لا أعرف له إسنادا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (5 / 88 - 93) .(4/237)
حول حديث الأعمى الذي قتل أم ولده لشتمها النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالحديثين التاليين: (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تتزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول - سيف قصير - فوضعه في بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) [رواه أبو داود، وقال عنه الألباني: صحيح، في كتابه " صحيح سنن أبي داود " الحديث رقم (4361) [" أن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أم ولد، وكان له منها ابنان، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسبه فيزجرها، فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليه، فقتلتها، فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس، وقال: أنشد الله! رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام. فأقبل الأعمى يتدلدل فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر. فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، قمت إلى المغول فوضعته في بطنها، فاتكأت عليها حتى قتلتها. فقال رسول الله: ألا؛ اشهدوا أن دمها هدر) [رواه النسائي، وقال عنه الألباني: إسناده صحيح. في كتابه " صحيح سنن النسائي " الحديث رقم 4081] يلاحظ أن رواية أبي داود فيها عبارة غير موجودة في رواية النسائي، وهي: " فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم " أنا أعلم حكم المرتد، وأن المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه. إن الذي لفت نظري هي العبارة المشار إليها أعلاه، حيث أنه قد يتبادر إلى الذهن أن حد الردة يطبق أيضا على الجنين. هل هذه العبارة المشار إليها صحيحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الرجل كان أعمى ولم يكن يعلم أن أمته حامل؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الطفل لم يمت كما قال بذلك السيد لا أقصد من سؤالي إثارة الشكوك حول أن الإسلام هو الدين الحق، ولكني أردت الرجوع إلى العلماء حتى يوافوني بالرد الذي أستطيع به الرد على من يطعن بالإسلام. وفقكم الله لما يحب ويرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكلام على هذه الحادثة المذكورة في السؤال في المسائل الآتية:
أولا: الحكم على الحديث.
الحديث رواه أبو داود (4361) ، ومن طريقه الدارقطني (3 / 112) ومن طرق أخرى أيضا، ورواه النسائي في " المجتبى " (4070) وفي " السنن الكبرى " (2 / 304) ، وابن أبي عاصم في " الديات " (رقم 249) والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 351) والحاكم في " المستدرك " (4 / 394) والبيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) جميعهم من طرق عن عثمان الشحام، عن عكرمة، عن ابن عباس به، على اختلاف في ألفاظ الروايات وتطويل وتقصير.
وهذا سند حسن، رواته ثقات، ولذلك فقد قبل الحديث: أبو داود والنسائي بإخراجهما له وسكوتهما عنه، والإمام أحمد أيضا، فقد قال المجد ابن تيمية: " واحتج به أحمد في رواية ابنه عبد الله " انتهى من " نيل الأوطار " (7 / 208) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في " تلخيصه "، وابن حجر في " بلوغ المرام " (363) وقال: رواته ثقات، وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (5 / 91) : إسناده صحيح على شرط مسلم. انتهى.
ويشهد له ما جاء عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا) .
رواه أبو داود في " السنن " (4362) ، ومن طريقه: البيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) ، والضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 169) .
قال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (1251) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكنه ضعفه في " ضعيف أبي داود " بالانقطاع.
ولعل الأقرب هو الحكم بإرسال الحديث، فقد قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (5 / 68) : " وقال الدارقطنى فى " العلل ": لم يسمع الشعبي من عليٍّ إلا حرفاً واحداً، ما سمع غيره.
كأنه عنى ما أخرجه البخاري فى " الرجم " عنه عن علي حين رجم المرأة قال: رجمتها بسنَّة النب صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى كلام ابن حجر.
لكن مراسيل الشعبي مقبولة عند كثير من أهل العلم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الصارم المسلول " (ص 65) : وهذا الحديث جيد؛ فإن الشعبي رأى عليّاً، وروى عنه حديث شراحة الهمدانية، وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة، وهو كوفي، فقد ثبت لقاؤه، فيكون الحديث متصلا، ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من علي: فهو حجة وفاقاً؛ لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلا إلا صحيحا، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه. انتهى.
وللقصة شاهد آخر يرويه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (4 / 210) فيقول:
أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل قال: (نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة عمة رجل من الأنصار، فكانت ترفقه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله يا رسول الله إن كانت لترفقني، ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدها الله تعالى، فقد أبطلت دمها) .
وهذا السند رواته ثقات.
والحاصل بمجموع هذه الروايات: أن أصل القصة ثابتة في السنة النبوية.
ولكن: هل هي حادثة واحدة أم متعددة؟ .
الذي يبدو أنها حادثة واحدة، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال:
ويدل عليه – أي: على أنها حادثة واحدة -: كلام الإمام أحمد؛ لأنه قيل له في رواية عبد الله: في قتل الذمي إذا سَبَّ أحاديث؟ قال: نعم، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال: سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين.
ويؤيد ذلك: أن وقوع قصتين مثل هذه لِأَعْمَيَيْنِ، كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيها الناسُ: بَعِيدٌ في العادة.
" الصارم المسلول " (ص 72، 73) باختصار.
ويبقى إشكال في الجمع بين الاختلاف الذي جاء في الروايات في طريقة قَتل اليهودية: هل كان خنقاً أم طعناً بالسيف في بطنها؟ .
ذكر ابن تيمية فيه احتمالين: احتمال أن ابن أم مكتوم خنقها ثم طعنها، والاحتمال الثاني وجود الخطأ في إحدى الروايتين.
انظر " الصارم " (ص 72) .
ثانياً:
ليس في الرواية ما يدل على أنه كان في بطن اليهودية جنين، ومَن فهم ذلك مِن السياق فقد أخطأ، وأما قوله في بعض ألفاظ الروايات: (فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم) : فلا يدل على هذا بوجه من الوجوه؛ بل الظاهر أنه طفل من طفليها الذين وصفهما بقوله:
(مثل اللؤلؤتين) ، جاء إلى أمه مشفقا عليها فتلطخ بالدم، والدليل على ذلك أن لفظ رواية الطبراني للحديث فيه: (فَأَصْبَحَ طِفْلَيْهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُلَطَّخَيْنِ بِالدَّمِ) – كذا بالياء: " طفليها " -، وأيضا في لفظ رواية البيهقي: (فَوَقَعَ طِفْلاَهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُتَضَمِّخَانِ بِالدَّمِ) .
ويدل على ذلك: ما جاء في " سؤالات الآجري أبا داود السجستاني " (ص 201) :
قال أبو داود: سمعت مصعبا الزبيري يقول: عبد الله بن يزيد الخطمي: ليس له صحبة، قال: وهو الذي قتل الأعمى أمه، وهو الطفل الذي سقط بين رجليها، التي سبَّت النبي صلى الله عليه وسلم.
انتهى.
إذاً فليس هناك جنين مقتول، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بأخذ الجنين بجريرة أمه، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، على أن اختلاف ألفاظ الحديث ورواياته، ومجيئها مرسلة أحيانا عن عكرمة، كما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " الأموال " (رقم 416) ، ونقد بعض الحفاظ لمرويات عثمان الشحام بوجود المناكير فيها، كما قال يحيى القطان: تعرف وتنكر، ولم يكن عندي بذاك، وقال أبو أحمد الحاكم: لم يكن بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: بصري يعتبر به: كل ذلك يوجب الشك والتوقف في بعض التفاصيل المذكورة في القصة، لكنه لا يرقى إلى رد أصل الرواية ونفي قيام الحادثة، فقد جاءت لها شواهد أخرى سبق ذكرها، وقبلها أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين.
ثالثاً:
في هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصونة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان، ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات، بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرِمَت جميعَ حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميّاً أو معاهداً، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات.
انظر " أحكام أهل الذمة " (3 / 1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809) .
وأما أن " المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه "، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الإشكال، فقال:
" يبقى أن يقال: الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه؟ "، ثم قال رحمه الله:
" وجوابه من وجوه:
أحدها: أن السيد له أن يقيم الحد على عبده، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) [رواه أحمد (736) وغيره، وحسنه الأرناؤوط لغيره، ومال الألباني إلى أن هذه الجملة من كلام علي، كما في الإرواء (2325) ] ، وقوله: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها) [رواه أبو داود (4470) وهو في الصحيحين بلفظ: " فليجلدها الحد "] ، ولا أعلم خلافا بين فقهاء الحديث أن له أن يقيم عليه الحد، مثل حد الزنا والقذف والشرب، ولا خلاف بين المسلمين أن له أن يعززه، واختلفوا هل له أن يقيم عليه قتلا أو قطعا، مثل قتله لردته، أو لسبه النبي صلى الله عليه وسلم وقطعه للسرقة؟ وفيه عن الإمام أحمد روايتان: إحداهما: يجوز، وهو المنصوص عن الشافعي، والأخرى: لا يجوز، كأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وهو قول مالك، وقد صح عن ابن عمر أنه قطع يد عبد له سرق، وصح عن حفصة أنها قتلت جارية لها اعترفت بالسحر، وكان ذلك برأي ابن عمر؛ فيكون الحديث حجة لمن يجوز للسيد أن يقيم الحد على عبده بعلمه مطلقا ...
الوجه الثاني:: أن ذلك أكثر ما فيه أنه افتئات على الإمام، والإمام له أن يعفو عمن أقام حدا واجبا دونه.
الوجه الثالث: أن هذا، وإن كان حدا، فهو قتل حربي أيضا؛ فصار بمنزلة قتل حربي تحتم قتله، وهذا يجوز قتله لكل أحد ...
الوجه الرابع: أن مثل هذا قد وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل المنافق الذي قتله عمر بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم، لما لم يرض بحكمه، فنزل القرآن بإقراره، ومثل بنت مروان التي قتلها ذلك الرجل، حتى سماه النبي صلى الله عليه وسلم ناصر الله ورسوله؛ وذلك أن من وجب قتله لمعنى يكيد به الدين ويفسده، ليس بمنزلة من قتل لأجل معصيته من زنا ونحوه. " انتهى من الصارم المسلول (285-286) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/238)
صحة حديث: " اللهم فارج الهم وكاشف الغم "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة مَن سواك) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء نص هذا الدعاء في حديثين اثنين:
1- في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(دخل علي أبو بكر، فقال: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه؟ قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى بن مريم يعلمه أصحابَه قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: " اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وكانت علي بقية من الدين، وكنت للدين كارها، فكنت أدعو بذلك، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني.
قالت عائشة: كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها؛ لأني لا أجد ما أقضيها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا، ما هو بصدقة تصدق بها علي، ولا ميراث ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسنا، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق، وفضل لنا فضل حسن)
رواه البزار – عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) – وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (رقم/40) والطبراني في "الدعاء" (1/317) ، وابن عدي في "الكامل" (2/203) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/472) ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/696) والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/2420) وفي "الدعوات الكبير" (رقم/167) وفي مسند الفردوس للديلمي (رقم/1988)
من عدة طريق عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به.
وقال الحاكم: " وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي " انتهى.
والصواب أن الحكم بن عبد الله الأيلي ضعيف الحديث جدا، وكذبه غير واحد من الأئمة، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (2/332) : " كان ابن المبارك شديد الحمل عليه. وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب. وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث.
وقال البخاري: تركوه كان ابن المبارك يوهنه البتة وفي رواية يضعفه. وقال مسلم في "الكنى": منكر الحديث " انتهى باختصار فإن تشنيع العلماء على حديثه كثير.
وبهذا يتبين أن الحديث منكر أو موضوع، خلافا لما ذهب إليه الإمام الحاكم رحمه الله؛ ولهذا وضعفه الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) وذكر له علة أخرى هي عدم سماع القاسم من عائشة، وحكم عليه بالضعف أيضا الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) ، وحكم عليه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1143) بالوضع.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يا علي! ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك: توضأ، وصل ركعتين، واحمد الله، وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5287) :
" منكر: أخرجه الأصبهاني (2/ 534/ 1278 - ط) عن إسحاق بن الفيض: أخبرنا المضاء: حدثني عبد العزيز عن أنس مرفوعاً.
قلت – الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف مظلم ... " ثم فصل القول في علله رحمه الله، فانظر الموضع المشار إليه من الضعيفة.
والخلاصة أن نص هذا الدعاء لم يرد من طريق صحيح، بل طرقه شديدة الضعف، لذلك حكم عليه العلماء بالوضع وأوردوه في كتب الموضوعات، كما في "تذكرة الموضوعات" للفتني (ص 53) ، "تنزيه الشريعة" (2/333) ، "الفوائد المجموعة" (ص 59، 52) .
ثانيا:
لا حرج في أن يجعل المرء ذلك من دعاء نفسه، أو أن يسأل الله الحاجات بألفاظه، فهي عبارات صحيحة لها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، فيها تذلل وتقرب وإظهار خضوع لله رب العالمين، كما فيها توسل بصفات الله تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء، فمن دعا به – من غير اعتقاد مزيد فضل له ولا خصوص أجر – يرجى له القبول والاستجابة.
عن عبد الرحمن بن سابط قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن: اللهم فارج الهم، وكاشف الكرب، ومجيب المضطرين، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/109) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط، لكن عبد الرحمن هذا ن التابعين، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/181) ، فيكون حديثه مرسلا، والحديث المرسل يستأنس به في الأذكار والدعاء.
بل إن الدعاء، متى استقام معناه، وصح لفظه، جاز الدعاء به، ولو لم يكن مأثورا أصلا، فباب الدعاء مفتوح لمن يجتهد فيه، وإن كان الدعاء المأثور الثابت أعظم بركة، وأسد معنى، وأبعد عن التكلف والعدوان في الدعاء.
وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم (70295) ، (84030)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/239)
هل فتحت نافذة فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جوابا تفصيليا عن مدى صحة الحديث الذي يقول به الصوفيون، من حديث عائشة التي تخبر فيه بفتح نافذة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نزول المطر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ) .
(كوى) جمع "كوة" وهي الفتحة.
رواه الدارمي (1/56) رقم (92) تحت باب: ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته.
قال الدارمي: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال:. . . ثم ذكر الحديث.
وهذا الأثر ضعيف، لا يصح، وقد بَيَّن العلامة الألباني ضعفه، فقال في كتابه: "التوسل" (ص128) :
"وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة:
أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. وقال الذهبي في "الميزان": "قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال أحمد: ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه".
وثانيها: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها.
وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في (المختلطين) من كتابه "المقدمة" وقال: "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده".
قلت (الألباني) : وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري": "وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا: أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف، وبعضهم مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء. بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. . ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن" انتهى.
ثانيا:
ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده غلاة الصوفية من جواز الاستغاثة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد، وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، كما وصفها الدارمي في "مسنده" في تبويب الحديث، وهي بركة جسده الطاهر، وقدره الشريف عند الله تعالى، ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء، ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/338) :
" قصد القبور للدعاء عندها، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن: أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية.
وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات، ودهمتهم نوائب غير ذلك، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟!
بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي بدعائه) ، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر، فإنه رحمة تنزل على قبره، ولم تستسق عنده، ولا استغاثت هناك" انتهى.
وبهذا يظهر أنه لا حجة في هذا الأثر للصوفية على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو التوسل بذاته أو جاهه إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/240)
قصة الغرانيق
[السُّؤَالُ]
ـ[قصة الغرانيق المذكورة في تفسير سورة الحج هل ثبت منها شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أصل هذه القصة حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في بداية الدعوة، أنه حين أوحيت إليه سورة النجم قرأها على جمعٍ من المسلمين والمشركين، فلما بلغ آخرَها حيث يقول الله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم/59-62 سجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجد معه جميعُ مَن حضر من المسلمين والمشركين، إلا رجلين اثنين: أمية بن خلف، والمطلب بن وداعة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ) رواه البخاري (1071)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ (وَالنَّجْمِ) قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَف) رواه البخاري (3972) وأيضا برقم (4863) ورواه مسلم (576)
ثانيا:
جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها الثناء على آلهتهم، وإثبات الشفاعة لها عند الله، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
والغرانيق: جمع غرنوق: وهو طير أبيض طويل العنق. قال ابن الأنباري: " الغرانيق: الذكور من الطير، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق، سمي به لبياضه، وقيل هو الكُرْكيّ، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله عز وجل، وتشفع لهم إليه، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء " انتهى. لسان العرب (10/286)
قالوا: فكانت هذه القصة سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج/52
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في "منهاج السنة النبوية" (2/243) :
" على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله " انتهى
وبعد تتبع الآثار الواردة في هذه القصة، تبين أن مجموع السلف الذين يُحكى عنهم هذا القول يبلغ نحو ثلاثة عشر، وتبين أنه لم يثبت بالسند الصحيح إلا عن خمسةٍ منهم، وهم: سعيد بن جبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو العالية، وقتادة، والزهري.
أما الباقون فلا تصح نسبته إليهم، لما في الأسانيد إليهم من ضعف ونكارة، وهم: ابن عباس، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، وأبو صالح، والضحاك، ومحمد بن فضالة، والمطلب بن حنطب.
انظر تخريج هذه الآثار والحكم عليها في رسالة الشيخ الألباني "نصب المجانيق" (10-34)
ثانيا:
إلا أن طائفة كبيرة من المحققين من أهل العلم، نفوا وقوع هذه القصة، ولم يأخذوا بإثبات مَن ذكرها من السلف، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: مَن ذكرها مِن السلف لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا مصادرهم للحادثة، فدخل الشك فيها، وساعد عليه ما في ظاهرها من طعن في النبوة، إذ كيف يُدخل الشيطان في الوحي كلماتِه الباطلة، مع أن الله تعالى حفظ وحيَه من التحريف والتبديل والزيادة، وعَصَمَه من الخطأ والزلل.
يقول القاضي عياض في "الشفا" (2/126) :
" فأما من جهة المعنى: فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إمَّا مِن تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر، أو أن يتسوَّرَ عليه الشيطان ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم.
أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر -، أو سهوا وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان
الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه، وقد قال الله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) الآية، وقال تعالى (إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) الآية " انتهى باختصار.
وقد عد الشيخ الألباني في رسالته "نصب المجانيق" (46-48) أسماء عشرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين في نفي صحة هذه الحادثة، أكثرها يؤكد نفي وجود السند المتصل المرفوع بها، ومنافاتها لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا:
والمسألة فيها نوع اشتباه، يصعب الجزم فيها بأمر، ولكن يمكننا القول بأن الجزم بنفي هذه الحادثة فيه نظر، وأن اعتبارها منافية لأصول العقيدة ومهمات الدين فيه نظر، أيضا، فقد صحت القصة من طريق جماعة من السلف مِن قولهم، وهي وإن كانت مرسلة، فكثرتها تبعث على الاطمئنان بوقوعها، ولو كان فيها شيء مناقض لعصمة الوحي لَما نطق بها كبار أئمة التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم.
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/439) في تخريجه لهذه القصة:
" كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ... - ثم نقل تضعيف ابن العربي والقاضي عياض القصة ثم قال -: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يَحتجُّ بمثلها مَن يحتجُّ بالمرسل، وكذا من لا يحتج به، لاعتضاد بعضها ببعض " انتهى.
وليس في القصة أي طعن في عصمة التبليغ والرسالة، لأن النسخ والتصحيح جاء بوحي من الله، وسواء كان الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو بإيهام الشيطان على أسماع المشركين، فإن المآل واحد، هو وقوع الحق وزهوق الباطل، والإخلال بمقتضى الرسالة لا يكون إلا باستمرار الباطل واختلاطه بكلام الله تعالى، وذلك ما لم يكن ولن يكون.
يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/290) :
" وهذه العصمة الثابته للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة ... فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين.
ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان: والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك.
والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله: " تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى " وقالوا: إن هذا لم يثبت.
ومن علم أنه ثبت قال: هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول.
ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا، وقالوا في قوله: (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) هو حديث النفس.
وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا: هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه، والقرآن يدل عليه بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحج/52-54
فقالوا: الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث، والقرآن يوافق ذلك، فإن نسخ الله لما يُلقي الشيطان، وإحكامه آياته، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول وبعده عن الهوى من ذلك النوع، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه - وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك - فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك، كان أدل على اعتماده للصدق، وقوله الحق، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) .
ألا ترى أن الذي يُعَظِّمُ نفسَه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ، فبيان الرسول أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب، وهذا هو المقصود بالرسالة، فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب " انتهى.
والخلاصة أن إثبات أصل القصة قول متجه، وهو أقرب إلى التحقيق العلمي إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/241)
حديث: (إن نقدت الناس نقدوك)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إفادتنا بدرجة صحة الحديث المروي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم تركوك) وأين نجده؟ قيل لي إنه يوجد في كتاب صحيح البخاري لكنني لم أجده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث أبي الدرداء المذكور ليس في "صحيح البخاري".
وله عدة ألفاظ منها: (إن نافرت الناس نافروك، وإن هربت منهم أدركوك , وإن تركتهم لم يتركوك. قال: كيف أصنع؟ قال: هب عرضك ليوم فقرك) وهو مخالف للفظ الوارد في السؤال.
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (47/ 178،179) من طريق فَرَج بن فَضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء به.
وسنده ضعيف فإن فَرَج بن فَضالة ضعيف , ولقمان بن عامر روايته عن أبي الدرداء منقطعة.
انظر: "تهذيب التهذيب" (8/456) , "التقريب" (2/107) .
ثم إنهم اضطربوا فيه فروي بالسند نفسه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفا عليه، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه ابن عساكر في"تاريخ دمشق" (47/178) .
ثم رواه ابن عساكر (47/179) من طريق أنس بن عياض عن يحي بن سعيد قال: قال
أبو الدرداء به موقوفا عليه من قوله.
وسنده منقطع , قال ابن المديني عن يحي بن سعيد الأنصاري: "لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس".
"التهذيب" لابن حجر (11/223) .
وورد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/126) رقم (7575) وأبو عمرو الداني في"السنن الواردة في الفتن" (219) وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/17) .
وسنده ضعيف، فيه بقية بن الوليد وهو يدلس تدليس التسوية , وصدقة بن عبد الله السّمين ضعيف.
انظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (7/285) .
وورد عند الداني وابن عساكر بلفظ: (إن نافذتهم نافذوك) قال ابن الأثير: "أي: إن قلتَ لهم قالوا لك، ويُروى بالقاف والدال المهملة". أي: ناقدتهم.
"النهاية" (5/92) .
وإنما يثبت هذا الأثر من قول أبي مسلم الخولاني، قال: (كان الناس وَرَقاً لا شوك فيه، وإنهم اليوم شوك لا وَرَق فيه، إن ساببتهم سابوك، وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك) .
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/206) وابن أبي عاصم في "الزهد" (1/367) وأبو نعيم في "الحلية" (2/123) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/228) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/242)
أحاديث نبوية في ذم الإسراف في الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذين الحديثين لو سمحتم: روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، وضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري. ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نأكل كل ما تشتهيه الأنفس؛ فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه. وهل هناك في الشرع شيء ينهى أن يسرف المسلم في أكله، أو أن لا يستطيع التحكم في أكله ويأكل في كل وقت وحين؟ حديث أو آية أو كتاب ممكن أن تنصحون به ينهى المسلم عن هذه الأمور، أو يكلمنا عن هدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، عن أكله ومطعمه. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شهوة البطن من أعظم المهلكات، وسببُ كثيرٍ من الآفات والأمراض القلبية والبدنية، إذ تتبعها شهوة الفرج، ثم الرغبة في الجاه والمال لتحقيق هاتين الشهوتين، ويتولد من ذلك من أمراض القلوب الرياء والحسد والتفاخر والكبر بسبب الانشغال بالدنيا، وغالبا ما يدفعه ذلك إلى المنكر والفحشاء، كله بسبب هذه الشهوة، وقد قالت العرب قديما: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء.
يقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31
وفي السنة النبوية من الحث على الاعتدال في الطعام، وذم الإسراف الشيء الكثير:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2265)
وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) رواه البخاري (5393) ومسلم (2060)
يقول النووي في شرح هذا الحديث (14/25) :
" قال العلماء: ومقصود الحديث التقليل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل، وكثرة الأكل بضده، وأما قول ابن عمر فى المسكين الذى أكل عنده كثيرا: " لا يدخلن هذا علي "، فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار، ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة؛ ولأن القدر الذى يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة " انتهى.
وقد سبق في موقعنا ذكر أحاديث أخرى في هذا الباب، فانظر سؤال رقم (71173)
ثانيا:
يلخص لنا ابن القيم رحمه الله تعالى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطعام والشراب، ويستخلصه من الأحاديث الصحيحة، فيقول – كما في "زاد المعاد" (1/147) -:
" وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ، ولم يحرمه على الأمة، وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ ... ولم يكن يردُّ طَيِّباً، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكلَ ما تيسر، فإن أعوزه صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوقد في بيته نارٌ " انتهى باختصار.
ثالثا:
ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف، ومنها:
1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ القريحة وإنفاذ البصيرة، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب، ولهذا جاءَ في الحكمة (مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه) .
2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى.
3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه، ولا ينسى أهلَ البلاء، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة.
4- من أكبر الفوائد: كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة. قال ذو النون: ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية.
5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا، ومن كثر شربُه كثرَ نومه، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القب، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ، وهو رأسُ مالِ العبدِ، فيه يتجر، والنومُ موت، فتكثيره يُنقِصُ العمر.
6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة، وقد قالَ الأطباء: البِطْنةُ أصلُ الداء، والحِميةُ أصلُ الدواء.
" ملخصة من إحياء علوم الدين (3/104-109) "
رابعا:
أما الأحاديث المذكورة في السؤال فلم يصح منها شيء:
الحديث الأول:
قالت عائشة رضي الله عنها: (إن أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد قضاء نبيها صلى الله عليه وسلم: الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فتصعبت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري في "الضعفاء" – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/335) - ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (رقم/22)
من طريق غسان بن عبيد الأزدي الموصلي، قال: حدثنا حمزة البصري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به.
قلت: وهذا السند ضعيف جدا بسبب غسان بن عبيد، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/418) : " قال أحمد بن حنبل: كتبنا عنه، قدم علينا ههنا ثم حرقت حديثه. قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين. – وفي رواية عن يحيى بن معين - ضعيف ... - ثم عد حديث عائشة الذي معنا من مناكيره – " انتهى بتصرف.
ولذلك قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1239) : " منكر موقوف " انتهى.
تنبيه: جاء في السؤال نسبة هذا الحديث إلى البخاري، وهذا خطأ كبير؛ لأن إطلاق القول بـ: " رواه البخاري "، ينصرف عادة إلى الصحيح، والبخاري له كتب أخرى كثيرة، يروي فيها الأحاديث بأسانيده، ولا يشترط فيها الصحة، منها كتاب "الضعفاء الصغير" وهو مطبوع، وله كتاب "الضعفاء الكبير": ذكره ابن النديم وبروكلمان في "تاريخ الأدب" (ص/65) وأنه ما زال مخطوطا في مكتبة "بتنة" في الهند؛ فإذا قدر أن البخاري روى حديثا في شيء من كتبه، سوى الصحيح الذي هو أعظم دواوين الإسلام، فينبغي أن يبين عند نسبة الحديث: رواه البخاري في التاريخ، أو: في الضفعاء، أو في الأدب المفرد..، مثلا، ثم يبحث في سند الحديث: هل هو صحيح أو لا، كما هو الحال في الكتب الأخرى.
وحديث عائشة هذا لعله في "الضعفاء الكبير"، فقد بحثنا عنه في "الصغير" فلم أجده، كما أن الضعفاء الصغير نادرا ما يذكر فيه الأحاديث والأسانيد. والله أعلم.
الحديث الثاني:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ) رواه ابن ماجه (3352) وأبو يعلى في "المسند" (5/154) وأبو نعيم في "الحلية" (10/213) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/46) وغيرهم من طرق عن بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعا.
وهذا السند ضعيف جدا، فيه عدة علل، منها:
1- يوسف بن أبي كثير: قال عنه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11/421) : " أحد شيوخ بقية الذين لا يعرفون " انتهى.
2- نوح بن ذكوان: منكر الحديث: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/484) :
" قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يجب التنكب عن حديثه ... وقال أبو نعيم: روى عن الحسن المعضلات، وله صحيفة عن الحسن عن أنس: لا شىء " انتهى باختصار.
ولذلك ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم: ابن حبان في "المجروحين" (3/47) ، وابن عدي في "الكامل" (8/299) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/182) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/188) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (515) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/241) : موضوع.
وفيما سبق من الأحاديث الصحيحة غنى عن هذين الحديثين الضعيفين، ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب: " الجوع " لابن أبي الدنيا، و "مختصر منهاج القاصدين " لابن قدامة، "زاد المعاد" لابن القيم، و "شرح رياض الصالحين" للشيخ ابن عثيمين.
وانظر جواب السؤال رقم (6503)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/243)
ما يُسمى " دعاء العرش " دعاء مبتدع مكذوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الدعاء، وهل له وجود في السنة النبوية؟ قيل إن جبريل علية السلام أتى النبي صلى الله علية وسلم فقال: يا محمد! السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، وقد أوهبك هذا الدعاء الشريف، يا محمد! ما من عبد يدعو وتكون خطاياه وذنوبه مثل أمواج البحار، وعدد أوراق الأشجار، وقطر الأمطار وبوزن السموات والأرض، إلا غفر الله تعالى ذلك كله له. يا محمد! هذا الدعاء مكتوب حول العرش، ومكتوب على حيطان الجنة وأبوابها، وجميع ما فيها.. ومما ورد فيه:.... يا محمد! ما من عبد قرأ هذا الدعاء إلا غفرت ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثل الرمل والحصى، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، ووزن الجبال وعدد ريش الطيور، وعدد الخلائق الأحياء والأموات، وعدد الوحوش والدواب، يغفر الله تعالى ذلك كله، ولو صارت البحار مدادا، والأشجار أقلاما، والإنس والجن والملائكة، وخلق الأولين والآخرين يكتبون لي يوم القيامة، لفني المداد، وتكسر الأقلام، ولا يقدرون على حصر ثواب هذا الدعاء. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: بهذا الدعاء ظهر الإسلام والإيمان. وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: نسيت القرآن مرارا كثيرة فرزقني الله حفظ القرآن ببركة هذا الدعاء. وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: كلما أردت أن أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، أقرأ هذا الدعاء. وقال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه: كلما أشرع في الجهاد أقرأ هذا الدعاء، وكان تعالى ينصرني على الكفار ببركة هذا الدعاء. ومن قرأ هذا الدعاء وكان مريضا، شفاه الله تعالى، أو كان فقيرا أغناه الله تعالى، ومن قرأ هذا الدعاء وكان به هم أو غم زال عنه، وإن كان عليه دين خلص منه، وإن كان في سجن وأكثر من قراءته خلصه الله تعالى، ويكون آمنا شر الشيطان، وجور السلطان. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد! من قرأ هذا الدعاء بإخلاص قلب ونية على جبل لزال من موضعه، أو على قبر لا يعذب الله تعالى ذلك الميت في قبره ولو كانت ذنوبه بالغة ما بلغت؛ لأن فيه أسم الله الأعظم. وكل من تعلم هذا الدعاء وعلمه لمؤمنين يكون له أجر عظيم عند الله، وتكون روحة مع أرواح الشهداء، ولا يموت حتى يرى ما أعده الله تعالى له من النعيم المقيم. فلازم قراءة هذا الدعاء في سائر الأوقات تجد خيرا كثيرا مستمرا إن شاء الله تعالى. فنسأل الله تعالى الإعانة على قراءته، وأن يوفقنا والمسلمين لطاعته، إنه على ما شاء قدير وبعباده خبير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين. الدعاء: بسم الله الرحمن الرحيم: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، لا إله إلا الله العدل اليقين، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك والحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته، سبحان الله خضوعا لعظمته، اللهم يا نور السموات والأرض، يا عماد السموات والأرض، يا جبار السموات والأرض، يا ديان السموات والأرض، يا وارث السموات والأرض، يا مالك السموات والأرض، يا عظيم السموات والأرض، يا عالم السموات والأرض، يا قيوم السموات والأرض، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. اللهم إني أسألك أن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام، برحمتك يا أرحم الراحمين. بسم الله أصبحنا وأمسينا، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. الحمد لله الذي لا يرجى إلا فضله، ولا رازق غيره. الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير. اللهم إني أسألك في صلاتي ودعائي بركة تطهر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتغني بها فقري، وتذهب بها شري، وتكشف بها همي وغمي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيض بها وجهي. ............ اللهم استر عورتي، واقبل عثرتي، واحفظنى من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي، ولا تجعلني من الغافلين. اللهم إني أسألك الصبر عند القضاء، ومنازل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء، ومرافقة الأنبياء، يا رب العالمين. آمين يا أرحم الراحمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء كذب مختلق مصنوع، لا يجوز نقله ولا روايته ولا العمل به، ومن تساهل في ذلك تعرض للوعيد الشديد، وكان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم خصمَه يوم القيامة، وعلامة الوضع والكذب باديةٌ عليه، إذ لا يُعرف في ديننا دعاءٌ تكون له كل هذه الفضائل المبالغ فيها، ولو كان شيء من ذلك موجودًا في شريعتنا لوجدتَ عشرات الأسانيد الصحيحة تتسابق في نقله وروايته، أما هذا الدعاء فلم يرد ولا بإسناد ضعيف.
يقول ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/19) في حديثه عن علامات الحديث الموضوع:
" اشتماله على المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهي كثيرة جدا، كقوله في الحديث المكذوب: (من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له) وأمثال هذه المجازفات الباردة، التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول بإضافة مثل هذه الكلمات إليه " انتهى.
ويقول ابن حجر في "النكت" (2/843) :
" ومن جملة القرائن الدالة على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير موجود في حديث القصاص والطرقية " انتهى.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/372-373) :
" الدعاء المسمى بـ: (دعاء العرش وفضائل دعاء العرش) دعاء مبتدع، لا أصل له، ولا دليل عليه من الكتاب والسنة، ولم ينسب إلى مرجع معتمد، فهو من اختراع من وضعه، وواضعه مجهول، وفيه ألفاظ مكذوبة، مثل قوله: (أسألك باسمك المكتوب على جناح جبريل وعلى ميكائيل وعلى جبهة إسرافيل، وعلى كف عزرائيل الذي سميت به منكرا ونكيرا وبحق أسرار عبادك عليك) ، وفيه وعود مكذوبة لأجل إغراء الناس بهذا الدعاء المبتدع، مثل قوله: (من دعا به مرة واحدة حشره الله يوم القيامة ووجهه يتلألأ. . إلخ)
(وإن كان له ذنوب أكثر من ماء البحر وقطر الأمطار. . إلخ) (ويكتب له ثواب ألف عمرة مبرورة، وإن قرأه خائف أمنه الله، أو عطشان سقاه الله، أو جائع أطعمه الله. إلخ) (وإن حمله ذو عاهة برئ، أو زوجة أكرمها زوجها، وأمن من الجن والإنس والمردة والشياطين والأوجاع والأمراض، ورجع إلى أهله إن كان غائبا. .) إلى آخر كذبه.
وهذا دعوة إلى تعليق التمائم والحروز والتعلق بغير الله.
فالواجب منع توزيعه ونشره وإتلاف ما وجد منه، ومعاقبة من يروجه بين الناس؛ لأنه دعوة لنشر البدع والخرافات وتعليق التمائم والحروز. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
وانظر أيضا:
http://saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/24.htm
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/244)
حديث (لا يهين المرأة إلا اللئيم) لا يثبت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أدري بالضبط صيغة الحديث، ما أعرفه أنه هكذا: الحديث (لا يكرم المرأة إلا الكريم , ولا يهين المرأة إلا اللئيم , ولا يغلبن إلا الكريم , ولا يغلبهن إلا اللئيم، وأنا أريد أن أكون - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - مغلوبا أي كريما، وليس غالبا أي لئيما) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نَعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل هذا الكلام بهذا اللفظ، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين، وإنما يُروَى في ذلك شيءٌ قريب من اللفظ المذكور، ولكنه أيضا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان ذلك:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/313) وعنه ابن أخيه في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (109)
وهذا سند ابن عساكر:
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أخبرني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العجائز، حدثني أبي، وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أنا جدي أبو عبد الله، أنا مسدد بن عبد الله الحمصي قالا: نا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب الربعي، نا أبو بكر وأبو القاسم محمد وعامر ابنا خريم بن محمد، قالا نا أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي، نا عبد الرزاق بن همام، أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن داود بن الحصين، عن عكرمة بن خالد، عن علي بن أبي طالب به.
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (845) :
" موضوع. وهذا إسناد واهٍ بِمَرَّة، وفيه علل:
1 - داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في "التقريب"، ومستنده قول ابن المديني: " ما رواه عن عكرمة فمنكر ". وكذا قال أبو داود.
2- إبراهيم الأسلمي: كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المديني، وروى أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (34/1) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال: " لم يُترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر، وإنما للكذب " وقال ابن حبان (1/92) : " كان يرى القدر ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث "
3- أبو عبد الغني الأزدي: متهم بالوضع، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، وقال فيها: " وكان ضعيفا ". ثم روى عن أبي نعيم أنه قال: " حدث عن مالك أحاديث موضوعة ". وكذا قال الحاكم، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله: " ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه "
قلت – القائل هو الشيخ الألباني رحمه الله -: وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال: " باطل، وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق " وكذا رواه ابن عساكر في ترجمته، لكن قد ساق له ابن حبان (1/235) حديثا آخر، صرح فيه بقوله: " حدثنا مالك " فهو من أكاذيبه عليه. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال " " انتهى باختصار.
وفيما ورد في إكرام النساء والإحسان إليهن من الأحاديث الصحيحة الكثيرة غُنيةٌ عن هذا الحديث المنكر، وهي – بلا شك – أبلغ عبارة وأوفى بيانا وأعظم أثرا من كل مروي ضعيف أو مكذوب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468)
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وفي "السلسلة الصحيحة" (1174)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (146) ومحققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015)
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/166) في شرح الحديث الأخير:
" بأن تعاملوهما برفق وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب، وَوَصَفَهُمَا بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير، فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم، وانتقامه من ظالمه أشد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/245)
أحاديث نداء القبر وخطابه أحاديث ضعيفة منكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث: " القبر ينادي خمس مرات المتوفى " حديث صحيح أم ضعيف وليس له أصل؟ أرجو الرد مدعما بالحديث الصحيح؛ لأن الموضوع مهم جدا جدا، ولا نريد أن نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السؤال أحمله أمانة في أعناقكم، وأرجو الرد السريع مع جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في خطاب القبر وندائه وكلامه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
(دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ، فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ – يعني: يضحكون - قَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ.
فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ. قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوْ الْكَافِرُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ. قَالَ: فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ. قَالَ: وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ.
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ)
رواه الترمذي في سننه (2460) والبيهقى فى شعب الإيمان (1/498) من طريق القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري به.
وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وهذا سند ضعيف جدا، فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/55) : عن أحمد بن حنبل: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة.
وقال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائى: متروك الحديث. وقال ابن عدي: ضعيف جدا، يتبين ضعفه على حديثه. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه الأثبات، حتى يسبق إلى القلب أنه المُتَعَمِّد لها، فاستحق الترك. وقال الحاكم: روى عن محارب أحاديث موضوعة. وقال أبو نعيم الأصبهانى: يحدث عن محارب بالمناكير، لا شيء " انتهى.
لذلك قال الحافظ العراقي عن هذا الحديث ـ "تخريج الإحياء" (1/400) ـ: " فيه عبيد الله بن الوليد الصافي ضعيف "، وضعفه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269)
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10/749) : " عطية ضعيف مدلس والوصافي ضعيف جدا " انتهى.
وقال في "ضعيف الترمذي": " ضعيف جدا، ولكن جملة (هاذم اللذات) صحيحة " انتهى.
الحديث الثاني:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى هَذَا الْقَبْرِ مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يُنَادِي بِصَوْتٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ: يَا ابْنَ آدَمَ! كَيْفَ نَسِيتَنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَبَيتُ الْوَحْشَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إلا مَنْ وَسَّعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/273) وفي "المعجم الكبير" في القطعة المفقودة من الثالث عشر برقم (1363) من طريق محمد بن أيوب بن سويد أخبرنا أبي أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
وقال: " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه " انتهى.
وهذا سند ضعيف جدا، بسبب محمد بن أيوب بن سويد، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/487) : " ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، قال أبو زرعة: رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة " انتهى. وانظر "المجروحين" (2/299)
ولذلك قال الحافظ الهيثمي عن هذا الحديث ـ "مجمع الزوائد" (3/165) ـ: " فيه محمد بن أيوب بن سويد وهو ضعيف " انتهى. وضعفه الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" (62) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269) وغيرهم، وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة" (4990) : موضوع.
الحديث الثالث:
عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يَقُولُ الْقَبْرُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يُوضَعُ فِيهِ: وَيْحَكَ ابْنَ آدَمَ! مَا غَرَّكَ بِي؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْفِتْنَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ؟ مَا غَرَّكَ بِي إِذَ كُنْتَ تَمُرُّ بِي فَدَّادًا – يعني متبخترا -؟ فَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا أَجَابَ عَنْهُ مُجِيبُ الْقَبْرِ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ الْقَبْرُ: إِذَنْ أَعُودُ إِلَيْهِ خَضْرَاءَ، وَيَعُودُ جَسَدُهُ نُورًا، وَيَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (1/281) ، وابن أبى عاصم فى "الآحاد والمثاني" (4/371) ، وأبو يعلى (12/285) والطبرانى (22/377) ، وأبو نعيم فى "الحلية" (6/90)
جميعهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن هيثم بن مالك عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه به.
وهذا سند ضعيف بسبب أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، قال فيه أحمد: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكن كان رديء الحفظ، يحدث بالشىء فَيَهِم، ويكثر ذلك، حتى استحق الترك. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (12/29)
لذلك قال الهيثمى (3/164) : " فيه أبو بكر بن أبى مريم، وفيه ضعف لاختلاطه " انتهى.
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (5/252) : إسناده ضعيف. وقال الذهبي في "العلو" (29) : " هذا حديث غريب، وابن أبي مريم ضعيف من قبل حفظه " انتهى.
الخلاصة:
أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في نداء القبر شيء، والأحاديث التي جاءت بذلك منكرة شديدة الضعف، مع أنه ليس في شيء مما وقفنا عليه منها تقييد ذلك النداء بخمس مرات، إنما فيه مطلق النداء، والله أعلم.
وقد ورد في كلام بعض السلف من المواعظ شيء فيه نداء القبر وخطابه:
فأخرج ابن عبد البر في "التمهيد" (18/145) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال:
" إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا ابن آدم! ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة؟ ألم تعلم أني بيت الحق؟ يا ابن آدم! ما غرك بي؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا – يعني: متبخترا – " انتهى.
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (1/360) : عن بلال بن سعد قال:
" ينادي القبر كل يوم: أنا بيت الغربة، وبيت الدود والوحشة، وأنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة " انتهى.
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/165) وهناد في "الزهد" (209) وأبو نعيم في "الحلية" (3/271) من كلام عبيد بن عمير، وهو من كبار التابعين الثقات، أخرج له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة (68هـ) قال:
" إن القبر ليقول: يا بن آدم! ماذا أعددت لي؟! ألم تعلم أني بيت الغربة، وبيت الوحدة، وبيت الأكلة، وبيت الدود " انتهى.
والذي يظهر أن هذا الكلام ممن قاله من السلف، إنما هو ـ والله أعلم ـ من باب الوعظ والتخويف، وحكاية لسان حال القبر وحال المعرض الغافل، يقصدون به تذكير الناس والتأثير البليغ فيهم، لا أنه ينطق بذلك فعلا، وإن كان ذلك ـ لو ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير مستنكر ولا بعيد.
يقول الحافظ ابن الجوزي في "بستان الواعظين ورياض السامعين" (181) :
" عباد الله! ما من أحد - لا مؤمن ولا فاجر - إلا وقبره يناديه بكرة وعشية: إما بالبشرى والسرور، وإما بالويل والثبور، فمن فكر فيه وفي وحشته، وضيقه وغمته، كان عليه أوسع من الدنيا، وأفرج منها، وأبدله الله خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وجعل القبر خيرا من داره، فأكثروا ذكره في الآناء والأوقات، وأطيعوا جبار الأرضين والسموات، عساه يجعله لكم روضة من رياض الجنات، ويقيكم فيه الذل والحسرات.
فاللهَ اللهَ، جدوا في العمل، فإن القبر أمامكم، والموت يطلبكم، يفرق ما جمعتم، ويخرب ما قد بنيتم بقطع الأنفاس، وينقلكم إلى ضيق اللحود والأرماس، فمن قدم إلى القبر عملا صالحا وجده روضة من رياض الجنان، ومن لم يكن له عمل وجده حفره من حفر النيران، فاستعدوا له يا معشر الأصحاب والإخوان " انتهى.
فينبغي لمن أراد أن يذكر شيئا قريبا من كلامهم ألا ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يحكيه على أنه من لسان حال القبر، وكأن القبر لو قدر له أن ينطق لصاح بهذا الخطاب، وبهذا يتحقق المقصود من الموعظة، ويسلم المرء من إثم التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/246)
التصحيف والتحريف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحديث المصحف والحديث المحرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف:
" هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها " انتهى. " فتح المغيث " (3/72)
وهذا من أحسن التعاريف وأشملها لجميع الصور التي يذكرها العلماء في التصحيف، فإن العلماء أطلقوا التصحيف على العديد من الصور، وهي:
1- تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط: مثاله:
قال الشافعي: " صحف مالك في عمر بن عثمان وإنما هو عمرو بن عثمان، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب " انتهى. " معرفة علوم الحديث " (150)
وقال أحمد: " صحف شعبة (مالك بن عرفطة) إنما هو خالد بن علقمة " انتهى.
"معرفة علوم الحديث" (146)
2- تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط: وهذا أكثر إطلاق المحدثين.
مثاله: تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم، إلى مزاحم بالزاي والحاء.
"تدريب الراوي" (2/648)
3- قلب الاسم: قال الحاكم: " سمعت أبا علي الحافظ يقول: صحف فيه أبو حنيفة، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه (وهو إنما قال عن سبرة بن الربيع) . "معرفة علوم الحديث" (150)
4- إبدال لفظة مكان أخرى: مثاله:
روى الحاكم حديث المُحرِم الذي وقصته دابته وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (ولا تخمروا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ثم قال: " ذكر الوجه تصحيف من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه (ولا تغطوا رأسه) وهو المحفوظ " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (148)
5- إبدال راو بآخر: مثاله:
قال الحاكم: " صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية ولم يتابع عليه، والحديث عن جويرية " انتهى.
"معرفة علوم الحديث" (32)
قال الحافظ العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/298) :
" وقد أطلق من صنف في التصحيف، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه " انتهى.
6- تغيير المعنى.
قال العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/300-301) :
" ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال: ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة، فهم منه تحليق الرؤوس، وإنما المراد تحليق الناس حلقا " انتهى.
والناظر في كتب المحدثين يلحظ ما يلي:
- استعمال لفظة التصحيف أكثر من استعمال لفظة التحريف.
- أنه ليس ثمة فرق بين الاستعمالين، بل هما لفظان مترادفان في استعمال المحدثين ولم يثبت التفريق بينهما في أي من الصور، بل إن الخطابي في كتابه "إصلاح غلط المحدثين" (12) أطلق على جميع أمثلته التي ذكرها في التصحيف – وهي من الصورة الثانية – أطلق عليها لفظ التحريف حيث قال: " وهذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الناس والمحدثين ملحونة ومحرفة " انتهى.
كما أن الناظر في كتب اللغويين يجد أن التصحيف والتحريف ألقاب مترادفة في استعمالهم، وتكفي نظرة سريعة في كتاب "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ وفي كتاب "التنبيه على حدوث التصحيف" لأبي عبد الله حمزة الأصبهاني لإثبات هذه الحقيقة.
وهذه التسوية بين الاستعمالين هي الأقرب إلى أصل المعنى اللغوي لكل من التصحيف والتحريف، فإن التصحيف لغة: الخطأ في الصحيفة (كذا في القاموس 3/217) ، والتحريف لغة: التغيير (كذا في القاموس 3/171) : وذلك يعم كل خطأ وكل تغيير دون تفريق بين صوره.
إلا أن بعض الأئمة اختار الفصل بين الاصطلاحين والتمييز بينهما، وهو الإمام العسكري أبو أحمد الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 382هـ، فقد كتب عدة كتب في التصحيف والتحريف، منها: "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" و "تصحيفات المحدثين"، وكان تفريقه مبنيا على أن التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف، وذلك في كتابه "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" (1/77) حيث ذكر مثالا أخطأ فيه الراوي في قول الشاعر (إذا ما سرى في القوم) فقرأها (سرى بالقوم) فعقب عليه العسكري بقوله: "هذا من التحريف لا من التصحيف " انتهى.
كما أنه في مقدمة "تصحيفات المحدثين" (1/4) قال: " هذا كتاب شرحت فيه من الألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف " انتهى.
وظاهر من هذا التفريق أنه يضيق فيه معنى لفظ التصحيف الذي يستعمله المحدثون، فهم يطلقونه على كل تغيير، والعسكري يقصره على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة.
والذي يبدو أن هذا الفصل بقي محصورا في استعمال الإمام العسكري فقط، دون أن يتعدى إلى غيره من أهل العلم، حتى كان عصر الحافظ ابن حجر في المتأخرين، فحاول ضبط التفريق بين الاصطلاحين، قصدا منه لتسهيل العلم وتحديده، فاختار أن يفرق بينهما بقوله:
" إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف " انتهى. "نزهة النظر" (47)
ولم يكن احافظ ابن حجر متابعا العسكري في هذا التفريق، يظهر ذلك جليا في تغيير (عُبَاد) مثلا إلى (عَبَّاد) ، فهذا التغيير يسميه الحافظ ابن حجر تحريفا، لأن الذي تغير فيه هو الشكل فقط، أما العسكري فإنه يسميه تصحيفا لبقاء صورة الخط.
وتابع الحافظ على اصطلاحه كثير مما جاء بعده، كالسيوطي.
انظر: "تدريب الراوي" (2/195، 386) ، والمناوي في شرح النخبة (2/431) ، والقاري في شرحها أيضاً.
قال: " وابن الصلاح وغيره سمي القسمين محرفاً ولا مشاحة في الاصطلاح، والفرق أدق عند أرباب الفلاح ".
ولم يستعمل الحافظ ابن حجر هذا التفريق في كتاب آخر من كتبه، بل رادف بينهما في كثير من المواضع، فمن ذلك:
ما جاء في "الإصابة" (1/219) في ترجمة جاهمة السلمي قال:
" وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته، قال: عن جهم الأسلمي " انتهى.
وفي موضع آخر من "الإصابة" (1/270) قال:
" صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته، وإنما هو جاهمة السلمي " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/247)
حديث طويل مكذوب في سياق قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا عن صحة الحديث المروي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن جابر في قوله: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً) قال: لما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قال: " يا جبريل نفسي قد نعيت ". قال جبريل عليه السلام: (وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى) ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بـ (الصلاة جامعة) ، فاجتمع المهاجرون والأنصار، ثم صلى بهم عليه الصلاة والسلام، ثم صعد المنبر، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب، وبكت منها العيون، ثم قال: أيها الناس! أي نبي كنت لكم؟ قالوا: جزاك الله من نبي خيراً، كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح الشفيق، أديت رسالات الله عز وجل، وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبياً عن أمته.....، فذكر الحديث بطوله) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث الطويل يرويه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3/58) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/74) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/295)
قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه: عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما به.
قال الهيثمي بعد إيراده هذا الحديث (8/605) :
" رواه الطبراني، وفيه عبد المنعم بن إدريس: وهو كذاب وضاع " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/301) :
" هذا حديث موضوع محال، كافأ الله من وضعه، وقبَّح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد، والكلام الذى لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة.
والمتهم به عبد المنعم بن إدريس: قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب. وقال يحيى: كذاب خبيث. وقال ابن المدينى وأبو داود: ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان." انتهى.
وكذا ذكره في الموضوعات السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/257) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/330) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (324)
وقد احتوى هذا الحديث المكذوب جملا من الأمور:
1- فيه ذكر قصة وفاته صلى الله عليه وسلم واستئذان ملك الموت عليه، وذكر تفاصيل غير ثابتة في تلك الحادثة العظيمة، ومن المعلوم لدى أهل العلم أن قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر المواضيع التي كذب فيها الكذابون، وتناقل الناس فيها أشياء لا تثبت.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) :
" وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها، ونكارة متونها، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم، فكثير منه موضوع لا محالة، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده، والله أعلم " انتهى.
ولم يصح في استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم لقبض روحه أي حديث وأي خبر، وكل ما ورد في ذلك إما منكر أو موضوع، وانظر جواب السؤال رقم (71400)
2- أما قصة طلب عكاشة القصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء ما يشبهها من طريق صحيح؛ لكن فيها أن الذي طلب القصاص هو أسيد بن حضير رضي الله عنه، فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ:
(بَيْنَمَا هُوَ – يعني أسيد بن حضير - يُحَدِّثُ الْقَوْمَ - وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ - بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ. فَقَالَ: أَصْبِرْنِي. فَقَالَ: اصْطَبِرْ. قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ)
رواه أبو داود (5224) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/102) ، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/205) والحاكم في "المستدرك" (3/327) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/76) .
وهذا الحديث سنده صحيح، صححه الحاكم وكذا الذهبي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
جاء في "عون المعبود" (14/90) :
" (فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم) أي ضربه على سبيل المزاح (فقال) أي أسيد (أصبرني) أي: أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي. (اصطبر) أي: استوف القصاص.
(فاحتضنه) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح.
(وجعل يقبل كشحه) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب.
(قال إنما أردت هذا) أي: ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل، وما أردت حقيقة القصاص " انتهى.
3- وفي الحديث جمل منكرة شنيعة:
منها: (فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه) وهل يصلي الله على الناس صلاة الجنازة؟! هذا من شنيع كذب الوضاعين.
ومنها قوله: (فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه. فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: واكرباه. فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل! ما أشد مرارة الموت)
ووجه النكارة أن فيه إشعارا بتسخط النبي صلى الله عليه وسلم وجزعه عند الموت، وحاشاه من ذلك.
ومنها قوله: (فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام) ولا يعرف أن الملائكة تؤم المسلمين وتصلي بهم، إنما هذا من منكر ما يرويه الرواة المتهمون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/248)
حديث موضوع في ذكر سبب تشريع الصلوات الخمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الحديث: روي عن علي رضي الله عنه قال: (بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين، أتى إليه جماعة من اليهود، فقالوا له: يا محمد! إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران، لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سلوا. فقالوا: يا محمد! أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: صلاة الفجر: فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان، ويسجد لها كل كافر من دون الله، فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين، براءة من النار وبراءة النفاق. قالوا: صدقت يا محمد! أما صلاة الظهر: فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة. أما صلاة العصر: فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام من الشجرة، فما مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وأما صلاة المغرب: فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه. وأما صلاة العشاء: فإن للقبر ظلمة، ويوم القيامة ظلمة، فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار، ويعطى نورا يجوز به على الصراط، فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي، ثم تلا قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وجزاكم الله كل خير عنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد النظر والبحث في هذا الحديث تبين أنه مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تصح نسبته إليه بحال من الأحوال، وعلى ذلك مجموعة من الأدلة:
1- لم نجد هذا الحديث في شيء من الكتب المسندة، وإنما يتناقله من يرويه من الناس من غير إسناد، ومن المعلوم من شريعتنا وجوب رد كل حديث لم يذكره علماء الحديث بإسناده الصحيح.
2- ومن أمارات الوضع الظاهرة أننا وقفنا على الحديث مذكورا في كتاب أبي الليث السمرقندي، المتوفى سنة (375هـ) ، واسم كتابه هو "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" في (ص/264-265) وقد نص أهل العلم على أن كتابه هذا هو من مظان الأحاديث المكذوبة والمصنوعة، فقد عدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب "تلخيص الاستغاثة" (1/73) في ضمن المصنِّفين الذين " لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما "، ويقول الإمام الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (16/323) : " وتَرُوج عليه الأحاديث الموضوعة " انتهى.
3- ومن وجوه النكارة فيه أيضا: قوله عن صلاة الظهر بأنها الساعة التي تسعر فيها جهنم، والثابت أن ساعة تسعير جهنم هي قبيل الزوال – قبيل الظهر – فإذا دخل وقت الظهر دخلت ساعة الرحمة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعًا، وَيَقُولُ: إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا)
رواه أحمد (3/411) حسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/6) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3404) ومحققو المسند.
ومنها: مخالفته ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله، وإن كان خالف في ذلك بعض أهل العلم، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله، وقد بوب السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/303) : " باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس، ولم تجمع لأحد، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله " وذكر تحته مجموعة من الأحاديث، منها:
عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال: (أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ)
رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
4- ومن قرائن ضعف الحديث ما فيه من تحديد ساعة أكل آدم من الشجرة، والساعة التي تاب الله فيها عليه، ومثل هذه التفصيلات تشبه ما ترويه الإسرائيليات والأخبار المنقولة عن أهل الكتاب، وذلك يرجح كون الخبر مأخوذا عنها.
فالحاصل أن هذا الخبر كذب لا أصل له، فلا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز تناقله في المواقع والمنتديات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/249)
النوم بعد العصر وحديث (عجبت لمن عام ونام بعد العصر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديت نبوي يقول: (عجبت لمن عام ونام بعد العصر) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يصح في أمر النوم بعد العصر، مدحا أو ذما، حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والحديث الذي يذكره السائل الكريم غير مروي في الكتب المسندة، ولم يذكره أحد من أهل العلم، فهو حديث مكذوب لا أصل له، فلا يجوز اعتقاد صحته، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب.
ثانيا:
ومن الأحاديث المكذوبة المشتهرة على ألسنة الناس في شأن ذم النوم بعد العصر، حديث:
(من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه)
قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/112/حديث رقم 39) :
" ضعيف. أخرجه ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1 / 283) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) وقال: لا يصح، خالد كذاب، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث.
قال السيوطي في " اللآليء " (2 /150) : قال الحاكم وغيره: كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. ومرة قال: عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا. وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه. وقد رواه على وجه ثالث، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211/1) والسهمي في "تاريخ جرجان" (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا. أخرجاه من طريق مروان، قال: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث! مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة..؟ فذكره
قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل!
ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده.
والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12/2 نسخة السفرجلاني) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره، وهو راوي حديث العدس وهو:
(عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا) وهو حديث موضوع " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله.
ثالثا:
أما حكم النوم بعد العصر فقد جاء فيه قولان عن أهل العلم:
الأول: الكراهة، وقد نص عليه كثير من الفقهاء في كتب الفقه، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق، المشار إلى ضعفه، وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية، والتجربة الطبية.
جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه حُمق.
وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر، ويخاف على صاحبه من الوسواس. انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339)
ونقل المروذي قال: سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره للرجل أن ينام بعد العصر، يخاف على عقله.
نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/22)
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) :
" ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب، ويكسل ويضعف الشهوة، إلا في الصيف وقت الهاجرة.
وأردؤه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر.
ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له: قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟
... قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " انتهى.
وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع" (1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين" (355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99)
الثاني: هو الجواز، لأن الأصل هو الإباحة، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الصحيحة، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة، ولا من آراء الناس.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف، إنكاره النهي عن نومة العصر، وقوله لمن سأله: مالك تنام بعد العصر؟ لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا:
" ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب، فهو من أئمة المسلمين، والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولو كانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له: الحديث فيه ضعيف، أجابك على الفور: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!
فتأمل الفرق بين فقه السلف، وعلم الخلف! " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) :
" سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر، هل ذلك صحيح؟
فجاء الجواب:
" النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس، ولا بأس بذلك، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى.
وهذا القول هو الراجح، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع، يعني لما اشتهر عند العرب قديما وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع.
فيرجع في الأمر إلى الطب، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى، كره للمرء أن يضر نفسه، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء.
وانظر جواب السؤال رقم (2063)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/250)
حديث (يا علي! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء) لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي: 1- قراءة القرآن الكريم كله. 2- التصدق بأربعة آلاف درهم. 3- زيارة الكعبة المشرفة. 4- حفظ مكانك في الجنة. 5- إرضاء الخصوم. فقال علي رضي الله عنه وأرضاه: وكيف يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما تعلم يا علي أنك: 1- إذا قرأت (قل هو الله أحد) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله. 2- إذا قرأت (سورة الفاتحة) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة آلاف درهم. 3- إذا قلت (لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) عشر مرات فقد زرت الكعبة المشرفة. 4- إذا قلت (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة. 5- إذا قلت (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم , وأتوب إليه) عشر مرات فقد أرضيت الخصوم. سمعت أن هذا الحديث باطل، وأنا اعتقادي أنه صحيح، وأرجو الإفادة. وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (26/328-330) :
" نشرة تتضمن أحاديث مكذوبة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد أجاب عنها سماحته بتاريخ 25 1 1414 هـ:
فقد اطلعت على نشر ة مصدرة بما نصه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك في الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك: إذا قرأت سورة الإخلاص الآية 1 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة، وإذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم)
ولكون ما تضمنته هذه النشرة لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم..
ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين لما في ذلك من تضليل العامة والتلبيس عليهم والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) صحيح البخاري (1229) , صحيح مسلم مقدمة (4)
وقال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) صحيح مسلم مقدمة (1)
وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم المدونة في كتاب الحديث المعتمدة من الصحاح والسنن والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين، أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.
وقد سبقت الإجابة على هذا الحديث في جواب السؤال رقم (30765) جاء فيها نقلان في تضعيف هذا الحديث: عن الشيخ ابن عثيمين وعن اللجنة الدائمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/251)
أصحاب الكتب الستة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أصحاب الكتب الستة وهل يوجد في كتبهم أحاديث ضعيفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصحاب الكتب الستة هم:
1- الإمام البخاري 2- الإمام مسلم 3- الإمام أبو داود
4- الإمام الترمذي 5 – الإمام النسائي 6 – الإمام ابن ماجه
وإليك تعريفا موجزا بكل واحد منهم:
أولاً: الإمام البخاري
وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَردِزبَة الجعفي البخاري، كان جده المغيرة مولى لليمان الجعفي والي بخارى، فانتسب إليه بعد إسلامه. ولد ببخارى سنة 194 هـ ونشأ يتيما وأخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة ولما شب قام برحلة فقصد مكة وأدى فريضة الحج وبقي في مكة زمنا يتلقى العلم على أئمة الفقه والأصول والحديث, ومن ثَم بدأ يرحل ويتنقل من صقع إسلامي إلى آخر على مدى ست عشرة سنة كاملة , طاف فيها بكثير من حواضر العلم يجمع فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع ما يزيد على 600.000 حديث ورجع إلى ألف محدث وناقشهم فيها وكانوا ممن عُرفوا بالصدق والتقوى وصحة العقيدة , ومن هذه الجملة الكبيرة من الأحاديث انتقى كتابه الصحيح متبعا في بحثه عن صحتها أدق الأساليب العلمية , في البحث والتنقيب وتمييز الصحيح من السقيم، وانتقاء الرواة حتى أودع كتابه أصح الصحيح، ولم يستوعب كل الصحيح. واسماه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) .
وأراد أمير بخارى أن يأتي البخاري إلى بيته ليعلّم أولاده ويُسمعهم الحديث , فامتنع البخاري وأرسل إليه: " في بيته يؤتى العلم" أي أن العلم يؤتى ولا يأتي ومن أراد العلماء فليذهب إليهم في المسجد والبيوت، فحقد عليه وأمر بإخراجه من بخارى , فنزح إلى قرية (خرتنك) القريبة من (سمرقند) وفيها له أقارب , فأقام فيها إلى أن مات سنة 256 هـ عن 62 عاما. رحمه الله رحمة واسعة.
ثانياً: الإمام مسلم
وهو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسين. أحد الأئمة من حفاظ الحديث, ومن أعلام المحدثين , ولد بنيسابور يوم وفاة الإمام الشافعي سنة 204هـ , وطلب العلم في نيسابور ولما شب رحل في طلب الحديث إلى العراق والحجاز, وسمع من شيوخ كثيرين, وروى عنه كثيرون من رجال الحديث. أشهر كتبه: صحيحه المعروف بصحيح مسلم, وهو أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث استغرق في تأليفه ما يقرب من خمس عشرة سنة, وصحيحه يلي صحيح البخاري في المكانة وقوة الأحاديث.وقد شرح صحيحه كثير من العلماء.
ومن كتبه كتاب الطبقات وكتاب الجامع وكتاب الأسماء, وغيره من مطبوع ومخطوط. توفي في مدينة نصر آباد , قرب نيسابور سنة 261 هـ عن 57 عاما. رحمه الله رحمة واسعة.
ثالثاً: الإمام أبو داود
وهو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني, نسبة إلى سجستان. أبو داود. إمام أهل الحديث في عصره. صاحب كتاب السنن في الحديث, وهو أحد الكتب الستة المعتمدة. ولد سنة (202) ورحل إلى بغداد وتفقه بالإمام أحمد بن حنبل ولازمه وكان يشبهه, ورحل إلى الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر والثغور, وروى عنه النسائي والترمذي وغيرهما. كان في الدرجة العليا من النسك والصلاح. جمع في كتابه السنن ما يقرب من (5300) حديث.
وقد طلب منه الأمير أبو أحمد طلحة (الموفق العباسي) أن يلبي له ثلاث خلال: أولها أن ينتقل إلى البصرة فيتخذها وطنا له لترحل إليه طلبة العلم فتعمر البلد به. وثانيها أن يروي لأولاده السنن , وثالثها أن يفرد لأولاده مجلسا خاصا , فإن أولاد الخلفاء لا يجلسون مع العامة. فقال له داود: أما الأولى فنعم والثانية فنعم وأما الثالثة فلا سبيل إليها , لأن الناس في العلم سواء , فكان أولاد الموفق العباسي يحضرون ويجلسون وبينهم وبين العامة ستر. استقر بالبصرة وبها توفي سنة 275 هـ عن 73 سنة. رحمه الله رحمة واسعة.
رابعاً: الإمام الترمذي
وهو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي. أبو عيسى. من أهل (ترمذ) إحدى بلاد ما وراء النهر وإليها نسبته. أحد أئمة الحديث والحفاظ. ولد سنة (209) وتتلمذ على البخاري وشاركه في بعض شيوخه. قام في طلب الأحاديث برحلة إلى خراسان والعراق والحجاز. اشتهر بالحفظ والأمانة والعلم. من شيوخه أحمد ابن حنبل وأبو داود السجستاني. صنف (الجامع) المعدود من كتب الحديث الستة المعتمدة, جمع فيه فنونا من علل الحديث التي تفيد الفقيه , فإنه يذكر الحديث وغالبه في أحكام الفقه , فيذكر أسانيده ويعدد الصحابة الذين رووه ويُصَحِّحُ ما صَح عنده ويُضَعف ما ضُعف , ويبين من أخذ بالحديث من الفقهاء ومن لم يأخذ, فجامعه أجمع السنن وأنفعها للمحدث والفقيه. من تصانيفه أيضا كتاب الشمائل النبوية , والعلل في الحديث. عاش شطرا من حياته الأخيرة ضريرا بعد أن طاف في البلاد يجمع الروايات الصحيحة من أهل التثبت. توفي سنة (279) هـ عن 70 عاما. رحمه الله رحمة واسعة.
خامساً: الإمام النسائي
وهو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي. أبو عبد الرحمن. أصله من مدينة (نسا) بخراسان وإليها نسبته, وينسب إليها (نسوي) و (نسائي) . ولد سنة 215 هـ وكان أحد أعلام الدين،وأركان الحديث إمام أهل عصره ومقدمهم وعمدتهم. وجرحه وتعديله معتبر عند العلماء. قال الحاكم: سمعت أبا الحسن الدارقطني غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث، وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه.
وكان في غاية الورع والتقى، وكان يواظب على أفضل الصيام (صيام داود) فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
سكن بمصر وانتشرت بها تصانيفه، وأخذ عنه الناس ثم انتقل إلى دمشق وتوفي يوم الاثنين الثالث عشر من شهر صفر سنة (300) عن 85 سنة. رحمه الله رحمة واسعة.
سادساً: الإمام ابن ماجه
وهو محمد بن يزيد الربعي القزويني. أبو عبد الله. كان أبوه يزيد يعرف بـ (ماجة) فعرف بابن ماجة. و (الربعي) نسبة لربيعة التي ينتسب إليها بالولاء الحافظ المشهور مصنف كتاب السنن في الحديث ولد في (قزوين) وإليها نسبته. سنة (209) ، وارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتابة الحديث. صنف في رحلته ثلاثة كتب: كتاب في التفسير, وكتاب في التاريخ وفيه دَوَّن أخبار الرجال الذين دونوا السنة من عصر الصحابة إلى عصره وكتاب السنن. توفي ابن ماجة في يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين،عن 64 عاما. رحمه الله رحمة واسعة.
حكم الأحاديث التي في هذه الكتب:
أما صحيحا البخاري ومسلم فقد تلقت الأمة ما جاء فيهما من الأحاديث بالقبول، وأجمعوا على صحة كل ما فيهما إلا ألفاظاً يسيرة جدا أخرجها البخاري ومسلم ليبينوا عِلَّتها إما تصريحا أو تلميحا كما نبه على ذلك العلماء المحققون الدارسون لهذين الكتابين، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأما سائر كتب السنن فإنها لا تخلو من وجود أحاديث ضعيفة في ثناياها،بعضها نبه عليها صاحب الكتاب، وبعضها بيّنها غيره من العلماء، ولم يحرصوا رحمهم الله على بيان جميع الضعيف لأنهم أوردوا الأحاديث بالأسانيد، فيسهل معرفة الصحيح من الضعيف على أهل العلم بمراجعة رجال السند ومعرفة حالهم من الثقة والضعف.
ومن العلماء المشهورين في هذا الشأن أحمد والدارقطني ويحيى بن معين وابن حجر والذهبي والواقي والسخاوي ومن المعاصرين الألباني وأحمد شاكر وغيرهم رحمة الله على الجميع، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(4/252)
الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص، وفيه (يا ودود! يا ذا العرش المجيد!)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها: اقرأه 3 مرات والله يستجيب بإذن الله: (يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي! شأنك بالمال، فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات؟ قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: (يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعَّال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني! ثلاث مرار) قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله.
قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب) .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (64) و" الهواتف " (24) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (5 / 166) وبوَّب عليه: " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق "، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (7 / 379) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف "، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " (6 / 295) -: جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه.
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه:
فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا -.
ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني -.
ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول، وإما ممن دونه، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن، فالسند واهٍ.
فمن الغريب أن يُذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وقال الذهبي في " التجريد " (2 / 204) : له حديث عجيب، لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب " مجابو الدعوة "، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة "، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد: " وليس بصاحب التفسير "؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة، وقد قال في " المغني ": " تركوه، كذَّبه سليمان التيمي، وزائدة، وابن معين، وتركه ابن القطان، وعبد الرحمن ".
ومن الغرائب أيضاً: أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، معلقا إياها على الحسن، ساكتاً عن إسنادها! .
" السلسلة الضعيفة " (5737)
قلت:
وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " (2 / 85، 86 باب الدعاء) القصة بسياق مشابه فقال:
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال: أخبرنا بشر بن عبد الملك قال: حدثنا موسى بن الحجاج قال: قال مالك بن دينار: حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث.
لكنها متابعة غير صالحة، إذ في هذا السند علتان:
الأولى: محمد بن عبد ربه الحضرمي: لم أقف له على ترجمة.
الثانية: بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج: لم أعرفه أيضا، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة:
1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي، روى عن: غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة، وروى عنه: الطبراني.
" تاريخ الإسلام " الذهبي (أحدا سنة 300 هـ) .
2. بشر بن عبد الملك، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة، روى عن: عون بن موسى، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه: أبو حاتم بالبصرة، وروى عنه: أبو زرعة، وسئل عنه فقال: شيخ.
" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2 / 362) .
3. بشر بن عبد الملك العتبي، يروى عن: يحيى بن سعيد الانصاري، روى عنه: أبو سعيد الأشج.
" الثقات " لابن حبان (6 / 97) .
وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث.
إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " (5 / 101) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم (بشران بن عبد الملك) فقال:
وأما بشران: فهو بشران بن عبد الملك، أظنه موصليّاً، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار.
انتهى.
فلعله هو المقصود، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر ".
أما ابن السماك فهو ثقة، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17 / 312) .
وكذا مالك بن دينار (127 هـ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " (10 / 15) .
والخلاصة:
أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن السند لم يصح: فلا ينبغي اعتقاد ذلك، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع: فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/253)
بيان في شأن انتشار الأدعية المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود منكم نصيحة في قضية انتشرت في شبكة الإنترنت، وهي كتابة أحاديث موضوعة وأدعية مبتدعة في المنتديات وغيرها، مما لا نعلم فيها أهي صحيحة أو ضعيفة، مما زاد من تأثر الناس بها، وتداولها، وانتشارها، أيضا في رسائل الجوال. ومن هذا: أنني قرأت في أحدها..دعاء هز السماء: " يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني " وبعدها قرأت بأنه مبتدع ولا يجوز، وأيضا هناك الكثير انتشر ... ماذا علينا أن نعمل إذا قرأنا مثل هذه الأحاديث في زمن كثرت فيه الفتن؟ أرجو منكم إسداء النصيحة لكي أنشرها بين المنتديات، ونحد من مثل هذه الأخطاء. لا تنسوا الدعاء لي بظهر الغيب، وأن يوفقني في دراستي، وأن يفرج همومنا، ويصلح ذرياتنا، ويجعلهم على الهدى ودين الحق، وأن يشفي مرضنا وعامة المسلمين. باركم الله فيكم، ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين، وجزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد رأينا – وللأسف – في السنوات الأخيرة انتشارا خطيرا لمعصية شنيعة، هي من كبائر الذنوب، ومهلكات المعاصي، تهاون بها كثير من الناس، فأفسدوا بذلك في الدين، وتطاولوا على مقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الظاهرة تتمثل في انتشار الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، والجرأة العظيمة في التحديث عنه صلى الله عليه وسلم من غير تَحَرٍّ ولا تَثَبُّت.
ولذلك كان لزاما علينا وعلى كل مسلم غيور على دينه أن نذكر الناس ونبلغهم خطورة ما يتساهلون به، ونحذرهم ما بلغ بهم الحال، نصحية لله ولرسوله ولعامة المسلمين.
فنقول:
أولا:
إن واجبنا – أيها الإخوة الكرام – هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيق محبته بحسن اتباعه، والمحافظة على نقاء شريعته - في زمن تطاول فيه السفهاء والحاقدون على مقامه صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن من أعظم ما يُنصر به الدين، ويُجَلُّ به الرسول الكريم هو الصدق في نقل أقواله وأخباره، ونفي الكذب الذي يحكى على لسانه، فإننا إذ نعلم أن لا أحد يَقبل أن يُحكى على لسانه ما لم يقل، أو ينقل عنه ما لم ينطق به، فما هو الظن برسولٍ يوحى إليه من عند الله تبارك وتعالى، وشريعتُه شريعة خالدة جاءت لتصلح أمر العباد إلى يوم القيامة، لا شك أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الناس كراهية أن يُكذب عليه، ولذلك روى عنه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (رقم/4) وقد بوب الحافظ ابن حبان على حديث أبي هريرة بمعنى هذا الحديث بقوله (فصل: ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته)
ووالله إن المسلم ليعجب حين يجد في الناس من يتوقى جُهدَهُ الوقوعَ في المعاصي الظاهرة، من غش أو غيبة أو سرقة أو زنا، ثم يتساهل في هذا الأمر، يحسبه هينا وهو عند الله عظيم، فتجده يحفظ الأحاديث المكذوبة، ويحكيها في المجالس والمواقع، ولا يتكلف عناء السؤال عنها، ولا يتثبت من صحتها.
ثانيا:
ليعلمْ كل من نشر حديثا من غير تثبت من صحته – سواء برسالة في الجوالات، أو في منتديات (الإنترنت) ، أو نقله من موقع إلى آخر، أو أرفقه في رسالة – أنه يستحق بذلك العذاب والنكال في الآخرة، هو والذي كذب الحديث وصنعه أول مرة، فإن جرم الناقل للكذب من غير تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى – أي: يظن - أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَِيْنَ)
رواه مسلم في مقدمة صحيحه (ص/7) .
وقال النووي في شرح هذا الحديث "شرح مسلم" (1/65) :
" فيه تغليظ الكذبِ والتعرضِ له، وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (32-34) :
" لقد جرى كثير من المؤلفين - ولا سيما في العصر الحاضر - على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها، جهلا منهم بالسنة، أو رغبة، أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها. قال أبو شامة – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص/54) -:
" وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم " اهـ
هذا حكمُ من سكت عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل! فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها!؟
واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين:
1 - إما أن يعرف ضعف تلك لأحاديث ولا ينبه على ضعفها، فهو غاش للمسلمين، وداخل حتما في الوعيد المذكور. قال ابن حبان في كتابه "الضعفاء" (1/7-8) : " في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك، يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم: (من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب. .) ولم يقل: إنه تيقن أنه كذب، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر ".
2 - وإما أن لا يعرف ضعفها، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (رقم/5)
فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن: الأول: الذي افتراه. والآخر: هذا الذي نشره!
قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " اهـ
وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا "
انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله.
ثالثا:
يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق، فيقرؤه (ملايين) البشر، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة.
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي.. قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (6096)
رابعا:
نحن لا نملك – إزاء كل هذا الوعيد – إلا أن نُذَكِّرَ أنفسنا وإخواننا المسلمين بتقوى الله في ديننا وشريعتنا، فلا نكون معاولَ هدم وإفساد، فإن انتشار الأحاديث المكذوبة من أعظم عوامل فساد الدين، وما هلك اليهود والنصارى إلا حين افتروا على الله ورسله الكذب، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم تأت به الرسل، فاستحقوا بذلك غضب الله ومقته.
فهل يريد هؤلاء المتساهلون في نشر الأحاديث من غير تثبت أن يلحقوا بمن غضب الله عليهم ولعنهم؟!
وهل يرضى أحد أن يكون أداة تنشر ما يفسد، وعونا للزنادقة الذين يكذبون على شريعتنا ونبينا؟!!
أم هل يسعى من يقوم بنشر الأحاديث من غير تثبت إلى التشبه بطوائف الكذب والضلال كالرافضة الذين ملؤوا الدنيا بكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته؟!
وهل يعلم هؤلاء أن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم - قد - لا تغني عنهم عند الله شيئا، ولا تدفع عنهم عار ذلك الكذب وإثمه، إن هم شاركوا في نشر هذه الأحاديث الباطلة؟!
فرب معصية يتهاون بها صاحبها تهوي به في النار وتكون سببا في شقائه.
يقول أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي:
" قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: مبتدعة الاسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين؛ لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهو شر على الإسلام من غير الملابسين له " انتهى.
نقلا عن "الموضوعات" لابن الجوزي (1/51)
خامسا:
وبعد ذلك كله يأتيك من يعتذر عن إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول: الأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال.
ألا فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان، ومن الجهل المركب، يعتدي به قائله، ويتحمل به وزرا على وزر، فإن هذه القاعدة التي يذكرها بعض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط عدة، ليت من يأخذ بها يلتزم هذه الشروط، وهي:
1- أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل في الشريعة، وليس بالعقائد أو الأحكام أو الأخبار التي ينبني عليها فقه وعمل، بل وليس بفضائل الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة.
2- ألا يكون شديد الضعف: فالحديث الموضوع والمنكر لا يجوز روايته ولا العمل به باتفاق أهل العلم.
3- ألا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
4- أن يصرح من ينقل هذا الحديث بضعفه، أو يشير إلى ضعفه باستعمال صيغة التمريض: يُروَى، ويُذكَرُ..ونحو ذلك.
(هذه الشروط مستخلصة من كلام الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (3-4) ونقل بعضها عن العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد)
وانظر حول العمل بالحديث الضعيف جواب السؤالين (44877) و (49675) .
إذن، لم يقصد أهل العلم القائلون بهذه القاعدة تجويز ما يقوم به هؤلاء الذين ينشرون في المنتديات كل حديث وكل رواية، صحيحة أو مكذوبة أو ضعيفة.
يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (36) :
" ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء - فضلا عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى.
سادسا:
إذا تاب العبد من نشر الأحاديث المكذوبة، أو علم حرمة ما قام به بعد أن كان جاهلا بالحكم، فباب التوبة مفتوح، ولكنه مشروط بالبيان بعد الكتمان، والإصلاح بعد الإفساد.
يقول الله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/160
لذلك ينبغي على كل مسلم أن ينشر الأحاديث الصحيحة بدلا من المكذوبة الموضوعة، وكُتبُ السنة الصحيحة مليئةٌ - بفضل الله - بالأحاديث الثابتة التي لو قضى المرء عمره في حفظها وفهمها ما كاد يحيط بها، ويكفيه في ذلك أن يجد عالما من علماء الحديث قد حكم على الحديث بالصحة والقبول، فيقبله منه وينشر الحديث مع حكم ذلك العالم عليه.
وأما من كان وقع في نشر الأحاديث الواهية فعليه أن ينشر بيانات العلماء في حكمها، وفي موقعنا العديد من الإجابات على أحاديث ضعيفة منتشرة في المنتديات، يمكنه الاستفادة منها.
ومن ذلك الحديث المذكور في السؤال، فقد سبق بيان ضعفه في جواب السؤال رقم (98821)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/254)
أحاديث مكذوبة عن الخطاط والخياط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديثين التالين: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الخطَّاطون والخيَّاطون يأكلون من أعماق عيونهم) وقال كذلك صلى الله عليه وسلم: (عليكم بحسن الخط، فإنه من مفاتيح الرزق) وكذلك ما معنى الحديث الأول؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما الحديث الأول: فلم نجده في كتب الحديث المعتمدة، ولم نقف له على سند أو أثر أو معنى قريب منه، ويبدو أنه من وضع العامة الذين ينسبون كل شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يراعون في ذلك الوعيد الذي جاء لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم.
وهو قد يكون صحيح المعنى، فإن الخَطَّ والخياطةَ حِرفٌ ومهن تعتمد على دقة النظر، وتحتاج إلى استعمال بالغ للعين، لذلك كان رزق الخطاط والخياط مستخرجا من عصب عينه التي يعتمد عليها.
إلا أن صحة المعنى لا تجيز لأحد أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، وقد نسب الوضاعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الكلام، وخاصة في أبواب الحرَف والمهن؛ كي يروجوا لما يصنعون ويفتخروا بما يحسنون، حتى عقد الإمام ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 251) باباً في الخياطة، ذكر فيه بعض الأحاديث المكذوبة في هذا الشأن.
ثانياً:
أما حديث (عليكم بحسن الخط؛ فإنه مفاتيح الرزق) : فهو حديث مكذوب موضوع أيضا، ليس له أصل في كتب الحديث المسندة، ذكره الصغاني في " الموضوعات " (39) ، والفتني في " تذكرة الموضوعات " (135) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " (2 / 71) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " (147) .
والركة ظاهرة في أسلوب الحديثين، لا يبدو عليهما علامات الحكمة أو نور الهداية، ولا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيما اعتدناه من حديثه.
يقول ابن القيم في علامات الحديث الموضوع:
أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء، فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى، كما قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) أي: وما نطقه إلا وحي يوحى، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي، بل لا يشبه كلام الصحابة: كحديث: (ثلاثة تزيد في البصر: النظر إلى الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن) .
" المنار المنيف " (ص 61، 62) .
ثم ذكر من علاماته أيضا:
" ركاكة ألفاظ الحديث، وسماجتها، بحيث يمجها السمع، ويدفعها الطبع، ويسمج معناها للفطن: كحديث: (أربع لا تشبع من أربع: أنثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر) .
" المنار المنيف " (ص 99) .
ثالثاً:
مع ما ذكرناه من بطلان نسبة الحديثين المذكورين إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإننا نجد في كلام أهل العلم والأدب شيئا يدل على استحبابهم تحسين الخط، واعتبارهم حسن الخط من رفيع الأدب وجميل الخلق والذوق، وأنقل هنا شيئا من هذا الكلام:
يقول الماوردي – رحمه الله -:
ولما كان الخط بهذا الحال وجب على من أراد حفظ العلم أن يعبأ بأمرين:
أحدهما: تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها.
والثاني: ضبط ما اشتبه منها بالنقط والأشكال المميزة لها.
ثم ما زاد على هذين، من تحسين الخط، وملاحة نظمه: فإنما هو زيادة حذق بصنعته، وليس بشرط في صحته.
وقد قال علي بن عبيدة: حُسن الخط لسان اليد، وبهجة الضمير، وقال أبو العباس المبرِّد: رداءة الخط زمانة الأدب، وقال عبد الحميد: البيان في اللسان، والخط في البنان، وأنشدني بعض أهل العلم لأحد شعراء البصرة:
اعذُر أخاك على نذالة خطه واغفر نذالته لجودة ضبطه
فإذا أبان عن المعاني لم يكن تحسينه إلا زيادةَ شرطه
واعلم بأن الخط ليس يراد من تركيبه إلا تبيُّن سِمطه
ومحل ما زاد على الخط المفهوم، من تصحيح الحروف، وحسن الصورة: محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ، وصحة الإعراب، ولذلك قالت العرب: " حُسن الخط أحد الفصاحتين "، وكما أنه لا يعذر من أراد التقدم في الكلام أن يطرح الفصاحة والإعراب وإن فَهم وأَفهم، كذلك لا يُعذر مَن أراد التقدم في الخط أن يَطرح تصحيح الحروف، وتحسين الصورة، وإن فَهم، وأَفهم، وربما تقدم بالخط مَن كان الخطُّ مِن جُلِّ فضائله، وأشرف خصائله، حتى صار عالماً مشهوراً، وسيِّدا مذكوراً، غير أن العلماء اطَّرحوا صرف الهمة إلى تحسين الخط؛ لأنه يشغلهم عن العلم، ويقطعهم عن التوفر عليه، ولذلك تجد خطوط العلماء في الأغلب رديئة لا يخط إلا من أسعده القضاء، وقد قال الفضل بن سهل: مِن سعادة المرء: أن يكون رديء الخط؛ لأن الزمان الذي يفنيه بالكتابة يشغله بالحفظ والنظر، وليست رداءة الخط هي السعادة، وإنما السعادة أن لا يكون له صارفٌ عن العلم، وعادة ذي الخط الحسن أن يتشاغل بتحسين خطه عن العلم، فمِن هذا الوجه صار برداءة خطِّه سعيداً، وإن لم تكن رداءة الخط سعادة.
" أدب الدنيا والدين " (ص 47، 48) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(4/255)
أحاديث ذم العزوبة كلها باطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شرح وتفسير هذه الأحاديث النبوية، وهل هي صحيحة؟ روي عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال: 1- (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) 2- (النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني) 3- (أراذل موتاكم العزاب) بارك الله فيكم , مع خالص الشكر والتحية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت في السنة النبوية الصحيحة الحث على الزواج والترغيب في النكاح، وجاءت بذلك شواهد الكتاب والسنة المتكاثرة، وذلك لما في الزواج من فضيلة ظاهرة ومحاسن كثيرة، وقد سبق في موقعنا بيان الكثير من ذلك بالشرح والتفصيل:
فانظر مثلا أرقام الإجابات الآتية: (5511) ، (34652)
ومن الأحاديث التي تحث على الزواج ما جاء في الصحيحين: البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
(جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا.
وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ.
وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا!! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)
لكن لا يصلح هذا الحديث أن يكون دليلا على ذم العزوبة وترك الزواج مطلقا، إلا إذا ترك الزواج رهبانية وتقربا إلى الله بهذا الترك، وظنا أن العزَب أفضل من المتزوج، فحينئذ يشمله هذا الحديث، ويكون ممن تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (9/105-106) :
" المراد بـ "السنة" الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وَفَوْهُ بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.
وقوله: (فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى " فليس مني " أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة.
وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى (فليس مني) : ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.
وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه " انتهى.
إذن فليس في الحديث دلالة على ذم العزوبة بالإطلاق، خاصة إذا كانت نتيجةَ ظروف أو عدم رغبة في النكاح أو مرض أو نحو ذلك من الأعذار، وكيف تأتي الشريعة بذم من لا يستحق الذم، ومن كان قَدَرُه ألا يجتمع بزوجة يأنس إليها وتأنس إليه!!
والغريب أن بعض الكذابين أرادوا أن يناقضوا أولئك الذين يذمون العزوبة مطلقا، فوضعوا من الأحاديث في مدح العزوبة، وكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا، حتى قال ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/177) : " أحاديث مدح العزوبة كلها باطلة " انتهى.
من هنا تعلم أنه لا يصح حديث في ذم العزوبة ولا في مدحها، وكل حديث فيه ذم للعَزَب وتنقيصٌ لقدره فهو حديثٌ باطلٌ أو منكر، فقد جمع العلماء هذه الأحاديث ودرسوها فلم يجدوا فيها شيئا صحيحا ثابتا.
يقول الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" (135) بعد أن ذكر شيئا من أحاديث ذم العزوبة:
" إلى غيرهما من الأحاديث التي لا تخلو من ضعف واضطراب، ولكنه لا يبلغ الحكم عليه بالوضع " انتهى. وبمثله قال الفتني في "تذكرة الموضوعات" (125)
ثانيا:
أما حديث: (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) وحديث (أراذل موتاكم العزاب) .
فقد جاءا في حديث عُكاف بن وداعة الهلالي من طرق كلها ضعيفة، قال فيها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/536) بعد أن ذكرها في ترجمته: " والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " انتهى. وقال في "تعجيل المنفعة" (2/20) : " لا يخلو طريق من طرقه من ضعف " انتهى.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/609) :
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قالوا لا يصح من هذا شيء " انتهى.
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة": " والأسانيد فيه كلها ضعيفة " انتهى.
وحكم عليه الشيخ الألباني بالنكارة في "السلسلة الضعيفة" (2511) (6053)
وطرقه مضطرب، تجتمع عند مكحول الدمشقي الثقة فقيه أهل الشام "تهذيب التهذيب" (10/292) إلا أن الضعف في الطريق الموصلة إليه، أو في الشيخ الذي أخذ عنه:
1- فقد جاء من طرق عن بُرد بن سنان – وهو ثقة – عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي، ولفظه:
(أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عكاف! ألك امرأة؟ قال: لا. قال: فجارية؟ قال: لا. قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم. قال: فأنت إذا من إخوان الشياطين، إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فإن من سنتنا النكاح، يا ابن وداعة! إن شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، يا بن وداعة! إن المتزوجين المبرءون من الخنا، أبا الشيطان تمرسون، والذي نفسي بيده ما للشيطان سلاح أبلغ - وقال بعضهم أنفذ - في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح، يا ابن وداعة! إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف، قال: بأبي وأمي يا رسول الله وما كرسف؟ قال: رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام - وقال بعضهم ثلاثمائة عام - يقوم الليل ويصوم النهار، فمرت به امرأة فأعجبته فتنها، وترك عبادة ربه وكفر بالله، وتدارك الله عز وجل بما سلف فتاب عليه، قال: بأبي وأمي يا رسول الله زوجني؟ قال: زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية)
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) وابن قانع في "معجم الصحابة" (1274)
وعلة هذه الرواية عطية بن بسر، قال العقيلي: لا يتابع عليه. ثم أسند إلى البخاري قوله: عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة لم يقم حديثه. وقال ابن حبان في "الثقات" (5/261) : " عطية بن بسر، شيخ من أهل الشام، حديثه عند أهلها، روى عنه مكحول في التزويج متنا منكرا، وإسناده مقلوب " انتهى.
2- وجاء من طريق محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر فذكر نحوه، ولكن في لفظه: (تزوج وإلا فأنت من المذبذبين)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/171/10387) ، وعنه أحمد (5/163) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118)
وعلة هذه الطريق جهالة شيخ مكحول، ولعله هو عطية بن بسر الهلالي المذكور في الرواية السابقة. أما محمد بن راشد فكلام الأئمة على توثيقه. "تهذيب التهذيب" (9/160)
3- من طريق معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني.
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4/195) وأبو يعلى في "مسنده" (12/260) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص201) وابن حبان في "المجروحين" (3/3) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/85 - 86) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/381) وابن الأثير في "أسد الغابة" (4/43)
وهو عند أبي نعيم في "معجم الصحابة" (4961) بشكل مختلف، ولكن العلة واحدة وهي في معاوية بن يحيى الصدفي، جاء في "تهذيب التهذيب" (10/220)
قال ابن معين: هالك ليس بشىء. وقال أبو زرعة: ليس بقوى، أحاديثه كأنها مقلوبة.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، فى حديثه إنكار. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائى: ضعيف. وقال أبو أحمد بن عدى: عامة رواياته فيها نظر.
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/335) : فيه معاوية بن يحيى منكر الحديث جدا، تغير حفظه فكان يحدث بالوهم فيما سمع " انتهى.
وكذا أعله الدارقطني في "التعليقات على المجروحين" (255) والزيلعي في "تخريج الكشاف" (2/439) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/253)
والحاصل أن طرق هذا الحديث كلها ساقطة واهية، ولا يقوي بعضها بعضا لما فيها من النكارة والاضطراب، والمتن منكر كما سبق بيانه.
ثالثا:
أما حديث (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) فلفظه، كما رواه ابن ماجه (1846) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ)
وفي إسناده عيسى بن ميمون، وهو ضعيف؛ قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. انظر: ميزان الاعتدال (4/245-246) .
ولأجل ذلك قال البوصيري في تخريج حديث عائشة السابق: " إِسْنَاده ضَعِيف لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ضَعْف عِيسَى بْن مَيْمُون الْمَدِينِيّ، لَكِنْ لَهُ شَاهِد صَحِيح. " اهـ
وانظر السلسلة الصحيحة (2383) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/256)
هل صح في عدد الأنبياء والرسل شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث صحيح يوضح عدد الأنبياء والرسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أرسل الله تعالى رسلاً إلى كل أمةٍ من الأمم، وقد ذكر الله تعالى أنهم متتابعون، الرسول يتبعه الرسول، قال عز وجل: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) المؤمنون/44، وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر/24.
وقد سمَّى الله تعالى مِن أولئك الرسل مَن سمَّى، وأخبر بقصص بعضهم، دون الكثير منهم، قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) النساء/163-164.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم.
وقوله: (وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي: خلقاً آخرين لم يذكروا في القرآن.
" تفسير ابن كثير " (2 / 469) .
ثانياً:
قد اختلف أهل العلم في عدد الأنبياء والمرسلين، وذلك بحسب ما ثبت عندهم من الأحاديث الوارد فيها ذِكر عددهم، فمن حسَّنها أو صححها فقد قال بمقتضاها، ومن ضعَّفها فقد قال بأن العدد لا يُعرف إلا بالوحي فيُتوقف في إثبات العدد.
الأحاديث الواردة في ذِكر العدد:
1. عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًاً) ، قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير) ، قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: (آدم) ... .
رواه ابن حبان (361) .
والحديث ضعيف جدّاً، فيه إبراهيم بن هشام الغسَّاني، قال الذهبي عنه: متروك، بل قال أبو حاتم: كذّاب، ومن هنا فقد حكم ابن الجوزي على الحديث بأنه موضوع مكذوب.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه: " الأنواع والتقاسيم "، وقد وَسَمَه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات "، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث.
" تفسير ابن كثير " (2 / 470) .
وقال شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف جدّاً – وذكر كلام العلماء في إبراهيم بن هشام -.
" تحقيق صحيح ابن حبان " (2 / 79) .
2. وروي الحديث بذلك العدد – مائة وأربعة وعشرون ألفاً – من وجه آخر:
عن أبي أُمَامة قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غَفِيراً) .
رواه ابن حاتم في " تفسيره " (963) .
قال ابن كثير – رحمه الله -:
مُعَان بن رفاعة السَّلامي: ضعيف، وعلي بن يزيد: ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن: ضعيفٌ أيضاً.
" تفسير ابن كثير " (2 / 470) .
3. وروي حديث أبي ذر رضي الله عنه من وجه آخر، وليس فيه ذكر عدد الأنبياء، وإنما ذُكر عدد المرسلين:
قال: قلت: يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: (ثلاث مئة وبضعة عشر جمّاً غفيراً) .
رواه أحمد (35 / 431) .
وفي رواية أخرى (35 / 438) : (ثلاثمئة وخمسة عشر جمّاً غفيراً) .
قال شعيب الأرناؤط:
إسناده ضعيف جدّاً؛ لجهالة عبيد بن الخشخاش؛ ولضعف أبي عمر الدمشقي، وقال الدارقطني: المسعودي عن أبي عمر الدمشقي: متروك.
المسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة.
" تحقيق مسند أحمد " (35 / 432) .
4. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث الله ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس) .
رواه أبو يعلى في " مسنده " (7 / 160) .
والحديث: ضعيف جدّاً.
قال الهيثمي – رحمه الله -:
رواه أبو يعلي وفيه: موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف جدّاً.
" مجمع الزوائد " (8 / 210) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
وهذا أيضاً إسناد ضعيف؛ فيه الربذي: ضعيف، وشيخه الرَّقَاشي: أضعف منه أيضاً.
" تفسير ابن كثير " (2 / 470) .
5. عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ، قَالَ: قَالَ لِى أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ يُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّى خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍ، أَوْ أَكْثَرُ، مَا بُعِثَ نَبِىٌّ يُتَّبَعُ، إِلاَّ قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ... ) .
رواه أحمد (18 / 275) .
والحديث ضعيف؛ لضعف مجالد بن سعيد.
قال الهيثمي – رحمه الله -:
رواه أحمد، وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس بالقوى، وضعفه جماعة.
" مجمع الزوائد " (7 / 346) .
وضعَّفه الأرناؤط في " تحقيق المسند " (18 / 276) .
6. وروي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
رواه البزار في " مسنده " (3380) " كشف الأستار ".
وفيه مجالد بن سعيد، وسبق أنه ضعيف.
قال الهيثمي – رحمه الله -:
رواه البزار، وفيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الجمهور، فيه ثوثيق.
" مجمع الزوائد " (7 / 347) .
وبما سبق من الأحاديث – ويوجد غيرها تركناها خشية التطويل وكلها ضعيفة – يتبين أنه قد اختلفت الروايات بذكر عدد الأنبياء والمرسلين، فقال كل قوم بمقتضى ما صحَّ عنده، والأشهر فيما سبق هو حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم: ثلاثمائة وخمسة عشر، حتى قال بعض العلماء: إن عدد الأنبياء كعدد أصحاب النبي صلى اللهُ عليْه وسلَّم، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر.
لكن بالنظر في أسانيد تلك الروايات: لا يتبين لنا صحة تلك الأحاديث لا بمفردها، ولا بمجموع طرقها.
ثالثاً:
وهذه أقوال بعض الأئمة الذين يقولون بعدم صحة تلك الأحاديث وما تحويها من عدد:
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وهذا الذي ذكره أحمد، وذكره محمد بن نصر، وغيرهما، يبين أنهم لم يعلموا عدد الكتب والرسل، وأن حديث أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم.
" مجموع الفتاوى " (7 / 409) .
ففي هذا النقل عن الإمامين أحمد بن حنبل، ومحمد بن نصر المروزي: بيان تضعيف الأحاديث الواردة في ذكر العدد، والظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يؤيدهم في ذلك، وقد أشار إلى حديث أبي ذر بصيغة التضعيف فقال: " وقد روي في حديث أبي ذر أن عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر "، ولم يستدل به، بل استدل بالآيات الدالة على كثرتهم.
2. وقال ابن عطية – رحمه الله – في تفسير آية النساء -:
وقوله تعالى: (ورسلاً لم نقصصهم عليك) النساء/164: يقتضي كثرة الأنبياء، دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) فاطر/24، وقال تعالى: (وقروناً بين ذلك كثيراً) الفرقان/38، وما يُذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم. انتهى
3. وسئل علماء اللجنة الدائمة:
كم عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟ .
فأجابوا:
لا يعلم عددهم إلا الله؛ لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر/78، والمعروف منهم من ذكروا في القرآن أو صحت بخبره السنَّة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 256) .
4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
وجاء في حديث أبي ذر عند أبي حاتم بن حبان وغيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرسل وعن الأنبياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي رواية أبي أمامة: ثلاثمائة وخمسة عشر، ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضا، كما ذكرنا آنفا، وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام ألف نبي فأكثر، وفي بعضها أن الأنبياء ثلاثة آلاف وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، بل عد ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات. والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جم غفير، قص الله علينا أخبار بعضهم ولم يقص علينا أخبار البعض الآخر، لحكمته البالغة جل وعلا.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 66، 67) .
5.وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
كم عدد الأنبياء والمرسلين؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم (لجهلنا بهم) يعتبر كفراً؟ وكم عدد الكتب السماوية المنزلة؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر؟ ولماذ؟.
فأجاب:
ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل منهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي، والأحاديث في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير " تفسير القرآن العظيم "، في آخر سورة النساء على قوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ، ولكن الأحاديث في الباب لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف، والواجب على المسلم الإيمان بمن سمَّى الله ورسوله منهم بالتفصيل، والإيمان بالبقية إجمالاً؛ فقد ذم الله اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان، ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه.
فأما عدد الكتب: فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة كتب، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة، ولكن الله أعلم بصحة ذلك، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً.
" فتاوى إسلامية " (1 / 41) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/257)
هل من فضل أو ميزة لمجيء عرفة يوم الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن لو عرفة كان يوم جمعة فصادف صلاة الجمعة تعادل 7 حجات؟ . وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نعلم حديثاً أنه إن وافق عرفة يوم الجمعة أنه تكون الحجة في ذلك العام تعدل سبع حجات، بل الوارد " سبعون حجة " و " اثنتان وسبعون حجة " لكنهما لا يصحان بحال!
أما الأول فقد ورد متنه في حديث، لكنه باطل لا يصح، وأما الثاني فلم نقف له على سند ولا متن، فهو لا أصل له.
ونص الحديث الوارد:
" أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة ".
وقد حكم عليه الأئمة ببطلانه، وعدم صحته:
1. قال ابن القيم – رحمه الله -:
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم.
" زاد المعاد " (1 / 65) .
2. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في " السلسلة الضعيفة " (207) - بعد أن حكم على الحديث بأنه باطل لا أصل له -:
وأما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " (2 / 348) : رواه رزين ابن معاوية في " تجريد الصحاح " -: فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: الصحيحين، وموطأ مالك، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب "، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه لا أصل له في هذه الكتب، ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " (1 / 17) ببطلانه، فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين.
وأقره المناوي في " فيض القدير " (2 / 28) ثم ابن عابدين في " الحاشية ".
انتهى
وفي " السلسلة الضعيفة " (1193) قال – رحمه الله -:
قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " (ق 105/2) :
" ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر صحابيه، ولا مَن خرَّجه، والله أعلم ".
انتهى
وفي " السلسة الضعيفة " (3144) قال – رحمه الله -:
قال الحافظ في " الفتح " (8 / 204) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً: " لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه ".
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة ":
" حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش: أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ". انتهى
3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كون الحج حج الجمعة؟ .
فأجاب:
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجمعة إذا صادف يوم عرفة، لكن العلماء يقولون: إن مصادفته ليوم الجمعة فيه خير.
أولاً: لتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادف وقوفه بعرفة يوم الجمعة.
ثانياً: أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياها، فيكون ذلك أقرب للإجابة.
ثالثاً: أن يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد، فإذا اتفق العيدان كان في ذلك خير.
وأما ما اشتهر من أن حجة الجمعة تعادل سبعين حجة: فهذا غير صحيح.
" اللقاء الشهري " (34 / السؤال رقم 18) .
4. وسئل علماء اللجنة الدائمة:
يقول بعض الناس: إن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة كهذا العام يكون كمن أدى سبع حجات، هل هناك دليل من السنة في ذلك؟ .
فأجابوا:
ليس في ذلك دليل صحيح، وقد زعم بعض الناس: أنها تعدل سبعين حجة، أو اثنتين وسبعين حجة، وليس بصحيحٍ أيضاً.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 210، 211) .
وانظر: " فتح الباري " (8 / 271) ، " تحفة الأحوذي " (4 / 27) .
ثانياً:
هذا، ولعله من أسباب انتشار هذا الأمر بين الناس أنه ذُكر في كتب الحنفية والشافعية.
قال الحنفية:
لوقفة الجمعة مزية سبعين حجة، ويغفر فيها لكل فرد بلا واسطة.
وقالوا:
أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة.
" رد المحتار على الدر المختار " (2 / 621) .
وقال الشافعية:
وقيل: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة: غَفر الله تعالى لكل أهل الموقف، أي: بلا واسطة، وغير يوم الجمعة بواسطة، أي: يهب مسيئهم لمحسنهم.
" مغني المحتاج " (1 / 497) .
ثالثاً:
ولا يعني بطلان الحديث أنه ليس لوقوف عرفة يوم الجمعة مزية، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله عشر مزايا لذلك، ونوردها لعظَم فائدتها.
قال – رحمه الله -:
والصواب: أن يوم الجمعة أفضل أيام السبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة:
أحدها: اجتماع اليومين اللذيْن هما أفضل الأيام.
الثاني: أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع.
الثالث: موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة، وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه.
الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفة صومه ... .
قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار؛ فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم، والمقصود: أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة: فقد اتفق عيدان معاً.
السادس: أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3، فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، يوم جمعة، ونحن واقفون معه بعرفة.
السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقف الأعظم يوم القيامة؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه) ...
الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمرٌ قد استقر عندهم، وعلِموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره.
التاسع: أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ... وهو يوم جمعة، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره.
العاشر: أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة ... .
فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها.
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم.
" زاد المعاد " (1 / 60 – 65) باختصار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/258)
حديث ضعيف في فضل قيام ليلة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث الوارد في قيام ليلة العيد صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن ماجه (1782) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) .
وهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في "الأذكار":
وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف انتهى.
وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: إسناده ضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر: "الفتوحات الربانية" (4/235) .
وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه وقال: موضوع.
وذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (521) وقال: ضعيف جدا.
والحديث رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) .
وهو ضعيف أيضاً.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره، ولكن ضعفه جماعة كثيرة. والله أعلم.
وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (520) وقال: موضوع.
وقال النووي في المجموع:
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا , وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ , وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وليس معنى ذلك أن ليلة العيد لا يستحب قيامها، بل قيام الليل مشروع كل ليلة، ولهذا اتفق العلماء على استحباب قيام ليلة العيد، كما نقله في "الموسوعة الفقيهة" (2/235) ، إنما المقصود أن الحديث الوارد في فضل قيامها ضعيف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/259)
تمثل العمل الصالح رجلا في القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: (عند موت الإنسان وأثناء انشغال أقربائه بمناسكِه الجنائزيةِ، يقفُ رجلٌ وسيمُ جداً بجوار رأس الميت. وعند تكفين الجثّة، يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ. وبعد الدفنِ، يَعُودَ الناس إلى بيوتهم، ويأتي القبرِ ملكان مُنكرٌ ونكير، ويُحاولانَ أَنْ يَفْصلاَ هذا الرجلِ الوسيم عن الميتِ لكي يَكُونا قادرين على سؤال الرجلِ الميتِ في خصوصية حول إيمانِه. لكن يَقُولُ الرجل الوسيم: " هو رفيقُي، هو صديقُي. أنا لَنْ أَتْركَه بدون تدخّل في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ. إذا كنتم معنينَّن لسؤالهِ، فاعمَلوا بما تؤمرونَ، أما أنا فلا أَستطيعُ تَرْكه حتى أدخلهْ إلى الجنة ِ". ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: " أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرؤُه بصوتٍ عالٍ أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. وعندما ينتهى السؤال، يُرتّبُ الرجل الوسيم والملائكة فراش من الحرير مُلئ بالمسكِ للميت في الجنة) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم، بالرجل الحسن في القبر ما يلي:
1- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ... إلى أن قال – في وصف حال المؤمن في القبر -:
فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ.
قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي)
رواه أحمد (4/362) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (156)
2- عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول:
(َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا)
رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829)
يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) :
" (كالرجل الشاحب) قال السيوطي: هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة." انتهى.
ولم أقف على شيء من السنة الصحيحة في تمثل العمل الصالح رجلا في القبر إلا هذين الحديثين.
أما الحديث الذي ذكرته – أخي السائل الكريم – فلم يرد في كتب السنة المعتمدة، ولم نقف له على إسناد صحيح ولا ضعيف، بل هو مما ينتشر في بعض المنتديات والمواقع من غير تحرٍّ ولا تثبت، ولعل بعض الجهلة من الناس كتبه من قبل نفسه ثم عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحث الناس على الاهتمام بالقرآن والعناية به، ولم يدر هؤلاء أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها في نار جهنم، وأن النية الحسنة لا ترفع الإثم عن هؤلاء الذين يكذبون ويضعون الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (4)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/260)
هل ورد في فضل سورة "طه" حديث صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن فضل قراءة سورة طه، وأيضا عن فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات متواصلة لفترة معينة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
صح في فضائل سورة (طه) الأحاديث الآتية:
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ: (هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي)
رواه البخاري (4994)
قال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/476) :
" (العِتاق) : جمع عتيق، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا، يريد تفضيل هذه السور لما تضمنت من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم، و (التِّلاد) : ما كان قديما من المال، يريد أنها من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية، وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/388) :
" (مِنَ العِتَاقِ) جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وقوله (هُنَّ مِن تِلَادِي) أي: مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك، وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم " انتهى.
2- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ ")
رواه ابن ماجه (3856) والحاكم (1/686) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (746) وقال رحمه الله:
" قول القاسم بن عبد الرحمن (الراوي عن أبي أمامة) أن الاسم الأعظم في آية (وعنت الوجوه للحي القيوم) من سورة (طه) لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة (إني أنا الله لا إله إلا أنا..) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "الفتح" (11/225) ، و "صحيح أبي داود" (1341) " انتهى.
ثانيا:
جاء في فضائل سورة طه أحاديث ضعيفة واهية، أذكرها هنا للتنبيه عليها، ولتحذير الناس منها:
1- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا)
رواه الدارمي (2/547) وقال المحقق: إسناده ضعيف جدا، عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد: تركنا حديثه وحرقناه. وفي "المعجم الأوسط" (5/133) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/208) : هذا متن موضوع. وكذا قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/110) ، وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/271) : فيه نكارة. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1248) : منكر. وانظر "الكامل" (1/216) ، و "لسان الميزان" (1/114)
2- عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اعملوا بالقرآن، أحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي كَيْمَا يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم، ولْيَسَعكم القرآن وما فيه من البيان؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت " طه " و " طواسين " و " الحواميم " من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش)
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/757) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والطبراني في "المعجم الكبير" (20/225) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2826) وابن حبان في "المجروحين" (2/65)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه:
(يا رب " طه " و " يس " ويا رب القرآن العظيم)
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (5/173-174) :
" لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
4- (من قرأ " طه " أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار)
ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضائل سورة طه، وهو من الأحاديث الموضوعة.
انظر "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/178)
وأما ما سألت عنه من فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات فلم أجده في كتب السنة، بل لم أجده حتى في كتب الموضوعات، ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي التنبه والحذر، والحرص على العمل بالصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الضعيف والموضوع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/261)
ما صحة حديث (بشر الزاني بالفقر) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث القائل: (بشر الزانى والزانية بالفقر ولو بعد حين) ؟ وإذا كان حديثا صحيحا أرجو تفسيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
الحديث بلفظه المذكور ليس له أصل؛ إذ لم يروه أحد من أصحاب الحديث، ولا هو موجود في شيء من كتب السنة المعتمدة.
يقول العجلوني في "كشف الخفاء" (1/286) :
" (بشر القاتل بالقتل) قال في المقاصد: لا أعرفه، والمشهور على الألسنة بزيادة:
(والزاني بالفقر ولو بعد حين) ولا صحة لها أيضا، وإن كان الواقع يشهد لذلك " انتهى.
يقول الشيخ أحمد العامري في "الجد الحثيث" (73) عنه إنه " ليس بحديث " انتهى.
وجاء في "النخبة البهية في بيان الأحاديث المكذوبة على خير البرية" لمحمد الأمير الكبير المالكي (1228هـ) (ص/43) : " لا يُعرَف " انتهى.
وجاءت أحاديث أخرى تدل على هذا المعنى، لكنها أيضا لا تصح، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزنا يورث الفقر)
رواه أبو حاتم كما في "العلل" (1/410-411) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/73) وابن عدي في "الكامل" (6/432) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/363) من طريق الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر به.
قال أبو حاتم بعد روايته الحديث: " هذا حديث باطل، وماضي لا أعرفه " انتهى.
وذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/237) في منكر حديث ليث بن أبي سليم.
وقال ابن عدي في "الكامل" (8/183) : غير محفوظ. وقال الذهبي في "الميزان" (3/423) : منكر. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (140) : باطل.
وانظر في "السلسلة الضعيفة" (1/270-274) أحاديث أخرى كلها موضوعة أو منكرة في بيان ما يورثه الزنى من الشرور والآفات.
ثانيا:
من المقرر أن الذنوب لا تأتي إلا بالسوء والمصائب، كما قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى:30 وبسب الذنوب والمعاصي يحرم العبد من الرزق والخير، بل بسببها تحرم الأرض من القطر، ولو كانت ذنوبا صغيرة، فكيف إذا كانت من الكبائر؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:
لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا!!
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ!!)
رواه ابن ماجة (4019) وحسنه الألباني.
فليس ببعيد أن يبتلي الله تعالى الزاني بالفقر، عقوبة على معصيته؛ حيث تناول لذة من غير حلها، فعوقب بأن حرمه الله الفضل والغنى، وأرسل عليه الفقر والعنا، والجزاء من جنس العمل.
روى ابن حبان في "الثقات" (7/574) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر:
(يا مكحول! إياك والزنا، فإنه يورث الفقر)
وعن أسماء رضي الله عنها قالت: (رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معشر قريش! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (8/120 ش2) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/512-513) وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/241)
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/72) :
" (الزنا يورث الفقر) أي: اللازم الدائم؛ لأن الغنى من فضل الله، والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه، وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله، فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم، وإذا ذهب الفضل ذهب الغِنى وجاء العَنا، فالزِّنا موكَّلٌ بزوال النعمة، فإذا ابتلي به عبد ولم يُقلع ويرجع فليُوَدِّع نِعَمَ الله، فإنها ضيفٌ سريع الانفصال، وشيكُ الزوال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لأنفال/53
قال في "شرح الشهاب": الفقر نوعان: فقر يد، وفقر قلب؛ فيُذهب شؤمُ الزنا بركةَ ماله فيمحقه؛ لأنه كَفر النعمةَ واستعان بها على معصية المنعم، فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه، فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده، ولا يعطَى الصبر عنه، وهو العذاب الدائم " انتهى.
ويقول ابن القيم في "روضة المحبين" (360) :
" والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.
ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.
ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له. ومنها: الفقر اللازم، وفي أثر يقول الله تعالى: (أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة) .
ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده.
ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء،وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن.
ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه اسم الإيمان المطلق، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان. وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث، فخط دائرة في الأرض وقال: هذه دائرة الإيمان، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال: هذه دائرة الإسلام، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه.
ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا، كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها، ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا، ونظائره، فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم.
ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني.
ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)
فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب، وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيب، ولا يدخل الجنة خبيث.
ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به.
ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف؛ فإنه يرزق المهابة والحلاوة.
ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده.
ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل
كل به مثل ما بي غير أنهم ... من غيرة بعضهم للبعض عذال
ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم، فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته.
ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة.
ومنها: أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يفدى، وقتيلها لا يودى، وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله، فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) وقال تعالى: (وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/262)
حديث موضوع في ذم الرافضة
[السُّؤَالُ]
ـ[ممكن أتأكد من سند هذا الحديث وصحته: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت ليلتي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي! أنت وأصحابك في الجنة، ألا إنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول) رواه الطبراني في الأوسط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولاً:
لمعرفة عقيدة الرافضة يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (4569) و (1148)
ثانياً:
وإذا كان من علامة الرافضة، بل من دينهم ألا يشهدوا جمعة ولا جماعة، وإذا كان من دينهم الخبيث الضال أن يطعنوا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه أمهات المؤمنين، بل ويكفرونهم، وإذا كانوا حقا من أجهل الناس بكتاب الله تعالى وسنة نبيه، وأبعدهم عن فقهه بقلوبهم، وإذا كان فيهم حقا من البدع والضلال والشرك ما الله به عليم، مما نبه عليه أهل العلم في موضعه.
نقول: إذا كان فيهم كل هذا وغيره، فإن ذلك لا يبيح لنا أن نكذب على نبينا صلى الله عليه وسلم، أو ننسب إليه ما لم يقله، حتى ولو كان للتحذير من بدعهم وضلالهم.
جاءت تسمية الرافضة في الأحاديث في معرض الذم عن خمسة من الصحابة، وهم:
1- عن أم سلمة رضي الله عنها، ولفظ الحديث:
(كانت ليلتي، وكان النبى صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: يا علي! أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز (أي لقب) ، يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون، فقلت: يا رسول الله! ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/354) والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/358) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/167)
من طريق سوَّار بن مصعب الهمداني عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة به، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عطية إلا سوار بن مصعب.
وقال ابن الجوزي: " وهذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عطية: قد ضعفه الثوري وهشيم وأحمد ويحيى، وسوَّار: قال فيه أحمد ويحيى: متروك " انتهى.
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5590) : موضوع.
2- عن معاذ بن جبل في حديث طويل في "تاريخ دمشق" (32/383)
جاء في "تنزيه الشريعة المرفوعة" لابن عراق (2/389) :
" منكر وفي إسناده غير واحد من المجهولين " انتهى.
3- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بنحو لفظ حديث أم سلمة، ورد من عدة طرق عن علي بن أبي طالب:
الطريق الأولى: عن كثير النواء عن إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي به.
أخرجه أحمد في "المسند" (1/103) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/279) ، والبزار (2/138) وقال: لا نعلم له إسنادا عن الحسن إلا هذا الإسناد. وابن عدي في "الكامل" (6/66) ، وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163) وقال:
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحيى بن المتوكل قال فيه أحمد بن حنبل: هو واهي الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وكثير النواء: ضعفه النسائي. وقال ابن عدي: كان غاليا في التشيع مفرطا فيه " انتهى.
ويبدو أن رواية الشيعي لأحاديث فيها ذم الرافضة الغرض منها نفي تهمة الغلو المذموم عن نفسه، أو يريد بها الطعن على فرق معينة من الرافضة، والله أعلم.
والطريق الثانية: عن سوار بن مصعب عن محمد بن جحادة عن الشعبي عن علي به.
أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/547) أبو نعيم في "الحلية" (4/329) وعنه ابن الجوزي في "العلل المتاهية" (1/164) ، وسوار متروك الحديث كما سبق.
والطريق الثالثة: عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية عن أبي سليمان الهمداني عن عمه عن علي به.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/213) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335)
وهي طريق منكرة بسبب ضعف أبي جناب الكلبي كما في "تهذيب التهذيب" (4/350) وجهالة أبي سليمان الهمداني حيث قال الذهبي في "الميزان" (4/533) : لا يُدْرَى من هو.
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي! سيكون في أمتنا قوم ينتحلون حبنا أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، فاقتلوهم فإنهم مشركون)
أخرجه أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" (1/417،440) الطبراني في "المعجم الكبير" (12/242) وابن عدي في "الكامل" (5/90) ، وأبو يعلى في "المسند" (4/459) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163،166) جميعهم من طريق الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عبا به.
قال ابن الجوزي: " وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العقيلي حجاج لا يتابع على هذ الحديث، وله غير حديث لا يتابع عليه " انتهى. وانظر ضعف حجاج في "تهذيب التهذيب" (1/357) .
ورواه ابن عدي في "الكامل" (5/152) من طريق عمرو بن مخرم البصري ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس.
وقال: " وهذا حديث بهذا الإسناد، وخاصة عن يزيد بن زريع عن خالد، باطل لا أعلم يرويه غير عمرو بن مخرم، وعن عمرو أحمد بن محمد اليمامي وهو ضعيف أيضا، فلا أدري أتينا من قبل اليمامي أو من قبل عمرو بن مخرم " انتهى.
5- عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
(نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: هذا في الجنة، وإن من شيعته قوما يعطون الإسلام فيلفظونه، لهم نبز، يسمون الرافضة، من لقيهم فليقتلهم فإنهم مشركون)
أخرجه أبو يعلى في "المسند" (12/116) وابن حبان في "المجروحين" (1/204) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/165)
من طريق تليد بن سليمان المحاربي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن محمد بن عمرو الهاشمي عن زينب بنت علي عن فاطمة رضي الله عنها به.
قال ابن الجوزي: " هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد ويحيى بن معين: تليد بن سليمان المحاربي كذاب "
قال ابن حبان في "المجروحين" (1/204) :
" تليد بن سليمان المحاربي كنيته أبو إدريس من أهل الكوفة، يروي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، روى عنه الكوفيون، وكان رافضيا يشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وروى في فضائل أهل البيت عجائب، وقد حمل عليه يحيى بن معين حملا شديدا وأمر بتركه " انتهى
وفيه علة أخرى قالها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/748) :
" أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة فيما أعلم " انتهى.
لذا حكم عليه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6541) بالنكارة.
6- عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحو الألفاظ السابقة:
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335) والآجري في "الشريعة" (5/219) من طريق محمد بن معاوية عن يحيى بن سابق المديني عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر.
جاء في "لسان الميزان" (6/256) في ترجمة يحيى بن سابق:
" قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو نعيم: حدث عن موسى بن عقبة وغيره بموضوعات " انتهى
يظهر مما سبق أن خلاصة الحكم على كل حديث فيه التصريح بذم الرافضة بالاسم أنه حديث منكر، لا ينبغي نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يرو من طريق صحيحة ولا حسنة، بل ولا حتى يسيرة الضعف.
قال البيهقي في "دلائل النبوة" (8/24) :
" روي في معناه من أوجه أخر، كلها ضعيفة " انتهى.
وضعفها الألباني أيضا في "ظلال الجنة" (2/191-194) .
ومما يدل على ضعفها أن العلماء يذكرون في تاريخ ظهور هذا اللقب " الرافضة " قصة مشهورة، تدل على تأخر ظهور هذا اللقب عن العهد النبوي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (1/34) :
" لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام، وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة، في أواخر خلافة هشام، قال أبو حاتم البستي: قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة، وصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم، وكانت الشيعة تنتحله.
قلت: ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فتَرَحَّمَ عليهما رفضه قوم، فقال لهم: رفضتموني! فسموا " رافضة " لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/263)
فضل التمسك بالسنة زمن انتشار الفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد) ... هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحا ... فماذا على الإنسان أن يستزيد من الأفعال حتى يعتبر متمسكا بالسنة؟ ... أعيش في بلد عربي ولا يخفى الحال ... فهل ترك المحرمات يعتبر كافيا لذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
السنة النبوية سفينة النجاة وبر الأمان، حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بها وعدم التفريط فيها فقال: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وحين يكثر الشر والفساد، وتظهر البدع والفتن، يكون أجر التمسك بالسنة أعظم، ومنزلة أصحاب السنة أعلى وأكرم، فإنهم يعيشون غربة بما يحملون من نور وسط ذلك الظلام، وبسبب ما يسعون من إصلاح ما أفسد الناس.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ. قِيلَ: مَن هُم يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) أخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (1/25) من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1273) وأصل الحديث في صحيح مسلم (145)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْر، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، - وَزَادَنِي غَيْرُهُ - قَالَوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟! قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)
رواه أبو داود (4341) والترمذي (3058) وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (494) وفي بعض روايات الحديث قال: (هم الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس) .
والتمسك بالسنة يعني أمورا:
1- القيام بالواجبات واجتناب المحرمات.
2- اجتناب البدع العملية والاعتقادية.
3- الحرص على تطبيق السنن والمستحبات بحسب قدرته واستطاعته.
4- دعوة الناس إلى الخير ومحاولة إصلاح ما أمكن.
جاء في محاضرة للشيخ ابن جبرين حول حقيقة الالتزام (ص/10) :
" لا شك أن السنة النبوية مدونة وموجودة وقريبة وسهلة التناول لمن طلبها، فما علينا إلا أن نبحث عنها، فإذا عرفنا سنة من السنن عملنا بها حتى يَصْدُق علينا قول (فلان ملتزم) ، ولا ننظر إلى من يُخَذّل أو من يحقر أو من يستهزئ ونحو ذلك.
والسنن قد تكون من الواجبات، وقد تكون من الكماليات أو من المستحبات، وقد تكون من الآداب والأخلاق، فعلى المسلم أن يعمل بكل سنة يستطيعها، وذلك احتساباً للأجر وطلباً للثواب.
فالملتزم هو الذي كلما سمع حديثاً فإنه يسارع في تطبيقه، ويحرص كل الحرص على العمل به ولو كان من المكملات أو من النوافل.
فتراه مثلاً يسابق إلى المساجد ويسوؤه إذا سبقه غيره، وتراه يسابق إلى كثرة القراءة وكثرة الذكر أكثر من غيره، وتراه يكثر من أنواع العبادات، ويحرص كل الحرص أن تكون جميع أعماله وعباداته متبعاً فيها السنة، وليس فيها شيء من البدع، حتى تكون تلك الأعمال والعبادات مقبولة عند الله؛ لأنه متى قبل العمل فاز المسلم برضوان ربه، نسأل الله أن تكون أعمالنا مقبولة عنده إنه سميع مجيب " انتهى.
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في "المنتقى" (2/سؤال رقم/270) :
" يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة عليها، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك أو يلومك في هذا، خصوصًا إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد فلا ينبغي لك، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن والعمل بها من غير غلو وتشدد، ومن غير تساهل ولا تفريط، هذا هو الذي ينبغي عليك؛ وعلى كل حال أنت مثاب إن شاء الله، وعليك بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ثانيا:
أما الحديث الذي ذكره السائل الكريم في أن للمتمسك بالسنة عند فساد الناس أجر شهيد أو أجر مائة شهيد فهو حديث ضعيف لا يصح، وهذا شيء من الكلام عليه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/31) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/200)
وفي سنده علتان:
1- تفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، ومثله لا يحتمل تفرده.
2- جهالة محمد بن صالح العذري: قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/172) : لم أر من ترجمه.
ولذلك ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (327) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد)
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/327) وسنده ضعيف جدا، فيه الحسن بن قتيبة: متروك الحديث، انظر ترجمته في "لسان الميزان" (2/246) ، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (326)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/264)
أهم شيوخ الإمام البخاري رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[مَن هُم أهم شيوخ البخاري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
البخاري شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، صاحب الصحيح والتصانيف، مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين، وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي، ونشأ يتيما.
صنف وحدث وما في وجهه شعرة، وكان رأسا في الذكاء، رأسا في العلم، ورأسا في الورع والعبادة.
وكان شيخا نحيفا ليس بطويل ولا قصير، مائلا إلى السمرة.
كان يقول: لما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم في أيام عبيد الله بن موسى، وحينئذ صنفت التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة.
وكان يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
قال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري.
مات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين " انتهى.
اختصارا من "تذكرة الحفاظ" للذهبي (2/555)
ثانيا:
أما شيوخه فهم كثير، حدث محمد بن أبي حاتم عنه أنه قال:
" كتبت عن ألف وثمانين نفسا، ليس فيهم إلا صاحب حديث " انتهى. كما في "سير أعلام النبلاء" (12/395) .
وأهمية الشيخ تختلف بحسب الاعتبار: فقد تكون الأهمية بسبب مكانة الشيخ العلمية الرفيعة، وقد تكون بسبب إكثار البخاري عنه، وقد تكون بسبب علو سنده، وقد تكون بسبب تأثر البخاري به كثيرا، وقد يجتمع في الشيخ أكثر من اعتبار واحد.
أما شيوخه الذين أكثر عنهم جدا في الصحيح، ولهم عنده أكثر من مائة رواية فهم:
عبد الله بن يوسف التنيسي، وقد فاقت رواياته عنه الثلاثمائة رواية، علي بن عبد الله المديني فاقت مروياته المائتين، أبو اليمان الحكم بن نافع، موسى بن إسماعيل التبوذكي، عبد الله بن محمد المسندي، أبو نعيم الفضل بن دكين، محمد بن بشار المعروف ببندار، قتيبة بن سعيد، سلمان بن حرب، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، محمد بن المثنى.
أما المتوسطون: وهم من لهم دون المائة رواية وأكثر من خمسين، فهم:
عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عبد الله بن الزبير الحميدي، إبراهيم بن موسى، إبراهيم بن المنذر، محمد بن يوسف الفريابي، محمد بن كثير، حفص بن عمر.
ومن أهم شيوخه الذين بلغوا رتبة الإمامة في العلم والدين:
الإمام أحمد بن حنبل وإن لم يرو عنه في الصحيح، وإسحاق بن راهويه روى عنه نحو الثلاثين رواية، وأحمد بن صالح المصري، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وغيرهم.
ولعل أعظمهم تأثيرا في نفس الإمام البخاري وشخصيته، وأجلهم مرتبة عنده هو الإمام علي بن المديني رحمه الله، حيث قال البخاري فيه:
" ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني " انتهى. "تذكرة الحفاظ" (2/428) .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة البخاري أسماء أشهر شيوخه، ورتبهم بحسب البلدان فقال في "سير أعلام النبلاء" (12/394-396) ؛ وأما الحافظ ابن حجر فله ترتيب آخر مفيد أيضا، حيث قال في "هدي الساري" (479) :
" ينحصرون في خمس طبقات:
الطبقة الأولى:
من حدثه عن التابعين: مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد، ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد، ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان، ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين.
الطبقة الثانية:
من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين: كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم.
الطبقة الثالثة:
هي الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين، بل أخذ عن كبار تبع الأتباع، كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم.
الطبقة الرابعة:
رفقاؤه في الطلب، ومن سمع قبله قليلا، كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم.
الطبقة الخامسة:
قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة: كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة.
وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه، وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه " انتهى.
انظر جواب السؤال رقم (21523)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/265)
حديث الأوعال حديث ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث الأوعال؟ وكيف نفسره في ضوء العلم الحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما نص حديث الأوعال فهو:
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال:
(كُنتُ فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّت بِهِم سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ: " مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ " قالوا: السَّحَابُ. قَالَ: " وَالمُزنُ "، قَالُوا: وَالمُزنُ، قَالَ: " وَالعَنَانُ "، قَالُوا: وَالعَنَان، قال: " هَل تَدرُونَ مَا بُعدُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ؟ " قالوا: لا نَدرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعدَ مَا بَينَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَو اثنَتَانِ أَو ثَلاثٌ وَسَبعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوقَهَا كَذَلِكَ - " حَتَّى عَدَّ سَبعَ سَمَوَاتٍ " - ثُمَّ فَوقَ السَّابِعَةِ بَحرٌ بَينَ أسفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، بَينَ أَظلافِهِم وَرُكَبِهِم مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِم العَرشُ، مَا بَينَ أَسفَلِهِ وَأَعلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوقَ ذَلِكَ) .
قال ابن الأثير في "النهاية" (3/355) :
" (أوعال) أي ملائكةٌ على صُورة الأوْعال، وهم تُيوسُ الجَبَل، واحِدُها وَعِلٌ بكسر العين.
(الظِّلْف) للبَقَر والغَنَم كالحافِر للفَرس والبَغْل والخُفِّ للبَعِير " انتهى.
وهذا حديث مشهور في كتب أهل العلم، ومروي في أكثر الكتب المسندة، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/206) ، وأبو داود في "السنن" (4723) ، والترمذي في "السنن" (3320) وابن ماجه (193) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (50) ، والبزار في مسنده (4/134) ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (1/66) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234) ، والحاكم في المستدرك (2/410) وغير ذلك من كتب السنة.
ومجموع رواية هؤلاء الأئمة تصل إلى خمس روايات كلها تلتقي في:
سِمَاك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به.
أما سِمَاك بن حرب فقد أدرك العديد من الصحابة، وأخرج له مسلم، والبخاري تعليقا، وقد وثقه جماعة من أهل العلم، كالإمام أحمد وأبو حاتم والبزار وغيرهم، ولكن أخذ عليه بعض أهل العلم وجود الغرائب في حديثه، لذلك ضعفه شعبة وابن المبارك، وقال ابن أبي خيثمة سمعت ابن معين سئل عنه: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة. وقال ابن عمار: يقولون إنه كان يغلط، ويختلفون في حديثه. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد. وقال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطىء كثيرا.
انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/204)
وأما عبد الله بن عميرة: فلا نعرف عنه شيئا من ترجمته إلا أنه يروي عن الأحنف بن قيس، ولا يعرف عنه راو غير سماك بن حرب، ولم ينص أحد من أهل العلم على توثيقه أو تضعيفه، إلا أن ابن احبان ذكره في "الثقات"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/301)
" قال البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن الترمذي حديثه، قلت (أي ابن حجر) : قال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى، لا تصح له صحبة ولا رؤية. وقال مسلم في "الوُحدان": تفرد سماك بالراوية عنه. وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفه " انتهى.
ولما كان أمر سماك بن حرب قد لا يحتمل التفرد بحديث أصل، ونجد أمر عبد الله بن عميرة مشتبها ومحتملا، اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
فالحديث قال فيه الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن خزيمة بإخراجه في كتاب "التوحيد" حيث اشترط الصحة، وقال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ومن المتأخرين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/192) ، وابن القيم في "مختصر الصواعق" (433) حيث قال: إسناده جيد.
أما من ضعفه من أهل العلم:
فهو مفهوم كلام البزار في "مسنده" (4/115) حيث قال: " لا نعلمه روي بهذا الكلام وهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن العباس عن النبي صلى لله عليه وسلم، وعبد الله بن عميرة، لا نعلم روى عنه إلا سماك بن حرب " انتهى.
وابن عدي في الكامل (9/27) حيث قال: غير محفوظ.
وأشار إلى ضعفه المزي في "تهذيب الكمال" (10/391)
وقال الذهبي في "العلو" (1/60) : " تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة " انتهى وإن كان الذهبي قد حسن الحديث في كتاب "العرش" (24)
ومن المتأخرين أيضا العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1247)
والذي يترجح – والله أعلم – هو ضعف الحديث، فإن تفرد سماك بن حرب بمثل هذا الحديث المتعلق بالغيبيات تفرد غير مقبول، وجهالة عبد الله بن عميرة تضر في مثل هذا الموضع أيضا، ثم ثمة انقطاع بينه وبين الأحنف بن قيس.
أما من أراد الاستدلال بهذا الحديث على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأنه فوق العرش العظيم، فإن الكتاب والسنة الصحيحة مليئان بما يغني في الدلالة على ذلك، حتى قد تصل الأدلة إلى ألف دليل، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه "العلو" لمن أراد المزيد.
وسبق في موقعنا ذكر شيء من الأدلة، انظر جواب السؤال رقم (992) و (11035)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/266)
الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة الفرق بين هذين النوعين لا بد أولا من توضيح معنى كل منهما، وبيان الصور التي يطلق عليها العلماء هذين الوصفين، ثم تحديد أوجه الشبه وأوجه الافتراق بينهما. فيقال:
أولا:
يطلق العلماء الوصف بالنكارة على الصور التالية:
الصورة الأولى: بعض حالات التفرد، وذلك في:
1- أن ينفرد برواية الحديث الراوي الصدوق النازل عن درجة أهل الإتقان، وليس له عاضد يصحح به، ترى هذا في كلام أحمد بن حنبل وأبي داود والنسائي والعقيلي وابن عدي وغيرهم.
2- تفرد المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أوالمضعف، وليس له عاضد يقوى به. (انظر الموقظة/42، تدريب الراوي 2/278، النكت لابن حجر 2/674)
الصورة الثانية: بعض حالات المخالفة:
1- مخالفة المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أو المضعف، وإذا كثرت مخالفة الرواي أصبح متروكا، وعليه أكثر ما يطلق الوصف بالنكارة.
2- مخالفة الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عددا.
(انظر تدريب الراوي 2/277)
الصورة الثالثة: أنواع من الحديث الضعيف لأسباب أخرى، كالمدرج، والمنقطع، وحديث المجهول، وقع ذلك في كلام غير واحد من الأئمة المتقدمين، كيحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، والنسائي، وغيرهم، يطلقون لقب (المنكر) على هذه الأنواع.
(انظر النكت لابن حجر 2/675، تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع 2/ 1036) .
ثانيا:
الحديث المضطرب لقب أطلقه العلماء على الصور التالية:
الصورة الأولى: أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة، بحيث يتعذر الترجيح.
وتصح دعوى الاضطراب حين يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة، فإذا أمكن الجمع فلا اضطراب.
والصورة الثانية: التردد في الإسناد أو المتن من الراوي المعين، فيقال: (كان فلان يضطرب فيه فتارة يقول كذا، وتارة يقول كذا) .
(انظر تدريب الراوي 2/308، النكت لابن حجر 2/773) .
ثالثا:
يتبين مما سبق الفرق بين النكارة والاضطراب وذلك من جهتين:
الأولى: أن المنكر يطلق على تفرد من لا يُحْتمل تفرده، من مستور أو ضعيف برواية لم يتابع عليها، يعني: أن الوصف بالنكارة لا يشترط له تعدد الروايات والمخالفة بينها، أما المضطرب فلا يطلق إلا على ما جاء من أكثر من وجه، ثم اختلفت هذه الوجوه بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها.
الثانية: ثمة فرق آخر، وهو أنه عند تعدد الطرق فإننا ننظر، إن استطعنا تحديد الأرجح منها فإن المرجوح يوصف بالنكارة، في حين أننا لا نصفه بالاضطراب إلا حين تستوي الأوجه الواردة، ولا يمكن الترجيح بينها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/267)
نقد قصة موضوعة، والتحذير من القصَّاص الجهلة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو الإفادة في صحة هذه الرواية (سمعتها من أحد الوعاظ) استيقظ الساعة الرابعة والثلث ليجهز نفسه لأداء صلاة الفجر , قام وتوضأ ولبس ثوبه وتهيأ للخروج من المنزل والذهاب إلى المسجد , كان معتاداً على ذلك فمنذ صغره اعتاد أن يصلي صلواته جماعة في المسجد حتى صلاة الفجر , خرج من منزله وأخذ طريقه إلى المسجد , وبينما هو في طريقه إليه تعثّر وسقط وتمزّق جزء من ثوبه , فعاد إلى المنزل يغيّر ثوبه ويلبس ثوباً آخر , لم يغضب ولم يسب ولم يلعن، فقط عاد إلى منزله وغيَّر ثوبه بكل بساطة , ثم عاد مرة أخرى يسلك طريق المسجد وإذ به يتعثّر مرة أخرى ويسقط وانقطع جزء من هذا الثوب أيضاً , عاد إلى منزله وقام بتغيير ثوبه , لقد تمزّق كلا ثوبيه ومع ذلك لم يعقه ذلك عن رغبته في أداء الصلاة جماعة في المسجد , عاد مرة أخرى يأخذ طريقه إلى المسجد، وإذا به يتعثر للمرة الثالثة , ولكن شعر فجأة أنه لم يسقط، وأن هناك أحداً أسنده ومنعه من أن يسقط على الأرض , تعجب الرجل ونظر حوله فلم يجد أحداً , وقف حائراً لحظة ثم أكمل طريقه إلى المسجد، وإذا به يسمع صوتاً يقول له أتدري من أنا؟ فقال الرجل: لا، فرد الصوت: أنا الذي منعك من السقوط , فأعقبه الرجل وقال: فمن أنت؟ فأجاب: أنا الشيطان، فسأله الرجل: ما دمتَ الشيطان لم منعتني من السقوط؟ فرد الشيطان: في المرة الأولى عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لك كل ذنبك، وفي المرة الثانية عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لأهل بيتك , وعندما تعثرت في المرة الثالثة خفت أن تعود إلى المنزل وتغير ثوبك فيغفر الله لأهل حيّك , فأسندتك ومنعتك السقوط! .
ما يحيرني في القصة أنه هل يمكن للشيطان أن يكلم الإنسان وأن يمسك يده ويمنعه من السقوط كما ورد في القصة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه القصة لا أصل لها في كتب السنة والحديث والتاريخ، وهي مخالفة للشرع مخالفة صريحة، وذلك من وجوه:
1. المحادثة بين الرجل والشيطان، فمن الممكن أن يوسوس الشيطان للإنسان، وهو على هيئته الحقيقية، وأما أن يكلمه فهذا غير ممكن، إلا أن يكون الشيطان متشكلا على هيئة البشر.
2. قول الشيطان إنه أسند الرجل عندما تعثَّر، وهذا الأمر لا يصدَّق وليس في مقدور الشيطان أن يفعله، وقد جعل الله تعالى الملائكة حافظة وحارسة للإنسان من ضرر الجن وأذيته؛ لأنهم يروننا ولا نراهم، قال تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) الرعد/11، وواضح من القصة المكذوبة أن الشيطان له قدرة على حفظ الإنسان مما يمكن أن يؤذيه، أو أن الشيطان قادر على المنع من قدر الله تعالى.
3. والأخطر في القصة المكذوبة هو في قول الشيطان إن الله تعالى في المرة الأولى غفر للإنسان كل ذنبه، وأنه في المرة الثانية غفر الله لأهل بيته، وزعْمه أنه لو سقط في المرة الثالثة لغفر الله لأهل حيِّه! وهذا كله من الكذب على الله تعالى وادعاء علم الغيب، وليس جرح المجاهد في المعركة مع الكفار بموجب لمثل هذه الفضائل، فكيف تُجعل للذاهب للمسجد، وهي ليست لمن تعثر وسقط في الدعوة إلى الله أو في طريقه لصلة الرحم وغيرها من الطاعات، فكيف تُجعل هذه الفضائل لمن سقط في ذهابه للمسجد؟! .
ثم إنه ليس في السقوط والتعثر شيء يوجب هذه الفضائل، وقد سقط وتعثر وجرح كثير من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ حرف في السنة في مثل هذه الفضائل بل ولا في جزء منها، ولا يغفر الله تعالى لأهل البيت أو الحي أو المدينة لفعل واحد من الصالحين أو طاعته، فضلاً عن سقوط لا يقرِّب إلى الله وليس هو طاعة في نفسه، ولو كان أحدٌ ينتفع بفعل غيره لانتفع والد إبراهيم عليه السلام بنبوة ابنه، ولانتفع ابن نوح بنبوة أبيه، ولانتفع أبو طالب بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم من أين علم الشيطان بذلك كله حتى أخبر هذا الرجل، وهل يملك الشيطان أن يمنع رحمة أرادها الله تعالى بأحد من عباده؟
كلا؛ قال الله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/2
ثانياً:
لا شك أن هذه القصص المكذوبة الباطلة هي مما يروج عند من لم يفهم دينه، ولا يعرف توحيد ربه تعالى، ويروجها أساطين الكذب من الخرافيين المفترين على شرع الله تعالى، وقد توعد الله تعالى هؤلاء الكاذبين بأشد الوعيد، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
والواجب على الخطباء والمدرسين أن ينزهوا أنفسهم أن يكونوا من القصَّاص الذين يقصون على العامة ما يخالف الشرع والعقل، وقد حذَّر سلف هذه الأمة من هؤلاء القصَّاص أشد التحذير لما فيه كثير من قصصهم من آثار سيئة على العامة ولما فيها من مضادة لشرع الله.
وقد جاء في حديث حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1681) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لمَّا هَلَكُوا قَصُّوا) .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
قال في " النهاية ": (لما هلكوا قصوا) : أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس: لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص.
وقال الألباني – معقِّباً -:
ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصالح؛ لما فعلوا ذلك هلكوا.
" السلسلة الصحيحة " (4 / 246) .
وهذا هو حال القصَّاص: الاهتمام بالحكايات والخرافات، وسردها على العامة، دون الفقه والعلم، ويسمع العامي كثيراً ولا يفقه حكماً ولا يستفيد علماً.
قال ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 150) :
والقصاص لا يُذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال: (نَحْنُ نَقصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص) وقال: (فَاقْصُص القَصَص) .
وإنما ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال.
انتهى
وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد قال: (ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجلُ الرجلَ سنةً فلا يتعلق منه شيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه شيء) .
" حلية الأولياء " (2 / 287) .
وكم أحدث هؤلاء القصاص من آثار سيئة على العامة، وسردهم لتلك الخرافات جعلت لهم منزلة عند العامة الذين يصدِّقون كل ما يسمعون حتى أصبحوا مقدَّمين على العلماء وطلبة العلم.
قال الحافظ العراقي – رحمه الله -:
ومن آفاتهم: أن يحدِّثوا كثيراً من العوام بما لا تبلغه عقولهم , فيقعوا في الاعتقادات السيئة , هذا لو كان صحيحاً , فكيف إذا كان باطلاً؟! .
" تحذير الخواص " للسيوطي (ص 180) نقلاً عن " الباعث على الخلاص " للعراقي.
يقول ابن الجوزي:
والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة , ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره , فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل، فإذا أنكر عليهم عالم قالوا: قد سمعنا هذا بـ " أخبرنا " و " حدثنا "، فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة , كم لون قد اصفر من الجوع , وكم هائم على وجهة بالسياحة، وكم مانع نفسه ما قد أبيح , وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها، وكم موتم أولاده [يعني: جعلهم يتامى] بالزهد وهو حي، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها؛ فهي لا أيم ولا ذات بعل " اهـ. الموضوعات " (1 / 32) .
ومن هنا جاء الذم لهؤلاء القصاص في كلام كثير من السلف:
قال ميمون بن مهران - رحمه الله -:
القاص ينتظر المقت من الله، والمستمع ينتظر الرحمة.
قال الألباني رحمه الله - تحت حديث رقم (4070) من " السلسلة الضعيفة " -:
رواه ابن المبارك في كتابه " الزهد " بسندٍ صحيحٍ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -:
أكذب الناس القُصَّاص والُّسوَّال، وما أحوج الناس إلى قاص صدوق؛ لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر، قيل له: أكنت تَحضر مجالسهم؟ قال: لا.
" الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي (2 / 82) .
فنسأل الله أن يصلح أحوال الأئمة والخطباء، وأن يهديهم لما فيه صلاحهم وإصلاح غيرهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/268)
حكم الحديث المعلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالأحاديث المعلقة؟ وما هو الصحيح منها سواء في البخاري أو في مسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحديث المعلق هو ما حذف من بداية إسناده (أي من جهة المحدث المصنف – صاحب الكتاب-) راو واحد فأكثر.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "نزهة النظر" (108-109) :
" ومن صور المعلق:
أن يحذف جميع السند، ويقال مثلا: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن يحذف كل السند ولا يبقى إلا اسم الصحابي أو اسم الصحابي والتابعي.
ومنها: أن يحذف من حدَّثَه ويضيفه إلى من فوقه " انتهى بتصرف.
ثانيا:
كل حديث يذكر في الكتب محذوف الإسناد، ويرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون عزو إلى شيء من كتب السنة، فهو حديث معلق، فإن كان الحديث موصولا بالأسانيد في كتب السنة، أو كان المصنف الذي علقه قد وصله في مكان آخر من كتبه، فيظهر حينئذ أن تعليق من علقه إنما كان لأجل الاختصار، ووصفه بالتعليق لا يعني الحكم عليه بالضعف، وليس هو محل خلاف وبحث عند أهل العلم.
تجد ذلك كثيرا ظاهرا في صحيح الإمام البخاري:
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "النكت" (1/325) :
" إن ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها، فإنه والحالة هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد " انتهى.
ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/117) :
" وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار " انتهى.
ثالثا:
للحكم على الحديث المعلق فإنه لا بد – كما هو الحال عند الحكم على أي حديث – من جمع طرق الحديث والبحث عن أسانيده؛ ولا يخلو حكمه بعد ذلك من الحالات التالية:
1- إن لم نقف له على سند في أي كتاب: فحينئذ فالأصل الحكم بالضعف على الحديث؛ وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفين من السند، فقد يكون منهم الضعيف أو الكذاب.
مثاله: ما علقه الحافظ ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ)
فقد بحث أهل العلم عن هذا الحديث المعلق فلم يجدوه مسندا في كتاب، وكل من يذكره ينقله عن تعليق الحافظ ابن عبد البر، فهو في الأصل حديث ضعيف، إلا أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه.
2- إذا وجدنا للحديث سندا موصولا في كتاب آخر من كتب السنة، فإننا حينئذ ننظر في السند، ونحكم عليه بحسب قواعد أهل العلم في نقد الأحاديث، كما أنه يمكن الاستعانة للحكم على الحديث المعلق بما فهمه العلماء من مناهج كتب السنة، وهذا بيان ذلك:
رابعا:
لبعض الأئمة مناهج في ذكر الحديث المعلق، وهذه المناهج إما أن ينص عليها الإمام نفسه، أو يعرفها من بعده من أهل العلم من خلال دراسة كتابه واستقراء أحاديثه.
ومن كلام أهل العلم في منهج البخاري في التعليق، نستطيع تقسيم معلقاته (والتي تصل إلى مائة وستين حديثا معلقا) إلى قسمين:
الأول: ما علقه بصيغة الجزم، مثل قال، رَوَى ونحو ذلك:
فحكم هذه المعلقات هو الصحة أو الحسن، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده، بل منها ما هو على شرطه وإنما علقه لأنه أخذه مذاكرة أو إجازة.
ويستثني العلماء من هذه القاعدة حديثا واحدا فقط، وهو ما علقه في كتاب الزكاة (2/525) :
(وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب: خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة)
قالوا: فهذا إسناده إلى طاوس صحيح، إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ.
الثاني: ما علقه بصيغة التمريض: مثل: رُوِيَ، يُذكَر ونحوها.
فهذا قد يكون فيه الصحيح، وقد يكون فيه الحسن، ويكون علقها لأنه رواها بالمعنى.
كما قد يكون فيه الضعيف ضعفا يسيرا: وقد يبين ضعفه بقوله عقبه: (لم يصح) .
(ملخصا من كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر (1/325-343) ، "تدريب الراوي" للسيوطي (1/117-121)
أما صحيح مسلم:
فإن جميع ما فيه من المعلقات يصل فقط إلى خمسة أحاديث، يرويها الإمام مسلم مسندة متصلة من طريق، ثم يعلقها عقبه من طريق أخرى غير الطريق التي أسندها، لغرض علمي يريده الإمام مسلم، وقد جمعها الشيخ رشيد الدين العطار في رسالة مطبوعة، وبين وصلها وأسانيدها الصحيحة.
وليس في صحيح مسلم – بعد المقدمة – حديث معلق لم يصله من طريق أخرى إلا حديث واحد: قال مسلم في حديث رقم (369) :
وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول:: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث ابن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهم:
(أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن نَحوِ بِئرِ جََلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حَتَّى أَقبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ) وانظر "النكت" للحافظ ابن حجر (1/346-353)
وقد وجد هذا الحديث مسندا متصلا من طريق الليث بن سعد أيضا عند البخاري في صحيحه (337) وأبو داود (329) وغيرهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/269)
حديث موضوع في فضل التقاط الطعام الملقى على الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "من التقط لقمة وقعت منه على الأرض أثناء الطعام فسوف يهبه الله أطفالاً رائعين جدًا ". فهل هذا الحديث صحيح ومن الكتب المحققة؟ وإن كان صحيحًا فما التفسير العلمي لهذا الحديث (أقصد ما العلاقة بين التقاط الطعام والأطفال الرائعين؟) ]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم، وشكر المنن، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس.
والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، جعل فيه حياته وقوته، كما جعل فيه لذته، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله، والشكر على إحسانه به.
يقول الله عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/172
وقال سبحانه:
(فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114
وقال سبحانه:
(لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) يس/35
ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة، وحفظها عن ما يفسدها.
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) :
" حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، وتعظيمها من شكرها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وذلك من الكفران، والكَفور ممقوت مسلوب، ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وقالوا: كفران النعم بوار، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم هاربها بكرم الجوار.
فارتباط النعم بشكرها، وزوالها في كفرها، فمن عظَّمَها فقد شكرها، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال، ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت.
قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق.
قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة، مما يؤكل، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة.
قال: وهذا الباب مجرَّب، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى.
وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض:
فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2033)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2034)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) :
" معناه والله أعلم: أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو فى اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم: ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى.
وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه، وانظر: المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) .
كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة، وفوائد كثيرة، منها:
1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
2- التواضع وعدم التكبر.
3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها.
4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة.
5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) :
" فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى.
6- الاقتصاد وعدم الإسراف.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) :
" من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها؛ لن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ...
والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعا لله عز وجل، وحرمانا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى.
ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها.
سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) :
" الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟
فأجاب:
نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) " انتهى.
ثانيا:
ما يتناقله بعض الناس من مبالغات في هذا الموضوع هو من الأخبار الكاذبة، فقد روى بعض الوضاعين فضائل لمن يرفع اللقمة الساقطة على الأرض، ونسبوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بريء منه.
يقول الإمام السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (627) :
" حديث (من أكل ما يسقط من الخِوان والقَصعةِ أمِن من الفقر والبرص والجذام، وصُرِفَ عن ولده الحُمقُ) أبو الشيخ في الثواب عن جابر به مرفوعا.
وعن الحجَّاجِ بن علاط مرفوعا أيضا بلفظ:
(أُعطِيَ سعةً من الرزق، ووُقِيَ الحمقَ في ولده، وَوَلَدِ ولده)
والديلمي من طريق الرشيد عن آبائه عن ابن عباس رفعه:
(من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه، ونفى عنه الفقر)
وأخرجه الخطيب في ترجمة عبد الصمد الهاشمي ثم ضعفه.
وأورده الغزالي في الإحياء بلفظ: (عاش في سعة، وعوفي في ولده)
وفي الباب عن أنس أورده الخطيب في ترجمة يونس من المؤتلف، وفيه قصة لهدبة بن خالد مع المأمون، وعن أبي هريرة.
وكلها مناكير " انتهى.
ومن الأحاديث المكذوبة في هذا الموضوع:
(أكرموا الخبز، فإنه من بركات السماء والأرض، من أكل ما يسقط من السفرة غُفر له)
وانظر "الموضوعات" (2/289- 292) ، "تنزيه الشريعة" (322) ، "كشف الخفاء" (2/230)
فالواجب تحذير الناس من هذه الأحاديث، وبيان بطلانها وكذبها، ونفيُ الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال والقربات.
ثالثا:
مما ينبغي التنبيه عليه ما يفعله بعض الناس حين يرفع الطعام الساقط على الأرض فتجده يقبله ويضعه على جبهته، فما حكم ذلك؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/133-134) :
" صرّح الشّافعيّة بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنّه بدعة مباحة أو حسنة، لأنّه لا دليل على التّحريم ولا الكراهة، لأنّ المكروه ما ورد عنه نهي، أو كان فيه خلاف قويّ، ولم يرد في ذلك نهي، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرّد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه.
وقال صاحب الدّرّ من الحنفيّة مؤيّداً قول الشّافعيّة في جواز تقبيل الخبز: وقواعدنا لا تأباه.
أمّا الحنابلة فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشّرع " انتهى.
قال ابن مفلح: (وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع) الآداب الشرعية (3/231) .
وإلى المنع ذهب المالكية أيضا. قالوا: (وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَكَذَا الْخُبْزُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ ـ أي الخبز ـ مَكْرُوهٌ [الخرشي على خليل (2/326) الفواكه الدواني (1/356) ]
وقد سبق نص ابن الحاج على أن تقبيل الخبز بدعة.
والأظهر ـ والله أعلم ـ ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من المنع، لقول عمر رضي الله عنه، لمّا قبل الحجر: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ) رواه البخاري (1610) ومسلم (1270) .
قال الحافظ ابن حجر: " قال شيخنا [يعني: العراقي] في شرح الترمذي: فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/270)
حديث لا أصل له يُروَى في فضائل بعض سور القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الحديث؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عشرة تمنع عشرة) : سورة الفاتحة تمنع غضب الله. سورة يس تمنع عطش يوم القيامة. سورة الواقعة تمنع الفقر. سورة الدخان تمنع أهوال يوم القيامة. سورة الملك تمنع عذاب القبر. سورة الكوثر تمنع الخصومة. سورة الكافرون تمنع الكفر عند الموت. سورة الإخلاص تمنع النفاق. سورة الفلق تمنع الحسد. سورة الناس تمنع الوسواس) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
باب فضائل القرآن الكريم من أكثر الأبواب التي وضع فيها الوضاعون أحاديثهم، ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كثير منهم يحتسب ذلك عند الله، ويظن – لفرط جهله – أنه إنما يرغب الناس بكتاب الله تعالى، وهو في الحقيقة يرتكس في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) .
ومن أمثلة ذلك: ما رواه الحاكم في "المدخل" (54) بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حِسبة.
(يعني أنه يبتغي بها الثواب عند الله) .
وقد اتفق العلماء على حرمة رواية الحديث الموضوع ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَِيْن) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (1/71) :
" يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا، أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه، ولم يبين حال روايته وضعه، فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ثانياً:
أما الحديث المذكور في السؤال، فلم نجده في شيء من الكتب، لا الصحيحة ولا الموضوعة، بعد البحث الشديد عنه، فيبدو أنه لا أصل له البتة، وذلك مما يعجب له المسلم، أن وضع الحديث لا زال مستمرا إلى أيامنا هذه، وأن الأحاديث الموضوعة في تكاثر مستمر، والله المستعان.
وبعض السور المذكورة في هذا الحديث لم يصح شيء من فضائلها، وهي:
سورة يس والدخان والواقعة والكوثر.
انظر: "تدريب الراوي" (2/372) ، وكتاب "الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم" وراجع جواب السؤال رقم (6460) .
أما الفاتحة: فقد جاء في فضائلها أحاديث كثيرة، ليس في شيء منها أنها تمنع غضب الله.
وأما سورة الملك: فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرآنِ، ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَت لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ) رواه الترمذي (2891) وقال: حديث حسن، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/277) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (3/561) ، وقال ابن حجر "التلخيص الحبير" (1/382) : أعله البخاري وله شاهد بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وانظر جواب السؤال رقم (26240) .
وأما سورة الكافرون: فالذي صح في فضلها، ما جاء عن نوفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: (إِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّركِ) رواه أبو داود (5055) وصححه ابن حجر في "تغليق التعليق" (4/408) والألباني في صحيح أبي داود.
وسورة الإخلاص أيضا لم يأت في فضلها أنها تمنع النفاق.
والمعوذتان تمنعان من الشيطان والعين والحسد وسائر الشرور، فقد جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَوَّذ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثلِهِمَا) رواه أبو داود (1463) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد.
الخلاصة: أن هذا الحديث مكذوب لا أصل له.
وقد حكم عليه الشيخ ابن عثيمين بالكذب في المجموعة الرابعة من خطب الجمعة، في خطبة مسجلة بعنوان (مسؤوليات الإمام والمأموم في الصلاة، بعض المكذوبات عن الله تعالى ورسوله) ، وهي مطبوعة في موقعه رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/271)
أحاديث فضل قيام ليالي الأسبوع مكذوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتتني رسالة تحتوى على أحاديت فى فضل صلاة الليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الأحاديث لأول مرة أسمعها في حياتي، أرجو من حضراتكم أن توضحوا لي إذا كانت هذه الأحاديث صحيحة أو لا: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة الجمعة ركعتين، وقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة 15 مرة، فاذا فرغ من صلاته يقول: يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والاكرام (100 مرة) آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقته، وأهوال يوم القيامة، ولا يقوم من مقامه لا جائعا ولا ظمآنا، ويكسى حلة من نور، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده فى الجنة) . الحديث التاني: عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة السبت 16 ركعة، وقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الاخلاص (31 مرة) أخرج المكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه، ويجمع الله فى قلبه النور والرحمة والرأفة، ويلبسه يوم القيامة المغفرة، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر، ويبنى له بكل ركعة قصر فى الجنة) ... إلى العديد ممَّا هو مكتوب من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أرجوكم أفيدوني، هل أصلي هذه الصلوات، وهل هى صحيحة أم ضعيفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد حديث صحيح في فضل تخصيص يوم من أيام الأسبوع أو لياليه بقيام أو صلاة نافلة، وكل ما ورد في ذلك فهو منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تجوز روايته فضلا عن العمل به، ومن عمل بمثل هذه الأحاديث المكذوبة فإنما يبتدع في الدين ما ليس منه، فليحذر عقوبة الله وغضبه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/134) :
" والصلاة يوم الأحد والاثنين وغير هذا من أيام الأسبوع - وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين فى الرقائق - فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أن أحاديثه كلها موضوعة، ولم يستحبها أحد من أئمة الدين، وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا تَخُصُّوا لَيلَةَ الجُمعَةِ بِقِيَامٍ، وَلَا يَومَ الجُمعَةِ بِصِيَامٍ) والله أعلم " انتهى.
ويقول ابن القيم في "المنار المنيف" (95) :
" أحاديث صلوات الأيام والليالي، كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع، كل أحاديثها كذب " انتهى.
ويقول العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (1/259) :
" ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء، وكلها ضعيفة منكرة " انتهى.
وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (46) :
" قال في المختصر: لا يصح في صلاة الأسبوع شيء " انتهى.
وقد جاء في فضل قيام الليل مطلقا آيات كريمة وأحاديث صحيحة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (50070)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/272)
منهج المحدثين منهج العدل والإنصاف
[السُّؤَالُ]
ـ[كتب أبو الأعلى المودودي في كتابه (تفاهمات) ما يلي: " قد يكون لدى المحدثين أيضًا ضعف بشري أو أخطاء، فقد كانوا من البشر، وربما كانت هناك عداوة بينهم وبين الراوي، ولذلك فربما يقول المحدث إن راوي الحديث ضعيف لأنه يكرهه " وذكر مولانا في كتابه بعض الأمثلة على محدثين ذائعي الصيت وعداوتهم، معذرة، لا أجد كلمة أخرى أعبر بها بدلا من كلمة عداوة. فمن فضلكم ساعدوني في إزالة هذا الإشكال. لا يمكن أن تتخيلوا كم أربكني وحيرني هذا القول؟ بل لدرجة أني غالبًا أجد الشك في الامتثال لحديث صحيح. رجاء الجواب بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
علم الحديث والإسناد هو من خصائص هذه الأمة؛ فلا يوجد عند أمة من الأمم مثل ما عندنا من العناية بالإسناد في نقل كتبهم ودينهم، ولذلك دخلها التحريف والتأليف، واستحال وصولهم إلى الدين النقي، أو الوقوف على أحوال أنبيائهم، على ما كانت عليه، من وجه صحيح يوثق به.
ولعلماء الحديث في ذلك اليد الطولى، والمقام المنيف الذي حباهم الله تعالى به؛ إذ شرفهم الله بالعمل على حفظ دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حاتم بن المظفر رحمه الله: " إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها، قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات. وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا؛ فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة. نستوزع الله شكر هذه النعمة، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه، ويمسكنا بطاعته، إنه ولي حميد " اهـ شرف أصحاب الحديث (40) .
ثانيا:
وهم أولى من يتحرى الأمانة في الحكم والنقل، وأوثق من يتحرز من الحيف والجور، حتى ضربوا بذلك أعظم الأمثلة في الإنصاف وتجنب المحاباة في دين الله:
فهذا علي بن المديني يطلق الحكم بضعف أبيه، وهو يدرك أن حكمه هذا على والده سيكون كفيلا بالقضاء على مكانته العلمية، فلم يمنعه ذلك من إطلاق رأيه فيه.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله:
" فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه، ولا أخاه، ولا ولده. وهذا علي بن عبد الله المديني، وهو إمام الحديث في عصره، لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك " اهـ شرف أصحاب الحديث (41) .
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/15) :
" سئل علي بن المديني عن أبيه؟ فقال: " اسألوا غيري " فقالوا: سألناك، فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: " هذا الدين، أبي ضعيف " انتهى.
وهذا يحيى بن معين يتكلم في صاحب له ممن كان يحبه، فنقل عنه الحسين بن حبان قوله في (محمد بن سليم القاضي) : " هو والله صاحبنا، وهو لنا محب، ولكن ليس فيه حيلة البتة، وما رأيت أحداً قط يشير بالكتاب عنه ولا يرشد إليه " وقال: " قد والله سمع سماعاً كثيراً، وهو معروف، ولكنه لا يقتصر على ما سمع، يتناول ما لم يسمع "، قلت له: يكتب عنه؟ قال: " لا " انتهى. انظر "تاريخ بغداد" (5/325)
وهذا جرير بن عبد الحميد يقول عن أخيه أنس: " لا يكتب عنه؛ فإنه يكذب في كلام الناس " "الجرح والتعديل" (2/289)
والإمام البخاري يروي في صحيحه كثيرا عن شيخه محمد بن يحيى الذهلي رغم ما تعرض له من الأذى بسبب كلامه فيه وهجره له، إلا أن العداء لم يمنعه من قبول حديثه وروايته.
وقد كانوا يقبلون حديث من يخالفهم في الرأي والمعتقد – إذا ثبت صدقه وتحريه -، ولم يكن ابتداع الراوي بمانع لهم أن يحكموا فيه بالعدل والإنصاف، وهم يسمعون قول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8
سئل يحيى بن معين عن سعيد بن خثيم الكوفي فقال: كوفي ليس به بأس، ثقة، فقيل ليحيى: شيعي؟ فقال: وشيعي ثقة، وقدري ثقة. "تهذيب الكمال" (10/414)
وكان عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعياً جلداً، ومع ذلك فقد كان ابن خزيمة يقول في صحيحه (2/376) : حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب.
ثالثا:
كما كانوا يدركون خطورة التطاول على أعراض الناس بغير حق، وعظم شأن الخوض في أحوال الرواة لما ينبني عليه من قبول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رده، حتى قال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ "
رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
وقال ابن دقيق العيد:
" أعراض المسلمين حفرة من الار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام " انتهى. انظر "تدريب الراوي" (2/369)
ومثل هذا التدين العظيم، والورع البالغ لا بد وأن يكون له أكبر الأثر في الإنصاف وتحري الصواب حين الحكم على الرواة، وهذا ما يشترطه أهل العلم في كل من يشتغل بالنقد.
قال الذهبي في "الموقظة" (82) :
" الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله " انتهى.
ويقول المعلمي رحمه الله في "التنكيل" (1/54) :
" أئمة الحديث عارفون متيقظون يتحرزون من الخطأ جهدهم، لكنهم متفاوتون في ذلك " انتهى.
رابعا:
نعم، ليس الواحد من هؤلاء معصوما، ومن الممكن أن يقع في كلام بعضهم شيء من الخطأ، ومن الممكن أيضا أن يكون الحامل على بعض هذه الأخطاء حب أو سخط، وقد وقع شيء من ذلك فعلا، وذلك ما لا يخلو عنه البشر، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون باعثا على التشكك في جميع أحكام النقاد، وذلك لما يلي:
1- لأنها أخطاء يسيرة في جنب التراث العظيم الذي خلفه أئمة الحديث والجرح والتعديل، وهو في غالبه العظيم على جادة الأمانة والإنصاف، فلا يجوز أن يهدر ذلك بسبب النادر من الأخطاء.
2- ولأن المحققين من النقاد بينوا تلك الأخطاء وميزوها في كلامهم ونقدهم، فما كان الباعث عليه عداء أو حسد أو اختلاف مذهب ردوا الحكم الجائر، وأنصفوا فيه الراوي.
ولهذا لم يقبل العلماء قول الإمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب "المغازي" أنه دجال من الدجاجلة؛ لما علم أنه صدر من منافرة باهرة، بل حققوا أنه حسن الحديث، واحتجت به أئمة الحديث، ولم يقبل قول النسائي في أحمد بن صالح المصري، ولا قول ربيعة في أبي الزناد عبد الله بن ذكوان. انظر "الرفع والتكميل" (409-432) .
قال أبو حاتم الرازي رحمه الله: " لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة» فقال: له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح؟ فقال: «علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم (1) ، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها، ثم قال:» رحم الله أبا زرعة، كان والله مجتهدا في حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم " شرف أصحاب الحديث (43) .
ولتعلم ـ أيها السائل الكريم ـ
فقد حفظ الله هذا الدين بمنه وفضله، وأن السنة المشرفة محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه [راجع السؤال رقم (77243) ] ، فلا يمكن أن يجتمع العلماء على توثيق راو ضعيف، أو جرح راو صدوق، بل لا بد أن تجد الحق والإنصاف باديا ظاهرا في أقوال جمهور أهل العلم وفي معظم مسائل الدين.
يقول الإمام الذهبي رحمه الله "الموقظة" (84) :
" وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك، والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط.
ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى، لم يجتمع علماؤه على ضلالة، لا عمدا ولا خطأ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده وقوة معارفه، فإن قدر خطؤه في نقده فله أجر واحد، والله الموفق " انتهى.
يقول ابن كثير في "الباعث الحثيث" (1/11) :
" أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفته، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً، أو كذاباً أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: " لا يثبته أهل العلم بالحديث "، ويرده، ولا يحتج به بمجرد ذلك " انتهى.
وبخصوص ما أشرت إليه ـ أخانا الكريم ـ من كلام الشيخ المودودي ـ عفا الله عنه ـ في كتابه المذكور، فالشيخ المودودي وإن كان له من الفضل والسابقة في الدعوة في شبه القارة الهندية، والتصدي لكثير من الأفكار التغريبية المنحرفة، وجهوده الكبيرة في الدعوة والتأليف، إلا أنه ـ شأن غيره من البشر ليس معصوما عن الخطأ، خاصة إذا تكلم في غير ما يحسن، وفي غير تخصصه، كما هو الحال في موضع السؤال، وقد كانت للشيخ رحمه الله هفوات، بل أخطاء عديدة في موقفه من السنة النبوية، ومنهج علماء الحديث في نقدها وتمييزها، ولا يتسع المجال هنا إلى ذكرها أو الإشارة إليها، وقد نبه إلى ذلك عدد من العلماء والمختصين؛ ومن هؤلاء: العلامة الباكستاني " محمد إسماعيل السلفي " رحمه الله (ت 1387) ، فله دراسة هامة حول " موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي "، وانظر أيضا ـ بالعربية ـ: " زوابع في وجه السنة " تأليف صلاح الدين مقبول أحمد، ص (117) وما بعدها.
وأخيرا، فلتقر عينك أخي الكريم بنعمة الله تعالى على الأمة بذلك العلم الشريف، ولا تسترسل في التشكك في الأحاديث الصحيحة، فالعقل يقضي بعدم رد جهود آلاف العلماء الأمناء عبر آلاف السنين بأخطاء وقعت هنا وهناك، وما أرى الذي يقع في نفسك إلا من وسواس الشيطان، فاستعذ بالله منه، ولا تلتفت إليه، واحرص على القراءة في كتب علوم الحديث، وأنا واثق أنه سيهولك تلك الجهود الجبارة التي تبذل في سبيل التحقق من صحة الحديث الواحد، وذلك ما آمن به كل من طالع كتب الحديث وعلومه ورجاله، حتى قال المستشرق مرجليوث: " ليفخر المسلمون بعلم حديثهم ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/273)
كم كانت عدد الركعات في صلاة التراويح على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة. هل هذا صحيح أم ضعيف؟ أو لا أصل له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء الأمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصلاة العشرين ركعة عن أربعة من التابعين، وهذه رواياتهم:
1- عن السائب بن يزيد أنه قال: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ وَعَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى إِحدَى وَعِشرِينَ رَكعَةً، يَقرَؤُونَ بِالمِئِينَ، وَيَنصَرِفُونَ عِندَ فُرُوعِ الفَجرِ)
رواه عن السائب جماعة من الرواة: ومنهم من يذكر (العشرين) أو (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) وهم:
محمد بن يوسف ابن أخت السائب عن السائب: كما عند عبد الرزاق في "المصنف" (4/260) من رواية داود بن قيس وغيره عنه.
ويزيد بن خصيفة: أخرجه ابن الجعد في "المسند" (1/413) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/496)
والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/261)
فهذه روايات صحيحة من رواة ثقات عن السائب بن يزيد، وفيها ذكر العشرين ركعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزيادة في رواية (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) إنما هو باعتبار القيام مع الوتر.
2- عن يزيد بن رومان قال: (كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلاثٍ وَعِشرِينَ رَكعةً)
رواه عنه مالك في "الموطأ" (1/115) ، وقال النووي في "المجموع" (4/33) : " مرسل، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر " انتهى.
3- عن يحيى بن سعيد القطان: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلا يُصَلِّي بِهِم عِشرِينَ رَكعَةً)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) عن وكيع عن مالك به، ولكن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر.
4- عن عبد العزيز بن رفيع قال: (كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالمَدِينَةِ عِشرِينَ رَكعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) .
وبمجموع هذه الروايات يتبين أن العشرين ركعة كانت هي السنة الغالبة على التراويح في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومثل صلاة التراويح أمر مشهور يتناقله الجيل وعامة الناس، ورواية يزيد بن رومان ويحيى القطان يعتبر بهما وإن كانا لم يدركا عمر، فإنهما ولا شك تلقياه عن مجموع الناس الذين أدركوهم، وذلك أمر لا يحتاج إلى رجل يسنده، فإن المدينة كلها تسنده.
قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (3/169) :
" وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/69) :
" وروي عشرون ركعة عن علي، وشتير بن شكل، وابن أبي مليكة، والحارث الهمداني، وأبي البختري، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء، وهو الصحيح عن أبي بن كعب، من غير خلاف من الصحابة، وقال عطاء: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر " انتهى.
وانظر ذلك مسندا في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/163)
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (23/112) :
" ثبت أن أُبَىَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر، واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم " انتهى.
أما ما جاء من رواية الإمام مالك ويحيى القطان وغيرهما عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد في "الموطأ" (1/115) وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (2/162) بلفظ: (إحدى عشرة ركعة) فهو محمول على أنه كان في بداية الأمر، ثم خُفِّفَ بعدُ على الناس، فزاد عمر الركعات إلى عشرين ليخفف على الناس القراءة في القيام.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/68) :
" إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة، ثم خفف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود، إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم، والله أعلم " انتهى.
ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :
" وأُبَىٌّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعا وثلاثين " انتهى.
ثانيا:
صلاة الليل الباب فيها واسع، وهي غير محصورة بعدد، فمن شاء قامها بإحدى عشرة ركعة، ومن شاء زاد أو نقص، وكذلك صلاة التراويح في رمضان.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :
" وقال طائفة: قد ثبت فى الصحيح عن عائشة (أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة) واضطرب قوم فى هذا الأصل؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد، فان النبى لم يوقت فيها عددا " انتهى.
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (11/322) :
" وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) " انتهى
وانظر جواب السؤال رقم (9036) (38021)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/274)
قول من قال: لئن حاسبني ربي على بخلي لأحاسبنه على كرمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة القصة التي تردد في كثير من المواقع والكتب عن الأعرابي الذي لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: لئن حاسبني ربي على بخلي حاسبته على كرمه..ولئن حاسبني على ذنوبي حاسبته على عفوه..ولئن حاسبني على خطاياي حاسبته على رحمته ... وإن كانت غير صحيحة هل يجوز أن نردد مثل هذه العبارات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المنهج العام الذي ينبغي أن يسلكه كل مسلم فيما يسمع أو يقرأ هو: التحري والتثبت من صحة ذلك، قبل أن يبني عليه شيئا من علم أو عمل؛ وبهذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) الحجرات/6
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسليم بكل ما ينشر ويعلن ويذاع، فإن النقل والرواية أمانة ينبغي أداؤها على وجهها، ولا يكون ذلك إلا بالتحري والتثبت.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم (5)
وهذه القصة لم يخرجها أحد من أهل العلم بالحديث، ولا يُعرف لها سند ضعيفٌ، فضلا عن السند الصحيح، كما أن النكارة في متنها ظاهرة، فإن الأعراب وإن كان لا يستبعد أن يصدر عن أحدهم مثل هذا الكلام في حق الله تعالى – وذلك بحكم جهلهم وجفائهم – إلا أنه لا يمكن أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام الذي يحمل أدب السوء مع الله تعالى ثم يقره ويسكت عنه، فضلا عن أن يبكي إقرارا له كما ينقلون في الرواية.
والله سبحانه وتعالى يحب الخضوع في سؤاله والتواضع في اللجوء إليه، وصدق التذلل والتعبد إليه، والاعتراف بالضعف والعجز والذنب والتقصير.
فهذا آدم عليه السلام يقول في دعائه:
(قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23
وهذا نوح عليه السلام يقول: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) هود/47
وقد علَّمَنا نبينا صلى الله عليه وسلم لغة التذلل والخضوع، والاعتراف بالذنب في الدعاء.
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:
(أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) البخاري (6306) .
هذا هو أدب الدعاء الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، وهو أدب الأنبياء والمرسلين، وليس أن يجفو العبد في خطابه ليتطاول على جناب الخالق سبحانه في ألفاظه فيقول (لئن حاسبني لأحاسبنه) ؟!!
فإن المقام بين يدي الله عظيم، والعبد ذليل فقير إلى الله تعالى، لا يليق بعبوديته أن يتطاول على سيده بألفاظه، وإن كانت مقاصدُه صحيحةً، فإنَّ فرضَ العبد التأدبُ باللفظ والمعنى.
فالحاصل أن هذا حديث مكذوب موضوع، لا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز أن يخاطب العبد ربه بمثل هذا الخطاب الذي يذكر عن الأعرابي، بل يستعمل المسلم خطاب العبودية التي هي مقامه ومنزلته الحقيقية.
يقول الشيخ حاتم الشريف:
" إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب، وفيه من ركاكة اللفظ، وضعف التركيب، وسمج الأوصاف، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه. على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث.
وقد قال العراقي عن هذا الحديث:" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466، وطبقات الشافعية الكبرى: 6/364) ، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة.
قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25
وقال تعالى: (ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/156
وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى.
رابط المصدر:
http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/275)
حول حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الإمام الألباني في رسالته " قيام رمضان " في جزء الاعتكاف ما نصه: " ثم وقفت على حديث صحيح صريح يخصص هذه المساجد، وهو: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وأشار إلى أنه من حديث حذيفة عند الطحاوى والبيهقى والإسماعيلي، ومن ثَمَّ هو في السلسلة الصحيحة، فما حكم هذا الحديث؟ وماذا يستفاد منه في بابه؟ أي: النفي نفي تحريم أم نفي كمال؟ وإن كان فما القرينة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
دل الكتاب والسنة والإجماع على استحباب الاعتكاف في المساجد.
قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة/125
وقال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187
ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على ذلك، انظر: "الإجماع" لابن المنذر (47) ، "المغني" (3/122)
والعلماء وإن اختلفوا في صفة المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف، إلا أن كل مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة لا يكاد يختلف الفقهاء في جواز الاعتكاف فيه، ولم تنقل المخالفة إلا عن بعض التابعين في ذلك.
وقد سبق تقرير المسألة في موقعنا جواب السؤال رقم (49006) ، (48985)
ثانيا:
أما الحديث المذكور في السؤال (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو من حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، جاء عنه من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل: (قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: عَكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِى مُوسَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ اعْتِكَافَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ قَالَ فِى الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا)
إلا أن أصحاب سفيان بن عيينة اختلفوا عليه:
فمنهم من رواه عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهم:
محمد بن الفرج عند الإسماعيلي في "معجم شيوخه" (2/112) . ومحمود بن آدم المروزي عند البيهقي في "السنن" (4/316) ، وهشام بن عمار عند الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (7/40) ، وسعيد بن منصور، كما في "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (2/127)
ومنهم من رواه عنه وجعله من قول حذيفة موقوفا عليه، وهم:
عبد الرزاق في "المصنف" (4/348) ، وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة" (2/149) .
والراجح – والله تعالى أعلم – هي الرواية الموقوفة على حذيفة، يعني أنه قال هذا الكلام من رأيه واجتهاده، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما يلي:
1- ورود هذا النص من قول حذيفة رضي الله عنه من طريق أخرى، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/337) وعبد الرزاق أيضا (4/347) من طريق سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال: جاء حذيفة إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قومك عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد؟! قال عبد الله: ولعلهم أصابوا وأخطأت؟! فقال حذيفة: أما علمت أنه لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه.
ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود رواية مقبولة لدى أهل العلم. انظر: "جامع التحصيل" (141) ، "شرح العلل" (1/294)
2- اختلاف الروايات على حذيفة رضي الله عنه، فقد جاء عنه من طرق أخرى أنه قال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. ولم يحصره في المساجد الثلاثة فقط.
يقول ابن حزم رحمه الله "المحلى" (5/195) بعد أن ذكر هذا الاختلاف:
" قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) لحفظه الله تعالى ولم يدخل فيه شك، فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط " انتهى.
3- أن أكابر الصحابة على خلافه، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفة في ذلك، بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير، إلا ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه والله أعلم. قاله الشيخ سليمان العلوان.
فالخلاصة أنه لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قول حذيفة واجتهاده ورأيه الذي خالف فيه باقي الصحابة رضوان الله عليهم، كما خالف فيه ظاهر القرآن الكريم الذي جاء بإطلاق محل الاعتكاف فقال: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187، ولا ينبغي مخالفة ظاهر القرآن وعمل أكثر الصحابة برواية موقوفة فيها بعض الاضطراب، لم يروها أهل الصحاح ولا السنن، ولم يفت بها أحد من الفقهاء المتقدمين، وإن ذهب إليها بعض العلماء المتأخرين، فقد أخطأ اجتهادُهم الصوابَ في هذه المسألة.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/504) :
" فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف، وليس خاصا بالمساجد الثلاث، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فإن هذا الحديث ضعيف.
ويدل على ضعفه أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه فقال: (لعلهم أصابوا فأخطأت، وذكروا فنسيت) فأوهن هذا حكما ورواية.
أما حكما ففي قوله: (أصابوا فأخطأت) وأما رواية: (فذكروا ونسيت) والإنسان معرَّض للنسيان.
وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام، أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث، كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة.
ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول: لا يصح إلا في المساجد الثلاثة، فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(4/276)