اللين مع الكفار بقصد الدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة / 4، وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) المجادلة / 22.
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) الممتحنة / 1.
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به. وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم - رحمه الله -."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/31.(1/1057)
خطر الدراسة في مدارس الكفّار
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي تدرس في مدرسة حكومية وكي تشعر بالراحة كونها مسلمة بين غير المسلمين، اقترحت على المدرسة أن أفعل شيئاً لفصلها في رمضان والعيد، هل لديك أي اقتراح لما يمكن أن أفعله لروضة الأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الإقامة في بلاد الكفار فيها خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه، ولذلك ينبغي الحذر من ذلك والتحفظ منه، ووضع الشروط التي تمنع من الوقوع في ذلك الخطر المتحتم، فلابدّ لمن يقيم في بلاد الكفر أن يتوفر فيه شرطان هما:
1- أن يأمن على دينه بأن يكون عنده من العلم والإيمان ما يقوى على الثبات على دينه والبعد عن الانحراف والزيغ.
2- أن يتمكن من إظهار دينه المتمثّل في إقامة شعائر الإسلام دون وجود مانع، وإلاّ لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ، قال ابن قدامة رحمه الله في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: (أحدها من تجب عليه، وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) النساء /97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورات الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) . انظر: المغني (8/457) ومجموع فتاوى ابن عثيمين (3/25–30) .
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهناك حالات يجوز فيها للمسلم أن يقيم في بلاد الكفار وللأهمية راجع سؤال رقم (13363)
ثانياً:
أن الذي يقيم هناك بين الكفار لحاجة كالدراسة مثلاً فإن الخطر أعظم، لأن المتعلم سيشعر بحاجته إلى معلمه مما يؤدي إلى التودد إليه بل ومداهنته فيما هو عليه، وكذلك فإن المتعلم يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة مدرسه ومعلمه فيحصل تعظيمه والاقتناع بآرائه، ثم إن المتعلم لابد وأن يكون له في مقر دراسته أصدقاء يتخذهم، ولهذا كله كان وجوب التحفظ أكثر والحذر أشد، فيشترط فيه بالإضافة لما سبق شروط منها:
1- أن يكون المتعلم على مستوى كبير من النضوج العقلي، حتى يميز بين الحق والباطل، ولهذا كان بعث صغار السن فيه خطر عظيم على دينهم وأخلاقهم وتصوراتهم ومعتقداتهم.
2- أن يكون لديه علم بالشريعة يتمكن به من مقارعة الباطل بالحق، لئلا يلتبس عليه وينخدع بهم.
3- أن يكون عنده دين وإيمان يحميانه من الكفر والفسوق، فضعيفهما لا يسلم.
4- أن تكون عنده حاجة إلى العلم الذي أقام من أجله، بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد مثله في مدارس المسلمين، وإلا لم تجز الإقامة عندهم.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) رواه أبو داود (2645) والترمذي (1604) وصححه الألباني في الإرواء (1207) .
ولهذا كله وجب التحفظ والحذر في هذا الأمر، خاصة في بعث الأحداث وصغار السن للانضمام في مدارسهم أو حتى ما يسمى بروضة الأطفال، إذ فيه خطر على سلوكهم وتصوراتهم وأخلاقهم
ولا يخفى عليك أن الخطر الذي يلحق أولادك غير مقتصر بمشاركتهم لهم في أعيادهم، بل إنه حاصل بمجرد المخالطة والتعايش معهم، فعليك أيها الأب الكريم أن تكون فطناً في ذلك كله مدركاً لهذه الأخطار قائماً على وقاية أبنائك من أن يتلوثوا بأفكارهم ويتأثروا بهم، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) التحريم /6.
وأبناؤك أمانة في عنقك، فإن استطعت ألا يدرسوا إلا بمدرسة إسلامية وألا يتعلموا إلا من معلمين مسلمين فافعل، والسلامة لا يعدلها شيء، فكن حذراً من كل ما يضر دينهم وسلوكهم، وأسأل الله لك الإعانة وأن يسددك وييسر لك الخير أينما كنت.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1058)
لا تصلي الصلوات في وقتها بسبب العمل فهل تترك الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة تعيش في بلد غير مسلم، ولا تستطيع أن تصلي كل صلاة في وقتها بسبب العمل، فهل تصوم أم تفطر؟ لأن الصلاة أهم من الصوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لمسلمٍ الإقامة في بلاد الكفر والسفر إليها من غير ضرورة تحوجه إلى ذلك، ويتحتم هذا المنع في حال عدم قدرته على القيام بشعائر الدين فيه، ومن أعظم شعائر الدين: الصلاة، فإذا كان الإنسان من أهل تلك البلاد، أو وفد إليها ثم عجز عن إظهار شعائر دينه فالواجب عليه أن يخرج من ديار الكفر إلى ديار المسلمين، ليتمكن من إظهار شعائر دينه، وليعلم أنه غير معذور ببقائه في تلك الديار إلا إن كان مستضعفاً لا يستطيع الهجرة بدينه من تلك البلاد إلى حيث يستطيع إظهار دينه.
قال ابن قدامة المقدسي:
... فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب؛ ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/98-99، ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة.
" المغني " (9 / 237، 238) .
ولما كان أكثر الناس إنما تحمله على الإقامة في بلاد الكفر حرصه على الدنيا، وشحّه بما فيها من كثرة في المال أو عز وجاه، أو أهل وإخوان، قال تعالى بعد ما أخبر عن حال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) النساء/100
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده، أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته أنه يجد مراغما في الأرض وسعة.
فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة، وفقرا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك. فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه، كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية، كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفاً، فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله، ومراغمتهم، فإن المراغمة: اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى، واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم وكذلك حصل لهم ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم يحصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة " اهـ.
ثانياً:
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح التأخير: النوم والنسيان، ولم يكن القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38.
وحذر الله تعالى عباده من الانشغال بأموالهم وأولادهم عن طاعته وذكره، وذكر لهم أن من فعل ذلك فهم الخاسرون حقاً، لا كما يظن من يفرط في دينه من أجل عمله ودنياه وشحّه بالربح العاجل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9
وهل للخاسرين على الحقيقة مصير، إلا مصير أئمة الكفر، الذين أضاعوا الدين شُحَّاً بدنياهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد (6540) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح
قال ابن القيم رحمه الله:
" وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو: أن تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف " اهـ. الصلاة وحكم تاركها (1/63)
وأما داهية الدواهي فهي التفكير في الفطر وترك الصيام، تبعاً لترك الصلاة.
وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فانظري يا أمة الله كيف جرَّك الشيطان إلى هدم عمود الدين، وركنه الثاني بعد الشهادتين، وهو الصلاة، ثم يجرك اللّعين بغروره إلى هدم ركن آخر، فثالث، فرابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأخت السائلة، إن سؤالك، بل إن مسئوليتك الواجبة عليه هي أن تبحثي عن الطريق لبناء ما هدمتيه من دينك بترك صلاتك، لا أن تسألي عن هدم ما هو قائم عندك من الأركان، فأي شرع، بل أي عقل يقول ذلك. قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91-92
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات، والنذور، والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا ... " ثم قال بعد كلام له: (ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي تغزل غزلاً قوياً، فإذا استحكم وتم ما أريد منه، نقضت غزلها من بعد قوة، فجعلته أنكاثا، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة " اهـ.
ونعم، الصلاة كما قلت أهم من الصوم، وهي خير ما فرضه الله على عباده من الأعمال، ولأجل ذلك نقول لك: صلِّي، يا أمة الله، واثبتي على صومك، وليس غير.
قد يضيق بك عملك، قد تخسرين عمله من أصله، قد ... ، وقد ...
لكن ليس إلا دينك، دينك دينك، لحمك ودمك.
والله يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1059)
حكم الإسلام في إقامة المشاريع الإسلامية على أيدي غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في إقامة المشاريع الإسلامية على أيدي جماعات تبشيرية مسيحية كانت أو يهودية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تسلم الأعمال الإسلامية كالتي ذكرتم إلى العمال من الكفرة، لأنهم لا يُؤمَنُون عليها، ولا يوثق بنصحهم؛ لقول الله عز وجل: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة/4، وقوله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة/71، وقال سبحانه: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الأنفال /73.
وقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قرار بمنع إسناد تعمير المساجد إلى غير المسلمين لما ذكرنا من الأدلة والعلة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 431.(1/1060)
مصاحبة النصارى والمخنثين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ولي الكثير من الأصدقاء النصارى من الذكور والإناث، هناك أحد الأصدقاء الذي أعتبره صديق بحق واكتشفت مؤخراً بأنه مخنث، أنا لا أريد أن أعامله بشكل مختلف ولكن أريد أن أعرف هل يجوز أن يكون لي صديق مخنث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يحرص على اتخاذ الرفقة الطيبة التي تعينه على الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) أخرجه البخاري (5534) ومسلم (2628) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ولا يجوز له اتخاذ أصدقاء من النصارى ولا من غيرهم من الكفار، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة / 51، وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران / 118.
قال السعدي رحمه الله:
هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار واتخاذهم بطانة أو خصيصة وأصدقاء.
تفسير السعدي ص 198
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) أخرجه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4045)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1937) .
فاترك مصاحبة النصارى، واستبدل بهم مسلمين، واحرص على صحبة الصالحين.
واعلم أنه لا يجوز للرجل مصاحبة الإناث ولا المخنثين، سواء كانوا مسلمين أم نصارى؛ لما في ذلك من الفتنة، ولما يكون معه من المحاذير الشرعية إما من الخلوة أو المصافحة أو ما هو أشد من ذلك.
أسأل الله أن يعصمنا جميعاً من الفتن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1061)
تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الجارات من غير المسلمات ومسلمات أيضا، لكن لي عليهن بعض الملاحظات، ما حكم تبادل الزيارات فيما بيننا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تبادل الزيارات في مثل هذا إذا كان للتوجيه والنصح والتعاون على البر والتقوى طيب مأمور به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتجالسين فيّ والمتباذلين فيّ) أخرجه الإمام مالك رحمه الله بإسناد صحيح، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) مثل بالرجلين، والحكم يعم الرجلين والمرأتين، فإذا كانت الزيارة لمسلمة أو نصرانية أو غيرهما لقصد الدعوة إلى الله وتعليم الخير والإرشاد إلى الخير لا لقصد الطمع في الدنيا والتساهل بأمر الله فهذا كله طيب، فإذا زارت المسلمة أختها في الله ونصحتها عن التبرج والسفور وعن التساهل بما حرم الله من سائر المعاصي، أو زارت جارة لها نصرانية أو غير نصرانية كبوذية أو نحو ذلك لتنصحها وتعلمها وترشدها فهذا شيء طيب ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) فإن قبلت فالحمد لله وإن لم تقبل تركت الزيارة التي لم يحصل منها فائدة.
أما الزيارة من أجل الدنيا أو اللعب أو الأحاديث الفارغة أو الأكل أو نحو ذلك - فهذه الزيارة لا تجوز للكافرات من النصارى أو غيرهن. لأن هذا قد يجر الزائرة إلى فساد دينها وأخلاقها، لأن الكفار أعداء لنا وبغضاء لنا، فلا ينبغي أن نتخذهم بطانة ولا أصحابا، لكن إذا كانت الزيارة للدعوة إلى الله والترغيب في الخير والتحذير من الشر فهذا أمر مطلوب، كما تقدم، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الآية.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/378(1/1062)
أسلم ولا يحب أن يترك وطنه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أسلم وأحب الإسلام وأهله ويبغض الشرك وأهله، وبقي في بلده الذي يَكْرَهُ أهلها الإسلام ويحاربونه ويقاتلون المسلمين، ولكنه يشق عليه ترك الوطن فلم يهاجر، فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" هذا الرجل يحرم عليه بقاؤه في هذا البلد ويجب عليه أن يهاجر فإن لم يفعل فليرتقب قول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً) النساء/ 97
فالواجب على هذا إذا كان قادراً على الهجرة أن يهاجر إلى بلد الإسلام، وحينئذ سوف ينسلخ من قلبه محبة البلد التي هاجر منها وسوف يرغب في بلاد الإسلام، أما كونه لا يستطيع مفارقة بلد يحارب الإسلام وأهله لمجرد أنها وطنه الأول فهذا حرام ولا يجوز له البقاء فيها.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/32.(1/1063)
حكم مساعدة الكفار في عدوانهم على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[تاجر مسلم عرض عليه فرص تجارية ذهبية عبر بيع معدات أو أغذية أو القيام بعقود صيانة ونقليات وتركيبات لجيش كافر يحارب المسلمين، فما حكم هذه الأعمال التجارية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرر علماء الإسلام أنه لا يجوز مظاهرة الكفار على المسلمين وأن ذلك كفر وردة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية المائدة / 51
وقد نص فقهاء الإسلام في كتبهم من أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من فقهاء الإسلام على تحريم بيعهم ما يستعينون به على المسلمين سلاحاً أو عتاداً أو دواباً فلا يجوز أن يعطوا طعاماً ولا أن يباع لهم طعام ولا شراب ولا ماء ولا خيام ولا شاحنات ولا نقل ولا أن تعقد معهم عقود صيانة أو نقليات ونحو ذلك كله حرام في حرام وآكله يأكل سحتاً، والسحت النار أولى به.
فلا يجوز أن يباعوا تمرة ولا أن يعطوا ما يستعينون به على عدوانهم ومن فعل ذلك فالنار النار وكل كسب خبيث فالنار أولى به بل إنه من أخبث الخبث.
لا يجوز أن يعطوا شيئاً فيه أدنى إعانة على المسلمين
قال النووي في "المجموع":
وَأَمَّا بَيْعُ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ..اهـ.
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين":
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّلاحِ فِي الْفِتْنَةِ. . . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَتَضَمَّنُ الإِعَانَةَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَفِي مَعْنَى هَذَا كُلُّ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَبَيْعِ السِّلاحِ لِلْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. . . أَوْ إجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يُقِيمُ فِيهَا سُوقَ الْمَعْصِيَةِ , وَبَيْعِ الشَّمْعِ أَوْ إجَارَتِهِ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ عَلَيْهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيُسْخِطُهُ اهـ
وفي الموسوعة الفقهية (25/153) :
يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ وَلِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إثَارَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمْ , وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْمِلَ إلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ سِلَاحًا يُقَوِّيهِمْ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَلا كُرَاعًا , وَلا مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ (الكراع هي الخيل) ; لأَنَّ فِي بَيْعِ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ , وَبَاعِثًا لَهُمْ عَلَى شَنِّ الْحُرُوبِ وَمُوَاصَلَةِ الْقِتَالِ , لاسْتِعَانَتِهِمْ بِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ اهـ.
وهذه المسألة ليست من المعاصي العادية أو الصغائر بل إنها مسألة متعلقة بأصل العقيدة والتوحيد وموالاة المسلم لدين الله وبراءته من أعداء الله هكذا نص الأئمة في كتبهم على هذا.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في (فتاواه) (1/274) :
"وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة / 51 ".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1064)
حكم السكن مع العوائل في الخارج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السكن مع العوائل لمن سافر إلى الخارج للدراسة لأجل الاستفادة من اللغة أكثر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز السكن مع العوائل لما في ذلك من تعرض الطالب للفتنة بأخلاق الكفرة ونسائهم، والواجب أن يكون سكن الطالب بعيدا عن أسباب الفتنة، وهذا كله على القول بجواز سفر الطالب إلى بلاد الكفرة للتعلم، والصواب أنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار للتعلم إلا عند الضرورة القصوى، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة وأن يكون بعيدا عن أسباب الفتنة،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يزايل المشركين) أخرجه النسائي بإسناد جيد. ومعناه: حتى يفارق المشركين إلى المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على المسلمين الحذر من السفر إلى بلاد أهل الشرك إلا عند الضرورة القصوى، إلا إذا كان المسافر ذا علم وبصيرة ويريد الدعوة إلى الله والتوجيه إليه فهذا أمر مستثنى، وهذا فيه خير عظيم. لأنه يدعو المشركين إلى توحيد الله ويعلمهم شريعة الله، فهو محسن وبعيد عن الخطر لما عنده من العلم والبصيرة والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/381.(1/1065)
مصادقة الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلمة أن تتخذ كافرة صديقة لها إذا كانت محتشمة ومؤدبة جدّاً دون إهمال دينها؟ .
وهل هناك عقوبة شديدة إذا فعلت هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن مصاحبة المسلمة للكافرة مضرة لها في دينها، والكافرة لا تتخلق بما تتخلق به المسلمة ولا تَدين لله تعالى بدين الإسلام، وعليه فإنها لا تتورع عن فعل ما يضر هذه المسلمة التي قد تغتر باحتشام أو أدب هذه الكافرة خاصة ما يضر في الدين.
كما أن مصادقتها والأنُس معها قد تولد في القلب نوعاً من الرضا ببعض ما تؤديه من شعائر دينها وتُضعف البراءة والمعاداة في الله.
بل قد تقود بعض الجهلة إلى عدم الرضا بحكم الله تعالى على الكفار بالكفر والخلود في النار والعياذ بالله تعالى.
ومن هنا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامَك إلا تقي " رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) ، وصححه ابن حبان (2 / 314) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (7341) .
ولا نعني بهذا المقاطعة التامة بين المسلمة والكافرة بل لها أن تزورها وتعودها وتهديها هدايا – من غير مودة قلبية ولا مشاركة في أعيادهم -، وعلى الأخت المسلمة أن تقصد في مثل هذه الزيارت والهدايا دعوة هذه الكافرة للإسلام، وقد فعل ذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك حديثان:
1. عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ دخل عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة / 113.
رواه البخاري (4398) ومسلم (24) .
2. عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النَّبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم يعودُه فقعد عند رأسه، فقال له: أسلِم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلَّى الله عليه وسلم فأسلَم، فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النَّار. رواه البخاري (1290) .
وقد أذن النَّبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر باستقبال أمها المشركة، وأهدى عمر رضي الله عنه أخاه المشرك ثوباً.
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي راغبة أفأصِلُ أمِّي؟ قال: نعم صِلِي أمَّكِ. رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) .
ومعنى " راغبة ": أي: راغبة في بر ابنتها.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريتَها فلبستَها يوم الجمعة وللوفد، قال: إنَّما يلبسها من لا خَلاق له في الآخرة، ثم جاءت حُلَل فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة، وقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخا له بمكة مشركاً.
رواه البخاري (2470) ومسلم (2068) .
قال الشيخ صالح الفوزان:
زيارة الكفار من أجل دعوتهم إلى الإسلام لا بأس بها، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم عمَّه أبا طالب وهو يحتضر ودعاه إلى الإسلام، وزار اليهودي ودعاه إلى الإسلام.
أما زيارة الكافر للانبساط له والأنس به فإنها لا تجوز لأن الواجب بغضهم وهجرهم، ويجوز قبول هداياهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبِل هدايا بعض الكفار، مثل هدية المقوقس ملك مصر، ولا تجوز تهنئتهم بمناسبة أعيادهم لأن ذلك موالاة لهم وإقرار لباطلهم. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 255) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1066)
إقامة حفلات توديع للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقيم حفلاً لتوديع موظف غير مسلم كان يعمل معنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إقامة حفل لتوديع الكفار فيه نوع إكرام وتعظيم لهم، وهم ليسوا أهلاً للإكرام وقد كفروا بالله تعالى وسبوه وتجرأوا عليه.
روى الإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قُلْت لِعُمَرِ: إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ: ما لَك قَاتَلَك اللَّهُ! أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) المائدة /51. أَلا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا (يعني: مسلماً) قَالَ: قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ. قَالَ: لا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ.
انظر "مجموع الفتاوى" (25/327) .
وقال عمر بن الخطاب أيضاً في خصوص النصارى: أهينوهم ولا تظلموهم، فقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر.
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم إقامة حفل توديع للكافر عند انتهاء عمله؟ وحكم تعزية الكافر؟ وحكم حضور أعياد الكفار؟
فأجاب بقوله: "هذا السؤال تضمن مسائل:
الأولى: إقامة حفل توديع لهؤلاء الكفار0 لا شك أنه من باب الإكرام أو إظهار الأسف على فراقهم، وكل هذا حرام في حق المسلم قال النبي صلى لله عليه وسلم: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) . والإنسان المؤمن حقاً لا يمكن أن يكرم أحداً من أعداء الله تعالى والكفار أعداء الله بنص القرآن قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) البقرة/98.
المسألة الثانية: تعزية الكافر إذا مات له من يعزى به من قريب أو صديق. وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة. ومنهم من فصل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً.
والراجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً وإلا فينظر في المصلحة.
المسألة الثالثة: حضور أعيادهم ومشاركتهم أفراحهم، فإن كانت أعياداً دينية كعيد الميلاد فحضورها حرام بلا ريب، قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم. والله الموفق" اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/303) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1067)
تقاطع البضائع الأمريكية فهل تترك المعهد لأنه يدرس مواد أمريكية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في معهد لدورات الكمبيوتر وجميع المواد التي أدرسها في المعهد كلها من شركة مايكروسوفت الأمريكية , فبرامج الكمبيوتر كلها من ميكروسوفت الأمريكية اليهودية , ونحن نقوم بدفع مبلغ من المال شهريا للدراسة , والمشكلة أيضا أني اخترت أن أتخصص في إدخال قواعد البيانات وهو ما يسمى بالأوراكل , وهو منتج يهودي مائة بالمائة.
وفكرت أن أخرج من المعهد من أجل هذا السبب , وهو أني أدفع لهم مبلغا شهريا , وجزء منه تشترى به الكتب من أمريكا ذاتها.
وقد فكرت في ترك المعهد لأني برأيي الشخصي أقاطع منتجات بسيطة كالأشربة والأطعمة والعطور , وكانت لها نتيجة ولله الحمد , ولكن الغرض هو مقاطعه المنتجات الكبيرة , فأنا أعتقد لو تركت المعهد أكون أكثر تعاونا مع إخواني في المشرق والمغرب المظلومين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق الكلام على المقاطعة الاقتصادية وأهميتها وأنها نوع من جهاد أعداء الله، وذلك في جواب السؤال رقم 20732.
وهناك أسباب ترفع الحرج عن المسلم في تعامله بالبيع والشراء من غير المسلمين وقد سبق ذكر بعضها في إجابة السؤال رقم (6699) .
ويضاف هنا: إذا كانت البضاعة الأمريكية أو اليهودية فيها نفع للمسلمين، ولم يمكن تحصيلها من شركات أو دول إسلامية، فلا حرج في شرائها، لا سيما إذا كانت برامج وتقنيات يستفاد منها في أمور أخرى متنوعة، وليست مجرد سلع استهلاكية.
فإذا كانت الدراسة في معهد الحاسب الآلي ترجين من ورائها تحصيل علم وخبرة، فلا حرج عليك في المواصلة، والاستفادة من البرامج المتوفرة في المعهد، كما أنه لا حرج عليك في التخصص في إدخال قواعد البيانات المعتمد على ما يسمى بالأوراكل.
ولتكن نيتك هي نفع المسلمين، والاستفادة من كل علم متقدم يسهم في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1068)
عداوة الكفار للمؤمنين دائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يدعي أن الكفار يحبون المسلمين، وأنهم يريدون لنا الخير، فما رأيكم فيما يقولون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- عداوة الكفار من أهل الكتاب , والمشركين , والمنافقين للمؤمنين قائمة إلى أن تقوم الساعة، وصراع الحق والباطل باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما قال سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة / 217.
- ولما كان الإسلام يحكم المؤمنين بالعدل ويعطي كل ذي حق حقه، وهم لا يريدون ذلك، لذلك اجتهدوا في محاربة الدين ورد الحق بالباطل، ولكن هيهات. فالدين باق والله متم نوره ولو كره الكافرون، قال تعالى: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولوكره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف /7-9.
- إن الكفار يريدون أن تقف أمم الأرض في الكفر صفاً واحداً: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) النساء / 89.
- والذين كفروا ينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله , في كل زمان ومكان، لنشر الفساد وإشعال الحروب وقتل المؤمنين، ويأبى الله إلا أن يخذلهم وينصر دينه كما قال سبحانه: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) الأنفال/36.
- وقد أخبر الله عن شدة عداوة الكفار للمسلمين بقوله: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) البقرة/105.
- والكفار مهما عملوا فعداوتهم لا تنقطع، فهم وإن نطقت ألسنتهم بالموادعة، فإن قلوبهم تأبى إلا الغدر والكيد للإسلام وأهله: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) التوبة/8.
- والمنافقون كفار بين المسلمين، البغضاء تبدو من أفواههم، والحقد يملأ قلوبهم، ولكن الله لهم بالمرصاد، كما قال سبحانه: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) آل عمران/120.
- وأهل الكتاب يكفرون بآيات الله، ويلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق ويكيدون للإسلام، ليردوا المسلمين عن دينهم كما أخبر الله عنهم بقوله: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون، يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون، وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) آل عمران/72.
- وقد بين الله بالنص الصريح أن طاعة الكفار مهما كانت سببٌ للهلاك والخسارة وأن طاعته سبحانه هي سبيل العز والنصر والتمكين كما قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) آل عمران/149.
- وجميع الكفار من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين كلهم أعداء للمسلمين فلا يجوز الاعتماد عليهم، أو الركون إليهم كما قال سبحانه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) هود/113.
- وقد حذرنا الله من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فإن خاف المسلمون شرهم جاز اتقاء شرهم بالظاهر، مع بغضهم بالباطن كما قال سبحانه: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) آل عمران/28.
- وحذرنا الله من موالاة اليهود والنصارى، وبين أن من والاهم كان منهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة/51.
- وجميع الكافرين من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين كلهم يوم القيامة في جهنم كما قال تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) البينة/ 6.
- والكفار واليهود هم أحرص الناس على الحياة، لأنهم يعلمون أنه لا حظ لهم في الآخرة، فهم يكرهون الموت خوفاً مما بعد الموت كما قال سبحانه عن اليهود والمشركين: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) البقرة/96.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/1069)
يتظاهر بأنه غير مسلم في قنوات الحوار الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدخل إلى القناة الإسلامية للمحادثة في الإنترنت وأخاطب الناس على أني غير مسلم وأسألهم أسئلة عن الإسلام؟ هل هذا جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما هي الفائدة من وراء هذا العمل؟ إذا كان لإشغال المسلمين واستنفاذ جهودهم من غير حاجة فهذا إيذاء وقد قال الله تعالى " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا " الأحزاب/58 زد على ذلك ما قد يشتمل عليه من الكذب والإيهام. وإذا أردت الفائدة للقراء أو لغير المسلمين فاسلك في ذلك السّبل الشرعية - وما أكثرها -، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1070)
هل يقال للكافر جزاك الله خيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نقول (جزاك الله خيرا) لغير المسلم إذا عمل لنا عملا، أو قدم لنا مساعدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الدعاء للكافر بالخير، فليس أهلا له، وإنما إذا عمل عملا نافعا ونحو ذلك فإنك تشكره بقولك: شكرا، أو أشكرك، لحديث: " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " حديث صحيح رواه الإمام أحمد (2/258) ، والأولى ان تستعمل كلمة الشكر بلغته أي بغير العربية، ويكفي الإشارة إلى اعترافك بفعله الجميل، مع ملاحظة أنه لا يجوز استعمال الكافر، ولا قبول مساعدته، - إلا عند الحاجة- لما فيه من تحمل المنة، وفي الأثر: اللهم لا تجعل لمبتدع علي منَّة فيودُّه قلبي.
اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص45
وسألته شفويا عن ذلك فذكر القيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1071)
بيع بطاقات أعياد النّصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل محاسب. وفي العمل يوجد بطاقات عيد ميلاد المسيح عليها عبارات شركية مثل (عيسى هو الله - وهو يحبك) … الخ. إذا كان العميل يحضر لي هذه البطاقات فأبين له أنصحه) ، وأضع النقود في آلة التسجيل. فهل أنا كافر؟ أنا أكره الشرك، وأكره المسيحية، وأكره المسيحيين، فهل أنا كافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت مؤمنا كارها للشرك كارها لدين النّصارى فلست بكافر بل أنت مسلم ما دمت على التوحيد ولم ترتكب ما يُخرج من الدّين، ولكن لا بدّ أن تعلم أنّه لا يجوز لمسلم أن يعين الكفار بأي وسيلة على إقامة أعيادهم والاحتفال بها ومن ذلك بيع ما يستخدمونه في أعيادهم. قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: " فأمّا بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والرّيحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرّم. وهو مبني على أصل وهو: أنّه لا يجوز أن يبيع الكفّار عنبا أو عصيرا يتخذّونه خمرا. وكذلك لا يجوز أن يبيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما. "
ثمّ نقل عن عبد الملك بن حبيب من علماء المالكية قوله: " ألا ترى أنّه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا من النصّارى شيئا من مصلحة عيدهم؟ لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يُعارون دابّة ولا يعاونون على شيء من عيدهم لأنّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم.." الاقتضاء ص: 229، 231 ط. دار المعرفة بتحقيق الفقي.
نسأل الله أن يثبتك على الحقّ ويجنبّك الباطل ويرزقك من لدنه رزقا حسنا. وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1072)
حكم مشاركة الكفار في أعيادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت الكثير من المسلمين يشاركون في احتفالات الكريسمس وبعض الاحتفالات الأخرى.
فهل هناك أي دليل من القرآن والسنة يمكن أن أريه لهم يدل على أن هذه الممارسات غير شرعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز مشاركة الكفار في أعيادهم للأمور التالية:
أولاً: لأنه من التشبه و " من تشبه بقوم فهو منهم. " رواه أبو داود (وهذا تهديد خطير) ، قال عبد الله بن العاص من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت خسر في يوم القيامة.
ثانياً: أن المشاركة نوع من مودتهم ومحبتهم قال تعالى: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء …) الآية، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق …) الآية.
ثالثاً: إن العيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية كما دل عليه حديث: " لكل قوم عيد وهذا عيدنا " وعيدهم يدل على عقيدة فاسدة شركية كفرية.
رابعاً: (والذين لا يشهدون الزور …) الآية فسرها العلماء بأعياد المشركين، ولا يجوز إهداء أحدهم بطاقات الأعياد أو بيعها عليهم وجميع لوازم أعيادهم من الأنوار والأشجار والمأكولات لا الديك الرومي ولا غيره ولا الحلويات التي على هيئة العكاز أو غيرها.
وقد سبقت إجابة عن سؤال مشابه فيها مزيد من التفصيل تحت رقم 947.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1073)
اتخاذ الصداقات مع الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[عزيزي الشيخ سؤالي لك هو: ما إذا كان يجوز للمسلمين أن يكون لهم أصدقاء من غير المسلمين، مشكلتي أنني أعيش في بلد ليس فيها العديد من المسلمين وأصدقائي من غير المسلمين أشخاص جيدون، ولكنهم يقترفون الشرك، إذا توقفت عن اتخاذ أصدقاء غير مسلمين فكيف لهم أن يعرفوا الحق ويعتنقوا الإسلام؟ ولكن من جهة أخرى إذا لم يكونوا مهتمين بالاهتداء للإسلام فهل تبقى علاقتي معهم مستمرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهى الله تعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود وغيرهم من الكفار ولاء ود ومحبة وإخاء ونصرة وأن يتخذونهم بطانة ولو كانوا غير محاربين للمسلمين قال تعالى: (لا تجدوا قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله.. الآية) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاًَ ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر _ إلى قوله تعالى _ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم _ إلى قوله _ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) وما في معناه من نص من الكتاب والسنة ولم ينه الله تعالى المؤمنين عن مقابلة معروف غير الحربيين بالمعروف أو تبادل المنافع المباحة من بيع وشراء وقبول الهدايا والهبات قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) .
وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز - رحمه الله -
فتاوى اللجنة الدائمة م2 ص 42.
وبالإضافة لما تقدّم عليك بملاحظة الفروق التالية:
- فرق بين المعاملة الحسنة للكافر وبين اتخاذه صديقا.
- فرق بين الاستفادة منه في أمر تجاري أو دراسي والاشتراك معه في ذلك وبين المصادقة التي تستلزم المحبّة والملازمة والتأثّر.
- فرق بين إقامة علاقة معه لدعوته وبين المصاحبة دون قصد شرعيّ. فلتكن معاملتك لمن حولك من الكفار بهذا القصد. ونسأل الله أن يوفقك لنصرة دينه وصحبة أهل طاعته وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1074)
مشاركة الكفار احتفالاتهم ليشاركونا احتفالاتنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن نشارك في احتفالات غير المسلمين فقط لكي نجذبهم لكي يشاركونا في احتفالاتنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت هذه الاحتفالات أعياد الكفار والمشركين فلا يجوز مشاركتهم في تلك الأعياد المحدثة، لما في تلك المشاركة من الإعانة على الإثم والعدوان، كما أن مشاركتهم في أعيادهم من صور التشبه بالكفار، وقد نهى الشارع عن التشبه بهم، قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه أبو داود وأحمد، وكان عمر رضي الله عنه يقول: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) أخرجه البيهقي.
وإن كانت المشاركة في وليمة مثلاً ولا يقع فيها شيء من المحاذير الشرعية كاختلاط الرجال بالنساء أو يُتعاطى فيها ما حرم الله من خمر أو خنزير أو رقص وموسيقى ونحوها، وكانت هذه المشاركة لا تفضي إلى محبة أو مودة لهؤلاء الكفرة فلا بأس بإجابة دعوتهم، وأن يسعى إلى تبليغهم دين الإسلام، فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة بعض اليهود، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1075)
تعلم اللغة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعلم اللغة الإنجليزية حرام أم حلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هناك حاجة دينية أو دنيوية إلى تعلم اللغة الإنجليزية، أو غيرها من اللغات الأجنبية فلا مانع من تعلمها، أما إذا لم يكن حاجة فإنه يكره تعلمها.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12/133.(1/1076)
الأرقام العربية والأرقام الأوربية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (1-2-3-4 ألخ) هي أرقام هندية، وأن الأرقام الأوربية (etc 4-3-2-1) هي الأرقام العربية الأصلية، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية، داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوربية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الإقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية و (الكمبيوتر) التي لاتستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوربي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه فما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية:
أولاً: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية، بل إن المعروف غير ذلك، والواقع يشهد له، كما أن مضيّ القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاما عربية، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية، حتى أنه يوجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم (وهي الكلمات التي توصف بأنها كلمات معربة)
ثانياً: أن الفكرة لها نتائج سيئة، وآثار ضارة، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً.
ثالثاً: أنها ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد.
رابعاً: أنها مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه.
خامساً: أن جميع المصاحف والتفاسير، والمعاجم، والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع، وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الافرنجية الحالية (عوضاً عنها) ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر.
سادساً: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية، فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة، فليس عملها حجة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ص 528(1/1077)
الدعاء للوالدين غير المتيقن إسلامهما
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان أسلم، وكان أبواه كافرين، وسبي وهو صغير، ومات الأبوان وما يعلم هل أسلما أم لا؟ ويغلب على ظنه إسلام أمه دون إسلام الأب، هل له الاستغفار والدعاء لهما بالرحمة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يدعو لهما بأعيانهما، لأن الأصل بقاؤهما على الكفر، والدعاء للكافر حرام.
قال الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) سورة التوبة /113.
لكن يستحب أن يدعو بالمغفرة والرحمة لكل مسلم من والدِيه كلهم، فيدخل فيه من أسلم من أبيه وأمه، وأجداده، وجداته إلى آدم وحواء عليهما السلام، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 84(1/1078)
الخدمة العسكرية في جيوش الكفار وتولي وظائف دينية فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الخدمة العسكرية في جيوش الكفار؟ وما هو دليل الإباحة أو التحريم؟
وما هو الحكم إذا كان الشخص يعمل ليساعد الذين يعملون في الجيش على أدائهم لحقوق الله أثناء عملهم في الجيش أو البحرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي:
الحمد لله رب العالمين: الأمور العسكرية مشكلة لأنه يلزم منها مساعدة هؤلاء الكفار في حروبهم مع المسلمين أو مع من بينهم وبين المسلمين عهد، وأما إذا كان لا يلزم هذا فقد يكون من المصلحة أن يشتغل في العسكرية ليعرف أسرارهم ويحذر من شرهم. أي إذا كان عمله يفيد المسلمين وإلا فلا. أهـ
وبناء عليه فإذا كان يعمل واعظا أو داعية أو إمام أو مؤذنا ينفع المسلمين ويدعو غير المسلمين فلا بأس بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1079)
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى: (لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
امرأة تقول: أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه، فماذا أفعل؟
الجواب:
لابد أن تنفصل عنه، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام؟ فتقول: إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام.
سؤال:
إذا أسلمت، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت؟
جواب:
إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة.
سؤال:
وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا؟
جواب:
الاحتياط أن لا تكشف؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق.
سؤال:
ولا الخلوة؟
جواب:
ولا الخلوة.
سؤال:
إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب، فنقول: أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار؟
الجواب:
لا، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر: أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه.
سؤال:
فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة؟
جواب:
نعم، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا؟!!
سؤال: ما ملخص ما نجيبها به؟
جواب:
نقول لها: أسلمي، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح. انتهى.
وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض:
- تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد
- أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها
- أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه
- أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله
وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(1/1080)
لبس زي غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته، وثبت في صحيح البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قباء في بعض الأوقات، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الإمام النووي ص 61.(1/1081)
مسلمة يحتفل أهلها الكفار بأعيادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[والداي وأخواي ليسوا مسلمين ويصرون على الاحتفال بيوم ميلادي فيرسلون لي رسائل ويتصلون بي ويغنون أغنية عيد الميلاد، وقد قلت لهم إن هذا اليوم كأي يوم آخر.
أنا المسلمة الوحيدة في العائلة ومتزوجة بمسلم وأعيش في منطقة أخرى في كندا بعيدا عن عائلتي.
هذه السنة فصلت الهاتف ذلك اليوم لكي لا أستقبل مكالماتهم، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهنئك أيتها الأخت الكريمة علىهذا الثبات على الدين، والإبتعاد عن البدع والشرك، نسأل الله أن يثبتك ويدخلك جنته إنه سميع مجيب.
واحرصي كل الحرص على عدم التهنئة بأعياد المشركين، فإنها من التشبه بهم، ومعناها إقرارهم على باطلهم، وحبذا لو عرف أهلك لماذا لا تردين عليهم حتى لا يتكرر منهم الإتصال.. واسألي الله الثبات. وفقك الله لما يحبه ويرضاه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1082)
مشكلة الذوبان اللغوي للمسلمين في الخارج
[السُّؤَالُ]
ـ[نواجه نحن المسلمين في الخارج مشكلة الذّوبان اللغوي بحيث نتكلّم بلغة الكفّار في بلاد الغرب من حيث نشعر ولا نشعر، مماشاةً لمن حولنا وتأثّرا بالوسط الذي نعيش فيه، فما هو موقف الشريعة من هذا الأمر وكيف نتغلّب على المشكلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اذكر شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله في شأن هذه المشكلة وتبيان خطرها وأثرها والموقف الشّرعي منها كلاما متينا نفيسا هذا نصّه:
" وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم.
ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وارض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه.
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله.. " اقتضاء الصراط المستقيم 2/207
وننصح بالإضافة لما تقدّم بما يلي:
- أن يجاهد المسلمون أنفسهم هم وأهلوهم وأولادهم على أن يتكلموا باللغة العربية في بيوتهم ومنتدياتهم واجتماعاتهم وأن يكون الوالدان قدوة للأولاد داخل البيت في هذا وان يتعمّدا أحيانا عدم إجابة الولد إذا لم يتكلّم باللغة العربية.
- الحرص على إدخال الأولاد المدارس والأكاديميات العربية ما أمكن ذلك.
- أن تعيش العوائل المسلمة في تجمعات سكانية ما أمكن حيث يكون المحيط والجيران والبيئة الصغيرة عربية اللغة.
- الاجتهاد في إقامة دورات لتعليم اللغة العربية واحتساب الأجر في ذلك والتقرّب إلى الله به وكذلك متابعة تعلّم اللغة العربية في الكتب والأشرطة والوسائل التعليمية الحديثة.
- السماع المستمر للقرآن الكريم المسجّل وأشرطة الدروس والمحاضرات الإسلامية باللغة العربية.
والله وليّ التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1083)
حكم المشاركة في بعض الاحتفالات السنوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في المشاركة في بعض الاحتفالات والمناسبات السنوية مثل اليوم العالمي للأسرة، واليوم الدولي للمعاقين والسنة الدولية للمسنين، وكذا بعض الاحتفالات الدينية كالإسراء والمعرج والمولد النبوي والهجرة وذلك بإعداد بعض النشرات أو إقامة المحاضرات والندوات الإسلامية لتذكير الناس ووعظهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لي أن هذه الأيام التي تتكرر في كل سنة والاجتماعات هي من الأعياد المحدثة، والشرائع المبتدعة التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطاناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
وقال أيضاً: (إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) متفق عليه.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام طويل في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم) في ذم المواسم والأعياد المحدثة التي لا أصل لها في الشرع الحنيف، وأن ما تشتمل عليه من الفساد في الدين ليس كل أحدٍ بل ولا أكثر الناس يُدرك فساد هذا النوع من البدع، ولا سيما إن كانت من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم الذين يدركون بعض ما فيه من الفساد.
وأن الواجب على الخلق: اتباع الكتاب والسنة، وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة.
وأن من أحدث عملاً في يوم كإحداث صوم أو صلاة أو صنع أطعمة أو زينة وتوسيع في النفقة ونحو ذلك، فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو قلب متبوعه، لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع.
وأن العيد يكون اسماً لنفس المكان ولنفس الزمان، ولنفس الاجتماع، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء.
أما الزمان فثلاثة أنواع، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال.
إحداهما: يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر عند السلف، لا جرى فيه ما يوجب تعظيمه.
النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه.
وإن من فعل ذلك فقد شابه النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود، وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتُبع، وإلا لم يُحدث في الدين ما ليس منه.
وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً.. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع فيه لو كان خيراً ...
النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين وغيرها، ثم يحدث فيه أهل الأهواء ما يعتقدون أنه فضيلة وهو منكر ينهى عنه، مثل إحداث الروافض التعطش والحزن في يوم عاشوراء وغير ذلك، من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس وللجمعة وللعيدين وللحج، وذلك هو المبتدع المحدث.
وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سنناً ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه، وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه بخلاف ما يفعله الرجل وحده أو الجماعة المخصوصة أحياناً. انتهى ملخصاً.
وبناء على ما سبق: لا يجوز للمسلم المشاركة في هذه الأيام التي يحتفل بها في كل عام، وتتكرر في كل سنة، لمشابهتها لأعياد المسلمين كما مر معنا، أما إن كانت غير متكررة، وقَدر فيها المسلم على بيان الحق الذي يحمله وتبليغه للناس فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل /محمد الحمود النجدي ص31.(1/1084)
أسلم وله أصدقاء كفار
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لي أصدقاء غير مسلمين قبل أن أسلم فهل يمكن أن أبقي على صداقتي بهم؟ أم يجب أن أصادق المسلمين فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا يجب عليه (قطيعة زملائه الكفّار) مادام أنه ليس منهم أذية، لكن ينسحب منهم شيئا فشيئا، ويعرض عليهم الإسلام لعلهم إذا رأوه قد أسلم أنهم يسلمون. انتهى والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(1/1085)
حكم الحصول على الجنسية الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحصول على الجنسية الكافرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(1/1086)
من لم يعتقد كفر الكفار فهو كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الشخص إذا لم يقتنع بأن الكافر كافر فإنه يكفر هو؟ حتى لو أنه يصلي ويؤمن بالقرآن والسنة.
إذا كان الجواب نعم فما هو الدليل على هذا؟
هل يمكن للشخص أن يؤمن بأن اليهود والنصارى مؤمنون وسيدخلون الجنة بعد أن تم تبيين الحقيقة لهم، ولا يزال يعتبر مسلماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
1. نعم صحيح، ومن لم يقتنع بكفر الكافر في دين الله فما صدَّق ما أخبر الله تعالى به من كفرهم، وما اعتقد أن دين الإسلام ناسخ لما قبله من الأديان، وأن على كل أحد من الناس أن يتبع هذا الدين كائناً ما كان دينه قبل ذلك.
قال الله عز وجل {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران 85] ، وقال {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف 158] .
2. قال القاضي عياض: ولهذا نكفِّر كل من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحَّح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك. أ. هـ " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 1071) .
3. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له والدليل قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة: كفرَ إجماعاً.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم: كفَرَ إجْماعاً.
- وبعد أن عددها قال رحمه الله: -
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا ومن أكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه وصلى الله على محمد. مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (212، 213) .
4. والشرك والكفر سواء في الحكم.
قال ابن حزم:
الكفر والشرك سواء، وكل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي وغيره.
"الفِصَل" (3/124) .
5. واليهود والنصارى كفار مشركون قال تعالى {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ….. سبحانه عما يشركون} [التوبة 30، 31] .
= عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". رواه مسلم (153) .
فمن قال إن اليهود ليسوا كفارا فهو مكذب بقوله تعالى عن اليهود: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ.. (93) البقرة
ومكذّب بقوله تعالى: (مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ.. (46) النساء
ومكذّب بقوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.. (157) النساء
ومكذّب بقوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) النساء
ومن قال إن النّصارى ليسوا كفارا فهو مكذّب بقول الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.. (17) المائدة
ومكذّب بقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّ يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة
ومكذّب بقوله تعالى عن اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بنبينا ولا يتبعونه:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) النساء
فماذا بقي بعد هذا البيان من الله عزّ وجلّ؟! ، نسأل الله الهداية، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1087)
ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك المسلمين التعاون فيما بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر - فهذا حرام لما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل عنه إلى غيره، ولو كان كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/18.(1/1088)
يُدعى للذهاب مع الكفّار إلى أماكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في مجتمع كافر وأظن أن المسلمين من عمري لا يطبقون الإسلام كما يجب، بعض الأحيان أُدعى للذهاب لأماكن وفعل أشياء مع غير المسلمين ولست أدري هل هذا تصرف صحيح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
ذهابك مع غير المسلمين وصنعك معهم أشياء لا تدري ما حكمها نقول لك فيه ما يلي:
لا يجوز لك أن تفعل شيئاً يختص بالكفار، وأن تشاركهم به، وإذا كنت تقول الآن إنك لا تدري ما الحكم: فنقول لك إنك قد تشارك في بعض الأشياء عندهم وهي في شرعنا من الكفر، وذلك مثل المشاركة في أعيادهم وصومهم، وإن سلمْتَ من الكفر فلا تسلم من الوقوع في كبائر الإثم، كذا قرر الأئمة أمثال ابن القيم في كتابه " أحكام أهل الذمة "، وشيخه ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم ".
= بل وحتى لو كنت تعلم ثم فعلت مثل هذه الأفعال مجاملة أو تودداً: فإنك لا تسلم من الإثم.
قال الشيخ محمد الصالح ابن عثيمين: ومن فعل شيئاً من ذلك - أي: المشاركة في احتفالاتهم - فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو تودُّداً أو حياءً، أو لغير ذلك مِن الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومِن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. أ. هـ " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (3/110) .
وإذا كان ذهابك معهم في غير مناسبات أعيادهم لحضور حفلات واجتماعات فيها رقص وغناء وموسيقى واختلاط وتبرّج فهذا حرام ولا يجوز.
وإن كان ذهابك مع الكفار لحضور اجتماع عاديّ كمحاضرة علميّة ليس فيه محّرم فلا بأس بذلك مع الانتباه لما قد تنجرّ إليه من وراء كثرة المخالطة للكفّار، واحرص على الالتزام بالاجتماع إلى المسلمين الطيّبين، وفقك الله لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1089)
السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[إني فتاة في الخامسة عشرة من عمري وأهلي يكثرون من السفر للخارج ويجبرونني على السفر معهم وعلى خلع العباءة ولبس ملابس أخرى، علما بأني أستر رجلي تماما وإني أشعر بضيق، ولا أستطيع لبس العباءة لأنني أحرج ويستغرب الناس فما الحل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل هذا ليس بعذر، فالحق من شأنه أن يستغربه الناس لا سيما منهم من نشأ على الباطل، فعليك ألا تسافري - إن أمكن - إلى بلاد الكفر، فالمسافر عندما يشاهد الأوروبيين وغيرهم من ملة الكفر على هذه الحالة السيئة يخف وقع أوامر الإسلام في قلبه ولا يبالي بها، فقد يستغرب أول ما يرى ما هم فيه وينكر عليهم ويبغض هذا الشيء، لكن بالتكرار يألفه ويعتاده، وربما مالت نفسه إليه، فلا يجوز السفر مهما كانت الحالة، إلا في الحالات الضرورية. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 22.(1/1090)
تولية غير المسلم على بيت مال المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يهودي ولي صيرفيا في بيت مال المسلمين ليزن الدراهم المقبوضة والمصروفة، وينقدها، ويعتمد في ذلك قوله، هل تحل ولايته أم لا؟ وهل يثاب ولي الأمر على عزله واستبدال ثقة مسلم بدله، وهل يثاب المساعد في عزله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل تولية اليهودي ذلك، ولا يجوز إبقاؤه فيها، ولا يحل اعتماد قوله في شيء من ذلك، ويثاب ولي الأمر وفقه الله تعالى في عزله، واستبدال مسلم ثقة، ويثاب المساعد في عزله.
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم " آل عمران: 118 إلى آخر الآيات، ومعناها لا تتخذوا من يداخل بواطن أموركم من دونكم، أي من غيركم، وهم الكفار، لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون فيما يقدرون على إيقاعه من الفساد والأذى والضرر، قد بدت البغضاء من أفواههم، يقولون نحن أعداؤكم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 225(1/1091)
حكم الدعوة إلى وحدة الأديان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعوة إلى (وحدة الأديان) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان) : دين الإسلام، ودين اليهودية، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر الكتب نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) .
ثالثاً: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) ، وقوله عز وجل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله سبحانه: (وإن منهم فريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) . ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟! لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي وغيرهم.
رابعاً: من أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من الأنبياء حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك، كما قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) ، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بشريعته، وقال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) . كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وغيرها من الآيات.
خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) وقال جل وعلا: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) ، وقال تعالى: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ، وقال تعالى: (هذا بلاغ للناس وليُنذَروا به) وغيرها من الآيات، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ". ولهذا فمن لم يُكَفِّر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: " من لم يُكفِّر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر ".
سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصرفها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقوله جل وعلا: (ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) .
سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، ويقول جل وعلا: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) .
ثامناً: إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتُبطل صدق القرآن ونَسْخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعاً: وبناءً على ما تقدم:
1 - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
2 - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل) .
3 - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله، لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، بل هي بيوت يُكفَرُ فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (22/162) : " ليست - البِيَع والكنائس - بيوتاً لله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوتٌ يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها الكفار، فهي بيوت عبادة الكفار ".
عاشراً: ومما يجب أن يُعلم: أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه،أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، قال الله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) ، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) .
وإن اللجنة إذ تقرر ما تقدم ذكره وتبينه للناس؛ فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة بتقوى الله ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الفكرية.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء(1/1092)
حكم أكل المسلم مع الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا أكل المسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة أو شرب معه يعتبر ذلك حراماً؟ وإذا كان ذلك حراماً فما نقول في قول الله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) المائدة/5؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس.
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/324.(1/1093)
الفرق بين موالاة الكفار والاستعانة بهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المولاة معناها: المناصرة والمساعدة على أمورهم الكفرية، ومن ذلك أن يقاتل المسلمون مع الكفار، يعني مثلاً يقوم الكفار بغزو بلد من البلدان الإسلامية فيتولاهم هذا المسلم وينصرهم ويساعدهم على هذه البلدة في القتال سواءً بالسلاح أو بإمدادهم بأي شيء يساعدهم على قتال المسلمين، هذا من موالاتهم، وهو أيضاً من توليهم، فإن المولاة والتولي يراد بها هنا المناصرة وأن يكون يداً معهم على المسلمين.
أما الاستعانة بهم فهذا يرجع إلى المصلحة، إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس، بشرط أن نخاف من شرهم وغائلتهم وألا يخدعونا، وإن لم يكن في ذلك مصلحة فلا يجوز الاستعانة بهم لأنهم لا خير فيهم.
[الْمَصْدَرُ]
لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 20.(1/1094)
حضور أعياد المشركين وتهنئتهم بها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حضور الاحتفال بأعياد النصارى وتهنئتهم بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن القيم رحمه الله: ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم. . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً: (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) اهـ أحكام أهل الذمة 1 /723-724.
وأما تهنئتهم بأعيادهم فقد تقدم جواب عن ذلك برقم (947) فننصح السائل بمراجعته.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1095)
مناصرة الجالية الإسلامية في السويد للمسلمين في فلسطين
[السُّؤَالُ]
ـ[الجالية الإسلامية عندنا في جنوب السويد قررت أن تقوم بمظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني على أن تكون المظاهرة سلمية لإيصال صوت المسلمين إلى الحكومة السويدية للضغط من أجل إيقاف المجازر في حق أطفال الشعب الفلسطيني فما حكم مثل هذه المظاهرات ونحيطكم علماً أن مثل هذه المظاهرات لها دور كبير وفعال لإيصال صوت المسلمين إلى السياسيين للضغط على حكومة الصهاينة من أجل إيقاف المجازر في حق الأطفال في فلسطين. أفتونا جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تحتج الجالية الإسلامية في السويد في محاولة لتخفيف الضغط على المسلمين في فلسطين، وأن يبينوا للشعب السويدي وحكومته جرائم اليهود التي ارتكبوها في حق المسلمين في أرض فلسطين. وأن يسلكوا في ذلك كل سبيل شرعي وفعال.
وأما التظاهرات فإن فيها عدد من المحذورات الشرعية يجب الحذر منها، ومن ذلك:
خروج النساء متبرجات - واستعمال أصوات موسيقية أثناء المظاهرة - والهتاف بشعارات غير صحيحة مثل القدس عربية وستبقى عربية (والصحيح أن القدس إسلامية وليست للعرب فقط) - ووقوف المظاهرة أمام ضريح كافر أو لوضع إكليل من الزهور على قبره - التوسل للكفار بعبارات فيها مذلة للمسلمين - رفع صور أو دمى ذوات الأرواح - ظلم الآخرين كسد الطريق وتعطيل مرور الناس - استخدام سباب وشتائم لا تجوز شرعاً - اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرة - التشبه بالكفار بشيء من خصائصهم من لباس أو إشارة يضعها أو يرتديها المتظاهرون المسلمون - الاعتداء على ممتلكات الأبرياء كتحطيم محلاتهم أو نوافذهم أو إيقاد النار في المرافق العامة ونحو ذلك من المحرمات والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1096)
التبرع بالدم للكافر المسالم الذي ليس بيننا وبينه حرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التبرع بالدم في بلاد الكفر حيث سيعطى الدم لكافر على الأرجح؟ توجد حالات يعاني فيها أطفال من أمراض في الدم، ويكون أولئك الأطفال في حاجة ماسة للصفيحات (اللويحات) الدموية؟ فهل حكم (التبرع في هذه الحالة) هو نفس الحكم الخاص بالسؤال السابق؟ أخبرني أحد الأئمة بأن الدم يجب ألا يتبرع به، (هل قوله صحيح) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن ذلك فقال:
" لا أعلم مانعاً من ذلك، لأن الله تعالى يقول في كتابه العظيم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الممتحنة /8
فأخبر الله سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرَّهم ونُحسن إليهم، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها إلى بنتها وهي كافرة، في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة ـ تسألها الصلة، فاستفتت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأفتاها أن تصِلها، وقال: (صلي أمك وهي كافرة)
فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب، إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم، كما لو اضطر إلى الميتة، وأنت مأجور في ذلك، لانه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة."
من كتاب فتاوى نور على الدرب ج 1 ص 376
وبناء عليه، فإن الكافر المحارب الذي بينه وبين المسلمين حرب لا يجوز له التبرع بالدم، لأن في هذا إعانة على عدوانه على المسلمين، وهو أمر خطير جداً، نسأل الله السلامة والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1097)
تحريم الاحتفال بأعياد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، كعيد الميلاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم ويظهر الفرح والسرور بهذه المناسبة ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) والله سبحانه وتعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة/2.
وننصحك بالرجوع إلى كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، فإنه مفيد جداًّ في هذا الباب.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتوى رقم (2540) .(1/1098)
لا يجوز لمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد المسلمين إطلاقاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في جيش دولة غير مسلمة وتقع بينهم وبين المسلمين حروب فما الحكم إذا أرسلوني مع فرقة من الجيش لحرب ضد المسلمين، شعوري كمسلم يدفعني لعدم الرغبة أبدا في القتال ضد مسلم في أي حرب.
فماذا علي أن أفعل؟؟؟
وما الحكم إذا ذهبت ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرسلت لحرب ضد المسلمين فلا يجوز لك المشاركة إطلاقاً، ومساعدة الكفار ضد المسلمين كفر أكبر مخرج عن الإسلام قال الله تعالى عمن يظاهر المشركين: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ، أما مسألة كيفية التخلص وما هو العذر الذي ستبديه وطريقة الخروج من هذه الورطة إذا حصلت فنسأل الله أن يعينك عليها وعليك بإستشارة بعض أهل الخبرة من المسلمين
ونريد أن نؤكد عليك بضرورة البحث عن وظيفة أخرى وترك الخدمة في جيش الكفار لما يترتب على ذلك من إعانتهم وتقويتهم وتكثير عدد محاربيهم ومسانديهم اللهم إلا إذا كان عملك فيه منفعة للمسلمين كنقل أخبار وأسرار الكفار إلى المسلمين ليستفيد المسلمون منها أو أن يكون عملك دعوياً إسلامياً بحتاً كالخطابة والإمامة بالمسلمين الموجودين في الجيش الكافر مع نصحهم بترك أي عمل فيه تقوية للكفار ونسأل الله السلامة من الفتن وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1099)
البقاء في البلد الإسلامي ولو كان مخالفاً لرغبة الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدت في بريطانيا وعشت هناك كل عمري، تزوجت في باكستان.
والداي لا يزالان في بريطانيا ويتمنيان أن أعيش بقربهما، أنا كذلك أفتقدهم جداً وأجده من الصعب أن أعيش في بلد نامي (لأنني تعودت على المعيشة في الغرب طوال حياتي، ومع هذا فأنا أعيش حياة زوجية سعيدة) .
أزورهما كل سنة وأبقى هناك على الأقل شهرين (هما يفضلان ثلاثة أشهر) فهل هذا جائز؟
هل يجوز لي ولعائلتي أن ننتقل للعيش في بريطانيا حيث أنني أستطيع تأدية فرائضي الدينية كما أفعلها هنا تماماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز الإقامة بين ظهراني المشركين، وفي بلادهم إلا لعذر شرعي، وأنت ما دمت تتمكنين من الإقامة في بلاد الإسلام، وليس هناك ما يضطرك للإقامة في بريطانيا، فاحمدي الله على نعمة الإسلام، وابقي في البلد المسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام: " أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تتراءى نارهما ".
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: سعد الحميد.(1/1100)
أسس وضوابط في علاقة المسلمين بغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف بوضوح كيف ينظر المسلمون إلى غير المسلمين، وكيف يتعاملون معهم وفق شريعة الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- الإسلام دين رحمة وعدل
2- المسلمون مأمورون بدعوة غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن قال الله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم)
3- لا يقبل الله غير الإسلام دينا قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
4- يجب على المسلمين أن يُمَكِِِِِّنوا أي كافر من سماع كلام الله قال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه)
5- يفرق المسلمون بين أنواع الكفار في المعاملة , فيسالمون من سالمهم ويحاربون من حاربهم ويجاهدون من وقف عائقا دون نشر رسالة الإسلام وتحكيمه في الأرض.
6- موقف المسلمين من غير المسلمين في مسألة الحب والبغض القلبي مبني على موقف هؤلاء من الله عز وجل فإن عبدوا الله لا يشركون به شيئا أحبوهم وإن أشركوا بالله وكفروا به وعبدوا معه غيره أو عادوا دينه وكرهوا الحق كرهوهم بالقلب وجوبا.
7- إن البغض القلبي لا يعني الظلم بأي حال من الأحوال لأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليه من الموقف تجاه أهل الكتاب (وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) مع كونه مسلماً وهم على ملة اليهودية والنصرانية.
8- يعتقد المسلمون بأنه لا يجوز لمسلم بحال من الأحوال أن يظلم غير المسلم المسالم فلا يعتدي عليه ولا يخيفه ولا يرهبه ولا يسرق ماله ولا يختلسه ولا يبخسه حقه ولا يجحد أمانته ولا يمنعه أجرته ويؤدي إليه ثمن البضاعة إذا اشتراها منه وربح المشاركة إذا شاركه.
9- يعتقد المسلمون أنه يجب على المسلم احترام العهد إذا عقده مع طرف غير مسلم فإذا وافق على شروطهم في إذن الدخول إلى بلدهم (الفيزا) وتعهد بالإلتزام بذلك فلا يجوز له أن يفسد فيها ولا أن يخون ولا أن يسرق ولا أن يقتل ولا أن يرتكب عملاً تخريباً وهكذا.
10- يعتقد المسلمون أن غير المسلمين الذين يحاربونهم ويخرجونهم من ديارهم ويعينون على إخراجهم بأن دماء هؤلاء وأموالهم حلال للمسلمين.
11- يعتقد المسلمون بأنه يجوز للمسلم أن يحسن إلى غير المسلم المسالم سواء بالمساعدة المالية أو الإطعام عند الجوع أو القرض عند الحاجة أو الشفاعة في الأمور المباحة أو اللين في الكلام ورد التحية وهكذا قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)
12- لا يمانع المسلمون من التعاون مع غير المسلمين في إحقاق الحق وإبطال الباطل ونصرة المظلوم ورد الأخطار عن البشرية كالتعاون في محاربة التلوث وسلامة البيئة ومحاصرة الأمراض الوبائية ونحو ذلك.
13- يعتقد المسلمون بأن هناك فرقا بين المسلم وغير المسلم في أحكام معينة مثل الدية والميراث والزواج والولاية في النكاح ودخول مكة وغيرها كما هو مبين في كتب الفقه الإسلامي وهذا مبني على أوامر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا يمكن المساواة بين من آمن بالله وحده لا شريك له وبين من كفر بالله وحده وبين من كفر بالله وأشرك به وأعرض عن دينه الحق.
14- المسلمون مأمورن بالدعوة إلى الله في جميع البلاد الإسلامية وغيرها وعليهم أن يقوموا بتبليغ دين الله الحق إلى العالمين وبناء المساجد في أنحاء العالم وإرسال الدعاة إلى الأمم غير المسلمة ومخاطبة عظمائها للدخول في دين الله.
15- ويعتقد المسلمون أن غيرهم من أهل الملل والأديان الأخرى ليسوا على دين صحيح، ولذلك فإن المسلمين لا يسمحون لغيرهم ببث دعاة أو مبشرين أو بناء كنائس في بلدان المسلمين قال الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) فمن ظن أن الإسلام يتساوى مع غيره من الأديان فهو مخطئ خطأً عظيماً وعلماء المسلمين يفتحون الباب للمحاورة مع غير المسلمين ويتيحون الفرصة للنقاش والسماع من غير المسلمين وعرض الحق عليهم.
وأخيراً فقد قال الله تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) وقال الله تعالى: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1101)
هل تشرع مقاطعة المبتدع في هذا العصر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تشرع مقاطعة المبتدع؟ ومتى يشرع البغض في الله؟ وهل تشرع المقاطعة في هذا العصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فينبغي على المؤمن أن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة أما إن كان عدم الهجر أصلح لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين، وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى فلا يعجل في الهجر، ولكن يبغضهم في الله كما يبغض الكفار والعصاة، لكن يكون بغضه للكفار أشد؛ مع دعوتهم إلى الله سبحانه والحرص على هدايتهم عملا بجميع الأدلة الشرعية؛ ويبغض المبتدع على قدر بدعته إن كانت غير مكفرة، ويبغض العاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه وإيمانه، وبذلك يُعلم أن الهجر فيه تفصيل.
والخلاصة: أن الأرجح والأولى النظر إلى المصلحة الشرعية في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هجر قوما وترك آخرين لم يهجرهم مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر؛ هجرهم خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي بن سلول وجماعة من المتهمين بالنفاق لأسباب شرعية دعت إلى ذلك.
فالمؤمن ينظر في الأصلح وهذا لا ينافي بغض الكافر والمبتدع والعاصي في الله سبحانه ومحبة المسلم في الله عز وجل، وعليه أن يراعي المصلحة العامة في ذلك، فإن اقتضت الهجر هجر، وإن اقتضت المصلحة الشرعية الاستمرار في دعوتهم إلى الله عز وجل وعدم هجرهم فعل ذلك مراعاةً لهديه صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (9 / 423) .(1/1102)
راغب في الإسلام من بلد المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تعاطي المخدرات (مثل الكوكايين) ؟
هنا في كولومبيا70% من الناس يتعاطونها.
فهل يجب علي أن أمتنع عنها إذا أردت الإسلام؟
أنا في انتظار إجابتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنه لشيء عظيم جدا أن تفكّر باعتناق الإسلام، وأنت في بلد المخدرات ولست على دين، ولقد أثار لدينا سؤالك الدهشة والاستغراب من رجل يعيش في مثل وضعك ثمّ يتوصّل إلى بداية رغبة في الدّخول في الإسلام، ولكنّ الله على كلّ شيء قدير يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، ولعلّ العناية الإلهية تهيؤك لقبول الدّين الحقّ بالرّغم من الظّلام الحالك من حولك والمرض المحيط بك مرض الكفر ومرض المخدّرات، والإنسان الكافر ميّت القلب ولو كان حيّ الجسد فإذا هداه الله لنور الإسلام دبت الحياة في قلبه وعرف لها معنى جديدا وتغيّر توجهه فصار يسير على هدى من ربّه، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..) الآية 122 سورة الأنعام، فهلّم إلى الحياة الحقيقية واتّباع النّور الذي أنزله الله وسترى فيه ما تقرّ به عينك وتطمئنّ به نفسك عندما تعبد الله.
وأمّا عن موضوع المخدّرات فلا شكّ أنّك تتوقّع أنّ هذا الدّين العظيم يحرّم كلّ ضار ويبيح كلّ نافع ولا يرضى أن يغيب الإنسان عن عقله فيصبح هائما مجنونا شاردا يفعل كلّ قبيح دون وعي ويجلب الدمار لجسده بهذا الدّاء الخطير ويصدّ نفسه عن ذكر الله وعبادته بتعاطي هذا السمّ الخطير الذي يفتح الباب للاعتداء على الآخرين فيكون هذا المخدّر مفسدا للدّين والنّفس والعقل والعِرض والمال، ولذلك لا يشكّ أي عاقل بتحريمه تحريما قطعيا.
ونحن على إدراك تام بأنّ الإدمان ليس مرضا سهلا وأنّ الخلاص منه ليس أمرا يسيرا ولكنّ هذا كلّه لا يمنع من الدّخول في الإسلام واعتناق هذا المذهب الحقّ الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وثق ثقة تامّة أن اعتناقك للإسلام سيولّد فيك قوة عظيمة وإرادة جازمة ستعينك على التخلّص من الإدمان وترك هذا المرض الخطير، وقد تأخذ المسألة وقتا للشّفاء من هذا المرض والإقلاع عن هذا الذّنب ولكن لا ينبغي أن يجعلك هذا تتردد في الدّخول في الإسلام بل أسلم تسلم من آفات الدّنيا وعذاب الآخرة ونحن على استعداد للوقوف بجانبك في مواجهة أيّة صعوبة تعترضك ونشكرك على سؤالك ونسأل الله أن يعجّل بهدايتك، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1103)
إذا احتاجوا لكتابة التاريخ الميلادي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيد فضيلتكم علما بأن مكاتب المنتدى الإسلامي تقع في دول تتعامل بالتاريخ الميلادي، ونحن نتعامل بالتأريخ الهجري، فسبب لنا ذلك إحراجا في التعامل مع الدوائر الحكومية التي لا تتعامل بالتأريخ الهجري، ومشكلة في تحديد الميزانية، ودفع الرواتب، ورفع التقارير المالية للجهات المختصة في تلك الدول.
فهل يجوز لنا الاعتماد على التاريخ الميلادي في المعاملات والميزانية، من باب الضرورة، مع قناعتنا الكبيرة بأهمية التاريخ الهجري، وكونه شعارا للمسلمين، وعلامة من علامات التمايز عن الكافرين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا بأس بالجمع بين التأريخين، مع تقديم التأريخ الهجري، ويكتب بعده الموافق لكذا وكذا ميلادي، وذلك أن التأريخ الهجري يعتمد على الأشهر الهلالية، وهي مشاهدة ظاهرة للعيان، لا تخفى على ذي عينين، وأما الميلادي فليس للأشهر علامة بارزة يعلم بها إلا الحساب، ولذلك جاء الشرع الإسلامي باعتبار الاشهر العربية في الصوم والحج والاعتكاف ونحوها، فالبداءة بالتاريخ الهجري فيه إظهار لشعائر الإسلام، وخواصه بين من يجهله، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص 53.(1/1104)
طلب التبرعات من الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم قبول التبرعات من غير المسلم لصالح المشاريع الخيرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه " باب قبول الهدية من المشركين " ثم أورد تحت هذا الباب عدداً من الأحاديث الدالة على جواز ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه: وفي الباب (أي وفي هذا الموضوع) حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي عن عياض قال: أَهديتُ للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال: أسلمت؟ قلت: لا، قال: إني نُهيت عن زَبْد المشركين (أي أُعطياتهم وهداياهم) ".. ثمّ نقل الحافظ رحمه الله عن بعض أهل العلم بأنّهم قالوا في الجمع بين نصوص الامتناع والقبول بأن الامتناع في حق من يريد بهديته الموالاة (مثل استمالة المسلم إليه) ، والقبول في حق من يرجى بذلك (أي بقبول هديته) تأنيسه وتأليفه على الإسلام.
فقبول هبات الكفار وتبرعاتهم دون طلب لا بأس به ويجوز صرف هذا المال في المشاريع الإسلامية ونفقاتها المختلفة.
أما طلب التبرعات من الكفار ففيه بعض المحاذير مثل الذلّ أمامهم وملكهم قلب الطالب إذا أعطوه.
فلو خلا من هذه المحاذير فلا بأس، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين (دون ذلّ) في أمور الدعوة - وهو بمكة - ببعض المشركين كعمه أبي طالب وغيره. والذلّ أمام الكفار ينتفي بوضع الصناديق لهذا الغرض إضافة إلى الإعلانات التي يُرفق معها أرقام الحسابات في البنوك مثلاً. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1105)
إلقاء محاضرة عن الإسلام داخل الكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[عرضوا عليه إلقاء محاضرة عن الإسلام في كنيسة. هل يقبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
هذا محل نظر، لأن المكان لا يليق. إلا على وجه بعيد وهو أن يقال أن المسلمين من قوتهم أعلنوا دينهم في معابد النصارى.. فإذا كان من هذه الناحية فهذا طيب. لكن أخشى أن يكون الأمر بالعكس.. بمعنى أن المسلمين أُخضِعوا إلى أن يتحدثوا عن دينهم في الكنيسة. لذلك أرى أن لا يفعل حذراً من هذه المفسدة. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(1/1106)
بيع المحرم والمشكوك في تحريمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اعرف أن بيع الأشياء المحرمة لا يجوز، فإذا كان لدي دكان وأبيع فيه أنواع الشوربة ومعجون الأسنان …الخ وبعض هذه الأشياء تحوي في مكوناتها على أشياء محرمة أو فيها شك، فهل بيعي لها يعتبر معصية؟ وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيعها لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ. " رواه الإمام أحمد 2546، أما المشكوك فيه فالأولى تركه إبراءً للذمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.. رواه مسلم 2996. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1107)
امتناع عمر ومن معه من إحضار كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول أحد أصدقائي الشيعة إن عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما قد عصيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في فراش موته، طلب النبي صلى الله عليه وسلم وقتها من الصحابة أن يحضروا ورقة، وقلَماً، ولكنهم رفضوا أن يحضروهما، ووفقاً لما يقوله الشيعة فإن الصحابة قد ضلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون عليّ رضي الله عنه خليفة من بعده، وقد أثبتوا لي هذه الأمور بالحديث الذي يقول بأن عمر بن الخطاب عصى محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ترى الغضب على وجهه، وأريد أن أقول بأن صديقي هذا قد أثَّر في أحد أصدقائي الذين ليس لديهم أية معلومات عن الإسلام. هل يمكنكم أن تشرحوا لي لماذا عصى عمر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكنكم أيضا أن تخبروني كيف التعامل مع أمثال هؤلاء؟ . أرجو أن تقدموا لي المصادر. شكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لك مصادقة أحد أفراد تلك الطائفة التي تنتسب إلى الإسلام، ثم هي تطعن في أصوله وحملته الذين بلغوه للناس، وتعتقد تحريف القرآن، والعصمة للبشر، وتحكم على الصحابة بالردة إلا قليلاً منهم.
والواجب عليك تجاه هؤلاء وأمثالهم أن تهجرهم , وتحذر الناس من شرهم وضلالهم.
وينظر أجوبة الأسئلة (91665) و (96231) و (126041) .
ثانيا:
لفظ الحديث الذي وردت فيه القصة التي يذكرها لك الرافضي هو:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قُومُوا عَنِّي) .
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
رواه البخاري (6932) ومسلم (1637) .
1. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين حضروه في مرضه بإحضار ورقة وقلم ليملي عليهم شيئاً لم يكن يتعلق بوحي جديد، لم يبلغه للناس، ولا بأمر شرعي يحتاجه الناس في دينهم، ثم ترك إعلامهم به لأجل ما حصل. والدليل على ذلك أمور:
أ. أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، أي: بعده بأربعة أيام، وكان بإمكانه الطلب من آخرين كتابة ذلك الكتاب، فلما لم يفعل صلى الله عليه وسلم: علمنا أنه لم يكن وحياً فيكتمه.
ب. أن الله تعالى قد أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلَّغ ما أوحي إليه، وقد امتنَّ الله تعالى على هذه الأمة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، والقول بأن ما لم يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدِّين الذي تحتاجه الأمة عامة، فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة، وفيه تكذيب للرب تعالى في خبره بإكمال الدين وإتمام النعمة على العباد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه، أو بلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك: لمَا ترك صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 315، 316) .
وقال – رحمه الله -:
ولا يجوز له ترك الكتاب لشك مَن شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته: لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّنه، ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ؛ فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب: لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدِّين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب: لفعله.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 12) .
ج. ويؤيد ما ذكرناه: اختلاف الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهم أمره، والوقوف على حقيقة معناه؛ وإلا لسارع الجميع إلى تنفيذه، وقد ثبت عنهم أنهم خلعوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم يخلع نعله فيها، ودون أن يأمرهم بذلك، فهل مثل هؤلاء يخالفون أمراً يعتقدونه من الوحي؟! حاشاهم، ولذلك قام بعضهم بإحضار ورقة وقلم، كما طلب منهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وامتنع آخرون، ظانين أنه صلى الله عليه وسلم قد يكون غلبه الوجع، أو يكون أمره إرشاد.
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
وقوله: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) : لا شك في أن (ائتوني) أمرٌ، وطلبٌ، توجَّه لكل مَن حضر، فكان حق كل من حضر المبادرةُ للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: (لا تضلُّون بعده) ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه، ولطائفة معه: أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) ، مع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى: أن يكتب؛ متمسِّكة بظاهر الأمر، واغتناماً لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال.
فيا ليتَ ذلك لو وقع، وحصلَ! ولكن قدَّر الله، وما شاءَ فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: (دعوني فالذي أنا فيه خير) .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (15 / 18) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك: لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لِما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم.
" فتح الباري " (8 / 133، 134) .
2. عزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة: إما أن يكون بوحي نسخ، أو باجتهاد تبين أن المصلحة في تركه.
قال النووي – رحمه الله -:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحى إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول.
" شرح مسلم " (11 / 90) ، ونقل نحوه الحافظ ابن حجر عن المازري. ينظر: " فتح الباري " (8 / 134) .
3. الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فما لهم ولهذه الحادثة، وما حاجتهم للتلاعب بها، وادعاء أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب وصية لعلي رضي الله عنه بعده؟! ولماذا لا تكون الوصية التي كانت ستكتب في هذا الكتاب: هي وصيته لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة من بعده؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومَن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي: فهو ضال، باتفاق عامة الناس، من علماء السنَّة، والشيعة، أما أهل السنَّة: فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليّاً كان هو المستحق للإمامة: فيقولون: إنه قد نُصَّ على إمامته قبل ذلك نصّاً جليّاً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب.
" منهاج السنَّة النبوية " (6 / 11) .
4. قد ثبت بأصح إسناد أن النبي صلى الله عليه أراد أن يوصي لأبي بكر الصدِّيق بالخلافة بعده، ثم ترك الأمر، وقال بأن المؤمنين لن يرضوا بغيره خليفة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ:
(وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) .
ولسنا بالذي يهتم لهذا، لأنه قد أبى الله والمؤمنون أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر.
5. وما يحصل من مراجعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل لا يعكر على صفة الاستجابة، والمتابعة للشرع؛ لأنهم يراجعونه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الوحي بالجزم بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارعون بعدها لتنفيذ الأمر.
قال النووي – رحمه الله -:
قال الخطَّابي: وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة: فلا يراجعه فيه أحد منهم.
" شرح مسلم " (11 / 91) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور، ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم: امتثلوا.
" فتح الباري " (1 / 209) .
6. قول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": لم يكن خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أجلُّ من أن يفعل ذلك، وإنما كان مخاطباً من اعترض عليه بالامتناع عن إحضار كتاب.
قال النووي – رحمه الله -:
وقول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": ردٌّ على من نازعه، لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
" شرح مسلم " (11 / 93) .
7. وقد وجَّه العلماء رحمهم الله امتناع عمر رضي الله عنه عن إحضار كتاب ليكتبه النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات عديدة، منها:
أ. إشفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب، وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع ".
ب. خشيته من طعن المنافقين ومن في قلبه مرض، في ذلك الكتاب، والتشكيك بناقليه، والطعن فيهم، وفي عدالتهم.
ج. خشيته " أن يكتب أموراً يعجزون عنها، فييقعوا في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجوراً ".
انظر: " دلائل النبوة " (7 / 184) ، " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (2 / 194) ، " شرح مسلم " للنووي (11 / 91) ، " فتح الباري " (1 / 209) .
8. وأما كلام ابن عباس رضي الله عنهما: فليس فيه طعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن بايع الصدِّيق، والفاروق بعده، وإنما أراد أن الحائل نفسه كان مصيبة؛ لظهور الفتنة بعد ذلك، والطعن في أولئك الأعلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وقول ابن عباس " إن الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب ": يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصدِّيق، أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب: لزال هذا الشك، فأما مَن علم أن خلافته حق: فلا رزية في حقه، ولله الحمد.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 11) .
10. وقول ابن عباس رضي الله عنه هذا إنما هو اجتهاد منه، ولا شك أن عمر أعلم وأجل من ابن عباس، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترك الكتابة، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، هو ترجيح لرأيه، وتصويب لفعله.
قال النووي – رحمه الله -:
فكان عمر أفقه من ابن عباس، وموافقيه.
" شرح مسلم " (11 / 90) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر: إشارة إلى تصويبه رأيه، وأشار بقوله " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل: لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم.
ولا يعارض ذلك قول بن عباس " إنَّ الرزيَّةَ " الخ؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعاً.
" فتح الباري " (8 / 134) .
وبه يتبين لك بطلان ادعاء الرافضة، في طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وخصوصاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتبين صدق السلف في أنهم أكذب الطوائف المنتسبة للإسلام، فاحذرهم على دينك أخي السائل، ونسأل الله لك الثبات على الإسلام والسنَّة.
وانظر – للمزيد حول عقائد الرافضة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (4569) و (1148) و (21500) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1108)
فرقة " عبَدة الشيطان "، منهجها، واعتقادها، وكيفية إنقاذ من وقع في براثنها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد فاجئني تصرفات لفتاة بالمرحلة المتوسطة، من رسومات وشم، وطريقة التزين، وعبارات بذيئة، وإدعاء بترك الصلاة، رغم ذلك كان النصح غير مباشر من خلال الحصص، وجلسات الذّكر، ولكن كانت صدمتي حينما سمعت من أفواه الطالبات أنها من " عبدة الشيطان "! ، إني في حيرة شديدة بمعالجة الأمر؛ لأن ذلك عقيدة، أرجو الدعاء، وكيف أتصرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فرقة " عبدة الشيطان " من الفرق، والجماعات الخطيرة، والتي انتشرت مؤخراً في كثير من البلاد , وهذه الجماعة تمثل أحد مظاهر الانتكاسة، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إذ توجهت جماعات، وأقوام إلى عبادة الشيطان، وتقديسه من دون الله.
النشأة:
ظهرت فكرة عبادة الشيطان وتقديسه في عدد من الديانات القديمة، وكان عند بعضها آلهة عديدة تمثل الشر.
أ. ففي الحضارة المصرية القديمة وُجد الإله " سيت "، أو " سيث "، وهو يقترب من كلمة satan أي: شيطان، الذي يمثل قوة الشر، وقد قدم المصريون له القرابين اتقاءً لشرّه.
ب. وفي الحضارة الهندية: كان للشيطان دور كبير في حياتهم الدينية، عبروا عنه باسم " الراكشا ".
ج. وعند الإغريق: كان اسمه " دي إت بولس " (D it-Boles) ، أي: المعترض.
د. وفي أرض فارس: بدأت عبادة الشر، والشيطان، على تخوم الصحراء الآسيوية، وكانوا يعبدون شياطين الليل، التي تطورت للتعبير عن الشر بالظلمة، والخير بالنور، وبما يعرف باسم " الثنوية ".
هـ. وفي القرون الوسطى: ظهرت في أوروبا عدة جماعات تتخذ من الشيطان إلهاً، ومعبوداً، منها جماعة " فرسان الهيكل " التي ظهرت في فرنسا، وكان لها اجتماعات ليلية مغلقة تبتهل فيها للشيطان، وتزعم أنه يزورها بصورة امرأة، وتقوم هذه الجماعة بسب المسيح، وأمه، وحوارييه، وتدعو أتباعها إلى تدنيس كل ما هو مقدس، وكان فرسان الهيكل يتميزون بلبس قميص أسود يسمونه " الكميسية "، وقد انتشرت هذه الجماعة في فرنسا، وإنجلترا، والنمسا، ثم اكتشفتها الكنيسة، وقامت بحرق مجموعة من أتباعها، وقتلت زعيمها ما بين عامي 1310 - 1335م، وقد قالت إحدى عضوات هذه المجموعة قبل حرقها: " إن الله ملك السماء، والشيطان ملك الأرض، وهما ندّان متساويان، ويتساجلان النصر، والهزيمة، ويتفرد الشيطان بالنصر في العصر الحاضر "! .
ثم ظهرت عدة جماعات مشابهة بعد ذلك، أخذ بعضها يمارس تعذيب الأطفال وقتلهم، وقد خُطف لهذا الغرض مئات الأطفال بين عامي 1432 – 1440 م، وأخذ بعضهم يقوم بتسميم الآبار والينابيع، مثل " جمعية الصليب الوردي "، وفي القرن السابع عشر ظهرت جمعية تسمى " ياكين " تمارس الطقوس نفسها، وقد أعدم منها فوق الثلاثين فرداً، ثم ظهرت جمعيات أخرى مثل: " الشعلة البافارية "، " الشعلة الفرنسية "، و " أخوة آسيا ".
ثم اختفت هذه الأفكار، لتعاود الظهور في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين.
ظهورها الحديث:
في عام 1948م ألّف البريطاني " ألستر كراولي " الذي تخرج من جامعة " كامبردج " كتاباً أسماه " الشيطان الأبيض " دافع فيه عن الإثارة، والشهوات الجنسية، وألقى محاضرات مطولة عن الجنس في بريطانيا، وأصبح بعد ذلك هو المعلّم الأول لجماعة " عبدة الشيطان "، التي أخذت تنتشر أيضاً في الولايات المتحدة، ليتزعمها بعد ذلك يهودي أمريكي هو " انطوان شذليفي " Antone chethleivy، الملقب بـ " البابا الأسود ".
وقد ترعرع " ليفي " في كاليفورنيا، وفي سنة 1966 م أعلن عن فرقته، وأسس في سنة 1969 م معبداً يدعى بكنيسة الشيطان " cos "، كما ألّف عدداً من الكتب الفلسفية؛ لترويج الفكر الشيطاني، منها كتاب " الشيطان يقول "، ويحتوي على عبارات الشيطان التسع، وأحكام الأرض الإحدى عشر، وكتاب " الإنجيل الأسود "، وهدف إلى تحقير طقوس المسيحية، وشعائرها، وإلى بيان كيفية ممارسة العبادة، ويعتبر مرجعاً أساسياً لتوجيه الأتباع.
انتقالها إلى المجتمعات الإسلامية:
ظلت المجتمعات الإسلامية محصنة فترة من الوقت من هذه " الديانة الإبليسية " إلاّ أن بعض العوامل أدت إلى دخولها إلى بعض الدول الإسلامية، أهمها:
1. تطور وسائل الاتصالات، خاصة وأن شبكة الإنترنت هي الوسيلة الأهم لنشر أفكارهم، والتواصل بين الأتباع، ولهم على هذه الشبكة أكثر من ثمانية آلاف عنوان.
2. تسارع وتيرة التطبيع بين الدولة اليهودية والعديد من الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الخلطة بين مواطني هذه الدول وبين اليهود , ولا يخفى هنا حرص اليهود على إفساد المسلمين، وصرفهم عن دينهم، ونشر الأفكار المنحرفة بينهم، ومنها أفكار عبادة الشيطان، لا سيما أن الشيطان حسب العقيدة اليهودية: رمز من رموز القوة المطلقة التي تضاهي قوة الله سبحانه، كما أنهم لا يُحمّلون الشيطان وزر إغواء آدم وإخراجه من الجنة.
3. ترويج الكُتّاب اليساريين للأفكار المنحرفة في المجتمعات الإسلامية.
4. تسخير كافة وسائل الإعلام، والثقافة، والفن، لنشر أفكار عبادة الشيطان، وجعلها مستساغة عند المسلمين، ومن ذلك: نشر وسائل الإعلام الغربية لأفلام تتحدث عن مصاصي الدماء، وأشخاص ذوي قدرات سحرية، ليغروا الشباب بامتلاكها إن وجدت , وللأسف تساهم كثير من الفضائيات العربية في نشر مثل تلك الأعمال.
أفكارهم وطقوسهم وممارساتهم:
1. اعتقادهم بأن الشيطان ظُلِم من قِبَل الله - معاذ الله - عندما طرده من الجنة لمّا رفض السجود لآدم، لذلك فإنهم يعتبرون أن الشيطان يستحق التقدير، وهو رمز القوة والإصرار، كما يعتبرون الشيطان القوة العظمى التي تحرك الحياة والبشر.
2. إطلاق العنان لممارسة الجنس، والشهوات، وتعاطي المخدرات، والخمور، إذ جاء في بعض وصاياهم: " أطلق العنان لأهوائك، وانغمس في اللّذة، واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيويّاً "، وكان " تراولي " - الذي سبق ذكره - يقول لأتباعه: " خذ من الجنس ما شئت، وكيف تشاء، ومع من تشاء، وعلى الآخر أن يسلم لك "! .
3. من طقوسهم: ارتداء الثياب السوداء، وإطالة الشعور، ورسم وشم الصليب المعقوف، على صدورهم، وأذرعهم، أو النجمة السداسية، ولبس قلادة سوداء عبارة عن نجمة خماسية يتوسطها رأس شيطان بقرنين ملتويين إلى الخلف.
4. يفضّلون الاجتماع لأداء طقوسهم في أماكن مهجورة، أو نائية، أحياناً، ويرسمون على جدرانها أشكالاً مخيفة، كالأفاعي، والجماجم، أو أشكالاً غريبة، تدمج فيها أكثر من حيوان، أو هيئة.
5. يرافقهم في هذه الجلسات الموسيقى الصاخبة، ويرددون بعض الكلمات على شكل أغانٍ ينشد فيها الموت والانتحار، إضافة إلى تعاطي المخدرات، والمسكرات، بشكل مبالغ فيه، وفي مثل هذه الحالات قد يلعقون دماء بعض، أو يمزقون قطة، أو كلباً، أو ديكاً، ويختارون اللون الأسود من الحيوانات، ويمزقونه وهو حي، ويعبثون بدمائه.
6. إقدام بعضهم على الانتحار؛ لأن هذا من الحرية التي يزعمونها، إذ يقولون إن للإنسان الحرية أن يأكل ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ويموت متى يشاء! والانتحار عندهم انتقال إلى عالم السعادة الحقيقية، وأشبه بمحطة من محطات كثيرة يتدرج فيها الإنسان.
7. نبش القبور، وإخراج جثث الموتى، ويتراقص كبيرهم فوق الجثة التي يعثرون عليها، ويقولون: إنهم يفعلون ذلك لتقسية قلوبهم، ولمعاينة العدم والشعور به محسوساً، والتدريب على ممارسة القتل دون أن تطرف لهم عين.
8. اعتبارهم أن الأخلاق تكرس الضعف، وحماية الضعفاء، وهم إنما يريدون أن تقوم العلاقات بين الناس وفق اللذة، والمنفعة، ويعتبرون الأخلاق عنصر تعويق، لا عامل دفع وترقية.
الوصايا التسع:
وهي مجموعة من الوصايا، والمبادئ، والتي تعتبر من ثوابتهم:
1. أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة.
2. اتبع الشيطان، فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيويّاً.
3. الشيطان يمثل الحكمة، والحيوية غير المشوهة، وغير الملوثة، فلا تخدع نفسك بأفكار زائفة، سرابية الهدف.
4. أفكار الشيطان محسوسة، ملموسة، ومشاهدة، ولها مذاق، وتفعل بالنفس والجسم فعل الترياق، والعمل بها فيه الشفاء لكل أمراض النفس.
5. لا ينبغي أن تتورط في الحب، فالحب ضعف، وتخاذل، وتهافت.
6. الشيطان يمثل الشفقة لمن يستحقونها، بدلاً من مضيعة الحب للآخرين وجاحدي الجميل.
7. انتزع حقوقك من الآخرين، ومن يضربك على خدك: فاضربه بجميع يديك على جسمه كله.
8. لا تحب جارك، وإنما عامله كأحد الناس العاديين.
9. لا تتزوج، ولا تنجب، فتتخلص من أن تكون وسيلة بيولوجية للحياة، وللاستمرار فيها، وتكون لنفسك فقط.
" مجلة الراصد " العدد (31) بتصرف، واختصار.
ثانياً:
أما بخصوص تلك الفتاة المسئول عنها: فإذا كانت لك عليها ولاية، أو وصاية: فلا بد من الاهتمام بها، والتعامل معها بحزم، وجد , وقبل أن يتطور الأمر، ويخرج الأمر عن السيطرة – لا قدّر الله -، والمسلم مسئول عن رعيته من أهله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراًُ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) التحريم/ من الآية 6.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم همَلاً فتأكلهم النار يوم القيامة.
" تفسير ابن كثير " (5 / 240) .
وفي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ... ) .
رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .
وأما إذا لم يكن لك عليها ولاية: فلا بد من عدم التواني في إخبار والديها، أو أقرب الناس إليها , وإيقافهم على حقيقة اعتقادها، ومنهجها، وحملهم على التعامل معها بحزم.
فضياع الأولاد أكبر أسبابه: إهمال الوالدين في توجيههم، وعدم متابعتهم في نموهم , وتركهم للمدرسة، والإعلام، والأصحاب، ليربوهم لهم! .
رابعاً:
في مثل هذه الحالات: لا بد من قطع السبل التي يفترض أنها تتواصل بها مع هذه الجماعة، أو من يؤثر عليها بفكرها، كصديقة، أو دخول على الإنترنت، أو هاتف، أو مجلة، أو بريد، أو غير ذلك، ولعلّ تلك الأفكار المسممة أن يكتب لها الزوال إن قطعت طرق وصولها لتلك الفتاة، وإذا أمكن الانتقال بالإقامة إلى مكان آخر، تتغير فيه الصحبة، وظروف التواصل: فلعله أن يكون خيرا ونافعا.
خامساً:
محاولة إزالة الشبهة التي أدت إلى دخولها لهذه الجماعة، أو تقليدها لهم، فكثير من الناس يحب الأضداد، والشيء المجهول، بدافع الاستطلاع، أو لفت الانتباه , وربما يكون هذا الأمر في البداية , ولكن إن لم يتدارك يصعب بعد ذلك تداركه.
وربما يكون السبب: فقدان حنان، وحب، أو اهتمام من قبَل الأهل، أو شعور بالنقص، ومحاولة تعويض ذلك بمثل هذه الأفكار، وتلك الجماعات , والعلاج يكون بالاهتمام الزائد من قبل الوالدين والأهل , ومحاولة غرس الثقة في نفس الفتاة، وتذكيرها بخلقتها، وخالقها، وفطرتها، ومخاطبة عقلها بما يتناسب مع سنّها لإيقافها على حقيقة ما تفعل، وما يؤدي به الأمر في نهايته.
سادساً:
هذه الفتاة ربما تجهل حقيقة أفكار هذه الجماعة , وأنها لا تزال معهم في أول الطريق، وهذا واقع كثير ممن ينحرف عن الاستقامة إلى فكر منحرف , ولكن بالتدرج وبمرور الوقت يصبح يتقبل الأفكار رويداً رويداً , وهذا من خطوات الشيطان التي نهى الله تعالى عن اتباعها، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/ 21.
وعلى ذلك: فالطريقة الصحيحة لسلوكها معها: مصارحتها بفكر هذه الجماعة، وخطورة ما تحمله من أفكار , وأنها تستوجب ردة، وخروجا عن الإسلام , ومحاولة إبراز النقاط الخطيرة في فكر هذه الجماعة كتخلي الإنسان عن أغلى شيء يملكه، وهو دينه، وطاعة ربه , وكذلك التخلي عن أغلى ما تملكه الفتاة، وهو شرفها، وعفتها، وكذلك دعوة هذه الجماعة أفرادها للانتحار، وتعاطي المخدرات، والمحرمات، إلى غير ذلك كم الأشياء المستبشعة عندهم.
سابعاً:
مثل هذه الحالات ربما يكون السبب الرئيس لها: صحبة سيئة، كصديقة – مثلاً -؛ فلا بد من أن يكون للوالدين دور في اختيار الصحبة الصالحة , وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لأثر الرفقة والصحبة كما في الحديث عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري (5214) ومسلم (2628) .
ثامناً:
إبراز حقيقة عداوة الشيطان للإنسان , وأن مآل أتباعه ومريديه إلى النار، كما قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/ 6،
وإبراز فضل طريق الاستقامة، والالتزام، والتمسك بتعاليم الإسلام , وما يترتب على ذلك من راحة، وطمأنينة، وسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97، وأن من جاء بالضد ناله من الضيق، والسوء، بقدره، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ 124.
وعليك قبل ذلك كله أن تستعين بالله تعالى، وتكثر الدعاء إليه أن يصلح حال هذه الفتاة، وغيرها ممن انحرف عن طريق الاستقامة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1109)
الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص , الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها , وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها.
وانظر أجوبة الأسئلة: (20375) و (118693) و (132603) .
ثانياً:
" الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية " , وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال " , وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و " الزاوية البوتشيشية " المغربية.
أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي:
1. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء".
2. تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنيّاً، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً.
يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن".
3. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية.
انظر: "الطريقة الشاذلية" , "مجلة الراصد" , العدد الثاني والأربعين.
http://alrased.net/site/topics/view/512
وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت.
أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي:
أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيداً عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! .
ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم.
ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوباً من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفاً".
ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم.
ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات , وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم.
بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ .
فأجابوا:
"الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و "ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و "صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و "بلوغ المرام"، و "رياض الصالحين"، و "زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم رحمه الله.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/364، 365) .
ثالثاً:
وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم.
قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله:
"ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي".
وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى.
من مقاله " الإسلام والغرب ".
فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه.
وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية:
1. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل.
2. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
3. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم.
4. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1110)
هل الإسلام يقر حرية العقيدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإسلام قد أقر حرية العقيدة فلماذا يحارب الارتداد والوثنية والإلحاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الإسلام لا يقر حرية العقيدة. الإسلام يأمر بالعقيدة الصالحة ويلزم بها ويفرضها على الناس، ولا يجعلها حرة يختار الإنسان ما شاء من الأديان، فالقول بأن الإسلام يجيز حرية العقيدة هذا غلط.
الإسلام يوجب توحيد الله والإخلاص له سبحانه وتعالى، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبُعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها: توحيد الله والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب: الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، فالله سبحانه يقول: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) النساء/36، ويقول سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، ويقول سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5، ويقول عز وجل: (فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) الزمر/2، ويقول سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة/5.
ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) متفق على صحته.
فَبَيَّن عز وجل وبَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العقيدة ووجوب الالتزام بشرع الله، وأن لا حرية للإنسان في هذا، فليس له أن يختار ديناً آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه ويُفتَرض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وألا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، وأن يؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله.
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (أ َنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) ، فأنزل الله في هذا قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ) الفرقان/68 – 70.
فدل ذلك على أن توحيد الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتحريم القتل وتحريم الزنا ـ أمر مفترض لابد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، وليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفساً بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال الزكاة، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر على صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر على أن يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك.
فلا حرية في الإسلام في ذلك، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة ويدع ما حرم الله، نعم، له حرية في الأمور المباحة التي أباحها الله له، له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب، فلو شاء تركها لا بأس، والمباح إن شاء فعله الإنسان وإن شاء تركه، أما ما أوجب الله عليه فيلزمه فعله، وما حرمه الله عليه فيلزمه تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك بل متى اعتنق اليهودية أو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية صار كافراً حلال الدم والمال، ويجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر المسلم الذي هو في بلده، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري في الصحيح.
فمن بدل دينه دين الإسلام بالكفر يجب أن يقتل إذا لم يتب، فبهذا يعلم أنه ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يأخذ بالباطل أبداً، بل يلزمه الاستقامة على الحق ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو إلى الله عز وجل، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليهم، كل هذا أمر مفترض حس الطاقة " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/311- 313) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1111)
هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.
ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها:
1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر.
وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين.
بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين.
ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36.
قال القرطبي رحمه الله:
"قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني.
قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه.
"تفسير القرطبي" (5/183، 184) .
4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي.
وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة.
" تفسير السعدي " (ص 856) .
5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
" فتح الباري " (12 / 259) .
6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته.
وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) .
7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل.
وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه.
" أضواء البيان " (3 / 50) .
وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته.
ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام.
ثانياً:
مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة:
1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه.
2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ".
وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله.
ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت.
3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك:
أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم.
ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها.
ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! .
فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1112)
سنيَّة ودخلت مواقع الرافضة وحضرت مناقشاتهم مع أهل السنة وحصل عندها اضطراب
[السُّؤَالُ]
ـ[عقيدتي في خطر؛ فأرجوك: إن كان وقتك ضيقا، ولا تستطيع الجواب على رسالتي، فدلني على إيميل شيخ، أو مشايخ، أو أرسلها أنت لمن ينقذني، لا تهملها، أرجوك. دعني أخبرك في البداية عن مذهبي حتى لا تعتقد غيره: أنا فتاة سنيَّة من أسرة متدينة؛ ولكن مشكلتي أني أدخل " النت " في مسائل المذهبين: السني، والشيعي، ودخلت في متاهات الحوارات القائمة دون علم كافي يسندني، وللأسف الشديد وقعت في المتاهة، أنا مقتنعة جدّاً بمذهبي، وأمقت المذهب الشيعي، ولكني أصبت بسهام التجريح لشخصيات أعتبرها أعلاماً شامخة في حياتي، وهم الصحابة رضوان الله عليهم، دون علم يكفيني. سأكون صريحة معك للغاية في طريقة طرحي، فأنا أريد أجوبة مقنعة لي، فأرجوك لا تهملني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يرزقك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبَّلاً، وقد رأينا ذِكر بعض الملاحظات لكِ قبل البدء بنقض شبهات أولئك الرافضة، فنقول ـ أيتها السائلة الكريمة ـ:
1. ثمة مواقع متخصصة بالفتاوى، وإجابة السائلين – وموقعنا هذا منها -، فمراسلة هذه المواقع أنفع لك وأجدى، وأسرع في حصول المأمول، فاحرصي – في المستقبل – على مراسلتها لتري جواباً على سؤالك في أسرع وقت إن شاء الله ويسَّر، وندلك على موقع " الشبكة الإسلامية " فهو من المواقع الموثوقة عندنا.
2. لم يكن ينبغي لك مراسلة المواقع على اختلاف دين أهلها ومناهجهم؛ فإن من شأن هذا أن يزيد في حيرتك، ويولِّد لديك شكوكاً في قواعد دينك، وأصوله، وهو ما حصل من إجابات ذلك الرافضي، والتي كان لها أسوأ الأثر عليك بما فيها من انحراف وضلال.
4. ولم يكن جائزاً لك ـ من الأصل ـ الدخول في نقاشات أهل السنة مع الرافضة، لا كتابة، ولا صوتاً؛ وقد حذَّر العلماء – قديماً وحديثاً – من السماع والقراءة لأهل البدع، والضلال؛ خشية التأثر بكلامهم، فضلاً عن عدم جواز الدخول معهم في نقاش وجدال في الشرع، وإنما يجوز ذلك – وقد يجب أحياناً – على المتخصصين في الشرع، ممن يعرفون دينهم، ويعرفون مداخل الشبَه على فرق الضلال تلك.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -:
الذي كنَّا نسمع، وأدركنا عليه مَن أدركنا مِن أهل العلم: أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس، مع أهل الزيغ , وإنما الأمور في التسليم، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا في الجلوس مع أهل البدع، والزيغ، لترد عليهم , فإنهم يلبِّسون عليك، ولا هم يرجعون , فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم، وضلالتهم.
" الإبانة الكبرى " لابن بطة (2 / 471، 472) .
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني - رحمه الله – في بيان اعتقاد أهل السنَّة والجماعة -:
ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالأذان، وقرّتْ في القلوب: ضرَّت، وجرَّت إليها من الوساوس، والخطرات الفاسدة ما جرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الأنعام/ من الآية 68.
" عقيدة السلف أصحاب الحديث " (ص 99، 100) .
وقال الذهبي - رحمه الله:-
أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبَه خطَّافة.
" سيَر أعلام النبلاء " (7 / 261) .
وينظر – لمزيد فائدة – جوابي السؤاليْن: (92781) و (96231) .
ثانياً:
الرافضة قومٌ بهت، كذبوا على الله، وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلى آل البيت، وهم يزعمون تعظيمهم، فكيف سيَصْدُقون في أعدائهم، وهم الصحابة رضي الله عنهم؟! ولذلك كانوا شرَّ أهل الأهواء، وأضلهم، بل وأحمقهم، وهم ـ في حقيقة أمرهم، وآخر مذهبهم ـ أعداء للدين الذي ينتسبون إليه؛ إذ لا دين إلا ما نقله أولئك الصحابة، ولا قرآن إلا ما قرؤوه وأقرؤوه، ولا سنَّة نبوية إلا ما بلغوها، وهذا هو الإسلام الذي طعنوا فيه، وكفروا بتشريعاته بتكفيرهم للصحابة، وتكذيبهم فيما نقلوه، ولم يسمِّهم السلف أهل أهواء عبثاً، بل هو لفظ مطابق لحالهم.
قال الإمام الشعبي – رحمه الله -:
يا مالك – وهو: ابن مغول - إني قد درستُ الأهواء، فلم أرَ فيها أحمق من " الخشبية " - فلو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حُمُراً، يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه لله، ولا رهبة من الله، ولكن مقتاً من الله عليهم، وبغياً منهم على أهل الإسلام، يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولص بن يوشع ـ ملك اليهود ـ دينَ النصرانية، ولا تجاوز صلاتُهم آذانَهم، قد حرقهم علي ن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، ونفاهم من البلاد، مِنهم: عبد الله بن سبأ، يهودي من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط، وأبو بكر الكروس، نفاه إلى الجابية، وحرَّق منهم قوماً أتوه فقالوا: أنت هو، فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت ربُّنا، فأمر بنار فأججت، فأُلقوا فيها، وفيهم قال علي رضي الله عنه:
لما رأيتُ الأمر أمراً منكرا ... أججتُ ناري ودعوتُ قنبرا
انظري " منهاج السنَّة النبوية " لابن تيمية (1 / 29، 30) .
و" الخشبية " هم الرافضة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كما كانوا يسمَّون " الخشبية " لقولهم: " إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم، فقاتلوا بالخشب ". " منهاج السنة " (1 / 36) .
واسمعي ما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما رووه هم في كتاب نهج البلاغة، الذي يثقون فيه، ويتلقونه بالقبول، ويسنبونه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، يقول:
" لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم منكم؛ لقد كانوا يُصْبحون شُعْثا غُبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى، من طول سجودهم، إذا ذكر الله هَملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب ". انتهى.
نهج البلاغة، بشرح ابن أبي الحديد (7/77) .
ويقول أيضا:
" أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحكموه، وهُيِّجوا إلى الجهاد فولِهوا ولَهَ اللِّقاح إلى أولادها، وسَلبوا السيوف أَغْمادَها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا وصفا، بعضٌ هلك، وبعضٌ نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى، مُرْه العيون من البكاء، خُمص البطون من الصيام، ذُبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غُبرة الخاشعين، أولئك إخوانى الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إإليهم، ونعض الأيدى على فراقهم ". انتهى.
وننصحك بقراءة كتاب: صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم، للعالم الهندي الكبير: الشيخ أبو الحسن الندوي، رحمه الله.
وانظري – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (1148) و (4569) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1113)
الفرق بين " البُهرة " و " الرافضة "، وهل يكفر أتباع الطائفتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إخباري عن ماهية الاختلاف بين " الشيعة البهرة " و " الشيعة الرافضة " في الدين، وهل هم أسوأ من الشيعة الاثنا عشرية؟ وبما أنهم يقولون " يا علي مدد "، و " يا حسين "، وبعض البهرة يسجدون لإمامهم: فهل هم يرتكبون الشرك الأكبر؟ إذاً ما حكم تكفيرهم؟ وهل نقول إنهم كلهم كافرون أم نقول إنهم عموما ليسوا كافرين، وإنما ضالون واعتقادهم يحوي كفراً، وتكفير البهري المعين يحتاج إلى دليل إقامة الحجة عليهم، وهذا لا يمكن إلا للعلماء الكبار؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشيعة الرافضة، والشيعة البُهرة كلاهما من الطوائف الضالة المنحرفة عن دين الله - إن كانت قد دخلت أصلاً فيه.
وعلماء الفرَق يعدُّون " البُهرة " من الباطنية الإسماعيلية، وقد كانوا من فرَق " الشيعة " فغلوا في الأئمة غلوّاً عظيماً، حتى كفَّرهم الرافضة! .
وقد حصل شقاق ونزاع بين " الرافضة الإمامية " و " الإسماعيلية " في ترتيب الأئمة المعصومين! من بعد جعفر الصادق، فبينما الترتيب عند " الرافضة الإمامية الاثني عشرية ": جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم، إذا هي عند " الإسماعيلية ": جعفر الصادق ثم ابنه إسماعيل، ثم في محمد بن إسماعيل.
ثانياً:
عقائد الرافضة الإمامية الاثني عشرية اشتملت على الزندقة، والإلحاد، والوثنية، ومن أبرز عقائدهم:
1. اعتقاد أن القرآن محرَّف.
2. تكفير الصحابة رضي الله عنهم إلا قليلاً.
3. اعتقاد عصمة أئمتهم من الخطأ والسهو، فضلاً عن المعصية والسيئة، واعتقاد علمهم بالغيب المطلق.
4. تعظيم القبور والمشاهد.
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً) الفتح/ 29:
ومِن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله - في رواية عنه - بتكفير الروافض، الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة: فهو كافر؛ لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة، والنهي عن التعرض لهم بمساءة: كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم.
" تفسير ابن كثير " (7 / 362) .
وقال القرطبي – رحمه الله -:
لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم، أو طعن عليه في روايته: فقد ردَّ على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين.
" تفسير القرطبي " (16 / 297) .
وقال ابن حزم – رحمه الله – في ردِّه على النصارى -:
وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات: فإن الروافض ليسوا من المسلمين! إنما هي فرَق، حدث أولُّها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة من خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام، وهي طائفة تجري مجرى اليهود، والنصارى، في الكذب، والكفر.
" الفِصَل في الملل والنِّحَل " (2 / 65) .
ثالثاً:
أما " البهرة " فهم خليط من عقائد منحرفة شتَّى، وهم باطنية، وهم جزء من الإسماعيلية، والتي كانت من فرق الشيعة، لكنهم غلوا في أئمتهم أشد من غلو الرافضة، وهذه بعض عقائدهم:
1. تعظيم أئمتهم لدرجة العبادة، وما يسمونه " الداعي المطلق " هو مصدر السلطات عندهم، وهو مرجعهم في كل شيء، ويسجدون له إن أقبلوا عليه.
2. لهم صلوات مبتدعة، منها: صلاة ليلة الثالث والعشرين من رمضان، وعدد ركعاتها: اثنتا عشرة ركعة، يرددون فيها: " يا عليَّاه " سبعين مرة، و " يا فاطمتاه " مئة مرة، و " ياحسناه " مئة مرة، و " يا حسيناه " تسعمائة وسبع وتسعين مرة.
3. لهم ظاهر مع الإسلام وباطن خبيث، فهم يصلون، ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل " الطيب بن الآمر "، يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين، لكنهم يقولون: إن الكعبة هي رمز على الإمام.
4. يعظمون القبور والمشاهد كإخوانهم الرافضة، ومن أعمالهم المعاصرة المشهورة: قيامهم بإصلاح ضريح كربلاء، والنجف، كما عملوا قبة من ذهب فوق ضريح " الحسين " المزعوم في القاهرة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان واقع كبير علماء " بوهرة " وأتباعه، وما وصفت في أسئلتك: فهم كفرة، لا يؤمنون بأصول الإسلام، ولا يهتدون بهدي كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستبعد منهم أن يضطهدوا الصادقين في إيمانهم بالله، وكتابه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وسنَّته، كما اضطهد الكفار في كل أمة رسل الله الذين أرسلهم سبحانه إليهم لهدايتهم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 390) .
وينظر لمزيد فائدة حول " البهرة ": كتاب: " أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية " لمؤلفه: خادم حسين إلهي بخش.
وفي جواب السؤال رقم: (107544) تفصيل وافٍ عن " البهرة ".
رابعاً:
أما بخصوص تكفير هاتين الطائفتين: فإنه لا شك في كفر " البهرة " جميعهم، العالِم منهم والعامي؛ لأنها فرقة باطنية، والفرق الباطنية ليس فيها تفصيل في حكم كفرهم جميعاً.
وأما الرافضة: فقد اختلف العلماء في كفرهم على أقوال:
أ. فمن العلماء من يرى أن كفرهم أصلي وأنهم لم يدخلوا في الإسلام أصلاً؛ لأن الشهادتين لهما معنى غير ما في الإسلام، والقرآن لم يؤمنوا به، والدين الذي أوصله لنا الصحابة لا يرونه إلا كفراً وضلالاً، وعند أصحاب هذا القول: لا فرق بين عامي وعالِم، وحكم عوامهم كحكم عوام اليهود والنصارى، ومن أبرز من قال به: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
وظاهر حالهم، وعقائدهم المنحرفة، وضلالاتهم، مما يتوافق مع هذا القول.
ب. وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى التفريق بين عوامهم وعلمائهم، وقالوا: إن عوامهم لا يكفرون إلا بإقامة الحجة عليهم، وأما علماؤهم فيكفرون؛ لأن الحجة مقامة عليهم بما يعرفونه من نصوص القرآن والسنَّة، ومن أبرز القائلين بهذا التفصيل قديماً: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحديثاً: الشيخ الألباني رحمه الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عن الرافضة -:
وأما تكفيرهم، وتخليدهم: ففيه أيضاً للعلماء قولان مشهوران: وهما روايتان عن أحمد، والقولان في الخوارج، والمارقين من الحرورية، والرافضة، ونحوهم، والصحيح: أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يُعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول: كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع؛ لكن تكفير الواحد المعين منهم، والحكم بتخليده في النار: موقوف على ثبوت شروط التكفير، وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له، وقد بسطت هذه القاعدة في " قاعدة التكفير "، ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال: " إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لإن قدِر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين "، مع شكه في قدرة الله، وإعادته، ولهذا لا يكفِّر العلماء من استحل شيئاً من المحرمات لقرب عهده بالإسلام، أو لنشأته ببادية بعيدة؛ فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وكثير من هؤلاء قدلا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بذلك، فيطلق أن هذا القول كفر، ويكفر متى قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، دون غيره، والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (28 / 468 – 501) باختصار.
غير أنه ينبغي الانتباه هنا إلى أمرين مهمين:
1. الخلاف بين العلماء في سب الصحابة لا يدخل فيه من اعتقد فسق عامتهم، أو اعتقد تكفيرهم، أو تكفيرهم إلا نفراً قليلاً منهم، فمن اعتقد من الرافضة كفر ذلك: فلا ريب في كفره، بل إنه يكفر من شكَّ في كفرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضاً في كفره؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ فإن مضمون هذه المقالة: أن نقلة الكتاب والسنَّة كفَّار، أو فساق، وأن هذه الآية التي هي (كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران/ 110، وخيرها هو القرآن الأول: كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها: أن هذه الأمة شرُّ الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارهم، وكفر هذا مما يعلم باضطرار من دين الإسلام.
" الصارم المسلول على شاتم الرسول " (1 / 590) .
وبمثله تماماً قال الشيخ العثيمين رحمه، ونقلنا قوله في جواب السؤال رقم: (95588) .
2. قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله به: كفر مخرج من الملَّة، وقد نُقل الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا أقوال طائفة من أهل السنَّة في كفر من قذفها في جواب السؤال رقم: (954) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1114)
الفروقات بين " الوهابية " الإباضية، وبين " الوهابية " السلفية
[السُّؤَالُ]
ـ[استمعت إلى عدد من علمائنا ودعاتنا، في مواضع مختلفة، وأماكن متفرقة، وهم يتكلمون عن " الوهابية "، وقد دافعوا عنها، وبيَّنوا أنها ليست حركة، أو فرقة، إنما هي تجديد لما كان عليه السلف، من اتباع الكتاب والسنَّة، ونبذ الشرك بجميع مظاهره وأشكاله، ويقفون عند هذا الحد فقط، ولم يبيِّن أحد منهم - وخاصة المشهورين منهم - أن هناك فرقة تسمى بـ " الوهابية "، وهي فرقة ضالة، نشأت في الشمال الأفريقي، مما جعل الأمور تلتبس ببعضها، وهذا هو ما جعل بعض العلماء من خارج الجزيرة العربية ينكرون هذه الطائفة التي نشأت في الجزيرة، اعتقاداً منهم أنها امتداد لتلك، نظراً لهذا الاسم الذي ألصق بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فياحبذا لو كُتِبَ عن تلك الفرقة الضالة، وبُيِّنَ الفرق بينها وبين دعوة الشيخ محمد من حيث الأصول والمعتقد، ولكتابة هذا السؤال سبب، ولكن لا أريد الإطالة بذكره، ولعل المقصود اتضح، والهدف تبين. أسأل الله تعالى أن ينفع بكم الإسلام، وينفعكم بالإسلام أحياءً وأمواتاً، وأن يختم لي ولكم بخير خاتمة، وأفضل عاقبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك غيرتك على الحق، وحبك لهداية الناس، ونسأل الله أن يتولاك برعايته.
ونعلمك أن كثيراً من الباحثين قد تعرضوا لذِكر الفرق بين " الوهابية الإباضية الخارجية "، وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية السنيَّة، ومع أن تلبيس شياطين الإنس لم ينطلِ على الكثيرين بسبب البون الشاسع بين الطائفتين في نواحٍ عدة، منها:
1. الشخصيتان، فالإباضية: نسبة لعبد الوهاب بن رستم، والثانية: للشيخ محمد بن عبد الوهاب – ولا تصح النسبة أصلاً لأن اسم الشيخ هو " محمَّد " -.
2. المنهجان، فالإباضية فرقة مبتدعة، لا تعظم نصوص الوحي، ولا يفهمونها كما فهمها الصحابة والتابعون، والثانية: على منهج على أهل السنَّة والجماعة في العمل بالقرآن والسنَّة الصحيحة.
3. الاعتقادان، فالأولى: خارجية، والثانية: سلفية.
4. والزمانان، فالأولى في أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث، والثانية: في أواخر القرن الثاني عشر! .
ومع ذلك فلم يمتنع العلماء وطلاب العلم من توضيح الحق لمن لبِّس عليه من دعاة السوء، وعلماء الضلالة.
قال الدكتور صالح بن عبد الله العبود – حفظه الله -:
الوهّابية: لقب فرقة انتشرت في الشمال الإفريقي، في القرن الثاني الهجري، على يد عبد الوهاب بن رستم، تسمى " الوهابية " نسبة إلى عبد الوهاب هذا، وتسمى أيضاً الرّستمية، نسبة إلى أبيه رستم، وهي فرقة متفرقة عن الفرقة الوهبية الخارجية، من فرق الإباضية، يطلق عليها الوهبية، نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن وهب الراسبي، ولّما كان أهل المغرب من أهل السنة والجماعة: صاروا يناوئون تلك الفرقة الوهّابية الرستمية؛ لأنها تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، بل كفّرهم كثير من علماء أهل المغرب القدامى، الذين توفوا قبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمئات السنين، فلما أظهر الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حين غربة معتقد أهل السنة والجماعة، قائماً بالدعوة الإصلاحية التصحيحية على ضوء الكتاب والسنَّة: لم يرق ذلك لأعداء التوحيد، وعبّاد القبور، وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء، فسحبوا هذه النسبة - الوهابية - على سبيل المغالطة الماكرة - إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وإلى أنصارها، وأطلقوها عليها؛ لتنفير الناس عنها، وصدهم عن سبيل الله تعالى، وإيهامهم بأنّ دعوة التوحيد مبتدعة، وأنها مذهب الخوارج.
والساسة العثمانيون نشروا هذا الإطلاق على دعوة الشيخ محمد إلى التوحيد، وتلّقفه الناس بواسطة القبورييّن، والصوفية، والمبتدعة، والجهلة، والعامّة، واتخذوه نبزاً مشعراً بالذم، حين خافوا على دولتهم من هذه الدعوة إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، لا سيما بعد دخول الحرمين الشريفين فيها تحت ولاية أنصارها، وساعد على ذلك توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا الإطلاق عند من لا يدري الحقيقة.
ينظر البحث القيم " تصحيح خطأ تاريخيّ حول الوهابية "، للدكتور محمد بن سعد الشويعر، ط 3، سنة 1419هـ، الجامعة الإسلامية، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية.
" المراد الشرعي بالجماعة وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية " (ص 18) .
وقال الدكتور محمد بن سعد الشويعر – حفظه الله -:
الوهابية معروفة من القرن الثاني الهجري في المغرب بأنها فرقة خارجية إباضية، تُنسب إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، المتوفى عام (197هـ) على رواية، وعام (205 هـ) على رواية أخرى، بشمال أفريقيا.
وقد اكتوى أهل المغرب بهذه الفرقة، وبنارها، وأفتى علماء الأندلس والمالكية بالمغرب بكفرها، فنقب المستشرقون، وأهل الفكر في الدول الغربية، التي تستعمر السواد الأعظم من ديار المسلمين ذلك الوقت، ووجدوا بغيتهم في تلك الفرقة التي لها تاريخ أسْوَد مع علماء الأندلس والشمال الأفريقي، فأرادوا من باب التنفير، والإفساد بين المسلمين، إلباس الثوب الجاهز، بعيوبه، لهذه الدعوة السلفية التصحيحية، من باب التفريق بين المسلمين، وإثارة الشحناء، ويرون أنفسهم الفائزين في مكسب أحد الطرفين أو خسارته، وقد أوضحت في كتابي: " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " شيئاً من ذلك، وكان أصله مناظرة مع بعض علماء المغرب الأقصى.
" مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 256) في مقال بعنوان: " سليمان بن عبد الوهاب الشيخ المفترى عليه ".
وقال:
دعوة الشيخ محمد – أي: ابن عبد الوهاب - تتنافر مع الوهابية الرستمية، من حيث المعتقد، والمحتوى، والمكان، والطريقة، وأسلوب الاستشهاد بالدليل الشرعي؛ لأن الرستمية خارجية إباضية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف عنهم لدى علماء المالكية، في شمال أفريقيا والأندلس، قبل تغلب الإفرنج عليها وذهابها من الحكم الإسلامي الذي هيمن عليها، قرابة ثمانية قرون، بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، ويدعم رأيه في كل أمر بالدليل الصحيح، من الكتاب والسنة، وما انتهجه السلف الصالح، كما هو واضح النص، والقياس، في جميع كتبه، ورسائله.
" مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 264) .
ويمكنك الاطلاع على مقال " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " من هنا: http://www.wahabih.com/3.htm
ثانياً:
وقد ذكرنا عقائد الإباضية في جواب السؤال رقم: (11529) .
وبينا في جواب السؤال رقم: (40147) عدم جواز الصلاة خلفهم.
وذكرنا في جواب السؤال رقم: (66052) عدم قبول شهادتهم، ومنع تزويجهم من أهل السنَّة.
وانظر:
جواب السؤال رقم: (10867) من هم الوهابيون؟ وما هي دعوتهم؟ .
وجواب السؤال رقم: (12203) نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين.
وجواب السؤال رقم: (12932) حقيقة الشيخين الجيلاني وابن عبد الوهاب.
وجواب السؤال رقم: (9243) هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها؟ .
وجواب السؤال رقم: (36616) محمد بن عبد الوهاب مُصْلِحٌ مفترى عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1115)
قرار المجمع الفقهي في حكم الانتماء للحركة الماسونية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الانضمام للماسونية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (34576) التعريف بالماسونية، وبيان حكمها، وحكم الانضمام إليها. وذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك، ونزيد هنا فنذكر قرار المجمع الفقهي؛ ونصه:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
نظر المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398هـ الموافق 15/7/1978، في قضية الماسونية والمنتسبين إليها وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك.
وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها، وبعض أقطابها، من مؤلفات ومن مقالات، في المجلات التي تنطق باسمها.
وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي:
1- أن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة، وتعلنه تارة، بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقة التي تقوم عليها، هي سرية في جميع الأحوال، محجوب علمها حتى على أعضائها، إلا خواص الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
2- أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض، على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب.
3- أنها تجذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض، يعينه في حاجاته، وأهدافه، ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان، على أساس معاونته في الحق والباطل، ظالماً أو مظلوماً، وإن كانت تستر ذلك ظاهرياً بأنها تعينه على الباطل، وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية، وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال.
4- أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم رمزية إرهابية لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها، والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.
5- أن الأعضاء المغفلين يتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية، وتستفيد من تكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة.
6- أنها ذات أهداف سياسية، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغيرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرةً أو خفيةً.
7- أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية، صهيونية النشاط.
8- أنها في أهدافها الحقيقة السرية ضد الأديان جميعاً، لتهديمها بصورة عامة، وتهدم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة.
9- أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية، أو السياسية أو الاجتماعية، أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهما انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
10- أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة، من أبرزها: منظمة الأسود، والروتاري، والليونز، إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كلياً مع قواعد الإسلام وتناقضه كليةً.
قد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسؤولين في البلاد العربية في موضوع قضية فلسطين. وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية الإسلامية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية.
لذلك، ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى، وتلبيساتها الخبيثة، وأهدافها الماكرة، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله. والله ولي التوفيق.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (1/150- 152) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1116)
الفيلم الهولندي المسيء للإسلام تعليق، ونقد، وتوجيه
[السُّؤَالُ]
ـ[خرج في هذه الأيام فيلم هولندي فيه إساءة للإسلام وأهله، واصفاً لهم بالإرهاب، فما هو توجيهكم للمسلمين حيال هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الصراع بين الحق والباطل قديم، وما يزال جنود الباطل يقفون في وجه الحق في كل عصر ومصر، فيخذلهم الله تعالى بقوة الحق، ويقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
ومنذ أن خُذل إبليس وترك استجابة أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بدأ الكيد للحق وأهله، وطلب إبليس من ربِّه الإنظار، لا ليتوب، بل ليكيد، وليُكثر من أتباعه، فيدخل وإياهم نار الله تعالى، وهناك سيقف خطيباً فيهم ويقول: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/ 22.
ثانياً:
قد تعرَّض الإسلام لمكائد كثيرة وكبيرة، ولكنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه؛ لأنه جعله خير الأديان وخاتمتها.
ثالثاً:
نقف هنا مع حدَث حديث، لن يكون الأخير؛ لوجود شياطين الإنس والجن، ومحاولاتهم اليائسة البائسة للنيل من هذا الدين، وكتابه المقدس والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحدَث هو ما صنعته يد الإثم والبهتان المسمَّى " غيرت فيلدرز "، زعيم حزب " الحرية "، وهو يميني هولندي متعصِّب، أراد أن يطعن في هذا الدين العظيم؛ ليُعرف، وليحصِّل مكاسب سياسية، لكنَّ الله تعالى خذله، وسيُخذل أكثر وأكثر، إن شاء الله، فأنتج ذلك الحاقد " فيلماً " قصيراً لا يتجاوز 17 دقيقة عن الإسلام والقرآن ملأه بالأكاذيب والافتراءات، وقد سمَّاه " فِتنة "! ، ولو عُرض ما قاله وقاءه على معهد أو جامعة " أكاديمية ": لكان حقه التوبيخ والإهانة؛ لعدم موضوعيته؛ ولتحريفه وتزويره للحقائق.
وقد بدأ فيلمه وأنهاه بوضع صورة مشينة للنبي صلى الله عليه وسلم مما رسمته اليد الآثمة المجرمة، يد الرسام الدنماركي، وهي تمثل في أول الفيلم قنبلة على عمامة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم – في زعمه – وهي في أول اشتعالها، وفي آخر الفيلم تصل الشعلة لنهايتها، وتنفجر! وهو يريد بذلك إيصال رسالة خسيسة بأن الإسلام جاء للدمار والخراب، وأن السكوت عنه سيؤدي إلى زوال الحضارات والأمم غير المسلمة! .
رابعاً:
يمكننا تقسيم وقفاتنا مع ذلك الفيلم السيئ إلى عدة أقسام:
1. آيات مقتطعة عن سياقاتها، ومحرَّفةٌ معانيها.
ومن أمثلة ذلك:
أ. أول الآيات في فيلمه قراءة هي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) الأنفال/ 60.
وقد أوصل القراءة إلى هذا الحدِّ، ولم يُكملها، وأراد إثبات لفظ (تُرهِبون) للدلالة على أن الإسلام هو الإرهاب، وهو ما يسعى كثيرون من الحاقدين والجهلة للصقه بالإسلام.
ولسنا نخجل مما في كتاب ربنا تعالى، ولسنا ننكر هذه الآية، بل نتعبد الله بقراءتها، ونسأله التوفيق للعمل بها، ونرد على استدلاله بهذا المقطع بوجهين اثنين – خشية الإكثار وخروج الرد عن منهج الموقع -:
الأول: أن هذا الذي أنكره على الإسلام هو ما تفعله الدول الكبرى والعظمى، فهي تنتج الأسلحة الفتاكة، والقنابل النووية والذرية، والطائرات، والغواصات، وغيرها؛ حماية لنفسها؛ وإرهاباً لأعدائها خشية أن يتعدى أحد عليها! وهو المراد بهذه الآية، ولم يطمع الكفار المحتلون ببلاد المسلمين إلا عندما عطَّلوا العمل بهذه الآية، ومن آخر أمثلة ذلك: العراق، حيث ضغطوا على حكومته لتدمير أسلحته، وصواريخه، فلمّا تمَّ ذلك، وتأكدوا منه: غزوا البلد، واحتلوه، وساموا أهله سوء العذاب.
الثاني: أن تكملة سياق الآية بعدها يفسِد عليه ما أراده من إلصاق الإرهاب – بمفهومه هو وعصابته – بالإسلام، والآية التي بعدها مباشرة: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال/ 61.
ب. وثاني آية مسموعة في ذلك الفيلم: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 56.
ومن تدليس هذا المخرج أنه جاء بهذه الآية ليبين للمشاهدين أن الإسلام يأمر بحرق المخالفين له حتى تنضج جلودهم! وأن هذا من تشريع الله لهم.
والرد عليه من جهتين:
الأولى: أن فعله تدليس أخرق؛ لأن الله تعالى يذكر فيها عقوبة الكفار يوم القيامة! وليس هي في الدنيا، وقد جاء بعدها ذِكر جزاء الممنين الموحدين، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) النساء/ 57.
والثانية: أن أدنى تأمل في الآية يبين به كذب وافتراء وتدليس هذا المخرج، ففي الآية قول الله تعالى (بدَّلْنَاهم جُلُوداً غَيْرَهَا) وهل يملك المسلمون تبديل جلود من احترقت جلودهم في الدنيا؟! .
2. صورٌ مفبركة، أو غير دالة على مراده، أو هي منكرة في الإسلام أصلاً.
ومن أمثلتها:
أ. صور لمجموعة من الرافضة – الشيعة – تجرح نفسها وأبناءها بالآلات الحادة، فتُدمى رؤوسهم، في منظر بشع سيء، وهذا ليس من ديننا، وإنما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام جهلاً منهم وضلالاً.
والصورة التي فيها سيوف مرفوعة عليها دماء: أيضاً هي من صور الرافضة في مناسبات عندهم، وقد أفهم المخرجُ الكذابُ النّاسَ أنها لمسلمين! وأنهم للتو قد انتهوا من حفلة تقطيع رؤوس للكفار! .
ب. ومن الصور المضحكة الواضحة الكذب: صور لنساء مسلمات منتقبات يرفعن لوحات كُتب عليها " بارك الله في هتلر "! .
ونقول: وهذا واضح أنه كذب وتدليس، فإن ديننا يمنعنا من الدعاء لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة /113، فكيف تدعو نساء منتقبات ملتزمات بأحكام الإسلام لهتلر بالبركة.
3. مقاطع مرئية، بعضها يحتوي حقّاً لا ريب فيه، وبعضها تزوير للحقائق، وتدليس على المشاهدين.
ومن أمثلة ذلك:
أ. لقاء مفبرك مع طفلة صغيرة، وواضح أنهم لم يحسنوا تمثيلها، ولا فبركتها، وذلك من وجهين:
الأول: أنها محجبة، وهم يسألونها عن دينها! فلم التلبيس والتدليس وكأنه أمر طبيعي غير مفبرك؟! .
والثاني: أن الطفلة الممثلة! سئلت عن رأيها في اليهود والنصارى، فقالت: قردة وخنازير.
وهذا ليس من ديننا، فليس فيه أن اليهود والنصارى قردة وخنازير، وإنما فيه أن طائفة من اليهود السابقين احتالوا على شرع ربهم، فعاقبهم الله تعالى فمسخهم قردة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/ 65، وقال تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 166.
ب. ومن المقاطع المرئية المقطوعة عن سياقاتها: مقطع ذلك الخطيب الذي يُخرج السيف، ويتوعد الكفار! .
وهذا الشيخ معروف، وهو عراقي، رفع السيف في خطبته تهييجاً للناس على الجهاد ضد الكفار المحتلين لبلده - وقد قتله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون -، وماذا يراد من المسلمين إذا احتلت بلادهم؟ التسليم لأموالهم وأعراضهم، وانتظار القتل، أو الرضا والعفو عن المحتل المجرم؟! بل الإسلام دين العزة، والكرامة، والمسلمون يأبوْن الذل، ولا بدَّ من قتال المحتل، وهذا مؤيد من أديان الأرض وشرائعه جميعاً، بل رأس الاحتلال نفسه قال: لو احتلت بلدي لقاتلت المحتل، وعلى فرض تصديقه أنه يقاتل ولا يفر: فهو لم يقل إلا الحقيقة والواقع، أي: أن المحتل يقاتَل.
فما هو المنكر في جهاد المسلمين لمن احتل أرضهم؟
خامساً:
انصبت الأفكار الرئيسية جميعاً على الطعن في الإسلام، من خلال: السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الطعن في القرآن، وأنه كتاب " فاشي "! كما قال في الفيلم، ومن خلال التنبيه على خطر المساجد، وكل ذلك حاوله المخرج في فيلمه القصير عن طريق المقاطع المرئية، والصور المؤثرة، ومن خلال الموسيقى المصاحبة لهما، لكنه فشل فشلاً ذريعاً؛ لاستعماله الكذب، والتزوير، والتدليس، وهو ما لن يقبله منه المشاهد، حتى لو كان كافراً.
وقد أرجع الله تعالى مكر المخرج على نفسه، فقد انكبَّ الناس في " هولندا " على الكتب الإسلامية، وعلى المصاحف، لشرائها، والنظر فيها، وسيرون فيها ما يبين كذب وتزوير ذلك المخرج الفاشل، وقد حصل بالفعل، فقد أسلم ثلاثة أشخاص من تلك البلاد بعد عرض الفيلم، وقد هددت شركات هولندية برفع قضايا على النائب المخرج إذا قاطعت الدول الإسلامية منتوجاتها، وسيبوء ذلك النائب المخرج بالخزي والعار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
سادساً:
قد نصر الله تعالى دينه نصراً مبيناً، فمنذ الإعلان عن قرب عرض الفيلم والمؤسسات والحكومات والأفراد من غير المسلمين ينكرون على النائب فعله، ويبينون عدم ربط الإسلام بالعنف والإرهاب، وأن المسلمين هم ضحايا للإرهاب مثل غيرهم، ومن هؤلاء المنكرين الرافضين لفعل ذلك النائب المخرج: رئيس وزراء هولندا، وله كلام قوي في إنكاره ورفضه، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وجمع من الساسة، والقادة، والدول، وقد رفضت المحطات الفضائية العامة والخاصة عرض هذا الفيلم، ولم يجد إلا موقعاً في " الإنترنت " لينشره.
وجاء في " مفكرة الإسلام " (السبت 22 ربيع الأول 1429هـ، 29 – 3 - 2008م) :
" ففي بروكسل: أدان البرلمان الأوروبي هذا الفيلم المسيء؛ حيث هاجم رئيس البرلمان " هانز غيرت بوتيرنغ " بشدة النائب الهولندي " فيلدرز " قائلاً في بيان له: إن محتوى الفيلم " يبدو مصمماً لاستفزاز الحساسية الدينية للمسلمين في هولندا وأوروبا والعالم ".
وأضاف قائلاً: " نيابة عن البرلمان الأوروبي أرفض بشدة تأويل الفيلم بأن الإسلام ديانة عنيفة "، مشيراً إلى أنه يصادق تماماً على بيان الحكومة الهولندية الرافض لفيلم (فتنة) ".
وكذلك أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه الفيلم الذي تبلغ مدته 15 دقيقة " معادياً للإسلام " و " مهيناً " و " ينشر الكراهية " انتهى.
وأما المسلمون فقد تحركوا في الإنكار، والشجب، وإخراج البيانات والتحذيرات من الاستمرار في الإساءة لشعائر ديننا ورموزه، وقد هددت بعض الدول بقطع علاقاتها مع هولندا، وطالب نواب في بعض الدول بطرد السفير الهولندي، ومقاطعة البضائع الهولندية، وعلى الضعف والتفرق الذي يعيشه المسلمون يعتبر هذا نصراً عظيماً للإسلام، حيث يوجد من يدافع عن ديننا من الكفار والمسلمين، وقد بعث رئيس وزراء هولندا نفسه رسالة لشيخ الأزهر يبين له فيها رفض حكومته لإنتاج هذا الفيلم وعرضه، وأن هناك قضية مرفوعة في المحاكم الهولندية.
فكيف سيكون الأمر والحال لو أن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد، وكان لهم من القوة ما يهابهم الحاقدون الأفاكون بسببها؟! .
سابعاً:
الذي تبين لنا أن ذلك النائب الكاذب أراد تحقيق أهداف من خلال فيلمه ذاك، ومنها:
1. كسب شخصي، للشهرة، والفوز بالانتخابات.
2. إرضاء اليهود، وقد وضح ذلك في فيلمه في عدة مقاطع يُظهر فيه الشفقة عليهم! وهم محتلون مجرمون، وفي الوقت الذي تكلَّم فيه عن القتل عند المسلمين: نسي أو تناسى أمرين:
الأول: أن الذي حرق الملايين من اليهود: نصراني! وهو هتلر! وقد ذكر في كتابه " كفاحي " أن هذا كان بأمر الله! .
والثاني: أن اليهود قتلوا وشردوا من المسلمين أعداداً كبيرة، ولم يخجلوا من أنفسهم في معركتهم الأخيرة على " غزة " أن يسموا فعلهم " محرقة "! .
3. تنبيه الغرب على ارتفاع نسبة المسلمين في بلادهم، وأن كثرة أعداد المسلمين تشكل خطراً على أوربا! .
4. تنبيه أوربا عموما، وهولندا على وجه الخصوص من انتشار المساجد فيها، وقد بان ذلك من خلال نشره لصور مساجد في هولندا؛ ليحذر من وجودها.
5. محاولة منع المصحف من التداول في أوربا، ومقارنة القرآن الكريم بكتاب هتلر " كفاحي "! ومن هنا فقد وصف القرآن بـ " الفاشي "! وهو مصطلح يشير إلى العنف والقسوة.
وقد خذل الله هذا النائب المخرج بذلك العمل الهزيل، المليء بالكذب، والافتراء، وسيرى الناس الفرق بين الكذب والحقيقة عندما يطلعون على القرآن الكريم، وعلى ما كتب عنه وعن الإسلام من عقلاء أقوامهم، وسيكون هذا الفيلم دافعاً لهم لتلك القراءة، وذلك الاطلاع، إن شاء الله، ولعله يكون سبباً لإنقاذ كثيرين من الضلالة.
ثامناً:
وصفُ الإسلام بالإرهاب والعنف: هو الرسالة الأصلية لهذا الفيلم، وهذا: ليس إلا إفكاً مفترىً، فالإسلام دين الرحمة، والعدل، والإنسانية، وهو الذي أنقذ أهل الأديان من جور حكامهم، ومخالفيهم، كما كان الحال في " الأندلس "، وفي " مصر " وغيرهما من البلدان التي كان يسام فيها أهل المخالفة سوء العذاب، حتى اليهود منهم! .
قال " إسرائيل ولفنسون ":
" إن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، لقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافاً من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألواناً من العذاب ".
" اليهود والتحالف مع الأقوياء " الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، بواسطة مقال الأستاذ خالد جودة " الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب ".
وليس الإسلام دين ذل وهوان، فالجهاد في سبيل الله من شعائره، ومن أعظم الأعمال فيه، وهو مشروع لحماية المسلمين من عدوهم، ولتبليغ دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في آفاق الأرض، وليس في الإسلام أنه يُكره الناس على دخوله؛ لأن من شرط الإسلام الصدق والإخلاص، فإذا لم يتصف بهما فسيكون منافقاً بين صفوف المسلمين، ولا يحرص الإسلام على وجود هذا الصنف الدنيء بين أفراده، بينما نجد القساوسة والرهبان قد ساهموا في إجبار الناس على اعتناق النصرانية في أوربا وغيرها، حتى بلغ القتلى من أجل ذلك الهدف أعداداً مهولة، قال المؤرخ " بريفولت " إنها من 7 – 15 مليوناً! .
ومن الظلم البيِّن الالتفات إلى أخطاء بعض المسلمين مما ينكره علماؤه وأئمته من قتل الأبرياء، ونسبة ذلك للإسلام – كما جاء في بعض مقاطع في الفيلم نحو تفجير قطارات لندن ومدريد وأمثال ذلك، فهذا كله أنكره أهل العلم مع أنه لم يكن ابتداء من أحد، وإنما كان ردة فعل من الظلم والقهر - وفي الوقت ذاته يغفل هؤلاء عن قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مات فيهما عشرات الملايين – قتلى الحرب الأولى: 14 مليوناً! وقتلى الثانية: 55 مليوناً! - ولم تكن بين المسلمين والنصارى، بل كانت بينهم أنفسهم، وعن قتلى اليابان من القنبلة الذرية الأميركية، وقتلى الهنود الحمر من الأمريكان، وقتلى الشعوب الآسيوية من الأمريكان أيضاً، وقتلى المستعمرين المحتلين.
ويغفلون عن الدمار والإرهاب الذي جاءت به الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، ويغفلون عما تفعله أمريكا وحلفاؤها اليوم في أفغانستان، والعراق، وما فعله الصرب بمباركة القساوسة في المسلمين في " البوسنة "، وغير ذلك الكثير والكثير، وإن نسي التاريخ أشياء: فإنه لا ينسى " محاكم التفتيش "، وخاصة تلك التي كانت في " إسبانيا ".
قال " غوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ":
" وعاهد " فرديناند " العربَ على منحهم حرية التدين، واللغة، ولكنه في سنة 1499م: لم تكد تحل: حتى حلَّ بالعرب دور الاضطهاد، والتعذيب الذي دام قروناً! والذي لم ينته إلا بطرد العرب من " أسبانية "، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثم صارت " محاكم التفتيش " تأمر بإحراق كثير من المعمَّدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة! .
ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً، وولداناً، ولم ير الراهب الدومينيكي " بليدا " الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومَن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك: أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن قتل جميع العرب بحد السيف؛ لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم! ....
ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
" حضارة العرب " (ص 270 – 272) باختصار.
ومن يتأمل الآن يجد أن أهل الإرهاب هم أهل الأديان الأخرى من النصارى، واليهود، والهندوس، والسيخ، ويجد أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، فمتى يستيقظ النيام من نومهم؟! ومتى يصحو الغافلون من غفلتهم؟! .
ونقول لهذا النائب الكاذب الذي يدعونا لتمزيق آيات إرهابية من القرآن الكريم – على حد زعمه -: تعال لنر كتابك المقدَّس ماذا فيه من الإرهاب - بنفس زعمك -:
إن كنت يهوديّاً تؤمن بالعهد القديم: فهاك ما فيه مما ينسب إلى الرب تعالى مما قاله لموسى:
في " سفر التثنية " (20، 10 – 17) : " إذا دَنوتَ منَ القرية لتقاتِلهم ادعُهم أوّلاً إلى الصّلح ... فأمّا القرى التي تعطَى أنت إيّاها فلا تستحيِ منها نفسًا ألبتّة، ولكن أهلِكهم إهلاكًا كلَّهم بحدِّ السيف الحَيثِيّ والأموري والكنعاني والفرزي، كما أوصاك الربّ إلَهُك ".
وإن كنت نصرانيّاً وأردت شيئاً من العهد الجديد: فهاك بعض ما فيه:
في " متَّى " (10 / 34 – 36) : يروى فيه عن عيسى عليه السلام قال: " لا تظنّوا أني جِئت لأحمِلَ السلام إلى العالم، ما جِئتُ لأحمل سلاماً بل سَيفاً، جئتُ لأفرّق بين الابن وأبيه، والبنتِ وأمّها، والكَنَّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته ".
وللاستزادة: ينظر كتاب " السيف بين القرآن والكتاب المقدس " للدكتور حبيب عبد الملك:
http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597
تاسعاً:
الواجب على المسلمين الآن:
1. عدم إحداث مشكلات في بلادهم، من مظاهرات تُحطم فيها الممتلكات، أو تراق فيها الدماء.
2. إرجاع الأمر إلى العلماء والحكماء لمعالجة الأمر، هذا أو غيره مما يشبهه.
3. السعي نحو التمسك بالإسلام قولاً وعملاً، فهذا من جهة يساهم في انتشار الإسلام، ومن جهة أخرى يغيظ الكفار الحاقدين على الإسلام وأهله.
4. الدعوة إلى الله بحكمة وعلم، وتوزيع المصاحف المترجمة، والكتب الإسلامية الميسرة على غير المسلمين، والاستعانة في ذلك بالمؤسسات الإسلامية الموثوقة، والعلماء الثقات.
والله الهادي
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1117)
نبذة عن كتاب " الكافي " للكليني
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن كتاب الكافي للكليني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
كتاب " الكافي " احتوى على كفر وزندقة، وهو عمدة مراجع الشيعة في مذهبهم، وقد اشتمل على ثلاثة أقسام: الأصول، والفروع، والروضة.
ألَّفه: محمد بن يعقوب الكليني، أبو جعفر، هلك عام 328 هـ.
ومن أمثلة ما في كتابه من كفر وزندقة:
1. وفي (1 / 258) بابٌ بعنوان " باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ".
2. وبوَّب في (1 / 260) باباً بعنوان: " باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان، وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء ".
وروى فيه عن أبي عبد الله قال: إني أعلم ما في السموات، وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة والنار، وأعلم ما كان، وما يكون ".
3. وبوَّب في (1 / 407 – 410) باباً بعنوان: " باب أن الأرض كلها للإمام ".
وروى فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام – أي: جعفر الصادق - قال: " أما علمتَ أن الدنيا والآخرة للإمام! يضعها حيث يشاء! ويدفعها إلى من يشاء؟! ".
4. وفي " فروع الكافي " (ص 59) : " إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة ".
فهذا بعض ما في كتابهم من كفر وزندقة، ونسأل الله أن يكف بأسهم وشرَّهم وكفرهم عن المسلمين، وأن يحفظ علينا ديننا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1118)
الطائفة النصيرية أو العلوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم أفكار وعقائد العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطائفة العلوية ظهرت في القرن الثالث من الهجرة، وتعد هذه الطائفة من غلاة الشيعة، الذين ادعوا الإلهية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان اسمهم الأول "النصيرية" ثم تسموا بعد ذلك بـ "العلويين" تمويهاً على الناس، وتغطية لحقيقة مذهبهم، وهم يحرصون على هذا الاسم الآن.
مؤسس هذه الطائفة هو محمد بن نصير البصري النميري (توفي سنة270 هـ) الذي ادعى النبوة والرسالة.
أهم أفكار ومعتقدات هذه الطائفة:
1- يعتقدون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إله.
2- يحبون عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، ويترضون عليه، لزعمهم بأنه خلص اللاهوت من الناسوت، ويخطئون من يلعنه!
3- يعتقد بعضهم أن علياً يسكن السحاب بعد تخلصه من الجسد الذي كان يقيده، وإذا مر بهم السحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، ويقولون: إن الرعد صوته، والبرق سوطه.
4- يعظمون الخمر، ويشربونها، ويعظمون شجرة العنب لذلك.
5- يصلون في اليوم خمس مرات، لكنها صلاة تختلف عن صلاة المسلمين، إذ ليس فيها سجود.
6- لهم قداسات شبيهة بقداسات النصارى.
7- لا يؤمنون بالحج، ويقولون بأن الحج إنما هو كفر وعبادة أصنام.
8- لا يؤمنون بالزكاة الشرعية المعروفة عند المسلمين، وإنما يدفعون ضريبة إلى مشايخهم، مقدارها خمس ما يملكون.
9- الصيام عندهم هو الامتناع عن معاشرة النساء طيلة شهر رمضان.
10- لهم تفسير باطني لشرائع الإسلام وأركانه غير ما يعرفه منها المسلمون، ولذلك فهم لا يؤمنون بالشهادتين ولا بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالصيام ولا بالحج، ولا الطهارة والوضوء والاغتسال من الجنابة ... إلخ.
11- عقائدهم خليط من الاعتقادات والأديان الباطلة، فأخذوا من الوثنية القديمة وعُبَّاد الكواكب والنجوم، وأخذوا من الفلاسفة المجوس، والنصارى، والمعتقدات الهندية والآسيوية الشرقية، وخلطوا ذلك بمعتقدات الشيعة الغلاة.
12- لهم أعياد كثيرة يحتفلون بها تدل على مجمل عقائدهم، منها:
- عيد النيروز، في اليوم الرابع من نيسان، وهو أول أيام سنة الفرس.
- عيد الغدير والعاشر من المحرم (عاشوراء) .
- عيد الأضحى، وهو عندهم في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة.
- يحتفلون بأعياد النصارى، كعيد الغطاس وعيد الميلاد وعيد الصليب وغيرها.
- يحتفلون بيوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرحا بمقتله، وشماتة به.
وبهذا يتبين أن هذه الفرقة من الفرق الباطنية التي تنتسب إلى الإسلام زوراً، والإسلام منهم بريء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية ـ هم وسائر الأصناف الباطنية ـ أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم.. وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم" انتهى.
انظر: "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/393-399) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1119)
شبهات من نصراني حائر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الصحيفة أن 15% من القرآن يتحدث عن المسيح؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن. إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" 9:6 و"جان" 1:1, و3:16, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد؟
إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت (؟) " و"الشيعة" على التوالي؟
لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." 2:24 و"مات." 19:5؟
إن روحي تبحث عن الحقيقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها:
1. أنه نبيٌّ من أنبيائه، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} البقرة/136.
2. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام: كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك.
3. وهو أصل الأصول، وعليه قوام الدين والدنيا، وبه تكون النجاة من النار، والدخول إلى الجنان، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود: هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال: إنه الله! ومنهم من قال: إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله! ومنهم من قال: هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث! وآخرون قالوا: بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه: (إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران/59 فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه.
فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب: فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها.
والخلاصة: أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام.
ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة؟ ! .
ثانياً:
أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق؟
والجواب على هذا السؤال: أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى: {ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم/31-32، وقال الله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} آل عمران/105، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} آل عمران/103، وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير} الحجرات/11 أي: لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالمراد: بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:
أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد: فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام.
وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً} ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين (15 – 35) .
وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين:
الأول: أنه من شرع الله، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها.
والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام.
والله الهادي
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1120)
الصلاة خلف إمام صوفي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا إمام صوفي، فهل تصح الصلاة خلفه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يختص به الصوفية من الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات، وليس له أصل في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منه ما هو بدع مكفرة، ومنه ما هو بدع غير مكفِّرة، فإن كان الإمام من أصحاب البدع الكفرية: فلا يصلَّى وراءه ولا كرامة، وإن كان من أهل البدع غير المكفرة: فيجوز الصلاة وراءه، وغيره من أهل السنَّة أولى ولا شك.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية، ولا يقبض يده في الصلاة، ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود، فهل تجوز صلاتي معه؟ .
فأجاب:
إذا كان معروفاً بالتوحيد ليس مشركاً، وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يعبد المشايخ، ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره: فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة: لا يمنع من الصلاة خلفه؛ لأن هذا أمر مسنون، وليس بواجب، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ... .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 120، 121) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -:
ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ .
فأجاب:
هذا فيه تفصيل: إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك: فهذا مبتدع، فينبغي أن لا يكون إماماً؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) - رواه أبو داود (3991) - والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: " يا رسول الله انصرني "، أو " اشف مريضي "، أو يقول: " يا سيدي الحسين "، أو " يا سيدي البدوي "، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد: فهذا مشرك شركا أكبر، لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية -.
أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك: فهذا يكون قد ابتدع في الدين، فيعلَّم، ويوجَّه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة: فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 373، 374) و (12 / 108، 109) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1121)
حوار مع نصراني: عيسى عبد الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن عيسى هو ابن الرب الوحيد، مع أنه في الإنجيل ابن الله، ويقول عن الله: أبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق لنا بيان أن الإنجيل الذي نؤمن به، بل ولا يصح لأحد إسلامه حتى يؤمن به، ليس هو الإنجيل الذي يوجد بين أيدي النصارى اليوم، فالإنجيل الذي نؤمن به هو الذي جاء به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى، وأما الذي بين أيدي النصارى اليوم، فشيء آخر، لا يدعون هم أن عيسى هو الذي جاء به أو كتبه. [راجع السؤال رقم 47516]
فإذا كان الأمر كذلك فإن ما يدعيه النصارى من أن الإنجيل يصرح بأن عيسى ابن الله، وأن الله أباه، تعالى الله أن يكون له ولد أو صاحبة، ليس شيء منه حجة علينا، لأننا نؤمن بأن ذلك من وضع البشر، وليس من دين عيسى عليه السلام، ولا من دين غيره من الرسل الكرام في شيء.
ومع أننا نؤمن أن الأناجيل الموجودة اليوم بين أيدي الناس، والتي يؤمن بها النصارى، قد دخلها التحريف والتبديل، ولا يزال يدخلها بين الفينة والفينة، بحيث لم يبق أي منها على الصورة التي نزل بها الإنجيل من عند الله، فإننا نشير هنا إلى أن أشد هذه الأناجيل تصريحا بالتثليث، وإقرارا لألوهية المسيح عليه السلام، حتى صار مرجع النصارى في الاستدلال لهذه الفرية، هو إنجيل يوحنا. وهذا الإنجيل قد اكتنف تأليفه من الشك عند جمع من محققي النصارى أنفسهم، ما لم يكتنف بقية هذه الأناجيل التي يؤمنون بها، وهو شك قديم، يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، وفي تأريخهم هم أيضا.
يقول الأستاذ استادلين: (إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية، ولقد كانت فرقة الوجين، في القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا)
وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما نصه: (أما إنجيل يوحنا فإنه، لا مرية ولا شك، كتاب مزور، أراد صاحبه مضاهاة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى.
وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوارة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف بالذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا، ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي، الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني، بالحواري يوحنا الصياد الجليل، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى) [نقلا عن محاضرات في النصرانية، للشيخ محمد أبو زهرة] .
بل الأعجب من طعن من طعن منهم في نسبة هذا الإنجيل، أنهم يقرون أن هذا الإنجيل قد كتب خصيصا لأجل إثبات هذه الفرية، فرية ألوهية المسيح، والتي أهملتها بقية الأناجيل، إلى وقت كتابة هذا الإنجيل , على الأقل. يقول يوسف الخوري: (إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها. والسبب أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح، فطلبوا منه إثباته، وذكر ما أهمله متى ومرقس ولوقا في أناجيلهم) . [المصدر السابق ص 64] .
على أنه، وبغض النظر عن الطعن في نسبة هذه الأناجيل عامة، وإنجيل يوحنا خاصة، فإن العبارات التي استندوا إليها من هذه الأناجيل لا تسعفهم فيما يحاولون، وإنما هي خيوط العنكبوت يتعلقون بها، كما ذكر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 41) .
إن الكتاب المقدس الذي يُذْكر فيه أن المسيح ابن الله، هو نفس الكتاب المقدس الذي ينتهي بآدم عليه السلام إلى هذا النسب، نسب البنوة إلى الله:
{وكان يسوع في نحو الثلاثين من العمر عندما بدأ رسالته، وكان الناس يحسبونه ابن يوسف، بن هالي.... بن شيث، بن آدم، ابن الله} [لوقا: 3/23-38] .
وهو نفس الكتاب الذي ينسب هذا الوصف لإسرائيل:
{ ... تقول لفرعون: هكذا يقول الرب؛ إسرائيل ابني البكر} [سفر الخروج: 4/22] ونحوه في [سفر هوشع: 11/1] .
وهكذا يقول عن سليمان، عليه السلام:
{.. وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابنا، وأنا أكون له أبا} [سفر الخروج: 28/6] .
فهل كان آدم وإسرائيل وسليمان بنين آخرين لله، قبل المسيح عليه السلام، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟!!
بل في إنجيل يوحنا نفسه بيان للمراد بهذه البنوة، بحيث تشمل كل الصالحين من عباد الله، ولا يبقى لعيسى أولغيره من الأنبياء اختصاص بها:
{وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله؛ أي المؤمنون باسمه} [يوحنا: 1/3]
ونحو هذا في إنجيل متى:
{طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون}
[متى: 5/8-9] .
فهذه البنوة المزعومة في لغة الكتاب المقدس، هي بنوة مجازية تعني العبد الصالح، دون أن تعطيه شيئا من الخصوصية في خلقه، أو نسبته إلى الله عز وجل. ولهذا يقول يوحنا:
{انظروا أية نصيحة أعطانا الأب حتى ندعى أبناء الله} . [الرسالة الأولى: 3/1] .
ولهذا أيضا كتبت البنوة بين آدم وربه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، كتبت بالألف، بينما كتبت بين كل ابن وأبيه الحقيقي بلا ألف، على قاعدتها، إشارة إلى أن هذه البنوة المزعومة، حتى عند من وضعها، ليست على ما يظن الناس من معاني الأبوة واالبنوة.
ويبقى نظير وصف البنوة لعيسى عليه السلام، ما افتروه على رب العالمين من أبوته للمسيح عليه السلام؛ فإن هذه الأبوة ـ أيضا ـ ليست خاصة بالمسيح في لغة الإنجيل:
{ ... قال لها يسوع: لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم} [يوحنا: 20/17-18] .
ففي نص واحد جمع لهم بين اشتراكهم معه في أبوة الله لهم، واشتراكه معهم في إلوهية الله للجميع!!
فليقولوا إن شاؤوا: إن الجميع أبناء الله وأحباؤه، كما حكى الله عن أسلافهم، وحينئذ فلا خصوصية للمسيح حتى يعبدوه من دون الله تعالى، أو فليتحكموا ويتعصبوا على غير هدى، ولا كتاب منير؛ فهذا لا يعجز عنه أحد، وأحلاهما مر!!
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض، رب العالمين، على ما من علينا من نعمة الإسلام.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1122)
يسأل عن الصابئة: من هم؟ وما حقيقة مذهبهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد ذكر الصابئة في عدة آيات من القرآن، فمن هم؟ وما الدين الذي يدينون به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكرت هذه الطائفة من الناس في ثلاثة مواضع من القرآن؛ فأولها في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62، والثاني في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17، والثالث قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة/69.
والصابئة جمع صابئ، اسم فاعل من صَبَأ يصبَأ، إذا خرج من دين إلى آخر.
قال الطبري: (والصابئون، جمع صابئ، وهو المستحدث سوى دينه دينا، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره، تسميه العرب: صابئا ... يقال صبأت النجوم: إذا طلعت..) انظر تفسير الطبري 2/145، لسان العرب صبأ
وأما مذهبهم، فقال ابن القيم، رحمه الله: (وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى: هم صنف من النصارى، وقال في موضع: ينظر في أمرهم؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين، ولكنهم يخالفونهم في الفروع، فتؤخذ منهم الجزية، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية....
وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال: هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... )
قال ابن القيم: (قلت: الصابئة أمة كبيرة، فيهم السعيد والشقي، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر، فإن الأمم قبل مبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، نوعان: نوع كفار أشقياء كلهم، ليس فيهم سعيد، كعبدة الأوثان والمجوس، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي، وهم اليهود والنصارى والصابئة، وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون) البقرة/62، وكذلك قال في المائدة، وقال في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فلم يقل هاهنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر، لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا؛ فذكر ست أمم، منهم اثنتان شقيتان، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا، ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد.
وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى، وهم أنواع: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون. وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح، ولهم كتب وتآليف وعلوم، وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة، منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين، وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات.
وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم، وعندهم أن من اتبعهم [يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم، فهو سعيد، وإن لم يتقيد بهم، فعندهم دعوة الأنبياء حق، ولا تتعين طريقا للنجاة، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات، ولكن كثيرا منهم، أو أكثرهم، قالوا: نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط؛ والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية، المبرئين عن القوى الجسدية، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية، بل قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس.
ثم ذكر أنهم يعبدون هذه الوسائط ويتقربون إليها، ويقولون: (هم آلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة)
ثم قال، رحمه الله: (فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات عن دين الصابئة وهو بحسب ما وصل إليهم، وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دي الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه، فدانوا به ورضوه لأنفسهم.
وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى، ولا يتعصبون لملة على ملة. والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس، وتتهذب به الأخلاق، ولذلك سموا صابئين كأنهم، صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل، والانتساب إليها، ولهذا قال غير واحد من السلف: ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا.
وهم نوعان صابئة حنفاء وصابئة مشركون؛ فالحنفاء هم الناجون منهم وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض، وهم قوم إبراهيم كما أن اليهود قوم موسى،والحنفاء منهم أتباعه) أحكام أهل الذمة 1/92-98
وما ذكره من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع. انظر الرد على المنطقيين [287-290،454-458] ، منهاج السنة، تعليق المحقق [1/5] . وانظر أيضا بحث الشيخ ابن عاشور للمسألة عند تفسيره لآية البقرة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1123)
لا يصحّ التفريق بين السلفية وأهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يفرق بين السلفية وأهل السنة، ويجعل السلفية طائفة أخص من أهل السنة، ويجعل أصولها ما عليه شيوخ هذه الطائفة من الآراء والأقوال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول مجانب للصواب، فإن أهل السنة هم الذين يتبعون الصحابة وما كان عليه السلف، وليس هؤلاء فرقة وهؤلاء فرقة، أو أن السلفية أخص!
والاصطلاح المصطلح عليه أن السلف هم الصحابة ومن سار على طريقهم وأهل السنة هم الذين اتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين ورد فيهم الحديث: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي (حديث الفرقة الناجية) .
ونصب الخلاف والنزاع على مجرد الألقاب لا يجوز، والله تعالى أمر باتفاق المؤمنين ونهى عن التفرق وتوعد عليه.
وينبغي للإنسان أن يكون قصده الحق، وإذا قال قولاً قال بالعدل والإنصاف، ولا يكون مبغضاً لإنسان فيدعوه بغضه إلى رد الحق الذي يقوله، أو تلمس الزلات له، ولا يأتي بأشياء قد تكون مفهومة عن بعد أو فيها تكلف لأجل ذلك، فهذا ليس من شأن أهل السنة، والمسلم يجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويجب أن يكون ناصحاً له، ويؤدي النصيحة وينطوي قلبه عليها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان.(1/1124)
الماسونية وحكم الانضمام لها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الماسونية. وما حكمها في الإسلام؟ وما حكم الانضمام لها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الماسونية هي جمعية سرية سياسية تهدف إلى القضاء على الأديان والأخلاق الفاضلة وإحلال القوانين الوضعية والنظم غير الدينية محلها، وتسعى جهدها في إحداث انقلابات مستمرة وإحلال سلطة مكان أخرى بدعوة حرية الفكر والرأي والعقيدة. وهذا ما صرحوا ويصرحون به.
فمن ذلك ما أعلنه أحدهم في مؤتمر الطلاب الذي انعقد في 1865م في مدينة لييج التي تعتبر أحد المراكز الماسونية من قوله:
يجب أن يتغلب الإنسان على الإله، وأن يعلن الحرب عليه. وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق. وجاء في المحفل الماسوني الأكبر سنة 1922م صفحة 98 ما نصه: سوف نقوي حرية الضمير في الأفراد بكل ما أوتينا من طاقة، وسوف نعلنها حرباً شعواء على العدو الحقيقي للبشرية الذي هو الدين. ويقول الماسونيون: إن الماسونية تتخذ من النفس الإنسانية معبوداً لها.
ويقولون: إنا لا نكتفي بالانتصار على المتدينين ومعابدهم، إنما غايتنا الأساسية إبادتهم من الوجود. مضابط المؤتمر الماسوني العالمي سنة 1903م صفحة 102.
ويقولون: ستحل الماسونية محل الأديان وأن محافلها ستحل محل المعابد ... إلى غير ذلك مما فيه التصريح بشدّة عداوتهم للأديان، وحربهم لها حرباً شعواء لا هوادة فيها.
والجمعيات الماسونية من أقدم الجمعيات السرية التي لا تزال قائمة ولا يزال منشؤها غامضاً وغايتها غامضة على كثير من الناس بل لا تزال غامضة على كثير من أعضائها. لإحكام رؤسائها ما بيتوا من مكر سيء وخداع دفين ولشدة حرصهم على كتمان ما أبرموه من تخطيط وما قصدوا إليه من نتائج وغايات. ولذا يدبر أكثر أمورها شفوياً.
وإن أريد كتابة فكرة أو إذاعتها عرضت قبل ذلك على الرقابة الماسونية لتقرها أو تمنعها. وقد وضعت أسس الماسونية على نظريات فأخذت من مصادر عدة، أكثرها التقاليد اليهودية.
ويؤيد ذلك أن النظم والتعاليم اليهودية هي التي اتخذت أساساً لإنشاء المحفل الأكبر سنة 1717م ولوضع رسومه ورموزه وأن الماسونيين لا يزالون يقدسون حيرام اليهودي، ويقدسون الهيكل والمعبد الذي شيده حتى اتخذوا منه نماذج للمحافل الماسونية في العالم، وأن كبار الأساتذة من اليهود لا يزالون العمود الفقري للماسونية، وهم الذين يمثلون الجمعيات اليهودية في المحافل الماسونية وإليهم يرجع انتشار الماسونية والتعاون بين الماسونية في العالم، وهم القوة الكامنة وراء الماسونية وإلى خواصهم تسند قيادة خلاياها السرية يدبرون أمرها ويرسمون الخطط لها ويوجهونها سراً كما يشاءون، ويؤيد ذلك ما جاء في مجلة أكاسيا الماسونية سنة 1908 م عدد 66 من أنه لا يوجد محفل ماسوني خال من اليهود وأن جميع اليهود لا تحتضن المذاهب بل هناك المبادئ فقط وكذلك الحال عند الماسونية ولهذه العلة تعتبر المعابد اليهودية خليفتنا ولذا نجد بين الماسونيين عدداً كبيراً من اليهود اهـ.
ويؤيد أيضاً ما ذكر في سجلات الماسونية من قولهم: لقد تيقن اليهود أن خير وسيلة لهدم الأديان هي الماسونية، وأن تاريخ الماسونية يشابه تاريخ اليهود في الاعتقاد.. وأن شعارهم هو نجمة داود المسدسة، ويعتبر اليهود والماسونيون أنفسهم معا الأبناء الروحيين لبناة هيكل سليمان، وأن الماسونية التي تزيف الأديان الأخرى تفتح الباب على مصراعيه لإعلاء اليهودية وأنصارها، وقد استفاد اليهود من بساطة الشعوب وحسن نيتها، فدخلوا في الماسونية، واحتلوا المراكز الممتازة وبذلك نفثوا الروح اليهودية في المحافل الماسونية وسخروها لأغراضهم اهـ.
ومما يدل على شدة حرصهم على سريتها وبذلهم الجهد في كتمان ما يخططون لهدم الأديان وتبييتهم المكر السيء لإحداث الانقلابات السياسية ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون من قولهم: وسوف نركز هذه الخلايا تحت قيادة واحدة معروفة لنا وحدنا، وستتألف هذه القيادة من علمائنا وسيكون لهذه الخلايا ممثلوها الخصوصيون، كي تحجب المكان الذي تقيم فيه قيادتنا حقيقة، وسيكون لهذه القيادة وحدها الحق في تعيين من يتكلم، وفي رسم نظام اليوم، وفي هذه الخلايا سنضع الحبائل والمصايد لكل الاشتراكيين وطبقات المجتمع الثورية، وإن معظم الخطط السياسية السرية معروفة لنا وسنهديها إلى تنفيذها عندما تتشكل، ولكن الوكلاء في البوليس الدولي السري تقريباً سيكونون أعضاء في هذه الخلايا..وحينما تبدأ المؤامرات خلال العالم فإن بدأها يعني أن واحداً من أشد وكلائنا إخلاصاً يقوم على رأس هذه المؤتمرات وليس إلا طبيعيا أننا كنا الشعب الوحيد الذي يوجه المشروعات الماسونية ونحن الشعب الوحيد الذي يعرف أن يوجهها ونعرف الهدف الأخير لكل عمل على حين أن الأمميين ـ أي غير اليهود ـ جاهلون بمعظم هذه الأشياء الخاصة بالماسونية ولا يستطيعون حتى رؤية النتائج العاجلة لما هم فاعلون.
إلى غير ذلك مما يدل على قوة الصلة بين اليهودية والماسونية، ومزيد التعاون بين الطائفتين في المؤامرات الثورية وإحداث الحركات الهادمة، وعلى أن الماسونية في ظاهرها دعوة إلى الحرية في العقيدة والتسامح في الرأي والإصلاح العام للمجتعمات، ولكنها في حقيقتها ودخيلة أمرها دعوة إلى الإباحية والانحلال وعوامل هرج ومرج وتفكك في المجتمعات، وانفصام لعرى الأمم ومعاول هدم وتقويض لصرح الشرائع ومكارم الأخلاق وإفساد وتخريب العمران.
على هذا فمن كان من المسلمين عضواً في جمعة الماسونية وهو على بيّنة من أمرها، ومعرفة بحقيقتها ودفين أسرارها أو أقام مراسمها وعني بشعائرها كذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن مات على ذلك فجزاؤه جزاء الكافرين، ومن انتسب إلى الماسونية وكان عضوا في جماعتها وهو لا يدري عن حقيقتها ولا يعلم ما قامت عليه من كيد للإسلام والمسلمين وتبييت الشر لكل من يسعى لجمع الشمل وإصلاح الأمم وشاركهم في الدعوة العامة والكلمات المعسولة التي لا تتنافى حسب ظاهرها مع الإسلام فليس بكافر، بل هو معذور في الجملة لخفاء واقعهم عليه، ولأنه لم يشارك في أصول عقائدهم ولا في مقاصدهم ورسم الطريق لما يصل بهم إلى غاياتهم الممقوتة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى "
لكن يجب عليه أن يتبرأ منهم إذا تبين له أمرهم ويكشف للناس عن حقيقتهم ويبذل جهده في نشر أسرارهم وما بيتوا للمسلمين من كيد وبلاء ليكون ذلك فضيحة لهم ولتحبط به أعمالهم. ينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في اختيار من يتعاون معه في شئون دينه ودنياه وأن يكون بعيد النظر في اصطفاء الأخلاء والأصدقاء حتى يسلم من مغبّة الدعايات الخلابة وسوء عاقبة الكلمات المعسولة ولا يقع في حبائل أهل الشرك ولا في شباكهم التي نصبوها للأغرار وأرباب الهوى وضعاف العقول "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/312-315) بتصرف يسير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1125)
كتاب إحياء علوم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تنصحوننا بقراءة كتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد سئل شيخ الإسلام عن هذا الكتاب فأجاب بقوله:
" أما كتاب (قوت القلوب) ، وكتاب (الإحياء) تبعٌ له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك، وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبى حامد الغزلي، وكلامه أَسَدُّ، وأجود تحقيقاً وأبعد عن البدعة، مع أنَّ في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة، وأما ما في الإحياء من الكلام في المهلكات مثل الكلام على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية، ومنه ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، ومنه ما هو متنازع فيه، والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين على أبى حامد هذا في كتبه، وقالوا مَرَّضَهُ " الشفاء " يعنى شفاء ابن سينا في الفلسفة.
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة.
وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُّرهاتهم.
وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه." انتهى مجموع الفتاوى ج10 ص551
ولهذا فالنصيحة بعدم قراءته، وخصوصاً أن هناك ما يغني عنه في بابه مثل ("كتاب حادي الأرواح، وكتاب الفوائد، وكتاب زاد المعاد، لابن القيم"، "وكتاب العبودية، وكتاب الإيمان، لشيخ الإسلام ابن تيمية"، "وكتاب لطائف المعارف، ورسالة الخشوع في الصلاة، لابن رجب") بالإضافة إلى أن هناك تلخيص لكتاب إحياء علوم الدين، يمكن الاستفادة منه مثل مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة. وأما طالب العلم المتمكن فلا بأس أن يقرأ فيه إذا كان يميز بين الصحيح والضعيف، والحق والضلال. ومن أراد الزيادة عن الغزالي وكتابه فليُراجع السؤال رقم (13473) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1126)
لمن ينسب كتاب " نهج البلاغة "
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اسأل عن مدى مصداقية كتاب نهج البلاغة ورأي فضيلتكم فيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتاب "نهج البلاغة"من الكتب المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه كثير من الأمور التي وقع فيها الخلاف بين المنتسبين إلى الإسلام، وتبعا للقاعدة العلمية العظيمة التي سار عليها أئمة الإسلام امتثالاً للأمر الشرعي بالتثبُّت فإننا لا بدَّ أن نرجع إلى أهل العلم والاختصاص للتأكد من صدق ما ينسب إلى علي رضي الله عنه لأن ما ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم له أثره في الشريعة، لا سيما من كان مثل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي غلا في حقه من غلا وقصَّر من قصَّر ووفق الله أهل السنة للتوسط.
وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في هذا الكتاب وبالنظر والمقارنة بين ما فيه وما ثبت بالأسانيد الصحيحة عن علي رضي الله عنه، يتبيَّن ما في هذا الكتاب من أمور تخالف ما ثبت عنه رضي الله عنه، ولنترك الكلام لبعض هؤلاء الأئمة الأعلام:
قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة المرتضى علي بن حسين بن موسى الموسوي (المتوفى سنة436هـ) قلت: هو جامع كتاب " نهج البلاغة" , المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي -رضي الله عنه- , ولا أسانيد لذلك , وبعضها باطل , وفيه حق , ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها , ولكن أين المنصف؟! وقيل: بل جمع أخيه الشريف الرضي ... وفي تواليفه سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنعوذ بالله من علم لا ينفع. سير أعلام النبلاء 17/589.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (أكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي، وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق ولا هي مدح، ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه، وكلاهما مخلوق ... وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به، ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره، ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي، وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك، ومن الذي نقله عن علي، وما إسناده، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها) . منهاج السنة النبوية 8/55.
وممن أشار إلى الكذب فيه أيضاً الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/161، وكذلك القاضي ابن خلكان، والصفدي وغيرهم، وخلاصة المآخذ التي قيلت فيه يمكن حصرها في التالي:
بين مؤلف الكتاب وبين علي رضي الله عنه سبع طبقات من الرواة وقد قام بحذفهم كلهم، ولهذا لا يمكن قبول كلامه من غير إسناد لو ذكر هؤلاء الرواة فلا بد من البحث عنهم وعن عدالتهم. عدم وجود أكثر هذه الخطب قبل ظهور الكتاب يدل على وضعها. المرتضى ـ صاحب الكتاب ـ ليس من أهل الرواية بل إنه من المتكلم في دينه وعدالته. ما فيه من سب لسادات الصحابة كافٍ في إبطاله. ما فيه من الهمز واللمز والسب مما ليس هو من أخلاق المؤمنين فضلا عن أئمتهم كعلي رضي الله عنه. فيه من التناقض والعبارات الركيكة ما يعلم قطعاً أنه لا يصدر عن أئمة البلاغة واللغة. كونه أصبح عند الرافضة مسلَّماً به ومقطوعاً بصحته كالقرآن مع كل هذه الاعتراضات يدل على عدم مراعاتهم في أمور دينهم لأصول التثبت والتأكد السليمة.
وبناءً على ما تقدم ذكره يتبين عدم ثبوت نسبة هذا الكتاب لعلي رضي الله عنه، وعليه؛ فإن كل ما فيه فإنه لا يحتج به في المسائل الشرعية أيًّا كانت، أما من قرأه ليطالع بعض ما فيه من الجمل البلاغية فإن حكمه حكم بقية كتب اللغة، من غير نسبة ما فيه لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه. (أنظر كتاب " كتب حذًّر منها العلماء" 2/250) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1127)
ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ولي الله، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا: (وليكم من بعدي) ، أو (أنا مِن عَلِي، وعَلِيٌّ مني) ، هل هذه الأشياء صحيحة؟ وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء (لا الرسل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين، هو رابع الخلفاء الراشدين، ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات خاصة، كالإمام أحمد بن حنبل في: " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام النسائي في كتابه: " خصائص علي ".
ثانيا:
ومن هذه الفضائل:
قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) رواه البخاري (رقم/2699) .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أي: في النسب، والصهر، والمسابقة، والمحبة، وغير ذلك من المزايا " انتهى.
" فتح الباري " (7/507)
ومن هذه الفضائل أيضا:
ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول:
(بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ، فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ.
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا؟!
فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ:
مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي) .
رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة، والترمذي (رقم/3712) وآخرون كثيرون، كلهم من طريق: جعفر بن سليمان، قال حدثني يزيد الرشك، عن مطرق بن عبد الله، عن عمران بن حصين به. قال الذهبي رحمه الله: " هو من أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) .
وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين:
القول الأول: الحكم بقبول الحديث:
قال الترمذي:
" هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي.
" المستدرك " (3/119)
وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374)
وقال ابن عدي رحمه الله:
" أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه، ولم يدخله البخاري " انتهى.
" الكامل " (2/146)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" إسناد قوي " انتهى.
" الإصابة " (4/569)
وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223) .
وحجتهم في تصحيح الحديث: توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان الضبعي، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث، وهما عن ابن عباس في " مسند أحمد " (1/330) ، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد المحسن التركي، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه. والشاهد الثاني من حديث بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله الكندي وهو شيعي ضعيف، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ، ومنها في صحيح البخاري برقم: (4350) .
القول الثاني: الحكم بتضعيف الحديث:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/385)
وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة.
وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به، فقد كان يحيى بن سعيد القطان يستضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدي: لا ينبسط لحديثه. وقال فيه البخاري رحمه الله: يخالف في بعض حديثه. وقال علي بن المديني: أكثر عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد: كان ثقة وبه ضعف. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97)
ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا، يشتم معاوية، حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به، فمثله لا يقبل تفرده، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته، وهذا ما نميل إليه في مثل أحاديث الفضائل التي معنا.
ثالثا:
على فرض تصحيح الحديث وقبوله، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من أوجه عدة:
1-أن كلمة (ولي) لها معان كثيرة في اللغة العربية، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة، يقول الفيروزأبادي رحمه الله: " الوَلْيُ: أي: القُرْبُ، والدُّنُوُّ، والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ. والوَلِيُّ: الاسمُ منه، والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ. ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو هي المَصْدَرُ وبالكسر: الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابِعُ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732)
2-لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولي كل مؤمن بعدي) ، وعلي رضي الله عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى يوم القيامة.
3-جاء في بعض روايات الحديث لفظ: (ولي كل مؤمن في الدنيا والآخرة) " مسند أحمد " (5/179) : وهذا اللفظ ينفي أن معنى (ولي) ههنا هي الإمارة، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة؟!
4-لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من أحد من أنصاره، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد، فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن، ونصرته وتأييده على الحق كذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: (والي كل مؤمن بعدي) كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي.
فقول القائل: (علي ولي كل مؤمن بعدي) كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى.
" منهاج السنة " (7/278)
وانظر جواب السؤال رقم: (26794)
ويقول أيضا رحمه الله:
" وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ، وقال: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)
فبين أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)
وهو ولي المؤمنين، وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.
وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنا وظاهرا، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضا له موالى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله)
وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ: (من كنت مولاه فعلي مولاه)
وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا.
رابعا:
أما دعوى أن علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء: فهذه دعوى كاذبة باطلة، بل هي كفر هادم لعقيدة المسلم، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء لا يبلغها أحد من غير الأنبياء؛ قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله، ومن ادعى خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث والأخبار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" من غلا في الأولياء، أو من يسميهم أولياء الله، أو يسميهم أهل الله، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها بأسماء الأنبياء، وجعلهم مثل الأنبياء، أو أفضل من الأنبياء، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل " انتهى.
" الصفدية " (1/262)
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
" من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم، أومساوياً لهم فقد كفر، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم " انتهى.
" رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29) ، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1128)
ينزل عيسى عليه السلام آخر الزمان حاكما بالشريعة المحمدية
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو ناتج عن مناظرة لي مع قادياني قال فيها أن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان خاتم النبيين فبأي معنى يأتي عيسى عليه السلام بعد ذلك وهل سيأتي كنبي أم خليفة؟ أرجو الجواب من فضلك]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد تواترت الأدلة الشرعية، من نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في كل عصر ومصر، على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين، ومن ادعى النبوة بعده فهو كذاب دجال.
قال الله عز وجل: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب / 40
قال ابن كثير رحمه الله:
" أخبر تعالى في كتابه، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك، دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله، سبحانه وتعالى على يد الأسود العَنْسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة، من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله.
وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال.
" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/430-431)
وروى البخاري (3455) ومسلم (1842) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) .
وروى مسلم (523) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) .
وروى الترمذي (2272) وصححه عن أنس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ) .
صححه الألباني في "صحيح الترمذي"، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.
ثانيا:
دلت الأدلة الصحيحة أيضا على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، وأنه ينزل حاكما بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، متبعا له، لا ينزل برسالة مستقلة، وشريعة جديدة.
روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) .
قال العراقي رحمه الله:
" الْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا نَبِيًّا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " انتهى.
"طرح التثريب" (8/ 117)
وروى مسلم (156) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) .
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ) متفق عليه.
قال الحافظ رحمه الله:
" قَالَ أَبُو الْحَسَن الْآبِريّ فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بِأَنَّ الْمَهْدِيّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفه. وَقَالَ أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا الْجَوْزَقِيّ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُم بِالْقُرْآنِ لَا بِالْإِنْجِيلِ. وَقَالَ اِبْن التِّين: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " أَنَّ الشَّرِيعَة الْمُحَمَّدِيَّة مُتَّصِلَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَنَّ فِي كُلّ قَرْن طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: لَوْ تَقَدَّمَ عِيسَى إِمَامًا لَوَقَعَ فِي النَّفْس إِشْكَال، وَلَقِيلَ: أَتُرَاهُ تَقَدَّمَ نَائِبًا أَوْ مُبْتَدِئًا شَرْعًا , فَصَلَّى مَأْمُومًا لِئَلَّا يَتَدَنَّس بِغُبَارِ الشُّبْهَة وَجْه قَوْله: " لَا نَبِيّ بَعْدِي "
انتهى مختصرا.
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" دلت الأحاديث على نزوله آخر الزمان، وعلى أنه يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أن إمام هذه الأمة ـ في الصلاة وغيرها، أيام نزول عيسى ـ من هذه الأمة، وعلى ذلك لا تكون هناك منافاة بين نزوله وبين ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
؛ حيث لم يأت عيسى برسالة جديدة، ولله الحكم أولا وآخرا، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 301-302)
وقال علماء اللجنة أيضا:
" ورد في القرآن نصوص في رفع عيسى ابن مريم حيا إلى السماء، ونزوله نبيا رسولا؛ وذلك امتدادا لنبوته ورسالته قبل رفعه، لكن لا يدعو إلى شريعته، بل يدعو إلى أصول الإسلام التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون جميعا، وإلى الفروع التي جاء بها خاتم
الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، فليست نبوة ورسالة جديدة حتى تتنافى مع ختم النبوات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 328-329)
ثالثا:
ينبغي أن يعلم أن هذه الفرقة – القاديانية – فرقة ضالة خبيثة، قد جرت خطوط العلماء بتكفير من ينتسب إليها؛ لما هم عليه من الكفر والضلال المبين، حيث يؤمنون بنبوة إمامهم الضال غلام أحمد القادياني، الذي ادعى النبوة، وادعى نسخ الجهاد في سبيل الله خدمة للاستعمار، وألغى الحج إلى مكة، وحوله إلى قاديان، التي عندهم أفضل من مكة والمدينة.
كما يدعون في إمامهم الدجال الضال أنه ابن الله، ويؤمنون بعقيدة التناسخ والحلول، ويشبهون الله تعالى بالبشر.. إلى آخر ما يدينون به من الكفر، ويؤمنون به من الضلال.
راجع لمعرفة حقيقة أمرهم وما هم عليه من الكفر إجابة السؤال رقم: (4060) .
والذي ننصح به: ألا يشتغل بالمناظرة معهم، أو مع غيرهم من أهل البدع والضلال، إلا من كانت عنده الأهلية لذلك، من تمكنه في العلم الشرعي، ومعرفته بحقيقة مذهب القوم وضلالهم، وما قاله أهل العلم فيهم وفي ضلالاتهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1129)
التحذير من فرقة تسمَّى " المهدية " يدعي مؤسسها أنه المهدي ولهم عقائد أخرى منحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أرغب في تعريف فضيلتكم بجماعة، أو فرقة تدعى " المهدية " نسبة إلى الإمام المهدي، الذي ولد في " جانبور " بالهند في القرن التاسع الهجري , وتوفي في فرح بأفغانستان عن عمر يناهز الثالثة والستين , ودفن هناك، فهل هو المهدي الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ . إن المهديين يزعمون بأنهم هم فقط المسلمون الحق في هذا العالم بأسره , وأن من ينكر إمامهم المزعوم المهدي: يكون كافراً، إن هذه الجماعة تزعم أن الإسلام قد اكتمل بالإمام المهدي، كما أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وقد أوضح لهم أنها في السابع والعشرين من رمضان، كما أنهم يزعمون أن إمامهم المهدي عَرف الطريق لرؤية الله سبحانه وتعالى. ومن زعمهم أيضاً: أن حروف القرآن مثل أل م (الم) ، أل ر (الر) ، ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلى الله عليه وسلم قد عرفها الإمام المهدي وأخبر بها أصحابه. وفيما يلي قائمة بمبادئ الاعتقاد الأساسية لهذه الجماعة، كما أوضحها إمامهم المزعوم المهدي: الرغبة في رؤية الله. صلاة ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان. كمال الإسلام بالإمام المهدي. يزعم بعض أتباع المهدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان. ترك الدنيا يشبه التصوف. الاختلاء. وكلما حاولت محاورة هذه الجماعة وإخبارهم أن المهدي سيأتي عند نزول سيدنا عيسى عليه السلام يستشهدون بالحديث الآتي: (كيف تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها) . لقد تم تدوين هذا الحديث مع بعض الاختلاف في النص في المصادر التالية: مسند الإمام أحمد بن حنبل (164 - 221 هـ) من حديث ابن عباس رضي الله عنه. الحاكم النيسابوري (321 - 405 هـ) في " المستدرك على الصحيحين " من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " لأبي نعيم الأصفهاني (334 - 430 هـ) وقد نقل هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه. " مشكاة المصابيح " للإمام ولي الدين التبريزي (421 - 502 هـ) وتفسيراته. المرقاة واللمعات للإمام جعفر والرازين؟!! " تفسير المدارك " للإمام عبد الله أحمد بن النسفي (المتوفى 710 هـ) . " كنز العمال " للحافظ علي المتقي الهندي (المتوفى 975 هـ) عن علي رضي الله عنه. فهل يمكنكم إثبات صحة الحديث السابق، حيث إنهم أيضاً ينكرون كل الأحاديث الأخرى الصحيحة المشهورة عن الإمام المهدي الحقيقي، مثل: أنه سيحكم الأمة سبع سنوات، وأنه سيملأ الأرض عدلاً، وسيعطيه الله المدد في ليلة واحدة، كما أنه سيفر من المدينة إلى مكة حيث يدين له الناس بالولاء. وبالنسبة لكل هذه الأحاديث السابقة: فهم يرون أنه قد أساء فهمها العلماءُ , وأن علماءهم لهم فهمهم الخاص لهذه الأحاديث. ولمزيد من المعلومات المفصلة عن هذه الجماعة - أو الفرقة - إليكم هذا الرابط: http://khalifatullahmehdi.info/ هناك أكثر من مائة ألف من هذه الجماعة في جميع أنحاء العالم، إنني أناشدكم أن تقوموا بعمل بحث عن هذه الجماعة، ثم تصدروا فتوى في ضوء القرآن والسنَّة، إننا يمكننا تغيير حياة وعقيدة الآلاف من الناس إذا استطعنا توضيح الطريق الصحيح، ولمزيد من المعلومات أرجو الاتصال بي علي العنوان التالي: ... . وإذا كانت هذه الجماعة على خطأ: فهل بوسع فضيلتكم - أو هيئة إصدار الفتوى - أن تقوم بإصدار فتوى ضدهم؟ وأنا في انتظار ردِّكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يعتقد أهل السنَّة والجماعة أنه سيخرج في آخر الزمان رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً , وأنه يوافق اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وسلم، واسمَ أبيه اسمَ أبي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
فالمهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم اسمه " محمد بن عبد الله "، لا محمد بن الحسن , وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: هو من ولد الحسن بن على، لا من ولد الحسين بن علي.
وأحاديث المهدي معروفة، رواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطيء اسمُه اسمي، واسمَ أبيه اسمَ أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) .
" منهاج السنَّة " (4 / 95) .
وللوقوف على بعض أحاديث المهدي، وعقيدة أهل السنة والجماعة فيه: انظر جوابي السؤالين: (1252) و (43840) .
ثانياً:
لا يستغرب أن يظهر من يدَّعي المهدية؛ فقد ادَّعاها أشخاص كثُر على مرِّ التاريخ، بل وينتظِر خروجَه طوائف عدة، وكل طائفة تنسب له من الصفات ما لم يقم عليه دليل من الوحي، ونجَّى الله تعالى أهلَ السنَّة فلم يثبتوا له إلا ما صحَّ في الشرع، ولم يدعوه في غير شخصه، وكذَّبوا كل من زعم المهدية ليضل الناس.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح بن مريم.
القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس , وقد انتهى زمانه.
القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان , وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً , وأكثر الأحاديث على هذا تدل.
وفي كونه من ولد الحسن سرٌّ لطيف , وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق، المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض , وهذه سنَّة الله في عباده: أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله، أو أعطى ذريته، أفضل منه ...
وأما الرافضة الإمامية: فلهم قول رابع، وهو أن المهدي هو: محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا , ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنَة، فلم تره بعد ذلك عينٌ , ولم يحسَّ فيه بخبر , ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم! يقفون بالخيل على باب السرداب , ويصيحون به أن يخرج إليهم: " اخرج يا مولانا "، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم، ودأبه.
أما مهدي المغاربة " محمد بن تومرت ": فإنه رجل كذَّاب، ظالم، متغلب بالباطل، ملَكَ بالظلم، والتغلب، والتحيل، فقتل النفوس , وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم , وكان شرّاً على الملَّة من الحَجَّاج بن يوسف، بكثير ...
ثم خرج المهدي الملحد " عبيد الله بن ميمون القدَّاح "، وكان جدُّه يهوديّاً من بيت مجوسي، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت , وادَّعى أنه المهدي الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم، وملَكَ , وتغلَّب، واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله، على بلاد المغرب، ومصر، والحجاز، والشام , واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم , وكانوا يدَّعون الإلهية , ويدعون أن للشريعة باطناً يخالف ظاهرها.
وهم ملوك القرامطة الباطنية، أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب - كذباً - إلى أهل البيت، ودانوا بدين أهل الإلحاد , وروَّجوه , ولم يزل أمرُهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم، ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم، وأبادهم , وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم.
والمقصود: أن هؤلاء لهم مهدي، وأتباع ابن تومرت لهم مهدي , والرافضة الاثنا عشرية لهم مهدي، فكل هذه الفرق تدعي في مهديِّها الظلوم، الغشوم، والمستحيل المعدوم: أنه الإمام المعصوم , والمهدي المعلوم الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم , وأخبر بخروجه , وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان فتعلو به كلمتهم , ويقوم به دينهم , ويُنصرون به على جميع الأمم.
والنصارى تنتظر المسيح يأتي قبل يوم القيامة، فيقيم دين النصرانية, ويبطل سائر الأديان ... فالملل الثلاث تنتظر إماماً قائماً يقوم في آخر الزمان , وينتظر اليهودُ الدجالَ الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً , وفي المسند مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء) .
" المنار المنيف في الصحيح والضعيف " (ص 148 – 155) باختصار.
ثالثا:
كل طائفة من أولئك تدَّعي أن المهدي معها، فمَن هو المحق؟ وأي طائفة هي الصواب؟ ولا نزال نسمع بين الحين والآخر أنه خرج في الجماعة الفلانية، أو في البلد الفلاني: المهدي , فما هو الضابط في معرفة صدق الادعاءات من كذبها؟
والجواب: أنه يمكن أن نلخص أهم النقاط التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن المهدي كالآتي:
أ. أنه مِن ولد فاطمة ابنة النبي صلى اله عليه وسلم، ومِن ذرية الحسن بن علي رضي الله عنه، واسمه محمد بن عبد الله.
ب. أنه يخرج في آخر الزمان، مصاحباً لنزول عيسى عليه السلام، ومقتل الدجال.
ت. أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملأت جوراً وظلماً.
ث. يمكث سبعاً، أو ثمانياً من السنين؛ وتكثر الخيرات في زمنه.
ج. ينصر الله به الإسلامَ، والمسلمين، وتكون العزة في الأرض لأهل الإسلام.
ح. وَصَفَه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أَجْلَى الْجَبْهَةِ (انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة) ، أَقْنَى الأَنْفِ (أي: أنفه طويل رقيق في وسطه حدب) .
خ. يعتصم بالبيت الحرام، ويغزوه جيشٌ يُخسف به بين مكة والمدينة.
د. وهو لا يدَّعي المهدية لنفسه , وإنما الناس يبايعونه لدلائل يرونها فيه.
ذ. يصلي خلفه عيسى عليه السلام.
فلمعرفة هذا الشخص: لا بد أن ننظر إلى تحقق هذه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فإن تحققت به: فهو من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو كاذب في سلسلة الكذابين.
رابعا:
لا شك أن شأن ذلك الدعي الهندي المذكور هو شأن غيره من الكذابين الدجالين، فقد توفي ولم يحقق شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم! ولا انطبقت عليه شيء من الأوصاف التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعه يتعلقون بالوهم والأماني، يعِدُهم الشيطان، ويمنِّيهم، قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) النساء/ 120.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية - كما زعم ذلك بعض المتأخرين -: فهو قول باطل ; لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً: قد تواترت تواتراً معنويّاً، وكثرت جدّاً، واستفاضت، كما صرح بذلك جماعة من العلماء , منهم: أبو الحسن الآبري السجستاني من علماء القرن الرابع , والعلامة السفاريني، والعلامة الشوكاني، وغيرهم , وهو كالإجماع من أهل العلم، ولكن لا يجوز الجزم بأن فلاناً هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بيَّنها النبي في الأحاديث الصحيحة الثابتة , وأعظمها وأوضحها: كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما، كما سبق بيان ذلك.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 168) .
رابعاًً:
مما يدل على كذب هذا الشخص، وأنه دعي دجال: تلك المعتقدات التي يعتقد بها أصحابه، كما ورد في السؤال:
1. اعتقادهم أن من ينكر إمامهم المزعوم المهدي: يكون كافراً.
وهذا من أدلة ضلال هذه الجماعة؛ فلا يجوز تكفير المسلم إلا بشروط وضوابط.
وانظر جواب السؤال رقم: (85102) .
2. اعتقادهم أن الإسلام قد اكتمل بالإمام المهدي.
وهذا من الكذب على الشرع؛ لأن الله تعالى قد بيَّن في كتابه أنه أتمَّ الدين، وأكمل النعمة، ولم يبق الناس في حاجة من أمر دينهم بعد تمام نزول الوحي، وبعثة الرسول إلى شيء غيره، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) المائدة/ 3.
3. اعتقادهم أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وأنها في السابع والعشرين من رمضان.
وهذا - أيضاً - من الكذب، فقد ذكر الله تعالى ليلة القدر قبل خلق ذلك الدجال بقرون، وأخبرنا بما فيها من فضل تعظيماً لليوم الذي ابتدأ الله به إنزال القرآن؛ وكذلك لزيادة وتكثير أجور هذه الأمة، بأن جعل عبادة تلك الليلة تعدل عبادة ألف شهر , وهي ليلة التقدير للسنة.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
يقول تعالى مبيِّنًا لفضل القرآن وعلو قدره: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وذلك أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكراً.
وسمِّيت " ليلة القدر " لعظَ قدَرِها، وفضلها، عند الله، ولأنه يُقدَّر فيها ما يكون في العام من الأجل، والأرزاق، والمقادير القدرية.
ثم فخَّم شأنها، وعظَّم مقدارها فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي: تعادل في فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمَّرٍ عمراً طويلاً نيِّفًا وثمانين سنة.
(تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) أي: يكثر نزولهم فيها (مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ) أي: سالمة من كل آفة وشرٍّ، وذلك لكثرة خيرها، (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي: مبتداها من غروب الشمس، ومنتهاها طلوع الفجر.
وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصاً في أوتاره، وهي باقية في كل سنَة إلى قيام الساعة.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر.
" تفسير السعدي " (ص 931) .
أما أنه تعالى شرع ليلة القدر للمهدي المزعوم – أو حتى الحقيقي -: فهو من الكذب الصريح، ولو كان حقّاً أنها شرعت لأحدٍ: لكان شرعت لمن هو أولى منه، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن فيها , ولكان تعالى أخبر بذلك، ولكن ما أرخص الكذب عند من لم يستنر قلبه بالهداية.
أما تحديد ليلة القدر بليلة السابع والعشرين: فهو قول مرجوح , والصواب أنها ليلة متنقلة في ليالي العشر الأخيرة , وانظر جواب السؤال رقم: (50693) .
4. اعتقادهم أن حروف القرآن مثل أل م (الم) ، أل ر (الر) ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلي الله عليه وسلم: قد عرفها مهديهم! وأخبر بها أصحابه.
وهذا – أيضاً - من الكذب؛ فقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء، كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها.
وانظر جواب السؤال رقم: (21811) .
وأرجح الأقوال في تفسيرها ما ذكره ابن كثير رحمه الله - وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في قوله:
وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها؛ بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف: فلا بد أن يُذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه، وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: (الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) البقرة/ 1، 2، (الم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) آل عمران/ 1 – 3، (المص. كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) الأعراف/ 1، 2.
... .
وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم.
" تفسير القرآن العظيم " (1 / 160) .
5. اعتقادهم في رؤية الله.
فإن قصدوا بذلك الرؤية يقظة في دار الدنيا: فهو كذب، وافتراء , ويرده الأحاديث الصحيحة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو لم يره، مع أنه كان في السماء.
وانظر جوابي السؤالين: (43176) و (14096) .
6. اعتقاد بعض أتباع المهدي المزعوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان.
وهذا أيضا من الكذب، بل هو أبطل الباطل؛ فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد بني آدم؛ وقد خصه الله بالفضائل والمزايا التي لم يصل إليها الأنبياء؛ فهو صاحب المقام المحمود، والشفاعة العظمى.
وانظر جواب السؤال رقم (97384) للوقوف على أقوال العلماء في أفضليته على الخلق.
وهذا الدعي لا يصل إلى مرتبة صالحي آخر هذه الأمة؛ فكيف بمتقدميها، فكيف بالصحابة، وكيف بالأنبياء، وكيف بأولي العزم من الرسل؟! بل إن هذا القول قد يصل به وبأصحابه إلى الكفر، والردة، والعياذ بالله.
7. وأما تأثر الفرقة بالتصوف، كالاختلاء وغيره:
فهذا هو الأليق بهذه الجماعة، فمثل هذه الترهات، والضلالات، تليق بمن تأثر بضلالات الصوفية ومن أشبههم.
وانظر جواب السؤال رقم: (118693) للوقوف على موقف المسلم من الصوفية.
8. وأما تكذيبهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر لصفات المهدي المتقدمة: فهو يدل على ضلال هذه الجماعة، وبُعدها عن الحق، ويصدق عليهم ما قاله الله تعالى عن حال أهل الكتاب: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة/ من الآية 85.
وكما قال الإمام أحمد رحمه الله: من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو على شفا هلكة.
" طبقات الحنابلة " لأبي يعلى (2 / 14) .
خامساً ً:
أما الحديث الذي يستدلون به وهو (كيف تهلك أمةٌ أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها) : فهذا الحديث جاء من طرق عن عدة من الصحابة:
أ. من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها.
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (47 / 522) وقد حكم عليه العلامة الألباني بالنكارة، كما في " السلسلة الضعيفة " (2349) .
قال رحمه الله:
والحديث منكر عندي؛ لأن ظاهره أن بيْن المهدي وعيسى سنين كثيرة، مع أنه صح في غير ما حديث أنهما يلتقيان في دمشق، ويأتم عيسى بالمهدي عليهما السلام، فكيف يقال: إن المهدي في وسطها وعيسى في آخرها؟! .
ب. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها) .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (47 / 521) .
وفي إسناده كذاب، كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (2349) .
ج. ومنها:
قال ابن حجر – رحمه الله -:
رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة - (8 / 548) - مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر ـ أَحَد التَّابِعِينَ ـ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْر - ثَلَاثًا - وَلَنْ يُخْزِي اللَّه أُمَّة أَنَا أَوَّلهَا وَالْمَسِيح آخِرهَا) .
" فتح الباري " (7 / 6) .
وأراد ابن حجر رحمه الله أن إسناده حسن إلى التابعي، غير أن رواية التابعي له مرسلة، والمرسل من أقسام الضعيف.
وأخرجه أيضا الحاكم في " مستدركه " (3 / 43) وقال الذهبي: مرسل منكر.
فتبين أن الحديث بذكر المهدي لا يصح إسناده، وهو منكر من حيث المعنى.
ولو افترضنا صحة المرسل، فإنه لم يذكر فيه المهدي، وعلى ذلك: لا يتم مقصود تلك الطائفة بالاستدلال بهذا الحديث.
والخلاصة: أن هذه الطائفة من الطوائف المنحرفة التي يجب الحذر والتحذير منها.
وأن مهديهم المزعوم لم تتوفر فيه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه أنها من صفاته , وعليه: فاعتقاد أنه المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه خطأ وضلال , وأن هذه العقائد التي تعتقدها طائفته به: لا شك في مخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة، والواجب على المسلم أن يحذر من الانتساب إليها , أو مساندتها، بل وعليه أن يحذر المسلمين منها , ومن ضلالها، وأخطائها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1130)
هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس.
وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها.
والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي.
فمثلاً:
الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) .
أولاً:
هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ.
ثانياً:
غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر.
ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح.
فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص.
وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار.
ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة.
جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) :
" إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية:
فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق:
إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1131)
امتناع عمر ومن معه من إحضار كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول أحد أصدقائي الشيعة إن عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما قد عصيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في فراش موته، طلب النبي صلى الله عليه وسلم وقتها من الصحابة أن يحضروا ورقة، وقلَماً، ولكنهم رفضوا أن يحضروهما، ووفقاً لما يقوله الشيعة فإن الصحابة قد ضلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون عليّ رضي الله عنه خليفة من بعده، وقد أثبتوا لي هذه الأمور بالحديث الذي يقول بأن عمر بن الخطاب عصى محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ترى الغضب على وجهه، وأريد أن أقول بأن صديقي هذا قد أثَّر في أحد أصدقائي الذين ليس لديهم أية معلومات عن الإسلام. هل يمكنكم أن تشرحوا لي لماذا عصى عمر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكنكم أيضا أن تخبروني كيف التعامل مع أمثال هؤلاء؟ . أرجو أن تقدموا لي المصادر. شكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لك مصادقة أحد أفراد تلك الطائفة التي تنتسب إلى الإسلام، ثم هي تطعن في أصوله وحملته الذين بلغوه للناس، وتعتقد تحريف القرآن، والعصمة للبشر، وتحكم على الصحابة بالردة إلا قليلاً منهم.
والواجب عليك تجاه هؤلاء وأمثالهم أن تهجرهم , وتحذر الناس من شرهم وضلالهم.
وينظر أجوبة الأسئلة (91665) و (96231) و (126041) .
ثانيا:
لفظ الحديث الذي وردت فيه القصة التي يذكرها لك الرافضي هو:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قُومُوا عَنِّي) .
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
رواه البخاري (6932) ومسلم (1637) .
1. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين حضروه في مرضه بإحضار ورقة وقلم ليملي عليهم شيئاً لم يكن يتعلق بوحي جديد، لم يبلغه للناس، ولا بأمر شرعي يحتاجه الناس في دينهم، ثم ترك إعلامهم به لأجل ما حصل. والدليل على ذلك أمور:
أ. أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، أي: بعده بأربعة أيام، وكان بإمكانه الطلب من آخرين كتابة ذلك الكتاب، فلما لم يفعل صلى الله عليه وسلم: علمنا أنه لم يكن وحياً فيكتمه.
ب. أن الله تعالى قد أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلَّغ ما أوحي إليه، وقد امتنَّ الله تعالى على هذه الأمة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، والقول بأن ما لم يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدِّين الذي تحتاجه الأمة عامة، فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة، وفيه تكذيب للرب تعالى في خبره بإكمال الدين وإتمام النعمة على العباد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه، أو بلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك: لمَا ترك صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 315، 316) .
وقال – رحمه الله -:
ولا يجوز له ترك الكتاب لشك مَن شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته: لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّنه، ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ؛ فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب: لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدِّين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب: لفعله.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 12) .
ج. ويؤيد ما ذكرناه: اختلاف الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهم أمره، والوقوف على حقيقة معناه؛ وإلا لسارع الجميع إلى تنفيذه، وقد ثبت عنهم أنهم خلعوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم يخلع نعله فيها، ودون أن يأمرهم بذلك، فهل مثل هؤلاء يخالفون أمراً يعتقدونه من الوحي؟! حاشاهم، ولذلك قام بعضهم بإحضار ورقة وقلم، كما طلب منهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وامتنع آخرون، ظانين أنه صلى الله عليه وسلم قد يكون غلبه الوجع، أو يكون أمره إرشاد.
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
وقوله: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) : لا شك في أن (ائتوني) أمرٌ، وطلبٌ، توجَّه لكل مَن حضر، فكان حق كل من حضر المبادرةُ للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: (لا تضلُّون بعده) ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه، ولطائفة معه: أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) ، مع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى: أن يكتب؛ متمسِّكة بظاهر الأمر، واغتناماً لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال.
فيا ليتَ ذلك لو وقع، وحصلَ! ولكن قدَّر الله، وما شاءَ فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: (دعوني فالذي أنا فيه خير) .
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (15 / 18) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك: لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لِما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم.
" فتح الباري " (8 / 133، 134) .
2. عزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة: إما أن يكون بوحي نسخ، أو باجتهاد تبين أن المصلحة في تركه.
قال النووي – رحمه الله -:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحى إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول.
" شرح مسلم " (11 / 90) ، ونقل نحوه الحافظ ابن حجر عن المازري. ينظر: " فتح الباري " (8 / 134) .
3. الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فما لهم ولهذه الحادثة، وما حاجتهم للتلاعب بها، وادعاء أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب وصية لعلي رضي الله عنه بعده؟! ولماذا لا تكون الوصية التي كانت ستكتب في هذا الكتاب: هي وصيته لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة من بعده؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومَن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي: فهو ضال، باتفاق عامة الناس، من علماء السنَّة، والشيعة، أما أهل السنَّة: فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليّاً كان هو المستحق للإمامة: فيقولون: إنه قد نُصَّ على إمامته قبل ذلك نصّاً جليّاً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب.
" منهاج السنَّة النبوية " (6 / 11) .
4. قد ثبت بأصح إسناد أن النبي صلى الله عليه أراد أن يوصي لأبي بكر الصدِّيق بالخلافة بعده، ثم ترك الأمر، وقال بأن المؤمنين لن يرضوا بغيره خليفة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ:
(وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) .
ولسنا بالذي يهتم لهذا، لأنه قد أبى الله والمؤمنون أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر.
5. وما يحصل من مراجعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل لا يعكر على صفة الاستجابة، والمتابعة للشرع؛ لأنهم يراجعونه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الوحي بالجزم بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارعون بعدها لتنفيذ الأمر.
قال النووي – رحمه الله -:
قال الخطَّابي: وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة: فلا يراجعه فيه أحد منهم.
" شرح مسلم " (11 / 91) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور، ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم: امتثلوا.
" فتح الباري " (1 / 209) .
6. قول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": لم يكن خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أجلُّ من أن يفعل ذلك، وإنما كان مخاطباً من اعترض عليه بالامتناع عن إحضار كتاب.
قال النووي – رحمه الله -:
وقول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": ردٌّ على من نازعه، لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
" شرح مسلم " (11 / 93) .
7. وقد وجَّه العلماء رحمهم الله امتناع عمر رضي الله عنه عن إحضار كتاب ليكتبه النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات عديدة، منها:
أ. إشفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب، وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع ".
ب. خشيته من طعن المنافقين ومن في قلبه مرض، في ذلك الكتاب، والتشكيك بناقليه، والطعن فيهم، وفي عدالتهم.
ج. خشيته " أن يكتب أموراً يعجزون عنها، فييقعوا في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجوراً ".
انظر: " دلائل النبوة " (7 / 184) ، " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (2 / 194) ، " شرح مسلم " للنووي (11 / 91) ، " فتح الباري " (1 / 209) .
8. وأما كلام ابن عباس رضي الله عنهما: فليس فيه طعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن بايع الصدِّيق، والفاروق بعده، وإنما أراد أن الحائل نفسه كان مصيبة؛ لظهور الفتنة بعد ذلك، والطعن في أولئك الأعلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وقول ابن عباس " إن الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب ": يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصدِّيق، أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب: لزال هذا الشك، فأما مَن علم أن خلافته حق: فلا رزية في حقه، ولله الحمد.
" منهاج السنة النبوية " (6 / 11) .
10. وقول ابن عباس رضي الله عنه هذا إنما هو اجتهاد منه، ولا شك أن عمر أعلم وأجل من ابن عباس، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترك الكتابة، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، هو ترجيح لرأيه، وتصويب لفعله.
قال النووي – رحمه الله -:
فكان عمر أفقه من ابن عباس، وموافقيه.
" شرح مسلم " (11 / 90) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر: إشارة إلى تصويبه رأيه، وأشار بقوله " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل: لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم.
ولا يعارض ذلك قول بن عباس " إنَّ الرزيَّةَ " الخ؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعاً.
" فتح الباري " (8 / 134) .
وبه يتبين لك بطلان ادعاء الرافضة، في طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وخصوصاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتبين صدق السلف في أنهم أكذب الطوائف المنتسبة للإسلام، فاحذرهم على دينك أخي السائل، ونسأل الله لك الثبات على الإسلام والسنَّة.
وانظر – للمزيد حول عقائد الرافضة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (4569) و (1148) و (21500) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1132)
حكم الطرق الصوفية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الطرق في الإسلام؟ علماً أنني سألت بعض الأساتذة فقال: هذا حرام، وقال البعض الآخر: ليست فرضاً ولا حراماً. أرجو الإجابة الواضحة على ذلك وفقكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال عن الطرق مجمل؛ فإن كانت السائلة تريد الطرق الصوفية فهي منكرة، وبعضها كفر، وبعضها بدعة وليس بكفر، لأن الطريق الذي يجب سلوكه هو طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) الأنعام/153، وقال سبحانه وتعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) الأنعام/155، وقال جل وعلا: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/7.
فالواجب على أهل الإسلام أن يسيروا على نهج محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يستقيموا على سيرته ودينه، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أل عمران/31.
فصراط الله المستقيم هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق المُنَعم عليهم المذكورين في قوله جل وعلا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) النساء/69.
فهذا هو الطريق السوي، أما طرق الصوفية ففيها الشرك، كعبادة بعض شيوخهم، والاستغاثة ببعض شيوخهم، وكهجر بعضهم لعلوم السُنة، وقوله: حدثني قلبي عن ربي، وعدم الاعتراف بالشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، إلى غير هذا من بدعهم الكثيرة.
وكفعل بعض المريدين، حيث يقول: عليك أن تسلم للشيخ حاله ومراده، وألا تعترض عليه، وأن تكون معه كالميت بين يدي الغاسل، فهذه كلها طرق فاسدة، وكلها ضالة.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب" (1/21،22) .
وقد ذكرنا جملة من البدع والمخالفات التي تقع فيها الطرق الصوفية في كثير من الأجوبة، تحت تصنيف (مذاهب وفرق) فلتنظر للأهمية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1133)
حكم اتباع الطريقة الشاذلية وحضور الحضرات التي تقيمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتباع شيخ الطريقة الشاذلية، وحضور الحضرات التي يقيمها لذكر الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمدلله
لا يجوز الانتساب إلى هذه الطريقة البدعية، وما شابهها من الطرق الصوفية.
ولا يجوز اتباع هؤلاء المشايخ الذين يقومون على هذه الطرق، وأئمة البدعة المخالفين للسنة.
كما لا يجوز حضور حضراتهم التي يزعمون أنهم يقيمونها لذكر الله؛ لما تتضمنه من الشرك بالله العظيم، والأوراد المبتدعة، والأذكار غير المشروعة.
وعلى المسلم أن يحرص على تعلم السنة والعمل بها، وليحذر من الابتداع في الدين.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (20375) و (118693) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1134)
ما حكم هذه الطرق: القاديانية والرفاعية والشاذلية والنقشبندية والتيجانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الموقف إزاء" الطريقة"، مثل القاديانية، الرفاعية، الشاذلية، النقشبندية، التيجانية. اشرحوا لنا ماذا يقول شيوخ أهل السنة والجماعة عن عبد القادر الجيلاني، الرفاعي، أبو حسن الشاذلي، أحمد تيجاني، بدوي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه كلها بدع الصوفية ما عدا القاديانية، فهم يتبعون غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة وله أتباع، وهؤلاء لا شك في كفرهم وخروجهم عن الإسلام، ولا يجوز إقرارهم ولا التعامل معهم لإعلانهم الكفر.
التيجانية هم فرقة من غلاة الصوفية وشيخهم التيجاني يدعون أنه ولي، وأن له ولاية، وأنه ممن يعلمون الغيب، ويزعمون أنه يطّلع على اللوح المحفوظ، ولهم عنه حكايات وقصص خرافية لا يجوز أن يصدقوا فيها، ولا يجوز إقرارهم على ذلك، ولا سماع أقوالهم، وقد ردّ عليهم العلماء وبينوا ما هم فيه من عقائد فاسدة كعبادة الأولياء، وتقديم أقوالهم على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا النقشبندية والرفاعية فإن أولياءهم وما يحكون عنهم ليسوا على صواب، بل هم من البشر.
أما عبد القادر الجيلاني فهو عالم من علماء أهل السنة، ولكن كذبوا عليه أكاذيب، وادعوا أنه ولي، وصاروا يعبدونه من دون الله، وزعموا أنه يطلع على الأسرار، ويتصرف في الكون فهذه كلها أكاذيب وبدع.
أما الشاذلية فهي فرقة من فرق غلاة الصوفية يدّعون أن معبودهم الشاذلي له مكانة رفيعة، وأنه أفضل من الرسل وهذا كله مما لا أصل له.
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
ولمزيد الفائدة عن الطريقة التيجانية انظر جواب السؤال رقم (108382) .
ولمزيد الفائدة عن الطريقة الرفاعية انظر جواب السؤال رقم (9338) .
وانظر لحكم الطرق الصوفية عموماً جواب السؤال رقم (20375) ، (118693) .
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(1/1135)
الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص , الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها , وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها.
وانظر أجوبة الأسئلة: (20375) و (118693) و (132603) .
ثانياً:
" الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية " , وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال " , وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و " الزاوية البوتشيشية " المغربية.
أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي:
1. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء".
2. تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنيّاً، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً.
يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن".
3. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية.
انظر: "الطريقة الشاذلية" , "مجلة الراصد" , العدد الثاني والأربعين.
http://alrased.net/site/topics/view/512
وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت.
أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي:
أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيداً عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! .
ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم.
ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوباً من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفاً".
ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم.
ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات , وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم.
بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ .
فأجابوا:
"الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و "ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و "صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و "بلوغ المرام"، و "رياض الصالحين"، و "زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم رحمه الله.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/364، 365) .
ثالثاً:
وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم.
قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله:
"ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي".
وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى.
من مقاله " الإسلام والغرب ".
فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه.
وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية:
1. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل.
2. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
3. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم.
4. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1136)
صديقه الشيعي يدعوه إلى التشيع، ويطعن في عمر رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي الشيعي يقول إنه حين قربت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في بيته الكثير من الناس وكان بينهم عمر بن الخطاب فقال له الرسول دعني أكتب لكم شيئا حتى لا تضلوا بعدي أبدا، فقال عمر: إن الرسول تحت تأثير الحمى، وربما أنه لا يعي ما يقول، ولدينا القرآن وهو كتاب الله يكفينا. ارتفع صوت من عند رسول الله وهم يتناقشون ثم انقسموا إلى قسمين فبعضهم قال: لنستمع إلى الرسول لعله يقول لنا ما يحفظنا من الضلال بعده، والقسم الآخر كرر ما قاله عمر بن الخطاب، وعندما زادت الفرقة بينهم وارتفع صوتهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا بعيدا عني) . قال صديقي الشيعي: إن هذا موجود في صحيح البخاري جزء 4 صفحة 4. فإذا كان هذا صحيحا فلماذا فعل هذا عمر بن الخطاب؟ صديقي قال لي لاحقا إن عمر بن الخطاب كان يرى بأنه ليس مقيداً بسنة الرسول وكان يفعل ما يراه هو، ويؤكد هذا ما فعله حين أصبح خليفة فقد كانت أفعاله تناقض السنة وقد حرم ما أباح الله، وأباح ما حرم الله. فهل هذا صحيح؟ مع أن هذا مذكور في كتب أهل السنة؟ أنا سني وأريد أن أعرف الحقيقة لأن صديقي يريد أن يحولني إلى شيعي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الأمر كما فهمه هذا الشيعي المتطاول على أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، وإنما قال بعضهم: (أهجر) على سبيل الإنكار على من توقف في امتثال أمره بإحضار ما يلزم للكتابة، فكأنه قال: كيف تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق.
وربما كان قائل العبارة ممن أسلم حديثاً.. وإلا فإنه متقرر عند الصحابة الأجلاء وعلى رأسهم عمر الفاروق أنه صلى الله عليه وسلم معصوم في جميع أحواله.
وإن مقالة عمر: حسبنا كتاب الله، فقد قال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: (حسبنا كتاب الله) من قوة فقهه، ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قَصَدَ التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا) لما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر. ويراجع فتح الباري (8/133،134) ويراجع كلام ابن تيمية في المنهاج (6/24) .
وأما دعوى هذا الشيعي البغيض أن عمر يخالف السنة فهي كذبة صلعاء وفرية مكشوفة.. فقد عرف عمر رضي الله عنه بتمام التأسي والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكان وقافاً على كتاب الله، وقد كان فوق ذلك حيث كان محدثاً ملهماً يأتي الوحي موافقاً لرأيه في عدة مسائل.
قال شيخ الإسلام: "أما عمر فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير الصدّيق". "المنهاج" (6/20) .
قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) أخرجه البخاري.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا بالله) .
وننصحك بمفارقة هذا الشيعي بعد دعوته وتذكيره من قِبل طلبة العلم، وعليك أن تتخذ أصدقاء من أهل السنة والصلاح زادك الله هداية وتوفيقاً.
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(1/1137)
هل يدخل أتباع المذاهب الأربعة في حديث ال 73 فرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[خلال أحد الأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن الأمة ستنقسم إلى 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة التي على سنته، والآن المذاهب الأربعة مختلفة فيما بينها فهل يشملها الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المشهور الوارد في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة هو حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) رواه أبو داود (4597) وغيره وصححه الحاكم (1/128) بل قال: إنه حديث كبير في الأصول، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/345) والشاطبي في "الاعتصام" (1/430) والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/199) .
والحديث رواه الترمذي (2641) بلفظ: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 /432) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/284) والألباني في "صحيح الترمذي".
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً) فيه إشارة إلى أن الخلاف الموجب للافتراق هو الخلاف في الأصول والعقائد، لا في الفروع والأحكام الفقهية.
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية: (وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) وفي رواية: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) يؤكد ذلك أيضاً، فمن خالف في الفروع لم يكن بذلك خارجاً عن الجماعة، ولا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد اختلف الصحابة في فروع شتى، ولم يوجب ذلك افتراقهم وتفرقهم، ولا قال قائل إنهم بذلك يدخلون في حديث الفرق، بل هم جماعة واحدة، على نهج واحد، وأصول اعتقادية واحدة، وهكذا الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ومن سواهم من أهل العلم والفضل، هم الجماعة، والفرقة الناجية، وأهل السنة، ومن شذ عن أصولهم واعتقاداتهم فهو الحري بأن يكون من أهل الفرقة والابتداع والزيغ.
ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: " هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب لا يختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب " انتهى من " الاعتصام " (2/200) .
وبهذا تعلم براءة الأئمة الأربعة من وصمة الافتراق، وكذلك براءة أتباعهم ممن لزم أصول أهل السنة، وأما من خالف ذلك ونحا إلى الاعتزال أو التشيع أو الإرجاء أو غيره من النحلل والأهواء، فهذا هو المفارق لأهل السنة الداخل في عداد الفرق المذمومة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (90112) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1138)
العلاقة بين آية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة؟ وإذا كان الجواب بلا: فما تفسير هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: لمَّا نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا؟ , قال: فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان , فقال: (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الحديث رواه الترمذي (3261) ، وفي إسناده مقال، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، قال الترمذي بعد روايته له: غريب في إسناده مقال. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب. وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة. وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، فيه مقال معروف.
ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً، كالألباني رحمه الله، ولهذا صححه في صحيح الترمذي.
والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها: (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) .
وأما اللفظ الآخر وهو: (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) : فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054) ، وفيها قوله: "وجملة القول: أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ: "العلم"، وإنما الصحيح فيه: "الإيمان"، و "الدين". انتهى.
ثانياً:
هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية:
الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم، كما سبق.
على فرض صحة الحديث، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم.
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
" تفسير القرطبي " (18 / 194) .
ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس.
قال الماوردي رحمه الله:
" (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد.
الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -.
الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد" انتهى.
" النكت والعيون " (5 / 307، 308) .
3. وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس ": فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وأقول: هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى.
" التحرير والتنوير " (26 / 139) .
وعلى هذا؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم.
فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى.
" فتح الباري " (8 / 643) .
ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين انظر جواب السؤال رقم (45563) و (118101) و (60046) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1139)
نصائح وتوجيهات مهمة لأخت تحب شيختها أكثر من والديها!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شعور طالبة العلم تجاه شيختها بالحب، والاحترام، أكثر من حب الوالدين هو من العقوق؟ وماذا تنصحون بخصوص هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن شعور الطالبة بالحب والتقدير لشيختها أمر طيب، وإن بذل الاحترام لها من الأخلاق الجليلة في شرع الله تعالى، ولكن لا نرى مجالاً للمقارنة بين حبِّ الطالبة لشيختها مع حبها لوالديها؛ ذلك أن حب الوالدين فطري، ومنبعه ليس كمنبع حب الشيخة المتولد من سبب دفعها لذلك الحب.
ولكننا نلمح في السؤال أمراًً خطيراً، ويتمثل ذلك في أمرين:
الأول: أننا نخشى على ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها أن يتطور إلى " إعجاب "، وهو داء عظيم ابتليت به فئام من الناس، فتعلق الطالب بأستاذه، والعكس، وتعلقت الفتاة بمدرستها، والعكس، ونتج عن ذلك مفاسد لا حصر لها، وكنا قد نبهنا على هذا الداء، وذكرنا مفاسده، وآثاره السيئة، وكيفية علاجه في جواب السؤال رقم (104078) فلينظر؛ ليحذر من الوقوع في هذا الداء.
والثاني: أننا نخشى أن يتطور ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها إلى " التعظيم "، و " التقديس "، وهو ما يحصل في الجماعات الصوفية، وخاصة ما يطلق عليه جماعة " القبيسيات " في دمشق، أو " الطبَّاعيات " في الأردن، أو " السَّحَريات " في لبنان، أو " بيادر السلام " في الكويت، وكلها أسماء لمسمى واحد، وهي جماعة صوفية نسائية، تتبنى الطريقة النقشبندية، وتجتمع على تعظيم الشيخة! وتقديسها، وتتربى الفتيات والنساء المنتسبات لهذه الجماعة على تقديم شيختهن على الوالدين، وعلى الأزواج، وهو ما سبَّب فتناً كثيرة في بيوت تلك المنتسبات، وأدى لطلاقهن.
وقد صدرت فتوى مطولة بخصوص تلك الجماعة من علماء اللجنة الدائمة، نقتطف منها:
1. الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية: كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة.
2. الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة - مع ما في البدعة من الضلال -، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله.
3. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: " مَن لا شيخ له: فشيخه الشيطان "، و " مَن لم ينفعه أدب المربي: لم ينفعه كتاب ولا سنَّة "، و " مَن قال لشيخه: لمَ؟ : لمْ يفلح أبداً "، وهذه كلها أقوال باطلة، مخالفة للكتاب والسنَّة؛ لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة، ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4. فالواجب: الحذر من الصوفية، ومَن يتبعها، رجالاً، ونساءً، ومِن توليهم التدريس، والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها؛ لئلا يفسدوا عقائد الناس، والواجب على الرجل: منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات، أو المدارس التي يتولاها الصوفية، أو يدرسون فيها؛ حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسَر من التفكك، وإفساد الزوجات على أزواجهن.
5. والذي ننصح به للنسوة المذكورات هو التوبة إلى الله، والرجوع إلى الحق، وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء، والتمسك بمذهب أهل السنَّة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة المشتملة على العقيدة الصحيحة، والاستماع للدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح، كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة لدائمة " المجموعة الثانية (2 / 74 – 79) .
فننصح الأخت السائلة أن تقتصد بحب شيختها، وأن تكون محبتها لها مبنية على الشرع، فتحبها لاستقامتها، ويكون ذلك بقدَر، من غير غلو ولا إفراط، وإذا رأت أن محبتها بدأت تنحرف عن مسارها الشرعي الصحيح إلى ما ذكرناه من " إعجاب "، أو " تعظيم ": فلتسارع لعلاج نفسها، ولتقوِّم تلك المحبة، فإن لم تستطع: فلتتركها، ولن تكون آثمة، بل الإثم – حينئذٍ – في الاستمرار بتلك العلاقة.
ولتعلمي أيتها السائلة، أن لأبويك عليك حقاً، وأي حق، وأن لزوجك عليك حقاً، وأي حق، وأن لأبنائك عليك حقاً، وأن لمعلمتك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1140)
حكم الانتقال من مذهب أهل السنة إلى الشيعة الزيدية والفرق بين المذهبين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تغيير المذهب من سني إلى شيعي (الطائفة الزيدية) وما الفرق بينهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره اعتقاداً وقولاً وعملاً وسلوكاً، على ضوء فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأدلة الواردة في وجوب التمسك بهدي القرآن والسنة، والتحذير من البدع والفرق المحدثة كثيرة مشهورة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ) أبو داود (4443) والترمذي (2676) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2676) .
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (أن هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، قال: كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) رواه الإمام أحمد (16490) ، وأبو داود (4597) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عند الترمذي (2641) : (قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فاتباع السنة ليس أمرا اختياريا، بحيث يسوغ للمسلم الانتقال عنه متى ما أراد ذلك، فلا يجوز له بحال الانتقال إلى ما يخالف السنة من المذاهب والفرق، سواء كان ذلك فرقة زيدية أم غيرها من الفرق والمذاهب.
ثانياً:
الزيدية فرقة من فرق الشيعة، نسبةً إلى زيد بن علي بن الحسين زين العابدين المتوفى سنة (122هـ) . وبعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع، بل أخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو، وفي أيام علي بن الحسين الملقب "زين العابدين" طمع الشيعة في استجلابه إليهم، غير أنه كان على ولاء ووفاء لحكام دولة بني أمية، متجنباً لمن ينازعهم. وكان له أولاد منهم: زيد، وعمر ومحمد.
وقد اختلف الشيعة في أمر زيد ومحمد أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما؟
فذهبت طائفة إلى أن الإمامة لزيد فسموا "زيدية"، ويرتبون الأئمة ابتداء بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم ابنه الحسن ثم الحسين ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه زيد ثم ابنه يحيى بن زيد ثم ابنه عيسى بن زيد.
وبعد ذلك يشترطون أن يكون كل فاطمي اجتمعت فيه خصال الولاية من الشجاعة والسخاء والزهد، وخرج ينادي بالإمامة، يكون إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين، عكس ما يعتقده الشيعة الاثنا عشرية الذين جعلوا الأئمة في أولاد الحسين فقط.
ومن فرق الزيدية: 1- الجارودية، وهي أشهرها 2- السليمانية أو الجريرية 3- البترية أو الصالحية 4- اليعقوبية.
ومن معتقدات الزيدية:
1- القول بالمهدي المنتظر والغائب المكتوم، وأنه سيخرج ويغلب.
2- القول بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، كما يقول الخوارج والمعتزلة.
3- تفضيل علي على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
4- يرى فرقة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى للأئمة من بعده، وأنهم معصومون.
5- منهم من يرفض خلافة أبي بكر وعمر ويتبرأ منهما، ومن يكفر عثمان.
ينظر: "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام" د. غالب العواجي (1/334 – 343) .
ثالثاً:
أما الفرق بين مذهب أهل السنة والزيدية فواضح جلي، ويتمثل ذلك في أن أهم المعتقدات التي قامت عليها هذه الفرقة ـ كما تقدم ذكر بعضها ـ مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين بما فيهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهل السنة يخالفونهم في معتقداتهم تلك، فهم لا يقولون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم للأئمة من آل بيته، ولا بعصمة أحد من البشر إلا الأنبياء، وأن مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وأن أفضل الأمة بعد رسول الله هو أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويحبونهم وجميع الصحابة ويترضون عنهم، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياك وسائر المسلمين إلى الصراط المستقيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1141)
تريد دعوة رافضي للإسلام وتسأل عن " الوطنية " وعلاجها عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف رجلاً إيرانيّاً شيعيّاً , وهو مستعد لأن يكون سنيّاً , وهو رجل وطني للغاية , وأنا أتساءل دائماً: هل هو مهتم بالإخوة الإسلامية كما هو مهتم بإخوانه المنتمين لبلده؟ وأنا أعتقد أن المسلم يجب أن تكون أولويته في الحب لإخوانه المسلمين أكثر من أي حب آخر , هذا فضلاً عن محبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وأريد أن أقول له ذلك الأمر إلا أنني أخشى أن أكون من الذين يقومون بعمل تفرقة بين الناس. أرجو بيان هذا الأمر , فهل اعتقادي صحيح أم لا؟ . إذا كان صحيحاً: أرجو من فضيلتكم بيان كيفية إخبار هذا الرجل بهذا الأمر , كيف أخبره أن محبة الإسلام والمسلمين أولى من محبة أبناء الوطن خصوصاً الشيعة؟ . وهل يجوز دفع الزكاة للشيعي - لأنهم ليسوا كلهم كفرة -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الجواب لا بدَّ من تحذير وتنبيه الأخت السائلة من إثم وخطر علاقة المرأة بالرجال الأجانب، فالإسلام يحرِّم تلك العلاقات بين الطرفين إذا لم يربط بينهما رابط شرعي، وللشيطان طرقه في الإيقاع بعباد الله حتى من طريق الدعوة إلى الله؛ وذلك بتزيين مثل تلك العلاقة أنها نافعة للهداية إما للإسلام، أو للطاعة.
كما أن الرجل – ولدينا كثير من الحالات – يوهم المرأة أنه قريب من دينها، ومنهجها، وأنه لا تبعده عن ذلك إلا خطوات؛ من أجل أن يجد مجالاً للحديث معها، والإيقاع بها، وقد يُعلن في الظاهر أنه على دينها ومنهجها، ثم سرعان ما يتركها بعد أن يحقق مأربه.
وإنما نذكر هذا نصيحة وتحذيراً للمسلمات أن ينتبهن لأنفسهن، وأن يحذرن من تغليب العاطفة على الشرع، والعقل.
وفي حالتنا هذه: يمكن أن توكل مهمة دعوة ذلك الرافضي لرجل من أهل السنة، من أهلك، أو ممن يوثق به من أهل العلم والحكمة ممن هو قريب منكِ، ليتولى هو أمر دعوته والكلام معه، وإذا هداه الله ووفقه فيُكتب ذلك في ميزانك إن شاء الله.
فإن لم تجدي عندك من يقوم بهذه المهمة عنك، فدعيها له، وبإمكانه هو أن يستغل الخيط الذي ألقيتِ إليه طرفه، ويبحث عما ينفعه عند أهل العلم والدين، أو يراسل بنفسه المواقع المعنية بذلك لأهل السنة، إن كان حريصا على الهداية، وأما أنت فليس لك أن تغرري بنفسك ودينك، من أجل مصلحة موهومة مظنونة، قل أن تحصل في مثل ذلك الحال، وإن حصلت فحولها أضعافها من المفاسد لك ولغيرك، وإن سلمت حالة، هلكت عشرات الحالات، في مثل تلك العلاقات.
ثانياً:
قد أحسنتِ في قولك إن محبة الإسلام والمسلمين مقدَّمة على حب الوطن، وأبناء الوطن، فالوطنية مصطلح خبيث في أصله؛ إنما جاءنا من دول الكفر من أجل التفرقة بين أبناء الإسلام، فرابطة الإسلام أوسع وأوثق، فجاء المستعمر الخبيث فقسَّم الدول الإسلامية إلى دويلات، ثم ربط أبناء كل دولة بعضهم ببعض؛ ليقطع أواصر العلاقة الكبيرة المتينة بين أبناء الإسلام، فصارت الرابطة الوطنية، والتي تجمع أبناء البلد الواحد بغض النظر عن دينه ومنهجه وخلُقه، فنجح في ذلك – وللأسف – نجاحاً كبيراً، فصار الحب لأبناء الوطن مقدَّماً على الحب لأبناء الإسلام، وصار القتال في سبيل الوطن، لا في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام، وها نحن نعيش أثر ذلك في أيامنا هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما كذبه الكاذبون على نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما نسبوه إليه من قوله (حُبُّ الوَطَن من الإيمان) ! وهو حديث مكذوب لا أصل له. [ينظر: السلسلة الضعيفة، للشيخ الألباني، رحمه الله، رقم (36) ] .
وما قلناه لا يعني منع حب الإنسان لبلده، ووطنه، بل هو شيء فطري لا انفكاك للإنسان منه، وإنما أردنا التحذير من أن تكون رابطة " الوطنية " هي المقدَّمة على رابطة " الإسلام " في الولاء، والمحبة، والنصرة، وأردنا التنبيه على أن المسلم الأعجمي الذي يعيش في أقصى الأرض أقرب وأحب إلينا من أبناء وطننا ممن ليس مسلماً، وإن كان من وطننا وبلدنا، بل وإن كان ابن أمنا وأبينا.
وأما الحب للأرض التي يولد فيها المسلم، أو يعيش: فهذا لا يُتنازع في أنه مشروع، لكن من قاتل دفاعاً عن وطنه فينبغي أن يكون ذلك دفاعاً عن الإسلام الذي في وطنه، لا عن الأرض مجرداً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن: لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر؛ لأنه أيضاً يقاتل من أجل وطنه، والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط: ليس بشهيد.
ولكن الواجب علينا - ونحن مسلمون، وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك -: الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا.
انتبه للفرق! نقاتِل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن تصحَّح هذه النقطة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، ندافع عن الإسلام الذي فيه.
أما مجرد الوطنية: فإنها نية باطلة، لا تفيد الإسلام شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم، والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن.
وما يُذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) ، وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذب.
حب الوطن إن كان إسلاميّاً: فهذا تحبه لأنه إسلامي، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك، أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين، كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه.
على كل حال: يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، لا لمجرد الوطنية.
أما قتال الدفاع: أي لو أحداً صال عليك في بيتك يريد أخذ مالك، أو أن ينتهك عرض أهلك مثلاً: فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.
فقد سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: (لا تعطه) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (إن قتلك فأنت شهيد) ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (إن قتلتَه فهو في النار) ...
والحاصل: أنه لابد من تصحيح النية، ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد، والصحف: " الوطن "، " الوطن "، " الوطن "، وليس فيها ذكر للإسلام، وهذا نقص عظيم، يجب أن توجَّه الأمة إلى النهج، والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا، ولكم التوفيق لما يحب ويرضى " انتهى مختصراً.
" شرح رياض الصالحين " (1 / 65 – 69) .
ثالثاً:
وأما بخصوص إيصال هذه الرسالة لذلك الرافضي: فنرى أن الرفض دين فاسد احتوى على مظاهر كثيرة من الشرك، والزندقة، والجاهلية، والبدع والخرافات، وليست هذه المسألة بالتي ستحول بين هداية ذلك الرافضي وبين الإسلام، فإن المطلوب منه أن يتخلى عن التعلق بالقبور، وأهلها، ومطلوب منه أن يُفرد الله تعالى بالتوحيد، وأن يعتقد بعدم تحريف القرآن، وأن يثبت إسلام الصحابة جميعهم، ويشهد لهم بالخير، وخاصة من ورد في فضله نصوص صحيحة، مطلوب منه عشرات الأصول، والسنن والعقائد، أن يعتقدها، ويعمل بها، على وفق ما جاء به كتاب الله، وهدت إليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نبحث معه في التخلي عن الوطنية التي تذكرينها.
فإن تاب من بدع الرفض، وضلالاته، أوقفناه على حقيقة الولاء والبراء بين المسلمين، وأن المسلم لا يقدِّم محبة أحدٍ من أهله حتى لو كان أقرب الناس منه، ولا وطنه وبلده، ولا مالَه، على محبة الله ورسوله ودينه، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/ 24، وبينا له: أن الإيمان الذي يقبله الله ليس في قلب صاحبه مودة لكافرٍ، ولو كان أقرب الناس منه، كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22.
فهذا هو الواجب في دعوة هذا الرجل وأمثاله، على ألا يكون ذلك عن طريقك، كما نبهناك عليه في أول الجواب.
رابعاً:
أما بخصوص دفع الزكاة للشيعة – الرافضة -: فقد سبق تفصيل القول فيها في جواب السؤال رقم (1148) ، وفيه بيان عدم جواز ذلك.
وهذا من حيث الأصل، أما إن كان السؤال عن ذلك الشخص القريب من الإسلام: فيجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم طمعاً في إسلامه، ويصدق عليه أنه من " المؤلَّفة قلوبهم "، وقد ذكرنا جواز ذلك في جواب السؤال رقم (39655) فلينظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1142)
تزوجت قريبته من رجل ينتمي لطائفة الأحباش فماذا يصنع
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا رجل تزوج من قريبة لنا، وبعد الزواج بفترة تبين أنه ينتمي إلى فئة الأحباش الضالة ... أرجو منكم أن ترشدوني على توجيهه إلى الطريق المستقيم والسنة الصحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقدم الكلام على طائفة الأحباش وبيان ما عندها من مخالفات لعقيدة أهل السنة والجماعة في جواب السؤال رقم (8571)
وقد حذر من ضلالاتهم وانحرافتهم جمع من أهل العلم، وكتبتْ في ذلك بعض المؤلفات التي يحسن بك الرجوع إليها.
وأما نصح هذا الرجل المنتمي للأحباش، فينبغي أن يكون على يد طالب علم متمكن، وقف على ضلالاتهم، ويُحسن الإجابة عنها، كما يُحسن شرح عقيدة أهل السنة والجماعة، فإن لم يكن فبإهداء كتاب مختص في الرد عليهم، دون الدخول في نقاش أو حوار ممن لم يكن أهلا لذلك، لا سيما أمام العوام الذين يخشى عليهم من التأثر بهذه الأفكار.
وينبغي أن يتم النصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن بعض الناس ينتمي لهذه الطائفة عن جهل بمعتقداتها، وإحسان ظن بأفرادها، وقد تدفعه الشدة في النصيحة إلى التمسك بها والمنافحة عنها.
كما ينبغي أن توجه النصيحة إلى الزوجة بأسلوب مناسب، لتحذر من ضلالات هذه الطائفة.
وننصحك بالرجوع إلى هذا الموقع لكشف حقيقة الأحباش:
http://antihabashis.com/index2.htm
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1143)
البيعة والميراث بين أبي بكر وعمر من جهة وعلي وفاطمة من جهة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقيقة الخلاف الذي وقع ما بين " علي " وزوجته رضي الله عنهما، مع عمر، وعائشة رضي الله عنهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يكن بين الصحابة خلاف في الاعتقاد، بل ولا في منهج الاستدلال، فهم خير القرون، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، ولقد كانت علاقتهم بعضهم مع بعض أسمى، وأعلى مما يكذب بضده الرافضة، ومن أدل شيء على ذلك: ما بينهم من مصاهرة، وما حصل من تسمية أبنائهم بأسماء الكبار العظماء من الصحابة الأجلاء.
فإذا انتقلنا إلى موضوع السؤال، قلنا: لقد تزوج عمر بن الخطاب من ابنة علي بن أبي طالب وفاطمة، وهي " أم كلثوم "! ، وفي أسماء أبناء الحسين: أبو بكر، وعمر! ، فهذا هو الحال، وما حصل من خلافٍ بين فاطمة رضي الله عنها، وبين أبي بكر الصدِّيق: فإن الحق فيه مع أبي بكر رضي الله عنها، فقد كانت تريد فاطمة رضي الله عنها أن ترث من أبيها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أبو بكر أن الأنبياء لا يورثون، وهكذا سمع هو من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأبي بكر حظ نفس في هذا، فقد أغناه الله تعالى بالمال، وقد منع فاطمة أن ترث، كما منع ابنته عائشة – وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم – أن ترث هي كذلك، فلم يكن له هوى في ذلك، ولا كان بينه وبين فاطمة ما يجعله يولِّد العداء بينه وبينها، وقد وقف علي رضي الله عنه بجانب زوجه فاطمة؛ ليخفف عنها بوفاة والدها، ويسليها في موقفها من العتب على أبي بكر في منعه إعطاءها من ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم،
وقد امتنع عن الذهاب لأبي بكر رضي الله عنه لبيعته طيلة حياة فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ستة أشهر، لهذا السبب، ولسبب آخر: وهو أنه رأى استعجال الصحابة في الخلافة والبيعة، وأنه كان ينبغي أن يُشاور، ويحضر في الأمر، وكان رأي الصحابة على خلافه، فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها، ودفنها: راجع نفسه، وطلب حضور أبي بكر لبيته، فحضر فأخبره عذره في التأخر عن البيعة، ثم أصرَّ أبو بكر على صحة موقفه من منع ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمأن قلب علي رضي الله عنه، وتواعدا على البيعة في اليوم نفسه ظهراً، وبايعه، ففرح المسلمون فرحاً عظيماً.
هذا ملخص ما جرى، وقد روى هذا البخاري ومسلم، ولم يكن علي رضي الله عنه نازعاً يده من طاعة أبي بكر، ولا شاقّاً عصا المسلمين، وليس شرطاً في صحة بيعة الخليفة أن يبايعه كل المسلمين.
وهذا نص الحديث كاملاً بحروفه:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَ " فَدَكٍ "، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ " خَيْبَرَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ) وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ: اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ " أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ " - كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ - فَقَالَ عُمَرُ: " لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؛ وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: " إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصيبًا "، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ: فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. رواه البخاري (3998) ومسلم (1759) .
وهذه وقفات مع الحديث من كلام أهل العلم:
أ. قال النووي – رحمه الله -:
أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة: فقد ذكره علي في هذا الحديث، واعتذر أبو بكر رضي الله عنه، ومع هذا: فتأخره ليس بقادح في البيعة، ولا فيه، أما البيعة: فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه: فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده، ويبايعه، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له، وأن لا يظهر خلافاً، ولا يشق لعصا، وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه في تلك المدة التي قبل بيعته، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافاً، ولا شق العصا، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفاً على حضوره، فلم يَجب عليه الحضور لذلك، ولا لغيره، فلما لم يجب: لم يحضر، وما نُقل عنه قدحٌ في البيعة، ولا مخالفة، ولكن بقي في نفسه عتب، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب، وكان سبب العتب: أنه مع وجاهته، وفضيلته في نفسه في كل شيء، وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك: رأى أنه لا يُستبد بأمر إلا بمشورته، وحضوره، وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحاً؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف، ونزاع، تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة؛ لكونها كانت أهم الأمور، كيلا يقع نزاع في مدفنه، أو كفنه، أو غسله، أو الصلاة عليه، أو غير ذلك، وليس لهم من يفصل الأمور، فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء. " شرح مسلم " (12 / 77، 78) .
ب. وليس معنى هجران فاطمة رضي الله عنها لأبي بكرٍ رضي الله عنه الهجران المحرَّم، فهي أجنبية عنه أصلاً.
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
معنى هجرانها: انقباضها عن لقائه، وعدم الانبساط، لا الهجران المحرَّم مِن ترك السلام، ونحوه. " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (17 / 258) .
وقال – رحمه الله -:
قال المهلب: إنما كان هجرها انقباضاً عن لقائه، وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وأما المحرَّم من ذلك: أن يلتقيا، فلا يسلم أحدهما على صاحبه، ولم يَروِ أحدٌ أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك: لم يكونا متهاجريْن، إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة، والهجران، وإنما لازمت بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجران. " عمدة القاري " (15 / 20) .
ج. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة، لشغله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم؛ ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث: رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه. " فتح الباري " (7 / 494) .
هـ. وقال – رحمه الله – أيضاً -:
قوله " كراهية ليحضر عمر " في رواية الأكثر: " لمحضر عمر "، والسبب في ذلك: ما ألِفوه من قوة عمر، وصلابته، في القول، والفعل، وكان أبو بكر رقيقاً، ليِّناً، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. " فتح الباري " (7 / 494) .
و. وقال – رحمه الله -
قوله " ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك " بفتح الفاء من ننفس، أي: لم نحسدك على الخلافة.
وقوله " استبددت " أي: لم تشاورنا، والمراد بالأمر: الخلافة.
ز. قوله " لقرابتنا " أي: لأجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً " أي: لنا في هذا الأمر. " فتح الباري " (7 / 494) .
هذا ما جرى بين فاطمة وأبي بكر، وعلي وأبي بكر، رضي الله عنهم جميعاً، ومن يسمع ويقرأ للرافضة ير عجباً، وكذباً، فها هو علي يعتذر لأبي بكر، ويعظمه، وعترف له بالخلافة، ويبايعه على رؤوس الأشهاد، وقد سبق من أبي بكر زيارة علي في بيته، والثناء عليه، وعلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته، وتفضيلهم على قرابته هو، فأين الحقد، واللعن، والتقية، والخبث، والسوء، والبغض؟! إنه لا وجود له إلا في عقول وقلوب شيعة المجوس، وحلفاء هولاكو، وإخوان العلقمي، وهذه الرواية أصح الروايات في المسألة، وقد اتفق على إخراجها البخاري ومسلم رحمهما الله، ولسنا نخفي شيئاً من ديننا، وقد نقلنا فيها عدم رغبة علي رضي الله عنه أن يأتي مع أبي بكر أحد، ولم تُخف عائشة – أو غيرها – أنه لعله المقصود به عمر رضي الله عنه، وقد وافق أبو بكر رضي الله عنه على هذا، ورأى أنه أمر لا ضير فيه، ولا مخافة من ورائه.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال القرطبي: " مَن تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف: عَرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام، والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحياناً، لكن الديانة ترد ذلك، والله الموفق ".
وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم. " فتح الباري " (7 / 495) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1144)
هل يجوز الاستماع لأناشيد الرافضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستماع إلى أناشيد الشيعة لمجرد أن أصواتهم جميلة، ومع العلم أنني لا أصدق شيئاً منها؟ . أفيدونا، حفظكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأناشيد التي تصدح بأصوات أهل السنَّة فيها كثير من المخالفات الشرعية، ولم يعُد الكثيرون من المنشدين يلتزمون بالضوابط الشرعية لإباحتها، فيكف بأناشيد الرافضة، وهم من أشد الفرق غلوا، وأكثرهم بدعا وضلالا. ولا تخلو كلمات تلك الأناشيد مِن غلو في أهل البيت، ومِن طعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن تعظيم للقبور والأوثان؟! .
ومن المعلوم أنهم يعهدون في إنشادهم إلى منشدين - " رادود " - ذوي أصوات فاتنة؛ وذلك لجلب الناس إلى مجالس عزائهم، فيثبت الرافضي على دينه، ويزداد غلوّاً، وطعناً في الصحابة رضي الله عنهم، وحقداً على أهل السنَّة، كما أن تلك الأناشيد تستخدم في الدعاية لمذهبهم، وذلك بجلب قلوب الضعاف من أهل السنَّة لحضور مجالس عزائهم، واجتماعاتهم.
وعليه: فلا يجوز لمسلم يوحِّد الله تعالى أن يصغي بسمعه لأناشيد أولئك الروافض؛ لما فيها من مخالفات شرعية في ذات كلامهم، ولما فيها من الرضا بعقائدهم وضلالاتهم، ولما فيها من السكوت عن الإنكار عليهم ونصحهم ودعوتهم، وليست المسألة متعلقة بالأدوات الموسيقية التي قد تستعمل مع تلك الأناشيد، وإنما النهي والمنع بسبب ما في عقائدهم من انحراف، وما في كلامهم من مخالفات لشرع الله تعالى المطهَّر.
وهذه المجالس المنكرة الآثمة التي تقام من قبَل هؤلاء الروافض: الواجب إنكارها، وعدم تشجيعها، وعدم الاستماع لما فيها من شرك، وبدعة، وضلالة، واستماع الأناشيد التي تصدح منها مخالف لواجب الإنكار، ومخالف لتحريم تكثير سواد أهل البدعة، وهجر مجالسهم.
قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/ 140.
وعن أبي سَعِيد الخُدْري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) . رواه مسلم (49) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1145)
السلفية الحقة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف ما هي السلفية كمنهج، وهل لنا أن ننتسب إليها؟ وهل لنا أن ننكر على من لا ينتسب إليها، أو ينكر على كلمة سلفي أو غير ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية.
وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية، فالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً.
لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون؟ انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم أيضاً في مسائل الفقه يختلفون كثيراً، في النكاح، والفرائض، والبيوع، وغيرها، ومع ذلك لا يضلل بعضهم بعضاً.
فالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ويضلل أفراده من سواهم فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء. وأما السلفية التي هي اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) فهذه هي السلفية الحقة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/246) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(1/1146)
عقيدة التجسيم والتمثيل، وأبرز فِرقها، وحكم الإسلام عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما هي الفِرق المجسِّمة، والفِرق المشبِّهة؟ وما الفرق بينهما إن كان فرق؟ وما هو قول أهل السنة والجماعة بهذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشائع في الكتب المصنفة في العقائد والفرق استعمال هذه المصطلحات: التجسيم، والتشبيه، والتمثيل، من غير تفرقة بينها، وإنما تتوارد في الاستعمال لتدل على نفس المعنى.
لكن ثمة فرق في الحقيقة بين تلك الألفاظ، فالتجسيم: إثبات الجسم لله تعالى، والتشبيه أوسع معنى حيث يشبِّه أهلُ الكفر والضلال الربَّ تعالى بخَلْقه، ولفظ التمثيل هو الأوسع في معناه، وهو الأولى في الاستعمال من التشبيه؛ لأسباب ثلاثة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أيهما أولى: التعبير بالتمثيل، أم التعبير بالتشبيه؟ .
فأجاب:
التعبير بالتمثيل خير من التعبير بالتشبيه لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرآن الكريم، ولم يرد في القرآن نفي التشبيه، واللفظ الذي هو التعبير القرآني خير من اللفظ الذي هو التعبير الإنساني قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) .
الوجه الثاني: أن التشبيه لا يصح نفيه على الإطلاق؛ لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك اتفقا فيه وإن اختلفا في الحقيقة، فلله وجود وللإنسان وجود، ولله حياة وللإنسان حياة، وهذا الاشتراك في أصل المعنى - الحياة - نوع من التشابه، لكن الحقيقة: أن صفات الخالق ليست كصفات المخلوق، فحياة الخالق ليست كحياة المخلوق، فحياة المخلوق ناقصة مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء، وهي أيضا ناقصة في حد ذاتها، يوم يكون طيِّباً، ويوم يكون مريضاً، ويوم يكون متكدراً، ويوم يكون مسروراً، وهي أيضا حياة ناقصة في جميع الصفات، البصر ناقص، السمع ناقص، العلم ناقص، القوة ناقصة، بخلاف حياة الخالق جل وعلا فإنها كاملة من كل وجه.
الوجه الثالث: أن بعض أهل التعطيل يسمون المثبتين للصفات " مشبِّهة " فإذا قلت: " من غير تشبيه " فهِم هؤلاء أن المراد من غير إثبات صفة، ولذلك نقول: إن التعبير بقولنا: " من غير تمثيل " أولى من التعبير بالتشبيه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 179، 180، السؤال رقم 90) .
ثانياً:
ولم يختلف أهل السنَّة في تكفير الممثلة، أو المشبهة، أو المجسمة.
ولمَّا نقل محمد بن طاهر الإسفراييني مقالة هشام بن الحكم، وهشام الجواليقي، وأتباعهما في التجسيم: قال:
والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ.
" التبصير في الدين " (ص 40) .
وقال نعيم بن حماد – رحمه الله – وهو أحد شيوخ الإمام البخاري -:
مَن شبَّه الله تعالى بخلقه: كَفَر، ومن جحد ما وصف الله نفسه: فقد كفر.
انظر " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " لللالكائي (3 / 532) .
ثالثاً:
أشهر من قال بالتمثيل – التجسيم، والتشبيه – لله رب العالمين هم اليهود، وقدماء الرافضة، واشتهرت نسبة التجسيم ـ بخصوصه ـ إلى الكرامية، وهي من الفرق المبدعة، التي لم يصلنا من كتبها شيء.
وقد ألصقت فرق وقد ألصق أهل البدع المعطلين للصفات، والنافين عن الله عز وجل ما أثبته لنفسه: ألصقوا بأهل السنة فرية التشبيه التمثيل والتجسيم، وليس هذا عليهم بغريب، حيث عطَّلوا صفات الله تعالى، ولذا نسبوا من أثبت تلك الصفات لله تعالى نسبوه إلى التجسيم، وهذا محض افتراء، وكذب.
قال الإمام أبو زرعة الرازي، رحمه الله (ت: 264هـ) :
" المعطلة النافية: الذي ينكرون صفات الله عز وجل، التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بالأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة، على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة، وينسبون رواتها إلى التشبيه؛ فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل ولا تشبيه، إلى التشبيه: فهو معطل نافٍ، ويُستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه: أنهم معطلة نافية. كذلك كان أهل العلم يقولون، منهم عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح ".
نقله أبو القاسم الأصبهاني في كتابه: الحجة في بيان المحجة (1/187) .
والعجيب أن الأشاعرة وغيرهم من الفرق المبتدعة يثبتون بعض الصفات لله تعالى، وهم " مجسمة " و " ومشبهة " عند المعتزلة! فانظر إليهم كيف أنهم نُسبوا إلى ما اتهموا به أهل السنَّة افتراء عليهم، فإذا كان إثبات الصفات لله تعالى تجسيماً: فهم مع أهل السنَّة في هذا، وإذا كان لا يلزم من إثبات الصفات التجسيم: فيكون اتهامهم بهذه الفرية من الضلال المبين، فها هم يثبتون صفاتٍ لله تعالى ولا يعدون أنفسهم مجسِّمة، فكذا ينبغي أن يكون أهل السنَّة عندهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
كلُّ مَن نَفَى شيئاً من الأسماء والصفات سمَّى مَن أثبت ذلك " مجسِّماً " قائلاً بالتحيز، والجهة، فالمعتزلة، ونحوهم يسمُّون الصفاتية - الذين يقولون: إن الله تعالى حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام - يسمُّونهم: " مجسِّمة "، " مشبِّهة "، " حشوية "، والصفاتية هم: السلف، والأئمة، وجميع الطوائف المثبتة للصفات: كالكلابية، والكرامية، والأشعرية، والسالمية، وغيرهم من طوائف الأمة.
" مجموع الفتاوى " (6 / 40) .
ونحن نذكر هنا أبرز تلك الفرق القائلة بهذا بالتجسيم والتمثيل:
الفرقة الأولى: " السبئية " أتباع اليهودي الذي أظهر الإسلام عبد الله بن سبأ، فقد ألَّهت هذه الفرقة عليَّ بن أبي طالب، وشبهوه بذات الله، وقد ازدادوا اعتقاداً بهذا الإفك عندما حرَّقهم بالنار.
الفرقة الثانية: " الهشامية " أصحاب هشام بن الحكم الرافضي، يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية، وحد طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه ... .
والفرقة الثالثة: " الهشامية " أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحماً، ودماً، ويقولون: إنه نور ساطع يتلألأ بياضاً.
الفرقة الرابعة: " اليونسية " أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمِّي.
الفرقة الخامسة: " البيانية " أتباع بيان بن سمعان، وكان يقول: إن معبوده: نور، صورته صورة إنسان، وله أعضاء كأعضاء الإنسان، وأن جميع أعضائه تفنى إلا الوجه.
الفرقة السادسة: " المغيرية " أتباع مغيرة بن سعيد العجلي، وكان يقول: إن للمعبود أعضاء، وأعضاؤه على صورة حروف الهجاء.
الفرقة السابعة: " المنصورية " أتباع أبي منصور العجلي، وكان يقول: إنه صعد إلى السماء إلى معبوده، وإن معبوده مسح على رأسه وقال: يا بني بلغ عني.
الفرقة الثامنة: " الخطابية " أتباع أبي الخطاب الأسدي، كانوا يقولون: إن أبا الخطاب الأسدي إله.
انظر " التبصير في الدين " للإسفراييني (ص 119 – 121) ، و " الفرق بين الفِرق " (ص 214 – 219) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1147)
ما هي العلمانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العلمانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"العلمانية: مذهب جديد، وحركة فاسدة تهدف إلى فصل الدين عن الدولة، والانكباب على الدنيا، والانشغال بشهواتها وملذاتها، وجعلها هي الهدف الوحيد في هذه الحياة، ونسيان الدار الآخرة والغفلة عنها، وعدم الالتفات إلى الأعمال الأخروية أو الاهتمام بها، وقد يصدق على العلماني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ) رواه البخاري (2887) .
وقد دخل في هذا الوصف كل من عاب شيئاً من تعاليم الإسلام قولا وفعلا، فمن حَكَّم القوانين وألغى الأحكام الشرعية فهو علماني، ومن أباح المحرمات كالزنى والخمور والأغاني والمعاملات الربوية واعتقد أن منعها ضرر على الناس، وَتَحَجُّرٌ لشيء فيه مصلحة نفسية، فهو علماني، ومن منع أو أنكر إقامة الحدود كقاتل القاتل ورجم أو جلد الزاني والشارب، أو قطع السارق أو المحارب، وادعى أن إقامتها تنافي المرونة، وأن فيها بشاعة وشناعة، فقد دخل في العلمانية.
أما حكم الإسلام فيهم فقد قال تعالى في وصف اليهود: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) البقرة/85.
فمن قبل ما يناسبه من الدين كالأحوال الشخصية وبعض العبادات ورَدَّ ما لا تهواه نفسه، دخل في الآية.
وهكذا يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) هود/15، 16.
فالعلمانيون هدفهم جمع الدنيا والتلذذ بالشهوات ولو محرمة ولو منعت من الواجبات، فيدخلون في هذه الآية، وفي قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) الإسراء/18. ونحو ذلك من الآيات والأحاديث. والله أعلم".
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى كبار علماء الأمة " ص (78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1148)
نبذة عن جماعة " النورسية " أتباع الشيخ سعيد النورسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن جماعة " النورسية "، ما لها، وما عليها، وهل كتبهم تعد من الكتب الإسلامية؟ وهل يجوز لنا قراءتها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (1 / 328 – 333) :
- النورسية: جماعة دينية، إسلامية، هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة، ركَّز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان، والعمل على تهذيب النفوس، مُحْدِثاً تياراً إسلاميّاً، في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني، الماسوني، الكمالي، الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية، واستيلاء " كمال أتاتورك " على دفة الحكم فيها.
- المؤسس هو: الشيخ سعيد النورسي 1873 - 1960م، ولد من أبوين كرديين، في قرية " نورس " القريبة من بحيرة " وان "، في مقاطعة " هزان " بإقليم " بتلس " شرقي الأناضول، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، ولما شبَّ ظهرت عليه علامات الذكاء، والنجابة، حتى لُقِّب بـ " بديع الزمان " و " سعيدي مشهور ".
- في الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية، وبجانب كبير من العلوم العقلية، وعرف الرماية، والمصارعة، وركوب الخيل، فضلاً عن حفظه القرآن الكريم، آخذاً نفسه بالزهد والتقشف.
- عندما دخل " الحلفاء " استانبول محتلين: كان في مقدمة المجاهدين ضدهم.
- في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من " جمعية الاتحاد والترقي " التي رفعت شعار (الوحدة، الحرية، الإصلاحية) لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين: ألّف بديع الزمان جمعية " الاتحاد المحمدي "، واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين، ولكن بالمفهوم الإسلامي؛ كشفاً لخدعهم التي يتسترون خلفها، وتجلية لحقيقتهم الماسونية.
- لقد كان العلمانيون الذين حكموا " تركيا " بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته، ويعارضونها أشد المعارضة، فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن، والتعذيب، والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة.
- عاش آخر عمره في " إسبارطة " منعزلاً عن الناس، وقبل ثلاثة أيام من وفاته: اتجه إلى " أورفه " دون إذن رسمي، حيث عاش يومين فقط، فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ.
- قال بديع الزمان للمحكمة عندما كان مسجوناً في سجن " اسكشير ": " لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية، وإنني أقول لكم: إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان ".
- إن التهم الرئيسية التي كانت توجه إلى " بديع الزمان " في المحاكمات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. العمل على هدم الدولة العلمانية، والثورة الكمالية.
2. إثارة روح التدين في تركيا.
3. تأليف جمعية سرية.
4. التهجم على مصطفى كمال أتاتورك.
لكنه كان يتصدى لهذه التهم بمنطق بليغ من الحجة والبرهان حتى أصبحت هذه المحاكمات مجال دعاية له تزيد في عدد أتباعه.
- لقد كرس المؤسس نشاطه ودعوته على مقاومة المد العلماني الذي تمثل في:
1. إلغاء الخلافة العثمانية.
2. استبدال القوانين الوضعية - والقانون السويسري المدني تحديداً - بالشريعة الإسلامية.
3. إلغاء التعليم الديني.
4. منع الكتابة بالحروف العربية وفرضها بالحروف اللاتينية.
5. تغيير الأذان من الكلمات العربية إلى الكلمات التركية.
6. فرض النظرية الطورانية " وأن الترك أصل الحضارات ".
7. إلزام الناس بوضع القبعة غطاء للرأس.
8. جعل يوم الأحد يوم العطة الرسمية بدلاً من يوم الجمعة.
9. ارتداء الجبَّة السوداء، والعمامة البيضاء مقصور على رجال الدين.
10. ترجمة القرآن إلى اللغة التركية، وذلك عام 1350هـ / 1931م، وتوزيعه في المساجد.
11. تحريم الاحتفال بعيدي الأضحى، والفطر، وإلغاء التقويم الهجري، وإحداث تغييرات في نظام المواريث.
12. الاتجاه نحو الغرب، ومحاكاته في عاداته، وتقاليده، واهتماماته.
13. طمس العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بعامة، والناشئة بخاصة.
- يمتاز شباب هذه الجماعة بالعفة، والنظافة، شباب قابض على دينه، في عصر شاعت فيه الفتن، والإغراءات، والانحلال.
- هذا، وثمة بعض المآخذ على هذه الجماعة:
1. أن هذه الجماعة لم تُعن بنشر عقيدة السلف، والتوحيد الخالص، بين أتباعها، وبين عوام المسلمين ممن يحتاجون إلى تصحيح عقائدهم قبل شغلهم بأمور أخرى.
بل تبنت عقيدة " الماتريدية " التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية.
2. أنهم لم يستطيعوا تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلاً في معظم نواحي الحياة السياسية المعادية للإسلام والمسلمين إذ ذاك، لكن الإنصاف يقتضينا أن نقر بأن الظروف المحيطة بنشأة هذه الجماعة لم تكن مواتية لها للظهور في غير الشكل الذي ظهرت فيه.
3. أن اشتراك بديع الزمان مع آخرين في تأليف " جمعية الاتحاد المحمدي " ليس أكثر من رد فعل، سرعان ما انفرطت، فضلاً عن استعداء الاتحاديين عليه، وتركيزهم الكيد، والتآمر للقضاء عليه، وعلى دعوته.
4. إن تخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار " أعوذ بالله من الشيطان والسياسة " وذلك منذ عام 1921م: قد ترك أثراً سلبيّاً على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب علمانية.
5. يؤخذ على الشيخ تخليه عن مساندة الشيخ سعيد الكردي الذي قام بثورة ضد مصطفى كمال أتاتورك سنة1925م واقفاً إلى جانب الخلافة، وقد حدثت معارك رهيبة بينه وبين الكماليين في منطقة " ديار بكر " سقط فيها آلاف من المسلمين.
6. ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من فكره في وجوب جهاد النفس أولاً، ثم الدعوة إلى تنوير الأفكار، وقد نادت الجماعة بإصلاح القلوب وعدم الدخول في معارك داخلية مع المخالفين المسلمين سواء كانوا حكاماً، أو محكومين، والتزام طريق الدعوة السلمية، والتطور التدريجي، ولا يلجأ إلى الجهاد المسلح إلا ضد العدو الخارجي من الكفار، والزنادقة.
7. لدى بعض أفراد " جماعة النور " - مؤخراً - شعور بالانعزالية، والاستعلاء، وهذا أفقدهم القدرة على التغلغل بين طبقات الشعب المسلم لدعوته وتوعيته.
- بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، يقضي أحدهم عمره في استنساخ " رسائل النور "، وتوزيعها، وكانت الفتيات نشيطات في ذلك كثيراً.
انتهى باختصار وتصرف يسير.
ولما سبق ذِكره فإننا لا ننصح بقراءة كتب هذه الجماعة، إلا للمتخصص وطالب العلم المميز؛ لما تتبناه من اعتقاد مخالف لأهل السنَّة والجماعة، وجهود شيخهم في نصرة الإسلام مشكورة، ونسأل الله أن يثيبه عليها، لكن هذا لا يجعلنا نزكي اعتقاده المخالف، ولا نزكي من بعده ممن هو على من جماعته، وقد افترق أتباعه كثيراً، ولا يمكن جمعهم في سياق واحد، وإنما يكون الحكم على كل واحد منهم أو طائفة بحسب ما يُظهر من اعتقاد، أو منهج.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1149)
الطرق الصوفية وموقف المسلم منها
[السُّؤَالُ]
ـ[هو كم فريق من الصوفية موجودين؟ وهل جميع الصوفية مخطئون؟ لقد سمعت أن الإمام النووي كان متأثراً بهم، وكانوا ينصحون الناس بالتخلي عن الكراهية والحقد ولم يشركوا بالله؟ فما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصوفية فرق وشيع وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون، وكل طريقة لها شيخ، وأوراد، وطقوس، يجمعها البعد عن الفهم الصحيح للكتاب والسنة، والترويج للبدع والمحدثات والخرافات، ويغلو كثير منها حتى يقع في الشرك اعتقادا وعملا، كاعتقاد وحدة الوجود، واعتقاد التصريف والتدبير للأولياء والأقطاب، وعبادة هؤلاء، دعاء ونذرا وطوافا بقبورهم وذبحا لهم.
والتصوف في القديم كان أقل انحرافا وخطرا، وكان يقصد به في بعض الأحيان الزهد والورع والتقشف، حتى نسب إليه بعض العلماء والعباد، مع سلامة المنهج وصحة الاعتقاد.
والواجب على المسلم: تحقيق التوحيد، واتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وتجنب البدع والمحدثات، فإن هذا هو طريق النجاة.
روى أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وصححه الألباني في كتاب "التوسل" (ص / 125) .
وروى أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (44) عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3851) .
ومن نظر في القرآن والسنة، وتأمل سيرة الخلفاء الراشدين، وحال القرون الثلاثة المهديين، علم بطلان ما عليه الصوفية من تقديس الأشخاص، وعبادة الأموات، واختراع الأوراد، والتعلق بالخرافات، والهادي هو الله، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) النور/40.
وينظر: للفائدة جواب السؤال رقم (4983) و (20375) و (34575) و (89961) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1150)
لا يمكن التقريب بين السنة والشيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من خلال معرفتكم بتاريخ الرافضة، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنة وبينهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله، وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعا، والترضي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك، فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (27/325) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1151)
موقف المسلم من الخلافات بين الأحزاب والجماعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقف المسلم من الخلافات المذهبية المنتشرة بين الأحزاب والجماعات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب عليه أن يلزم الحق الذي يدل عليه كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يوالي على ذلك ويعادي على ذلك، وكل حزب أو مذهب يخالف الحق يجب عليه البراءة منه وعدم الموافقة عليه. فدين الله واحد، وهو الصراط المستقيم، وهو عبادة الله وحده واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على كل مسلم أن يلزم هذا الحق، وأن يستقيم عليه؛ وهو طاعة الله واتباع شريعته التي جاء بها نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، مع الإخلاص لله في ذلك، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل مذهب يخالف ذلك وكل حزب لا يدين بهذه العقيدة يجب أن يبتعد عنه، وأن يتبرأ منه، وأن يدعو أهله إلى الحق بالأدلة الشرعية مع الرفق وتحري الأسلوب المفيد ويبصرهم بالحق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (27/327) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1152)
كيف يصير الشيعي من أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لشيعي أن يكون من أهل السنة والجماعة؟ فالكافر ينطق بالشهادتين أما هو فما يجب عليه أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان على عقيدة مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة، كاعتقاد أن القرآن محرف، أو أن الأئمة معصومون وينفعون ويضرون، ويستغاث بهم في الشدائد ويفزع إليهم في النوائب، أو اعتقاد أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيرا، أو اعتقاد الرجعة والبداء وتكفير أهل السنة، فسبيل توبته واستقامته أن يقلع عن هذه العقائد، وأن يدين بما يدين به أهل السنة من توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ومن تعظيم الصحابة والمحبة لهم والترضي عنهم، واعتقاد سلامة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقصان، وأن يبني اعتقاده على الدليل من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
ولمزيد من التفصيل حول العقائد المخالفة في هذا الباب: ينظر سؤال رقم (60046) ورقم (44970) ورقم (101272) ورقم (95588) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1153)
هل ينتسب إلى أهل السنة أم إلى السلف الصالح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الانتساب الصحيح يكون لأهل السنة والجماعة، أم للسلف الصالح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النسبتان صحيحتان، السلف الصالح هم خلاصة أهل السنة والجماعة، واتباعهم هو الميزان الذي يعرف به أهل السنة ممن عداهم.
ولكن ... الأهم من مجرد الانتساب أن يكون هذا الانتساب حقيقياً، انتساباً بالقول والاعتقاد والعمل، ومتابعتهم في ذلك.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض الناس ينكرون الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، ويقولون: كل يدعي ذلك، ولكن الأولى أن ينتسب إلى السلف؟
فأجاب:
"السلف هم أهل السنة والجماعة. الانتساب إليهم لا بأس، بل حق، وأنه من المؤمنين، ومن أتباع أهل السنة والجماعة، من أتباع الصحابة، ومن المؤمنين بالله واليوم الآخر، ينتسب إلى أهل الحق لا ينتسب إلى أهل الباطل، يجاهد نفسه على الصدق، وألا تكون دعوى، يجاهد نفسه حتى يصدق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (28/50) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1154)
الطريقة التيجانية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا ناس كثيرون متمسكون بالطريقة التيجانية، وأهلي عندهم ورد الشيخ أحمد التيجاني، وهي صلاة الفاتح؛ ويقولون: إن صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهل صلاة الفاتح هذه هي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟ حيث يقولون إن من كان يقرأ صلاة الفاتح وتركها يعتبر كافرا، ويقولون: إذا ما كنت تتحمل هذا وتركتها فما عليك شيء، وإذا تحملتها وتركتها تعتبر كافرا، فنرجو التوجيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطريقة التيجانية لا شك أنها طريقة مبتدعة، ولا يجوز لأهل الإسلام أن يتبعوا الطرق المبتدعة، لا التيجانية ولا غيرها، بل الواجب الاتباع والتمسك بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) آل عمران/31، ويقول عز وجل: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) الأعراف/3، ويقول تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/7، ويقول تبارك وتعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام/153، والسبل: هي الطرق المحدثة من البدع والأهواء والشبهات والشهوات المحرمة، فالله أوجب علينا أن نتبع صراطه المستقيم، وهو ما دل عليه القرآن الكريم، وما دلت عليه سنة رسوله عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه.
أما الطريقة التيجانية أو الشاذلية أو القادرية أو غيرها من الطرق التي أحدثها الناس فلا يجوز اتباعها، إلا ما وافق شرع الله منها أو غيرها فيعمل به؛ لأنه وافق الشرع المطهر لا لأنه من الطريقة الفلانية أو غيرها، للآيات السابقة، ولقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب /21، وقوله عز وجل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وصلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكروا، ولكن صيغة لفظها لم ترو عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا فيها: " اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق ". وهذا اللفظ لم ترد به الإجابة الصحيحة التي يبين فيها النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصلاة عليه لما سأله الصحابة عن ذلك، فالمشروع للأمة الإسلامية أن يصلوا عليه، عليه الصلاة والسلام بالصيغة التي شرعها لهم، وعلمهم إياها دون ما أحدثوه، من ذلك ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: (يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) .
ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أيضا من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد) .
وفي حديث ثالث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد) .
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها قد أوضحت صفة الصلاة عليه التي رضيها لأمته وأمرهم بها، أما صلاة الفاتح وإن صح معناها في الجملة فلا ينبغي الأخذ بها والعدول عما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان صحة الصلاة عليه المأمور بها، مع أن كلمة: (الفاتح لما أغلق) فيها إجمال قد يفسر من بعض أهل الأهواء بمعنى غير صحيح، والله ولي التوفيق" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجلة البحوث الإسلامية" (39/145-148) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1155)
من هم " البهرة "؟ وما هي عقائدهم؟ وما حكم تزويجهم والتزوج منهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بي وبزوجتي، تنتمي زوجتي لطائفة " البهرة "، وهي إحدى طوائف الشيعة، مواقعهم على الإنترنت هي " مؤمنين دوت أورج " و " معلومات دوت كوم "، كنت أنتمي لتلك الطائفة، لكنَّ الله تعالى هداني لدينه الصحيح. تزوجتها من أجل خاطر والديّ بعدما قالا لي إنها فتاة جيدة، وإنها سوف تطيعني في مسألة الدين بعد الزواج، حاولت بكل جهدي أن أبيِّن لها من القرآن والسنَّة، ولكنها مازالت على رفضها. أكبر اختلاف بيننا هو أنها - أو تلك الطائفة عموماً - تتوسل بـ " علي " أو بـ " حسين " رضي الله عنهما، ولجعل الصورة أوضح أمامكم هم مثلا يقولون " يا الله بوسيلة الحسين ساعدني، أو اشفني "، فيذهب الحسين لله، ويطلب منه، وهكذا يتم الشفاء، أو تحدث المساعدة المطلوبة، اعتادت زوجتي قبل ذلك أن تقول " يا حسين ساعدني أو اشفني، أو أنقذني "، وهذا - على ما أعتقد - شرك، توقفتْ عن ذلك بعدما شرحت لها، ولكنها مازلت تتوسل بالأئمة، وتتبع البدع، هل هذا النوع من التوسل يعد شركاً؟ هل ذكر الله في آيات عديدة ألا نسأل إلا هو؟ إن كان ما تفعله من توسل شرك: فهل زواجي بها صحيح؟ هل الشرك كفر؟ والزواج من كافرة لا يجوز؟ . يطلب منهم أئمتهم أن ينحنوا أمامهم، ويقبلوا أقدامهم، ويذهبوا للقبور، وينحنوا أمام الموتى، ويعتقدون أنه سيأخذ بأيديهم إلى الجنة، هؤلاء يجعلون اسم سيدنا " علي " في الأذان ويذكرونه في التشهد في الصلاة، ويتبعون العديد من البدع، يقولون – أيضاً - إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الله مرات عديدة باسم سيدنا على، بالإضافة إلى أنهم يسبون ويلعنون السيدة عائشة، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم أجمعين، ويقولون: إنهم عذبوا السيدة فاطمة وسيدنا علي رضي الله عنهما. ما سردته لكم ما كان إلا قليلاً من كثير، ومازال مسموحاً لهؤلاء أن يذهبوا للحج، ويصلوا بطريقتهم ويفعلون بدعهم في مكة. أخي أرجوك أجبني في أقرب وقت ممكن لأنه إن لم يكن زواجي منها جائزاً فأنا زانٍ! . أسأل الله تعالى أن يحميني والمؤمنين من الشرك والذنوب وأن ينقذنا من النار، آمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء تعريف " البهرة " في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (2 / 389) :
هم إسماعيلية مستعلية، يعترفون بالإمام " المستعلي "، ومن بعده " الآمر "، ثم ابنه " الطيب "، ولذا يسمون بـ " الطيبية "، وهم إسماعيلية الهند، واليمن، تركوا السياسة، وعملوا بالتجارة، فوصلوا إلى الهند، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا، وعرفوا بـ " البهرة "، والبهرة: لفظ هندي قديم، بمعنى " التاجر ".
- الإمام الطيب دخل الستر سنة 525 هـ، والأئمة المستورون من نسله إلى الآن لا يُعرف عنهم شيء، حتى إن أسماءهم غير معروفة، وعلماء البهرة أنفسهم لا يعرفونهم.
- انقسمت البهرة إلى فرقتين:
1. البهرة الداوودية: نسبة إلى قطب شاه داود: وينتشرون في الهند، وباكستان، منذ القرن العاشر الهجري، وداعيتهم يقيم في " بومباي ".
2. البهرة السليمانية: نسبة إلى سليمان بن حسن، وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم.
انتهى
ثانياً:
" البهرة " خليط من عقائد منحرفة شتَّى، وهم باطنية، وهم جزء من الإسماعيلية، والتي كانت من فرق الشيعة، لكنهم غلوا في أئمتهم أشد من غلو الرافضة، وهذه بعض عقائدهم:
1. لا يقيمون الصلاة في مساجد المسلمين.
2. ظاهرهم في العقيدة يشبه عقائد سائر الفرق الإسلامية المعتدلة.
3. باطنهم شيءٌ آخر، فهم يصلون، ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل " الطيب بن الآمر ".
4. يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين، لكنهم يقولون: إن الكعبة هي رمز على الإمام.
انتهى من " الموسوعة الميسرة " (2 / 390) .
وأما الغلو في إمامهم: فله صور متعددة، من السجود له، وتقبيل يده ورجله من الرجال والنساء، وغير ذلك، ونحن نسوق بعضها مع الحكم عليها من خلال طائفة من فتاوى علماء اللجنة الدائمة:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
كبير علماء بوهرة يصر على أنه يجب على أتباعه أن يقدموا له سجدة كلما يزورونه، فهل وجد هذا العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الخلفاء الراشدين، وحديثاً نشرت صورة لرجل بوهري يسجد لكبير علماء بوهرة في جريدة " من " الباكستانية المعروفة الصادرة في 6 / 10 / 1977 م، ولاطلاعكم عليها نرفق لكم تلك الصورة؟ .
فأجابوا:
السجود نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بها لنفسه خاصة، وقربة من القرب التي يجب أن يتوجه العبد بها إلى الله وحده؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ من الآية 36؛ وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/ 25؛ ولقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فصلت/ 37، فنهى سبحانه عباده عن السجود للشمس والقمر، لكونهما آيتين مخلوقتين لله فلا يستحقان السجود ولا غيره من أنواع العبادات، وأمر تعالى بإفراده بالسجود لكونه خالقاً لهما، ولغيرهما من سائر الموجودات، فلا يصح أن يُسجد لغيره تعالى من المخلوقات عامة؛ ولقوله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم/ 59 – 62، فأَمر بالسجود له تعالى وحده، ثم عمَّ فأمر عباده أن يتوجهوا إليه وحده بسائر أنواع العبادة دون سواه من المخلوقات، فإذا كان حال " البوهرة " كما ذكر في السؤال: فسجودهم لكبيرهم عبادة وتأليه له، واتخاذ له شريكاً مع الله، أو إلهاً من دون الله، وأمره إياهم بذلك أو رضاه به: يجعله طاغوتاً يدعو إلى عبادة نفسه، فكلا الفريقين التابع والمتبوع كافر بالله خارج بذلك عن ملة الإسلام، والعياذ بالله.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 382، 283) .
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
جميع النساء يقبلن يده ورجله، فهل يجوز في الإسلام لرجل غير محرم للنساء أن يلمسن أيدي كبير العلماء، وهذا العمل ليس خاصّاً بكبير العلماء، بل هو لكل فرد من أفراد أسرته؟
فأجابوا:
أولاً: ما ذُكر من تقبيل نساء " البوهرة " يد كبيرهم، ورجله، وتقبيلهن يد كل فرد من أسرته ورجله: لا يجوز، ولم يُعرف ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مع أحد من الخلفاء الراشدين؛ وذلك لما فيه من الغلو في تعظيم المخلوق، وهو ذريعة إلى الشرك.
ثانياً: لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولا أن يمس جسدها؛ لما في ذلك من الفتنة؛ ولأنه ذريعة إلى ما هو شر منه، من الزنا، ووسائله، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله صلى الله علية وسلم يمتحن من هاجرن إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ) إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الممتحنة/ 12، قال عروة: قالت عائشة: فمَن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك) ، كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: (قد بايعتك على ذلك) متفق عليه، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايع النساء مصافحة، بل بايعهن كلاماً فقط مع وجود المقتضي للمصافحة، ومع عصمته، وأمن الفتنة بالنسبة له: فغيره من أمَّته أولى بأن يجتنب مصافحة النساء الأجنبيات منه، بل يحرم عليه ذلك، فضلا عن تقبيل يده ورجله، وأيدي أفراد أسرته، وأرجلهم، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) رواه النسائي وابن ماجه، وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/ من الآية 21.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 383 – 385) .
3. وسئلوا:
كبير علماء " بوهرة " يدَّعي أنه المالك الكلي للروح والإيمان - العقائد الدينية - نيابة عن أتباعه.
فأجابوا:
إذا كان كبير علماء " بوهرة " يدَّعي ما ذكر: فدعواه باطلة، سواء أراد بما يدعيه من ملك الروح والإيمان أن الأرواح والقلوب بيده يصرفها كيف يشاء فيهديها إلى الإيمان، أو يضلها عن سواء السبيل: فإن ذلك ليس إلى أحدٍ سوى الله تعالى؛ لقوله سبحانه: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/ 125؛ وقوله: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) الكهف/ 17 … إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تصريف القلوب بهدايتها وإضلالها إلى الله دون سواه؛ ولما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء) مسلم.
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند فزعه إلى ربه بقوله: (يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك) رواه الترمذي، أو أراد بملكه الأرواح والإيمان نيابة عن جماعته أن إيمانه يكفي أتباعه أن يؤمنوا، وأنهم يثابون بذلك، ويؤجرون، وينجون من العذاب وإن أساءوا العمل، وارتكبوا الجرائم، والمنكرات: فإن ذلك مناقض لما جاء في القرآن من قوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة الآية 286، وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور الآية 21، وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) المدثر/ 38 - 42 الآيات، وقوله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} النساء/ 123، 124، وقوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم/ 39، وقوله: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فاطر/ 18 … إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن كل إنسان يجزى بعمله خيراً كان أم شرّاً؛ ولما ثبت في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حين أنزل عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/ 214 فقال: (يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً) متفق عليه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 385 – 387) .
4. وسئلوا:
ويدَّعي أنه المالك الكلي لجميع أملاك الوقف، وأنه غير محاسب على جميع الصدقات، وهو الله على الأرض، كما ادعى ذلك كبير العلماء المتوفى سيدنا طاهر سيف الدين في قضية بالمحكمة العليا في مدينة " بومباي "، وله القدرة الكاملة على جميع أتباعه.
فأجابوا:
ما ذكر في السؤال عن دعوى كبير " البوهرة " ملكه الكلي لجميع أملاك الوقف، وأنه غير محاسب على جميع الصدقات، وأنه هو الله على الأرض: كلها دعاوى باطلة، سواء صدرت منه أم من غيره، أما الأولى: فلأنَّ أعيان الأوقاف لا تُملك، وإنما يملك الانتفاع بغلَّتها، وذلك بصرفها إلى الجهات التي جعلت وقفاً عليها لا إلى غيرها، فلا يملك كبير " البوهرة " أعياناَ – أي: أوقافاً - ولا يملك شيئاً من غلتها إلا غلة ما جعل وقفاً عليه إن كان أهلاً لذلك.
وأما الثانية: وهي دعوى أنه غير محاسب: فلأن كل امرئ محاسب على جميع أعماله من التصرف في الصدقات، وغيرها بنص الكتاب، والسنَّة، وإجماع الأمة.
وأما الثالثة: وهي دعوى أنه الله في الأرض: فكفر صراح، ومن ادَّعى ذلك: فهو طاغوت يدعو إلى تأليه نفسه، وعبادتها، وبطلان ذلك معلوم من دين الإسلام بالضرورة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 387، 388) .
5. وسئلوا:
ويدَّعي أنه يحق له أن يعلن البراءة والمقاطعة الاجتماعية ضد الذين يعترضون على مثل هذه الأعمال.
فأجابوا:
إن كانت صفة كبير علماء " بوهرة " على ما تقدم في الأسئلة: فلا يجوز له أن يتبرأ ممن يعترضون عليه فيما ارتكبه من أنواع الشرك، بل يجب عليه قبول نصحهم، والإقلاع عن تأليه نفسه، وعن دعوى اتصافه بما هو من اختصاص الله تعالى: الألوهية، وملك الأرواح والقلوب، ودعوة من حوله إلى عبادته، وإلى غلوهم في الضراعة والخضوع له ولأفراد أسرته، بل يجب على من اعترضوا على ما يرتكبه من ألوان الكفر أن يتبرءوا منه ومن ضلاله وإضلاله إذا لم يقبل نصحهم، ولم يعتصم بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتبرءوا من اتباعه وكل من كان على شاكلتهم من الطواغيت وعبدة الطواغيت، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) آل عمران/ الآية 103، وقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب/ 21، وقال: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ الآية 36 وقال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ 17، 18، وقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة الآية 4، الآية، إلى أن قال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الممتحنة/ 6.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 388، 389) .
وأخيراً قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان واقع كبير علماء " بوهرة " وأتباعه، وما وصفت في أسئلتك: فهم كفرة، لا يؤمنون بأصول الإسلام، ولا يهتدون بهدي كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستبعد منهم أن يضطهدوا الصادقين في إيمانهم بالله، وكتابه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وسنَّته، كما اضطهد الكفار في كل أمة رسل الله الذي أرسلهم سبحانه إليهم لهدايتهم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 390) .
وينظر لمزيد فائدة حول " البهرة ": كتاب: " أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية " لمؤلفه: خادم حسين إلهي بخش.
ثالثاً:
وبما ذكرنا يتبين للمسلمين جميعاً: تحريم التزوج من نساء " البهرة "، وتحريم تزويج رجالهم، وأنهم فرقة باطنية تخالف أصول الإسلام وتهدمها، وزوجتك إما أن تتبرأ من تلك الطائفة تبرءاً كاملاً واضحاً بيِّناً، وتكفر بما هم عليه من اعتقادات فاسدة، وإلا فإنه لا يحل لك البقاء معها، وعقدك معها مفسوخ، واستمرارك معها بعد علمك بما عليه من كفر وردَّة يجعل جماعك لها زناً، وليست هي كاليهودية والنصرانية؛ لأنهما كتابيَّات، وأما البهرة فكفَّار باطنيون.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1156)
من دان بغير الإسلام فهو كافر سواء كان من الصابئة أو من غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هنا بالمغرب جماعة تسمى بالصابئين يدعون أنهم على دين إسماعيل عليه السلام ما حكمهم في الدين؟ وهل هم على صواب أم هم ضالون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حال الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، هل هم من النصارى أو من اليهود أو المجوس، إلى غير ذلك من الأقوال، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (49048) .
وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يعتقد أن كل من دان بغير دينه فهو كافر، ولا ينفعه انتسابه إلى إبراهيم أو إسماعيل أو موسى أو عيسى عليهم السلام، لأن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء، وأوجب على الجن والإنس اتباعه والإيمان به، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع ومهيمنة عليها، كما قال سبحانه: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب/40، وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/170، وقال سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا) المائدة/48.
وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم (153) .
وعليه؛ فهذه الجماعة التي ذكرتها إذا كانوا لا يدينون بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهم كفار، لا شك في ذلك ولا ريب.
وقد أوردت الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة نبذة عن الصابئة الذين يعيشون اليوم في جنوبي العراق وإيران، وأنهم يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم، وذكرت شيئا من عبادتهم كالصلاة التي تختلف عن صلاة المسلمين، والطهارة والتعميد.
ينظر: "الموسوعة الميسرة" (2/724- 733) .
وأما الصابئة بالمغرب فلا نعلم شيئا عن حالهم، وحسبك ما ذكرنا من أن كل من دان بغير الإسلام فهو كافر، سواء انتسب إلى اليهودية أو النصرانية أو الصابئة أو غيرها، حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه وبكتابه ويلتزم شريعته. وقد نص أهل العلم على أن المسلم يكفر ويرتد إذا اعتقد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف إذا خرج عنها بالفعل.
قال في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (6/171) في باب المرتد: " من اعتقد أن لأحدٍ طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن له أو لغيره خروجا عن اتباعه صلى الله عليه وسلم وعن أخذ ما بُعث به، أو قال: إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى صلى الله عليه وسلم، فهو كافر؛ لتضمنه تكذيب قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام/153. أو اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فهو كافر " انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1157)
هل هذا التصرف يدل على أنه من المكارمة أو الإسماعيلية
[السُّؤَالُ]
ـ[مديرنا في القطاع من منطقة يعيش فيها إسماعيلية، وأسمع من بعض المراجعين لنا بأنه (مكرمي) وليس (سني) . لكن الذي أجزم به يقينا أنه يقيم صلاته بالصفة التالية (إذا كانوا مجموعة من المصلين يؤدي كل منهم صلاته بمفرده) فهل هذا دليل كاف على أن نصفهم بأنهم (غير مسلمين) ؟؟ وهل يجوز إلقاء السلام عليه؟؟ علما بأنه يلقي علينا السلام؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل إحسان الظن بالمسلم وحمله على السلامة، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا ببينة، وما ذكرته من صلاته منفردا لا يكفي للحكم عليه بأنه من المكارمة أو الإسماعيلية، مع العلم أن هناك من ينتسب إلى هذه الفرقة اسما، وهو غير عالم بحقيقة مذهبهم، وهذا كثير فيهم، وينبغي أن يكون انشغالك بالدعوة والنصيحة فوق انشغالك بإطلاق الأحكام، ولهذا نقول: توجه بالنصيحة لهذا المدير ليصلي مع الجماعة، فإن صلاة الجماعة واجبة في أصح قول العلماء، وإن بدا في كلامه ما يدل على مخالفته لأهل السنة، فلتكن دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمكنك الاستفادة مما كتب عن الإسماعيلية وعقائدها، في بعض المواقع المتخصصة، وينظر للفائدة: سؤال رقم (7974) ، ورقم (82287) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لي جار من الطائفة الإسماعيلية يسلم عليَّ فهل لي أن أرد عليه السلام، وهل لي أن أسلم عليه أيضاً؟
فأجاب: نعم رد عليه السلام، عاملوهم بما يعاملونكم به، وادعوهم إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان مسئول عن الدعوة إلى الله عز وجل، والجار أحق بالدعوة إلى الله، فأنت ادعه إلى الله، إما أن تطلبه يزورك، أو تزوره أنت، وتدعوه إلى الله عز وجل، وتبين له الحق، والإنسان بفطرته مجبول على الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) " انتهى من "لقاء الباب الباب المفتوح" (189/18) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1158)
نبذة عن حال الدولة العبيدية، نسباً، ومعتقداً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يدعو إلى إعادة الخلافة \" الفاطمية \"، و \" دولة العبيديين \"، ويقول: إن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاًّ في الماضي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أخطأ هذا القائل خطأ بالغاً حين نسب الدولة العبيدية للإسلام.
والدولة العبيدية – وأطلقوا عليها الدولة الفاطمية لأجل التغرير والتلبيس - أُسست في تونس سنة 297 هـ، وانتقلت إلى مصر سنة 362 هـ، واستقر بها المقام فيها، وامتد سلطانها إلى أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، مثل: الشام، والجزيرة العربية.
وقد بدأ حكمهم بالمعز لدين الله!! معاذ بن المنصور العبيدي، وانتهى بالعاضد عبد الله بن يوسف عام 567 هـ.
وقد تكلَّم أئمة السنَّة من العلماء والمؤرخين عن نسب هذه الدولة فيبنوا زيف ادعائهم أنهم ينتسبون لفاطمة رضي الله عنها، وبينوا ما فعلته من نشر الكفر والزندقة، وإيذاء أهل السنَّة، وتمكين الكفار، بل والتعاون معهم ضد المسلمين، ومن هؤلاء الأئمة والمؤرخين: أبو شامة، وابن تغري بردي، وابن تيمية، وابن كثير، والذهبي، وغيرهم كثير.
قال الإمام الذهبي عن " عبيد الله المهدي " وهو أول حكام تلك الدولة:
" وفي نسب المهدي أقوالٌ: حاصِلُها: أنَّه ليس بهاشميٍّ، ولا فاطميٍّ " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (15 / 151) .
وقال:
"وأهل العلم بالأنساب والمحقّقين يُنكِرون دعواه في النَّسبِ " انتهى.
" تاريخ الإسلام " حوادث سنة 321 - 330، ص 23.
ونقل عن أبي شامة - الذي كتب عن هذه الدولة كتاباً سمّاه " كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد "- قوله:
" يدَّعون الشرف، ونسبتهُم إلى مجوسي، أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك، وقيل: " الدولة العلوية " و " الدولة الفاطمية "، وإنما هي " الدولة اليهودية " أو " المجوسية " الملحدة، الباطنية " انتهى.
انظر " سير أعلام النبلاء " (15 / 213) ، و " الروضتين في أخبار الدولتين " (1 / 216) .
ومن أفعال حكام تلك الدولة واعتقادهم: ادعاء علم الغيب، وادعاء النبوة والألوهية، وطلب السجود من رعاياهم وأتباعهم، وسب الصحابة، وهذا توثيق بعض ما سبق وزيادة:
1. ادعاء الألوهية والربوبية:
نقل الذهبي رحمه الله أن الفقهاء والعبَّاد نصروا الخوارج في حربهم على الدولة العبيدية لما عندهم من كفر وزندقة، فعندما أراد أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي حرب بني عبيد قال الذهبي رحمه الله:
تسارع الفقهاء والعبَّاد في أهبَّة كاملة بالطبول والبنود، وخَطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد، وحرَّضهم، وقال: جاهدوا مَن كفر بالله، وزعم أنه رب من دون الله، ... وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحدٌ لنعمتك، كافر بربوبيتك، طاعن على رسلك، مكذب بمحمد نبيك، سافك للدماء، فالعنه لعناً وبيلاً، وأخزه خزياً طويلاً، واغضب عليه بكرةً وأصيلاً، ثم نزل فصلى بهم الجمعة.
" سير أعلام النبلاء " (15 / 155) .
وممن كان يدعي الربوبية والإلهية الحاكم العبيدي حيث قال عنه الذهبي: " الإسماعيلي، الزنديق، المدعي الربوبية ".
" السير " (15 / 173) .
وقال عنه أيضاً:
يقال: إنه أراد أن يدّعي الإلهية، وشرع في ذلك! فكلّمه أعيان دولته، وخوَّفوه بخروج النّاس كلهم عليه، فانتهى.
" السير " (15 / 176) .
وممن حرض الحاكم على هذا الادعاء: " حمزة بن علي الزوزني " وهو من دعاة تأليه الحاكم، ومؤسس المذهب الدرزي ببلاد الشام.
قال الذهبي - رحمه الله – عنه:
وقد قُتل الدرزي الزنديق؛ لادعائه ربوبية الحاكم، وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا " الحاكم " يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت.
" السير " (15 / 180، 181) .
وقال الذهبي – رحمه الله -:
قرأت في تاريخ صُنِّف على السنين، في مجلد، صنَّفه بعض الفُضَلاء، سنة بضع وثلاثين وستمائة، قدَّمه لصاحب مصر الملك الصالح: في سنة سبع وستين قال:
وكانت الفِعْلة (أي: القضاء على الدولة العبيدية) مِن أشرف أفعاله (أي: صلاح الدين الأيوبي) ، فَلَنِعْمَ ما فعل؛ فإنّ هؤلاء كانوا باطنية زنادقة، دعوا إلى مذهب التناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهي في أشباحهم.
وقال الذهبي: إن الحاكم قال لداعيه: كم في جريدتك؟ قال: ستة عشر ألفاً يعتقدون أنّك الإله.
قال شاعرهم:
فاحكم فأنت الواحد القهار ... ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار!
فلعن الله المادح والممدوح، فليس هذا في القبح إلا كقول فرعون " أنا ربكم الأعلى ".
وقال بعض شُعرائهم في المهديّ برَقّادة:
حل بها آدمُ ونوحُ ... فما سوى الله فهو ريحُ
حلّ برقادة المسيحُ ... حلَّ بها الله في عُلاهُ
قال:
وهذا أعظم كُفراً من النّصارى؛ لأن النّصارى يزعمون أن الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله في جسد آدم، ونوح، والأنبياء، وجميع الأئمة.
هذا اعتقادهم لعنهم الله.
" تاريخ الإسلام " حوداث سنة 561 - 570، ص 274 – 281.
وعندما ادعى " عبيد الله " الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان، وهو جالس على كرسي ملكه، وأوعز إلى أحد خدمه فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله: ما قلنا ذلك، فأمر بذبحهما.
" السير " (14 / 217) .
2. ومن عقائدهم: ادعاء علم الغيب:
قال ابن خَلِّكان – رحمه الله -:
وذلك لأنهم ادَّعوا علم المغيبات، ولهم في ذلك أخبار مشهورة.
" وفيات الأعيان " (5 / 373، 374) .
3. وكان يُسجد لهم، ويأمرون الناس بالسجود لهم، قال الذهبي رحمه الله:
ففي سنة 396 هـ خُطب بالحرمين لصاحب مصر " الحاكم "، وأُمَر الناس عند ذكره بالقيام، وأن يسجدوا له، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
" دول الإسلام " (1 / 350) .
وكانوا إذا ذُكِر " الحاكم " قاموا وسجدوا له، قال الذهبي – رحمه الله -:
قاموا، وسجدوا في السُّوق، وفي مواضع الاجتماع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العُبَيْدِيُّون شرّاً على الإسلام وأهله.
" التاريخ " حوادث 381 - 400، ص 234.
4. وكانوا يقتلون العلماء ممن لا يقول بقولهم: قال أبو الحسن القابسي صاحب " الملخص ":
إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه: أربعة آلاف في دار النحر في العذاب، مِن عالِم، وعابِد؛ ليردَّهم عن الترضي عن الصحابة.
" السير " (15 / 145) .
5. وقد شاركوا القرامطة جرائمهم، قال الذهبي – رحمه الله -:
ففي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا، وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود، وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرِّضهم، قاتله الله.
" السير " (15 / 147) .
6. سب الصحابة:
وفي أيامه (العزيز) أُظهر سبُّ الصحابةِ جِهَاراً.
" السير " (15 / 170) .
فقد أمر بكَتْب سَبّ الصّحابة على أبواب المساجد والشّوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة.
" تاريخ الإسلام " حوادث سنة 395، ص 283.
وقال:
وكان سَبُّ الصحابة فاشياً في أيامه (أي: المستنصر) ، والسنَّة غريبة مكتومة.
" السير " (15 / 196) .
وبالجملة فقد كانوا باطنية، قلبوا الإسلام، وأظهروا الرفض، وأبطنوا الزندقة.
قال الذهبي – رحمه الله -:
قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية.
" السير " (15 / 141) .
وقال الذهبي – رحمه الله -:
وأما العبيديون الباطنية: فأعداء الله ورسوله.
" السير " (15 / 373) .
وقال أيضاً – رحمه الله -:
لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيديون الدِّين ظهراً لبطن.
" السير " (16 / 149) .
وقال القاضي عياض – رحمه الله -:
قال أبو يوسف الرعيني: " أجمع العلماء بالقيروان: أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة ".
" ترتيب المدارك " (4 / 720) ، وانظر " السير " (15 / 151) .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في "الرد على البكري":
" العبيديون، وهم ملاحدة في الباطن، أخذوا من مذاهب الفلاسفة والمجوس ما خلطوا به أقوال الرافضة، فصار خيار ما يظهرونه من الإسلام دين الرافضة، وأما في الباطن فملاحدة، شر من اليهود والنصارى. . .
ولهذا قال فيهم العلماء: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وهم من أشد الناس تعظيما للمشاهد، ودعوة الكواكب، ونحو ذلك من دين المشركين، وأبعد الناس عن تعظيم المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وآثارهم في القاهرة تدل على ذلك" انتهى.
وقال رحمه الله في "الرد على المنطقيين":
"العبيديون كانوا يتظاهرون بالإسلام ويقولون إنهم شيعة، فالظاهر عنهم الرفض لكن كان باطنهم الإلحاد والزندقة، كما قال أبو حامد الغزالي في كتاب "المستظهري": ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض. وهذا الذي قاله أبو حامد فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين" انتهى.
وقال رحمه الله في "منهاج السنة":
"وأخبارهم (يعني حكام الدولة العبيدية) مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ورسوله والردة والنفاق" انتهى.
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (11/386) :
"كان إذا ذكر الخطيب الحاكم يقوم الناس كلهم إجلالاً له، وكذلك فعلوا بديار مصر مع زيادة السجود له، وكانوا يسجدون عند ذكره، يسجد من هو في الصلاة ومن هو في الأسواق يسجدون لسجودهم، لعنه الله وقبحه" انتهى.
فهذه هي الدولة العبيدية، وتلك بعض قبائحهم، وبه يتبين خطأ ذلك القائل بحكمه على الدولة العبيدية بأنها كانت على الإسلام، وباختزاله الدول والأزمنة المباركة التي حكمت بالإسلام إلى جعله الدولة العبيدية هي الحل المناسب في هذا الزمان، وهذا قول سوء قبيح.
فالذي يقول ذلك يريد إعادة نشر الزندقة والكفر والإلحاد وسب الصحابة وقتل العلماء!
وليس هناك حل للمسلمين إلا أن يعودوا إلى هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
وانظر بحثاً بعنوان " موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية، نسباً ومعتقداً " للدكتور سعد بن موسى الموسى، أستاذ مساعد بكلية الشريعة بجامعة " أم القرى "، نُشر في " مجلة جامعة أم القرى "، العدد 24، ربيع الأول 1423 هـ، مايو (آيار) 2002 م.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1159)
دخل في الإسلام، ويدعو الناس إليه، لكنه على علاقة بصديقة له؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى صديق أسلم، وهو ملتزم دينيّاً، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني، ويقول لي: إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة، كما سمعتُ أنه على علاقة بها، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه، وأن يثبته عليه، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام، وهي من أفضل الأعمال الشرعية، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها، ومن علامات صدقها: أن يحقق الداعية قولَه بالعمل، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها.
قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
وهذه الآية الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام، والأخلاق، والاتباع، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها: تحريف القرآن، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة.
وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام.
قال علماء اللجنة الدائمة:
من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله: ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/ 88.
ففي هذه الآية بيان: أن مِن شروط الدعوة: العلم، والكسب الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه، فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 243) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم، ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحُسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق، ينفِّر الناس منه، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف ...
" لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة اللقاء رقم 94) .
ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3.
وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان والخير.
(وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال:
(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العل " عقلاً "؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصاً إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " (ص 50 , 51) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه، والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3، وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول: أمرٌ يخالف العقل، كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟!! .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) .
ثانياً:
وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله، وحقيقتها، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله: عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية، ولا تستمع لقوله، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه.
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم) .
رواه البخاري (57) ومسلم (56) .
وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده، فأمر الشهوة عظيم، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد، فكم أزهقت من نفوس، وكم أتلفت من أخلاق، وكم أفسدت من أديان، فتنبه لهذا، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره، فلا تتخلى عن صديقك البتة، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك: فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك.
ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة، وخطرهم على دينه، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به، ليترفض ويترك دينه.
وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها، إلا أن تتركه وتتبرأ منه، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن الرافضة هل تزوَّج؟ .
فأجاب:
الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي.
وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده.
" مجموع الفتاوى " (32 / 61) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه، وإلا فلا يجوز.
وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة: جواب السؤال رقم: (21500) .
وانظر في حكم موقفهم من الصحابة: جوابي السؤالين: (45563) و (95588) .
وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم، فانظر – إن شئت المزيد -: أجوبة الأسئلة (23487) , (12103) , (1148) , (4569) .
وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته، والداعي له إلى سبيل الخير، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحنك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك نفسك) .
رواه النسائي في الكبرى (10619ـ الرسالة) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (2598)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1160)
ما يفعله الشيعة في عاشوراء بدعة وضلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش بدبي وحولنا عد كبير من الشيعة هنا وهم يقولون دائما إن ما يقومون به يومي التاسع والعاشر من شهر محرم هو دليل على حبهم للحسين، ولا شيء فيه، وهو كما قال يعقوب: (يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون) برجاء إطلاعي على الإجابة بخصوص ما إذا كان يجوز ضرب الصدر أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور، ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء، محدث لا أصل له في الإسلام، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه، لموت عظيم، أو فقد شهيد، مهما كان قدره ومنزلته. وقد استشهد في حياته صلى الله عليه وسلم عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم.
ويعقوب عليه السلام لم يضرب صدرا، ولم يخمش وجها، ولم يُسل دما، ولا اتخذ يوم فقد يوسف عيدا ولا مأتما، وإنما كان يذكر حبيبه وغائبه، فيحزن لذلك ويغتم، وهذا مما لا ينكر على أحد، وإنما المنكر هو هذه الأعمال الموروثة عن الجاهلية، التي نهى عنها الإسلام.
فقد روى البخاري (1294) ومسلم (103) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) .
فهذه الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام، لم يعملها النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره، مع أن المصاب بمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ، وقد كان أبوه أفضل منه، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ... وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. " انتهى من "البداية والنهاية" (8/221) .
وقال في (8/220) : " وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب - أي الطبول - تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثيرٌ منهم لا يشرب الماء تلك الليلة موافقةً للحسين؛ لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسراتٍ عن وجوههن ينحن ويلطمنَ وُجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم.
وقد عاكس الرافضةَ والشيعة يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم " انتهى.
والاحتفال بهذا اليوم بدعة، كما أن جعله مأتما بدعة كذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى. . . وبدعة السرور والفرح. . . فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال واتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة. . . وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا " انتهى من "منهاج السنة" (4/554) باختصار.
وينبغي التنبيه على أن هذه الأعمال المنكرة يشجعها أعداء الإسلام، ليتوصلوا بها إلى مقاصدهم الخبيثة لتشويه صورة الإسلام وأهله، وفي هذا يقول موسى الموسوي في كتابه: "الشيعة والتصحيح": " ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس، وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند، وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من أودية الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق، فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل، وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم يحظ من المدنية بحظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟! " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1161)
منزلة أئمة الشيعة الاثني عشرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي منزلة أئمة الشيعة الاثنى عشر وبالأخص المتأخرون منهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الرافضة أو الإمامية أو الاثنا عشرية، إحدى فرق الشيعة، وسموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة، ورفضهم لإمامة الشيخين أبي بكر وعمر، أو لرفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه. وسموا بالإمامية لأنهم أكثروا من الاهتمام بمسألة الإمامة، وجعلوها أصل الدين، أو لزعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأولاده. وسموا بالاثنى عشرية لاعتقادهم وقولهم بإمامة اثنى عشر رجلا من آل البيت، أولهم علي رضي الله عنه، وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الغائب الموهوم، الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامراء في منتصف القرن الثالث الهجري!! وأنه لا يزال حيا بداخله، وهم ينتظرون خروجه!
ولهم عقائد وأصول مخالفة لما عليه أهل الإسلام، منها:
1- غلوهم في أئمتهم: فقد ادعوا لهم العصمة، وصرفوا لهم كثيرا من العبادات كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف، وهذا من الشرك الأكبر الذي أخبر الله تعالى أنه لا يغفر. وهذا الشرك يقترفه علماؤهم وعامتهم دون نكير.
2- القول بتحريف القرآن الكريم، بالنقص والزيادة، ولهم في ذلك مؤلفات يعرفها علماؤهم وكثير من عامتهم، حتى جعلوا القول بتحريف القرآن من ضرورات مذهبهم، وراجع السؤال رقم سؤال رقم (21500)
3- تكفير أكثر الصحابة رضي الله عنهم، والتبرؤ منهم، والتقرب إلى الله بلعنهم وشتمهم، ودعواهم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه إلا نفرا يسيرا (سبعة فقط) ؛ وهذا تكذيب للقرآن الذي أظهر فضلهم، وأخبر أن الله قد رضي عنهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما يلزم منه الطعن في القرآن نفسه لأنه منقول عن طريقهم، فإذا كانوا كفارا، لم يؤمن تحريفهم وتبديلهم له، وهذا ما يعتقده الرافضة كما سبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاُ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام " انتهى من "الصارم المسلول على شاتم الرسول" ص 590.
4- نسبة البداء إلى الله تعالى: ومعناه حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، وفيه نسبة الجهل إلى الله تعالى.
5- القول بالتقية، وهي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، فحقيقتها الكذب والنفاق، والبراعة في خداع الناس، وليس ذلك مقصورا عندهم على حالة الخوف، بل يرون استعمال التقية دينا، في الصغير والكبير، والخوف والأمن، وكل ما جاء من حق عن إمام من أئمتهم، كمدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو موافقة لأهل السنة ولو كان في مسائل الطهارة والطعام والشراب، رفضه الشيعة، وقالوا: إن الإمام تكلم به على سبيل التقية.
4- القول بالرجعة: وهي اعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليّ والحسن والحسين وبقية الأئمة سيرجعون. وفي المقابل يرجع أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ويزيد وابن ذي الجوشن، وكل من آذى أهل البيت بزعمهم.
فكل هؤلاء سيرجعون عندهم إلى الدنيا مرة أخرى قبل يوم القيامة عند رجوع المهدي إلى الظهور -كما قرره لهم عدو الله ابن سبأ- يرجعون ليتم عقابهم كما آذوا أهل البيت واعتدوا عليهم ومنعوهم حقوقهم، فينالهم العقاب الشديد ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة للجزاء الأخير مرة أخرى – هكذا يزعمون.
إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة، التي يمكن الوقوف على تفاصيلها وبيان بطلانها من خلال كتاب: الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، أو أصول مذهب الشيعة الإمامية للدكتور ناصر القفاري، أو فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، للدكتور غالب بن علي عواجى 1/127-269، أو الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/51-57
وينظر جواب السؤال رقم (1148)
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الطريقة الشيعة الإمامية من الإسلام؟ ومن الذي اخترعها؟ لأنهم أي الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه؟
الجواب: " مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب " الخطوط العريضة " و "مختصر التحفة الإثني عشرية" و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام، وفيها بيان الكثير من بدعهم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/377)
ثانيا:
تبين مما سبق بطلان هذا المذهب، ومخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة، وأنه لا يقبل من أحد اعتقاده، لا من العلماء ولا من العمة.
وأما الأئمة الذين ينتسب إليهم هؤلاء، فإنهم بريئون من هذا الإفك والباطل.
وإليك أسماء هؤلاء الأئمة:
1- علي بن أبي طالب رضي الله عنه، استشهد سنة 40 هـ
2- الحسن بن علي رضي الله عنه (3 – 50 هـ) .
3- الحسين بن علي رضي الله عنه (4- 61 هـ) .
4- علي زين العابدين بن الحسين (38- 95 هـ) ويلقبونه بالسجاد.
5- محمد بن علي زين العابدين (57- 114 هـ) ويلقبونه بالباقر.
6- جعفر بن محمد الباقر (83- 148 هـ) ويلقبونه بالصادق.
7- موسى بن جعفر الصادق (128- 183 هـ) ويلقبونه بالكاظم.
8- علي بن موسى الكاظم (148- 203 هـ) ويلقبونه بالرضا.
9- محمد الجواد بن علي الرضا (195- 220 هـ) ويلقبونه بالتقي.
10- علي الهادي بن محمد الجواد (212- 254 هـ) ويلقبونه بالنقي.
11- الحسن العسكري بن علي الهادي (232- 260 هـ) ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر.
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء. وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا، وأنه من اختراعات الشيعة.
وينظر: الموسوعة الميسرة (1/51) .
قال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (1/177) : " وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس، وهذيان في النفوس، لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر " انتهى.
ويُقّسِّم ابن تيمية رحمه الله الأئمة الاثنى عشر إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين رضي الله عنهم وهم صحابة أجلاء، لا يُشَكّ في فضلهم وإمامتهم، ولكن شَاركَهُم في فضل الصحبة خلق كثير، وفي الصحابة من هو أفضل منهم بأدلة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر، وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم. منهاج السنة: (2/243،244) .
القسم الثالث: علي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي بن موسى الجواد، وعلي بن محمد بن علي العسكري، والحسن بن علي بن محمد العسكري، وهؤلاء يقول عنهم شيخ الإسلام: " فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين، وأما ما يختص به أهل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده " منهاج السنة (6/387) .
القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر، وهذا لا وجود له كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1162)
حكم القومية العربية، وحكم الانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرتد من سئل " أيهما أفضل عندك نبيك صلى الله عليه وسلم أم لغتك؟ " فأجاب: " لغتي "! ؟ وهل يرتد إن قال ذلك مازحا أو جاهلا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لسنا ندري حقيقة المقارنة والمفاضلة بين " حسي " و " معنوي "، فكيف يقول المجيب إن " اللغة " – وهي شيء معنوي، ليس بذات – أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – وهو شيء حسي، له ذات -؟ .
وعندما تأملنا وجدنا أن الأمر قد يحتمل صورتين، واحدة تتعلق بالسائل، وأخرى تتعلق بالمجيب.
أما التي تتعلق بالمجيب: فهو أنه يحتمل أن " اللغة " تعني: القومية العربية - والظاهر أنهم عرب، وأن الكلام عن اللغة العربية -، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعني " الإسلام "، وهذا الاحتمال يجعل المقارنة والمفاضلة بين شيئين يمكن السؤال والإجابة عنهما.
وأما التي تتعلق بالسائل: فهو أن يكون أراد أن يستفز السائل بالإنكار عليه في تعظيم " لغته " بذِكر شيء معظَّم عند المسلمين، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله إن كانت لغته أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
إن كان الاحتمال الأول هو الصواب: فإن المجيب وقع في الكفر، فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر، وتطعن في التشريعات الإسلامية، وتفرِّق بين المسلمين، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته.
قال شاعر القومية: فخري البارودي:
بلادُ العرب أوطاني من الشام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مصرَ فتَطوان
فلا حدٌّ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا
لسانُ الضاد يجمعنا بغسّانٍ وعدنانِ
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر، أو اللغة مقدَّم على الانتساب إلى الدين , وهذه الجماعات تدعي أنها لا تعادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه، ما رأيكم في هذه الدعوى؟ .
فأجاب:
هذه دعوة جاهلية، لا يجوز الانتساب إليها، ولا تشجيع القائمين بها , بل يجب القضاء عليها؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها , وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة، وأدباً، وخلقاً , وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها، وأدبها، وخلقها , ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه.
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد للإسلام وأهله , وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته: " نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 173) .
والكتاب موجود بكامله في " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 280 – 318) .
وقال الشيخ – رحمه الله – أيضاً:
إن من أعظم الظلم، وأسفه السفه , أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية , وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام , وأن يقارن بينها وبينه؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام، والتنكر لمبادئه، وتعاليمه الرشيدة , وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل , وعتبة بن ربيعة , وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها , وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان , دعاته وأنصاره هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق , وعمر ابن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من الصحابة، صناديد الإسلام، وحماته الأبطال , ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها , وهؤلاء رجالها، وبين دين هذا شأنه، وهؤلاء أنصاره ودعاته , إلا مصاب في عقله , أو مقلد أعمى , أو عدو لدود للإسلام، ومن جاء به، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر , أو بين الرسل والشياطين , ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر , وسبر الحقائق والنتائج: ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام: أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار , وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم , في دار الكرامة والمقام الأمين؟ .
اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 320، 321) .
وهذان جوابان نافعان من الشيخ رحمه الله حول المقارنة بين القومية العربية والإسلام، وفي الجواب الثاني حكم من قارن بينهما، وفيه ذكر أنه " مصابٌ في عقله "، أو " مقلِّد أعمى "، أو " عدو لدود للإسلام ".
فمن كان يهل حال القومية: فقد يكون معذوراً، ومن جهل حال الإسلام واعتقد أن غيره من الأديان والنظم والمبادئ خير منه: فلا شك في كفره.
ثالثاً:
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع: فإن السائل يكون أساء في ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة، والمجيب قد أساء أكثر بإجابته السخيفة، والتي هي كفر في ذاتها؛ لأن فيها انتقاصاً من النبي صلى الله عليه وسلم، وإساءة له.
والواجب على المسلم أن يعظِّم نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ينصره، ويؤيده، وأن يمنعه من كل ما يؤذيه، كما يجب عليه توقيره وتكريمه، والله تعالى ذكر ذلك أنه من صفات المؤمنين، وذكره ثانياً آمراً به المسلمين.
قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/من الآية 157.
وقال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً) الفتح/ 8، 9.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره فقال: (وتعزِّروه وتوقروه) الفتح/ 9، والتعزير: اسم جامع لنصره، وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه.
والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة، وطمأنينة، من الإجلال والإكرام، وأن يعامَل من التشريف، والتكريم، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار.
" الصارم المسلول " (1 / 425) .
وليس تعظيمه وتوقيره مختصاً بحياته صلى الله عليه وسلم، بل وبعد مماته.
قال القاضي عياض – رحمه الله -:
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره، وتعظيمه: لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، ومعاملة آله، وعترته، وتعظيم أهل بيته، وصحابته.
" الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 40) .
وقد نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما يفعلونه مع بعضهم، وهذا من أوجه تعظيمه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63.
قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير.
وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد.
وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه.
هذا قول، وهو الظاهر من السياق، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) البقرة/104، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) الحجرات/2-5.
فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام معه، وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته.
" تفسير ابن كثير " (6 / 88، 89) .
وقد توعَّد الله تعالى مَن رفع صوته على نبيه بذهاب عمله وبطلانه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات/2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، أي: لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك محذوراً، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب، وقبول الأعمال.
" تفسير السعدي " (ص 799) .
وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو انتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، سواء بالتصريح أو الإشارة.
قال القاضي عِياض – رحمه الله -:
اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع مَن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسَبِه، أو دينه، أو خَصْلة من خصاله، أو عَرَّض به، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له، أو الازدراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، أو العيب له: فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ، يقتل، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دعا عليه، أو تَمنَّى مَضَرَّة له، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام، وهَجْر، ومُنْكَر من القول وزور، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه.
وقد انعقد على هذا إجماع العلماء، وأئمة الفتوى، من لَدُنْ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى يومنا، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 214) .
رابعاً:
الأقوال والأفعال التي تخرج صاحبها من الإسلام يستوي فيها حكم الجاد والمازح والمستهزئ. قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة:65-66
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر "
" الصارم المسلول" (1/37)
فانصح – أيها السائل الكريم – هذا الرجل، وخوفه من الله عز وجل، وبين له شناعة ما قال، وان دين الله تعالى ليس محلاً للجدال والخصام، أو السخرية والاستهزاء، وأعلمه ما يجب عليه من التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، والندم على ما بدر منه والاستكثار من الخيرات، عسى الله أن يهديه ويعفو عنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1163)
التفصيل في فرق الشيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن بحاجة ماسة لمعرفة أوجه الخلاف بين أهل السنة والشيعة، نرجو توضيح عقائدهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الشيعة فرق كثيرة وفيهم الكافر الذي يعبد علياً ويقول: يا على، ويعبد فاطمة والحسين وغيرهم.
ومنهم من يقول: جبريل عليه الصلاة والسلام خان الأمانة وأن النبوة عند على وليست عند محمد.
وفيهم أناس آخرون، منهم الإمامية ـ وهم الرافضة الاثنا عشريةـ عُبَّاد علي ويقولون: إن أئمتهم أفضل من الملائكة والأنبياء.
ومنهم أقسام كثيرة وفيهم الكافر وفيهم غير الكافر، وأسهلهم وأيسرهم من يقول على أفضل من الثلاثة (أبوبكر وعمر وعثمان) وهذا ليس بكافر لكن مخطئ، فإن علياً هو الرابع، والصدّيق وعمر وعثمان هم أفضل منه، إذا فضله على أولئك الثلاثة فإنه قد أخطأ وخالف إجماع الصحابة ولكن لا يكون كافراً، وهم طبقات وأقسام ومن أراد ذلك فليراجع كلام الأئمة، مثل الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب أخرى أٌلفت في ذلك "كالشيعة والسنة "لإحسان إلهي ظهير، وغير ذلك كتب كثيرة فى مثل هذا الباب نوعت وبينت أغلاطهم وشرهم نسأل الله العافية.
ومن أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويقال لهم الرافضة، لأنهم رفضوا زيد بن علي لما أبى أن يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر وخالفوه ورفضوه، فما كل من ادعى الإسلام يسلم له بأنه أصبح مسلماً، من ادعى الإسلام ينظر في دعواه، فمن عبد الله وحده، وصدّق رسوله، وتابع ما جاء به فإن هذا هو المسلم، وأما إذا ادعى الإسلام وهو يعبد فاطمة ويعبد البدوي ويعبد العيدروس وغيرهم فهو ليس بمسلم، نسأل الله السلامة والعافية وهكذا من سبٌ الدين أو ترك الصلاة ولو قال: إنه مسلم ما يكون مسلماً، أو استهزأ بالدين أو استهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بمحمد عليه الصلاة والسلام أو كذبه، أو قال: إنه جاهل أو قال: إنه ما أتم الرسالة ولا بلغ البلاغ المبين، كل هؤلاء كفرة، نسأل الله العافية" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/257) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1164)
الفرقة الناجية
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة، واشتبه على كثير من الناس الأمر، فماذا نفعل؟ خاصة أن هناك فرقا تنتسب للإسلام كالصوفية والسلفية ونحو ذلك من الفرق فكيف نميز بارك الله فيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة- يعني كلها في النار إلا واحدة وهم أتباع موسى- وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- والمعنى أن كلها في النار إلا واحدة وهم التابعون لعيسى عليه السلام- قال وستفترق هذه الأمة- يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: يا رسول الله، من هي الفرقة الناجية؟ قال: الجماعة) وفي لفظ: (ما أنا عليه وأصحابي) رواه ابن ماجة (3992) .
هذه هي الفرقة الناجية، الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليه، وساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح، وساروا على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة، وكل فرقة تخالفهم فهي متوعدة بالنار.
فعليك أن تنظر في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية، فتنظر أعمالها؟ فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة الناجية، وإلا فلا،
والمقصود أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة، فمن كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه داخلة في الفرقة الناجية، ومن كانت بخلاف ذلك كالجهمية والمعتزلة والرافضة والمرجئة وغير ذلك. وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع.
وكل فرقة عندها شيء يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه، وترجع إلى الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا تنجو من الوعيد، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ولم تستقم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة، وليست كلها كافرة، إنما هي متوعدة بالنار، فقد يكون فيها من هو كافر لفعله شيئا من الكفر، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعد بالنار، بسبب ابتداعه في الدين، وشرعه في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى. انتهى
فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1165)
صديقه مبتدع أدخل في قلبه بغض بعض الصحابة فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق من أحد الفرق الضالة وكان يحدثني عن بعض القصص التي حدثت بين الصحابة رضي الله عنهم وكان ينتقص بعض الصحابة من خلال القصص بشكل غير علني وكنت أستمع إليه مجاملة له وأنا في نفسي أعلم أنه كاذب ولكن مع مرور الأيام عندما أسمع أسماء بعض الصحابة أجد في نفسي عليهم حنقا لم أجده من قبل أن أستمع إلى هذا الضال سؤالي: هل من نصيحة لي لكي أعيد تعظيم الصحابة وعدم الشك فيهم في نفسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته من وجْدك وحنقك على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو أثر من آثار صحبة هذا المبتدع، وهو دال على فقه السلف في تحذيرهم من مجالسة أهل البدع، وتشديدهم في ذلك.
كان أبو قلابة رحمه الله يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ".
وقال أبو إسحاق الهمداني: " من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ".
ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر نحدثك، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومن عني أو لأقومنَّ، فقام الرجلان فخرجا.
وقال الفضيل بن عياض: " لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ".
وقال محمد بن النضر الحارثي: " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم أنه صاحب بدعة، نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه ".
وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا. قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب.
وانظر هذه الآثار في "الشريعة" للآجري، و"أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي.
قال الآجري رحمه الله في كتابه "الشريعة": " باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. فإن قال: فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاما يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا. وهذا الذي ذكرته لك لقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال الذهبي رحمه الله: " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء (7/261) .
فما حصل لك أيها الأخ الكريم هو بسبب تفريطك، وتساهلك في الجلوس مع هذا المبتدع، حتى أوغر صدرك على أفضل الخلق بعد الأنبياء، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فلا يطعن فيهم إلا شقي محروم.
وقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2340)
وأما سبيل الإصلاح لقلبك، فبالتوبة إلى الله تعالى، وبالإقبال على القرآن والسنة وكتب السيرة، وسترى فيها ثناء الله تعالى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعلم كم ضحى هؤلاء بأنفسهم وأموالهم حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم.
ولعلك ترجع إلى كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم أو من غيره من كتب السنة، ليزداد حبك وتعظيمك لصحابة رسولك صلى الله عليه وسلم.
ومن الكتب المختصرة الجامعة التي نوصيك بقراءتها: كتاب الصحيح المسند من فضائل الصحابة للشيخ مصطفى العدوي، وكتاب: صور من حياة الصحابة للأستاذ عبد الرحمن رأفت الباشا.
ولتعلم أن عامة ما يقوله أهل البدع عن الصحابة كذب وافتراء، ناتج عن تعصب مقيت وحقد أعمى ونفوس مريضة، صورت لهم أن الصحابة أناس يتقاتلون على الدنيا، ويلهثون وراءها، ويكيدون المكائد، ويدبرون المؤامرات، وكما قيل قديما: كل ينظر بعين طبعه، فنفوسهم الحاقدة اللاهثة خلف الدنيا، صورت لهم أن الصحابة مثلهم، والواقع أن الصحابة طراز فريد، وجيل متميز، وصفوة مختارة، لأنهم نتاج مدرسة عظيمة، وتربية مستقيمة، وصحبة مباركة، تلقوا فيها العلم والخلق على يد أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن الطعن في هؤلاء الصحابة، طعن في نبيهم الذي اختارهم، وقرّبهم، وصاهرهم، بل طعن في الله تعالى الذي رضي أن يكون هؤلاء جلساءَ نبيه، وحملةَ دينه، وكتبةَ وحيه.
نسأ الله تعالى أن يشرح صدرك، ويطهر قلبك، ويملأه محبة لدينه وكتابه، ونبيه وأصحابه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1166)
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان، والجهلة من المسلمين، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية، وأن حجتهم داحضة.
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه: كم ركعة أصلي الظهر؟ وكم هو نصاب الزكاة؟ وهذا سؤالان يسيران، ولا غنى بمسلم عنهما، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة، وأمره بالزكاة، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية؟ إن هذا من المحال، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "، كما في " البحر المحيط " للزركشي (6 / 11) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 307) عن التابعي مكحول.
ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم.
ثانياً:
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم: أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وبالانتهاء عما نهى عنه، وبطاعته، وقبول حكمه، ومن ذلك:
قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر: من الآية7.
وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النور/54.
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) النساء/من الآية64.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65.
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها؟ .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم؟ وما عددها؟ وما أوقاتها؟ وما شوطها؟ وما مبطلاتها؟ وقل مثل ذلك في الزكاة، والصيام، والحج، وباقي شعائر الدين وشرائعه.
وكيف سيطبق قول الله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38؟ فكم هو نصاب السرقة؟ ومن أين تُقطع اليد؟ وهل هي اليمين أم الشمال؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود.
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
وقال الشافعي في " الرسالة " - في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه: كالحج، والصلاة، والزكاة: لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة: كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله.
" البحر المحيط " (6 / 7، 8) .
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن، ومن أعظم المنسلخين عن الدين؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر، أو أنه يفعلها فيتناقض!
ثالثاً:
والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده، بل هي القرآن والسنَّة، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن، بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة.
قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) المائدة/من الآية3.
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) أي: أكملت لكم الأحكام، لا القرآن؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام.
" المنثور في القواعد " (1 / 142) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) .
" إعلام الموقعين " (1 / 250) .
رابعاً:
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى، وفي كونها حجة، وفي كونها ملزمة للعباد، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن، بل في القرآن إشارة لحلِّه، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح.
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ) .
رواه أبو داود (4604) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود.
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى:
عن عبد الله قال: " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر/7؟ ، قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا.
رواه البخاري (4604) ، ومسلم (2125) .
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى، ولا يعرفون غيره، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن.
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنَّة تفسر القرآن.
وقال أيوب السختياني: إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال: دعنا من هذا، حدِّثنا من القرآن: فاعلم أنه ضال مضل.
وقال الأوزاعي: قال الله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) ، وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه) .... .
وقال الأوزاعي: قال القاسم بن مخيمرة: ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام: فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال: فهو حلال إلى يوم القيامة.
انظر: " الآداب الشرعية " (2 / 307) .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -:
قال الحافظ الدارمي: يقول: (أوتيت القرآن , وأوتيت مثله) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب.
وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة ": " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " , وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم ": قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله) ، قال الحافظ: وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا: نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه: لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال. انتهى.
وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها: آي.
" البحر المحيط " (6 / 7، 8) .
خامساً:
قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن، ومنها: أنها تأتي موافقة لما في القرآن، وتأتي مقيدة لمطلقه، ومخصصة لعمومه، ومفسرة لمجمله، وناسخة لحكمه، ومنشئة لحكم جديد، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل:
المنزلة الأولى: سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.
المنزلة الثانية: سنَّة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله منه، وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فتبيِّنه بياناً مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة.
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال: بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه.
والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده؟! .
ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية.
وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية، أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل.
حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم (لا نُورث ما تركنا صدقة) وقالوا: هذا حديث يخالف كتاب الله، قال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) .
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله (ليس كمثله شيء) .
وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن.
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) .
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن.
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن.
فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها، وإما أن يطرد الباب في قبولها، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود -: فتناقض ظاهر.
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك.
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً) الآية.
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها: فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه؟ .
" الطرق الحكمية " (65 – 67) .
وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان " منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن "، وفيها:
تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته، واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس، فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) النحل/44، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان:
الأول: بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك) المائدة/67، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه: فقد أعظم على الله الفرية "، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان -، وفي رواية لمسلم: " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الأحزاب/37.
والآخر: بيان معنى اللفظ، أو الجملة، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة، أو العامة، أو المطلقة، فتأتي السنَّة، فتوضح المجمل، وتُخصِّص العام، وتقيِّد المطلق، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفعله وإقراره.
وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة/38، مثال صالح لذلك، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً) - أخرجه الشيخان -
كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل، كما هو معروف في كتب الحديث، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) النساء/43 والمائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (التيمم ضربة للوجه والكفين) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة:
1. قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام /82، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس بذلك، إنما هو الشرك؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان: (إن الشرك لظلم عظيم) لقمان/13؟) أخرجه الشيخان وغيرهما.
2. قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) النساء/101، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال: (صدقة تصدَّق الله بها عليكم فقبلوا صدقته) - رواه مسلم -.
3. قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) المائدة/3، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك، والكبد والطحال، من الدم حلال، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحوت - أي: السمك بجميع أنواعه -، والكبد والطحال) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي -.
4. قوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به) الأنعام/145، ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير حرام) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية؛ فإنها رجس) - أخرجه الشيخان -.
5. قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الأعراف/32، فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال: (هذان حرام على ذكور أمتي، حلٌّ لإناثهم) - أخرجه الحاكم وصححه -.
والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه.
ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة.
" منزلة السنة في الإسلام " (ص 4 – 12) .
وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال.
وبه يتبين:
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به.
وأمر أخير:
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن: فإننا نقول: إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة! فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59، فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية؟ إن قبلها: رجع إلى السنَّة فبطل قوله، وإن لم يرجع: فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة.
والحمد لله رب العالمين
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1167)
دفاع عن الشيخ أحمد ديدات رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطمئن بخصوص الداعية " أحمد ديدات " يرحمه الله، حيث علت أصوات تتهمه بأنه كان من طائفة الأحمدية والتي مقرها الرئيس باكستان، ويستشهدون بما قد يورده الشيخ أحيانا في مناظراته من النظرية التي تقول بأن المسيح صلب ولكنه لم يمت على الصليب، وإنما أغمي عليه فحسب، ولكنه مات بعد ذلك في حادث عرضي ثم رفعت روحه إلى السماء.
أود أن أعرف ما هي وجهة نظر الداعية المعروف " أحمد ديدات "؟ وهل تلك الاتهامات صحيحة؟ حيث إني من محبي الشيخ عليه رحمة الله، وأتابع بشغف مناظراته، ومؤلفاته، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ولد الشيخ أحمد حسين ديدات في مدينة " سيرات " بالهند عام 1918 م , وقد هاجر والده إلى دولة " جنوب أفريقيا " بعد وقت قصير من ولادته، وعندما بلغ تسع سنوات ماتت والدته، فلحق بأبيه إلى جنوب أفريقيا حيث عاش هناك بقية عمره.
وفي جنوب أفريقيا خرج الشيخ أحمد ديدات إلى العالم في أول مناظرة عالمية عام 1977 م بقاعة ألبرت هول في " بريطانيا "، وقد ناظر كبار رجال الدين النصراني أمثال: كلارك –، وجيمي سواجارت، وأنيس شروش، وغيرهم، وقد انتفع بها المسلمون فثبت اعتقادهم بالإسلام والقرآن، وعرفوا التحريف والكذب في الأديان المحرفة، كما انتفع بها بعض من منَّ الله عليه بالهداية من النصارى.
وفي يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005 م توفي الداعية والشيخ المجاهد أحمد ديدات، وقد لاقى ربَّه عن عمر يناهز (87) عاماً بمنزله في منطقة " فيرولام " بإقليم " كوازولو ناتال " بجنوب إفريقية بعد صراع طويل مع المرض.
ثانياً:
وأما اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام: فهو اعتقاد دليله الكتاب والسنَّة، فالمسيح عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، ويعتقد المسلمون بأن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إلى السماء حياً، وأنه لم يصلب ولم يُقتل، وأنه باقٍ حيّاً فيها إلى قرب قيام الساعة، وأنه سينزل إلى الأرض فيقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم بالشريعة الإسلامية، ثم يموت – عليه السلام – كسائر البشر.
قال الإمام أبو محمد عبد الحق بن عطية - رحمه الله -:
وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، ويظهر هذه الملة - ملة محمد - ويحج البيت ويعتمر،......ثم يميته الله تعالى.
" المحرر الوجيز " (3 / 143) .
ويقول السفاريني – رحمه الله -:
فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل، ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء.
" لوامع الأنوار البهية " (2 / 94، 95) .
ثالثاً:
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص.
ويعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي مستمرة، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن " غلام أحمد " – مؤسس القاديانية ولد عام 1839 م، وتوفي عام 1908 م - هو أفضل الأنبياء جميعا!!
ويعتقدون أن جبريل كان ينزل على " غلام أحمد "، وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
وانظر تفصيل اعتقادهم وبيان كفرهم في جواب السؤال رقم (4060) .
رابعاً:
أما قول الأحمدية - القاديانية – في المسيح عليه السلام: فهو أنهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام صُلِب ولم يمت على الصّليب، لكنه أُغمِي عليه، ودُفن، ثم هرب من قبره إلى " كشمير "! ومات هناك ميتة طبيعية، وقبره هناك موجود.
وهم يؤولون الرفع على أنه مجازي لا حقيقي , أي: رفع المكانة والمنزلة لا رفع البدن.
وقد جاء اعتقادهم هذا في رسالتين لهم الأولى بعنوان: " المسيح الناصري في الهند "، وهي من تأليف ميرزا غلام أحمد نفسه، والثانية بعنوان " وفاة المسيح ابن مريم والمراد من نزوله "، وهي من نشر " الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية "، وقد وضعوا على غلافها صورة مزعومة لقبر عيسى عليه السلام في " سري نغر " بكشمير الهند.
وقد قالوا في (ص 2) : إن عيسى عليه السلام لم يُرفع حيّاً، ولم يُلق شبهه على أحد، وإنما عُلق على الصليب بضع ساعات، ولما أُنزل كان في حالة إغماء شديد حتى خُيل إليهم أنه قد مات، ثم بعد واقعة الصلب هاجر من فلسطين إلى البلاد الشرقية: العراق، وإيران، وأفغانستان، وكشمير، والهند، وعاش عشرين ومائة سنة.
وقد ادعى ميرزا غلام أحمد القادياني كذباً وزوراً بأن الله أوحى له بهذا التفسير، وهو قول بعض النصارى من قبله، والظاهر أنه سرق الفكرة منهم.
وغرض القاديانية من نشر هذا الاعتقاد في المسيح عيسى عليه السلام: تسهيل ادعاء أن الأحاديث الواردة في نزول المسيح وخروج المهدي آخر الزمان هي في خروج القادياني الكذاب ميرزا غلام أحمد.
وقد صرحت الرسالة المشار إليها بذلك إذ جاء فيها (ص 6) :
فالمراد من نزول عيسى ابن مريم: بعثة رجل آخر من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يشبه عيسى ابن مريم في صفاته وأعماله وحالاته، وقد ظهر هذا الموعود في قاديان الهند باسم: ميرزا غلام أحمد ... إماماً مهديّاً، وجعله الله مثيل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فكان هو المسيح الموعود، والإمام المهدي للأمة المحمدية الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثته قائلا: (لا المهدي – كذا، والصواب: مهدي - إلا عيسى) ابن ماجه، كتاب الفتن. انتهى.
وفي اعتقاد المسلمين: أن عيسى عليه السلام نبي مرسل، وأن المهدي مسلم مصلح لا نبي ولا رسول، وأن خروج المهدي من علامات الساعة الصغرى، ونزول عيسى عليه السلام من علامات الساعة الكبرى، وبينهما فرق لا يخفى على أحدٍ.
والحديث الذي استدلوا به: (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح، بل هو حديث منكر، حكم بنكارته جمع من الأئمة، منهم النسائي والذهبي والألباني، وضعفه الحاكم والبيهقي والقرطبي وابن تيمية، بل حكم بوضعه الصغاني.
وانظر: " منهاج السنة " (8 / 256) ، و " الصواعق المحرقة " للهيتمي (2 / 476) ، و " السلسلة الضعيفة " (77) .
خامساً:
وأما أن الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – كان يقول بقول القاديانية: فهذا أبعد ما يكون عن الحق، وهو محض افتراء على الشيخ، وذلك من وجوه كثيرة:
1. مناظرات الشيخ وكتبه ومقالاته أكثر من أن تحصى، وليس فيها دعوة للدين القادياني ولا ثناء على زعيمه ولا أتباعه، ولو كان على طريقتهم لم تخلُ كتبه من ذلك.
2. والقاديانية ألغت الجهاد من دينها، فمن دعا إلى مثل ما دعا إليه القاديانيون فهو منهم، وحاشا الشيخ أحمد ديدات أن يكون واحداً منهم، بل كان ينادي بالجهاد، ويرى أن السيف والقرآن هما سبيل عزة هذه الأمة.
قال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -:
سلاحنا الوحيد في مواجهة هذا الخطر الداهم المفزع المروع المسمى بالتبشير: هو القرآن، وحمل السيف في سبيل الله لمواجهة هذا الخطر الداهم، إنها مقولة مصيرية بين الإيمان والإلحاد , بين الإسلام وقوى الطغيان , بين العدل والجور , بين النور والظلمات , بين الحق والضلال , فلا ينفع ولا يجدي في هذه المعركة إلا السيف والقرآن يتعانقان حتى يقيم السيف ما تُرك من القرآن، ويسود الإسلامُ العالمَ أجمع، ويعود المسلمون إلى رشدهم لمواجهة هذا الخطر الكامن في الصليبية والصهيونية العالمية.
" حوار مع مبشر " (ص 30) المختار الإسلامي.
3. لا ترى القاديانية الصلاة والصوم والحج على ما جاءت به شريعتنا، بل لها عندهم معانٍ أُخر، كما أنهم يرون أن كل من ليس قاديانيا فهو كافر، ولا يبيحون للقادياني أن يتزوج من غيرهم، كما أنهم يبيحون الخمر والمسكرات، فهل كان الشيخ أحمد ديدات على مثل ما كان عليه أولئك الكفار؟ اللهم لا.
أ. فالشيخ له كتاب نافع بعنوان " مفهوم العبادة في الإسلام " طبعة " المختار الإسلامي "، وقد ذكر فيه ما يتعلق بعبادات المسلم من صلاة وزكاة وصيام وحج , بآيات وأحاديث، تدل على سعة علمه، وعلى حسن اعتقاده.
ب. وقد كان الشيخ متزوجاً من امرأة مسلمة فاضلة، تخدم الإسلام، وتعينه على الدعوة إلى الله، وهي الأخت " حواء " , ولو صحَّ ما نسب للشيخ من كونه قاديانيا لكان متزوجاً من كافرة، وهو لا يجوز عندهم، بل يراه بعضهم كفراً.
ج. وأما بالنسبة لحرمة الخمر والمخدرات: فالشيخ له كتاب نافع قوي، وهو بعنوان " الخمر بين المسيحية والإسلام " وقد نصر فيه الإسلام وأحكامه بنقله لتحريم الخمر والمسكرات من الكتاب والسنَّة.
ومما جاء في الكتاب:
" الإسلام هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي يحرم المسكرات بالكامل , وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) , فلا يوجد عذر في دار الإسلام لمن يرشف رشفة، أو يتناول جرعة من أي شراب مسكر , إن القرآن الكريم - كتاب الحق - حرم بأشد العبارات ليس فقط الخمر وما تجلبه من شرور: بل إنه حرم الميسر " القمار " و " الأنصاب " - التي كانوا يذبحون عندها - و " الأزلام " - التي كانوا يقتسمون بها -، أي: أنه حرم الخمر، وعبادة الأوثان والأصنام، والعرافة - أو معرفة البخت -، وقراءة الطالع في آية واحدة , قال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة/90.. .
إن هذا التوجيه الصريح البسيط قد جعل من الأمة الإسلامية أكبر تجمع من الممتنعين امتناعاً تامّاً عن المسكرات في العالم ".
" الخمر بين المسيحية والإسلام " (ص 18) طبعة " المختار الإسلامي ".
4. ويعتقد القاديانيون بموت المسيح عليه السلام بعد أن صُلب بمدة، وهم يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد هو المسيح وهو المهدي – كما سبق -، فهل كان الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – على هذه العقيدة؟ اللهم لا.
وهذا سؤال وجِّه للشيخ من رجل قادياني حول ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعقيدة القاديانية، ولنقرأ ماذا قال الشيخ – رحمه الله -:
لأخ يسأل هل أؤمن بأنّ نبيّنا الكريم محمَّداً صلّى الله عليه وسلّم خاتم النّبيّين؟ هل هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء؟ أقول: نعم , لكنّ اقاديانية يقولون بأنّ المسيح يعود في آخر الزّمان , ولذلك فإنّ محمَّداً ليس خاتم الأنبياء , هذا هو السّؤال؟ فكيف نجيب؟ .
إنّ الذي أخذ لقب خاتم الأنبياء لا يمكن أن يُنزَع هذا اللّقب منه أبداً , فلو أنّني قلتُ إنّني سأعطي لآخر مائة رجل هديّةً , فيأتي الواحد تلو الآخر , ثمّ يأتي آخر رجل ويأخذ هديّته وجائزته , الآن عندما يرجع أحد الرّجال مرّة أخرى بعد أن يأخذ الأخير جائزته: فإنّه لا يمكنه أن يأخذها منه.
نبيّنا محمّد صلّى عليه وسلّم أخذ لقبه , وهو آخر الأنبياء، وخاتم المرسلين , والقرآن آخر الكتب المنزّلة من عند الله , لا نحتاج أيّ إضافة , فلا نحتاج رسولاً آخر , ولا نحتاج كتاباً آخر , ذاك الرّجل – وهو السائل القادياني - لأنّه يريد أن يجعل صاحبه " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح في رجوعه الثّاني: فلهذا السّبب كلّ هذا يثار الآن , يريد أن يربط ميرزا غلام أحمد مع ديدات!! من أجل أن يأخذ مكانة المسيح عليه السّلام في عودته الثّانية , من أجل أن يعتبر " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح عليه السّلام , فلذلك يريد أن يقتل المسيح - أي: يقول بأنه قد مات - , ويريد أن يثير كلّ هذا , الآن ماذا يريد من كلّ هذا؟ إذا أردتَ أن تعمل من أجل الإسلام , حسنًا , انظر، النّصارى حولك بالملايين، لكنّ الظّاهر أنّه ليس مهتمًّا بالنّصارى , هو مهتمّ بكم أنتم – أي: بالمسلمين - , إذا أردت أن تمارس الدّعوة: اذهب ومارس الدّعوة على اليهود والنّصارى والهندوس , إنّهم بالملايين حول العالم , لماذا تريد فتح صراع معي؟ إنّني مسلم، أؤمن بالله، وبرسوله، وبالقرآن الكريم , إنّك تضيّع وقتك معي.
" محاضرة في مسجد جامعة " ألقاها خلال زيارته إلى كينيا سنة 1993 م.
5. ومما يؤكد ما قلناه من نفي اتهام الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – بالقاديانية: كتابته لشهادة يثبت فيها إسلامه، ويكفِّر فيها الميرزا غلام أحمد القادياني، بل ويكفِّر أتباعه، وينفي فيه توزيعه أو توزيع مركزه لبعض تفاسيرهم.
فقد راجت إشاعات في بلده - جنوب إفريقيا - بأنه قادياني، وأنه كان يوزع تفسير القرآن للمدعو " محمد أسد "، مما اضطر الشيخ أحمد ديدات أن يصدر توضيحاً حول هذا الأمر بتاريخ 23 / 7 / 1987 م أكد فيه تكفيره لميرزا غلام أحمد القادياني، كما أعلن تكفيره لكل أتباعه.
وهنا تجدون صورة البراءة من القاديانية وتكفير زعيمها وأتباعه:
http://www.ahmed-deedat.net/Files/Articles/Website/B01.jpg
وهذا نص ترجمتها:
مركز الدعوة الإسلامي العالمي
إشهار
أنا " أحمد حسين ديدات " , رئيس مجلس الدعوة الإسلامية , أشهد هنا أمام الله , وأنا في كامل الأهلية التامة لشهادة أن لا اله الا الله , محمد رسول الله.
إنني أومن أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو النبي والرسول الخاتم، وأنه لا نبي ولا رسول بعده.
إنني أومن أن ميرزا غلام أحمد القاديانى ما هو إلا دجال كافر.
إنني أومن أن أولئك الذين يقبلونه كنبي أو رسول أو مجدد أو حتى إنه رجل عظيم: أنهم كافرون وخارجون عن حظيرة الإسلام.
إن كتابي " crucifixion or crucifiction " يحوي كلمة أخيرة (الخاتمة) توضح موقفي فيما أعتقده من عودة المسيح مرة ثانية.
إن مركز الدعوة الإسلامية لم ينشر - مطلقًا - ولم يوزع ولم يبع أو يشجع على بيع ترجمة محمد أسد لمعاني القرآن الكريم.
أسأل الله أن يحمينا من مروجي الإشاعات المتاجرين، ومن يعضون من الخلف ومروجي الفساد.
أحمد ديدات.
وما سبق يؤكد أن اتهام الشيخ أحمد ديدات بالقاديانية لم يأتِ إلا من كافر أراد تشويه دين الشيخ وصد الناس عنه بعد أن نجح بإدخال الآلاف في الإسلام، أو من حاسد ساءه ما رأى من تعظيم الناس – خاصتهم وعامتهم – للشيخ، أو من جاهل قرأ أو سمع شيئا من كلام الشيخ – رحمه الله – وأساء الفهم وغلَّب سوء الظن على حسنه.
سادساً:
ما هو موقف الشيخ أحمد ديدات من صلب المسيح عليه السلام وقتله؟.
مما لا شك فيه عندنا أن الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله - ينفي الصلب والقتل معاً عن المسيح عليه السلام، ولا يتجاوز ما جاء في قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/ من الآية 157.
أ. قال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -:
لا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء.
" مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء " (ص 88) دار الفضيلة.
ويجب أن ننبه إلى أن المدعو " على الجوهري " هو مترجم الكتاب السابق – وغيره كذلك – وهو يرى نظرية " الإغماء " التي يقول بها القاديانيون، ويدافع عنها بشدة في تعليقاته على الكتاب، بل ويعيب على المسلمين عدم تبنيها، ويراها غير مخالفة لما جاء في القرآن!
ب. وقال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -:
فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك، فقد ظنوا أنهم فعلوا ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح.. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، هي أنهم لم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوه في عقولهم أنهم فعلوه.
" عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 112) ترجمة محمد مختار.
ج. وقال – رحمه الله -:
إن الذي صُلب هو شخص آخر يشبهه، أما إنجيل " برنابا " فيؤيد النظرية التي تقول إن شخصاً آخر قتل محله على الصليب، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين، فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصاً آخر يشبهه.
" عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 138) .
والقاديانيون يرون أن المسيح عليه السلام صُلب، بينما نجد النص في كتاب الله تعالى على نفيه، وهو ما يقول به الشيخ أحمد ديدات، وهو إن كان يخالفهم في الصلب فكيف سيوافقهم في الموت أو القتل؟! .
د. وفي بداية مناظرة الشيخ – رحمه الله - مع " فلويد كلارك " والتي كانت بعنوان " هل صلب المسيح؟ " بيَّن الشيخ عقيدته الصحيحة في المسيح عليه السلام بذكر الآيات من سورة النساء، ثم أخذ في استخدام أدلتهم ليقيم الحجة عليهم في بطلان عقيدتهم.
ومما جاء في تلك المناظرة قوله:
" بالنسبة للمسلمين: فإن الأمر محسوم، إن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب، فهي نقطة لا يختلف عليها المسلمون، وإن المسيحيين يتبعون الظن، وما قتلوه يقيناً.
وقال:
سنثبت أن المسيح عليه السلام لم يمت على الصليب كما يدعى النصارى لأنه لم يصلب أصلا , وذلك من خلال كتبهم تماشياً مع قول الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم) .
وقال:
ومهما يكن: فهو لم يُقتل ولم يُصلب , وذلك وفقاً لكتاب الله.
هـ. وفي بداية مناظرته - رحمه الله - مع " روبرت دوجلاس " والتي كانت بعنوان " صلب المسيح حقيقة أم خيال؟ " بيَّن الشيخ - رحمه الله – اعتقاده وفق القرآن الكريم.
و. وقال – رحمه الله -:
وهذا يعني أن هؤلاء القوم – أي: اليهود - اعتقدوا أن عيسى كان مدعيّاً للنبوة، وأنهم قتلوه، وتخلصوا منه , ولكن الله سبحانه وتعالى بيَّن لهم أنهم ما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبِّه لهم , فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك , فقد ظنوا أنهم فعلوا ذلك , ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح ... .
وقال:
(وما قتلوه يقينا) لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، وهي أنهم لم يصلبوه، ولم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوا في عقولهم أنهم فعلوه، وهم لم يفعلوا ذلك، هذا ما نؤمن به نحن المسلمين.
" هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة " (ص 111، 112) طبعة " المختار الإسلامي ".
ز. وقال – رحمه الله -:
وهو قوله تعالى (بل رفعه الله إليه) ، وهذا يعنى أن المسيح عيسى عليه السلام لم يذق الموت بل رفعه الله إليه، وأنا أؤمن بعودة المسيح عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة.
" هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 118) طبعة " المختار الإسلامي " ص 118.
والخلاصة:
أنه لا يستغرب اتهام الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – من الكفار بأنه قادياني، وهو الذي يرى كفرهم كلهم، لكن المستغرب أن يأتي حاسد أو جاهل فيأخذ بعض كلام الشيخ ويحمله على أسوء المحامل، وفي أحسن صور ذلك الكلام أنه يكون من المتشابه، وقد نقلنا كثيراً من كلامه المحكم فيما يتعلق بدينه، وموقفه من القاديانية، واعتقاده في صلب المسيح عليه السلام، فكل من يأتي بكلام خلاف هذا فليتق الله تعالى، وليعلم أنه متشابه، فليحمله على المحكم، أو لينتبه فقد يكون الشيخ – رحمه الله – قاله على سبيل التنزل مع الخصم، أو كان يريد محاججة القوم بما عندهم من اعتقاد ليلزمهم به.
ونسأل الله تعالى أن يرحم الشيخ أحمد ديدات، وأن يُكرمه، ويعلي منزلته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1168)
حكم الانتماء إلى الجماعات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[احترت بشأن الجماعات الإسلامية الموجودة حالياً. هل يجب على الشخص أن يتبع أو ينضم لمجموعة ما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على المسلم أن يتبع أحداً بحيث يأخذ كل ما يقول ويعمل به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤخذ من قوله ويترك، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما الانضمام لمجموعة ما، فلا شك أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرا بالجماعة وحثا عليها، قال صلى الله عليه وسلم: (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني. وقال: (َعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) رواه النسائي (847) وحسنه الألباني في صحيح النسائي. وقال: (الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأحاديث في هذا كثيرة.
ولا شك أن تعاون المسلم مع مجموعة من إخوانه على طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وطلب العلم، والتواصي فيما بينهم بالحق والصبر. . . إلخ لا شك أن هذا عمل مشروع، وبذلك يعصم الإنسان نفسه من الشيطان كما دل على ذلك الأحاديث المتقدمة، وهو مما يدخل في قول الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر.
أما إن كان قصد السائل بالانضمام لجماعة ما أن يتعصب لها، فيرى أن هذه الجماعة هي الجماعة الوحيدة التي على الحق، وكل من عداها على الباطل، ويوالي من معه في هذه الجماعة، ويعادي من سواهم (كما هو واقع كثير من أفراد هذه الجماعات اليوم) فإن هذا من الجَوْر الذي يأباه الله ورسوله والمؤمنون، ولا يزيد الأمة إلا تفرقاً وضعفا، بل المؤمن يوالي جميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) المائدة/55. وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات/10. وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) . وكلٌّ من هذه الجماعات (المتفقة على أصول أهل السنة والجماعة) على ثغر من ثغور الإسلام، فليس الحق حكراً على أحد دون أحد، والدعوة إلى الله تحتاج إلى جهود هؤلاء جميعاً وأضعافهم معهم.
فالمؤمن يوالي جميع المؤمنين ويتعاون معهم على طاعة الله تعالى، ولو كانوا بعيدين عنه. ويكف عن معاونتهم على معصية الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الانتماء للجماعات الإسلامية، والالتزام بمنهج جماعة معينة دون سواها؟
فأجاب:
" الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمين ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلاً ولو كان غلطاً، فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطأوا فيه " اهـ. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (8/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1169)
من هي الفرقة الناجية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سمحتم بيان وتوضيح كيفية التفريق بين الفرق التي تدَّعي أنها على المنهج الصحيح، ونحن نعلم أن أهل السنة والجماعة هم الذين على المنهج الصحيح، ولكن هناك بعض المسلمين لا يعلمون ما حكم الطوائف الأخرى، والتي بدأت تنتشر وتعرف في هذا الزمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه، وبما معناه أنه ستوجد طوائف عددها والله أعلم 73 طائفة، وواحدة هي الصحيحة الناجية، فكيف نفرق ونعرف تلك الطوائف، وكيفية الرد عليهم، والابتعاد عنهم وعن تصرفاتهم؟ أرجو الإتيان بالأدلة، والتوثيق من القرآن والحديث للأهمية، فالأكثر لا يعلمون، ونخاف على من أسلم جديدا من الضياع في تلك المتاهات. وجدت سؤالا يتكلم في هذا الصدد في الموقع، ولكن أريد المزيد من التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التفرق والاختلاف في هذه الأمة واقع لا محالة، يشهد له التاريخ، وتشهد له نصوصٌ من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى اختِلاَفًا كَثِيرًا) رواه أبو داود (4067) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة، وتمثل ذلك بظهور الفرق في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، كالمرجئة والشيعة والخوارج.
ثم إن من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل هذا التفرق والاختلاف طارئا على جماعة المسلمين، حادثا على عقيدتهم، متميزا باسمه الخاص وشكله المستقل، فلم تلتبس يوما عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة عموم المسلمين، بعقائد ومناهج الفرق الضالة الأخرى، حتى إن تلك الفرق المخالفة لم تجرؤ على تسمية نفسها بأهل السنَّة والجماعة، وإنما كانت تنتسب إلى بدعتها التي أحدثتها، أو إلى الشخص الذي أسس هذه الفرقة، وتأمَّل ذلك في أسماء الفرق جميعها.
والحديث المشهور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة شاهدٌ على ذلك.
فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)
رواه أبو داود (4597) وغيره وصححه الحاكم (1 / 128) بل قال: إنه حديث كبير في الأصول، وحسنه ابن حجر في " تخريج الكشاف " (63) ، وصححه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (3 / 345) ، والشاطبي في " الاعتصام " (1 / 430) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 199) وتوارد على ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة.
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة، يعني إجماع علماء المسلمين، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم (السواد الأعظم) كما في حديث أبي أمامة وغيره عند ابن أبي عاصم في " السنَّة " (1 / 34) والطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 321) بإسناد حسن لغيره.
وأيضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) ، كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي (2641) وحسَّنه، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 / 432) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 284) ، والألباني في " صحيح الترمذي ".
إذاً فهذه أظهر علامة يمكن للمسلم أن يستدل بها على الفرقة الناجية، فيتبع ما عليه عامة علماء الأمة، الذين يشهد لهم جميع الناس بالأمانة والديانة، ويتبع ما كان عليه العلماء السابقون من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، ويحذر من كل فرقة تتميز عن جماعة المسلمين ببدعة محدثة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" شعار أهل البدع ترك انتحال اتباع السلف " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4 / 155) .
وقال أيضاً (3/346) : "وشعار هذه الفرق – يعني الثنتين وسبعين فرقة المخالفة لأهل السنة والجماعة- مفارقة الكتاب والسنة والإجماع. فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة " انتهى.
فلا يجوز أن يتصور أحد بعد ذلك أن تكون الشيعة مثلا هي الفرقة الناجية، أو منحرفة الصوفية أو الخوارج أو الأحباش، بل هذه فرق حادثة، لا تمثل إلا أفكارا طارئة، ينكرها أهل العلم وعامة المسلمين، ويجدون في قلوبهم نفورا عنها، ولم تكن أفكارها التي تحملها يوما عقيدة عند أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم، كما لم يحمل أفكارهم تلك الإمام أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل، وهل يظن عاقل أن عقيدة غابت عن هؤلاء الأئمة يمكن أن تكون صوابا؟! .
أظن - أخي الكريم - أنه قد ظهر أعظم فرق وأوضح فرق بين أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية) وبين غيرها من الفرق الضالة.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -:
ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة، وهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية، فضلا عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة.
" مجموع الفتاوى " (3 / 346) .
وقد توسع في ذكر سمات الفرق الهالكة الشاطبي في " الاعتصام " (1 / 453 – 460) .
ثانياً:
وقد قرر علماء السنة والجماعة في كتبهم أن الفرق الأخرى هي مِنَ الفرق الضالة الهالكة المبتدعة، وأنها تستحق دخول النار بسبب ما أحدثته في دين الله من أقوال شنيعة، وبدع عظيمة، إلا أنها في غالبها لا تُعتبر كافرة، بل تعد من فرق المسلمين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة: مَن كان منهم منافقاً: فهو كافر فى الباطن، ومن لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله فى الباطن: لم يكن كافراً في الباطن وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وقد يكون فى بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذى يكون صاحبه فى الدرك الأسفل من النار.
ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة: فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة، وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات.
" مجموع الفتاوى " (7 / 218) .
ولا يعني ذلك أن كل فرقة تنتسب إلى الإسلام أنها مسلمة، بل قد تكون كافرة مرتدة كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها، وألحق بعضهم الجهمية بهم، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الإسلام ولا يُعدون من الفرق الواردة في الحديث.
ثالثاً:
مورد الافتراق والاختلاف بين هذه الفرق المقصودة في الحديث هو مسائل الدين الكلية، وأمور العقائد العامة، وليس الاختلاف الفقهي.
يقول الشاطبي – رحمه الله -:
هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب.
" الاعتصام " (1 / 439) .
فإذا تميزت بعض الجماعات الإسلامية عن الأخرى بطريقة معينة في الدعوة والعمل للإسلام، ولم تخالف أهل السنة والجماعة في عقيدتهم: فلا تعد من الفرق الهالكة، بل هي من أهل الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى إذا كانت تتبع ما كان عليه الصحابة والتابعون في العقيدة والعمل.
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تزيد المسألة شرحا وتوضيحا، فانظر:: (206) ، (1393) ، (10121) ، (10554) ، (10777) ، (12761) ، (21065) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1170)
نبذة عن البابية والبهائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن البابية والبهائية وما هي عقائدهم؟ وهل هم مسلمون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله نبذة مختصرة في التعريف بالبابية والبهائية، نقتصر هنا على إيرادها، قال رحمه الله:
"أما بعد: فهذه كلمات مختصرة في التعريف بالبابية والبهائية.
الباب يشار به عندهم إلى شخص جاهل إيراني ينتسب إلى التصوف يدعى: علي بن محمد الشيرازي ويزعم أنه الباب إلى بهاء الله مرزا حسين علي، وأنه الرسول الذي أتاه الوحي من قبل بهاء.
والبابية تنسب إليه، وهو عندما يضيق عليه ويستتاب يتوب من البابية ويعلن أنه جعفري من الطائفة الاثني عشرية الإمامية.
وقد عقد البابيون مؤتمرا عاما في صحراء بدشت لإظهار مذهبهم وبيان البشائر عن الإمام المنتظر الذي يزعمون خروجه.
والبابيون في عقائدهم وآرائهم في الباب لم يكونوا على عقيدة واحدة ولا على رأي واحد في ذلك كما في صفحة 97 من كتاب: (البهائية تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية والصهيونية) لرئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله.
وكان البابيون في مؤتمرهم فريقين أحدهما: تابع لرئاسة البشروئي والقدوس، والثاني: تابع لرئاسة البهاء وقرة العين كما في صفحة 98 من هذا الكتاب، كما كانت منتدياتهم نوعين: نوع خاص بأئمة البابية، والثاني: للعموم، وكان موضع البحث في هذه المنتديات الخاصة هو مسألة نسخ البابية للشريعة الإسلامية، وقد انتهى رأيهم إلى أن الباب أعظم وأجل مقاما من جميع الرسل، وأن ما أوحي إليه من دين هو أتم وأكمل من كل وحي ودين سابق.
وقد خطبت قرة العين في المؤتمر كما في صفحة 99 وصفحة 100 من الكتاب المذكور خطبة شنيعة عند احتجاب البشروئي والقدوس، وتغيب البهاء بعذر المرض خوفا من معرة خطبتها وانتظارا لما سينجم عنها من قبول المؤتمرين لها ومقاومتهم لها. فصرحت في الخطبة المذكورة بأن دين محمد منسوخ كله بالدين الجديد: (دين البهائية) الواصل إلى الأمة من طريق الباب وإن لم يصل منه الآن إلا نزر يسير، وأنهم الآن في وقت فترة، والاشتغال بأحكام الإسلام أمر لا وجه له، وأباحت للناس بل شرعت لهم الاشتراك في أموالهم ونسائهم.
وذكر الوكيل أن هذا هو ما صرح به مؤرخ البهائية في كتابه الكواكب الدرية صفحة 180، 219 وقد صرحت في خطبتها بإنكار البعث.
وقرة العين المذكورة حملت راية مذهبهم والدعوة إليه، وهي القائمة بالفتوى قبل اتصالها بالبهاء فلما اتصلت بالبهاء خضعت له وأسندت الفتوى إليه.
وقد قام البابيون بحركة رهيبة مسلحة سفكوا بها الدماء وقتلوا فيها مئات من الناس، وقامت الدولة الإيرانية ضدهم، وجندت لهم قوة حتى قضت عليهم وفرقت شملهم وقتلت باب الباب البشروئي وصاحبه القدوس وذلك في عام 1265 هـ كما في الكتاب المذكور أعني- كتاب الوكيل- ثم أفتى العلماء بكفر الباب وردته واستحقاقه القتل- أعني علماء الشيعة- فأمرت الحكومة بقتله فقتل على مشهد من الناس، وكان قبل ذلك في القلعة مسجونا.
وقد نوظر أمام العلماء- أعني علماء الشيعة- عدة مرات فافتضح وظهر جهله وغباؤه وكان من أحكم الأسئلة التي وجهت إليه أن سئل عن النقص الذي في الشريعة الإسلامية وعن الكمال الذي أتى به فلم يستطع أن يجد جوابا بل ارتج عليه وانقطعت حجته، فطلب أن يخطب فخطب خطبة باردة لا قيمة لها ولا تستحق أن يصغى لها، ولذلك أفتى العلماء بكفره وإعدامه فأعدم.
(تنبيه) : تقدم أن الباب يعتقد فيه البهائيون أنه المبشر بالبهاء ومحل الوحي والتبليغ فهو بمثابة الرسول عن البهاء- يعتقد البابيون في الباب، وهو علي بن محمد الشيرازي الجاهل المركب الصوفي المخدوع أنه أتم وأكمل هيكل بشري ظهرت فيه حقيقة الإلهية، وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته انظر صفحة 117، رووا عنه أنه قال: كنت في يوم نوح نوحا، وفي يوم إبراهيم إبراهيم، وفي يوم موسى موسى، وفي يوم عيسى عيسى، وفي يوم محمد محمدا، وفي يوم علي عليا إلى أن قال: وسأكون في يوم من يظهره الله من يظهره الله آخر الذي لا آخر له قبل أول الذي لا أول له، كنت في ظهور حجة الله على العالمين.
فاعجب لهذا الهذيان الذي لا يقوله عاقل (شرعة الباب) صفحة 119.
ألغى الباب الصلوات الخمس والجمعة والجماعة إلا في الجنازة، وقرر أن التطهير في الجنابة غير واجب، والقبلة هي البيت الذي ولد فيه بشيراز، أو محل سجنه، أو البيوت التي عاش فيها هو وأتباعه وهي الأماكن التي فرض على أتباعه الحج إليها.
أما الصوم فمن شروق الشمس إلى غروبها، وعدته شهر بابي وهو تسعة عشر يوما، أما الزكاة فخمس العقار يؤخذ في آخر العام ويسلم للمجلس البابي، وهناك شرائع أخرى مضحكة انظرها صفحة 120 من كتاب الوكيل.
البهائية
أما البهاء ويقال له بهاء الدين فهو: مرزا حسين بن علي ابن الميرزا عباس بزرك المازندراني النوري الإيراني ولد بطهران سنة 1233 هـ واشتغل في أثناء عمره بعلم التصوف، وأخذ عن شيوخه خرافاته وإشاراته، ثم انتقل إلى بغداد من طهران زائرا أو طريدا، ثم انتقالات كثيرة من بغداد إلى غيرها، ثم إلى عكا لأمور سياسية ومآرب خاصة ونزاع كثير بين أتباعه من البابية وأتباع أخيه: يحيى بن علي بن ميرزا، بعد هذا كله وبعد تطورات كثيرة ادعى البهاء ما يلي انظر صفحة 143 من كتاب الشيخ: الوكيل. ادعى البهاء أول أمره أنه خليفة الباب أو بمعنى آخر خليفة القائم، ثم زعم أنه هو القائم نفسه، ثم خلع على نفسه صفة النبوة فالألوهية والربوبية زاعما أن الحقيقة الإلهية لم تنل كمالها الأعظم إلا بتجسدها فيه.
هلاك البهاء:
في عنفوان قوته وسلطان دعوته سلط الله عليه الحمى فهلك بها وهو على عقيدته القذرة ودعاويه الباطلة وخرافاته المضحكة المحزنة، وكان هلاكه في ذي القعدة من عام 1309 هـ انظر صفحة 144 من رسالة أبي الفضائل وحاشيتها، أبو الفضائل أحد دعاة البهاء ومروجي نحلته الباطلة.
أسلوب البهاء في الدعوة
صوفي فج يعتمد على التلويحات والرموز وكثرة المصطلحات انظر صفحة 147 من كتاب الوكيل.
كتبه:
أشهرها الإيقان والأقدس. صنف الأول في بغداد وموضوعه إثبات مهدوية الباب وقائميته، وفيه إشارة إلى ما ادعاه البهاء وقد ألف هذا الكتاب تلبية لسؤال من سأله عن شأن الباب، وقد اعترف البهاء في هذا الكتاب بأنه مذنب وعاص في تأليفه هذا الكتاب واشتغاله بمقالاته، فاعجب أيها القارئ بصنع هذا المجرم وسوء التصرف- فسبحان الله ما أعظم شأنه- لقد أبى سبحانه إلا أن يفضح المجرمين والكذابين بما يقولونه بألسنتهم ويعملونه بجوارحهم فلله الحمد سبحانه على إيضاح الحق وفضح الباطل. انظر نص الوكيل صفحة 150.
حقد البهاء على المسلمين
ما حقد الميرزا على أمة حقده على أمة خاتم المرسلين، وحسبك أن يبهت السلف والخلف جميعا بأنهم لم يفقهوا شيئا من القرآن فيقول: انقضى ألف سنة ومائتان وثمان من السنين من ظهور نقطة الفرقان، وجميع هؤلاء الهمج الرعاع يتلون الفرقان في كل صباح وما فازوا للآن بحرف من المقصود- ثم يقول البهاء: إن الذي ما شرب من رحيقنا المختوم الذي فككنا ختمه باسمنا القيوم إنه ما فاز بأنوار التوحيد، وما عرف المقصود من كتب الله، وكان من المشركين.
تنبيه:
ما رأيت في هذه الخلاصة عن البابية والبهائية من كلمات لم تجدها في كتاب الوكيل فاعلم أن بعضها من كتاب الدكتور محمد مهدي خان الإيراني التبريزي نزيل مصر المسمى: (مفتاح باب الأبواب) ، وبعضها أخذ من مقالات كتبها محب الدين الخطيب في شأن البابية والبهائية، وبشيء يسير من كلامي والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" (7/407-412) .
وللشيخ ابن باز رحمه الله فتوى أخرى في تكفير البهائية، سئل فيها عن الذين اعتنقوا مذهب (بهاء الله) الذي ادعى النبوة، وادعى أيضا حلول الله فيه، هل يسوغ للمسلمين دفن هؤلاء الكفرة في مقابر المسلمين؟
فأجاب: " إذا كانت عقيدة البهائية كما ذكرتم فلا شك في كفرهم وأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين؛ لأن من ادعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كاذب وكافر بالنص وإجماع المسلمين؛ لأن ذلك تكذيب لقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ، ولما تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، وهكذا من ادعى أن الله سبحانه حالٌّ فيه، أو في أحد من الخلق فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن الله سبحانه لا يحل في أحد من خلقه بل هو أجل وأعظم من ذلك، ومن قال ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين، مكذب للآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه فوق العرش، قد علا وارتفع فوق جميع خلقه، وهو سبحانه العلي الكبير الذي لا مثيل له، ولا شبيه له، وقد تعرَّف إلى عباده بقوله سبحانه: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) الأعراف/54 " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" (13/169) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1171)
الأقطاب والأبدال في الفكر الصوفي
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت وقرأت عن ما يسمى بالأبدال والأقطاب وغيرهم، هل هم فعلا موجودون بيننا؟
وهل حديث (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم الأبدال) صحيح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الولاية عند أهل السنة هي التي عرَّفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، حيث قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/62-64
فأعلنت الآية أن ولي الله هو المؤمن التقي، الذي يحب الله وينصره، ويسير في مرضاته، ويحفظ حدوده، ويقيم شريعته ودينه، وهو عبد من عباد الله، لا يخرج عن قهره وسلطانه، بل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يعلم ما قدر الله له، فهذا هو ولي الله عند أهل السنة.
وطريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله تعالى، فإذا أحبه كان وليا حقا له جل وعلا، وقد جاء في الحديث الصحيح:
(إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القبُولُ فِي الأَرضِ) رواه مسلم (2637)
ثانيا:
أما الولاية في عرف التصوف البدعي فلها معنى آخر يختلف عما عند أهل السنة، فولي الله عندهم من اختاره الله، ولو لم يكن فيه من مواصفات الصلاح والتقوى ما يؤهله لحب الله له، إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، لذلك كانوا يعتقدون في بعض الظلمة والفسقة والمجانين وأهل الفجور أنهم من الأولياء بمجرد أن يظهر على أيديهم من خوارق العادات، مثل: ضرب الجسم بالسكاكين، واللعب بالحيات والنار وأمثال ذلك، حتى عَدُّوا في أوليائهم من يشرب الخمر ويزني، ويقولون: الولي الصادق لا تضره معصية أبدا.
ولم يكتفوا بهذا في تعريف الولاية، بل يقررون أن الولي يتصرف في الأكوان، ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكَّله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق، فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة، ويسمون الأوتاد، وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع، ويسمون الأبدال (لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله) ، وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم، في مصر ثلاثون أو أربعون، وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد منهم قد أوكل إليه التصريف في شيء ما، وفوقهم جميعا ولي واحد يسمى القطب الأكبر أو الغوث، وهو الذي يدبر شأن الملك كله، وهكذا أسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شؤون الناس على منوال الدولة السياسية، وهذه الدولة يترأسها القطب أو الغوث، يليه الإمامان (وهما الوزيران) ، ثم الأوتاد الأربعة، ثم الأبدال السبعة.
هذه هي الولاية الصوفية، وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية، فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه من النفاق وسوء العاقبة، ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا، وأما الولي الصوفي فقد أعطوه من خصائص الربوبية ما يتصرف به في جانب من جوانب الكون، ولا يلتزم بما شاء من شريعة الله، ويدخل الملائكة تحت مشيئته.
وأصل فكرة الولاية الصوفية مأخوذة من الفلسفة الإغريقية القديمة التي تقوم على فكرة تعدد الآلهة، وكان أول من وضع فكرة الولاية الصوفية في أواخر القرن الثالث الهجري هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه (الحكيم) - وهو غير الإمام صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي - ثم بعد ذلك اشتهرت أقوالهم، وأصبحت كتب أئمتهم مليئة بهذه الأفكار والمصطلحات، ولو ذهبنا ننقل أقوالهم وأباطيلهم لطال بنا المقام، وحتى لا يظن أحد أننا نتجنى عليهم، فهذه أسماء بعض مراجعهم، وستجد أن ما ذكرناه أقل بكثير من شناعة أفكارهم، انظر "الفتوحات المكية" لابن عربي (2/537،455) ، كتاب "اليواقيت والجواهر" لعبد الوهاب الشعراني (2/79) ، "المعجم الصوفي" لسعاد الحكيم (189-191، 909-913) ، وانظر من مراجع أهل السنة "الفكر الصوفي" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (343-383)
ثالثا:
الحديث الذي ذكره السائل الكريم حديث ضعيف، لا يصح بوجه من الوجوه، ولم يرد من طريق صحيحة ذكر شيء من مراتب الولاية عند الصوفية.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في "المنار المنيف" (136) :
" أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضا، فإنه منقطع " انتهى.
(وانظر تفصيل الأحاديث المروية ف ذلك وبيان نكارتها في "المقالات القصار" لأبي محمد الألفي (69-81))
وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الحديث المروى فى الأبدال، هل هو صحيح أم مقطوع، وهل الأبدال مخصوصون بالشام أم حيث تكون شعائر الاسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال، بالشام وغيره من الأقاليم، وهل صحيح أن الولى يكون قاعدا فى جماعة ويغيب جسده، وما قول السادة العلماء فى هذه الاسماء التى تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة، ويقولون هذا غوث الأغواث، وهذا قطب الأقطاب، وهذا قطب العالم، وهذا القطب الكبير، وهذا خاتم الأولياء؟
فأجاب رحمه الله:
" أما الاسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة، مثل الغوث الذي بمكة، والأوتاد الأربعة، والأقطاب السبعة، والأبدال الأربعين، والنجباء الثلاثمائة، فهذه أسماء ليست موجودة فى كتاب الله تعالى، ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه، إلا لفظ الأبدال، فقد روي فيهم حديث شامى منقطع الإسناد عن على بن أبى طالب رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
(إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال الأربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا) ، ولا توجد هذه الأسماء فى كلام السلف كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعانى عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ، وقد قالها إما آثرا لها عن غيره، أو ذاكرا، فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، ولا بملك مقرب، ولا نبى مرسل، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين، والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله:
(وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلا إياه) وقال سبحانه وتعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه) فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحُجَّاب وهو القائل تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ، وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم، لا ظاهرا ولا باطنا، بهذه الوسائط والحجاب، فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علوا كبيرا، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد فى كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين، لا يتم الإيمان إلا به، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم فى السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذى ما نزل الله به من سلطان.
وأما الأوتاد فقد يوجد فى كلام البعض أنه يقول: فلان من الأوتاد، يعني بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان والدين فى قلوب من يهديهم الله به، كما يثبت الأرض بأوتادها، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من العلماء، فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة، ومن كان بدونه كان بحسبه، وليس ذلك محصورا فى أربعة ولا أقل ولا أكثر، بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول المنجمين فى أوتاد الأرض.
واما القطب فيوجد أيضا فى كلامهم: (فلان من الأقطاب) ، أو (فلان قطب) فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا فهو قطب ذلك الأمر ومداره، ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر، لكن الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين، دون مجرد صلاح الدنيا، فهذا هو القطب فى عرفهم.
وكذلك لفظ البدل، جاء فى كلام كثير منهم.
فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان فى خلافة علي رضي الله عنه، قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال: (تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) ، فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام، ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة، مثل: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم، الذين هم أفضل الخلق، كانوا في أهل الشام، هذا باطل قطعا، وإن كان قد ورد فى الشام وأهله فضائل معروفة، فقد جعل الله لكل شىء قدرا، والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط.
والذين تكلموا باسم (البدل) فسروه بمعان، منها: أنهم أبدال الأنبياء، ومنها: أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا، ومنها: أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين، ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض " انتهى باختصار من مجموع فتاوى ابن تيمية (11/433-444)
رابعا:
جاء في كلام بعض السلف، وبعض أهل العلم المتأخرين إطلاق لفظ: (فلان من الأبدال) ، ومن ذلك ما جاء في "التاريخ الكبير" للبخاري (7/127) في ترجمة فروة ب مجالد: " وكانوا لا يشكّون في أنه من الأبدال " انتهى، وقال الإمام أحمد كما في "العلل" للدارقطني (6/29) : " إن كان من الأبدال في العراق أحد، فأبو إسحاق إبراهيم بن هانئ " انتهى.
ولا يعنون به ما يريده المتصوفة في اصطلاحهم الباطني البدعي، وإنما يريدون المعنى اللغوي، فمن قيل فيه ذلك من أهل العلم فهو من ورثة الأنبياء بما معه من العلم الشرعي، فكأنه بدل عنهم في تبليغ الوحي وتعليمه الناس.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" (4/97) :
" وأما أهل العلم فكانوا يقولون هم الأبدال؛ لأنهم أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعا، وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق، لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله وكفى بالله شهيدا " انتهى.
وانظر سؤال رقم (10527)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1172)
له صديق رافضي هل يبقى على صحبته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق من أهل السنة والجماعة، لديه صديق شيعي، أريد أن أستفسر عن حكم مصاحبة أهل المذاهب المخالفة، مع العلم أنه نصحه - كما قال لي - باعتناق مذهب الفرقة الناجية، ولكن دون فائدة، فما حكم مصاحبتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك أن تنصح صاحبك بالابتعاد عن مصاحبة أهل البدع، وخاصة البدع المغلظة كالشيعة الروافض لما في مصاحبتهم من خطر على دين المسلم ودنياه، أما الخطر على دينه فهو بما يلقيه هذا الرافضي من شبهات تشكك المسلم في دينه، وأما الخطر الدنيوي فهو ما يكنه الرافضي من عداء وبغض لأهل السنة والسعي في إيذائه بكل ما يستطيع.
وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على حسن اختيار الصاحب، وذلك لما له من تأثير على خلق ودين صاحبه، ومن هذه الأحاديث:
1. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه عنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ) .
رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
2. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) .
رواه الترمذي (2378) وأبو داود (4833) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الخطابي رحمه الله:
" لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته؛ فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، فلا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيّاً في دينه ومذهبه " انتهى.
" العزلة " (ص 141) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" وهذا معناه – والله أعلم – أن المرء يعتاد ما يراه من أفعال من صحبه، والدين العادة، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل فإن الخير عادة ... .
والمعنى في ذلك: ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته " انتهى.
" بهجة المجالس " (2 / 751) .
وأما كلام السلف في التحذير من صحبة أهل البدع فكثير، ومنه:
1. ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة: قال:
لا ينبغي لأحد من أهل السنة والجماعة أن يخالط أحداً من أهل الأهواء حتى يصاحبه ويكون خاصته؛ مخافة أن يستزله أو يستزل غيره بصحبه هذا.
" مجموع الفتاوى " (16 / 475) .
2. قال أبو داود السجستاني رحمه الله:
قلت لأبي عبد الله - أحمد بن حنبل -: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه؟ قال: لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلِّمه، وإلا فألحقه به.
" طبقات الحنابلة " (1 / 160) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1173)
البابية والبهائية ليسوا مسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفكار وعقائد البهائية؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البابية والبهائية حركة نبعت من فرقة من فرق الشيعة وهي الشيخية سنة 1260هـ /1844م تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي، بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين، وصرفهم عن قضاياهم الأساسية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
1- أسس البابية الميرزا على محمد رضا الشيرازي الذي تلقى العلوم الشيعية والصوفية منذ الصغر.
وفي سنة 1260هـ / 1844م أعلن الشيرازي هذا أنه الباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية، وشجعه على ذلك أحد الجواسيس الروس.
ثم ادعى بعد ذلك أنه رسول كموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، بل ادعى أنه أفضل شأناً منهم.
وفي عام 1266 هـ ادعى حلول الإلهية فيه، فحكم عليه بالإعدام.
2- قرة العين، وهي امرأة فصيحة بليغة، رافقت الشيرازي في تعلم العلوم الشيعية الشيخية، وكانت إباحية فاجرة، فطلقها زوجها، وتبرأ منها أولادها.
عقدت مؤتمراً مع زعماء البابية بدشت بإيران أعلنت فيه نسخ الشريعة الإسلامية، وتم إعدامها سنة 1268هـ 1852م.
البهائية:
قبل مقتل الشيرازي كان قد أوصى بخلافته للميرزا يحيى علي الملقب بـ (صبح أزل) ولكن نازعه أخوه حسين البهاء، وبعد خلافات بينهما وفتن، ومحاولة كل منهما قتل أخيه، نُفي صبح أزل إلى جزيرة قبرص، ومات بها سنة 1912 م.
ونُفي حسين البهاء إلى عكا بفلسطين، وقتل بها على يد بعض أتباع أخيه عام 1892 م ودفن بها.
عقائد البهائية وأفكارها وشعائرها:
1- الإيمان بحلول الله في بعض خلقه، وأن الله قد حلَّ في "الباب" و"البهاء".
2- الإيمان بتناسخ الكائنات، وأن الثواب والعقاب يقع على الأرواح فقط.
3- الاعتقاد بأن جميع الأديان صحيحة، وأن التوراة والإنجيل غير محرَّفين، ويرون ضرورة توحيد جميع الأديان في دين واحد هو البهائية.
4- يعتقد البهائيون أن كتاب "الأقدس" الذي وضعه البهاء حسين ناسخ لجميع الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم.
5- يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس.
6- يؤمنون - موافقة لليهود والنصارى - بصلب المسيح.
7- ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار.
8- يحرمون الحجاب على المرأة، ويحللون المتعة، ويدعون إلى شيوعية النساء والأموال.
من الواضح جدا أنه دين يسعى إلى هدم القيم والأخلاق والسعي نحو الإباحية والفسق.
9- يقولون إن دين الباب ناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
10- يؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين (حيث يوجد قبر البهاء) بدلاً من المسجد الحرام.
11- الصلاة عندهم تؤدى في اليوم ثلاث مرات، كل صلاة ثلاث ركعات، صبحا وظهرا ومساء، والوضوء لها بماء الورد، وإن لم يوجد فيكتفون بالبسملة "بسم الله الأطهر الأطهر" خمس مرات.
12- لا يجوزون الصلاة جماعة إلا عند الصلاة على الميت.
يتضح هنا مدى سعيهم لتفرقة المسلمين بتحريمهم صلاة الجماعة.
13- يقدّس البهائيون العدد تسعة عشر، ويجعلون عدد أشهر السنة تسعة عشر شهرا، عدد كل شهر تسعة عشر يوما.
14- يصوم البهائيون شهرا بهائيا واحدا هو شهر العلا ويبدأ من 2 إلى 21 مارس وهو آخر الشهور البهائية، وفيه يجب الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب، ويعقب شهر صومهم عيد النيروز.
15- يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الكفار الأعداء!! خدمةً للمصالح الاستعمارية. كما سيأتي.
وهذا يؤيد ما قيل عنها: إنها حركة تربت في حجر الاستعمار، وما زالت تحظى بتأييده إلى الآن.
16- ينكرون أن محمداً - خاتم النبيين - مدعين استمرار الوحي بعده.
17- يبطلون الحج إلى مكة، ولهذا كان حجهم إلى حيث دفن البهاء في عكا بفلسطين.
18- لا يرون الاغتسال من الجنابة ولا تطهير النجاسة لأنهم يعتقدون أن من اعتقد بالبهائية فقد طهر.
19- والزكاة استبدلوها بنوع من الضريبة تقدر بـ 19% من رأس المال تدفع مرة واحدة.
تلك هي البهائية، وتلك بعض عقائدها، خليط غير متجانس من العقائد السماوية والأفكار الوثنية، أخرجها "البهاء" في قالب غريب، سماه وحياً وكتاباً مقدساً، فيالله أين عقول الخلق حين اتبعوه، وأين بصيرتهم حين قلدوه؟!
علاقة البابية والبهائية بالاستعمار واليهود والنصارى:
1- أحد الجواسيس الروس هو الذي شجع علي الشيرازي على دعواه أنه الباب.
2- اشترك "البهاء" في محاولة اغتيال الملك " ناصر الدين" شاه إيران، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، وكشف الفاعلون، ففر "البهاء" إلى سفارة روسيا التي قدمت له الحماية الكاملة، ولم تسلمه إلى السلطات الإيرانية إلا بعد أن أخذت وعدا منها بعدم إعدامه.
3- لما نفي البهاء إلى عكا سنة 1285هـ /1868م، لقي حفاوة بالغة من اليهود الذين أحاطوه بالرعاية، وأضحت عكا منذ ذلك التاريخ مقرا دائما للبهائية ومكانا مقدسا لهم.
4- يقف وراء هؤلاء بعض النصارى، ففي إحدى الدول العربية التي للبهائيين وجود بها، رئيس الحركة ومحاميها، كلاهما نصراني.
5- أشارت الأنباء إلى أن السفير الإسرائيلي في إحدى الدول العربية، قام بزيارة البهائيين في أحد معاقلهم، والتقى بقياداتهم وطالبهم بضرورة المشاركة في النشاط السياسي عن طريق إنشاء جمعية أو حزب والترشيح للمجالس البرلمانية وممارسة الأنشطة الفاعلة في الحياة السياسية للتأثير على مراكز القرار، وقد وعدهم أيضًا بتقديم تسهيلات لهم لزيارة إسرائيل ليقوموا بالحج إلى قبر البهاء.
6- لهذه الطائفة عدة ممثلين وأعضاء في مكاتب وهيئات تابعة للأمم المتحدة، يبلغ عددهم نحو سبعة أشخاص!!
ولهذا لا تعجب أيها القارئ أبداً إذا عرفت بعد كل هذا، أن البهائيين يحرمون الجهاد ضد الأعداء، ويوجبون على المسلمين أن يستسلموا للاستعمار والاحتلال، وأن البهاء كان يدعو في كتبه إلى التجمع الصهيوني في أرض فلسطين.
الانتشار ومواقع النفوذ:
توجد الغالبية العظمى من البهائيين في إيران، وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان، وفلسطين، ولهم وجود في مصر، ولهم عدة محافل في إثيوبيا وأوغندا وزامبيا وجنوب إفريقيا وباكستان، ولهم حضور في بعض الدول والمدن الغربية كلندن، وفيينا وفرانكفورت وسيدني، ويوجد في شيكاغو أكبر معبد لهم.
الحكم عليها وفتاوى العلماء فيها:
يظهر مما سبق أن البابية والبهائية من الفئات الضالة الخارجة عن الإسلام.
وقد صدرت العديد من الفتاوى من علماء المسلمين بتكفير هؤلاء، وبيان خروجهم عن الإسلام، ووجوب الحذر منهم.
فقد أصدر الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سنة 1910 م بكفر البهائيين.
كما صدر حكم قضائي بتاريخ 30/6/1946 م من محكمة شرعية في مصر بطلاق وتفريق امرأة اعتنق زوجها البهائية لأنه مرتد عن الإسلام.
كما أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر في عام 1947 م فتوى بردة معتنقي البهائية.
بالإضافة إلى فتوى من دار الإفتاء المصرية عام 1939 م بارتداد البهائي.
وفتوى أخرى من "دار الإفتاء المصرية" عام 1968 م جاء فيها: " من اعتنق الدين البهائي يكون مرتدا عن الدين الإسلامي، وحكم المرتد شرعاً أنه يستتاب ويعرض عليه الإسلام وتكشف شبهته إن كانت، فإن تاب فيها، وإلا قتل شرعاً " انتهى من "فتاوى دار الإفتاء" (6/2138) .
وفي عام 2003 م، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. فتوى جاء فيها " إن هذا المذهب البهائي وأمثاله من نوعيات الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجند الدولة كل إمكاناتها لمكافحته والقضاء عليه".
وأكد الشيخ إبراهيم الفيومي أمين مجمع البحوث الإسلامية على أن البهائيين فرقة خارجة عن وعلى الإسلام وهي من أخطر القوى المعادية للإسلام وقد نشأت في حجر الاستعمار الصهيوني ولا تزال تلقى الرعاية والعناية من أعداء الإسلام. ولدى البهائية مشروع يسمى المشروع السياسي العدائي للأمة الإسلامية، وغرضهم الأول ضرب الإسلام وزعزعة الاستقرار السياسي والديني في المجتمعات الإسلامية، كما قاموا بإلغاء آيات كثيرة من القرآن اعتقاداً منهم بأن المسلمين قد حرفوها، كما أبطلوا الحج وطالبوا بهدم الكعبة وتوزيع حطامها على بلاد العالم.
ولشيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق رحمه الله فتوى في تكفير البهائية وردتها عن الإسلام، أقرها مجمع البحوث الإسلامية الحالي، جاء فيها: " والبابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات وأديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل وضُح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونحل ابتليت بها الأمة الإسلامية حربا على الإسلام وباسم الدين " انتهى.
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (88689) فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في كفر هذه الطائفة، وخروجها عن الإسلام، وأنه لا يجوز أن يدفنوا في مقابر المسلمين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1174)
الفَرق بين الفرَق العقائدية والمذاهب الفقهية، وهل تتزوج مبتدعاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والمذاهب الأخرى (مثل الشافعية والمالكية.. إلخ) ؟ وهل يجوز لفتاة من أهل السنة والجماعة أن تتزوج من رجل لا ينتمي لمذهب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهل السنة والجماعة لا يقابلهم المالكية والشافعية والحنابلة وأمثالهم، بل يقابلهم أهل البدع والضلال في الاعتقاد والمنهج كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وأشباههم.
أما الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فهي مدارس فقهية، وأئمتها من أهل السنة والجماعة بل هم من رؤوس أهل السنة والجماعة، لكن مما يؤسف له أن أتباع أكثر تلك المذاهب والمدارس قد اتبعوا في اعتقادهم أهل البدع والضلال، فأصبح الكثير من الشافعية والمالكية من الأشعرية، وأصبح الكثير من الحنفية من الماتريدية، وقد سلِم الحنابلة – إلا قليلا جدّاً منهم – من الانتساب في العقائد لغير أهل السنة والجماعة.
والأصل في المسلم أن يكون ملتزماً بالكتاب والسنة وعلى فهم وهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان , " وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها فليس بواجب ولا مندوب , وليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه , بل من التزم واحداً منها بعينه في كل مسألة فهو متعصب مخطئ مقلد تقليداً أعمى " انتهى.
"هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟ " للمعصومي (ص 38) .
واتباع المذاهب الفقهية الأربعة لا حرج فيه إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به استنباط الأحكام من الكتاب والسنة , لكن متى ظهر له أن الصواب خلاف مذهبه فالواجب عليه اتباع الصواب وترك مذهبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد ; فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان ; في سره وعلانيته وفي جميع أحواله. . . . وقد أوجب الله طاعة الرسول على جميع الناس في قريب من أربعين موضعا من القرآن.
وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور. . . والتقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (19/260-266) .
وأتباع السلف هم الذين استقاموا على الكتاب والسنَّة في اعتقادهم وفِقْهِهِم وسلوكهم ولم يخالفوا ما ثبت في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" المقصود بالمذهب السّلفي هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين من الاعتقاد الصّحيح، والمنهج السّليم، والإيمان الصّادق، والتمسُّك بالإسلام عقيدة وشريعة وأدبًا وسلوكًا؛ خلاف ما عليه المبتدعة والمنحرفون والمخرِّفون.
ومن أبرز من دعا إلى مذهب السّلف الأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلاميذه، والشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، وتلاميذه، وغيرهم من كلّ مصلح ومجدِّد، حيث لا يخلو زمان من قائم لله بحجَّةٍ.
ولا بأس من تسميتهم بأهل السنة والجماعة؛ فرقًا بينهم وبين أصحاب المذاهب المنحرفة، وليس هذا تزكية للنفس، وإنما هو من التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / السؤال رقم (206)) .
وعليه فإذا جاء للمسلمة من يُرضى دينُه وخلقُه: فإنَّ عليها أن تقبل به ولو لم ينتسب إلى أحد هذه المذاهب، أما إذا كان المتقدم لها من الفرق الضالة المنحرفة فإنها لا تقبل به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1175)
الفرق الضالة لا ينبغي أن يزوجوا من أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشاب صاحب المذهب الإباضي الزواج من الفتاه صاحبة المذهب الشافعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإباضية من فرق الخوارج، وهي من فرق الضلال، وقد جاءت نصوص كثيرة صحيحة في ذمهم.
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم (11529) .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (40147) عن علماء اللجنة الدائمة:
" فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم " انتهى.
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (13/30) : أن شهادة " الإباضية " غير مقبولة شرعاً.
وقد جاءت النصوص الواضحة في حسن اختيار الزوج من قبل أولياء الزوجة، ومن ذلك الرضا بدينه وخلقه، وأي دين يُرضى من أهل الفرق الضالة، والتي ترى الخروج على أئمة المسلمين، وترى خلق القرآن، وترى كفر مرتكب الكبيرة، وترى إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) . والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) .
فالذي ينبغي هو عدم تزويج المبتدعة من نساء أهل السنة؛ وتأثير الزوج على الزوجة كبير، فقد تتأثر به فتعتقد اعتقاده فتنتقل من الفرقة الناجية إلى إحدى فرق الضلال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1176)
سدل اليدين عند التعب هل فيه مشابهة للرافضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أسدل يديّ أثناء الصلاة، كما يفعل الشيعة عندما أشعر بالتعب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مما لا شك فيه أن السنة هي وضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) .
وعن وائل بن حُجْر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم (401) .
وانظر جواب السؤال رقم (5770) لترى حقيقة دين الرافضة، وفيه سقنا الأدلة الصحيحة على وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.
وفي جواب السؤال رقم (6109) ترى الرد على من نقل عن الإمام مالك خلاف هذه السنَّة، وفيه تصريح بعض كبار المالكية في إثبات هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وعن الإمام مالك.
ثانياً:
من شعر بالتعب فإن له أن يسدل يديه بقدر ما يرتاح به، ثم يعود إلى قبضهما، وقد قال الله تعالى: (لاَ يكلِّف الله نَفْساً إلا وُسْعَهَا) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل فإذا تعب جلس فإذا قرب من الركوع قام ليركع.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع. رواه البخاري (1097) ومسلم (731) .
وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى أياماً وهو جالس بسبب مرضه، فإذا جاز أن يترك القيام وهو ركن من أركان الصلاة بسبب المرض، فيجوز ترك السنة من أجل التعب من باب أولى، على أن يرجع للقبض بعد ذهاب ما به من تعب.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/100) :
" ولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس، فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم " انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم" (6/11) :
" قولها: (قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه: جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود , وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء , وسواء قام ثم قعد , أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف , وهو غلط " انتهى.
وخلاصة الجواب:
أنه لا حرج من سدل اليدين في الصلاة بسبب التعب، على أن يعود للقبض متى زال التعب، ولا يعد ذلك مشابهة للرافضة لأنه سيكون مؤقتا، وللعذر، وإنما يكون مشابهة لهم إذا اتخذه المصلي شعارا له بحيث لا يصلي صلاة إلا ويسدل يديه، ولا يقبضهما أبدا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1177)
حكم ذبائح الشيعة – الرافضة -
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في مجتمع شيعي، وأنتم تعلمون عقائد الشيعة المخالفة للكتاب والسنة مع دعواهم الإسلام، فهل يجوز لنا أن نأكل ذبائحهم التي يذكرون اسم الله عليها ويذبحونها - للبيع في الأسواق - للقبور أو الأموات أو المشاهد أو للنذر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط حل الذبيحة أن يكون الذابح لها مسلماً أو كتابيّاً، فلا تحل ذبيحة المشرك ولا المجوسي ولا المرتد.
والشيعة لهم جملة من العقائد والأعمال التي تخرجهم من دائرة الإسلام، كاعتقادهم تحريف القرآن الكريم، وأن أئمتهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من السهو والخطأ.
ويستغيثون بالأموات، ويدعونهم من دون الله، ويسجدون لقبورهم، ويسبون أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويكفرونهم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1148) و (10272) و (21500) .
فمن اعتقد شيئاً من ذلك، أو فعل شيئاً من هذه الكفريات، فهو خارج عن الإسلام ولا تحل ذبيحته.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن أكل ذبائح الشيعة الجعفرية، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر سادتهم في الشدة والرخاء:
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله، ولا يحل الأكل من ذبائحهم، لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/264) .
وسئلوا أيضاً:
أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية ومختلطين نحن وقبائل من العراق ومذهبهم شيعة وثنية يعبدون قبباً ويسمونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم قال: يا علي، يا حسين، وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح في كل الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وقد سمعت أن ذبحهم لا يؤكل وهؤلاء يأكلون ذبحهم ولم يتقيدوا ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا؟
فأجابوا:
"إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليّاً والحسين والحسن ونحوهم: فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من ملة الإسلام، فلا يحل أن نزوجِّهم المسلمات، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم، ولا يحل لنا أن نأكل من ذبائحهم، قال الله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولأمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله عن الأكل من ذبائح الرافضة:
فأجاب:
"لا يحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبيحته، فإن الرافضة غالباً مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء حتى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعنا مراراً، وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها، كما يغلون في وصف علي رضي الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربّاً وخالقاً ومتصرفاً في الكون ويعلم الغيب ويملك الضر والنفع ونحو ذلك، كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم ويزعمون أن الصحابة حرفوه وحذفوا منه أشياء كثيرة تتعلق بأهل البيت وأعدائهم فلا يقتدون به ولا يرونه دليلا، كما أنهم يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلاثة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين ومشاهير الصحابة كأنس وجابر وأبي هريرة ونحوهم، فلا يقبلون أحاديثهم لأنهم كفار في زعمهم، ولا يعملون بأحاديث الصحيحين إلا ما كان عن أهل البيت، ويتعلقون بأحاديث مكذوبة، أو لا دليل فيها على ما يقولون، ولكنهم مع ذلك ينافقون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، ويقولون: "من لا تقية له فلا دين له"، فلا تقبل دعواهم في الأخوة ومحبة الشرع ... إلخ , فالنفاق عقيدة عندهم، كفى الله شرهم" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1178)
خصائص الفرقة الناجية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أبرز خصائص الفرقة الناجية؟ وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملة هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها:
ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل علبه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , من التوحيد الخالص في ألوهية الله , وربوبيته , وأسمائه وصفاته.
وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم , في العبادات في أجناسها , وصفاتها وأقدارها وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها , فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله , بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله.
وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين , وانشراح الصدر , وطلاقة الوجه , وحسن المنطق والكرم, والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها.
وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق , والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم, في قوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) .
والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية لكن لكل درجات مما عملوا , والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص, وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية.
أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته.
وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة, والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله تعالى في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى/13.
وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم , برئ منهم فقال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الأنعام/159. فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية - أهل السنة والجماعة - فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً , ولا عداوة , ولا بغضاء بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف , حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء , مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل , وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء , والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة , وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة , كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف , لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه , فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم, لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان, فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشي على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور, حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم , فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) . فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) . ومنهم من صلى الصلاة في وقتها , وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها - وهؤلاء هم المصيبون - ولكن مع ذلك لم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين , ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذا أرى أنه من الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة , وأن لا يحصل بينهم تحزب هذا إلى طائفة والآخر إلى طائفة أخرى والثالث إلى طائفة ثالثة وهكذا بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن , ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد , ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها , ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر.
فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد , والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداءً يصرحون بالعداوة , أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام وهم ليسوا كذلك, فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 38-41.(1/1179)
هل الجماعات الإسلامية من الفرق الضالة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك في الذي يقول: بأن هذه الجماعات الإسلامية من الفرق التي تدعو إلى جهنم والتي أمر النبي باعتزالها فهل كلامه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس من الفرق الضالة، بل هو من الفرق الناجية المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) ، قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) . وفي لفظ: (هي الجماعة) .
والمعنى أن الفرقة الناجية: هي الجماعة المستقيمة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم؛ من توحيد الله، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والاستقامة على ذلك قولاً وعملاً وعقيدة، هم أهل الحق وهم دعاة الهدى ولو تفرقوا في البلاد، يكون منهم في الجزيرة العربية، ويكون منهم في الشام، ويكون منهم في أمريكا ويكون منهم في مصر، ويكون منهم في دول أفريقيا، ويكون منهم في آسيا، فهم جماعات كثيرة يعرفون بعقيدتهم وأعمالهم، فإذا كانوا على طريقة التوحيد والإيمان بالله ورسوله، والاستقامة على دين الله الذي جاء به الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهم أهل السنة والجماعة وإن كانوا في جهات كثيرة، ولكن في آخر الزمان يقلون جداً.
فالحاصل أن الضابط هو استقامتهم على الحق، فإذا وجد إنسان أو جماعة تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته فهؤلاء هم الجماعة، وهم من الفرقة الناجية وأما من دعا إلى غير كتاب الله، أو إلى غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من الجماعة، بل من الفرق الضالة الهالكة، وإنما الفرقة الناجية: دعاة الكتاب والسنة، وإن كان منهم جماعة هنا وجماعة هناك مادام الهدف والعقيدة واحدة، فلا يضر كون هذه تسمى: أنصار السنة وهذه تسمى: الإخوان المسلمين، وهذه تسمى كذا، المهم عقيدتهم وعملهم، فإذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإخلاص له واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وعقيدة فالأسماء لا تضرهم، لكن عليهم أن يتقوا الله، وأن يصدقوا في ذلك، وإذا تسمى بعضهم بـ: أنصار السنة، وتسمى بعضهم بـ: السلفيين، أو بالإخوان المسلمين، أو تسمى بعضهم بجماعة كذا، لا يضر إذا جاء الصدق، واستقاموا على الحق باتباع كتاب الله والسنة وتحكيمهما، والاستقامة عليهما عقيدة وقولاً وعملاً، وإذا أخطأت الجماعة في شيء فالواجب على أهل العلم تنبيهها وإرشادها إلى الحق إذا اتضح دليله.
والمقصود: أنه لابد أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نعالج مشاكلنا بالعلم والحكمة والأسلوب الحسن، فمن أخطأ في شيء من هذه الجماعات أو غيرهم مما يتعلق بالعقيدة، أو بما أوجب الله، أو ما حرم الله نبهوا بالأدلة الشرعية بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، حتى ينصاعوا إلى الحق، وحتى يقبلوه، وحتى لا ينفروا منه، هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا فيما بينهم، وألا يتخاذلوا فيطمع فيهم العدو.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/181.(1/1180)
من هم أهل السنة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أهل السنة والجماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة , واجتمعوا عليها , ولم يلتفتوا إلى سواهما , لا في الأمور العلمية العقدية , ولا في الأمور العملية الحكمية , ولهذا سموا أهل السنة , لأنهم متمسكون بها , وسموا أهل الجماعة لأنهم مجتمعون عليها.
وإذ تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي , مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 37.(1/1181)
هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقعون في محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) . إنهم يتهمونه أنه حارب ضد الخلافة الإسلامية العثمانية وضد خليفة المسلمين. ولذلك , فإنه عدو للمسلمين. وجدالهم يدور حول هذه المسألة, فهل هذا صحيح؟ كيف يمكن أن يقاتل شخص ما أمير المسلمين , مع أن الخليفة يصلي ويؤدي الزكاة وما إلى ذلك؟ إنهم يقولون أيضا أنه اتفق مع الجيش الإنكليزي، وأنه قاتل معهم ضد المسلمين.
أرجو أن تعطيني جواب مفصل حول هذه المسألة التاريخية , وأن توضح لي الحقيقة. من نصدق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما من رجل يجيء إلى الدنيا بالخير إلا وكان له أعداء من الإنس والجن، حتى أنبياء الله تعالى لم يسلموا من ذلك.
وكان عداء الناس للعلماء قديماً لا سيما أصحاب الدعوة الحق فقد لقوا من الناس العداء الشديد، ومثال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد لاقى من بعض الحسَّاد مَن استحل دمه ومن رماه بالضلال والخروج من الدين والردة.
وما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا رجلا من هؤلاء العلماء المظلومين الذين قال الناس فيهم ما لم يعلموا ابتغاء الفتنة، وما حملهم على ذلك إلا الحسد والبغضاء مع رسوخ البدعة في نفوسهم أو الجهل وتقليد أصحاب الهوى.
وإليك عرض بعض الشبه التي قيلت في الشيخ والرد عليها:
يقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف:
ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية ففارق بذلك الجماعة وشق عصا السمع والطاعة.
" دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (ص 233) .
وقال:
ويدَّعي " عبد القديم زلُّوم " أن الوهابيين بظهور دعوتهم قد كانوا سببا في سقوط دولة الخلافة، يقول: وكان قد وجد الوهابيون كياناً داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فأمدتهم إنجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة أي رفعوا السيف في وجه الخليفة وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم.
" كيف هدمت الخلافة " (ص 10) .
وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله لأن الطاعة إنما تكون في المعروف.
يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم: وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه.
" مجموعة مؤلفات الشيخ " (5 / 11) .
ويقول أيضا:
الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً.."
مجموعة مؤلفات الشيخ (1 / 394) بواسطة " دعاوى المناوئين " (233 – 234) .
ويقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف:
وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله: فإننا نشير إلى مسألة مهمة جوابا عن تلك الشبهة فهناك سؤال مهم هو: هل كانت " نجد " موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟ .
يجيب الدكتور صالح العبود على هذا فيقول:
لم تشهد " نجد " على العموم نفوذا للدولة العثمانية فما امتد إليها سلطانها ولا أتى إليها ولاة عثمانيون ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقرار تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية فمن خلال رسالة تركية عنوانها: " قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان"، يعني: " قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان "، ألّفها يمين علي أفندي الذي كان أمينا للدفتر الخاقاني سنة 1018 هجرية الموافقة لسنة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثين ايالة منها أربع عشرة ايالة عربية وبلاد نجد ليست منها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد….
" عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي " – غير منشور – (1 / 27) .
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:
ومهما يكن فإن " نجداً " لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما أنها لم تشهد نفوذاً قويّاً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت فلا نفوذ بني جبر أو بني خالد في بعض جهاتها ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حادّاً عنيفاً.
" محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره " (ص 11) بواسطة " دعاوى المناوئين " (234 – 235) .
واستكمالا لهذا المبحث نذكر جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض قول رحمه الله:
لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل… وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى…
" ندوة مسجلة على الأشرطة " بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 237) .
وقال الدكتور عجيل النشمي: ….. لم تحرك دولة الخلافة ساكنا ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ ...
" مجلة المجتمع " (عدد 510) .
إذا كان ما سبق يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة؟
يقول د. النشمي مجيباً على هذا السؤال:
لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز أو بغداد أو غيرهما..أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الأستانة يحملون الأخبار.
" المجتمع " (عدد 504) بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 238 – 239) .
وأما دعوى " زلوم " أن دعوة الشيخ أحد أسباب سقوط الخلافة وأن الإنكليز ساعدوا الوهابيين على إسقاطها: فيقول محمود مهدي الاستانبولي جوابا على هذه الدعوى العريضة:
قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات وقديما قال الشاعر:
وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها بالنص فهي على السفاه دليل
مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الإنكليز وقفوا ضد هذه الدعوة منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي.
" الشيخ محمد عبد الوهاب في مرآة الشرق والغرب " (ص 240) .
ويقول:
والغريب المضحك المبكي أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811 م وأن الخلافة هدمت حوالي 1922 م.
" المرجع السابق " (ص 64) .
ومما يدل على أن الإنكليز ضد الحركة الوهابية أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنئ إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين - إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية - وليؤكد له أيضا مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي.
بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية وبين إبراهيم باشا بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل.
ويقول الشيخ محمد بن منظور النعماني:
لقد استغل الإنجليز الوضع المعاكس في الهند للشيح محمد بن عبد الوهاب ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم ورأوه خطرا على كيانهم بالوهابية ودعوهم وهابيين … وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند - في الهند - بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للإنجليز وتضييقهم الخناق عليهم …
" دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد عبد الوهاب " (ص 105 – 106) .
وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون.
" دعاوى المناوئين " (239، 240) .
وأخيرا ننصح كل من أطال لسانه بحق الشيخ أن يكفه عنه وأن يتقي الله تعالى في أمره كله عسى الله تعالى أن يتوب عليه وأن يهديه سواء السبيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1182)
من هم الوهابيون، وما هي دعوتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أسلمت حديثاً وأخبرني الكثيرون أن أبتعد عن الوهابيين فمن هم؟ وما هي دعوتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على منهج السلف الصالح الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة ومن تبعهم رضوان الله عليهم أجمعين، وهؤلاء يسمون بأهل السنة والجماعة، وكل من سار على الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء بالتوحيد، ونبذ الشرك، والدعوة إلى عبادة الله وحده دون سواه، أما كلمة الوهابيين، فيطلقها عدد من الناس على دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التَّمِيمي الحنبلي رحمه الله، ويسمونه وأتباعه الوهَّابيين، وقّدْ علم كلّ من له أدنى بصيرةٍ بحركة الشِّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته أنَّه قام بِنَشْر دعوة التوحيد الخالص، والتَّحْذِير من الشرك، بسائر أنواعه، كالتَّعلُّقِ بالأموات، والأشجار والأحجار ونحو ذلك، وهو رحمه الله في العقيدة على مذهب السلف الصالح والتابعين، كما تدلُّ على ذلك كتبه وفتاواه، وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده وغيرهم، وقد طبعت كلها وانتشرت بين الناس، وكانت دعوته وِفْقَ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوهابية ليست طريقة أو مذهباً، وإنما كانت دعوة للتوحيد، وتجديد ما اندثر من معالم الدين، والواجب عليك أيها السائل أن تحذر من الذين حذَّروك منهم لأنهم يحذرونك من اتِّباع الحق وسلف الأمة، وإطلاق كلمة الوهابيين على من تمسك بالعقيدة الصحيحة، والتحذير منهم إنما هي طريق الجاهلين والمغرضين، نسأل الله العافية.
انظر فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله 3/1306، ويراجع سؤال رقم 12203. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1183)
نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقول لأولئك الذين لا يوافقون ولا يعترفون (لأي سبب كان) بالعلماء المعاصرين من أمثال الشيخ العثيمين، والشيخين ابن باز والألباني رحمهم الله؟ البعض يقولون عنهم انهم من الوهابيين، ويقولون انهم يتبعون طائفة جديدة بدلا عن الدين الإسلامي العام الذي اتبعه غالبية العلماء في السابق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب على المسلم أن يقبل تعاليم الإسلام، ويعمل بها، فمتى سمع بقول أو عمل يكون دليله من الكتاب والسنة فعليه أن يقبله وأن يقدمه على ما سواه، وأن يعرض أقوال الناس على الأدلة الشرعية، ويأخذ منها ما وافق الدليل. وقد عُلم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ كانت دعوته إلى التوحيد وألّف في ذلك كتابه المشهور الذي هو كتاب التوحيد، واقتصر فيه على الأدلة الواضحة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وشرحه حفيده عبد الرحمن بن حسن، وغيره من العلماء، ولهذا لم يقدر أحد من خصمائه أن يردّ على هذا الكتاب، ولا أن يُبطل أدلته، وإنما جمعوا أكاذيب عليه واعتقدوا صحتها، فلذلك اعتقدوا أنه على ضلالة وألحقوا به علماء المسلمين كالشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله، ومعلوم أن المشائخ المذكورين لم يخرجوا عن القول الصحيح في الاعتقاد والعمل، وأنهم على ما كان عليه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة وغيرهم. أما الذين لا يعترفون بهم فإنما ذلك لجهل أو تقليد، أو حسد أو عناد أو اتباع للأهواء، أو تمسك بالعادات والتقاليد والبدع والمنكرات المخالفة للدليل، وقد ردّ عليهم العلماء المتقدمون والمتأخرون فيجب اتباع الدليل وتقديمه على قول كل أحد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين(1/1184)
نبذة عن مذهب الدروز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تعطيني نبذة عن مذهب الدروز وأفكارهم وحكمهم في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصل الدروز فرقة سرية من فرق الباطنية يتظاهرون بالإسلام، ويلبسون أحياناً لباس التدين والزهد والورع ويظهرون الغيرة الدينية الكاذبة ويتلونون ألواناً عدة من الرفض والتصوف وحب آل البيت، ويزعمون أنهم حملة لواء الإصلاح بين الناس وجمع شملهم ليلبسوا على الناس ويخدعوهم عن دينهم حتى إذا سنحت لهم الفرصة وقويت شوكتهم ووجدوا من الحكام من يواليهم وينصرهم ظهروا على حقيقتهم وأعلنوا عقائدهم وكشفوا عن مقاصدهم وكانوا دعاة شر وفساد ومعاول هدم للديانات والعقائد والأخلاق.
يتبين ذلك لمن تتبع تاريخهم وعرف سيرتهم من يوم وضع عبد الله بن سبأ اليهودي أصولهم وبذر بذورهم فورثها لاحقهم عن سابقهم وتواصوا بها وأحكموا تطبيقها واستمر ذلك إلى وقتنا الحاضر.
والدروز وإن كانوا فرعاً من فروع الباطنية لهم مظاهرهم الخاصة من جهة نسبهم ونسبتهم والزمن الذي ظهروا فيه. والظروف التي ساعدتهم على الظهور. ونذكر فيما يلي مجمل ذلك وحكم العلماء فيهم:
1. ينسب الدروز إلى درزي وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي وقد يروى اسمه بلفظ عبد الله الدرزي ودرزي بن محمد ويقال: إن محمد بن إسماعيل الدرزي هو تشتكين أو هشتكين الدرزي، وقيل ينسبون إلى طيروز إحدى بلاد فارس، ويرى الزبيدي أن الصواب ضبط الدرزي بفتح الدال نسبة إلى أولاد درزة وهم السفلة.
2. ظهر محمد بن إسماعيل الدرزي أيام الحاكم بأمره أبي على المنصور بن العزيز أحمد ملوك العبيديين الذين حكموا مصر قريباً من مائتي سنة وزعموا أنهم من آل البيت زوراً وبهتاناً وأنهم من نسل فاطمة رضي الله عنها.
وقد كان محمد بن إسماعيل الدرزي أولاً من الفرقة الإسماعيلية الباطنية التي تزعم أنها من أتباع محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ثم خرج عليهم واتصل بالحاكم العبيدي ووافقه على دعواه الإلهية ودعا الناس إلى عبادته وتوحيده. وادعى أن الإله حل في علي بن أبي طالب، وأن روح علي انتقلت إلى أولاده واحداً بعد واحد حتى انتقلت إلى الحاكم وقد فوض إليه الحاكم الأمور بمصر ليطيعه الناس في الدعوة ولما انكشف أمره ثار عليه المسلمون بمصر وقتلوا ممن معه جماعة ولما أرادوا قتله هرب واختفى عند الحاكم فأعطاه مالاً وأمره أن يخرج إلى الشام لينشر الدعوة هناك فخرج إليها ونزل بوادي تيم الله بن ثعلبة غربي دمشق فدعاهم إلى تأليه الحاكم ونشر فيهم مبادئ الدروز ووزع فيهم المال فاستجابوا له.
وقد قام بالدعوة أيضاً إلى تأليه الحاكم رجل آخر فارسي اسمه حمزة بن علي بن أحمد الحاكمي الدرزي من كبار الباطنية فقد اتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم ودعا إلى تأليهه خفية حتى أصبح ركناً من أركانها ثم أعلن ذلك وادعى أنه رسول الحاكم فوافقه على ذلك. ولما توفي الحاكم وتولى ابنه على الملقب الظاهر لإعزاز دين الله. وتبرأ من الدعوة إلى تأليه أبيه طوردت الدعوة في مصر ففر حمزة إلى الشام وتبعه بعض من استجاب له واستقر أكثرهم في المقاطعة التي سميت فيما بعد (جبل الدروز) في سورية.
مبادؤهم:
(أ) يقولون بالحلول، فهم يعتقدون أن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده بعده واحداً بعد واحد حتى حل في الحكام العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويؤمنون برجعة الحاكم وأنه يغيب ويظهر.
(ب) التقية، (أي النفاق والتستر) فهم لا يبينون حقيقة مذهبهم إلا لمن كان منهم بل لا يفشون سرهم إلا أمنوه ووثقوا به من جماعتهم.
(ج) عصمة أئمتهم، فهم يرون أن أئمتهم معصومون من الخطأ والذنوب بل ألهوهم وعبدوهم من دون الله كما فعلوا ذلك بالحاكم.
(د) دعواهم إلى الباطن، فهم يزعمون أن لنصوص الشريعة معاني باطنية هي المقصود منها دون ظواهرها وبنوا على هذا إلحادهم في نصوص الشريعة وتحريفهم لأخبارها وأوامرها ونواهيها.
أما إلحادهم في الأخبار فإنهم أنكروا ما لله من صفات الكمال وأنكروا اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء من جنة ونار واستعاضوا عن ذلك بما يسمى التقمص أو تناسخ الأرواح وهو انتقال روح الإنسان أو الحيوان عند موته إلى بدن إنسان أو حيوان آخر عند بدء خلقه لتعيش فيه منعمة أو معذبة وقالوا دهر دائم وعالم قائم وأرحام تدفع وأرض تبلع، وأنكروا الملائكة ورسالة الرسل واتبعوا المتفلسفة المشائين أتباع أرسطو في مبادئه ونظرياته.
وأما إلحادهم في نصوص التكليف من الأوامر والنواهي فإنهم حرفوها عن موضعها فقالوا الصلاة معرفة أسرارهم لا الصلوات الخمس التي تؤدى كل يوم وليلة، والصيام كتمان أسرارهم لا الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والحج زيارة الشيوخ المقدسين لديهم، واستحلوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واستحلوا نكاح البنات والأمهات إلى غير ذلك من التلاعب بالنصوص وجحد ما جاء فيها مما علم بالضرورة أنه شريعة لله فرضها على عباده، ولذا قال فيهم أبو حامد الغزالي وغيره: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض.
(هـ) النفاق علي الدعوة والمخادعة فيها: فهم يظهرون التشيع وحب آل البيت لمن يدعونه وإذا استجاب لهم دعوه إلى الرفض وأظهروا له معايب الصحابة وقدحوا فيهم، فإذا قبل منهم كشفوا له معايب علي وطعنوا فيه، فإذا قبل منه ذلك انتقلوا به إلى الطعن في الأنبياء، وقالوا إن لهم بواطن وأسراراً تخالف ما دعوا إليه أممهم، وقالوا إنهم كانوا أذكياء وضعوا لأممهم نواميس شرعية ليتحققوا بذلك مصالح وأغراضاً دنيوية.. إلخ.
وسئل شيخ الإسلام عما يُحكم به في الدروز والنصيرية فأجاب:
فَأَجَابَ: هَؤُلاءِ " الدُّرْزِيَّةُ " و " النصيرية " كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ ; بَلْ وَلا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ; فَإِنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ ; وَلا يَهُودَ وَلا نَصَارَى لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلا وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلا وُجُوبِ الْحَجِّ ; وَلا تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ فَهُمْ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا " النصيرية " فَهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي شُعَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ نَصِيرٍ وَكَانَ مِنْ الْغُلاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ:
إنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَهُمْ يَنْشُدُونَ
أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا حيدرة الأَنْزَعُ الْبَطِين
وَلا حِجَابَ عَلَيْهِ إلا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الأَمِينُ
وَلا طَرِيقَ إلَيْهِ إلا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
و (حيدرة) لقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وَأَمَّا " الدُّرْزِيَّةُ " فَأَتْبَاعُ هشتكين الدُّرْزِيُّ ; وَكَانَ مِنْ مَوَالِي الْحَاكِمِ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِ وَادِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى إلَهِيَّةِ الْحَاكِمِ وَيُسَمُّونَهُ " الْبَارِي الْعَلَّامُ " وَيَحْلِفُونَ بِهِ وَهُمْ مِنْ الإسماعيلية الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ الْغَالِيَةِ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَإِنْكَارِ الْمَعَادِ وَإِنْكَارِ وَاجِبَاتِ الإِسْلامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَهُمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا " فَلاسِفَةً " عَلَى مَذْهَبِ أَرِسْطُو وَأَمْثَالِهِ أَوْ " مَجُوسًا ". وَقَوْلُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَجُوسِ وَيُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ نِفَاقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ أيضاً رَدًّا عَلَى نُبَذٍ لِطَوَائِفَ مِنْ " الدُّرُوزِ ":
كُفْرُ هَؤُلاءِ مِمَّا لا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ ; بَلْ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ ; لا هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ ; بَلْ هُمْ الْكَفَرَةُ الضَّالُّونَ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُ طَعَامِهِمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ. فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ مُرْتَدُّونَ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ ; بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ; وَيُلْعَنُونَ كَمَا وُصِفُوا ; وَلا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ لِلْحِرَاسَةِ وَالْبِوَابَةِ وَالْحِفَاظِ. وَيَجِبُ قَتْلُ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ لِئَلا يُضِلُّوا غَيْرَهُمْ ; وَيَحْرُمُ النَّوْمُ مَعَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ ; وَرُفْقَتِهِمْ ; وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ إذَا عُلِمَ مَوْتُهَا. وَيَحْرُمُ عَلَى وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إضَاعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَرَاهُ الْمُقِيمُ لا الْمُقَامُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التكلان اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
"مجلة البحوث الإسلامية" (36/85-89) .(1/1185)
لم يمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده لأحد من قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما القول الحق فيما يروى عن أحد أئمة الصوفية المعروفين وهو السيد أحمد الرفاعي من أنه زار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ودعا عند القبر فمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده الشريفة له وقبلها وهذا مستفيض عند أتباع طريقته وفي حكم الجزم عندهم مع أنه عاش في القرن السادس الهجري فما مدى صحة ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا أمر باطل ولا أساس له من الصحة، لأنه صلى الله عليه وسلم قد توفي الموتة التي كتبها الله عليه كما قال سبحانه: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي) قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك وقد أرمت؟ قال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولم يقل في شيء منها أنه يصافح أحداً، فدل ذلك على بطلان هذه الحكاية، ولو فرضنا صحة ذلك فإن ذلك يحمل على أنه شيطان صافحه ليلبس عليه أمره، ويفتنه ومن بعده، فالواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يتمسكوا بشرعه الذي دل عليه كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين، وأن يحذروا ما يخالف ذلك، أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في دينه والتمسك بشريعته إنه جواد كريم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/310.(1/1186)
ماذا إذا سئلت عن مذهبي
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما يسألني بعض الأخوة الوافدون عن مذهبي هل أنا حنبلي أم شافعي.. الخ، وأنا في الحقيقة أجهل ذلك الأمر تماماً، فقط يكفيني أنني مسلم، إذا أشكل عليّ شيء من أمر ديني أسأل العلماء.. فما هو توجيه فضيلتكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
يكفيك أنك مسلم متبع للشريعة فأما المذهب الحنبلي أو الشافعي فلا يلزم التقيد به، لكن أولئك العلماء كان لهم مكانة مرفوعة مشهورة بين الأمة، ودونت أقوالهم فاتبعها أصحابهم وأتباعهم، فأصبحت مذاهب معترفاً بها، مع أنهم متفقون في باب المعتقد والتوحيد وكذا متقاربون في الفروع لكن بعضهم قد يخفى عليه الدليل أو وجه الدليل فيجتهد ويفتي بحسب اجتهاده، ولا يُلزم غيره بما قال به، لكن أولئك الأتباع تعصب أكثرهم، وتقيد بأقوال أولئك الأئمة ولو كانت مخالفة للدليل، وتكلفوا في رد النصوص حتى توافق ما ذهبوا إليه، فعلى هذا ننصح العامة بأن ينتموا إلى الإسلام، وأن يرجعوا فيما أشكل عليهم إلى العلماء المعتبرين، وإلى مؤلفات أهل العلم الذين عرف عنهم النصح للإسلام والمسلمين والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 30.(1/1187)
هل مشايخ الصّوفية متصلون بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مكان الصوفية في الإسلام؟ ما صحة القول بأن هناك عبّاد وأولياء يتّصلون بالله، بعض الناس يعتقدون بهذه الظاهرة وأنّ هناك ما يُثبت ذلك في الأديان المختلفة والأنحاء المختلفة في الأرض.
كيف تمكن رؤية الذين يدعون بأنهم صوفية أو تابعين للصوفيين؟
أليست الصلاة والذكر نوع من الاتصال بالله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يعرف الإسلام اسم الصوفية في زمن الرسول وصحابته والتابعين حتى جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فأطلقوا هذا الاسم عليهم، وقيل مأخوذ من كلمة صوفيا ومعناها الحكمة باليونانية وليست مأخوذة من الصفاء كما يدعي بعضهم لأن النسبة إلى الصفاء صفائي وليست صوفي.
وظهور هذا الاسم الجديد والطائفة التي تحمله زاد الفرقة في المسلمين، وقد اختلف الصوفية الأوائل عن الصوفية المتأخرة التي انتشرت فيها البدع بشكل أكبر وعمّ فيهم الشرك الأصغر والأكبر وبدعهم مما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه الترمذي وقال حسن صحيح
وفيما يلي مقارنة بين معتقدات الصوفية وطقوسها وبين الإسلام المبني على القرآن والسنّة:
الصوفية: لها طرق متعددة كالتيجانية والقادرية والنقشبندية والشاذلية والرفاعية وغيرها من الطرق التي يدعي أصحابه أنهم على الحق وغيرهم على الباطل والإسلام ينهى عن التفرق ويقول الله تعالى { ... ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون} (سورة الروم الآيات 31-32) .
الصوفية: عبدوا غير الله من الأنبياء والأولياء الأحياء والأموات فهم يقولون (يا جيلاني ويا رفاعي ويا رسول الله غوثاً ومدد، ويا رسول الله عليك المعتمد) .
والله ينهى عن دعاء غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو ويعدّه شركاً إذ يقول {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين} سورة يونس،آية 106.
الصوفية: تعتقد أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأولياء سلّم الله لهم تصريف الأمور وتدبيرها والله يحكي جواب المشركين حين يسألهم: {ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} سورة يونس: 31. فمشركو العرب أعرف بالله من هؤلاء الصوفية.
والصوفية يلجأون لغير الله عند نزول المصائب والله يقول: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} .
بعض الصوفية: يعتقد بوحدة الوجود فليس عندهم خالق ومخلوق فالكل خلق والكل إله.
الصوفية: تدعو إلى الزهد في الحياة وترك الأخذ بالأسباب وعدم الجهاد والله تعالى يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (سورة القصص،آية 77) .
{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (سورة الأنفال،آية 60) .
الصوفية: تعطي مرتبة الإحسان إلى شيوخهم وتطلب من المريدين أن يتصورا شيخهم عندما يذكرون الله حتى في صلاتهم وكان بعضهم يضع صورة شيخه أمامه في الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". رواه مسلم.
الصوفية: تبيح الرقص والدف والمعازف ورفع الصوت بالذكر والله تعالى يقول {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} (سورة الأنفال، آية 3) .
ثم تراهم يذكرون بلفظ الجلالة: الله فقط فيقولون الله، الله، الله وهذه بدعة وكلام غير مفيد لمعنى شرعي بل يصلون إلى حدّ التلفظ بكلمة (أهـ، أهـ) . أو هو، هو. والإسلام والسنة أن يذكر المسلم ربّه بكلام مفيد صحيح يُؤجر عليه كقوله: سبحان الله والحمد له ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك.
الصوفية تتغزل باسم النساء والصبيان في مجالس الذكر فيرددون اسم الحب والعشق والهوى وغيرها وكأنهم في مجلس طرب فيه الرقص وذكر الخمر مع التصفيق والصياح وكلّ هذا من عادة المشركين وعبادتهم قال الله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} سورة الأنفال آية 35. (المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق) .
بعض الصوفية يضرب نفسه بسيخ حديد قائلاً (يا جداه) فتأتيه الشياطين ليساعدوه على فعله لأنه استغاث بغير الله، قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} سورة الزخرف، آية 36.
الصوفية: تدعي الكشف وعلم الغيب والقرآن يكذبهم: قال عزّ وجلّ: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} . (سورة النمل آية 65) .
الصوفية: تزعم أن الله خلق الدنيا لأجل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن يكذبهم قائلاً {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (سورة الذرايات آية 56) .
وخاطب الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} سورة الحجر آية 99) .
الصوفية: تزعم رؤية الله في الدنيا والقرآن يكذبهم حين قال على لسان موسى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني} (سورة الأعراف، آية 143) .
الصوفية: تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة فهل هم أفضل من الصحابة؟
الصوفية: تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون: حدثني قلبي عن ربي.
الصوفي: تقيم الموالد والاجتماع باسم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون تعاليمه حينما يرفعون أصواتهم في الذكر والأناشيد والقصائد التي فيها الشرك الصريح. وهل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولده أو أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والأئمة الأربعة وغيرهم فمن أعلم وأصحّ عبادة هؤلاء أم الصوفية.
الصوفية: تشد الرحال إلى القبور للتبرك بأهلها أو للطواف حولها أو الذبح عندها مخالفين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه.
الصوفية: تتعصب لشيوخها ولو خالفت قول الله ورسوله، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} سورة الحجرات آية 1.
الصوفية: تستعمل الطلاسم والحروف والأرقام لعمل الاستخارة والتمائم والحجب وغير ذلك.
الصوفية: لا تتقيد بالصلوات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل يبتدعون صلوات فيها التبرك الصريح والشّرك الفظيع الذي لا يرضاه الذي يصلون عليه.
أما السؤال عن صحة اتصال مشايخ الصوفية فهي صحيحة لكنها مع الشياطين وليس مع الله
فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه} الأنعام (112) . وقال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} الأنعام /121) .
وقال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) الشعراء 121/222) . فهذا هو الاتصال الذي يحدث حقيقة، لا الاتصال الذين يزعمونه زوراً وبهتاناً من اتصالهم بالله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، يُنظر معجم البدع: 346- 359
واختفاء بعض مشايخ الصوفية فجأة عن أنظار أتباعهم هو نتيجة لهذا الاتّصال مع الشياطين حتى لربما حملوهم إلى أماكن بعيدة وعادوا بهم في اليوم نفسه أو الليلة نفسها إضلالا للبشر من أتْباعهم.
ولذلك كانت القاعدة العظيمة أننا لا نزن الأشخاص بالخوارق التي تظهر على أيديهم وإنما بحسب بعدهم وقربهم والتزامهم بالكتاب والسنّة، وأولياء الله حقّا لا يُشترط أن تظهر لهم خوارق بل هم الذين يعبدون الله بما شرع ولا يعبدونه بالبدع، أولياء الله الذين ذكرهم ربنا في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في الصحيح 5/2384 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ". والله الموفق والهادي إلى طريق الصّواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1188)
صفات الطائفة المنصورة أهل السنّة والجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط الجماعة التي يجب أن يتبّعها المسلم شرعا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم اتباع الحقّ والسير في ركاب الطائفة المنصورة أهل السنّة والجماعة أتباع السَلف الصالح يحبهم في الله أينما كانوا في بلده أو في غير بلده ويتعاون معهم على البرّ والتقوى وينصر معهم دين الله تعالى.
أما أوصاف هذه الطائفة المنصورة
فقد ورد في شأنها عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:
عن معاوية رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله) .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) .
ويؤخذ من هذه الأحاديث عدة أمور:
الأول:
قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي) . فيه دليل على أنّها فئة من الأمّة وليست كل الأمّة، وفيه إيماءة إلى أن هناك فئات أخرى، وطوائف أخرى.
الثاني:
قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يضرهم من خالفهم) . يدلّ على أن هناك فرقاً أخرى تخالف الطائفة المنصورة فيما هم عليه من أمر الدين، وهذا كذلك يوافق مدلول حديث الافتراق حيث إن الفرق الثنتين والسبعين تخالف الفرقة الناجية فيما هم عليه من الحق.
الثالث:
كلا الحديثين يحمل البشرى لأهل الحق، فحديث الطائفة المنصورة يبشّرهم بالظفر والنصر والظهور في الدنيا.
الرابع:
والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم ((حتى يأتي أمر الله)) أي الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة.
ولا ينافي هذا حديث: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة. لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها.
صفات الطائفة المنصورة
يؤخذ من مجموع الأحاديث المتقدمة والروايات الأخرى الصفات التالية للطائفة المنصورة:
1- أنها على حق:
فجاء الحديث بأنهم (على حق) .
وأنهم (على أمر الله) .
وأنهم (على هذا الأمر) .
وأنهم (على الدين) .
وهذه الألفاظ تجتمع في الدلالة على استقامتهم على الدين الصحيح الذي بعث به محمد
صلى الله عليه وسلم.
2 - أنها قائمة بأمر الله:
وقيامهم بأمر الله يعني:
أــ أنهم تميزوا عن سائر الناس بحمل راية الدعوة إلى الله.
ب ــ وأنهم قائمون بمهمة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
3 - أنها ظاهرة إلى قيام الساعة:
وقد وصفت الأحاديث هذه الطائفة بكونهم: (لا يزالون ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) .
وبكونهم (ظاهرين على الحق) أو (على الحق ظاهرين) .
أو (ظاهرين إلى يوم القيامة) .
أو (ظاهرين على من ناوأهم) .
وهذا الظهور يشمل
ـ: الوضوح والبيان وعدم الاستتار فهم معرفون بارزون مستعلون.
ـ: ثباتهم على ما هم عليه من الحق والدين والاستقامة والقيام بأمر الله وجهاد أعدائه.
ـ: الظهور بمعنى الغلبة
4 - أنها صابرة مصابرة:
عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر.)
من هم أهل الطائفة المنصورة؟
قال البخاري: (هم أهل العلم) .
وذكر كثير من العلماء أن المقصود بالطائفة المنصورة هم: (أهل الحديث)
وقال النووي: (ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدّثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أنواع أخرى من الخير.)
وقال أيضا: (يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين
شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسّر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد) .
وقال ابن حجر رحمه الله - مفصّلاً القول في المسألة (ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله)
وكلام العلماء يدور على أن هذه الطائفة ليست محصورة في فئة معينة من الناس كما أنها ليست محددة ببلد معين، وإن كان آخرها يكون بالشام وتقاتل الدجال كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن المشتغلين بعلم الشريعة - عقيدة وفقها وحديثا وتفسيرا وتعلما وتعليما ودعوة وتطبيقا - هم أولى القوم بصفة الطائفة المنصورة وهم الأولى بالدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على أهل البدع إذ أن ذلك كله لابد أن يقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الوحي.
نسأل الله أن يجعلنا منهم، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1189)
طائفة ضالة يستحلون أموال الناس ولا ينظرون إلى غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[في إندونيسيا هناك جماعة لهم قوانين غريبة (قوانين متشددة جداً) .
قوانينهم تسمح لهم بأن يستعملوا أشياء الناس بدون إذن لأنهم يقولون بأنها ملك لله. لا يتكلمون أو يلمسون أو ينظرون إلى أحد إلا إذا كان من جماعتهم.
ومن قوانينهم أنهم لا يؤمنون بالعلوم الطبيعية التي يدرّسها لهم المدرسون، مثال: الجاذبية الأرضية لا تهم والمهم أن لا نجيب على شيء (أو نبحث عن الإجابة) لأن الله يعلمها.
سؤالي هو: هل هذه الجماعة على الطريق المستقيم؟ هذه الجماعة تشوش علينا كثيراً فالرجاء أجب على هذا السؤال والسلام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بحسب ما ورد في السؤال فإنّ هذه جماعة شاذّة وضالة في أفكارها ومعتقداتها ومعاملاتها والعجيب أنّك تقول بأن لهم قوانين متشددّة جدّا ثمّ يتساهلون هذا التساهل الشنيع ويتعدّون الحدود باستعمال ممتلكات الناس دون إذنهم وهذا ظلم وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) سورة الشورى
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " رواه مسلم 4650 وقال عليه الصلاة والسلام: " أَلا وَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. " رواه الإمام أحمد 20170
فخالق الأموال وربّها هو الذي حرّم الاعتداء على أموال النّاس التي يرزقهم إياها في الدنيا ويأذن لهم بتملكها فكيف يُقدم هؤلاء على مخالفة أحكام الله عزّ وجلّ بهذا التبرير الفاسد الذي يقولونه، ثمّ يتّضح غلوّ هؤلاء بجلاء في عدم لمسهم من ليس من طائفتهم ومنع التحدّث مع من هو من غير ملّتهم وإنني أتعجّب كيف يعيش هؤلاء بين النّاس إذا كانوا لا يُجيزون النّظر إلى غيرهم؟!!
ثمّ هم يعطّلون النّظر في السماوات والأرض ومعرفة ما خلق الله فيهما بمنعهم البحث في العلوم ومعرفة إجابات الأسئلة حول الظّواهر الطّبيعية وقد قال الله عزّ وجلّ: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) سورة العنكبوت، وقال تعالى: (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) سورة يونس 101 وقال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) سورة الغاشية، إلى غير ذلك من النصوص الدّالة على التفكّر في الكون ومعرفة ما خلق الله.
إنّ أفكار مثل هؤلاء لا تروج إلا في مجتمعات الجهل وبين الأغبياء والسذّج الذين لا يعرفون قواعد دين الإسلام والواجب نصح هذه الطائفة الضّالة ودعوتهم إلى الحقّ وتحذير النّاس من باطلهم، وقانا الله وإياكم الزّيغ والبدع والضلال، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1190)
ما هو أصح المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أي الأئمة الأربعة على الطريق الصحيح وعلى جماعة المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى تعبدنا بكتابه العزيز وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والحق أن نفهم النصوص الشرعية بفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم من العلماء المجتهدين المعتبرين ومن هؤلاء الأئمة المشهود لهم بالصدق والعدالة والإمامة في الدين والعلم والفضل والخير والصلاح؛ الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية (الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد) رحم الله الجميع، وكل هؤلاء متبعون للنصوص الشرعية، وكان حرصهم وتعليمهم ونشرهم إنما هو للعلم الشرعي الصحيح، وكلهم على الطريق الصحيح، وكلهم متبعون للنبي صلى الله عليه وسلم حريصون على ذلك، أما الخطأ فهو واقع حتى من الصحابة؛ لكن المسائل المتبعة في الشرع هي التي قام عليها الدليل وقد يخفى الدليل على بعض العلماء وقد يظهر لغيره أدلة أخرى وهذا لا يقدح في علمهم وعدالتهم، فكلهم يطلب الحق وينشره، وإذا أراد السائل أن يتبع إماما منهم يكون على مذهبه فيوافقه فيما قام عليه الدليل الصحيح الصريح فإن هذا هو المطلوب، ولكن لا يتعصب لأحد، ولا يجوز أن يعتقد وجوب اتباع أحد غير النبي في كل ما يقول.
والمؤهل للنظر في كلام العلماء ما وافقه الدليل، والعامي الذي لا يعرف النظر في الأدلة والموازنة يقلد من يثق بدينه وعلمه من العلماء ويعمل بفتواه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1191)
يسأل عن الصوفية وجماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فرقة "الدعوة والتبليغ" من الفرق الضالة وماذا عن "الصوفية"؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المهم أن نعلم أولا أن مصطلح التصوف والصوفية من المصطلحات الحادثة، والتي لم يعلق عليها مدح شرعي، فتمدح ـ أو يمدح صاحبها ـ بإطلاق، مثل أسماء الإيمان، والإسلام، والإحسان، ولم يعلق عليها أيضا ذم شرعي، فتذم ـ أو يذم صاحبها ـ أيضا بإطلاق، مثل ألفاظ الكفر والفسوق والعصيان.
وما كان كذلك فإنه ينبغي الاستفصال عن حقيقة حاله، وما يراد به قبل إطلاق القول فيه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها، وإن سميت فقرا أو تصوفا؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب، كالتوبة والصبر ... وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله؛ كما يدخل فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعا من الرهبانية المبتدعة في الإسلام، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة، إلى أمور ابتدعوها، إلى أشياء أخر، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت، ... وقد يدخل فيها التقييد بلبسة معينة، وعادة معينة، في الأقوال والأفعال، بحيث من خرج عن ذلك عد خارجا عن ذلك، وليست من الأمور التي تعينت بالكتاب والسنة، بل إما أن تكون مباحة، وإما أن تكون ملازمتها مكروهة، فهذا بدعة ينهى عنه، وليس هذا من لوازم طريق الله وأوليائه، فهذا وأمثاله من البدع والضلالات يوجد في المنتسبين إلى طريق الفقر، كما يوجد في المنتسبين إلى العلم أنواع من البدع في الاعتقاد والكلام المخالف للكتاب والسنة، والتقيد بألفاظ واصطلاحات لا أصل لها في الشريعة، فقد وقع كثير من هذا في طريق هؤلاء.
والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وأطاعوا الله ورسوله، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه الله ورسوله، ويقبل من كل طائفة ما جاء به الرسول،.....،ومتى تحرى الإنسان الحق والعدل، بعلم ومعرفة، كان من أولياء الله المفلحين، وحزبه الغالبين.) انتهى. (الفتاوى 11/280ـ29) .
غير أن ما قاله شيخ الإسلام من التفصيل في حال المنتسبين إلى التصوف يوشك أن يكون نظريا في واقعنا المعاصر، حيث صارت المحاذير التي أشار إليها شيخ الإسلام ملازمة لمسلك المنتسبين إلى التصوف في زماننا، فضلا عما التزموه من الأعياد والموالد المبتدعة، وغلوهم في مشايخهم الأحياء، وتعلقهم بالمشاهد والقبور، يصلون عندها، ويطوفون حولها، وينذرون لها، إلى آخر ما هو معلوم من مسالكهم. ولهذا كله كان إطلاق القول بالتحذير من مسالكهم متوجها الآن، وهو الذي اعتمدته اللجنة الدائمة في جوابها عن سؤال حول حكم الطرق الصوفية الموجودة الآن، فقالت:
(الغالب على ما يسمى بالتصوف الآن العمل بالبدع الشركية، مع بدع أخرى، كقول بعضهم: مدد يا سيد، وندائهم الأقطاب، وذكرهم الجماعي، فيما لم يسم الله به نفسه، مثل: هو هو، وآه آه، ومن قرأ كتبهم عرف كثيرا من بدعهم الشركية، وغيرها من المنكرات.) اهـ
وأما جماعة التبليغ فهي من الجماعات العاملة في حقل الدعوة إلى الله، لها الكثير من الحسنات، والجهد المشكور؛ وكم تاب على أيديهم من عاص، وتنسك من فاسق، إلا أنها لا تخلو من بعض البدع في العلم والعمل، نبه عليها أهل العلم، لكنها لا توصف على كل حال بأنها من الفرق الضالة. وقد سبق قول شيخ الإسلام: والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة.
وانظر تفصيلا أكثر حول هذه الجماعة في الجواب عن السؤال (8674) ، (39349) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1192)
نبذة عن مذهب الإمام أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة عن الإمام أبي حنيفة وعن مذهبه حيث أنني أسمع البعض ينتقصون من مذهب الإمام وذلك لاعتماده في كثير من الأحيان على القياس والرأي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإمام أبو حنيفة هو فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، وروى عن عطاء بن أبي رباح وهو أكبر شيخ له، وعن الشعبي وغيرهم كثير.
وقد عني رحمه الله بطلب الآثار وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك كما يقول الإمام الذهبي، حتى قال:" وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين رضي الله عنه ورحمه "
وكان الإمام فصيح اللسان عذب المنطق، حتى وصفه تلميذه أبو يوسف بقوله:" كان أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما يريد "، وكان ورعا تقيا، شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، عرضت عليه الدنيا والأموال العظيمة فنبذها وراء ظهره، حتى ضُرب بالسياط ليقبل تولي القضاء أو بيت المال فأبى.
حدث عنه خلق كثير، وتوفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة. [سير أعلام النبلاء 6 \ 390 – 403، أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ص 63]
أما المذهب الحنفي فهو أحد المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة، وهو أول المذاهب الفقهية، حتى قيل:" الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة "، وأصل المذهب الحنفي وباقي المذاهب أن هؤلاء الأئمة - أعني أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - كانوا يجتهدون في فهم أدلة القرآن والسنة، ويفتون الناس بحسب الدليل الذي وصل إليهم، ثم أخذ أتباع أولئك الأئمة فتاوى الأئمة ونشروها وقاسوا عليها، وقعدوا لها القواعد، ووضعوا لها الضوابط والأصول، حتى تكوَّن المذهب الفقهي، فتكوَّن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي وتكوّنت مذاهب أخرى كمذهب الأوزاعي وسفيان لكنه لم يُكتب لها الاستمرار.
وكما ترى فإن أساس تلك المذاهب الفقهية كان قائما على اتباع الكتاب والسنة.
أما الرأي والقياس الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة، فليس المراد به الهوى والتشهي، وإنما هو الرأي المبني على الدليل أو القرائن أو متابعة الأصول العامة للشريعة، وقد كان السلف يطلقون على الاجتهاد في المسائل المشكلة " رأيا " كما قال كثير منهم في تفسير آيات من كتاب الله: أقول فيها برأيي، أي باجتهادي، وليس المراد التشهي والهوى كما سبق.
وقد توسع الإمام أبو حنيفة في الأخذ بالرأي والقياس في غير الحدود والكفارات والتقديرات الشرعية، والسبب في ذلك أنه أقل من غيره من الأئمة في رواية الحديث لتقدم عهده على عهد بقية الأئمة، ولتشدده في رواية الحديث بسبب فشو الكذب في العراق في زمانه وكثرة الفتن.
ويجب ملاحظة أن المذهب الحنفي المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة، ليس كل الأقوال والآراء التي فيه هي من كلام أبي حنيفة، أو تصح أن تنسب إليه، فعدد غير قليل من تلك الأقوال مخالف لنص الإمام أبي حنيفة نفسه، وإنما جعل من مذهبه بناء على تقعيدات المذهب المستنبطة من نصوص أخرى للإمام، كما أن المذهب الحنفي قد يعتمد رأي التلميذ كأبي يوسف ومحمد، إضافة إلى أن المذهب يضم اجتهادات لتلاميذ الإمام، قد تصبح فيما بعد هي المذهب، وليس هذا خاصا بمذهب أبي حنيفة، بل قل مثل ذلك في سائر المذاهب المشهورة.
فإن قيل: إذا كان مستند المذاهب الأربعة في الأصل الكتاب والسنة، فلماذا وجدنا اختلافا في الآراء الفقهية بينها؟
فالجواب: أن كل إمام كان يفتي بحسب ما وصل إليه من دليل، فقد يصل إلى الإمام مالك حديث فيفتي به، ولا يصل إلى الإمام أبي حنيفة، فيفتي بخلافه، والعكس صحيح، كما إنه قد يصل إلى أبي حنيفة حديث ما بسند صحيح فيفتي به، ويصل إلى الإمام الشافعي نفس الحديث لكن بسند آخر ضعيف فلا يفتي به، ويفتي بأمر آخر مخالف للحديث بناء على ما أداه إليه اجتهاده، ولأجل هذا حصل الخلاف بين الأئمة - وهذا باختصار -، لكن المعول والمرجع في النهاية لهم جميعا إلى الكتاب والسنة.
ثم إن الإمام أبا حنيفة وغيره من الأئمة في حقيقة أمرهم وسيرتهم قد أخذوا بنصوص الكتاب والسنة، وإن لم يفتوا بها، وبيان ذلك أن كل الأئمة الأربعة قد نصوا على أنه إن صح حديث ما فهو مذهبهم، وبه يأخذون، وبه يفتون، وعليه يستندون.
قال الإمام أبو حنيفة:" إذا صح الحديث فهو مذهبي "، وقال رحمه الله:" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه "، وفي رواية عنه:" حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي "، زاد في رواية أخرى:" فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "، وقال رحمه الله:" إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي "
وقال الإمام مالك رحمه الله:" إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "، وقال رحمه الله:" ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم "
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:" ما من أخذ إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه - أي تغيب -، فمهما قلت من قول، أو أصَّلت من أصل، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قولي "
وقال الإمام أحمد:" لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا "، وقال رحمه الله:" رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار - أي الأدلة الشرعية "
هذه نبذه يسيرة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومذهبه، وختاما: لا يسع المسلم إلا أن يعرف لهؤلاء فضلهم، ومكانتهم، على أن ذلك لا يدعوه إلى تقديم أقوالهم على كتاب الله، وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسم -، فإن الأصل اتباع الكتاب والسنة لا أقوال الرجال، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسم - كما قال الإمام مالك رحمه الله.
ولمزيد من الفائدة انظر (5523، 13189، 23280، 21420)
وانظر المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية لعمر الأشقر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1193)
حول طائفة القرآنيين الضالة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جماعة تطلق على نفسها (القرآنيين) وتدعي أنها لن تتبع إلا القرآن، فما رأيك بقولهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أثار بعض الناس أن السنة ليست مصدراً للتشريع، وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقالوا: إن أمامنا القرآن، نحل حلاله، ونحرم حرامه، والسنة كما يزعمون قد دس فيها أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) الفتح الكبير 3/438 ورواه الترمذي باختلاف في اللفظ، وقال: حسن صحيح (سنن الترمذي بشرح ابن العربي ط الصاوي 10/132) وهؤلاء ليسوا بقرآنيين، لأن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية، واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) سورة النساء/80، بل إن القرآن الكريم الذي تدعون التمسك به نفى الإيمان عمن رفض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقبل حكمه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) سورة النساء /65.
وقولهم: إن السنة قد دست فيها أحاديث موضوعة مردود بأن علماء هذه الأمة قد عنوا أشد العناية بتنقية السنة من كل دخيل، واعتبروا الشك في صدق راو من الرواة أو احتمال سهوه رداً للحديث. وقد شهد أعداء هذه الأمة بأنه ليست هناك أمة عنيت بالسند وبتنقيح الأخبار ولا سيما المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كهذه الأمة.
ويكفي لوجوب العمل بالحديث معرفة صحّته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بإبلاغ دعوته بإرسال واحد من الصحابة مما يدل على أن خبر الواحد الثقة يجب العمل به.
ثم نسأل هؤلاء أين هي الآيات التي تدل على كيفية الصلاة، وعلى أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى أنصبة الزكاة، وعلى تفاصيل أعمال الحج، وغير ذلك من الأحكام التي لا يمكن معرفتها إلا بالسنة. الموسوعة الفقهية 1/44
ولمزيد من معرفة الأدلة الشرعية على حجية السنة النبوية يُنظر السؤال رقم 604.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1194)
بعضهم يزعم أنّ هناك آية تؤيّد مذهب الصوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح آية 69 من سورة 4؟ البعض قال بأن هذه الآية هي التي سوغت للناس الصوفية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الآية التي تسأل عنها هي قول الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) سورة النساء 69. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (أي من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم. ثم أثنى عليهم تعالى فقال: (وحسن أولئك رفيقا) .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة) وكان في شكواه الذي قبض فيه، فأخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) فعلمت أنه خيّر) . تفسير ابن كثير
ثم ذكر رحمه الله تعالى بعض ما روي في سبب نزول الآية، ثم قال: (وأعظم من هذا كله بشارة: ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ أي لم يصل إلى مرتبتهم في العمل الصالح، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث، إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرجو أن يبعثني الله معهم وإن لم أعمل بعملهم) . انتهى
فليس في الآية كما ترى أي مسوغ للصوفية أو لمذهبهم.
وإن كان الصوفية صادقين فليطيعوا الله ورسوله ويلتزموا بشرعه - كما نصّت عليه الآية - ليكونوا من الفائزين، أما أن يدّعوا معرفة الأولياء بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله ويجعلوا الطّواف بالقبور والطلب من الموتى عبادة وقُربة وهو في الحقيقة استغاثة بغير الله وكفر وشرك، ويقولون إنّ الله يوحي إلينا بأمور يُلقيها في قلوبنا زائدة على ما في القرآن والسنّة، وأنّ الخواص ليسوا ملزمين بشريعة الإسلام المفروضة على العوام، ويبتدعون أذكارا يواظبون عليها ليست في الكتاب ولا في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ بعد هذا كله يريدون أن يكونوا من الفائزين ومع النبيين والصّديقين فهيهات هيهات بل هم مع الشياطين والمشركين، نسأل الله السلامة والعافية، رزقنا الله وإياك حب نبيه صلى الله عليه وسلم وحب صحابته الكرام وجمعنا بهم في مقعد صدق عنده إنه مليك مقتدر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1195)
هل يقدم المذهب على الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بالأحاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمذهب، يتبع أهل بلادي مذهب الإمام الشافعي. وفي بعض الحالات فإن المذهب يُقدم على الحديث والسنة، فهل أتبع المذهب أم السنة في هذه الحالة؟
على سبيل المثال، ينتقض وضوء الرجل، في المذهب الشافعي، إذا لمس الرجل امرأة عامدا أو عن طريق الخطأ، وسواء أكانت من المحارم أم ليست من المحارم. وقد وجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك رجل عائشة رضي الله عنها أثناء تأديته لصلوات الفجر.
مثلا: يُعلم المسلمون في بلادي أنه أثناء الحج فإن نية الوضوء تحول من المذهب الشافعي إلى المذهب الحنبلي، وهم يتوضئون كما يفعل أتباع المذهب الحنبلي. والسبب وراء ذلك هو ذاته الوارد في المثال أعلاه. فهل يصح هذا، أي التحول من مذهب لآخر أثناء تأدية الحج؟
مثلا، في المذهب الشافعي، يُعد دعاء القنوت أثناء صلاة الفجر سنة مؤكدة. فهل فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أثناء صلاة الفجر؟ وما هو الحكم في من لا يقنت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب اتباع ما دلَّ عليه الدليل من الكتاب والسنة وإن خالف المذهب المتبوع، لكن لابد أن يكون فهم الكتاب والسنة كما فهمه السلف لا بأفهامنا المجردة، والمقصود بالسلف الصحابة والتابعين.
والمثال الذي ذكرته القول الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء أكان بشهوة أم بدونها، لحديث أنه صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) إلا أن يخرج منه شيء بسبب الشهوة فيتوضأ لا للمس ولكن للخارج منه.
وأما الآية وهي قوله تعالى: (أو لامستم النساء) فالمراد به الجماع على الصحيح.
2- لا تحتاج إلى التحول من مذهب على مذهب وفريضة الحج تُؤدى كما أدها النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) .
3- القنوت في الفجر الصحيح أنه سنة عند النوازل فقط يعني إذا نزلت بالمسلمين أو بعضهم مصيبة فإنه يستحب أن يُقنَت ويُدعى الله تعالى ليصرفها عنهم، أما في الحالات المعتادة فالصحيح أنه لا يستحب هذا ما دل عليه الدليل. ومن ترك القنوت فصلاته صحيحة حتى عند الشافعية رحمهم الله. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1196)
جماعة الأحباش
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في الطائفة التي ظهرت وتدعى بـ (الأحباش) ؟ ما هو موقفنا تجاههم؟ وما هي أخطاؤهم في العقيدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أما بعد ك
فقد ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة واستفسارات حول (جماعة الأحباش) والشخص الذي تنتمي إليه، المدعو / عبد الله الحبشي، القاطنة في لبنان، ولها جمعيات نشطة في بعض دول أوروبا وأمريكا وأستراليا، فاستعرضت اللجنة لذلك ما نشرته هذه الجماعة من كتب ومقالات، توضح فيها اعتقادها وأفكارها ودعوتها، وبعد الاطلاع والتأمل فإن اللجنة تبين لعموم المسلمين ما يلي:
أولاً: ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " وله ألفاظ أخر، وقال عليه الصلاة والسلام: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " رواه أحمد وأبوداود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وإن من أهم الخصال التي امتازت بها تلك القرون المفضلة، وحازت بها الخيرية على جميع الناس: تحكيم الكتاب والسنة في جميع الأمور، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان، وفهم جميع الأمور، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان، وفهم نصوص الوحيين الشريفين حسب القواعد الشرعية واللغة العربية، وأخذ الشريعة كلها بعمومها وكلياتها، وآحادها وجزئياتها، ورد النصوص المتشابهات إلى النصوص المحكمات، ولهذا استقاموا على الشريعة وعملوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، ولم يزيدوا فيها ولم ينقصوا، وكيف يحدث منهم زيادة أو نقص في الدين وهم مستمسكون بالنص المعصوم من الخطأ والزلل؟
ثانياً: ثم خلفت من بعدهم خلوف كثرت فيهم البدع والمحدثات، وأعجب كل ذي رأي برأيه، وهجرت النصوص الشرعية، وأولت وحرفت لتوافق الأهواء والمشارب، فشاقّوا بذلك الرسول الأمين، واتبعوا غير سبيل المؤمنين، والله سبحانه يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) ، ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أنه يقيض لها في كل عصر من العلماء الراسخين في العلم من يقوم في وجه كل بدعة تشوه جمال الدين، وتعكر صفوه، وتزاحم السنة أو تقضي عليها، وهذا تحقيق لوعد الله بحفظ دينه وشرعه في قوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها: " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله عز وجل، لا يضرها من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس "، وله ألفاظ أخرى.
ثالثاً: ظهرت في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري جماعة يتزعمها عبد الله الحبشي الذي نزح من الحبشة إلى الشام بضلالته، وتنقل بين دياره حتى استقر به المقام في لبنان، وأخذ يدعو الناس على طريقته، ويكثِّر أتباعه وينشر أفكاره التي هي أخلاط من اعتقادات الجهمية والمعتزلة والقبورية والصوفية، ويتعصب لها ويناظر من أجلها، ويطبع الكتب والصحف الداعية إليها.
والناظر فيما كتبته ونشرته هذه الطائفة يتبين لهم بجلاء أنهم خارجون في اعتقادهم عن جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة) فمن اعتقاداتهم الباطلة على سبيل المثال لا الحصر:
1- أنهم في مسألة الإيمان على مذهب أهل الإرجاء المذموم.
ومعلوم أن عقيدة المسلمين التي كانت التي كان عليها الصحابة والتابعون ومن سار على هديهم إلى يومنا هذا أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فلا بد أن يكون مع التصديق موافقة وانقياد وخضوع للشرع المطهر، وإلا فلا صحة لذلك الإيمان المُدَّعى.
وقد تكاثرت النقول عن السلف الصالح في تقرير هذه العقيدة، ومن ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر ".
2- ويجوزون الاستغاثة والاستعاذة والاستعانة بالأموات ودعائهم من دون الله تعالى، وهذا شرك أكبر بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين، وهذا الشرك هو دين المشركين الأولين من كفار قريش وغيرهم، كما قال الله سبحانه عنهم: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، وقال جل وعلا: (فاعبد الله مخلصاً له الدين * ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار) ، وقال سبحانه: (قل من ينجيكم من ظمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجّيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) ، وقال جل وعلا: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) ، وقال سبحانه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدعاء هو العبادة " أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على أن المشركين الأولين يعلمون أن الله هو الخالق الرازق النافع الضار، وإنما عبدوا آلهتهم ليشفعوا لهم عند الله، ويقربوهم لديه زلفى؛ فكفَّرهم سبحانه بذلك، وحكم بكفرهم وشركهم، وأمر نبيه بقتالهم حتى تكون العبادة لله وحده، كما قال سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ، وقد صنف العلماء في ذلك كتباً كثيرة، وأوضحوا فيها حقيقة الإسلام الذي بعث الله به رسله ن أنزل به كتبه، وبينوا فيها دين أهل الجاهلية وعقائدهم وأعمالهم المخالفة لشرع الله، ومن أحسن من كتب في ذلك ك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في كتبه الكثيرة، ومن أخصرها كتابه: (قاعدة جلية في التوسل والوسيلة) .
3- أن القرآن عندهم ليس كلام الله حقيقة.
ومعلوم بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين، أن الله تعالى يتكلم متى شاء، على الوجه اللائق بجلاله سبحانه، وأن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة، حروفه ومعانيه، كما قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ، وقال سبحانه: (وكلم الله موسى تكليماً) ، وقال جل وعلا: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) ، وقال سبحانه: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) ، وقال جل وعلا: (يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة. وتواتر عن السلف الصالح إثبات هذه العقيدة، كما نطقت بذلك نصوص القرآن والسنة ولله الحمد والمنة.
4- يرون وجوب تأويل النصوص الواردة في القرآن والسنة، في صفات الله جل وعلا، وهذا خلاف ما أجمع عليه المسلمون، من لدن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم، إلى يومنا هذا، فإنهم يعتقدون بوجوب الإيمان بما دلت عليه نصوص أسماء الله وصفاته من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ول يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله "، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: " نؤمن بها ونصدق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه ".
5- ومن عقائدهم الباطلة: نفي علو الله سبحانه على خلقه.
وعقيدة المسلمين التي دلت عليها آيات القرآن القطعية، والأحاديث النبوية، والفطرة السوية، والعقول الصريحة: أن الله جل جلاله، عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، لا يخفى عليه شيء من أمور عباده. قال الله تعالى: (ثم استوى على العرش) ، في سبعة مواضع في كتابه، وقال جل شأنه: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وقال جل وعلا: (وهو العلي العظيم) ، وقال جل وعز: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وقال جل جلاله: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) ، وغيرها من الآيات الكريمات. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح الشيء الكثير، ومنها: قصة المعراج المتواترة، وتجاوز النبي صلى الله عليه وسلم السماوات سماءً سماءً، حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقربه أو ناداه، وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة، فلم يزل يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى، ينزل من عند بره إلى عند موسى، فيسأله كم فرض عليه، فيخبره فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف.
ومنها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي "، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء "، وفي صحيح ابن خزيمة وسنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العرش فوق الماء، والله فوق العرش، والله يعلم ما أنتم عليه "، وفي صحيح مسلم وغيره في قصة الجارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال: " أعتقها فإنها مؤمنة ".
وعلى هذه العقيدة النقية درج المسلمون: الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله. ولعظم هذه المسألة وكثرة دلائلها التي تزيد على ألف دليل أفردها أهل العلم بالتصنيف، كالحافظ أبي عبد الله الذهبي في كتابه: (العلو للعلي الغفار) ، والحافظ ابن القيم في كتابه: (اجتماع الجيوش الإسلامية) .
6- إنهم يتكلمون في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق.
ومن ذلك تصريحهم بتفسيق معاوية رضي الله عنه، وهم بذلك يشابهون الرافضة - قبحهم الله - والواجب على المسلمين الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وحفظ ألسنتهم مع اعتقاد فضلهم، ومزية صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري ومسلم. ويقول جل وعلا: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ، وهذا الاعتقاد السليم نحو أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم هو اعتقاد أهل السنة والجماعة على مر القرون، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم ن ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) .
رابعاً: ومما يؤخذ على هذه الجماعة ظاهرة الشذوذ في فتاويها، ومصادمتها للنصوص الشرعية من قرآن وسنة، ومن أمثلة ذلك:
إباحتهم للقمار مع الكفار لسلب أموالهم، وتجويزهم سرقة زروعهم، وحيواناتهم، بشرط أن لا تؤدي السرقة إلى فتنة، وتجويزهم تعاطي الربا مع الكفار، وجواز تعامل المحتاج بأوراق اليانصيب المحرمة، ومن مخالفاتهم الصريحة أيضاً: تجويزهم النظر إلى المرأة الأجنبية في المرآة، أو على الشاشة ولو بشهوة، وأن استدامة النظر إلى المرأة الأجنبية ليس حراماً، وأن نظر الرجل إلى شيء من بدن المرأة التي لا تحل له ليس بحرام، وأن خروج المرأة متزينة متعطرة مع عدم قصدها استمالة الرجال إليها ليس بحرام، وإباحة الإختلاط بين الرجال والنساء، إلى غيرها من تلك الفتاوى الشاذة الخرقاء، التي فيها مناقضة للشريعة، وعدُّ ما هو من كبائر الذنوب من الأمور الجائزات المباحات. نسأل الله العافية من أسباب سخطه وعقوبته.
خامساً: ومن أساليبهم الوقحة للتنفير من علماء الأمة الراسخين -والإقبال على كتبهم، والاعتماد على نقولهم - سبهم وتقليلهم والحط من أقدارهم، بل وتكفيرهم، وعلى رؤوس هؤلاء العلماء: الإمام المجدد شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى، حتى إن المدعو: عبد الله الحبشي ألف كتاباً خاصاً في هذا الإمام المصلح، نسبه فيه إلى الضلال والغواية، وقوّله ما لم يقله، وافترى عليه، فالله حسيبه، وعند الله تجتمع الخصوم.
ومن ذلك أيضاً طعنهم في الإمام المجدد، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ودعوته الإصلاحية التي قام بها في قلب جزيرة العرب، فدعا الناس إلى توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به سبحانه، وإلى تعظيم نصوص القرآن والسنة والعمل بها، وإقامة السنن وإماتة البدع، فأحيا الله به ما اندرس من معالم الدين، وأمات به ما شاء من البدع والمحدثات،وانتشرت آثار هذه الدعوة - بفضل الله ومنته - في جميع أقطار العالم الإسلامي، وهدى الله بها كثيراً من الناس، فما كان من هذه الجماعة الضالة إلا أن صوبوا سهامهم نحو هذه الدعوة السنية ومن قام بها، فلفقوا الأكاذيب وروجوا الشبهات، وجحدوا ما فيها من الدعوة الصريحة إلى الكتاب والسنة، وفعلوا ذلك كله تنفيراً للناس من الحق، وقصداّ للصد عن سواء السبيل، عياذاً بالله من ذلك.
ولا شك أن بغض هذه الجماعة لهؤلاء الصفوة المباركة من علماء الأمة دليل على ما تنطوي عليه قلوبهم من الغل والحقد على كل داع إلى توحيد الله تعالى، والمتمسك بما كان عليه أهل القرون المفضلة من الاعتقاد والعمل، وأنهم بمعزل عن حقيقة الإسلام وجوهره.
سادساً: وبناء على ما سبق ذكره، وغيره مما لم يذكر؛ فإن اللجنة تقرر ما يلي:
1- أن جماعة الأحباش فرقة ضالة، خارجة عن جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة) ، وأن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق الذي كان عليه الصحابة والتابعون في جميع أبواب الدين والعمل والاعتقاد، وذلك خير لهم وأبقى.
2- لا يجوز الاعتماد على فتوى هذه الجماعة؛ لأنهم يستبيحون التدين بأقوال شاذة، بل ومخالفة لنصوص القرآن والسنة، ويعتمدون الأقوال البعيدة الفاسدة لبعض النصوص الشرعية، وكل ذلك يطرح الثقة بفتاويهم والاعتماد عليها من عموم المسلمين.
3- عدم الثقة بكلامهم على الأحاديث النبوية، سواء من جهة الأسانيد أو من جهة المعاني.
4- يجب على المسلمين في كل مكان الحذر والتحذير من هذه الجماعة الضالة، ومن الوقوع في حبائلها تحت أي اسم أو شعار، واحتساب النصح لأتباعه والمخدوعين بها، وبيان فساد أفكارهم وعقائدهم.
واللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس تسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يصلح أحوالهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحوهم، وأن يكفي السلمين شرورهم، والله على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 323.(1/1197)
حقيقة الشيخين الجيلاني وابن عبد الوهاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك في الشيخ عبد القادر الجيلاني؟
لقد سمعت بعض القصص السيئة عن عبد الوهاب وكيف خزى الإسلام. ما رأيك فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عند الكلام في الناس أن يكون بعلم وعدل. والرجل الذي له في الدين مقامات محمودة ينبغي أن يُعرف له فضله، ولا يمنع ذلك من تخطئته إن أخطأ. وهذه القاعدة العامة المذكورة تنطبق على الشيخ عبد القادر الجيلاني وغيره من علماء المسلمين.
والشيخ عبد القادر - رحمه الله - من أئمة الإسلام الذين انتهت إليهم الرئاسة على مسلمي زمانه علما وعملا وإفتاء وغير ذلك من مقامات الدين. وقد كان رحمه الله من أعظم مشايخ زمانه أمرا بالالتزام بالشرع والأمر والنهي وتقديم ذلك على كل شيء. وكان زاهداً واعظا يتوب في مجالسه الخلق الكثير من الناس. وقد أجمل الله ذكره ونشر بين العالمين فضله - رحمه الله رحمة واسعة -.
والشيخ عبد القادر كان متبعا لا مبتدعا، وكان على طريقة السلف الصالح يحث في مؤلفاته على اتباع السلف، ويأمر أتباعه بذلك. وكان يأمر بترك الابتداع في الدين، ويصرح بمخالفته للمتكلمين من الأشاعرة ونحوهم.
والشيخ موافق لأهل السنة والجماعة - أهل الحق - في جميع مسائل العقيدة من مسائل التوحيد والإيمان والنبوات واليوم الآخر.
وقد وقع في مؤلفاته بعض الغلطات والهفوات والبدع التي تنغمر في بحار فضائله. وللتعرف عليها مع بيان وجه الخطأ فيها يمكن مراجعة كتاب (الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية) للشيخ الدكتور: سعيد بن مسفر القحطاني:440-476.
ثم إنه لايصح أن يجعل رجل من علماء المسلمين فضلا عن غيرهم مصدرا كاملا للحق والصواب، فيكون ما قاله هو الحق وما خالفه هو الباطل، لا الشيخ عبد القادر ولا غيره. ولكن الحق ما وافق الكتاب والسنة مهما يكن القائل به، وما خالف الكتاب والسنة فإنه ينبغي تركه واجتنابه وإن قاله عبد القادر الجيلاني أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو أي شخص كان.
وهنا ملاحظة لا بد من التنبيه عليها وهي أن تزكية الشيخ عبد القادر لا تعني تزكية كل من انتسب إليه فليس كل من انتسب إلى شيخ أو طريقة أو أي أمر يُسلم له ذلك. فكم ممن يظن صحة انتسابه إلى أمر يكون هو من أبعد الناس عنه فيكون ظنه في غير محله، وكم من مضلل يلبس رداء الزهد والتقوى وهي منه براء. ولذلك فإن الطريقة الصوفية المعروفة اليوم باسم الطريقة القادرية ليست على الطريقة السوية التي كان عليها الشيخ - رحمه الله -، بل هي طريقة صوفية منحرفة عن هدي الكتاب والسنة، كثيرة الغلو في الشيخ عبد القادر، ولربما زعمت له مقامات لا تجوز إلا لله جل جلاله، وقد وقع منهم غلو في قبره، وفي الاستغاثة به، والمبالغة في أوصافه وكراماته.
وبالمقارنة بين أفعال هؤلاء المنتسبين للشيخ مع ما ورد بالكتاب والسنة وما ورد عن السلف الصالحين بل وما ورد عن الشيخ - يرحمه الله - يتبين بُعد الهوة بين الطائفتين، وانحراف الطائفة القادرية عن طريقة شيخها الذي تنتسب إليه وذلك بإدخالهم للكثير من البدع في دين الله مما لم يكن يرتضيه الشيخ رحمه الله. وقد ورد في كلام أهل العلم المعتبرين عد هذه الطائفة من الغلاة كما في كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - في رده على البكري في مسألة الزيارة: 1/228. وورد في فتاوى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ما يدل على وقوعهم في بعض الشركيات.
انظر فتاوى ابن إبراهيم: 1/276، 109،
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:2/250-252. والدرر السنية:1/74.
وأما عبد الوهاب المذكور في السؤال فلعل المقصود به: الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله - وإذا أردنا التعريف به فإنا لن نجد من يعرفنا بالرجل مثل تعريفه هو بنفسه؛ وذلك أن الرجل من الناس إذا تباينت كلمات الناس فيه بالمدح أو القدح فإنه يُنظر إلى كلامه في مؤلفاته وكتبه، وينظر فيما صح من المنقول عنه، ثم يُوزن ذلك كله بميزان الكتاب والسنة. ومما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معرِّفا بنفسه:" أُخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم في ما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة، فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشؤوا عليها. وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسك، وأنواع من المنكرات،فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسنا عند العوام، فجعلوا قدحهم وعداوتهم في ما آمر به من التوحيد، وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبَّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جدا ... " انتهى المقصود منه من الدرر السنية: 1/64-65،79-80.
والمنصف إذا اطلع على كتب هذا الرجل علم أنه من الداعين إلى الله على بصيرة، وأنه قد تحمل الصعوبات والمشاق الكثيرة في سبيل إرجاع الإسلام إلى صورته الصافية النقية، التي تبدلت كثيرا في عصره. وأنه بسبب مخالفته لأهواء الكبراء والمطاعين ألّب عليه هؤلاء الغوغاء والعامة لتسلم لهم دنياهم، وتسلم لهم مناصبهم وعوائدهم.
وأنا أدعوك أخي السائل أن لا تكون إمعة معتمدا على غيرك فيما تسمع وتعتقد، وإنما كن طالبا للحق مدافعا عنه مهما يكن القائل به، وأدعوك إلى مجانبة الباطل والخطأ مهما يكن قائله. وعليه فلو أنك اطلعت على كتاب من كتب الشيخ - رحمه الله - وأرشح لك (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لعلمت مقدار علم الشيخ، ومدى أهمية دعوته، وحجم المغالطات والافتراءات المختلقة عليه.
ويمكنك مراجعة بعض المغالطات المفتراة على الشيخ ومعرفة الجواب عنها على هذا الرابط للغة الانجليزية وهذا الرابط للغة العربية.
وأهم من ذلك كله أدعوك إلى تدبر القرآن والسنة، وسؤال الثقات من أهل العلم عن ما أشكل عليك منهما، واحذر من اتباع الأهواء المختلفة، والشرك بجميع صوره. فإذا فعلت ذلك فلا عليك إن علمت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كان مصيبا أم مخطئا.واعلم أن أعراض المسلمين يحرم الكلام فيها على وجه التنقص ولو كان الكلام حقا، فكيف إذا كان كلاما غلطا.
وفقنا الله وإياك لاتباع الهدى ودين الحق، وأخذ بنواصينا لما يحب ويرضى.
والله أعلم..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1198)
موقف الإسلام من الأحزاب المنحرفة ومن المنخرطين فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس مسلمون ولكنهم ينخرطون في الأحزاب السياسية، ومن بين الأحزاب السياسية إما تابعة لروسيا أو تابعة لأمريكا، وهذه الأحزاب متفرعة وكثيرة؛ أمثال: حزب التقدم والاشتراكية، حزب الاستقلال، حزب الأحرار - حزب الأمة - حزب الشبيبة الاستقلالية، حزب الديمقراطية ... ، إلى غيرها من الأحزاب التي تتقارب فيما بينها، ما هو موقف الإسلام من هذه الأحزاب، ومِن المسلم الذي ينخرط في هذه الأحزاب، هل إسلامه صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان لديه بصيرة في الإسلام وقوة إيمان وحصانة إسلامية وبعد نظر في العواقب وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في مجرى الحزب فيوجهه توجيهاً إسلامياً، فله أن يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول الحق؛ عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه من يشاء فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة، فتسلك قصد السبيل، والصراط المستقيم، لكن لا يلتزم مبادئهم المنحرفة.
ومن ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة ويخشى عليه أن يتأثر ولا يؤثر، فليعتزل تلك الأحزاب؛ اتقاء للفتنة ومحافظة على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم، ويبتلى بما ابتلوا به الانحراف والفساد.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 385.(1/1199)
صمود الإسلام بالرغم من انشقاقات المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عانى الدين الإسلامي من الانشقاق وانقسامات في الاعتقاد، فهل تذكر لنا السبب وراء ذلك؟ وعلى الرغم من الاختلاف بين المسلمين، فقد تمكنوا -مع اختلاف طوائفهم- من المحافظة على شعور بالوحدة فيما بينهم. فكيف حدث ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم هدانا الله وإياك للحق، ورزقنا اتباعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أوضح الحجة، وجلى الطريق لأمته، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وترك لنا من الله فيها علما، ونزل في آخر حجة حجها النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ".
وسار الصحابة رضي الله عنهم على هذا النهج سيرا دقيقا جدا، فحفظ الله عز وجل بذلك أتباع الإسلام من التفرق المذموم.
وتبعهم على ذلك التابعون رحمهم الله، ولكن حصول بعض العوامل الداخلية والخارجية أدى إلى ظهور شيء من الاختلاف المذموم بعد القرون الثلاثة المفضلة، فمن الأسباب الخارجية: مخالطة الأمم الأخرى من غير المسلمين: كالفرس، والروم، والهند، واليونان، والاحتكاك كذلك بالملل: كاليهودية، والنصرانية، والصابئة، والمجوسية، وأديان الهند وغيرها.
ومن الأسباب الداخلية: اتباع الأهواء، والتعلق بالشبهات والشهوات، والإعراض عن تعلم دين الله عز وجل وشرعه، والجهل، والغلو، والتشبه بغير المسلمين ... إلخ.
وجود جميع هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شق صفوف صغيرة عن الجادة الصحيحة التي كان عليها جمهور المسلمين، وظهرت فرق وبدع وأقوال تخالف النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم ومن بعدهم ممن سلك سبيلهم.
ولكن يلحظ أن هذه الطوائف والفرق: كانت في الحقيقة صوتا نشازا عند جمهور المسلمين، فأهلها منبوذون محاربون من أهل العلم والخلفاء ومن عامة المسلمين، مما سبب تحجيما لتلك الأهواء عن الانتشار بين الناس، وضعفا لها في أغلب أطوار التاريخ الإسلامي.
فبقي أكثر المسلمين وجمهورهم على الجادة السنية - في الجملة - فإن ظهرت صور للبدع بينهم سارع علماء الحق لمحاربتها وبيان زيفها، وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بحصول هذا الاختلاف، وحذرنا منه وأمرنا بلزوم جماعة المسلمين فقال: " افترقت اليهود والنصارى ثنتين وسبيعين فرقة كلها في النار، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي "، وقال: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ".
وأما بقاء المسلمين على شعورهم بالوحدة فلذلك أسباب كثيرة - مر بعضها -، لكن أظهر الأسباب وأوضحها هو أن هذا الدين من عند الله عز وجل، فهو محفوظ بحفظ الله له، ولو تعرض دين لمثل ما تعرض له الإسلام من الحروب والمؤامرات والمكائد لزال منذ زمن بعيد (كما نرى في غيره من الأديان) ، وكل عاقل يفهم أن عقيدة تبقى أكثر من (1400) سنة على حالها الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم - في الجملة - شبرا بشبر وذراعا بذراع، ثم هي لا تزال تتجدد في نفوس أهلها (حماسا وتمسكا بها) كتجدد زهر الربيع لهو أول دليل على أنه دين الله حقا، والله الهادي على سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1200)
ذكر الله بالاسم المفرد "الله" أو بضمير "هو" من بدع الصوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم ترديد لفظ الجلالة (الله) أو أحد أسمائه سبحانه كنوع من الذكر؟ نحن نعلم أن " أستغفر الله - سبحان الله - الحمد لله …" جائزة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد - الله - وأشد منه ذكره باسمه المضمر - هو -، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً: فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالاً نافعاً، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره.
وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنونٍ مِن الإلحاد، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع.
وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات! : حالٌ لا يُقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله، وقال: " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد.
والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة، وأدخل في البدعة، وأقرب إلى إضلال الشيطان، فإن من قال " يا هو يا هو " أو " هو هو " ونحو ذلك: لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه، والقلب قد يهتدي وقد يضل ….
ثم كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل " الله " بقوله {قل الله ثم ذرهم} ويظن أن الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله {قل الله} معناه: الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله {قل مَن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله} أي: الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، ردَّ بذلك قول من قال " ما أنزل الله على بشر من شيء " فقال: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى؟ ثم قال: قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون.
ومما يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون " أن " إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات. " مجموع الفتاوى " (10 / 226 - 229) .
وقال - رحمه الله - أيضاً:
فأما الاسم المفرد مظهرا مثل " الله، الله " أو مضمراً مثل " هو، هو ": فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.
وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول " الله، الله " فقيل له: لم لا تقول لا إله إلا الله؟ فقال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات! .
وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه؛ فإنه كان ربما يجنُّ، ويُذهب به إلى المارستان، ويَحلق لحيته، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها وإن كان معذوراً أو مأجوراً فإن العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه.
وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين، و " الله " للعارفين، و " هو " للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على " الله الله الله "، أو على " هو "، أو " يا هو "، أو " لا هو إلا هو "! .
وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول " الله الله الله " فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت، وقال: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " وقال: " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلا وجد روحه لها روحاً "، وقال: " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال: " مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى. " مجموع الفتاوى " (10 / 556 - 558) .
ومن جعل مرجعه الكتاب والسنة في عبادته لم يعجز في معرفة الصواب والخطأ، نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردّاً جميلاً. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1201)
اسماعيلي يسأل عن الفرق بيننا وبينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلمون السنة يقرأون القرآن ونحن (الشيعة الإسماعيلية) نقرأ القرآن أيضاً وهم يصلون العيد ونحن نصلي صلاة العيد أيضاً. فلماذا نقول أنهما طائفتان مختلفتان السنة والشيعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن كل المنتسبين إلى الإسلام ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يقرأون القرآن
ويقرون بوجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ولكنهم طوائف مختلفة، ولكل طائفة طريقة تختص بها في اعتقاداتهم، وعباداتهم وخير هذه الطوائف طائفة أهل السنة والجماعة، وهي المتمسكة بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا والمتبعون لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، قال تعالى:
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ... الآية) . وشر الطوائف هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر
ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهم الذين قال الله فيهم: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين إلى قوله تعالى.. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) . وما بين الطائفتين هم درجات متفاوتة في القرب والبعد من الخير والشر. والإسماعيلية طائفة من غلاة الرافضة، وهم يتظاهرون بموالاة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ويبطنون الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولهذا قال بعض العلماء في الفاطميين إخوان الإسماعيلية: أنهم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، ويقال لهم الباطنيون لأنهم يزعمون أن للنصوص وللشرائع معانٍ باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها. كقولهم الصلوات الخمس: معرفة أسرارهم، وصوم رمضان: كتمان أسرارهم، والحج: السفر إلى شيوخهم. ولكن مذهب الباطنية _ ومنهم الإسماعيلية _ مبني على السرية، فحقائق معتقادتهم أسرار يختص بمعرفتها السادة عندهم، وهؤلاء السادة يموهون على عامتهم، ويستعبدونهم، ويستغلونهم، ويفرضون عليهم خُلفا ً مالية يدفعونها إليهم في أوقات معلومة، ويلزمونهم بطاعتهم طاعة مطلقة، ويخوفونهم إن خالفوا أمرهم ان يصابوا ببلاء، ويأمرونهم بمخالفة أهل السنة في صومهم وفطرهم وحجهم، وقد يتسامحون بشيء من ذلك مجاملة وخداعا. وأنت أيها السائل من عوام الإسماعيلية لاتعرف الأسرار التي عند السادة، وهم لايرونك أهلا لأن يطلعونك عليها لأنهم يعرفون أنك وأمثالك لو اطلعتم على تلك الأسرار لنفرتم عنهم، وتبرأتم منهم وكفرتم بمعتقداتهم، وهم يريدون أن تبقوا اتباعا مستعبدين لهم، وتبقى لهم السيادة عليكم. فاتق الله أيها السائل وأنقذ نفسك من العبودية لغير الله والتبعية لغير رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه لا أحد يجب اتباعه وطاعته إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، منّ الله عليك بالهداية إلى السنة، وجنبك طريق البدعة، وبصرك بالحق إنه على كل شيء قدير.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/1202)
ما هي الفرقة القاديانية؟ وهل يجوز للمسلم التزوج منهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معلومات عن " الفقه الأحمدي "؛ لأن أحد أصدقائي أخذ يحب فتاة أحمدية، مع أني أخبرته أن فعله خطأ لكنه أصبح يحبها حبّاً شديداً الآن. أنا أريد الجواب لأقدمه إليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (4060) بيان كفر هذه الطائفة المسماة " الأحمدية " أو " القاديانية " أتباع الميرزا غلام أحمد، وفي الجواب تجد ذِكر عقائدهم الكفرية وأقوال العلماء فيهم.
وعليه: لا يجوز لمسلم أن يتزوج منهم، ولا أن يزوِّجهم؛ لأنهم كفار مرتدون، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 99) :
" أي (وَلا تَنْكِحُوا) النساء (الْمُشْرِكَاتِ) ما دمن على شركهن (حَتَّى يُؤْمِنَّ) لأن المؤمنة - ولو بلغت من الدمامة ما بلغت - خير من المشركة , ولو بلغت من الحسن ما بلغت , وهذه عامة في جميع النساء المشركات، وخصصتها آية المائدة في إباحة نساء أهل الكتاب، كما قال تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) . . . ثم ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة , لمن خالفهما في الدين فقال: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي: في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم , فمخالطهم على خطر منهم , والخطر ليس من الأخطار الدنيوية , إنما هو الشقاء الأبدي " انتهى.
وإذا كان صديقك هذا على علاقة محرمة فعليك أن تبين له حرمة هذه العلاقة، وأنه لا يجوز لمسلم أن يختلي بأجنبية ولا أن يصافحها ولا أن يراسلها، وأنه لا يستطيع أن ينهي هذه العلاقة بالزواج بسبب حرمة التزوج من المرتدات، وليبحث عن صاحبة الدين التي تحفظ له دينه، وتعينه على طاعة ربه، ويأمنها على ولده وذريته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1203)
حكم بغض الصحابة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في حوار مع أحد الأشخاص حول الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقال لي: إنه يمكن لأي منَّا أن يكره أيّاً من الصحابة دون أن يتناقض ذلك مع الإسلام، وقال: ربما أن ذلك (أي: كره الصحابة) يخرج صاحبه من دائرة الإيمان، ولكنه يظل في دائرة الإسلام. وعليه: نرجو من فضيلتكم توضيح وبيان هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن من الخذلان الكبير وعدم التوفيق من الله تعالى للعبد أن يجعل من نهجه وسعيه الوقوع في صحابة خير الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنهم أو الخوض فيما وقع بينهم بدلاً من أن يشغل عمره بما ينفعه في أمر دينه ودنياه
وليس هناك أي وجه لأحدٍ أن يسب أو يبغض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ففضائلهم كثيرة متعددة، فهم الذين نصروا الدين ونشروه، وهم الذين قاتلوا المشركين، وهم الذين نقلوا القرآن والسنَّة والأحكام، وقد بذلوا أنفسهم ودماءهم وأموالهم في سبيل الله، وقد اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يسبهم ولا يبغضهم إلا منافق لا يحب الدين ولا يؤمن به.
عن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله ".
رواه البخاري (3572) ومسلم (75) .
فإذا كان الإيمان ينتفي عن رجل يبغض الأنصار ويثبت له النفاق: فكيف بمن يبغض الأنصار والمهاجرين والتابعين لهم بإحسان ويشتمهم ويلعنهم ويكفرهم، ويُكفِّرُ من يواليهم ويترضى عليهم، كما تفعل الرافضة؟ لاشك أنهم أولى بالكفر والنفاق، وانتفاء الإيمان.
قال الطحاوي – في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة -:
ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
قال الشيخ صالح الفوزان:
ومذهب أهل السنة والجماعة: موالاة أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
وأما النواصب: فيوالون الصحابة، ويبغضون بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك سموا بالنواصب؛ لنصبهم العداوة لأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.
والروافض: على العكس، والوا أهل البيت بزعمهم، وأبغضوا الصحابة، ويلعنونهم ويكفرونهم ويذمونهم ...
ومن يبغض الصحابة فإنه يبغض الدين؛ لأنهم هم حملة الإسلام وأتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام، فمن أبغضهم فقد أبغض الإسلام؛ فهذا دليل على أنه ليس في قلوب هؤلاء إيمان، وفيه دليل على أنهم لا يحبون الإسلام ...
هذا أصل عظيم يجب على المسلمين معرفته، وهو محبة الصحابة وتقديرهم؛ لأن ذلك من الإيمان، وبغضهم أو بغض أحد منهم من الكفر والنفاق؛ ولأن حبهم من حب النبي صلى الله عليه وسلم، وبغضهم من بغض النبي صلى الله عليه وسلم.
" شرح العقيدة الطحاوية ".
وقد فصَّل بعض أهل العلم في " بغض الصحابة " فقالوا: إن كان قد وقع في بغض بعضهم لأمرٍ دنيوي فلا يقع في الكفر والنفاق، وإن كان لأمرٍ ديني باعتبار كونهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفرهم.
وهو تفصيل حسن لا يخالف ما قدمناه، بل يبينه ويؤكده.
قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاعلم أنه زنديق.
وقال الإمام أحمد: إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء: فاتهمه على الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاُ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مثلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في النهي عن سب الأصحاب، وما جاء فيه من الإثم والعقاب.
وبالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب في كفره ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من تردد فيه.
" الصارم المسلول على شاتم الرسول " (ص 590 - 591) .
وقال تقي الدين السبكي:
وينبني على هذا البحث سب بعض الصحابة فإن سب الجميع لا شك أنه كفر وهكذا إذا سب واحدا من الصحابة حيث هو صحابي ; لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفر الساب، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي " وبغضهم كفر " فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر , وأما إذا سب صحابيا لا من حيث كونه صحابيا بل لأمر خاص به وكان ذلك الصحابي مثلا ممن أسلم من قبل الفتح ونحن نتحقق فضيلته كالروافض الذين يسبون الشيخين، فقد ذكر القاضي حسين في كفر من سب الشيخين وجهين.
ووجه التردد ما قدمناه فإن سب الشخص المعين قد يكون لأمر خاص به , وقد يبغض الشخص الشخص لأمر دنيوي وما أشبه ذلك فهذا لا يقتضي تكفيرا , ولا شك أنه لو أبغض واحدا منهما لأجل صحبته فهو كفر بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرا قطعا.
" فتاوى السبكي " (2 / 575) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1204)
كيف يخبر الصغير عن معنى الشيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن أخت ويبلغ من العمر 8 سنوات وفاجأني مرة إذ سألني قائلاًًًَ من هم الشيعة؟ لم أدر ما أقول له إلا أني قلت له ستعرف بعد أن تكبر! ولكنه لم يرض بهذه الإجابة , وبعد أن قال له ابن أخي الصغير-عمره 10 سنوات- أنا سنة، بادله قائلا: وأنا شيعة. فما هي الإجابة التي تتماشى مع سنه ويقتنع بها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سأل الطفل عن الشيعة قيل له هؤلاء أناس غير جيدين، يعملون المعاصي والمخالفات، ويسبون أصحاب نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوجاته، الذين هم أفضل الناس بعد الأنبياء ونحن لا نحبهم لأجل ذلك، ولو فرض أنه رآهم في التلفاز يتمسحون بالقبور أو يحتفلون بعاشوراء، قيل له: هذا الذي يعملونه لا يجوز، ونحن لا نعبد إلا الله تعالى، ولا نسجد لقبر ولا لغيره من المخلوقات، ولا نضرب أنفسنا ولا أبناءنا، وهكذا يفهم الطفل أن هؤلاء القوم غير مرضيين، بل مخطئون منحرفون، وعلى قدر انتباه الطفل وإدراكه تكون المعلومة الموجهة له.
ولتصحيح ما جرى، يقال له: نحن سنّة، أي نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نبتدع في ديننا، ولا نفعل كما يفعل هؤلاء، ولو أمكن أن يشاهد الطفل شيئا من مخالفات الشيعة، ليقترن التحذير منهم بالصورة الموضحة، كان حسنا، وبإمكانك الوقوف على شيء من ذلك من خلال المواقع الموثوقة التي تحذّر من الشيعة وتبيّن ضلالهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1205)
طالب جامعي يواجه بعض المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بجامعة في أمريكا وقابلت العديد من المسلمين ذوي المعتقدات العجيبة فالبعض يعتقد أن الله ليس له يد وإنما تعني القوة والبعض يقول أن الله في كل مكان والبعض الآخر (الرافضة) يقولون أن أبا بكر وعمر كافران. وسؤالي هو كيف أتعامل مع هؤلاء الناس؟ مع أني وضحت لهم الاعتقاد الصحيح مع الدليل ولكنهم لا يستجيبون. هل يجب علي أن لا أصلي خلفهم أو معهم لأن خشوعي يذهب بسبب تفكيري في انحرافهم؟ هل أستمر في السلام عليهم والحديث معهم في أمور بعيدة عن الدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك أن تأخذ الإسلام والعقيدة من الكتاب والسنة، ومن كتب سلف الأمة وعليك بكتب العقيدة التي كتبها السلف من المتقدمين، ككتاب السنة للإمام أحمد وابنه عبد الله، وكتاب السنة لأبي عاصم وكتاب الإيمان لابن أبي شيبة وغيرها من الكتب التي كتبها علماء لم ينحازوا إلى طائفة ولا إلى فرقة يتعصبون لها، إنما يعتمدون على الأدلة الواضحة وعلى السنة النبوية. ولا شك أن هذه العقائد التي أشرت إليها في سؤالك بدعية فأصحابها ينكرون صفات الله كصفة اليد فيفسرونها بالقوة أو القدرة مع أن الله أثبت لنفسه يدا كما يشاء سبحانه، وكذلك يزعمون أن الله في كل مكان، وينكرون آيات الاستواء والعلو وما شابهها، وكذلك الرافضة الذين يكفّرون الصحابة فإن مثل هؤلاء مبتدعة وبدعهم لا دليل عليها.
ننصحك أن تبتعد عن مثل هؤلاء إن لم يقتنعوا، وعليك أن تحرص على إقناعهم وأن تعرض عليهم كتب العقيدة السلفيّة، وكذلك تدلهم على كتب المناقشة التي تناقش شبهات أولئك المبتدعة مثل كتاب عثمان بن سعيد الدارمي فإن له كتابين في الرد على الجهمية وغيرها، فإذا لم يقتنعوا فابتعد عنهم، ولا تصلِّ خلفهم، والتمس منْ هم على العقيدة السلفية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(1/1206)
الفِرق في الإسلام والتأثّر بالدّيانات الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد طوائف الإسلام؟ وكيف يؤثر الإسلام على الأديان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدّين الذي لا يقبل الله غيره هو الإسلام وهو طريق واحد ومنهج واحد وهو الذي كان عليه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس يوجد في دين الله فِرَق ولا طرائق مختلفة ولكن انحرف عدد من الناس عن دين الإسلام وكوّنوا فِرَقا كثيرة لا علاقة لها بالإسلام كفرق الباطنية والقاديانية والبهائية وغيرها مما حذّرنا الله منه بقوله جلّ وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام
أمّا بالنسبة للشقّ الثاني من السؤال فينبغي أن تعلم أيها السائل الكريم أنّ الإسلام وحي نزل من السماء خالصا من الله تعالى رضيه لعباده دينا وشاء أن يختم به الأديان ويكون مهيمنا على ما سبقه ولذلك فلا يُمكن القول بأن ّ الإسلام تأثّر بالأديان الأخرى.
نرجو أن تقرأ المزيد عن هذا الدّين ونسأل الله أن يهديك إلى طريق الحقّ والصواب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1207)
حقيقة الطريق القادرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قصيدة قالها الشيخ عبد القادر الجيلاني شيخ الطريقة القادرية، فما رأيكم في هذه القصيدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشيخ عبد القادر الجيلاني من علماء أهل السنة، وكان رحمه الله متبعا لا مبتدعا، وكان على طريقة السلف الصالح يحث في مؤلفاته على اتباع السلف، ويأمر أتباعه بذلك. وكان يأمر بترك الابتداع في الدين، ويصرح بمخالفته للمتكلمين من الأشاعرة ونحوهم.
وقد وقع في مؤلفاته بعض الغلطات والهفوات والبدع التي تنغمر في بحار فضائله. وللتعرف عليها مع بيان وجه الخطأ فيها يمكن مراجعة كتاب (الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية) للشيخ الدكتور: سعيد بن مسفر القحطاني:440-476.
راجع السؤال رقم (12932) .
ثانياً:
كَذَبَ أتباع الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه كثيراً، ونسبوا إليه ما لم يقله ولا يرضاه مما هو مخالف لسيرته ودعوته إلى اتباع السلف واجتناب البدع.
وقد ذكر شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/127) بعض هذه الأكاذيب ثم قال:
"وَلا رَيْبَ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ لَمْ يَقُلْ هَذَا، وَلا أَمَرَ بِهِ، وَمَنْ يَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْهُ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ اهـ.
ومن هذه الأكاذيب ما نسبوه إليه في هذه القصيدة، والتي نعلم علم اليقين براءة الشيخ عبد القادر مما فيها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن تلك القصيدة، فأجابت:
"إن هذه القصيدة تدل على أن قائلها جاهل يدعي لنفسه دعاوى كلها كفر وضلال. فيدعي أن كل علوم العلماء مستقاة من علمه وفروع له وأن سلوك العباد إنما هو بما فرضه وسنه لهم، وأنه يقدر على إغلاق الجحيم بعظمته لولا سابق عهد من الرسول، وأنه يغيث من وفى له من المريدين، وينجيه من البلايا، ويحييه في الدنيا والآخرة، ويؤمنه من المخاوف، ويحضر معه الميزان يوم القيامة.
فهذه الدعاوى الكاذبة لا تصدر إلا من جاهل لا يعرف قدر نفسه، فإن كمال العلم لله وحده وإن شئون الآخرة ومقاليد الأمور إلى الله وحده لا إلى مَلَك مقرب ولا نبي مرسل ولا لصالح ما من الصالحين، وقد أمر الله رسولَه وهو خير خلقه أن يتلو على الأمة قوله تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف /188. وقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الجن /21-22. وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ألصق الناس به وأقربهم إليه رحماً وأولاهم بمعروفه أن ينقذوا أنفسهم من عذاب الله بالإيمان به سبحانه والعمل بشريعته وأخبرهم أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً، وأخبر أن آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى يقول كل منهم يوم القيامة نفسي نفسي، فكيف يملك شيخ الطريقة القادرية أو غيره من المخلوقين أن ينجي مريديه وأن يحمي من وفى له بعهده ويغيثه ويحضر معه عند وزن أعماله يوم القيامة؟ وكيف يملك أن يغلق أبواب الجحيم بعظمته؟ إن هذا لهو البهتان المبين، والكفر الصراح بشريعة رب العالمين.
لقد زاد صاحب هذه القصيدة في غلوه وتجاوز حد الحس والعقل والشرع، فادعى أنه كان بنور محمد قبل أن يكون الخلق، وأنه كان في قاب قوسين اجتماع الأحبة أي مع جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأنه كان مع نوح عليه السلام في السفينة وشاهد الطوفان على كف قدرته، وأنه كان مع إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وأن هذه النار بردت بدعوته، وأنه كان مع إسماعيل، وأنه ما نزل الكبش إلا بفتواه أو فتوته، وأنه كان مع يعقوب عليه السلام حينما أصيب بصره وأن عينيه ما برئتا إلا بتفلته، وأنه هو الذي أقعد إدريس عليه السلام في جنة الفردوس، وأنه كان مع موسى عليه السلام حين مناجاته لربه، وأن عصا موسى مستمدة من عصاه، وأنه كان مع عيسى في المهد، وأنه هو الذي أعطى داود حسن الصوت في القراءة، بل ادعى أفحش من ذلك: ادعى أنه هو الله في الأبيات الثلاثة من قصيدته وأصرحها قوله:
أنا الواحد الفرد الكبير بذاته * * * أنا الواصف الموصوف شيخ الطريقة
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فأي كفر بعد هذا الكفر والعياذ بالله؟
فيا أيها الأخ المستفتي يكفيك من شر سماعه، ويغنيك عن معرفة تفاصيل تاريخ وسيرة القادرية ما في قصيدة شيخ هذه الطائفة من البهتان والكفر والطغيان، واجتهد في معرفة الحق من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم للكتاب والسنة النبوية الصحيحة. مع اعتقادنا أن الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي تنسب إليه هذه الطريقة بريء من هذه القصيدة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأتباعه يكذبون عليه كثيراً وينسبون إليه ما هو بريء منه.
وبالله التوفيق " اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1208)
القادياينة في ميزان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص غير قادياني واعلم انهم يؤمنون بوجود نبي بعد محمد عليه السلام، فهل هم خارج الإسلام؟ أنا اعتقد انهم خارج الإسلام وأتصرف معهم على هذا الأساس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعريف:
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام، ولكن لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839 - 1908 م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية. وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعا له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهاد الاستعمار الإنجليزي، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان غلام أحمد معروف عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات.
- وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة، الشيخ أبوالوفا ثناء الأمرتسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظره وأفحم حجته، وكشف خبث طويته وكفر وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبوالوفا على من يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام احمد القادياني في عام 1908م مخلفا أكثر من خمسين كتابا ونشرة ومقالا، ومن أهم كتبه: إزالة الأوهام، إعجاز أحمدي، براهين أحمدية، أنوار الإسلام، إعجاز المسيح، التبليغ، تجليات إلهية.
· نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون. من مؤلفاته: فصل الخطاب.
· محمد علي وخوجة كمال الدين: أميرا القاديانية اللاهورية، وهما مُنظِّرا القاديانية وقد قدَّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام، والدين الإسلامي. أما خوجة كمال الدين فله كتاب: المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب، وجماعة لاهور هذه الأحمدية تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب، لكنهما يعتبران حركة واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية والعكس.
· محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية، وهو مُنظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية، قدم ترجمة محرفة للقرآن إلى الإنجليزية. من مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام. على ما تقدم.
· محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته: خاتم النبيين.
· بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته سيرة المهدي، كلمة الفصل.
· محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته أنوار الخلافة، تحفة الملوك، حقيقة النبوة.
· كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزا عالميا لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية: " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " سورة المؤمنون الآية 50
الأفكار والمعتقدات:
· بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد ومُلهَم من عند الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
· يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -.
· يعتقد القادياني أن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية.
· يعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعا.
· يعتقدون أن جبريل كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
· يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعاليمه، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد.
· يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم.
· يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة.
· يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم.
· نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن.
· كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية، كما أن من زوج أو تزوج من غير القاديانيين فهو كافر.
· يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· كانت حركة سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة.
· استغل الإنجليز هذا الظرف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلا من أسرة عريقة في العمالة.
· في عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني.
· وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
· قام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله. وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الإجابة وانكشف النقاب عن كفر هذا الطائفة، فأصدر المجلس قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
· من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي:
- ادعاؤه النبوة.
- نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار.
- إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إياه إلى قاديان.
- تشبيهه الله تعالى بالبشر.
- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول.
- نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله.
- إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هب ودب.
· للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم.
· تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهريا.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه.
· وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا، وبعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم.
· هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارات الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطا من رتب عالية في مخابراتها السرية.
· نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل وخصوصا الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء. ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية.
ويتضح مما سبق:
أن القاديانية دعوة ضالة، ليست من الإسلام في شيء، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم.
للتوسع مراجعة: القاديانية لإحسان إلهي ظهير
المرجع: الموسوعة الميسرة في الأديان المذاهب والأحزاب المعاصرة للدكتور مانع بن حماد الجهني 1 / 419 - 423
وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي ما يلي:
بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعى اللاهورية، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه، وبشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية، وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإليه تنسب نحلة القاديانية واللاهورية، وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه، وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد.
قرر ما يلي:
أولاً: أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينياً من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده، وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام، وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم الردة، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: ليس لمحكمة غير إسلامية، أو قاض غير مسلم، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام، أو الخروج منه بالردة ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع، فحكم مثل هذه المحكمة باطل. والله أعلم.
مجمع الفقه الإسلامي ص13
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1209)
الانتماء للجماعات الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[يتساءل كثير من شباب الإسلام عن حكم الانتماء للجماعات الإسلامية، والالتزام بمنهج جماعة معينة دون سواها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمسن ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلاً ولو كان غلطاً فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطأوا فيه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 237(1/1210)
تعرف أخوه على فتاة شيعية ويريد الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ يصغرني في السن، يبلغ من العمر 30 سنة، غير متزوج، كان محافظاً على أداء جميع الصلوات بما فيها الفجر في المسجد، وهو يصوم من النوافل ما ورد في سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والحمد لله، تعرف على فتاة شيعية وهو يرغب بالزواج منها، ومن الطبيعي أن يرفض جميع الأهل وذلك لاختلاف المذهب، حاول الجميع التحدث معه إلاّ أنه يرفض التفاهم أو حتى الحديث في الموضوع، وهو حالياً يرفض الزواج من أي فتاة أخرى علماً بأنه لن يتزوج من هذه الفتاة الشيعية بدون رضى والديه، وهو مازال على علاقة بها وبأهلها وقد لاحظنا مؤخراً أنه يقتني بعض كتب الشيعة ويقرؤها ويجادلنا في بعض الأمور ومن هذه الأمور أنه لم يعد يصوم يوم العاشر من محرم ويقول إنه غير ثابت، أرجو أن يكون الرد على هذا السؤال موجهاً له]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه (3993) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهى الجماعة) والحديث قال عنه البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية، بقوله: (ما أنا عليه وأصحابي، فقد روى الترمذي (2641) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة) قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: " ما أنا عليه وأصحابي" والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فالأمة ستفترق على ثنتين وسبعين أو ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي المستمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، السائرة على طريقة أصحابه رضوان الله عليهم، وهذا لا ينطبق إلا على أتباع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، فهم الذين لزموا طريقة الصحابة في أبواب الاعتقاد والعمل والسلوك، غير مبتدعين ولا مغيرين، وأما الشيعة فإن شعارهم هو بغض خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعا، فهم أبعد الناس عن هذا الوصف، وهو التمسك بما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل يذهب الشيعة إلى تكفير كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً يسيراً (سبعة فقط) ! .
وهذا الانحراف عن منهج الصحابة أوقع الشيعة في ألوان من الابتداع والضلال، كالغلو في علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل الغلو في آل البيت بصفة عامة، حتى صرفوا لهم أنواعا من العبادة، كالدعاء والذبح والطواف والحلف، فتراهم يستغيثون ويهتفون بأسمائهم عند النوائب، وهذا هو الشرك الأكبر، الذي أخبر الله أنه لا يغفر: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 116.
ومن ضلال هؤلاء أنهم يزعمون أن الصحابة حرفوا كتاب الله، بالزيادة والنقصان، وهذا كفر آخر، فإن من اعتقد أن القرآن الذي بين أيدينا قد زيد فيه أو نقص منه ولو حرف واحد، فهو كافر بإجماع المسلمين، لما في ذلك من تكذيب قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر / 9.
ويعتقدون في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما يكون ومتى وأين يقبضون، وهذا تكذيب لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان / 34 وقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65. إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة المنتشرة بين هذه الطائفة.
واعلم أن الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، طعن في الله، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم.
ووجه ذلك: أن من زعم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار كانوا على ضلال وانحراف، فقد طعن في الله الذي اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وطعن في النبي الذي ائتمنهم، وصاهرهم، وصلى خلف أناس منهم، وشهد أنهم من أهل الجنة، وهذا يعني أنهم يموتون على الإيمان دون تبديل أو تغيير، خلاف ما تزعم الرافضة.
وننصحك بقراءة رسالة "الخطوط العريضة" لمحب الدين الخطيب، أو "أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية"، أو "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة"، كلاهما للدكتور ناصر القفاري.
إذا تقرر هذا فنقول: اقطع علاقتك بهذه الفتاة وبأهلها، لأنه واضح أنهم يدعونك إلى مذهبهم، ويطمعون في إضلالك، فهم يعطونك الكتب التي تدعو إلى باطلهم، فاحذر أن تدخل عليك شبهة من شباتهم فيزيغ قلبك، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والنساء سواها كثير، ولا تستجب لنداءات الشيطان ووسوسته وتزيينه، قال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) النمل/24.
وقال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) العنكبوت/ 38.
ولا تغتر بما يزخرفوه لك من القول، فإن دين هؤلاء مبني على الكذب المسمى عندهم بالتقية، فقد يزعمون أنهم يحبون أبابكر وعمر وعائشة، حتى إذا ما أنسوا من انقيادك لهم كاشفوك بمذهبهم الرديء، فالفرار الفرار من الآن.
واعلم أن قراءة كتب أهل البدع والضلال محظورة إلا على المتمكن من دفع الشبهات، وتمييز الحقائق من الأكاذيب والأباطيل، فتخلص مما لديك من الكتب، واعرض ما اشتبه عليك على أهل العلم، وانظر ما قاله الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله، وقد ساق قول سفيان: (من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه، وقال أيضاً: من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبهم.
قلت: (الذهبي) أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة) انتهى من "سير أعلام النبلاء" 7/261.
فالأمر كما قال رحمه الله: الشبه خطافة، لا سيما لمن لم يتضلع من علوم الكتاب والسنة.
وأما صوم اليوم العاشر من محرم، فلا خلاف عند المسلمين في استحباب صيامه، فقد ثبت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
منها: ما رواه البخاري (1865) ومسلم (1910) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "والعلماء مجمعون على استحبابه للأحاديث".
فكيف يقال عن أمر ثابت بالأحاديث الصحيحة، وانعقد عليه الإجماع إنه أمر غير ثابت؟!
ونوصيك أن تكثر من دعاء الله تعالى وسؤاله أن يثبت قلبك، وأن يحفظك من مضلات الفتن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1211)
الأب يهمل الأسرة ويخرج مع جماعة التبليغ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوالد الذي يهمل في أسرته ولا ينفق على أسرته ويتلقى إعانات البطالة وهو يوفر هذه الأموال أما ما تحصل عليه أمي من رعاية الأطفال فينفق على الأساسيات مثل الطعام. فهل غضب أبي علي بسبب المال ولا يتكلم معي إثم علي وهل علي إثم إذا تكلمت مع أمي بدون أبي. أبي يقوم بالدعوة مع جماعات التبليغ ولكنه ليس لديه مسؤولية نحو الأسرة فهل كان الصحابة يفعلون ذلك يتركون أبناءهم ويخرجون للدعوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن سبب هذه المشكلة وما شاكلها، الجهل بكثير من أحكام الشرع، وعدم فقه المرء ما يلزمه تجاه من يعول، وما أوجبه الله تعالى عليه من الحقوق والواجبات نحو أسرته.
وإن من أعظم حقوق الزوجة والأولاد النفقة عليهم، بل إن من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد، والنفقة تشمل: الطعام والشراب والملبس والمسكن، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة والأولاد لإقامة المهجة، وقوام البدن.
وقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة، فقال تبارك وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة: الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم والمعقول.
أما أدلة الكتاب: فمنها قوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) ، ومنها قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها) ، ومنها قوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) .
وأما أدلة السنة، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله، ومن تحت ولايته، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183.
وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: " (ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) " رواه الترمذي 1163 وابن ماجه 1851.
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب " رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446.
قال الإمام البغوي: قال الخطابي: في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وهو على قدر وسع الزوج، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب، فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته، أو لم يفرض. أ. هـ
وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692.
وأصله في مسلم 245 بلفظ: " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته ".
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان.
وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيبيعه ويستغني به، ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله، يؤتيه أو يمنعه، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96. وفي رواية عند أحمد 2/524: فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: امرأتك ممن تعول ".
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته " رواه مسلم 1454.
وأما إجماع أهل العلم:
فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره.
وما سبق من النصوص الشرعية تدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم، وقد ثبت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ. هـ
وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692.
وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني، صحيح الجامع 2/8.
وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم، وكان نبراساً في حياتهم العملية مع أهليهم، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال: لا يقع موقع الكسب على شيء، ولا الجهاد في سبيل الله. السير: 8/399.
فلا يجوز لمسلم أن يضيّع أهله ولو زعم أنّه يُسافر في برّ وطاعة لأنّ تضييع الأهل وعدم الإنفاق عليهم حرام وقد تقدّمت نصيحة عبد الله بن عمرو لمن أراد أن يُقيم في بيت المقدس بأنّه يجب عليه أن يتدبّر أمر نفقة أهله أولا، فعليك أيها السائل أن تنصح والدك بمقتضى هذا الجواب وتبيّن له الأمر بلطف، وإذا قمت بسدّ الثغرة ومعالجة الإهمال الذي وقع فيه والدك وتعويض النّقص من مالك بحسب استطاعتك فلك أجر عظيم إن شاء الله، نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1212)
سينتقل إلى بلد آخر قد يختلفون عن أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجدني أتطلع لمعرفة سبب اختلاف المسلمين السنة (عن غيرهم) . وكيف كان لهذه الفرقة أن تختلف عن الوضع السائد الذي عليه غيرهم من المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال صلى الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ". فمن كان على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه فهو المتبع للحق، الناجي من كل باطل. وأصل هذا الحق ومادته القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي ". وما وقع من المخالفة لهما فإنه من انحراف عن الحق. وأهل السنة والجماعة هم القائمون بالحق، المعظمون لله ورسوله، الآخذون بما في القرآن والسنة، المتبعون للسلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، لا يخرجون عن هديهم، ولا يخالفون نهجهم لأنهم أعلم الناس بالكتاب والسنة، فبلغتهم جاء، وبأسلوبهم العربي، قال تعالى: (قرآنا عربيا غير ذي عوج) . فالحق في اتباعهم، والهداية في طريقهم حيث ساروا على وفق ما جاء في القرآن والسنة، ومن خالف شيئا من ذلك رد عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان.(1/1213)
المكاشفات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كشف الإلهام حقيقي في ضوء الإسلام؟ الصوفيون يدعون كل مرة أن عندهم العلم بالغيب وهم يطلقون على ذلك "كشف الإلهام"، والبعض يبررون ذلك قائلين أنه عندما كان عمر رضي الله عنه يخطب ذات مرة قال أن هناك جيش في ساحة المعركة، أرجو توضيح ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الكشف الذي يحصل للمرء أنواع، فمنه النفساني وهو مشترك بين المسلم والكافر، ومنه الرحماني وهو الذي يكون عن طريق الوحي والشرع، ومنه الشيطاني وهو ما يحصل عن طريق الجن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
نحن لا ننكر أن النفس يحصل لها نوع من الكشف إما يقظةً وإما مناماً بسبب قلة علاقتها مع البدن إما برياضة أو بغيرها، وهذا هو الكشف النفساني وهو القسم الأول من أنواع الكشف.
لكن قد ثبت أيضاً بالدلائل العقليَّة مع الشرعيَّة وجود الجن وأنها تخبر الناس بأخبار غائبة عنهم كما للكهان المصروعين وغيرهم …
ولكن المقصود هنا أنه يعلم وجود أمور منفصلة مغايرة لهذه القوى كالجن المخبرين لكثير من الكهان بكثير من الأخبار وهذا أمر يعلمه بالضرورة كل من باشره أو من أخبره من يحصل له العلم بخبره ونحن قد علمنا ذلك بالاضطرار غير مرة فهذا نوع من المكاشفات والإخبار بالغيب غير النفساني وهو القسم الثاني من أنواع الكشف.
وأما القسم الثالث: وهو ما تخبر به الملائكة فهذا أشرف الأقسام كما دلت عليه الدلائل الكثيرة السمعية والعقلية، فالإخبار بالمغيبات يكون عن أسباب نفسانية ويكون عن أسباب خبيثة شيطانية وغير شيطانية ويكون عن أسباب ملكية.
" الصفدية " (ص 187 - 189) .
وقال ابن القيم:
الكشف الجزئي مشترك بين المؤمنين والكفار والأبرار والفجار كالكشف عما في دار إنسان أو عما في يده أو تحت ثيابه أو ما حملت به امرأته بعد انعقاده ذكراً أو أنثى وما غاب عن العيان من أحوال البعد الشاسع ونحو ذلك فإن ذلك يكون من الشيطان تارة، ومن النفس تارة، ولذلك يقع من الكفار كالنصارى وعابدي النيران والصلبان فقد كاشف ابن صياد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بما أضمره له وخبَّأه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنت من إخوان الكهان "، فأخبر أن ذلك الكشف من جنس كشف الكهان، وأن ذلك قدره، وكذلك مسيلمة الكذاب مع فرط كفره كان يكاشف أصحابه بما فعله أحدهم في بيته وما قاله لأهله يخبره به شيطانه ليغوي الناس، وكذلك الأسود العنسي، والحارث المتنبي الدمشقي الذي خرج في دولة عبد الملك بن مروان وأمثال هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله، وقد رأينا نحن وغيرنا منهم جماعة وشاهد الناس من كشف الرهبان عباد الصليب ما هو معروف.
والكشف الرحماني من هذا النوع هو مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة رضي الله عنهما إن امرأته حامل بأنثى، وكشف عمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل – أي إلزم الجبل - وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن.
" مدارج السالكين " (3 / 227، 228) .
ثانياً:
وما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله صحيح ثابت عنه، فقد قال نافع أن عمر بعث سريَّة فاستعمل عليهم رجلاً يقال له " سارية "، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة، فقال: " يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ "، فوجدوا " سارية " قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر ".
رواه أحمد في " فضائل الصحابة " (1 / 269) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1110) .
وهذا كرامة لعمر رضي الله عنه وذلك إما بإلهامه وتبليغ صوته – وهو ما يراه ابن القيم – أو بالكشف النفساني وتبليغ صوته – وهو ما سيأتي في كلام الشيخ الألباني -، وفي كلا الحالين هو كرامة له ولا شك.
ثالثاً:
وأمّا ما يحصل مع الصوفية فليس من الكشف الرحماني بل إما أن يكون من النفساني وهو ما يشركهم به الكفار، وإما أن يكون الشيطاني وهو الأغلب.
والكشف الرحماني إنما يحدث لأولياء الله تعالى الذين يقيمون الشرع ويعظمونه، وقد عُرف من حال الصوفية أنهم ليسوا كذلك، وما حصل من عمر إن صحَّ تسميته " كشفاً " فهو من الكشف الرحماني.
قال الشيخ الألباني – عن حادثة عمر بن الخطاب -:
ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعُمر، وليس ذلك بغريب عنه فإنه " محدَّث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه أن عمر كُشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب: من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور.
وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن / 26، 27؟ فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل الله حتى يصحَّ أن يقال إنهم يطلعون على الغيب باطاع الله إياهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم ….
فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوماً، فقد يصيب كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بدَّ لكل وليٍّ من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس / 63، ولقد أحسن من قال:
إذا رأيت شخصاً قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف على حدود الشرعِ فإنه مُستَدرج وبدعي.
" السلسلة الصحيحة " (3 / 102 – 104) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1214)
الرفاعية الذين يطعنون أنفسهم بالسكاكين ولا يتأثرون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالدراويش ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، وهم في ذلك قبل أن يقول: يا الله، يقول: يا رفاعي. فما رأي الشرع في ذلك؟ هل يوجد دليل على عملهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هؤلاء كذابون ومحتالون، ليس لعملهم أصل بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم وليس الأمر كذلك. وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون أنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم فالمقصود أن هذا الصنف من الناس - من الفجرة والمحتالين - الذين لا أصل لما يفعلون ولا يجوز أن يصدقوا بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس وإذا كانوا يدعون الرفاعي - أو غير الرفاعي، فهذا شرك أكبر كالذي يقول: يا رفاعي أو يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا أو يا علي - يا سيدي - أو يا حسين أو يا فلان أو يا سيدي البدوي، أو كذا فكل هذا من الشرك الأكبر.. كل هذا من العبادة لغير الله وكل هذا من جنس عمل عباد القبور، وعباد اللات والعزى وأشباههم. فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك - وهؤلاء الذين يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين كله تلبيس وخداع ليس له أصل بل هم بهذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم حتى يتوبوا من أعمالهم الخبيثة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/285.(1/1215)
الإباضية
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الإباضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: التعريف:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا من الخوارج، وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور.
ثانياً: لمن تنسب الإباضية:
* مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان.
ثالثاً: أهم العقائد:
* يظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلاً مجازياً بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائماً مع أهل السنة والجماعة المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء الحسنى والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل.
* ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة.
* يحرفون بعض أمور الآخرة وينفون حقيقتها كالميزان والصراط.
* صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته.
* القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري في مقالات الإسلاميين (والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن) مقالات الإسلاميين 1/203.
* مرتكب الكبيرة عندهم كافر كفر نعمة أو كفر نفاق.
* الناس في نظرهم ثلاثة أصناف:
- مؤمنون أوفياء بإيمانهم.
- مشركون واضحون في شركهم.
- قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذن مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك.
* يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام.
* مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت.
* الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك – في اعتقاد أهل السنة – فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهُر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار، وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم.
* ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين، لأن العصاة – عندهم – مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار.
* يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
[الْمَصْدَرُ]
موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة (1 / 63)(1/1216)
بعض كتب الردود على شبه الرافضة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت كتاب كشف الحقائق للشيعي علي محسن فهل هناك رد على ما به من شبهات في حق منهج أهل السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أعلم كتابا معينا رد فيه على كشف الحقائق، لكن اطلعت على فهرسة الكتاب، فوجدت أن أغلب تلك الشبهات مكررة، وقد رد عليها أهل السنة في العديد من الكتب والمؤلفات، ومن تلك الكتب:
1- بل ضللت، لخالد العسقلاني.
2- الشيعة وأهل البيت، والشيعة والقرآن، الشيعة وأهل السنة، بين الشيعة والسنة كلها لإحسان إلهي ظهير.
3- كشف الجاني- محمد التيجاني في كتبه الأربعة، للشيخ عثمان الخميس.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1217)
من هم النواصب وما هو حكمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن تعريف المصطلحات التالية:
1- ما هو تعريف الناصبي؟
2- وما هو حكمه؟ هل مسلم أو كافر أو ضال أو مبتدع؟
3- هل من بعض المصادر التي تكلمت عن النصب..؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فالنصب لغة: إقامة الشيء ورَفعِهِ، ومنه ناصِبَةُ الشرِّ والحرب. (مختار الصحاح 1 / 275)
وفي القاموس: " النواصب والناصبة وأهل النصب المتدينون بِبُغض علي - رضي الله عنه -؛ لأنهم نصبوا له، أي عادوه ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض " (شرح الواسطية 2 / 283)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة:" ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم..... ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل ويمسكون عما شجر بين الصحابة " (العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3 / 154)
فالنواصب هم الذين عادوا أهل البيت، لاسيما عليّاً رضي الله عنه فمنهم من يسبُّه ومنهم من يفسِّقه ومنهم من يكفره،كما أشار لذلك شيخ الإسلام (منهاج السنة7/339) .
ومن أشهر الطوائف التي تبنت منهج النصب الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه وكفروه، وجمعوا إلى ذلك بدعا أخرى.
ولا شك أن النصب وبغض أهل البيت أو غيرهم من الصحابة بدعة من البدع العظيمة التي تؤدي للطعن في هذا الدين الذي نقل إلينا عن طريق الصحابة من أهل البيت وغيرهم.
أما تكفيرهم فهذا يختلف باختلاف نوع بغضهم للصحابة وبواعثه، وخلاصة القول فيه أنه إن كان بغضهم لأمر دنيوي فلا يوقع في الكفر والنفاق، وإن كان لأمر ديني باعتبار كونهم أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهذا كفر، وما تردد بين ذلك فهو محل خلاف في الجملة، وراجع في تفصيل ذلك الأدلة والنقول الموجودة في السؤال (45563) .
أما حكم الخوارج ـ وهم ممن تبنى منهج الرفض، وجمعوا إليه تكفير الصحابة وتكفير صاحب الكبيرة وغير ذلك من البدع ـ، ففيه خلاف بين العلماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد، وفى مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم، ولهذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى
أحدهما: أنهم بغاة، والثاني: أنهم كفار كالمرتدين يجوز قتلهم ابتداء وقتل أسيرهم وإتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل "
(مجموع الفتاوى 28 / 518)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران وهم روايتان عن أحمد، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم، والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع. لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له وقد بسطت هذه القاعدة في (قاعدة التكفير) " (مجموع الفتاوى 28/500) ، والله أعلم.
وينبغي أن تعلم أخي السائل أن الروافض الذين يغلون في حق علي رضي الله عنه وآل البيت ويسبون الصحابة ويكفرونهم، كثيرا ما يستخدمون في كتبهم التهمة بمنهج النصب في حق من خالفهم في باطلهم ويعنون بالناصبة أهل السنة والجماعة وذلك للتنفير منهم لمخالفتهم لهم في منهجهم الباطل ولموافقتهم لمنهج الحق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسو من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ويتبرءون من طريقة الروافض والنواصب جميعا ويتولون السابقين والأولين كلهم ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله ... ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة ... ) منهاج السنة2/71.
وبناءً على هذا فلا بد من معرفة من يطلق هذا الوصف ومن الذين يعنيهم به حتى لا يقع المرء في رد الحق بسبب وصم المبطلين لأهل الحق بما ليس فيهم؛ إذ من سمات أهل البدعة الوقيعة في أهل السنة ولمزهم بالأوصاف المنفرة. والعبرة بما وافق الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة مهما حاول أهل الباطل تشويهه.
ومن الكتب التي تكلمت عن النواصب وردت عليهم وعلى مقابليهم في البدعة الروافض كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية فيمكنك مراجعته أو مراجعة بعض مختصراته.
نسأل الله أن يلهمنا وإياك اتباع كتابه وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وأن يجيرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1218)
هل يؤخذ من غضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغضب فاطمة أنها معصومة
[السُّؤَالُ]
ـ[أورد بعض الرافضة إشكالا وهو القول بعصمة فاطمة رضي الله عنها مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني) فقال إن فاطمة رضي الله عنها بما أن غضبها من غضب رسول الله وغضب رسول من غضب الله فلذلك فاطمة رضي الله عنها لا تغضب لباطل أي أنها معصومة فكيف يجاب عن هذا الإشكال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فإن الرافضة قوم خصمون، فهم يثيرون الشبهات الواهية، ويهولونها حتى يجعلوها حقائق، ثم يرمونها أمام العامة ليحاجوهم بها، لكن من وهبه الله تعالى فقها في دينه، وسؤالا لأهل العلم، فإنه لا شك سينكشف له زيف شبهاتهم، وتهافت حججهم، ومن ذلك الشبهة التي ذكرها السائل، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
أولا: أن الرافضة يستدلون بهذا الحديث، ويوردون هذا الاستدلال الذي ذكره السائل، ليتوصلوا به إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أغضب فاطمة حين منعها ما طلبته من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن أبا بكر قد أغضب فاطمة، وبالتالي قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي قد أغضب الله!! ، وهذا من جهلهم وسفههم، إذ إن الحديث وارد أصلا في حق علي رضي الله عنه وأرضاه، فقد روى البخاري ومسلم عن المسور بن مخرمة أنه قال:" إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة " وفي رواية للبخاري " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " [البخاري رقم 3523، 3556، ومسلم برقم 2449] ، وبالنظر إلى الراوية السابقة يتبين أنه إن كان سيلحق الذم أحدا، فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه، إذ إن سبب ورود الحديث السابق هو رغبته في خطبة بنت أبي جهل، وحينها غضبت فاطمة رضي الله عنها، وقد تقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن تقرر عندهم أيضا أن السبب داخل دخولا أوليا في النص، ولا يمكن أن يخرج عنه بحال، فإذا كان الرافضة يريدون أن يستدلوا بهذا الحديث على ذم أبي بكر رضي الله عنه، فإنه من جهلهم وتلبيسهم كتموا أن هذا الذم – إن كان حاصلا – فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه أولا.
ثانيا: أن الغضب الوارد في الحديث، ورد على سبب معين ذكر سابقا، وهو يفيد بأن الغضب ليس لأن فاطمة معصومة أو نحو ذلك مما يدعيه الرافضة، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر ابنته، فكان ما يغضبها يغضبه صلى الله عليه وسلم، ويدل لهذا ما جاء في رواية مسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها "، فهذه أذية لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة للأمر بالعصمة كما يدعي ذلك الرافضة.
ثالثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أحاديث صحيحة أخرى:" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " [رواه البخاري برقم 6718، ومسلم برقم 1835] ، وهذا بالاتفاق – حتى عند الرافضة – لا يقتضي أن يكون الأمير معصوما، بل إن بعض الأمراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا في أمور يعلم مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه قال:" بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا فقال: أوقدوا نارا فأوقدوها، فقال ادخلوها فهمُّوا (أي فكّروا أن يدخلوها) وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف " [رواه البخاري برقم 4085، ومسلم برقم 1840] ، ولهذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطاعة بالمعروف، وهكذا إذا كان غضب فاطمة من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه بالاتفاق مقيد بالمعروف، فإذا كان غضب فاطمة في مقابل شرع الله تعالى، فإن المعروف هو في تطبيق شرع الله تعالى، وإن كان فيه غضب فاطمة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "، وقال صلى الله عليه وسلم:" ... ويا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما "، وهذا يقتضي أنه لا عصمة لها. [وانظر منهاج السنة النبوية 4 / 250]
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1219)
الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم في فرقة الإباضية وهل صحيح أن ابن باز (رحمه الله) قد كفر هذه الفرقة فنحن هنا في مسجد في أمريكا ويوجد به فرق مختلفة منهم الزيدية والشيعة أيضا فهل نسمح لأحد منهم بالإمامة والصلاة خلفه أم تكون لأهل السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإباضية إحدى الفرق الضالة، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 6935، ونصها:
السؤال: هل تعتبر فرقة الإباضية من الفرق الضالة من فرق الخوارج وهل يجوز الصلاة خلفهم؟
فكان جواب اللجنة كما يلي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم.
وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
للمزيد عن الإباضية راجع سؤال رقم (11529)
ولم نقف على تكفير الشيخ ابن باز رحمه الله لهذه الفرقة.
وانظر حكم الصلاة خلف الشيعة، في جواب السؤال رقم 20093
ولا يجوز تمكين أهل البدع المكفِّرة من إمامة الصلاة، لعدم صحة الصلاة خلفهم عند جمع من أهل العلم، ولكونهم أهلا للهجر والزجر لا للإمامة والتقديم، ولما يترتب على تقديمهم للصلاة من اغترار الجاهل بهم.
والبدع المكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة أو تخليده في النار، وتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو القول بتحريف القرآن، أو ادعاء أن الأئمة يعلمون الغيب، أو الاستغاثة بالأموات، وغير ذلك من صور الكفر والشرك.
وهذا بخلاف صاحب البدعة غير المكفرة، فإن الصلاة خلفه صحيحة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/364) السؤال التالي:
هل تجوز الصلاة خلف الإمام المبتدع؟
جواب اللجنة:
من وجد إماما غير مبتدع فليصل وراءه دون المبتدع، ومن لم يجد سوى المبتدع نصحه عسى أن يتخلى عن بدعته، فإن لم يقبل وكانت بدعته شركية كمن يستغيث بالأموات أو يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلى وراءه لأنه كافر وصلاته باطلة ولا يصح أن يجعل إماما وإن كانت بدعته غير مكفرة كالتلفظ بالنية صحت صلاته وصلاة من خلفه.
وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1220)
متحير من معرفة الحق من بين الطوائف والجماعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم بأنك شرحت طريقة معرفة الجماعة الحقيقية التي تتبع الحديث والسنة ولن يضل من اتبعهم، كنت مع جماعة أهل الحديث - (السعوديون السلفيون) - حتى وصلني الكثير من المعلومات من بعض الناس، يتهمون بها السلفيون وبالتأكيد فكلامهم مدعم بالحديث الذي لا أستطيع أن أرده أو أرفضه. نقلت هذه الاتهامات للسلفيين فذكروا لي أحاديث مقنعة كذلك ولا أستطيع رد هذه كذلك. لا أستطيع ترك السلفيين لأنهم الجماعة الوحيدة الموجودة في مدينتي الصغيرة بجانب عبَّاد القبور، وإذا اتبعتهم فهل هذا يجعلني من أصحاب التقليد الأعمى للسلفيين؟ فكما يقول المخالفون للسلفيين إننا يجب أن نتبع إماماً واحداً. باختصار ما هو أفضل حل؟ لماذا أكثر الجماعات والمذاهب يذكرون أحاديث ويقولون بأن سندها صحيح ثم يعارضون بها أحاديث أخرى؟ كيف إذا تكون أحاديث صحيحة؟ ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بيَّنا في كثيرٍ من أجوبتنا الميزان الذي يستطيع المسلم الحكمَ به على الجماعات والفِرَق والأحزاب المخالفة للشرع، ومما نوضحه أكثر وأكثر هنا:
أن الاختلاف الذي تراه بين المسلمين الآن لم يجعل الله تعالى فيه الناس حيارى لا يعرفون الحق منه من الباطل، بل جعل الله تعالى للحق أمارات، ووضع للصادقين علامات، ونصب للمناهج أدلة وبيِّنات واضحات لا يزيغ عنها إلا هالك.
وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أخبر أنها كلها في النار إلا واحدة، وهي " من كان على مثل ما عليه هو وأصحابه "، فهذا هو الميزان، فلابد من موافقة الصحابة رضي الله عنهم، فلا يكفي أن يأتي الشخص بحديث ويقول عنه أنه صحيح ثم يستدل به على تصحيح مذهبه أو رأيه حسب ما فهمه هو من ذلك الحديث، وإنما الذي ينبغي هو البحث هل فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا الحديث على هذا الوجه أم لا؟
فهذا هو الضابط الذي يفرق أهل الحق حقيقة وغيرهم، ألا وهو الرجوع في فهم الدين إلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإنهم أفضل هذه الأمة وخيرها وأعلمها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي ينظر في الفرق التي حادت عن الصواب يرى أنهم قد يلبسون على الناس بالاستدلال بآية أو بحديث في غير موضعه حتى يوهموا الناس أنهم يتبعون الكتاب والسنة، ولكنهم لا يستطيعون أن يثبتوا أن هذا هو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه النصوص.
فالذين يحرفون صفات الرب تبارك وتعالى، والذين يعبدون القبور ويطوفون حولها، والذين يرقصون في الذِّكر، والذين ينفون القدَر، والذين يقولون بخلْق القرآن، وغير ذلك من العقائد والمناهج المنحرفة ليس أحدٌ منهم يزعم أنه على اعتقاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أن معه آية أو حديثاً لكنه لا يستطيع أن يثبت أن فهمهما هو فهم من شاهد التنزيل وسمع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وهذا ميزان دقيق عظيم يستطيع الإنسان أن يعلم من خلاله صحة وفساد ما يسمعه ويقرؤه من عقائد ومناهج يزعم أصحابها أنهم على هدى وحق.
واتباعك لما يقوله لك العلماء السلفيون ويذكرونه لك من التوحيد والفقه والحديث إنما هو اتباع للإسلام الحق الذي رضيه الله تعالى للناس أجمعين، وقد يدخل عليك الشيطان ويوسوس لك أن هذا تقليد وهو غير جائز، ولا شك أن هذا بداية طريق الانحراف عن الجادة والصواب، فالعامي من المسلمين أوجب الله تعالى عليه سؤال أهل العلم والأخذ بكلامهم وفتاواهم، وأنت تعلم أن أقرب هؤلاء إلى الصواب والحق هو من يسير على طريق أصحاب النبي صل الله عليه وسلم في فهم نصوص الكتاب والسنة، وهم أتباع السلف الصالح.
والمسلم الذي عنده قدر من العلم الشرعي يستطيع أن يكتشف بنفسه صحة أو فساد ما يسمعه ويقرؤه من خلال دراسته والمقارنة بينه وبين ما ثبت عن السلف الصالح.
ولا مانع أن يكون الحق في بعض القضايا مع المخالف لكن لا يمكن أن يكون المنهج والطريق صحيحاً غير طريق سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
فكل ما ينقله العلماء السلفيون إنما هو قول الصحابة وسعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء ومالك وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم من منارات الهدى وعلامات الحق.
وستجد أهل البدع يذكرون ما لهم دون ما عليهم، وستجدهم يعارضون السنة بكتبهم، ويرفضون السنة لمخالفتها كتبهم، ويحرفون ما يأتي في كتاب الله صريحاً، ويضعفون ما يأتي في السنَّة واضحاً بيِّناً مخالفاً لآرائهم وأهوائهم، وهكذا، ولهذا سموا " أهل الأهواء ".
وأما أهل السنَّة فيذكرون ما لهم وما عليهم، وينظرون إلى السنة بكل تجرد، مقدمين السنة – إن صحت -على كل ما سواها، وليس عندهم هوى يتبعونه حتى يرفضوا من أجله حديثاً أو يحرفوا آية.
وليس بين نصوص الوحي أي تعارض في الحقيقة إنما التعارض في الظاهر فقط، ولكل علم أهله المتخصصون به، فالحديث له أهله الذين يبينون صحيحه من سقيمه، ويوضحون المقصود منه، ويزيلون الإشكال، ويوفقون بين ما ظاهره اتعارض.
والخلاصة:
خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بهذا الهدي هم أهل الحديث وفقهاؤه، وهم السلف الصالح، من تبع قولهم نجا ومن خالفه هلك.
وعليك بلزوم هذا الطريق وسؤال الله تعالى الهداية والتوفيق والثبات.
وأما قول السائل عن أهل الحديث أنهم (السعوديون السلفيون) هذا الحصر غير صحيح.
فلا يختص أهل الحديث ببلد معين أو أشخاص معينين بل أهل الحديث كل من ابتع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمها الفهم الصحيح الموافق لفهم الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1221)
صلاة التراويح غير واجبة، وحكم الإفطار مع أهل البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من لم يصل التراويح طيلة شهر رمضان من دون عذر شرعي. وهل عليه إثم في ذلك؟
أنا أعمل في شركة أرامكو وبعض الأيام يتطلب العمل أن أبقى إلى ما بعد المغرب فأضطر إلى أن أفطر في العمل، وأنا تقريباً السني الوحيد، والباقي شيعة وإسماعيلية، فهل يجوز أن أُفطر معهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ترك المسلم صلاة التراويح فلا إثم عليه في ذلك، سواء تركها بعذر أم بغير عذر، لأنها غير واجبة، وإنما هي سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ورغب المسلمين فيها بقوله: (من قام رمضان إيمانا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
وينبغي للمسلم ألا يتركها، فإن لم يستطع أن يصليها مع الإمام في المسجد فإنه يصليها في البيت، فإن لم يستطع أن يصلي إحدى عشرة ركعة، صلى ما تيسر له ولو ركعتين، ثم يصلي الوتر.
والله أعلم.
أما الإفطار مع الشيعة والإسماعيلية، فإن رأيت أن إفطارك معهم فيه مصلحة تأليف قلوبهم لدعوتهم إلى السنة وترك البدع التي هم عليها، فإن ذلك عمل مشروع.
أما إن رأيت أنه لا مصلحة في إفطارك معهم فالأفضل ألا تفطر معهم، وأن تجتنبهم، إنكارا لما هم عليه من البدع. وخشية أن يلقوا إليك بشبهاتهم ولا يكون عندك من العلم ما تعلم به بطلانها فتعرض نفسك للفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1222)
محمد بن عبد الوهاب مُصْلِحٌ مفترى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب لماذا هو محارب وكثير ما يقال فيه ويسمون من يتبعه بالوهابي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لتعلم أخي أن من سنن الله تعالى في عباده المصطفين أن يبتليهم على قدر إيمانهم ليبين الصادق من الكاذب، كما قال سبحانه: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت / 1 – 3، وأشدّ أولئك العباد بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، كما صحّ ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولو تأمّل الإنسان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجد أنه – بأبي هو وأمي – قد أصابه من البلاء الشيءُ العظيم، حتى نُعت بأنه كذاب وساحر ومجنون، ووُضع سلا جزور على ظهره، وطرد من مكة، وأدميت قدماه الشريفتان في الطائف، حاله حال الأنبياء الذين كُذِّبوا من قبله صلوات ربي وسلامه عليهم.
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد أصيب بما أصيب به العلماء والدعاة المخلصون، لكن كانت العاقبة في النهاية للحق الذي كان يحمله، وأنّى للحق أن يخبو نوره أو يعفو أثره، ولك أن تتصوّر أن يوفّق الله هذا الرجل بغرس التوحيد في أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها، ويقضي على جلّ صور الشرك وأشكاله، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على إخلاصه وتفانيه في دعوته فيما نحسب، مع ما اقترن ذلك من سداد الله له وتوفيقه إياه.
وأما أعداء الدعوة فلم يألوا جهداً في إلصاق التهم الباطلة به، فزعموا – وهم كاذبون – بأن الشيخ يدّعي النبوة، وأنه ينتقص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يكفّر الأمة جزافاً.. إلى غير ذلك من الافتراءات التي أُلصقت به، ومن ينظر إلى تلك الدعاوى يعلم يقيناً أنها محض كذب وافتراء، وكتب الشيخ المبثوثة أكبر شاهد على ذلك، وأتباعه من الذين استجابوا لدعوته لم يذكروا ذلك أيضاً، ولو كان الأمر كما ادّعى المدّعون لأبان ذلك أتباعُه، وإلاّ كانوا له عاقّين غير بارّين، ولو أردت الاستفصال في هذا الأمر واستجلاء ما خفي عليك من حقائق فعليك بالرجوع إلى كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف. فإنك ستجد فيه ما يشفي تساؤلاتك بإذن الله.
أما نعت أتباعه (بالوهابية) فما هو إلاّ مسلسل من مسلسلات افتراءات أعداء الدعوة فيه أيضاً، ليحولوا الناس عن دعوة الحق، وليبنوا بين دعوته وبين الناس جداراً وحاجزاً يحول دون بلوغ الدعوة، ولو تأمّلت قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لوجدت أحداثها تقارب ما حصل لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.
فقد أورد ابن هشام في السيرة (1/394) أن الطفيل خرج قاصداً مكة، فتلقفته قريش على أبوابها وحذرته من السماع من محمد صلى الله عليه وسلم، وأوحوا إليه بأنه ساحر وأنه يفرّق بين المرء وزوجه ... ، فلم يزالوا به حتى عمد إلى قطن فوضعه في أذنيه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه بأن ينزع القطن، ويسمع منه، فإن كان ما يقوله حقاً قبل منه، وإن كان ما يقوله باطلاً وقبيحاً ردّ، فلما استمع إليه ما كان منه إلاّ أن أسلم في مكانه.
نعم أسلم بعد أن وضع القطن في أذنيه، وهكذا ينهج المناوئون لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نهج قريش في الافتراء، ذلك لأن قريشاً تدرك تمام الإدراك أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تلامس شغاف القلوب والأفئدة، وتهتدي إليها الفطرة، فعمدوا إلى تهويل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحولوا دون بلوغ الناس الحق، وهكذا نرى الذين يتكلمون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يعيدون نفس الفصول والمؤامرات التي حيكت حيال الدعوة الأولى.
وعليك أخي الكريم – إن كنت تنشد الحق – أن لا تترك لتلك الدعاوى مجالاً لسمعك وقلبك واقصد الحق في المسألة بالنظر إلى كتب الشيخ محمد، فكتبه أعظم دليل على كذب القوم والحمد لله.
وثمت أمرٌ آخر لطيف وهو أن اسم الشيخ هو (محمد) والنسبة إليه محمدي، أما (وهّابي) فهو نسبة إلى الوهّاب، والوهاب هو الله تعالى كما قال: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران /8.
والوهاب كما قال الزجاج في اشتقاق أسماء الله ص: 126: " الكثير الهبة والعطية، وفعّال في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وهّاب يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم ".
ولاشك أن سبيل الوهّاب هو السبيل الحق الذي لا اعوجاج فيه ولا افتراء، وحزبه غالب ومفلح (ومن يتولّ الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون) المائدة /56، (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) المجادلة/22.
وقديماً اتهموا الشافعي بالرفض فردّ عليهم قائلاً:
إن كان رفضاً حبّ آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي
ونحن نردّ على من يتّهمنا بالوهابية بقول الشيخ ملا عمران الذي كان شيعياً فهداه الله إلى السنة، قال رحمه الله:
إن كان تابع أحمد متوهّباً ... فأنا المقرّ بأنني وهّابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي ... ربٌ سوى المتفرّد الوهّاب
نفر الذين دعاهم خير الورى ... إذ لقّبوه بساحرٍ كذّاب
(انظر: منهاج الفرقة الناجية للشيخ محمد جميل زينو ص: 142 – 143)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1223)
هل الكلمات في السكر الروحي معفوٌّ عنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال حمزة يوسف عندما تحدث عن المخاوف التي يخافها الناس من الصوفية: " السبب الرابع: هو الخوف عموماً من الضلال باتباع عقائد خفية دون التأكد من صحتها كما يحدث لكثير من الجهال، لذلك ربما يسمع الجهال من الناس بعض العبارات التي تقال على ألسنة الصوفية ولا يفهمونها بالكلية، وفي طبقات الإمام الذهبي أن أبا اليزيد البسطامي يعتبر فقيهاً وأن الإمام الذهبي يُعتبر تلميذ ابن تيمية ويَعتبر أبا اليزيد البسطامي مصدراً للحديث، ولكنَّ أبا اليزيد هذا هو الذي قال " سبحاني " وهذه الكلمة معروفة بالكلمة الفنية للصوفيين " شطحة " بحيث لو قالها شخص وهو مغيب النفس لا يؤاخذ بها، وهناك دليل في البخاري عن عبدٍ في وسط الصحراء وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل لما وجد راحلته المفقودة صاح بفرحة " اللهم أنت عبدي وأنا ربك "، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العبد أخطأ في مقولته بعد أن وجد راحلته، هذا بالنسبة للشخص الذي وجد راحلته فكيف بالشخص الذي يجد ربَّه؟ .
هل يعني الحديث في البخاري أن الكلمات التي يقولها الشخص وهو في حالة " سكر روحي " معفو عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أبو يزيد البسطامي هو: طيفور بن عيسى، توفي سنة 261 هـ .
ولا يُعلم عنه أنه كان من المشتغلين بالحديث، ولم يذكر ذلك عنه الذهبي في ترجمته، بل ذَكَرَ عنه ما قد يُؤخذ منه سخريته من أهل الحديث ودعواه أنه يتلقى علمه عن الله تعالى مباشرة!! وهو قوله: ما المحدِّثون؟ إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب!!
وقد نُقلت عنه شطحات كثيرة قوله: "ما في الجُبَّة إلا الله"، و "ما النَّار؟ لأستندنَّ إليها غداً وأقول: اجعلني فداءً لأهلها وإلا بلعتُها"، و "ما الجنَّة؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا".
ومن أجل هذه العبارات التي ظاهرها الكفر والإلحاد حكم عليه بعض العلماء بفساد الاعتقاد، وأنه مبتدع واعتذر عنه آخرون.
قال ابن كثير رحمه الله: وقد حُكي عنه شطحاتٌ ناقصاتٌ، وقد تأوَّلها كثيرٌ من الفقهاء والصوفية، وحملوها على محاملَ بعيدةٍ، وقد قال بعضُهم إنَّه قال ذلك في حال الاصطلام – أي: الفناء – والغيبة، ومن العلماء مَن بدّعه وخطّأه وجعل ذلك من أكبر البدع، وأنَّها تدلُّ على اعتقادٍ فاسدٍ كامِنٍ في القلب ظهر في أوقاته.
" البداية والنهاية " (11 / 38) .
وبالرجوع إلى سير أعلام النبلاء للذهبي تبين أن الذهبي لم يصف أبا يزيد بأنه فقيه، ولا اعتبره مصدراً للحديث، بل نقل عنه كلمات جيدة، ونقل عنه أيضاً هذه الشطحات، فقال:
وجاء عنه – أي: عن أبي يزيد - أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو، فيطوى ولا يحتج بها، إذ ظاهرها إلحاد مثل "سبحاني"، و "ما في الجبة إلا الله"، "ما النار؟ لأستندن إليها غداً وأقول: اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتُها"، و "ما الجنة؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا". . . إلخ
" سير أعلام النبلاء " (13 / 88) .
ولعل الذي حمل بعض العلماء على الاعتذار عنه أنه نُقلت عنه كلمات جيدة في الحث على اتباع الشرع والوقوف عند حدوده، مع ما حُكي عنه أنه كان إذا أفاق أنكر هذه الشطحات.
انظر: منهاج السنة (5/357) ، ومدارج السالكين (2/119) .
ومما ينبغي أن يُعلم أن مثل هذه الكلمات غاية أمر صاحبها أن يكون معذوراً فيها غير مؤاخذ عليها، ولا يصح أن تجعل هذه الكلمات دليلاً على الولاية والعلم والتحقيق.
قال شيخ الإسلام:
والذين يذكرون عن أبى يزيد وغيره كلمات من الاتحاد الخاص ونفي الفرق ويعذرونه في ذلك يقولون إنه غاب عقله حتى قال: "أنا الحق" و "سبحاني"، و "ما في الجبة إلا الله". ويقولون إن الحب إذا قوي على صاحبه وكان قلبه ضعيفا يغيب بمحبوبه عن حبه، وبموجوده عن وجوده، وبمذكوره عن ذكره، حتى يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل. . . فمثل هذا الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد وبين المأمور والمحظور ليست علما ولا حقا، بل غايته أنه نَقَصَ عقلُه الذي يفرق به بين هذا وهذا، وغايته أن يعذر لا أن يكون قوله تحقيقا اهـ
مجموع الفتاوى 8/313.
ثم محل العذر إذا كان الإنسان وصل إلى حال غياب العقل من غير اختياره، أما إذا فعل ما يذهب عقله، فإنه يلام بلا شك على ذلك الفعل. كما لو شرب الخمر أو جعل يرقص في حِلَق الذكر حتى غاب عن الوعي.
قال شيخ الإسلام:
لكن بعض ذوى الأحوال قد يحصل له فى حال الفناء القاصر سكر وغيبة. . . فقد يقول فى تلك الحال: "سبحانى" أو "ما فى الجبة إلا الله" أو نحو ذلك من الكلمات التى تؤثر عن أبى يزيد البسطامى. . . وكلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى إذا لم يكن سكره بسبب محظور من عبادة أو وجه منهى عنه فأما إذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، لا فرق في ذاك بين السكر الجسمانى والروحانى اهـ
مجموع الفتاوى (2/461) .
وأما مدح هذه الكلمات، وكذلك مدح كلام الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" فمن الخطأ الفاحش إذ كيف يمدح هذا الكلام بعد ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالخطأ فقال: (أخطأ من شدة الفرح) ؟!
وهذه الكلمات تدل على نقص عقل صاحبها أو غيابه بالكلية وقت تلفظه بها، فكيف يكون نقص العقل وغيابه مدحاً وكمالاً وولايةً؟!
وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكمل البشر بعد الأنبياء خوفا من الله، ورجاء له، وتحقيقا للعبودية والولاية لم تنقل عنهم مثل هذه الكلمات لكمال عقولهم واتباعهم للشرع رضي الله عنهم أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1224)
الطرق الصوفية وحكم الانضمام إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[في الطرق الصوفية يوجد طريقة تسمى: سياريا (syari'a) ، طريقة، حقيقة، معرفة، هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه هذه الطرق وبنفس ما تعنيه هذه الطرق لدى الصوفية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن نعلم أن النسبة إلى الصوفية هي إلى لبس الصوف لا إلى شيء آخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
واسم الصوفية هو نسبة إلى لباس الصوف هذا هو الصحيح، وقد قيل إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء، وقيل إلى صوفة بن أد بن طانجة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك، وقيل إلى أهل الصُّفة، وقيل إلى الصفا، وقيل إلى الصفوة، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله؛ وهذه الأقوال: ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل صفي أو صفائي أو صفوي أو صفي ولم يقل صوفي.
" مجموع الفتاوى " (11 / 195) .
ولم يظهر التصوف إلا بعد القرون الثلاثة التي أثنى علها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم …." - رواه البخاري (2652) ، ومسلم (2533) من حديث ابن مسعود -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وأما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك.
" مجموع الفتاوى " (11 / 5) .
وهذه الطريقة ومثيلاتها من الطرق المبتدعة المخالفة للكتاب والسنَّة ولما كان عليه خير القرون، فقد اخترع كل شيخٍ لهذه الطرق ورداً وحزباً وطريقة في العبادة يُميِّز بها نفسه عن غيره، مخالفاً للشرع، ومفرقاً للصف.
وقد امتن الله على الأمَّة بأن أكمل لها دينها وأتمَّ عليه نعمته، فكل من جاء بعبادة وطريقة لم يأتِ بها الشرع فهو مكذب بما قاله الله تعالى متهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة.
وقد يكون مع ابتداعهم هذا كذبٌ أيضاً بأن زعم زاعمهم أنهم تلقوا طريقتهم هذه من النبي صلى الله عليه وسلم أو أنهم على طريق وهدي الخلفاء الراشدين.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يوجد في الإسلام طرق متعددة مثل: الطريقة الشاذلية، والطريقة الخلوتية، وغيرهما من الطرق، وإذا وجدت هذه الطرق فما هو الدليل على ذلك؟ وما معنى قول الحق تبارك وتعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام / 153، وما معنى قوله أيضاً: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} النحل / 9، ما هي السبل المتفرقة، وما هو سبيل الله، ثم ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه عنه ابن مسعود أنه خط خطّاً ثم قال: " هذا سبيل الرشد " ثم خطَّ عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال: " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "؟ فأجابوا:
لا يوجد في الإسلام شيء من الطرق المذكورة، ولا من أشباههما، والموجود في الإسلام هو ما دلت عليه الآيتان والحديث الذي ذكرتَ وما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا واحدة "، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي "، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك "، والحق هو اتباع القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة الصحيحة الصريحة، وهذا هو سبيل الله، وهو الصراط المستقيم، وهو قصد السبيل، وهو الخط المستقيم المذكور في حديث ابن مسعود، وهو الذي درج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وعن أتباعهم من سلف الأمَّة ومن سار على نهجهم، وما سوى ذلك من الطرق والفِرق هي السبل المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام / 153.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 283، 284) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1225)
أخذ العلم عن الأشاعرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدرس الفقه أو علوم الحديث على شخص أشعري؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأشاعرة فهي فرقة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري - رحمه الله -، وقد مر الأشعري بثلاث مراحل - كما ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج4/72 – وهي باختصار: مرحلة الاعتزال، ثم متابعة ابن كلاب، ثم موافقة أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وقد صرح الأشعري بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: رسالة إلى أهل الثغر، ومقالات الإسلاميين، والإبانة، فمن تابع الأشعري على هذه المرحلة، فهو موافق لأهل السنة والجماعة في أكثر المقالات، ومن لزم طريقته في المرحلة الثانية، فقد خالف الأشعري نفسه، وخالف أهل السنة في العديد من مقالاتهم.
قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى ج3/338:
" والمتأخرون الذين ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذا السمع والبصر
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها. " انتهى.
وقد أفتت اللجنة الدائمة فتوى رقم 6606 ج3/220:
" إن الأشاعرة ليسوا كفارا، وإنما أخطأوا في تأويلهم بعض الصفات " انتهى.
وعلى هذا فالأولى ألا يدرس المسلم علوم الشريعة إلا على العلماء المعروفين بعلمهم، وسلامة اعتقادهم، والبعد عن المبتدعة والمخالفين لأهل السنة ومنهم الأشاعرة، والأمر في هذا سهل ولله الحمد، فقد أصبحت سبل التعلم متاحة في كل الأوقات لجميع الناس، فها هو علم علماء أهل السنة موجودة بعدة وسائل كالشريط الإسلامي، وهذه الكتب والكتيبات النافعة، وهذه المنتديات الإسلامية على الإنترنت، وهذه المواقع الإسلامية المفيدة، فطرق الخير وأبواب العلم سهلة ميسرة ولله الحمد والمنة
فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمنا وزدنا علماً
وللمزيد راجع سؤال رقم (10693)
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1226)
ما هي الطريقة الظاهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع بالطريقة الظاهرية، لم تدعو؟ وهل هي موافقة للسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطريقة الظاهرية معروفة، وهي التي يسير عليها داود بن علي الظاهري، وأبو محمد ابن حزم، ومن يقول بقولهما.
ومعناها: الأخذ بظاهر النصوص وعدم النظر في التعليل والقياس، فلا قياس عندهم ولا تعليل، بل يقولون بظاهر الأوامر والنواهي، ولا ينظرون إلى العلل والمعاني، فسموا ظاهرية لهذا المعنى؛ لأنهم أخذوا بالظاهر ولم ينظروا في العلل والحكم والأقيسة الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، ولكن قولهم في الجملة أحسن من قول أهل الرأي المجرد الذين يحكمون الآراء والأقيسة، ويعرضون عن العناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، لكن عليهم نقص ومؤاخذات في جمودهم على الظاهر، وعدم رعايتهم للعلل والحكم والأسرار التي نبه عليها الشارع وقصدها، ولهذا غلطوا في مسائل كثيرة دل عليها الكتاب والسنة.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 218(1/1227)
وضع اليدين في الصلاة بين أهل السنة وغيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متحير في الطريقة التي يصلي بها السنة والشيعة، والدي شيعي وعلمني أن أصلي ويداي في جانبي ولكنني لست أدري ما الفرق.
لماذا يوجد هذا الاختلاف بينهما؟
سأكون ممتناً إذا قلت لي أي طريقة كان يستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الفرق بين الشيعة – الرافضة - وأهل السنة كبير جداً؛ وذلك لاختلاف المراجع والأصول التي يرجع إليها كل منهما، فالشيعة يعتمدون على كتب وعلماء ليسوا عند أهل السنة بشيء.
فمثلاً أهل السنة يعتمدون كتاب صحيح البخاري بعد القرآن، والشيعة لا يعتمدونه مرجعاً ولا يعتبرون صاحبه شيئاً، حتى إنهم ليختلفون معنا في الصحابة، فالشيعة يكفرون الصحابة إلا قليلاً منهم، بل إن بعضهم يزعم أن القرآن الذي في أيدي أهل السنة ناقص ومحرف، ومَن لم يقل بنقص القرآن وتحريفه قال بتحريف معناه، وأبطل ما ورد عن أئمتنا في تفسيره.
قال الشعبي: أحذركم الأهواء المضلة وشرها الرافضة، وقد حرقهم علي بن أبي طالب بالنار ونفاهم في البلدان وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود:
قالت اليهود: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من ولد علي بن أبي طالب.
وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سبب من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء.
واليهود: يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ". أبو داود 418، وابن ماجة 689، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 444.
واليهود: تزول عن القبلة شيئاً، وكذلك الرافضة.
واليهود: تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة …
واليهود: يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة.
واليهود: لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة.
واليهود: لا يرون الطلاق الثلاث شيئاً، وكذلك الرافضة.
واليهود: حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن.
واليهود: يبغضون جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الرافضة يقولون غلط بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
" السنة " للخلال (3 / 497 – 498) .
وهذا بعض من ضلالات الشيعة وخزعبلاتهم، لذا فلا تعجب من سدلهم أيديهم في الصلاة الذي هو مخالفة صريحة لصحيح السنة وصريحها.
وأما الأدلة على وجوب القبض ـ أي وضع اليد اليمنى على اليسرى ـ فهي كثيرة، ومنها:
عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) .
و (كان صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى) . رواه مسلم 401
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى. رواه أحمد برقم 12671
عن وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصف همام حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه. رواه مسلم (401) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ". رواه ابن حبان (3 / 13) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صفة الصلاة " (ص 87) .
وقال ابن حجر:
قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيرُه عن مالك غيرَه، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة، ومنهم من كره الإمساك ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة. " فتح الباري " (2 / 224) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1228)
الطائفة البريلوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطائفة البريلوية وما هي معتقداتهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ولدت البريلوية في الهند إبان الاحتلال البريطاني، وهي فرقة صوفية، ويعتقد أتباع هذه الفرقة ويروا أنفسهم في تجاوز الحب للأولياء والأنبياء عامة ورسولنا صلى الله عليه وسلم خاصة.
مؤسس هذه الفرقة اسمه أحمد رضا خان بن تقي علي خان والمولود في عام 1272 هـ (1851م) ، وسمى نفسه: "عبد المصطفى".
وُلد في مدينة برايلي في إقليم أوتار براديش، وكان تلميذا للميرزا غلام قادر بيج الذي كان بدوره شقيق الميرزا غلام أحمد القادياني: مؤسس القاديانية.
لقد كان ضئيل الحجم ولكنه كان أيضا معروفا بالذكاء والدهاء والقسوة، كما أنه كان بذيء اللسان وحاد الطبع سريع الغضب، كما كان يعاني من الأمراض المزمنة ويكثر الشكوى من الصداع المستمر وآلام الظهر.
وفي عام 1295 هـ (1874م) زار مكة ودرس على بعض علمائها.
من كتبه المشهورة: "أنباء المصطفى" , "خالص الاعتقاد".
من اعتقاد هذه الفرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء لديهم القدرة على التصرف في الخلق وما قد يحدث أو يكون.
وقد غلو خاصة في الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنهم كادوا أن يعبدوه، فقد قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وأنه لم يكن بشرا من بني آدم ولكنه كان نورا، إذ هو نور الله، وهم يجيزون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأولياء إلى آخر معتقداتهم الباطلة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1229)
من هو ابن عربي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن توضح من هو ابن عربي. لقد ارتبكت كثيراً من المصادر المتعددة فالشيخ محي الدين ابن عربي (رحمه الله ورضي عنه) لم يكن مهرطقاً (زنديقاً) فقد كان رجل يسبق زمانه وهؤلاء الذين لم يفهموا ما أوتي من الحكمة وسموه بالزندقة لكنه منها بعيد فإن لم تكن أستاذ في التصوف لكنت طلبت منك أن تكف عن تسمية خادم لله ; زنديق لقد وصل إلى درجة عالية من الفهم وتعاليمه كانت تنضح بالإسلام لكن ليس أحد يستطيع أن ينال نور حكمته حتى في أيامنا هذه هناك من يصفه بالخطأ وذلك لنقص فهمهم. للأسف فإن الناس حين لا يفهمون يحاولون أن يدمروا غيرهم. إن كان عندك وقت وقرأت كتبه فسوف تنال معرفة عظيمة ليس حسناً أن تحكم على شخص يسبق فهمه أعوامك ويضيء الطريق أمامك. لا تتبع الوهابيين أو السلفيين أو السعوديين فإنهم يكرسون الشك في كل من يفهم الحقيقة لكي يرجوا لضلالهم الشرير أن ابن عربي لم يضلل أحداً ولكنه سبق زمانه ولم يكن لابن تيميه نفس الفهم والعبقرية لكن ابن عربي كان عملاقاً ولم يكن نقص في جهل ابن تيميه الذي كان نملة يشكل رأي شخص يسبقه بأعوام ولا تظن أن ابن تيميه اقتبس هذا الكلام منه لكن ابن عربي كان عالماً بحق لقد كان ابن تيميه نفسه منحرفاً وضالاً كبيراً وكانت فتواه مصدر لجهل عظيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من هو ابن عربي؟
هو الصوفي الجلد، بل هو من غلاة الصوفية: محمد بن علي بن محمد الطائي الأندلسي ويعرفنا العلماء بحاله إجابة عن سؤال طرح عليهم، وهذا نصه:
ما يقول السادة أئمة الدين وهداة المسلمين في كتاب أُظهر للناس، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس، بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، في منامٍ زعم أنه رآه، وأكثر كتابه ضدّ لما أنزل الله من كتبه المنزّلة، وعكس وضدّ لما قاله أنبياؤه.
فمما قال فيه: إن آدم إنّما سمّي إنساناً، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر.
وقال في موضع آخر: إن الحقّ المنزّه، هو الخلق المشبّه.
وقال في قوم نوح: إنهم لو تركوا عبادتهم لودٍّ وسواعٍ ويغوث ويعوق، لجهلوا من الحق أكثر مما تركوا.
ثم قال: إن للحقّ في كلّ معبود وجهاً يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عُبد، وإن التفريق والكثرة، كالأعضاء في الصورة المحسوسة.
ثم قال في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال به حر جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، فما أعطاهم هذا الذوقي اللذيذ من جهة المنّة وإنما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا على صراط مستقيم.
ثم أنكر فيه حكم الوعيد في حقّ من حقّت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد.
فهل يكفر من يصدّقه في ذلك، أو يرضى به منه، أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغاً عاقلاً، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه، أم لا؟
أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الله على العلماء الميثاق بذلك، فقد أضر الإهمال بالجهال.
" عقيدة ابن عربي وحياته " لتقي الدين الفاسي (ص 15، 16) .
ونذكر أجوبة بعض العلماء:
قال القاضي بدر الدين بن جماعة:
هذه الفصول المذكورة، وما أشبهها من هذا الباب: بدعة وضلالة، ومنكر وجهالة، لا يصغي إليها ولا يعرّج عليها ذو دِين.
ثم قال:
وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأذن في المنام بما يخالف ويعاند الإسلام، بل ذلك من وسواس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته.
وقوله في آدم: أنه إنسان العين، تشبيه لله تعالى بخلقه، وكذلك قوله: الحق المنزه، هو الخلق المشبّه إن أراد بالحق رب العالمين، فقد صرّح بالتشبيه وتغالى فيه.
وأما إنكاره ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد: فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد.
وكذلك قوله في قوم نوح وهود: قول لغوٍ باطل مردود وإعدام ذلك، وما شابه هذه الأبواب من نسخ هذا الكتاب، من أوضح طرق الصواب، فإنها ألفاظ مزوّقة، وعبارات عن معان غير محققة، وإحداث في الدين ما ليس منه، فحُكمه: رده، والإعراض عنه.
" المرجع السابق " (ص 29، 30) .
وقال خطيب القلعة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي:
الحمد لله، قوله: فإن آدم عليه السلام، إنما سمّي إنساناً: تشبيه وكذب باطل، وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يقر قائله عليه، وقوله: إن الحق المنزّه: هو الخلق المشبّه، كلام باطل متناقض وهو كفر، وقوله في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، افتراء على الله وردّ لقوله فيهم، وقوله: زال البعد، وصيرورية جهنم في حقهم نعيماً: كذب وتكذيب للشرائع، بل الحقّ ما أخبر الله به من بقائهم في العذاب.
وأمّا من يصدقه فيما قاله، لعلمه بما قال: فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير إن كان عالماً، فإن كان ممن لا علم له: فإن قال ذلك جهلاً: عُرِّف بحقيقة ذلك، ويجب تعليمه وردعه مهما أمكن.
وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد: كذب وردّ لإجماع المسلمين، وإنجاز من الله عز وجل للعقوبة، فقد دلّت الشريعة دلالة ناطقة، أن لا بدّ من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين، ومنكر ذلك يكفر، عصمنا الله من سوء الاعتقاد، وإنكار المعاد. " المرجع السابق " (ص 31، 32) .
قال ابن تيمية:
وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المسلمين، أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر في جميع الملل، إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولهم من أعظم الكفر، لم يقل أحد: إن عين المخلوقات هي أجزاء الخالق، ولا إن الخالق هو المخلوق، ولا إن الحق المنزه هو الخلق المشبّه.
وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، هو من الكفر المعلوم بالاضطرار بين جميع الملل، فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفّروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً، حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله، كما قال الله تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة / 4] ، - واستدل على ذلك بآيات أخر -، ثم قال:
فمن قال إن عبّاد الأصنام، لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها: أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفّرهم: فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفّرون عبّاد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلاً من الحق بقدر ما ترك منها؟! مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عبد، فإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، بل هو أعظم كفراً من عبّاد الأصنام، فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى} [الزمر / 40] ، وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون} [الزمر /43] وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالق الأصنام، كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ الله} [الزمر / 38] .
" المرجع السابق " (ص 21 - 23) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً:
وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام، لمّا قدم القاهرة، وسألوه عن ابن عربي، قال:
هو شيخ سوء مقبوح، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجاً أ. هـ
فقوله بقدم العالم؛ لأن هذا قوله، وهو كفر معروف فكفّره الفقيه أبو محمد بذلك، ولم يكن ـ بعد ـ ظهر من قوله: أن العالم هو الله، وأن العالم صورة الله وهوية الله، فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذي يثبتون واجباً لوجوده ويقولون أنه صدر عنه الوجود الممكن. وقال عنه من عاينه من الشيوخ: أنه كان كذاباً مفترياً، وفي كتبه مثل "الفتوحات المكية " وأمثالها من الأكاذيب مالا يخفى على لبيب.
ثم قال:
ولم أصف عُشر ما يذكرونه من الكفر، ولكن هؤلاء التبس أمرهم على يعرف حالهم، كما التبس أمر القرامطة الباطنية، لما ادعوا أنهم فاطميون، وانتسبوا إلى التشيع، فصار المتشيعون مائلين إليهم، غير عالمين بباطن كفرهم. ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين: إما زنديقاً منافقاّ، أو جاهلاً ضالاً هؤلاء الاتحادية، فرؤوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة، الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهم الذين يبهمون قولهم ومخالفتهم لدين الإسلام، ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، وأخذ يعتذر عنهم أو لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو، ومن قال: إنه صنف هذا الكتاب! وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله، فضررهم في الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم، كقطاع الطريق، وكالتتار الذي يأخذون منهم الأموال، ويبقون لهم دينهم، ولا يستهين بهم من لم يعرفهم، فضلالهم وإضلالهم أطمّ وأعظم من أن يوصف.
ثم قال:
ومن كان محسنا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم: عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم وتظهر لهم الإنكار، وإلا ألحق بهم وجعل منهم.
وأما من قال: لكلامهم تأويل يوافق الشريعة، فإنه من رؤوسهم وأئمتهم، فإنه إن كان ذكياً: فإنه يعرف كتاب لهم فيما قال، وإن كان معتقداً لهذا باطناً وظاهراً: فهو أكفر من النصارى.
باختصار " المرجع السابق " (ص 25 - 28) .
قال ابن حجر:
أنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، شيئاً من كلام ابن عربي المشكل، وسأله عن ابن عربي، فقال له شيخنا البلقيني: هو كافر.
" المرجع السابق " (ص 39) .
قال ابن خلدون:
ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أو عدّها في الشريعة.
" المرجع السابق " (ص 41) .
وقال السبكي:
ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين، كابن العربي وأتباعه، فهم ضلاّل جهال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلاً عن العلماء.
" المرجع السابق " (ص 55) .
قال أبو زرعة ابن الحافظ العراقي:
لا شك في اشتمال" الفصوص" المشهورة على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك " فتوحاته المكية "، فإن صحّ صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته: فهو كافر مخلد في النار بلا شك.
" المرجع السابق " (ص / 60) .
وبعد،
فهل يستطيع عاقل أن يسمي هؤلاء الجهابذة من العلماء بأنهم لم يفهموا ابن عربي فإذا لم يفهمه هؤلاء فمن يفهمه إذاً.
= حادثة فيهما عبرة
قال الفاسي:
وسمعت صاحبنا الحافظ الحجة، القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الشافعي يقول: جرى بيني وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن عربي، حتى نلت منه لسوء مقالته، فلم يسْلَ ذلك بالرجل المنازع لي في أمره، وهددني بالشكوى إلى السلطان بمصر، بأمر غير الذي تنازعنا فيه، ليتعب خاطري، فقلت له: ما للسلطان في هذا مدخل! ألا تعال نتباهل، فقل أن تباهل اثنان، فكان أحدهما كاذباً إلا وأصيب، قال: فقال لي: بسم الله، قال: فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعني بلعنتك، فقال ذلك، وقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك، وافترقنا، قال: ثم اجتمعنا في بعض متنزهات مصر في ليلة مقمرة، فقال لنا: مرّ على رجلي شيء ناعم، فانظروا فنظرنا فقلنا: ما رأينا شيئاً، قال: ثم التمس بصره، فلم يرَ شيئاً. (أي أصابه الله بالعمى)
هذا معنى ما حكاه لي الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني.
" المرجع السابق " (ص 75، 76) .
فهذه بعض ضلالات الرجل وخزعبلاته لمن أراد الحق أو أراد أن يتبع سبيل الرشاد، فهو مهرطق زنديق لم يسبق زمانه إلا بالضلال والكفر، وليس له نور وحكمة بل هو في ظلمة الجهل.
وقد سقنا إليك من كلام العلماء غير ابن تيمية ما يبين كفر ابن عربي حتى لا تظن أن شيخ الإسلام انفرد بتكفيره
أما سوء أدبك مع شيخ الإسلام ابن تيمية وزعمك أنه جاء بعده بسنين فنقول: وأنت جئت بعد ابن تيمية بأضعاف ما كان بينه وابن عربي فأنت أولى بالسكوت منه.
ولا يجوز سوء الأدب مع شيخ كابن تيمية طبَّق علمه الدنيا وما فيها، فكيف لرجل مثلك أن يصفه بأنه نملة.
من أنت حتى تصف شيخ الشيوخ وشيخ الإسلام بأنه نملة أما تخاف أن تقف بين يدي الله ويسألك لم أسأت الأدب مع العلماء.
ونحن نسألك بالله الذي لا إله إلا هو هل الذي يقول إن المخلوق جزء من الخالق هو إنسان مسلم؟
بناء على جوابك تعرف حقيقة إسلامك، والله الهادي إلى سواء السبيل..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1230)
من هو الغزالي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على (من هو الإمام الغزالي) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغزالي: هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي، ولد بطوس سنة (450هـ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس.
والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله، وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام، ثم سلك مسلك التصوف. فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال: " أبو حامد كثر القول فيه ومنه، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها، وأما الرجل فيُسكت عنه، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله " أنظر كتاب (أبو حامد الغزالي والتصوف) لعبد الرحمن دمشقية.
ولا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... " سير أعلام النبلاء ج9 ص 323.
وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ... يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه. أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66
ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله –: " فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث، وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك، ففيها عجائب. وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك، إما عند الموت، وإما قبل الموت، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ... هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... " مجموع الفتاوى ج4 ص71
وقال أيضاً: " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة، وتكفيره لهم، وتعظيم النبوة، وغير ذلك، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة، بل المخالفة لصريح العقل، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب، كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي، وقرره الشيخ أبو زكريا النووي، قال في هذا الكتاب: فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها: قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي: هذه مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً.
قال الشيخ أبو عمرو: وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها " العقيدة الأصفهانية. ج 1 ص169
ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال: فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم، واجتمع فيه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وكان على ذلك معظم زمانه، ثم بدا له عن طريق العلماء، ودخل في غُمار العُبَّاد، ثم تصوَّف، وهجر العلومَ وأهلها، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أمِّ رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات.
قلت (القائل هو الذهبي) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خيرٌ كثير، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً، تدري ما العلم النافع؟
هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه. قال عليه السلام: " من رغب عن سنتي فليس مني ". فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين، وسنن النسائي، ورياض النواوي وأذكاره، تفلح وتنجح.
وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة. فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ...
ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلاً للهجوم على الحقائق؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، لا يردعها شرع.
وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملا من دواوينه، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة. وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير ... ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع؛ لأنها المسبحة، ثم قص ما يليها من الوسطى؛ لأنها ناحية اليمين، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً.
قلت (القائل هو الذهبي) : هو أثر موضوع ... قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه، وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل، ولم يُرِد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية. " السير ج19 ص340
ثم إن الغزالي – رحمه الله – رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وأكب على الكتاب والسنة، وذم الكلام وأهله، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام " مجموع الفتاوى ج4 ص72.
" وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة:
الوجه الأول: أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع.
الوجه الثاني: أنه نهى عن التأويل أشد النهي، داعياً إلى إثبات صفات الله، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل.
الوجه الثالث: أنه شدد النكير على المتكلمين، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة "، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً:
والدليل على تضرر الخلق به: المشاهدة والعيان والتجربة، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك. ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك – فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض.
وقال أيضاً: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات. كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب (أبو حامد الغزالي والتصوف)
هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية. والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1231)
هل يمكن أن يعيش المسلمون بسلام في فلسطين
[السُّؤَالُ]
ـ[أتكلم راجياً التصحيح، طبقاً للكتاب المقدس (الإنجيل) ليس هناك بلد يسمى إسرائيل، فقط فلسطين، وكلا الشعبين العربي واليهودي من نسل سيدنا إبراهيم، وفي الحقيقة هم أخوة، فلماذا لا يعيشون في انسجام في بلد يدعى فلسطين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال الفقرات التالية:
- لا شك أن نبي الله إبراهيم كان موحدا حنيفا ولم يك من المشركين الكافرين , واليهود وإن كانوا من نسل إبراهيم عليه السلام إلا أنهم خالفوا ملة إبراهيم فأشركوا بالله وزعموا أن عزيرا ابن الله وقالوا إن الله بخيل ويده مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقالوا إن الله لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام تعب فاستراح يوم السبت - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - وشبّهوا في صفات الله وقتلوا الأنبياء.. إلخ انحرافاتهم.
- فإذا تقررت هذه المفارقة والمخالفة فلا أخوة بين مؤمن موحد وبين كافر مشرك كما قال تعالى على لسان إبراهيم الخليل: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) .. لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) ، سورة الممتحنة، وإذا تقررت هذه المفاصلة والعداوة فإن العداء والبراء وما يلزمه من جهاد لأعداء الله أمر لا انفكاك عنه، فما دام أن سنة الله تعالى وحكمته قضت أن ثمة مؤمن وكافر. فلا بد من وجود هذه العداوة وظهورها ولن تجد لسنة الله تبديلا.
- ثم إنه لا يمكن أيضا الانسجام مع يهود غاصبين معتدين - آذوا وظلموا وعُرفوا بالغدر والخيانة والإفساد في الأرض قديما وحديثا - وبين أصحاب الأرض المسلمين الموحدين الذين قتل اليهود رجالهم وسجنوا أبناءهم وهدموا بيوتهم وغصبوا أرضهم وحاربوهم في أرزاقهم، وأجروا التجارب الكيميائية والإشعاعية على سجنائهم واستأصلوا منهم أعضاء بشرية لمصلحة بعض المرضى اليهود.. إلى آخر أنواع الظلم والاضطهاد.
- وبالإضافة إلى ذلك فاليهود أهل غدر وخيانة، ولا يمكن الوثوق بهم إطلاقا، وسلوكهم الحالي من الشواهد والأدلة على ذلك، فهل هناك اتفاقية أو معاهدة عقدوها فوفّوا بها، وهذا ليس باكتشاف أو مفاجأة للمسلم الذي يعرف ماذا قال الله في كتابه عن اليهود، قال ربنا عزّ وجلّ: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) سورة البقرة.
- ثم لو رضي المسلمون أن يعيشوا مع اليهود سلميا فلمن سيكون الحكم؟ إن من القواعد الإسلامية أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى، ومن شرط إقامة أهل الكتاب مع المسلمين في بلد المسلمين أن يلتزم اليهود أو النصارى بشروط أهل الذمّة مقابل الأمان والحماية التي يمنحها لهم المسلمون، ومن أهم شروط أهل الذمة أن لا يُفشي الكتابيون شركهم وكفرهم في بلد المسلمين لا بالقول ولا بالفعل.
- وحيث أن المسلمين واليهود كيانان متنافران ومتعاديان دينيا وعقديا فإنه لا يُمكن اجتماعهما معا إلا أن يرضخ أحدهما للآخر بالقوة بل إن اليهود الآن لا يسمحون للمسلمين بالبقاء ولو لم يقم المسلمون بأي عمل استفزازي ولذلك ينزعون ملكية أراضي المسلمين بالقوة ويبنون مستوطناتهم عليها ويريدون طرد المسلمين بأي طريقة وقد شرّدوا الملايين منهم إلى الدول المجاورة التي أقيم بها ما يُعرف بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
- وأخيرا فإن كون المسلمين الآن في مرحلة استضعاف وذلّ - بسبب تخلفهم عن دينهم - وكونهم لا يستطيعون قتال اليهود واسترجاع الأراضي المغتصبة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية على أرض فلسطين فإن ذلك لا يعني أن الأمر سيستمر هكذا إلى نهاية الدنيا بل لا بدّ أن يتغيّر الحال ومن أدلة ذلك الخبر المستقبلي الذي أخبرنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي من ربّه فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال عليه الصلاة والسلام:
" تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ. " رواه مسلم 2921 والحديث في البخاري 2926
وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ الَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ. " رواه مسلم 2922
ونحن إذ نشكرك أيها السائل على رغبتك في معرفة الحقيقة وأدبك في السؤال فإننا ندعوك للإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فإنها - واللهِ - تنجيك وتنفعك وتحفظك في الدنيا، وفي القبر بعد الموت، وفي الآخرة يوم يقوم الحساب، والله يوفقنا وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1232)
الفِرق أصحاب العقائد المختلفة في هذه الأمة كلها في النار إلا واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[سأكون ممتنة لكم إذا وضحتم لي الخلافات الرئيسية للطوائف الإسلامية، مع أني أعرف أن الإسلام دين واحد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
جواب سؤالكِ أيتها الأخت السائلة طويل يصلح أن يكون في كتاب وليس في مثل هذا الموقع ولكن يُمكن أن نقول هنا في هذه العجالة: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا سلفا بتفرّق هذه الأمّة كما افترقت الأمم قبلها وذلك فيما جاء في الحديث الصحيح حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً رواه أبو داود في سننه: كتاب السنّة: باب شرح السنّة.
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ سنن ابن ماجة رقم 3982
والمقصود بالجماعة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل.
فمن الفرق التي تنتسب إلى الإسلام من ضلّ في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته فقالوا إنّ الوجود كله هو الله أو أنّ الله حلّ في خلقه - تعالى الله عن قولهم - بل هو سبحانه وتعالى فوق سماواته مستو على عرشه منفصل عن خلقه، ومن الفرق من ضلّ في باب الإيمان فأخرجوا العمل من الإيمان وقالوا إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص والصحيح أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ومنهم من ضلّ بإخراج مرتكب الكبيرة من الإسلام والحكم عليه بالخلود في النّار مع أنّ الصحيح أنّ مرتكب الكبيرة - غير الشرك والكفر الأكبر - لا يخرج من الإسلام، ومن الفرق من ضلّ في باب القضاء والقدر فقالوا إنّ الإنسان مجبور على أفعاله مع أنّ الصحيح أنّ الإنسان له إرادة ومشيئة بناء عليها يحاسب ويتحمّل تبعة فعله، ومن الفرق من ضلّ في باب القرآن فقالوا هو مخلوق مع أنّ الصحيح أنّه كلام الله منزّل غير مخلوق، ومن الفرق من ضلّ في باب الصحابة فكفّروهم وسبّوهم مع أنّهم أصحاب النبي الكريم الذين نزل الوحي بينهم وهم أعلم الأمّة وأعبد الأمّة وجاهدوا في الله حقّ جهاده ونصر الله بهم الدّين رضي الله عنهم. وهكذا سائر الفِرَق التي انحرفت عن الإسلام وابتدعت في دين الله كل فرقة بما لديهم فرحون قد سلكوا سبُل الشيطان مخالفين قول الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السنّة الناجين من النار وأن يدخلنا الجنّة مع الأبرار وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1233)
سؤال عن عبد الله الهرري الحبشي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عبد الله الهرري الحبشي خدم الإسلام أم هدمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الرجل المذكور رجل سوء، من رؤوس البدعة والضلال في هذا العصر، وقد جنّد نفسه وأتباعه لهدم عقيدة المسلمين التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، وجمعوا لأنفسهم مذهباً فاسداً في الفقهيات، ملؤوه بكل شاذ ورديء من القول لا سند له من كتاب أو سنة، ولهم أوابد وطوام كثيرة في الاعتقاديات والعمليات، والطعن في أئمة هذا الدين. فالواجب على المسلمين في كل مكان الحذر والتحذير من هذه الفرقة الضالة، ومن أفكارها المنحرفة، وآرائها الشاذة. نسأل الله الكريم أن يكف عن المسلمين شرهم وشر غيرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 308.(1/1234)
الالتزام بالمذهب مع العلم بأنه مرجوح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الالتزام بالمذهب ولو تبيّن أنه مرجوح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يلتزم بمذهب معين ثم تبين له أنّه مرجوح بمقتضى الأدلة فهذا خطر عظيم على الفاعل ولا يجوز وهذا يدخل في قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31 وهذا فيه إعراض عن هديه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله(1/1235)
طائفة الديوبندية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الديوبانديين من أهل السنة؟
هل هم في حقل الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الديوبندية طائفة من طوائف المسلمين، تنسب إلى جامعة ديوبند – دار العلوم – في الهند. وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور طبعت كل خريج منها بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م، فكان تأسيسها ردَّ فعلٍ قوي لوقف الزحف الغربي ومدنيته المادية على شبه القارة الهندية لإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة، وخاف العلماء أن يُبتلع دينهم، فأخذ الشيخ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ محمد قاسم الناناتووي وأصحابهما برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه، فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية، وهكذا أُسست المدرسة الإسلامية العربية بديوبند كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز.
أبرز شخصيات هذه المدرسة الفكرية:
1- محمد قاسم.
2- رشيد أحمد الكنكوهي.
3- حسين أحمد المدني.
4- محمد أنور شاه الكشميري.
5- أبو الحسن الندوي.
6- المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.
الأفكار والمعتقدات:
- هم في الأصول (العقيدة) على مذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد.
- وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه والفروع.
- وسلكوا الطرق الصوفية من النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية في السلوك والاتباع.
ويمكن تلخيص أفكارهم ومبادئ الدراسة الديوبندية بما يلي:
- المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره.
- نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشرية.
- نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية.
- الاهتمام بنشر اللغة العربية لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية.
- الجمع بين العقل والقلب، وبين العلم والروحانية.
أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب. (1/308) .
وحيث أن الديوبندية تتبنى مذهب الماتريدية في العقيدة فلا بد من التعريف بالماتوريدية:
وهي فرقة كلامية، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهيمة وغيرهم لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.
ومن حيث مصدر التلقي فقد قسم الماتريدية أصول الدين حسب مصدر التلقي على قسمين:
الإلهيات (العقليات) : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
الشرعيات (السمعيات) : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات،وعذاب القبر، وأمور الآخرة، علماً بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.
ولا يخفى ما في هذا من مخالفةٍ لمنهج أهل السنة والجماعة حيث أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة هم مصادر التلقي عندهم، فضلاً عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة وضعها الفلاسفة تفترض أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه، فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التفويض والتأويل، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل السليم الصريح والنقل الصحيح. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (1/99) .
موقف أهل السنة من الماتريدية:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية هي الجماعة،وهي التي تكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام.
ولا ريب أن أهل السنة والجماعة المتمسكون بالكتاب والسنة علماً وعملاً هم الفرقة الناجية وذلك لتحقق الوصف فيهم،وهو الالتزام بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم علماً وعملا.
فلا يكفي ليكون الفرد أو الجماعة من الفرقة الناجية مجرد الانتساب للسنة مع المخالفة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين، بل لا بد من الالتزام بمنهجهم في العلم والعمل والتصور والسلوك.
والماتريدية من الطوائف التي في أقوالها حق وباطل ومخالفة للسنة، ومعلوم أن هذه الطوائف تتفاوت في مدى القرب والبعد من الحق، فإن كل من كان أقرب إلى السنة كان أقرب إلى الحق والصواب، فمنهم " من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محموداً فيما رده من الباطل وما قاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق، وقال بعض الباطل فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلاً بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة ... " انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الفتاوى (1/348) .
بقيت مسألة مهمة هنا وهي: ما هو واجبنا تجاه الماتريدية، ومن نحى نحوهم في العقيدة كالديوبندية وغيرهم؟
والجواب يختلف باختلاف الأشخاص:
فمن كان منهم معانداً داعياً إلى بدعته فيجب التحذير منه وبيان ضلاله وانحرافه، وأما من لم يكن داعياً إلى بدعته واتضح من قوله وعمله طلب الحق والسعي إليه فإنه يُناصح ويبين له خطأ هذا المعتقد وإرشاده بالتي هي أحسن، لعل الله أن يرده إلى الحق، وهذه النصيحة داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رواه مسلم (55)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1236)
هل الجماعات الإسلامية المعاصرة من الثلاث وسبعين فرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الساحة من يقول إن الفرق التي ورد الأمر باعتزالها في حديث حذيفة هي الجماعات الإسلامية كالسلفيين والإخوان والتبليغيين فما قول سماحتكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النبي صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة لما قال: يا رسول الله كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) ، قال حذيفة: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: (نعم وفيه دخن) قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر) ، قال حذيفة: يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا) يعني: من العرب. قلت: يا رسول الله فما تأمرنا عند ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) رواه البخاري ومسلم.
هذا الحديث العظيم يبين لنا، أن الواجب على المسلم: لزوم جماعة المسلمين والتعاون معهم في أي مكان سواء كانت جماعة وجدت في الجزيرة العربية، أو في مصر أو في الشام أو في العراق أو في أمريكا أو في أوروبا أو في أي مكان.
فمتى وجد المسلم جماعة تدعو إلى الحق ساعدهم وصار معهم، وأعانهم وشجعهم، وثبتهم على الحق والبصيرة، فإذا لم يجد جماعة بالكلية فإنه يلزم الحق: وهو الجماعة، ولو كان واحداً كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون: (الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك) .
فعلى المسلم أن يطلب الحق، فإذا وجد مركزاً إسلامياً يدعو إلى الحق، أو جماعة في أي مكان يدعون إلى الحق - أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله، وإلى العقيدة الطيبة - في أوروبا أو في أفريقيا أو في أي مكان، فليكن معهم يطلب الحق ويلتمس الحق ويصبر عليه ويكون مع أهله.
هذا هو الواجب على المسلم، فإذا لم يجد من يدعو إلى الحق لا دولة ولا جماعة لزم الحق وحده واستقام عليه، فهو الجماعة حينئذ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون.
وفي زمننا هذا - والحمد لله - توجد الجماعات الكثيرة الداعية إلى الحق، كما في الجزيرة العربية ... ، وفي اليمن والخليج، وفي مصر والشام وفي أفريقيا وأوروبا وأمريكا وفي الهند وباكستان وغير ذلك من أنحاء العالم، توجد جماعات كثيرة ومراكز إسلامية وجمعيات إسلامية تدعو إلى الحق وتبشر به، وتحذر من خلافه. فعلى المسلم الطالب للحق في أي مكان أن يبحث عن هذه الجماعات، فإذا وجد جماعة أو مركزاً أو جمعية تدعو إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبعها ولزمها، كأنصار السنة في مصر والسودان، وجمعية أهل الحديث في باكستان والهند، وغيرهم ممن يدعو إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخلص العبادة لله وحده، ولا يدعو معه سواه من أصحاب القبور ولا غيرهم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 179.(1/1237)
تحب رجلاً من غير أهل السنة وتريد الزواج منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف رجلا شيعيا يحبني كثيرا ويريد أن يتزوجني زواج دائم وليس زواج متعة، أعرف أن معتقد الشيعة مختلف عن معتقد السنة فناقشت هذا معه ووافق على أن يبحث عن الفروق بين المعتقدين، وأتمنى أن هذه الطريقة سوف تمكنه من أن يكتشف بنفسه الطريق الصحيح.
المشكلة أنني لم أستطع العثور على موقع على الإنترنت يزودني بمعلومات عن هذا الموضوع ويوضح الفروق ولا يتهم الشيعة مباشرة بأنهم مخطئين.
أتمنى أن أتحدث مع شخص عن هذا الموضوع لأن عندي أسئلة كثيرة وأحتاج مساعدة وأتمنى أن أتحدث مع شخص ما أو أن أحصل على مصدر يسهل عليه البحث ولا يجعله متهما أو أن يحط من قيمة مذهبه.
أعتقد أن الحديث معه بأسلوب جيد وبلطف تجعله أكثر قابلية للقبول والسماع من محاولة إقناعه بأنه على خطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحن معشر أهل السنة نحب الخير للجميع، ونسأل الله تعالى أن يهدي كل ضال، ويثيب كل مطيع، ونرجو الله أن يهدي أولئك الرافضة..
إن الفروق بين مذهب أهل السنة والرافضة جذرية وكبيرة جداً منها أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن الكريم، ويطعنون ويضللون جمهور الصحابة رضي الله عنهم، ويغلون في أئمتهم ويعبدونهم، ويفضلونهم على الأنبياء والملائكة، ويحجّون إلى المشاهد والقبور، ويمارسون عندها أنواعاً من الشرك بالله تعالى، كما يعتقدون بالنفاق ويسمونها (التقية) ، كما يقولون بالبداء والرجعة والعصمة المطلقة للأئمة، وعقيدة الطينة.. وننصحك بقراءة رسالة الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب أو كتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للدهلوي، أو فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة لناصر القفاري، وننصحك بعدم التفكير بالزواج منه.. ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، نسأل الله لك التوفيق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
ونذكّرك بالامتناع عن إقامة العلاقة مع الرجال الأجانب كما تجدين توضيحه في سؤال رقم 1114و9465و2005، نسأل الله أن يوفقك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد آل عبد اللطيف(1/1238)
كيف يتصرَّف مع " منصِّر " طرق بابه ليعرِض عليه نسخة من الإنجيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل لو طرق بابك مبشِّر؟ فما هو أفضل طريقة للتعامل معه؟ وماذا تفعل معه إن حاول أن يهديك نسخة من " الكتاب المقدس "؟ وبماذا تنصح في أن نستبدل الأدوار فأدعوه للإسلام، وأهديه في نهاية الأمر نسخة من القرآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثمة تنبيهان على مصطلحين استعملا في السؤال:
أ. لفظ " مبشِّر ".
فالواجب استعمال كلمة " التنصير " بدلاً من كلمة " التبشير " , والمنصِّر بدلاً من " المبشِّر "، فالبشارة في استعمالها عندهم هي البشارة بالهداية، والجنَّة! , فهم على ذلك من دعاة الهدى، وهذا بخلاف الواقع، وإلا فهم من دعاة جهنم – والعياذ بالله -.
قال علماء اللجنة الدائمة:
وكان من أبرز أعداء هذا الدين: " النصارى الحاقدون "، الذين كانوا - ولا يزالون - يبذلون قصارى جهدهم، وغاية وسعهم، لمقاومة المد الإسلامي في أصقاع الدنيا، بل ومهاجمة الإسلام والمسلمين في عقر ديارهم، لا سيما في حالات الضعف التي تنتاب العالم الإسلامي، كحالته الراهنة اليوم، ومن المعلوم بداهة: أن الهدف من هذا الهجوم هو زعزعة عقيدة المسلمين، وتشكيكهم في دينهم؛ تمهيداً لإخراجهم من الإسلام، وإغرائهم باعتناق النصرانية، عبر ما يعرف خطأ بـ " التبشير "، وما هو إلا دعوة إلى الوثنية في النصرانية المحرَّفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونبي الله عيسى عليه السلام منها براء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 306) .
ب. لفظة " الكتاب المقدَّس ".
فلا يجوز إطلاق " الكتاب المقدس " على الكتب التي بأيدي اليهود، والنصارى، الآن؛ لأن هذه الكتب - في الواقع - محرَّفة، كما لا يخفى عليكم , والقداسة، والتعظيم إنما هما لكلام الله تعالى، وكتبه المحفوظة، الخالية من التحريف، وهو ما لا ينطبق إلا على القرآن.
نسأل الله أن يجزيك خيراً، أن يبارك فيك، ويوفقك لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
ثانياً:
من المفيد أن يقابِل المسلمُ الدعوةَ إلى الكفر بالدعوة إلى الإسلام , والكلمة الباطلة بالكلمة الحق , بشرط أن يكون هذا المسلمُ متمكناً من الأمر الذي يدعو إليه , وعنده علم برد الشبَه التي يتوقع أن يثيرها الطرف المقابل , وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ " ضِمَاداً " قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ " أَزْدِ شَنُوءَةَ " وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّداً مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ) قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَى قَوْمِكَ) قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: (رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ) .
رواه مسلم (868) .
وأما إدارة الحوار، وكيف يكون أسلوب تعاملك معه، بالشدة أو باللين، فهذا يرجع إلى المصلحة، وإلى طبيعة الموقف، ومن المهم، بل من المؤكد في حقك ألا تقف موقف الدفاع، ولا تدع له الفرصة لأخذ زمام المبادرة، بل تكون أنت مالك الزمام، وتستطيع التخلص من الموقف برمته متى أحببت ذلك، ومن المهم أن يكون عندك مجموعة من الكتب التي تنتقد أصول دينه، ولا بأس أن تهديه بعضها.
ثالثاً:
لا يجوز إعطاء الكافر نسخة من القرآن العربي إذا غلب على الظن امتهانه له، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) .
رواه البخاري (2828) ومسلم (1869) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفي الرواية الأخرى (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُو) , وفى الرواية الأخرى: (فَإِنِّي لاَ آمَنُ أََنْ يَنَالَهُ العدو) , فيه: النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهى خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أُمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم: فلا كراهة , ولا منع منه حينئذ؛ لعدم العلة، هذا هو الصحيح , وبه قال أبو حنيفة، والبخاري، وآخرون.
" شرح مسلم " (13 / 13) .
وأما إعطاؤهم نسخة من ترجمة القرآن: فلا بأس؛ لأن الترجمة لا تعتبر قرآناً , وانظر جواب السؤال رقم: (10694) .
ويمكن الاستعاضة عن المصحف ببعض الكتب، والمنشورات، التي ترغب في الإسلام , وتبين حقيقته، وشرائعه.
وعلى ذلك: فلو قمتَ بنصحه، وطلبت منه القراءة عن الإسلام الصحيح، والتجرد عن الهوى والتعصب , ولو رافق ذلك إهداء لكتاب عن الإسلام، أو نسخة لترجمة معاني القرآن، أو لزيارة مركز إسلامي، أو غير ذلك: فهذا خير وبركة، إن شاء الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1239)
ولد مسلما، فشك في الإسلام، فخرج يبحث عن دينه، فمات
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ولد شخص مسلما، لكنه شب لا يؤمن بالإسلام، ويبحث عن الدين الصحيح، ومات قبل أن يكتشف أن الإسلام هو الدين الحق؛ فهل سيذهب إلى الجنة أم إلى النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
قد دلت النصوص القاطعة المتكاثرة من الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم المقطوع به، على أن كل من مات موحدا مسلما، فهو من أهل الجنة ولا بد، حتى وإن عذب قبل دخولها بذنوبه، وأما من مات مشركا، كافرا بالله العظيم، أيا كانت ملته وديانته: فهو في النار خالدا فيها مخلدا، أبد الآبدين.
قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الزمر/65-66.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
رواه البخاري (1238) ومسلم (92) .
قال القاضي عياض رحمهُ اللهُ عند كلامهِ عن تكفيرِ من صوب أقوال المجتهدين في أصولِ الدين: " وقائلُ هذا كلهِ كافرٌ بالإجماعِ على كفرِ من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك " انتهى.
" الشفا " (2/281)
ثانيا:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعذب أحدا حتى تبلغه رسالة ربه، وأنه أرسل رسله رحمة بعباده، وقطعا لعذر من اعتذر. قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/65.
وقال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/15.
وروى مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) .
قال النووي:
" َفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ " انتهى.
ثالثا:
إذا حصل البلاغ وورد الشرع وأقيمت الحجة، فلا يعذر المخالف، ولا يمهل وينتظر به حتى يتعرف – بزعمه – على الحق.
(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر/37]
" متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنا لكم في العمر، وتابعنا عليكم الآيات، وأوصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا، فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال: سألتم الرجعة!! هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا فيها خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين ".
"تفسير السعدي" (ص 690) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وهنا تكلم الناس في وجوب إمهال الكافر، إذا طلب الإمهال للنظر:
فأوجبه من أوجبه من المتكلمين، من المعتزلة ومن تبعهم على هذه الطريقة ...
وأما الفقهاء أئمة الدين فلا يوجبون ذلك مطلقا؛ أما في حال المقاتلة: فيقاتلون حتى يسلموا أو يقروا بالجزية إن كانوا من أهلها.
فإذا أُسِر الرجل منهم: فهذا لا يتعين قتله؛ فإذا طلب مثلُ هذا الإمهال، ورُجي إسلامه، أمهل.
وأما المرتد: فلا يؤخر عند الجماهير أكثر من ثلاث.
وأما من له عهد: فذلك لا يكره على الإسلام، فهو في مهلة النظر دائما.
ولو طلب أهل دار ممتنعين من الإمام أن يمهلهم مدة، ورجا بذلك إسلامهم، ولم يخف مفسدة راجحة: أمهلهم.
والحربي إذا طلب الأمان حتى يسمع القرآن، وينظر في دلائل الإسلام: أمَّناه، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} التوبة/6. " انتهى. " درء تعارض العقل والنقل" (8/15) .
وقال علماء اللجنة:
" المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلا بشرط وهو: أن يكونوا قد بلغهم القرآن، أو بيان معناه من دعاة الإسلام بلغة المدعوين؛ لقول الله عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وقوله سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}
فمن بلغتهم الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار، لما تقدم من الآيتين، ولقول النبي صلى لله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» خرجه مسلم في صحيحه. والأدلة في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كثيرة " انتهى
وقال علماء اللجنة أيضا:
" ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره، ثم لا يؤمن، ولا يطلب الحق من أهله: فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /148)
وقالوا أيضا: " من بلغته الدعوة من سائر الكفرة على وجه يفهم به ما بلغه لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر بالجهل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/427)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" من بلغه القرآن وبلغه الإسلام , ثم لم يدخل فيه فله حكم الكفرة "انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 50)
وسئل الشيخ ابن باز:
ما مصير من لا يعلم بأن دين الإسلام هو الدين الصحيح، والمقبول عند الله، ويعتقد دينا خيرا [من] الإسلام؟
فأجاب الشيخ:
" إذا كان المسئول عنه عاش بين المسلمين، وقد بلغه القرآن والسنة، ومع ذلك يعتقد دينا غير دين الإسلام فحكمه حكم أهل الدين الذي اعتقده وهو الكفر " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" - (28 /202- 203)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" من بلغته رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يؤمن به ويتبعه لم يكن مؤمنا ولا مسلما بل هو كافر من أهل النار " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4 / 219) .
فيتبين مما سبق أن هذا المذكور في السؤال: مرتد، وأن المرتد ليس له أن يمهل أكثر من ثلاثة أيام؛ فإن عاد إلى الإسلام، وإلا قتل.
فإن مات قبل ذلك، ولم يستتب، ولم يقم عليه الحد: فهو كافر، له أحكام الكفار، فلا يغسل , ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث ماله.
فإن قدر أنه لم يدر شيئا عن الإسلام، ولم يبلغه على وجه صحيح، أو أن له عذرا عند الله، فذاك أمره إلى الله، يحكم فيه بحكمه وعدله في الدار الآخرة، وهو أحكم الحاكمين.
يراجع السؤال رقم: (9607) ، (111362) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1240)
تعريف موجز بديانة الهندوس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن تزويدي ببعض الحقائق عن الهندوسية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: التعريف.
الهندوسية: ويطلق عليها أيضاً البرهمية، ديانة وثنية، يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، حيث كان هناك – في القرن الخامس عشر قبل الميلاد - سكان الهند الأصليون من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية، ثم جاء الغزاة الآريون مارّين في طريقهم بالإيرانيين فتأثرت معتقداتهم بالبلاد التي مروا بها، ولما استقروا في الهند حصل تمازج بين المعتقدات تولدت عنه الهندوسية كدين فيه أفكار بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص، وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية عندما وُضع مذهب البرهمية، وقالوا بعبادة براهما.
ولا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون، فقد تمّ تشكُّل الديانة وكذلك الكتب عبر مراحل طويلة من الزمن.
ثانيا: الأفكار والمعتقدات.
نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها، وطبقاتها، إلى جانب بعض القضايا الفكرية والعقائدية الأخرى.
أ- كتبها:
للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم، غريبة اللغة، وقد أُلّفت كتب كثيرة لشرحها، وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة عندهم، وأهمها:
1- " الفيدا " (veda) : وهي كلمة سنسكريتية، معناها الحكمة والمعرفة، وتصور حياة الآريين، ومدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعية تنتهي بالشك والارتياب، كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهي تتألف من أربعة كتب.
2- مها بهارتا: ملحمة هندية تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان، ومؤلفها " وياس " ابن العارف " بوسرا " الذي وضعها سنة 950 ق. م، وهي تصف حرباً بين أمراء من الأسر المالكة، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب.
ب- نظرة الهندوسية إلى الآلهة:
- التوحيد: لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب، أو إله الآلهة.
- التعدد: يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
- التثليث: في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه: 1- براهما: من حيث هو موجود. 2- فشنو: من حيث هو حافظ. 3- سيفا: من حيث هو مهلك. فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها، وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث.
- يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي وأنواع من الحيوان كالقردة، ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة، ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين، ولها حق الانتقال إلى أي مكان، ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها، وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية.
- يعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلت كذلك في إنسان اسمه كرشنا، وقد التقى فيه الإله بالإنسان، وحل اللاهوت في الناسوت، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح، وقد عقد الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله مقارنة بينهما مظهراً التشابه العجيب، بل التطابق، وعلق في آخر المقارنة قائلاً: " وعلى المسيحيين أن يبحثوا عن أصل دينهم ".
ج- الطبقات في المجتمع الهندوسي:
- منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها؛ لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله كما يعتقدون.
- وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي:
- 1- البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم، والكاهن، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم. 2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع. 3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال وينفقون على المعاهد الدينية. 4- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة " المنبوذين "، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة.
- يلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني.
- يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته، ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى، على أن لا تكون الزوجة من طبقة الشودر الرابعة، ولا يجوز للرجل من طبقة الشودر أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته بحال من الأحوال.
- البراهمة هم صفوة الخلق، وقد ألحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم " شودر " ما يشاؤون.
- البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه.
- لا يجوز للملك - مهما اشتدت الظروف - أن يأخذ جباية أو إتاوة من البرهمي.
- إن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل.
- البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة، كما يفوق الوالد ولده.
- لا يصحُّ لبرهمي أن يموت جوعاً في بلاده.
- المنبوذون أحط من البهائم وأذل من الكلاب بحسب قانون منو.
- من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر أو ثواب.
- إذا مدّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه فُدِعت رجله.
- إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد.
- إذا ادّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغليًّا.
- كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء.
- ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى لا سيما النصرانية التي تغزوهم أو الشيوعية التي تدعوهم من خلال فكرة صراع الطبقات، ولكن كثيراً من المنبوذين وجدوا العزة والمساواة في الإسلام فاعتنقوه.
د- معتقداتهم:
تظهر معتقداتهم في " الكارما "، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود:
1- " الكارما ": قانون الجزاء، أي أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة، إما في الحياة الحاضرة، أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء، كما أنها دار الجزاء والثواب.
2- تناسخ الأرواح: إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.
3- الانطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة.
- من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء وتحرر من رق الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه، بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما.
4- وحدة الوجود: التجريد الفلسفي وصل بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات، كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة، وتصير النفس هي عين القوة الخالقة.
أ - الروح كالآلهة أزلية سرمدية، مستمرة، غير مخلوقة.
ب - العلاقة بين الإنسان والآلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة.
ت - هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا.
هـ- أفكار ومعتقدات أخرى:
- الأجساد تحرق بعد الموت لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى، وبشكل عمودي، لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً.
- عندما تتخلص الروح وتصعد يكون أمامها ثلاثة عوالم:
1- إما العالم الأعلى: عالم الملائكة. 2- وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول. 3- وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب.
- ليس هناك جهنم واحدة، بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم.
- البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد.
- المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم، ولذلك قد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وقد حرم القانون هذا الإجراء في الهند الحديثة.
ثالثا: الانتشار ومواقع النفوذ.
كانت الديانة الهندوسية تحكم شبه القارة الهندية وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها؛ كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم، حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والتي معظمها من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس والمسلمون فيها أقلية كبيرة.
هذا التعريف مأخوذ من " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (2/724-731) مع شيء من الاختصار والتصرف اليسير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(1/1241)
يعتقد أن عيسى خير من محمد ويطعن في نبينا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك -؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب، وهذا يخالف محمَّداً؛ لأنه كثير الذنوب. خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وهو المسيح، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك. وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم , وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين، وماتا مشركين؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه. إنكم تبالغون كثيراً، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها، وأعدنا القراءة مرة وأخرى، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم -، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك، أليس كذلك؟ .
ثانياً:
من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية، وأنه إله رب؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق، ورب ومربوب، أو " لاهوت وناسوت "، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله، أليس كذلك؟ .
إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى، فعن أيهما تريد أن تتحدث، وأن يدور حوارنا: عبد الله عيسى ابن مريم، المخلوق؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟!
انظر إجابة السؤال رقم (82361)
ثالثاً:
لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر، وهو ما فعلته أنتَ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل، ويُعلي شأنهم، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم، وأثنى عليها، وذكر دعاءهم، وخشيتهم، ودعوتهم لأقوامهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم، وإعلاء شأنهم.
رابعاً:
بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك، والسبب: أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا، وليس هذا في ديننا فحسب، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله، وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه، ومن إعلائه لشأنه، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية، وحادثة، وحديث:
1. أما الآية: فهي قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/ 81.
فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصروه في دعوته.
2. وأما الحادثة: فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج "، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس.
وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك.
3. وأما الحديث: فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم، فيعتذرون، وكلهم يقول: نفسي، نفسي، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها، أنا لها، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى، ويقبل شفاعته في أهل المحشر، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وليسوا ينكرون هم ذلك، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين، بل يرضى أن يكون مأموماً؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير، وسيكسر الصليب، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين.
وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم، فقف على هذا الحديث:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ومسلم.
ومعنى (أولى الناس بعيسى) : أي: أخصهم به، وأقربهم إليه.
ومعنى (إخوة لِعَلاَّت) : أي: إخوة لأب من أمهات شتى.
معنى الحديث: أن أصل إيمان الأنبياء واحد، وشرائعهم مختلفة.
فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام، بل هم جميعاً إخوة، جاءوا برسالة عقائدية واحدة، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده، وترك الإشراك به.
خامساً:
وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب ": فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب: فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة: فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا، وهكذا علَّمنا ديننا: أن نحترم الأنبياء والمرسلين، وأن نجلَّهم، ونقدِّرهم.
ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم، والطعن فيهم منهجكم، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس:
1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب. إصحاح متى الأول، عدد (10) .
2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح (2) عدد (4) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس! .
3. وفي إنجيل " يوحنا "، إصحاح (10) عدد (8) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص! .
وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين، والمتشددين في إسرائيل، والعالم أجمع، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة -:
1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين ".
2. وجاء فيه - والعياذ بالله -:
" إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة ".
3. وقال الحاخام " اباربانيل ":
" المسيحيون كافرون؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم ".
4. وجاء في التلمود:
" كل الشعوب ماعدا اليهود: وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك ".
5. وجاء في موضع آخر من التلمود:
" إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله ".
6. وجاء في التلمود - أيضاً -:
" النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلا اليهود، أما الجحيم: فمأوى الكفار من المسيحيين، والمسلمين، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء؛ لما فيها من الظلام والعفونة ".
فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (42216) .
سابعاً:
وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ": فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها:
أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) النجم/ 19، 20 ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك!
وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق.
قال البيهقي:
هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل.
انظر " تفسير الفخر الرازي " (23 / 44) .
وقال ابن حزم:
وأما الحديث الذي فيه: " وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد.
" الفِصَل في الملل والنحل " (2 / 311) .
وقال القاضي عياض:
هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل....، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية.
" الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 79) .
وقال الحافظ ابن كثير:
قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (3 / 239) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج / 52] فقوله سبحانه: {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي: تلا، وقوله سبحانه: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي: في تلاوته، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى، ويحكم آياته؛ ابتلاء وامتحانا، كما قال سبحانه بعد هذا: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} الآيات [الحج / 53] .
فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران / 7] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته.
والله ولي التوفيق.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 301، 302) .
وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها: الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق ".
ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى.
ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (2 / 282) .
أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة: فإليك ما قاله العلماء فيه.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر -:
رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم؟ .
والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً:
" وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا؛ لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم / 50 - 54] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة (حم السجدة) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} " [فصّلت / 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ثامناً:
وأما قولك: " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ": لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية، وأثنى عليه، وهو أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه؟! إن هذا إلا اختلاق.
تاسعاً:
وقولك: " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ": قول باطل، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم، ومحطاًّ لقدر النبوة، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً، وعليكم حديثاً.
قال النووي – رحمه الله –:
قال الإمام المازري: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة: باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه، وصحته، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه: باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان مفضَّلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر: فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل: إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد.
قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله، وقلبه، واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يُخيل إليه " أي: يظهر له من نشاطه، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه: فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة.
" شرح مسلم " (14 / 174، 175) .
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:
قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر.
" زاد المعاد " (4 / 113) .
ثم نسألك، إن كنت جاداً في الحوار: أيهما أشد على صاحبه، وأدل على نزول قدره، جريان هذا السحر، الذي هو مرض من الأمراض، تسبب فيه هذا اليهودي، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا، والإله أو ابن الإله عندكم، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم:
(وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.)
(وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!) [متى: 27/38-47] وأيضا:
[مرقس: 15/29-35]
راجع جواب السؤال رقم (12615)
ونحن نقول: حاشا لأنبياء الله الكرام، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان "
عاشراً:
وأما قولك: " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين، وماتا مشركين؟ ": فهذا من العجائب، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته، وهو أبو الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر، فكان ماذا؟ .
ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام، بل وعن أنبياء الله أنفسهم، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟!
حادي عشر:
وأما قولك: "؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه "
فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521)
فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم، لعلك أن يكون لك رأي آخر:
1. قال المسيح عليه السلام: " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ".
" إنجيل متى، الإصحاح العاشر، فقرة 35 وما بعدها.
2. قال المسيح عليه السلام: " من له سيف: فليأخذه، ومن ليس له: فليبع ثوبه، ويشتري سيفاً ".
" لوقا " (22 / 36، 37) .
3. ويقول المسيح عليه السلام: " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم: فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي ".
" لوقا " (11) .
ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون:
1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة ": " إن اتهامه - أي: محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته: سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم: فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ".
انظر: " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد (ص 227) .
2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده -: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر ".
فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك؟ .
د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة! وكل ذلك غير صحيح، وإليكَ أمثلة من واقعكم:
1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج "، قطع أيديهم، وأرجلهم، ونفاهم، وشرَّدهم، حتى انفردت النصرانية بالبلاد.
2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد.
3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد (1342 – 1370 م) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية، أو نفيهم من البلاد.
4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا.
5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء.
6. من الذي أشعل الحروب العالمية؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً! .
7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان؟ .
8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء، وذُبحوا كالنعاج، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة، والأذرع، والأرجل المقطعة، والأجسام المشوهة، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح.
9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك، لقد قصفوا أفغانستان، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها، فقصفوا، وقتلوا، وعاثوا في الأرض فساداً، وقد قال كبيرهم: إن الله أمره بدخول العراق!! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها؟! .
10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: " اليوم انتهت الحروب الصليبية "؟! .
11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً: " لقد عدنا يا صلاح الدين "؟! .
12. وهل هدمت الديار، وسفكت الدماء، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟ .
13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا؟ وإندونيسيا؟ وغيرها؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية "؟! .
ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم، فما كانوا يقتلون النساء، ولا الأطفال، ولا الدهماء من الناس، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده:
" لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع: فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ".
ينظر: " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام "، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة.
وأما كلامك عن المال: فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة، وبالأخرى نسخة من الإنجيل! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل! .
وأخيراً:
لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح، واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين، وليس دين الادعاءات والتزوير، فأدرك نفسك، والتحق بركب الأنبياء والصالحين، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون، وهو التوحيد، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها.
نسأل الله تعالى أن يهديك، ويشرح صدرك للإسلام، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1242)
هل يثبت الإسلام لمن يعتقد أن عيسى ابن الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يكون الإنسان مسلماً وهو لا يزال يؤمن بأن عيسى هو ابن الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أهم أركان الإيمان بالله الإيمانُ بتنزيه الله تعالى عن كل صفات النقص ومن صفات النقص التي يجب على المسلم أن ينفيها عن الله تعالى صفة الولد لأنه يلزم منها الحاجة وووجود المماثل وهذه أمور ينزه الله تبارك وتعالى عنها قال تعالى في سورة الإخلاص التي تسمَّى صفة الرحمن وتعدل في الأجر ثلث القرآن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) سورة الصمد.
ولما كان النصارى يعتقدون أن عيسى ابن لله ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ كثر في آيات القرآن نفي هذه الدعوى والرد عليها كما في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30.
وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) النساء/171
وقوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المائدة/75. وقوله سبحانه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30
ولما كان هذا الاعتقاد الباطل موجوداً عند النصارى كان من الواجب على من دخل منهم الإسلام أن يتخلى عن اعتقاداته الباطلة التي تناقض الإسلام والتي منها هذا الاعتقاد كما ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ) البخاري 3435 مسلم 28 قال القرطبي رحمه الله ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم انظر فتح الباري حديث رقم 3435.
وعليه فلا يثبت الإسلام إلا بالتبرؤ من هذه العقيدة الباطلة، واعتقاد تنزيه الرب جلَّ وعلا عن كل نقص، ومن علم عظمة الله تعالى سهل عليه مفارقة ما كان عليه من اعتقاد ما لا يليق بالله تعالى، ونسأل الله أن يرزقنا تعظيمه ومعرفة قدره جلَّ وعلا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1243)
حكم دخول المسلم للكنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول المسلم للكنيسة لسماع محاضرة تُلقى هناك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دخول الكنائس للاجتماعات وسماع المحاضرات لا يخلو من محاذير عدة، سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (82836) .
وقد اختلف العلماء في حكم دخول المسلمِ الكنيسةَ ابتداء، على أقوال:
القول الأول: التحريم، وهو قول الحنفية والشافعية إلا أن الشافعية قيدوا التحريم بوجود الصور، كما في " تحفة المحتاج " (2 / 424) و " نهاية المحتاج " (2 / 63) و " حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي " (4 / 236) .
أما الحنفيَّة فكان تحريمهم مطلقا، وعللوه بأنها مأوى الشياطين، كما قال ابن نجيم من الحنفية في " البحر الرائق " (7 / 364) ، وفي " حاشية ابن عابدين " (2 / 43) .
القول الثاني: الكراهة، وهو قولٌ عند الحنابلة، إلا أن بعضهم قيد الكراهة بما إذا وجدت الصور في الكنيسة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " (5 / 327) : " والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب: كراهة دخول الكنيسة المصورة، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك " انتهى.
انظر: "الفروع" (5/308) و "الآداب الشرعية" (3/415) و "الإنصاف" (1/496) .
واستدلوا بالأدلة الآتية:
1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ) رواه البخاري (3352) .
2. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ) رواه البخاري (5960) .
3. وعن أسلم مولى عمر قال: (لما قدم عمر الشام صنع له رجل من عظماء النصارى طعاما ودعاه فقال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من الصور التي فيها - يعني: التماثيل -) رواه عبد الرزاق في " المصنف " (1 / 411 و 10 / 398) .
القول الثالث: جواز دخول الكنيسة مطلقا، وهو قولٌ للحنابلة، وعليه المذهب، كما في " المغني " (8 / 113) و " الإنصاف " (1 / 496) .
وهو قول ابن حزم الظاهري كما في " المحلى " (1 / 400) .
واستدلوا بما يلي:
1. ما ورد في شروط عمر على أهل الذمة أن يوسعوا كنائسهم وبيَعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم.
" المغني " (8 / 113) .
2. وروى ابن عائذ في " فتوح الشام " أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه، فقال أين هو: قالوا: في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس فليتغدوا، فذهب علي بالناس، فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور ويقول: ما علي أمير المؤمنين لو دخل.
" المغني " (8 / 113) .
وبالتأمل في الأدلة السابقة لا يظهر أن هناك دليلا صريحا على تحريم دخول الكنائس، ووجود التماثيل والصور فيها وفي أي مكان لا يحرم دخوله، فالإثم على المصورين وعلى من يصنع تلك التماثيل، وأما من يدخل مكانا فيه تلك التماثيل فإنما عليه النصح والبيان، ولا يجب عليه الخروج من ذلك المكان.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فأما دخول منزل فيه صورة: فليس بمحرم، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لإيجاده المنكر في داره، ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد، فإنه قال في رواية الفضل: إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال: هو أسهل من أن يكون على الجدار، قيل: فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال: لا تضيق علينا، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم" انتهى.
" المغني " (8 / 113) .
ولكن.. لا أقل من أن يُقال بكراهة دخول الكنيسة من غير حاجة، فإن امتناع الملائكة وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت الذي فيه صورة، يدل على كراهة ذلك.
ثم هذه الكراهة قد تصل إلى التحريم إذا ترتب على دخول الكنيسة مفسدة، كما لو كان فيه إقرار للنصارى على شركهم ودعواهم الصاحبة والولد لله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أو كان في دخول الكنيسة مصادقة للنصارى ومودة لهم ... إلخ.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 115) :
"إن كان ذهابك إلى الكنيسة لمجرد إظهار التسامح والتساهل: فلا يجوز، وإن كان ذلك تمهيدا لدعوتهم إلى الإسلام وتوسيع مجالها، وكنت لا تشاركهم في عبادتهم، ولا تخشى أن تتأثر بعقائدهم ولا عاداتهم وتقاليدهم: فذلك جائز" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (11232) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1244)
الطائفة النصيرية أو العلوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم أفكار وعقائد العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطائفة العلوية ظهرت في القرن الثالث من الهجرة، وتعد هذه الطائفة من غلاة الشيعة، الذين ادعوا الإلهية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان اسمهم الأول "النصيرية" ثم تسموا بعد ذلك بـ "العلويين" تمويهاً على الناس، وتغطية لحقيقة مذهبهم، وهم يحرصون على هذا الاسم الآن.
مؤسس هذه الطائفة هو محمد بن نصير البصري النميري (توفي سنة270 هـ) الذي ادعى النبوة والرسالة.
أهم أفكار ومعتقدات هذه الطائفة:
1- يعتقدون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إله.
2- يجبون عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، ويترضون عليه، لزعمهم بأنه خلص اللاهوت من الناسوت، ويخطئون من يلعنه!
3- يعتقد بعضهم أن علياً يسكن السحاب بعد تخلصه من الجسد الذي كان يقيده، وإذا مر بهم السحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، ويقولون: إن الرعد صوته، والبرق سوطه.
4- يعظمون الخمر، ويشربونها، ويعظمون شجرة العنب لذلك.
5- يصلون في اليوم خمس مرات، لكنها صلاة تختلف عن صلاة المسلمين، إذ ليس فيها سجود.
6- لهم قداسات شبيهة بقداسات النصارى.
7- لا يؤمنون بالحج، ويقولون بأن الحج إنما هو كفر وعبادة أصنام.
8- لا يؤمنون بالزكاة الشرعية المعروفة عند المسلمين، وإنما يدفعون ضريبة إلى مشايخهم، مقدارها خمس ما يملكون.
9- الصيام عندهم هو الامتناع عن معاشرة النساء طيلة شهر رمضان.
10- لهم تفسير باطني لشرائع الإسلام وأركانه غير ما يعرفه منها المسلمون، ولذلك فهم لا يؤمنون بالشهادتين ولا بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالصيام ولا بالحج، ولا الطهارة والوضوء والاغتسال من الجنابة ... إلخ.
11- عقائدهم خليط من الاعتقادات والأديان الباطلة، فأخذوا من الوثنية القديمة وعُبَّاد الكواكب والنجوم، وأخذوا من الفلاسفة المجوس، والنصارى، والمعتقدات الهندية والآسيوية الشرقية، وخلطوا ذلك بمعتقدات الشيعة الغلاة.
12- لهم أعياد كثيرة يحتفلون بها تدل على مجمل عقائدهم، منها:
- عيد النيروز، في اليوم الرابع من نيسان، وهو أول أيام سنة الفرس.
- عيد الغدير والعاشر من المحرم (عاشوراء) .
- عيد الأضحى، وهو عندهم في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة.
- يحتفلون بأعياد النصارى، كعيد الغطاس وعيد الميلاد وعيد الصليب وغيرها.
- يحتفلون بيوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرحا بمقتله، وشماتة به.
وبهذا يتبين أن هذه الفرقة من الفرق الباطنية التي تنتسب إلى الإسلام زوراً، والإسلام منهم بريء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية ـ هم وسائر الأصناف الباطنية ـ أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم.. وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم" انتهى.
انظر: "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/393-399) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1245)
" السيخ "، عقيدتهم، منهجهم، موقفهم من المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ضلالات " السيخ "، لي صديقة تقول: إن كلاًّ من " السيخ "، والمسلمين يعبدون نفس الرب! ، وتدَّعي أن هناك العديد من أوجه التشابه بين عقيدة السيخ والإسلام، وأنا أريد أن أشرح لها باستخدام أمثلة من عقائد السيخ أنفسهم، وأبيِّن لها خطأ عقيدتهم. لم أستطع الحصول على أي موقع إلكتروني للمقارنة بين " السيخية " والإسلام، تقول أيضاً: إن بداية السيخية كانت بسبب الاضطهاد الهائل في " الهند " الذي مارسه " المغول "، حيث كانوا يجبرون الهندوس على اعتناق الإسلام بالقوة عن طريق التعذيب، وقتل النساء، والأطفال، فما مدى صحة ما تدَّعيه؟ وهل ما ذكرتْه صديقتي موثق تاريخيّاً ومعترف به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التعريف:
السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، داعين إلى دينٍ جديد، زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية، والهندوسية تحت شعار: " لا هندوس ولا مسلمون ".
وقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند.
وكلمة " سيخ " كلمة سنسكريتية تعني: المريد، أو التابع.
ثانياً:
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس: " تاناك "، ويدعى: " غورو "، أي: المعلِّم، ولد سنة 1469 م في قرية " ري بوي دي تلفندي " التي تبعد 40 ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية.
- لما شبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في " سلطانبور "، وهناك تعرَّف على عائلة مسلمة كانت تخدم هذا الزعيم.
- درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة، والمدينة، وزار أنحاء العالم المعروفة لديه، وتعلم: الهندية، والسنسكريتية، والفارسية.
- ادَّعى أنه رأى الرب، حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام، ظهر بعدها معلناً: " لا هندوس ولا مسلمون ".
- كان يدّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين، فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل ثم ابتدع مذهبه هذا.
- أنشأ المعبد الأول للسيخ في " كارتاربور " بالباكستان حاليًّا، وقبل وفاته عام 1539م عيّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة ديرة " باباناناك " من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن الكريم.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وفقه الله:
وقد كتب بعض المؤرخين أنه كان مسلماً، لذا كانوا يترحمون عليه! .
وهذا بعيد جدّاً؛ إذ لو كان مسلماً: لدعا إلى الإسلام، ولم يخترع ديناً جديداً.
وربما كان سببُ ادعائهم الإسلام له: ورودَ بعض العبارات في كتابه؛ بحيث يوجد بها بعض الروح الإسلامية، كقوله: " اقرأ كلمة الإله التي معها اسم محمد محبوب، وقد ضحى بما لديه في سبيل الله ".
وكذلك كان يذكر في كتابه: القرآنَ، والرسولَ، واليومَ الآخر، والرحمن، والرحيم، وغيرها من الكلمات الإسلامية.
ولكن ذلك ليس كافياً بالحكم له بالإسلام، ولذلك كانت السيخ تقول: إن " نانك " لم يكن مسلماً، ولا هندوكياً، وإنما كان يُحب فقراء المسلمين، وفقراء الهنادك.انتهى.
http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=2538&per=2534&kkk=
- خلفه من بعده عشرة خلفاء معلِّمون، آخرهم: " غوبند سنغ " (1675 - 1708م) الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وفقه الله:
وهذا الخليفة كان من أشجع خلفاء السيخ، وأخبرهم بأمور الحرب، وهو الذي صرف همَّه كله لتوحيد صفوف السيخ، وبث فيهم روح العداء للمسلمين، وفتح الباب لجميع من أراد الدخول في الديانة السيخية، ولم يفرق بين الطبقات، فدخل الناس في دينه أفواجاً.
ثم جعل لقومه زيّاً خاصّاً يتميزون به عن الآخرين، وأوجب على كلِّ سيخي أن يتخذ لديه قطعة من الحديد؛ وذلك دليلاً على شجاعته وصلابته، وألا يحلق شيئاً من شعر جلده، وأن يكون عنده مشاطة، وأوجب تعظيم البقرة، ورفع القيود عن المأكل والمشرب حتى أباح الخمر.
واتخذ مع اسمه لقب " سنغ " أي: الأسد، ثم أطلق هذا اللفظ على كل سيخي، فما منهم من أحد إلا وفي اسمه " سنغ "، وهو الذي لقب السيخ بـ: " الخالصة "، أي: القوم الأحرار، وهو الذي فصل الأمة السيخية عن الأمة الهندوسية فصلاً تامّاً، وفي عهده أصبح السيخ أعدى أعداء المسلمين، وصاروا يسعون للانتقام منهم في كل فرصة سنحت لهم.
http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=2538&per=2534&kkk=
- صار زعماؤهم بعد ذلك يُعرفون باسم المهراجا، ومنهم المهراجا " رانجيت سنغ " المتوفى سنة 1839 م.
ثالثاً:
الأفكار والمعتقدات:
1. يدعن إلى الاعتقاد بخالقٍ واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس.
2. يؤكدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله منها: "واه غورو" و "الجاب"، وأفضلها عند "ناناك": "الخالق الحق"، وكل ما عداه وَهْمٌ "مايا".
3. يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر "الغانج"، وقد انفصلوا تدريجيَّا عن المجتمع الهندوسي، حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة.
4. أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرم لحم البقر؛ مجاراة للهنادكة.
5. يعتقد السيخ بعقيدة تناسخ الأرواح، فيعتقدون أن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له.
6. ويعتقدون تقديس البقر إلى حد ما.
7. يحرقون موتاهم كالهندوس.
8. أصول الدين لديهم خمسة، وهي الكافات الخمس، ذلك أنها تبدأ بحرف " الكاف " باللغة الكورمكية، وهي:
أ. كيش: ويعني: ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس.
ب. كازا: ويعني: أن يلبس الرجل سواراً حديداً في معصميه؛ بقصد التذلل، والاقتداء بالدراويش.
ج. كريباك: ويعني: أن يلبس الرجل تبّاناً - وهو أشبه بلباس السباحة - تحت السراويل؛ رمزاً للعفة.
د. كانجا: ويعني: أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه؛ وذلك لتمشيط الشعر، وترجيله، وتهذيبه.
هـ. كاخ: ويعني: أن يتمنطق السيخي بحَربة صغيرة - أو خنجر - على الدوام؛ وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر.
وهذه الأمور ليست من وضع "ناناك"، بل هي من وضع الخليفة العاشر "غوبند سنغ" – كما سبق -، والذي حرّم أيضاً التدخين على أتباعه، ويقصد بهذه الأمور التميز عن جميع الناس.
9. للمعلِّم - ويسمَّى عندهم " غورو " - درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدل في نظرهم على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون.
10. يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله "الناما" يطهِّر المرء من الذنوب، ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد "كيرتا "، والتأمل بتوجيه من معلم "غورو": كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله.
11. أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند، بالإضافة إلى عيد مولد أول وآخر "غورو"، وعيد ذكرى استشهاد "الغورو" الخامس، والتاسع.
رابعاً:
السيخ والمغول والإنجليز والهندوس والمسلمون:
1. تعرض السيخ لاضطهاد "المغول"، الذين أعدموا اثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليهم نادر شاه 1738 – 1839 م، الذي هاجمهم، مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال، والشعاب.
2. صاروا بعد عام 1761 م حكاماً لـ "البنجاب"؛ وذلك بعد ضعف "المغول"، حيث احتلوا لاهور عام 1799 م، وفي عام 1819 م امتدت دولتهم إلى بلاد "الباتان"، وقد وصلت إلى ممر "خيبر" في عهد المهراجا "رانجيت سنغ" – توفي 1839 م - متغلبين على الأفغان.
3. تحول السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد 1857 م.
4. حصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة، منها منحهم أراض زراعية، وإيصال الماء إليها عبر قنوات، مما جعلهم في رخاءٍ مادي، يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة.
5. في الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من 20 % من الجيش الهندي البريطاني.
6. ألغت الحكومة الهندية الامتيازات التي حصل عليها السيخ من الإنجليز، مما دفعهم إلى المطالبة بولاية "البنجاب" وطناً لهم.
7. على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ: أمرت " أنديرا غاندي " - رئيسة وزراء الهند - في شهر يونيو 1984 م باقتحام المعبد الذهبي في " أمرتيسار " حيث اشتبك الطرفان، وقتل فيه حوالي 1500 شخص من السيخ، و 500 شخص من الجيش الهندي.
8. وفي يوم 31 أكتوبر 1984 م أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء هذه؛ انتقاماً لاقتحام المعبد، وقد حصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص.
9. اشتهر السيخ خلال حكمهم بالتعسف والظلم والجور والغلظة على المسلمين، مثل: منعهم من أداء الفرائض الدينية، والأذان، وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية، وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما، والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء، ومن الذين قُتل على أيديهم العالِم القائد شاه محمد إسماعيل الدهلوي، وهو المعروف بـ "إسماعيل الشهيد"، وذلك في معركة "بالاكوت" سنة 1246هـ (1831 م) ، رحمه الله.
خامساً:
الانتشار ومواقع النفوذ:
أ. لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة "أمرتيسار" من أعمال "البنجاب"، وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند.
ب. لهم في مدينة "أمرتيسار" أكبر معبد يحجون إليه، ويسمَّى "دربار صاحب" أي: مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد: فتسمى "كرو داوره"، أي: مركز الأستاذ.
ج. أكثرية السيخ - وهم الأقلية الثالثة بعد الإسلام والمسيحية - تقطن "البنجاب"، إذ يعيش فيها 85 % منهم، فيما تجد الباقي في ولاية "هاريانا"، وفي "دلهي"، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد استقر بعضهم في ماليزيا، وسنغافورة، وشرق إفريقيا، وإنجلترا، والولايات المتحدة، وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل.
د. يقدَّر عدد السيخ حاليًّا بحوالي 15 مليون نسمة، داخل الهند، وخارجها.
سادساً:
مما سبق يتبين أن هذه الديانة ديانة وثنية كافرة، وأن تأثر بداياتها بالإسلام لا يجعلها محسوبة على الإسلام، وشعارهم المذكور في أول الجواب "لا هندوس ولا مسلمون" يؤكد هذا، بالإضافة لعدائهم الشديد للإسلام، وقتلهم للمسلمين، ومنعهم من إقامة شعائرهم، والوثنية بادية ظاهرة في هذه الديانة، ولا يُعرف عن أحدٍ من المسلمين أنه يحسبهم على الإسلام.
وليس هناك خالق يعبدونه وحده لا شريك كما هو الحال في دين الإسلام، وتأثر مؤسسهم بالإسلام لا يجعله مسلماً، وقوله بوجود خالق واحد لا يجعله موحِّداً، والمشركون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون بوجود خالقٍ واحد للكون، وهو الرب سبحانه وتعالى، بل كانوا يعتقدون أكثر من ذلك، وأنه هو الذي ينزل من السماء ماء، وهو الذي يخرج الحيَّ من الميت، وهو الذي يسخر الشمس والقمر، وغير ذلك، ولم يجعلهم ذلك موحِّدين، ولا مسلمين؛ لأنهم صرفوا عبادتهم لغيره عز وجل، ولذا فإن كلمة العلماء متفقة على عدِّ "السيخ" من الوثنيين الكفار.
1. جاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان":
ويتضح مما سبق:
أن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين العقائد، ولكنها ضلت الطريق، حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية، ولأن الأديان ينزل بها الوحي من السماء، ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك.
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
الكفار الذين يعملون معنا في الشركات، من السيخ، والهندوس، والنصارى، ماذا لهم؟ وماذا علينا نحوهم؟ وكيف يمكننا معاملتهم دون الوقوع في الموالاة؟ .
فأجابوا:
"تدعونهم إلى الإسلام، وتأمرونهم بالمعروف، وتنهونهم عن المنكر، وتقابلون برَّهم بالبر، وتستميلونهم بالمعروف إلى الإسلام، مع بغض ما هم عليه من الكفر والضلال" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/66) .
3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
عرض التلفزيون مساء الجمعة 4 صفر 1403 هـ برنامج "العالم الفطري"، والذي يقدمه إبراهيم الراشد، وكانت الحلقة عن "الهند" , وفي مستهل مقدمته قال: حقّاً إن الهند تسمى بلاد الأديان، ففيها نجد: الهندوسية , البوذية , السيخ ... إلخ , فأرجو منك إيضاح الآتي:
هل الأديان التي ذكرها مقدم البرنامج كما يدعي حقا أديان؟ وهل هي منزلة ومرسلة من عند الله؟ .
فأجاب:
"كلُّ ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمَّى دِيناً، وإن كان باطلاً، كالبوذية، والوثنية، واليهودية، والهندوسية، والنصرانية، وغيرها من الأديان الباطلة، قال الله سبحانه في سورة الكافرون: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فسمَّى ما عليه عبَّاد الأوثان دِيناً , والدين الحق هو الإسلام وحدة كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) .
والإسلام: هو عبادة الله وحده، دون كل ما سواه , وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون، وليس شيء من الأديان الباطلة منزَّلاً من عند الله، ولا مرضيّاً له , بل كلها محدثة، غير منزلة من عند الله، والإسلام هو دين الرسل جميعاً , وإنما اختلفت شرائعهم؛ لقول الله سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (4/321) .
وانظر: "موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " (2/774 – 780) .
والله الهادي
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1246)
حكم إطلاق لفظة نحن أبناء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال من المسلمين "نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله" مستشهداً بالحديث الضعيف " الخلق كلهم عيال الله ".؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فالحديث المذكور رواه البزار وأبو يعلى من حديث أنس، ولفظه: " الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". وهو حديث ضعيف جدا كما قال الألباني في ضعيف الجامع (حديث رقم 2946) .
ومن قال من المسلمين: نحن نؤمن بأننا جميعا أبناء الله، وجب أن يُستفصل عن مراده قبل أن يُحكم عليه:
1- فإن أراد بالبنوة المعنى المجازي، وهو كون الناس محتاجين مفتقرين إلى الله تعالى، واستعمل هذه العبارة في غرض مشروع كالرد على النصارى القائلين بأن المسيح ابن الله، فلا حرج عليه في إلزامه النصارى بهذا لإبطال عقيدتهم - مع عدم التسليم باستعماله مع غيرهم لما يورثه من لبس ومعانٍ باطلة – وذلك لأن من وسائل إبطال اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام إيقافهم على عبارات وردت في كتابهم المقدس تثبت البنوة لغير عيسى بما يدل بصورة واضحة على أن معنى النبوة في كل نصوص الإنجيل ليس المراد به البنوة الحقيقة التي زعموها لعيسى بما أدخله القسيس بولس لحرفهم عن عقيدة التوحيد، معتمداً على اللبس الذي توحيه كلمة (الأب) و (الابن) ومن هذه النصوص التي ترد عليهم ما جاء في إنجيل لوقا (20/36) قال عيسى عن المؤمنين به (هم مثل الملائكة، لا يموتون، وهم أبناء الله لأنهم أبناء القيامة) .
وكما في سفر أشعيا (43/6) (ائت ببني من بعيد وبناتي من أقصى الأرض) .
وكما في إنجيل يوحنا (1/12) (وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله) .
وهكذا ما جاء في وصف الله بالأب، كما في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه (وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات) .
وفي إنجيل لوقا (11/2) (متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات) .
وفي إنجيل يوحنا (20/17) (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) .
فالنصارى لا يقولون بأن الملائكة وبني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة، كما لا يقولون بأن الله أب لهؤلاء حقيقة، وإنما يحملون ذلك على المعنى المجازي، أي أب لهم في النعمة والإحسان والحفظ والرعاية، وهم أبناؤه في العبادة والحاجة والافتقار.
وبهذا يبطل استدلالهم على بنوة عيسى لله بكونه وصف في الإنجيل بأنه ابن الله.
2- وإن أراد أن الناس جميعا أبناء الله كبنوة المسيح لله، على نحو ما يعتقده النصارى، فهذا كفر فوق كفر النصارى.
3- وإن أراد أن الجميع أبناء الله أو عياله فلا فرق بين المسلم والكافر، وأراد بذلك عدم تكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان، فهذه ردة منه عن الإسلام؛ فإن من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً.
4- وإن أراد من ذلك تسويغ إطلاق لفظ " الأخ " على اليهودي والنصراني لأن الجميع عيال الله، فهذا باطل، فإنه لا أخوة بين المؤمنين والكافرين، والحديث لم يصح، ولو صح لما كان فيه مستند لهذا الإطلاق.
وينبغي الحذر من إطلاق الألفاظ الموهمة، التي قد توقع الإنسان في المحظور، وتدعو إلى إساءة الظن به لاسيما ما يتعلق منها بتوحيد الله تعالى، وإفراده في أسمائه وصفاته إذ حق الله تعالى هو أولى ما يراعى ويجنب ما يخدشه، لاسيما وأن هذه اللفظة قد استعملها اليهود وساقها الله تعالى في القرآن عنهم في سياق الذم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءالله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِم يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) المائدة / 18
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1247)
بوذا كان فيلسوفاً كافراً ولم يكن نبياً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام فيمن يقول: إن (بوذا) نبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"بوذا ليس نبياً، بل كافراً فيلسوفاً، يتنسك على غير دين سماوي، فمن اعتقد بنبوته فهو كافر. وقد غلا قومه فيه، واعتقدوا فيه الألوهية، وعبدوه من دون الله، واعتنق هذه النحلة البوذية الوثنية كثير من البشر قديماً وحديثاً، فالواجب على المسلم بغض هذه النحلة، وبغض أهلها، والبراءة منهم، ومعاداتهم في الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1248)
أجوبة من دخل في الإسلام على السؤال المتبادر " لماذا أسلمتَ "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت؟ " فقلت له: إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله، وعندما أحاول: أشعر أن ردي غير صحيح، كيف أرد على مثل هذا السؤال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك، وأن يثبتك على الحق، ويهديك لما يحب ويرضى.
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح، فالإسلام دين الفطرة، ودين الأمن، والسعادة، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً، وللإيمان حلاوة، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا، ويشعر بذلك الطعم، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً.
ثانياً:
إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين، وكثرة جوانب الخير فيه، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً، وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات، والاستفادة منها، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه.
ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم.
1. سئل أعرابي: لماذا أسلمتَ؟ قال: لم أرَ شيئاً من قول، أو فعل يستحسنه العقل، وتستطيبه الفطرة: إلا وحثَّ عليه الإسلام، وأمر به، وأحلَّه رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل، وتستقذره الفطرة: إلا ونهى الله عنه، وحرَّمه على عباده.
2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين: جوابي لمن سألني لماذا أسلمت: هو: أن الإسلام دين التوحيد، والسعادة، والراحة النفسية، والعيشة الهانئة، إذا التزمت به، وطبقت تعاليمه، وهو دين العدل الإلهي.
3. قال " محمد أسد " - السياسي، والمؤلف النمساوي -: لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر.
4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي: لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه، ويتناسب مع فطرته، ملبسه، ومأكله، وعمله، ونظام زواجه، اختياراته في الحياة، علاقاته بالآخرين، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة.
5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة -: أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين.
6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -: إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ، وأَطال البحث في النصرانية؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك، وسعة السلطان، والتبريز في الفنون، والصناعات، ثم نظر في الإسلام، فعرف أَنه الدين الحق، فأَسلم، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت "، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان، وكان أَهمها عنده: أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله، النبي الأمي العربي، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب، وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها، وعدم الثقة بتأْريخها، ومؤلفيها: لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل، وتربيته، وتعليمه، وأَيام صباه، وشبابه، ولله في خلقه شئون.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (1 / 48) .
7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت -: لأن الإسلام دين التوحيد، قرأت عنه كثيراً، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة.
والكلمات كثيرة، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة، والأمن، والسعادة، والأحكام الحكيمة، والأخلاق الرفيعة، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة، أو الأنظمة والقوانين البشرية: فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً.
8. وتصف " ميري واتسون " – الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول: شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري، وقلت: يا رب أنا مؤمنة بك وحدك، ونطقت بالشهادة، وشعرت بعدها باطمئنان، وراحة تعم كل بدني، والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي.
انتهى
وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للشيخ أبي الحسن الندوي، وكتاب: الإسلام على مفترق الطرق، والطريق إلى الإسلام، وهما للأستاذ محمد أسد، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية.
كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم، وأسلموا لله تعالى، وفيها بيان: كيف اهتدوا، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية، وذلك تحت هذا الرابط:
http://www.themwl.com/AlDaawa/default.aspx?ct=1&cid=7&l=AR
ونسأل الله لك الثبات على الحق، والتوفيق للعلم النافع، والعمل الصالح.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1249)
هل يقال عن الإسلام دين محمد وعن المسلمين المحمديين
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلق أحد إخواننا المسلمين على الإسلام أنه دين محمد، وهو يدعم هذا القول بشدة لأنه بما أن النبى (صلى الله عليه وسلم) هو الذى أتى بالإسلام، فهو يرى أنه لا ضير من تسمية الإسلام بدين محمد، فهل يجوز أن نطلق على الإسلام أنه دين محمد، وعلى المسلمين أنهم المحمديون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن هذا الإسلام الذي ندين به، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بُعث به إلينا، وبلغه لنا، كما أمره ربه سبحانه، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسلام خاص وعام:
فالإسلام الخاص المشتمل على هذه الشريعة التي نعلمها، وفيها الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، والحج على الصفة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك، هذا الإسلام الخاص هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الإسلام العام الذي يقوم على توحيد الله تعالى، واتباع رسوله المرسل من عنده، فهو دين جميع الأنبياء، صلوات الله عليهم، دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85
وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس/72.
وقال عن إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67.
وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78
وقال عن موسى (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس/84.
وقال عن يوسف: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/101.
فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بما جاء من عنده، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري (3443) .
والإخوة لعلات: هو الإخوة لأب.
والمراد أن أصل دينهم واحد، وإن اختلفت فروعهم.
ولهذا يخشى من قولنا عن الإسلام: إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم أن يظن السامع وغيره أن دين الأنبياء الآخرين ليس هو الإسلام.
ولهذا كان الاسم العلم على هذا الدين هو " الإسلام "، وأصحابه هم " المسلمون "؛ قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا) الحج: 78
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون، وَفِي هَذَا الكتاب، وهذا الشرع؛ أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا ". تفسير السعدي (546) باختصار يسير.
ولم يزل أتباع هذه الملة يسمون به، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الأحزاب/35، وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33
وروى الترمذي (2863) عن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ... فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى مسلم (1336) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) .
فهذا هو اسمنا وشعارنا، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فليسعنا ما وسعهم.
ثانياً:
وأما في مقام بيان إمام هذه الأمة، وأن متبوعهم الذي يأخذون عنه هو النبي محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بالنسبة إليه هنا؛ وقد تواتر في الحديث تسمية المسلمين: " أمة محمد "؛ بل استعمل غير واحد من أهل العلم كلمة " المحمديون " في التعبير عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، إما خاصة أتباعه الذين هم أهل سنته، أو في التعبير عن أمته صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أهل الحيل الشيطانية والدجل: " وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم وهربت شياطينهم، وإنما يظهرون عند الكفار والجهال، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة، وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل " مجموع الفتاوى (27/500) .
وقال الذهبي رحمه الله: " الطريقة المثلى هي المحمدية " السير (12/89) ، وانظر: معجم المناهي اللفظية، للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله، ص (497، 610) .
مع أننا ننبه هنا إلى أن بعض أعداء الإسلام يلقبون المسلمين بذلك تشبيها للهم بالنصارى
" المسيحيون "، الذين ينسبون إلى المسيح ويعبدونه من دون الله، فلذلك كان الأسلم أن يستعمل الاسم الذي هو علم على هذا الدين وأتباعه، وسماهم الله به: " المسلمون "، وإذا استعمل غير المسلمين هذا، أو استعمله المسلم أمام غير المسلمين، بين لهم مدلول هذه النسبة عندنا، واختلافها عن مدلول الانتساب عند غير الأمة المرحومة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1250)
لماذا يُعاقَب من وُلِد في أسرة كافرة ومات على الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[نؤمن كمسلمين بالقضاء والقدر، فإذا كان مكتوباً على الطفل أن يولد في أسرة كافرة، فلماذا يعاقب بدخول النار إذا كبر ومات على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أحكام الأضحية
الحمد لله:
نعم أخانا المكرم، نحن نؤمن بالقضاء والقدر، لكن قبل ذلك وبعده، نحن نؤمن بكمال الله تعالى وعدله، وتنزهه عن ظلم عباده، أدنى ما يكون ذلك الظلم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس:44) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة، بل فوق ذلك نعلم أن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله، رحمن، رحيم، ذو رحمة واسعة هي أوسع من غضبه وانتقامه، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ) رواه البخاري (7554)
ومن أجل ذلك يحب أن يمهل عباده ويحلم عليهم، ويعذر إليهم، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (.. لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ..) رواه البخاري (7416)
فإذا استقر عندك هذا الأصل البيِّن المحكم المنير، الذي لا يصح لأحد إيمانه إلا بالتمكن فيه، فرُدّ إليه – رحمنا الله وإياك – كل غبش من ظلمةِ جهل، أو شبهة هوى، وسرعان ما تجد قلبك قد استراح، وقد علمت أن الله تعالى أرحم بك وبسائر عباده من الوالدة بولدها، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تحلّب ثَدْيهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) رواه البخاري (5999) ومسلم (2754)
والله الرحمنُ الرحيم أرحم بهذا الذي تسألُ وتجادل عنه، منك ومن نفسه، فإما كان من أهل رحمة الله فستدركه إن شاء الله، لا محالة.
وإما كان من المحادين المعاندين فاشتغل بما ينفعك أنتَ وينجيك " ولا تكن للخائنين خصيماً "
وأحذر أن تغفل عن ذلك الأصل طرفة عين، ثم احذر أن تنظر في القدر قبل أن تُحكِمه، واعلم أن باب القدر كالشمس، متى آمنت به، وسلمت، على ما أتاك من خبر الله ووحيه، استرحت، واطمأنت نفسك، كالذي يسير في وضح النار.
وأما إذا دققت وشققت، وتعمقت وتنطعت، فما يستفيد المحدِّق في قرص الشمس سوى تلف عينيه؟!
فإذا جئنا إلى ما سألت عنه، حتى لا تظن أن ما قدمناه لك حيدةٌ عن الجواب، فاعلم مما يَجِبُ أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لكل إنسان ما يمكنه من معرفة الخير والشر، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8) ، أي عينين يبصر بهما، (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:9) ، أي ولسانا ينطق به عما في ضميره وشَفَتَينِ يَسْتَعِين بهما على الكلام، (وهَدَيْنَاهُ النَّجدين) البلد/10، قال ابن مسعود: الخير والشر، وقوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:2-3) ، فقد بَيّن لله في الآيات السابقة أنه عز وجل وَهَبَ للإنسان الوسائل والآلات التي يُمْكِنُه معها معرفة طريق الخير والشر.
ثم إنه سبحانه لم يجعل هذه الآلات حجة على عباده بمفردها، بل فتح لهم باب العذر، وأملى لهم في الحجة، حتى يأتيهم نور الوحي من السماء، قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) النساء/165، وقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15
ومن أجل ذلك يوبخ الله تعالى الكفار به على ما أضاعوا من عذر الله وإمهاله، وغفلوا عن رسله وبيناته: (َيا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (الأنعام 130-131)
أما هذا الذي قَلّد أباه على الكفر، ومات عليه، فقد قال ابن القيم رحمه الله:
" َيُفَرّق بين مُقَلّدٍ تَمَكّن من العلم ومعرفة الحق، ومُقَلّد لم يتمكن من ذلك بِوَجْهٍ، والقسمان واقعان في الوجود فالمُتمَكِّن المُعْرِض، مفرطٌ تاركٌ للواجب عليه، لأنه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم، الذي لا يتمكن من العلم بوجه، فهم قسمان أيضا:
أحدهما: مُرِيدٌ للهدى مُؤْثِر له، مُحِب له، غير قادر عليه، ولا على طلبه، لعدم من يُرْشِده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم يبلغه الدعوة.
الثاني: معرض لا إِرَادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه، فالأول يقول: يا رب لو أعلم دينا خيرا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه، والثاني راضٍ بما هو عليه، لا يُؤْثِر غيره عليه، ولا تَطْلُب نفسه سواه، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يَظْفَر به، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عَجْزاً وجهلاً، والثاني كمن لم يطلبه، بل مات على شركه " أهـ. طريق الهجرتين 678.
وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض، فتأمل هذا الموضع، والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق، وأما كون إنسا معين قد قامت عليه الحجة أم لا، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، وهذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا، لهم حكم أوليائهم "
وهؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة، ولم تقم عليهم حجة الله بالرسل، أصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، كما في مسند الإمام أحمد (18566) وغيره من حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا) وفي رواية: (فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا) رواه أحمد
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1251)
الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل
[السُّؤَالُ]
ـ[لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل، مع أنه سبحانه قادر على حفظه؟ وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم، بدليل قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) المائدة/44.
ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن، وفي ذلك بعض الحِكَم:
1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد، والشريعة الباقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48، فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل، فليس بينهما سوى ستمائة عام.
2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب؟ وهل يؤمنون بما جاء فيه؟ وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، أم يصروا على عنادهم، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير؟!
3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع، ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم -.
ثانيا:
كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية، ولم يكن لأغلبهم دين متبع، ولا شريعة محترمة، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام، مثل ورقة بن نوفل، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري (3614) أنه قال: (إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وكان يقول أيضا: (يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا) رواه البخاري (3616) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1252)
يرد على شبهات النصارى ويطلب النصح يستمر أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك موقع نصراني يبث شبهات كثيرة حول الإسلام وشرائع الإسلام، وأقوم - بفضل الله - برد هذه الشبهات من خلال المواقع الإسلامية، ومواقع الرد على الشبهات، ويقومون في هذا المنتدى بسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل أكمل في هذا المنتدى في رد شبهاتهم بفضل الله؟ أم إذا بقيت في المنتدى ينطبق عليَّ قول الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) سورة النساء (140) ، (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة الأنعام (68) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك أخي الفاضل غيْرتك على دين الله، ونثمِّن موقفك في الدفاع عنه ضد أعدائه من المشككين، ولكن لا يمنعنا هذا من نصحك وتوجيهك لما فيه الخير لك ولدين الله تعالى الذي تغار عليه.
وهذه النصيحة تتلخص في عدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها إلا بعد أن تتقوى معرفتك بأحكام الإسلام وشرائعه، ويتقوى إيمانك ويقينك، وليس هذا من باب الاستحباب بل هو واجب في حقك، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة، وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة:
1. الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين غير التي يردون عليها، وترى – أحياناً أخرى – الرد ضعيفاً يقوِّي الباطل ويُضعف الحق.
2. الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم، ولا يجد لها جواباً عنده، فيحار، ويتشكك، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب.
قال ابن القيم رحمه الله:
وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيرادٍ -:
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال.
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.
" مفتاح دار السعادة " (1 / 140) .
ونقل الإمام الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله قولَه:
" من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم ".
فعلَّق عليه بقوله:
قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يروْن أن القلوب ضعيفة، والشُّبَه خطَّافة.
" سير أعلام النبلاء " (7 / 261) .
3. الحفاظ على الوقت وعدم إهداره مع المعاندين والجاحدين، وعدم إهدار الوقت في باب واحد من العلم يجب أن يسبقه أبواب، فلا يصلح الرد على أولئك الطاعنين في الدين إلا بعد الإلمام بالقرآن، وصحيح السنَّة، وهذا يستغرق من الطالب وقتاً طويلاً، فبعض الشبهات الرد عليها من باب اللغة، وبعضها من باب التفسير، وأخرى من باب الحديث، وأخرى من باب المنطق، فأين المبتدئ المتحمس من هذا كله؟! .
4. اختيار الطريقة المناسبة للدعوة، فالدعوة إلى الله تحتاج لعلمٍ من الداعي، وتحتاج لحكمة حتى يضع الأمور في مكانها المناسب، فمن المدعوين من يكون هيناً ليِّناً قريباً للحق، ومنهم من يكون معانداً، فيحتاج الداعي لسلوك الطريق المناسبة مع كل واحدٍ من هؤلاء، بالغلظة مع قوم، وباللين والرقة مع آخرين.
قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125، وقال سبحانه (: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) العنكبوت/46.
فكيف سيعرف المبتدئ الطريقة المناسبة للتعامل مع هؤلاء؟ وكيف سيسلكها؟ ومتى سيتوقف عنها؟ كل ذلك يحتاج لأن يكون الداعي على قدر من العلم والحكمة، وهذا ما لا يوجد في غالب المتحمسين المبتدئين.
ومنه يُعرف جواب سؤال الأخ الفاضل: هل يبقى في المنتدى مع رؤيته لسب الله تعالى ورسوله ودينه أم يخرج؟ وهل ينطبق عليه ما ذكره من الآيات القرآنية في صلب السؤال؟ .
ليس على ذلك جواب محدَّد، إلا أن نعرف حال المنتدى، وحال الداعي، وحال الشبهات، وهل يُسمح له بالرد والتعقب، أم يقرأ فقط ولا يشارك؟ إن معرفة هذه الأحوال تكوِّن فكرة عن الجواب اللائق المناسب.
وقد رأينا بعض إخواننا المتحمسين للدعوة يدخل غرف الزنادقة في " البال توك " الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم، ويؤذون المسلمين بفحش كلامهم وهم مع هذا يمنعون الأخ المسلم الداعية من أن يعلِّق بلسانه، بل ولا يكتب ببنانه! فأي وجه في بقائه بتلك الغرف الفاسدة؟ إنه هنا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات في السؤال، وهذا بخلاف من استمع ليجمع أقوالهم ويوثقها، أو من استمع ليُفسَح له المجال في الرد عليها، فمثل هذا لا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات القرآنية في السؤال.
وهذه وصية جامعة، نسأل الله أن ينفع بها:
قال الشيخ العثيمين:
لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود، أو النصارى، أو المشركين، أو أهل البدع؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة: فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل، فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل: أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً: حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم، حتى إذا تمكنتم: فلا بأس أن تقرءوا، لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم.
" لقاءات الباب المفتوح " (47 / السؤال رقم 7) .
ونرجو النظر في السؤال رقم (22029) و (83621) ففيه بيان حكم النظر في كتب أهل الكتاب، ومحاورتهم عبر الإنترنت.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1253)
هل يقرن بين حمد الله وشكره وشكر الوالدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي القول: الحمد والشكر لله رب العالمين، والشكر لوالدي، عملا بقوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك الي المصير) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
بر الوالدين من أعظم القربات، وأولى الطاعات، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما، وحقَّه بحقِّهما.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/14
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك} لقمان: 14.
... عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [قال الألباني: حسن لغيره] .
والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) :
" والشكر مبني على خمس قواعد:
خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره.
فهذه الخمس: هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة: اختل من قواعد الشكر قاعدة، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور.
والشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى.
وفي تفسير هذه الآية، يقول الشيخ السعدي رحمه الله: " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ} أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه {بِوَالِدَيْهِ} وقلنا له: {اشْكُرْ لِي} بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. {وَلِوَالِدَيْكَ} بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.
فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [التفسير 648] .
فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين، وجمع بينهما في مقام واحد، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي موقعنا العديد من الإجابات التي تبين أمر بر الوالدين، انظر:
(13783) ، (22782) ، (35533)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1254)
اعتقاد المسلمين في مصير الملاحدة يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس الإسلام كجزء من دراستي وأتساءل عن موقف الإسلام من الملحدين. هل يعتقد المسلمون أن مصير الملحدين إلى الجحيم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اهتمامك أيتها السائلة الكريمة بدراسة الإسلام أمر عظيم تُشكرين عليه وعلى الإنسان أن يبحث عن الحقّ أينما كان ويتبّعه ولو خالف آباءه وأجداده ودين بلده ومجتمعه لأنّ نجاة نفسه يوم القيامة من عذاب جهنم مقدّمة على كلّ شيء.
ومن الأمور المهمة لمن أراد أن يدرس دين الإسلام أن يرجع إلى مراجع الإسلام الأصيلة لمعرفة حقيقة هذا الدين كترجمة معاني القرآن الكريم ومعاني أحاديث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأن تكون الترجمة صحيحة سليمة. وأما دراسة الإسلام من مراجع وكتب كتبها غير المسلمين أو ممن لا يعلمون حقيقة الدين ولا مارسوه فهو أمر مناف لمنهج البحث العلمي والطريقة الصحيحة للتوصّل إلى الحقيقة.
وعودا إلى السؤال الذي أرسلت به وهو ما اعتقاد المسلمين في الموحدين من غير المسلمين؟ وهل سيكون مصيرهم النار يوم القيامة؟ فالجواب على ذلك بكلّ وضوح أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأنعم عليهم بجميع النعم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وأخبرهم أنّ من وحّده وعبده وحده لا شريك له دخل الجنة ومن جحده أو أشرك به وعبد معه غيره أو اتخذ آلهة أخرى من دونه أو جعل له زوجة أو ولدا أو جعل الملائكة بناته أو اتبع غير شرعه الذي أنزله ليحكم بين الناس بالحقّ أو ترك دينه وأعرض عنه أنّه سيكون يوم القيامة في عذاب جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا عين العدل وهو ما يستحقّه هذا الذي ظلم ربّه وخالقه وموجده من العدم وصاحب النّعم.
وعبادة البشر لله وطاعتهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه أمر أساس بل هو حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق كما قال الله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وكانت الرسل تبعث بأمر واحد يقولونه لأقوامهم وهو " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ".
وهنا يمكن معرفة النقص العظيم الذي يحصل لمن اعتقد أنّ الله واحد لا شريك له ثمّ لم يعبده ولم يطع له أمرا بل عصاه وخالفه ولم يتبّع دينه ولا شرعه ولا وحيه ولا رسله الذين أرسلهم له ولأمثاله. فهل يستحقّ هذا دخول الجنة أم النار؟
فهذا الذي يقول أنا أعتقد أنّ هناك إلها واحدا خلق الكون ولكنني سأقف عند هذا الحدّ فلن أصلي له ولن أصوم ولن أحجّ ولن أؤدي زكاة مالي كما أمر ولن أقوم تجاهه بأيّ واجب وسأتّبع هواي وأفعل ما أشاء سواء كان مما أحلّه أو مما حرّمه فهل يمكن أن ينجو مثل هذا يوم القيامة؟
وقد بعث الله في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، وكانت آخر الأمم هذه الأمة وآخر رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى هذه البشرية وإلى العالم كافة ونسخ الله به سائر الشرائع السابقة وجعل دينه أكمل الأديان وأتمها وأفضلها وأعلاها وأوجب على كلّ أحد أن يدخل في هذا الدين وأخبر سبحانه وتعالى أنه " من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " وبناء على هذا يتبين - من زاوية أخرى - مصير الذي يقول أنا أؤمن بفكرة الإله الواحد ولكنني لا أريد أن أكون مسلما ولا أن أعتنق آخر الأديان ولا أن أتبّع آخر الرسل وخاتمهم.
وختاما فإنني أرجو أن تكون القضية قد اتضحت لك أيتها السائلة الكريمة، أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى الحقّ ويرزقنا اتباعه إنه نعم المولى ونعم النصير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1255)
نصراني يسأل عن موقف المسلمين من الكاثوليك والتعايش السلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لست أدري كيف هي علاقتكم بالكنيسة الكاثوليكية، أنا من أمريكا والبلاد الإسلامية تبدو غريبة بالنسبة لي، لا أعرف الكثير عنهم ولكن الذي يبدو أن المسلمين يعادون الدين الكاثوليكي.
هل هم منفتحين للحوار؟ لماذا لا تؤمنون بالرب عيسى؟ أليس الحب الأبدي لله عظيم لدرجة أنه يستطيع أن يتنزل علينا ويحفظنا من جميع الذنوب حتى نتمكن من العيش معه للأبد؟
لماذا توجد حروب في الشرق الأوسط؟ ألا يرى الإسلام أو يقبل بالقوة المخلصة للمسيح، مع تعليماته بأن نحب بعضنا البعض، هل إذا اتبعت أنا وأنت (الإسلام -التسليم الكامل) فكل شيء سيسير على ما يرام بالنسبة للبشر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العداوة في الإسلام وعند المسلمين ليست أمرا عشوائياً بل تحكمها أصول وثوابت شأنها في ذلك شأن باقي الأحكام الإسلامية الشرعية وهذه الأصول والثوابت هي من عند الله تعالى المنزّه عن النقائص الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ومصدر الأحكام عندنا هو القرآن والسنة الصحيحة الثابتة، والقرآن والسنة جاءا بعقيدة واضحة وهي عقيدة التوحيد المبنية على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين ولا نشرك مع الله آلهة أخرى بل نفرده بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات ولا ندعو له صاحبة ولا ولدا، ونوالي من والى الله ونعادي من عاداه ونُبغض من سبّه وجعل له زوجة وولدا فالله فرد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة ولا ولد سبحانه أنّى يكون له ولد وله ما في السماوات وما في الأرض ليس له شريك وليس محتاجا إلى ولد كما يحتاج البشر وهو خالق الوالد وما ولد، فالمسلمون طوع أمر الله وليس عندهم اختيار في التشريع بل هم ملزمون بأحكام الله، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا (36) سورة الأحزاب
ومن هذه الأحكام الحب في الله والبغض في الله
والمسلمون عندهم مجال واسع للحوار بل أمر الله في كتابه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بمحاورة أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقال سبحانه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران: 64.
ونحن نؤمن بعيسى عليه السلام نبياً مرسلاً من عند الله، ومعاذ الله أن نجعل عيسى إلها وربا كما يزعم النصارى ولا يفرّقون بين الرسول والمُرسِل، وبين الخالق والمخلوق قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) سورة المائدة، وقال تعالى يخاطبك - أيها السائل أنت وأصحابك وستكون سعيدا إذا استجبت -: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً) النساء - 171.
والإسلام دين الهدى والرحمة والمحبة ولكن أقواماً يفرضون على المسلمين قتالهم عندما يقفون في طريق إبلاغ الهدى للناس، والمسلمون لا يقاتلون أحداً حتى يبلغوه دين الله ويخيرونه بين أمور أولها الإسلام، وثانيها: إذا أبى الإسلام وبقي على دينه فعليه دفع الجزية للمسلمين لقاء رعايته فإذا رفض الأول والثاني فالقتال.
ونحن المسلمين إذا قاتلنا فإنما نقاتل من أجل تخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين وننقلهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
ونؤمن أن عيسى عليه السلام لم يمت وأن الله رفعه إليه وأنه ينزل في آخر الزمان إلى الدنيا ويحكم بالإسلام حيث قال صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى في دمشق عند المنارة البيضاء رواه أبو داود (4/117) وصححه الألباني رحمه الله.
والإسلام ناسخ للرسالات السابقة ولا يقبل الله من أحد غيره ممن عاش وأدرك الإسلام. وإذا أسلم الناس لرب العالمين واتبعوا خير المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات فإن الله يرضى عنهم ويرزقهم حياة طيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) سورة النحل، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على التساؤلات التي طرحتها ونسأل الله أن يهدينا جميعا لاتّباع الحقّ، والسلام على من اتّبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1256)
ضوابط الدين الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفات الدين الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل صاحب ملة يعتقد أن ملته هي الحق , وكل أتباع دين يعتقدون أن دينهم هو الدين الأمثل والمنهج الأقوم , وحينما تسأل أتباع الأديان المحرفة أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم؛ يحتجون بأنهم وجدوا آبائهم على طريقة , فهم على آثارهم مقتدون , ثم يذكرون حكايات وأخباراً لا يصح سندها , ولا يسلم متنها من العلل والقوادح , ويعتمدون على كتب متوارثة لا يعلم من قالها ولا من كتبها , ولا بأي لغة كتبت أول مرة ولا في أي بلد وجدت؛ إنما هي أمشاج جمعت فعظّمت فتوارثتها الأجيال دون تحقيق علمي يحرر السند , ويضبط المتن.
وهذه الكتب المجهولة والحكايات والتقليد الأعمى لا تصلح حجة في باب الأديان والعقائد , فهل كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية صحيحة أم باطلة؟ ...
يستحيل أن يكون الجميع على حق؛ لأن الحق واحد لا يتعدد ويستحيل أن تكون كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية من عند الله وأنها حق , وإذا تعددت – والحق واحد – فأيها الحق؟ إذا لا بد من ضوابط نعرف بها الدين الحق من الدين الباطل , فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق , وإذا اختلت هذه الضوابط أو واحد منها في دين علمنا أنه باطل.
الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي:
الأول: أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة مَلَك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده؛ لأن الدين الحق هو دين الله , والله - سبحانه – هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزل إليهم , قال تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً) سورة النساء /163 , وقال سبحانه: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) , وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة.
الثاني: أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة , وتحريم الشرك , وتحريم الوسائل المفضية إليه؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة جميع الأنبياء والمرسلين وكل نبي قال لقومه: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) سورة الأعراف/73 , وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء.
الثالث: أن يكون متفقاً مع الأصول الذي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده , والدعوة إلى صراطه , وتحريم الشرك , وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق , وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن , قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) سورة الأنبياء/25, وقال جل ثناؤه: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاًً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) سورة الأنعام/151 , وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهةً يعبدون) سورة الزخرف/45.
الرابع: ألا يكون متناقضاً ولا مختلفاً بعضه مع البعض الآخر , فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر , ولا يحرم شيئاً ثم يبيح ما يماثله من غير علة , ولا يحرم أمراً أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) سورة النساء/82.
الخامس: أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس.
السادس: أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض , سواءً أكان هذا الظلم بانتهاك الحقوق , أم بالاستبداد بالخيرات , أم بإضلال الأكابر للأصاغر , قال – تعالى – مخبراً عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف/154 , وقال سبحانه مخبراً عن مبعث عيسى عليه السلام (ولنجعله آية للناس ورحمة) سورة مريم/21.
وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة) سورة هود/63 , وقال عز من قائل عن القرآن: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) سورة الإسراء/82.
السابع: أن يتضمن الهداية إلى شرع الله , ودلالة الإنسان على مراد الله منه , وإخباره من أين أتى وإلى أين المصير؟ قال تعالى مخبراً عن التوراة: (إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور..) سورة المائدة/44 , وقال عز شأنه عن الإنجيل: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) سورة المائدة/46 , وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) سورة التوبة/33 , والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة , حيث يدفع عنها كل وسوسة , ويجيب عن كل تساؤل , ويبين عن كل مشكل.
الثامن: أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم , وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور.
التاسع: أن يحقق السعادة لمن آمن به قال تعالى: (طه - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) طه/1-2 , وأن يكون متفقاً مع الفطرة السوية: (فِطرَة الله التي فطر الناس عليها) الروم/30 , متفقاً مع العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله , والعقل الصحيح هو خلق الله , ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه.
العاشر: أن يدل على الحق ويحذر من الباطل , ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال , وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج , قال تعالى مخبراً عن الجن أنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض: (يا قومنا إنِّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) سورة الأحقاف/30 , فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم قال تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) سورة طه/ 1-2 , ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء/29 , ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير) الحجرات/13 , فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.(1/1257)
كيف اختلطت النصرانية بالعقائد الشركية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت النصرانية الحقة قد جاءت بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه من الخلق، سواء كان عيسى أو غيره، فكيف اختلطت هذه الديانة بالعقائد الشركية، فاتخذوا عيسى عليه السلام، وأمه إلهين من دون الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من شك أن الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه من الخلق، هو أصل الرسالة التي جاء بها نبي الله عيسى، عليه السلام، كما أنها أصل الرسالة التي جاء بها سائر الأنبياء، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) النحل/36 وقال تعالى أيضا: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الانبياء/25
وعلى هذه الدعوة يشهد عيسى عليه السلام على قومه؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) ، وأما كيف انحرف أصحاب هذه الديانة بعد ذلك عن التوحيد الخالص إلى العقائد الوثنية، وعبادة عيسى وأمه من دون الله، فهي قصة مبكرة في تاريخ النصرانية، وسوف نورد هنا بعض الشواهد عليها، من كلام أهلها، وليسمع من له أذنان:
. . جاء في دائرة المعارف الأمريكية:
(لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد.
إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما.
إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملا.) [27/294]
ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحيد من المسيحيين، في المصدر السابق نفسه، دائرة المعارف [27/300-301] .
ويقول وول ديورانت:
(لما فتحت المسيحية روما انتقل إلى الدين الجديد [أي المسيحي] دماء الدين الوثني القديم: لقب الحبر الأعظم، وعبادة الأم العظمى، وعدد لا يحصى من الأرباب التي تبث الراحة والطمأنينة في النفوس، وتمتاز بوجود كائنات في كل مكان لا تدركها الحواس، كل هذا انتقل إلى المسيحية كما ينتقل دم الأم إلى ولدها.
وأسلمت الإمبراطورية المحتضرة أزِمَّة الفتح والمهارة الإدارية إلى البابوية القوية، وشحذت الكلمة بقوة سحرها ما فقده السيف المسلول من قوته. وحل مبشرو الكنيسة محل الدولة.
إن المسيحية لم تقض على الوثنية، بل ثبتتها؛ ذلك أن العقل اليوناني عاد إلى الحياة في صورة جديدة، في لاهوت الكنيسة وطقوسها، ونقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الرهيبة، وجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس، ويوم الحساب، وأبدية الثواب والعقاب، وخلود الإنسان في هذا أو ذاك. ومن مصر جاءت عبادة الأم الطفل، والاتصال الصوفي بالله؛ ذلك الاتصال الذي أوجد الأفلوطينية واللاأدرية، وطمس معالم العقيدة المسيحية. ومن بلاد الفرس جاءت عقيدة رجوع المسيح وحكمه الأرض لمدة 1000) . [قصة الحضارة 11/418] .
وعلى الرغم من النفثة الإلحادية في كلام ديورانت، وهو أمر معروف به، والتي تظهر في زعمه أن أبدية الثواب والعقاب منقولة عن المصرية، فإن تتبع الأصول الوثنية للنصرانية المحرفة لم يعد بالأمر الخفي، ولم ينفرد هو ببحثه؛ ففي كتابه " المسيحية والوثنية " يقرر روبرتسون أن الميثراثية، وهي ديانة فارسية الأصل، ازدهرت في بلاد فارس قبل الميلاد بنحو ستة قرون، قد دخلت إلى روما حوالي عام 70 م، وانتشرت في بلاد الرومان، ثم وصلت إلى بريطانيا، وانتشرت في العديد من مدنها.
وما يعنينا هنا من أمر هذه الديانة أنها تقول:
- إن ميثراس، الذي تنسب إليه، كان وسيطا بين الله والناس. {انظر مقابله ف النصرانية: أعمال الرسل 4/12}
- وأن مولده كان في كهف، أو زاوية من الأرض. {انظر: لوقا 2/7} .
- وأن مولده كان في يوم 25 ديسمبر. {وهو يوم احتفال النصارى بمولد المسيح}
- كان له اثنا عشر حواريا. {انظر: متى 10/1}
- مات ليخلص العالم {انظر: كورنثوس الأولى 15/3}
- دفن ولكنه عاد إلى الحياة {انظر: السابق 15/4}
- صعد إلى السماء أمام تلاميذه {انظر: أعمال الرسل 1/9}
- كان يدعى مخلصا ومنقذا {انظر: تيطس 2/13}
- من أوصافه أنه حمل وديع {انظر: يوحنا 1/ 29}
- في ذكراه كل عام يقام العشاء الرباني {انظر: كورنثوس الأولى 11/23-25}
- من شعائره التعميد.
- يوم الأحد مقدس عندهم.
بينما يذهب المستشرق الفرنسي ليون جوتيه في كتابه " مقدمة لدراسة الفلسفة الإسلامية " إلى أن أصول التثليث النصراني ينبغي تلمسها في الفلسفة اليونانية، وتحديدا في أفكار الأفلاطونية المحدثة، التي تلقت مبادئ فكرة التثليث في النظرة إلى خالق الكون عن أفلاطون، ثم عمقتها إلى حد كبير، بحيث اتضح التشابه الكبير بينها وبين النصرانية؛ فالخالق، ذو الكمال المطلق، جعل بينه وبين العالم وسيطين، صادرين عنه، وهما أيضا داخلان فيه في نفس الوقت؛ أي تتضمنهما ذاته، وهما العقل والروح الإلهية. ثم قال:
(وهكذا كان التزاوج بين العقيدة اليهودية والفلسفة الإغريقية لم ينتج فلسفة فقط، بل أنتج معها دينا أيضا، أعني المسيحية التي تشربت كثيرا من الآراء والأفكار الفلسفية عن اليونان؛ ذلك أن اللاهوت المسيحي مقتبس من نفس المعين الذي كانت فيه الأفلاطونية الحديثة، ولذا تجد بينهما مشابهات كثيرة، وإن افترقا أحيانا في بعض التفاصيل، فإنهما يرتكزان على عقيدة التثليث، والثلاثة الأقانيم واحدة فيهما.)
وهذا هو ما يشير إليه الكاتب الأمريكي (درابر) :
(دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومية بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحتفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوما من الأيام، وكذلك كان قسطنطين فقد قضي عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية، إلا قليلا في آخر عمره (337م) .
إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية، وتقتلع جرثومتها، وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء) .
وهكذا سلك النصارى بدينهم مسلك الذين كفروا من قبلهم، حذو القذة بالقذة، كما يشهد كتابهم على أنفسهم وبني قومهم، وكفى بالله شهيدا؛ قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1258)
حاجة البشر إلى الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحتاج الناس إلى الدين؟ ألا تكفي القوانين لضبط حياة الناس!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجاتهم إلى ما سواه من ضرورات الحياة؛ لأن الإنسان لا بد له من معرفة مواقع رضى الله – سبحانه – ومواقع سخطه , ولابد له من حركة يجلب بها منفعته , وحركة يدفع بها مضرته , والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفع والتي تضر , وهو عدل الله في خلقه , ونوره بين عباده , فلا يمكن للناس أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه وما يتركونه.
وإذا كان للإنسان إرادة فلا بد من معرفة ما يريده , وهل هو نافع أو ضار؟ وهل يصلحه أو يفسده؟ .
وهذا قد يعرفه بعض الناس بفطرهم وبعضه يعرفونه بالاستدلال إليه بعقولهم , وبعضه لا يعرفونه إلا بتعريف الرسل وبيانهم لهم وهدايتهم إياهم – أنظر التدمرية , تأليف شخ الإسلام ابن تيمية وص: 213, 214 , ومفتاح دار السعادة , جـ2 , ص: 383 -.
فمهما استعلت المذاهب المادية الإلحادية وتزخرفت ومهما تعددت الأفكار والنظريات فلن تغني الأفراد والمجتمعات عن الدين الصحيح , ولن تستطيع أن تلبي متطلبات الروح والجسد , بل كلما توغل الفرد فيها؛ أيقن تمام اليقين أنها لا تمنحه أمناً , ولا تروي له ظمأً , وألا مهرب منها إلا إلى الدين الصحيح , يقول أرنست رينان: (إن من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه وأن تبطل حياة استعمال العقل والعلم والصناعة , ولكن مستحيل أن ينمحي التدين , بل سيبقى حجة باطلة على بطلان المذهب المادي الذي يريد أن يحصر الإنسان في المضايق الدنيئة للحياة الأرضية) انظر: الدين , تأليف عبد الله دراز , ص: 87.
ويقول محمد فريد وجدي: (يستحيل أن تتلاشى فكرة التدين؛ لأنها أرقى ميول النفس وأكرم عواطفها , ناهيك بميل يرفع رأس الإنسان , بل إن هذا الميل سيزداد , ففطرة التدين ستلاحق الإنسان ما دام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح , وستزداد فيه هذه الفطرة على نسبة علو مداركه ونمو معارفه) المصدر السابق , ص: 87.
فإذا ابتعد الإنسان عن ربه فعلى قدر علو مداركه واتساع آفاق علمه , يدرك عظم جهله بربه وما يجب له , وجهله بنفسه وما يصلحها ويفسدها , ويسعدها ويشقيها , وجهله في جزئيات العلوم ومفرداتها كعلوم الأفلاك والمجرات وعلوم الحاسب والنواة وغيرها ... وحينئذ يتراجع العالم من مرحلة الغرور والكبرياء إلى التواضع والاستسلام , ويعتقد أن وراء العلوم عالماً حكيماً , ووراء الطبيعة خالقاً قادراً , وتلزم هذه الحقيقة الباحث المنصف بالإيمان بالغيب والإذعان للدين القويم , والاستجابة لنداء الفطرة والغريزة الجِبِلََّيَّة....وإذا تخلى الإنسان عن ذلك انتكست فطرته وتردى على مستوى الحيوان الأعجم.
ونخلص بهذا إلى التدين الحق – الذي يعتمد على إفراد الله بالتوحيد , والتعبد له وفق ما شرع – عنصر ضروري للحياة ليحقق المرء من خلال عبوديته للَّه رب العالمين , ولتحصيل سعادته وسلامته من العطب والنصب والشقاء في الدارين , وهو ضروري لتكتمل القوة النظرية في الإنسان؛ فبه وحده يجد العقل ما يشبع نهمته , ومن دونه لا يحقق مطامحه العليا.
وهو عنصر ضروري لتزكية الروح وتهذيب قوة الوجدان , إذ العواطف النبيلة تجد في الدين مجالاً ثرياً ومنهلاً لا ينفد معينه تدرك فيه غايتها.
وهو عنصر ضروري لتكتمل قوة الإرادة بما يمدها بأعظم البواعث والدوافع ويدرّعها بأكبر وسائل المقاومة لعوامل اليأس والقنوط.
وعلى هذا فإذا كان هناك من يقول: إن الإنسان مدني بطبعه , فينبغي أن نقول: (إن الإنسان متدين بفطرته) انظر السابق ص: 84 , 98, لأن للإنسان قوتين: قوة علمية نظرية , وقوة علمية إرادية , وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوته العلمية والإرادية , ولا يتحقق استكمال القوة العلمية إلاّ بمعرفة ما يلي:
1- معرفة الإله الخالق الرازق الذي أوجد الإنسان من عدم وأسبغ عليه النعم.
2- معرفة أسماء الله وصفاته , وما يجب له – سبحانه - , وأثر هذه الأسماء على عباده.
3- معرفة الطريق التي توصل إليه سبحانه.
4- معرفة المعوقات والآفات التي تحول بين الإنسان وبين معرفة هذا الطريق وما توصل إليه من النعيم العظيم.
5- معرفة نفسك معرفة حقيقية , ومعرفة ما تحتاج إليه , وما يصلحها أو يفسدها , ومعرفة ما تشتمل عليه من المزايا والعيوب.
فبهذه المعارف الخمس يستكمل الإنسان قوته العلمية , واستكمال القوة العلمية والإرادية لا يحصل إلاّ بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد , والقيام بها إخلاصاً وصدقاً ونصحاً ومتابعةً , وشهوداً لمنته عليه ولا سبيل إلى استكمال هاتين القوتين إلاّ بمعونته فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى أولياءه إليه. انظر: الفوائد , ص: 18-19.
بعد أن عرفنا أن الدين الصحيح هو المدد الإلهي لقوى النفس المختلفة , فإن الدين – أيضاً – هو الدرع الواقي للمجتمع , ذلك لأن الحياة البشرية لا تقوم إلاّ بالتعاون بين أعضائها , ولا يتم هذا التعاون إلاّ بنظام ينظم علاقاتهم , ويحدد واجباتهم , ويكفل حقوقهم , وهذا النظام لا غنى له عن سلطان نازع وازع يردع النفس عن انتهاكه , ويرغبها في المحافظة عليه , ويكفل مهابته في النفوس ويمنع انتهاك حرماته , فما هو هذا السلطان؟ فأقول: ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام النظام , وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه , والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.
والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمع ولا بصر , وإنما هو عقيدة إيمانية تهذب الروح وتزكي الجوارح , فالإنسان مقود أبداً بعقيدة صحيحة أو فاسدة , فإذا صلحت عقيدته صلح فيه كل شيء , وإذا فسدت فسد كل شيء.
والعقيدة والإيمان هما الرقيب الذاتي على الإنسان وهما – كما يلاحظ في عموم البشرية – على ضربين:
- إيمان بقيمة الفضيلة وكرامة الإنسانية وما إلى ذلك من المعاني المجردة التي تستحي النفوس العالية من مخالفة دواعيها حتى ولو أعفيت من التبعات الخارجية والجزائية المادية.
- وإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنه رقيب على السرائر , يعلم السر وأخفى , تستمد الشريعة سلطانها من أمره ونهيه , وتلتهب المشاعر بالحياء منه إما محبة له أو خشية منه أو بهما معاً ... ولا ريب أن هذا الضرب من الإيمان هو أقوى الضربين سلطاناً على النفس الإنسانية , وهو أشدهما مقاومة لأعاصير الهوى وتقلبات العواطف , وأسرعها نفاذاً في قلوب العامة والخاصة.
من أجل ذلك كان الدين خير ضمان لقيام التعامل بين الناس على قواعد العادلة والإنصاف , وكان لذلك ضرورة اجتماعية , فلا غرو إن حل الدين من الأمة محل القلب من الجسد. _ انظر: الدين , ص: 98 , 102 _. وإذا كان الدين عموماً بهذه المنزلة , فالمشاهد اليوم تعدد الأديان والملل في هذا العالم , وتجد كل قوم بما لديهم من الدين فرحون مستمسكون به , فما الدين الصحيح الذي يحقق للنفس البشرية ما تصبو إليه؟ وما ضوابط الدين الحق؟ .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤُه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.(1/1259)
هل الإنجيل المكتوب بالآرامية موجود اليوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنجيل الأصلي الذي باللغة الآرامية موجود هذا الزمان وأين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها الرسول الكريم عيسى بن مريم عليه السلام.
" ويجمع الباحثون أن فلسطين زمن بعثة عيسى كانت بمثابة لوحة فسيفسائية، وأن سكانها كانوا خليطا من كل أمة ولسان، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة: العبرانية، والآرامية بلهجاتها، والإغريقية، واللاتينية.
ولكن الاختلاف يقوم بينهم حين يسعون إلى تلمس الحدود الجغرافية لكل واحدة من تلك اللغات، وحين يريدون حصر الخصائص المميزة لتلك اللغات، وتحديد نسبة تأثر بعضها ببعض،
ونحن حين نقرأ سيرة عيسى في الأناجيل الأربعة نجده يخاطب فئات مختلفة من الناس:
فقد خاطب عامة الناس من مختلف المدائن والبوادي، وخاطب أعضاء المجلس الأعلى، ومعلمي الشريعة، والقائمين على تسيير الهيكل وإدارة الشؤون الدينية اليهودية، كما خاطب الحاكم الروماني لفلسطين وكانت لغته اللاتينية.
وفي كلمات المسيح المنسوبة إليه في الإنجيل كلمات آرامية:
" إيلي إيلي لما شبقتني؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟! (إنجيل متى 27 / 46) .
" وأمسك بيد الصبية وقال لها: " طليثا، قومي! " الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! (إنجيل مرقص 5 / 41) .
وفيه كلمات عبرية:
" قال لها يسوع: " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له: " رَبُّونِي "، الذي تفسيره: يا معلم " (إنجيل يوحنا 20 / 17) .
" وكان يخاطب ويباحث اليونانيين " (أعمال الرسل 9 / 29) وظاهره أن المباحثة كانت بلغتهم، ولاختلاف هذه الشواهد كان الخلاف شديدا بين العلماء والباحثين في تحديد لغة المسيح عليه السلام.
وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه لم يتكلم بغير العبرانية، فقال ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (3 / 75) :
" والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم بغير العبرانية " انتهى.
وقال في (1 / 90) : " ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيّاً (أي آراميّاً) أو روميّاً: فقد غلط " انتهى.
وذهب بعضهم إلى أن " هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديث عيسى عليه السلام كان باللغة الآرامية، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم، كما يبدو أنه كان مثقفا باللاتينية والإغريقية ".
انظر " لغة المسيح عيسى بن مريم " بحث د. عبد العزيز شهبر (ص 112، 113) ، منشور في كتاب " لغات الرسل ".
ثانيا:
يجب على المسلمين جميعا الإيمان بالإنجيل الذي أوحاه الله إلى نبيه عيسى المسيح عليه السلام، ومن أنكره كفر باتفاق أهل العلم.
يقول سبحانه وتعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) المائدة/46.
وإيماننا بالإنجيل يقتضي منا الإيمان بوجوده وتمام وحيه، وكذلك الإيمان بكل ما جاء فيه أنه حق ومن عند الله.
ولكن لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان هذا الإنجيل مكتوبا ومجموعا جميعه في عهد عيسى عليه السلام، ومن الذي كتبه، ومن الذي حفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم، بل إن بعض الباحثين ينفي أن يكون الإنجيل الحقيقي مدونا على هيئة كتاب، وإنما كان أقوالا متناقلة.
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (3 / 26) في مطلع تفسير آل عمران:
" وأما الإنجيل: فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه " انتهى.
يقول الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -:
فنحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة.
" هل الكتاب المقدس كلمة الله " (ص 14) .
وإن كان الظاهر أن المسيح عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة، ويفهم ذلك من قوله تعالى:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) آل عمران/48
قال ابن كثير – رحمه الله -:
الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة.
" تفسير القرآن العظيم " (1 / 485) .
إلا أننا لا نملك دليلا على كتابة الوحي زمن عيسى عليه السلام، وليس في تسمية الإنجيل " كتابا " في القرآن الكريم دليل على كتابته في الصحف زمن الوحي، فإن التسمية بـ " الكتاب " إنما هي باعتبار ما عند الله في اللوح المحفوظ، أو باعتبار تهيئه للكتابة والتدوين، واعتبر ذلك بالقرآن الكريم، فقد سماه الله " كتابا "، وإنما كان يتناقل شفاها مع كتابة متفرقة له في الجلود والصحف، وفي الحقيقة لم يكن كتابا مجموعا حتى كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قال سبحانه وتالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) الأنعام/7.
يقول الطاهر ابن عاشور في تفسير سورة مريم الآية/30:
والكتاب: الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير. فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن.
" التحرير والتنوير " (8 / 470) .
والنصارى كذلك لا يؤمنون أن ثمة كتابا كتبه المسيح أو أحد تلامذته في عهده، ثم فُقِدَ بعد ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام، ولا أملاه على من كتبه، وإنما أملوه بعد رفع المسيح.
" الجواب الصحيح " (1 / 491) .
وهذا فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الأعراف/145.
وإن كان يبدو من كلام بعض علماء المسلمين أن الإنجيل الحقيقي كان مدونا ومكتوبا في عهد المسيح عليه السلام، تجد ذلك في كلام ابن حزم في " الفِصَل "، وابن تيمية في " الجواب الصحيح ".
وكذلك جاء في " الإنجيل " إطلاق هذا اللفظ على ما أوحاه الله إلى المسيح، حيث جاء في (إنجيل مرقص 8/35) : " ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها ".
أما الأناجيل الموجودة اليوم، فليست هي الإنجيل الحقيقي، ولكن لا ينكر احتواؤها على كثير من الإنجيل الذي أوحاه الله سبحانه إلى المسيح.
قال ابن تيمية - رحمه الله -
هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا، فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب، وإن كان غالبها صحيحاً.
" الجواب الصحيح " (2 / 14) .
وانظر جواب السؤال رقم (47516) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1260)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الخلق وسيد الرسل، وقد أمرنا بالتمسك بهديه، فقال: (عَلَيكُم بِسُنَّتِي) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد جاء هديه وسنته بأحسن الأحوال وأقوم الأخلاق، خاصة في تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهل الديانات الأخرى، ونستطيع أن نجمل هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع اليهود في المسائل التالية:
1. اتخاذ الموقع الصحيح من اليهودية وجميع الأديان، وهذا الموقع يتمثل باعتقاد أحقية دين الإسلام والتوحيد، وكفر وفساد كل ديانة أخرى، وتقرير أن الله تعالى لا يقبل يوم القيامة إلا أن يكون العبد مسلما حنيفا لله تعالى، كما قال سبحانه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
وقد كان هذا التقرير هو المحور الذي تدور عليه صلى الله عليه وسلم دعوته صلى الله عليه وسلم، ويتخذ المواقف تبعا له؛ لأنه من ضرورات عقيدة المسلم التي تعرضت في العصور الأخيرة للتحريف والتشويه من دعاة " توحيد الأديان "!
انظر جواب السؤال رقم (21534) .
2. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على دعوتهم للإسلام، ولا يفوت فرصة يمكن أن يبلغهم فيها دين الله تعالى إلا وفعل، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ حربا معهم – بسبب غدرهم وخيانتهم – إلا ويسبقها بدعوتهم وتذكيرهم، كما قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم فتح خيبر: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (2942) ومسلم (2406) .
3. التأكيد على أن عقد الموالاة إنما هو بين المؤمنين، وأن البراء واجب من كل كفر مبين، وجعل صلى الله عليه وسلم مناط الأخوة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن يوالي أهل أي ملة بالمحبة والمودة، لذلك تجده صلى الله عليه وسلم يسارع في أول قدومه المدينة في تقرير المفارقة بين الإسلام واليهودية، فكان في نص الوثيقة " الدستور " التي أمر النبي صلى الله عليه سلم بكتابته لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة: " المؤمنون أمة واحدة دون الناس " رواه القاسم بن سلام في " الأموال " (517) من مراسيل الزهري.
يقول الدكتور أكرم العمري:
" الروابط تقتصر على المسلمين ولا تشمل غيرهم من اليهود والحلفاء، ولا شك أن تمييز الجماعة الدينية كان أمرا مقصودا يستهدف زيادة تماسكها واعتزازها بذاتها " انتهى.
انظر " السيرة النبوية الصحيحة " للدكتور أكرم العمري (1 / 272 – 291) فقد توسع في الحكم على الوثيقة وتحليلها.
4. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يعترف بحقوق اليهود والنصارى، ويخطئ من يتوهم أن التبرأ من ديانة اليهود المحرفة يلزم منه ظلمهم ومصادرة حقوقهم، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في المدينة، وكتب في دستور المدينة: " وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين "، وتكفل لهم بجميع أنواع الحقوق:
أ. حق الحياة: فلم يقتل يهوديا إلا من خان وغدر.
ب. وحق اختيار الدين: حيث أقرهم على ديانتهم ولم يكره أحداً على الإسلام، عملا بقوله سبحانه وتعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256، وكتب في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ".
ج. حق التملك: فلم يصادر أملاك أحد منهم، بل أقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تجارتهم معهم.
د. حق الحماية والدفاع: فقد جاء في ميثاق المدينة: " وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة "
هـ. حق العدل في المعاملة ورفع الظلم: وذلك مقرر في صحيفة المدينة حيث جاء فيها: " وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم "، وقد عدل النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم ولو كان ذلك على حساب المسلمين، فلما قتل أهلُ خيبر عبدَ الله بن سهل رضي الله عنه لم يقض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالدية، ولم يعاقبهم على جريمتهم، لعدم وجود البينة الظاهرة ضدهم، حتى دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من أموال المسلمين، والقصة في البخاري (6769) ومسلم (1669) ، ولما اختصم الأشعث بن قيس ورجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ولم يكن لعبد الله بيِّنة قضى فيها لليهودي بيمينه، كما في البخاري (2525) ومسلم (138) .
و. بل منحهم النبي صلى الله عليه وسلم حق التحاكم فيما بينهم إلى قوانين دينهم، ولم يلزمهم بقوانين المسلمين ما دام طرفا القضية من أتباعهم، إلا إذا ترافعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه الحكم بينهم، فكان حينئذ يحاكمهم بشريعة الله ودين المسلمين، يقول الله سبحانه وتعالى: (فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة/42.
5. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة جميع الناس، ومنهم اليهود، فقد أمر الله سبحانه بالقسط والبر وحسن الخلق وأداء الأمانة مع اليهود وغيرهم، حيث قال سبحانه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
ومن بره صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود:
أ. أنه كان يعود مريضهم: روى البخاري (1356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: أََسلِم. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ) .
ب. وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هداياهم: فقد روى البخاري (2617) ومسلم (2190) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنهَا) .
ج. كما كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن مسيئهم: إذ لم ينه عن قتل تلك المرأة التي وضعت السم في الشاة، ففي تكملة الحديث السابق: (فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ - قَالَ: أَوْ قَالَ: عَلَيَّ - قَالَ: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا) ، بل وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (3169) أن ذلك كان بعلم من اليهود وأنهم اعترفوا بمحاولة القتل بالسم، ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالانتقام لنفسه، لكنه قتلها بعد ذلك لموت الصحابي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم وكان أكل من الشاة المسمومة , وهو بشر بن البراء رضي الله عنه.
وكذلك لما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم، وعافاه الله من السحر، لم ينتقم منه ولا أمر بقتله، بل جاء في " سنن النسائي " (4080) وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال: (فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجهِهِ قَط) .
د. وكان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بالمال، ويفي لهم معاملتهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) رواه البخاري (2165) ومسلم (1551) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) رواه البخاري (1990) ومسلم (1603) .
هـ. وفي أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة كان يحب موافقة اليهود في أعمالهم وعاداتهم ليتألف قلوبهم على الإسلام، ولكنه لما رأى عنادهم وجحودهم ومكابرتهم أمر بمخالفتهم، ونهى عن التشبه بهم.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ) رواه البخاري (3728) ومسلم (2336) .
و. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترفع عن محاورتهم، بل كان يتواضع لهم، ويجيب على أسئلتهم وإن كان مرادهم منها العنت والمجادلة بالباطل.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالُوا مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَقُمْتُ مَكَانِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) رواه البخاري (4444) ومسلم (2794) .
ز. وكان يدعو لهم بالهداية وصلاح البال: فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) رواه الترمذي (2739) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
6. وفي المقابل: لم يكن صلى الله عليه وسلم يرضى أن ينتهك اليهود حرمات المسلمين، ويتمادوا في ذلك، فكان يعاقب كل من يعتدي على المسلمين ويظلمهم ويتجاوز حدوده في ذلك، فلما اعتدى بعض يهود بني قينقاع على امرأة مسلمة في السوق واحتالوا لكشف عورتها، وتوعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: (يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس) نقله ابن حجر في " فتح الباري " وحسَّنه (7 / 332) فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأجلاهم من المدينة، وكان ذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة.
ثم لما عَظُمَ أذى كعب بن الأشرف اليهودي للمسلمين، وبدأ يخوض في أعراضهم، ويشبب بنسائهم في شعره، وارتحل إلى مكة يحرض زعماء قريش على المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في قصة طويلة حدثت في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، رواها البخاري (2375) ومسلم (1801) .
وكذلك لما تكررت محاولات بني النضير لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في قصص مشهورة يذكرها أهل المغازي والسير، ودسوا إلى قريش يحضونهم على غزو المدينة، ويدلونهم على العورة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من المدينة في السنة الرابعة من الهجرة. انظر " المغازي " للواقدي (1 / 363 – 370) و " سيرة ابن هشام " (3 / 682) .
وأما يهود بني قريظة فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتلتهم لما غدروا به يوم الأحزاب، وتحالفوا مع قريش والعرب ضد المسلمين، وخانوا العهود معهم، وكان ذلك في العام الهجري الخامس.
انظر " سيرة ابن هشام " (3 / 706) .
وقد وردت أخبار كثيرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفو عن كل من أظهر الوفاء بالعهد من اليهود، ولا يعاقب إلا من شارك في الغدر أو أقر ورضي.
انظر " السيرة النبوية الصحيحة " أكرم العمري (1 / 316) ، وقد جاء في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه وأثم، فإنه لا يوتِغ – أي: يُهلِك - إلا نفسه وأهل بيته ".
وأخيرا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم غدر اليهود وخيانتهم، أوحى الله إليه أن يُخلِصَ جزيرة العرب لديانة التوحيد، فلا يبقى فيها غير الدين الذي ارتضاه الله لنفسه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاهم في مرض موته فقال: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1261)
لماذا لا يعجل الله تعالى بهلاك الكفار؟ ولماذا المسلمون في تأخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يعاقب الله المسيحيين واليهود ? لماذا المسلمون في تأخر والمسيحيون واليهود في تطور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لعلَّ الأخ السائل أراد بالعقوبة في سؤاله العذاب والإهلاك؛ لأن لفظ العقوبة أعم من العذاب، والكفار يعاقبهم الله تعالى على كفرهم بالمعيشة الضنك، وبظلمة القلوب وقسوتها، ومن يُرى منهم على حال حسنة ونعيم في طعامه ولباسه ومسكنه فإنما هو ظاهر الأمر لا حقيقة بواطنهم وقلوبهم، ويشترك العاصي مع الكافر في هذا الباب.
وأما تأخير العذاب والإهلاك لمن كفر بالله تعالى: فقد ذكر الله تعالى في كتابه حِكَماً كثيرة لذلك، ومنها:
1. أنه تعالى غفور رحيم، وإنما يؤخر إهلاكهم لأجل أن يتوبوا ويُسلموا.
قال الله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) الكهف/58.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك الساتر يا محمد على ذنوب عباده بعفوه عنهم إذا تابوا منها.
(ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا) هؤلاء المعرضين عن آياته إذا ذكروا بها بما كسبوا من الذنوب والآثام.
(لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) ولكنه لرحمته بخلقه غير فاعل ذلك بهم إلى ميقاتهم وآجالهم.
" تفسير الطبري " (18 / 52) .
2. أن من صفاته تعالى الحلم، ومن أسمائه الحسنى الحليم، فهو لا يعجل بالعقوبة، بل يمهل لخلقه من غير إهمال، ولن تفوته عقوبتهم لو أراد، كما هو الحال في البشر.
أ. قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: {لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب} الآية.
بيَّن في هذه الآية الكريمة: أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب، كالكفر والمعاصي، لعجَّل لهم العذاب، لشناعة ما يرتكبونه، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة، فهو يمهل ولا يهمل". أضواء البيان " (4 / 164) .
ب. وقال – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61 -:
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده.
وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في آخر سورة فاطر: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ) فاطر/45 الآية، وقوله: (وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب) الكهف/ 58، الآية.
وأشار بقوله: (ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى) إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل.
" أضواء البيان " (3 / 263) .
3. أن عذاب الكفار حاصل ولا شك في الآخرة، وأن التأخير فيه إنما لأنه لم يحن وقته الذي قدَّره الله تعالى عليهم، وهو يوم القيامة.
قال الله تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) هود/110.
وقال تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) طه/129.
وقال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا) الكهف/58.
وقال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ) إبراهيم/42.
أ. قال البغوي – رحمه الله -:
(وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجلٌ مسمّى، والكلمة: الحُكم بتأخير العذاب عنهم، أي: ولولا حكمٌ سبق بتأخير العذاب عنهم وأجلٌ مسمى، وهو القيامة.
(لَكَانَ لِزَاماً) أي: لكان العذاب لازماً لهم، كما لزم القرون الماضية الكافرة.
" تفسير البغوي " (5 / 302) .
ب. وقال ابن كثير – رحمه الله -:
قال تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي: لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد: لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعاً.
" تفسير ابن كثير " (7 / 195) .
ج. وقال الشيخ السعدي – رحمه الله -:
(وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخيرهم، وعدم معاجلتهم بالعذاب.
(لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بإحلال العقوبة بالظالم، ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن أخَّر القضاء بينهم إلى يوم القيامة. " تفسير السعدي " (ص 390) .
د. وقال الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ} الآية.
بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وإن لم يجعل لهم العذاب في الحال: فليس غافلاً عنهم ولا تاركاً عذابهم، بل هو تعالى جاعل لهم موعداً يعذبهم فيه، لا يتأخر العذاب عنه، ولا يتقدم. " أضواء البيان " (4 / 164، 165) .
4. وأما من كفر نعمة ربه , ولم يتعرض لرحمته، وأصر على كفره وعناده، فإن في تأخير العذاب عنه زيادة في إثمه، حتى يوافي ربه العزيز المنتقم، وقد ازداد إثمه، وأحاط به جرمه، وانقطع عذره، وذهبت حجته:
قال الله تعالى: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام ٍ) ابراهيم/47 وقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران/178.
وقال تعالى: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) مريم/85.
أ. قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
وتأويل قوله: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) : إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثماً، يقول: يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة.
" تفسير الطبري " (7 / 423) .
ب. وقال الطبري – أيضاً -:
وقوله (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول عزّ ذكره: فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك يا محمد.
(إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول: فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثماً، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم.
" تفسير الطبري " (18 / 252) .
فيا له من وعيد وتخويف، وياله من بأس وانتقام، حين يعد الجبار الجليل، للمجرم الآبق ما يستحقه على جرمه، حين لا مفر له ولا مهرب.
روى البخاري (4686) ومسلم (2583) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .
ثانياً:
وأما الأمر الآخر وهو تأخر المسلمين وتقدم الكفار في أسباب المعاش، وعلوم الدنيا: فاعلم أن أمر تطورهم وتقدمهم لا يتعدى الأمور الدنيوية، وأما العلم الحقيقي، وهو العلم بالله والدار الآخرة فهم في معزل عنه. قال الله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم/7.
وهذا أيضا من تمام حجة الله تعالى عليهم؛ أن أعطاهم الأسباب التي تمكنهم من العلم النافع لهم، وتدلهم على الدين الحق، فشغلوها بأمر الدنيا، ولم ينتفعوا بها فيما ينجيهم عنده، ويصلح لهم أمر آخرتهم، فينصلح تبعا له أمر دنياهم ـ أيضا ـ. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الاحقاف/26 ولهذا قال الله تعالى، ناهيا عباده عن الاغترار بما عندهم من أسباب الدنيا، وزينتها وزخرفها،: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) آل عمران/196، 197.
قال الشوكاني رحمه الله:
(لا يَغُرَّنَّكَ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد تثبيته على ما هو عليه، كقوله تعالى (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنوا آمِنوا) وخطاب لكل أحدٍ، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين، والمعنى: لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم، فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم، فقوله: (مَتَاعٌ) خبر مبتدأ محذوف: أي: هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه.
(وَمَأْوَاهُم) أي: ما يأوون إليه.
والتقلب في البلاد: الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة، ومثله قوله تعالى (فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُم فِي البِلاَدِ) والمتاع ما يعجل الانتفاع به، وسمَّاه " قليلاً " لأنه فانٍ، وكلُّ فانٍ وإن كان كثيراً فهو قليل.
وقوله (وَبِئْسَ المَصِيرُ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم، أو ما مهد الله لهم من النار، فالمخصوص بالذم محذوف: وهو هذا المقدر.
" فتح القدير " (1 / 622، 623) .
واعلم ـ أخانا الكريم ـ أن الله تعالى قد جعل لعمارة الأرض، والتمكن من خيرها، والانتفاع بما فيها، وبلوغ أسباب القوة، سننا كونية، هي جارية على العباد كلهم؛ فمن أخذ بأسباب القوة بلغها، بإذن ربه، لكن الشأن فيمن يبلغ ذلك، كما شرع له ربه، ثم يستعمله فيما يوصله، ويوصل العباد إلى مرضاة ربه. قال الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الاسراء/18-20.
ثم إن من حكم الله تعالى في تيسير أسباب المعاش، وزينة الدنيا لهؤلاء الكفار، أن من أحسن منهم في شيء، تمتع بما عنده من الدنيا، جزاء حسنته، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة، لم يكن له عند الله حسنة يجازى بها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً؛ يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا) رواه مسلم (2808) .
ولهذا قال شداد بن أوس رضي الله عنه: (إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا) صفة الصفوة (1/709) .
على أننا ـ أيضا ـ ننبه هنا إلى أن ذلك لا يعني أن يترك المؤمنون أسباب القوة، يتمتع بها الكفار، ويصدون الناس بها عن سبيل الله، بل إن المؤمن مأمور بعمارة الأرض على منهج ربه عز وجل. قال الله تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) هود/61، وأمر الله تعالى عباده بالأخذ بأسباب القوة، كل القوة، في مواجهة عدوهم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/من الآية60
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (أي: كل ما تقدرون عليه، من القوة العقلية والبدنية، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي» [رواه مسلم (1917) ] .
ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ؛ وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجودا أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك، لأن «ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب» ) .
وانظر جواب السؤال رقم: (33679) لتقف على بعض ما في حياة الكفار من هموم وغموم وشقاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1262)
أخفى إسلامه ودُفن في مقابر الكفار فهل يكون كافراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لنفرض أن هناك نصرانيّاً قد أسلم ولم يخبر أهله، فبعد فترة توفي، ولكن أهله لا يعرفون أنه قد أسلم فسيصلون عليه في الكنيسة ويدفنونه على الطريقة النصرانية، أريد أن أعرف ما حكم هذا؟ هل يموت على الإسلام أم على الكفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أخي الكريم ـ أولا ـ أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار، ولا الكافر في مقابر المسلمين، إلا لضرورة [انظر: الموسوعة الفقهية: 21/20، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، د عبد الله السحيباني، ص:231-232] .
وإذا مات المسلم في بلاد الكفار، فإنه يجب على وليه، أو من علم به من المسلمين، أن ينقله إلى بلاد المسلمين حتى يدفن فيها.
وهذا النقل والتحويل إلى بلاد الإسلام حسب الاستطاعة، فإن تعذر نقله فيدفن في بلاد الكفار، لكن في غير مقابرهم. [انظر: أحكام المقابر ص: 225-226] .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وهذا آكد من التمييز بينهم حال الحياة، بلبس الغيار ونحوه؛ فإن مقابر المسلمين فيها الرحمة، ومقابر الكفار فيها العذاب " [الاختيارات ص 94] .
ثانيا: الصورة التي سألت عنها، وهي حالة تتكرر لكثير من المسلمين المستضعفين في بلاد الكفر، الذين لا يتمكنون من الهجرة إلى بلد يعلنون فيه إسلامهم، ويأمنون فيه على دينهم وأنفسهم، ولا يستطيعون ـ أيضا ـ إظهار إسلامهم في البلاد التي يعيشون فيها، إما خشية على أنفسهم من بطش أقربائهم بهم، كما هو الحال في سؤالك، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فهؤلاء يبعثون على نياتهم، وحكم في الآخرة حكم ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح، وليس حكم الأرض التي ماتوا فيها، أو القبر الذي دفنوا فيه؛ عَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) رواه مسلم (2878)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.
رواه أبو داود (3201) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
" اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ) الحياة ذكر معها الإسلام، وهو الاستسلام الظاهر، ومع الموت ذكر الإيمان؛ لأن الإيمان أفضل، ومحله القلب، والمدار على ما في القلب عند الموت وفي يوم القيامة "
" شرح رياض الصالحين " (2 / 1200) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يقول بعض الناس: إن لله ملائكة ينقلون من مقابر المسلمين إلى مقابر اليهود والنصارى، وينقلون من مقابر اليهود والنصارى إلى مقابر المسلمين؛ ومقصودهم: أن من ختم بشر في علم الله، وقد مات في الظاهر مسلما، أو كان كتابيا وختم له بخير، فمات مسلما في علم الله، وفي الظاهر مات كافرا، فهؤلاء ينقلون؛ فهل ورد في ذلك خبر أم لا؟ وهل لذلك حجة؟ أم لا؟
فقال رحمه الله: أما الأجساد فإنها لا تنقل من القبور، لكن نعلم أن بعض من يكون ظاهره الإسلام، ويكون منافقا: إما يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا..، فمن كان كذلك فإنه يكون يوم القيامة مع نظرائه، كما قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي أشباههم ونظراءهم. وقد يكون بعض من مات، وظاهره الكفر، قد آمن بالله قبل أن يغرغر، ولم يكن عنده مؤمن، وكتم عن أهله ذلك؛ إما لأجل ميراث أو لغير ذلك، فيكون مع المؤمنين، وإن كان مقبورا مع الكفار.
وأما الأثر في نقل الملائكة فما سمعت في ذلك أثرا. انتهى من الفتاوى الكبرى (3/27) بتصرف يسير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1263)
نصرانية تسأل: لم لا يجوز تزوج المسلمة بالكتابي ويجوز العكس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من زوجتي المسيحية: لماذا لا يحل للمرأة المسلمة الزواج من أهل الكتاب - المسيحيين واليهود - بينما هو محلَّل للرجل المسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أسماء الله تعالى التي نؤمن بها، ولا نظن أن أحدا ممن يعتقد أن له ربا يشك فيها، أنه سبحانه الحكيم، وبهذا أثنت عليه الملائكة المكرمون، لما علموا حكمته في أمره لهم بالسجود لآدم: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة/32 وبهذا ـ أيضا ـ شهد لنفسه سبحانه، وشهدت له ملائكته، وشهد له أهل العلم به سبحانه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/18.
وبذلك قامت حجته سبحانه على خلقه. قال الله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) الأنعام/149 ومعلوم ـ من ذلك ـ أن الحكيم لا يفعل ما يفعل عبثا، ولا يضع شيئا في غير موضعه، ولا يأمر بأمر إلا وهو أحسن لخلقه من غيره، كما قال سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23.
وهذا كما أنه مقتضى اسمه الحكيم، فهو كذلك مقتضى تفرده بالخلق سبحانه، فمنطقي أن من صنع شيئا هو أعلم بما يصلحه ويلائمه من غيره؛ فكيف بالخالق العليم: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/14. وأما عن هذه الحكمة التي تسألين عنها، فعلك أيتها السائلة على علم بأن الإسلام هو آخر دين نزل من عند الله تعالى، ولذلك نسخ كل دين سواه، كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/33. وقال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) النساء/141.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يعلو ولا يُعلَى) رواه الدارقطني وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2778)
ومعلوم أن الزوج له القوامة على زوجته، ومقامه من الأسرة أعلى من مقام زوجته، وربما كان هذا العلو دافعا له لإكراه زوجته على ترك دينها واتباع دينه، أو التأثير فيها بغية ذلك، وهو ما لا يرضاه الإسلام.
وسوف يكون ذلك العلو الذي للزوج سببا ـ أيضا ـ في اتباع أبناء هذه المرأة لأبيهم على دينه، وهي جناية عظيمة على تلك الذرية، أن تتشأ ولم تهتد إلى دين الله الخاتم.
وهذه الحكمة العظيمة قد ذكرها ربنا تبارك وتعالى في سياق تحريم تزويج المسلمات لغير المسلمين فقال تعالى: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221.
ثم إن الكتابية حين تتزوج بمسلم، تتزوج برجل يؤمن بنبيها، بل وبسائر أنبياء الله، ولا يكون مسلماً إلا بهذا، ولا يحل له أن يفرِّق بين أحد منهم، قال تعالى: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/285، في حين أن الكتابي - من يهودي أو نصراني - لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء، فكيف يستوي الأمران لتكون نساء المسلمين عند رجل يكفر بنبيها ولا يؤمن به؟!
على أننا ننبه هنا إلى أن زواج المسلم بالكتابية، وإن كان مباحا في الشرع، لما يرجى من وراءه من المصلحة، وما فيه من التخفيف على العباد، فإنه " مستثقل مذموم " كما قال الإمام مالك رحمه الله [تفسير القرطبي 3/67] .
وبعد، فهذا دعوة هادئة لأهل الكتاب، لعلهم ينتبهون إلى أن الإسلام قد استثنى أهل الكتاب في بعض الأحكام من دون باقي الكفار، فأباح الله تعالى أن نأكل مما يذبحه أهل الكتاب، كما أباح لنا التزوج من نسائهم، تقديراً لأصل دينهم الذي جاء بالتوحيد، وإكراماً لرسل تلك الأديان الذين أُمرنا بالإيمان بهم وتعظيمهم، وليُنظر الفرق بين موقف أهل الديانتين اليهودية والنصرانية من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبين موقف ديننا من أنبيائهم.
وأخيرا؛ فإن هذا الحكم ليس غريبا على الأديان الأخرى، ولا شاذا تفرد به الإسلام، لماذا يستغرب بعض الطاعنين في ديننا من منع الإسلام من تزويج نسائنا بغير المسلمين وهم بينهم لا يزوجون بعضهم بعضاً وهم أهل ديانة واحدة؟! فالكاثوليكي لا يستطيع أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة، والعكس بالعكس!
وفي قانون الأقباط الأرثوذكس المصري الصادر عام 1938م تنص المادة السادسة على أن " اختلاف الدين مانع من الزواج ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1264)
أُهدي لهم طعام في "الكريسماس" فكيف يتصرفون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتصرف إذا كان جارنا يقدم لنا طعام الكريسمس في 25 من ديسمبر؟ هل نتخلص من الطعام، أم نرفضه، حتى ولو كان رفضنا قد يؤدي لشيء من إساءة فهمهم لنا؟ . وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للإنسان المسلم أن يقبل الهدايا من الكفار أو يعطيهم الهدايا، وخاصة إذا كانوا من الأقرباء، والدليل على ذلك:
أ. عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً وكتب له ببحرهم. رواه البخاري (2990) .
ب. عن كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي. رواه مسلم (1775) .
وقد ثبت هذا عن الصحابة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده، فقد زارت أم أسماء بنت أبي بكر – وهي مشركة - ابنتها وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها أن تصِلها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً، وكلا الحديثين في الصحيحين.
والخلاصة: أنه يجوز للمسلم أن يهدي الكافر وأن يقبل الهدية منه.
ثانياً:
أما بالنسبة لهدايا أعيادهم فلا يجوز بذلها لهم ولا قبولها منهم؛ لأن في ذلك تعظيماً لأعيادهم، وإقراراً لهم عليها، وعوناً لهم على كفرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومَن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تُقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض، واللبن، والغنم في " الخميس الصغير " الذي في آخر صومهم.
وكذلك أيضاً لا يُهدى لأحدٍ من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه.
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد، من الطعام، واللباس، ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 227) .
وقال – رحمه الله -:
فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم: فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 229) .
وقال ابن القيم - رحمه الله – بخصوص أعياد أهل الكتاب -:
وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم.
- ثم ساق – رحمه الله – كلام أئمة المذاهب وأعلامها في المنع من ذلك -.
" أحكام أهل الذمة " (3 / 1245 – 1250) .
وينظر جواب السؤال رقم (12666) .
ثالثاً:
ولا يجوز للمسلم أن يتهاون في أمر دينه، ويجب عليه أن يكون مظهراً لأحكامه، وها هم قد أعلنوا دينهم وأظهروا شعائرهم بمثل هذه الأعياد، ونحن علينا أن نظهر ونعلن رفضنا لهداياهم، والمنع من مشاركتهم وإعانتهم عليها، وهذا من شعائر ديننا.
ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بأحكام دينه، وأن يرزقنا العمل بها والثبات عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1265)
الفرق بين المشركين والكفار ومن أي الفريقين اليهود والنصارى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين المشركين والكافرين؟ وهل اليهود والنصارى مشركون أم كفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الكفر هو جحد الحق وستره، فأصل الكفر في اللغة: التغطية، وأما الشرك فهو صرف العبادة لغير الله تعالى.
فالكفر قد يكون بالجحود والتكذيب، أما المشرك فإنه يؤمن بالله تعالى، هذا هو الفرق بين المشرك والكافر.
وقد يأتي كل من اللفظين بمعنى الآخر، فيطلق الكفر بمعنى الشرك، ويطلق الشرك بمعنى الكفر.
قال النووي رحمه الله:
" الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك " انتهى.
"شرح صحيح مسلم" (2/71) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب صوم رمضان أو وجوب الحج مع الاستطاعة أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا أو تحريم شرب المسكر أو تحريم عقوق الوالدين أو نحو ذلك.
أما الشرك فهو: صرف بعض العبادة لغير الله، كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك، أو يذبح لهم أو ينذر لهم، ويطلق على الكافر أنه مشرك، وعلى المشرك أنه كافر، كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117، وقال سبحانه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) المائدة/72، وقال جل وعلا في سورة فاطر: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/13، 14، فسمى دعاءهم غير الله شركا في هذه السورة، وفي سورة المؤمنون سماه كفراً.
وقال سبحانه في سورة التوبة: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/32، 33، فسمى الكفار به كفاراً، وسماهم مشركين، فدلَّ ذلك على أن الكافر يسمى مشركاً، والمشرك يسمى كافراً، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة،
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْك الصَّلاةِ) ، أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/174، 175) .
وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً -:
" ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا، ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية، فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، نسأل الله العافية، وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول ليس هناك إله، والحياة مادة، كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله، هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية، والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا، وتسمى كفرا بالله عز وجل، وقد يغلط بعض الناس لجهله فيسمي دعوة الأموات والاستغاثة بهم وسيلةً، ويظنها جائزة، وهذا غلط عظيم؛ لأن هذا العمل من أعظم الشرك بالله، وإن سماه بعض الجهلة أو المشركين وسيلة، وهو دين المشركين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والتحذير منه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/32، 33) .
ثانياً:
واليهود والنصارى كفار ومشركون، أما كفرهم فلأنهم جحدوا الحق، وكذبوا به، وأما شركهم فلأنهم عبدوا غير الله تعالى.
قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/30، 31. فوصفهم هنا بالشرك، وفي سورة البينة وصفهم بالكفر، قال الله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البينة/1.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ردّاً على من قال: إن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب:
" والأقرب أن أهل الكتاب داخلون في المشركين والمشركات عند الإطلاق رجالهم ونساؤهم؛ لأنهم كفار مشركون بلا شك، ولهذا يمنعون من دخول المسجد الحرام، لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28. ولو كان أهل الكتاب لا يدخلون في اسم المشركين عند الإطلاق لم تشملهم هذه الآية، ولما ذكر سبحانه عقيدة اليهود والنصارى في سورة براءة قال بعد ذلك: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، فوصفهم جميعا بالشرك؛ لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله؛ ولأنهم جميعاً اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وهذا كله من أقبح الشرك والآيات في هذا المعنى كثيرة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/274) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1266)
هل يدعو الشيطان المحتضر لليهودية والنصرانية؟ ما معنى " فتنة الممات "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن من فتن القبر تشكل شيطانين في صورة الوالدين وقولهما إنا اتبعنا اليهودية والنصرانية فأدخلَنا الله الجنة؟ وهل هو قبل نزول منكر ونكير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس على هذا القول دليل من الكتاب والسنة، بل هو من أقوال بعض أهل العلم، وليس هو في القبر، بل عند الاحتضار قبل قبض الروح، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا داخل في "فتنة المحيا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وعرض الأديان على العبد عند الموت ليس عاما لكل أحد , ولا هو أيضاً منفي عن كل أحد، بل من الناس من لا تعرض عليه الأديان , ومنهم من تعرض عليه، وذلك كله من فتنة المحيا التي أمرنا الرسول أن نستعيذ في صلاتنا منها، ووقت الموت يكون الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم " انتهى من "الاختيارات" (ص 85) .
ولا يزال الشيطان حريصاً على إغواء الإنسان ما دامت روحه في جسده، فيأتيه ويوسوس له ويزين له الباطل.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
رواه أحمد (10974) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من " فتنة المحيا والممات "، وندب المصلين إلى الاستعاذة منها قبل السلام من الصلاة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" قوله: " ومن فتنة المحيا والممات " معطوفة على " من عذاب جهنم "، والمراد بالفتنة: اختبار المرء في دينه؛ في حياته وبعد مماته، وفتنة الحياة عظيمة وشديدة، وقلَّ من يتخلَّص منها إلا مَنْ شاء الله، وهي تدور على شيئين:
1 – شُبُهات.
2 – شهوات.
أما الشُّبُهات: فتعرض للإنسان في عِلْمِه ِ، فيلتبس عليه الحقُّ بالباطل، فيرى الباطل حقًّا، والحقَّ باطلاً، وإذا رأى الحقَّ باطلاً تجنَّبه، وإذا رأى الباطلَ حقّاً فَعَلَهُ.
وأمَّا الشَّهوات فتعرض للإنسان في إرادته، فيريد بشهواته ما كان محرَّماً عليه، وهذه فتنة عظيمة، فما أكثر الذين يرون الرِّبا غنيمة فينتهكونه! وما أكثر الذين يرون غِشَّ النَّاسِ شطارةً وجَودةً في البيع والشِّراء فيغشُّون! وما أكثر الذين يرون النَّظَرَ إلى النساء تلذُّذاً وتمتُّعاً وحرية، فيطلق لنفسه النظر للنساء! بل ما أكثر الذين يشربون الخمر ويرونه لذَّة وطرباً! وما أكثر الذين يرون آلاتِ اللهو والمعازف فنًّا يُدرَّسُ ويُعطى عليه شهادات ومراتب!
وأما فتنة الممات: فاختلف فيها العلماءُ على قولين:
القول الأول: إن " فتنة الممات ": سؤال الملَكَين للميِّت في قَبْرِه عن ربِّه، ودينه ونبيِّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه أُوحِيَ إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدَّجَّال) ، فأمَّا مَنْ كان إيمانُه خالصاً فهذا يسهل عليه الجواب.
فإذا سُئل: مَنْ ربُّك؟ قال: ربِّي الله.
مَنْ نبيُّك؟ قال: نبيِّي محمَّد.
ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، بكلِّ سُهولة.
وأما غيره - والعياذ بالله - فإذا سُئل قال: هاه ... هاه ... لا أدري؛ سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وتأمل قوله: " هاه ... هاه ... " كأنه كان يعلم شيئاً فنسيه، وما أشدَّ الحسرة في شيء علمتَه ثم نسيتَه؛ لأن الجاهل لم يكسب شيئاً، لكن النَّاسي كسب الشيء فخسره، والنتيجة يقول: لا أدري مَنْ ربِّي، ما ديني، مَنْ نبيي، فهذه فتنة عظيمة؛ أسألُ الله أن ينجِّيني وإيَّاكم منها، وهي في الحقيقة تدور على ما في القلب، فإذا كان القلب مؤمناً حقيقة: يرى أمور الغيب كرأي العين، فهذا يجيب بكلِّ سُهولة، وإن كان الأمر بالعكس: فالأمر بالعكس.
القول الثاني: المراد بـ " فتنة الممات ": ما يكون عند الموت في آخر الحياة، ونصَّ عليها - وإنْ كانت مِن فتنة الحياة - لعظمها وأهميتها، كما نصَّ على فِتنة الدَّجَّال مع أنها مِن فتنة المحيا، فهي فِتنة ممات؛ لأنها قُرب الممات، وخصَّها بالذِّكر لأنها أشدُّ ما يكون؛ وذلك لأن الإنسان عند موته ووداع العمل صائر إما إلى سعادة، وإما إلى شقاوة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدَكُم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل النَّارِ) فالفتنة عظيمة.
وأشدُّ ما يكون الشيطانُ حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة، والمعصومُ مَنْ عَصَمَه الله، يأتي إليه في هذه الحال الحرجةِ التي لا يتصوَّرها إلا من وقع فيها، قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) القيامة/26– 30، حال حرجة عظيمة، الإنسانُ فيها ضعيفُ النَّفْسِ، ضعيفُ الإِرادة، ضعيفُ القوَّة، ضيقُ الصَّدر، فيأتيه الشيطانُ ليغويه؛ لأن هذا وقت المغنم للشيطان، حتى إنه كما قال أهل العلم: قد يعرضُ للإِنسان الأديان اليهودية، والنصرانية، والإسلامية بصورة أبويه، فيعرضان عليه اليهودية والنصرانية والإسلامية، ويُشيران عليه باليهودية أو بالنصرانية، والشيطان يتمثَّلُ كُلَّ واحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أعظم الفِتَن ِ.
ولكن هذا - والحمد لله - لا يكون لكلِّ أحدٍ، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحتى لو كان الإنسان لا يتمكَّن الشيطان من أن يَصِلَ إلى هذه الدرجة معه، لكن مع ذلك يُخشى عليه منه.
يقال: إنَّ الإمام أحمد وهو في سكرات الموت كان يُسمَعُ وهو يقول: بعدُ، بعدُ، فلما أفاق قيل له في ذلك؟ قال: إنَّ الشيطان كان يعضُّ أنامله يقول: فُتَّني يا أحمد، يعضُّ أنامله ندماً وحسرة كيف لم يُغوِ الإمام أحمد! فيقول له أحمد: بعدُ، بعدُ، أي: إلى الآن ما خرجت الرُّوح، فما دامت الرُّوح في البدن فكلُّ شيء وارد ومحتمل، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران/8، في هذه الحال فتنة عظيمة جدّاً، ولهذا نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال: " مِن فِتنة المحيا والممات ".
فالحاصل: أنَّ فتنة الممات فيها تفسيران:
التفسير الأول: الفتنة التي تكون عند الموت.
والثاني: التي تكون بعد الموت، وهي سؤال الملكين الإنسان عن رَبِّه ودينه ونبيِّه.
ولا مانع بأن نقول: إنَّها تشمَلُ الأمرين جميعاً، ويكون قد نصَّ على الفتنة التي قبل الموت وعند الموت؛ لأنَّها أعظم فتنة تَرِدُ على الإنسان، وذكر ما يُخشى منها من سوء الخاتمة إذا لم يُجِرِ اللَّهُ العبد من هذه الفتنة.
وعلى هذا ينبغي للمتعوِّذ مِن فِتنة الممات أن يستحضر كلتا الحالتين.
" الشرح الممتع " (3 / 185 – 188) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1267)
هل هناك فرق بين النصارى العرب والنصارى من غير العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق بين المسيحي العربي وغير العربي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا فرق بين المسيحي العربي وغير العربي.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 252(1/1268)
زواج المسلم من غير مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[قررت امرأة غير مسلمة الزواج من شاب مسلم بعد أن أحبته، ليس لديها مانع من أن تسلم، هل يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأة غير مسلمة من آسيا؟
كلاهما يحب الآخر كثيراً ولا يستطيعان العيش بعيدين عن بعضهما، ما الذي يجب فعله؟ كيف ومتى يمكن أن تسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نوجه عبر هذا الموقع رسالة إلى هذه المرأة – غير المسلمة – وغيرها بأن الحياة الحقيقية والسعادة القلبية والطمأنينة لا تحصل لأحد إلا إذا آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، فالكون كله مخلوق، وخالقه هو الله، فهو الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض وجعل فيها الوتد وأجرى البحر والنهر (آلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف / 54، فإذا تبين ذلك فليُعلم بأن الله قد أرسل رسلاً إلى عباده، ليدلوهم ويعلموهم ويهدوهم إلى طريق النجاة (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) البقرة / 150، وختم رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين) الأحزاب / 40، فأرسله الله بدين الإسلام الذي لا يُقبل من أحد ديناً سواه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران / 85
ثانياً:
وأما متى وكيف تسلم:
فالأمر يسير جداً، فما عليها إلا أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
فإذا قالت ذلك صارت مسلمة، وعليها أن تبادر بذلك فإن الموت يأتي بغتة، والإنسان لا يدري هل يعيش إلى الغد أم لا؟
ونرحب بها أختاً لنا في الله، ونسأل الله أن يلهمها رشدها ويوفقها لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.
ثالثاً:
الذي ورد في السؤال أن المرأة " غير مسلمة " وهذا اللفظ محتمل لأن تكون كتابية – يهودية أو نصرانية – ومحتمل لأن تكون غير ذلك – كأن تكون بوذية أو مجوسية أو شيوعية -، فإن كانت المرأة الراغبة بزواج المسلم كتابية: فلا مانع شرعاً من هذا الزواج إذا تحققت الشروط الشرعيَّة فيها مثل أن تكون محصنة عفيفة، وعلى الزوج المسلم أن يحرص على دخول زوجته في الإسلام لينقذها من الخلود في النار، وليحقق لنفسه وأولاده بيتاً قائماً على الإسلام.
وأما إن كانت المرأة الراغبة في الزواج من مسلم غير كتابية: فإنه لا يحل للمسلم الزواج منها.
قال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} البقرة / 221.
قال ابن كثير:
هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب، وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم، وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرد أهل الكتاب بالكلية والمعنى قريب من الأول والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (1 / 474) .
ومع القول بالجواز إلا أن الشرع المطهر رغَّب بالزواج من مسلمة ذات دين؛ لأن حياة المسلم مع زوجته حياة كاملة وشاملة ففيها العفاف وغض البصر وحفظ البيت والأولاد ورعايتهما وهذه الأشياء ومثيلاتها لا تتحقق إلا من امرأة متدينة.
وانظر جواب السؤال رقم (12283) – مهم -، وجواب السؤال رقم (20227) ففيه زيادة بيان وتوضيح لمفاسد الزواج من غير المسلمة، وفي جواب السؤال رقم (3320) بيان عدم جواز السماح لها بإقامة الأعياد في بيتها ولا خارجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1269)
موقف الإسلام من الديانات الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ ما هو رأي الإسلام في الناس من الديانات الأخرى؟ هل جميع الناس غير المسلمين يُعتبرون مذنبين لأنهم لا يتبعون الله والإسلام؟ هل يمكن لأي شخص غير مسلم بأن يدخل الجنة دون أن يتبع الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكم الإسلام في الديانات الأخرى أنها كلها إما موضوعة باطلة أو منسوخة.
فالموضوع الباطل منها: كعبادة العرب الأقدمين للأصنام والأحجار.
والمنسوخ من الديانات: هي ما كان عليه الأنبياء الذين سبقوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة لأن أصلها من عند الله ولكن جاء الإسلام فحل محلها، لا في أصل المعتقد كمعرفة الله أو الملائكة والجنة والنار، فهذا متفق عليه بين الرسل أجمعين، ولكن الاختلاف بينهم في طرق العبادات والتقرب إلى الله تعالى من صلاة وصيام وحج وزكاة وغير ذلك , وإن كان أتباع الأنبياء قد وقع في المتأخرين منهم التحريف في الاعتقاد والوقوع في الشرك ما جاء الإسلام بتبيينه وإرجاع الناس إلى العقيدة الصحيحة التي جاء بها الأنبياء السابقون.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتُها من أخ لي من " بني زريق " فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد – الذي أُري الأذان – أَمَسَخَ الله عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين) رواه أحمد/15437.
وقال ابن حجر:
.. جميع طرق هذا الحديث، وهي إن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً. (فتح الباري 13/525) .
والدليل على ذلك قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران/85.
قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:
يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام ليدين به: فلن يقبل الله منه، " وهو في الآخرة من الخاسرين "، يقول: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عز وجل. (تفسير الطبري 3/339) .
والإسلام لا ينظر إليهم على أنهم مذنبون فحسب بل على أنهم كافرون مخلدون في نار جهنم كما سبق في الآية السابقة.
هو خاسر في جهنم لا يخرج منها، ولا يمكن للكافر أن يدخل الجنة إلا أن يسلم، قال الله تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) الأعراف/40.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، ونسأل الله تعالى أن يهدي الباحث عن الحق من أتباع الديانات الأخرى على أن يمعن النظر في دين الإسلام وكتابه القرآن عسى الله أن يهديه ويشرح صدره للدخول فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1270)
من هم اليهود والنصارى الذين يدخلون الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (وبين أن من لم يؤمن من اليهود والنصارى بالإسلام فلن يدخل الجنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الآية التي أشرت إليها في سؤالك مذكورة في موضعين متشابهين من كتاب الله، فالأول هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) سورة البقرة
والثاني هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة
وحتى نفهم المراد من الآيتين فهما صحيحا فلا بدّ أن نرجع إلى علماء التفسير، قال الإمام الكبير إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسير آية البقرة:
نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"..
فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا.
(وقوله تعالى) "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".. إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.. فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى.. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.
ثم قال رحمه الله في تفسير آية المائدة:
والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1271)
من ضلالات اليهود في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أين وقع الخطأ عند النصارى, فأين وقع الخطأ عند اليهود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن ما وقع فيه اليهود أعظم مما وقع فيه النصارى وإن كان كلاهما على خطأ وكفر وفي القرآن ذِكر لعدد من ضلالات اليهود الكفرية.
1. فمنهم طائفة يدعون أن لله ولدا كما قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة / 30] .
2. وقد وصفوا الله بالنقائص، وقتلوا أنبياء الله ورسله كما قال الله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة / 64] ، وقال تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران / 181] .
3. وقد حرفوا كلام الله وهي التوراة، قال الله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة / 13] ، وقال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة / 79] .
4. وقد استحقوا لعنة الله، وذلك بسبب ما ذكره الله عنهم بقوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة / 78] .
وأما افتراءهم على أنبيائهم فكثير ومن ذلك
1- نسبت اليهود الردة إلى نبي الله " سليمان " وأنه عبد الأصنام كما في " سفر الملوك " الإصحاح 11 / عدد 5.
2- نسبت اليهود إلى " لوط " عليه السلام شرب الخمر وأنه زنى بابنتيه كما في " سفر التكوين " الإصحاح 19 / العدد 30.
3- ونسبت اليهود السرقة إلى نبي الله " يعقوب " كما في " سفر التكوين " الإصحاح 31 / العدد 17.
4- ونسبت اليهود الزنى إلى نبي الله " داود " فوُلد له " سليمان " كما في " سفر صموئيل الثاني " الإصحاح 11 العدد / 11.
إلى غير ذلك قبحهم الله وأخزاهم.
وقد لعنهم الله ورسوله من أجل مخازيهم الكثيرة في عدد من المواضع في الكتاب والسنة ومن ذلك:
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89))
(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (47))
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ)
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60))
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64))
وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
وقال: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا. والحديثان في صحيح الإمام البخاري
وقد أحسن ابن القيم -رحمه الله -في وصفهم إذ يقول:
فالأمة الغضبية هم: اليهود أهل الكذب، والبهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت وهو الربا والرشا، أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا لمن وافقهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشهم، وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم -: ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم لعنة، ولقاؤهم طيرة، شعارهم: الغضب، ودثارهم: المقت.
" هداية الحيارى " (ص 8) .
وهذا غيض من فيض ومن يبحث يجد الكثير من مخازيهم وأنواع كفرهم وانحلالهم نسأل الله أن يكبتهم ويخزيهم ويذلّهم ويهزمهم وينصر المسلمين عليهم عاجلا غير آجل وصلى الله على نبينا محمد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1272)
قول اليهود عزير ابن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أي شيء تشير سورة التوبة /30 وقالت اليهود عزير ابن الله …) نرجو الإفادة بالمصادر حتى العربية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما أمر الله تعالى بقتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذلك في قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) .
ذكر بعد ذلك ما يوجب قتالهم، وهو كفرهم بالله وشركهم، ومن ذلك تنقصهم لله بنسبة الولد إليه، وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. فاليهود قالت عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله. وعزير رجل صالح من بني اسرائيل، معظَّم عند اليهود، قيل من أسباب تعظيمه أنه حفظ التوراة، فغلت اليهود أو بعضهم فيه، فزعموا أنه ابن الله فذمهم الله لذلك وأخبرهم أنهم يضاهئون بهذا القول قول المشركين الذين قالوا الملائكة بنات الله. وكذلك النصارى تنقصوا الله حيث قالوا المسيح ابن الله فشابهوا بذلك اليهود والمشركين. قال تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) .
راجع تفسير ابن كثير، الجزء الثاني في تفسير سورة التوبة. وتفسير ابن جرير وتفسير القرطبي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/1273)
صحة حديث قتال اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح " أنه سيأتي يوم ينتصر فيه المسلمون على اليهود، حتى الحجر الذي يختفي فيه يهودي يتكلم وينادي بأنه تحتي يهودي فاقتله "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " (رواه البخاري برقم 3593) ، وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل الدجال بهذه السبخة بمر قناة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته يوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه ثم يسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى إن اليهودي ليختبئ تحت شجرة أو حجر فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم هذا يهودي تحتي فاقتله " رواه أحمد في مسنده وكذا رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المسيح الدجال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/91(1/1274)
حكم النظر في كتب أهل الكتاب، ومحاورتهم عبر الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[خوفي من الأفكار الخاطئة التي يبثها بعض المسيحيين من خلال الانترنت، فهم يرسلون رسائل يدعون فيها المسلمين إلى المسيحية عن طريق القصص الملفقة، أريد أن أعرف بماذا يجب أن نرد عليهم فيما يتعلق بالأكسندر الأعظم الذي يزعمون أنه توفي عن 33 سنة بينما في القرآن ثابت أنه توفي في سن الكهولة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز قراءة ما يبثه النصارى من شبهات عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل، ولا الدخول معهم في شيء من الحوارات والمناقشات الدينية إلا لمن كان أهلا لذلك، ممن لديه العلم والحجة والمعرفة بطرق المحاجة والمناظرة، وقد جزم جمع من أهل العلم بتحريم النظر في شيء من كتب أهل الكتاب إلا للراسخين في العلم؛ لأننا مأمورون ألا نصدقهم وألا نكذبهم فيما يحكونه من أخبار لا وجود لها في شريعتنا، والعامي لا يؤمن عليه أن يصدق بما هو باطل أو يكذب بما هو حق، ولأن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، وقد تستقر الشبهة في القلب، فيعسر إخراجها. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها) 3/311
فما جاءك من رسائل النصارى فبادر بالتخلص منها.
وأما ما ذكرت عن الاسكندر الأكبر فهي شبهة تدل على غباء النصارى وجهلهم، وجوابها من وجوه:
الأول:
أنه ليس في القرآن الكريم ذكر لعمر ذي القرنين (الإسكندر) ولا للعصر الذي عاش فيه.
الثاني:
أن ذي القرنين المذكور في القرآن ليس هو الاسكندر المقدوني اليوناني الذي بنى الإسكندرية، فهذا هو المتوفى عن 33 سنة، كما في كتب النصارى، وقد عاش قبل مولد المسيح عليه السلام ب 323 سنة.
أما ذو القرنين المذكور في القرآن فكان في زمن إبراهيم عليه السلام، ويقال إنه أسلم على يدي إبراهيم عليه السلام، وحج البيت ماشيا. وقد اختلف الناس فيه هل كان نبيا أم كان عبدا صالحا وملكاً عادلاً، مع اتفاقهم على أنه مسلم موحد طائع لله تعالى.
والصواب: هو التوقف في شأنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أدري أتبع نبيا كان أم لا، وما أدري ذا القرنين نبيا كان أم لا "
رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5524
الثالث:
أن الفرق بين هذا العبد الصالح، وبين الاسكندر المقدوني الكافر أمر معروف لدى علماء المسلمين، قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (1/493) :
(عن قتادة قال: اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام.
فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
الرابع:
أن النصارى ليس في كتابهم المقدس معلومات وافية عن الاسكندر الثاني، فضلا عن الأول، وغاية ما عندهم رؤيا لدانيال، زعموا أن فيها إشارة لحكم هذا الاسكندر الكافر وانقسام مملكته من بعده.
الخامس:
أنه لو فرض وجود اختلاف بين القرآن وكتابهم حول شخصية أو حدث، فأي غرابة في هذا؟ ّ!
وما أكثر هذه الاختلافات، لاسيما حول قصص أنبياء الله كإبراهيم ونوح ولوط وموسى وداود وعيسى عليهم السلام. فالنصارى لا يملكون سندا متصلا لهذه الكتب التي يؤمنون بها، ولا معرفة بحال الذين قاموا بترجمتها، مع اشتمالها على عشرات المواضع المتناقضة والمختلفة التي ينتفي معها دعوى العصمة وأنها كتبت بالإلهام من الروح القدس، وحسبك باختلافهم في نسب عيسى عليه السلام!
فكيف يجعل ما في هذه الكتب المحرفة حكما على القرآن العظيم، المحفوظ بحفظ الله تعالى؟!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1275)
بعض طائفة المورمون يزورونه ويشككونه بدينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعيش في أمريكا وفي المدرسة تهان عقيدتي من النصارى حتى أن بعض النصارى جاءوا إلي لدعوتي إلى النصرانية وهم من طائفة المورمون. فهل هم نصارى أم طائفة أقل؟ هم يقولون: أنه لو كان الإسلام هكذا لفند كتابهم. كيف أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها الأخ الفاضل يجب أن تعلم علم اليقين بأن دين الإسلام هو الدين الحق المرضي لله، الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وهو يقوم على عبادة الله وحده لا شريك له ومتابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وإذا استقر هذا الاعتقاد في قلب المسلم، فإنه لا يهمه اعتراض المعارضين، واستهزاء المستهزئين، بل يدعو إلى الله ويعمل بدين الله، ويقول إنني من المسلمين. كما قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) . وقال تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين، الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) .
والنصارى من هؤلاء المشركين لأنهم يعبدون المسيح وأمه، ويعبدون الصليب فلا تبال بهم، ولا باستهزائهم، بل أعرض عنهم ولا تدخل في جدل معهم لئلا يشوشوا عليك بشبهاتهم. وإذا أمكنك التحول من هذه المدرسة إلى مدرسة أخرى لا تتعرض فيها للأذى فافعل.
وطائفة المورمون يظهر أنها من النصارى بدليل ذكرهم لكتابهم وهو الإنجيل، وقولهم: لو كان الإسلام هكذا، يعنون أنه ضد دينهم لفنّد كتابهم، هذا جهل أو تلبيس منهم، فالإسلام لم يفنّد الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، بل القرآن مصدق له ولما قبله من الكتب، ولكن الإسلام يفند دين النصارى الذين اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله كما يفند الإسلام الأناجيل المحرفة التي في أيدي النصارى، قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والإنجيل: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب) . يعني أن القرآن مصدق لما قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل وهؤلاء النصارى المشركون قد تبرأ المسيح منهم في الدين، ويتبرء منهم يوم القيامة كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) . وقال تعالى: (وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ... إلى قوله ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيءٍ شهيد) .
نسأل الله أن يثبتك على الإسلام وأن يكفيك شرَّ الأشرار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك(1/1276)
التثليث عند النصارى هل له وجود في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في النصرانية يستخدمون كلمة " التثليث " على أنها الركن الأساس لذلك الدين، فهل ورد ذكر لذلك الاعتقاد في القرآن؟ وإذا كان ذلك اعتقاداً صحيحاً، أفلا يندرج ذلك تحت مقدمات الشرك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم ورد ذكر لهذا الاعتقاد في القرآن الكريم، ولكنه ورد ببطلانه والمنادة على صاحبه بالكفر والشرك، قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة / 17، وقال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة / 31
وصار هذا من الأمور المنتشرة علمها بين المسلمين، ولذلك أجمعوا على كفر النصارى، بل أجمعوا على كفر من لم يكفرهم، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام المجمع عليها:
(من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر) . راجع السؤال رقم 31807
وإننا لنعجب من هذا السؤال والذي يظن صاحبه أن الشرك الذي عند النصارى له وجود في دين المسلمين، ولذلك فإننا ننصح السائل بالقراءة في كتب العقائد والتي تبين التوحيد ومعناه وأحكامه، وتبين أيضاً الشرك وأنواعه، وسماع الأشرطة المفيدة في ذلك، فإن هذا من أوجب الواجبات على العبد، وهذا التثليث الذي يعتقده النصارى ليس من مقدمات الشرك، بل هو الشرك بعينه، والتثليث الذي اخترعه النصارى المتأخرون لا يستدل عليه بشيء من العقل والفطرة ولا بشيء من الكتب الإلهية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى.
قال ابن القيم:
وهذا شأن جميع أهل الضلال مع رؤسائهم ومتبوعيهم، فجهَّال النصارى إذا ناظرهم الموحِّد في تثليثهم وتناقضه وتكاذبه قالوا: الجواب على القسيس، والقسيس يقول: الجواب على المطران، والمطران يحيل الجواب على البترك، والبترك على الأسقف، والأسقف على الباب، والباب على الثلاثمائة والثمانية عشر أصحاب المجْمَع الذي اجتمعوا في عهد " قسطنطين "، ووضعوا للنصارى هذا التثليث والشرك المناقض للعقول والأديان ...
" مفتاح دار السعادة " (2 / 148) .
ومن حيث اللفظ فإنه لم يأت في القرآن ولا في السنة، بل جاء لفظ " التثليث " في كلام العلماء عند كلامهم على التثليث في " الاستجمار بالحجارة، الوضوء، الغسل، غسل الميت، التسبيح في الركوع والسجود، الاستئذان للدخول للبيت، وغير ذلك.
والمعنى في كل ما سبق إنما هو فعل الأمر ثلاث مرات، ولا علاقة له بتثليث النصارى، والذي بيَّن الله تعالى أنه قولهم وأمرهم بتوحيده تعالى والاعتقاد بعيسى أنه رسول وليس بإله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} ، فذكر سبحانه في هذه الآية " التثليث والاتحاد "، ونهاهم عنهما وبيَّن أن المسيح إنما هو {رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} ، وقال: {فآمنوا بالله ورسله} ، ثم قال: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} .
" الجواب الصحيح " (2 / 15) .
وقد ظن بعض النصارى – لجهلهم – أن ضمير الجمع الدال على التعظيم في نحو قوله تعالى: (إنا فتحنا لك) ، (إنا أنزلناه) أنه يدل على عقيدتهم الفاسدة عقيدة التثليث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومذهب سلف الأمَّة وأئمَّتها وخلفها: أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل، وأما قوله {نتلوا} و {نقص} {فإذا قرأناه} : فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه، فإذا فعل أعوانه فعلاً بأمره قال: نحن فعلنا، كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد، وهزمنا هذا الجيش، ونحو ذلك؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه، والله تعالى رب الملائكة وهم لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم، وهو غني عنهم، وليس هو كالملِك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها عنه، فكان قوله لِما فعله بملائكته: نحن فعلنا: أحق وأولى من قول بعض الملوك.
وهذا اللفظ هو من " المتشابه " الذي ذكر أن النصارى احتجوا به على النبي صلى الله عليه وسلم على التثليث لمَّا وجدوا في القرآن {إنا فتحنا لك} ونحو ذلك، فذمَّهم الله حيث تركوا المحكَم من القرآن أن الإله واحد، وتمسكوا بالمتشابه الذي يحتمل الواحد الذي معه نظيره، والذي معه أعوانه الذين هم عبيده وخلقه، واتبعوا المتشابه يبتغون بذلك الفتنة، وهي فتنة القلوب بتوهم آلهة متعددة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.
" مجموع الفتاوى " (5 / 233، 234) .
وللمزيد عن هذا الموضوع راجع سؤال رقم 606.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1277)
أقسام الديانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع الأديان الموجودة في العالم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تنقسم البشرية بحسب أديانها إلى قسمين:
قسم له كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى والمسلمين , فاليهود والنصارى بسبب عدم عملهم بما ورد في كتبهم , وبسبب اتخاذهم البشر أرباباً من دون الله , وبسبب تطاول العهد.. فُقدت كتبهم التي أنزلها الله على أنبيائهم؛ فكتب الأحبار لهم كتباً زعموا أنها من عند الله , وما هي من عند الله , إنما هي انتحال المبطلين وتحريف الغالين.
أما كتاب المسلمين (القرآن العظيم) فهو آخر الكتب الإلهية عهداً , وأوثقهم عقداً وتكفل الله بحفظه؛ ولم يكل ذلك إلى البشر قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذّكر وإنَّا له حافظون) سورة الحجر/9 , فهو محفوظ في الصدور والسطور؛ لأنه الكتاب الأخير الذي ضمنه الله الهدى لهذه البشرية , وجعله حجة عليهم إلى قيام الساعة , وكتب له البقاء , وهيأ له في كل زمان من يقيمون حدوده وحروفه , ويعملون بشريعته ويؤمون به , وسيأتي مزيد من التفصيل عن هذا الكتاب العظيم في فقرة قادمة – انظر: ص: 113. 119 ـ 143. 137 من هذا الكتاب -.
وقسم ليس لهم كتاب منزل من عند الله , وإن كان لديهم كتاب متوارث منسوب إلى صاحب ديانتهم كالهندوس والمجوس والبوذيين والكنفوشيسيين وكالعرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
وما من أمة إلا ولها علم وعمل بحسب ما تقوم به مصالح دنياهم , وهذا من الهداية العامة التي جعلها الله لكل إنسان , بل لكل حيوان , كما يهدي الحيوان إلى جلب ما ينفعه من الأكل والشرب , ودفع ما يضره , وقد خلق الله فيه حباً لهذا , وبغضاً لهذا , قال تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى – الذي خلق فسوى – والذي قدر فهدى) سورة الأعلى/1–3 , وقال موسى عليه السلام لفرعون: (ربنا الذي أعطى كل شيئاً خلقه ثم هدى) سورة طه/50 , وقال الخليل عليه السلام: (الذي خلقني فهو يهدين) سورة الشعراء/87 , وانظر: الجواب الصحيح فيمن بدل دين المسيح , ج 4 , ص: 97.
ومن المعلوم لكل عاقل – له أدنى نظر وتأمل – أن أهل الملل أكمل في العلوم النافعة , والأعمال الصالحة , ممن ليسوا من أهل الملل , فما من خير يوجد عند غير المسلمين من أهل الملل إلا وعند المسلمين ما هو أكمل منه وعند أهل الأديان ما لا يوجد عند غيرهم؛ وذلك أن العلوم والأعمال نوعان:
النوع الأول: يحصل بالعقل كعلم الحساب والطب والصناعة , فهذه الأمور عند أهلل الملل كما هي عند غيرهم , بل هم فيها أكمل , أما ما لا يعلم بمجرد العقل كالعلوم الإلهية , وعلوم الديانات فهذه مختصة بأهل الأديان , وهذه منها ما يمكن أن يقام عليه أدلة عقلية , والرسل هدوا الخلق وأرشدوهم إلى دلالة العقول عليها فهي عقلية شرعية.
النوع الثاني: ما لا يعلم إلا بخبر الرسل – فهذا لا سبيل إلى تحصيله من طريق العقول – كالخبر عن الله وأسمائه وصفاته وما في الدار الآخرة من النعيم لمن أطاعه , والعذاب لمن عصاه , وبيان شرعه , وخبر الأنبياء السابقين مع أممهم وغير ذلك – انظر: مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية , ج4 , ص: 210 – 211.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.(1/1278)
هل الإسلام كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان هناك دين اسمه الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لتعلم يا أخي أن الإسلام يطلق على معنيين:
معنى عام، ومعنى خاص.
أما الإسلام بالمعنى العام فهو الاستسلام لله وحده، وذلك يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده.
فكل من آمن بالله تعالى ووحَّدَه وعبده بشريعة صحيحة غير منسوخة فهو مسلم.
قال شيخ الإسلام في "التدمرية" (ص: 168-170) :
" وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، قال تعالى عن نوح:
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ* فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا
سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس /71-72. وقال عن إبراهيم: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة /130-132. وقال عن موسى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس /84. وقال في خبر المسيح: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) المائدة/111. وقال فيمن تقدم من الأنبياء: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) المائدة/44. وقال عن بلقيس أنها قالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل/44. . .
وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت، فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة، ثم أمر ثانياً باستقبال الكعبة، كان كل من الفعلين حين أمر به داخلاً في دين الإسلام، فالدين هو الطاعة والعبادة له في الفعلين، وإنما تنوع بعض صور الفعل وهو وجهة المصليِّ، فكذلك الرسل دينهم واحد، وإن تنوعت الشرعة " اهـ باختصار.
وبهذا المعنى العام للإسلام يصح أن يقال: كان هناك دين اسمه الإسلام قبل بعثة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فجميع الأنبياء المرسلين مسلمون، وأتباعهم على دينهم الصحيح قبل أن يحرف أن ينسخ هم مسلمون.
وكان قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجد أفراد قليلون من النصارى على الدين الصحيح الذي بعث الله به عيسى عليه السلام. ويدل لذلك ما رواه مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. . . الحديث) .
قال النووي رحمه الله:
" الْمَقْت: أَشَدّ الْبُغْض , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْمَقْت وَالنَّظَر مَا قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَاد بِبَقَايَا أَهْل الْكِتَاب الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّك بِدِينِهِمْ الْحَقّ مِنْ غَيْر تَبْدِيل " اهـ. وأما الإسلام بالمعنى الخاص فهو الدين الذي بعث الله به رسوله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبهذا المعنى الخاص للإسلام لا يصح أن يقال كان هناك دين اسمه الإسلام قبل بعثة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال شيخ الإسلام في "التدمرية" (ص 173-174) :
" وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟
وهو نزاع لفظي، فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا، وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً من الأنبياء فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء " اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1279)
الفروق بين النصرانية والإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العوامل التي توسع الفارق بين المسلمين والنصارى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العوامل التي توسِّع الفارق بين المسلمين والنصارى كثيرة وعظيمة، والخلاف العقدي الذي بيننا وبينهم لا يسمح بالتقارب إلا أن يتركوا ما هم فيه من كفر وضلال، ويلتحق بركب الموحدين لرب وإله واحد، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والاعتقاد ببشرية عيسى عليه السلام.
وهذه أبرز الانحرافات في دينهم والتي توسع الفارق بيننا نحن المسلمين وبينهم.
1. اعتقاد النصارى أن المسيح ابن الله.
2. اعتقاد النصارى أن المسيح عليه السلام إله مع الله، بل هو الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس عندهم.
3. اعتقاد أن اللاهوت حلّ في الناسوت.
4. اعتقاد أن الله يتكون من ثلاثة أقانيم وهو ما يعرف بـ "عقيدة الثليث ".
5. اعتقاد النصارى أن المسيح عليه السلام صلبته اليهود بأمر بيلاطس النبطي وتوفي على الصليب.
6. اعتقاد النصارى أن المسيح مات مصلوباً فداءاً للبشرية وكفارة للخطيئة الموروثة.
7. موقف النصارى من اليهود الذين يكذبون عيسى عليه السلام، ويزعمون أنهم صلبوه وقتلوه، ويتهمون أمه " مريم " بالزنى – وهي المبرأة من ذلك -، ومع هذا فإن موقف النصارى منهم اليوم موقف النصرة والولاء، وموقفهم من المسلمين الذين يعظمون عيسى عليه السلام وأمه موقف العداء والبراء.
8. تحريفهم لكتاب الله تعالى الإنجيل، سواء تحريف اللفظ بالتغيير أو الزيادة أو تحريف المعنى، وفي ذلك من نسبة السوء والشر لله تعالى ولدينه ما فيه.
9. عقيدة الخلاص، وهي اعتقادهم أن الله أرسل ابنه الوحيد ليخلص الناس من إثم ارتكبه أبو البشرية عليه السلام فعجز الله عن مغفرة ذنبه فأرسل ابنه الوحيد الذي لا ذنب له ليضحي بنفسه من أجل زوال الخطيئة.
وهذا انتقاص لرب العالمين وتكذيب للحقائق من توبة آدم عليه السلام وتنجية الله تعالى للمسيح عليه السلام من القتل.
10. كفرهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنه منصوص عليه في العهدين الجديد والقديم.
11. إيمانهم بصحة التوراة المحرفة التي بين أيديهم اليوم، وفيها من سب الله تعالى ووصفه بالنقائص وسب الأنبياء والمرسلين ما يتعاظم المرء أن يتكلم به، لكننا نذكره ليُعلم شناعة ما هم عليه من الكفر.
فيصفون الله تعالى أنه بكى ندماً على الطوفان الذي أغرق قوم نوح حتى رمد وعادته الملائكة تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً.
ويصفون لوطاً عليه السلام بأنه زنى بأبنيته، ونوحاً بأنه شرب الخمر حتى ثمل وبدت عورته، ومخازيهم أكثر من ذلك.
انظر " هداية الحيارى في أوبة اليهود والنصارى " لابن القيم، و " نقض النصرانية " للدكتور محمد بن عبد الله السحيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1280)
الإسلام والغرب بين القوة والضعف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنظر إلى مآسي المسلمين في كل مكان، وأريد أن أعرف ما الفرق بين الحياة الإسلامية وحياة الغنى والتقدم والقوة في الغرب؟ وأحكام المرأة في المجتمعين، أسأل لأني أحزن لحال المسلمين في تلك البلاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما يحصل للمسلمين من مآسٍ وآلام إنما هو بسبب تركهم لشرع الله تعالى في أنفسهم ومجتمعاتهم ودولهم، فهم لم ينصروا الله تعالى فكيف سينصرهم؟ .
وعندما عصى بعض المسلمين النبيَّ صلى الله عليه وسلم في " غزوة أُحد " عاقبهم الله تعالى بالهزيمة، وقد كان بينهم النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه، فكيف يكون حال المسلمين الآن وهم يعصون الله تعالى ليل نهار، وينتهكون حرماته، إلا من رحم الله.
ثانياً:
ومع ما يعيشه المسلمون من مآسٍ ويقاسونه من آلام فإن ما عند الغرب في مجتمعاتهم وأحوال أنفسهم أكثر وأشد، من حيث الإيمان والأمن والأسرة، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة.
وإذا نظر الإنسان إلى إحصائيات حديثة في بلاد الغرب يجد أنهم هم أحق بالشفقة والعطف على ما وصلت إليهم أحوالهم، ولنأخذ على ذلك أمثلة:
65 % من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن في بعض الدول الأوربية.
18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن.
أكثر من نصف النساء المغتصبات تحت سن الـ 17 سنة.
" إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 140) .
وفي إحصائية جرت في كندا عن طريق الهاتف في الفترة ما بين فبراير إلى يونيو 1993 على: 12.300 امرأة في أنحاء كندا:
نصف نساء كندا تعرضن إلى حادثة عنف (جنحة إجرامية) على الأقل جسدي أو جنسي بعد السن 16 عام
45% تعرضن للاعتداء من (رجال) معروفين لديهن.
23% منهن تعرضن لاعتداء من غرباء.
23% من المشادات بين الأزواج تم فيها استخدام السلاح.
" إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 141) .
في أمريكا:
مليون طفل يولدون سنويا من السفاح.
12 مليون طفل مشرد في ظروف غير صحية.
مليون حالة إجهاض سنويا في أمريكا.
في بريطانيا: 25 مليون معاكسة هاتفية سجلت في عام واحد.
40 مليون طفل مشرد في أمريكا اللاتينية.
أباح القانون في السويد زواج الأشقاء.
" إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 150) .
ثالثاً:
وإننا لنشكر لك غيرتك على دين الله تعالى، وعلى المسلمين، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1281)
بيع المحرم والمشكوك في تحريمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اعرف أن بيع الأشياء المحرمة لا يجوز، فإذا كان لدي دكان وأبيع فيه أنواع الشوربة ومعجون الأسنان …الخ وبعض هذه الأشياء تحوي في مكوناتها على أشياء محرمة أو فيها شك، فهل بيعي لها يعتبر معصية؟ وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيعها لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ. " رواه الإمام أحمد 2546، أما المشكوك فيه فالأولى تركه إبراءً للذمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.. رواه مسلم 2996. والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1282)
تحديد المفصلّ من القرآن وطواله وقصاره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المفصل من القران الكريم؟ ومن سماه هكذا؟ ولماذا سمي به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المفصّل هو سور القرآن القصيرة التي كثر الفصل بينها بالبسملة، سمي مفصلا لكثرة فواصله.
وقد اختلف في تحديده هل يبدأ من سورة ق أو من الحجرات، واختلف كذلك في طواله وأوساطه وقصاره على أقوال:
جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/ 48) : " اختلفوا في المفصل: فذهب الحنفية إلى أن طوال المفصل من (الحجرات) إلى (البروج) , والأوساط منها إلى (لم يكن) , والقصار منها إلى آخر القرآن.
وعند المالكية: طوال المفصل من (الحجرات) إلى (النازعات) , وأوساطه من (عبس) إلى (الضحى) , وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن. وقال الشافعية: طوال المفصل كالحجرات واقتربت والرحمن , وأوساطه كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى , وقصاره كالعصر وقل هو الله أحد.
وذهب الحنابلة إلى أن أول المفصل سورة ق؛ لحديث أوس بن حذيفة قال: " سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس , وسبع , وتسع , وإحدى عشرة , وثلاث عشرة , وحزب المفصل وحده " [رواه أبو داود (1395) وابن ماجه (1345) وحسنه إسناده ابن كثير في فضائل القرآن (83) ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود] . قالوا: وهذا يقتضي أن أول المفصل السورة التاسعة والأربعون من أول البقرة لا من الفاتحة. وآخر طواله سورة عم , وأوساطه منها للضحى , وقصاره منها لآخر القرآن " انتهى.
وينظر: "فتح الباري" (2/249) ، الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/180) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أول المفصل من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح " انتهى، باختصار يسير من "فتح الباري" (2/259) ، وينظر أيضا: "فتح الباري" (9/43) .
ثانيا:
وأما أول تسمية ذلك بالمفصل: فقد كان هذا الاسم معلوما شائعا بين الصحابة، وردت به أحاديث كثيرة منوعة عن عدد من الصحابة.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ؟
فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟! لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ؛ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
رواه البخاري (775) ومسلم (822) .
والأحاديث التي ذكر فيها التسمية بالمفصل كثيرة جدا، ومتنوعة، في الصحيحين وغيرهما، مما يرجح أن التسمية بذلك توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ) ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو ـ راوي الحديث ـ: لَا أَحْفَظُهُمَا.
رواه البخاري (701) ومسلم (465) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/1)
تشغيل القران في السيارة من سماعات بجانب الأرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال عن حكم تشغيل القران في السيارة، علما بأن مخارج الصوت بجانب الأرجل مباشرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستماع إلى القرآن الكريم في السيارة عمل صالح، وقربة نافعة، ووجود السماعات بجانب الأرجل مباشرة بحيث يسمع صوت القرآن من أسفل أمر لا يليق، فينبغي الاقتصار على السماعات الخلفية إن وجدت، أو العمل على تغيير موضع السماعات.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " في بعض السيارات تكون سماعات المسجل محاذية للأقدام، وقد توضع الأقدام والحذاء على السماعة.
والسؤال هو: عندما يشغل القرآن فهل يكون في هذا امتهان لكتاب الله تعالى؟ وهل يقاس هذا الفعل على فتواكم على من يمد أقدامه أمام كتاب الله تعالى، نرجو التوجيه والله يحفظكم؟
فأجاب: إذا كانت السماعات كما ذكر تحت الأقدام، أو عند حذاء الأقدام، فإنه لا يفتحه على القرآن الكريم؛ لأن كون القرآن الكريم يسمع من تحت قدم الإنسان لا شك أن فيه إهانة للقرآن، وإذا كان الإنسان لا بد أن يستمع إلى القرآن فليرفع السماعة عن محاذاة الأقدام " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (57/ 13) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/2)
ما هو الترجيع في قراءة القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في " زاد المعاد " عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن أنه كان يُرَجِّع. فما هو الترجيع؟ وهل نفعل الترجيع عند تلاوتنا للقرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد في ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم عند التلاوة هو ما يرويه عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه فيقول:
(رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ - قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ. وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآ آثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه البخاري (7540)
والمقصود بالترجيع ههنا هو تحسين الصوت والتغني بالقرآن الكريم عند الإتيان بالمدود، من خلال ترديد الصوت بالحلق وإشباع المد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق.
وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله: (أاأ) بهمزة مفتوحة، بعدها ألف ساكنة، ثم همزة أخرى.
ثم قالوا: يحتمل أمرين:
أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة.
والآخر: أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك.
وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرقه: (لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن) أي: النغم.
وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع:
فأخرج الترمذي في " الشمائل " والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ: كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن.
والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل:
فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق، عن علقمة قال: بِتُّ مع عبد الله بن مسعود في داره، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله، ويرتل ولا يرجع.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة:
معنى الترجيع: تحسين التلاوة، لا ترجيع الغناء؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة " انتهى.
" فتح الباري " (9/92)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" إذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله: (زينوا القرآن بأصواتكم) ، وقوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ، وقوله: (ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقران) ، علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا، لا اضطرارا لهز الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة، لما كان داخلا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به، وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته، ثم يقول كان يرجع في قراءته، فنسب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا " انتهى.
" زاد المعاد " (1/483-484)
وقال ابن بطال رحمه الله:
" ومعنى حديث ابن مغفل في هذا الباب التنبيه على أن القرآن أيضا رواية النبي رواية النبي عن ربه.
وفيه من الفقه: إجازة قراءة القرآن بالترجيع والألحان الملذة للقلوب، بحسن الصوت ... ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبالغ في تزيين قراءته لسورة الفتح التي كان وعده الله فيها بفتح مكة، فأنجزه له؛ ليستميل قلوب المشركين العتاة على الله لفهم ما يتلوه من إنجاز وعد الله له فيهم، بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت المرجَّع فيه بنغم ثلاث، في المدة الفارغة من التفصيل.
وقول معاوية: (لولا أن يجتمع الناس إلي لرجعت كما رجَّع ابن مغفل، يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم) يدل أن القراءة بالترجيع والألحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والتفهم، ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المفهومة منه " انتهى.
" شرح صحيح البخاري " (10/537-538)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/3)
حكم التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم حرجاً في ذلك، فلا نعلم حرجاً في أن يتكلم المسلم وهو يقرأ القرآن، لكن كونه يستمر في قراءته ولا ينشغل بالكلام أولى، حتى يحضر بقلبه للتدبر والتعقل، فهذا أفضل إذا لم تدع الحاجة إلى الكلام.
أما إذا دعت الحاجة إلى الكلام فلا حرج إن شاء الله أن يتكلم ثم يرجع إلى قراءته، مثل أن يرد السلام على من سلم عليه، مثل أن يجيب المؤذن إذا سمع الأذان وينصت له؛ لأن هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها، فإذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤذن ثم عاد إلى قراءته، وهذا هو الأفضل.
كذا إذا سلم عليه إنسان فيرد عليه السلام، أو سمع عاطساً حمد الله يشمته، أو جاءه إنسان يسأله حاجة فيعطيه، فكل هذا لا بأس به.
أما إذا كان كلاماً ليس له حاجة فالأولى له تركه حتى يشتغل بالقراءة وحتى يتدبر ويتعقل؛ لأن هذا هو المطلوب، فالله سبحانه وتعالى يقول: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، ومعلوم أن الكلام الذي ليس له حاجة يكون فيه شغل للقلب، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر، فالأولى تركه" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/335)(3/4)
هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(3/5)
أيهما أفضل قراءة القرآن أم استماعه عبر الأشرطة المسجلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل قراءة القرآن أم الاستماع إلى أحد القراء عبر الأشرطة المسجلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل من قراءة القرآن أو استماعه عمل صالح، يثاب عليه المسلم.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يحب أن يستمع القرآن من غيره،
روى البخاري (4582) (5049) ومسلم (800) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ. قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ! قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) قَالَ: لِي كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ) . ولمسلم: (فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ) .
فـ"الأفضل أن يعمل بما هو أصلح لقلبه، وأكثر تأثيراً فيه من القراءة أو الاستماع، لأن المقصود من القراءة هو التدبر والفهم للمعنى والعمل بما يدل عليه كتاب الله عز وجل، كما قال الله سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، وقال عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/9، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/364)(3/6)
هل يجوز قراءة القرآن بدون فهم معناه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة القرآن دون فهم معانيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجوز أن يقرأ المؤمن والمؤمنة القرآن وإن لم يفهم المعنى، لكن يشرع له التدبر والتعقل حتى يفهم، ويراجع كتب التفسير إذا كان له فهم يستطيع به المراجعة، يراجع كتب التفسير وكتب اللغة العربية حتى يستفيد من ذلك، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، والمقصود أنه يتدبر، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29.
فالمؤمن يتدبر، يعني: يعتني بالقراءة ويفكر في معناها، ويتعقل معناها وبهذا يستفيد، وإن لم يستفد المعنى كاملاً فقد يستفيد معاني كثيرة، فيقرأ بتدبر وتعقل، والمرأة كذلك؛ حتى يستفيد من كلام ربه، وحتى يعرف مراده وحتى يعمل بذلك، والله سبحانه يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24.
فربنا عز وجل حثنا وحرضنا على التعقل والتدبر بكلامه سبحانه، فإذا قرأ المؤمن أو قرأت المؤمنة كتاب الله فمشروع لهما التدبر والتعقل والعناية بما يقرأ؛ حتى يستفيد من كلام الله وحتى يعقل كلام الله، وحتى يعمل بما عرف من كلام الله، ويستعين في ذلك بكتب التفسير التي ألفها العلماء مثل تفسير ابن كثير، وتفسير ابن جرير، وتفسير البغوي، وتفسير الشوكاني، وغيرها من التفاسير، ويستفيد من كتب اللغة العربية، وهكذا يسأل أهل العلم المعروفين عنده بالعلم والفضل، يسألهم عما قد يشكل عليه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/332) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/7)
هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى وضعت أسماء سور القرآن في زمن نزول الوحي، هل النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من قام بتسمية تلك السور في حياته، أم الصحابة من بعده عند جمعهم للقرآن في المصحف خلال فترة حكم عمر وعثمان رضي الله عنهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سَمَّى بعض سور القرآن، كالفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والكهف.
واختلف العلماء، هل أسماء سور القرآن الكريم كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم أن بعضها ثبت اجتهاداً عن الصحابة رضي الله عنهم؟
فذهب أكثر العلماء إلى أن أسماء سور القرآن كلها توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله:
"لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"جامع البيان" (1/100) .
وقال الزركشي رحمه الله:
"ينبغي البحث عن تعداد الأسامي: هل هو توقيفي، أو بما يظهر من المناسبات؟
فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِنُ أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها، وهو بعيد" انتهى.
"البرهان في علوم القرآن" (1/270) .
وقال السيوطي رحمه الله:
"وقد ثبتت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك" انتهى.
"الإتقان" (1/148) .
وقال الشيخ سليمان البجيرمي رحمه الله:
"أسماء السور بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن أسماء السور وترتيبها وترتيب الآيات كل من هذه الثلاثة بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم، أخبره جبريل عليه السلام بأنها هكذا في اللوح المحفوظ" انتهى باختصار.
"تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (2/163) .
وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وأما أسماء السور فقد جُعلت لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة" انتهى.
"التحرير والتنوير" (1/88) .
وهذا ما اختاره بعض المعاصرين الذين كتبوا في علوم القرآن، مثل الدكتور فهد الرومي في "دراسات في علوم القرآن" (ص/118) ، والدكتور إبراهيم الهويمل في بحث "المختصر في أسماء السور" في "مجلة جامعة الإمام" (ع30، ص135) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأن بعض أسماء سور القرآن الكريم كان بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لها، وبعضها كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16) :
"لا نعلم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم، كالبقرة، وآل عمران، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم" انتهى.
وهو الذي رجحته الدكتور منيرة الدوسري في رسالتها: "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/8)
سمة الآيات المكية مخاطبة جميع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[في كل موضع من القرآن يرد فيه كلمة عن " الحج " أو " مكة " أو " الكعبة " يكون المخاطبون هم الناس، حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقول: أيها الناس! ما السر الذي يربط مكة بالناس، ففي كل التكاليف والخطابات يكون المخاطبون هم المؤمنون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النداء في القرآن الكريم بـ (يا أيها الناس) ورد في عشرين موضعا في القرآن الكريم، اثنان منها في سورة البقرة، وأربعة في النساء، وواحد في الأعراف، وأربعة في يونس، وأربعة في الحج، وواحد في لقمان، وثلاثة في فاطر، وواحد في الحجرات.
والمتأمل في هذه الآيات جميعا يجد أنها تخاطب جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وفاسقهم، تدعوهم إلى التأمل فيما ينفعهم في آخرتهم، وتذكرهم بربوبية الله لهم، وفقرهم إليه سبحانه، كي يكون ذلك دافعا إلى عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، ولما كان المقصود من هذا الخطاب جميع الخلق، ولم يكن محصورا بفئة معينة، ناسب أن يكون بصيغة (يا أيها الناس) ، دون النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا) .
وليس لذلك علاقة بذكر الكعبة أو مكة أو الحج خاصة، بل إن معظم السور السابقة التي ورد فيها النداء بـ (يا أيها الناس) ليس فيها ذكر الكعبة أو مكة أو الحج مطلقا، فلا نرى أن هذا النداء قد خص عند ذكر الكعبة أو مكة دون سائر التكاليف الشرعية.
وقد ذكر بعض العلماء من الفروق بين السور المكية والسور المدنية، أن الخطاب بـ (ياأيها الناس) يكون في السور المكية، والخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) يكون في السور المدنية.
وهذا هو الغالب، فقد ورد في السور المكية كالبقرة والنساء الخطاب بـ (ياأيها الناس) ، وورد في بعض السور المكية كالحج الخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) .
ثانياً:
أما ما جاء في القرآن الكريم من اقتران خطاب عموم " الناس " عند ذكر الحج ومناسكه فلعل سببه هو أن أول ما فرض الحج كان بنداء إبراهيم عليه السلام أهل الأرض جميعا، يدعوهم إلى زيارة بيت الله الحرام والتنسك فيه، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج/27.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" أي: ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه.
فَذُكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل: على الحِجْر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبَيس [جبل عند الكعبة] ، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه. فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: " لبيك اللهم لبيك ". هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، وغير واحد من السلف، والله أعلم.
أوردها ابن جَرير، وابن أبي حاتم مُطَوّلة " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (5/414) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/9)
إذا نسي الإمام بعض آيات فكيف يأتي بها ليكون قد ختم القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسي الإمام آية أو شيئا من القرآن أثناء صلاة التراويح، ثم تذكرها فيما بعد، فماذا يفعل؟ هل يمكن أن يكون ختم القرآن في الصلاة مع أنه لم يقرأ هذه الآية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينال القارئ ثواب ختم القرآن الكريم إلا إذا قرأه جميعاً، ولم يترك منه شيئاً، فلو أسقط آية ولم يقرأها لم يكن قد ختم القرآن الكريم.
حتى ذكر العلماء أنه ينبغي أن يأتي بالبسملة في أول كل سورة إلا سورة براءة، ويعتني بذلك حتى يكون خاتما للقرآن.
قال النووي رحمه الله:
"وينبغي أن يحافظ على قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة سوى براءة، فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية، حيث كتبت في المصحف، وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإن قرأها كان مثبتاً قراءة الختمة أو السورة، وإذا أخل بالبسملة كان تاركاً بعض القرآن عند الأكثرين" انتهى.
"التبيان" (صـ 61، 62) .
وعلى هذا، فلابد أن يأتي القارئ بما نسيه من الآيات حتى ينال ثواب الختمة.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله طريقتين عند السلف، في الإتيان بالآية أو الآيات التي نسيها الإمام في صلاة التراويح:
الأولى: أن يجمع كل هذه الآيات ويقرأها جميعاً في آخر ليلة من ليالي رمضان، وهذا كان فعل الأئمة في مكة قديماً.
الثانية: أنه متى تذكر الآية التي نسيها رجع إليها [وهذا إذا كان لا يزال في القراءة في الصلاة] ثم يكمل بعدها من حيث انتهى، وهذا روي عن علي رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يذكر أن الترتيب فيما شُرع فيه الترتيب يسقط بالنسيان، قال:
"ومنها: إذا نسى بعض آيات السورة في قيام رمضان، فإنه لا يعيدها، ولا يعيد ما بعدها، مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق....
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة، ترى لمن خلفه أن يقرأها؟
قال: نعم، ينبغي له أن يفعل، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده.
قال الأصحاب ـ كأبي محمد (ابن قدامة) ـ: وإنما استحب ذلك لتتم الختمة، ويكمل الثواب.
فقد جعل أهل مكة وأحمد وأصحابه إعادة المنسي من الآيات وحده يكمل الختمة والثواب، وإن كان قد أخل بالترتيب هنا، فإنه لم يقرأ تمام السورة، وهذا مأثور عن علي أنه نسي آية من سورة ثم أثناء القراءة قرأها، وعاد إلى موضعه ولم يشعر أحد أنه نسي إلا من كان حافظاً" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/410، 411) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/10)
كل القرآن فاضل، ولكن بعضه أفضل من بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية سور القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنزل الله سبحانه القرآن على نبيه، وجعله سورا مجموعها 114 سورة،، وبين هذه السور تفاضل كما جاءت الأحاديث الصحيحة بفضل سورة الفاتحة، والإخلاص، وسورة الكافرون، والمعوذتين، والزلزلة، والأعلى، وسورة البقرة وآل عمران. أما بقيت القرآن فله مزية وفضل أيضا.
سميت السورة بذلك لأن السورة تتميز بموضوع تختص به ويكون فيها أحكام ومواعظ وآداب ولها أهميتها بحيث إن الذي يقرأها له أجر بحسب ما تضمنته تلك السور من مواعظ وأحكام تختص بها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(3/11)
اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية من الفاتحة لا يدخل في تحريف القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر، من غير نقص، ولا زيادة , ولا شك فيه، ولا ريب , ولا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه , وهذا ما تعلمناه وتربينا عليه. سؤالي هو: كيف اختلف أهل العلم من السلف على أن البسملة آية من سورة الفاتحة، أو أنها ليست بآية؟ وهل هذا الخلاف معتبر؟ وأنا هنا لا أبحث في أدلة هذا الفريق، وذلك الفريق , ولا أبحث عن معلومات إضافية في هذه المسألة من ناحية فقهية , فلقد قرأت فيها الكثير والكثير من الأبحاث , ولكن بحثي وسؤالي هو: كيف نسوِّغ الاختلاف في آية من القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر، جمع عن جمع، وهكذا، على أنها آية، أو ليست بآية؟ هل يجب أن لا يكون هناك خلاف في هذه المسألة؟ . أرجو أن تنفِّسوا عنِّي كربة هذا الهم الذي أصابني من هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يختلف المسلمون في أن الله تعالى قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان؛ تحقيقاً لقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجر/ 9.
وقد أجمع المسلمون على كفر كل من يخالف هذا فيزعم أن كتاب الله تعالى فيه ما ليس منه، أو نقص منه ما أنزل الله فيه.
قال القاضي عياض رحمه الله:
"وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأُجمع على أنه ليس من القرآن، عامداً لكل هذا: أنه كافر" انتهى.
"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304، 305) .
وأما اختلاف العلماء في عد البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا، لأن أئمة القراءات لم يختلفوا في قراءتها في أوائل السور، وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة، وذلك في المصحف الذي كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعث به إلى الأمصار.
قال الشوكاني رحمه الله في الكلام عن البسملة:
واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها، ولا من نفاها؛ لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد: فإنه يكفر بالإجماع.
ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة " النمل "، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف، إلا في أول سورة " التوبة ".
"نيل الأوطار" (2/215) .
وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عد البسملة آية من القرآن، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من أول كل سورة، أو من الفاتحة فقط، أو ليست آية مطلقاً، أما قوله في سورة النمل: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : فهي آية من القرآن إجماعاً.
وأما سورة " براءة ": فليست البسملة آية منها اجماعاً، واختُلف فيما سوى هذا، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن، وقال قوم: هي منه في الفاتحة فقط، وقيل: هي آية من أول كل سورة، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
ومِن أحسن ما قيل في ذلك: الجمع بين الأقوال: بأن البسملة في بعض القراءات - كقراءة ابن كثير - آية من القرآن، وفي بعض القرآءات: ليست آية، ولا غرابة في هذا.
فقوله في سورة "الحديد" (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لفظة (هُوَ) من القرآن في قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وليست من القرآن في قراءة نافع، وابن عامر؛ لأنهما قرءا (فإن الله الغني الحميد) ، وبعض المصاحف فيه لفظة (هُوَ) ، وبعضها ليست فيه.
وقوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) الآية، فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) بغير واو، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام، وقس على هذا.
وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء " انتهى.
" مذكرة في أصول الفقه " (ص 66، 67) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/12)
هل يجوز الاقتباس من القرآن في الشعر عامة، وفي الأناشيد خاصة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأناشيد التي يكون فيها قصة دينية ولكنها تكون على شكل أناشيد، وفيها أحياناً كلمات من القرآن الكريم؟ . هذه الأناشيد الموجودة حاليّاً بالأسواق]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأناشيد هي كلام ملحَّن، وفيه الغث والسمين، وفيه الطيب والخبيث، وهو وإن كان في الأصل جائزاً لكن قد طرأ عليه ما أفسده، من الانشغال به أكثر الوقت، ومن تأثيره على المنشغلين به بما يؤدي إلى قلة أو انعدام حفظ القرآن والسنة، ومن التشبه بالفسَّاق في اللباس، والهيئات، والألحان، ومن التكسر والتغنج في الألفاظ، وغير ذلك من المفسدات.
وعليه: فما كان من الأناشيد جادّاً، يحتوي على كلمات لها هدف سامٍ، وما كان يسمع منه بقدر معيَّن من غير إفراط، وكان يخلو من المعازف، كالدفوف والطبول: فلا بأس به، إن شاء الله.
وللوقوف على الضوابط الشرعية للنشيد المباح، وللوقوف على المفاسد التي وُجدت في أناشيد زماننا هذا: نرجو الاطلاع على جوابي السؤالين: (91142) و (11563) ، ففيهما كفاية للمستفيد.
ثانياً:
وأما بخصوص اقتباس كلمات من القرآن الكريم لوضعها في تلك الأناشيد: فهو داخل في حكم الاقتباس من القرآن في الشِّعر، وقد اختلف العلماء في أصل الاقتباس من القرآن، فالجمهور على الجواز، ومنهم من منع منه مطلقاً، وذهبت طائفة من العلماء إلى المنع من الاقتباس في الشعر، دون النثر.
وفي " الموسوعة الفقهية " (6 / 17) :
يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسيناً للكلام، أما إن كان كلاماً فاسداً: فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة، وأهل المجون والفحش.
انتهى
وفيها – أيضاً - (6 / 18) :
وقد اشتهر عند المالكية تحريمه – أي: الاقتباس -، وتشديد النكير على فاعله، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه، وبين النثر فأجازه، وممن استعمله في النثر من المالكية: القاضي عياض، وابن دقيق العيد، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية.
انتهى
وقد نقل السيوطي رحمه الله الإجماع على جواز الاقتباس في النثر، فقال:
ولا أعلم بين المسلمين خلافاً في جوازه في النثر، في غير المجون، والخلاعة، وهزل الفساق، وشربة الخمر، واللاطة، ونحو ذلك.
وقد نصَّ على جوازه: أئمة مذهبنا بأسرهم، واستعملوه في الخطب، والرسائل، والمقامات، وسائر أنواع الإنشاء، ونقلوا استعماله عن أبي بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابنه الحسن، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم، وأوردوا فيه عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمله.
" تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " (1 / 312) .
والراجح: جواز الاقتباس من القرآن، إذا كان لغرض صحيح، دون ما يُقصد به المزاح والسخرية، ويستعمل في البدعة والمجون، ويشمل هذا الاقتباس ما كان في النثر، أو الشعر.
وينظر تفصيل القول في الاقتباس مع بيان الراجح في جواب السؤال رقم: (119673) .
وعليه: فالاقتباس من القرآن للنشيد جائز، بشرط أن يكون نشيداً مباحاً، جادّاً.
وللدكتور عبد المحسن العسكر – حفظه الله – دراسة موسعة في الاقتباس، وقد أسماها " الاقتباس، أنواعه، وأحكامه، دراسة شرعية، بلاغية "، وبعد أن عرض الخلاف في الاقتباس من القرآن في الشعر قال – (ص 66) -:
والحق الذي يجب المصير إليه: ما ذهب إليه الأكثرون، من جواز الاقتباس في النظم؛ لعدم الدليل المانع من ذلك، ثم إن القول بمنع الاقتباس في الشعر: موجب للتفريق بين النثر، والشعر، وهما سواء، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: " الشِّعر كلام، حسَنُه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام ".
انتهى
وقد بيَّن – حفظه الله – بعض الوجوه مما لا يجوز الاقتباس من القرآن فيها، لا شعراً، ولا نثراً، ومنها:
1. ما أضافه الله إلى نفسه مما تكلم به سبحانه وتعالى، مثل (إني أنا ربك فاخلع نعليك) .
2. ما أقسم الله به من مخلوقاته، كما في قول بعضهم:
" والتين والزيتون ... وطور سينين ... وهذا البلد المحزون ".
3. ما خوطب به الرب جل وعلا، كما وقع في كتابٍ لعبد الرحمن المرشدي إلى القضاة، جاء فيه:
" يا أعدل قاضٍ به عماد الدين , آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ".
4. ما يتبادر إلى السامع أنه من القرآن، مع تغيير بعض الكلمات، كقول أحدهم:
" والنجم إذا هوى ... ما ضل يراعك وما غوى ... علَّمه شديد القوى , ذو مرة فاستوى ".
5. ومنه ما يعد محاكاة للقرآن واستعمالا له في غير معناه، كقول النبيه يمدح القاضي الفاضل:
" لا تسمِّه وعداً بغير نوال ... إنه كان وعده مفعولاً ".
انتهى باختصار، من " الاقتباس، أنواعه، وأحكامه " للعسكر (74 – 76) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (103923) جواز الاقتباس من الحديث النبوي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/13)
هل يأثم من نسي ما حفظه من القرآن بسبب ضعف ذاكرته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من حفِظ شيئاً من القرآن الكريم، أو الأسماء الحسنى، ثم نسيها، أو نسي بعضاً منها بسبب ذاكرته الضعيفة، هل سيعذبه الله على ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يقول " نسيتُ " فيما ضاع من ذاكرته في حفظه للقرآن، بل " أُنسيتُ " أو " نُسِّيت ".
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا) . رواه البخاري (4744) ومسلم (790) .
وفي لفظ لمسلم: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ) .
وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: (رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا) . رواه البخاري (4751) ومسلم (788) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
قوله في آخر الحديث: (بل هو نُسِّي) ، وهذا اللفظ رويناه مشدَّدًا مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف، وبه ضُبِط عن أبي بحر، والتشديد لغيره، ولكل منهما وجهٌ صحيح، فعلى التشديد يكون معناه: أنه عوقب بتكثير النسيان عليه؛ لما تمادى في التفريط، وعلى التخفيف يكون معناه: تُرِك غير مُلْتَفَتٍ إليه، ولا مُعْتَنىً به، ولا مرحوم، كما قال الله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) ؛ أي: تركهم في العذاب، أو تركهم من الرحمة.
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 419) .
ثانياً:
وقد اختلف العلماء في حكم نسيان القرآن ممن كان حفظه، وقد ذهب طائفة من الشافعية إلى أنه من الكبائر! وقال بعضهم إنه من الذنوب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فإن نسيان القرآن من الذنوب.
" مجموع الفتاوى " (13 / 423) .
وقال الشيخ زكريا الأنصاري – رحمه الله -:
(ونسيانه كبيرة) , وكذا نسيان شيء منه؛ لخبر (عُرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) ، وخبر (من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) رواهما أبو داود) ا. هـ.
وفي حاشية " الرملي " عليه:
قوله: (ونسيانه كبيرة) موضعه إذا كان نسيانه تهاوناً وتكاسلاً.
" أسنى المطالب " (1 / 64) .
والأظهر أن نسيان القرآن: ليس كبيرة، بل ولا ذنبا، ولكنه مصيبة، أو عقوبة، والغالب أن يكون هذا بسبب إعراضه عن العمل به، وعدم تعاهده، وقد أمِر بكلا الأمرين، فلما لم يستجب للأمر عوقب بما فيه سلب لخيرٍ عظيم، وقد يكون نسيانه له بسبب معاصٍ وذنوب، فيأثم عليها، ويعاقب بسلب القرآن منه، وأما إن كان نسيانه لما حفِظَ بسبب ضعفٍ في ذاكرته: فلا شيء عليه، لكن عليه المداومة على تنشيطها بكثرة القراءة، وبالقيام بما يحفظ؛ فإنه من أعظم السبل للبقاء على ما يحفظ.
1. من قال إن نسيان القرآن مصيبة:
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفاً قال: " ما مِن أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه؛ لأن الله يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب.
" فتح الباري " (9 / 86) .
2. من قال إنه عقوبة:
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
مَن جمع القرآن: فقد علت رتبته، ومرتبته، وشرف في نفسه، وقومه شرفاً عظيماً، وكيف لا يكون ذلك و " من حفظ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين كتفيه " [قاله عبد الله بن عمرو بن العاص، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5118) ] ، وقد صار ممن يقال فيه: " هو مِن أهلِ الله تعالى وخاصته " [رواه ابن ماجه (215) وهو صحيح] ، وإذا كان كذلك: فمِن المناسب تغليظ العقوبة على من أخلَّ بمزيته الدينية، ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره، كما قال تعالى: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) ؛ لاسيما إذا كان ذلك الذنب مما يحط تلك المزية ويسقطها؛ لترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة.
" المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 419) .
وبكل حال: فهي مصيبة أو عقوبة، لكن لا نجزم بالإثم لمجرد النسيان.
قال علماء اللجنة الدائمة:
فلا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته، ولا أن يفرط في تعاهده، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يوميّاً يساعده على ضبطه، ويحول دون نسيانه؛ رجاء الأجر، والاستفادة من أحكامه، عقيدة، وعملاً، ولكن مَن حفظ شيئاً مِن القرآن ثم نسيه عن شغل، أو غفلة: ليس بآثم، وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 99) .
والظاهر أن من قال إن نسيان القرآن من الذنوب، أو الكبائر: قد استدل بحديثين وردا في ذلك – كما نقلناه عن زكريا الأنصاري -، لكن كلا الحديثين لا يصحان، فلا يصلح الاستدلال بهما.
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) .
رواه الترمذي (2916) وضعفه، ونقل عن البخاري استغرابه، وأبو داود (461) ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
2. عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) .
رواه أبو داود (1474) وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود ".
والظاهر أن من قال إن النسيان كبيرة، أو أنه ذنب: لم يرِد ما يكون بسبب ضعف الذاكرة، بل ما كان النسيان بسبب التهاون، والكسل، كما صرَّح به الرملي الشافعي.
سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -:
نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان م حفظوه؟ .
فأجاب:
نسيان القرآن له سببان:
الأول: ما تقتضيه الطبيعة.
والثاني: الإعراض عن القرآن، وعدم المبالاة به.
فالأول: لا يأثم به الإنسان، ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس، ونسي آية، فلما انصرف ذكَّره بها أبيّ بن كعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا كنت ذكرتنيها) ، وسمع رسول الله قارئاً يقرأ، فقال: (يرحم الله فلاناً فقد ذكرني آية كنت أنسيتها) .
وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة: ليس فيه لوم على الإنسان.
أما ما سببه الإعراض، وعدم المبالاة: فهذا قد يأثم به، وبعض الناس يكيد له الشيطان، ويوسوس له أن لا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم! والله سبحانه وتعالى يقول: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/ 76، فليحفظ الإنسان القرآن؛ لأنه خير، وليؤمل عدم النسيان، والله سبحانه عند ظن عبده به.
" كتاب العلم " (96، 97) .
وما سبق من الجواب هو في " نسيان القرآن "، ولم نجد شيئاً من كلام العلماء في " نسيان أسماء الله الحسنى "، وليسا سواءً.
وانظر أجوبة الأسئلة: (3704) و (83287) و (121246) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/14)
يريد معاونة في " الإعجاز العلمي " في القرآن ليستعمله في دعوة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مؤمن - بلا شك - أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه الذي كان أُنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: (إنّا نحن نزلنا الذِّكْر وإنّا له لحافظون) . أقول ذلك لأن عندي بعض الأصدقاء الكفرة، وأود أن أتكلم معهم في " فضائل الإسلام "، على أمل أن يسلموا، وإن أحد الأمور المهمة التي أريد طرحها لهم عن الإسلام هي عن معجزات القرآن الكريم , مثل أن أقول لهم: إن القرآن الكريم الذي بين أيدنا هو نفسه الذي كان قبل 1429 سنة , فأقول لهم: إن القرآن الكريم يُثبت أنه لا يوجد تشابه بين بصمتين لأصبعين في العالم , وأقول لهم أيضا الكثير من العلوم الحديثة التي تم اكتشافها، مثل كروية الأرض، أنه قد أثبتها القرآن الكريم , والكثير من المعجزات. فكيف لي أن أُثبت أصالة القرآن الكريم لأنني أشعر أن أحدهم سيجادل ويقول: إن أحداً ما قد أدخل على القرآن مثل تلك الحقائق؟ . وجزاكم الله خيراً على الإجابة سلفاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير، وعلى هداية الناس لهذا الدين العظيم، ونبشرك أن ما تفعله هو من أجلِّ العبادات، والطاعات، وهو مما يميز هذه الأمة الخيِّرة، أن جعلها الله تعالى آمرة بالمعروف، وناهية عن المنكر، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/ 110.
فاستمر – بارك الله فيك – على نشر الخير في الأرض، وابذل ما تستطيع من جهد لهداية من ضل عن الطريق.
وفي الوقت نفسه ننبهك إلى ضرورة طلب العلم، والسعي في تحصيله؛ لأن ما تقوم به هو من مهمات الأنبياء، ولا بدَّ لمن قام بهذا الجهد أن يكون على دراية بما يتكلم به، وخاصة أنك تتكلم في شرع الله، وهو ما ينبغي التأني فيه حتى تتقن العلوم الشرعية، وخاصة المتعلقة بموضوع الدعوة، وهو المسائل العلمية في الإعجاز القرآني.
ثانياً:
ينبغي أن نتنبه في سياق الكلام عن " الإعجاز العلمي " في القرآن الكريم إلى أمور منهجية مهمة:
1. القرآن الكريم كتاب هداية، احتوى على ما يُصلح حال الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، وهو ليس كتاب " كيمياء "، أو " جيولوجيا "، أو " طب "، وما فيه من إشارات لعلوم الطبيعة لا ننكرها، لكن لا نعطيها أكبر من حجمها.
وإعجاز القرآن في أصله هو إعجاز لغوي، بياني، ومن هنا فقد تحداهم النبي صلى الله عليهم بالإتيان بمثله، فعجزوا، مع أنهم أهل فصاحة، وبيان.
2. ينبغي التفريق بين " النظريات " و " الحقائق " في هذا الباب، فكثيراً ما يُخلط بينهما، فتُجعل النظريات حقائق ثابتة، فيحمل المتحمسون آيات القرآن عليها، ثم سرعان ما تُنقض بنظرية أخرى! فيقع في قلب المسلم من الشك والريب ما يكون سببه جهل من تكلم في هذا العلم، وخلط بين الأمور.
كما أنه توجد حقائق لا شك فيها، لكن ليس من اللازم أن يكون في القرآن حديث عنها بنفسها، ويأتي بعض المتحمسين ليتكلف حمل نصوص من القرآن أو السنة عليها، وقد نهينا عن التكلف.
3. وللأخذ بما يقوله بعض العلماء المعاصرين بما تدل عليه بعض الآيات القرآنية من أوجه الإعجاز العلمي ينبغي مراعاة أمور:
أ. عدم الجزم بالنظريات العلمية على أنها حقائق علمية لا تقبل المناقشة.
ب. عدم الجزم بأن ما يقولونه هو تفسير للآية القرآنية، ولا هو بالمرجح بين الأقوال المختلفة فيها.
ج. يجب مطابقة المعنى المذكور للغة العربية؛ لأنها لغة القرآن.
د. أن يكون المتكلم في دلالة الآية من أصحاب العلم الشرعي.
هـ. أن لا يخالف المعنى المذكور آية، أو حديثاً صحيحاً، أو إجماعاً.
و. الابتعاد عن التكلف والتمحل في الاستنباط من الآية القرآنية.
انظر " التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين " للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ.
ثالثاً:
وأما قولك في احتمال أن يزعم زاعم أنه ثمة من وضع هذه الأشياء في القرآن: فهو احتمال بعيد أن يلجأ إليه إنسان عاقل جاد في مناقشته؛ لأن وجود هذا الاحتمال مرفوض حتى عند أعداء الدين، وهم يعلمون قطعاً أن ما تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وما تلاه النبي على أصحابه: هو الذي بين أيدينا الآن، ليس فيه حرف زائد، ولا ناقص، فلو أدخل أحد حرفاً فيه: لانكشف أمره، وافتُضح، وقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولا نظن أنك قصدت أن أحداً من المتقدمين قد يكون هو الذي وضع مثل هذه الزيادات في القرآن؛ فبالإضافة لما ذكرناه من حفظ الله له من التحريف: فقد كان المتقدمون في غفلة وبُعد عن العلم التجريبي هذا، وعن اكتشافه بالأدوات والآلات المخترعة حديثاً.
ثم إن النسخ الخطية المكتوبة من قديم، محفوظة في مكتبات العالم، على صورة واحدة، وكتب التفسير القديمة محفوظة في مكتبات المشرق والمغرب، والعرب والعجم، وكلها تحتوي على تلك الآيات، بصورة واحدة. والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، عربهم وعجمهم، علماؤهم وعامتهم، يحفظون القرآن على هيئة واحدة. فقد تواتر نقل القرآن تواترا قطعيا، بما لم يتواتر به علم كتاب آخر، ولا كلام آخر، واللجوء إلى هذه السفسطة في الحوار، يعني أنه لا فائدة منه، ولا سبيل إلى الاقتناع بحقيقة، وبإمكان المناقش أن يرد عليها بنفس الرد في جميع ما يعتقده مخالفه من النصوص والكتب العلمية والدينية.
وانظر جواب السؤال رقم: (5105) ففيه تفصيل إثبات القرآن، وعدم تعرضه للتحريف، والتبديل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/15)
هل يجوز له تعليم الأطفال القرآن مع أنه ليس من العلماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص بفضل الله أستطيع أن أقرأ القرآن الكريم، وأقوم بتدريسه لولدي وابناء أختي؛ مع أنني لست عالما ولا شيخا؛ فهل يجوز لي ذلك؟ وما الأجر المترتب عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعليم تلاوة القرآن الكريم التلاوة الصحيحة من أفضل الأعمال وأزكاها عند الله عز وجل، لأن القرآن كلام الله، صفة من صفاته، وهو سبحانه يحب أن يتعبد إليه المسلمون بصفاته.
ولذلك جاء في السنة النبوية الحديث المشهور الذي يحفظه الصغار والكبار، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خَيرُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) .
قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا. رواه البخاري (5027)
قال الحافظ ابن حجر "فتح الباري" (9/96) :
" بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر " انتهى.
يدل هذا الحديث على الخيرية التي ينالها من يشتغل بتعليم الناس قراءة القرآن وتلاوته، والمقام الرفيع الذي يكتبه الله له، جزاء اشتغاله بصفة الله التي يعظمها وهي كلامه عز وجل. ولذلك ورد عن سفيان الثوري أنه كان يقدم تعليم القرآن على الغزو لهذا الحديث. انظر " فتح الباري " (8/694)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" مِن أشرف العمل تعليم الغير، فمعلم غيره يستلزم أن يكون تعلمه، وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد، والقرآن أشرف العلوم، فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن، ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمِّلٌ لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة مَنْ عنى سبحانه وتعالى بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع " انتهى باختصار.
" فتح الباري " (9/76)
وقد ورد في القرآن الكريم حث خاص على الاشتغال بتعليم القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى:
(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) آل عمران/79.
وإن كان المقصود بتعليم الكتاب في الآية ليس تعليم التلاوة فقط، بل تفسيره وأحكامه وتعليم العمل به أيضا، غير أننا نرجو أن يدخل فيها أيضا من يعلم تلاوته وقراءته القراءة السليمة، فهي أول درجة من تعلم الكتاب والتفقه فيه.
وعلى كل حال ننصحك بلزوم ما بدأته من تعليم القرآن الكريم وإقرائه الصغار والكبار، بشرط أن تكون قد أتقنت أنت تلاوته وأحسنت قراءته، أو ـ على الأقل ـ أن تكون أتقنت قراءة القدر الذي تعلمه لهم.
وعليك ألا تخوض في تفسيره وبيان أحكامه حتى تدرسه وتصبح متقنا فيه، وبإمكانك، إن أحببت الوقوف معهم على بعض معانيه، أن تقرأ شيئا من كتب أهل العلم الثقات في ذلك الباب؛ مثل: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، أو تفسير الحافظ ابن كثير، رحمهما الله.
أما إن اقتصرت على تعليم التلاوة السليمة، فذلك عمل عظيم مأجور عليه إن شاء الله، تسهم به في بناء الجيل الصالح، وتشارك في غرس القرآن الكريم في قلوب الناس، ولا يشترط لذلك أن تكون شيخا، يعني: متخصصا في ذلك، أو عالما في علوم الشريعة الأخرى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" أنت على كل حال مشكور على هذا العمل الطيب , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، فأنت مشكور على عملك , وأنت على أجر عظيم، ولا حرج عليك ما دمت مخلصا لله في عملك هذا " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (5/387)
وانظر جواب السؤال رقم: (3601) ، (2023) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/16)
أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أوجه قراءة البسملة بين أواسط السور: كالانتقال من وسط سورة البقرة، ثم البسملة والانتقال إلى وسط سورة الحشر. هل هناك وجه وصل البسملة بالمقطع الأول بالبسملة مع المقطع الثالث، ما يسمى وصل الجميع، وما هي الأوجه الأخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف – بعد البحث والتفتيش – على كلام لعلماء التجويد والقراءات في هذه المسألة الدقيقة، في شروح الشاطبية، والجزرية، والدرر اللوامع وغيرها، وهي مسألة أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور، وحينئذ فلا يمكننا إجابة السائل بأسماء المصادر والمراجع، غير أن الذي وجدناه لدى بعض المعاصرين المتخصصين في التجويد، هو النص على الانتقال بين أواسط السور من غير استعاذة ولا بسملة، وإنما بسكتة يسيرة.
يقول الشيخ حسام الكيلاني:
" ولا حاجة إلى الاستعاذة والبسملة عند الانتقال من سورة إلى بعض آيات من سورة أخرى ليس من أولها " انتهى.
" البيان في أحكام تجويد القرآن " (ص/27) .
ويمكن الاستئناس بخطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها ويعملها أصحابه لذلك القول؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها مجموعة من الآيات الواردة في سور عدة، ولم يرد فيها ذكر الاستعاذة والبسملة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ:
(عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: إَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) رواه أبو داود (رقم/2118) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/17)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي العمل به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه، كما وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: (إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ) رواه مسلم (746) .
وهكذا يجب أن يكون هدي المسلم مع القرآن الكريم، السعي الدائم في العمل به والاهتداء بهداه، فهو نور من الله مبين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم.
وأما هديه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن: فقد شرحه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه العظيم " زاد المعاد "، جمع فيه الأحاديث الواردة في الموضوع، واختصرها في جمل وعبارات من عنده توضح المقصود، وهي كلها أحاديث صحيحة يمكن الرجوع إلى الكتاب نفسه محققا للتأكد منها، ونحن ننقل كلامه هنا اكتفاء به، خشية الإطالة على السائل والقارئ.
يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله:
" فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن، واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته واستماعه، وتحسين صوته به، وتوابع ذلك.
كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً، وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم) ، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته، فيقول: (أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم) ، ورُبَّما كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ) وكان تعوّذُه قبلَ القراءة، وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد الله بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه.
وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً، ومتوضئاً، ومُحْدِثاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة.
وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته: (إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً) الفتح/1.
وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آاآ ثلاث مرات، ذكره البخاري، وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: (زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم) ، وقوله: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن) ، وقوله: (ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان) ، علمت أن هذا الترجيعَ منه صلى الله عليه وسلم كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه ثم يقول: (كان يُرجِّعُ في قراءته) فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً " انتهى.
" زاد المعاد " (1/482-484) .
وقد ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله، في كتابه النافع "أخلاق حملة القرآن"، بابا في (أدب القراء عند تلاوتهم القرآن مما لا ينبغي لهم جهله) ، لخص فيه جملة من آداب قارئ القرآن، من أدب السنة، وهدي السلف، فقال رحمه الله:
" وأحب لمن أراد قراءة القرآن، من ليل أو نهار أن يتطهر، وأن يستاك، وذلك تعظيم للقرآن؛ لأنه يتلو كلام الرب عز وجل؛ وذلك أن الملائكة تدنو منه عند تلاوته للقرآن، ويدنو منه الملك، فإن كان متسوكا وضع فاه على فيه، فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه، وإن لم يكن تسوك تباعد منه؛ فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن أن تباعدوا منكم الملك، استعملوا الأدب، فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أيجالس إخوانه.
وأحب أن يكثر القراءة في المصحف لفضل من قرأ في المصحف، ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر، فإن أحب أن يقرأ في المصحف على غير طهارة فلا بأس، ولكن لا يمسه، ولكن يصفح المصحف بشيء، ولا يمسه إلا طاهرا.
وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة، حتى تنقضي الريح، ثم إن أحب أن يتوضأ ثم يقرأ طاهرا فهو أفضل، وإن قرأ غير طاهر فلا بأس منه.
وإذا تثاءب وهو يقرأ، أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ...
وأحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها، وفي القرآن خمس عشرة سجدة، وقد قيل: أربع عشرة، وقد قيل: إحدى عشرة سجدة، والذي أختار له أن يسجد كلما مرت به سجدة؛ فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان. روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» [رواه مسلم في صحيحه (81) ] ...
وأحب لمن كان جالسا يقرأ أن يستقبل بوجهه القبلة، إذا أمكن ...
وأحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكى.
وأحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب إلي؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه.
وأحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار، وإذا مر بآية تنزيه لله عز وجل عما قال أهل الكذب سبح الله وعظمه. وإذا كان يقرأ فأدركه النعاس، فحكمه أن يقطع القرآن حتى يرقد، حتى يقرأه وهو يعقل ما يتلو.. "
وذكر رحمه الله طرفا من الآثار التي تشهد لما ذكره، ثم قال في آخر الفصل:
" جميع ما ذكرته ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ولا يغفلوا عنه، فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن: اعتبروا نفوسهم بالمحاسبة لها:
فإن تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم،مما هو واجب عليهم من أداء فرائضه، واجتناب محارمه: حمدوه في ذلك، وشكروا الله على ما وفقهم له.
وإن علموا أن النفوس معرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم، قليلة الاكتراث به، استغفروا الله من تقصيرهم، وسألوه النُّقلة من هذه الحال التي لا تحسن بأهل القرآن، ولا يرضاها لهم مولاهم، إلى حال يرضاها، فإنه لا يقطع من لجأ إليه.
ومن كانت هذه حاله وجد منفعة تلاوة القرآن في جميع أموره
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/18)
حكم الرجوع إلى سورة الفاتحة وأوائل البقرة بعد ختم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض النساء يجتمعن لتدارس تفسير القرآن، وعندما ينتهين من قراءة المصحف فإنهن يبدأن بالفاتحة، وبداية سورة البقرة، من أجل تبيين أن القراءة متواصلة، وأن القرآن لا ينتهي، فما رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم ما يعتاده كثير من القراء عند ختم المصحف من الشروع في ختمة جديدة، وذلك بالرجوع إلى سورة الفاتحة وقراءتها مع الآيات الخمس الأول من سورة البقرة فقط، فكان خلافهم على قولين اثنين:
القول الأول: مشروعية ذلك العمل، واستحبابه. وهو ما ذهب إليه القراء ونص عليه بعض العلماء،
واستُدِل لهذا القول بأدلة، منها:
الدليل الأول: حديث عن عبد الله بن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه كان إذا قرأ: (قل أعوذ برب الناس) افتتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة إلى: (وأولئك هم المفلحون) ، ثم دعاء بدعاء الختمة، ثم قام.
رواه الدارمي – كما عزاه إليه السيوطي في " الإتقان " (1/295) وقال بسند حسن -، والحافظ أبو عمرو الداني، والحافظ أبو العلاء الهمذاني – كما نقل عنهما ابن الجزري في " النشر " (688-694) ، والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (2/29) ، جميعهم من طريق:
العباس بن أحمد البرتي، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي، ثنا عبد الملك بن عبد الله بن شعوة، عن خاله وهب بن زمعة بن صالح، عن زمعة بن صالح، عن عبد الله بن كثير، عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" هذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:
الأولى: أن مداره على زمعة بن صالح، قال الذهبي في " الكاشف ": " ضعفه أحمد، قرنه مسلم بآخر ". وقال الحافظ في "التقريب": " ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون ".
والأخرى: الاضطراب في إسناده عليه على وجهين: الأول: هذا: عن درباس وعن مجاهد؛ قرنه معه.
الثاني: عن درباس وحده؛ لم يذكر مجاهداً معه. وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/ 420 - 425) الأسانيد بذلك.
وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس عن عبد الله بن عباس ... به مرفوعاً؛ لم يذكر في إسناده زمعة.
وقال عَقِبَه: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن؛ إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهاني وأبا بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب ".
فأقول: هذا التصويب صواب؛ لأنه عليه أكثر الروايات، وعليه فلا وجه لتحسين إسناده؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم -.
وكيف يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم، وتبعه الذهبي والعسقلاني -؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في رواية الجوهري وغيره -، فإن كان محفوظاً؛ فالعلة واحدة وهي زمعة. والله أعلم " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6134)
الدليل الثاني: حديث مرفوع جاء فيه:
(قال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ. قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ)
وقد وي هذا الحديث على وجهين:
1- مسندا متصلا: من طريق صالح المري، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس به. رواه عن صالح المري على هذا الوجه الهيثم بن الربيع – كما عند الترمذي (رقم/2948) -، وعمرو بن عاصم – كما عند البزار (2/213) -، وعاصم الكلابي، وعمرو بن مرزوق، وزيد بن الحباب في " المستدرك " (1/757) ، وإبراهيم بن أبي سويد الذارع – كما في " معجم الطبراني " (12/168) -
2- مرسلا من طريق صالح المري، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير ذكر ابن عباس. رواه عن صالح المري على هذا الوجه مسلم بن إبراهيم، كما عند الترمذي (رقم/2948) . وإسحاق بن عيسى – كما عند الدارمي (2/560) -، وعبد الله بن معاوية الجمحي – كما في " النشر " لابن الجزري (ص/699) -، وقد رجح الترمذي رواية من أرسله فقال: " هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بالقوي ... وهذا – يعني المرسل - عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع " انتهى.
وله شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة يرويه الحاكم في " المستدرك " (1/758) وفيه مقدام بن داود ضعيف الحديث، انظر: " لسان الميزان " (6/84) ، وله شاهد آخر من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، أسنده أبو عمرو الداني – كما في " النشر " (ص/700) -.
وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم: راويه الإمام الترمذي، والحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (3/248) -، وكذا الشيخ الألباني في " السلسلة الضعفة " (رقم/1834) .
الدليل الثالث: عمل السلف الصالحين، ونقل هذه السنة من عادتهم.
قالابن الجزري رحمه الله:
" روى الحافظ أبو عمرو أيضا بإسناد صحيح عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات. وهذا صريح في صحة ما اختاره القراء وذهب إليه السلف " انتهى.
" النشر " (2/449) (ص/703)
وقال الحافظ أبو عمرو الداني:
" لابن كثير – يعني المقرئ المشهور - في فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين " انتهى.
نقلا عن " النشر في القراءات العشر " لابن الجزري (ص/688)
الدليل الرابع: عمل المسلمين بهذه السنة في الأمصار عامة.
قال ابن الجزري رحمه الله:
" وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها، وقراءة العرض وغيرها، حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع في الأخرى، سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه، نوى ختمها أو لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم، ويسمون من يفعل هذا " الحال المرتحل "، أي الذي حل في قراءته آخر الختمة، وارتحل إلى ختمة أخرى " انتهى.
" النشر " (ص/694) .
وقال النووي رحمه الله:
" يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة؛ فقد استحبه السلف والخلف، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه ... " انتهى.
"التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/110) .
وقال السيوطي رحمه الله:
" يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره ... " انتهى.
" الإتقان " (1/295) ، وانظر: " سنن القراء ومناهج المجودين " (ص/227)
القول الثاني: المنع وعدم الاستحباب، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
ووجه ذلك القول عدم ورود ذلك الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة، وعرضه مرتين في العام الذي توفي فيه، ولم ينقل لنا أحد شيئا عن هذه السنة المتبعة اليوم.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" قال أبو طالب: سألت أحمد إذا قرأ: (قل أعوذ برب الناس) يقرأ من البقرة شيئا؟ قال: لا. فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه " انتهى.
" المغني " (1/838)
وجاء في " الفروع " (1/554) :
" ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه، قال الآمدي: يعني قبل الدعاء، وقيل يستحب " انتهى.
وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (2/316) :
" إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة، نص عليه، وذلك إلى قوله: (وأولئك هم المفلحون) قال في الشرح: ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح، وقيل: يجوز بعد الدعاء، وقيل: يستحب.
قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود – يعني حديث الحال المرتحل - قال: وظاهر هذا أنه يستحب ذلك، والجواب أن المراد به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة، وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة " انتهى.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
" وفَهِمَ بعضهم من هذا: أنه كلما فرغ من ختم القرآن؛ قرأ فاتحة الكتاب، وثلاث آيات من سورة البقرة؛ لأنه حل بالفراغ، وارتحل بالشروع!
وهذا لم يفعله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا استحبه أحد من الأئمة ...
وقد جاء تفسير الحديث متصلا به: أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل. وهذا له معنيان: أحدهما: أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره. والثاني: أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى " انتهى.
" إعلام الموقعين " (4/306)
والقول الثاني أظهر من حيث الأدلة، إن شاء الله، لعدم ثبوت دليل على استحباب مثل ذلك، بل ظاهر السنة خلافه، كما تقدم بيانه، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب رقم: (12032)
على أننا ننبه ـ هنا ـ إلى أن المسألة، رغم ما رجحناه، هي مسألة اجتهادية، وليست من المسائل القطعية؛ فمن صح عنده أن السلف كانوا يفعلون ذلك، أو اعتقد صحة الحديث الوارد فيه: فإنه لا يبدع ولا يضلل؛ بل لا ينكر عليه.
وهكذا من ترجح عند القول الذي اخترناه، فإنه لا ينكر عليه؛ بل إن الإمام ابن الجزري، رحمه الله، وهو من القائلين بمشروعية ذلك، يقول:
" وعلى كل تقدير فلا نقول: إن ذلك لازم كل قارئ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن أحمد وغيره: من فعله فحسن، ومن لم يفعله فلا حرج عليه " انتهى.
" النشر " (ص/704)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/19)
تحريم قراءة القرآن بأجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن للناس بأجرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن كان المقصود تعليم القرآن للناس وتحفيظهم إياه فلا حرج في أخذ الأجرة على ذلك في أصح قولي العلماء، للحديث الصحيح في القراءة على اللديغ بشرط أجرة معلومة، ولقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث نفسه: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه.
أما إن كان المراد أخذ الأجرة على مجرد التلاوة في أي مناسبة فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم نزاعا بين أهل العلم في تحريم ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (21/211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/20)
جمع عثمان رضي الله عنه المصحف على حرف واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن عثمان رضي الله عنه عندما جمع القرآن في مصحف واحد حذف بعض الأحرف أم أنه أثبت بعض القراءات دون بعض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) . وقال المحققون من أهل العلم: إنها متقاربة في المعنى مختلفة في الألفاظ.
وعثمان رضي الله عنه لما بلغه اختلاف الناس وجاءه حذيفة رضي الله عنه وقال: أدرك الناس. استشار الصحابة الموجودين في زمانه كعلي وطلحة والزبير وغيرهم فأشاروا بجمع القرآن على حرف واحد حتى لا يختلف الناس، فجمعه رضي الله عنه , وكَوَّن لجنة رباعية لهذا , ويرأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه , فجمعوا القرآن على حرف واحد وكتبه ووزعه في الأقاليم حتى يعتمده الناس وحتى ينقطع النزاع.
أما القراءات السبع أو القراءات العشر فهي موجودة في نفس ما جمعه عثمان رضي الله عنه في زيادة حرف أو نقص حرف أو مد أو شكل للقرآن , كل هذا داخل في الحرف الواحد الذي جمعه عثمان رضي الله عنه. والمقصود من ذلك حفظ كلام الله ومنع الناس من الاختلاف الذي قد يضرهم ويسبب الفتنة بينهم. والله جل وعلا لم يوجب القراءة بالأحرف السبعة ; بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فجمع الناس على حرف واحد عمل طيب، ويشكر عليه عثمان والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما فيه من التيسير والتسهيل، وحسم مادة الخلاف بين المسلمين" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز" (9/362) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/21)
تحريم أخذ أجرة على تلاوة القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارئ يقرأ القرآن، فهل يجوز للقارئ أن يأخذ أجرا على قراءته، وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قراءة القرآن عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلبا للمثوبة عنده، لا يبتغي بها من المخلوق جزاء ولا شكورا، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن للأموات أو في ولائم أو حفلات، ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه، ولم يعرف أيضا عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن، بل كانوا يتلونه رغبة فيما عند الله سبحانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل الله به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس) .
وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعدِّ لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعا من الغنم جُعْلاً (يعني: أجرة) على رقية اللديغ، الذي رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف للسنة، ولما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/40) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/22)
قراءة القرآن للمستلقي على السرير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن من المصحف في أثناء الاستلقاء على السرير للشخص الذي لا يعاني من أي مشاكل صحية وجسدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في قراءة القرآن من المصحف والإنسان مستلقي.
وقد روى البخاري (7549) ومسلم (301) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة ويقرأ القرآن.
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم":
"فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئاً" انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"قراءة القرآن من المضطجع لا بأس بها سواء كان مضطجعًا على السرير أو على الأرض. لا بأس بذلك فيتلو الإنسان القرآن على أي حال كان. قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا. وسواء كان متوضئًا أو محدثًا حدثًا أصغر. إذا كانت القراءة عن ظهر قلب. أما إذا كانت القراءة من المصحف فإن المحدث لا يجوز له مس المصحف حتى يتوضأ" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/23)
عقيدة السلف في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[نود أن نعرف عقيدة السلف في القرآن الكريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر أسماء الله وصفاته، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه، وأنه منزل من عنده، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) التوبة/6، والمراد بلا ريب بكلام الله هنا القرآن الكريم، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) النمل/76، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنىً، تكلم الله به حقيقة، وألقاه إلى جبريل الأمين، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين.
ويعتقد السلف أن القرآن منزل، نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً، أي: مفرقاً، في ثلاث وعشرين سنة حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل.
ثم إن النزول يكون ابتدائياً، ويكون سببياً، بمعنى: أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله، وبعضه ينزل بغير سبب، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب.
ثم إن السلف يقولون: إن القرآن من عند الله ابتداءً وإليه يعود في آخر الزمان، هذا قول السلف في القرآن الكريم.
ولا يخفى علينا أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة، وصفه بأنه حكيم، وبأنه كريم، وبأنه عظيم، وبأنه مجيد، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه تكون لمن تمسك بهذا الكتاب، وعمل به ظاهراً وباطناً، فإن الله تعالى يجعل له من المجد، والعظمة، والحكمة، والعزة، والسلطان، ما لا يكون لمن لم يتمسك بكتاب الله عز وجل، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين حكاما ًومحكومين، علماء وعامة إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً، حتى تكون لهم العزة، والسعادة، والمجد، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى كبار علماء الأمة" ص (45) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/24)
هل تغيير الراديو من القرآن إلى الأخبار يعتبر إعراضاً عن سماع القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء السير بالسيارة أو الجلوس بالمنزل كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى، ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار أو قراءة الجريدة، فهل إقفال الراديو أو غيره لغرض استماع الأخبار أو قراءة الصحف يعتبر إعراضاً عن ذكر الله، وما هو الحل في مثل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته، ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/103) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/25)
تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات إلخ، فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بعض بلدان قارة أفريقيا وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الآية على ظاهرها، وما يُقَدِّر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله، وانقطع رزقه، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة، قد يعلمها وقد لا يعلمها، لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) .
وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها، كما قال الله سبحانه: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) . وقال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد.
وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وقوله عز وجل: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمراد بالحسنات في هذه الآية: النعم، وبالسيئات: المصائب. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/241) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/26)
تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامةَ وغَيّروا غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا، قال سبحانه: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) .
وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون، ثم يؤخذون على غرة، كما قال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد، كما قال سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) والمعنى: أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة.
وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصٍ ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما تقدم، والعكس كذلك: إذا كانوا في سوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، غَيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغَيَّر شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغَيَّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/249-251) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/27)
حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم من أجل تذكار آيات القرآن الكريم وملئ الوقت بشيء مفيد، وليس المقصود امتهان آيات الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في استعمال الوسائل المعينة على حفظ وإتقان القرآن الكريم، كالمسابقات، واختبار الحفاظ، والعناية بالمتشابهات، بل ذلك من الأمور المستحبة، لما فيها من تثبيت الحفظ وتقويته والإعانة عليه.
ويدخل في ذلك ما يسمى بالمساجلات، بأن تتلى على الحافظ آية، ثم يطلب منه أن يأتي بآية تبدأ بالحرف الذي ختمت به تلك الآية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/28)
ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن الكريم والسنة النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن والحديث]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن القرآن معجز، وأن أوجه إعجازه كثيرة , فمنها: الإعجاز البياني , والإعجاز التشريعي , والإعجاز الغيبي , وغير ذلك , وأن تحديه للإنس والجن أن يأتوا بمثله ما زال موجودا، قال الله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/88.
وقد تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" (4/90) للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين: (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) فقال: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً، فخلق الله عز وجل السموات سبعا، والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا، والسعي بين الصفا والمروة سبعا، ورمي الجمار سبعا سبعا، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية، وفى رواية أخرى: أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة: أمه أحق به، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف، -أي سبع سنوات من الجدب - ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها سبعا، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا.
ثم عَلَّق ابن القيم قائلا: فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك، فهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، ثم قال: والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى.
وعلى هذا؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علة تخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (69741) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/29)
تفسير قوله تعالى الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار
[السُّؤَالُ]
ـ[الآية رقم: (16) من سورة آل عمران، والآية التي تليها: (الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) . أريد منكم أعزكم الله تفسير الآيتين، وتفسير الآية (15) التي بدايتها (قل أؤنبئكم) وربط المعنى العام، وهل الصبر يليه في المنزلة الصدق، ثم القنوت، ثم الإنفاق في سبيل الله، ثم الاستغفار، أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تفسير السياق.
هذه الآيات جاءت في سياق المقارنة بين شهوات الدنيا ونعيم الآخرة، فبعد أن ذكر الله عز وجل متاع الدنيا وما زين للناس فيها من ملذات، شرع في ذكر نعيم الآخرة، وأنه هو النعيم الحقيقي، والسعادة الأبدية، وقد بدأ الله عز وجل هذا السياق بصيغة الاستفهام التشويقي، فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) آل عمران/15-17.
فمتاع الآخرة خالٍ من كل أذى وكدر، فإذا كان في الدنيا نساء وبنين، ففي الآخرة أزواج مطهرة من كل ما ينفر من نساء الدنيا، وفي هذا الوصف ارتفاع حقيقي على شهوات الأرض وملذاتها.
وأعظم من ذلك كله (رضوان من الله) يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى، فهو أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة، أن يحل عليهم رضوان الله وحبه ولطفه فلا يشقون بعده أبدا.
ثم شرع سبحانه في بيان حقيقة العباد الذي يستحقون هذا النعيم الكبير، وهو سبحانه بصير بهم جميعا، فقال سبحانه: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا، فاغفر لنا ذنوبنا، وقنا عذاب النار)
وقولهم هذا ليس مقصودا لذاته، وإنما المقصود ذلك الإيمان والإقبال على الله تعالى، الذي يحيل حياة المؤمنين إلى تعلق تام بالله عز وجل، وذل وانكسار بين يديه سبحانه، حتى تغدو مغفرة الذنوب، والوقاية من النار أغلى أماني هؤلاء العباد المؤمنين.
يقول ابن القيم رحمه الله: " أخبر سبحانه أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا، ثم شوَّق عباده الى متاع الآخرة، وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى فقال: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) .
ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع ومن هم أهله الذين هم أولى به فقال: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) ، فأخبر سبحانه أن ما أعد لأوليائه المتقين من متاع الآخرة خير من متاع الدنيا، وهو نوعان: ثواب يتمتعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً) ، فأخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهَدا لأولي البصائر، وأنها لعب ولهو تلهو بها النفوس وتلعب بها الأبدان، واللعب واللهو لا حقيقة لهما، وأنهما مشغلة للنفس، مضيعة للوقت، يُقطع بها الجاهلون، فيذهب ضائعا في غير شيء " انتهى. "عدة الصابرين" (ص/168) .
ثانيا: تفسير المفردات.
ذكر سبحانه وتعالى أوصاف عباده المتقين الذين أعد لهم في الجنة من النعيم ما لا يقارن بنعيم الدنيا، وذكر هذه الأوصاف ترغيبا في التحلي بها، والمحافظة على مضامينها.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " يصف تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا) أي: بك، وبكتابك، وبرسولك.
(فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) أي: بإيماننا بك وبما شرعته لنا، فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك. (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
ثم قال: (الصَّابِرِين) أي: في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات.
(وَالصَّادِقِينَ) فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة.
(وَالقَانِتِينَ) والقنوت: الطاعة والخضوع.
(والْمُنفِقِينَ) أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخَلّات، ومواساة ذوي الحاجات.
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يوسف/98، أنه أخرهم إلى وقت السحر، وثبت في الصحيحين وغيرهما من المساند والسنن من غير وجه، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَِاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر. فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ) الحديث " انتهى.
ثالثا: البلاغة والبيان.
ونبين هنا بعض الأمور البلاغية والبيانية في قوله سبحانه: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) ، على طريقة السؤال والجواب، مسترشدين بكلام أهل العلم المفسرين.
1- لماذا ذكر الله تعالى هذه الأوصاف دون غيرها من أوصاف المؤمنين؟
يبين بعض المفسرين أن هذه الأوصاف الخمسة هي التي تجمع وتشمل جميع مقامات العبودية والمعاملة مع الله تعالى.
يقول الإمام البيضاوي رحمه الله: " (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) : حصرٌ لمقامات السالك على أحسن ترتيب.
فإن معاملته مع الله تعالى: إما توسل، وإما طلب.
والتوسل: إما بالنفس: وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل، والصبر يشملهما. وإما بالبدن: وهو إما قولي: وهو الصدق.
وإما فعلي: وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة.
وإما بالمال: وهو الإِنفاق في سبل الخير.
وأما الطلب: فبالاستغفار؛ لأن المغفرة أعظم المطالب، بل الجامع لها.
"تفسير البيضاوي" (2/16)
ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " ذكر هنا أصول فضائل صفات المتدينين، وهي:
الصبر: الذي هو ملاك فعل الطاعات وترك المعاصي.
والصدق: الذي هو ملاك الاستقامة وبث الثقة بين أفراد الأمة.
والقنوت: وهو ملازمة العبادات في أوقاتها، وإتقانها، وهو عبادة نفسية جسدية.
والإنفاق: وهو أصل إقامة أَوَد الأمة بكفاية حاجة المحتاجين، وهو قربة مالية، والمال شقيق النفس.
وزاد الاستغفار بالأسحار: وهو الدعاء والصلاة المشتملة عليه في أواخر الليل، والسحر سدس الليل الأخير؛ لأن العبادة فيه أشد إخلاصا، لما في ذلك الوقت من هدوء النفوس، ولدلالته على اهتمام صاحبه بأمر آخرته، فاختار له هؤلاء الصادقون آخر الليل لأنه وقت صفاء السرائر، والتجرد عن الشواغل " انتهى. "التحرير والتنوير" (3/43) .
2- لماذا جاءت هذه الأوصاف بالترتيب المذكور، هل لذلك سبب معين، وهل يدل ذلك على تفاضل هذه المقامات، أم أنها مقامات متساوية؟
قد يبدو للمتأمل أن هذا الترتيب جاء بسبب تفاضل المقامات المذكورة:
فالصبر يقتضي حبس النفس على الطاعات وترك المعاصي، ولكن حبس النفس لا يؤجر عليه المرء إلا إذا كان صادقا مخلصا لله تعالى، فبدأ بـ " الصابرين " ثم: " والصادقين ".
ثم قد ينقطع العبد عن صبره وصدقه، فيكسل عن العبادة، ويتأخر عن الترقي في مراتبها، فجاء وصف القنوت، وهو الدوام على العبادة والاستقامة، فقال سبحانه: " والقانتين "، ثم سمى سبحانه وتعالى بعض الطاعات التي أوجبت لهم أوصاف التقوى والصبر والمرتبة العالية: فذكر عز وجل: (المنفقين والمستغفرين بالأسحار) .
يقول الفخر الرازي رحمه الله: " اعلم أن لله تعالى على عباده أنواعاً من التكليف، والصابر هو من يصبر على أداء جميع أنواعها.
وكمال هذه المرتبة أنه إذا التزم طاعة أن يصدق نفسه في التزامه، وذلك بأن يأتي بذلك للملتزم من غير خلل ألبتة، ولما كانت هذه المرتبة متأخرة عن الأولى، لا جرم ذكر سبحانه الصابرين أولاً، ثم قال: (الصادقين) ثانياً.
ثم إنه تعالى ندب إلى المواظبة على هذين النوعين من الطاعة، فقال: (والقانتين) .
فهذه الألفاظ الثلاثة للترغيب في المواظبة على جميع أنواع الطاعات.
ثم بعد ذلك ذكر الطاعات المعينة، وكان أعظم الطاعات قدراً أمران:
أحدهما: الخدمة بالمال، فذكر هنا بقوله: (والمنفقين) .
والثاني: الخدمة بالنفس، فذكره هنا بقوله: (والمستغفرين بالأسحار) .
فإن قيل: فلم قدم ههنا ذكر المنفقين على ذكر المستغفرين؟
قلنا: لأن هذه الآية في شرح عروج العبد من الأدنى إلى الأشرف، فلا جرم وقع الختم بذكر المستغفرين بالأسحار " انتهى باختصار. "مفاتيح الغيب" (7/176-177) .
هذا وقد ذكر المفسرون كلاما دقيقا في سر العطف بالواو بين هذه الأوصاف، لا نحب أن نطيل به على القارئ الكريم، فمن أحب الاستزادة منه فليرجع إلى التفاسير السابق ذكرها في هذا الجواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/30)
معنى حديث قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يخص جوابك على السؤال رقم 4156 البند رقم 2، إذن فلن يكون هناك حاجة لتعلم القرآن بكامله , أو حتى لقراءته في شهر رمضان.. إلخ، كل ما تحتاج إليه هو أن تقرأ سورة الإخلاص. أظن أنك أخطأت. فسورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن. إنه من المدهش أن نعتقد أن قراءة سورة الإخلاص 3 مرات تمنحك بركة قراءة القرآن "بأكمله"، وإذن فلن تكون هناك فائدة من قراءة القرآن كاملا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: هذه بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها أن سورة (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن.
روى البخاري (6643) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا [أي يراها قليلة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .
وروى مسلم (811) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. قَالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
وروى مسلم (812) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
ثانياً: فضل الله واسع، فقد تفضَّل الله على الأمة، وعوَّض قِصَر عمرها بمزيد من الأجر على أعمال يسيرة. والعجيب أن بعض الناس بدلاً من أن يكون ذلك دافعاً له على الازدياد من الخير والحرص عليه تحوَّل هذا عنده إلى فتور وكسل عن أداء الطاعات، أو تَعَجُّبٍ واستبعادٍ لهذا الفضل والثواب.
وأما معنى الحديث:
فهناك فرق بين الجزاء والإجزاء. والذي أوقع الأخ السائل في الإشكال هو عدم التفريق بينهما.
فالجزاء: هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على الطاعة.
والإجزاء: هو أن يسدَّ الشيء عن غيره ويجزئ عنه.
فقراءة {قل هو الله أحد} لها جزاء قراءة ثلث القرآن، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن.
فمن نذر – مثلاً – أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئه قراءة {قل هو الله أحد} لأنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء والثواب لا في الإجزاء والإغناء عن قراءة ثلث القرآن.
ومثل هذا يقال في قراءتها ثلاث مرات، فمن قرأها في صلاته ثلاث مرات لا تجزئه عن قراءة الفاتحة، مع أنه يُعطى جزاء وأجر قراءة القرآن كاملاً، لكن لا يعني هذا أنها أجزأته عن الفاتحة.
ومثل هذا في الشرع: ما أعطاه الشارع لمن صلَّى صلاة واحدة في الحرم المكي، وأنه له أجر مائة ألف صلاة، فهل يفهم أحد من هذا الفضل الرباني أنه لا داعي للصلاة عشرات السنين لأنه صلَّى صلاة واحدة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة؟ .
بل هذا في الجزاء والثواب، أما الإجزاء فشيء آخر.
ثم إنه لم يقل أحد من أهل العلم إنه ليس بنا حاجة لقراءة القرآن، وأن {قل هو الله أحد} كافية عنه؛ ذلك أن القول الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه السورة كان لها هذا الفضل لأن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام: ثلث منها للأحكام، وثلث منها للوعد والوعيد، وثلث منها للأسماء والصفات.
وهذه السورة جمعت الأسماء الصفات.
هذا قول أبي العباس بن سريج واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (17 / 103) .
والمسلم لا غنى له عن الأمرين الآخرين وهما الأحكام والوعد والوعيد، ولا يتم له معرفتهما إلا بالنظر في كتاب الله كاملاً، ولا يمكن لمن يقف عند سورة " الصمد " أن يعرف هذين الأمرين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
والثواب أجناس مختلفة كما أن الأموال أجناس مختلفة من مطعوم ومشروب وملبوس ومسكون ونقد وغير ذلك، وإذا ملك الرجل من أحد أجناس المال ما يعدل ألف دينار مثلا لم يلزم من ذلك أن يستغنيَ عن سائر أجناس المال، بل إذا كان عنده مال وهو طعام فهو محتاج إلى لباس ومسكن وغير ذلك، وكذلك إن كان من جنس غير النقد فهو محتاج إلى غيره، وإن لم يكن معه إلا النقد فهو محتاج إلى جميع الأنواع التي يحتاج إلى أنواعها ومنافعها، والفاتحة فيها من المنافع: ثناء ودعاء مما يحتاج الناس إليه ما لا تقوم {قل هو الله أحد} مقامه في ذلك، وإن كان أجرها عظيماً فذلك الأجر العظيم إنما ينتفع به صاحبه مع أجر فاتحة الكتاب ولهذا لو صلى بها وحدها بدون الفاتحة: لم تصح صلاته، ولو قدِّر أنه قرأ القرآن كله إلا الفاتحة: لم تصح صلاته لأن معاني الفاتحة فيها الحوائج الأصلية التي لابد للعباد منها. " مجموع الفتاوى " (17 / 131) .
وقال رحمه الله:
فالقرآن يحتاج الناس إلى ما فيه من الأمر والنهي والقصص، وإن كان التوحيد أعظم من ذلك، وإذا احتاج الإنسان إلى معرفة ما أُمر به وما نهي عنه من الأفعال أو احتاج إلى ما يؤمر به ويعتبر به من القصص والوعد والوعيد: لم يسدَّ غيرُه مسدَّه، فلا يسدُّ التوحيدُ مسدَّ هذا، ولا تسدُّ القصص مسدَّ الأمر والنهي ولا الأمر والنهي مسدَّ القصص، بل كل ما أنزل الله ينتفع به الناس ويحتاجون إليه.
فإذا قرأ الإنسان {قل هو الله أحد} : حصل له ثوابٌ بقدر ثواب ثلث القرآن لكن لا يجب أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل ببقية القرآن، بل قد يحتاج إلى جنس الثواب الحاصل بالأمر والنهي والقصص، فلا تسد {قل هو الله أحد} مسد ذلك ولا تقوم مقامه.
ثم قال رحمه الله:
فالمعارف التي تحصل بقراءة سائر القرآن لا تحصل بمجرد قراءة هذه السورة فيكون من قرأ القرآن كله أفضل ممن قرأها ثلاث مرات من هذه الجهة لتنوع الثواب، وإن كان قارئ {قل هو الله أحد} ثلاثاً يحصل له ثواب بقدر ذلك الثواب لكنه جنس واحد ليس فيه الأنواع التي يحتاج إليها العبد كمن معه ثلاثة آلاف دينار وآخر معه طعام ولباس ومساكن ونقد يعدل ثلاثة آلاف دينار فإن هذا معه ما ينتفع به في جميع أموره وذاك محتاج إلى ما مع هذا، وإن كان ما معه يعدل ما مع هذا، وكذلك لو كان معه طعام من أشرف الطعام يساوي ثلاثة آلاف دينار فإنه محتاج إلى لباس ومساكن وما يدفع به الضرر من السلاح والأدوية وغير ذلك مما لا يحصل بمجرد الطعام.
" مجموع الفتاوى " (17 / 137 – 139) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/31)
القرآن الكريم هل هو من أنواع الشِّعْر أم من النثر أم هو شيء آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن القول بأن القرآن شكل من أشكال الشعر، مع العلم أنه يقال إن في القرآن مذكور أنه ليس بقول شاعر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس القرآن شعراً، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً، بل وما ينبغي له، قال تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحاقة/38-43، وقال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) يس/69.
ثانياً:
كلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً ونثراً، ولا يعرف العرب غيرهما، وما يذكره بعض العلماء من وجود قسم ثالث وهو " السجع ": فهو داخل في النثر، وليس قسماً مستقلاًّ، حتى جاء الله تعالى بالقرآن، وأنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبهرت كلماته عقول العرب، وأخذ أسلوبه بألبابهم، فتركهم في حيرة، فلا هو بالشعر الذي ينظمونه، ولا هو بالنثر الذي يقولونه، ومن قال منهم إنه " شعر ": فهو مكابر، كاذب، يعرف نفسه أنه غير صادق، أو أنه لا يعرف الشعر، ولو كان شعراً فما الذي منعهم من النظم على منواله؟! .
ولذلك رأينا اعتراف الصادقين منهم أن القرآن ليس بشعر، ومن هؤلاء المعترفين بذلك:
1. أبو الوليد عتبة بن ربيعة:
روى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيِّداً -، قال يوماً - وهو في نادي قريش، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده -: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنَّا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي اللَّه عنه، ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثرون، ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي إنك منَّا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً: جمعنا لك من أموالنا كيْ تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً: سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً: ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك: طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم (حم. تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) فصلت/ 1 – 5، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو اللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب: فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب: فمُلكه ملككم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 205) ، وأبو نعيم في " الدلائل " (1 / 304) وحسَّنه الألباني في التعليق على " فقه السيرة " للغزالي (ص 113) .
2. الشاعر أنيس الغفاري:
قد روى مسلم (2473) من حديث أبي ذر رضي الله عنه: قصة إسلامه وإسلام أنيس أخيه، وفيها قال: (فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني - أي: ابق مع أمي - فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث علىَّ، ثم جاء، فقلت ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء.
قال أنيس لقد سمعت قول الكهة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - (أي على أنواع الشعر وطرقه وأوزانه، واحدها: قَرْء) - فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر - أي: إنه ليس بشعر - والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون ... ) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:
ومعنى الكلام: أنه لما اعتبر القرآن بأنواع الشعر: تبيَّن له أنه ليس من أنواعه، ثم قطع: بأنه لا يصح لأحد أن يقول: إنه شِعر.
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (6 / 394) .
ثالثاً:
إذا كان القرآن ليس شعراً، كما نفاه الله تعالى عنه، ونفاه عنه الشعراء الصادقون، فهل هو من النثر؟ والجواب: لا، ولا هو من النثر، ومن تأمل في كتاب الله تعالى حق التأمل، وكان له ذوق لغوي وبلاغي: علم أنه ليس من النثر، بل هو قسم ثالث من أقسام الكلام في لغة العرب، وقد اعترف بهذا كبار الأدباء قديماً وحديثاً، ونذكر هنا شهادة رجل من الأدباء، وله موقف معروف من الشرع، وهو " طه حسين " وشهادته هنا مهمة؛ لأنه من أهل الاختصاص من جهة، ومن جهة أخرى فهو لن يجامل أحداً!
ومما قاله طه حسين:
ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم، ليس شعراً، وهذا وضع، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثراً؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، فهو ليس شعراً، ولا نثراً، ولكنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ، فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعراً.
كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً ... .
" من حديث الشعر والنثر " - الأعمال الكاملة – (5 / 577) بواسطة مقال " حول إعجاز القرآن الكريم، الابتداء بالأسلوب " (من ص 75 - 84) للدكتور علي حسن العماري، نشر في مجلة " الجامعة الإسلامية " العدد 24،، ربيع الثاني 1394هـ.
وهذا المقال نفيس، وفيه بيان المسألة بوضوح وجلاء، ومما قاله الدكتور الفاضل فيه:
فمشركو العرب ادَّعوا أن القرآن شعر، وادعوا أنه كهانة، ومعنى هذا: أن شبه القرآن عندهم بالشعر، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه، فهم - بذلك - يقرون أنه ليس كسائر الكلام، وإنما هو نوع خاص منه، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً، أو أن يكون قول كاهن، كما نفى القرآن الكريم ذلك، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي: مخالف لكلام العرب، ومتميز عنه، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم، وتراكيبه تراكيبهم.
وقال:
ذكر " عيسى بن علي الرماني " (متوفى 386 هـ) في رسالته " النكت في إعجاز القرآن " أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: " وأما نقض العادة: فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة " انتهى.
وقال الدكتور الفاضل:
وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني، فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله: " إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك: لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب " انتهى.
فتبين مما سبق أن القرآن كلام الله تعالى، أحكم آياته، وفصَّلها، وبيَّنها، بكلام عربي مبين، وليس هو على طريقة ما عرفه العرب من الشعر، والنثر، بل هو قرآن، قسم خاص، لا يشبه الشعر والنثر، ولا يشبهانه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(3/32)