معنى اسم الله عز وجل المقيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المقيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر ابن جرير في معناه أقوالاً: المقيت هو الحفيظ، والشهيد، والحسب، والقائم على كل شيء بالتدبير، وصوّب المعنى الأخير.
والله المقيت أي الحافظ الشاهد القادر على كل شيء.
فالمقيت: الحفيظ، والمقتدر، الشاهد للشيء، وهو الذي يُنزل الأقوات للخلق ويقسم أرزاقهم.
والمقيت: الممد فهو سبحانه دبر الحيوانات بأن جبلها على أن يحلل منها على ممر الأوقات شيئاً بعد شيء، ويعوض ما يتحلل غيره فهو يمدها في كل وقت بما جعله قواماً لها إلى أن يريد إبطال شيء منها فيحبس عنه ما جعله مادة لبقائه فيهلك.
وجاء في بعض الروايات بلفظ المغيث بدل المقيت، وفُسِّر المغيث بأنه المدرك عباده في الشدائد إذا دعَوه، ومجيبهم ومخلصهم، وهو في معنى المجيب والمستجيب إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر.
قال ابن القيم:
وهو المغيث لكل مخلوقاته وكذا يجيب إغاثة اللهفان
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 246(1/776)
شرح حديث " خلق الله آدم على صورته "
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما قال رسول الله " وخلق الله آدم على صورته أو هيئته " إلى من تعود كلمة صورته أو هيئته، وكيف نفسر هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن".
وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ".
وروى ابن أبي عاصم في السنة (517) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن". قال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله: (هذا حديث صحيح صححه الأئمة، الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية وليس لمن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة، وقد خالفه من هو أجل منه) .
وروى ابن أبي عاصم (516) أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه" وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح.
وهذان الحديثان يدلان على أن الضمير في قوله " على صورته " راجع إلى الله تعالى.
وروى الترمذي (3234) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي حديث الشفاعة الطويل: " فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" رواه البخاري (7440) ومسلم (182) .
ومن هذه الأحاديث يعلم أن الصورة ثابتة لله تعالى، على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها، على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستواءه على العرش، ونحو ذلك) نقض التأسيس 3/396
والصورة في اللغة: الشكل والهيئة والحقيقة والصفة. فكل موجود لابد أن يكون له صورة.
قال شيخ الإسلام: (وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به، فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه ليس له صورة يكون عليها) .
وقال: (لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة) نقض التأسيس 3/202
وقال ابن قتيبة رحمه الله: (الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد) تأويل مختلف الحديث ص 221
قال الشيخ الغنيمان: (وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى، فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي وجب إثباتها والإيمان بها) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/41
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله سبحانه خلق آدم على صورته. فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله:
الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" وفي لفظ آخر: " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل.
والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا، متكلما إذا شاء، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء، وله وجه جل وعلا.
وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى / 11، وقال سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) الإخلاص / 4، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226
ومما يبين معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) رواه البخاري (3245) ومسلم (2834) ، فمراده صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم على صورة البشر، ولكنهم في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه، وما أشبه ذلك على صورة القمر، فصورتهم فيها شبه بالقمر، لكن بدون ممائلة ... فتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق آدم على صورته) أي أن الله عز وجل خلق آدم على صورته سبحانه، فهو سبحانه له وجه وعين وله يد ورجل سبحانه وتعالى، وآدم له وجه وله عين وله يد وله رجل ... ، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر، لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أنّ جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليس مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1 / 107، 293)
وللمزيد ينظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ الغنيمان 2/33-98 وفيه نقل مطول عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يبطل تأويلات أهل الكلام ومن وافقهم لهذا الحديث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/777)
الفرق بين الرحمن والرحيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الرحمن والرحيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله تعالى، يدلان على اتصاف الله تعالى بالرحمة.
والرحمن يدل على سعة رحمة الله، والرحيم يدل على إيصالها لخلقه، فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: ذو الرحمة الواصلة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (الرحمن: هو ذو الرحمة الواسعة؛ لأن فَعْلان في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء، كما يقال: رجل غضبان، إذا امتلأ غضبا.
الرحيم: اسم يدل على الفعل؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل، فهو دال على الفعل، فيجتمع من (الرحمن الرحيم) أن رحمة الله واسعة، وتؤخذ من (الرحمن) ، وأنها واصلة إلى الخلق، وتؤخذ من (الرحيم) ، وهذا ما رمى إليه بعضهم بقوله: (الرحمن) رحمة عامة، و (الرحيم) رحمة خاصة بالمؤمنين. ولكن ما ذكرناه أولى) .
انتهى من شرح العقيدة الواسطية 1/22
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/778)
معنى الباطن والظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح لنا معنى اسم الله عز وجل (الباطن) ومعنى (الظاهر) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فسر معنى الاسمين حديث أبو هريرة رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) رواه مسلم.
فالظاهر فسره بالظهور بمعنى العلو، والله تعالى عال على كل شيء، وفسره بعضهم بالظهور، بمعنى البروز: فهو الذي ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وأدلة وحدانيته فهو الظاهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن لأنه غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عز وجل عن ذلك وتعالى علواً كبيراً.
والله سبحانه هو الظاهر بحكمته وخلقه وصنائعه وجميع نعمه التي أنعم بها فلا يرى غيره، والباطن هو المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل.
ونسب إلى بعض العلماء تفسير الباطن بالقريب حيث قال: الباطن: أقرب من كل شيء بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه.
وفسر الباطن بالعالم ببواطن الأمور، فهو ذو الباطن، وكذا هو عالم بظواهرها. قال البخاري: قال يحيى - وهو الفرّاء - "هو الظاهر على كل شيء علما، والباطن على كل شيء علما ".
وفسر بعضهم: بأنه غير مدرَك بالحواس كالأشياء المخلوقة التي تدرك بالحواس.
وقيل: هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم.
ومع أن هذه المعاني كلها صحيحة إلا أن الأولى الالتزام بالتفسير النبوي وهو خير ما يفسر به لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى. وقد قال ابن جرير: " الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه، وهو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ".
وذكر ابن القيم أن من جحد فوقيته فقد جحد لوازم اسمه " الظاهر " ولا يصح أن يكون الظاهر من له فوقية القَدْر فقط كما يقال الذهب فوق الفضة؛ لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها، ولا يصح أن يكون القهر والغلبة فقط وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة، فله سبحانه العلو المطلق من كل وجه وهو علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.
واسمه سبحانه الباطن: لا يقتضي السفول، والسفول نقص هو منزه عنه، فإنه سبحانه العلي الأعلى لا يكون قط إلا عاليا.
وقد ربط الظاهر بالباطن، والظهور يقارنه العلو فكلما كان الشيء أعلى كان أظهر، وكل من العلو والظهور يتضمن المعنى الآخر ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " فليس فوقك شيء " ولم يقل: " ليس أظهر منك شيء "؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية.
وفيه أيضا إحاطة الله تعالى بالعالم وعظمته سبحانه واضمحلال كل شيء عند عظمته، هو الباطن سبحانه يدل على اطلاعه على السرائر والضمائر والخبايا ودقائق الأشياء.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى إعداد الدكتورة حصة الصغير ص 61(1/779)
حكم قراءة الأسماء الحسنى بترتيب معين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي بعض الناس إذا قلت كذا وكذا وبعدد معين من المرات فسوف تحصل على كذا وكذا من الأجر أو إذا قرأت أسماء الله الحسنى بترتيب معين فستحصل على كذا وكذا. فأرجو أن تنصحني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب الشيخ عبد الله بن قعود بما يلي: لا يجوز ذلك ولو اعتقده يكون بدعة. انتهى. وكلّ ذكْر يقيّد بعدد معيّن أو مكان معيّن أو زمان معيّن أو كيفيّة معيّنة لم ترد في الشريعة يكون بدعة. وأما بالنسبة للأسماء الحسنى التعبّد بها يكون بدعاء الله بها كما قال عزّ وجلّ: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وليس مجرد قراءتها بترتيب معيّن عبادة مشروعة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن قعود(1/780)
ترجمة أسماء الله إلى غير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من التحريف في أسماء الله ترجمتها إلى لغة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجوز ترجمة أسماء الله لمن لا يعرف اللغة العربية بلغتهم إذا كان المترجم بصيراً باللغتين كما يجوز أن تترجم لهم معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتفهيمهم الدين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/122(1/781)
معنى اسم الله الحسيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الحسيب) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحسيب: الكافي فهو كافي المتوكلين وهو الكافي عن الشهود.
(إن الله كان على كل شيء حسيباً) النساء/86
وفسر بالحفيظ يحفظ الأعمال ثم يجازيهم عليها، فالله عز وجل حسيب عباده أي محاسبهم على أعمالهم ومجازيهم عليها بحسب حكمته وعلمه بدقائق أعمالهم وجليلها، فحسابهم على الخير والشر يقع بمثاقيل الذر.
وهو المحسوب عطاياه وفواضله، وهو المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب لأن الحاسب يدرك الأشياء فشيئاً ويعلم الجملة عند انتهاء حسابه، والله سبحانه لا يتوقف علمه على أمر يكون وحال يحدث.
وهو الكافي وكفايته سبحانه وتعالى عامة وخاصة:
فالعامة: كفايته سبحانه للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياه من حصول المنافع ودفع المضار.
والخاصة: كفايته لعبده التقي المتوكل عليه كفاية يصلح بها دينه ودنياه ومن ذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) الأنفال/64
أي كافيك وكافي أتباعك، ويحسب ما يقوم به العبد من متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية الله تعالى تكون الكفاية والعزة والنصرة، فإن الله سبحانه وحده كافي عباده فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة كما قال تعالى: (أليس الله بكافٍ عبده) الزمر/36.
والله سبحانه وتعالى هو أسرع الحاسبين فحين يرد إليه العباد فيحاسبهم لا يشق عليه ذلك فهو سبحانه يعلم عددهم وأعمالهم وآجالهم وجميع أمورهم، وقد أحصاها وعلم مقاديرها ومبالغها وهو لا يحسب بعقد يد ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
قال ابن القيم:
وهو الحسيب كفاية وحماية والله كافي العبد كل أوان
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 93(1/782)
معنى حديث خلق الله آدم على صورته
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن الفهم الصحيح لحديث (خلق آدم على صورة الرحمن) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ..) رواه البخاري (6227) ومسلم (2841)
أما حديث: (لا تقبِّحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن)
فقد ضعّفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (1176) .
ولعل السائل أشكل عليه فهم هذا الحديث مع قول الله تعالى: (ليس كمثله شيء) الشورى /25.
وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بجوابين:
الأول: جواب مجمل. الثاني: جواب مفصل.
أما الجواب المجمل: فهو أنه لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) الشورى/11، فإن يسّر الله لنا التوفيق بينهما، وإلا فإننا نقول: (ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) آل عمران / 7، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، وبهذا نسلم أمام الله عز وجل. وهذا كلام الله , وهذا كلام رسوله والكل حقّ ولا يمكن أن يكذِّب بعضه بعضاً. فنقول الآية فيها نفي مماثلة الخلق لله تعالى، والحديث فيه إثبات الصورة لله عز وجل، والكل حق نؤمن به، ونقول كل من عند ربنا، ونسكت، وهذا غاية ما نستطيع.
انظر شرح الواسطية لابن عثيمين.
وأما الجواب المفصل:
فهذا الحديث يثبت أن الله تعالى له صورة، وأن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى على صورته.
ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على أن صورة آدم عليه السلام مماثلة لصورة الله تعالى، بل هذا المعنى باطل قطعاً، ولم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى يقول: (ليس كمثله شيء) ولا يلزم من تشبيه شيء بشيء أن يكون مثله مطابقاً له من كلِّ وجه، بل تحصل المشابهة بالاشتراك في بعض الصفات ولا يشترط تطابق كل الصفات وتماثلها.
ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " رواه البخاري (3327) ومسلم (2834)
فليس معنى هذا الحديث أنهم دخلوا الجنة وصورتهم مطابقة لصورة القمر من كلّ وجه، وإلا لزم من ذلك أنهم دخلوا الجنة وليس لهم أعين ولا أفواه، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!!
وإنما معنى الحديث أنهم على صورة القمر في الحسن والوضاءة والجمال واستنارة الوجه، وما أشبه ذلك.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله عز وجل ويكون آدم عليها؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكن ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه بالقمر، لكن بدون مماثلة. وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص/107-110.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/783)
الله تعالى عالٍ على خلقه وهو قِبَل وجه المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا أن الله تعالى يكون أمام المصلي؟ فما معنى ذلك؟ وهل هذا يعارض أن الله تعالى في السماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في السؤال رقم (992) ، (11035) ذكر الأدلة على أن الله تعالى مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه.
وورد في الحديث الذي رواه البخاري (406) ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى) .
ولا تعارض بين هذا وبين علو الله تعالى على خلقه.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (5/101) :
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ) حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُوَ قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي ; بَلْ هَذَا الْوَصْفُ يَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقَاتِ. فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَوْ أَنَّهُ يُنَاجِي السَّمَاءَ أَوْ يُنَاجِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَكَانَتْ السَّمَاءُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَوْقَهُ وَكَانَتْ أَيْضًا قِبَلَ وَجْهِهِ اهـ.
وقال أيضاً (5/672) :
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْقَمَرِ وَخَاطَبَهُ - إذَا قُدِّرَ أَنْ يُخَاطِبَهُ - لا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ إلا بِوَجْهِهِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ، فَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ بِوَجْهِهِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ. . . فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ وَهُوَ فَوْقَهُ، فَيَدْعُوهُ مِنْ تِلْقَائِهِ لا مِنْ يَمِينِهِ وَلا مِنْ شِمَالِهِ، وَيَدْعُوهُ مِنْ الْعُلُوِّ لا مِنْ السُّفْلِ اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين:
الدليل على أن الله قبل وجه المصلي:
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه) .
وهذه المقابلة ثابتة لله حقيقة على الوجه اللائق به ولا تنافي علوه والجمع بينهما من وجهين:
1- أن الاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق كما لو كانت الشمس عند طلوعها فإنها قبل وجه من استقبل المشرق وهي في السماء فإذا جاز اجتماعهما في المخلوق فالخالق أولى.
2- أنه لو لم يمكن اجتماعهما في حق المخلوق فلا يلزم أن يمتنع في حق الخالق لأن الله ليس كمثله شئ. اهـ "فتاوى ابن عثيمين" (4/287) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/784)
أسماء الله تعالى غير محصورة في تسعة وتسعين اسماً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أسماء الله تعالى الحسنى تسعة وتسعون اسماً فقط؟ أم أنها أكثر من ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد. انظر: "المحلى" (1/51) .
وهذا الذي قاله ابن حزم رحمه الله لم يوافقه عليه عامة أهل العلم، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد. وكأنهم اعتبروا قول ابن حزم شذوذاً لا يلتفت إليه.
واستدلوا على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى في هذا العدد بما رواه أحمد (3704) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/374) عن هذا الحديث:
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ.
وقال أيضاً (22/482) :
قَالَ الخطابي وَغَيْرُهُ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَنَّ فِي أَسْمَائِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: إنَّ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) فَأَمَرَ أَنْ يُدْعَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقُلْ: لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ.
ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم اتفاق العلماء على ذلك، فقال:
اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَصْر لأَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , فَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاء غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ , وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة , فَالْمُرَاد الإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لا الإِخْبَار بِحَصْرِ الأَسْمَاء اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال:
" أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك. . إلى أن قال: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) .
وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة، فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله. فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/122) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/785)
هل يوصف الله تعالى بالمكر والخيانة والخداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوصف الله تعالى بالمكر والخداع والخيانة، كما في قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفات الله تعالى كلها صفات كمال، دالة على أحسن المعاني وأكملها، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل/60. وقال تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم/27.
ومعنى المثل الأعلى أي الوصف الأكمل.
قال السعدي في تفسيره (ص 718، 1065) :
"المثل الأعلى" هو كل صفة كمال اهـ.
والصفات ثلاثة أنواع:
الأول: صفات كمال، لا نقص فيه بوجه من الوجوه. فهذه يوصف الله تعالى بها وصفاً مطلقاً ولا يقيد بشيء، مثال ذلك: العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة. . . إلخ.
الثاني: صفات نقص، لا كمال فيها، فهذه لا يوصف الله تعالى بها أبداً، كالنوم، والعجز، والظلم، والخيانة. . إلخ.
الثالث: صفات يمكن أن تكون كمالاً، ويمكن أن تكون نقصاً، على حسب الحال التي تُذكر فيها.
فهذه لا يوصف الله تعالى بها على سبيل الإطلاق، ولا تنفى عن الله تعالى على سبيل الإطلاق، بل يجب التفصيل، ففي الحال التي تكون كمالاً يوصف الله تعالى بها، وفي الحال التي تكون نقصاً لا يوصف الله تعالى بها. ومثال هذا: المكر، والخديعة، والاستهزاء.
فالمكر والخديعة والاستهزاء بالعدو صفة كمال، لأن ذلك يدل على كمال العلم والقدرة والسلطان. . ونحو ذلك.
أما المكر بالمؤمنين الصادقين فهو صفة نقص.
ولذلك لم يرد وصف الله تعالى بهذه الصفات على سبيل الإطلاق، وإنما ورد مقيداً بما يجعله كمالاً.
قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء /142. فهذا خداع بالمنافقين.
وقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال/30. وهذا مكر بأعداء الله الذين كانوا يمكرون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال عن المنافقين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة /14-15. وهذا استهزاء بالمنافقين.
فهذه الصفات تعتبر كمالاً في هذا السياق الذي وردت فيه. ولهذا يقال: الله تعالى يستهزئ بالمنافقين، ويخادعهم، ويمكر بأعدائه. . . ونحو ذلك. ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالمكر والخادع وصفاً مطلقاً. لأنه حينئذٍ لا يكون كمالاً.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يوصف الله بالمكر؟ وهل يسمى به؟
فأجاب:
" لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيداً، فلا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً، قال الله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف/99. ففي هذه الآية دليل على أن لله مكراً، والمكر هو التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر. ومنه جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (الحرب خدعة) .
فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟
قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: "إن الله ماكر" وإنما تذكر هذه الصفة في مقام يكون مدحاً، مثل قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) الأنفال /30، وقوله: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) النمل /50.
ولا تنفى هذه الصفة عن الله على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام الذي تكون مدحاً يوصف بها، وفي المقام الذي لا تكون فيه مدحاً لا يوصف بها. وكذلك لا يسمى الله به فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر، والمكر من الصفات الفعلية لأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه" اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/170) .
وسئل أيضاً: هل يوصف الله بالخيانة؟ والخداع كما قال الله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم) ؟
فأجاب:
" أما الخيانة فلا يوصف الله بها أبداً، لأنها ذم بكل حال، إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم، قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال /71، ولم يقل: فخانهم.
وأما الخداع فهو كالمكر يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً، ولا يوصف به على سبيل الإطلاق قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء /142 اهـ.
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/171) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
السلام سؤال وجواب(1/786)
معنى اسم الله الحليم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح لي معنى اسم الله الحليم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد اسم الله الحليم في عدة مواضع من القرآن الكريم , منها قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة/235، وقوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة / 263.
قال ابن جرير في "تفسيره" (4/144) : (يعني: أنه ذو أناة , لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة) ا. هـ
وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (63) : (هو ذو الصفح والأناة , الذي لا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص.
ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم , إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة , والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة) ا. هـ
وقال قِوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/144) : (حليم عمن عصاه , لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه , فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله , وهذا الاسم وإن كان مشتركا يوصف به المخلوق , فحلم المخلوق حلم لم يكن في الصغر , ثم كان في الكبر , وقد يتغير بالمرض والغضب والأسباب الحادثة , ويفنى حلمه بفنائه , وحلم الله عز وجل لم يزل ولا يزول , والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره , ويحلم عمن لا يقدر عليه , والله تعالى حليم مع القدرة) ا. هـ
وقال ابن القيم في "نونيته" (3278) :
(وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصيان)
وقال السعدي في "تفسيره" (19) : (الحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة , مع معاصيهم وكثرة زلاتهم , فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا , ويمهلهم كي ينيبوا) ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/787)
معنى اسم الله الخافض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح لي معنى اسم الله الخافض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل شرح معنى هذا الاسم لابد من العلم ببعض المسائل المهمة المتعلقة بأسماء الله تعالى:
أولاً: (الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.
وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب والسنة وجب إثباته.
وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه مع إثبات كمال ضده.
وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى , لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.
وأما معنى اسم الخافض فيُفصل فيه: فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول , وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده) ا. هـ من "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" لابن عثيمين.
ثانياً: (الفعل أوسع من الاسم , ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل , كأراد وشاء وأحدث , ولم يسم بـ " المريد" و"الشائي" و"المحدث" كما لم يسم نفسه بـ "الصانع" و"الفاعل" و"المتقن" وغير ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه , فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء.
وقد أخطأ خطأً كبيراً من اشتق له من كل فعل اسما , وبلغ بأسمائه زيادة على الألف , فسماه "الماكر , والمخادع , والفاتن , والكائد " ونحو ذلك.
وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به , فإنه يخبر عنه بأنه "شيء وموجود ومذكور , ومعلوم , ومراد " ولا يسمى بذلك.
فأما " الواجد " فلم تجىء تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , ومعناه صحيح , فإنه ذو الوجد والغنى , فهو أولى بأن يسمى به من "الموجود" ومن " الموجد " أما " الموجود " فإنه منقسم إلى كامل وناقص , وخير وشر (ففيه يكون الشيء كاملاً أو ناقصاً) , وما كان مسماه منقسما لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى , كالشيء والمعلوم , ولذلك لم يسم بـ " المريد" و"المتكلم" وأما "الموجد" فقد سمى نفسه بأكمل أنواعه , وهو "الخالق , البارئ , المصور " فـ "الموجد" كـ "المحدث، والفاعل، والصانع " , وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى , فتأمله , وبالله التوفيق) ا. هـ من "مدارج السالكين" لابن القيم (3/383_385) .
ثالثاً: (أن ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات توقيفي , وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا , كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه , فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع) ا. هـ من "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/162) .
رابعاً: (أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم نقصا تعالى الله عن ذلك , فمنها المعطي المانع , والضار النافع , والقابض الباسط , والمعز المذل , والخافض الرافع , فلا يطلق على الله عز وجل المانع الضار القابض المذل الخافض كلا على انفراده , بل لا بد من ازدواجها بمقابلاتها , إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك) ا. هـ من "معارج القبول" للحكمي (1/64) .
إذا تبين ما سبق فاسم الخافض , لا يعرف أنه ورد إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , كما سبق في كلام ابن القيم , وهو ما قرره غير واحد من أهل العلم كالإمام ابن تيمية _ كما في "الفتاوى" (6/379_380، 8/96، 22/482) _ والحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/515) والحافظ ابن حجر في "الفتح" (11/221) و"البلوغ" (1395) وغيرهم.
ولكن معنى الاسم صحيح بشرط أن يقرن باسم الرافع , وثبت في "صحيح مسلم" (179) من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ... " الحديث , وجاء في ذلك بعض الآثار عن السلف , ومن ذلك ما علقه البخاري في "صحيحه" (فتح _ 8/487) مجزوما به عن أبي الدرداء أنه قال في تفسير قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن / 29 قال: " يغفر ذنبا , ويكشف كربا , ويرفع قوما , ويضع آخرين ". وروي عنه مرفوعا.
إذا تبين هذا فلأهل العلم كلام في معنى الخافض , ومن ذلك ما يلي:
1_ قال الخطابي في "شأن الدعاء" (58) : (الخافض الرافع: وكذلك القول في هذين الاسمين يستحسن أن يوصل أحدهما في الذكر بالآخر , فالخافض: هو الذي يخفض الجبارين ويذل الفراعنة المتكبرين , والرافع: هو الذي رفع أولياءه بالطاعة فيعلي مراتبهم وينصرهم على أعدائه ويجعل العاقبة لهم , لا يعلو إلا من رفعه الله , ولا يتضع إلا من وضعه وخفضه) ا. هـ.
2_ وقال الحليمي _ كما في "الأسماء والصفات" للبيهقي (1/193) _: (ولا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرافع في الدعاء , فالخافض: هو الواضع من الأقدار , والرافع: المعلي للأقدار) ا. ـ.
3_ وقال قِوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/140) : (ومن أسمائه: الخافض الرافع , قيل: الخافض هو الذي يخفض الجبارين , ويذل الفراعنة , والرافع هو الذي يرفع أولياءه وينصرهم على أعدائهم , يخفض من يشاء من عباده فيضع قدره ويخمل ذكره ويرفع من يشاء فيعلي مكانه ويرفع شأنه , لا يعلو إلا من رفعه ولا يتضع إلا من وضعه. وقيل: يخفض القسط ويرفعه) .
ثم أورد حديث أبي موسى عند مسلم (293) : " إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ".
ثم قال: (قال أهل العلم: ... ومعنى يخفض القسط ويرفعه , يخفض العدل بتسليط ذا الجور، ويرفع العدل بإظهاره العدل , يخفض القسط بأهل الجور , ويرفع العدل بأئمة العدل , وهو في خفضه العدل مرة ورفعه أخرى يبتلي عباده لينظر كيف صبرهم على ما يسؤهم , وشكرهم على ما يسرهم) ا. هـ
4_ وقال الشيخ ابن سعدي في "الحق الواضح المبين" (258) : (وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان , الخافض لأعدائه) ا. هـ
وقال في "توضيح الكافية الشافيه" (390) : (واعلم أن صفات الأفعال ... كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة , والمشيئة النافذة , والحكمة الشاملة التامة , وهي كلها قائمة بالله , والله متصف بها , وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير والنفع والضر والعطاء والحرمان والخفض والرفع , لا فرق بين محسوسها ومعقولها , ولا بين دينيها ودنيويها) ا. هـ
5_ وقال الشيخ محمد خليل هراس في "شرح القصيدة النونية" (2/114) : (وهو سبحانه الخافض الرافع , يخفض الكفار بالإشقاء والإبعاد , ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد , ويداول الأيام بين عباده , فيخفض أقواما , يخمل شأنهم , ويذهب عزهم , ويرفع آخرين فيورثهم ملكهم وديارهم) ا. هـ
وكل هذه الأقوال حق , وهي داخلة في معنى اسمي: الخافض الرافع.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/788)
معنى اسم الله الحافظ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح لي معني اسم الله الحافظ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد اسم الحافظ في قوله تعالى: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف/64.
وسمى الله عز وجل نفسه في مواضع من كتابه بـ " الحفيظ " أيضا، قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) هود/57.
قال الخطابي في " شأن الدعاء " (67_68) : (الحفيظ: هو الحافظ , فعيل بمعنى فاعل , كالقدير والعليم , يحفظ السموات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول ولا تدثر , كقوله تعالى: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) البقرة/255، وقال: (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) الصافات/7.
وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب ويقيه مصارع السوء , كقوله سبحانه: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11 أي: بأمره.
ويحفظ على الخلق أعمالهم , ويحصي عليهم أقوالهم ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم , ولا تغيب عنه غائبة , ولا تخفى عليه خافية.
ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب , ويحرسهم عن مكايدة الشيطان , ليسلموا من شره وفتنته) ا. هـ
وقال السعدي في " تفسيره " (18) : (الحفيظ الذي حفظ ما خلقه , وأحاط علمه بما أوجده , وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات , ولطف بهم في الحركات والسكنات , وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها) ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/789)
كيف نفهم النزول الإلهي والليل مختلف في البلدان
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث: (ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل) الحديث، متى يبدأ الثلث الأخير ومتى ينتهي، وكيف يكون النزول الإلهي في البلدان المختلفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإثبات النزول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له..) .
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذي يليق بالله سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالواجب عند أهل السنة والجماعة إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل مع الإيمان بها واعتقاد أن ما دلت عليه حق ليس في شيء منها تشبيه لله بخلقه ولا تكييف لصفته بل القول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فيما يثبت أهل السنة والجماعة ذاته سبحانه بلا كيف ولا تمثيل فهكذا صفاته يجب إثباتها بلا كيف ولا تمثيل، والنزول في كل بلاد بحسبها لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل في جميع أنحاء العالم على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقال عز وجل: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر، وإذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة كان أول الثلث الأخير أول الساعة التاسعة إلى طلوع الفجر وهكذا بحسب طول الليل وقصره في كل مكان. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/420(1/790)
هل يوصف الله تعالى بالنسيان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوصف الله تعالى بالنسيان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" للنسيان معنيان:
أحدهما: الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286. ومثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) طه/115. على أحد القولين.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . وهذا المعنى للنسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعي، والعقلي.
أما السمعي: فقوله تعالى عن موسى: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) طه /52.
وأما العقلي: فإن النسيان نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بالكمال، كما قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل /60. وعلى هذا فلا يجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.
والمعنى الثاني للنسيان: الترك عن علم وعمد، مثل قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء) الأنعام /44. ومثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) طه /115. على القول الثاني في تفسيرها. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل: (ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر) . وهذا المعنى من النسيان ثابت لله تعالى عز وجل قال الله تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ) السجدة /14. وقال تعالى في المنافقين: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) التوبة/67. وفي صحيح مسلم في كتاب الزهد والرقائق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
فذكر الحديث، وفيه " أن الله تعالى يلقى العبد فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني ".
وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته، قال الله تعالى: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) البقرة /17. وقال تعالى: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) الكهف /99. وقال: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً) العنكبوت/35. والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة، وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه. وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركه في أصل المعنى، كما هو معلوم عند أهل السنة " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/172-174) .(1/791)
في نهايات آيات القرآن الكريم كثير من أسماء الله سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[تعلمتُ حتى الآن 33 اسماً من أسماء الله -عز وجلّ- من أصل الـ 99 اسماً، ولا أعرف الباقي. أين يمكن أن أجد قائمة بأسماء الله -سبحانه- على الإنترنت؟ أو ربما أنت تعرفها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسماء الله تعالى كثيرة دالّة كلّها على عظمته وكماله وجلاله سبحانه وتعالى منها ما أخبرنا عنه في كتابه وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها ما لا يعلمه إلا هو كما دلّ على ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلاّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. " رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
وأسماؤه سبحانه المذكورة في القرآن والسنّة تتجاوز المائة كما جمع ذلك عدد من أهل العلم (يُنظر كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين) ولكن يوجد من بينها تسعة وتسعون اسما من علمها وعمل بها فله أجر عظيم كما دلّ عل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. " رواه البخاري فتح رقم 2736
والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي:
1- حفظها
2- معرفة معناها
3- العمل بمقتضاها: فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره، وإذا علم أنّه الرحيم فلا ييأس من رحمته وهكذا.
4- دعاؤه بها كما قال عزّ وجلّ: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) . وذلك كأن يقول يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا توّاب تُبْ عليّ ونحو ذلك.
ويمكنكِ أيتها الأخت السائلة أن تتمعني في نهايات آيات القرآن الكريم لتجدي في كثير منها أسماء مذكورة لله عزّ وجلّ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/792)
الله فوق الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الله موجود فوق الجنة, أم داخلها؟ وأيضا هل اعتقاد أن الله أكبر من الكون هو جزء من العقيدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله فأجاب بما يلي:
الحمد لله العلي العظيم، الكبير المتعال، وسبحان الله العظيم، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... أمَّا بعد:
فإنه مما يجب الإيمان به أنه تعالى العلي الأعلى، وأنه استوى على العرش، كما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه، فهو سبحانه وتعالى فوق كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام في دعائه " وأنت الظاهر ليس فوقك شيء ". وكذلك يجب الإيمان بأنه تعالى الكبير، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه العظيم الذي لا أعظم منه، ومن كمال عظمته وقدرته أنه يأخذ السماوات والأرض بيديه يوم القيامة، كما قال سبحانه وتعالى: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) سورة الزمر. فيجب أن يعلم أنه تعالى مع كمال علوِّه، وكمال عظمته يمتنع أن يحِلَّ في شيءٍ من مخلوقاته، فلا يجوز أن يقال أنه تعالى في الجنة، بل هو فوق العرش الذي هو سقف الفردوس، والفردوس أعلى الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن ".
ولا يجوز للمسلم أن يُفكِّر في ذات الله، أو يتخيل عظمته فإن عقل الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة ذات الرب وصفاته، وكيفيتها، كما قال الإمام مالك لمَّا سئل عن كيفية الاستواء على العرش {الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة} .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك(1/793)
الإصرار على المعصية هل يؤدي إلى كفر الإعراض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بعض أوجه الإصرار على المعصية يمكن أن تؤدي إلى كفر الإعراض (نرجو منكم جزاكم الله بخير إمدادنا بأسماء بعض الكتب التي تطرقت لهذا الموضوع) 2- هل بعض أوجه الإصرار على المعصية تؤدي إلى استحلال المعصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفر الإعراض عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله:
" وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتة". انتهى. من " مدارج السالكين" (1/ 346) .
وقال أيضا:
" الثالث: كفر إعراضٍ محض، لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه ولا يبغضه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعته ومعاداته " انتهى من " مفتاح دار السعادة" (1/ 94) .
وعرفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله في بيان نواقض الإسلام: " العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به " انتهى.
فما ذكره ابن القيم رحمه الله هو في الإعراض الذي يحصل من الكافر ويمنعه من الدخول في الإسلام. وما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عام فيما يقع من الكافر: فيمنعه من الإسلام علما وعملا، وما يقع من المسلم فيرتد به عن الإسلام، ولهذا جعله من النواقض.
ولا علاقة لهذا الناقض بالإصرار على المعصية التي هي دون الشرك والكفر، ولا نعلم وجها من الوجوه يجعل الإصرار على المعصية كفرا.
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن المصر على المعصية فاسق لا كافر، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب - دون الشرك - ما لم يستحله.
والاستحلال نوعان:
الأول: استحلال في الظاهر، كأن يصرح بأن الحرام حلال، فيكفر بذلك ظاهرا وباطنا.
والثاني: استحلال في الباطن، كأن يعتقد حل شيء من المحرمات المجمع على تحريمها، من غير شبهة، دون أن يصرح بذلك في الظاهر، فيكفر فيما بينه وبين الله، ويثبت له حكم الإسلام ظاهرا؛ لعدم الاطلاع على كفره، وشأنه في ذلك شأن المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام.
والإصرار لا يدل على الاستحلال، فكم من عاص تغلبه الشهوة، فيستمر على الذنب مع اعتقاده تحريمه، وكراهة قلبه له.
وقد روى البخاري (6780) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
والإنسان يعلم هذا من نفسه، فقد يبتلى بذنب يقيم عليه، مع اعتقاده تحريمه، ورجائه التخلص منه.
لكن الذي يخشى على المصر على ذنب من غير توبة أن يختم لصاحبه بخاتمة السوء والعياذ بالله، أو يتشرب قلبه ما أصر عليه من المعصية، فيؤول أمره إلى أن ينحل من قلبه ما يجب عليه من اعتقاد تحريمها، فيستحل الذنب من كثرة إلفه وحبه له.
ولهذا قال من قال من السلف: إن المعاصي بريد الكفر، فيُخشى على المصر أن يستهين بالمعصية، ويجريها مجرى المباحات دون كراهة لها، أو خوف من عاقبتها، فينتقض إيمانه باطنا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه، أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات، كالفواحش ما ظهر منا وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم: إلا لضعف الإيمان في أصله، أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض. لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها: فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أو منافق " انتهى من "قاعدة في المحبة" ص 104
والحاصل أن الإصرار على المعصية ذنب كبير، لكنه لا يكون كفرا إلا بالاستحلال، والإصرار ليس دليلا على الاستحلال، لكنه قد يقود إليه، نسأل الله العافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/794)
حكم تسخط زوجها على القدَر، وتنقيصه من قدْر الله تعالى، وما يترتب على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة غريبة جدّاً، زوجي الذي يتميز بطبعه الحريص جدّاً، لديه طابع سيء جدّاً، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات: يقول أشياء مثل: " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس؟ "، و " إن الله تعالى يستهزئ بنا، وهو الآن يضحك علينا!! " (أستغفر الله) ، ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا، أما هو فليس عنده سوى هذه الكلمات، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة؛ لأنني من خلال تجربتي معه: رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة، أما إن بقيت صامتة: فإنه يسكت بعد جملة، أو جملتين. وسؤالي هو: هل أفعل الصواب؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما، وأن أجعله يظل صامتاً، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل؟ أسأل الله تعالي أن يغفر لزوجي، ولكن ماذا ترى أني فاعلة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قاله الزوج عظيم في حق الله، يبعث على الأسى، ويصيب القلب بالكمد، فكيف لمسلم أنعم الله تعالى بخير دين، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها، ثم يأتي ويعترض على قدر الله تعالى، ويطعن بحكمته؟! إنها لإحدى الكُبَر، ثم لا يكتفي بهذا حتى يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه، المستهزئ به، الضاحك عليه! فكيف يجرؤ من أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك الكلام العظيم في حق ربه عز وجل؟! .
إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى، والطعن بحكمته، وسؤاله لماذا يفعل الله معنا هكذا ": فهو من التسخط على قدر الله، وهو من كبائر الذنوب، وقد يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة؛ فهو طريق موصل إلى الردة، والله تعالى له الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر، وهو تعالى (لاً يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلونَ) الأنبياء/ 23.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) .
رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الناس حال المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع:
النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخط على ربه، يغتاظ مما قدَّره الله عليه: فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) .
النوع الثاني: أن يكون باللسان، كالدعاء بالويل، والثبور، وما أشبه ذلك، وهذا حرام.
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح، كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / 110) .
ثانيا:
إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله، وقد صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس، فقال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر/15-20.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا {قدر عَلَيْهِ رِزْقهُ} أي: ضيقه، فصار بقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله {كَلا} أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق: ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى. " تفسير السعدي" (924) .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس، وأعلم الناس، وأخشاهم، وأتقاهم، قد ابتلي كثيراً، فاتهم في عقله، وطعن في عرضه، وجُرح وكُسرت رَباعيته، مع ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش، وسفهاء الطائف، وغيرهم، بل إنه صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه أحمد.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه -:
وفي هذه الأحاديث: دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً: ازداد ابتلاء، وامتحاناً، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام، الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء، كالحبس، أو الطرد، أو الإقالة من الوظيفة، ونحوها: أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر: كان أشد الناس - حتى الأنبياء - بلاءً، فالبلاء – غالباً - دليل خير، وليس نذير شر.
" السلسلة الصحيحة " (1 / 144) .
وينظر جواب السؤال رقم (71236) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء.
وينظر جواب السؤال رقم (112905) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته.
ثالثا:
إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه: من استهزائه به، وضحكه عليه: من ظن السوء بالله جل جلاله، الذي هو أولى بكل جميل؛ بل ذلك من الكفر المخرج من الملة؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل، ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر، وكل ذلك كفر بالله تعالى، لا يُختلف فيه.
قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/ 65.
وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة، فالحكم على فعله وقوله هو للشرع، وليس له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة -:
فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ، فبيَّن أن الاستهزاء بالله، وآياته، ورسوله: كفرٌ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم، ولكن لم يظنوه كفراً، وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه.
" مجموع الفتاوى " (7 / 273) .
رابعا:
على الأخت السائلة أن تعلم هذا، وأن تُخبر به زوجها، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ بالشهادتين، ويتوب على ما صدر منه من كلمات، ويندم عليها، ويعزم على عدم العود لها، أو لمثلها.
وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك له: فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل، وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة، يبين له سوء ما هو عليه: فهو حسن إن شاء الله، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة: لعل ذلك أن يمنعه عن المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه.
بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك في حق الله تعالى.
فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع، ورذيل الأقوال والأفعال، ولم يبد ندما على ما بدر منه، ولا توبة إلى الله عز وجل، وانتهاء عما يقول ويفعل: فلا خير لك في البقاء مع زوج هذه حاله، فاتركيه وما هو فيه، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك، وعرضك.
وانظري أجوبة الأسئلة: (103082) و (21690) و (89722) .
(126019) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله، وطعن في حكمته، وعدله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/795)
هل يجوز الاستعانة بمن يستعين بالجن في استرجاع المفقود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مؤمن بالله وملتزم بما مكنني الله به من الالتزام وقعت بمشكلة مالية خطيرة جدا وعويصة وسدت بوجهي جميع أبواب السماء والأرض فأصبحت أمام خيارين كلاهما سيء الأول: استرجاع النقود بمساعدة شخص يتعامل مع الجن والثاني: الانتحار فأي الطريقين أسلك؟؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هون عليك أيها المسلم، فما بعد الضيق إلا الفرج، وإن مع العسر يسرا، وكلما أغرق الليل في ظلامه اقتربت تباشير الصباح، وسيأتي الفجر حتما ليمحو كل آثار الظلام الدامس، وستشرق الشمس فعلا، لينتشر النور في أرجاء الأرض، وتظهر الحياة، وجثوم الهم على قلب المسلم لا ينبغي أبدا أن يحيد به عن حسن الظن بالله، وضرورة اللجوء إليه، فما خاف غيره إلا ليأمن به، وما اضطرته البلايا إلا إلى اللجوء إليه.
ولا تقل: سدت في وجهي أبواب السماء.
من ذا الذي سدها في وجهك؟
ومن أين لك خبر السماء؟
وكيف تسيء الظن بربك؟ وهو الجواد الكريم سبحانه القائل – كما في الحديث القدسي الصحيح -:
(يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) .
رواه مسلم (2577) .
كيف تسيء الظن بمن بيده ملكوت السموات والأرض؟ يدبر الأمر، يصرف الآيات، كل يوم هو في شأن، يجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويفك عانيا، ويشفي سقيما، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا، ويحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا، ويعتق رقابا، ويعطي رغابا، ويقحم عقابا.
وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، يعطي عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر على القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، يستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه، دعاه بنعمته وإحسانه، وناداه إلى كرامته ورضوانه، فأبي، فأرسل في طلبه وبعث معهم إليه عهده، ثم نزل سبحانه بنفسه وقال: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟
وكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يجيب الدعوات ويقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويغيث اللهفات وينيل الطلبات سواه؟
فهو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطي، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من التجيء اليه، وأكفي من توكل عليه.
أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأشد فرحا بتوبة عبده التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامها وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة فوجدها، وهو الملك فلا شريك له، والفرد فلا ند له، كل شيء هالك إلا وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصي إلا بعلمه.
يطاع فيشكر، ويعصي فيغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي وكتب الآثار ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت القلوب عن إدراك كنهه.
أكف جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال، ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال، يمينه ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجار، له كل كمال، ومنه كل خير، له الحمد كله، وله الثناء كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فتبارك اسمه، وتباركت أوصافه، وتباركت أفعاله، وتباركت ذاته، فالبركة كلها له ومنه، لا يتعاظمه خير سئله، ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله.
"تفسير ابن كثير" (7/495) ، "الجواب الكافي" (ص 166) ، "شفاء لعليل" (ص 184) .
فلا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من روح الله، وأحسن الظن به، وتوكل حق التوكل عليه، والجأ إليه في كل ما أهمك وألمّ بك، واستعن به ولا تعجز، واعلم أنه عند ظن عبده به: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
واعلم أن البلاء رحمة، والمؤمن بين خيري مقدورين: نعماء يشكرها، أو ضراء يصبر عليها.
وقد روى الترمذي (2398) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ: فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) .
صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثانيا:
الانتحار باب من أبواب العذاب، وكبيرة من كبائر الذنوب، ومسلك القانطين اليائسين من رحمة رب العالمين، وهو القائل سبحانه على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر/56]
روى البخاري (5778) ومسلم (109) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) .
وروى البخاري (3463) ومسلم (113) عن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) .
فاحذر يا عبد الله من تلك الجريمة، والفعلة البائسة الضالة، فإنك مهما أصابك من ألم وضر في الدنيا، ومهما بلغت بك شدتك، فهي أهون مرات ومرات من ذلك الجرم العظيم، بل لا مقارنة بينهما أصلا؛ أين تعب الدنيا ونصبها، من جهنم وجحيمها؟!
نسأل الله أن يفرج كربك، ويهدي قلبك، ويشرح صدرك.
ثالثا:
قد ذكرت طريقين، وتسأل عن أيهما تسلك؟ ونسيت طريقا ثالثة هي أهدى سبيلا، وأرشد دليلا: صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض.
إنها طريق الأمن في أرض المخاوف، وسبيل الرشد المنقذ من الضلال، ونهج الراغبين الذين لا يزيدهم البلاء إلا رغبة فيما عند الله من الخير، ورهبة مما عنده من العذاب.
يقول الله عز وجل: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف/168
أي: اختبرناهم بالخير والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء، ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه.
فكثيرا ما يكون البلاء أرحب أبواب التوبة والإنابة، وأوضح طريق للرجوع إلى الله.
رابعا:
أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز الاستعانة بالجن في الوصول إلى المفقود، أو غير ذلك من المباحات؛ لأنهم غالبا لا يعينون شخصا إلا إذا وصلوا لمأربهم منه، من الخضوع لهم، والوقوع في أنواع من الشرك والضلالات. نسأل الله العافية. قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الِْنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو؛ أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ". انتهى. "تفسير السعدي" (890) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام والعياذ بالله - سواء كان ذلك بطريق ندائهم أو كتابة أسمائهم وتعليقها تميمة أو غسلها وشرب الغسول أو نحو ذلك، إذا كان يعتقد أن التميمة أو الغسل تجلب له النفع أو تدفع عنه الضر دون الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة" (1/134-135) .
وسئل علماء اللجنة:
ما حكم الإسلام في الذي يستعين بالجن في معرفة المغيبات كضرب المندل؟
فأجاب علماء اللجنة:
" لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم ولا بضرب مندل أو غيره، بل ذلك شرك؛ لأنه نوع من العبادة، وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله … الحديث) انتهى.
"فتاوى اللجنة" (1/345-348)
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله:
ترك جدنا تركة مخفية في بيت لنا قديم بحثنا عنها ولم نجدها، وتعرفت على شخص أكد وجودها وأنه يستطيع إخراجها، علماً أنه يستخدم الجن، لكنه أقسم بالله أنه لا يشرك بالله عندما يستخدمهم وأنه لم يشرك بالله، هل يجوز لي أن أستخدمه في إخراجها؟ علماً أنه قال لي: أنا وأنت نذهب لأحد المشايخ ونسأله عن جواز ذلك من عدمه، ولكنني لم أفعل، علماً أنني سمعت أنه يجوز ذلك إذا لم يكن فيه إضرار بالآخرين، وهو كذلك إذ التركة خاصة بنا وهي كبيرة جداً.
فأجاب الشيخ:
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أن من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والمعروف أن الكهان إنما يتلقون ما يخبرون به عن الشيطان مما يسترقه الشيطان من السماء ومما يطلعون عليه من أحوال الناس، وعلى ذلك فهذا الذي يدعي أنه يعرف مكان ذلك المال، وأنه يستعين بالجن في معرفة مكان هذا المال أو غيره من الأمور المخفية الظاهر من حاله أنه كاهن، بل هو كاهن ولو زعم أنه لا يشرك، ولو أقسم على ذلك، فلا يجوز إذاً الاستعانة به على معرفة مكان هذا المال، ولكن ابحثوا عن أسباب أخرى وتحروا لعلكم تعثرون على هذه التركة دون أن تتوسلوا بما حرم الله، ولهذا نص بعض أهل العلم في تعريف الكاهن أنه الذي يخبر بالمغيبات في المستقبل ويدل على مكان المسروق وعلى الضالة، فهذا مما يحترفه الكهان ويسألهم الناس فيه، فالواجب على المسلم أن يحرص على سلامة دينه ولو فاته ما فاته من أمر الدنيا، والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله:
" الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك، والاستعانة معناها: طلب الإعانة؛ ولهذا فمن المتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يطلبوا ذلك منهم، وهم أولى أن تخدمهم الجن، وأن تعينهم.
وأصل الاستعانة بالجن: من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني، وبرفعة مقامه، وبالاستمتاع به، وقد قال - جل وعلا -: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) الأنعام / 128، فحصل الاستمتاع - كما قال المفسرون - من الجني بالإنسي: بأن الإنسي يتقرب إليه، ويخضع له، ويذل، ويكون في حاجته، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني، وقد يكن مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني، وتقرب بأنواع العبادات، أو بالكفر بالله - جل وعلا - والعياذ بالله، بإهانة المصحف، أو بامتهانه أو نحو ذلك؛ ولهذا نقول: إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز، فمنها ما هو شرك -كالاستعانة بشياطين الجن- يعني: الكفار - ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك، كالاستعانة بمسلمي الجن " انتهى.
"التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (2/ 373-374) - ترقيم الشاملة.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (111938) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/796)
لا يجوز الأكل من ذبيحة ذبحت لغير الله، وإن ذكر الذابح عليها اسم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ذبيحة لشخص من البوذيون اشتراها ليذبحها لمعتقد عندهم يخالف ديننا، (على ما أعتقد لطرد الأرواح الشريرة، لكن الذي ذبحها مسلم، وعلى الطريقة الإسلامية. فهل يجوز أكلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذبح إن كان المراد به مجرد اللحم، كما هو الأصل في ذبائح الناس: فالواجب أن يكون على اسم الله تعالى؛ فما ذكر اسم الله عليه: حل أكله، إذا كان قد ذبح بالطريقة الشرعية المعروفة، فإن لم يذكر اسم الله عليه: لم يحل أكله؛ قال الله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام /118-119.
وقال تعالى أيضا: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام/121.
وأما إن كان المراد بالذبح: القربة والعبادة: فيجب أن يضاف إلى ذلك أن تكون تلك القربة إلى الله تعالى، كسائر القربات والعبادات. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام /162-163.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك؛ فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر / 2. أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك؛ فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى " انتهى.
تفسير ابن كثير - (3 / 381-382)
وروى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) .
قال النووي رحمه الله:
أَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه: فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حَرَام , وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة , سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا , فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا " انتهى.
فمن ذبح وقصد غير الله، كمن ذبح للصنم، أو لدفع الروح الشريرة – كما يزعمون – أو تقربا لما يعبد من دون الله، أو لولي ونحو ذلك: فهو مشرك خارج عن الملة، ولا يحل الأكل من ذبيحته، سواء ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر اسم الله؛ لأنها أهلّ بها لغير الله، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة / 173
وقوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) أي: ذبح لغير الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" قوله تعالى: (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا؛ وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله؛ فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالصلاة لغيره والنسك لغيره أعظم شركا من الاستعانة باسم هذا الغير في فواتح الأمور؛ فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح والزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة، أو قصد به ذلك أولى ... ؛ وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه: لحرم، وإن قال فيه بسم الله؛ كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الأولياء والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (260) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" الذبح لغير الله شرك، وحكم الذبيحة حكم الميتة، ولا يجوز أكلها، ولو ذكر عليها اسم الله، إذا تحقق أنها ذبحت لغير الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/226) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة.
وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم؛ لأنها أهل لغير الله بها، وكل شيء أهل لغير الله به، أو ذبح على النصب، فإنه محرم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/148) .
وهذا الذابح المسلم إن كان يعلم أنها إنما تُذبح لهذا الذي ذبحت له: فهو ذابح لغير الله، ولو ذكر اسم الله عليها، وهذا من الشرك الأكبر كما تقدم، وإن كان قد ذبحها وهو لا يعلم، وإنما طُلب منه أن يذبح فذبح، يظنهم إنما يذبحونها للحم: فلا شيء عليه.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (44730) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/797)
كذب ادعاء معرفة الغيب باستعمال " البنْدول " وأنه مصدر طاقة!
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني شاب مسلم، وأعمل مهندساً، وأعيش في " الهند "، وكما تعرفون فإنَّ في " الهند " الكثير من الجماعات , وإنني أحمد الله فعقيدتي متفقة مع أهل السنَّة والجماعة، وأهل السلف , ولديَّ صديق من جماعة " التبليغ " يقول بأن هناك عالماً علَّمَنا فنّاً من الفنون، وهو معرفة الإجابات باستخدام " البندول " , وهذا الفن كالتالي: يقوم الشخص بإمساك " البندول " , ويقوم بالسؤال , ومن المفترض أنه يرسل موجات راديو إلى عقول أشخاص آخرين، ثم بعد ذلك يحصل على الإجابة منهم، ويقوم " البندول " بكشف هذا التردد، ويظهر الإجابة , وقد اعتقدت أنه كاذب، وكنت أحتاج إلى ما يثبت ذلك , وقلت له: لا أدري إن كان الإسلام يحل هذا أم يحرمه، ولكنني أرى أنها جاءت بمحض الحظ، وهو ما يجعلها حراماً، فقال لي: إن هذا ليس تنجيماً , ولكنه استخدام للحس بأعلى درجاته، كما أننا لا نقول معلومات بخصوص المستقبل , وإنما نجيب عن بعض الأسئلة التي هي في العقول، وقد فعل هذا أمامي لعدد من الأشخاص حتى أنني قلت إنه يسخر الجن، أو شيء ما، ومهما كان ما يقوم به فإنني أوقفت التفكير به، وبدأت في البحث حول هذا الأمر - " البحث بالبندول " -، ثم بدأت البحث على شبكة الإنترنت، ووجدت شيئاً غير عادي، أنه موجود على " الجوجل " , وأن هناك الكثير من الناس متورطون فيه، ويقولون بأنه يأتي بنتيجة، ثم ذهبت إلى تاريخ هذا الفن، فوجدت أنه موجود منذ أيام الفراعنة، وتم تطويره، وأن هناك بعض البندولات التي استخدموها لمعرفة قوى الحياة. ورؤيتي لهذا الأمر أنه حرام , ولا أدري لم أحسه تنجيماً، وأنه يبدو خرافة كبيرة، وكلٌّ من التنجيم والخرافات: جريمة، وإنني أريدكم أن تنيروا لي طريقي في هذا الأمر، وأريد أن أنأى بصديقي هذا عن مثل هذه الأعمال إذا كانت من المحرمات، إنني فقط أريد دليلاً من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وطريق السلف الصالح. جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيراً، وبارك فيك، فإن تنبهك لهذا الأمر الذي هو أقرب إلى الشعوذة والسحر: إن دل فهو يدل على فقهك، وفهمك للتوحيد، ثبتك الله، ونفع بك.
وما سألت عنه من أمر البندول يتلخص جوابه في أمور:
أولاً:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان العرافين والمشعوذين والسحرة والكهنة، وحذَّر من تصديقهم , وعدَّ ذلك من الكفر، ومعلوم أن " العرَّاف " هو الذي يدَّعي معرفة الأمور الماضية، وقد يشمل لفظ العرَّاف أيضاً: الكهانة، وهو ادعاء معرفة الأمور المستقبلية.
وانظر جواب السؤال رقم (85541) للوقوف على تعريفه، وحكم الذهاب إليه، وإلى السحرة.
ثانياً:
من المقرر في شريعتنا أنه لا يعلم الغيب إلا الله، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان/ 34، ولو شاء الله أن يُطلع أحداً على شيء من الغيب فإن ذلك لا يكون إلا لرسول من رسله، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن/ 26، 27.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) من الخلق، بل انفرد بعلم الضمائر، والأسرار، والغيب.
(إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) أي: فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به؛ وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحداً من الخلق، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته، من غير أن تتخبطهم الشياطين، ولا يزيدوا فيه، أو ينقصوا.
" تفسير السعدي " (ص 891، 892) .
ومن الغيب الذي استأثر الله بعلمه: معرفة ما في القلوب، والضمائر، والأنفس، فمن زعم من البشر – غير الرسل – معرفته: فهو عرَّاف، كاذب. قال الله تعالى في ثنائه على نفسه بما هو أهله: (يَعْلَمُ خَاِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حَقّ الحياء، ويَتَّقُوهُ حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر" انتهى.
"تفسير ابن كثير" (7/137) .
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف يدَّعي العرَّافون والكهنة علمَ بعض الأمور الغيبية عن بعض الناس , ومن ذلك: استراق السمع من السماء , كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهْوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ - فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ، قَبْلَ أَنْ يَرْمِىَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِىَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ - فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيَصْدُقُ، فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ) .
رواه البخاري (4424) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ) ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وإياي إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ) .
رواه مسلم (2814) .
وهذا القرين ملازم للإنسان يعرف بعض شؤونه الخاصة , فربما خدم هذا القرينُ شياطينَ الساحر، والعرَّاف؛ لإغواء الناس، وإيقاعهم في الشرك، والتعلق بغير الله تعالى , فيعطي للعراف وللساحر بعض المعلومات الخاصة التي تغيب عن الناس , فيظن أن هذا الساحر، أو العراف، يعلم الغيب، أو أنه صاحب كرامات , وقد يستخدم بعض الطرق للتلبيس على الناس , كاستخدام استفتاح المصحف , أو حركة البندول، أو غير ذلك.
والدليل على كذب وتدليس مستخدم البندول: أن استخداماته في أمور كثيرة، كتحديد جنس المولود , والكشف عن الأمراض، وتحديد أماكنها، وغير ذلك: مما يدل على كذب صاحب ذلك الادعاء؛ لأنه ليس المقصود هو " البندول " بحد ذاته، بل هو ادعاء صاحبه معرفة أشياء كثيرة غيبية، وما استخدام البندول إلا حيلة حتى يصير التركيز عليه باعتباره وسيلة! ولا يختلف هذا الفعل عن فعل إخوانه الكهان مما يدعون معرفة الغيب بالنظر في كف اليد، أو فنجان القهوة! .
وادعاء علاقة بين البندول والطاقة: ليس له أصل في الشرع، ولا في العلم الحديث، وإنما أُخذ هذا من الفراعنة، وأتباعهم.
قالت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله -:
وهذه الطاقة غير قابلة للقياس بأجهزة قياس الطاقة المعروفة، وإنما يُدّعى قياسها بواسطة أجهزة خاصة مثل " البندول "، فبحسب اتجاه دورانه تُعرف الطاقة السلبية من الطاقة الإيجابية.
انتهى
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=44&Itemid=2
والمسلم في حكمه على الشيء ينطلق من ثوابت ومسلمات الشريعة , فالغيب استأثر الله بعلمه , والعراف من ادعى علم المستقبل , وتصديقهم من كبائر الذنوب , بل من الكفر.
ولا شك أن الشعوذة، والسحر، والكهانة، تتطور على حسب تطور العصر، فلما كان هذا العصر هو عصر التطورات والاكتشافات والتكنولوجيا: فلا بد أن يلبَس السحرُ والشعوذة لبوس العلم، والتجربة , وتحت مسميات " الطاقة الخفية "، أو " الذبذبات العقلية " ... الخ.
ومثل هذه تنتشر في البلاد غير الإسلامية ممن يكثر بين أهلها انتشار الجهل والبدعة والخرافة، كالهند، وجنوب شرق آسيا، وغيرها من البلاد، ولا ينبغي أن ننسى دور " البوذيين " و " الهندوس " في نشر الخرافة في تلك البلاد، حتى وصل تأثير ذلك إلى عوام المسلمين.
ثالثا:
يمكن تسمية ما يدعيه ذلك المشعوذ كهانة أو عرافة أو تنجيما، فكلها ألفاظ تنطبق معانيها على ذلك الادعاء، وهي في نفسها متداخلة في صورها، ومتفقة في أحكامها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطَّابي، وغيره من العلماء، وحكى ذلك عن العرب، وعند آخرين هو من جنس الكاهن، وأسوأ حالا منه، فلحق به من جهة المعنى.
" مجموع الفتاوى " (35 / 193، 194) .
وقال القرطبي – رحمه الله -:
والعرَّاف: هو الحازر، والمنجم: الذي يدَّعي علم الغيب، وهي من العرافة، وصاحبها عرَّاف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب، ومقدمات يدَّعي معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر، والطرْق، والنجوم، وأسباب معتادة في ذلك، وهذا الفن هو العيافة " بالياء "، وكلها يُطلق عليها اسم الكهانة.
قاله القاضي عياض.
" تفسير القرطبي " (7 / 3) .
وقد هدى الله هذه الأمة لسلوك طريق الحق، وكفاها عن مثل هذه الطرق , بثوابت في كتابه تعالى، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم , ومثل هذه الحيل والطرق المبتكرة لا تنطلي إلا على من لم يهتد بنبراس الهداية، أو على إنسان قلَّ علمه، وتفقهه بشريعة الإسلام، وغلب عليه الجهل بالتوحيد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/798)
السؤال ببركة فلان ـ أحد الصالحين ـ
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا ليس من الشرك، ولكنه من وسائل الشرك، وهو التوسل ببركة فلان، أو بحق فلان، أو جاه فلان، أو ذات فلان، هذا من وسائل الشرك، وليس من الشرك، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف، ولابد لها من بيان من الله عز وجل، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه، كما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله، وبمحبته لله ورسوله، وبره بوالديه، وبأدائه الأمانة، وبعفته عن الفواحش، وبمحافظته على الصلوات، إلى غير ذلك.
وفي هذا الباب: قصة أهل الغار، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا، آواهم المبيت، وفي رواية: (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم فيما بينهم قالوا: لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية.
وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له، أما التوسل بجاه فلان، أو ببركة فلان، أو بحق فلان، فهذا لا أصل له، ولا يجوز، بل هو من البدع، ولكن ليس من الشرك.
والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة. لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس.
وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم، فهذا أيضاً منكر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام، ولا من الخرز، ولا من الطلاسم، ولا من غير ذلك.
واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع، والصواب: المنع، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأطلق وعَمَّم، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها، فينفتح الباب، ويقع الشرك، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة، وأصل من أصولها، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية، فوجب منع ذلك.
وأما البخور فشيء آخر، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن، وسؤال الجن، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن، ومثل هذا خطره عظيم، فالواجب أن ينكر على هذا، وإن يوجه إلى الخير، وأن يُعلَّم حتى يستفيد، وحتى ينتبه لهذا الخطر، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله، وعندهم صلاح العقيدة، وسلامة الدين ـ والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب(1/799)
اعتقاد النفع والضرر من الأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين يعتقدون أن للأولياء تصرفات تضر وتنفع، وتجلب النفع وتدفع البلاء، بينما هم ينتمون إلى الإسلام، ويؤدون شعائر الإسلام كالصلاة وغيرها، فهل تصح الصلاة خلف إمامهم؟ وهل يجوز الاستغفار لهم بعد موتهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا قول من أقبح الأقوال، وهذا من الكفر والشرك بالله عزَّ وجلَّ؛ لأن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، ولا يجلبون منافع ولا يدفعون مضاراً، إذا كانوا أمواتاً، إذا صح أن يسموا أولياء لأنهم معروفون بالعبادة والصلاح، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، بل النافع الضار هو الله وحده، فهو الذي يجلب النفع للعباد، وهو الذي يدفع عنهم الضر، كما قال الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأعراف/188، فهو النافع الضار سبحانه وتعالى.
قال سبحانه وتعالى في المشركين: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) يونس/18، فالله جل وعلا هو النافع الضار، وجميع الخلق لا ينفعون ولا يضرون.
أما الأموات فظاهر؛ لأنه قد انقطعت حركاتهم، وذهبت حياتهم، فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم، ولا يضرون، لأنهم فقدوا الحياة، وفقدوا القدرة على التصرف، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله، ومن زعم أنهم مستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفر أيضاً، بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولهذا لا تجوز عبادتهم، ولا دعاؤهم، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم، ولا طلب المدد منهم.
ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي، أو عند قبر الحسين، أو عند قبر موسى كاظم، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو ما أشبه ذلك، من طلب المدد والغوث أنه من الكفر بالله، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى، فيجب الحذر من ذلك، والتوبة من ذلك، والتواصي بترك ذلك.
ولا يُصلى خلف هؤلاء، لأنهم مشركون، وعملهم هذا شرك أكبر، فلا يُصلى خلفهم، ولا يُصلى على ميتهم؛ لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي جهل وأشباهه من كفار مكة، وعليه كفار العرب؛ وهو دعاء الأموات والاستغاثة بهم أو بالأشجار والأحجار، وهذا هو عين الشرك بالله عزَّ وجلَّ، والله سبحانه يقول: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/88.
والواجب على أهل العلم أن يبينوا لهم، وأن يوضحوا لهم الحق، وأن يرشدوهم إلى الصواب، وأن يحذروهم من هذا الشرك بالله، فيجب على العلماء في كل من مصر والشام، والعراق، ومكة، والمدينة، وسائر البلاد، أن يرشدوا الناس، ولا سيما عند وجود الحجاج، فيجب أن يرشدوا ويبينوا لهم هذا الأمر العظيم، والخطر الكبير؛ لأن بعض الناس قد وقع فيه في بلاده فيجب أن يبين لهم توحيد الله، ومعنى لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي الشرك وتنفي العبادة لغير الله، وتوجب العبادة لله وحده، وهذا معنى قوله سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، وقوله سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة/5، ومعنى قوله جل وعلا: (فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر/2،3، وقوله سبحانه: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) غافر/14.
فالواجب توجيه العباد إلى الخير، وإرشادهم إلى توحيد الله، وأن الواجب على كل إنسان أن يعبد الله وحده، ويخصه بالعبادة؛ من دعاء، ورجاء، وتوكل وطلب الغوث، وصلاة، وصيام، إلى غير ذلك، كله لله وحده، ولا يجوز أبداً فعل شيء من ذلك لغير الله سبحانه وتعالى، سواء كان نبياً أو ولياً أو غير ذلك.
فالنبي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله، ولكن يجب أن يُتَّبع، ويطاع في الحق، ويُحَبَّ المحبة الصادقة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرفهم، ومع ذلك لا يُدعى من دون الله، ولا يُستغاث به، ولا يُسجد له، ولا يُصلى له، ولا يُطلب منه المدد، ولكن يُتبع، ويُصلى ويُسلم عليه، ويجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا، وغيرهم كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
لكن هذه المحبة لا توجب أن نشرك به، ولا تُسَوِّغ لنا أن ندعوه من دون الله، أو نستغيث به، أو نسأله المدد، أو الشفاء.
ولكن نحبه المحبة الصادقة لأنه رسول الله إلينا، ولأنه أفضل الخلق، ولأنه بَلَّغ الرسالة، وأَدَّى الأمانة، نحبه في الله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد، ولكن لا نعبده مع الله.
وهكذا الأولياء نحبهم في الله، ونترحم عليهم، من العلماء والعباد، ولكن لا ندعوهم مع الله، ولا نستغيث بهم، ولا نطوف بقبورهم، ولا نطلب منهم المدد، كل هذا شرك بالله ولا يجوز.
والطواف بالكعبة لله وحده، فالطواف بالقبر من أجل طلب الفائدة من الميت، وطلب المدد، وطلب الشفاء وطلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل، فالواجب الحذر منه غاية الحذر. ومن وسائل الشرك بهم: البناء على قبورهم، واتخاذ المساجد والقباب عليها، ولهذا صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) متفق على صحته، وثبت في صحح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) ، وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/109 – 112) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/800)
القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في القوانين التي تمنع تعدد الزوجات؟ أو التي تجعل من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم حاكماً أو محكوماً أن يكون تحاكمه إلى الله ورسوله، لا إلى غيرهما، فقد أمرنا الله تعالى بطاعة أولياء أمورنا، ثم أمر الجميع الحكام والمحكومين، إن تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك شرطاً في الإيمان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59.
قال السعدي رحمه الله:
"أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها (ذَلِكَ) أي: الرد إلى الله ورسوله (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم" انتهى.
وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
فالتحاكم إلى غير الله ورسوله وإلزام الناس بذلك أمر خطير، قد يخرج صاحبه من الإيمان بالكلية.
ولذلك فإننا نتوجه بالنصيحة أولاً إلى هؤلاء الحكام الذين غَيَّروا وبَدَّلوا أحكام الله، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربع نساء، وأوجب عليه العدل بينهن، فقال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3.
ولم يشترط الله تعالى موافقة الزوجة الأولى، ولا جعل من حقها طلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2563) ومسلم (1504) .
فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل، لا يجوز العمل به.
ثم لا ينقضي العجب من التضييق على الرجل فيما أحلَّ الله له، ومنعه منه، ثم فتح باب الحرام أمامه على مصراعيه.
فكثير من تلك القوانين الجاهلية التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه لا تمنع أن يتخذ الرجل عشيقة، بل عشيقات، وهذا تحريم للحلال، وتحليل للحرام، وقد وصف الله كل حكم خالف حكمه بأنه حكم جاهلي، فقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
قال ابن كثير رحمه الله:
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء.
قال الحسن: من حكم بغير حكم الله، فحكم الجاهلية هو.
وروى البخاري (6882) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) " انتهى بتصرف يسير.
"تفسير ابن كثير" (2/94) .
فالنصيحة للحكام أن يعودوا إلى شرع الله تعالى، فلا يحكموا غيره في قليل ولا كثير، ولن يجنوا من وراء ذلك هم وشعوبهم إلا الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بينما لم تجن الشعوب من الإعراض عن حكم الله واستبداله إلا انتشار الظلم والفسق والمجون والتخلف والانحلال الخلقي وتفكك المجتمع وكثرة الجرائم واختلال الأمن.
ثم نتوجه بالنصيحة ثانياً إلى الزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، بأن الواجب عليها أن ترضى بحكم الله وتسلم وتنقاد له، وما تجده في نفسها من الغيرة أو الكراهية لذلك، فهذا أمر فطري لا تلام المرأة عليه، بشرط أن لا تعترض على حكم الله، وأن لا تطلب الطلاق أو تسيء عشرة زوجها وتمنعه حقوقه بسبب ذلك.
ولا يجوز لها طلب الطلاق من أجل أن زوجها تزوج عليها، بل ذلك من كبائر الذنوب، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
ولتضع نفسها مكان أختها التي يريد زوجها أن يتزوجها، فهل كانت سترضى من زوجته الأولى أن تمنع هذا الزواج، وتهدد الزوج بطلب الطلاق إن هو فعل ذلك! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
ثم نتوجه بالنصيحة إلى الزوج الذي يريد أن يعدد، بأن الواجب عليه أن يعدل بين زوجتيه، فإن الله تعالى إنما أباح التعدد للرجل بشرط أن يعدل، فإن لم يعدل أو خاف على نفسه أن لا يعدل فالواجب عليه الاقتصار على زوجة واحدة، قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3.
وأخبرنا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (2133) والترمذي (1141) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/801)
هل يجوز أن يرسم المعلم نجمة إسرائيل للتلاميذ الممتازين لتشجيعهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مباح أن يرسم بعض المعلمين نجمة للتلاميذ الممتازين لتشجيعهم مع العلم أن هذه النجمة موجودة في علم إسرائيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يرسم المعلم لتلاميذه النجباء على سبيل التشجيع والتكريم نجمة إسرائيل السداسية، والتي يسمونها: نجمة داود؛ لما في ذلك من التشبه بالكافرين الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ولما فيه من إضعاف روح الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين؛ فإنه كلما ضعف البراء من أعدائه، ضعف الولاء لإخوانه، وقد يؤدى التشبه الظاهر بهم إلى نوع ولاء لا يرضى الله عنه ورسوله والمؤمنون.
وقد روى الترمذي (2695) من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى)
وصححه الألباني في "الصحيحة" (2194)
وروى أبو داود (4031) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وصححه الألباني في "الإرواء" (5/109)
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" نفس المخالفة لهم في الهدى الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛ لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم " انتهى.
"اقتضاء الصراط" (ص 56)
وقال أيضا:
" الْمُشَابَهَةَ فِي بَعْضِ الْهُدَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْمُقَارَبَةَ وَنَوْعًا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ يُفْضِي إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي خَصَائِصِهِمْ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبِ، وذَلِكَ يَجُرُّ إلَى فَسَادٍ عَرِيضٍ "
انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (6/175)
وقال ابن القيم:
" نهى عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، كقوله: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) وقوله: (إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم) وروى الترمذي عنه (ليس منا من تشبه بغيرنا) وسر ذلك أن المشابهة في الهدى الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل " انتهى باختصار.
"إعلام الموقعين" (3/140)
ونجمة داود عبارة عن شكل مُكوَّن من مثلثين كل منهما متساوي أضلاع، ولهما مركز واحد، وهذان المثلثان رأس أحدهما إلى أعلى ورأس الآخر إلى أسفل. ويشكِّل المثلثان المتداخلان نجمة سداسية ذات ستة رؤوس تلمسها جميعاً محيط دائرة افتراضية.
وأطرافها الستة ترمز إلى أيام الأسبوع الستة، أما المركز فهو السبت المقدس عند اليهود.
وكانت النجمة السداسية شائعة في الأحجبة والتعاويذ السحرية عند القوم.
"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (7/132-138)
ولا يكاد يسلم المسلم من المؤاخذة، طالما يهيجه إلى أشباه هذه الأمور الجهل بحقيقة الحال واللامبالاة التي يتصف بها كثير منا.
أما إذا كانت هذه النجمة التي يرسمها المعلم ليست سداسية، وإنما هي رسم لنجمة عادية فنرجو ألا يكون به بأس، إن شاء الله، وإن كان الأوفق بالمعلم المسلم تحفيز الطلبة بما يقربهم من الله، وبما ينمّي ولاءهم لدينهم ولرسولهم ولكتابهم ولجماعتهم، دون أن يخرج عن هذه الحدود؛ فإن رسالة المعلم جليلة، وشأنها عظيم، والمعلم داخل في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)
متفق عليه.
فمن أحسن لرعيته، واتقى الله فيها، أحسن الله إليه في حاله ومآله.
راجع إجابة السؤال رقم: (4160)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/802)
الأصل في البشرية هو التوحيد والشرك أمر طارئ
[السُّؤَالُ]
ـ[بحثت في كتب المتخصصين في علم الأديان، فوجدتهم يقولون: إن الوثنيين لا يؤمنون في الأصل بعدة آلهة, يؤمنون بإله واحد لكن هذا الإله حل في موجودات أخرى، فأصبحت تلك الموجودات بذلك (ألوهية) ؛ أي يتصفون بصفة الألوهية، لأن الإله الواحد ظهر فيهم؛ (الصالحين من الناس وأجزاء من الطبيعة المادية واللامادية) . سؤالي هو: هل يمكن أن هذه في الأصل أديان توحيدية فتم تحريفها كما حدث للنصرانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في البشرية هو التوحيد والهداية والاتباع، والانحراف عن ذلك أمر طارئ وليس أصيلا في فطرة البشر وطبيعتهم، فقد كان آدم أبو البشر عليه السلام نبيا مؤمنا موحدا وكذلك أبناؤه، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعد عشرة قرون، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) البقرة/213
قال ابن عباس في تفسيرها: " كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ".
وقال ابن كثير رحمه الله بعد نقله عن ابن عباس وتصحيحه: " لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/569) .
وروى مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) .
وأكثر من أشرك وعبد الآلهة مع الله إنما عبدها على اعتقاد أنها تقرب وتشفع عند الله تعالى، لا على أنها شاركته في الخلق أو الرزق، كما قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) يونس/18، 19
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر/3
ومنهم من عبد الآلهة على أنها صور للصالحين أو الملائكة، أو أن الله يحل فيها كما ذكرت، ولم يثبت عن أحد من القدماء إثبات ربين متساويين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه أحد من بني آدم، ولا أثبت أحدٌ إلهين متماثلين ولا متساويين في الصفات ولا في الأفعال، ولا أثبت أحد قديمين متماثلين ولا واجبي الوجود متماثلين، ولكن الإشراك الذي وقع في العالم إنما وقع بجعل بعض المخلوقات مخلوقة لغير الله في الإلهية، بعبادة غير الله تعالى واتخاذ الوسائط ودعائها والتقرب إليها، كما فعل عباد الشمس والقمر والكواكب والأوثان وعباد الأنبياء والملائكة أو تماثيلهم ونحو ذلك، فأما إثبات خالقين للعالم متماثلين فل يذهب إليه أحد من الآدميين، وقد قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) لقمان/ 25، وقال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون) المؤمنون/84 - 89 وقال: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف/106 " انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (5/156) .
والحاصل أن الأصل في الناس هو التوحيد والإسلام، والشرك أمر طارئ، وليس هناك أديان توحيدية، وإنما هو دين واحد ارتضاه الله عز وجل وهو الإسلام، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم.
وينظر: سؤال رقم (116826) ورقم (101366) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/803)
اشتراط الرجوع إلى القانون الوضعي عند التنازع في الصفقات التجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الصفقات التي تجري عن طريق بعض المواقع التجارية عبر الإنترنت، وتنص الشروط أنه إذا حصل أي اختلاف أو نزاع فإن القضية ستحال إلى المحكمة وتحل وفقاً للقانون (قانون تلك البلاد والتي قد تكون دولة غير مسلمة أو لا يطبق فيها شرع الله) ، فما الحكم هنا هل يجوز الانخراط في مثل هذه الصفقات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التحاكم لغير شرع الله، ولا التحاكم إلى هيئة قد تحكم بشريعة الله أو بغيرها؛ " فإن من مقتضى الإيمان بالله تعالى وعبادته الخضوع لحكمه والرضا بشرعه والرجوع إلى كتابه وسنة رسوله عند الاختلاف في الأقوال وفي الأصول وفي الخصومات وفي الدماء والأموال وسائر الحقوق. فإن الله هو الحكم وإليه الحكم. فيجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل الله ووجب على الرعية أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله في كتابه وسنة رسوله قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء/58، وقال في حق الرعية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59، ثم بين أنه لا يجتمع الإيمان مع التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء /60، إلى قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
فنفى سبحانه - نفيا مؤكدا بالقسم - الإيمان عمن لم يتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرضى بحكمه ويسلم له. كما أنه حكم بكفر الولاة الذين لا يحكمون بما أنزل الله وبظلمهم وفسقهم، قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47.
ولا بد من الحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه في جميع مواد النزاع في الأقوال الاجتهادية بين العلماء، فلا يقبل منها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة من غير تعصب لمذهب ولا تحيز لإمام، وفي المرافعات والخصومات في سائر الحقوق لا في الأحوال الشخصية فقط، كما في بعض الدول التي تنتسب إلى الإسلام؛ فإن الإسلام كل لا يتجزأ. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) البقرة/208، وقال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) البقرة/85.
فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن " انتهى.
"كتاب التوحيد" للشيخ صالح الفوزان (ص 45 – 47) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية " انتهى ملخصاً من "منهاج السنة النبوية" (5/83-85) .
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/40) :
" أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ , وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ ; فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ , أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْ اللَّهِ , أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ ; فَهَذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ عَدَلُوا مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إلَى عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ , وَعَنْ التَّحَاكُمِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ , وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ إلَى طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" إن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها كثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/266) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية ...
ويحرم على المسلمين التحاكم إلى الأحكام العرفية، والمبادئ القبلية، والقوانين الوضعية؛ لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا الله بالكفر به في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/371) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (5/142) .
وعلى هذا، فالشرط الذي ذكره السائل، وهو إحالة المسائل المتنازع فيها إلى المحكمة وتحل وفقاً للقانون الوضعي، هذا الشرط باطل لا يحل لمسلم أن يرضى به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/804)
هل يجوز الأكل من ذبيحة ذبحت لغير الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمي عبد الله وأنا من ولاية كيرلا في الهند، في هذه المنطقة الناس سنيون ولكنهم يقومون ببعض العبادات التي ليس عليها أي دليل فمثلاً في يوم الحادي عشر من ربيع الأخر تقوم كل عائلة بذبح دجاجة احتراماً أو تقديراً للشيخ عبد القادر الجيلاني ولكنهم عندما يذبحون فإنهم يذكرون اسم الله. سؤالي: هل هذا اللحم حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذبح عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده؛ فمن صرفها لغير الله فهو مشرك. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام /162-163. وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) المائدة/3. وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) .
وروى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) .
- ومن ذبح لغير الله، فسواء ذكر اسم الله عليه أو لم يذكر اسم الله، فهو شرك أكبر، مخرج عن الملة، ولا تحل ذبيحته، بل هي ميتة، يحرم أكلها.
قال النووي رحمه الله:
" وَأَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه فَالْمُرَاد بِهِ: أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ، أَوْ الصَّلِيب، أَوْ لِمُوسَى، أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا، أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حَرَام , وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة , سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا , فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" الذبح لغير الله شرك، وحكم الذبيحة حكم الميتة، ولا يجوز أكلها، ولو ذكر عليها اسم الله، إذا تحقق أنها ذبحت لغير الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/226) .
وسئلوا أيضاً:
ما هو حكم الذبح للميت الذي يُدَّعَى أنه ولي الله ويُبنى عليه الجدران؟
فأجابوا: " الذبح لمن ذكرت من الميت الذي يدعى أنه ولي لله نوع من أنواع الشرك، وذابحها للولي مشرك ملعون، وهي ميتة يحرم على المسلم الأكل منها " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/194) .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
" قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) يشمل النوعين: ما تقرب به لغير الله، ولو ذكر عليه اسم الله، ويشمل ما ذبح لغير التقرب، وإنما ذبح للحم، لكن سَمَّي عليه غير اسم الله سبحانه وتعالى عند الذبح " انتهى مختصرا.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (49/3) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرج عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة.
وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم؛ لأنها أهل لغير الله بها، وكل شيء أهل لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (2/148) .
فعليك أن تنصح هؤلاء وتبين لهم خطأ ما يفعلون، وخطورته، وأنه أمر مخرج من الإسلام.
نسأل الله تعالى أن يهديهم إلى الصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(1/805)
ترجمة ابن القيم وابن الجوزي، ومعنى " نفعنا الله ببركتهم " في كلام العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أني وجدتُ في كتاب ابن القيم عندما يحكي عن الصالحين والذين حسنت خاتمتهم أنه يقول " نفعنا الله ببركاتهم "، وفيما معناه أنه كان يقول: أن نتبرك بقبورهم! فما الذي تحذرونا منه عن كتب ابن القيم رحمه الله، واقصد صاحب كتاب " بحر الدموع ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خلط الأخ السائل بين شخصيتين، الأولى: ابن قيم الجوزية، والثاني: ابن الجوزي، وبينهما فرق في الاسم، والكنية، والميلاد، والاعتقاد.
1. فابن الجوزي: هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الجوزي.
وهو منسوب إلى " فرضة الجوز " وهو مرفأ نهر البصرة، وقيل بل كانت في داره بواسط جوزة، لم يكن بواسط جوزة سواها.
قال عنه ابن كثير: أحد أفراد العلماء، برَّز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا من ثلاثمائة مصنف.
وقال عنه الذهبي: ما علمتُ أحداً صنَّف ما صنَّف هذا الرجل.
وكان مشهوراً بالوعظ البليغ المؤثر.
من أبرز شيوخه: القاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو بكر المَزْرَفي.
ومن أبرز تلامذته: عبد الغني بن عبد الواحد الجماعيلي المقدسي، عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم.
من أبرز كتبه: " زاد المسير في علم التفسير "، " صيد الخاطر "، " المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم "، " تلبيس إبليس "، " أخبار الحمقى والمغفلين ".
وكانت عقيدة ابن ابن الجوزي مضطربة، يميل إلى الأشعرية أحياناً كثيرة، وإلى السلف تارة أخرى.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في ذكر ما انتُقد على ابن الجوزي -:
ومنها - وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا، وأئمتهم من المقادسة، والعلثيين -: مِن ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب، مختلف، وهو وإن كان مطلعاً على الأحاديث، والآثار في هذا الباب: فلم يكن خبيراً بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها، وكان معظِّماً لأبي الوفاء بن عقيل، يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه، وإن كان قد ردَّ عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعاً في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث، والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه، وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.
قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب قبول، وكان يدرِّس الفقه، ويصنِّف فيه، وكان حافظاً للحديث، وصنَّف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنَّة، ولا طريقته فيها. انتهى
" ذيل طبقات الحنابلة " (1 / 414) .
فالحذر من قراءة كتبه التي ألفها في باب الصفات ككتاب " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ".
وكانت وفاته رحمه الله في سنة (597) هـ.
وأما كتاب " بحر الدموع " الوارد في السؤال، فهو لهذا الأول، ابن الجوزي، وليس لابن القيم الآتي ترجمته فيما بعد.
2. ابن قيم الجوزية – ويُختصر اسمه إلى ابن القيِّم -: هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرَعي.
وكان والده عالماً مشهوراً بعلم الفرائض، كان قيِّماً – مسئولاً - للمدرسة الجوزية بدمشق , فعرف إمامنا بابن قيم الجوزية.
ومن أبرز شيوخه: شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد لازمه ملازمة تامة مدة طويلة، ونهل من علمه.
ومن أبرز تلامذته: ابن رجب الحنبلي، وابن عبد الهادي، وابن كثير، رحمهم الله جميعاً.
ومن أبرز كتبه: أعلام الموقعين عن رب العالمين، أحكام أهل الذمة، بدائع الفوائد، زاد المعاد في هدى خير العباد، هداية الحيارى من اليهود والنصارى.
وكان ابن القيم رحمه الله سلفيّاً على الجادة.
وكانت وفاته رحمه الله في سنة (751) هـ.
ثانياً:
وأما بخصوص مقولة ابن الجوزي رحمه الله: " نفعنا الله ببركاتهم ": ففيها تفصيل:
1. فالبركة لا تكون في ذات أحدٍ مجرداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله تعالى ذات نبيه صلى الله عليه وسلم، وآثاره الطاهرة كشعْره وعرقه وبصاقه: جعله بركة، وليس هذا لأحدٍ غيره، ولو كان لإمام الأولياء بعده أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه.
2. والبركة لا تكون في ميت، ولا منه، وليّاً كان أو دعيّاً.
3. والبركة في أهل العلم والفضل تكون فيما تركوه من العلم النافع، والسنن الحسنة التي يقتدى بهم فيها، وما نفعوا الناس به من الدعوة إلى الله، والتربية على دينه، لا في ذواتهم المجردة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ: فَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ، بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ.
فَأَمَّا الصَّحِيحُ: فَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؛ فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ مَا حَصَلَ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ. كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
وأَيْضًا: إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَصَلَاحِهِ دَفَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَحَصَلَ لَنَا رِزْقٌ وَنَصْرٌ، فَهَذَا حَقٌّ ... ، فَبَرَكَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بِاعْتِبَارِ نَفْعِهِمْ لِلْخَلْقِ بِدُعَائِهِمْ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَبِدُعَائِهِمْ لِلْخَلْقِ وَبِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ الرَّحْمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْعَذَابِ بِسَبَبِهِمْ حَقٌّ مَوْجُودٌ؛ فَمَنْ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ هَذَا وَكَانَ صَادِقًا فَقَوْلُهُ حَقٌّ.
وَأَمَّا " الْمَعْنَى الْبَاطِلُ ": فَمِثْلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِشْرَاكَ بِالْخَلْقِ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مَقْبُورٌ بِمَكَانِ فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّاهُمْ لِأَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهَذَا جَهْلٌ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مَدْفُونا بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْحَرَّةِ، وَقَدْ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْخَوْفِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحْدَثُوا أَعْمَالًا أَوْجَبَتْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ يَدْفَعُ اللهُ عَنْهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ وَكَانَ بِبَرَكَةِ طَاعَتِهِمْ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَرَكَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ مَعَهُمْ يَنْصُرُهُمْ اللَّهُ وَيُؤَيِّدُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدْفُونٌ بِالشَّامِ وَقَدْ اسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا فِي شَرٍّ.
فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَدْفَعُ عَنْ الْحَيِّ مَعَ كَوْنِ الْحَيِّ عَامِلًا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ غالط. وَكَذَلِكَ إذَا ظَنَّ أَنَّ بَرَكَةَ الشَّخْصِ تَعُودُ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِهِ وَخَرَجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، مِثْلُ أَنْ يَظُنُّ أَنَّ بَرَكَةَ السُّجُودِ لِغَيْرِهِ وَتَقْبِيلَ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُحَصِّلُ لَهُ السَّعَادَةَ؛ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ يَشْفَعُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِمُجَرَّدِ مَحَبَّتِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا فِيهِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْبِدَعِ: بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ وَلَا اعْتِمَادُهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (11/113-115) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا:
وقول القائل: " أنا في بركة فلان " و " تحت نظره " إن أراد بذلك أن نظره، وبركته مستقلة بتحصيل المصالح، ودفع المضار: فكذب، وإن أراد أن فلاناً دعا لي فانتفعت بدعائه، أو أنه علَّمني، وأدبني، فأنا في بركة ما انتفعتُ به من تعليمه، وتأديبه: فصحيح، وإن أراد بذلك أنه بعد موته يجلب المنافع، ويدفع المضار، أو مجرد صلاحه، ودينه، وقربه من الله ينفعني من غير أن يطيع الله: فكذب.
" الفتاوى الكبرى " (5 / 358) .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – عن قول:
" كلك بركة "، أو " هذه من بركاتك "؟ .
فأجاب:
لا بأس بذلك، كما في قول أسيد بن حضير: " ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر "، إذا تلمَّح أَن فيه البركات التي جعل الله فيه، أَو أَن الله الذي جعل فيه البركة، والبركات.
والممنوع: " تباركت علينا يا فلان ".
وسئل – كذلك – عن قول:
" وأعاد علينا من بركته " عبارة شارح " زاد المستقنع ":
فأجاب:
يعني بركة علمه، وليس المراد بركة ذاته؛ فإن الذوات جعل الله فيها ما جعل من البركة، ولكن لا تصلح للتبرك بها، إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من أَبعاضه، كرِيقه، ولا يقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره، والصحابة ما فعلوا مع أَبي بكر، وعمر من قصد البركة فيهما كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (1 / 103) .
وحسن الظن بالمؤلف يقتضي القول أنه أراد أنه استفاد من علوم أولئك الذي وصفهم بما نقلته عنه، والظاهر أنه يدعو الله تعالى أن ينفعه بما تعلمه منهم، وهي البركة التي جاءته منهم.
ثالثاً:
وما فهمه الأخ السائل من كون قصد المؤلف ابن الجوزي أن مقولته تعني " التبرك بقبورهم ": بعيد جدّاً عن الصواب؛ لما قدمناه من التفصيل النافع إن شاء الله، في أن المقصود علم أولئك العلماء، وليس ذواتهم فضلاً أن يكون المراد به قبورهم! ، وهل يتبرك بالقبور عاقل فضلاً عن عالم؟! .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
وأما التبرك بها - يعني: بالقبور -: فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل: فهذا شرك في الربوبية، مخرج عن الملة، وإن كان يعتقد أنها سبب، وليست تنفع من دون الله: فهو ضال غير مصيب، وما اعتقده: فإنه من الشرك الأصغر، فعلى من ابتلي بمثل هذه المسائل أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يقلع عن ذلك قبل أن يفاجئه الموت فينتقل من الدنيا على أسوأ حال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / 231، 232، سؤال رقم 290)(1/806)
الكفر العملي قد يكون مخرجاً من الملة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن صدور كفر عملي مخرج من الملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الكفر العملي يخرج من الملة: مثل السجود لغير الله، والذبح لغير الله، هذا كفر عملي يخرج من الملة، الذي يذبح للأصنام أو إلى الكواكب، أو إلى الجن كفر عملي أكبر، وهكذا لو صلى لهم أو سجد لهم، يكفر كفراً عملياً أكبر، وهكذا لو سب الدين أو سب الرسول أو استهزأ بالله أو بالرسول هذا كفر عملي أكبر، عند جميع أهل السنة والجماعة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (28/146) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/807)
رسائل جوال تنشر الكهانة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في هذه الأيام رسائل الـ "sms"، والتي تحتوي على بعض الرموز والأرقام والحروف، ثم يُطلب من الشخص أن يختار إحداها، فيُرسل إليه رسالة تخبره عن شيء في المستقبل، أو عن شخصيته. هي في الحقيقة عبارة عن لعبة، كما لو أني جلست وكتبت بعض العبارات عن المستقبل، وأعطيت كل عبارة شكلا، أو رمزا، أو حرفا محددا؛ ثم أطلب من أحد الأشخاص أن يختار إحداها. فهل في ذلك محذور شرعي؟ وهل يُعتبر هذا نوع من التنبؤ بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟ وهل الرد على مثل هذه الرسائل معصية؟ وجزاكم الله خيرا ً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علم الغيب من الأمور التي استأثر الله تعالى بها، واختص بها نفسه جل وعلا، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب، متى شاء وإذا شاء.
وبذلك جاءت الآيات والأحاديث.
قال سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) هود /123
وقال تعالى: (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) يونس/20
وقال عز وجل: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الكهف/26
وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) آل عمران/179
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50
قال الطبري رحمه الله: " قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السماوات والأرض، فأعلمَ غيوب الأشياء الخفية، التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يكون ربا إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك هو الله الذي لا إله غيره "
"تفسير الطبري" (11/371) .
وقال عز وجل: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65
قال القرطبي رحمه الله:
"لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه، ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) وقوله تعالى: (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) ، فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يَشْرَكُه فيه غيره " انتهى.
"تفسير القرطبي" (4/17)
وهذا الذي تسأل عنه هو من باب الكهانة والتنبؤ بالغيب، والرجم بالظن الكاذب، وهو من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ ـ يريد الدخان ـ. " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وما ورد في السؤال من أن هذه الرسائل عبارة عن لعبة، ليس صحيحا، وإنما هو كهانة ظاهرة، ودجل وشعوذة. ثم على افتراض صحة ذلك: فليس هذا مجال اللعب والتسلية، إنما ذكر أمر دين، وقضية إيمان وكفر؛ فكيف نقبل من السفهاء أن يلعبوا بأديان الناس، وعقائدهم، كهذا الذي ذكر في السؤال؟!!
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66
ثم إن هؤلاء الذين يرسلون هذه الرسائل لا يقصدون بذلك الجهد والتعب: مجرد اللعب، إنما يقصدون أكل أموال الناس بالباطل، ونشر الضلال، والترويج للدجل والكهانة. فليست هذه الأمور من قبيل اللعب والتسلية بوجه أصلا، إلا عند من توجه عنده الاستهزاء بآيات الله.
فعليك - أخي المسلم – الابتعاد عن هؤلاء القوم المفسدين، وعن ضلالهم، وإياك ومراسلتهم والتعاون معهم، وموافقتهم أو مخالطتهم بحال، فإن الله تعالى يقول في كتابه:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140
ثم ننصحك بالمسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل: إن كنت قد حسنت الظن بحال هؤلاء المشعوذين، أو دخلت معهم في باطلهم، ولو على وجه اللعب؛ وإن من تمام توبتك: أن تنصح من تعلمه من إخوانك، ممن ابتلي بها، بحكمها في دين الله، وخطرها على دينه وإيمانه.
نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الإيمان، ويقينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وراجع إجابة السؤال رقم (32863)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/808)
صور من التمائم والتشاؤم يقع فيه بعض المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأمهات للأسف الشديد منتشر بينهم عادات غلط، وخطر بنفس الوقت، ومخالفة للدين..منها: 1. الحزازة للطفل المولود الذي يصيبه الحزق، فيقومون بجمع أي مبلغ مهما كان من سبعة أشخاص، على شرط أن يكون اسمهم " محمد "، ويذهبون به إلى " حدَّاد " لعمل ما يسمونه " الحزازة " تقريبا؛ ليعلقوها بملابس الطفل، فيذهب عنه الحزق. 2. المرأة بعد وضعها للطفل وهي في حالة النفاس لا يجب أن يدخل عليها امرأة أخرى عليها الدورة الشهرية؛ لأنها تمنعها من الإنجاب. 3. البنات الصغار بعد أن تتم لهن عملية الختان لا يجب أيضا أن يدخلن على بعض. وأشياء كثيرة من هذا القبيل، وأريد أعرف الدلائل الدينية لتحريم هذا؛ لأني أعتقد أن أول مسألة هي مثل التمائم، وفيها شرك بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه الخرافات التي يتناقلها كثيرون قولاً، وعملاً لا يدل عليها شرع ولا عقل، بل ورد الشرع بالنهي عنها وتحريمها، وأنها من صور الشرك.
والخرافات الثلاثة الواردة في السؤال: الأول منها: يدخل في حكم " التمائم "، والثاني والثالث منها: يدخل في حكم " الطيَرة " وهي: " التشاؤم "، وقد جاء النص الواضح أن التمائم والطيرة شرك.
ثانياً:
أما الخرافة الأولى:
فلها حكم التمائم جمع " تميمة " وسميت كذلك لاعتقادهم أنه بها يتم النفع ودفع الضر - وهي أشياء يعلقونها، مثل: الخرز، والخيوط، وحدوة الفرس، والعين الزرقاء، والكف، وغيرها كثير مما يعتقدون فيها أنها تجلب خيراً ونفعاً، أو تدفع شرّاً وضرّاً.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) .
رواه أبو داود (3883) ، وابن ماجه (3530) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وحكم هذه " التمائم " – ومنها ما جاء في السؤال من تعليق " الحزازة " -: أن متخذها، أو المعلِّق لها إن اعتقد أنها سبب لجلب النفع، ودفع الضر، وأن النفع والضر بيد الله تعالى: فقد وقع في الشرك الأصغر؛ لأنه جعل ما ليس سبباً سبباً.
وإن اعتقد أنها تنفع وتضر بذاتها: فقد وقع في الشرك الأكبر.
فالواجب على كل من اتخذ شيئاً من ذلك، أو ما يشبهه: أن يتخلص منه، وأن يتوب إلى الله تعالى.
فعن أَبَي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا: (أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ - أَوْ قِلَادَةٌ - إِلَّا قُطِعَتْ) .
رواه البخاري (2843) ومسلم (2115) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" قوله: (قلادة من وَتَر - أو قلادة -) شك من الراوي، والأول أرجح؛ لأن القلائد كانت تُتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد؛ لأنه تعلق بما ليس بسبب، وقد سبق أن التعلق بما ليس بسبب شرعي، أو حسي: شرك؛ لأنه بتعلقه أثبت للأشياء سببًا لم يثبته الله، لا بشرعه، ولا بقدره، ولهذا أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقطع هذه القلائد" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (9 / 169) .
ثالثاً:
أما الخرافة الثانية والثالثة:
فهي من " الطِّيَرة "، وهي التشاؤم.
وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيَرَةُ شِرْك) رواه أبو داود (3910) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (429) .
والواقع يكذِّب تلك الخرافات الواردة في السؤال، فكثيراً ما دخلت النساء الحيَّض على المرأة النفساء، تهنئة، أو صلة: ولم يمنع ذلك من أن تنجب مرة أخرى.
ولمَ لا يدخل البنات المختتنات بعضهن على بعض.
وما الضرر الذي يسببه دخول امرأة حائض، أو نفساء، أو بنت مختتنة، على بنت قد اختتنت لتوها؟! .
إنه لا ضرر في ذلك، إنما هي أوهام، وخرافات، يتداولها العوام، مع جهل بالتوحيد، وبالعلم الشرعي، وغياب للعقل.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/809)
هل ثمة علاقة بين المعاصي والشرك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون مرتكباً للشرك إذا قمتُ بتكبير بعض أجزاء من جسمي، وقمت أيضاً بنمص حاجبي , فهل هذا يعد من الشرك , لأنني بذلك أقوم بتغيير خلق الله عز وجل؟ . وهل أكون مشركاً إذا استمعت إلى أغاني شركية، أو كفرية؟ مثلاً: هناك أغاني تحتوي على الكلمات التالية: " أنت كل شيء في حياتي"، فكلمة " كل شيء ": تتضمن أيضاً الله عز وجلّ , فهل هذه الأغنية حرام؟ وهل أكون مشركاً إذا استمعتُ مجرد استماع دون أن أغنّي مع المغني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما لا شك فيه أن المعاصي تتفاوت في الحرمة، وأنه ثمة فرق بين المعصية والشرك، وتغيير خلق الله تعالى بفعل ما نهى عنه الله تعالى طالباً للجمال: لا شك أنه من المحرمات، وأنه من كبائر الذنوب، وهو ليس شركاً بالله تعالى من حيث الأصل.
والنمص – وهو إزالة شعر الحاجبين - جاء النص على أن فاعله والمفعول له ممن يستحقون اللعنة، وانظر في ذلك أجوبة الأسئلة: (9037) و (20108) و (13744) .
والجراحات التي يجريها الرجال والنساء لتكبير عضو، أو تصغيره، أو نفخه، تغييراً لخلق الله تعالى بقصد الجمال: هو من الكبائر كذلك، وينظر في ذلك أجوبة الأسئلة: (1006) و (47694) و (24215) .
والشرك بالله تعالى من أعظم المعاصي وأشدها، لكن ليست كل معصية شركا.
قال الله تعالى:
ومما يدل على ذلك: تفريق الشرع بين الشرك والذنوب في سياق واحد، والعطف يقتضي المغايرة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) .
رواه البخاري (2615) ومسلم (89) .
فالذنوب والمعاصي ليست من الشرك الأكبر قطعاً، لكن اقتراف الصغير منها يوشك أن يجرئ صاحبه على الكبير، والكبير يوشك أن يجرئ صاحبه على الشرك وشعبه، ولهذا قال من قال من السلف: المعاصي بريد الكفر؛ أي: أنها رسوله الموصل إليه. وأطلق عليها بعض السلف: " الشرك الخفي "، أو " الشرك الأصغر ".
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) .
رواه البخاري (3246) ومسلم (124) .
فهذا الحديث نصٌّ في المسألة، وهي أن المعاصي لا تكون شركاً أكبر.
قال النووي – رحمه الله -:
وفي هذا الحديث جمَل من العلم، منها: أن المعاصي لا تكون كفراً.
" شرح مسلم " (2 / 143) .
بل إن المعاصي، وإن لم تكن شركا أكبر مخرجا من الملة في نفسها، فإنها شعبة من شعبه، وعمل من أعمال أهله.
ولذلك قال الإمام البخاري رحمه الله، في كتاب الإيمان من صحيحه:
" بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ) إن أراد به الشرك الأكبر: فمقصوده: أن مَن لم يكن مِن أهله: فهو آمِن مما وُعد به المشركون من عذاب الدنيا، والآخرة، وهو مهتد إلى ذلك، وإن كان مراده جنس الشرك: فيقال: ظُلم العبد نفسه كبخله - لحب المال - ببعض الواجب: هو شرك أصغر، وحبُّه ما يبغضه الله حتى يكون يقدم هواه على محبة الله: شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا صاحبه قد فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الظلم، بهذا الاعتبار.
" مجموع الفتاوى " (7 / 82) .
والخلاصة:
أن فعل النمص، وتكبير أعضاء الجسم، ليس هو من الشرك الأكبر الذي يُخرج من الملَّة، ولا خلاف في ذلك بين أهل السنَّة والجماعة.
لكن هذا لا يعني الاستهانة بأمرهما، بل هما محرمان من غير شك، بل يطلق بعض أهل العلم على أمثالهما: أنه من الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي؛ لأن صاحبها قدَّم هواه على الشريعة، فاتخذه إلهاً، وجعل هذا العاصي ما يحبه هو مقدَّما على ما يُبغضه ربه تعالى.
ثانياً:
الأغاني الحالية التي تشتمل على المعازف: لا نشك في حرمتها، ولا نشك في أثرها السيئ على الناس كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، وبخاصة تلك التي تكون مصورة، ويصحبها من المناظر المخجلة، والتهتك ما يسوء كل مسلم عفيف.
ويُنظر تفصيل الحكم في هذا التحريم: أجوبة الأسئلة: (43736) و (5000) و (5011) .
وإذا احتوت كلمات تلك الأغاني على جمل شركية: فلا شك في كفر قائلها، سواء كان المؤلف لها، أو المغني، والمشارك في غنائها؛ إذا كان يعلم معناها، ويعلم أن كلامه شرك، ولا ينفعه أن يكون قال ذلك مغنيا، أو لا عبا أو مازحا.
وأما مستمعها، فإن كان يستمع هذه الكلمات، وهو عالم بما فيها من الشرك، وراض به، ومقر لما فيه: فهو شريكهم في إثم قول الشرك.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" أي: وقد بيَّن الله لكم، فيما أنزل عليكم، حكمَه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} أي: يستهان بها؛ وذلك أن الواجب على كل مكلف ـ في آيات الله ـ: الإيمان بها، وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان: الكفر بها، وضد تعظيمها: الاستهزاء بها واحتقارها، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم ...
وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتُقْتحم حدوده التي حدها لعباده.
ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم: {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} ؛ أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.
{إِنَّكُمْ إِذًا} أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة {مِثْلُهُمْ} لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم؛ والراضي بالمعصية كالفاعل لها. "
تفسير السعدي (210) .
وأما بخصوص الجملة الواردة في السؤال: فلا نراها من الشرك، وهي من كذبات العاشقين والعاشقات، وإنما مراده بذلك: أنه أهم ـ عنده ـ من غيره من الناس، والظفر به: أهم عنده من غيره من المطالب، ولا نظن من يقول ذلك، أو يتغنى به: يطرأ على باله دخول الله، جل اسمه، في هذه الإطلاق.
غير أن مثل هذا الكلام، هو مما ينهى عن سماعه والتغني به، لأمرين:
الأول: أنها من جمل العشق والغرام المهيجة للشهوة والمسببة للفتنة.
والثاني: أنها جاءت ضمن أغنية يحرم سماعها؛ لما فيها من معازف محرَّمة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فالمراد هنا الغناء المحرم، وهو يدور على شيئين:
إما أن يكون موضوع الأغنية موضوعاً فاسداً، وإما أن تكون مصحوبة بآلة لهو محرمة، هذا هو الغناء المحرم؛ إما أن يكون الموضوع موضوعاً فاسداً، كوصف النساء، والمردان، والخمر، وما أشبه ذلك، هذا محرم لذات القصيدة؛ لأن الموضوع موضوع فاسد محرم،
أو يكون الموضوع غير محرم في حد ذاته، فهذا إن صحبه آلة لهو: صار حراماً لما صحبه، وإن لم يصحبه آلة لهو: فليس بحرام، وإذا كانت الأغنية في مدح آلهة المشركين: فهذا حرام، ولا يحل؛ لأن هذا أشد من وصف الزنا، واللواط، وما أشبه ذلك.
" الشرح الممتع " (10 / 18) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/810)
حكم من تلفظ بكلمة الكفر غير مدرك معناها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال: " أنا شيوعي "، غير مدرك له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للكلمة شأن في دين الله عظيم؛ إذ بكلمة يقولها العبد يرفعه الله بها درجات، وبكلمة أيضا يهوي بها في جهنم.
قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/18.
وروى البخاري (5996) ومسلم (5304) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) .
وروى الترمذي (2241) وصححه، عن بِلَال بْن الْحَارِثِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) .
وروى النسائي (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) .
صححه الألباني في الإرواء (2576)
والشيوعية مذهب إلحادي قائم على إنكار وجود الله، وتقديس المادة، واعتبارها أساسا لكل شيء. ولا يقيم وزنا للدين، بصفة عامة، أي دين؛ بل يعتبرون الدين آفة من آفات الشعوب، أو ـ على حد قولهم: مخدرا للشعوب؛ يعني: أنه يلهيها عن مقاصدها المادية التي هي أساس مذهبهم.
ولا شك أن هذا أحد أخطر المذاهب الكفرية في العصر الحديث، والتي فتنت بها أناسا كثيرين، واضطهدت كثيرا من أهل الدين والإيمان.
ولا شك أن الواجب على من سمع بهذا المذهب، وعلم حاله: أن يكفر به، ويبرأ إلى الله منه، ومن أهله؛ فلا يجتمع تعظيم هذا المذهب، والإيمان به، أو الدعوة إليه، أو محبته ومحبة أهله: مع الإيمان في قلب عبد.
فالمنتسب إليهم وهو على معرفة بأمرهم، وما هم عليه من الضلال: كافر بالله العظيم.
فإن كان قائل هذا الكلام قد جهل أصل مذهبهم، أو اغتر بدعايتهم في النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إلى مراعاة الفقراء، أو العناية بهم، وكفالة حقوقهم: فالواجب تعريفه بحقيقة المذهب، وخطره على الدين والإيمان، وأن الله عز وجل قد أغنى عباده، بما أوحى إليهم من شرعه، عن كل دين وملة، ومذهب سواه.
وننصح أن يكون توجيه من اغتر بمذهب القوم برفق ولين، وحسن حوار وبيان لأدلة ذلك من الشرع الحنيف. وينبغي أن يكون من يتعرض لذلك على إلمام كاف بذلك المذهب الكفري، وقدرة على الحوار والنقاش؛ لأن أكثر المفتونين بذلك المذهب ذوو جدل وخصومة.
فإن كان حقا، جاهلا بذلك المذهب وأصوله، أو جاهلا بمصادمته للإيمان الواجب على العبيد، فهو معذور بجهله. وإن أصر ـ بعد البيان والتعريف ـ فهو كافر مرتد.
نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/811)
ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث التعريف والأحكام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله ندا؛ إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف/180، ومن الإلحاد في أسمائه: تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك.
وإما أن يجعل له ندا في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى، من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلا بقربة من القرب، صلاة أو استغاثة به في شدة أو مكروه، أو استعانة به في جلب مصلحة، أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة، أو تحقيق مطلوب، أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله سبحانه - فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله، واتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110.
وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.
وإما أن يجعل لله ندا في التشريع، بأن يتخذ مشرعا له سوى الله، أو شريكا لله في التشريع، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم؛ عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره دينا، وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك.
فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله، ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين.
أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركا، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر؛ ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) بل سماه: مشركا، روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد؛ لأن الحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر.
ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضا: ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، ونحو ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول: (ما شاء الله وحده) أو (ما شاء الله ثم شئت) ؛ سدا لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: توكلت على الله وعليك، وقولهم: لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع.
ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها، كأن يطيل في الصلاة أحيانا ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ليسمعه الناس فيحمدوه، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء) ، أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء ولولا ذلك ما صلى ولا صام ولا ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركا أكبر، وهو من المنافقين الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ... الآية) ، إلى أن قال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/142-146. وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم في صحيحه.
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) .
وعلى هذا؛ فمن أحكامه: أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا مات، ويدفن في مقابر المسلمين، وتؤكل ذبيحته، إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/172-176) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/812)
حكم الاستعانة بالقرين في علاج بعض الرقاة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخص ظاهره الاستقامة، ويقول إنه يعالج الناس عن طريق القرين (أي: أن قرينه يسأل قرين المريض، ويخبره بالمرض) ، علماً أنه لا يسأل المريض عن اسم أمه، فما حكم هذا الفعل؟ وما حكم الذهاب لهؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كثيرة هي المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الرقاة، ولو كانوا من أهل الاستقامة، فإن الشيطان وجد طريقه في النيل منهم، وإيقاعهم فيما يحرم من أفعال، وأقوال.
ومن تلك المخالفات: الاستعانة بالجن، سواء كانت تلك الاستعانة بالقرين أم بغيره، فكل ذلك من كيد الشيطان، وتلبيسه على أولئك الرقاة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
... وفي بعض الحالات المرضية التي يستعصي علاجها عند الأطباء: نقرأ عليهم آيات الرقية، ولمرات عديدة، دون ظهور أي تأثير عليهم، فاكتشفنا طريقة لمخاطبة القرين قرينَ الشخص المريض! ومن خلالها يتم معرفة المرض، وقد تم علاج حالات كثيرة بهذه الطريقة، وهي: نطلب من المريض أن يردد: بسم الله أوله وآخره، مع الشهيق، ثم بعد مدة نكلم القرين ونحاوره.
سؤالي هو: إن معلوماتنا عن القرين قليلة جدا لعدم وجود الأثر الكافي الذي يتحدث عنه، فمثلا: هل هو داخل الجسد أم خارجه، وما هي مدة بقائه مع المريض (الإنسان) ، وهل لكل إنسان قرين واحد أم إنه ممكن أن يتبدل في فترة من الفترات، وهل يبقى ملازم مع الإنسان أم أنه يتركه في أحيان ويعود إليه؟ وفي مرات عديدة جدّاً يذكر أن عمره (القرين) أصغر من عمر المريض.
فرجائي الكبير من سماحة الشيخ الوالد أن يرد على هذه الأسئلة كتابة لينفع الله به المسلمين، فأفيدونا وأفتونا.
فأجابوا:
"..... الرقية الشرعية تكون بسورة الفاتحة، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، والآيات القرآنية، والأدعية النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تجوز الاستعانة بالجن الذي تسمونه " القرين "، وسؤاله عن نوع مرض المريض؛ لأن الاستعانة بالجن: شرك بالله عز وجل، فالواجب عليكم: التوبة إلى الله من ذلك، وترك هذه الطريقة، والاقتصار على الرقية الشرعية، وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/287– 289) .
وسئلوا – أيضاً – عن:
الاستعانة بالجان في معرفة العين، أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين، والبناء على دعواه.
فأجابوا:
" لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) ، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك: إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون، فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية " (1/92 – 93) .
وينظر – للمزيد -: أجوبة الأسئلة: (78546) و (11114) و (11063) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/813)
اتباع العلماء والأمراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم، مقدماً له، ساخطاً لحكم الله، فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/9، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر.
القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله، وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك، فهذا لا يكفر، ولكنه فاسق.
فإن قيل: لماذا لا يكفر؟
أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله، ولكنه رضى به وخالفه لهوى في نفسه، فهو كسائر أهل المعاصي.
القسم الثالث: أن يتابعهم جاهلاً، يظن أن ذلك حكم الله فينقسم قسمين:
الأول: أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم.
الثاني: أن يكون جاهلاً ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه؛ لأنه فعل ما أُمر به وكان معذوراً بذلك، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه) ، ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحدٍ لاحتمال خطئه " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 475، 476) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/814)
تحليل الشخصية عن طريق حروف كتابتك وتوقيعك من الكهانة والعرافة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم، كثر الحديث في المجالس وفي المنتديات بين مؤيد وبين رافض وأقيمت بعض الدورات التدريبية لتعلم علم الخط – تحليل الشخصية - المسمى بالجرافولوجي هل هو من الدجل والشعوذة أو ليس كذالك؟ وهل يجوز تعلمه؟ وأيضاً أحسن الله إليكم هل البرمجة اللغوية العصبية فيها دجل وشعوذة؟ وهل تنصحون بتعلمها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن أحوج ما يكون إليه المسلمون في كل زمان: تعلم العقيدة الصحيحة، التي ينجيهم اعتقادها من سخط الله وعذابه، ويميزون من خلالها بين المبتدع والسنِّي، والصادق والكاذب، ومع حفظهم لدينهم فإنهم يحفظون أموالهم من أن يسلبها منهم أهل الفساد من أهل الكهانة، والعرافة، والشعوذة.
ولا يزال هؤلاء يتفنون في إفساد عقائد الناس، وسلب أموالهم، بطوق ملتوية، ويتبرؤون فيها من كونهم على صفة الكهانة، أو الشعوذة، والعرافة.
وانظر فيما نحن بصدده، فهذا " العرَّاف " و " الكاهن " يستطيع إخبارك بقائمة طويلة من صفاتك الخلْقية، والخلُقية، وشعورك، والأمراض الجسمية، والنفسية، وغير ذلك بأشياء منها: توقيعك! ، أو كلمات تخطها بيدك! أو رسماتك على الورق! ، ويسمون كهانتهم هذه: " الجرافولوجي ".
فأي شيء جعله الله تعالى في تلك الحروف والكتابات والرسوم حتى يستدل ذلك الكاهن من خلالها على أمور غائبة عنه، وهي غيبية في واقع الحال؟! ثم يزعمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله!
وهكذا يستمر مسلسل الكذب، والكهانة، بأسماء مختلفة، وتسمى " علوماً " و " فنوناً "، وتُعقد لها الدورات القصيرة، بأثمان باهظة.
وكل ما جاء في " الكهانة " و " العرافة " و " التنجيم " فهو ينطبق على أولئك الذي يزعمون تلك المعارف بكتابا الشخص، أو توقيعه، أو رسوماته.
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (40924) .
ويُنظر تفصيلات – كذلك – في أجوبة الأسئلة: (8291) و (32863) و (45569) و (12578) .
ثانياً:
قالت الدكتورة فوز كردي - حفظها الله - وهي من أوائل من تنبه لطاغوت البرمجة العصبية وأخواتها، ولها ردود منتشرة عليهم، بل حازت على رسالتي الماجستير والدكتوراة في العقيدة وضمنتهما الرد على تلك البرامج والادعات والعلاجات -:
من أنواع الوافدات الفكرية الباطنية أنواع من ما يسمى كذباً " تحليل الشخصية "، ففي استخدام مصطلح " تحليل الشخصية " تلبيس، يلبس به المبطلون على الناس إذ يظن طلاب هذه التحليلات أنها أداة علمية صحيحة، لذا أود التنويه بأن ما ينشر تحت هذا المصطلح، ويتداول بين الناس أنواع: منه ما هو شرك، ومنه ما هو علم، ومنه ما هو جهل:
أولاً: تحليل الشخصية الباطل:
وهو التحليل المدَّعى بحسب خصائص سرية، كشخصيتك من خلال لونك المفضل، أو حيوانك المفضل، أو حروف اسمك، وهذه في حقيقتها: كهانة، وعرافة، بثوب جديد لا تختلف عن القول بأن من ولد في نجم كذا فهو كذا، وحظه كذا.
فهذه النماذج للتحليل تقوم على روابط فلسفية، وأسرار مدعاة، مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية، وتنبؤات الكهان، ودعاواهم كخصائص الحروف، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا: شخصيته كذا، أو من يحب اللون كذا: فهو كذا، ومن يحب الحيوان كذا: فهو ميال إلى كذا، وغير ذلك مما قد يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية ينبني عليها مثل هذه الأنواع من التحليل، وحقيقة الأمر عقائد فلسفية يؤمن معتقدوها بما وراء هذه الأشياء (الألوان، الحيوانات، الحروف، النجوم....) من رموز! وأقلها ضرراً ما تبنى على مجرد القول بالظن الذي نهينا عنه لأنه يصرف عن الحق الذي تدل عليه العقول السليمة والمتوافق مع هدى النقل الصحيح.
وكذا " تحليل الشخصية " من خلال الخط، أو التوقيع، يلحق بهذا النوع الباطل من وجه الكهانة والعرافة إذا تضمن ادعاء معرفة أمور تتعلق بأحداث الماضي، أو المستقبل، أو مكنونات الصدر دون قرينة صحيحة صريحة، إذ لا اعتبار للخصائص السرية المدعاة للانحناءات، أو الاستقامة، أو الميل، أو التشابك للحروف، والخطوط، ولا تعتبر بحال قرائن صحيحة في ميزان العقل السليم، فهذه النماذج ما هي إلا كهانة، وإن اتخذت من " تحليل الشخصية " ستاراً لها، قال الدكتور إبراهيم الحمد - معلقًا على الاعتقاد بتأثير تاريخ الميلاد، أو الاسم، أو الحرف -: " كل ذلك شرك في الربوبية؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب ".
ثانياً: " تحليل الشخصية " أو بعض سماتها العلمي الصحيح:
وهو الذي يقوم به المختصون النفسانيون، ويعتمد على المقاييس العلمية، وطرق الاختبار الاستقرائية الرامية للكشف عن سمات أو ميول إيجابية في الشخصية خلال مقابلة الشخص، أو ملاحظة بعض فعاله، أو تصريحاته، أو سلوكه ومشاعره في المواقف المختلفة، بحيث تشكل نتائج هذه الملاحظة دلالات تدل على خفايا شخصية الإنسان يمكن إخباره بها، ودلالته على طريق تعديلها، وتنميتها.
فهذه النماذج تختلف عن ذلك الهراء، والظن المحض، أو الرجم، والكذب، وتعتمد على معطيات حقيقية، وأسس سلوكية، يستشف من خلالها بعض الأمور، وتتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها، وتعزيز الجيد، ومن ثم تغيير الشخصية للأفضل، أو تزكية النفس، ولا تقف عند حد وصف الشخصية بوصف.
ثالثاً: نماذج التحليل التي هي من قبيل الجهل والتعميم غير الصحيح:
مثل شخصيتك من طريقة نومك، أو من طريقة مشيتك، أو طريقة استخدامك للمعجون! أو ... أو....
ومثلها شخصيتك من طريقة من حركات عينك، ونظراتك، إذا كانت للأعلى: فأنت كذا، وإذا كانت....
فهذه النماذج اعتمادها جهل محض، وإذا تبعها حديث عن الماضي، والحاضر، ومكنونات النفس: دخلت في الكهانة، والرجم بالغيب....
وخلاصة الأمر:
أن في العلم الصحيح ما يغنينا عن الباطل، والجهل ففي الثابت المنقول ما يدلنا على سمات مهمة نكتشف بها أنفسنا، ومن نتعامل معهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث.....) ، وفي الثابت المعقول كثير من الدلالات الصحيحة مثل القول بأن خوف الشخص من دخول مكان واسع مزدحم يدل على خجل، وبوادر انطواء في شخصيته، ويحتاج صاحبه لتذكير بمعاني، وتدريب على سلوكيات ليتخطى هذا الحاجز، ويزكي شخصيته.
انتهى
مقال بعنوان " أنواع تحليل الشخصية [شرك، علم، جهل] " من موقعها:
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=143&Itemid=2
وسئلت – حفظها الله -:
ما قولكم بخصوص دورات تحليل الشخصية بناء على الخط؟ .
فأجابت:
قد غزت دورات " تحليل الشخصية " ساحة التدريب في الآونة الأخيرة، وكثر إقبال الناس عليها، أحياناً بدعوى هدف دعوة الأشخاص، وأحيانا بدعوى معرفة مناسبة هذا الشخص أو ذاك لصداقة، أو شراكة، أو زواج، أو أي أعمال مشتركة، أو غير ذلك من الأسباب.
والحقيقة: أن الرغبة في اكتشاف المغيبات، ومعرفة دخائل النفوس: قد تكون في أصلها فطرية، تغذيها رغبة حب الاستطلاع، والاستكشاف لدى الإنسان، إلا أنها رغبة ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع، وينظر إلى ما يفيد منها.
والشرع قد وجهنا بالنسبة للأشخاص والرغبة في معرفة حقيقتهم بتوجيهات عامة، منها: الحكم على الظواهر بالقرائن الظاهرة، وترك السرائر إلى الله عز وجل، وأعطانا قرائن للصلاح، والفساد كما في دلالة االصدق، والمحافظة على الصلاة، على الإيمان.
وجهنا للجوء إلى العليم بالسرائر عبر صلاة الاستخارة الذي يعلم ولا نعلم، ويقدر، ولا نقدر متضرعين متذللين.
ولم يثبت في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ولا أحد من السلف المعتد بأقوالهم أنه حاول تحليل شخصية مَن أمامه، أو معرفة ماضيه، أو التكهن بمستقبله، إلا ما كان من ملاحظة قرائن ظاهر الحال.
وبملاحظة مواد " تحليل الشخصية " المطروحة: يمكننا القول أن منها ما يتبع القرائن الظاهرة، كنماذج تحليل الشخصية العلمية التي عادة تشمل ملاحظة الإنسان لنفسه، أو لآخرين في مواقف متنوعة، وفق معايير متعارف عليها، فمثلا الانطوائي الطبع يشعر بالخجل في التجمعات الكبيرة، يتشاغل إذا قابل الناس هرباً من المواجهة، ونحو ذلك، وهذه الطرق وما شابهها نتاج علمي تعلّمه جيد؛ لتطوير الذات، وتربية الغير، مع ملاحظة أن مصمميها أنفسهم يعطون نسبة صدق معينة لنتائجها، ولا يجزمون بإطلاق النتيجة، ثم إنها تعطى كخطوة لتعديل السلوك، وتنمية الشخصية، فيتبعها عادة تدريبات تحدُّ – مثلاً - من الخجل، وتدفع لانطلاق أكبر.
ومِن طرق تحليل الشخصية المتبع ما يتعلق بأمور باطنة، ويُزعم أنها حقائق قطعية، بل وتعدُّ حكماً على الشخصيات، لا خطوة لإصلاحها، وحقيقة هذه الأنواع: كهانة وعرافة بثوب جديد، لا تختلف عن القول بأن مَن ولد في نجم كذا، أو طالع كذا: فهو كذا، وحظه كذا! .
وقد يزيِّن مروجو هذا الباطل باطلهم فيزعمون أنه " فراسة "! ، أو يلبسوه لبوس العلم والدراسات الاستقرائية، حتى يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية يبنى عليها، وحقيقة الأمر: أنها مجرد قول بالظن الذي نهينا عنه من وجه، كما أنها متعلقة بالتنجيم، والاعتقاد بالكواكب، وغيرها من وجه آخر، ثم هي تصرف عن الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ما تدل عليه العقول السليمة، والمتوافق مع هدي النقل الصحيح، لذلك قال ابن تيمية عن أمثالها في عصره: " فإنها بديل لهم عن الاستخارة الشرعية ".
وتقوم أكثر نماذج التحليل من هذا النوع على روابط فلسفية، وأسرار مدعاة، مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية، وتنبؤات الكهان، ودعاواهم، كخصائص الحروف، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا: شخصيته كذا، أو خصائص الألوان، فمن يحب اللون كذا: فهو كذا، أو أسماء الأبراج الصينية، فمن يحب الحيوان كذا: فهو ميال إلى كذا، وغير ذلك، وأكثر هذه الأمور عند التدقيق فيها: تشمل أمورا صحيحة، وأخرى خاطئة، ممزوجان معاً، لذا تشتبه على كثير ممن يلاحظون الصواب فيها فقط.
ومن هذا النوع الفاسد: ما انتشر مؤخراً بثوب علمي متخذا اسم " علم الجرافلوجي " ومضمونه " تحليل الشخصية " عبر الخط، أو التوقيع، فالحقيقة: أن ما يتضمنه هذا العلم - إن سلمنا بهذا الوصف له - هو الظن، والرجم بالغيب، مع العرافة، والكهانة، وكلما كان صاحبه أحذق: كلما كان أقرب إلى إعانة الشياطين، بإخبارهم ببعض المغيبات الماضية، أو المستقبلية، مزينين له الباطل على أنه علم إنما تلقاه من معرفته بخصائص دلالة هذا الانحناء في التوقيع، وتلك الزواية في طريقة كتابة حرف كذا، ونحو ذلك، وقد عجبت من تلك المدربة المسلمة - عفوا " العرَّافة " - التي مضت تخبر المعلمات في إحدى المدارس بطفولتهن، وما تحب كل واحدة، وماذا تكره، وماذا تتوقع لها مستقبلاً، زاعمة أن ذلك من فراستها في خطهن وتوقيعاتهن!! .
ولو فكرنا بعقولنا فقط بعيداً عن تأثير الدعاية لفوائد هذه الدورات وإيحاءات نفعها لنتساءل: ما الفائدة المرجوة من ورائها وهي تعطي حكماً على الشخصيات، لا تعطي دلائل على السمات، وتدل على طرق تقويمها؟ .
ثم أي خط ذلك الذي تستشف منه شخصية شخص بارع في محاكاة الخطوط جميعها، وتزوير التوقيعات؟ ما هو مصدر هذا العلم؟ من هم أهله؟ رواده؟ ماهي مصادره المكتوبة؟ ماهي قيمته في الساحات العلمية؟ وما هي فوائده للحياة والعبادة، في الدنيا والآخرة؟ لمَ لَم يعلمنا إياه رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك من خير إلا ودلَّنا عليه، ولا شر إلا وحذرنا منه، فجزاه الله عنَّا بخير ما جزى نبيّاً عن أمته، ألف تساؤل وتساؤل، قد يجد المفتونون بهذه الضلالات جواباً لبعضها، ويجيدون التهرب من بعضها، ويبقى أكثرها دون إجابة شافية.
وختاماً: أؤكد أن كل ما نحتاجه لنعرف أنفسنا، ونعرف الآخرين: قد دل عليه النقل الصحيح، أوالعقل الصريح، وما دون ذلك: فهو تزيين الشياطين، وإغواؤهم، وصرفهم لبني آدم عما ينفعهم، وتحليل الشخصية أو بعض سماتها بالمنهج العلمي الذي يقوم به المختصون يختلف عن هذا الهراء الباطل، فالتحليل الصحيح يعتمد على معطيات حقيقية، وأسس سلوكية، يستشف من خلالها بعض السمات العامة للشخصية، ويتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها، وتعزيز الجيد، ومن ثَمَّ تغيير الشخصية للأفضل، أو ما نسميه " التربية "، و " تزكية النفس ".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصرفَ عنَّا لالات الباطنية.
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=87&Itemid=2
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/815)
حكم سن القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سن القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بسنة هذه القوانين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس به، مثل أن يسن قانونا للطرق ينفع المسلمين، وغير ذلك من الأشياء التي تنفع المسلمين، وليس فيها مخالفة للشرع، ولكن لتسهيل أمور المسلمين فلا بأس بها.
أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنها، فإذا سن قانونا يتضمن أنه لا حد على الزاني، أو لا حد على السارق، أو لا حد على شارب الخمر، فهذا قانون باطل، وإذا استحله الوالي كفر، لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع، وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك " انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز" (7/106) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/816)
حكم من يأخذ على نفسه العهد بالعمل بالقانون
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من البلاد يلتزم المسؤول ويأخذ على نفسه العهد أنه سيعمل بقانون الدولة ولا يخالفه فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يعلم أن القوانين الوضعية، التي وضعها البشر، وحلَّت محل الشريعة الإسلامية لا يجوز تطبيقها ولا العمل بها ولا الرضا بها ولا إقرارها.
والواجب على جميع المسلمين أن يكون تحاكمهم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: (إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) يوسف/40، وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
وانظر جواب السؤال رقم (11309) و (118135) و (120857) لمعرفة حكم العمل بالقوانين الوضعية.
ثانياً:
ليس هناك أحد من البشر ـ كائناً من كان ـ تجب طاعته في كل ما يأمر به أو نهى عنه ـ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به، وينهى عنه، وإن خالف أمر الله ورسوله، فقد جعله ندا، وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح ويدعوه، ويستغيث به، ويوالي أولياءه، ويعادي أعداءه، مع إيجابه طاعته في كل ما يأمر به، وينهى عنه، ويحلله ويحرمه، ويقيمه مقام الله ورسوله، فهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه في قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (10/267) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/284) :
" يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهداً أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ على نفسه العهد بالعمل بقانون دولة ما؛ لأن هذه القوانين كثير منها يخالف الشرع، فكيف يعلن المسلم التزامه بها، مع أن الواجب عليه أن يعلن براءته منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/817)
يقول في أثناء كلامه: بالأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يقول الرجل أثناء كلامه: بالأمانة كذا، ولا يقصد الحلف بالأمانة، وإنما يقصد أنه يتكلم بأمانة ولا يكذب، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام أنه لم يقصد الحلف بالأمانة، فلا حرج عليه إن شاء الله، والأفضل له أن يعدل عن هذا الأسلوب، حتى لا يفهم المتكلم معه أنه يحلف بغير الله.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل أراد أن يشتري من تاجر سلعة فأعطاه ثلاثة أنواع منها، فقال له الرجل: تخبرني عن الأفضل من هذه السلع، وقال التاجر: بالأمانة هذا هو الأفضل، وكلا الرجلين لم يقصد يمينا، وإنما قصدهما ائتمان أحدهما الآخر في الإخبار بالحقيقة، ويسأل هل هذا يعتبر كفرا وإلحادا؟
فأجابوا: " إذا لم يكن أحدهما قصد بقوله: بالأمانة الحلف بغير الله، وإنما أراد بذلك ائتمان أخيه في أن يخبره بالحقيقة، فلا شيء في ذلك مطلقا، لكن ينبغي ألا يعبر بهذا اللفظ الذي ظاهره الحلف بالأمانة.
أما إذا كان القصد بذلك الحلف بالأمانة فهو حلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك أصغر، ومن أكبر الكبائر؛ لما روى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/274) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (13019) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/818)
معنى (لعن الله من ذبح لغير الله) .
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) ما هو المقصود من ذلك؟ وهل الذبح للضيف يكون من الذبح لغير الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المقصود من الحديث: تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء؛ رجاء بركتهم، والذبح للجن؛ إرضاء لهم، ورجاء قضائهم للحاجات، أو دفعاً لشرهم، فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه.
أما الذبح للضيوف إكراماً لهم، أو للأهل توسعةً عليهم، والذبح تقرباً إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت، فهذا جائز، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/196) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً (1/225) :
" يجوز ذبح الذبيحة للضيف ويذكر اسم الله عليها عند الذبح، وليس ذلك داخلا في عموم قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، بل المقصود في الآية ما ذبح لغير الله، كالذبح للأموات ونحوهم تقربا إليهم، أما الذبح للضيف، فالمقصود به إكرامه لا عبادته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الضيف.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (44730) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/819)
المقارنة بين الشريعة والقانون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كانت المقارنة لقصدٍ صالحٍ كقصد بيان شمول الشريعة وارتفاع شأنها، وتفوقها على القوانين الوضعية، واحتوائها على المصالح العامة فلا بأس بذلك؛ لما فيه من إظهار الحق، وإقناع دعاة الباطل، وبيان زيف ما يقولون في الدعوة إلى القوانين، أو الدعوة إلى أن هذا الزمن لا يصلح للشريعة أو قد مضى زمانها.. لهذا القصد الصالح الطيب، ولبيان ما يردع أولئك، ويبين بطلان ما هم عليه، ولتطمئن قلوب المؤمنين، وتثبيتها على الحق، ولهذا كله لا مانع من المقارنة بين الشريعة والقوانين الوضعية، إذا كان ذلك بواسطة أهل العلم والبصيرة المعروفين بالعقيدة الصالحة، وحسن السيرة، وسعة العلم بعلوم الشريعة ومقاصدها العظيمة " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجلة البحوث الإسلامية" (27/89) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/820)
عمر لم يتوسل بجاه العباس رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث (نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الرجل: (يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) ولأن عمر قال للعباس: (قم يا عباس فادع الله، فدعا) ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، دون جاه العباس بن عبد المطلب.
والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره.
كما أنني أيضاً أقول: إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2/277) .
ولمزيد الفائدة حول حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وبيان أن هذا التوسل كان بدعائه، لا بجاهه، انظر كتاب "التوسل" للشيخ الألباني رحمه الله ص (50-68) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/821)
حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تشريع الأحكام الوضعية، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم، وكلا القولين من أقوال أهل السنة؟ حيث دار نقاش بين إخوة في: هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية؟ نرجو البيان والتوضيح. وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا؟ وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد الله
أولا:
تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام، لا شك في ذلك ولا ريب، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه، ومضادة له في شرعه، وقد قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21.
وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام/121.
وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/60، 61.
وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله.
وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام، وتحريم الحلال، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك، فلهم أن يحلوا ما شاءوا، وأن يحرموا ما أرادوا، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ، يعاقب ويجرّم من يخالفه، وهذا غاية الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267) .
وقال ابن كثير رحمه الله: " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية والنهاية" (13/139) .
و (الياسا) ويقال: (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها.
ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ... ) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ... ) الآية، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعل على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم".
إلى أن قال: " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ، (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.
وينظر جواب السؤال رقم (11309) و (974) .
ثانيا:
المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه، كشرح كتاب التوحيد، وشرح الأصول الثلاثة، وشرح السياسة الشرعية، وفتاواه المطبوعة في العقيدة، ولقاءات الباب المفتوح، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر، وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول، وسعى في منع نشره، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له، أو وصية بحذفه، فقد أساء به الظن، وقدح في دينه وأمانته، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه.
ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة: ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة": " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/822)
عمَّتها تعتقد اعتقادات كفرية، وتعمل أعمالاً جاهلية؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أود الاعتذار لأن الرسالة ستكون طويلة، ولكن ثقتي في سعة صدوركم لتقديم الفائدة كبيرة إن شاء الله، وأود أن تساعدوني بطريقتكم الدعوية لإعادة عمتي للنهج الصحيح للقرآن والسنة. عمتي في الخمسينات من عمرها، ولديها 4 بنات، تزوجت أولاهن في الصيف الفائت، وهي تفعل العديد من الأشياء المنافية للقرآن والسنة، وما يخرج أحيانا من الملة والعياذ بالله، كما نسمع ونتعلم من علمائنا الأفاضل. 1- فعمتي تذهب للمنجمين والعرافين للاستعلام عن أي مشكلة تقع فيها بدعوى معرفة الأسباب الحقيقية وراء المشكلة. 2- أيضا هي تعتقد بنفع وضر الأولياء الصالحين، ولديها وليٌّ نسبت نفسها وبناتها له، وتسعى لتطبيق عاداته أو طريقته كما يقولون، وتذبح له الذبائح، وتخشى منه إذا أخلت ببعض طرقه أن يعاقبها، وتفاصيل ذلك كثيرة، ولكني لا أريد الإطالة. 3- هناك أيضا ظاهرة اجتماعية وهي عبارة عن تعويذة وتسمى هنا (الصفيحة) وهي كالآتي: تقوم الأم قبل بلوغ بناتها بجرحهم 7 جروح خفيفة على مستوى الركبة، ثم تقوم بغمس 7 حبات زبيب، وتقوم البنت بأكلها، ولا أدري إن كان يصاحب ذلك كلام أو لا، هذه التعويذة تجعل الفتاة منيعة من ناحية الاعتداءات الجنسية كما يزعمون، ولا تقوم الأم بنزع هذه التعويذة إلا يوم زواج البنت بنفس الطريقة في المرة الأولى ليتمكن زوجها من الدخول بها، وإذا حدث ونسيت ذلك فلن يستطيع الزوج أن يفعل شيئاً مهما حاول حتى تستدعى الأم وتقوم بفك التعويذة، والحديث منسوب لعمتي التي قامت بها لجميع بناتها، وتبرر صحة هذه العادة بالعديد من الحالات التي نسيت الأم فتح التعويذة ولم ينجح الأزواج بالدخول بزوجاتهم إلا بعد فكها، ولما سألتها هل لديها عنها أصل في القرآن والسنة فربما كانت حراماً قالت لي أكل شيء تحرمونه، هذه عادة معروفة والعديد من الناس يفعلونها ومعروفة بنجاعتها. 4- كل هذا بالإضافة لمشاهدة الأفلام والفيديو كليب بجميع أنواعه و" ستار أكاديمي "، وما إلى ذلك من البرامج التليفزيونية، وأيضا تعلق الصور بالبيت والتحف الفخارية على شكل عرائس وحيوانات، وحضور حفلات الأعراس الممتلئة بالمعاصي، فهي أيضاً قامت بتزويج ابنتها بهذه الطريقة. المحير أنها تصلي وتذهب كل جمعة للمسجد للصلاة، وتقرأ القرآن، وتتصدق، ولكنها ترفض التسليم بتحريم ما تفعله كلما خاض بعض الأقارب الموضوع معها، وتقول: كل شيء تريدون تحريمه، ثم أنا أخاف - وتعني بذلك من الولي -. أنا أريد التحدث معها منذ مدة، ولكني أجلت ذلك لأدعم كلامي بفتاوى من العلماء مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشهر تفاسير العلماء كي لا أدع لها مجالاً للتشكيك فيما أقول، فأرجو من فضيلتكم المساعدة لأني سأطبع إجابتكم وأقدمها لها عند حديثي معها كدليل وحجة، وأود نصيحتك في كيفية التحدث معها. وجزاكم الله كل خير، وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله فهو ولي ذلك والقادر عليه، وهدانا جميعا لما يحب ويرضى، فكما قال عليه الصلاة والسلام بما معناه لأن يهدي بك الله عبداً خيراً لك من حمر النعم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك أختنا السائلة هذه الغيرة على دين الله، ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء عليها، وأن يكلل مسعاكِ في دعوة عمتك بالنجاح، فيهديها الله، ويجعل أعمالها في ميزان حسناتك.
ثانياً:
ولا يخفى عليكِ أختنا الفاضلة انتشار التصوف والقبورية في أرجاء الأرض، فبعض الدول الإسلامية يوجد فيها حوالي 3 آلاف قبر يُعظَّم! وزبائن القبور والمشاهد والأوثان في العالَم الإسلامي يعدون بمئات الملايين! وللأسف أنهم يُحسبون على المسلمين، ويُحسب فعلهم على الإسلام، ولا ندري – حقيقة – كيف لمسلم يشهد الشهادتين يفعل مثل هذا، وهو يعلم ما جاء به نبيه من تحطيم الأصنام، ونقض لعقائد الجاهلية، والتي بعضها أقل كفراً من عقائدهم التي ينسبونها للإسلام، فالجاهليون كانوا إذا أصابهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له في الدعاء، لعلمهم أنه لا ينجيهم من كربهم إلا الله، ومشركو زماننا من أهل القبور والأوثان وتعظيم الأولياء يدعون وليهم في السراء والضراء! .
ثالثاً:
قال الإمام البغوي – رحمه الله -:
الكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدَّعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيساً من الجن، وتابعة، تُلقي إليه الأخبار، ومنهم مَن كان يدَّعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه.
والعرَّاف: هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق مَن الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتُتهم المرأة بالزنى، فيقول من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور، ومنهم مَن يسمِّي المنجم كاهناً.
" شرح السنَّة " (12 / 182) .
وإتيان العرافين والكهَّان من كبائر الذنوب، وهذا في مجرد الإتيان، وأما من جاءهم مصدِّقاً لهم: فهو كفر مخرج من الملة؛ لمضادة ذلك للإيمان بالله تعالى أنه لا يعلم الغيب إلا هو، ومن باب أولى أن يكون حكم اكاهن والعرَّاف: الكفر المخرج من ملة الإسلام.
عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . رواه مسلم (2230) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (936) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وينظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين: (8291) و (60431) .
رابعاً:
النفع والضر بيد الله، وبأمره عز وجل، وقد كان الكفار في الجاهلية يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع مَن عَبَدها، وتضر من كفر بها، فردَّ الله عليه اعتقادهم هذا في أكثر من موضع من كتابه، وبيَّن أن هذا سفه في العقول، فهم الذين نحتوها وصنعوها، فكيف يعتقدون فيها النفع والضر، وهم الذين يلجئون إلى الله وحده لا شريك له في الشدائد، وتضل عنهم آلهتهم ومعبوداتهم في تلك الشدة، فأنَّى يكون لها النفع والضر في الدنيا فضلاً عن الآخرة؟! .
قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/ 18.
قال الإمام الطبري – رحمه الله -:
يقول تعالى ذِكره: ويَعبُد هؤلاء المشركون الذين وصفتُ لك يا محمد صفتهم، من دون الله الذي لا يضرهم شيئًا، ولا ينفعهم، في الدنيا، ولا في الآخرة، وذلك هو الآلهة، والأصنام التي كانوا يعبدونها.
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، يعني: أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله.
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (قل) لهم (أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض) ، يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السموات، ولا في الأرض؟ ؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السموات، ولا في الأرض، وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله: قل لهم: أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السموات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما؟ وذلك باطلٌ لا تُعلم حقيقته وصحته، بل يَعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد، ولا تنفع ولا تضر.
(سبحان الله عما يشركون) ، يقول: تنزيهاً لله وعلوًّاً عما يفعله هؤلاء المشركون، من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، وافترائهم عليه الكذب.
" تفسير الطبري " (15 / ص 46، 47) .
وقد بيَّن الله تعالى عجز الأوثان والأصنام أن تكشف الضر عن أحد، أو تمنع وقوع الخير لأحدٍ.
قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/ 17.
وقال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس/ 107.
وقال عز وجل: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/ 2. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) .
رواه الترمذي (2516) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ومن ينتسب للإسلام فلا نعجب إن كانت منزلة الولي عنده كمنزلة الأصنام عند الجاهليين، ولا نعجب إن رأيناهم يصرفون عباداتهم لهم، كالنذر، والذبح، والخوف، والخشية، والرجاء، وغير ذلك مما لا ينبغي للموحِّد أن يصرفه إلاَّ لربه وإلهه عز وجل.
ومثل هؤلاء لا تنفعهم صلاتهم، ولا صيامهم، ولا حجهم ما داموا على ذلك؛ لأنهم نقضوا توحيد الألوهية، فصرفوا ما يجب صرفه لله تعالى وحده: صرفوه لأوليائهم، وأوثانهم، كما أنهم نقضوا توحيد الربوبية باعتقادهم في أوليائهم من الأفعال ما لا يقدر عليه إلا الله، كالنفع، والضر، والسخط، والرضا، والثواب والعقاب، كل ذلك من أفعال الله تعالى وحده، لا يشاركه فيه أحد.
وهذا الولي المزعوم ليس من الصالحين، بل هو من أولياء الشيطان الذي يخوف به الشيطان الناس، ليوقعهم في الشرك الأكبر، ولو فُرض أن هذا الولي كان من الصالحين، وأن هذا الذي غلا في شأنه، واعتقد فيه هذه العقائد الجاهلية، لم يكن بعلم الولي ولا إرادته: لم يغير ذلك من حكم التابع شيئاً، ولا ينفعه عند الله شيئاً، وإن كان المتبوع الصالح بريئاً منه ومن شركه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فكل مَن غلا في حيٍّ، أو في رجل صالح، كمِثل عليٍّ رضي الله عنه، أو " عدي "، أو نحوه، أو فيمن يَعتقد فيه الصلاح، كالحلاج، أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس القتي، ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له، أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى: فكل هذا شرك، وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلهاً آخر.
" مجموع الفتاوى " (3 / 395) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله، وقد بيَّن جل وعلا في موضع آخر، أن الشيطان يخوِّف المؤمنين أيضاً، الذين هم أتباع الرسل، من أتباعه وأوليائه من الكفار، كما قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) .
"أضواء البيان " (6 / 464) .
خامساً:
أما التعويذة المذكورة في السؤال: فهي من الخرافات، ولا أصل لها في شرع الله تعالى، ولا في واقع الناس، وسبع حبات من الزبيب لا تمنع المرأة من الفجور بها، ولا تمنع الزوج من جماع زوجته بمجردها، اللهم إلا أن يقترن بها شيء من السحر، الذي يفعله شياطين الإنس ليمنعوا الزوج عن زوجته، والزوجة عن زوجها، فهذا ليس من التعاويذ ولا التمائم في شيء، وإنما هو من فعل مردة الشياطين والسحرة.
سادساً:
بخصوص مشاهدة الأفلام، والوقوف على ما فيها من مفاسد وآثام: انظري أجوبة الأسئلة: (3633، 332 4، 1107، 13003، 85232) .
وبخصوص برنامج " ستار أكاديمي ": انظري جواب السؤال رقم: (43775) ففيه بيان من " اللجنة الدائمة " في التحذير منه.
وننصحك أخيراً: بمداومة نصح عمتك، وعدم السآمة من ذلك، وأن تداومي على الدعاء لها، وتحرَّي من أجل ذلك الأوقات والحالات الفاضلة، فلعل الله أن يستجيب دعاءك، وأن يهديها لما فيه صلاح حالها واعتقادها.
سابعاً:
ننبهك ـ أختنا الكريمة ـ أخيراً إلى أن ما جاء في الدعاء الكريم الذي ختمت به سؤالك، وقلت: " وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله "، فإن ذكر المشيئة هنا مخالف لأدب الدعاء، بل ينبغي للإنسان أن يدعو الله عز وجل بما أحب من خير الدنيا والآخرة، من غير أن يقرن ذلك بالمشيئة، بل يجزم في مسألته، ويتضرع إلى ربها في جوابها.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ) . رواه البخاري (7477) ومسلم (2679) .
قال النووي رحمه الله:
" قَالَ الْعُلَمَاء: عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا , وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب , وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا , وَقِيلَ: هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة.
وَمَعْنَى الْحَدِيث: اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب , وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة , قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه , وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث: فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ , وَقِيلَ: سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِغناء عن الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/823)
الحلف بغير لله هل تلزم فيه الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم أن تلقوا الضوء على هذه القضية؟ لو أن شخصا يحلف برأسه، هل يعد هذا يمينا أم عهدا؟ وإذا أخل به هل عليه كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلف لا يكون إلا بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، وأما الحلف بغير الله فلا يجوز، وهو من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) .
ويدخل في ذلك الحلف بحياة الإنسان ورأسه وشرفه، والحلف بأمه وأبيه، والحلف بالكعبة وغير ذلك من المخلوقات.
واليمين بغير الله يمين غير منعقدة، ولا تلزم فيها كفارة عند أكثر العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق ; كالكعبة , والأنبياء , وسائر المخلوقات , ولا تجب الكفارة بالحنث فيها. وهو قول أكثر الفقهاء " انتهى من "المغني" (9/405) .
وعلى هذا، فمن حلف برأسه، فقد ارتكب أمراً محرماً، وعليه التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعل، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وليس عليه كفارة إذا أخل بما حلف عليه، لأن هذه اليمين يمين محرمة لا يترتب عليها ما يترتب على الحلف بالله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/824)
قصيدة " البردة " للبوصيري، وبيان ما فيها من كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعتُ الكثير عن " البردة " أشياء عديدة البعض يقول: إنها جيدة، ومفيدة، والبعض الآخر يرى أنها شرك؛ لأن بعض أبياتها يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم بصفات الله. أتساءل: هل في نظركم أنها فعلا شرك فأجتنبها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قصيدة " البردة " تعدُّ من أشهر القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم إن لم نقل: أشهرها، وقد نظمها " البوصيري ": وهو: محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجي، ولد سنة 608هــ، وتوفي سنة 696 هـ .
وقد قيل في سببها: أن " البوصيري " أصيب بمرضٍ عُضالٍ، لم ينفع معه العلاج، وأنه كان يُكثر مِن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى رآه في المنام ذاتَ ليلةٍ، وغطَّاه ببردته الشريفة، وأنه لمَّا قام " البوصيري " مِن نومه: قام، وليس به مرضٌ، فأنشأ قصيدته، والله أعلم بحقيقة ذلك.
ثانياً:
القصيدة المذكورة قد اشتملت على كفرٍ صريح، وقد تتابع العلماء من أهل السنَّة والجماعة على نقضها، ونقدها، وتبيين عوارها، وكشف زيغها ومخالفتها لاعتقاد أهل السنَّة والجماعة.
ومن أبرز الأبيات التي انتُقدت في تلك القصيدة: قوله:
1. يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به ... ** سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم
2. إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي ... ** عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
3. فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها ... ** ومن علومك علم اللوح والقلم
4. دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... ** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
5. لو ناسبت قدره آياته عظما ... ** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
6. فإن لي ذمة منه بتسميتي ... ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
ثالثاً:
ومن كلام أهل العلم في نقض تلك الأبيات ونقدها:
1. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: " وأما الملك: فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وفي القراءة الأخرى (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) الانفطار/ 17 – 19.
فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص المُلك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره: عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعنى، والإيمان، بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) : من قول صاحب البردة:
ولن يضيق رسولَ الله جاهك بي ... ** إذا الكريم تحلي باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... ** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن: هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) ، وقوله: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) ؟! لا والله، لا والله، لا والله، إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمَّداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق، لا والله ما استويا، ولن يتلاقيا، حتى تشيب مفارق الغربان.
فمن عرف هذه المسألة، وعرف البردة، ومن فتن بها: عرف غربة الإسلام " انتهى.
" تفسير سورة الفاتحة " من " مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (5/13) .
2. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله -: " من عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف إلى عبد الخالق الحفظي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد بلغنا من نحو سنتين: اشتغالكم ببردة " البوصيري "، وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى، من ذلك قوله: " يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك " إلى آخر الأبيات، التي فيها طلب ثواب الدار الآخرة من النبي صلى الله عليه وسلم وحده ...
وكونه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لا يلزم أن يختص دونهم بأمر نهى الله عنه عباده عموماً، وخصوصاً، بل هو مأمور أن ينهى عنه، ويتبرأ منه، كما تبرأ منه المسيح بن مريم في الآيات في آخر سورة المائدة، وكما تبرأت منه الملائكة في الآيات التي في سورة سبأ.
وأما اللياذ: فهو كالعياذ، سواء، فالعياذ لدفع الشر، واللياذ لجلب الخير، وحكى الإمام أحمد وغيره الإجماع على أنه لا يجوز العياذ إلا بالله، وأسمائه، وصفاته، وأما العياذ بغيره: فشرك، ولا فرق.
وأما قوله: " فإن من جودك الدنيا وضرتها ": فمناقض لما اختص به تعالى يوم القيامة من الملك في قوله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ، وفي قوله تعالى في سورة الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي قوله تعالى: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، وغير ذلك من الآيات لهذا المعنى، وقال غير ذلك في منظومته مما يستبشع من الشرك " انتهى.
"رسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب" (1/82) .
3. ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ – رحمه الله – بعض الأبيات السابقة، ثم قال: " فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك.
منها: أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلَّت به الحوادث، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
الثاني: أنه دعاه، وناداه بالتضرع، وإظهار الفاقة، والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية.
الثالث: سؤاله منه أن يشفع له في قوله:
ولن يضيق رسول الله ... البيت
وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه، وهو الجاه، والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً: فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فلا معنى لطلبها من غيره؛ فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء.
الرابع: قوله: فإن لي ذمة ... إلى آخره:
كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك.
تناقض عظيم، وشرك ظاهر، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحساناً، وإلا فيا هلاكه.
فيقال: كيف طلبت منه أولاً الشفاعة، ثم طلبت منه أن يتفضل عليك، فإن كنت تقول: إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله: فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم، وترجوه، وتسأله الشفاعة؟ فهلا سألتها من له الشفاعة جميعاً، الذي له ملك السموات والأرض، الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله.
وإن قلت: ما أريد إلا جاهه، وشفاعته، بإذن الله.
قيل: فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين، فهذا مضاد لقوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين. ثم ما أدرك ما يوم الدين. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً. والأمر يومئذ لله) ، فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا؟! .
وإن قلت: سألته أن يأخذ بيدي، ويتفضل عليَّ بجاهه وشفاعته.
قيل: عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله، وذلك هو محض الشرك.
الخامس: في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس - والاعتماد على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى على مؤمن، فأين هذا من قوله تعالى: (إياك نبعد وإياك نستعين) الفاتحة، وقوله تعالى: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) ، وقوله: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً) ، وقوله تعالى: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً. إلا بلاغاً من الله ورسالاته) .
فإن قيل: هو لم يسأله أن يتفضل عليه، وإنما أخبر أنه إن لم يدخل في عموم شفاعته فيا هلاكه.
قيل: المراد بذلك سؤاله، وطلب الفضل منه، كما دعاه أول مرة وأخبر أنه لا ملاذ له سواه، ثم صرح بسؤال الفضل والإحسان بصيغة الشرط والدعاء، والسؤال كما يكون بصيغة الطلب يكون بصيغة الشرط، كما قال نوح عليه السلام: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) " انتهى.
" تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد " (1/187-189) .
4. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
قرأتُ حديثاً فما مدى صحته، وهو: (من كان اسمه محمَّداً فلا تضربه ولا تشتمه) ؟ .
فأجاب: " هذا الحديث مكذوب، وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة، وهكذا قول من قال: " مَن سمَّى محمَّداً فإنه له ذمة من محمد، ويوشك أن يدخله بذلك الجنة "! وهكذا من قال: " من كان اسمه محمَّداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا "، فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، فالاعتبار باتباع محمد، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم، فكم ممَّن سمي محمداً وهو خبيث؛ لأنه لم يتبع محمَّداً، ولم ينقَد لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا، فمن تسمى بأحمد، أو بمحمد، أو بأبي القاسم، وهو كافر، أو فاسق: لم ينفعه ذلك، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله، ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمداً، فهذا هو الذي ينفعه، وهو طريق النجاة والسلامة، أما مجرد الأسماء من دون عمل بالشرع المطهر: فلا يتعلق به نجاة، ولا عقاب.
ولقد أخطأ البوصيري في " بردته " حيث قال:
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذمم
وأخطأ خطأ أكبر من ذلك بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... ** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... ** فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ** ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل هذا المسكين لياذه في الآخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الله عز وجل، وذكر أنه هالك إن لم يأخذ بيده، ونسي الله سبحانه الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي ينجي أولياءه، وأهل طاعته، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك الدنيا والآخرة، وأنها بعض جوده، وجعله يعلم الغيب، وأن من علومه علم ما في اللوح والقلم، وهذا كفر صريح، وغلو ليس فوقه غلو، نسأل الله العافية والسلامة.
فإن كان مات على ذلك، ولم يتب: فقد مات على أقبح الكفر، والضلال، فالواجب على كل مسلم أن يحذر هذا الغلو، وألا يغتر بـ " البردة "، وصاحبها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 370، 371) .
وأقوال العلماء أكثر من هذا، ويوجد من الأبيات ما فيه مجال للنقد، لكننا اخترنا بعضاً من `ذلك، وهو كافٍ في بيان المقصود، وهو التحذير من هذه القصيدة، وأنها احتوت على غلو ظاهر، وكفر وزندقة.
وللمزيد في نقد هذه القصيدة: ينظر كتاب " العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية " للشيخ عبد الرحمن المغراوي "القسم الخامس" (ص 139 – 154) ، ومقال " قوادح عقدية في بردة البوصيري " للشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، هنا:
http://www.saaid.net/arabic/ar20.htm
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(1/825)
ذهب إلى عراف ثم تاب، لكنه يجد ما أخبر به العراف يقع يوما بعد يوم!
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي وقع في خطأ كبير ذهب إلى عراف قبل ان يبدأ دراساته الطبية، بعد ذلك طلب العلم ثم تاب إلى الله بإخلاص، لكن المشكلة هي أن كل ما أخبره العراف يأتي حقيقة يوما بعد يوم، إنه يريد أن يتخلص من التفكير بهذا لكنه لم يستطع بدأ يصلي، ما الحل لمثل هذه المشاكل وفقا لتعاليم الإسلام؟ ماذا تنصحونه حول ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إتيان السحرة والكهنة والعرافين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود (3904) ، والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجه".
والكفر الوارد في الحديث محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب، أو صدقه في دعواه علم الغيب.
وللفائدة راجع جواب: (8291) .
وعلى من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وذلك بالندم على ما فات والعزم على عدم العود إليه.
ثانيا:
أما كون ما أخبره به العراف يقع يوما بعد يوم، فهذا لا يضره، ولا يغير من حكم الشرع في مثل ذلك شيئا، وهو راجع لأحد أمرين:
الأول: أن العراف يستعمل جملا وكلمات عامة في التعبير عن حوادث تحدث لعامة الناس، كقوله: تمر بمحنة مثلا، ثم يأتيك فرج، أو ترزق مالا أو تتزوج، ونحو ذلك، فيظن الإنسان صدق العراف لذلك.
الثاني: أن العراف قد يخبر بأمر حقيقي يقع في المستقبل، ثم يقع كما أخبر، ويكون هذا مما استرقه الشيطان من السمع ثم ألقاه الشيطان على العراف، فيضيف إليه أخبارا وأمورا كاذبة، فإذا وقع الحادث الذي أخبر به، صدقه الناس في جميع قوله، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في توضيح هذا الأمر، فقد روى البخاري (6213) ومسلم (2228) عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسُوا بِشَيْءٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) .
وروى البخاري (4701) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا؛ لِقَوْلِهكَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، قَالَ عَلِيٌّ (أي: على ابن المديني) ، وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ (فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ، وَوَصَفَ سُفْيَانُ (أي: سفيان ابن عيينة) بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ) ، أي: يُصدّق لأجل الكلمة الحق التي سمعت من السماء وأخبر بها الكاهن.
على أنه ربما يكون خبر العراف عن شيء قد وقع فعلا، كأن يخبره بمكان شيء ضائع، أو نحو ذلك، فهذا الذي وقع، وإن كان لا يعرفه السائل، فليس بغيب مطلق، وإنما هو غيب عمن لم يشاهده ولم يعرفه، ومثل هذا يمكن للعراف أن يطلع عليه، إما بنفسه، وإما بأعوانه وإخوانه من شياطين الإنس والجن، كما هو معلوم.
والحاصل: أن صديقك مادام قد تاب إلى الله تعالى، فلا يلتفت إلى ما قال العراف، ولا يتخوف من كلامه، فقد يقع شيء مما قاله وقد لا يقع، والغالب أنه لا يقع؛ لأن نسبة الصدق – إن كان العراف يتلقى عن الجن – لا تتجاوز 1%.
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم: (32863) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/826)
لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم السلفية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن العلماء كلهم متفقون على جوازه، حتى ظهر ابن تيمية الذي كان أول من حرمه؟ مع أن كل العلماء من جميع المذاهب يجيزون التوسل، فلماذا يُصِرُّون على تحريمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه: أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه، أو تعجيل حاجته، فيقول: أسألك بحق النبي، أو: بجاه النبي، أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ:
" والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين.
فإن كان إقساما على الله بغيره: فهذا لا يجوز.
وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك: فهذا جائز.
وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين: فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه لا يجوز. ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب.
بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة: فهذا جائز، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به.
وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا: كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، والوسيلة هي الأعمال الصالحة. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57.
وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، ولا مشهورا عن السلف." انتهى.
ثانيا:
ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل، ولا منزلة لديه سبحانه، كما يقوله من يفتري على السلفيين، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك، وهو صاحب المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة، وسيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق؛ لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال: حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه.
وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا.
وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ". انتهى.
وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ:
" ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه، مع أن النبي لم يدع له: كان هذا كلاما باطلا ". انتهى.
ثالثا:
مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة، بل هو من أجل العبادات لله تعالى، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه أبو داود (1479) وغيره، وصححه الألباني.
والعبادات مبناها على التوقيف، يعني: على ورود الشرع بها، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات.
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبََ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد. وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد. وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى.
فإذا علمنا هذا الأصل، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا، أو اتباعا لغيرنا فيه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ:
" ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى.
وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ:
" والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمر به، والذي أمر به: ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة ".
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟
فأجابوا:
" من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته، فقال: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك.
ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /108
فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة، والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة ... " انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) .
رابعا:
قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه: غير صحيح؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله، في رده على الأخنائي، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية، فقال في حق شيخ الإسلام: " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع "، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة، فقال في ضمن ذلك:
" الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم، يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه..، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟!
الوجه السابع: أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع. والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا: اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقها وحديثا: ما لم يطلع عليه.
الوجه الثامن: أن المجيب [يعني: شيخ الإسلام نفسه]ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقل قد سبقه إليه العلماء؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام؛ فمن كان يسلك هذا المسلك، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! " انتهى. من الرد على الأخنائي (457-458) .
خامسا:
هذه المسألة المذكورة، والتي زعم السائل فيها، تبعا لغيره، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء، وخاصة الأحناف بالمنع منها، والنهي عنها.
قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) :
" وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ".
ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) .
قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) :
" وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ".
ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة، يعني: أبا حنيفة، وصاحبيه: أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2554) .
قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) :
" وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل: بحق الأنبياء والأولياء، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام: مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد، وعللوا ذلك بقولهم: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى.
وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي: جلاء العينين (505) وما بعدها.
ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة: لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك، ولا هو آخرهم أيضا.
وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/827)
كسر البيض عند عجلات السيارة لدفع العين
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى أقاربي امرأة كبيرة في السن (غير متعلمة) لا تزال متمسكة بعمل بعض الأشياء التي نخشى أن تؤثر على صحة عقيدتها فعلى سبيل المثال (إذا اشترى أحد أبنائها سيارة جديدة تقوم بتكسير البيض عند عجلات السيارة الأربع) وذلك لاعتقادها أن ذلك يحمي السيارة من العين أو الحسد وعندما ننصحها بأن ذلك لا يجوز وأن الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تكفي تقول بأن ما تفعله صدقة لله سبحانه وتعالى. فما حكم مثل هذا العمل وهل يؤثر على سلامة العقيدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يفعله بعض الناس من تكسير البيض أو رش الملح أو ذبح ذبيحة اتقاء للعين أو الجن بذبحهم، هو من أفعال الجاهلية المحرمة، ومن الشرك الذي يجب الحذر والتحذير منه.
ووجه كونه شركا أن الله سبحانه لم يجعل هذا سببا شرعيا ولا عاديا لدفع العين، أو اتقاء شر الجن، فمن جعل ما ليس سببا سبباً فقد أشرك.
والشرك نوعان: أصغر وأكبر، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر إن فعل ذلك تقربا للجن، أو اعتقد أن هذا السبب يدفع العين بذاته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر؛ لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل {فيه شفاء للناس} [النحل: 69] ، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82] .
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشراً، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثراً بيناً، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها.
وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقاً شرعياً لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقاً للتشريع.
قوله: "لبس الحلقة والخيط"، الحلقة: من حديد أو ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك، والخيط معروف.
قوله: "ونحوهما"، كالمرصعات، وكمن يصنع شكلاً معيناً من نحاس أو غيره لدفع البلاء، أو يعلق على نفسه شيئاً من أجزاء الحيوانات، والناس كانوا يعلقون القرب البالية على السيارات ونحوها لدفع العين، حتى إذا رآها الشخص نفرت نفسه فلا يعين " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد".
وقال رحمه الله: " ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب: هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة، كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها، ويقول: إن هذا يمنع الجن من دخول البيت، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور: فهذا لا بأس به " انتهى من "الشرح الممتع" (7 / 550، 551) .
والمقصود أن كسر البيض أو ذبح الذبيحة أو رش الملح كل ذلك لا أثر له في دفع العين، وإنما هذا من الاعتقاد الشركي الجاهلي، وليس من الصدقة كما يُزعم، وأي صدقة في إهدار الطعام وإلقائه على الأرض!
وإنما تدفع العين بالأسباب المشروعة، كقراءة القرآن الكريم، والتحصن بالأذكار الشرعية.
والواجب نصح هذه المرأة وتحذيرها من هذا الاعتقاد الباطل.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/828)
حكم الطواف حول القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إطلاق التسمية على الذين يطوفون حول القبور بأنهم مشركون أم لا يجوز ذلك]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الطواف بغير الكعبة المشرفة، سواء كان حول قبر نبي أو صالح أو غير ذلك؛ لأن الطواف عبادة لم يشرعها الله إلا حول بيته، كما قال تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/ 29، ومن صرف هذه العبادة لغير الله، فطاف حول الأضرحة والقبور فقد وقع في الشرك الأكبر.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، ما نصه: " كنت جالسا مع إخوة لي من أبناء وطني من صعيد مصر، فقالوا لي: يوجد عندنا مقام لأبي الحسن الشاذلي من طاف به سبع مرات كانت له عمرة، ومن طاف به عشر مرات كان له حجة، ولا يلزمه الذهاب إلى مكة، فقلت لهم: إن هذا الفعل كفر بل شرك -والعياذ بالله- فهل أنا مصيب؟ وبماذا تنصحون من ينخدع بذلك؟
الجواب: نعم قد أحسنت، لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفر وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم.
فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعة ومنكرا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شرك أكبر- والعياذ بالله- وهكذا دعاؤه والاستغاثة بأبي الحسن الشاذلي، أو النذر له، أو الذبح له، كله كفر أكبر -نعوذ بالله- ... فالدعاء والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم، والنذر لهم، والتوكل عليهم، أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، أو يعلمون ما في نفوس أصحابهم، والداعين لهم، والطائفين بقبورهم، كل هذا شرك أكبر -نعوذ بالله من ذلك- فالغيب لا يعلمه إلا الله؛ لا يعلمه الأنبياء ولا غيرهم، وإنما يعلمون من الغيب ما علمهم الله إياه، ويقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل: 65] .
فمن زعم أن شيخه يعلم الغيب، أو يعلم ما في نفس زائره، أو ما في قلب زائره فهذا كفر أكبر- والعياذ بالله- فالغيب لله وحده سبحانه وتعالى، وكذلك إذا عكف على القبر يطلب فضل صاحب القبر، ويطلب أن يثيبه أو يدخله الجنة بالجلوس عند قبره، أو بالقراءة عند قبره، أو بالاستغاثة به أو نذره له، أو صلاته عنده، أو نحو ذلك، فهذا كفر أكبر.
فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يحذر الشرك كله وأنواعه، والقبور إنما تؤتى للزيارة، يزورها المؤمن للدعاء لهم، والترحم عليهم، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية وهكذا.
أما أن يدعوهم مع الله، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يتقرب إليهم بالذبائح بالبقر، أو بالإبل، أو بالغنم، أو بالدجاج فكل هذا كفر أكبر- والعياذ بالله- فالواجب الحذر والواجب التفقه في الدين، المسلم عليه أن يتفقه في دينه حتى لا يقع في الشرك والمعاصي.
وعلماء السوء علماء ضلالة يضلون الناس ويغشونهم، فالواجب على علماء الحق أن يتقوا الله وأن يعلموا الناس من طريق الخطب والمواعظ وحلقات العلم، ومن طريق الإذاعة، ومن طريق الكتابة والصحافة، ومن طريق التلفاز، يعلمون الناس دينهم ويرشدونهم إلى الحق حتى لا يعبدوا الأموات، ولا يستغيثوا بهم، وحتى لا يطوفوا بقبورهم، وحتى لا يتمسحوا بها، وحتى لا ينذروا لها وحتى لا يقعوا بالمعاصي.
والقبور تزار للذكرى؛ لذكر الآخرة، وذكر الموت، وللدعاء للميت والترحم عليه كما تقدم، أما أن يطاف بقبره أو يدعى من دون الله أو يستغاث به، أو يجلس عنده للصلاة، فهذا لا يجوز، والجلوس عند قبره للصلاة عنده أو للقراءة عنده بدعة، وإذا كان يصلي له كان كفرا أكبر، فإن صلى لله وقرأ لله يطلب الثواب من الله، ولكن يرى أن القبور محل جلوس لهذه العبادات صار بدعة فالقبور ليست محل جلوس للصلاة أو للقراءة، ولكنها تزار للدعاء للأموات، والترحم عليهم، مثلما زارهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
فالنبي كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وكان إذا زار البقيع يقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ويترحم عليهم، وهذه هي الزيارة الشرعية، فيجب الحذر مما حرم الله مما أحدثه عباد القبور، وأحدثه الجهال، مما يضر ولا ينفع بل يوقع أصحابه في الشرك الأكبر- ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". (1/304)
وسئلت اللجنة الدائمة (1/206) : " ما حكم الطواف حول أضرحة الأولياء، أو الذبح للأموات أو النذر، ومن هو الولي في حكم الإسلام، وهل يجوز طلب الدعاء من الأولياء أحياء كانوا أم أمواتا؟
فأجابت: الذبح للأموات أو النذر لهم شرك أكبر، ولولي: من والى الله بالطاعة ففعل ما أمر به وترك ما نهي عنه شرعا ولو لم تظهر على يده كرامات، ولا يجوز طلب الدعاء من الأولياء أو غيرهم بعد الموت، ويجوز طلبه من الأحياء الصالحين، ولا يجوز الطواف بالقبور، بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركا أكبر، وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة، فإن القبور لا يطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من طاف بالأضرحة -يعني: القبور- يدعو صاحب القبر، ويستغيث به، ويستنجد به، فهو مشرك شركاً أكبر، وقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وإذا صلى هؤلاء في المساجد وهم مصرون على هذا الشرك -أعني: دعاء أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم- فإن صلاتهم لا تقبل منهم ولا تنفعهم عند الله، لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] . لكن الواجب على أهل العلم في تلك البلاد أن يكثفوا الدعوة، والذهاب إلى هؤلاء لبيان الحق لهم، وألا ييئسوا من روح الله، وإذا كان لا يمكن أن ندعوهم جهاراً على سبيل العموم؛ لأن من الناس من يقول: لو ذهبت إلى هؤلاء العامة وأدعوهم وأقول لهم: إن عملكم هذا شرك ربما يقتلونني، فإنه من الممكن أن يختار من زعمائهم من يختار، ويدعوه إلى بيته أو يزوره هو في بيته، ويتكلم معه بهدوء، ويبين له محاسن الإخلاص، ويبين له -أيضاً- أن هؤلاء الموتى لا يستجيبون له، كما قال الله تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] فليكثف الدعوة معهم؛ لأن هؤلاء الذين يترددون إلى الأضرحة ويدعونهم يعتبرون في حكم أهل الجاهلية، فلا بد من دعوتهم وتكثيف الدعوة معهم، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم على أيدي إخواننا المصلحين " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (53/6) .
وبهذا يعلم أن الطائف حول القبر قد يكون واقعا في الشرك الأكبر، وقد يكون واقعا في البدعة، بحسب قصده وإرادته، هل أراد التقرب إلى صاحب القبر، أم التقرب إلى الله تعالى بهذا الطواف.
هذا بالنسبة للعمل نفسه وهو الطواف، وأما الشخص المعيّن وهو من قام بالفعل، فلو فرض أنه أراد التقرب لصاحب القبر، لم يجز تكفيره إلا بعد ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فيُطلق القول بأن الطواف حول القبر تقربا لصاحبه كفر وشرك أكبر، وأن الطائف على هذا النحو مشرك، وأما المعين فلابد من التحقق من كونه فعل ذلك مختارا على وجه لا يعذر فيه بجهل أو تأويل، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، وإمكانية التعلم، فإن كان حديث عهد بإسلام، أو ناشئا في بادية بعيدة، أو كان مثله يجهل ذلك، لخفاء المسألة وعدم من ينبه عليها، فهو معذور، وإن كان مثله لا يجهل ذلك فهو كافر مشرك.
وينظر: سؤال رقم (85102) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/829)
يزعم قدرته على معرفة السحرة من أسمائهم! فهل يستعان به لإيذائهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثني أخ لي عن شاب وهبه الله القدرة على اكتشاف السحرة , بمجرد معرفة أسمائهم , وعن طريق أدعية يقولها (لا نعرفها بالضبط) يستطيع أن يُمرض الساحر، أو يبتليه بحيث يدخله المستشفى. وهذا الشخص يصف للناس المصابين بالسحر، أو الممسوسين، أو الذين يعانون من أحوال غريبة , بحيث يقرأ الأدعية (ربما رقية) على الملح، أو السكر، أو الزيت , ويوصي أن هذا الملح يضاف على الأكل بعد طبخه، وليس أثناء الطبخ؛ لكي يكون له المفعول المطلوب , وهذا الشخص لا يأخذ المال على خدماته , والناس يشهدون له حسن عمله، هل يحل لنا أن نستعين به ضد السحرة، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الشاب المزعوم أنه موهوب دجَّال من الدجاجلة، وكاهن من الكهنة، وعرَّاف من العرَّافين، وليس على هدى ولا على طريق مستقيم، فهو يدَّعي علم أشياء هي من علم الغيب، ويستدل عليها بعلامات لم يجعلها الله تعالى علامات عليها، ولا هناك قواعد لذلك أصلاً، ونعني به: زعمه علمه بالسحرة من خلال معرفة أسمائهم! ومن المعلوم لكل موحد أنه ليس هناك آية، ولا حديث، ولا قاعدة، تعرِّف المسلم بأن هذا ساحر من خلال معرفة اسمه، فإذا زعم أنه يعلم السحرة من خلال أسمائهم: فإما أن يكون كاذباً أفَّاكاً، وإما أنه يعلم ذلك عن طريق أوليائه من الجن الكافر أو الفاسق.
وانظر جواب السؤال رقم: (91525) .
ثانياً:
ادعاء ذلك الدجال بأنه يستطيع أن يمرض السحرة أو أن يؤذيهم: مما يدل على ما وصفناه به، فالنفع والضر بيد الله تعالى، وهو وحده سبحانه القادر على إيقاع الضرر على الخلق، وليس ذلك بإرادة أحدٍ غيره، والأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هذه " الكرامة "! وكانوا عليهم السلام إذا أرادوا أن يهلك أعداء الدين: دعوا عليهم، ولم يكن باستطاعتهم إمراض الناس وإيذاؤهم وإهلاكهم، إلا أن يدعو أحدهم ربه تعالى فيستجيب الله دعاءه، فينفذ قدر الله بما شاء تعالى على أعدائهم.
ثالثاً:
ما يقرؤه من " كلمات " لا تعدُّ من الرقية الشرعية حتى تكون باللغة العربية، وتظهر كلماتها، وتكون موافقة للشرع لا مخالفة له، وكل ذلك لا يُعرف من ذلك الشاب؛ لأن الظاهر أنه يسر بتلك الكلمات ولا يجهر بها.
وانظر شروط الرقية الشرعية في جواب السؤال رقم: (13792) ، وفي هذا الجواب بينَّا كيفية التخلص من السحر، وبينَّا كيف نكشف الرقاة المخالفين للشرع.
وفي جواب السؤال رقم (21124) ذكرنا علامات السحرة، والعرافين، والكهان، وكيف نميزهم.
وتنظر شروط الراقي في جواب السؤال رقم: (7874) .
رابعاً:
كونه لا يطلب أجراً لا يدل على أنه ثقة، ولا أنه صادق، وهذه طريقة معروفة لأولئك الدجاجلة، حيث يوهمون العامة بذلك أنهم على خير، وعلى دين، ويستدل العامة على ذلك بأنه لا يطلب أجراً، وهذا ميزان فاسد.
ولا ينبغي الاغترار بشهادة العامة لأحدٍ من الناس، وخاصة في هذا الباب، فهم لا يفرقون بين المشرك والموحد، ولا بين السني والبدعي، ولا بين الصادق والكاذب، وليس عندهم ميزان علمي للحكم على أفعاله وتصرفاته لمحاكمتها وفق شرع الله تعالى، وهم يطلقون اسم " الشيخ " على كل من يعالج السحر والصرع، ولو سلك أي طريق في العلاج! ، ومن العجائب: أنه وُجد نصراني يسلك هذا الدرب في بعض البلاد، ويطلق عليه عامة الناس " الشيخ المسيحي "! وهو معروف، وقد تأكدنا من ذلك، ولا يزال كثيرون يطلقون عليه ذلك اللقب إلى الآن! .
والعبرة في هذا الباب هو حكم العلماء وطلبة العلم من أهل السنَّة والجماعة، فهم أقدر الناس على الحكم على أولئك المعالِجين بما يستحقونه، وقد أكرمهم الله تعالى باعتقاد صحيح، وعلم مؤصَّل وفق الكتاب والسنَّة يستطيعون بهما أن يميزوا بين الكاهن المشعوذ وبين الثقة الصادق ممن يقرأ على الناس ويعالجهم، فلا تلتفتوا لشهادة غيرهما، ولا تغتروا بحكم العامة، فوجوده كعدمه.
وعليه:
فلا يحل لأحدٍ الذهاب لهذا الدجَّال، ولا الاستعانة به، ولو زعم محاربة السحرة! فهو منهم، وإنما يريد دفع التهمة عن نفسه، وإخراج نفسه من زمرتهم، وقد ورد الوعيد الشديد في الذهاب إلى هؤلاء بعدم قبول صلاة أربعين يوماً من ذلك الذاهب، فإذا صدَّقه فيما يقول فإنه يكون قد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وانظر جواب السؤال رقم (98153) و (8291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/830)
حكم التساهل في الحكم بشريعة الله وعدم تطبيقها
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله، والبعض يعتقد أن ذلك التساهل لا يؤثر في تمسكه بالإسلام، والبعض الآخر يستحل الحكم بغير ما أنزل الله ولا يبالي بما يترتب على ذلك، فما هو الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل، وهو أن يقال: من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله، وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر، ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفراً أكبر عند جميع العلماء، كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم، ممن زعم أنه يجوز الحكم بها، أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية.. من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم.
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى أو لحظ عاجل، وهو يعلم أنه عاص لله ولرسوله، وأنه فعل منكراً عظيماً وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله، فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة وكفراً أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال الله سبحانه: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) المائدة/49، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47، وقل عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وقال عز وجل: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، فحكم الله هو أحسن الأحكام، وهو الواجب الاتباع، وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل، وصلاح العالم كله، ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/355-356) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/831)
هل يكفر من أتى عرافاً وسأله عن شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين الحديثين التاليين: 1- (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، رواه مسلم في صحيحه. 2 – (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ، رواه أبو داود. فالحديث الأول لا يدل على الكفر في حين الآخر يدل على الكفر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تعارض بين الحديثين، فحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) يراد منه: أن من سأل الكاهن معتقداً صدقه وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر؛ لأنه خالف القرآن في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65.
وأما الحديث الآخر: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم وليس فيه (فصدقه) .
فبهذا يُعلم أن من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/48) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/832)
شيخ صوفي يأمر مريده بالشرك بالله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال شيخ لمريده الذي يريد أن يدرس في أوربا وهو يودعه: يا بني إذا سولت لك نفسك بالمعصية هناك فتذكر شيخك يصرف الله عنك هذا السوء وهذه الفاحشة، فهل هذا شرك بالله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا منكر عظيم، وشرك بالله جل وعلا؛ لأنه فزع إلى الشيخ لينقذه من هذا الشيء، والواجب أن يقول: فاذكر الله، واسأل ربك العون والتوفيق، واعتصم به، وأما أن يوصيه بأن يذكر شيخه فهذا من أخطاء غلاة الصوفية، يوجهون مريديهم وتلاميذهم إلى أن يعبدوهم من دون الله، ويلجئوا إليهم، ويتوكلوا عليهم في قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، وهذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك.
فالواجب على هذا الشخص أن يتقي الله، وأن يفزع إليه سبحانه فيما يهمه، ويسأله العون والتوفيق، لا إلى شيخه الذي عَلَّمَه أن يفزع إليه، والله المستعان" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (6/365) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/833)
من اعتقد أن هناك من يتصرف في الكون سوى الله فهو كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[من يقول: إن هناك من يتصرف في الكون مع الله، هل يكون كافراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتقد المسلمون أن الله تعالى هو المتصرف في الكون وحده، وهو المدبر لأمور المخلوقات وحده، وهذا داخل في توحيد الربوبية، الذي هو اعتقاد: أن لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر لأمور الخلائق إلا الله، فمن اعتقد غير ذلك كان كافراً.
وقد كان المشركون الذين يعبدون الأصنام والتماثيل، كانوا يقرون بأن الله تعالى هو الذي يدبر أمور المخلوقات.
قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) يونس/31.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل من يعتقد تصرف أحد في الكون سوى الله كافر؟
فأجابوا: "من يعتقد ذلك كافر؛ لأنه أشرك مع الله غيره في الربوبية، بل هو أشد كفرا من كثير من المشركين الذين أشركوا مع الله غيره في الألوهية.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/4) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/834)
حديث الأعمى وتوسله بالرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث: أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف عن بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي) ما صحة هذا الحديث وما معناه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه حسن، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له إلى الله عز وجل؛ وذلك بأن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شَفَّعهم الله فيه) .
فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، ولهذا لم يلجأ الصحابة رضي الله عنهم عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم؛ بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قحط المطر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله عز وجل بالسقيا فدعا فسقوا. وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة، قال الله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) يونس/106. وقال تعالى: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) الشعراء/213؛ وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117؛ وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) المائدة/72.
فالمهم أن من دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك، فكيف بعد موته، بعد أن كان جثة وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع والخير، مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60. وقال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186. وقال تعالى منكراً على من دعا غيره: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62.
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/274) .
فالحديث لا يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه البعض، بل الحديث يدل على أن هذا الرجل توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقوله: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد) أي: بدعاء نبينا محمد، وقوله: (يا محمد إني أتوجه بك إل ربي) أي: بدعائك.
ويدل على هذا:
1- أن هذا الرجل، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو له، ولو كان مراده التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم لقعد في بيته، وقال: اللهم إني أتوسل إليك وأسألك بجاه محمد.
2- من جملة الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم فشفعه فيّ، وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيّ، والشفاعة هي الدعاء، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له.
وقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل دعائي أن تقبل دعاءه.
قال الألباني رحمه الله في كتاب التوسل ص (73، 74) :
"إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة، ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع فيّ نبيك وشفعني فيه" انتهى.
وانظر لتفصيل الكلام على هذا الحديث: كتاب "التوسل" ص (68-93) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/835)
هل يجوز أن يقال: يا محمد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول لنبينا: يا محمد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته بـ: "يا محمد " لقوله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) النور/63.
قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير.
وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد.
وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه.
فلا ينادى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد، بل يقال: يا رسول الله، يا نبي الله.
ثانياً:
لا يجوز أن يدعى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؛ لأن الدعاء عبادة لا تكون إلا الله تعالى، قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن/13، وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) الأحقاف/5، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
والدعاء هو طلب جلب النفع أو دفع الضر، وليس مجرد النداء بـ (يا) لكن صار في عرف الناس استعمال هذا النداء للدعاء، لا سيما عند نزول الشدائد، وحصول الكروب، فيقولون: (يا الله) أي: يا الله نجنا، أو أغثنا، أو انصرنا.
هذا صنيع الموحدين الذين لا يدعون غير الله تعالى، وأما عباد القبور والأضرحة فإنهم يلجأون إلى أوليائهم ومعظَّميهم، فيقولون: يا بدوي، يا رفاعي، يا جيلاني، ومقصودهم: يا بدوي أغثنا أو انصرنا أو نجنا.
ومنهم من يقول: يا رسول الله، يا محمد، بهذا الاعتبار أيضا، وهو دعاؤه والاستغاثة به واللجأ إليه.
ومعلوم أن هذا من أعظم المخالفة لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب، من الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، وترك عبادة غيره.
فلا يشرع في دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده دعاء أحد غير الله تعالى، لا نبي مرسل، ولا ملَك مقرب، بل الدعاء له سبحانه وحده، ولهذا قال عز وجل: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62.
وعُلم بهذا أن قول القائل: "يا محمد"، أو (يا رسول الله) إن لم يُرد به الدعاء والطلب، فلا شيء فيه، كأن يريد استحضار صورته وتذكره، كما لو قرأ حديثا فقال: صلى الله عليك يا رسول الله، أو ما أعظم وأجمل كلامك يا رسول الله، لكن قوله: (يا محمد) فيه منافاة للأدب، كما سبق.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يكون من الشرك إذا قال أحد في أي بقاع الأرض: يا محمد يا رسول الله، يناديه؟
فأجاب: "قد بَيَّن الله سبحانه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم أن العبادة حق الله ليس فيها حق لغيره، وأن الدعاء من العبادة، فمن قال من الناس في أي بقعة من بقاع الأرض: يا رسول الله، أو يا نبي الله، أو يا محمد، أغثني أو أدركني أو انصرني أو اشفني أو انصر أمتك أو اشف مرضى المسلمين أو اهد ضالهم أو ما أشبه ذلك فقد جعله شريكا لله في العبادة، وهكذا من صنع مثل ذلك مع غيره من الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غيرهم من المخلوقات، لقول الله عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (2/453) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس عند الشدة: "يا محمد أو يا علي، أو يا جيلاني" فما الحكم؟
فأجاب: "إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدعو الله وحده، كما قال تعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62، وهو مع كونه مشركاً، سفيه مضيع لنفسه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) . وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/133) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/836)
جهل من يزعم أن الحج من مظاهر الوثنية
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الحبيب! والله إنى أحبك فى الله! نريد بعض الردود على من تتهم زيارتنا للكعبة المشرفة بأنه من الوثنية، كنوال سعداوي، وماذا تمثل الكعبة بالنسبة للمسلمين، وما يمثل الحج والعمرة كذلك للمسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الوثنية " دين أرضي ينتسب إلى الأوثان، وهي الأصنام والأنصاب والصور، وأخص أوصاف هذه النسبة هو التعلق بالأوثان بالخوف والرجاء والتذلل والعبادة، مع قدر من المحبة والتعظيم، وقد يصاحب ذلك نسبة القوة الذاتية إليها باعتقاد النفع والضر فيها، وقد لا يكون ذلك إلا عن اعتقادها وسائط إلى القوة الإلهية المطلقة.
أما المسلم الموحِّد فهو الذي لا يتوجه بمعاني العبودية القلبية أو العملية إلا لله تعالى، ولا يعتبر المكان والزمان إلا ظروفا للقيام بمظاهر العبودية، فلا ينالها شيء من المعاني التي تقوم في قلبه تعبدا وتذللا لله عز وجل.
ومن لم يفرق بين هذين المفهومين: " التوحيد "، و " الوثنية " لم يفهم شيئا من تاريخ الأديان وفواصل العقائد التي افترق عليها الناس، ولم يوثق بشيء من فكره، ونادى على نفسه بقلة الفهم والاطلاع.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (16/675) ، جوابا على سؤال طويل يستشكل ما ذكره السائل عن بعضهم: أنَّ شعائر الحج من مظاهر الوثنية، فقال:
" ما ذكره السائل في تقبيل الحجر الأسود قد سرى إليه من شبهات النصارى والملاحدة، الذين يشككون المسلمين في دينهم بأمثال هذا الكلام المبني على جهل قائليه من جهة، وسوء نيتهم في الغالب من جهة أخرى.
ومن عرف معنى العبادة يقطع بأن المسلمين لا يعبدون الحجر الأسود، ولا الكعبة، ولكن يعبدون الله تعالى وحده باتباع ما شرعه فيهما، بل كان من تكريم الله تعالى لبيته أن صرف مشركي العرب وغيرهم من الوثنيين والكتابيين الذين كانوا يعظمونه قبل الإسلام عن عبادته،
وقد وضعوا فيه الأصنام وعبدوها فيه، ولم يعبدوه.
ذلك أن عبادة الشيء عبارة عن اعتقاد أن له سلطة غيبية يترتب عليها الرجاء بنفعه لمن يعبده، أو دفع الضرر عنه، والخوف من ضره لمن لا يعبده أو لمن يقصر في تعظيمه، سواء كانت هذه السلطة ذاتية لذلك الشيء المعبود، فيستقل بالنفع والضرر، أو كانت غير ذاتية له بأن يُعْتَقَد أنه واسطة بين من لجأ إليه وبين المعبود الذي له السلطة الذاتية.
ولا يوجد أحد من المسلمين يعتقد أن الحجر الأسود ينفع أو يضر بسلطة ذاتية له، ولا أن سلطته تقريب من يعبد ويلجأ إليه إلى الله تعالى، ولا كانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك وتقوله في الحجر كما تقول في أصنامها: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) الزمر/3، (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) يونس/18
وإنما عقيدة المسلمين في الحجر هي ما صرَّح به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند تقبيله، قال: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . رواه الجماعة كلهم أحمد والشيخان وأصحاب السنن.
وقد بيَّنَّا في المنار من قبل أن هذا القول روي أيضا عن أبي بكر رضي الله عنه، وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أثر عمر كان العمدة في هذا الباب للاتفاق على صحة سنده.
قال الطبري: إنما قال عمر ذلك ... لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر الأسود من باب تعظيم الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته. اهـ.
بقي أن يقال: فما هي حكمة جعل ما ذكر من العبادة؟ وهل يصح ما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه في الكعبة مع أنه من آثار الشرك تأليفًا للمشركين، واستمالة لهم إلى
التوحيد؟
والجواب: أن الحجر ليس من آثار الشرك، ولا من وضع المشركين، وإنما هو من وضع إمام الموحدين إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، جعله في بيت الله ليكون مبدأ للطواف بالكعبة يعرف بمجرد النظر إليها، فيكون الطواف بنظام لا يضطرب فيه الطائفون، وبهذا صار من شعائر الله، يكرم ويقبل ويحترم لذلك كما تحترم الكعبة لجعلها بيتًا لله تعالى، وإن كانت مبنية بالحجارة، فالعبرة بروح العبادة: النية والقصد، وبصورتها الامتثال لأمر الشارع، واتباع ما ورد بلا زيادة ولا نقصان، ولهذا لا تُقَبَّلُ جميع أركان الكعبة عند جمهور السلف، وإن قال به وبتقبيل المصحف وغيره من الشعائر الشريفة بعض من يرى القياس في الأمور التعبدية.
وتعظيم الشعائر والآثار الدينية والدنيوية، بغير قصد العبادة معروف في جميع الأمم، لا يستنكره الموحدون ولا المشركون ولا المعطلون، وأشد الناس عناية به الإفرنج، فقد بنوا لآثار عظماء الملوك والفاتحين والعلماء العاملين الهياكل العظيمة، ونصبوا لهم التماثيل الجميلة، وهم لا يعبدون شيئا منها، فلماذا نهتم بكل ما يلفظ به كل قسيس أو سياسي يريد تنفير المسلمين من دينهم إذا موَّه علينا في شأن تعظيم الحجر الأسود، فزعم أنه من آثار الوثنية، ونحن نعلم أنه أقدم أثر تاريخي ديني لأقدم إمام موحد داع إلى الله من النبيين المرسلين الذي عُرِفَ شيء صحيح من تاريخهم، وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي أجمع على تعظيمه مع المسلمين اليهود والنصارى؟
ولعمري لو أن ملوك الإفرنج وعلماءهم أمكنهم أن يشتروا هذا الحجر العظيم لتغالوا في ثمنه تغاليًا لا يتغالون مثله في شيء آخر في الأرض، ولوضعوه في أشرف مكان من هياكل التحف والآثار القديمة، ولحج وفودهم إلى رؤيته، وتمنى الملايين منهم لو تيسر لهم لمسه واستلامه، وناهيك بمن يعلم منهم تاريخه وكونه من وضع إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام، وإنهم ليتغالون فيما لا شأن له من آثار الملوك أو الصناع.
وجملة القول: أن مناسك الحج من شريعة إبراهيم، وقد أبطل الإسلام كل ما ابتدعته الجاهلية فيها من وثنيتها وقبيح عملها، كطوافهم بالبيت عراة، وإن الكعبة من بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما هو ثابت عند العرب بالإجماع المتواتر بينهم، وكانوا يعظمونها هم والأمم المجاورة لهم، بل والبعيدة عنهم كالهنود، ولما كانت الكعبة قد جدد بناؤها قبل الإسلام وبعده لم يبق فيها حجر يعلم باليقين أنه من وضع إبراهيم إلا الحجر الأسود؛ لامتيازه بلونه وبكونه مبدأ المطاف، كان هو الأثر الخاص المذكر بنشأة الإسلام الأولى في ضمن الكعبة المذكرة بذلك بوضعها وموضعها وسائر خصائصها، زادها الله حفظًا وشرفًا.
وقد علم بهذا أن الحجر له مزية تاريخية دينية، ولنا مع علمنا بهذا أن نقول:
إن لله تعالى أن يخصص ما شاء من الأجسام والأمكنة والأزمنة لروابط العبادة والشعائر، فلا فرق بين تخصيص الحجر الأسود بما خصصه وبين تخصيص البيت الحرام والمشعر الحرام وشهر رمضان والأشهر الحرم، ومبنى العبادات على الاتباع لا على الرأي.
إذا وعيت ما تقدم كان نورًا بين يديك تبصر به حكم سائر مناسك الحج: أعني بها مما تَعَبَّدَنا الله تعالى بها، لتغذية إيماننا بالطاعة والامتثال، سواء عرفنا سبب كل عمل منها وحكمته، أم لا، وأنها إحياء لدين إبراهيم أبي الأنبياء وإمام الموحدين المخلصين، وتذكير بنشأة الإسلام ومعاهده الأولى، وإن لاستحضار ذلك لتأثيرا عظيما في تغذية الإيمان وتقوية الشعور به، والثقة بأنه دين الله الخالص الذي لا يقبل غيره.
فإن جهلنا سبب شرع بعض تلك الأعمال أو حكمتها لا يضرنا ذلك، ولا يثنينا عن إقامتها كما إذا ثبت لنا نفع دواء من الأدوية مركب من عدة أجزاء، وجهلنا سبب كون بعضها أكثر من بعض، فإن ذلك لا يثنينا عن استعمال ذلك الدواء والانتفاع به، ولا يدعونا إلى التوقف وترك استعماله إلى أن نتعلم الطب ونعرف حكمة أوزان تلك الأجزاء ومقاديرها.
أبسط ما يتبادر إلى الذهن من منشإ هذه العبادة – رمي الجمار - أن هذه المواضع التي تسمى الجمرات كانت من معاهد إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام، فشرع لنا أن نقف عند كل واحدة منها، نكبر الله سبع تكبيرات، ترمى عند كل تكبيرة حصاة صغيرة بين أصابعنا نعد بها التكبير،
روى الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس: (لما أتى خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبعة حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) ثم ذكر الجمرة الثالثة كذلك. – [ورواه ابن خزيمة في صحيحه (2/100) وصححه الحاكم في "المستدرك"، والألباني في "صحيح الترغيب" (1156) وقد روي مرفوعا وموقوفا]
فإذا صح أن إبليس عرض لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في أثناء أداء مناسكه بظهور ذاته أو مثاله، أو بمجرد التصدي للوسوسة والشغل عن ذكر الله تعالى، فلا غرابة في قذفه ورجمه كما يطرد الكلب، فمن المعروف في الأخلاق والطباع أن يأتي الإنسان بعمل عضوي يظهر به كراهته لما يعرض له، حتى من الخواطر القبيحة، ودفعه عنه وبراءته منه، فأخذ الحصيات ورميها مع تكبير الله تعالى من هذا القبيل، وإن حركة اليد المشيرة إلى البعد لتفيد في دفع الخواطر الشاغلة للقلب..
والرجم بالحجارة بقصد الدلالة على السخط والتبري أو الإهانة معهود من الناس، وله شواهد عند الأمم، كرجم بني إسرائيل مع يشوع (النبي يوشع عليه السلام) لمجان بن زراح وأهله وماله من ناطق وصامت (كما في7: 24 و25) من سفر يشوع، وكرجم النصارى لشجرة التين التي لعنها المسيح، ورجم العرب في الجاهلية لقبر أبي رغال في المغمس بين مكة والطائف؛ لأنه كان يقود جيش أبرهة الحبشي إلى مكة لأجل هدم الكعبة حرسها الله تعالى.
والعمدة في رمي الجمار ما تقدم من قصد التعبد لله تعالى وحده، بما لا حظ للنفس فيه، اتباعًا لإبراهيم أقدم رسل الله الذين بقيت آثارهم في الأرض، ومحمد خاتم رسل الله ومكمل دينه ومتممه الذي حفظ دينه كله في الأرض، صلى الله عليهم أجمعين.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحج من "الإحياء":
وأما رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهارًا للرق والعبودية، وانتهاضًا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس في ذلك؛ ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردًا له وقطعًا لأمله.
فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان، فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي، فبذلك ترغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره، إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيمًا له بمجرد الأمر، من غير حظ للنفس والعقل فيه. اهـ " انتهى النقل من " مجلة المنار "
وانظر في "أضواء البيان" للأمين الشنقيطي (سورة الحج/27) مبحثين في حكمة الرمي والرمل في الحج.
والله أعلم.
وقد سبق الجواب عن الشبهة الواردة في السؤال على لسان بعض الجهلة، وذلك في جواب السؤال رقم (82349) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/837)
حكم الذهاب إلى من يفك السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يذهب عند إمام مسجد يدعي أنه يزيل السحر ويتبع ما قاله ظننا منه أنه يزيل السحر دون أن يعلم ذلك حرام قد ارتكب معصية? وما حكم ذلك ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفك السحر عن المسحور لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يستخدم في ذلك الرقى الشرعية والتعوذات النبوية، والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به، بل مستحب.
الحال الثانية: أن يعالجه ـ أي السحر ـ بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (4137) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد في المسند (9171) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5939) .
فالسحرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم.
وقد روى أبو داود في سننه (3370) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وصححه الألباني.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/299) : " والنشرة: حل السحر عن المسحور , وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله , وهو الذي من عمل الشيطان ; فإن السحر من عمل الشيطان فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب , فيبطل عمله عن المسحور , والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة , فهذا جائز , بل مستحب " انتهى.
وبهذا تعلم أخي السائل أن هذا الإمام إن كان من الصنف الذي يحل السحر بالطريقة المحرمة فإن الذهاب إليه معصية، وقد تكون كفرا، فالواجب على من ذهب إليه التوبة من ذلك، والله يتوب على من تاب، فإن كان فعل ذلك جاهلا فنرجو أن لا يكون عليه إثم لكن عليه الإقلاع عن ذلك والعزم على عدم العود إليه في المستقبل.
وإذا كان من الصنف الأول الذين يعالجون المسحور بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، فلا حرج من الذهاب إليه، وليس ذلك معصية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/838)
أنواع التوسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع التوسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة:
أحدها: لايتم الإيمان إلا به، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله، وهذا هو المراد بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة) سورة المائدة 35 [ويدخل في هذا؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك]
والثاني: التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه.
الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم، مثل قوله: اللهم! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء، ولكنه ضعيف، والصواب الجزم بتحريمه؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته.
الرابع: التوسل في عرف كثير من المتأخرين، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به (والاستغاثة بالأموات والأولياء) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/839)
هل ينتخب رئيسا لا يحكم بشرع الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز انتخاب رئيس لبلد إسلامي مع أنه لا يحكم بشرع الله؟ مع العلم أنه في حال عدم انتخابه قد تحصل مضايقات تصل في بعض الأحيان لحد الاعتقال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعتقد المؤمنون اعتقاداً جازماً أنه لا أحد أحسن من حكم الله تعالى، وأن كل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلي، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
وجعل الله تعالى دعوى الإيمان بالله وما أنزل على رسله مع إرادة التحكم إلى غيره، جعل ذلك أمراً عجيباً يستحق التعجب منه، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60.
قال الشنقيطي رحمه الله: " بَيَّن جل وعلا أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل به العجب " انتهى.
وأقسم الله تعالى بذاته الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطناً. فقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65.
تفسير ابن كثير.
وأوجب الله تعالى رد الأمور المتنازع فيها إليه، وجعل ذلك شرطاً للإيمان، فلا يصح الإيمان مع التحاكم إلى غير ما شرعه الله تعالى.
قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59.
قال ابن كثير: "قوله تعالى: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ، دل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليها فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر " انتهى.
وعلى هذا؛ يحرم انتخاب من يحكم بغير ما شرعه الله لما في ذلك من الرضا بهذا المحرم والإعانة عليه.
وإذا أُكرِه المسلم على الذهاب للانتخاب فيمكنه الذهاب ورفض هذا الرئيس أو إفساد صوته – إن استطاع- فإن لم يستطع إلا الموافقة على الانتخاب وخشي على نفسه الضرر إن لم يوافقهم، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك لقول الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106، ولقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/840)
تبين له أن شيخه يتعامل مع الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يدرس عند شيخ يتعامل مع الجن لعلاج الملموسين والملموسات والمسحورين والمسحورات، وقد علم الشاب بذلك متأخرا، فهل يقطع دراسته عند هذا الشيخ ويترك المكان؟ مع العلم أن دراسته على وشك الانتهاء، وهذه الدراسة في العلوم الشرعية والقرآن. وما حكم تدريس القرآن لهذا الشاب الذي يشرف عليه هذا الشيخ؟ وما حكم الصدقة التي يأخذها هذا الطالب من هذا الشيخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
معاملة الجن خطرٌ عظيم، وبابٌ من أبواب الشر والفساد، طالما أصاب الناس من شره وآفته، وحسبك في ذلك أن الشرك لم يدخل على الناس إلا من طريقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - مُخبرا عن تعليم الله عز وجل عباده بقوله -: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) رواه مسلم (2865)
وإن كان في الجن من المؤمنين والمسلمين كما فيهم من الكافرين الفاسقين، غير أن احتجابهم عن الإنسان يحول دون الاطمئنان إلى أي منهم، ويوجب الخوف من استدراجهم، خاصة مع انتشار الجهل واشتهار البدع التي هي بريد الشرك، فغالبا ما توقع هذه المخلوقات الإنسان فيما يحرم، ثم لا تنفعهم أيضا إلا يسيرا.
وقد قال الله عز وجل: (وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6
لذلك كانت فتاوى أهل العلم بحرمة التعاطي مع الجن والتعامل معهم مطلقا – سواء في ذلك المؤمن منهم والكافر – وضرورة عدم التساهل في ذلك، سدا لباب الفتنة والريبة، ورعاية لقلوب الناس التي تملؤها الفطرة الإيمانية.
جاء في "الإنصاف" للمرداوي (10/351) :
" قوله: (فأما الذي يُعَزِّمُ على الجن، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه: فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر) فعلى المذهب: يعزر تعزيرا بليغا لا يبلغ به القتل على الصحيح من المذهب، وقيل: يبلغ بتعزيره القتل " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/18) :
" أما الاستعانة بغير الله، فإما أن تكون بالإنس أو الجن: فإن كانت الاستعانة بالجن فهي ممنوعة، وقد تكون شركا وكفرا، لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (تحت حديث رقم/2760) :
" ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ " الطب الروحاني "، سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن - كما كانوا عليه في الجاهلية - أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي " التنويم المغناطيسي "، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تُشرع؛ لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6، أي: خوفا وإثما.
وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم دعوى كاذبةٌ؛ لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن/14 هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27 " انتهى.
وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى أخرى لأهل العلم في هذا الموضوع في أجوبة الأسئلة الآتية: (10518) ، (11114) ، (78546)
ثانيا:
أول ما ينبغي لطالب العلم في طلبه تخير العلماء الثقات، أهل الديانة والأمانة والورع، فلا يحمل العلم إلا عَمَّن يؤخذ عنه بحقه، وحقه العمل به بطاعة الله والتزام شرعه وأمره، فإن للمعلم أكبر الأثر في نفس الطالب المتعلم، ولا بد أن يتزين ذلك بتقوى الله عز وجل.
عن إبراهيم النخعي قال:
" كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخذون عنه " انتهى. "الجامع لأخلاق الراوي" (1/127)
وقد ذكر العلماء ذلك فيما ينبغي على متعلم القرآن الكريم خاصة.
يقول النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/13) :
" ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين، فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم " انتهى.
وقال الزرنوجي رحمه الله في "تعليم المتعلم" (ص/7) :
" ينبغي أن يختار الأعلم والأورع واأسن، كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكر، وقال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا " انتهى.
ويقول ابن جماعة الكناني في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/133) :
" ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليما، وأجود تفهيما.
ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل، فعن بعض السلف: " هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفعَ يحصل غالبا، والفلاحَ يُدرِك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيبٌ وافر، وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر.
وكذلك إذا اعتبرت المصنفات، وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر " انتهى.
ثالثا:
فالنصيحة لهذا الطالب أن يترك ذلك المعلم الذي يستخدم الجن – إن ثبت ذلك عنه يقينا -، ولا يأخذ عنه شيئا من العلم أو الخلق أو الدين، فذلك أحوط لدينه ونفسه، وأبرأ لذمته، إن كان بمقدوره أن يعوض ما فاته، ويكمل دراسته عند شيخ من أهل السنة والاستقامة.
وأما إن كان لا يوجد في بلده من أهل الاستقامة من يقوم له بذلك، فالذي نراه أنه يكمل القدر اليسير المتبقي له من دراسته، إذا كان الحال ما ذكر من أنه إنما يستخدم الجن في علاج المسحورين أو المرضى، ولم يعرف عنه أنه يعمل بالسحر أو أذى المسلمين، أو العدوان على أموالهم أو أعراضهم، والقاعدة عند أهل العلم أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء؛ فنحن، وإن كنا نمنع ابتداء أن يتعلم الطالب على شيخ من أهل البدع، أو ممن يظهر عليه انحراف في علمه أو عمله، ففي مثل حال السائل، يرخص له في استمراره في هذه الدراسة حتى ينتهي، لا سيما إن كان القدر المتبقي يسيرا، ولا سيما ـ أيضا ـ إن كان في بلد يعز عليه أن يجد بديلا من أهل الاستقامة والسنة.
على أنه يؤيد ما ذكرناه هنا ـ أيضا ـ أن هذا الشيخ ربما كان يأخذ بقول من يقول بجواز استعمال الجن في الأمور المباحة، كالتي ذكرت في السؤال، فيكون متأولا معذورا، لا نستطيع أن نبدعه أو نضلله.
وهذا القول، وإن كان قال به بعض علماء أهل السنة، إلا أن الصواب هو ما ذكرناه أولا، من المنع من استخدام الجن مطلقا. لكن الراجح في المسألة شيء، وأعذار المتأولين شيء آخر.
رابعا:
نصيحتنا في شأن الصدقة أيضا الاستغناء عنها، والسعي الدائم إلى تحصيل العيش من كسب اليد، من غير تقصير في طلب العلم ولا انهماك في طلب الرزق، بل يكون معتدلا، يتكفف عما في أيدي الناس، ويجتهد في تعلم مسائل الدين، وبذلك ينال رضى الله عز وجل.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رواه مسلم (2699)
لكن إن أعوزت الطالب الحيلة، واضطر إلى الصدقة التي يعطيه إياها هذا المعلم، فلا حرج عليه إن شاء من قبولها وأخذها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/841)
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً.
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين:
الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء.
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى.
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن الصلاح:
" لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى.
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى.
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى.
ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال.
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال.
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء.
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك.
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/842)
حكم الصلاة في مسجد فيه قبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا " أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " متفق على صحته (خ/ 427، م/ 528) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك.
ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسما لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 246) .(1/843)
حكم القومية العربية، وحكم الانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرتد من سئل " أيهما أفضل عندك نبيك صلى الله عليه وسلم أم لغتك؟ " فأجاب: " لغتي "! ؟ وهل يرتد إن قال ذلك مازحا أو جاهلا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لسنا ندري حقيقة المقارنة والمفاضلة بين " حسي " و " معنوي "، فكيف يقول المجيب إن " اللغة " – وهي شيء معنوي، ليس بذات – أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – وهو شيء حسي، له ذات -؟ .
وعندما تأملنا وجدنا أن الأمر قد يحتمل صورتين، واحدة تتعلق بالسائل، وأخرى تتعلق بالمجيب.
أما التي تتعلق بالمجيب: فهو أنه يحتمل أن " اللغة " تعني: القومية العربية - والظاهر أنهم عرب، وأن الكلام عن اللغة العربية -، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعني " الإسلام "، وهذا الاحتمال يجعل المقارنة والمفاضلة بين شيئين يمكن السؤال والإجابة عنهما.
وأما التي تتعلق بالسائل: فهو أن يكون أراد أن يستفز السائل بالإنكار عليه في تعظيم " لغته " بذِكر شيء معظَّم عند المسلمين، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله إن كانت لغته أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
إن كان الاحتمال الأول هو الصواب: فإن المجيب وقع في الكفر، فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر، وتطعن في التشريعات الإسلامية، وتفرِّق بين المسلمين، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته.
قال شاعر القومية: فخري البارودي:
بلادُ العرب أوطاني من الشام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مصرَ فتَطوان
فلا حدٌّ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا
لسانُ الضاد يجمعنا بغسّانٍ وعدنانِ
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر، أو اللغة مقدَّم على الانتساب إلى الدين , وهذه الجماعات تدعي أنها لا تعادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه، ما رأيكم في هذه الدعوى؟ .
فأجاب:
هذه دعوة جاهلية، لا يجوز الانتساب إليها، ولا تشجيع القائمين بها , بل يجب القضاء عليها؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها , وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة، وأدباً، وخلقاً , وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها، وأدبها، وخلقها , ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه.
ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد للإسلام وأهله , وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته: " نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 173) .
والكتاب موجود بكامله في " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 280 – 318) .
وقال الشيخ – رحمه الله – أيضاً:
إن من أعظم الظلم، وأسفه السفه , أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية , وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام , وأن يقارن بينها وبينه؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام، والتنكر لمبادئه، وتعاليمه الرشيدة , وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل , وعتبة بن ربيعة , وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها , وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان , دعاته وأنصاره هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق , وعمر ابن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من الصحابة، صناديد الإسلام، وحماته الأبطال , ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها , وهؤلاء رجالها، وبين دين هذا شأنه، وهؤلاء أنصاره ودعاته , إلا مصاب في عقله , أو مقلد أعمى , أو عدو لدود للإسلام، ومن جاء به، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر , أو بين الرسل والشياطين , ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر , وسبر الحقائق والنتائج: ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام: أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار , وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم , في دار الكرامة والمقام الأمين؟ .
اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 320، 321) .
وهذان جوابان نافعان من الشيخ رحمه الله حول المقارنة بين القومية العربية والإسلام، وفي الجواب الثاني حكم من قارن بينهما، وفيه ذكر أنه " مصابٌ في عقله "، أو " مقلِّد أعمى "، أو " عدو لدود للإسلام ".
فمن كان يهل حال القومية: فقد يكون معذوراً، ومن جهل حال الإسلام واعتقد أن غيره من الأديان والنظم والمبادئ خير منه: فلا شك في كفره.
ثالثاً:
وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع: فإن السائل يكون أساء في ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة، والمجيب قد أساء أكثر بإجابته السخيفة، والتي هي كفر في ذاتها؛ لأن فيها انتقاصاً من النبي صلى الله عليه وسلم، وإساءة له.
والواجب على المسلم أن يعظِّم نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ينصره، ويؤيده، وأن يمنعه من كل ما يؤذيه، كما يجب عليه توقيره وتكريمه، والله تعالى ذكر ذلك أنه من صفات المؤمنين، وذكره ثانياً آمراً به المسلمين.
قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/من الآية 157.
وقال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً) الفتح/ 8، 9.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره فقال: (وتعزِّروه وتوقروه) الفتح/ 9، والتعزير: اسم جامع لنصره، وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه.
والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة، وطمأنينة، من الإجلال والإكرام، وأن يعامَل من التشريف، والتكريم، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار.
" الصارم المسلول " (1 / 425) .
وليس تعظيمه وتوقيره مختصاً بحياته صلى الله عليه وسلم، بل وبعد مماته.
قال القاضي عياض – رحمه الله -:
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره، وتعظيمه: لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، ومعاملة آله، وعترته، وتعظيم أهل بيته، وصحابته.
" الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 40) .
وقد نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما يفعلونه مع بعضهم، وهذا من أوجه تعظيمه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63.
قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير.
وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد.
وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه.
هذا قول، وهو الظاهر من السياق، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) البقرة/104، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) الحجرات/2-5.
فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام معه، وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته.
" تفسير ابن كثير " (6 / 88، 89) .
وقد توعَّد الله تعالى مَن رفع صوته على نبيه بذهاب عمله وبطلانه.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات/2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، أي: لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك محذوراً، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب، وقبول الأعمال.
" تفسير السعدي " (ص 799) .
وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو انتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، سواء بالتصريح أو الإشارة.
قال القاضي عِياض – رحمه الله -:
اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع مَن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسَبِه، أو دينه، أو خَصْلة من خصاله، أو عَرَّض به، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له، أو الازدراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، أو العيب له: فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ، يقتل، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دعا عليه، أو تَمنَّى مَضَرَّة له، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام، وهَجْر، ومُنْكَر من القول وزور، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه.
وقد انعقد على هذا إجماع العلماء، وأئمة الفتوى، من لَدُنْ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى يومنا، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 214) .
رابعاً:
الأقوال والأفعال التي تخرج صاحبها من الإسلام يستوي فيها حكم الجاد والمازح والمستهزئ. قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة:65-66
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر "
" الصارم المسلول" (1/37)
فانصح – أيها السائل الكريم – هذا الرجل، وخوفه من الله عز وجل، وبين له شناعة ما قال، وان دين الله تعالى ليس محلاً للجدال والخصام، أو السخرية والاستهزاء، وأعلمه ما يجب عليه من التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، والندم على ما بدر منه والاستكثار من الخيرات، عسى الله أن يهديه ويعفو عنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/844)
التحاكم إلى المحاكم الوضعية عند الاضطرار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتكام إلى القوانين أو العمل بها حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاحتكام إلى القوانين الوضعية المخالفة للشريعة لا يجوز، وكذلك العمل بها وتطبيقها بين الناس؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50.
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/60، 61، وقوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
إلى غير ذلك من الآيات التي توجب تحكيم ما أنزل الله، وتمنع من تحكيم ما خالفه.
لكن من اضطر إلى التحاكم إلى القوانين الوضعية، لدفع ظلم أو استرداد حق، جاز له ذلك بشروط:
الأول: ألا يمكنه الوصول إلى حقه إلا بهذا الطريق.
الثاني: أن يكون كارها مبغضا لهذا التحاكم.
الثالث: ألا يأخذ أكثر من حقه، ولو قضى به القانون.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين، أمور الطلاق والتجارة وغيرها من الأمور؟
فأجابوا: "لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم عمل المسلم الذي يدرس القانون الوضعي؛ ثم يفتح مكتباً للمحاماة ويقف مرافعاً أمام المحاكم المدنية لإدارات الشركات؟ وما حكم ما يجمعه من مال؟
فأجاب: "وضع القوانين المخالفة للشرع مكان الشرع كفر؛ لأنه رفع للشرع ووضع للطاغوت بدله، وهذا يدخل في قوله عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44. ....
وأما تعلم الإنسان للقوانين الوضعية، إذا كان يتعلمها من أجل أن يدفع الباطل بالحق؛ فهذا لا بأس به، وإذا كان يتعلمها من أجل أن يتبع ما فيها من القوانين المخالفة للشرع؛ فهذا حرام. وفي هذا نقول: حتى المحاماة في بلد تحكم الشريعة فيه نقول: إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله؛ فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل؛ فهذا حرام " انتهى باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (33/6) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/845)
هل المجاهرة بالمعصية من الكفر المخرج من الملة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الكفر اقتراف الذنب جهاراً، وتحدثنا عن فعل المعصية كمشاهدة الأفلام أو استماع الأغاني؟ وهل هذا الحكم ينطبق على صغائر الذنوب وكبائرها؟ .
أرجو أن تهتم بهذا السؤال لأن عدداً من الإخوة والأخوات الحديثي الإسلام يواجهون هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ".
رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا.
هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) .
ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها.
قال ابن القيم:
وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... ".
" إغاثة اللهفان " (2 / 147) .
الخدن والخدنة: العشيق والعشيقة.
والأصل: أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها.
روى أحمد (8792) والترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2654) .
بقي هناك مسألة ذكرتها في سؤالك وهي حصول المجاهرة من حديثي الإسلام، وهؤلاء لا زالوا يجهلون شرائع الإسلام، فهم يُعذرون إن كانوا يجهلون الأحكام الشرعية، ولكنهم يٌعلّمون.
فاحرص على إرشادهم، وعرض هذا الجواب عليهم.
وفقنا الله لما يحب ويرضى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/846)
الشرك الأصغر هل يدخل تحت المشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل في العمل وأثناء الحديث معه أخبرنا بأن لديه حجابا أخذه من ناس يقولون إنهم شيوخ معالجون من نفس المنطقة يقول مكتوب به آية الكرسي ووضعه في جلد ويربطه على وسطه فدار بيننا حوار أنا وهو ومجوعة من الزملاء وناصحناه بحرق الكتاب أو أن يأتي به لأحد الأشخاص الموثوقين لفكه والنفث عليه فرفض بحجة أنهم شيوخ وأن هذا الشيء ما يقدر يطلع عليه أحد وأنه مفيد فما كان مني إلا أن قلت له من باب تخويفه بالله (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) وبصراحة بعدما قلتها ندمت وخفت أن الله يحبط عملي مثل الرجل الذي قال لأحد العصاة والله لا يغفر الله لك فقال الله تعالى (من ذا الذي يتألى علي فقد غفرت له وأحبطت عملك) وأنا الآن خائف من هذا الشيء أرجو إفادتي بماذا يجب علي فعله جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع، لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى.
وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال (10543) .
وهذا كله إذا سلمنا أن الحجاب المسئول عنه ليس فيه إلا آية الكرسي أو نحوها من كلام الله عز وجل، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر، والعجيب أن السحرة يضعون كلام الله تعالى مع كفرهم وباطلهم، حتى يروج إفكهم، وينخدع الناس بهم.
وربما يظهر من حرص زميلك على ألا يطلع على الحجاب أحد، وما رد عليكم حينما طلبتم الحجاب للاطلاع على ما فيه، أو القراءة عليه، ربما يظهر من ذلك أن صاحبك إما جاهل بما في الحجاب حقيقة، أو أنه يعلم أنه الحجاب ليس خالصا لكلام الله عز وجل.
وعليه فالواجب نصح زميلك هذا، وتحذيره من تعليق ما لا يعلم بداخله، بل من تعليق التمائم كلها.
وقوله: إنه ما يقدر أحد أن يطلع عليه، ليس صحيحا، بل هذا من دجل السحرة والمشعوذين وتخويهم للناس حتى لا يطلع على ما في تمائمهم من أسماء الشياطين، أو الكتابة التي لا معنى لها.
ثانيا:
وأما قولك: (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) فإن كان مرادك أن من فعل ذلك فهو مستحق للنار، بحسب ما بلغك من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووعيده لمن فعله بالنار، مع علمك بأننا لا نقطع لأحد ـ على وجه التعيين ـ بجنة ولا نار، إلا بنص من الوحي، وأن عصاة الموحدين في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ إن كان هذا مرادك، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله.
وهكذا إن كنت تريد أن تهدده بعاقبة من يتهاون في مثل ذلك، ويصر على فعله، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله.
وفي مسند الإمام أحمد (19498) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: (وَيْحَكَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا)
[ضعفه الألباني في الضعيفة 1029] .
وفي سنن أبي داود (4669) عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: (أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ)
صححه الألباني في صحيح الجامع (5244) .
قال القاري في قوله: (.. لدخلت النار) : يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد!!
انتهى من تحفة الأحوذي.
وأما إن كان مرادك القطع على هذا الشخص المعين بأنه من أهل النار لأجل فعله هذا، فهذا خطأ منك؛ فنحن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص بذلك.
تنبيه: تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها، فإن اعتقد أنها تنتفع وتضر بذاتها، فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهذا شرك أصغر؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا، والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة، فهل يدخل تحت المشيئة، أم لا يغفر كالأكبر، قولان لأهل العلم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) يشمل الشرك الأصغر؟
فأجاب قائلا: اختلف في ذلك أهل العلم: فمنهم من قال: يشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها.
وشيخ الإسلام اختلف كلامه، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر.
وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله: (أَن يُشْرَكَ بِهِ) أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره " إشراكا به " فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (2/203) .
وأما ما يلزمك فهو التوبة إلى الله تعالى من تساهلك في مثل هذه الإطلاقات، وعدم العودة إلى ذلك مستقبلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/847)
لبس الذهب المنقوش عليه آية الكرسي أو على شكل عين أو كف
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من الناس يهدي قطعاً ذهبية كتب عليها آية الكرسي أو الله أو الله جل جلاله، وقسم آخر على شكل كف أو عين أو قلب أو تحتوي على خرزة زرقاء. السؤال: أيها محرم ولماذا؟ ماذا يصنع المسلم إذا أهدي بمثل هذه القطع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يشرع كتابة آية الكرسي أو اسم الجلالة، على ما يلبس من الذهب، لما في ذلك من الامتهان. وقد يكون فيه مضاهاة لليهود والنصارى في تعليقهم ما يعظمونه من الصليب ونحوه.
وقد وردت رخصة في كتابة الاسم على الخاتم ولو كان متضمنا لاسم الله تعالى، كعبد الله وعبد الرحمن، وكذلك لا حرج في كتابة جملة مفيدة على الخاتم ولو كانت متضمنة اسم الله تعالى، نحو: الحمد لله، توكلت على الله...... وقد ورد كثير من ذلك عن الصحابة والتابعين، سبق ذكر بعض أمثلته في جواب السؤال رقم (68805) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يوجد لدينا قلوب عليها لفظ الجلالة، ويأخذها عرب وأجانب من كل جنس، وقد نقول للعرب: يحرم دخولها إلى بيت الخلاء. أفيدونا عن حكم بيعها.
فأجابت: " بيع الحلي المكتوب عليها لفظ الجلالة لا يجوز، إلا إذا رفعت منه. وسبق أن ورد إلى اللجنة سؤال مماثل لهذا السؤال أجابت عنه بالفتوى رقم (2077) الآتي نصها:
نرفق لفضيلتكم مع خطابنا حلية ذهبية مكتوب عليها لفظ الجلالة (الله) وهذه الحلية تستعملها نساؤنا نحن المسلمين، حلية وزينة فقط، ومن مدة أشعرنا الإخوان في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن استعمال هذه الحلية حرام، حيث إنه مكتوب عليها لفظ الجلالة، ونحيطكم علما بأن هذه الحلية لا يستعملها إلا المسلمون تبرجا وزينة، ومخالفةً لنساء النصارى واليهود، حيث إن النصارى يلبسون حلية مرسوم عليها الصليب وصور الأصنام، واليهود يلبسون حلية رسمت عليها نجمة داود. فنأمل من فضيلتكم النظر في موضوعها.
وأجابت بما يلي: نظرا لأن هذه الحلية كتب عليها لفظ الجلالة لغرض تعليق نساء المسلمين لها على الصدر، كما يعلق النصارى حلية رسم عليها الصليب، ونساء اليهود حلية رسمت عليها نجمة داود، ونظرا لأن ما فيه اسم الله قد يعلق للتعلق به في دفع ضر أو جلب نفع، وقد يعلق لغير ذلك، ويفضي تعليقه إلى امتهانه، كأن ينام عليه، أو يدخل به في أماكن يكره دخولها بشيء فيه كلام الله أو كتب عليه اسم الله؛ ترى اللجنة أنه لا يجوز استعمال هذه الحلية التي كتب عليها اسم الجلالة؛ ابتعادا عن التشبه بالنصارى واليهود الذين نهي المسلمون عن التشبه بهم، وسدا للذريعة، وحفاظا على اسم الله من الامتهان، ولعموم النهي عن تعليق التمائم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/473) .
ثانيا:
لا حرج في لبس الذهب إذا كان على شكل قلب، أما إذا كان على شكل كف أو عين أو يحتوي على خرزة زرقاء، فإنه لا ينبغي لبسه، لأنهم يلبسون هذه الأشياء ويعلقونها معتقدين أنها تدفع العين أو تجلب الحظ، حتى لو لم يقصد المسلم بلبسها هذا الاعتقاد الفاسد فلا ينبغي له لبسها أيضاً، لأنه بذلك يتشبه بمن يلبسها لهذا السبب، وقد يكون ذلك سببا لإساءة الناس الظن فيه، حيث يظنون أنه يلبسها لدفع العين، فلا يجوز لبسها حينئذ، وهذا يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه.
وقد روى أحمد (17458) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) صححه الألباني في صحيح الجامع.
وروى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
والتميمة: ما علق لدفع العين والوقاية من الآفات.
قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ".
وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع " انظر: "التعريفات الاعتقادية" ص (121) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أو لا يصيبه الجن.
قوله: (لا ودع الله له) ، أي: لا تركه الله في دعة وسكون، وضد الدعة والسكون القلق والألم.
وقيل: لا ترك الله له خيرا؛ فعومل بنقيض قصده.
وقوله: (فقد أشرك) : هذا الشرك يكون أكبر إن اعتقد أنها ترفع أو تدفع بذاتها دون أمر الله، وإلا؛ فهو أصغر ".
انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/189) .
ومن أهدي إليه قطعة من الذهب على هذا الوصف، فإنه لا يلبسها، لكن يبيعها، وينبغي أن يطمس بعض معالمها قبل البيع بحيث لا يمكن لبسها، وإنما تصهر وتصنع من جيد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/848)
إذا تاب المرتد قبلت توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني أحد الإخوة في أحد الأيام نادماً خجلاً من نفسه على ما بدر منه من سوء أدب مع الله - وهذا أفضل ما استطاع أن يسميه هو نفسه - حيث أقدم في أحد الأيام في ثورة غضب من خطيبته على سب الله! نسأل الله العفو والعافية، وقد أتاني في وضع يرثى له من الندم، وأخبرني أنه خجل من نفسه، وخجل الآن من أداء صلاته، فهو إنسان - والحمد لله - ملتزم بأمور دينه وشرعه الحنيف.
فأرجو من فضيلتكم أن تفيدونا بشأنه بالنصيحة، وبيان الحكم الشرعي لما حدث معه، وكفارة ذلك - إن وجد -.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعله صاحبك هو سوء أدب مع ربه عز وجل، فربه تعالى الذي خلقه في أحسن صورة، وهداه للدين الصحيح، وأكرمه بالعقل والسمع والبصر، ثم يسبه ويشتمه؟! إن هذا الأمر لو فُعل مع واحدٍ من الخلق ممن أكرمه بتفاهات الدنيا أو سقط متاعها لعدَّ منقصة له، وسوء أدب، فكيف والأمر مع الله تعالى، ولا مقارنة – أصلاً – بين إكرام الخلق وإكرام الخالق تعالى له؟! .
وهذا السب يخرج صاحبه من الإسلام، ويجعله مرتدّاً، وليس بين العلماء خلاف في هذا الحكم.
قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -:
ومَن سب الله تعالى: كفر، سواءَ كان مازحاً أو جادّاً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65.
" المغني " (12 / 298) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
" الصارم المسلول " (1 / 513) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 184) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جادّاً أو مستهزئاً.
وفي (24 / 139) :
اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ ملّة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافراً.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
سب الدين من أعظم الكبائر، ومن أعظم المنكرات، وهكذا سب الرب عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَن سبَّ الرب سبحانه وتعالى أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام: فإنه يكون بذلك مرتدّاً عن الإسلام، ويكون كافراً، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب، بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمنُّ عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ فإنَّ سبَّ الدين أو سب الرسول أو سب الرب عز وجل من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/66،65، نسأل الله العافية.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 387) .
وقال – رحمه الله -:
كلُّ مَن سبَّ الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب، أو سب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام، أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم: فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدَّعي الإسلام، بإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) الآية.
وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الأدلة في هذه المسألة في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول "، فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته ولجلالة مؤلفه، واتساع علمه بالأدلة الشرعية رحمه الله.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 77، 87) .
وفي جواب السؤال رقم (42505) تجد فتوى الشيخ العثيمين في حكم سب الله ورسوله وسب الدين.
ثانياً:
ومع عِظم الذنب الذي فعله صاحبك، ومع شدة ما يترتب عليه من أحكام إلا أن الله تعالى قد فتح باب التوبة لمن رغب بالرجوع عن ذنبه، وأراد أن يتوب ويستغفر، ولا ينبغي له أن يستبعد عفو الله تعالى ومغفرته، وودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العاصي والمرتد.
نعم، يجب أن يندم وأن يؤرقه ذنبه، لكن لا ينبغي أن يجعل بينه وبين الله تعالى حائلا يمنعه من التوبة والاستغفار.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) .
رواه مسلم (2759) .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
قيل للحسن – أي: البصري -: ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.
وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين - يعني: أن المؤمن كلما أذنب: تاب -.
" جامع العلوم والحكم " (1 / 165) .
فالنصيحة له بالتوبة والندم على ما فعل، والإكثار من الأعمال الصالحة، وليحرص أن يكون حاله بعد التوبة خيرا من حاله قبل ارتكاب هذه المعصية الكبيرة، والله تعالى يتوب على من تاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/849)
يزعم أنه يطوف بالكعبة في منامه ويخبرهم بأمور مستقبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تعرفت على شخص قال لي إنه أتاه في المنام جن مسلم وقال إنه طاف به في مكة المكرمة وسقاه من ماء زمزم وزار به قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا كله حدث في نفس الليلة وإلى الآن مازال يقول إنه يطوف به في مكة ويزور به قبر النبي وهذا الرجل أخبرني بأشياء مستقبلية وتحققت بعض هذه الأشياء فعلا ولقد افتتن أخي بهذا الرجل وقد صدقه في كل ما قال وأنا لا أملك العلم الشرعي الذي أستطيع أن أبطل به ادعاءات هذا الرجل فكيف أتخلص منه؟ وأقنع أخي بأن هذا الرجل كاذب فيما قال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كون هذا الرجل رأى في منامه أن جنا مسلما طاف به في مكة وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا إشكال فيه ولا غرابة، فإن الإنسان قد يرى في منامه ما هو مثل ذلك أو أعظم، كأن يرى نفسه في الجنة، أو صعد السماء ثم هبط، ونحو ذلك، مما لا يمكن حدوثه في الواقع.
وهذا إن صدق في رؤياه، وإلا فإن بعض الدجالين يكذبون ويخدعون الناس بهذه الرؤى المكذوبة.
ثانيا:
كونه يخبر بأمور مستقبلية، يدل على أنه أحد الكهان، الذين يلجأون إلى التعامل مع الجن، وعن طريقهم يعرفون بعض المغيبات، كما في الحديث الذي رواه البخاري (4701) ومسلم (2228) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيَانُ [أحد رواة الحديث] بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ) .
وروى البخاري (7561) ومسلم (2228) عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) .
وهذا الرجل إن ادعى علم الغيب فهو كافر، والحذر الحذر من إتيانه، فإن إتيان هؤلاء وتصديقهم محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
هذا إذا أتاه وسأله ولم يصدقه، أما إذا صدقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد (9532) والحاكم (15) وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وبهذا يتبين تحريم إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون.
فانصح أخاك، وبيّن له ذلك، وحذره من مصاحبة هذا الرجل أو تصديقه.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل شر وفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/850)
تعليق المعلقات المحتوية على خرز أزرق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعليق المعلقات التى تحتوى على خرز أزرق مع القرآن مع التأكيد والعلم بأنها لا تحمي من الحسد، وأن الله سبحانه وتعالى هو الحفيظ الوحيد، أريد أن أعلم هل مجرد تعليقها في المنزل حرام حتى للزينة فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تعليق القرآن على الجدران، لا ينبغي، وفيه عدة محاذير، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (254) .
ثانيا:
تعليق المعلقات التي تحتوي على خرز أزرق، لأجل الزينة، لا حرج فيه، ما لم يتضمن اعتقادا فاسدا كاعتقاد أنها تجلب الحظ أو تدفع العين، وانظر الجواب رقم (10543) .
ومع ذلك فالأولى بلا شك عدم تعليقها، لأن أكثر الناس إنما يعلقونها بزعم أنها تدفع العين، أو تحمي من الحسد، فتعليقها فيه مشابهة لهؤلاء، وقد يظن به بعض الناس سوءً إذا رأى هذه الخرزات فيظن أنه علقها من أجل رفع العين، وقد يقتدي به بعض الناس في ذلك، والحاصل: أن تعليقها فيه جملة من المحاذير، فالأولى عدم تعليقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/851)
التحاكم إلى القاضي الكافر أو إمام عاقل وليس بعالم
[السُّؤَالُ]
ـ[في المدينة التي نعيش فيها في بلاد الغرب لا توجد محكمة إسلامية ولا مركز إسلامي يمكن اللجوء إليه للحكم أو فض المنازعات ولدينا مركز إسلامي للدعوة لكن لا يوجد فيه مدير أو شخص يلجأ إليه في فضّ النزاعات فهل إسقاط الزوجة لحق الحضانة عند القاضي الكافر يعتبر ملزما لها؟ وهل تقرير القاضي الكافر لنفقة الأولاد على أبيهم إذا كانوا عند أمهم يعتبر ملزما له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فاجاب حفظه الله:
أولا - بارك الله فيك - المركز الدعوي هذا إذا اتفقوا على أن يكون التحاكم إليه فلا بأس، وهذا هو الواجب عليهم؛ لأن تحاكمهم إلى مسلمين هو الواجب.
لكن مسألة إسقاط الحضانة - أي أن الأم تسقط حضانتها - لا يحتاج إلى حكم حاكم، يكفي إقرارها ويثبت عليها.
وأما النفقة: فما داموا سيرجعون إلى أبيهم بإسقاط الأم حقها من الحضانة فسينفق عليهم.
سؤال:
وهل تقرير القاضي الكافر النفقة على أبيهم إذا كانوا عند أمهم يعتبر ملزما له؟
الجواب:
حتى إذا لم يقرر الحاكم النفقة على أبيهم فهي على أبيهم شرعا.
سؤال:
لكن المقدار؟
الجواب:
مقدارها يرجع في ذلك إلى العرف.
سؤال:
فإذا كان ما قرره القاضي الكافر موافقا للعرف التزموا به؟
الجواب:
التزموا به لا على أنه حكم القاضي بل لأنه هو العرف.
سؤال:
لو اتفق الزوجان على التحاكم إلى أيّ مسلم فهل يُلزمان بحكمه؟
ففي بلاد الغرب قد يكون الإمام شخصا غير متديّن، فهل يتحاكمان إليه؟
الجواب:
إذا لم يوجد غيره فلا بأس، لكن الفقهاء اشترطوا أن يكون صالحا للقضاء يعني أن عنده علم في الشريعة، لكن إذا لم يوجد فاتقوا الله ما استطعتم.
سؤال:
قد لا يوجد هناك على الإطلاق شخص يعلم بالقضاء، لكن رجل مسلم عاقل؟
الجواب:
إذا حكّماه على أن ما يقوله من باب الإصلاح فلا بأس.
سؤال:
لكن إذا قلنا من باب الإصلاح معنى ذلك أنّ كلامه يصبح غير ملزم؟
الجواب:
لا، إذا التزما به (يلزم) ، وكل إصلاح يلتزمه به الطرفان فهو ملزم للحديث " الصلح جائز بين المسلمين ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/852)
حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زنى رجل بامرأة، تقوم القبائل بتعويض أهل البنت بمال يقدره العرف القبلي، علما أن هذا المال يشاركه في دفعه قبيلته، ما حكم المشاركة في دفع هذا المبلغ إن كنت من قبيلة الفاعل، وما حكم أخذ هذا المال إن كنت من قبيلة البنت. علما أنّ هذا البلد يحكمه نصراني ولا يحكم فيه بما أنزل الله، ولذلك تلجأ القبائل للحكم القبلي مع ما فيه من حكم بغير ما أنزل الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا التعويض المالي له صورتان:
الأولى: أن يكون خاصا بحالة الإكراه على الزنا، فيُلزم الزاني بدفع المهر للمزني بها المكرهة على ذلك، أو بدفع المهر مع أرش البكارة – إن كانت بكرا -، عند من يقول بذلك، وأرش البكارة هو الفرق بين مهر البكر والثيب.
على أن يكون هذا المال واجبا على الزاني، مع إقامة الحد عليه، ويعطى للمزني بها، التي ثبت إكراهها على الزنا.
وإذا كان الأمر كذلك، فهذا لا إشكال فيه، بل هو من تحكيم الشرع، ولو وافق العادة والعرف.
ولو فرض أنهم عجزوا عن إقامة الحد، واستطاعوا إلزام الزاني بدفع المهر للمكرهة، لكان هذا سائغا، فإن مالا يدرك كله لا يُترك جُلّه، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) .
وأما إلزام القبيلة بدفع المهر أو المشاركة فيه، فلا وجه له، بل هو واجب في مال الزاني كما سبق، ومساعدته في دفعه يعني تسهيل القضية وترويج الزنا. ويأتي بيان الخلاف في وجوب المهر والأرش.
الصورة الثانية: أن يكون ذلك نظاما متبعا في جميع حالات الزنى، لا فرق بين من أكرهت عليه، ومن طاوعت فيه، وتلزم القبيلة بمشاركة الزاني في دفع هذا التعويض، ويعد ذلك حكما عاما ترجع إليه القبائل فيما بينها، فهذا تنظيم وتقنين لمهور البغايا؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ) رواه مسلم (1568)
وقال: (لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رواه النسائي (4293)
ومن البين أن هذا الحكم القبلي، أو ما يسمى بالسلوم، هو من أحكام الجاهلية، التي لا يجوز الحكم بها، ولا التحاكم إليها، ولا الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50، وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60، وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه من أحكام الجاهلية.
وقد حكم الله تعالى وشرَع أن يجلد الزاني إذا كان بكرا، ويرجم إن كان ثيبا، رجلا كان أو امرأة، فكل حكم يخالف هذا فهو من أحكام الجاهلية، التي يجب البراءة منها، والسعي في إبطالها.
وقد نص أهل العلم على أن التحاكم إلى سلوم البادية، وأعراف القبائل المخالفة للشريعة المحمدية، أن ذلك من الكفر.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " (السادس) [أي من أنواع الكفر الأكبر في مسألة تحكيم القوانين] : ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها " سلومهم " يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع، بناء على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى من رسالة "تحكيم القوانين".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالة له بعنوان: " حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
من عبد العزيز بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لمعرفة الحق واتباعه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . . أما بعد.
فالداعي لهذا هو الإجابة عن أمور سأل عنها بعض الإخوة الناصحين في المملكة؛ حيث ذكر أنه يوجد في قبيلته، وفي قبائل أخرى عادات قبلية سيئة ما أنزل الله بها من سلطان منها: -
ترك التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى عادات قبلية وأعراف جاهلية.
منها كتمان الشهادة، وعدم أدائها حمية وتعصبا، أو الشهادة زورا وبهتانا، حمية وعصبية أيضا. إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تدعو بعض الناس إلى مخالفة الشرع المطهر.
ولوجوب النصيحة لله ولعباده أقول وبالله التوفيق:
يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية. قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان، فكما أن العبادة لله وحده، فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) .
فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات، وأقبح السيئات، وفي كفر صاحبه تفصيل، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ؛ فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين، وما أنزل الله بها من سلطان. . بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر، بشرط الرضا وعدم الإجبار. . لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما) ، كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله.... " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/142) .
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" ما نصه: " س: ما الحكم إذا تخاصم اثنان مثلا وتحاكما إلى الأحكام العرفية، فمثلا يضع كل منهما معدالا، كما يسمونه، ويرضون من مشايخ القبائل من يحكم بينهما، ويجلسان بين يديه، ويبث كل منهما دعواه ضد الآخر، فإذا كانت القضية بسيطة حكم فيها بذبيحة على المخطئ يذبحها لخصمه، وإذا كانت القضية كبيرة حكم فيها (بجنبية) أي: كانوا في القدم يضربونه على رأسه بآلة حادة حتى يسيل دمه، ولكن اليوم تقدر (الجنبية بدراهم) ويسمون هذا: صلحا، وهذا الشيء منتشر بين القبائل ويسمونه: مذهبا، بمعنى: إذا لم ترض بفعلهم هذا فيقولون عنك: (قاطع المذهب) ، فما الحكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟
ج: يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية، لا إلى الأحكام العرفية، ولا إلى القوانين الوضعية، وما ذكرته ليس صلحا في الحقيقة، وإنما هو تحاكم إلى مبادئ وقواعد عرفية ; ولذا يسمونها: مذهبا، ويقولون لمن لم يرض بالحكم بمقتضاها: إنه قاطع المذهب، وتسميته صلحا لا يخرجه عن حقيقته من أنه تحاكم إلى الطاغوت، ثم الحكم الذي عينوه من الذبح أو الضرب بآلة حادة على الرأس حتى يسيل منه الدم ليس حكما شرعيا.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بهذه الطريقة، ويجب على المسلمين ألا يتحاكموا إليهم، إذا لم يعدلوا عنها إلى الحكم بالشرع، واليوم -ولله الحمد- قد نصب ولي الأمر قضاة يحكمون بين الناس، ويفصلون في خصوماتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحلون مشكلاتهم بما لا يتنافى مع شرع الله تعالى، فلا عذر لأحد في التحاكم إلى الطاغوت بعد إقامة من يتحاكم إليه من علماء الإسلام ويحكم بحكم الله سبحانه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك: فلا يجوز لك أن تشارك في هذا الحكم، ولا في دفع المال، أو أخذه، بل يجب أن تبرأ من ذلك، كما يجب أن تنصح لهؤلاء، وتبين لهم خطر ما هم عليه من تحكيم غير الشرع، وأنه لا عذر لهم في ذلك، ولو كان حاكمهم نصرانيا لا يطبق أحكام الله، وعليهم أن يتناصحوا فيما بينهم ويسعوا إلى تطبيق أحكام الشريعة قدر استطاعتهم، وما عجزوا عن تطبيقه فلا يجوز لهم إحداث حكمٍ فيه، مهما رأوا فيه من المصلحة، وإلا كانوا مشرّعين آثمين مبتغين في الإسلام سنة الجاهلية.
ثانيا:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة إذا أكرهت على الزنا، فإن الزاني يلزم بمهر مثلها.
فإن كانت بكرا، فهل لها مع المهر أرش البكارة؟
ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، لكن المذهب المعتمد عند الحنابلة هو عدم وجوب أرش البكارة، وإنما تأخذ المكرهة على الزنا مهر المثل فقط.
ونبه المالكية على أن هذا المهر لا تتحمله العاقلة، لأن الزنى من باب العمد، لا الخطأ.
وخالف الحنفية فلم يوجبوا مهرا للمكرهة على الزنا، بكرا كانت أو ثيبا.
وهو رواية عن أحمد رحمه الله، اختارها شيخ الإسلام، وقال عن المهر: إنه خبيث.
ثالثا:
لو أكرهها على الزنا، فأفضاها، فإنه يلزمه المهر، مع الضمان، واختلف في تقديره، فالحنفية والحنابلة على أنه ثلث الدية، والمالكية على أن فيه حكومة عدل، والشافعية على أن فيه الدية كاملة، ووافقهم الحنفية فيما إذا أفضاها فلم تمسك البول.
وينظر: "المبسوط (9/53) ، المنتقى للباجي (7/77) ، التاج والإكليل (8/342) ، مغني المحتاج (4/75) ، المغني (7/209) ، (8/373) ، الإنصاف (8/306- 308) ، الموسوعة الفقهية (5/297) ، (21/95) ".
والإفضاء: إزالة الحاجز بين مخرج البول ومحل الجماع.
والحاصل: أن دفع المهر للمكرهة على الزنا، أو دفع المهر وأرش البكارة، للبكر المكرهة على الزنا، إنما يكون في مال الزاني، ولا تتحمله العاقلة، ويذهب للمرأة المزني بها، وليس إلى عاقلتها، وأما المطاوعة على الزنى فلا شيء لها.
وهذا كله بعد ثبوت الزنا وإقامة الحد. وبهذا يظهر الفرق بين ما ورد في الشرع، وبين ما يحكّم من العادات والأعراف القبلية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/853)
كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أن نحدِّد أولا ما هو الجوهر الذي جاءت الشريعة الإسلامية تدعو الناس إليه، وبه افترقت عن الوثنية الجاهلية، ثم سندرك بعد ذلك إن كان الطواف بالكعبة من مظاهر الوثنية أو من مظاهر التوحيد والإسلام.
وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى وجدنا أن جوهر دين الإسلام هو الانقيادُ والاستسلام لأوامر الله، واتخاذُهُ سبحانه ربا ومعبودا فرداً صمداً، والكفرُ بما دونه من المعبودات الباطلة.
يقول الله سبحانه وتعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء/65.
وقال تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) لقمان/22.
وقال عز وجل: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/54.
وأما الوثنية الجاهلية فهي تعني الاستسلام لغير الله، والإقبالَ على أي شيء دون الله من حجر أو وثن أو ولي، إقبال العابد الراغب الراهب الضعيف الذليل، وهذه الأمور – في الإسلام - لا تنبغي إلا لله سبحانه وتعالى.
يقول عز وجل: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31.
وقال تعالى: (ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) غافر/12.
ويقول سبحانه: (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف/26.
فإذا تقرر هذا استطعنا أن نفرِّق بين حال المسلم الموحِّد، وبين حال المشرك الوثني في المسائل التي تتشابه في ظاهرها، فمثلا:
المسلم الموحِّدُ يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعظمه ويبجله ويفديه بروحه ونفسه وماله ويطيع أوامره، كل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله: (فالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/157.
أما المشرك الوثني فتراه يُقبل على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يسأله قضاء حوائجه، ويستغيث به لتفريج همومه، ويدعوه دعاء المذلة والعبودية، فيقيمه مقام الألوهية، وقد يعتقد أن بيده خزائن السماوات والأرض، وأن اللوح المحفوظ من علمه، إلى غير ذلك قاله أو اعتقده بعض الجهلة، والمشرك في ذلك لم يمتثل أمر الله، ولا أسلم وجهه له سبحانه، بل أسلم نفسه لغير الله، وأطاع الشيطان في ذلك.
ومثال آخر:
المسلم الموحِّد يطيع أوامر الله منقاداً فيها لعظمته سبحانه وتعالى، فإذا أمره بالسجود لبشر، أو بتعظيم بشر، أو حجر: فإنه يمتثل ذلك عبادة لله تعالى، واستسلاماً لأمره وحكمه، كما فعلت الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا.
أما المشرك الوثني فهو يسجد للبشر أو للحجر تعظيماً لذات البشر والحجر، وانقياداً لما يتوهمه فيهم من نفع أو ضر، وإقبالا عليهم بالرغبة والرهبة والخشوع والتذلل، وهو في ذلك لم يراع أمراً لله تعالى، ولم يستجب لحكمه سبحانه، إنما توجه لمخلوق دون الله بالانقياد والعبادة بمحض هواه وإرادته.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية: فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو لغيره ممتنع باطل، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره: لسجدنا لذلك الغير؛ طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود: لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (4 / 360، 361) .
وبذلك نفرق بين أحوال كثيرة قد يتشابه فيها الفعلان في الظاهر، إلا أن حقيقة أحدهما أنه من الإسلام والتوحيد والإيمان، والثاني إنما هو شرك وكفر ووثنية.
ومن ذلك الطواف بالكعبة:
فالمسلم الموحد يمتثل أمر الله تعالى له في كل صغير وكبير، وهو حين يسمع قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29: لا يملك إلا أن يمتثل ذلك، فيطوف بالكعبة المشرفة حبّاً لله، وطاعة له، ورغبة إليه سبحانه، يرجو رحمة من الله، ويخشى من عذابه، ولا يتعدى ما أُمر به من الطواف، فلا يتمسح بأحجار هذا البيت، ولا يعتقد فيها النفع أو الضر.
أما المشرك الوثني: فهو الذي يطوف بالأحجار أو القباب أو المقامات تعظيماً لها لذاتها، يرجو منها تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، يبكي خوفاً منها، ويتضرع رغبة في عطائها، ويتقرب إليها بأنواع العبادات من السجود أو الذبح أو الطواف أو الدعاء، وهو في ذلك لا يمتثل أمراً لله، ولا شريعة لنبيه صلى الله عليه وسلم، بل يستجيب للهوى والشيطان.
إذن فالفرق كبير وظاهر بين أعمال أهل التوحيد والإسلام، وبين مظاهر الوثنية والشرك، ومن لم يتنبه لهذا الفرق اختلطت عليه الأمور، وما عاد يفرق بين الكفر والإيمان.
ونرجو أن يكون الفرق بين الحالين قد اتضح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/854)
هل يجوز أن يتعالج عند من يزعم أنه يتعامل مع طبيب من الجن المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تعالجت عند رجل عنده أطباء مسلمون من الجن، فهل يفسد صومي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الاستعانة بالجن في العلاج أو غيره، ولا يجوز الذهاب لمن يزعم ذلك.
ولا ينبغي لمسلم أن يغتر بنجاح علاج أحد ورؤية أثر ذلك في الواقع، فها هو الدجال يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرج، فهل يغتر المسلم به ويصدقه في دعواه؟! فقد يكون فتنة واستدراجاً من الله تعالى لهم (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر؟
فأجاب:
" لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم، بل يسأل الأطباء المعروفين، وأما اللجوء إلى الجن فلا؛ لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تعرَف أحوالُهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم، ولا يسألون، ولو تمثلوا لك، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6؛ ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك " انتهى.
" مجلة الدعوة " (العدد 1602، ربيع الأول 1418 هـ، ص 34) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" لا يستعان بالجان، لا المسلم منهم ولا الذي يقول إنه مسلم؛ لأنه قد يقول مسلم وهو كذاب من أجل أن يتدخل مع الإنس، فيُسد هذا الباب من أصله، ولا يجوز الاستعانة بالجن ولو قالوا إنهم مسلمون؛ لأن هذا يفتح الباب.
والاستعانة بالغائب لا تجوز سواء كان جنيّاً أو غير جني، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم، إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة، كما قال تعالى عن موسى: ( ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ) القصص/15، هذا حاضر ويقدر على الإغاثة فلا مانع من هذا في الأمور العادية " انتهى.
" السحر والشعوذة " (ص 86، 87) .
ثانياً:
وأما الصوم فصحيح إن شاء الله ولا يفسد بذلك، وإن كان ثواب الصيام يقل وقد ينعدم بالكلية بارتكاب المعاصي، وانظر جواب السؤال رقم (50063) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/855)
دخول الرياء على العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يثاب الإنسان على عمل فيه رياء ثم تغيرت النية أثناء العمل لتكون لله؟ مثلاً لقد أنهيت تلاوة القرآن وداخلني الرياء فإذا قاومت هذه الفكرة بالتفكير في الله هل أنال ثواباً على هذه التلاوة أم أنها تضيع بسبب الرياء؟ حتى لو جاء الرياء بعد انتهاء العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس، مِن أجل أن يمدحه الناس على صلاته، فهذا مبطل للعبادة.
الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها، بمعنى: أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولُّها صحيح بكل حال، وآخرها باطل.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص.
الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها: فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين:
الأمر الأول: أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه: فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ".
الأمر الثاني: أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه: فحينئذٍ تبطل جميع العبادة؛ لأن أولها مرتبط بآخرها.
مثال ذلك: أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها.
الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك.
وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة.
وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ".
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن ".
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 29، 30) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/856)
عمل حجاباً من القرآن لتلبسه زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنتين عملت حجابًا من آيات القرآن وأعطيته لزوجتي كي تلبسه بناءً على طلبها، وقد نظرت في السؤال رقم 11788 وعلمت من الجواب أن هذا العمل شرك، لم أكن أعلم وقتها أن الأحجبة تعد شركًا، فهل ما زلت مشركًا؟ الرجاء النصيحة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحجاب إذا كان من غير القرآن الكريم والأدعية النبوية أو كان فيه رموز وطلاسم وألفاظ أعجمية غير مفهومة المعنى فقد اتفق العلماء على تحريمه وأنه شرك، وأما إذا كان الحجاب من القرآن الكريم أو الأدعية النبوية ففيه خلاف بين السلف والصحيح تحريمه. انظر سؤال رقم (10543)
قال علماء اللجنة الدائمة:
اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 212) .
فيجب عليك وعلى زوجتك التي طلبت منك هذا الحجاب نزع هذا الحجاب فوراً وإحراقه، وقد ذكرت أنك فعلت ذلك وأنت لا تعلم أن هذا شرك، ولذلك فإنك لا تعد مشركاً ولا آثماً بهذا الفعل لأنك لم تتعمد فعل المعصية وقد قال الله تبارك وتعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5، وقال: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة / 284، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فهذه الأدلة تدل على أن من ارتكب معصية وهو لا يعلم أنها معصية أنه لا شيء عليه وأن الله تعالى قد عفا عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/857)
حكم سؤال الله بجاه الصالحين ومكانتهم عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأموات الصالحون ربنا يكرم بهم العبد الحي إذا سألنا الله بصلاح الشيخ فلان وبفضله عندك وبعبادته لك أن تفرج يا الله كربتي ونحن نعلم أن الفائدة من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الدعاء هو من أعظم العبادات الشرعية التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، ولا شك أيضاً أنه لا يجوز لأحد من العباد أن يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما روى البخاري (2499) ومسلم (3242) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وفي لفظ لمسلم (3243) :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وبهذا يعلم أن التوجه إلى الله تعالى والتوسل إليه بما لم يرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، وبما لم يفعله أصحابه الكرام الذين كانوا أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه؛ بدعة منكرة ينبغي للعبد الذي يحب ربه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقدم عليها ولا يتعبد بها.
فإذا نظرنا إلى ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من التوسل إلى الله بمكانة الصالحين، وعبادتهم وجاههم عند الله؛ وجدنا أنه أمر مُحْدَثٌ لم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد عن صحابته الكرام أنهم توسلوا يوماً ما بجاهه ومكانته عند ربه لا في حياته ولا بعد مماته بل كانوا في حياته يتوسلون إلى الله بدعائه لهم، فلما توفي عليه الصلاة والسلام توسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من الأحياء وتركوا التوسل بجاهه؛ مما يدل بجلاء على أن التوسل بذاته وجاهه لو كان خيراً مشروعا لسبقونا إليه، ومن ذا يزعم أنه أحرص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخير، وهاهو يُعرِض عن التوسل إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوسل إليه بدعاء عم نبيه، والصحابة الكرام يشهدون ذلك منه دون نكير أو مخالفة؛ كما في صحيح البخاري (954) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ "
ومعنى توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالعباس هو: التوسل بدعائه بدلالة مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث ,َ عن أَنَس قَالَ " كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَوْا بِهِ , فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَة عُمَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح. وجاء عند عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ عُمَر اِسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى , فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ , فَقَامَ الْعَبَّاس " فَذَكَرَ الْحَدِيث. نقله الحافظ في الفتح وسكت عليه.
فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده عمر رضي الله عنه إنما هو التوسل بدعاء الرجل الصالح وهو توسل صحيح مشروع دلت عليه الأدلة الكثيرة وهو المعروف من حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم فإنهم كانوا إذا أقحطوا واحتبس عنهم المطر طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيدعو فيسقون، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/153)
" الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز، لأن العبادات توقيفية، ولم يشرع الله ذلك، وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات، وليس بجاه فلان وفلان وحياته من ذلك، فوجب على المكلفين الاقتصار على ما شرع الله سبحانه، وبذلك يُعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين " اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم ا. هـ.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه وشرعه حتى نلقاه.. آمين.
والله أعلم.
انظر (التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص55 وما بعدها، وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 153) ، والتوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي ص 180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/858)
يأتي الناس إلى منزل جده المتوفى ويتبركون بمائه فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي كان جده من الأشخاص المعروف عنهم قدرته على إخراج الجن، وأعتقد والله أعلم بأنه لا يقوم بالتعامل معهم طبقا للشريعة الإسلامية؛ لأنه وحسب ما قال لي صديقي بأن جده كان لا يصلي، والآن وبعد وفاة جده يأتي الناس إلى محل سكن هذا الجد تبركاً ببركته، وبجانب هذا البيت توجد حنفية يأتيها الناس ليأخذوا منها الماء بحجة أنها ماء مبارك، ويقومون بوضع مال جنب هذه الحنفية.
والسؤال هو: بماذا تنصحون صديقي؟ هل يقوم بتكسير هده الحنفية أم ماذا؟ وهل المال الذي يجده بجانب هذه الحنفية حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز التبرك بآثار غير الأنبياء، سواء كان المتبرك بهم صالحين أو طالحين، نسأل الله العافية، لكن تبرك الناس بمن لا يصلي، دليل على شدة الجهل وعظم الغفلة، ومدى حاجة الناس إلى تعلم العقيدة الصحيحة المنقذة من الضلال.
والدليل على عدم جواز التبرك بآثار غير الأنبياء: أنه لم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التبرك بأبي بكر أو عمر أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
قال الشاطبي رحمه الله: " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّيَر التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها " انتهى من "الاعتصام" (1/482) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أحد يُتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره فلا يتبرك بآثاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته، وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار، كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جُلجُل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه، أو بعرقه، أو بثوبه، أو بغير ذلك، بل هذا حرام ونوع من الشرك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/107) .
ثانيا:
الواجب على صديقك أمران:
الأول: أن ينبه الناس ويحذرهم من هذا التبرك الممنوع، إذا كان يحسن ذلك ويستطيعه، وإلا فينبغي أن يستعين بأهل العلم، ليرشد الناس إلى الحق، ويدلهم على الصواب، ويحذرهم من الاعتقادات الفاسدة التي توقعهم في الشرك والبدعة.
الثاني: أن يتخلص من هذه الحنفية، بإزالتها أو قطع الماء عنها ونحو ذلك، وله أسوة في عمر رضي الله عنه، حين قطع شجرة الحديبية لما بلغه أن قوما يصلون عندها.
قال الشاطبي رحمه الله: " وقال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة " انتهى من "الاعتصام" (1/448) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت " انتهى من "فتح الباري" (7/513) .
ثالثا:
ما أخذه من هذا المال، فلا حرج عليه فيه؛ لأنه مال بذله أصحابه عن رضى، ولا مالك له، فجاز له أخذه. لكن لا يجوز له إقرار المنكر ليأخذ المال، بل يلزمه كما سبق: البيان وإزالة هذا المنكر.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/227) فيما يتعلق بالاستفادة من الأشياء المنذورة للأولياء والصالحين، ما نصه: " ... وأما إن كان المنذور للأولياء والصالحين غير الذبائح، من خبز وتمر وحمص وحلوى ونحو ذلك مما لا يتوقف حل أكله على الذبح أو النحر، فينبغي ترك توزيعه على الناس لما في ذلك من ترويج البدع والتعاون على انتشارها والمشاركة في مظاهر الشرك وإقرارها، لكنها في حكم الأموال التي أعرض عنها أهلها وتركوها لمن شاء أخذها، فمن أخذ شيئا منها فلا حرج عليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/859)
هل تُقبل توبة الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل توبة الساحر عند الله - لأنني سمعت عن ساحرة استفتت الصحابة عن التوبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يفتها أحد -؟ وماذا قالوا لها؟ وهل ينفعها إيمانها عند الله؟ ولماذا يفتي العلماء بقبول توبة الساحر في هذه الحال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعلم السحر والعمل به كفر، قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، والساحر قد يأتي بما يوجب ردَّته فيكفر فيقتل ردةً، وقد يسحر من غير أن يأتي بمكفِّر، وهذا قد وقع فيه خلاف بين العلماء، والصحيح من أقوالهم: أنه يقتل أيضاً إذا ثبت أنه ساحر، وهو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين.
ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر سواء قلنا بكفره أم لم نقل، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتله منع من الإفساد وردع لغيره من إخوانه السحرة.
فإذا تاب الساحر بينه وبين الله توبة صادقة: فإن الله تعالى يقبل منه، وهذا فيما بينه وبين ربه قبل أن يصل أمره للقضاء، فإذا وصل أمره للقضاء الشرعي فينبغي على القاضي قتله من غير استتابة؛ تخليصاً للمجتمع من شره، ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيم الحد بنفسه، بل الأمر مرجعه لولي الأمر.
وهذه طائفة من فتاوى العلماء في ذلك:
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" إذا تاب الساحر توبة صادقة فيما بينه وبين الله: نفعه ذلك عند الله، فالله يقبل التوبة من المشركين وغيرهم، كما قال جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) الشورى/25، وقال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31.
لكن في الدنيا لا تقبل، الصحيح: أنه يقتل، فإذا ثبت عند حاكم المحكمة أنه ساحر يقتل، ولو قال: إنه تائب، فالتوبة فيما بينه وبين الله صحيحة , إن كان صادقا تنفعه عند الله، أما في الحكم الشرعي فيقتل، كما أمر عمر بقتل السحرة؛ لأن شرهم عظيم، قد يقولون: تبنا، وهم يكذبون، يضرون الناس، فلا يسلم من شرهم بتوبتهم التي أظهروها ولكن يقتلون، وتوبتهم إن كانوا صادقين تنفعهم عند الله " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 111) .
2. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً – (8/69) :
" والصحيح عند أهل العلم: أن الساحر يقتل بغير استتابة؛ لعظم شره وفساده، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستتاب، وأنهم كالكفرة الآخرين يستتابون، ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يستتاب؛ لأن شره عظيم، ولأنه يخفي شره، ويخفي كفره، فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب، فيضر الناس ضرراً عظيماً، فلهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن من عرف وثبت سحره يقتل ولو زعم أنه تائب ونادم، فلا يصدق في قوله.
ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة، حتى يتقي شرهم، قال أبو عثمان النهدي: (فقتلنا ثلاث سواحر) ، هكذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة – [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأصله في "البخاري"]-، وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها، لما علمت أنها تسحر قتلتها، وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحراً يلعب برأسه - يقطع رأسه ويعيده، يخيِّل على الناس بذلك - أتاه من جهة لا يعلمها فقتله، وقال: (أعد رأسك إن كنت صادقاً) .
والمقصود: أن السحرة شرهم عظيم، ولهذا يجب أن يقتلوا، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية: وجب عليه قتلهم؛ صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم " انتهى.
3. وقال الشيخ – أيضاً – (8/111) :
" إذا قُتل لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يدفن في مقابر الكفرة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يكفن، ونسأل الله العافية " انتهى.
4. وقال – أيضاً -:
" وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس، أو يترتب على عمله مضرة على الناس، من سحر العيون، والتزوير عليها، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، أو ضد ذلك مما يضر الناس، متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر، ولا يقبل منه توبة ولو تاب. . .
وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني: أمراءه - بقتل السحرة، لمنع فسادهم في الأرض، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم، ولو قالوا: تبنا؛ لأنهم لا يؤمَنون، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل؛ لعموم قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. . .
أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد، والمقصود: أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته؛ لأنه جاء تائباً نادماً، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 81، 82) .
5. وقال علماء اللجنة الدائمة:
" إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر: قتل لردته حدّاً، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسا معصومة: قتل قصاصاً، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً: ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح: أنه يقتل حدّاً لردته، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله؛ لكفره بسحره مطلقا لدلالة آية: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) على كفر الساحر مطلقاً؛ ولما ثبت في " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر) ، ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) رواه مالك في " الموطأ "؛ ولما ثبت عن جندب أنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.
وعلى هذا فحكم الساحر المسئول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء، والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شئون المسلمين؛ درءا للمفسدة وسدا لباب الفوضى " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 551 – 553) .
6. وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وهذا القتل هل هو حدٌّ أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا، بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل؛ لأنهم يمرضون، ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً؛ فكان واجباً على وليِّ الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم؛ فإن الحدَّ لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 508، 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ".
7. وقال الشيخ ابن عثيمين – أيضاً -:
" والقول بقتلهم (يعني: السحرة) موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/860)
يسب الدين فهل يصاحبه؟ وكيف يتصرف معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معي صاحب يسب الدين، ويسمعني كلاماً سيئاً في رمضان، كيف أتعامل معه؟ إنه دائماً معي ويكرر لي السب والشتم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سب الله تعالى أو الدين كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66.
والواجب عليك تذكير هذا الساب ونصحه وتخويفه من أنه قد حبطت أعماله، وأنه – إن لم يتب - سيلقى الله تعالى بالكفر الأكبر.
وأعلمه أن عقوبته التي يستحقها في الدنيا: القتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (3017) .
وذكِّره بوجوب الرجوع إلى الإسلام، وأنه إذا رجع وتاب تاب الله عليه.
فإن استجاب فقد أحسن، وإن لم يستجب فلا يحل لك البقاء معه وهو يسب الدين.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل.
فأجاب:
" لا يجوز البقاء مع قوم يسبون الله عز وجل، لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140. والله الموفق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/السؤال رقم 238) .
واعلم أن صحبة السوء لا تأتي إلا بالشر، فاحرص على نفسك منها، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم صاحب السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) . رواه البخاري (5543) ومسلم (2628) .
يُحذيك: يُعطيك.
قال النووي رحمه الله:
" فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك , والجليس السوء بنافخ الكير , وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب , والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع , ومن يغتاب الناس , أو يكثر فُجْرُه وبَطَالَتُه. ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى. " شرح مسلم " (16 / 178) .
والخلاصة: أنه يجب عليك مناصحة هذا الساكن معك، فقد وقع في الكفر الأكبر عندما سب الدين، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب عندما سبَّك، فإن استجاب لنصحك وأصلح نفسه فابق معه وأعنه على نفسه، وإن لم يستجب فلا خير لك في مصاحبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/861)
حكم دراسة القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دراسة القوانين الوضعية، وتدريسها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا ريب أن الله سبحانه أوجب على عباده الحكم بشريعته والتحاكم إليها، وحذر من التحاكم إلى غيرها، وأخبر أنه من صفة المنافقين، كما أخبر أن كل حكم سوى حكمه سبحانه فهو من حكم الجاهلية، وبين عز وجل أنه لا أحسن من حكمه، وأقسم عز وجل أن العباد لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من حكمه بل يسلموا له تسليما، كما أخبر سبحانه في سورة المائدة أن الحكم بغير ما أنزل كفر وظلم وفسق، كل هذه الأمور التي ذكرنا قد أوضح الله أدلتها في كتابه الكريم، أما الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام:
القسم الأول:
من درسها أو تولى تدريسها ليعرف حقيقتها، أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها، أو ليستفيد منها فيما لا يخالف الشرع المطهر، أو ليفيد غيره في ذلك، فهذا لا حرج عليه فيما يظهر لي من الشرع، بل قد يكون مأجورا ومشكورا إذا أراد بيان عيوبها وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها، وأصحاب هذا القسم حكمهم حكم من درس أحكام الربا وأنواع الخمر وأنواع القمار ونحوها كالعقائد الفاسدة، أو تولى تدريسها ليعرفها ويعرف حكم الله فيها ويفيد غيره، مع إيمانه بتحريمها كإيمان القسم السابق بتحريم الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل وليس حكمه حكم من تعلم السحر أو علمه غيره.
لأن السحر محرم لذاته لما فيه من الشرك وعبادة الجن من دون الله فالذي يتعلمه أو يعلمه غيره لا يتوصل إليه إلا بذلك أي بالشرك بخلاف من يتعلم القوانين ويعلمها غيره لا للحكم بها ولا باعتقاد حلها ولكن لغرض مباح أو شرعي كما تقدم.
القسم الثاني:
من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله، ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك فأصحاب هذا القسم لا شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر لا يخرجون به من دائرة الإسلام، وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم، وذكر معناه العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب (الصلاة) وللشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموعة (الرسائل الأولى) .
والمعلمون للنظم الوضعية والمتعلمون لها يشبهون من يتعلمون أنواع الربا وأنواع الخمر والقمار أو يعلمونها غيرهم لشهوة في أنفسهم أو لطمع في المال مع أنهم لا يستحلون ذلك، بل يعلمون أن المعاملات الربوية كلها حرام، كما يعلمون أن شرب المسكر حرام والمقامرة حرام، ولكن لضعف إيمانهم وغلبة الهوى أو الطمع في المال لم يمنعهم اعتقادهم التحريم من مباشرة هذه المنكرات وهم عند أهل السنة لا يكفرون بتعاطيهم ما ذكر ما داموا لا يستحلون ذلك.
القسم الثالث:
من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلا للحكم بها سواء اعتقد أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرا أكبر. لأنه باستحلاله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلا لما علم من الدين بالضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما، ولأنه بهذا الاستحلال يكون قد كذب الله ورسوله وعاند الكتاب والسنة، وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (2/325-331) باختصار.(1/862)
كيف تتخلص من التميمة بدون ضرر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ممن يعملون عندي والدي أقنعه أنه مصاب بالعين، وأحضر له حجراً وقال: ضعها في جيبك حتى تقيك من العين، ثم بعد فترة أحضر له ورقة مكتوباً فيها اب ع د وأسفل الورقة الله الحامي وبعض الكتابات الغير مفهومة والطلاسم والخرابيش فنحن نريد أن نتخلص من هذه الورقة لأنها غير مشروعة ولكن لم نعرف الطريقة الصحيحة للتخلص منها دون أي مضرة لنا، وأرجو من فضيلتك بعض الكلمات المفيدة والناصحة لنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العين حق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقاية منها تكون بالرقية الشرعية، والأوراد النبوية، لا بالتمائم، ولا بالتعاويذ التي يكتبها الدجاجلة والمشعوذون، ولمعرفة حقيقة العين وطرق الوقاية منها انظري السؤال رقم 20954، ورقم 11359.
ثانيا:
حمل الأحجار أو التعاويذ بقصد الحماية من العين أو السحر، يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا. قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد (16781) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (492) .
وروى أحمد (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه الأرنؤوط في تحقيقه على المسند.
والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين.
قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ".
وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع ". "التعريفات الاعتقادية" ص 121.
والصحيح من قولي العلماء تحريم التميمة ولو كانت من القرآن، وانظري السؤال رقم (10543) ، وأما ما اشتمل على الحروف والكلمات المجهولة فلا خلاف في تحريمه، ولا يؤمن أن تكون سحرا، أو استعانة بالجن.
ثالثا:
طريقة التخلص من التمائم ومن السحر عند العثور عليه: يكون بحل العقد – إن وجدت - وفصل الأجزاء بعضها عن بعض ثم إتلافها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما. وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث عليا رضي الله عنه فوجد الماء قد اصفر فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) .
فالتخلص من الورقة التي مع أبيك، يكون بتمزيقها، وحرقها، مع تذكيره بالتوبة إلى الله تعالى من تعليق التمائم والتعلّق بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/863)
نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
"هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز.
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) .
ثانياً:
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار.
فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ .
فأجابوا:
"الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي.
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ .
2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى.
فأجابوا:
"إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد.
أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) .
وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/864)
حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/35، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله.
والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ".
ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/37.
ثانياً:
أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.
والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (2/53، 54) .
وقال الشنقيطي رحمه الله:
" اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . .
وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) .
ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلاَ في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) .
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار.
"أضواء البيان" (2/86– 88) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/865)
حكم من طلب من غير الله أن يهبه الأولاد أو يزيد في رزقه ولا ينقصه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من اعتقد في الولي أو المرشد أنه أعطاه الولد، أو أنه يزيد في الرزق وينقص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اعتقد أن الولد من عطاء غير الله، أو أن أحدا سوى الله يزيد في الرزق وينقص منه، فهو مشرك شركا أشد من شرك العرب وغيرهم في الجاهلية , فإن العرب ونحوهم كانوا في جاهليتهم إذا سئلوا عمن يرزقهم من السماء والأرض، وعمن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي , قالوا: الله , وإنما عبدوا آلهتهم الباطلة لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى , قال الله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) يونس/31، وقال: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) الزمر/3 وقال: (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) الملك/21
وثبت في السنة أن العطاء والمنع إلى الله وحده , فمن ذلك ما رواه البخاري (844) ، ومسلم (593) عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد "
لكن قد يعطي الله عبده ذرية ويوسع له في رزقه بدعائه إياه ولجئه إليه وحده كما هو واضح في سورة إبراهيم من دعاء إبراهيم الخليل ربه وإجابة الله دعاءه , وفي سورة مريم والأنبياء وغيرهما من دعاء زكريا ربه وإجابته دعاءه , وكما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله , فليصل رحمه " رواه البخاري (2067) ومسلم (2557)
والله أعلم.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 65) .(1/866)
يسأل عن معنى كلمة أنواط
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ... ) ، فما معنى كلمة أنواط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال: حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السنة، وقال المناوي: إسناده صحيح، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76]
وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه: (أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم،ْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة.) ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (ونحن حديثو عهد بكفر)
سدرة أي: شجرة
وقَوْلُهُ: يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، الأنواط: جمع نوط، وهو كل شيء يعلق، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق. قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
وقوله: " قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ "، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله.
(إنها لسنن) ، أي: طرق، (لَتَرْكَبُنَّ) أي: لَتَتَّبِعُنَّ، (سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: طريقة من كان قبلكم من الأمم، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. قَالَ " فَمَنْ "؟
قال النووي: وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي هذا الحديث من الفوائد:
1- التحذير من الشرك، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه، ويقربه من سخطه.
2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار، والعكوف عليها، والتعلق بها، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى، تارك لطريق النبي، صلى الله عليه وسلم.
3- أن العبرة بالمعاني، وليس بالألفاظ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله، صراحة.
4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم.
5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين.
[انظر فتح المجيد، بشرح كتاب التوحيد، 139-147، القول المفيد، للشيخ ابن عثيمين] .
ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتابه المبارك: كتاب التوحيد، في باب: من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما. فننصح لتمام الفائدة، باقتنائه، مع شيء من شروحه، خاصة الشرحين المشار إليهما.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/867)
يسأل عن بيع اللعب المجسمة، وهل يؤثر في الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في محل لُعب ونبيع الدمى والألعاب التي على شكل البشر، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي فيما بعد بسبب عملي هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان تحريم صنع الصور والتماثيل سؤال رقم 7222، وسبق أيضا بيان تحريم بيعها وشرائها سؤال رقم 49676.
لكن إذا كانت هذه الصور والدمى لعبا للأطفال فقد دلت السنة على جوازها؛ ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) البخاري 6130، مسلم 2440
قال ابن حجر: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللَّعِب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللَّعِب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب بِاللَّعَبِ..وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعِب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. [والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم 22813، وصححها الألباني في غاية المرام 129]
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
(أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس، ولكن لم تتبين فيه الخلقة، فهذا لاشك في جوازه، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة، رضي الله عنها، تلعب بهن.
وأما إذا كان كامل الخلقة، وكأنما تشاهد إنسانا، ولاسيما إن كان له حركة أو صوت، فإن في نفسي من جواز هذه شيئا، لأنه يضاهي خلق الله تماما، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف، فاجتنابها أولى؛ ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظرا لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي، وليس مكلفا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس، أو يحميه على النار حتى يلين، ثم يضغطه حتى تزول معالمه.) مجموع فتاوى الشيخ 2/277-278
وأما قول السائل: وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي، فيما بعد، بسبب عملي هذا؟ فلم يتبين لنا مراده به تماما؛ فإن كان يعني أن هذا العمل يبطل الصيام، ويكون المشروع في حقه قضاء الصيام في وقت آخر لا يشتغل فيه بهذا العمل المحرم، فقد سبق بيان أن جميع المعاصي تؤثر في الصيام، فينقص بذلك أجره، وقد يحرم ثواب صومه بالكلية، إذا كثر عمله بالمعاصي، لكن صيامه لا يبطل، ولا يؤمر بقضائه، وإنما عليه أن يكف نفسه عن هذه المعاصي في كل وقت، وخاصة في رمضان. انظر السؤال رقم (37877) و (37989) .
وإن كان يريد السؤال عن أمر آخر، فنرجو إيضاحه حتى نتمكن من الإجابة عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/868)
يسأل عن بيع الصور والمجسمات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بيع الصور والمجسمات للحيوانات حرام ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الكلام عن تحريم صناعة هذه التماثيل، والتشديد في شأنها، والأمر بطمسها وإزالتها. انظر إجابة السؤال رقم (7222) ، ويستوي في هذا الحكم صورة كل ما له روح من إنسان أو حيوان.
وينبني على ذلك الكلام في حكم بيع هذه الصور والمجسمات؛ فلا شك أنه إذا حرم صناعتها، واقتناؤها، حرم بيعها، وشراؤها. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَال:َ لا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُود،َ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَه. البخاري 2236، مسلم 1581.
[يستصبح بها الناس: أي: يشعلون بها مصابيحهم. جملوه أي: أذابوه واستخرجوا دهنه] .
قال القاضي عياض، رحمه الله: (تضمن هذا الحديث أن ما حرم أكله والانتفاع به، لا يجوز بيعه، ولا يحل أكل ثمنه.)
وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: (وفيه أن الشيء إذا حرم عينه، حرم ثمنه.)
وهذا الذي ذكره القاضي وابن حجر ثبت في رواية ابن عباس، رضي الله عنهما، لهذا الحديث، ففي آخره: (إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) مسند أحمد رقم 2223.
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل، ويجعلها بضاعة له، ويعيش من ذلك؟
فأجاب:
(لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح، وإقامة التماثيل لها مطلقا، والإبقاء عليها. ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجا لها، وإعانة على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها.
وإذا كان ذلك محرما، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه، ويتوب إلى الله تعالى، عسى الله أن يتوب عليه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، صورا مجسمة أو غير مجسمة، بنحت أو نسخ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك ") الجواب المفيد في حكم التصوير، لسماحة الشيخ ابن باز 49-50.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/869)
حكم التشاؤم برفة العين
[السُّؤَالُ]
ـ[عيني اليمنى لها أكثر من أسبوع ترف، ويقول لي البعض إنها فأل شر، فبماذا تفتونني؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا علاقة لما ذكرته من رفة العين بفأل الشر، بل هذا من التشاؤم الذي يجب على المسلم الحذر منه؛ فإنه من أفعال الجاهلية، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن التطيّر، وأخبر أنه من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد الواجب، لكون الطيرة من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، والمراد بالتطير أو الطيرة هو: (التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم)
وقد جاء نهيه صلى الله عليه وسلم عنها في غير ما حديث، فمن ذلك:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري (5757) ومسلم (102)
- وما رواه أبو داود (3910) والترمذي (1614) وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منّا إلا....، ولكن الله يذهبه بالتوكل) وقوله: (وما منا إلا ... ) إلخ، من كلام ابن مسعود، وليس من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعناه: ما منا من أحد إلا وقد يقع في قلبه شيء من الطيرة والتشاؤم إلا أن الله تعالى يذهب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه.
- وما جاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة) رواه البخاري (5756) ومسلم (2220)
فهذه الأحاديث صريحةٌ في تحريم التشاؤم والتحذير منه، لما فيه من تعلّق القلب بغير الله تعالى، ولأن كل مَنْ اعتقد أن بعض الأشياء قد تتسبب في نفعه أو ضره، والله لم يجعلها سببا لذلك؛ فقد وقع في الشرك الأصغر، وفتح للشيطان باباً لتخويفه وإيذائه في نفسه وبدنه وماله، ولذا نفاها الشارع وأبطلها وأخبر أنه لا تأثير لها في جلب نفع أو دفع ضر.
فإذا علمت ذلك ـ وفقك الله ـ فإنْ وقع لك شيء من ذلك فعليك أن تتقي الله، وأن تتوكل عليه وتستعين به، ولا تلتفت إلى هذه الخواطر السيئة والأوهام الباطلة، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علاج التشاؤم، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2 / 220) وصححه الألباني في الصحيحة (1065) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك) .
فلا ينبغي للمؤمن أن يكون متشائماً، بل عليه أن يكون دائماً متفائلاً حَسَنَ الظن بربه فإذا سمع شيئاً، أو رأى أمراً؛ ترقب منه الخير؛ وإن كان ظاهره على خلاف ذلك، فيكون مؤملاً للخير من ربه في جميع أحواله، وهذه حال المؤمن، فإن أمره كله له خير كما قال صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له ". صحيح مسلم (2999) ، وبهذا يكون المؤمن دائما في حال من الرضى والطمأنينة والتوكل على الله، وبُعْدٍ عن الهموم والأحزان التي يوسوس له بها الشيطان الذي يحب أن يُحزِن الذين آمنوا، وهو لا يقدر على أن يضرهم بشيء، نسأل الله لنا ولك السلامة من كل مكروه والله تعالى أعلم.
للاستزادة (فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2 / 210) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/870)
تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة ويعتقدون أنها تعلم الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تقول إنها أخلصت في طاعة الله، وأثناء نومها زارها رجل يلبس جلباباً أبيض، وطاف حولها، وبعد ذلك أصبحت تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة، فعرف الناس بها، وأخذوا يترددون عليها، ويقولون: إنها تعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فما حكم هذه المرأة؟ وبم ننصحها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحد أن يدَّعي علم الغيب، ومن ادَّعاه فقد كفر، ولا يجوز لأحدٍ أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب، ومن اعتقد ذلك فقد كفر.
وقد أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأخبر أن الجن لا يعلمون الغيب.
وإنما قصدنا بذلك الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وأما الغيب النسبي وهو ما يعلمه أناس دون آخرين: فهذا قد يستطيع بعض الناس علمه وإنما يكون البحث في كيفية اطلاعهم عليه، فمنهم من يعرفه بالتجسس ومنهم من يعرفه عن طريق الجن، وكلاهما طريق لا يجوز سلوكه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل الجن يعلمون الغيب؟ .
فأجاب:
الجن لا يعلمون الغيب لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، واقرأ قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) ، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، ومن صدَّق من يدعي علم الغيب فإنه كافر أيضاً لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، فلا يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذين يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، فإن صدَّقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب فقد كذَّب قوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 115) بتصرف.
وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
عن حكم من يدعي علم الغيب؟ .
فأجاب:
الحكم فيمن يدَّعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذِّّّب لله عز وجل، قال الله تعالى:) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادَّعى علم الغيب فقد كذب الله عز وجل في هذا الخبر.
ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلي الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟ هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم؟ ! فإن قالوا: نحن أشرف من الرسول: كفروا بهذا، وإن قالوا: هو أشرف، فنقول: لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟ ! وقد قال الله عز وجل عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى)
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 22) .
والذي يتنبأ بالمستقبل يسمَّّّى " كاهناً "، ولا يحل سؤاله ولا إتيانه، وأما صدقهم أحياناً في تنبؤاتهم فإما أن يكون من باب موافقة القدَر، وإما أن يكون من الجن الذي يسترق السمع، فيلقي الجنُّ الكلمة على الكاهن فيكذب معها مئة كذبة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. رواه البخاري (5429) ومسلم (2228) .
قال الحافظ ابن حجر:
قال القرطبي: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم , وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية , لكن بقي في الوجود من يتشَّبه بهم , وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
قوله: " إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا " في رواية يونس " فإنهم يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لأنه فهِم أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق , وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب ...
قال الخطابي: بيَّن صلى الله عليه وسلم أن إصابة لكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع , فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب." فتح الباري " (10 / 219، 220) .
أما ما ذكر في السؤال من ما رأته تلك المرأة في منامها، فإن مثل هذه الأحلام لا يؤخذ منها أي دليل على حكم شرعي فضلا عن أن تدل على مصادمة لقضية من قضايا العقيدة المقررة وعليه فيُعدُّ ما رأته في منامها نوعا من أنواع تلاعب الشيطان بها واستغلاله لجهلها.
ولمعرفة أحكام ما يُرى في المنام تراجع الأسئلة (25768) ، (6537) ، (23367)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/871)
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما النص الأصلي لحديث "لا عدوى في الدين" وما هو المقصود به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث مروي بألفاظ، منها: ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ".
ورواه البخاري (5316) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) . لا نافية للجنس، ونفي الجنس أعم من نفي الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفي للجنس كله، فنفي الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها.
والعدوى: انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
فقوله: (لا عدوى) يشمل الحسية والمعنوية، وإن كانت في الحسية أظهر.
قوله: (ولا طيرة) الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم.
قوله: (ولا هامة) . الهامة؛ بتخفيف الميم فسرت بتفسيرين:
الأول: أنها طير معروف يشبه البومة، أو هي البومة، تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل؛ صارت عظامُةُ هامة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه.
التفسير الثاني: أن بعض العرب يقولون: الهامة هي الطير المعروف، لكنهم يتشاءمون بها، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت؛ قالوا: إنها تنعق به ليموت، ويعتقدون أن هذا دليل قرب أجله، وهذا كله بلا شك عقيدة باطلة.
قوله: (ولا صفر) . قيل: إنه شهر صفر، كانت العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح.
وقيل: إنه داء في البطن يصيب الإبل وينتقل من بعير إلى آخر، وعلى هذا؛ فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام.
... والأقرب أن صفر يعني الشهر، وأن المراد نفي كونه مشؤوما؛ أي: لا شؤم فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر.
وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود؛ لأنها موجودة، ولكنه نفي للتأثير؛ فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما؛ فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما؛ فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا.
فقوله: (لا عدوى) : العدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يورد ممرض على مصح " أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلا تنتقل العدوى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه؛ حتى قيل: إنه الطاعون؛ فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك، وفيه إثبات لتأثير العدوى، لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا، بحيث تكون علة فاعلة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار، وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء؛ لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة/195، ولا يمكن أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى.
فإن قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: " لا عدوى. قال رجل: يا رسول الله! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟ " يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل من عند الله عز وجل؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى؛ فقد انتقل بأمر الله، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم، فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجرب الذي بعده له سبب معلوم، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب، ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون.
فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويتوكل عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل مجذوم، فأخذ بيده وقال له: " كل " يعني من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي.
وهذا الجمع الذي أشرنا إليه هو أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث) انتهى من شرح كتاب التوحيد 2/80
وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) أي أن المرض لا ينتقل من المريض إلى الصحيح بنفسه، وإنما ينتقل بتقدير الله تعالى، فمخالطة المريض للصحيح سبب من أسباب انتقال المرض، ولكن ليس معنى ذلك أنه واقع لا محالة، بل لا يقع إلا إذا شاء الله، ولهذا نجد كثيرا ما يخلف المرضى الأصحاء ولا ينتقل إليهم المرض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/872)
شرح حديث (الشؤم في المرأة والدار والفرس)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود في الحديث الذي يقول إن هناك فأل شر في المرأة والحصان؟ هل المقصود أنه يوجد الشر في المرأة والحصان على العموم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الثابت في السنة هو النهي عن التشاؤم - التطير - والتحذير منه، والإخبار بأنه شرك، ومن ذلك ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ".
وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطيرة شرك " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك" قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: " أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك" [حسنه الأرناؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264] .
وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تطيَّر ولا من تُطيّر له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أو سُحر له " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
(والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا بها ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطيرة " وفى حديث آخر "الطيرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد) أ. هـ بتصرف.
هذا هو الأصل في مسألة التشاؤم (التطير) ، ثم جاءت أحاديث تفيد أن الشؤم قد يكون في المرأة والدار والفرس، روى البخاري (5093) ومسلم (2252) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ".
وروى البخاري (5094) ومسلم (2252) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ".
وروى أبوداود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَرُوهَا ذَمِيمَةً " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد اختلف العلماء في فهم هذه الأحاديث والتوفيق بينها وبين أحاديث النهي عن التطير، فمنهم من حملها على ظاهرها، ورأى أن هذا مستثنى من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة.
وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه. (شرح النووي على مسلم) .
والصحيح أن الطيرة مذمومة كلها، وأنه ليس شيء من النساء أو الدور أو الدواب تضر أو تنفع إلا بإذن الله، فهو سبحانه خالق الخير والشر، وقد يبتلي العبد بامرأة سيئة الخلق، أو دار يكثر فيها العطب، فيشرع للعبد التخلص من ذلك، فرارا من قدر الله إلى قدر الله، وحذرا من الوقوع في التشاؤم المذموم.
قال ابن القيم رحمه الله:
(وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها فيكون شؤمها عليه ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه. قالوا ويدل عليه حديث أنس" الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.
وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به، فكان صاحبها غرضا لسهام الشر والبلاء فيتسرع نفوذها فيه لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجنة واقية وكل من خاف شيئا غير الله سلط عليه كما أن من أحب مع الله غيره عذب به ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته وهذه أمور تجربتها تكي عن أدلتها، والنفس لا بد أن تتطير ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله فإن من توكل على الله وحده كفاه من غيره قال تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" ولهذا قال ابن مسعود: "وما منا إلا يعني من يقارب التطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" ... قالوا فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصا بمن تشاءم بها وتطير وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤما في حقه) .
ثم قال: (فمن اعتقد أن رسول الله نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل أنه مؤثر بذاته دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله وضل ضلالا بعيدا ... وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه ويعطى غيرهما ولدا مشؤوما نذلا يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها فكذلك الدار والمرأة والفرس، والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر)
وقال في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الدار بالتحول عنها في الحديث الذي تقدم ذكره:
(فليس هذا من الطيرة المنهي عنها وإنما أمرهم بالتحول عنها عند ما وقع في قلوبهم منها لمصلحتين ومنفعتين:
إحداهما: مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون ومنه مستوحشون لما لحقهم فيه ونالهم ليتعجلوا الراحة مما داخلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع لأن الله عز وجل قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه وإن كان لا سبب له في ذلك وحب ما جرى لهم على يديه الخير وإن لم يردهم به، فأمرهم بالتحول مما كرهوه لأن الله عز وجل بعثه رحمة ولم يبعثه عذابا وأرسله ميسرا ولم يرسله معسرا فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به واستوحشوا عنده لكثرة من فقدوه فيه لغير منفعته ولا طاعة ولا مزيد تقوى وهدى لاسيما وطول مقامهم فيها بعد ما وصل إلى قلوبهم منها ما وصل قد يبعثهم ويدعوهم إلى التشاؤم والتطير، فيوقعهم ذلك في أمرين عظيمين:
أحدهما مقارنة الشرك.
والثاني: حلول مكروه أحزنهم بسبب الطيرة التي إنما تلحق المتطير فحماهم بكمال رأفته ورحمته من هذين المكروهين بمفارقة تلك الدار والاستبدال بها من غير ضرر يلحقهم بذلك في دنيا ولا نقص في دين) مفتاح دار السعادة 2/258
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/873)
قول: "يا رسول الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول يا رسول الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز دعاء غير الله لا في الرخاء ولا عند الشدة مهما عظم شأن المدعو، ولو كان نبياً مقرباً، أو ملكاً من ملائكة الله؛ لأن الدعاء عبادة.
عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة "، ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) رواه الترمذي (2895) وابن ماجه (3818) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2370) .
والعبادة حق خالص لله تعالى، فلا يجوز أن تصرف لغيره، ولذلك أجمع المسلمون على أن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك.
فال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين. " مجموع الفتاوى " (1 / 124) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ومِن أنواعه - يعني الشرك – طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل الشرك. " فتح المجيد " (ص 145) .
ولذلك وصف الله تعالى من دعا غيره بأنه لا أحد أضل منه، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) الأحقاف/5-6.
وكيف يُدعَى غير الله، والله تعالى قد أخبر عن عجزهم بقوله: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/ 13-14.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:
يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو، وهي الملك وسماع الدعاء والقدرة على استجابته اهـ. " فتح المجيد " (ص 158) .
وكيف يُدعَى الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أمره أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) الجن/21.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) .
رواه الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2043) .
ولذلك فإنه لا شك في خطأ من مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وخطَّأه في ذلك كبار العلماء:
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على كتاب "فتح المجيد" بشأن "بردة البوصيري" والتي فيها هذا الكلام:
وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فأنا عبد الله ورسوله " وإنما تعظيمه وحبه باتباع سنته وإقامة ملته ودفع كل ما يلصقه الجاهلون بها من الخرافات، فقد ترك أكثر الناس هذا، وشغلوا بهذا الغلو والإطراء الذي أوقعهم في هذا الشرك العظيم. " فتح المجيد " (ص 155) .
هذا، ولم يُعلم أن صحابيّاً واحداً كان يستغيث بالرسول أو يدعو الرسول ولا نُقِلَ ذلك عن عالمٍ من العلماء المعتبرين، إلا ما كان مِن خرافات المنحرفين.
فإذا حزبك أمرٌ فقل: يا الله، فهو الذي يستجيب الدعاء، ويفرج الكروب، ويصرف الأمور.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/874)
متى يكون الذبح لغير الله شركاً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ذبح لا يراد به وجه الله يعتبر شركاً؟ مع التفصيل في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذبح تارة يكون نسكا، إجلالا لله وتعظيما له، وتارة يكون لأجل إكرام ضيف أو أكل لحم أو نحو ذلك، ففي الحالة الأولى، لا يجوز أن يصرف هذا الإجلال والتعظيم إلا لله عز وجل، ومن صرفه لغير الله، فقد أشرك شركا أكبر، وصارت ذبيحته بمنزلة الميتة، أما الحالة الثانية فهي جائزة، وقد تكون مطلوبة، إلا أنه في جميع الأحوال لا يجوز ذكر اسم غير الله على الذبيحة وإلا صارت ميتة محرمة، فذكر اسم الله عز وجل شيء، والمقصود بالذبيحة شيء آخر.
فإن قيل: كيف نفرق بين ما يكون إكراما وبين ما يكون تقربا لغير الله؟
فالجواب: أنه في حال التقرب لغير الله لا يقصد بالذبيحة اللحم، وإنما يقصد بها تعظيم المذبوح له، ويصرف اللحم لأناس آخرين، كمن يذبح أمام رئيس لمقدمه من سفر أو نحو ذلك، ثم يعطي الذبيحة أناسا آخرين ليأكلوا منها، وهذا كان يفعله بعض الناس في السابق، فهذا ما ذبح للرئيس إلا تعظيما له وإجلالا، فيكون داخلا في الشرك الأكبر.
قال الشيخ ابن عثيمين:" الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه:
الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه، فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} والنسك هو الذبح.
الثاني: أن يقع إكراما لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبا أو استحبابا لقوله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " أولم ولو بشاة ".
الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون} يس/71، 72 وقد يكون مطلوبا أو منهيا عنه حسب ما يكون وسيلة له." شرح الأصول الثلاثة ضمن مجموع الفتاوى 6 / 62
وقال في مواهب الجليل:" وأما الذبح للأصنام، فلا خلاف في تحريمه، لأنه مما أهل به لغير الله انتهى. " 3 / 213
وذكر في ردّ المحتار [6 / 309] :
أن الذبح لقدوم الأمير محرّم، بينما الذبح للإكرام للضيف جائز، ثم قال: والفارق أنه إن قدمها ليأكل منها كان الذبح لله والمنفعة للضيف أو للوليمة أو للربح، وإن لم يقدمها ليأكل منها بل يدفعها لغيره كان لتعظيم غير الله فتحرم " اهـ.
وقال في المجموع:" لا يجوز أن يقول الذابح: باسم محمد، ولا باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه، والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر الغزالي في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول: باسم الله ومحمد رسول الله، لأنه تشريك " 8/384
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الذبح لغير الله، وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟
فأجاب قائلا: الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله: {فصل لربك وانحر} . وقوله سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}
وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله - تعالى – {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب} فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها.
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الذبح لغير الله؟
فأجاب بقوله: تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله – سبحانه وتعالى – بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله – تعالى – بشيء من أنواع العبادة، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه لأن الله – تعالى – أمر به في قوله {فصل لربك وانحر} وكل قربة فهي عبادة، فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له، وتذللا، وتقربا إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه - عز وجل - كان مشركا بالله - عز وجل - وإذا كان مشركا فإن الله - تعالى قد بين أنه حرم على المشرك الجنة ومأواه النار.
وبناء على ذلك نقول: إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذن يزعمون بأنهم أولياء - شرك مخرج عن الملة، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله - عز وجل - مما صنعوا، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله - تعالى – {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} " مجموع الفتاوى 2 / 148
للمزيد (انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 1 / 215، تيسير العزيز الحميد 1 / 155، الدرر السنية من الأجوبة النجدية 1 / 428] .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/875)
لا يجوز أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من يسخر من الدين الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من الدوائر شخصا يعتنق الشيوعية أو يسخر بالدين أويعتنق القومية ويعتبرها دينا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى من علم أنه شيوعي أو يسخر بالدين الإسلامي أو اعتنق القومية أو اعتبرها دينا لأنه بانتخابه إياه رضيه ممثلا له وأعانه على تولي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعين فيه من يشايعه في مبدئه وعقيدته وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء من يخالفه وحرمانه من حقوقه أو بعضها في تلك الدائرة أو غيرها بحكم مركزه وتبادل المنافع بينه وبين زملائه في الدوائر الأخرى، ولما فيه من تشجيعه على استمراره على المبدأ الباطل وتنفيذه ما يريد.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23 / 404) .(1/876)
سب الدين وهو في حالة غضب شديد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سب الدين هو في حالة غضب شديد، فما حكمه؟ وما هي شروط التوبة من هذا الفعل؟ وهل ينفسح نكاح زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله، وأنهم كفروا به فقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66.
فالاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة
ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه، لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبةً نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة، فإن الله يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي:
الشرط الأول: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة، أو خوفاً من مخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه، فقد أخلص لله تعالى فيها.
الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ فإن كان ذنبه تَرْكَ واجبٍ قام بفعله وتَدَارَكَه إن أمكن، وإن كان ذنبُه بإتيانِ محرمٍ أقلع عنه، وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها.
الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص:
أما العام؛ فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل، لقول الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) الأنعام/158.
وأما الخاص؛ فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18.
أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب - ولو كان ذلك سب الدين - فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها.
ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول، ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة، لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول: الله تعالى في الأيمان: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) المائدة/89.
فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول، ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته.
ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله رجل، فقال له: يا رسول الله، أوصني قال: (لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب) . فلْيُحْكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه. وما أكثرَ الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم، ولكن بعد فوات الأوان" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/152) .(1/877)
الاستهزاء بمظاهر السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستهزاء باللحية والثوب القصير وغيرها من مظاهر السنة المطهرة التي أُمرنا بها؟ ورأي فضيلتكم في الذين إذا أُمروا بهذه العبادات أشار بيده إلى قلبه وقال (التقوى هاهنا) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المستهزئ باللحية أو الثوب الموافق للسنة في الطول أو بغير ذلك من السنة يكفر إذا كان يعلم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يكون مستهزئاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. ويكون في هذه الحالة معانداً للنبي عليه الصلاة والسلام ساخراً من سنته والذي يسخر من السنة ويستهزئ بما ثبت في السنة وهو يعلم ليس بمسلم.
قال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65-66.
والذي يقول إذا دُعي لحكم شرعي التقوى في القلب ولا ينفذّ الحكم الشرعي فهذا كذاب أشِر فإن الإيمان قول وعمل وليس بالقلب فقط ويكون كلامه السابق موافقا لقول المرجئة المبتدعة الخبيثة التي تحصر الإيمان بالقلب دون الجوارح ثم لو كان القلب سليماً والإيمان فيه وافر لظهر ذلك على الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) ، ويقول أيضاً: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم (2564) .
وعلى أية حال فإن هذا القول من هؤلاء المعاندين الرافضين أتباع الحق وتنفيذ الأحكام الشرعية هو علامة على نقص إيمانهم ويريدون بذلك إيقاف الدعاة والناصحين عن دعوتهم ونصيحتهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/878)
نصحت أن تغتسل بماء غسل به ميت!!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة فجعت وأصابها حالة خوف أدى إلى بروز وجحوظ في عينيها نصحت أن تغتسل بماء قد غسل به ميت، فهل يجوز هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حيث إن استعمال هذا الماء ليس سبباً للشفاء، لا شرعاً، ولا حساًّ، فيكون استعماله من الشرك الأصغر.
لأن من الشرك الأصغر أن يجعل ما ليس بسبب سببا.
والذي ينبغي لهذه المرأة أن ترقي نفسها بالرقية الشرعية، بالفاتحة والمعوذتين، ولا بأس أن ترجع إلى الأطباء لعلاج علتها.
ونسأل الله لها الشفاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/879)
الكلام الذي ينبغي الإمساك عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بخير.
روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله:
مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) .
وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام:
أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟
صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) .
وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه.
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (34) .
وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100.
وقال سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/ 29.
فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) الحشر / 10، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه -.
" مجموع الفتاوى " (3 / 152) .
وقال أبو زرعة رحمه الله:
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق، وذلك لأن القرءان حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق.
" الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " (2 / 608) .
وأما الشق الثاني من الحديث وهو: الإمساك عن الكلام في النجوم، فالمقصود به والله أعلم هو: الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس.
وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما.
وانظر " فتاوى العقيدة " (2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً.
وأما الشق الثالث: وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23. فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
شرح العقيدة الطحاوية ص 276.
فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/880)
ما هي حقيقة الشرك، وما هي أقسامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ كثيراً: (هذا الفعل شرك أكبر، وهذا شرك أصغر) فهل توضح لي حقيقة الفرق بينهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من الواجبات المحتمات، ومن أهم المهمات؛ أن يعرف العبد معنى الشرك وخطره وأقسامه حتى يتم توحيده، ويسلم إسلامه، ويصح إيمانه. فنقول وبالله التوفيق ومنه السداد:
اعلم ـ وفقك الله لهداه ـ أن الشرك في اللغة هو: اتخاذ الشريك يعني أن يُجعل واحداً شريكاً لآخر. يقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين.
وأما في الشرع فهو: اتخاذ الشريك أو الند مع الله جل وعلا في الربوبية أو في العبادة أو في الأسماء والصفات.
والند هو: النظير والمثيل. ولذا نهى الله تعالى عن اتخاذ الأنداد وذم الذين يتخذونها من دون الله في آيات كثيرة من القرآن فقال تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة / 22.
وقال جل شأنه: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) إبراهيم / 30.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري (4497) ومسلم (92)
أقسام الشرك:
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الشرك والتنديد تارة يكون مخرجاً من الملة، وتارة لا يكون مخرجاً من الملة، ولذا اصطلح العلماء على تقسيمه إلى قسمين: (شرك أكبر، وشرك أصغر) وإليك تعريفاً موجزاً بكل قسم:
أولاً: الشرك الأكبر:
وهو أن يصرف لغير اللهِ ما هو محض حق الله من ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
وهذا الشرك تارة يكون ظاهراً: كشرك عبَّاد الأوثان والأصنام وعبَّاد القبور والأموات والغائبين.
وتارة يكون خفياً: كشرك المتوكلين على غير الله من الآلهة المختلفة، أو كشرك وكفر المنافقين؛ فإنهم وإن كان شركهم أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار؛ إلا أنه شرك خفي، لأنهم يظهرون الإسلام ويخفون الكفر والشرك فهم مشركون في الباطن دون الظاهر.
كما أن هذا الشرك تارة يكون في الاعتقادات:
كاعتقاد أن هناك من يخلق أو يحي أو يميت أو يملك أو يتصرف في هذا الكون مع الله تعالى.
أو اعتقاد أن هناك من يطاع طاعة مطلقة مع الله، فيطيعونه في تحليل ما شاء وتحريم ما شاء ولو كان ذلك مخالفا لدين الرسل.
أو الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يُحب مخلوقا كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال الله فيه: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) البقرة / 165.
أو اعتقاد أن هناك من يعلم الغيب مع الله، وهذا يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة كالرافضة وغلاة الصوفية والباطنية عموما، حيث يعتقد الرافضة في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك. وكاعتقاد أن هناك من يرحم الرحمة التي تليق بالله عزَّ وجل، فيرحم مثله وذلك بأن يغفر الذنوب ويعفو عن عباده ويتجاوز عن السيئات.
وتارة يكون في الأقوال:
كمن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ سواء كان هذا الغير نبيا أو وليا أو مَلَكا أو جِنِّياًّ، أو غير ذلك من المخلوقات، فإن هذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
وكمن استهزأ بالدين أو مثل اللهَ بخلقه، أو أثبت مع الله خالقاً أورازقاً أو مدبراً، فهذا كله من الشرك الأكبر والذنب العظيم الذي لا يغفر.
وتارة يكون في الأفعال:
كمن يذبح أو يصلي أو يسجد لغير الله، أو يسن القوانين التي تضاهي حكم الله ويشرعها للناس، ويلزمهم بالتحاكم إليها، وكمن ظاهر الكافرين وناصرهم على المؤمنين، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي أصل الإيمان، وتخرج فاعلها من ملة الإسلام. نسأل الله عفوه وعافيته.
ثانياً: الشرك الأصغر:
وهو كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، أو ورد في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر.
وهذا يكون في الغالب من جهتين:
الأولى: من جهة التعلق ببعض الأسباب التي لم يأذن الله جل وعلا بها، كتعليق الكَفِّ والخرز ونحو ذلك على أنها سبب للحفظ أو أنها تدفع العين والله تعالى لم يجعلها سبباً لذلك لا شرعاً ولا قدراً.
الثانية: من جهة تعظيم بعض الأشياء التعظيم الذي لا يوصلها إلى مقام الربوبية، كالحلف بغير الله، وكقول: لولا الله وفلان، وأشباه ذلك.
وقد وضع العلماء ضوابط وقواعد يتميز بها الشرك الأكبر عن الأصغر عند وروده في النصوص الشرعية فمن هذه الضوابط ما يلي:
1- أن ينص النبي صلى الله عليه وسلم صراحة على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر: كما في المسند (27742) عن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ:الرِّيَاء. إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ َوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (951)
2- أن يرد لفظ الشرك في نصوص الكتاب والسنة منكَّراً ـ أي غير مقترن بالألف واللام ـ فهذا في الغالب يقصد به الشرك الأصغر وله أمثلة كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم " إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك "
أخرجه أبو داود (3883) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (331)
فالمقصود بالشرك هنا الأصغر دون الأكبر.
والتمائم شيء يعلق على الأولاد كالخرز ونحوه يزعمون أن ذلك يحفظه من العين.
والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.
3- أن يفهم الصحابة من النصوص الشرعية أن المراد بالشرك في هذا الموضع هو الأصغر دون الأكبر، ولا شك أن فهم الصحابة معتبر، فهم أعلم الناس بدين الله عز وجل، وأدراهم بمقصود الشارع. ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو داود (3910) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلاثًا، وَمَا مِنَّا إِلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّل" فجملة (وما منا إلا..) هذه من كلام ابن مسعود كما بين ذلك جهابذة المحدثين فهذا يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه فهم أن هذا من الشرك الأصغر، لأنه لا يمكن أن يقصد وما منا إلا ويقع في الشرك الأكبر، كما أن الشرك الأكبر لا يذهبه الله بالتوكل بل لابد من التوبة.
4- أن يفسر النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الشرك أو الكفر بما يدل على أن المقصود به الأصغر وليس الأكبر كما روى البخاري (1038) ومسلم (71) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ "
فالكفر هنا جاء تفسيره في الرواية الأخرى عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: "مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُونَ الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ " فبين هنا أن من نسب إنزال المطر إلى الكواكب باعتبارها سبباً لنزوله ـ والواقع أن الله لم يجعلها سبباً لذلك ـ فكفره كفرٌ بنعمة الله عليه، ومعلوم أن كفر النعمة كفر أصغر أما من اعتقد أن الكواكب هي التي تتصرف في الكون وأنها هي التي تنزل المطر فهذا شرك أكبر.
والشرك الأصغر تارة يكون ظاهراً كلبس الحلقة والخيط والتمائم ونحو ذلك من الأعمال والأقوال.
وتارة يكون خفياً كيسير الرياء.
كما أنه تارة يكون بالاعتقادات:
كأن يعتقد في شيء أنه سبب لجلب النفع ودفع الضر ولم يجعله الله سبباً لذلك. أو يعتقد في شيء البركة، والله لم يجعل فيه ذلك.
وتارة يكون بالأقوال:
كمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا؛ دون أن يعتقد أن النجوم هي التي تستقل بإنزال المطر، أو حلف بغير الله دون أن يعتقد تعظيم المحلوف به ومساواته لله، أو قال ما شاء الله وشئت. ونحو ذلك.
وتارة يكون بالأفعال:
كمن يعلِّق التمائم أو يلبس حلقة أو خيطا ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، لأن كل من أثبت سبباً لشيء والله لم يجعله سببا له شرعا ولا قدراً، فقد أشرك بالله. وكذلك من يتمسح بشيء رجاء بركته ولم يجعل الله فيه البركة، كتقبيل أبواب المساجد، والتمسح بأعتابها، والاستشفاء بتربتها، ونحو ذلك من الأفعال.
هذه نبذة مختصرة عن تقسيم الشرك إلى أكبر وأصغر، وتفصيلات ذلك لا يمكن استيعابها في هذه الإجابة المختصرة.
خاتمة:
وبعد: فالواجب على المسلم أن يحذر الشرك صغيره وكبيره، فإن أعظم معصية عصي الله بها هي الشرك به، والتعدي على خالص حقه؛ وهو عبادته وطاعته وحده لا شريك له.
ولذا فقد أوجب الخلود في النار للمشركين وأخبر أنه لا يغفر لهم، وحرَّم الجنة عليهم كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء / 48
وقال جل شأنه (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة / 72.
فوجب على كل ذي عقل ودين أن يخشى على نفسه من الشرك وأن يلوذ بربه طالباً منه أن ينجيه من الشرك؛ كما قال الخليل عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم / 35، قال بعض السلف: " ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم "
فلا يسع العبد الصادق إلا أن يَعظُم خوفه من الشرك، وأن تشتد رغبته إلى ربه في أن ينجيه منه، داعياً بالدعاء العظيم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قال لهم: " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول: " اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ". صححه الألباني في صحيح الجامع (3731) .
ما سبق هو الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث الحقيقة، وتعريف كل قسم وبيان أنواعه.
وأما الفرق بينهما من حيث الحكم:
فهو أن الشرك الأكبر مخرج من الإسلام، فيُحكم على فاعله بالخروج من الإسلام والارتداد عنه فيكون كافراً مرتداً.
وأما الشرك الأصغر فلا يخرج من الإسلام، بل قد يقع من المسلم ويبقى على إسلامه، غير أن فاعله على خطر عظيم، لأن الشرك الأصغر كبيرة من كبائر الذنوب حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً) فجعل رضي الله عنه الحلف بغير الله (وهو شرك أصغر) أقبح من الحلف بالله كاذباً ومعلوم أن الحلف بالله كاذباً من الكبائر.
نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه حتى نلقاه، ونعوذ بعزته – سبحانه - أن يضلنا؛ فهو الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون. والله أعلم وأحكم، وإليه المرجع والمآب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/881)
القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه
[السُّؤَالُ]
ـ[في وعد الكشافة يقولون: (أعد بشرفي أن أبذل جهدي لأن أقوم بواجبي نحو الله والوطن والملك، وأن أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشافة) وذلك في كتيب الكشافة الذي يصدر عن الأمانة الكشفية العربية، فما حكم هذا الوعد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه ووجيه ونحو ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه وقال: " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " رواه النسائي وقال: " من حلف بغير الله فقد أشرك "
ثانيا:
لا ينبغي للمسلم أن يسوي بين الله وغيره؟ كالوطن والملك والزعيم في أخذ العهد على نفسه بالعمل لهم، بل يقول: علي عهد الله أن أبذل جهدي في القيام بواجبي لله وحده ثم أخدم وطني وأساعد المسلمين، وأن أعمل بنظام الكشافة الذي لا يخالف شريعة الله تعالى.
ثالثا:
يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهدا أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (1/232) .(1/882)
طلب المدد من غير الله شرك
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع كثيراً من الناس يقول: مدد يا رسول الله. مدد يا سيدنا الحسين. مدد يا سيد يا بدوي. . . ولا أعلم معنى هذه الكلمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده سبحانه، ويفردوه بالعبادة. قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56.
وأرسل الله تعالى الرسل ليدعو أقوامهم إلى توحيد الله تعالى، وينهوهم عن الشرك، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون ِ) الأنبياء /25.
والشرك هو صرف العبادة لغير الله تعالى، والدعاء من جملة العبادات التي يجب إخلاصها لله تعالى ولا يجوز صرفها لغيره، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (2969) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وطلب المدد من غير الله -كما جاء في السؤال- من صور دعاء غير الله، ولذلك كان من الشرك.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة" (2/193) :
"قول جماعة المنشدين: مدد يا سيدنا الحسين، مدد يا سيدة زينب، مدد يا بدوي يا شيخ العرب مدد يا رسول الله، مدد يا أولياء الله.. إلى أمثال ذلك شرك أكبر يخرج قائله من ملة الإسلام والعياذ بالله؛ لأنه نداء للأموات ليعطوهم خيراً، وليغيثوهم ويدفعوا أو يكشفوا عنهم، وذلك أن المراد بالمدد هنا العطاء والغوث والنصرة، فكان معنى قول القائل: (مدد يا سيد يا بدوي، مدد يا سيدة زينب..الخ) امددنا بعطائك وخيرك واكشف عنا الشدة وادفع عنا البلاء، وهذا شرك أكبر، قال الله تعالى بعد أن بيّن لعباده تدبيره للكون وتسخيره إياه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فاطر/13–14. فسمى دعاءهم شركاً.
وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) الأحقاف /6. فأخبر سبحانه بأن المدعوين سواه من الأنبياء والصالحين غافلون عن دعاء من دعاهم ولا يستجيبون دعاءهم أبداً وأنهم سيكونون أعداء لهم ويكفرون بعبادتهم إياهم وقال: (أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون. وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون. إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) الأعراف /191-194. وقال: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون /117. فأخبر سبحانه بأن من دعا غير الله من الأموات ونحوهم لا فلاح له لكفره بسبب دعائه غير الله" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/883)
حكم من كذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، منكر عظيم، وإثم كبير، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ".
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار " رواه البخاري (106) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِِينَ" رواه مسلم (1) .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (فإن قيل: الكذب معصية إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده، ومال ابن المنير إلى اختياره، ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى، والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك.
الجواب الثاني: أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيره فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا، أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم "فليتبوأ" على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد (يعني في النار) مختص بالكافرين، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره فقال: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " انتهى من الفتح 1/244
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول في هذه المسألة، وذكر حكم من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهة، وحكم من كذب عليه في الرواية، وحكم من روى حديثا يعلم أنه كذب، ومال رحمه الله إلى القول بكفر من كذب عليه مشافهة، قال في الصارم المسلول على شاتم الرسول (2/328 – 339) بعد ذكر حديث بريدة ولفظه: " كان حي من بني ليث من المدينة على ميلين وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال إن رسول الله كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم، ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان يحبها، فأرسل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "كذب عدو الله " ثم أرسل رجلا فقال: " إن وجدته حيا وما أراك تجده حيا فاضرب عنقه وإن وجدته ميتا فأحرقه بالنار" قال: فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمدا" قال شيخ الإسلام: (هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح لا نعلم له علة)
ثم قال: (وللناس في هذا الحديث قولان:
أحدهما: الأخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء من قال يكفر بذلك، قاله جماعة منهم أبو محمد الجويني، حتى قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني: "مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له".
ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله، ولهذا قال: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم" فإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله به، يجب اتباعه كوجوب اتباع أمر الله، وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما أخبر الله به، ومن كذّبه في خبره أو امتنع من التزام أمره، فهو كمن كذب خبر الله وامتنع من التزام أمره، ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه أو أخبر عن الله خبرا كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوهما من المتنبئين فإنه كافر حلال الدم، فكذلك من تعمد الكذب على رسول الله.
يُبين ذلك أن الكذب عليه بمنزلة التكذيب له، ولهذا جمع الله بينهما بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه) بل ربما كان الكاذب عليه أعظم إثما من المكذّب له، ولهذا بدأ الله به، كما أن الصادق عليه أعظم درجة من المصدّق بخبره، فإذا كان الكاذب مثل المكذّب أو أعظم، والكاذب على الله كالمكذّب له، فالكاذب على الرسول كالمكذب له.
يُوضح ذلك أن تكذيبه نوع من الكذب فإن مضمون تكذيبه الإخبار عن خبره أنه ليس بصدق، وذلك إبطال لدين الله، ولا فرق بين تكذيبه في خبر واحد أو في جميع الأخبار، وإنما صار كافرا لما تضمنه من إبطال رسالة الله ودينه، والكاذب عليه يُدخل في دنه ما ليس منه عمدا، ويزعم أنه يجب على الأمة التصديق بهذا الخبر وامتثال هذا الأمر، لأنه دين الله، مع العلم بأنه ليس لله بدين.
والزيادة في الدين كالنقص منه، ولا فرق بين من يكذب بآية من القرآن أو يضيف كلاما يزعم أنه سورة من القران عامدا لذلك.
وأيضا، فإن تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف؛ لأنه يزعم أنه أمر بأشياء ليست مما أمر به، بل وقد لا يجوز الأمر بها، وهذه نسبة له إلى السفه أو أنه يخبر بأشياء باطلة، وهذه نسبة له إلى الكذب، وهو كفر صريح.
وأيضا، فإنه لو زعم زاعم أن الله فرض صوم شهر آخر غير رمضان، أو صلاة سادسة زائدة، ونحو ذلك، أو أنه حرم الخبز واللحم، عالما بكذب نفسه، كفر بالاتفاق.
فمن زعم أن النبي أوجب شيئا لم يوجبه، أو حرم شيئا لم يحرمه، فقد كذب على الله، كما كذب عليه الأول، وزاد عليه بأن صرح بأن الرسول قال ذلك، وأنه أفتى القائل - لم يقله اجتهادا واستنباطا. وبالجملة فمن تعمد الكذب الصريح على الله فهو كالمتعمد لتكذيب الله وأسوا حالا، ولا يخفى أن من كذب على من يجب تعظيمه، فإنه مستخف به مستهين بحرمته.
وأيضا، فإن الكاذب عليه لابد أن يشينه بالكذب عليه وينتقصه بذلك، ومعلوم أنه لو كذب عليه كما كذب عليه ابن أبي سرح في قوله " كان يتعلم مني " أو رماه ببعض الفواحش الموبقة أو الأقوال الخبيثة، كفر بذلك، فكذلك الكاذب عليه؛ لأنه إما أن يأثر عنه أمرا أو خبرا أو فعلا، فإن أثر عنه أمرا لم يأمر به، فقد زاد في شريعته، وذلك الفعل لا يجوز أن يكون مما يأمر به؛ لأنه لو كان كذلك لأمر به؛ لقوله: " ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه" فإذا لم يأمر به، فالأمر به غير جائز منه، فمن روى عنه أنه قد أمر به، فقد نسبه إلى الأمر بما لا يجوز له الأمر به، وذلك نسبة له إلى السفه.
وكذلك إن نقل عنه خبرا، فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له الإخبار به لأخبر به، لأن الله تعالى قد أكمل الدين، فإذا لم يخبر به فليس هو مما ينبغي له أن يخبر به. وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان مما ينبغي فعله وترجح، لفعله، فإذا لم يفعله فتركه أولى.
فحاصله أن الرسول أكمل البشر في جميع أحواله، فما تركه من القول والفعل فتركه أولى من فعله، وما فعله ففعله أكمل من تركه، فإذا كذب الرجل عليه متعمدا أو أخبر عنه بما لم يكن، فذلك الذي أخبر به عنه نقص بالنسبة إليه؛ إذ لو كان كمالا لوجد منه، ومن انتقص الرسول فقد كفر.
واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه، لكن يتوجه أن يُفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة، وبين الذي يكذب عليه بواسطة، مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا، فإن هذا إنما كذب على ذلك الرجل ونسب إليه ذلك الحديث، فأما إن قال: هذا الحديث صحيح أو ثبت عنه أنه قال ذلك، عالما بأنه كذب، فهذا قد كذب عليه، وأما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر، لاسيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم، فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل فيهم لعظم ضرره في الدين، فأراد قتل من كذب عليه، وعجل عقوبته ليكون ذلك عاصما من أن يدخل في العدول من ليس منهم من المنافقين ونحوهم.
وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب، فهذا حرام كما صح عنه أنه قال: " من روى عني حديثا يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين" لكن لا يكفر إلا أن ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر؛ لأنه صادق في أن شيخه حدثه به، لكن لعلمه بأن شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية، فصار بمنزلة أن يشهد على إقرار أو شهادة أو عقد وهو يعلم أن ذلك باطل، فهذه الشهادة حرام، لكنه ليس بشاهد زور)
ثم ذكر القول الثاني في المسألة، فقال:
(القول الثاني: أن الكاذب عليه تغلظ عقوبته، لكن لا يكفر، ولا يجوز قتله؛ لأن موجبات الكفر والقتل معلومة، وليس هذا منها، فلا يجوز أن يثبت ما لا أصل له، ومن قال هذا فلا بد أن يقيد قوله بأن لم يكن الكذب عليه متضمنا لعيب ظاهر، فأما إن أخبر أنه سمعه يقول كلاما يدل على نقصه وعيبه دلالة ظاهرة، مثل حديث "عرق الخيل" ونحوه من الترهات، فهذا مستهزئ به استهزاء ظاهر، ولا ريب أنه كافر حلال الدم. وقد أجاب من ذهب إلى هذا القول عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه كان منافقا فقتله لذلك لا للكذب، وهذا الجواب ليس بشيء ... ) ثم ذكر رحمه الله أوجها في الرد على هذا الجواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/884)
حكم التفاؤل والتشاؤم ببعض الأرقام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن رقم 7 هو رقم الحظ الجيد ورقم 13 و 14 هما رقمان للحظ السيئ، فهل هذا صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا صحة لما ذكرت، ولا علاقة بين الأرقام وبين الحظ. والتشاؤم من الرقمين 13، 14 أو غيرهما من الأرقام أو الأيام، أو الشهور، أو الألوان، داخل في التطير المنهي عنه شرعا.
فقد روى البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ".
وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطِيَرة شرك " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطِيَرة من حاجة فقد أشرك" قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: " أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك" [حسنه الأرنؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264] .
وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تطيَّر ولا من تُطُيِّر له أو تكهَّن أو تُكُهِّن له أو سحَر أو سُحِر له " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم رقم 2224: (والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا … ينفِّرون ـ أي يهيِّجون ـ الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطِيَرة " وفى حديث آخر "الطِيَرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد.
وأما الفأل فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة.
قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر وفيما يسوء، والغالب في السرور، والطِيَرة لا تكون إلا فيما يسوء. قالوا: وقد يستعمل مجازا في السرور …. قال العلماء: وإنما أحب الفأل لأن الإنسان إذا أمَّل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف فهو على خير في الحال وإن غلِط في جهة الرجاء فالرجاء له خير، وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى فان ذلك شر له، والطِيَرة فيها سوء الظن وتوقع البلاء. ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض فيتفاءل بما يسمعه فيسمع من يقول: يا سالم، أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول: يا واجد، فيقع في قلبه رجاء البرء أو الوجدان والله أعلم) انتهى كلام النووي رحمه الله.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله (وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين: الأولى أن يستجيب لها فيقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علَّق أفعاله بما لا حقيقة له.
الثانية أن لا يستجيب، بأن يقدم ولا يبالي لكن يبقى في نفسه شيء من الهم أو الغم وهذا وإن كان أهون من الأول إلا أنه يجب عليه ألا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقا وأن يكون معتمدا على الله عز وجل) مجموع الفتاوى2/113.
والحاصل أنه لا يجوز التشاؤم بشيء من الأرقام، وأن من قرأ أو سمع رقما، فتشاءم، فقد وقع في التطير المذموم، وكفارته – كما مضى في الحديث – أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/885)
التشاؤم ببعض الأصوات عند الخروج
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأنه إذا ناداني شخص من خلفي أو عند خروجي من مكان ما فيجب أن أجلس لعدة لحظات وإلا لازمني الحظ السيئ فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما سمعته غير صحيح، بل إن ذلك من التطيّر الذي هو: (التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم) وهو من عمل أهل الجاهلية والمشركين، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم.
وقد ذمّ الله تعالى أولئك به فقال تعالى: (ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) الأعراف /131، وقال أيضاً: (قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون) يس/19.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التطيّر وأخبر أنه من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب لكون الطيرة من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، وقد جاء نهيه عنها في غير ما حديث، فمن ذلك:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري (5757) ومسلم (102)
- وما رواه أبو داود (3910) والترمذي (1614) وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منّا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل) وقوله: (وما منا إلا ... ) إلخ، من كلام ابن مسعود، وليس من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومعناه: ما منا من أحد إلا وقد يقع في قلبه شيء من الطيرة والتشاؤم إلا أن الله تعالى يذهب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه.
- وما جاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة) رواه البخاري (5756) ومسلم (2220) .
فهذه الأحاديث صريحةٌ في تحريم الطيرة وأنها من الشرك، لما فيها من تعلّق القلب على غير الله تعالى، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أنها تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً إذا عملوا بموجبها، فكأنّهم بذلك أشركوا مع الله تعالى، فنفاها الشارع وأبطلها وأخبر أنه لا تأثير لها في جلب نفع أو دفع ضر.
إذا ثبت هذا، فإنْ وقع لك شيء من ذلك فعليك أن تتقي الله وأن تتوكل عليه وأن تستعين به وألاّ تلتفت إليه، وأن تعالج هذا الأمر بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما أخرجه أبو داود بسند صحيح (3919) عن عروة بن عامر رضي الله عنه قال: (ذُكِرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا تردّ مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) .
وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2 / 220) وصححه الألباني في الصحيحة (1065) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك) .
ثم اعلم أن الطيرة لا تضرّ من تركها ومضى في طريقه وفيما عزم عليه من أمره، وأمّا من لم يخلص توكّله على ربه واسترسل مع الشيطان في وساوسه فقد يُعاقب بالوقوع فيما يكرهه، لأنه أعرض عن الإيمان الواجب بالله تعالى، قال الله تعالى: (ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك) النساء /79.
وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين:
الأولى: إما أن يستجيب لها، بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علّق أفعاله بما لا حقيقة له.
الثانية: أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي، لكن يبقى في نفسه نوع من الهمّ أو الغمّ.
وهذا وإن كان أهون من الأول، لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً وأن يكون معتمداً على الله عز وجل. المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 2/210.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/886)
السجود للنبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ماذا أفعل. فقد أخبرني أحدهم أنه عندما أقول دعائي، فإن علي أن أسجد سبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكني لا أعرف كيف يكون ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله لا لملك مقرّب ولا لنبي مرسل، ومن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن / 18
قال ابن كثير: يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به..أهـ
وهذا الفعل من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حذّر النبي صلى الله عليه وسلم منه ونهى عنه فقال:) لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3189) ، ولا شك أن هذا الفعل من العبادة، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع اليهود والنصارى في ذلك فقال في مرض موته: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (الصلاة / 417) .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّر من القيام عليه، فقد جاء في الحديث: (إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ) رواه مسلم (الصلاة / 624)
وجاء في الحديث: (لا تفعلوا كما تفعل أهل فارس بعظمائها) وهو في صحيح الجامع برقم (7380) فإذا كان هذا في القيام عليه صلى الله عليه وسلم، فكيف بالسجود له.
وهذا السجود من أخص أنواع العبادة لله عز وجل وقد أمر الله بالسجود له وحده دون سواه قال تعالى: (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) ، فصّلت / 37، وقال تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) النجم / 62.
ثانياً: أما الفعل المشروع فهو: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) في الدعاء، وهي من الآداب التي ينبغي أن تُراعى.
قال النووي: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تختم الدعاء بهما، كما جاء في الحديث: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ)
رواه الترمذي (الدعوات / 3398) وأبو داود 1481، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2756) .
وعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الترمذي / 3399 وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2767)
وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ) رواه الترمذي (الجمعة / 541) وقال الألباني في صحيح الترمذي حسن صحيح. برقم (486)
فإن قيل: كيف نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب:
صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3119) .
هذه هي صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما ورد في السؤال من السجود للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا محرم، وهو شرك أكبر، لأن السجود لا يكون إلا لله فالواجب على المسلم أن يتعلّم أمور دينه من الكتاب والسنة ومن أهل العلم الموثوق بعلمهم وأن يسأل عن كل ما أشكل عليه حتى لا يقع في الشرك والعياذ بالله.
والابتعاد عن كل من يأمر بالشرك والبدع والضلالات نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/887)
ذهب إلى عراف، ويسأل هل له من توبة؟ وكيف يتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سبع سنوات ذهبت عند عراف ثم عند كاهن وكنت حينها مصاباً بالوساس.
وكنت أعلم أن الذهاب إلى الكاهن أو العراف شرك، ولكني لم أكن أعرف معنى الشرك وأنه خروج من الملة. وبعد هذه السنين تبت إلى الله تعالى من كل الذنوب والمعاصي، وبدأت أقرأ في كتب التوحيد حتى أصحح عقيدتي، فوجدت أني وقعت في الشرك الأكبر. فهل لي من توبة؟ وهل أعيد الشهادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأله سبحانه أن يرزقك الثبات والاستقامة على الحق.
ثانياً:
قد تظاهرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين، انظر السؤال (8291) .
ولكن ليس كل من ذهب إلى كاهن أو عراف يكون مشركاً شركاً أكبر خارجاً عن الملة، بل الذهاب إلى الكاهن أو العراف فيه تفصيل، فقد يكون شركاً أكبر، وقد يكون معصية، وقد يكون جائزاً.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) .
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ. يريد الدخان " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وعليه؛ فمن أتى إلى عراف أو كاهن وكان مصدقاً له فيما يقول ومعتقدا أنه يعلم الغيب فقد كفر كفرا أكبر يخرج به من الإسلام، وأما إذا لم يكن معتقدا لصدقه فلا يكفر.
وعلى كل الأحوال فباب التوبة مفتوح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) .
أي: ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم، وكل ذنب يتوب منه الإنسان فإن الله يتوب عليه، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
فأي ذنب وقع فيه الإنسان ثم تاب منه قبلت توبته، حتى الشرك.
انظر السؤال (9393)
والأصل أن الكافر – ومثله المرتد عن الإسلام- يطلب منه أن ينطق بالشهادتين حتى يدخل في الإسلام، فإن كان ذهابك إلى الكاهن من القسم الثاني السابق ذكره، فلا بد من الإتيان بالشهادتين، وحيث إنك قد تبت واستقمت فلا شك أنك قد كررت الشهادتين مرات ومرات، فلا يلزمك الآن شيء، وعليك العزم على عدم العودة لمثل هذا مرة أخرى.
واجتهد في طلب العلم حتى تعبد الله على بصيرة.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/888)
كفر من يحكّم القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[تارك الحكم بما أنزل الله إذا جعل القضاء عامة بالقوانين الوضعية هل يكفر؟ وهل يفرق بينه وبين من يقضي بالشرع ثم يحكم في بعض القضايا بما يخالف الشرع لهوى أو رشوة ونحو ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أي نعم، التفرقة واجبة، فرق بين من نبذ حكم الله جل وعلا واطرحه واستعاض به حكم القوانين وحكم الرجال, فإن هذا يكون كفراً مخرجاً من الملة الإسلامية، وأما من كان ملتزماً بالدين الإسلامي إلا أنه عاص ظالم بحيث أنه يتبع هواه في بعض الأحكام ويتبع مصلحة دنيوية مع إقراره بأنه ظالم في هذا، فإن هذا لا يكون كفراً مخرجاً من الملة.
ومن يرى أن الحكم بالقوانين مثل الحكم في الشرع ويستحله فإنه يكفر أيضاً كفراً مخرجاً من الملة، ولو في قضية واحدة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان.(1/889)
وضع الأمانات عند قبور الأولياء ليحفظوها
[السُّؤَالُ]
ـ[يضع بعض الناس أماناتهم وحاجاتهم على قبور الصالحين ظنا منهم أنهم يتولون حراستها فلا تسرق ولا تنهب ولا تؤخذ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعتقاد أن الموتى يقومون بحراسة ما يوضع على قبورهم من الأمانات كفر بواح وشرك في الربوبية يستوجب من مات عليه الخلود في النار، ووضع الأمانات أو الحاجات الأخرى على القبور للحفظ أو البركة كله لا يجوز. والله أعلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/68(1/890)
ضلال من اعتقد أن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب
[السُّؤَالُ]
ـ[القول بأن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب؟ هل هو متفرع عن قول المرجئة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكفر أنواع، والمرجئة وغيرهم من أهل البدع قالوا لا بد أن يكون أصله التكذيب فقط، ولكن هذا قول مخالف للأدلة وللحق، ومعلوم أن الرسل أرسلوا بالمعجزات وبالبراهين التي تخضع لها القلوب، والتكذيب من أقل ما يكون في الأمم، وإنما أكثر الكفر استكبار وجحود وعناد، وقد ذكر الله عز وجل عن قريش أنهم لا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وهذا كثير جدا، ولهذا قسم العلماء الكفر إلى أقسام، كفر إعراض، وكفر إباء واستكبار، وكفر تكذيب، وكفر نفاق، وكفر شك، والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقصة أبي طالب مع النبي صلى الله عليه وسلم واضحة وكان يصدقه، وكان يقول ابننا لا يكذب، ولا يأتي بالأكاذيب، ومع ذلك فهو كافر، لأنه لم يقر بلسانه وينقاد بعمله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان(1/891)
نشرة مكذوبة على زينب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك نشرة نصها كما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه وسلم. قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون) يونس/62، صدق الله العظيم.
أخي المسلم أختي المسلمة. مرضت فتاة عمرها (13) عاماً، مرضاً شديداً عجز الأطباء في علاجها، وفي ذات ليلة اشتد بها المرض فبكت حتى غلبها النوم فرأت في منامها بأن السيدة زينب رضي الله عنها وضعت في فمها قطرات فاستيقظت من نومها قد شفيت من مرضها تماماً وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة وتوزعها على المسلمين؛ للعبرة في قدرة الخالق جلت قدرته، وتجلت في آياته ومخلوقاته، وتعالى عما يشركون فنفذت الفتاة ما طلب منها، وقد حصل ما يلي:
1- النسخة الأولى: وقعت بيد فقير فكتبها ووزعها وبعد مضي (13) يوماً شاء المولى الكريم أن يغتني هذا الفقير.
2- النسخة الثانية: وقعت في يد عامل فأهملها وبعد مضي (13) يوماً فقد عمله.
3- النسخة الثالثة: وقعت في يد أحد الأغنياء فرفض كتابتها وبعد مضي (13) يوماً فقد كل ما يملك من ثروة.
بادر أخي المسلم، أختي المسلمة بعد الاطلاع على هذه الرواية في كتابتها (13) مرة وتوزيعها على الناس قد تنال ما تتمنى من المولى الكريم جل شأنه وتعاظمت قدرته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين) ا. هـ
فما صحة هذه النشرة وما حكم توزيعها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما اطلعت على هذه النشرة المفتراة رأيت أن من الواجب التنبيه على ما زعمه كاتبها من ترتب فوائد ومصالح لمن قام بكتابتها وترويجها، وترتب مضار لمن أهملها ولم يقم بنشرها - كذب لا أساس له من الصحة، بل هي مفتريات الكذابين والدجالين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتماد على ربهم سبحانه في جلب النفع ودفع الضر وحده لا شريك له، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والمباحة إلى الاعتماد والاتجاه إلى غيره سبحانه وتعالى في طلب جلب النفع ودفع الضر، والأخذ بالأسباب الباطلة غير المباحة وغير المشروعة، وإلى ما يدعو إلى التعلق على غير الله سبحانه وعبادة سواه.
ولاشك أن هذا من كيد أعداء المسلمين الذين يريدون صرفهم عن دينهم الحق بأي وسيلة كانت، وعلى المسلمين أن يحذروا هذه المكائد ولا ينخدعوا بها، كما أنه يجب على المسلم ألا يغتر بهذه النشرة المزعومة وأمثالها من النشرات التي تروج بين حين وآخر، وسبق التنبيه على عدد منها، ولا يجوز للمسلم كتابة هذه النشرة وأمثالها والقيام بتوزيعها بأي حال من الأحوال، بل القيام بذلك منكر يأثم من فعله، ويخشى عليه من العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأن هذه من البدع والبدع شرها عظيم وعواقبها وخيمة.
وهذه النشرة على هذا النحو من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك والغلو في أهل البيت وغيرهم من الأموات، ودعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون من دعاهم أو استغاث بهم، ومن الكذب على الله سبحانه، وقد قال سبحانه: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) النحل/105، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته.
فالواجب على جميع المسلمين الذين تقع في أيديهم هذه النشرة وأمثالها تمزيقها، وإتلافها، وتحذير الناس منها، وعدم الالتفات إلى ما جاء فيها من وعد ووعيد لأنها نشرات مكذوبة لا أساس لها من الصحة ولا يترتب عليها خير ولا شر، ولكن يأثم من افتراها ومن كتبها ووزعها ومن دعا إليها وروجها بين المسلمين؛ لأن ذلك كله من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في محكم كتابه بقوله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة/2.
نسأل الله لنا وللمسلمين السلامة والعافية من كل شر، وحسبنا الله ونعم الوكيل على من افترى هذه النشرة وأمثالها وأدخل في شرع الله ما ليس منه، ونسأل الله أن يعامله بما يستحق؛ لكذبه على الله وترويجه الكذب، ودعوته الناس إلى وسائل الشرك والغلو في الأموات، والاشتغال بما يضرهم ولا ينفعهم، وللنصيحة لله ولعباده جرى التنبيه على ذلك.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 346.(1/892)
نصراني يستعمل الموقع في ابحاثه
[السُّؤَالُ]
ـ[بالرغم من أنني نصراني إلا أنني أستخدم موقعك كمصدر للمعلومات عن الإسلام في بعض أبحاثي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا زلت في العشرين من العمر ولا زال الوقت متسعا لديك للاطّلاع والتفكير وإعادة النظر، ولا أعتقد أنّ دخولك في الإسلام أمر ميئوس منه، وأنت تعلم أنّ كثيرا من أعداء الإسلام بل والقساوسة والرهبان كعدي بن حاتم والنجاشي وغيرهم كانوا على الكفر ثمّ هداهم الله، وعلى أية حال مرحبا بك مستفيدا في صفحتنا هذه وإذا كان لديك سؤال جاد فلا مانع عندنا أبدا.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/893)
هل يجوز سؤال ولي ميت أو حضرة علي
[السُّؤَالُ]
ـ[أقدم اعتذاري فسأطرح عليك أكثر من سؤال.
1- هل النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقات -عدا الله- كلي الوجود (موجود في كل مكان في جميع الأوقات) ؟
2- هل يجوز أن نسأل أي شخص في أوقات الحاجة، مثلا: ولي ميت أو حضرة علي رضي الله عنه..الخ؟
أرجو الاستدلال بالأحاديث والآيات ذات العلاقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في البداية هناك ملاحظة على قولك في السؤال " أو غيره من المخلوقات - عدا الله - ".
لابد من التنبيه على الخطأ اللفظي لأنه قد يفهم أنك ترى أن الله مخلوق وأنا على يقين بأنك لا ترى هذا.
أولا:
قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وقال تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون) ، وقال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: "من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت". رواه البخاري.
فهذه الأدلة وأمثالها تدل على أن محمدا عليه الصلاة والسلام بشر كبقية البشر، يموت كما يموتون، ولن يخلّد كما أنه لم يخلّد أحد قبله.
فالذي يريد أن يخرج النبي عن نطاق بشريته ويدعي بأن النبي موجود في كل مكان هو الذي يطالب بالدليل فما الذي أدراه بأن النبي في كل مكان، وفي جميع الأوقات؟ وليس هذا فقط بل حتى من يدعي ذلك في حقّ الله تعالى فهذا كفر وزيغ وضلال، وهذا يقتضي بأن الله موجود حتى في الأماكن المستقذرة كالحمام وغيره تعالى الله عما يقولون.
ثانيا:
_ عليك بقراءة كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمؤلفه الشيخ عبد الرحمن بن حسن.
_ إعلم أن الدعاء والسؤال هو العبادة كما قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: " الدعاء هو العبادة ". والعبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله سبحانه. لكن دلّت الأدلة على أنه يجوز أن يُسأل المخلوق في بعض الأمور ولكن بشرطين:
1- أن تكون ممكنة ومقدوراً عليها، كأن تسأل شخصا إعطاءك مالاً حال احتياجك إليه. أما إن كانت الحاجة غير مقدور عليها فلا يجوز سؤالها مثل أن تسأل رجلا أن تكون من أهل الجنة، وهذا ليس بمقدوره حتى وإن كان رجلا صالحا تقيا.
2- أن يكون الشخص المسؤول قادرا، كالحي فلا يجوز دعاء الميت كما قال تعالى: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(1/894)
إهداء ثواب العمل إلى من ذبح لغير الله لجهله
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، فما الحكم في ذلك كله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان والده معروفاً بالخير والإسلام والصلاح، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته، ويسن له: الدعاء والصدقة عنه، حتى يعلم يقيناً أنه مات على الشرك، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العدول اثنين أو أكثر أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم، أو سمعوه يدعو غير الله، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له، مع أنها ماتت في الجاهلية على دين الكفار، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلاً لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، ولا يحج عنه، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله، فهذا أمره إلى الله سبحانه.
والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يمتحن يوم القيامة فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، لأحاديث صحيحة وردت في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 341.(1/895)
هل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم شرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التلفظ بالكلمات الواردة أدناه يعد شركا:
"اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد قد ضاقت حيلتي يا رسول الله"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم هذه الكلمة تعدُّ شركاً، لأنها استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وشكوى الحال إليه. وذلك يتضمن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع نداء من يناديه في أي مكان، ويغيث من يستغيث به، ويفرِّج كربته وهذا ما لا يقدر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في حياته فكيف بعد مماته، وهو لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا. قال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضراً إلاَّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) ، وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)
وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) . فالواجب على العبد أن لا يدعو إلاَّ الله، ولا يستغيث إلاَّ به، ولا يرجو غيره، ولا يتوكل إلاَّ عليه فإن الله وحده هو الذي بيده الملك وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
وعلم الغيب، وتفريج الكروب، وسماع دعاء الداعين وإجابتهم من خصائص الرب سبحانه وتعالى، فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره كان مشركاً شركاً أكبر. قال تعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكَّرون) ، وقال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) . والله هو الذي يغفر الذنوب، ويفرج الكروب، ويعلم ما في الصدور سبحانه وتعالى، فيجب على العبد ألا يقصد في حصول هذه المطالب _ من مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله _ ألا يقصد سوى مولاه فإنه ولي ذلك والقادر عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/896)
هل تنفع الأعمال الخيرية صاحبها إذا مات كافرا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عاش شخص من غير المسلمين حياته مبتعدا عن المعاصي الكبيرة، عاملا للخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان يعيش حياة طيبة ثم مات على غير الإسلام، فهل يدخل الجنة بسبب أعمال الخير التي كان يعملها، أم يدخل النار لأنه لم يسلم (عن علم أو جهل) ولم يقبل بتوحيد الله؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مات الإنسان على غير الإسلام فإن الجنة عليه حرام لقوله تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} المائدة: 72 وأعمال الخير التي يقوم بها الإنسان مع كفره لا تنفعه في الآخرة بشي لقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85 ولقوله تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان:23 ولقوله تعالى {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} الأعراف: 147
وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا يُشبه ما ورد في سؤال السائل فقالت رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ , ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ." رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه 214
وأمّا إذا كان الكافر لم يسمع عن الإسلام ولم تصل إليه الدّعوة فإنّ الله تعالى يمتحنه يوم القيامة (يراجع السؤال رقم 1244) والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/897)
حكم إتيان المنجمين وتصديقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الإتيان إلى المنجمين، وتصديقهم فيما يقولون أم لا؟ وروى النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقبل صلاة من أتاهم وصدقهم، هل هذا صحيح، أوضحوا لنا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما قاله العلماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبتت أحاديث كثيرة بتحريم ذلك، منها: عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل صلاته أربعين يوما " رواه مسلم في صحيحه، وعن قبيصة بن المخارق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العيافة، والطيرة، والطرق من الجبت " رواه أبو داود بإسناد حسن؛ قال أبو داود: والعيافة والخط والطرق: الزجر، أي زجر الطير، وهو أن يتيامن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين تيمن! وإن طار إلى جهة اليسار تشاءم! قال الجوهري: الجبت كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، والمنجم، ونحو ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؛ قال: لا تأتهم؛ قلت: ومنا رجال يتطيرون؛ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا تصدقهم " رواه مسلم.
وعن أبي مسعود البدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان، فقال: ليسوا بشيء. فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك كلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبه ". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود ... ، قال العلماء فيحرم تعاطي هذه الأمور والمشي إليها، وتصديقهم، ويحرم بذل الأموال لهم، ويجب على من ابتلي بشيء من ذلك المبادرة بالتوبة منه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 230.(1/898)
سوء أدب بعض الكتاب في حق الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[كتب بعضهم العبارة التالية في مقال له: المرأة أجمل قرار اتخذه الله!! فما حكم هذه العبارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا سوء أدب مع الله -عز وجل- ولا يقال عن الله مثل هذا الكلام الذي ينضح بالشهوانية وقلة معرفة حق الرب تبارك وتعالى. والله سبحانه وتعالى قد قضى وحكم وقرر أمورا أعظم من خلق المرأة مثل توحيده عز وجل وإفراده بالعبادة.
وجمال المرأة الأجنبية لا يجوز للرجل أن يطلع عليه كما قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية.
وللإنسان أن يستمتع بجمال زوجته التي منَّ الله عليه بجعلها سكنأ له، ويوجد مثل العبارة المذكورة آنفا عبارات أخرى كثيرة لبعض من يزعم الكتابة في الأدب تدل على وقاحتهم وأنهم لا يرجون لله وقارا ولا يعظمون الرب عز وجل ولا يتأدبون معه في الكلام، والواجب نصح هؤلاء ومحاربة باطلهم، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/899)
علم النجوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا قراءة علامات النجوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: " خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وكُلف ما لا علم له به ". انتهى صحيح البخاري – باب في النجوم. (2/420)
وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين:
أولاً: علم التأثير.
ثانياً: علم التسيير.
فأما علم التأثير فهو على ثلاثة أقسام:
1- أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث والشرور فهذا شرك أكبر؛ لأن من ادعى أن مع الله خالقاً فهو مشركٌ شركاً أكبر، وقد جعل المخلوق المُسَخََََّر خالقاً مُسَخِراً.
2- أن يجعلها سبباً يدَّعي به علم الغيب فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا. كأن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة؛ لأنه ولد في النجم الفلاني. فهذا الشخص اتخذ تعلم النجوم وسيلة لادعاء علم الغيب وادعاء علم الغيب كفرٌ مُخرجٌ عن الملة لأن الله يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} النمل 65، وهذا من أقوى أنواع الحصر لأنه حصرٌ بالنفي والاستثناء، فإذا ادعى علم الغيب فقد كذب القرآن.
3 - أن يعتقدها سبباً لحدوث الخير والشر فهذا شرك أصغر، أي أنه إذا وقع شيء نسبه إلى النجوم. (ولا ينسب إلى النجوم شيئاً إلا بعد وقوعه) والقاعدة أن من اعتقد شيئا سببا لشيء، ولم يجعله الله كذلك فقد تعدى على الله لأن مسبب الأسباب هو الله وحده. كمن يستشفي بربط خيط ما، ويقول أنا أعتقد أن الشفاء بيد الله وهذا الخيط هو مجرد سبب فنقول له: نجوت من الشرك الأكبر، ووقعت في الشرك الأصغر لأن الله لم يجعل الخيط سببا ظاهرا للشفاء، وأنت بفعلك هذا قد اعتديت على مقام الربوبية بجعل شيء سببا لشيء والله لم يجعله كذلك. وهكذا من جعل النجوم سبب لنزول المطر وليست كذلك والدليل ما أخرجه البخاري (801) ومسلم (104) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَب " فحكم على من نسب المطر إلى النجوم نسبة سبب.
الثاني: علم التسيير. وهو على قسمين:
1- أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية فهذا مطلوب، وإذا كان يُعين على مصالح دينية واجبة كان تعلُمُهَا واجباً كأن يستدل بالنجوم على جهة القبلة.
2- أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، فهذا لا بأس به وهو نوعان:
الأول: أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي – وهو قريب منه – يدور حوله شمالاً ... فهذا جائز، قال تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل 16) .
الثاني: أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يُعرف بتعلم منازل القمر فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون، والصحيح أنه جائز وليس فيه كراهه؛ لأنه لا شرك فيه إلا إن تعلمها ليضيف إليها نزول المطر وحصول البرد، وأنها هي الجالبة لذلك فهذا نوعٌ من الشرك، أما مجرد معرفة الوقت بها هل هو الربيع أو الخريف أو الشتاء فهذا لا بأس به.
انظر القول المفيد للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله (2/102) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/900)
هل النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من يناديه وهو في قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[البعض يعتقد بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهيد وأنه في حياة البرزخ حيث يستطيع أن يسمعنا إذا سألناه وطلبنا شفاعته (بسبب فضله وقربه من الله) حين ندعوا الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، وليست الحياة في القبر كالحياة في الدنيا ولا الحياة في الآخرة، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة وبذلك يعلم أنه قد مات كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) الأنبياء/34، وقال سبحانه: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) الرحمن/26،27 وقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الزمر/30، إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله توفاه إليه، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات.
ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت من أبي بكر رضي الله عنه إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة بل أجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون. ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك فهو إجماع منهم على موته.ولأن الفتن والمشكلات لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء. أما روحه صلى الله عليه وسلم فهي في أعلى عليين لكونه أفضل الخلق، وأعطاه الله الوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة عليه الصلاة والسلام.
وحياة البرزخ حياة خاصة فالأنبياء أحياء والشهداء أحياء في البرزخ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون) أخرجه المنذري والبيهقي، وصححه وله شواهد في الصحيحين.
وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) البقرة/154، فهذه حياة خاصة لها طبيعة خاصة يعلمها الله وليست كحياة الدنيا التي تفارق فيها الروح الجسد.
والأصل في الأموات أنهم لا يسمعون كلام الأحياء من بني آدم، لقوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فاطر/22، فأكد الله عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى. ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط لما رواه أبو داود (2041) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وهذا ليس بصريح أنه يسمع سلام المسلِّم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلّغته الملائكة ذلك. ولو فرضنا سماعه سلام المسلِّم، فهو استثناء من الأصل كما استثني من ذلك سماع الميت لقرع نعال مشيعي جنازته، واستثني من ذلك سماع قتلى الكفار الذين قبروا في قليب بدر لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم حين قال لهم: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 313،318، 321)
وأما بالنسبة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والطلب منه مباشرة فهذا عين الشرك الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لينهى عنه، ويحارب أهله، ولمعرفة حكم ذلك بالتفصيل يراجع السؤال رقم (10289) و (11402) و (1439) .
نسأل الله أن يرد المسلمين لدينهم ردا جميلا. والله أعلم، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/901)
الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة.
قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك.
أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: مسألة الصلاة على القبور..
الصلاة على القبور على قسمين:
القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116.
القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل:
1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه.
دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) .
2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392
3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة.
الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) .
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) .
ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار.
4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -.
صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز.
الدليل على التحريم:
1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد.
2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به.
تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم
انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع.
ثانياً: مسألة الشفاعة ...
قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) .
ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط:
الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع.
الثاني: رضى الله عن المشفوع له.
والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28.
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1.
إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/902)
حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع كثيراً من الناس عندما يرغب تأكيد أمر ما يقول والنبي، فهل ذلك جائز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
هذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حرام، ونوع من الشرك، فإن الحلف بالشيء تعظيم للمحلوف به، والمخلوق لا يعظم المخلوق (تعظيم عبادة) ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) صحيح، رواه احمد (2/125) ، وأبو داود (3251) ، والترمذي (1535) وهو يعم الحلف بالأنبياء والملائكة والصالحين وسائر المخلوقات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري (4860 فتح 8/611) ، (6107 فتح 10/516) ، ومسلم (1647) وأحمد (2/309) وأبو داود (3247) والنسائي (3775) والترمذي (1545) ، وابن ماجه (2096) ، فأما ما ورد في القرآن من الحلف بالمرسلات والذاريات والنازعات، والفجر، والعصر، والضحى، ومواقع النجوم الخ فهو من الله تعالى، ولله أن يقسم من خلقه بما يشاء، فأما المخلوق فلا يحلف إلا بربه تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 32(1/903)
غضب فسب دين وسماء القلم والورقة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يكتب على ورقة، وفي أثناء الكتابة أخطأ في بعض الكلمات فانزعج كثيراً ومن شدة غضبه سب دين وسماء القلم والورقة، فهل يعتبر سب دين القلم أو الورقة أو الحجر أو الشجر أو الكرسي أو الكأس أو ... الخ من هذه الأشياء هل يعتبر كفراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا شك أن هذا السب حرام، ولو قيل أن القلم والورقة لا يدينان بالدين الذي هو العبادات، لكن معلوم أن الدين واحد، وأن الله تعالى هو الذي سخر هذه الأقلام والأدوات، ويسر استعمالها، فيخاف أن السب يرجع إلى الله تعالى، فعليه التوبة والاستغفار، وعدم العودة إلى مثل هذا.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين في فتاوى ابن جبرين ص 34(1/904)
حكم سؤال الله بجاه فلان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول الإنسان في الدعاء: اللهم إني أسألك بجاه فلان أو بحق فلان. وهل هناك فرق بينها وبين قول الإنسان لصاحب القبر: يا فلان أغثني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز سؤال الله تعالى بجاه فلان أو بحق فلان، ولو بجاه الأنبياء أو المرسلين، أو بحق الأولياء أو الصالحين، فإنه ليس على الله حق لأحد، ولا يجوز السؤال إلا بأسماء الله تعالى وصفاته، كما قال تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180، فأما إذا قال لصاحب القبر: يا فلان أغثني، فإنه شرك ظاهر، لأنه دعاء لغير الله، فالسؤال بالجاه وسيلة إلى الشرك، ودعاء المخلوق شرك في العبادة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/905)
حكم أبراج الحظ
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم،
أعرف أن قراءة البروج واستطلاع الغيب من المحرمات التي نهى الله عنها لأنه سبحانه وتعالى هو من يعرف المستقبل لنا ولهذا عزفت عن قراءة البروج. لكن هل تفسير الأحلام حرام أيضا أم أنه مسموح به؟ فقد حلمت أنني قد تم خطفي ثم حلمت أن إحدى خالاتي التي كانت تأكل سرطان البحر المفعم بالكاري قد عانقتني. وفي شبكة الإنترنيت يوجد موقع لتفسير الأحلام وقد قرأت فيه تفسيرا لمعنى الاختطاف وهو أنني سأواجه موقفاً سيئاً لا أحسد عليه، أما العناق الذي بادرتني به خالتي في الحلم الثاني فهو يعني أنني سأفقد خطيبي. فهل هذه التفسيرات صحيحة؟ وهل يمكنك التعليق من فضلك على ذلك؟ جزاك الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يسمى بعلم النجوم والأبراج والحظ والطالع من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها وبيان أنها من الشرك لما فيها من التعلق بغير الله تعالى واعتقاد الضر والنفع في غيره وتصديق العرافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زوراً وبهتاناً ليبتزوا أموال الناس ويغيروا عقائدهم، والدليل على ذلك ما رواه ابو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد} وما رواه البزار بإسناد جيد عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {ليس منا من تطير أو تُطير له أو تكهن أو تُكهن له أو سحر أو سُحر له} ومن ادعى معرفة علم شيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن وإما مشارك له في المعنى، لأن الله تعالى استأثر بعلم الغيب فقال عز وجل {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله} .
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظاً على دينه وعقيدته.
[الْمَصْدَرُ]
نقلت بتصرف من مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - (2/123) .(1/906)
التوسل الشرعي والبدعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن التوسل فإنني أعرف أن من يطلب التوسل من القبور أو يسأل الميت دعاء لغير الله وغير صحيح. لكن أحدهم يقول: ما الخطأ في أن أطلب الدعاء من رجل صالح وهو حي؟ وما الخطأ في أن أطلب الدعاء منه وهو ميت؟ فكيف أرد على هذا الأخ؟ وما هو التوسل المباح؟ وما هو التوسل غير المباح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوسل لغة: هو التقرب، ومنه قوله تعالى: (يبتغون إلى ربهم الوسيلة) أي: ما يقربهم إليه، وينقسم إلى قسمين توسل مشروع وتوسل ممنوع:
فالتوسل المشروع:
هو التقرب إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه من العبادات الواجبة أو المستحبة سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً أو اعتقادات وهذا أنواع:
الأول: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) فيقدّم العبد بين يدي دعاء الله تعالى الاسم المناسب لمطلوبه كتقدم اسم الرحمن حال طلب الرحمة، والغفور حال طلب المغفرة، ونحو ذلك.
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والتوحيد، قال تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) .
الثالث: التوسل بالأعمال الصالحة بأن يسأل العبد ربه بأزكى أعماله عنده وأرجاها لديه كالصلاة والصيام وقراءة القرآن، والعفّة عن المحرّم ونحو ذلك، ومن ذلك الحديث المتفق عليه في الصحيحين في قصة الثلاثة نفر الذين دخلوا الغار، وانطبقت عليهم الصخرة، فسألوا الله بأرجى أعمالهم، ومن ذلك أن يتوسّل العبد بفقره إلى الله كما قال الله تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) أو بظلم العبد نفسه، وحاجته إلى الله كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) .
وهذا التوسل المشروع يختلف حكمه من نوع إلى آخر، فمنه ما هو واجب كالتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ومنه ما هو مستحب كالتوسل بسائر الأعمال الصالحة.
أما التوسل البدعي الممنوع:
فهو التقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات، ومن ذلك: التوسل إلى الله بدعاء الموتى أو الغائبين والاستغاثة بهم ونحو ذلك، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة مناف للتوحيد، فدعاء الله تعالى سواء كان دعاء مسألة كطلب النفع أو دفع الضر، أو دعاء عبادة كالذل والانكسار بين يديه سبحانه لا يجوز أن يُتوجه به لغير الله، وصرفه لغيره شرك في الدعاء، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، فبيّن الله تعالى في هذه الآية جزاء من يستكبر عن دعاء الله إما بأن يدعوا غيره أو بأن يترك دعائه جملة وتفصيلاً، كبْراً وعُجْباً وإن لم يدع غيره، وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية (فأمر الله العباد بدعائه دون غيره، والله يقول عن أهل النار: (تالله إن كنا في ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) فكل ما اقتضى تسوية غير الله بالله في العبادة والطاعة فهو شرك به سبحانه، وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) . وقال سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فجعل الله تعالى من دعا غيره معه متخذاً إلها من دونه، وقال سبحانه: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرن بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فبين الله تعالى في هذه الآية أنه هو المستحق للدعاء لأنه المالك المتصرف لا غيره، وأن تلك المعبودات لا تسمع الدعاء، فضلاً عن إجابتها للداعي، ولو قُدِّر أنها سمعت لما استجابت، لأنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تقدر على شيء من ذلك.
وإنما كفر مشركوا العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم لدعوتهم بسبب هذا الشرك في الدعاء إذ كانوا يدعون الله تعالى مخلصين له الدين في حال الشدة، ثم يكفرون به في الرخاء والنعمة بدعوة غيره معه سبحانه قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وقال: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) ، وقال جل وعلا: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين) .
وشرك بعض الناس اليوم قد زاد على شرك السابقين، وذلك لأنهم يصرفون أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء والاستغاثة حتى في وقت الشدة ولا حول ولا قوة إلا بالله، سأل الله السلامة والعافية.
والخلاصة في الردّ على ما ذكره صاحبك: أنّ سؤال الميت شرك، وسؤال الحيّ ما لايقدر عليه إلا الله شرك أيضا والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/907)
متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكون طاعة المخلوق شركاً في حالات ومنها إذا أطاعه في أمر يحلّ به حراماً، أو يحرم حلالاً، أو أنّ المخلوق شرع نظاماً، أوسن قانوناً، يخالف شرع الله، واعتقد المتّبع أن هذا التشريع أكمل من شرع الله وأصلح، أو أنه مثل شرع الله أو أنّ شرع الله أفضل ولكن يجوز العمل بهذا الشّرع البشري، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) قال عدي بن حاتم: يا رسول الله لسنا نعبدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس يحلون لكم ما حرّم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟) قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم (فتلك عبادتهم) ، فصارت طاعة النصارى لأحبارهم في المعصية واعتقاد التحليل والتحريم لأجل كلامهم عبادة لغير الله، وهو من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، وأما بالنسبة لسؤالك فإن كان المطيع لوالديه في المعصية يعتقد أنها معصية وإنما يفعل ما يفعل لهوى نفسه أو خوفا من عقاب والديه ولم يصل إلى درجة الإكراه فهو عاص آثم مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. " رواه الإمام أحمد 1041 وهو حديث صحيح، ولكنه لا يكون مشركا شركا أكبر وأما إذا كان الولد يعتقد أنّ كلام والديه يحلّ ما حرّم الله ويحرّم ما أحلّ الله فإنه يكون مشركا شركا أكبر، وينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه ليكون هواه موافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقدّم طاعة الله ورسوله على طاعة كلّ أحد، وأن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. " رواه البخاري 63، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/908)
الشكوى للمخلوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فيمن اشتكى لغير الله بعد شكواه لله عز وجل، حيث إن نفس الإنسان تضيق به إذا وقع في محنة، فهل يجوز له أن يجد سلوى في عباد الله فيخرج لهم ما يضيق به صدره وربما سألهم النصح والإرشاد، أم إن ذلك عدم ثقة في إجابة الله عز وجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إخبار المخلوق بالحال، عن كانت للاستعانة بإرشاده أو معاونته أو التوصل إلى إزالة الضرر، لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المريض يسأل عن حاله ويقول: (كيف تجدك؟) رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وقال النووي: إسناده جيد، وهذا إستخبار منه واستعلام عن حاله، وانظر عدة الصابرين للإمام ابن القيم (323) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: كتاب مسائل ورسائل /محمد المحمود النجدي(1/909)
لماذا لا يجوز الوقوف لتحية العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يقف المسلمون لأجل تحية العلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
التعظيم من خواص الرب سبحانه وتعالى والذل لا ينبغي لمخلوق إلا لخالقه سبحانه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ إبراهيم الخضيري(1/910)
تحريم التصوير واتّخاذ التماثيل وأثر ذلك على العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد صعوبة في أن أشرح لأحد أخواني المسلمين هنا أن عمل تمثال غير إسلامي حرام، وقد كانت إجابته أن المرأة التي يراد عمل التمثال لها من أبطال البلد إذ أنها حاربت المسلمين دفاعا عن بلادها، وهي من جداتي في الفترة قبل دخول الإسلام.
هل يمكن للمسلم أن يعبد تمثالا، أو أن يعمل تمثالا كتذكار لأحد الأبطال؟ حتى لو كان هذا البطل غير مسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد يُفهم من السؤال أنّ الإنكار لكون التمثال لكافر، وأنه إن كان لمسلم فإنه يجوز صنعه، وهذا خطأ، فتماثيل ذوات الأرواح كلها حرام، ولا فرق من حيث كونه صنماً في التحريم سواء كان معمولا على صورة شخص مسلم أو كافر، لكن صُنع تمثالٍ لكافرٍ أشدَّ في الحرمة لما فيه من جمع بين شرَّين، شر صنع التمثال، وصنع تعظيم هذا الكافر.
وفيما يلي تفصيل لمسألة تحريم الأصنام والتماثيل:
1. إن قضية صنع التماثيل لا تتوقف على كونها قضية فقهية، بل تتعداها إلى أبواب الاعتقاد، وذلك أن الله تعالى اختص بتصوير خلقه وإبداعهم على أحسن صورة، فكان التصوير مضاهاة لخلق الله تعالى، وكذا يتعلق الأمر في باب الاعتقاد من حيث اتخاذ هذه الأصنام آلهة تُعبد من دون الله عز وجل.
ومما يدل على أنّ من أفعاله تعالى التصوير ما يلي:
أ. قوله تعالى: {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} (آل عمران / 6) .
وقوله تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (الأعراف / 11) .
وقوله تعالى {هو الله الذي لا إله إلا هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الحشر / 24) .
وقوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار / 6 - 8) .
فهذه الآيات تقرر عقيدة لا شك فيها أن تصوير الخلق هو من قِبل ربهم وخالقهم ومصورهم، فلا يحل لأحد أن يتعدى على ربه تعالى فيضاهي الله في خلقه وتصويره.
ب. عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. رواه البخاري (417) ومسلم (528) .
قال الحافظ ابن حجر:
وفي الحديث دليل على تحريم التصوير. " فتح الباري " (1 / 525) .
وقال النووي:
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير. " شرح مسلم " (14 / 81) .
ت. عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. رواه البخاري (2112) ومسلم (2110) .
ث. عن عبد الله بن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون. رواه البخاري (5606) ومسلم (2109) .
ج. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم. رواه البخاري (5607) ومسلم (2108) .
ح. عن أبي هريرة أنه دخل داراً بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرَّة. رواه البخاري (5609) ومسلم (2111) .
قال النووي:
وأما قوله تعالى " فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة ": فالذرَّة بفتح الذال وتشديد الراء، ومعناه: فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير، أي: ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيز كما سبق. " شرح مسلم " (14 / 90) . إذ لا يقدر على إنشاء النبات الحيّ من العدم إا الله عزّ وجلّ.
خ. عن أبي جحيفة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (1980) .
2. وقد جاءت الشريعة بهدم الأصنام وتحطيمها لا بصنعها وترميمها، ومما يدل على ذلك:
أ. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول {جاء الحق وزهق الباطل} الآية. رواه البخاري (2346) ومسلم (1781) .
ب. عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته وفي رواية (ولا صورة إلا طمستها) . رواه مسلم (969) .
قال ابن القيم:
والتماثيل جمع تمثال وهو الصور الممثلة.
" الفوائد " (ص 196) .
قال شيخ الإسلام:
فأمره بمحو التمثالين الصورة الممثلة على صورة الميت والتمثال الشاخص المشرف فوق قبره فإن الشرك يحصل بهذا وبهذا. " مجموع الفتاوى " (17 / 462) .
3. وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الصور أن يدخلها في بيته، ورتب على ذلك آثاماً وحرماناً للخير، ومما يدل على ذلك:
أ. عن أبي طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل ". رواه البخاري (3053) ومسلم (2106) .
ب. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبتُ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
رواه البخاري (1999) ومسلم (2107) .
4. واتخاذ الصور وسيلة للوقوع في الشرك، لأن بداية الوقوع فيه التعظيم لصاحب الصورة، وخاصة مع قلة العلم أو انعدامه، ويدل على هذا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما (ود) كانت لكلب بدومة الجندل وأما (سواع) كانت لهذيل وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما (يعوق) فكانت لهمدان وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. رواه البخاري (4636) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك. " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 333) .
وقال:
وهذه العلة - أي: التعظيم - التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك. " الاقتضاء " (2 / 334) .
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان تلاعب الشيطان بالنصارى:
وتلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس وعبادتها فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو عن صورة مريم والمسيح وجرجس وبطرس وغيرهم من القديسين عندهم والشهداء وأكثرهم يسجدون للصور ويدعونها من دون الله تعالى حتى لقد كتب بطريق الاسكندرية إلى ملك الروم كتابا يحتج فيه للسجود للصور: بأن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يصور في قبة الزمان صورة الساروس وبأن سليمان بن داود لما عمل الهيكل عمل صورة الساروس من ذهب ونصبها داخل الهيكل ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتب إلى بعض عماله كتابا فيأخذه العامل ويقبله ويضعه على عينيه ويقوم له لا تعظيما للقرطاس والمداد بل تعظيما للملك كذلك السجود للصور تعظيم لاسم ذلك المصور لا للأصباغ والألوان.
وبهذا المثال بعينه عبدت الأصنام. " إغاثة اللهفان " (2 / 292) .
وقال:
وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور. " زاد المعاد " (3 / 458) .
5. فما سبق من الآيات والأحاديث يدل على أن علة تحريم الصور ثلاثة أمور:
الأول: المضاهاة لخلق الله.
والثاني: أنه مشابهة للكفار.
والثالث: أنه وسيلة للتعظيم والوقوع في الشرك.
مما سبق يتبين تحريم عمل التماثيل، سواء كان ذلك لمسلم أو لكافر، وأن من فعل ذلك فقد ضاهى الله في خلقه، واستحق اللعنة، نسأل الله السلامة والهداية وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/911)
الاستشفاء بالمياه المعدنية وذبح الخراف عندها
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد في جنوب الأردن المياه المعدنية والتي يطلق عليها بئر سليمان بن داود، فيقصدها الناس للاستحمام والشفاء، ويحضرون معهم الذبائح لذبحها حال وصولها، فما حكم ذبح مثل هذه الذبائح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الماء مجرباً معلوماً، ينتفع به لبعض الأمراض فلا بأس؛ لأن الله جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض، فإذا عرف ذلك بالتجارب أن هذا الماء ينتفع به من كان به أمراض معينة، كالروماتيزم وغيره فلا بأس في ذلك.
أما الذبائح ففيها تفصيل:
فإن كانت تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك، وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك , وإن كانت تذبح لأي شيء آخر كالتقرب إلى الماء أو الجن أو الأنبياء، أو لشيء من الاعتقادات الفاسدة، فهذا لا يجوز؛ لأن الله سبحانه يقول مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) الأنعام /162-163، ويقول عز وجل: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر /1-2.
فالذبح لله سبحانه وتعالى والنسك له وحده، وهكذا سائر العبادات كلها لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغير الله لقول الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر /2-3، ولما تقدم من الآيات وما جاء في معناها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) خرجه مسلم في صحيحه، من حديث علي رضي الله عنه.
فليس للمرء أن يذبح للجن ولا النجم الفلاني أوالكوكب الفلاني، أو الماء الفلاني، أوالنبي الفلاني، لأي شخص، أو للأصنام، بل التقرب كله لله سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات، وسائر العبادات، لقول الله عز وجل: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/5، ولما سبق من قوله جل وعلا: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر / 2-3، وغيرها من الآيات.
والذبح من أهم العبادات، وأفضل القربات، فيجب إخلاصه لله وحده، لما ذكرنا من الآيات، ولما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح بغير الله) .
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 324.(1/912)
أمها أتتها بخبر من كاهن بأن زواجها سيكون تعيسا!!
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت أمي إلى عراف حديثاً، والتي ينبغي ألا تذهب إليه لأنه حرام وقالت لي إن العراف قال: أنني ستكون حياتي تعيسة (سيئة) إذا تزوجت وأننا لن نمكث مع بعضنا أكثر من عامين وأعلم أن الله فقط هو الذي يعلم الغيب ولكني أصبحت قلقاً جداً بسبب ما قالته. ما الذي أستطيع أن أفعله لجعل هذا الأمر لا يحدث؟ أصبحت حقاً في حيرة ولا أعرف ماذا أعتقد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: جزاك الله خيراً لاعتقادك أن الله وحده يعلم الغيب ـ وهذا أملنا بك وبكل مسلمة تقية ـ وهذا من ضروريات الإيمان بالله وحده.
ولكن العجب منك بعد هذا الاعتقاد كيف تخافين ممن لا يعلم الغيب.
فعليك أن تطمئني وتتوكلي على الله، فإنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك.
ثانياً:
أما حكم العرافة وهي الكهانة وادعاء علم الغيب فهي من المهلكات لصاحبها والتي تخرجه من التوحيد والدين.
ثالثاً:
العرافون يتعاملون مع الجن فهم مشعوذون يتعاملون مع الشياطين وهي لا تعينهم إلا بعد أن يبدلوا دينهم ومن يبدل دينه يقتل، ومن ذهب إليهم مصدقا لهم فقد وقع في الكفر، فإن لم يصدقهم فلا تقبل له صلاة أربعين ليلة.
أما دليل الأول: فحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) وأحمد (9252) . والحديث: صححه الحاكم (1 / 49) ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر إن له شاهدين عند البزار بأسانيد جيدة. انظر " الفتح " (10 / 217) .
ودليل الثاني:عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". رواه مسلم (2230) .
رابعاً:
أما كيف يأتي الكهنة بالأخبار فبيانه في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحقّ وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - وصفه سفيان - أحد الرواة - بكفه - فحرفها وبدّد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ". رواه البخاري (4424) .
خامساً:
واستماع الشيطان للخبر من كلام الملائكة بعضهم لبعض مما قضاه الله تعالى في السماء هو من علم الشهادة وليس من معرفة الشياطين بالغيب فيكذب مع هذه الكلمة أو الخبر مائة كذبة، كأن يعلم أن فلانة تلد ذكراً فيخبر الناس فيرى الناس صدقه في ذلك فيطمئنون إليه فيكذب مع الخبر بأنه سيتزوج عام كذا ويموت عام كذا وما أشبه ذلك من التفصيلات فيعظم في نفوس الناس فيتقربوا إليه بالهدايا والأموال فيجعل هذا الكذب صنعة له بعد اطمئنان الناس إليه ويكتسب بالحرام.
سادساً:
ومما يجدر ذكره أنه ليس كل عراف كاهناً فقد يكون رمَّالاً أو قارئ فنجان لأن الكهّان ممن يطّلعون على أخبار الجن وهؤلاء ليسوا منهم وإنما هم مجرّد كذابين ولكنهم في الحكم سواء من جهة ادّعائهم معرفة علم الغيب وإن كان الكاهن الذي يتعامل مع الشياطين أكفر لأنّه بالإضافة إلى كفره بالكهانة يكفر بتعامله مع الشّياطين التي لا تُعطيه مطلوبه إلا بعد أن يصرف لهم أنواعا من العبادة ويخرج عن دينه.
سابعاً:
يجب عليك أن تنصحي أمك ألا تقرب أولئك الدجالين لكيلا تقع في الإثم أو أن يحبط عملها.
ولا تعزفي عن الزواج فإن الزواج فوائده عظيمة وأمره جليل تدعو إليه الفطرة كما يدعو إليه الدين ولن تكون حياتك تعيسةً بإذن الله بل تفاءلي بأنها ستكون حياة رضية مرضية ونسأل الله أن يجمعك بصاحب علم وصلاح.
ولو حصل أيّ مكروه وتزّوجت بمن شقيت معه فذلك لقدر الله لا لقول الكاهن اللعين ولا لأنه يعلم الغيب ولكن قد يكون ذلك اتفاقاً للاختبار والابتلاء، وعلى أية حال فإنّ في إقدامك على الزواج - إضافة إلى فوائده العظيمة - إرغاما لأنوف الكهنة والدجالين والمصدّقين بأخبارهم، وفقنا الله وإياك لكل خير وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/913)
معنى تنقض عرى الإسلام عروة عروة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) . ما معنى هذا الحديث؟ وما المقصود بنقض الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث المذكور أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) .ا. هـ ومعناه ظاهر وهو أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون له والناقضون لعراه يعني بذلك فرائضه وأوامره، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومعنى قوله في الحديث: (وأوله نقضاً الحكم) معناه ظاهر وهو عدم الحكم بشرع الله وهذا هو الواقع اليوم في غالب الدول المنتسبة للإسلام. ومعلوم أن الواجب على الجميع هو الحكم بشريعة الله في كل شيء والحذر من الحكم بالقوانين والأعراف المخالفة للشرع المطهر لقوله سبحانه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء/65، وقال سبحانه: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/49-50. وقال عز وجل: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة/44. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) المائدة/45. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) المائدة/47.
وقد أوضح العلماء رحمهم الله أن الواجب على حكام المسلمين أن يحكموا بشريعة الله في جميع شئون المسلمين , وفي كل ما يتنازعون فيه، عملاً بهذه الآيات الكريمات، وبينوا أن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا استحل ذلك كفر كفراً أكبر مخرجاً له من الملة الإسلامية.. أما إذا لم يستحل ذلك وإنما حكم بغير ما أنزل الله لرشوة أو غرض آخر مع إيمانه بأن ذلك لا يجوز، وأن الواجب تحكيم شرع الله، فإنه بذلك يكون كافراً كفراً أصغر، وظالماً ظلماً أصغر، وفاسقاً فسقاً أصغر.
فنسأل الله سبحانه أن يوفق حكام المسلمين جميعاً للحكم بشريعته والتحاكم إليها وإلزام شعوبهم بها، والحذر مما يخالف ذلك. إنه جواد كريم، ولا شك أن في تحكيم الشريعة والتحاكم إليها، والعمل بها صلاح أمر الدنيا والآخرة وعز الدنيا والآخرة والسلامة من مكائد الأعداء والإعانة على النصر عليهم، كما قال سبحانه: (يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد/7، وقال سبحانه: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) الروم/47، وقال عز وجل: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج/40-41، وقال عز وجل: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) غافر/51-52، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور (وآخرهن الصلاة) فمعناه كثرة التاركين لها والمتخلفين عنها. وهذا هو الواقع اليوم في كثير من البلدان الإسلامية. فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين , وأن يوفقهم للثبات على دينه والاستقامة عليه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 205.(1/914)
حكم حسينيات الرافضة والذبائح التي تذبح بهذه المناسبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حسينيات الرافضة وما يحصل فيها من لطم وخمش للخدود ونوح وشق للجيوب وضرب يصل أحياناً بالسلاسل مع الاستغاثة بالأموات وآل البيت الكرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا منكر شنيع وبدعة منكرة، يجب تركه ولا تجوز المشاركة فيه، ولا يجوز الأكل مما يقدم فيه من الطعام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من أهل البيت وغيرهم لم يفعلوه، قد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري رحمه الله في صحيحه جازماً به. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
أما الاستغاثة بالأموات وأهل البيت فذلك من الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم؛ لقول الله سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون /117، وقال عز وجل: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن/18، وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين) / 5 - 6، وقال سبحانه: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبؤك مثل خبير) 13-14، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) أخرجه أهل السنن الأربع بإسناد صحيح وروى مسلم في صحيحه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن من ذبح لغير الله) .
فالواجب على جميع الشيعة وعلى غيرهم إخلاص العبادة لله وحده، والحذر من الاستغاثة بغير الله، ودعائهم من الأموات والغائبين، سواء كانوا من أهل البيت أو غيرهم.
كما يجب الحذر من دعاء الجمادات والاستغاثة بها من الأصنام والنجوم وغير ذلك؛ لما ذكرنا من الأدلة الشرعية.
وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة من الصحابة وغيرهم على ذلك.
الثاني: ما حكم الذبائح التي تذبح في ذلك المكان بهذه المناسبة؟ وكذلك ما حكم ما يوزع من هذه المشروبات في الطرقات وعلى العامة من الناس؟
والجواب عن هذا السؤال، هو الجواب عن السؤال الأول، وهو أنه بدعة منكرة، ولا تجوز المشاركة فيه , ولا الأكل من هذه الذبائح، ولا الشرب من هذه المشروبات، وإن كان الذابح ذبحها لغير الله من أهل البيت أو غيرهم فذلك شرك أكبر؛ لقول الله سبحانه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام / 162-163، وقوله سبحانه: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر /1-2.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن، إنه قريب مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 320(1/915)
حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه.
والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبري أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعاً لذلك.
وإن نواهما جاز؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفراً، فلا حرج في ذلك، لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة , وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة، لكن بدون شد الرحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) أخرجه مسلم في صحيحه.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 336.(1/916)
حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كمسح الجدران والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كان معمولاً به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ماء وضوئه، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره وكل شيء منه، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون يحتفظون بثوب النبي تبركاً به ولا سيما في الحروب.
فأما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر أو نحو ذلك، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة، وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
وأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، فبدعة لا أصل لها، والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وفي رواية لمسلم، وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازماً بها: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خطبته يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في ذلك كثيرة، فالواجب على المسلمين التقيد بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني.
ولهذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما قبل الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .
وبذلك يعلم أن استلام بقية أركان الكعبة، وبقية الجدران والأعمدة غير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يرشد إليه ولأن ذلك من وسائل الشرك. وهكذا الجدران والأعمدة والشبابيك وجدران الحجرة النبوية من باب أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك ولم يرشد إليه ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 106.(1/917)
التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يرى جواز التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم مستدلاً بما ثبت من تبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بالنبي صلى الله عليه وسلم. فما حكم ذلك؟ ثم أليس فيه تشبيه لغير النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؟ وما حكم التوسل إلى الله تعالى ببركة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بوضوئه ولا بشعره ولا بعرقه ولا بشيء من جسده، بل كل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة.
ولهذا لم يتبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بأحد منهم لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله سبحانه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام.
ولأن ذلك أيضاً لم يفعله أصحابه - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية. فقد قال الله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف/180، ولم يأمر بدعائه سبحانه بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد.
ويلحق بأسمائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته، ورحمته، وكلامه وغير ذلك، ومن ذلك ماجاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات، والتعوذ بعزة الله وقدرته.
ويلحق بذلك أيضاً: التوسل بمحبة الله سبحانه، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالإيمان بالله وبرسوله والتوسل بالأعمال الصالحات كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها. .
واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم إلى الله سبحانه في ذلك: ببر والديه.. فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.. ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك.. ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير.
وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بما ذكرته في هذا الجواب.. كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم، وأما حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته فشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فرد الله عليه بصره.. فهذا توسل بدعاء النبي وشفاعته وليس ذلك بجاهه وحقه كما هو واضح في الحديث.. وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم. وكما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة في دخولهم الجنة، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية. . وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم، ومنهم من ذكرنا آنفاً.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/65.(1/918)
ليس الاستحلال دائما شرطا للتكفير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال.
واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض.
وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان.
وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة.
والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها.
وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي.
وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد.
فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه. وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر.
والله اعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان العلوان(1/919)
الملحد ذو الأعمال الخيرية أسوأ ممن يقتل أمه ويحسن إلى الكلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يُعاقب الناس الذين لا يؤمنون بالله؟ قرأت أن الأعمال الصالحة التي يؤدونها لا تقبل منهم. إذن, إذا عمل الشخص ما في وسعه لمساعدة الناس ولنفع المجتمع, فسيعاقب إذا كان لا يؤمن بالله. لكن ما هو السبب الحقيقي وراء معاقبة شخصٍ خيّرٍ بسبب الإلحاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من المعلوم بداهة أن الإنسان مخلوق، ولا بد من أن يكون للمخلوق خالق، وخالق الإنسان هو الله الذي خلق السموات والأرض، وخلق كل شيء. ويجب على الإنسان أن يقر بهذه الحقيقة، ومعلوم بداهة أن الخالق لهذا الوجود هو الذي يستحق أن يُعبد، ويُطاع، ويُخاف، ويُرجى، ويُحب فمن لم يعترف بهذه الحقيقة فهو الملحد الجاحد، الجاهل الفاسد، العقل المنحط عن منزلة الإنسانية، ومن لم يقم بحق العبودية لله الذي خلق السموات والأرض بل استكبر عن عبادته، أو عبد معه غيره من المخلوقين فهو مستنكف عن عبادة الله، أو مشرك، والمستنكف والمشرك كلاهما كافر، كالملحد الجاحد. ومن كان جاحداًُ للخالق أو مستكبراً عن عبادته، أو مشركاً به فإنه مستحق لأشد العقوبات لأن جحد الإنسان لخالقه واستكباره عن عبادته، وتسوية غيره به هو أعظم الخطايا البشرية، وأقبح الاعتقادات، وأسوء الانحرافات ومن كان كذلك فلا قيمة لأي عمل خيري يعمله. فمثل هذا الملحد الذي يعمل أعمالا صالحة في نظره ويقدم للمجتمع ما يستطيع من نفع وإحسان مَثل الذي يقتل أباه وأمه ويحسن إلى الكلاب، أليس معقولا أنه يستحق العقاب؟ ولا قيمة إلى إحسانه إلى الكلاب. فأعظم الحقوق حق الله وهو معرفته وعبادته فالمضيّع لهذا الحق العظيم لا ينفعه ما يقوم به من حقوق الناس، وعلى هذا فالملحد الذي لا يؤمن بالله، ولا يعبد الله لا يكون خيّراً بما يقدمه من أعمال نافعة للإنسان، ولكن هذا الملحد أو المشرك الذي يحسن إلى الناس خير من ملحد أو مشرك يظلم الناس، ويسيء إليهم، ويعتدي على حقوقهم. وقد يثاب على إحسانه برزق في الدنيا من مطعم ومشرب، وليس له في الآخرة من نصيب، فانظر لنفسك أيها السائل، وآمن بالله ورسوله، واتبع هدى الله الذي بعث به رسوله عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين لتنجو من عذاب الله واعرف الفرق بين المؤمن، والملحد، والموحد، والمشرك، قال تعالى: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك(1/920)
الانحناء لغير الله حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الانحناء عند تحية شخص محترم أو كبير أو أحد الوالدين بدلا عن قول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التحية المعتادة هي قول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) ، وجاءت الأحاديث ببيان هذه التحية. وأما الانحناء فلا يجوز إلا إذا كان المسلّم عليه كبيرا لا يستطيع القيام، أو أحد الوالدين وتكره أنك تقيمه، وتكلّفه أن يقوم ليصافحك أو يعانقك، فإذا انحنيت وقبلت رأسه أو جبينه على وجه الاحترام له، لحقه عليك لم يكن ذلك انحناءً يُتعبد به. ولا شك ان الانحناء عبادة لله تعالى كما في الركوع فإذا فُعل ذلك من غير مصافحة أو تقبيل كان ذلك تعظيما لذلك الشخص فيكون شركا.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(1/921)
حكم الاستعانة والاستغاثة بالجن
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أراد أن يدعو على شخص قال: (يا جن خذوه، يا عفاريت انفروا به، سبعة أخذوك، كسروا ظهرك، امتصوا دمك) ، فما حكم هذه الأقوال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا شرك، ومن الاستغاثة بالجن، ويفعله بعض الناس لما للجن من رهبة في قلوبهم، وخشية من سطوتهم، ولأن القلوب الفارغة من صدق الإيمان بالله، وصدق التوكل عليه، ركنت إلى هذه الأوهام واستغاثت بمخلوقات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلا عن أن تملكه لغيرها.
ولما سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذا الفعل قال: (هذا أقبح من الشرك بالله سبحانه، فالواجب تركه، والحذر من ذلك، والتواصي بتركه، والإنكار على من فعله، ومن عرف من الناس بهذه الأعمال الشركية، لم تجز مناكحته، ولا أكل ذبيحته، ولا الصلاة عليه، ولا الصلاة خلفه، حتى يعلن التوبة إلى الله سبحانه من ذلك ويخلص الدعاء والعبادة لله وحده) (إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله ص 30) .
أما اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء فقد نصت فتواها على أن (الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات من الإضرار بأحد أو نفعه شرك في العبادة، لأنه نوع من الاستمتاع بالجن بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه، واستعانته به في تحقيق رغبته، قال الله تعالى: " ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " الأنعام: 128 - 129، وقال تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6، فاستغاثة الإنسي بالجني في إنزال ضرر بغيره واستعانته به في حفظه من شر من يخاف شره كله شرك، ومن كان هذا شأنه فلا صلاة له ولا صيام لقوله تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " الزمر: 65، ومن عرف عنه ذلك فلا يصلى عليه إذا مات، ولا تتبع جنازته، ولا يدفن في مقابر المسلمين) (فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 407-408)
أما جاهلية الاستغاثة والاستعانة والتوكل فيما بينهم فاسمع إلى كلماتهم الشركية:
أنا بالله وبك، أنا في حسب الله وحسبك، ما لي إلا الله وأنت، أنا عاني الله وعانيك، أنا متوكل على الله وعليك، هذا من الله ومنك، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض.. إلخ.
ولا شك أن هذه الألفاظ من الألفاظ الشركية لأنهم جعلوا المخلوق ندا للخالق، تعالى ربنا عن ذلك.
أما جبريل عليه السلام ومحمد عليه السلام فيدعيان من دون الله بقول الجهلة: يا جبريل اجبرني، يا محمد اشفع لي!! والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتيب عادات وألفاظ تخالف دين الله الحق للدكتور محمد بن سعيد القحطاني.(1/922)
أحكام التمائم وتعليقها وهل تدفع التميمة العين والحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إن كان يجوز وضع التمائم. لقد قرأت كتاب التوحيد وبعض الكتب الأخرى بقلم بلال فيليبس، إلا أني وجدت بعض الأحاديث في الموطأ تجيز بعض أنواع التمائم. كما أن كتاب التوحيد ذكر أن بعض السلف سمحوا بها. وهذه الأحاديث موجودة في الجزء 50 من الموطأ، وقد وردت تحت أرقام: 4 و11 و14. الرجاء الرد، وإعلامي بصحة هذه الأحاديث وإعطائي المزيد من المعلومات عن هذا الموضوع. وشكرا لك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم نهتد إلى الأحاديث التي أراد السائل بيان صحتها؛ وذلك لعدم معرفتنا بعين تلك الأحاديث وقد ذكر لنا أنها في الجزء (50) من الموطأ! والموطأ جزء واحد.
لذا سنذكر ما تيسر من الأحاديث الواردة في الموضوع ونبين - إن شاء الله - حكم العلماء عليها، ولعل بعضها أن يكون مما أراده السائل:
1. عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة - يعني: الخلوق - وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والضرب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلها والرقى إلا بالمعوذات وتعليق التمائم وعزل الماء عن محله وإفساد الصبي، غير محرِّمه.
رواه النسائي (50880) وأبو داود (4222) .
الخَلوق: نوع من الطيب أصفر اللون.
عزل الماء عن محله: أي: عزل المني عن فرج المرأة.
إفساد الصبي: وطء المرأة المرضع، فإنها إذا حملت فسد لبنها. والمعنى أي كره ولم يُحرِّمه والمقصود وطء المرضع.
والحديث: ضعَّفه الشيخ الألباني في " ضعيف النسائي " (3075) .
2. عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتوَلة شرك، قالت: قلت لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً.
رواه أبو داود (3883) وابن ماجه (3530) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (331) و (2972) .
3. عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ".
رواه أحمد (16951) .
والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " (5703) .
4. عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك.
رواه أحمد (16969) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) .
ثانياً:
التمائم: جمع تميمة وهي ما يعلق بأعناق الصبيان أو الكبار أو يوضع على البيوت أو السيارات من خرزات وعظام لدفع الشر - وخاصة العين -، أو لجلب النفع.
وهذه أقوال العلماء في أنواع التمائم وحكم كل واحدة منها، وفيها تنبيهات وفوائد:
1. قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب:
اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته:
فقالت طائفة: يجوز ذلك وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية، وحملوا الحديث على التمائم الشركية، أمَّا التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته فكالرقية بذلك.
قلت: وهو ظاهر اختيار ابن القيم.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عباس، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم رضي الله عنه، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه فإن ظاهره العموم لم يفرق بين التي في القرآن وغيرها بخلاف الرقى فقد فرق فيها، ويؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود.
وروى أبو داود عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن تعلق شيئاً وكل إليه " …
هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله؟ فتأمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والتابعون وما ذكره العلماء بعدهم في هذا الباب وغيره من أبواب الكتاب ثم انظر إلى ما حدث في الخلوف المتأخرة يتبين لك دين الرسول صلى الله عليه وسلم وغربته الآن في كل شيء، فالله المستعان.
" تيسير العزيز الحميد " (ص 136 - 138) .
2. وقال الشيخ حافظ حكمي:
إن تك هي - أي: التمائم - آيات قرآنية مبينات، وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم:
فبعضهم - أي: بعض السلف - أجازها، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف.
والبعض منهم كفَّ - أي: منع - ذلك وكرهه ولم يره جائزاً، منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأصحابه كالأسود وعلقمة ومن بعدهم كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى.
ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور لا سيما في زماننا هذا؛ فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال فلأن يكره في وقتنا هذا - وقت الفتن والمحن - أولى وأجدر بذلك، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات وجعلوها حيلة ووسيلة إليها؟ فمن ذلك أنهم يكتبون في التعاويذ آية أو سورة أو بسملة أو نحو ذلك ثم يضعون تحتها من الطلاسم الشيطانية ما لا يعرفه إلا من اطلع على كتبهم، ومنها أنهم يصرفون قلوب العامة عن التوكل على الله عز وجل إلى أن تتعلق قلوبهم بما كتبوه، بل أكثرهم يرجفون بهم ولم يكن قد أصابهم شيء فيأتي أحدهم إلى من أراد أن يحتال على أخذ ماله مع علمه أنه قد أولع به فيقول له: إنه سيصيبك في أهلك أو في مالك أو في نفسك كذا وكذا، أو يقول له: إن معك قريناً من الجن أو نحو ذلك ويصف له أشياء ومقدمات من الوسوسة الشيطانية موهماً أنه صادق الفراسة فيه شديد الشفقة عليه حريص على جلب النفع إليه فإذا امتلأ قلب الغبي الجاهل خوفاً مما وصف له حينئذ أعرض عن ربه وأقبل ذلك الدجال بقلبه وقالبه والتجأ إليه وعول عليه دون الله عز وجل وقال له: فما المخرج مما وصفت؟ وما الحيلة في دفعه؟ كأنما بيده الضر والنفع، فعند ذلك يتحقق فيه أمله ويعظم طمعه فيما عسى أن يبذله له فيقول له إنك إن أعطيتني كذا وكذا كتبت لك من ذلك حجابا طوله كذا وعرضه كذا ويصف له ويزخرف له في القول وهذا الحجاب علقه من كذا وكذا من الأمراض، أترى هذا مع هذا الاعتقاد من الشرك الأصغر؟ لا بل هو تأله لغير الله وتوكل على غيره والتجاء إلى سواه وركون إلى أفعال المخلوقين وسلب لهم من دينهم، فهل قدر الشيطان على مثل هذه الحيل إلا بوساطة أخيه من شياطين الإنس {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون} [الأنبياء / 42] ، ثم إنَّه يكتب فيه مع طلاسمه الشيطانية شيئاً من القرآن ويعلقه على غير طهارة، ويحدث الحدث الأصغر والأكبر، وهو معه أبداً لا يقدسه عن شيء من الأشياء، تالله ما استهان بكتاب الله أحدٌ من أعدائه استهانة هؤلاء الزنادقة المدَّعين الإسلام به، والله ما نزل القرآن إلا لتلاوته والعمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والوقوف عند حدوده والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والإيمان به {كلٌّ من عند ربنا} وهؤلاء قد عطلوا ذلك كله ونبذوه وراء ظهورهم ولم يحفظوا إلا رسمه كي يتأكلوا به ويكتسبوا كسائر الأسباب التي يتوصلون بها إلى الحرام لا الحلال ولو أن ملكا أو أميرا كتب كتابا إلى من هو تحت ولايته أن افعل كذا واترك كذا وأمر من في جهتك بكذا وانههم عن كذا ونحو ذلك فأخذ ذلك الكتاب ولم يقرأه ولم يتدبر أمره ونهيه ولم يبلغه إلى غيره ممن أمر بتبليغه إليه بل أخذه وعلقه في عنقه أو عضده ولم يلتفت إلى شيء مما فيه البتة لعاقبه الملك على ذلك أشد العقوبة ولسامه سوء العذاب فكيف بتنزيل جبار السموات والأرض الذي له المثل الأعلى في السموات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وإن تكن مما سوى الوحيين فإنها شرك بغير مين، بل إنها قسيمة الأزلام في البعد عن سيما أولي الإسلام.
وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعباد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك - إذ ليست من الأسباب المباحة والأدوية المعروفة بل اعتقدوا فيها اعتقادا محضا أنها تدفع كذا وكذا من الآلام لذاتها لخصوصية زعموا فيها كاعتقاد أهل الأوثان في أوثانهم بل إنها قسيمة أي شبيهة الأزلام التي كان يستصحبها أهل الجاهلية في جاهليتهم ويستقسمون بها إذا أرادوا أمرا وهي ثلاثة قداح مكتوب على إحداها افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل، فإن خرج في يده الذي فيه افعل مضى لأمره، أو الذي فيه لا تفعل ترك ذلك، أو الغفل أعاد استقسامه، وقد أبدلنا الله تعالى - وله الحمد - خيراً من ذلك صلاة الاستخارة ودعاءها.
والمقصود: أن هذه التمائم التي من غير القرآن والسنة شريكة للأزلام وشبيهة بها من حيث الاعتقاد الفاسد والمخالفة للشرع في البعد عن سيما أولي الإسلام - أي: عن زي أهل الإسلام - فإن أهل التوحيد الخالص من أبعد ما يكون عن هذا، والإيمان في قلوبهم أعظم من أن يدخل عليه مثل هذا، وهم أجل شأناً وأقوى يقيناً من أن يتوكلوا على غير الله أو يثقوا بغيره، وبالله التوفيق. " معارج القبول " (2 / 510 - 512) .
والقول بالمنع حتى ولو كانت التمائم من القرآن هو الذي عليه مشايخنا:
3. وقال علماء اللجنة الدائمة:
اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 212) .
4. وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاَّحين وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة، وبعضهم يعلق نعلاً عتيقة في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها، وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان، كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عمَّ وطمَّ بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل ولا أنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين.
" سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1 / 890) (492) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/923)
الاستعانة بالجن في معرفة المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6، وقال تعالى: " ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم " الأنعام 128، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون فإنهم لا يُؤمَنون، ولا يجوز تصديقهم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(1/924)
الذي يذبح للجن ليس بمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات إنسان وهو يذبح للجن، ومصر على ذلك هل يصلى عليه ويدعى له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يعتبر من المسلمين، ولا يقبر معهم؛ لأنه مشرك. وهكذا الذي يدعو الجن أو الأولياء أو أهل القبور، وينذر لهم والعياذ بالله.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 149.(1/925)
التحاكم إلى محكمة العدل الدولية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التحاكم إلى محكمة العدل الدولية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد دلت الأدلة الشرعية الصحيحة من الكتاب والسنة على أنه يجب على المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات، أو حكومات ودولاً: التحاكم فيما شجر بينهم من خصومات ونزاعات إلى شرع الله سبحانه، والرضوخ له والتسليم به. ومن هذه الأدلة الصريحة قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء /65 وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة /50 وقوله عز وجل: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء /59 وقوله سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى/10. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومنها يعلم أنه لا يجوز للمسلم التحاكم إلى القوانين الوضعية، أو الأعراف القبلية المخالفة للشرع.
كما أوجه نصيحتي الخالصة في هذه الكلمة إلى حكام الدول الإسلامية جميعاً بسبب ما وقع ويقع بينهم من النزاعات المتعددة بأن الطريق الوحيد الذي يجب اللجوء إليه لحل النزاعات بين دولهم في الممتلكات والحقوق والحدود السياسية وغيرها - هو تحكيم شرع الله، وذلك بتشكيل لجنة أو محكمة شرعية أعضاؤها من علماء الشرع المطهر ممن هم محل رضا الجميع: علماً وفهماً وعدلاً وورعاً، تنظر في حل النزاعات ثم تحكم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وليعلموا أن ما يقع من بعضهم من التحاكم إلى محكمة العدل الدولية وأمثالها من الهيئات غير الإسلامية هو تحاكم إلى غير شرع الله، ولا يجوز التقاضي إليها، أو تحكيمها بين المسلمين، فليحذروا ذلك وليتقوا الله ويخشوا عقابه الذي توعد به من يعرض عن شرعه، كما قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه /124 - 126 وقال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة /49- 50 والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، كلها تؤكد أن طاعة الله ورسوله سبب لسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، وأن معصية رسوله، والإعراض عن ذكر الله، والتولي عن حكمه سبب لضنك العيش وشقاء الحياة والعذاب في الآخرة. والله أسأل أن يهدي الجميع إلى الحق ويزقهم الاستقامة ويصلح أحوالهم ويعينهم على كل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وأن يمنح الجميع الرضا بحكم الله ورسوله إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله م/8-ص/5.(1/926)
لست حراً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول بعضهم عند مناصحته على معصية: أنا حر في تصرفاتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا خطأ، ونقول: لست حراً في معصية الله، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوى.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.(1/927)
الدعاء لله وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دعاء غير الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه وتعالى قريب من عباده يرى مكانهم ويعلم أحوالهم ويسمع كلامهم ويستجيب دعائهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم كما قال سبحانه: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) آل عمران/5.
والله وحده هو الذي خلقنا ورزقنا بيده الملك وهو على كل شيء قدير (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) المائدة/120.
والله وحده بيده الخير فإذا دعا إلى شيء في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فينبغي الامتثال لذلك والاستجابة له: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) الأنفال/24.
والله على كل شيء قدير يسمع دعاء عباده.. ويستجيب لهم في كل زمان ومكان على اختلاف حاجاتهم ولغاتهم كما قال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
وقد أمرنا الله عز وجل أن ندعوه سراً بخضوع وتذلل كما قال سبحانه: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) الأعراف/55.
والله سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير تسبح له السماوات والأرض وما فيهن كما قال سبحانه (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) الإسراء/44.
وقد وعد الله من استكبر عن عبادته ودعائه بنار جهنم فقال تعالى: (إن الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر/60.
ودعاء الله يكون بما شرعه الله ورسوله ومن ذلك دعاء الله بأسمائه الحسنى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف/180.
فنقول يا رحمن ارحمنا يا غفور اغفر لنا يا رزاق ارزقنا وهكذا.
وإذا دعا العبد فإما أن يعطيه الله ما سأل أو يصرف عنه سوءاً أعظم مما طلب.. أو يدخر له سؤاله في الآخرة ذلك أن الله أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال.. (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60.
وقد أمرنا الله بعبادته وحده.. وحذرنا من عبادة الشيطان فقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين - وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس/60 - 61.
ودعوة غير الله في قضاء الحاجات وتفريج الكربات وشفاء الأمراض لوث عقلي سببه عمى البصيرة.. (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) الأنعام/71.
وإن دعاء من لا ينفع ولا يضر ولا يأمر ولا ينهي ولا يسمع ولا يستجيب , من الأنبياء والرسل أو الجن والملائكة..أو الكواكب والنجوم أو الأشجار والأحجار أو الأموات..كل ذلك ظلم عظيم، وضلال عن الصراط المستقيم , وشرك بالله العظيم (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) يونس/106.
وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) الأحقاف/5.
ودعاء غير الله شرك والشرك ذنب عظيم بل هو أعظم الذنوب وكل ذنب يغفره الله لمن يشاء إلا الشرك كما قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء/48.
ويوم القيامة يجمع الله المشركين وكل من عبدوه من دون الله فيتبرأ المعبودون من دون الله ممن عبدهم , ويكفرون بشركهم كما قال سبحانه: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير، يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر/13-15.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/928)
الحكم الشرعي في المغنين الذين يلحنون آيات من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت جريدة النخبة الخليجية في عدديها (128) و (133) عن مجموعة من الفنانين أنهم يفتتحون الأغنية بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن، وهذا الأمر أصبح مألوفاً لدى كثير من الفنانين والممثلين، فما حكم الإسلام فيمن لحن الآيات القرآنية وغنّاها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإنسان بفطرته التي ولد عليها يدرك عظيم هذا الفعل وكبير هذا الذنب وشناعة هذا الإجرام ولا يتجاوب مع هذه الممارسات الشيطانية سليم الفطرة نقي التوحيد.
فالمسلمون كلهم مجمعون على وجوب احترام كلام الله وتعظيمه وصيانته عن العيوب والنقائص.
فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام.
فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمته ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد، قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.....} سورة التوبة.
وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً.
وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، روى ذلك ابن جرير في تفسيره (10 / 172) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) .
وظاهر الآية أنهم كانوا من قبل مؤمنين فكفروا بالاستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن لم يظنوه كفراً.
ومن ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء أيات من القرآن فهؤلاء قد اتخذوا آيات القرآن الكريم للغناء والطرب واللعب وهذا من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته.
وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه. قال تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } سورة الطارق. فكل من اتخذ شيئاً من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزواً ولعباً وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى {وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) } سورة الجاثية. وقال {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) } سورة الجاثية.
قال القاضي عياض رحمه الله (شرح الشفاء (2 / 549) واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى {وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) } .
وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار (494) [وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرياء باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف ... ) .
واتخاذ آيات القرآن للغناء والعزف عليها بالموسيقى أشد كفراً وأكبر ذنباً من قراءَة القرآن على ضرب الدف.
وقال العلامة الشيخ البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتابه الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص 682) تحت باب حكم المرتد (أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته ... ) .
وقال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله في كتابه تبصرة الحكام (2 / 214) ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهذا كافر بإجماع أهل العلم)) .
والراضي بكفرهم واستخفافهم بكلام الله وكتابه كافر مثلهم قال تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } سورة النساء.
وحذار حذار من أمرين عظيمين:
الأول: عقوبة الله وانتقامه ممن استهزأ أو استخف بكلامه وقد جاء في صحيح البخاري (3617) من طريق عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال. كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لمّا هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمدٍ وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لمّا هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه)) . ورواه مسلم في صحيحه (2781) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار ... فذكره وفي آخره فتركوه منبوذاً.
الثاني: تمرير هذا الإجرام بدون عقوبة فالقرآن كلام الله له قدره ومكانته في قلوب المسلمين فالاستخفاف بحرمته والاستهزاء بشيء منه جرم كبير وذنب عظيم.
فحين يأتي أراذل البشرية في القرن العشرين ويستخفّون بحرمة كلام الله وصفة من صفاته ويجعلونه كسائر كلام البشر وسقط الناس ويتخذونه للغناء والطرب واللعب وَيَسْلَمون من العقوبة والردع وإقامة حكم الله فيهم، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة والطعن في الذات الإلهية وصفاته والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون.
وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب حاكماً أو أميراً بحق وبغيره ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين وبصفة من صفاته فهذا من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر.
وإني لأخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور بالحكومات العصرية إلى حد قول الشاعر:
يقاد للسجن من سب الزعيم ومن
سب الإله فإن الناس أحرار
وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد وتفلت الأمور وخروجها عن طورها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(1/929)
لا يجوز الحلف بالصلاة ولا بالذمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التذميم بقوله لأخيه بذمتك أو بصلاتك أو بقوله أنت بحرج إن فعلت كذا، فمثل هذه العادات منتشرة بين النساء والأطفال، نرجو التوجيه جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الحلف لا بالصلاة ولا بالذمة ولا بالحرج ولا بغير ذلك من المخلوقات، فالحلف يكون بالله وحده. فلا يقول: بذمتي ما فعلت كذا ولا بذمة فلان، ولا بحياة فلان، ولا بصلاتي، ولا أطالبه فأقول: قل بذمتي ولا بصلاتي، بزكاتي، كل هذا لا أصل له، لأن الصلاة فعل العباد، والزكاة فعل العباد، وأفعال العباد لا يحلف بها وإنما الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى أو بصفاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) متفق على صحته، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه وأخرجه الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا) فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذر من ذلك وألا يحلف إلا بالله وحده سبحانه وتعالى، فيقول: بالله ما فعلت كذا، والله ما فعلت كذا، إذا دعت الحاجة. والمشروع أن يحفظ يمينه، ولا يحلف إلا لحاجة، قال تعالى: (واحفظوا أيمانكم) المائدة/89، لكن إذا دعت الحاجة يحلف فيقول: والله ما فعلت كذا إذا كان صادقاً، والله ما ذهبت إلى فلان، تالله ما ذهبت إلى فلان، فإذا كان صادقاً فلا حرج عليه، لأن هذا حلف بالله سبحانه وتعالى عند الحاجة إلى ذلك. أما الحلف بالأمانة أو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالكعبة أو بحياة فلان أو بشرف فلان، أو بصلاتي أو بذمتي فلا يجوز كما تقدم للأحاديث السابقة.
أما إذا قال: في ذمتي، فهذا ليس بيمين، يعني هذا الشيء في ذمتي أمانة. أما إذا قال بذمتي أو بصلاتي أو بزكاتي أو بحياة والدي فهذا لا يجوز؛ لأنه حلف بغير الله سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/345.(1/930)
حكم من يحكم بغير ما أنزل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفارا وإذا قلنا إنهم مسلمون فماذا نقول عن قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز، ولو قال: إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله.
أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/416.(1/931)
التفاؤل والتشاؤم من طنين الأذن
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يتفاءل أو يتشاءم عند شعوره بصوت في إحدى أذنيه، أو إذا رفّ له جفن أو نحو ذلك. فهل لهذا أصل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أصل لهذا، والواجب على المسلم أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى والتشاؤم من الطيرة، وقد أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شرك، وإذا أحس الإنسان بشيء منها فليدفعه وليمض في شأنه ولا يتردد، قال صلى الله عليه وسلم: " الطيرة ما أمضاك أو ردك " وعلى المسلم أن يدعوا بهذا الدعاء: " اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك " وأما الفأل فإنه طيب، وكان الفأل يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، والفأل حسن ظن بالله عز وجل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
من مجلة الدعوة العدد 1809 ص 58.(1/932)
الغناء بالقرآن ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جعل آية من القرآن مطلع بيت من الشعر وكذلك عن حكم غناء آية منه بالموسيقى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التضمين لا يجوز، والغناء بالآية أشد حرمة، وهذا من الاستهزاء بالقرآن، وهو ردة عن دين الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في مجلة الحسبة العدد 35 ص 14.(1/933)
حكم الاستهزاء بالحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يستهزئ بمن ترتدي الحجاب الشرعي وتغطي وجهها وكفيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من يستهزئ بالمسلم أو المسلمة من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجاباً شرعياً أم غيره لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة وهو يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) التوبة/65،66، فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 813(1/934)
حكم التبرك بالصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التبرك بالصالحين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبرك بالصالحين ينقسم إلى قسمين:
أولاً: أن يتبرك بدعائهم بأن يسألهم أن يدعوا له وهذا جائز.. بشرط أن يعرف صلاحهم وتقواهم وان لا يفتتنوا هم بذلك.
ثانياً: التبرك بآثارهم.. كثيابهم وأغراضهم ... الخ وهذا لا يجوز ومن البدعة وما يجب النهي عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.(1/935)
حكم بناء المساجد على القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقول إنه لا مانع من بناء المساجد على القبور استنادا لقوله تعالى: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ً) (الكهف: 21) فهل قولهم هذا صحيح؟ وماذا يكون الجواب عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشييد المساجد على قبور الأنبياء والصالحين وآثارهم مما جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بالمنع منه والتحذير عنه، ولعن من فعله؛ لكونه من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين، والواقع شاهد بصحة ما جاءت به الشريعة، ودليل على أنها من عند الله عزوجل، وبرهان ساطع وحجة قاطعة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله وبلغه الأمة، وكل من تأمل أحوال العالم الإسلامي وما حصل فيه من الشرك والغلو بسبب إشادة المساجد على الأضرحة وتعظيمها وفرشها وتجميلها واتخاذ السدنة لها علم يقينا أنها من وسائل الشرك، وأن من محاسن الشريعة الإسلامية المنع منها والتحذير من إشادتها. ومما ورد في ذلك ما رواه الشيخان البخاري (1330) ومسلم (529) رحمة الله عليهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة: يحذِّر ما صنعوا. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ".
في الصحيحين أيضا أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال صلى الله عليه وسلم: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ". (خ/ 427، م/ 528)
وفي صحيح مسلم (532) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد نص الأئمة من علماء المسلمين من جميع المذاهب الأربعة وغيرهم على النهي عن اتخاذ المساجد على القبور وحذروا من ذلك. عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصحا للأمة وتحذيرا لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى وأشباههم من ضلال هذه الأمة.
وقد تعلق بعض الناس في هذا الباب بقوله عز وجل في قصة أهل الكهف: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) الكهف/21
والجواب عن ذلك أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى أخبر عن الرؤساء وأهل السيطرة في ذلك الزمان أنهم قالوا هذه المقالة، وليس ذلك على سبيل الرضا والتقرير لهم وإنما هو على سبيل الذم والعيب والتنفير من صنيعهم، ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزلت عليه هذه الآية وهو أعلم الناس بتأويلها قد نهى أمته عن اتخاذ المساجد على القبور، وحذرهم من ذلك ولعن وذم من فعله.
ولو كان ذلك جائزا لما شدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك التشديد العظيم وبالغ في ذلك حتى لعن من فعله، وأخبر أنه من شرار الخلق عند الله عز وجل، وهذا فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولو فرضنا أن اتخاذ المساجد على القبور جائز لمن قبلنا لم يجز لنا التأسي بهم في ذلك؛ لأن شريعتنا ناسخة للشرائع قبلها ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل وشريعته كاملة عامة وقد نهانا عن اتخاذ المساجد على القبور، فلم تجز لنا مخالفته، ووجب علينا اتباعه والتمسك بما جاء به وترك ما خالف ذلك من الشرائع القديمة، والعادات المستحسنة عند من فعلها؛ لأنه لا أكمل من شرع الله ولا هدي أحسن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للثبات على دينه والتمسك بشريعة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأعمال، والظاهر والباطن، وفي سائر الشئون حتى نلقى الله عز وجل وإنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. ا. هـ.
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (1 / 434)
لمعرفة حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور يراجع السؤال رقم (26324) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح لمنجد(1/936)
كفر من يحكم بغير ما أنزل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي:
ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) آية 49
ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل: (ولا تتبع أهواءهم) آية 49
ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) آية 49
ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل: (أفحكم الجاهلية يبغون) آية 50
ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ: (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) آية 50
ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) آية 44 وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) آية 45 وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) آية 47
ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) آية 42
فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها:
1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى: فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له، من نازعه في شيء منه، فهو مشرك، لقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} .
2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} حيث قال: (من جحد ما أنزل الله فقد كفر) .
3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} .
4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت، قال ـ عز وجل ـ: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} .
5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب، وأنه مخيّر فيه، فهذا كفر مناقض للإيمان. فأنزل الله عز وجل ـ: {يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله تعالى: {إن أوتيتم هذا فخذوه} [سورة المائدة الآية: 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه، فأنزل الله تعالى ـ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} .
6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة. وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى. ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع: الإعراض، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً} .
7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه: وهو أعظمها، وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً، وإمداداً، وإرصاداً، وتأصيلاً، وتفريعاً، وتشكيلاً، وتنويعاً، وحكماً، وإلزاماً، ومراجع مستمدات.
ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر:
(1) من شرّع غير ما أنزل الله
(2) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله
(3) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا
(4) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت
(5) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الل ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه
(6) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله
وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي:
1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي.
2- إلغاء المحاكم الشرعية
3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره.
4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث
5- إنشاء محاكم غير شرعية.
6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء
7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى
8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني
9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية.
وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة؟
فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية.
أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/937)
حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الناس يقولون: الشفاعة يا محمد. فهل هذا القول شرك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الأموات لا يجوز، وهو شرك أكبر عند أهل العلم؛ لأنه لا يملك شيئاً بعدما مات عليه الصلاة والسلام، والله يقول: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) الزمر/44.
فالشفاعة ملكه سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات لا يملكون التصرف بعد الموت في شفاعة ولا في دعاء ولا في غير ذلك، الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: (صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وإنما جاء أنها تعرض عليه الصلاة والسلام ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولهذا قال: (صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) .
وأما حديث إنه تعرض عليه الأعمال فما وجد فيها من خير حمد الله وما وجد فيها من شر استغفر لنا فهذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم يكن فيه دلالة على أننا نطلب منه الشفاعة.
فالحاصل أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الأموات أمر لا يجوز، وهو على القاعدة الشرعية من الشرك الأكبر؛ لأنه طلب من الميت شيئاً لا يقدر عليه، كما لو طلب منه شفاء المريض، أو النصر على الأعداء أو غوث المكروبين أو ما أشبه ذلك، فكل هذا من أنواع الشرك الأكبر، ولا فرق بين طلب هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من الشيخ عبد القادر، أو من فلان أو فلان، أو من البدوي أو من الحسين أو غير ذلك؛ طلب هذا من الموتى أمر لا يجوز، وهو من أقسام الشرك.
وإنما الميت يترحم عليه إذا كان مسلماً، ويدعى له بالمغفرة والرحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه مسلم يصلي عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويدعو له، أما أن يطلبه المدد أو الشفاعة أو النصر على الأعداء كل هذا لا يجوز، وهذا من عمل أهل الجاهلية ومن عمل أهل الشرك، فيجب على المسلم أن ينتبه لهذا وأن يحذر مثل هذا" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/392) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(1/938)
إلحاق أهل المؤمن به في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيُلحق بالناس الذين يدخلون الجنة من يحبونهم ممن دخل النار؟ هل من الممكن إخراج المحبوبين من النار، حيث أن جميع مطالب أهل الجنة تلبى (إذا اعتبرنا أنهم يعلمون مصيرهم) ؟
هل يمكن أن نُجمع بمن نحب في هذه الدنيا ممن هم من غير المحارم بالنسبة لنا؟ وهذا يشمل أولئك الذين أحببناهم ولم نتمكن من التزوج بهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: قولك " هل هذا يشمل الذين أحببناهم ولم نتمكن من الزواج بهم؟ "
الجواب: لا يجوز للمسلم إقامة علاقات مع النساء الأجنبيات عنه وكذلك لا يجوز للمسلمة أن تقيم علاقة مع الرجل ولا أن تعلق قلبها به إلا لزوجها يُراجع سؤال رقم (9465) و (5445) و (1200)
ثانياً: قولك: " هل سيُلحق بالناس الذين يدخلون الجنة من يحبونهم ممن يدخل النار؟ "
الجواب:
نعم يُلحق بأهل الجنة من يحبونهم من أهل النار إن كانوا من أهل التوحيد، وذلك بأن يشفعوا لهم أن يُخرجوا من النار ويُدخلوا الجنة والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب التوحيد رقم (7440) : " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ ... يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... " الحديث، أما من كان من أهل الشرك فلا تنفعه الشفاعة، قال الله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " سورة النساء
واعلم بأن الشفاعة قسمان:
"القسم الأول: الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أنواع، وأعظمها:
الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه، في قوله تعالى: " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " سورة الإسراء.
وهذه الشفاعة هي أن يشفع لأهل الموقف يوم القيامة أن يخفف عنهم ما أصابهم من الكرب.
القسم الثاني: الشفاعة العامة للرسول صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين، وهي أنواع:
النوع الأول: الشفاعة فيمن استحق النار أن لايدخلها، وهذه قد يستدل عليها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (2/655)
النوع الثني: الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها..فعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ " رواه مسلم (269) .
النوع الثالث: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم من بعض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمه: " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه ". والدعاء شفاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لايشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه "
المرجع القول المفيد ج1 ص332.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/939)
الشفاعة في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشفاعة؟ وهل لها أنواع؟ وهل كل الناس سيشفعون أم الأنبياء فقط؟ وهل هناك أناس لا تقبل شفاعتهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عندما يشتد البلاء بالناس في الموقف العظيم ويطول عليهم زمن وقوفهم مع ما يعانونه من الحر والأهوال والكربات يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، ثم لا ينظر الله إليكم) السلسلة الصحيحة 2817، فيبحث العباد عن أصحاب المنازل العالية ليشفعوا لهم عند ربهم كي ينفس عنهم ما هم فيه من البلاء وليأتي سبحانه لفصل القضاء بين العباد، فيأتون آدم فيعتذر، فيأتون نوحاً فيعتذر، فيأتون إبراهيم فيعتذر، فيأتون موسى فيعتذر، فيأتون عيسى فيعتذر، فيأتون نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها. فيشفع في أهل الموقف لفصل القضاء وذلك من المقام المحمود الذي وعده الله إياه في قوله: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء/79.
وإليك سياق حديث الشفاعة الطويل، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ) فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهْ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهْ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا، قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ: (ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) رواه البخاري (7510) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام. . . ثم ذكر الحديث إلى قوله: فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) رواه البخاري 4712.
فهذه هي الشفاعة العظمى في أرض الموقف وهي شفاعة لفصل القضاء، والشفاعة يوم القيامة على قسمين:
1- شفاعة مقبولة أو مثبتة وهي ما أثبتته النصوص الشرعية وسيأتي تفصيلها.
2- شفاعة مردودة أو منفية وهي الشفاعة المنفية في نصوص الكتاب والسنة وسيأتي ذكرها.
فالشفاعة المقبولة أنواع:
1- الشفاعة العظمى وهي المقام المحمود الذي يرغب فيه الأولون والآخرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم عند ربهم كي يخلصهم من هول المحشر وسبق بيانها.
2- الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين الذين دخلوا النار أن يخرجوا منها. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) صحيح سنن الترمذي 1983.
3- شفاعة الرسول في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة وفي آخرين أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.
4- الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب.
5- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب، فيخفف عنه عذاب النار. وهي خاصة منه صلى الله عليه وسلم وخاصة في عمه أبي طالب.
6- شفاعة النبي للإذن للمؤمنين بدخول الجنة.
والشفاعة لأرباب الذنوب والمعاصي ليست خاصة بالنبي بل يشاركه فيها الأنبياء والشهداء والعلماء والصلحاء والملائكة، وقد يشفع للمرء عمله الصالح لكن للنبي صلى الله عليه وسلم من أمر الشفاعة النصيب الأوفر.
وإليك هذا الحديث من أحاديث الشفاعة والدال على عموم الشفاعة في الأنبياء وغيرهم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال َ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ . . . فذكر الحديث، حتى ذكر مرور المؤمنين على الصرط وشفاعتهم في إخوانهم الذين دخلوا النار: (يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) رواه البخاري 7440.
والشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا إذا توفرت ثلاثة شروط، دل عليها قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . وقوله: (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) . وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) . وقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ) . وهي:
1- إذن الله سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع.
2- ورضاه سبحانه عن الشافع.
3- ورضاه عن المشفوع فيه.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس لا تقبل شفاعتهم يوم القيامة، منهم الذين يكثرون اللعن. روى مسلم (2598) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أما الشفاعة المردودة المنفية:
فهي ما انتفى فيه شرط الشفاعة المقبولة من الإذن أو الرضى، كالشفاعة التي يعتقدها أهل الشرك في معبوداتهم وآلهتهم فإنهم ما عبدوهم إلا لاعتقادهم أنها تشفع لهم عند الله وأنها واسطة بينهم وبينه سبحانه قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) فبين الله أن هذه الشفاعة غير حاصلة ولا واقعة وهي غير مجدية ولا نافعة يقول تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) ويقول: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ويقول: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .
ولذا فإن الله تعالى لا يقبل شفاعة خليله إبراهيم في أبيه آزر المشرك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيم ُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ) رواه البخاري 3350.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/940)
الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة.
قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك.
أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: مسألة الصلاة على القبور..
الصلاة على القبور على قسمين:
القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116.
القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل:
1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه.
دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) .
2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392
3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة.
الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) .
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) .
ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار.
4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -.
صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز.
الدليل على التحريم:
1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد.
2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به.
تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم
انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع.
ثانياً: مسألة الشفاعة ...
قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) .
ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط:
الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع.
الثاني: رضى الله عن المشفوع له.
والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28.
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1.
إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/941)
أنواع الشفاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع من يقول بأن الشفاعة ملك لله وحده لا تطلب إلا منه، وآخرين يقولون إن الله أعطى الشفاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأوليائه الصالحين فيصح أن نطلبها منهم، فما هو الصواب من ذلك مع ذكر ما تستند إليه من الأدلة الشرعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فالشفاعة هي التوسط للغير في جلب المنفعة أو دفع المضرة.
وهي قسمان:
القسم الأول: الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـ.
القسم الثاني: الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا.
فأما الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان:
النوع الأول: الشفاعة الخاصة، وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام:
أولها: الشفاعة العظمى ـ وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه، في قوله تعالى: " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " سورة الإسراء. وحقيقة هذه الشفاعة هي أن يشفع لجميع الخلق حين يؤخر الله الحساب فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيقولون: من يشفع لنا إلى ربنا حتى يفصل بين العباد، يتمنون التحول من هذا المكان، فيأتي الناس إلى الأنبياء فيقول كل واحد منهم: لست لها، حتى إذا أتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيشفع لهم في فصل القضاء، فهذه الشفاعة العظمى، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث الدالة على هذه الشفاعة كثيرة في الصحيحين وغيرهما ومنها ما رواه البخاري في صحيحه (1748) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود".
ثانيها: الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم (333) .
وفي رواية له (332) " أنا أول شفيع في الجنة ".
ثالثها: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:
فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه" رواه البخاري (1408) ومسلم (360)
رابعها: شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب:
وهذا النوع ذكره بعض العلماء واستدل له بحديث أبي هريرة الطويل في الشفاعة وفيه: "ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ " رواه البخاري (4343) ومسلم (287) .
النوع الثاني: الشفاعة العامة، وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين وهي أقسام:
أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها. والأدلة على هذا القسم كثيرة جدا منها:
ما جاء في صحيح مسلم (269) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: " فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ... فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط".
ثانيها: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه) أخرجه مسلم (1577) فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.
ثالثها: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة،ومثال ذلك ما رواه مسلم رحمه الله (1528) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأبي سلمة فقال: " اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه"".
شروط هذه الشفاعة:
دلت الأدلة على أن الشفاعة في الآخرة لا تقع إلا بشروط هي:
1) رضا الله عن المشفوع له، لقول تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/ 28. وهذا يستلزم أن يكون المشفوع له من أهل التوحيد لأن الله لا يرضى عن المشركين. وفي صحيح البخاري (97) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِه "ِ
2) إذن الله للشافع أن يشفع لقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة/255.
3) رضا الله عن الشافع، لقوله تعالى: (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26.
كما بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن اللعانين لا يكونون شفعاء يوم القيامة كما روى مسلم في صحيحه (4703) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَة "ِ.
القسم الثاني: الشفاعة المتعلقة بالدنيا، وهي على نوعين:
الأول: ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به؛ فهذه جائزة بشرطين:
1) أن تكون في شيء مباح، فلا تصح الشفاعة في شيء يترتب عليه ضياع حقوق الخلق أو ظلمهم، كما لا تصح الشفاعة في تحصيل أمر محرم. كمن يشفع لأناس قد وجب عليهم الحد أن لا يقام عليهم، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائده/2.
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها " أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " رواه البخاري (3261) ومسلم (3196) .
وفي صحيح البخاري (5568) ومسلم (4761) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ" اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَب "َّ.
2) أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده،وأن يعلم أن هذا الشافع لا يعدو كونه سببا أَذِنَ الله به، وأن النفع والضر بيد الله وحده، وهذا المعنى واضح جدا في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا تخلف أحد هذين الشرطين صارت الشفاعة ممنوعة منهيا عنها.
الثاني: ما لا يكون في مقدور العبد، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور، أو من الحي الغائب معتقدا أن بمقدوره أن يسمع وأن يحقق له طلبه فهذه هي الشفاعة الشركية التي تواردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بنفيها وإبطالها لما في ذلك من وصفهم بصفات الخالق عز وجل، لأن من صفاته عز وجل أنه هو الحي الذي لا يموت.
وشبهة هؤلاء أنهم يقولون: إن الأولياء وإن السادة يشفعون لأقاربهم، ولمن دعاهم، ولمن والاهم، ولمن أحبهم، ولأجل ذلك يطلبون منهم الشفاعة، وهذا بعينه هو ما حكاه الله عن المشركين الأولين حين قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس/18، يعنون معبوداتهم من الملائكة، ومن الصالحين، وغيرهم، وأنها تشفع لهم عند الله. وكذلك المشركون المعاصرون الآن؛ يقولون: إن الأولياء يشفعون لنا، وإننا لا نجرؤ أن نطلب من الله بل نطلب منهم وهم يطلبون من الله، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين أعطاهم الله الشفاعة، ونحن ندعوهم ونقول: اشفعوا لنا كما أعطاكم الله الشفاعة. ويضربون مثلاً بملوك الدنيا فيقولون: إن ملوك الدنيا لا يوصل إليهم إلا بالشفاعة إذا أردت حاجة فإنك تتوسل بأوليائهم ومقربيهم من وزير وبواب وخادم وولد ونحوهم يشفعون لك حتى يقضي ذلك الملك حاجتك، فهكذا نحن مع الله تعالى نتوسل ونستشفع بأوليائه وبالسادة المقربين عنده، فوقعوا بهذا في شرك السابقين، وقاسوا الخالق بالمخلوق.
والله تعالى ذكر عن الرجل المؤمن في سورة يس قوله: (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً) (يس:23) ، وذكر الله تعالى أن الكفار اعترفوا على أنفسهم بقولهم: (قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر/43-48.
والنبي صلى الله عليه وسلم وإن أعطي الشفاعة يوم القيامة، إلا أنه لن يتمكن منها إلا بعد إذن الله تعالى، ورضاه عن المشفوع له.
ولهذا لم يدع صلى عليه وسلم أمته لطلب الشفاعة منه في الدنيا، ولا نقل ذلك عنه أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرا، لبلَّغه لأمته، ودعاهم إليه، ولسارع إلى تطبيقه أصحابه الحريصون على الخير، فعُلم أن طلب الشفاعة منه الآن منكر عظيم؛ لما فيه من دعاء غير الله، والإتيان بسبب يمنع الشفاعة، فإن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخلص التوحيد لله.
وأهل الموقف إنما يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم في فصل القضاء، لحضوره معهم، واستطاعته أن يتوجه إلى ربه بالسؤال، فهو من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر فيما يقدر عليه.
ولهذا لم يرد أن أحدا من أهل الموقف سيطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يشفع له في مغفرة ذنبه.
وهؤلاء الذين يطلبون منه الشفاعة الآن، بناء على جواز طلبها في الآخرة، لو ساغ لهم ما يدّعون، للزمهم الاقتصار على قولهم: يا رسول الله اشفع لنا في فصل القضاء!! ولكن اقع هؤلاء غير ذلك، فهم لا يقتصرون على طلب الشفاعة، وإنما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم -وغيره - تفريج الكربات، وإنزال الرحمات، ويفزعون إليه في الملمات، ويطلبونه في البر والبحر، والشدة والرخاء، معرضين عن قول الله (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله) النمل/62.
ومن خلال ما سبق يتضح لكل منصف أن الشفاعة المثبتة هي الشفاعة المتعلقة بإذن الله ورضاه،لأن الشفاعة كلها ملك له. ويدخل في ذلك ما أذن الله به من طلب الشفاعة في أمور الدنيا من المخلوق الحي القادر على ذلك، وينتبه هنا إلى أن هذا النوع إنما جاز لأن الله أذن به، وذلك لأنه ليس فيه تعلقٌ قلبيٌ بالمخلوق وإنما غاية الأمر أنه سبب كسائر الأسباب التي أذن الشرع باستخدامها. وأن الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، لأن غير الله لا يملك الشفاعة ولا يستطيعها حتى يأذن الله له بها، ويرضى. فمن طلبها من غيره فقد تعدى على مقام الله، وظلم نفسه، وعرضها للحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة، ونسأله أن يُشفِّع فينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.. آمين.
للاستزادة ينظر كتاب (الشفاعة عند أهل السنة والجماعة للشيخ / ناصر الجديع.) ، والقول المفيد للشيخ محمد ابن عثيمين (1 / 423) ، أعلام السنة المنشورة (144) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/942)
الأم المرتدة هل لها على أولادها حق الصلة والبِرّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي رجل مسلم، وأمي امرأة من " السيخ "، ولكنها أسلمت عندما تزوجت والدي، بعد أن أسلمت كانت تحافظ على الصلوات، وحضور المسجد والدروس، بشكل مستمر، ثم بعد ما يقارب 13 عاماً: لا أدري ما الذي حدث بينهما، فطلقها، فارتدت عن الإسلام، وعادت لديانتها السابقة – وللأسف -. حاولت معها جاهدة أن تعود إلى الإسلام لعلمي بالعقاب الأليم لمن يرتد عن الإسلام، ولكن دون جدوى، ولا أدري الآن كيف أتعامل معها، لأنها أمي، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها، ولكن كيف السبيل إلى الموازنة في العلاقة معها؟ وما هي النصيحة التي يمكن أن تسدوها لي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يردَّ أمك إلى الإسلام، وأن يُحسن لها خاتمتها.
ثانياً:
قولكِ "، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها ": غير صحيح! ولو أنها كانت كافرة أصلية: لكان لها عليك حقوق، ولكن بما أنها صارت مرتدَّة عن دين الله تعالى: فقد سقطت حقوقها الشرعية عليكِ وعلى أولادها المسلمين.
قال الشافعي - رحمه الله -:
ومَن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك، مِن بالغي الرجال والنساء: استتيب، فإن تاب قُبل منه، وإن لم يتب: قُتل، قال الله عز وجل: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) إلى (هم فيها خالدون) .
" الأم " (1 / 257) .
والمرتد ليس له حرمة في الشرع؛ لأنه لا يقرُّ على ردته، فإما أن يرجع إلى الإسلام فتكون له أحكام المسلمين، أو يصرَّ على كفره فيُقتل، ولذا لا تحل ذبيحته، ولا يجوز التزوج من مرتدة، وليس للمرتد حق الصلة والبر والإحسان؛ بل يُهجر ويقاطَع، إلا من أجل الدعوة والنصيحة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ما حكم الشرع في نظركم في ترك أهلي ومقاطعتهم بسبب معاصيهم وتركهم للصلاة وللواجبات؟.
فأجاب:
لا شك أن الأهل والأقارب لهم حق على الإنسان، حتى وإن كانوا كافرين؛ لقول الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ، ولكن هؤلاء الأهل الذين لا يصلُّون يعتبرون مرتدين عن الإسلام؛ لأن مَن لا يصلي: كافر، كما دل على ذلك كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، بل حكاه بعض العلماء إجماعاً، فإذا كانوا تاركين للصلاة: فهم مرتدون عن دين الإسلام، ولا يجوز للإنسان أن يخالطهم، اللهم إلا على سبيل النصيحة، أن يذهب إليهم وينصحهم ويبيِّن لهم ما في هذه الردة من الخزي والعار في الدنيا والآخرة لعلهم يرجعون، فإن أصروا على ذلك: فلا حقَّ لهم، ويجب هجرهم، ومقاطعتهم، ولكني أسأل الله عز وجل أن يرد هؤلاء، وغيرهم، ممن ابتلوا بهذه البلية العظيمة أن يردَّهم إلى الإسلام حتى يقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلوات وغيرها.
وليُعلم أن المرتد أعظم جُرماً وإثماً من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقرُّ على دينه الذي هو عليه وإن كان باطلاً، أما المرتد: فإنه لا يقر على دينه، بل يؤمر بالرجوع إلى الإسلام، والقيام بما تركُه كفر، فإن لم يفعل فإنه يجب أن يُقتل ... .
فتاوى نور على الدرب (شريط 161، وجه ب) .
والوصية لك: بعدم اليأس من هداية والدتك، والاستمرار في دعوتها، بالحسنى، مع مداومة الدعاء لها، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة، واعلمي أنه لا حقَّ لها عليكِ ما دامت مرتدة.
وانظري جواب السؤال رقم (95588) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/943)
حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامناً مع مرضى السرطان؛ تقليداً لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهاً بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 317) .
وقال حفظه الله أيضاً – في بيان مظاهر موالاة الكفار -:
الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين.
ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
ثانياً:
أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم".
" من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص 7) .
فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية.
ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم , كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) .
وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامناً مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ.
ثالثاً:
أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية:
أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع.
ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعماً لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى.
ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم.
والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيراً لأنفسهم، ولغيرهم.
وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقاً لمقصود التبرع.
ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم
(12729) .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (2756) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/944)
مسلمة عمرها 12 عاماً والدها ملحد وأمها نصرانية يسبَّان ربها ونبيَّها فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، وأعيش مع أب ملحد، وأم مسيحية، وقد اعتنقتُ الإسلام مؤخراً، إن والداي لم يرحبا باعتناقي الإسلام، والأسوأ من ذلك: أنهما منعاني من قراءة القرآن، ودخول المواقع الإسلامية، وإخبار الناس بإسلامي، ومقابلة المسلمين - سواء على النت، أو في الواقع -، ومنعوني ارتداء ثياب متواضعة، وأشياء أخرى كثيرة، والسبب: " فوبيا الإسلام " الغبية، وغير العقلانية، لقد حاولت أن أريهم كيف هو الإسلام في الحقيقة، ولكن ما من شيء أقوله، أو أفعله يغيِّر من رأيهم. في الواقع: إنهما يحاولان الآن أن يرياني كيف يحتقران الإسلام في كل كلمة، وكل فعل، من إلقاء النكات الغبية عن الإرهاب، وحتى سب الله والرسول صلى الله عليه وسلم بأقذع الألفاظ. إن المشكلة تزداد سوءاً؛ لأنه نظراً لأنني ما زلت صغيرة: فأنا لا استطيع القيام بأي شيء دون مساعدة والديَّ، فعلى سبيل المثال: لا تباع هنا الملابس الإسلامية؛ نظراً لوجود قلة من المسلمين، ومن ثم أضطر إلى شراء الحجاب من الإنترنت، وأحتاج إلى بطاقات الائتمان الخاصة بهما من أجل إتمام عملية الشراء، كما أنني أدرس في مدرسة مسيحية! وأحتاج إليهما لتغييرها، حيث إنني لا أستطيع القيام بذلك بنفسي، كما أنهما لا يتركاني أغادر البيت بمفردي، لذا فأنا أحتاج إليهما لكي يقوما بتوصيلي إلى المسجد، وهكذا، لذا فإن عدم موافقتهما تعني أيضاً عدم قدرتي على إتباع الدين بالكامل. كما أنهما يجبرانني على القيام بأشياء تخالف الإسلام، مثل: الذهاب إلى الكنيسة، والرقص، وارتداء ملابس تجعل ذراعي، وساقي، وشعري: عاريا جزئيّاً، أو تماماً. إنني قلقة بهذا الشأن، فالقرآن يأمرنا بطاعة الوالدين، واحترامهما، والإحسان إليهما، ولكنه لا يبدي أي تهاون عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإسلام، وأنا لا أعلم ماذا أفعل، فإذا أطعت والديَّ: فسأقوم بالكثير من الأشياء التي تخالف الإسلام، وإذا قمت باحترامهما: فإنني بذلك أحترم من لا يحترمونني كمسلمة، وسأدعهما يقولان تلك الأشياء الرهيبة عن الإسلام، ولكني إذا لم أطعهما وأحترمهما فإنني بذلك أسلك مسلكا رهيباً من وجهة نظر الإسلام، وأنا أعتقد أن كِلا الفعلين خطأ، فما الذي يجب عليَّ فعله؟ . وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. نحن في غاية الفرح أن وصلتنا رسالتك، وفيها البشارة بدخولك في الإسلام، ونعتقد أن فرحتك بالانتساب لهذا الإسلام هي فرحة العمر؛ فإن أجل نعم الله على عبد من عبيده: أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، فنسأل الله أن يتم عليك نعمة الإيمان والعافية، وأن يثبتك على ذلك إلى يوم لقاء رب العالمين.
2. وأفرحنا جدّاً حبُّكِ للإسلام، ورغبتك بالتمسك بشرائعه، ونرى أن هذا من فضل الله تعالى عليكِ، حيث إننا نشعر أنك قد تذوقت حلاوة الإيمان، في الوقت الذي حرم منها كثيرون ممن ينتسب إلى الإسلام في الاسم والصورة.
3. وآلمنا جدّاً ما عليه والداك من الكفر بالله تعالى، وآلمنا أكثر: سبُّهم لله تعالى، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن الرب تعالى هو ربُّهم، وخالقهم، ورازقهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، الذي أخذ الله ميثاقه على كل نبي ـ وعلى أتباعه من باب أولى ـ أن يكون تابعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذا بعث محمد وهو حي. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران/81-83.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من سمع به، ولم يتبعه، ولم يؤمن به: فقد حرم الله عليه الجنة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. "شرح مسلم". 4. إننا نقدر جدا صعوبة الظرف الذي أنت فيه، ونسأل الله جل جلاله، أن ييسر لك أمرك، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا مما أنت فيه؛ لكن الأمر ـ رغم صعوبته ـ ليس لغزا محيرا؛ فأنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ مأمورة بطاعة الله جل جلاله فيما فرض عليك؛ فتفعلي ما أمرك به من العبادات، وتتركي ما نهاك عنه من المحرمات، وهذا فقط هو سبيل الهداية، قال الله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور/54.
وإذا كنت مأمورة بالإحسان إلى والديك وحسن صحبتهما، وإن كانا كافرين، فليس معنى ذلك أن تعصي ربك إرضاء لهما، أو أن تقدمي طاعتهما على طاعة الله تعالى، بل طاعة الله وطاعة رسوله مقدمة على كل شيء، وعلى طاعة كل أحد. قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت /8.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان ... ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أي: وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليَّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا؛ فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب، أي: حبا دينيا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/264-265) .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني.
وبناء على ذلك: فحين يتعارض أمر والديك لك بأي شيء، مع أمر الله ورسوله لك: فلا تطيعي أبويك، بل قدمي طاعة الله ورسوله، وليس ها هنا شيء من الخطأ.
لكن ذلك لا يعني سقوط كل حق لوالديك عليك، بل أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، ومعاملتهما معاملة طيبة، رغم ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
ونعتقد أن ما قدمناه لك من بيان الموقف الشرعي من هذه المشكلة، هو حل كاف لها، من الناحية النظرية على الأقل.
5. لكن تبقى بعد ذلك الناحية العملية، وهي الجانب الأصعب في مشكلتك، نظرا لظروفك المحيطة بك، وصغر سنك الذي لا يمكنك من الاستقلال بنفسك، وتطبيق ما ترينه صحيحا؛ فاعلمي – أختنا – أن الله تعالى لا يكلفك فوق ما تستطيعين وتقدرين، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ من الآية 286، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ من الآية 7، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ من الآية 16، وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
6. وحينئذ؛ فالواجب عليك أن تجتهدي في عمل كل ما تسطيعينه من الواجبات الشرعية، وترك كل ما تقدرين على تركه من المحرمات، وأن تبادري إلى ذلك بقدر إمكانك؛ فإن منعوك من الصلاة أمامهم: فصلي من ورائهم، وإن منعوك من ارتداء الحجاب الكامل، أو لم تتمكني من الحصول على الملابس الإسلامية: فاجعلي ملابسك أقرب ما يمكنك إلى الملابس الإسلامي، ولو أن تتعلمي أنت أن تصنعي لنفسك شيئا من ذلك، أو قريبا منه. وإذا طلبوا منك أن تذهبي للكنيسة: فتعللي بأي شيء، وتهربي من ذلك قدر الإمكان، واخترعي الأعذار التي تعفيك من ذلك، وليس كل النصارى في الغرب، ولا في الشرق، يذهبون إلى الكنيسة، بل الأقل منهم من يفعلون ذلك.
وهكذا: حاولي أن تتهربي من حفلات الرقص والغناء، وما يأمرانك به مما فيه معصية، بأي عذر تخترعينه لذلك، فإن أجبرت على حضور الحفل، فاهربي من ممارسة الرقص، خاصة إذا كان مع الرجال، أو في حضورهم، وأظهري المرض، أو نحو ذلك مما يعفيك منه.
وما يجبرانك عليه من محرمات فافعلي منها الحد الأدنى، فاجعلي اللباس أستر ما يكون، ولا تسهري في مناسبتهم الحفلة كاملة، وهكذا في سائر المحرمات.
وبصفة عامة: اجتهدي في أن تفعلي ما تستطيعينه من شعائر الإسلام، وأن تتركي ما تقدرين على تركه، فإن أكرهوك على شيء من ذلك، فاجعلي تصرفاتك من الخارج فقط، واجعلي قلبك دائم الصلة بالله، والذكر له، إلى أن ييسر الله لك فرجا مما أنت فيه، وأبشري فإن الفرج قريب، وإن مع العسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق/2-3.
7. وننصحك بالتواصل مع الأخوات المسلمات، سواء بالمواجهة، أو عن طريق الإنترنت، وكما ننصحك بالتواصل مع المواقع الإسلامية النافعة لك في دينك، والتي تستفيدين منها لتقوية إيمانك، وتزدادين بها علماً، وإذا أمكنك التواصل مع أحد المراكز الإسلامية القريبة منك: فسوف يكون في ذلك خير كثير، إن شاء الله، ولعلهم ـ بحكم خبرتهم بالمكان، وتعرضهم لكثير من هذه المشكلات ـ أن يكون عندهم من الحلول والمساعدات العملية أكثر مما اقترحناه عليك.
8. واعلمي – أختنا – أن من سبقك بالإسلام قد عاش طائفة منهم في ظروف قاسية، حيث تعذيب الأبوين، وضربهم، ومنعهم من حقوقهم الإنسانية، وقد صبروا على ما أوذوا، واحتملوا ما أصابهم في سبيل الله، حتى جاءهم نصر الله، فنجاهم الله مما كانوا فيه، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل، وكانوا من الفائزين، فلا تيأسي مما أصابك، ولا تحزني على حالك، فأنت في رعاية الله، وتحت سمعه وبصره، واثبتي على ما أنتِ عليه من الهدى والحق، كما صبر من قبلك، واعلمي أن هذا اختبار من الله تعالى ليرى صدق إيمانك، فيجازيك عليه خير الجزاء، في الدنيا، والآخرة، وعسى الله أن يجعل نصره وتأييده لك عاجلاً غير آجل.
9. والداك بحاجة لك لإنقاذهما من نار جهنم، ومن سخط الله، فنوصيك بإظهار خير صورة للمسلمة المستقيمة، بحسن التصرف معهما، وبرهما، والتلطف في مخاطبتهما، والعناية بطعامهما وشرابهما، والقيام على خدمتهما، فلعلهما أن يراجعا نفسيهما، ويخففا عنك الضغط، أو يتركانه، كما نوصيك بصدق الدعاء والطلب من الله أن يهديهما للإسلام، وأن يميتهما على الإيمان، وما ذلك على الله بعزيز، واسمعي لهذه القصة:
روى مسلم (2491) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً.
10. ولا ننصحك بالهرب من البيت، والخروج منه؛ فإن مفاسد ذلك أكثر من بقائك فيه، وإن من قد يؤويك فإنه يعرِّض نفسك لأقسى العقوبات في قوانين بلادكم الجائرة، فليس أمامنا من نصح لك إلا الصبر، وقطع التفكير في الهروب من البيت.
ونسأل الله العلي القدير أن يثبتك على الهدى والرشاد، وأن يعافيك في دينك وبدنك، وأن يهدي أبويك للإسلام، وأن يقر عينيك بهما مؤمنين صالحين، في الدنيا، والآخرة.
ونرجو منك أن تبقي على تواصل معنا، ونحن أهلك، وإخوانك، ولعل الله أن يرزقك من دعوات إخوانك الذي يطالعون قصتك: ما ينفعك الله به، ويفرج عنك كربك ببركته.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/945)
هل يجوز للمسلم أن يهدي صليباً لنصراني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يشتري صليباً لشخص مسيحي كهدية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز اقتناء الصليب ولا صنعه ولا بيعه ولا شراؤه ولا إهداؤه؛ لما يرمز إليه ويدل عليه من معالم الكفر بالله العظيم.
فالنصارى يعظمون الصليب، بل ويعبدونه، وهذا مبني على اعتقادهم بصلب المسيح عليه السلام.
ونحن نعتقد أن المسيح عليه السلام رفعه الله حياً إلى السماء، ونجاه من أعدائه، قال الله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/157.
ولهذا، إذا نزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان سيكسر الصليب ويقتل الخنزير. رواه البخاري (3447) ومسلم (155) .
وذلك ليبطل قصة الصلب التي يؤمن بها النصارى، ويبطل أيضاً تعظيمهم للصليب.
ويقتل الخنزير ليبطل أيضاً ما هم عليه من استحلالهم لهذا الحيوان القذر.
وإهداء الصليب للنصارى أو بيعه لهم يدل على الرضا بعبادتهم له، وإعانة لهم على عبادة غير الله، وذلك خطر على دين المسلم.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن خياط خاط للنصارى سير حرير فيه صليب ذهب فهل عليه إثم في خياطته؟ وهل تكون أجرته حلالا أم لا؟
فقال: "إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما. . . ثم قال: والصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها. كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) وثبت أنه لعن المصورين. وصانع الصليب ملعون لعنه الله ورسوله ... إلخ" انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (115038) .
وقد روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) .
والمقصود بالتصاليب في الحديث: صور الصليب.
والنقض: إزالة الصورة مع بقاء الثوب على حاله.
انظر: "فتح الباري" (10/385) .
فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إزالة كل ما فيه تصاليب، حمايةً لجانب التوحيد، وبعداً عن مشابهة غير المسلمين.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"صنع الصليب حرام، سواء كان مجسماً، أم نقشاً، أم رسماً، أو غير ذلك، على جدار، أو فرش، أو غير ذلك، ولا يجوز إدخاله مسجداً، ولا بيوتاً، ولا دور تعليم: من مدارس، ومعاهد، ونحو ذلك. ولا يجوز الإبقاء عليه، بل يجب القضاء عليه، وإزالته بما يذهب بمعالمه: من كسر، ومحو، وطمس، وغير ذلك. ولا يجوز بيعه، ولا الصلاة عليه" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/437) .
وعلى هذا، فلا شك في تحريم إهداء الصليب أو بيعه للنصارى، بل قد يصل ذلك بفاعله إلى الخروج من الإسلام، لما يتضمنه من مساعدتهم على الشرك بالله وإقرارهم عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/946)
لا يقال للكافر أو الفاسق: يا سيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقال للكافر: يا سيد. مثل أن يكتب بالفاتورة أو غيرها: السيد فلان وهو يعلم أنه كافر، أو أثناء الحديث معه بالإنجليزية مثلاً مستر فلان؟ وإذا كان لا يجوز أن يقال للكافر يا سيد؛ فما الدليل؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم، لا يقال للكافر: سيد، ولا للفاسق: سيد، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقولوا للمنافق سيدنا) فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا الشيء، فلا نبغي للمؤمن أن يقول للكافر ولا للفاسق سيداً، لأن هذا وصف عظيم لا يليق بالكافر والفاسق، والسيد هو الرئيس والكبير والفقيه ـ فلا ينبغي أن يقال للكافر بالله أو المعروف بالمعاصي الظاهرة لا يقال له سيد، بل يدعى باسمه المعروف: فلان، أو: أبي فلان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن أبي: (ما فعل أبو الحباب) .
فإن دعي بلقبه أو باسمه أو قيل فلان المدعو كذا وكذا فلا بأس ويكفي هذا، أما أن يقال السيد فلان، أو يأتي بما هو أعظم من ذلك، فلا يجوز لكونه فاسقاً معروفاً بالفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/300) .
وانظر جواب السؤال رقم (12625) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/947)
حكم مشاركة المسلم للنصراني أو غيره في التجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام أو تجارتها أو أي تجارة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"اشتراك مسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة في المواشي أو في الزراعة أو في أي شيء آخر، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك مولاة، وإنما تعاون في شيء من المال كالزراعة أو الماشية أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر لأنه لا يؤمن.
وهذا فيه تفصيل؛ فإن كانت هذه الشركة تجر إلى مولاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك.
ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين فيه خطر على خلقه ودينه وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر، حفظاً لدينه، وحفظاً لعرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم.
أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه أو عرضه أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه، فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة والأعمال فيها المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/294) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/948)
ما هي الأوصاف التي يُنادى بها على الكافر؟ وهل يجوز قول "أخي" و "سيدي"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب ندرس في جامعة في أمريكا , ونعمل برامج دعوية لغير المسلمين للدعوة إلى الله، بعض الأحيان نستعمل بعض الطرق التي لا ندري عن صحتها مثل: "البرامج المختلطة بين الرجال والنساء " بحكم العادات، والتقاليد هنا في أمريكا، وبعض الأحيان نستعمل ألفاظ مثل "سيدي"، أو "صديقي"، أو "أخي"، وكلمة "أخي" تعتبر دارجة بين أوساط الشباب. أفتونا - مأجورين - في حكمها، ونرجو أن ترشدونا في كيفية التعامل مع غير المسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الدراسة المختلطة بين الرجال والنساء فيها مفاسد كثيرة، ولها آثار سيئة على كلا الجنسين، فإذا كانت هذه الدراسة المختلطة في بلد غربي: ازداد الأمر سوءً، وعظمت المفاسد.
وفي حكم الدراسة المختلطة: ينظر جواب السؤال رقم: (110267) .
وفي حكم الإقامة في البلاد غير المسلمة وبيان شروط ذلك ينظر جواب السؤال رقم: (27211) .
وفي الوقت الذي ننكر الدراسات المختلطة، لا سيما في مثل تلك الدول غير المسلمة: نشجع الطلبة على الالتزام ببرامج إيمانية فيها تزكية لنفوسهم؛ تعويضاً عما ينقص بالمشاهدات المحرَّمة، التي تضعف الإيمان، ونشجع على الالتزام ببرامج دعوية؛ استثماراً لوجودهم في هذه البلاد، لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهي فرصة قد لا تتكرر.
فنرجو الله أن يوفقكم في مسعاكم، ونسأله أن يعظم لكم الأجور، ومن الجيد أن يكون لكم اتصال مع أهل العلم، ومواقع الفتوى، للسؤال عما يشكل عليكم.
ونحن يفرحنا وجود ترتيب لجهودكم في الدعوة إلى الله، وتنظيم لعملكم ذاك، ونرى أن الدعوة إلى الله في مثل تلك البلاد تحتاج لعقلاء، وحكماء، ومبدعين، لإيصال رسالة الإسلام لأكبر قدر ممكن من المدرسين، والطلبة، مع التنبيه أن يحاط ذلك كله بالالتزام بأحكام الشرع.
ثانياً
وجواباً على أسئلتكم تحديداُ نقول:
1- لا يجوز عمل برامج دعوية فيها اختلاط نساء برجال، ونرى أن التزامكم بالشرع في هذا الباب واجب عليكم؛ استجابة لأوامر الشرع في تحريم الاختلاط، ودفعاً للفتن المترتبة على ذلك.
وهذا إذا كنتم أنتم من يقيم ذلك المعرض، أو البرنامج.
وأما أن يكون قائماً من قبَل الجامعة، ويكون منكم استثمار له، بوجود زاوية أو فقرة تعرضون فيها مواد سمعية، ومرئية، ونصية، عن الإسلام: فلا نرى في ذلك بأساً، بشرط لا تشاركوا القائمين على هذا العمل في شيء من الأعمال المحرمة.
2- لا يجوز لكم استعمال الألفاظ الشرعية الخاصة بالمسلمين، كلفظ " أخي "، ولا الألفاظ التي فيها إظهار المودة المنهي عن وجودها عند المسلم تجاه غير المسلم، كلفظ " صديقي "، ولا الألفاظ التي نهينا عن مخاطبة الكفار بها، كلفظ " سيِّد ".
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم قول: " أخي " لغير المسلم؟ وكذلك قول: " صديق " و " رفيق "؟ وحكم الضحك إلى الكفار لطلب المودة؟ .
فأجاب:
أما قول: " يا أخي " لغير المسلم: فهذا حرام، ولا يجوز، إلا أن يكون أخاً له من النسب، أو الرضاع؛ وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع: لم يبق إلا أخوَّة الدين، والكافر ليس أخاً للمؤمن في دينه، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) .
وأما قول: "صديق "، " رفيق "، ونحوهما: فإذا كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم: فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها تودداً وتقربّاً منهم: فقد قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ، فكل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة: لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار.
وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بيننا وبينهم: لا يجوز، كما علمت من الآية الكريمة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 42، 43) .
وانظر جواب السؤال رقم: (118343) تجد فتاوى أخرى في الموضوع.
وفي جواز معاملة الكفار بالرفق، واللين؛ طمعاً في إسلامهم: انظر جوابي السؤالين:
(59879) و (41631) .
3- وأما النهي عن قول "سيد"، أو "سيدي" لأحدٍ من الكفار: فقد جاء ذلك في نص صحيح.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه أبو داود (4977) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وإذا كان هذا الحكم في المنافق فالكافر مثله، وقد جعل النووي رحمه الله هذا الحكم شاملاً للفاسق، والظالم، والمبتدع، فقد بوَّب في كتابه "رياض الصالحين"، فقال: "باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بـ "سيِّد"، ونحوه ".
وقال ابن القيم رحمه الله تحت فصل "خطاب الكتابي بسيدي ومولاي":
"وأما أن يُخاطب بـ "سيدنا"، و "مولانا"، ونحو ذلك: فحرام قطعاً، وفي الحديث المرفوع: (لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم) " انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (3 / 1322) .
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
"ولا يجوز وصف أعداء الله تعالى بصفات الإجلال والتعظيم كالسيد، والعبقري، والسامي ونحو ذلك، لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن بريدة رضي الله عنه ... .
وقد قلَّت المبالاة بشأن هذا الحديث الشريف، حتى صار إطلاق اسم " السيد " ونحوه على كبراء الكفار، والمنافقين، مألوفاً عند كثير من المسلمين في هذه الأزمان، ومثل السيد " المستر " باللغة الإفرنجية، وأشد الناس مخالفة لهذا الحديث: أهل الإذاعات؛ لأنهم يجعلون كل مَن يستمع إلى إذاعاتهم من أصناف الكفار، والمنافقين، سادة، وسواء عندهم في ذلك الكبير، والصغير، والشريف، والوضيع، والذكر، والأنثى، بل الإناث هن المقدمات عندهم في المخاطبة بالسيادة، وفي الكثير من الأمور خلافاً لما شرعه الله من تأخيرهن.
وبعض أهل الأمصار يسمُّون جميع نسائهم: " سيدات "، وسواء عندهم في ذلك المسلمة، والكافرة، والمنافقة، والصالحة، والطالحة.
ويلي أهل الإذاعات في شدة المخالفة لحديث بريدة رضي الله عنه: أهل الجرائد، والمجلات، وما شابهها من الكتب العصرية؛ لأنهم لا يرون بموالاة أعداء الله، وموادتهم، وتعظيمهم بأساً، ولا يرون للحب في الله، والبغض في الله، والموالاة فيه، والمعاداة فيه: قدراً، وشأناً.
" تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران " (ص 20، 21) ترقيم الشاملة.
ولا حرج من مناداة الكفار بأسمائهم أو "القرابة" – كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب "يَا عَمُّ" -، أو "المسمَّى الوظيفي" – كـ "رئيس الجامعة"، أو "عميد الكلية"، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ب " عظيم الروم " -، وغيرها من الأوصاف المباح مناداته بها.
ثم ينبغي التنبيه إلى أن هذه الأحكام التي قررناها هي الأصل الذي يطالب به المسلم، ولكن قد يختلف الأمر باختلاف المصلحة المترتبة على مناداة الكافر بما قد يفهم منه تعظيمه، أو المفسدة المترتبة على عدم ذلك، فقد يكون الشخص قريباً جداً من الإسلام فمثل هذا لا بأس بتأليفه على الإسلام ويتسامح في حقه ما لا يتسامح في حق من عرف بالغلظة والشدة على المسلمين.
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
"ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته وتمكينه من اللباس وترك الغيار [يعني: عدم تغير أسمائهم ولباسهم إذا تسموا بأسماء المسلمين ولبسوا لباسهم] والسلام عليه أيضاً ونحو ذلك تأليفاً له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى، كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى.
وقد ذكر وكيع عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: سلام عليك.
ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق: تبيَّن له حقيقة الأمر، وعلِم أن كثيراً مِن هذه الأحكام التي ذكرناها - من الغيار، وغيره - تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والعجز، والقدرة، والمصلحة، والمفسدة.
ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيرهم عمر رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: أسلم أبا الحارث، تأليفاً له واستدعاء لإسلامه، ولا تعظيماً له وتوقيراً" انتهى.
"أحكام أهل الذمة" (2/524) .
والمناداة بالكنية، مثل: (أبا الحارث) فيها نوع توقير عند العرب، ففعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا النصراني تأليفا له على الإسلام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/949)
حكم وصية المسلم ببناء كنيسة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت فتوى من أحد المشايخ أنه يجوز للمسلم أن يوصي ببناء كنيسة من أمواله بعد موته، وأن هذا لا يكون معصية، فهل هذا الكلام صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نتصور أن مسلما عاقلاً عنده علم بالشرع يمكن أن يفتي بمثل هذه الفتوى، فقد يكون حصل خطأ ما في النقل عنه أو في فهم كلامه ... إلخ.
ولكننا سنجيب على ما ورد في السؤال:
لا يختلف المسلمون أن الوصية بإعانة أهل المعاصي لا تجوز، وذلك لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
ولا نحتاج أن نقرر أن بيوت العبادة التي يتعبد فيها غير المسلمين هي بيوت معصية، فإنها يشرك فيها بالله، ويسب أنبياؤه، ويُكذَّبون، ويُسب القرآن، ويُستهزأ به، ويُحارب التوحيد، ويُنصر الشرك ويدعى إليه، وقد تحاك فيها المؤامرات على الموحدين المؤمنين، مع ما يكون فيها من أعياد محرمة، وشرب للخمور، وفعلٍ للفجور أحياناً ... ومثل هذه الأمور معلومة معروفة.
وعليه، فلا يجوز للمسلم قطعاً أن يوصي بشيء من ماله لبناء كنيسة أو غيرها من معابد غير المسلمين.
وهذا الحكم لا يختلف فيه العلماء، ولذلك نكتفي بنقل واحد فقط عن كل مذهب من مذاهب الأئمة المعتبرين (المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري) .
1- المذهب الحنفي.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (8/341) :
"وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِبَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ بِوَصِيَّةٍ , فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ" انتهى.
2- المذهب المالكي.
جاء في "المدونة" (4/150) :
"سئل ابن القاسم: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ , أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ كَنِيسَةٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُكْرِي دَارِهِ وَلَا يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً , وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ مِمَّنْ يَرْكَبُهَا إلَى الْكَنِيسَةِ" انتهى.
3- المذهب الشافعي.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (4/225) :
"فَإِذَا أَوْصَى النَّصْرَانِيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَجَاءَنَا وَرَثَتُهُ أَبْطَلْنَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ، كَمَا نُبْطِلُهُ إنْ شَاءَ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَبْنِي بِهِ كَنِيسَةً لِصَلَاةِ النَّصَارَى، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهِ خَدَمًا لِلْكَنِيسَةِ، أَوْ يَعْمُرُ بِهِ الْكَنِيسَةَ، أَوْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ فِيهَا، أَوْ يَشْتَرِي بِهِ أَرْضًا فَتَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْكَنِيسَةِ وَتَعْمُرُ بِهَا أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً" انتهى.
4- المذهب الحنبلي.
جاء في "المغني" (6/122) :
"وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَعْصِيَةٍ وَفِعْلٍ مُحَرَّمٍ , مُسْلِمًا كَانَ الْمُوصِي أَوْ ذِمِّيًّا , فَلَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ , أَوْ عِمَارَتِهِمَا , أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا , كَانَ بَاطِلًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ" انتهى.
5- المذهب الظاهري.
قال ابن حزم في "المحلى" (8/37) :
"وَلَا تَحِلُّ وَصِيَّةٌ فِي مَعْصِيَةٍ - لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كَافِرٍ - كَمَنْ أَوْصَى بِبُنْيَانِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وقوله تعالى: (وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) فَمَنْ تَرَكَهُمْ يُنَفِّذُونَ خِلَافَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ فَقَدْ أَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" انتهى.
فهذه نصوص الأئمة، وبعضها يصرح بالحكم ذاته - وهو المنع - في وصية النصراني لكنيسة ـ وهو نصراني ـ فكيف يكون الحكم في وصية المسلم لكنيسة!
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك.
قال تقي الدين السبكي الشافعي رحمه الله:
"بِنَاءُ الْكَنِيسَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ , وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَصِّي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا" انتهى.
"فتاوى السبكي" (2/396) .
بل الأمر أخطر من كونه معصية، فبناء معبد لغير المسلمين – كنيسة أو غيرها - فيه محبة للكفر ونشر له، ومحاربة للتوحيد، وتشجيع للكفر برب العالمين ... وهذا يصل بصاحبه إلى الكفر.
قَالَ الإمام أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله:
"إرَادَةُ الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَبِنَاءُ كَنِيسَةٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ، لِأَنَّهُ إرَادَةُ الْكُفْرِ" انتهى.
"الفروق" للقرافي (4/124) .
فكيف يقال بعد ذلك بجواز وصية المسلم بشيء من ماله لبناء كنيسة، وأن هذا ليس معصية! سبحانك هذا بهتان عظيم.
نسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/950)
يمر بأزمة مالية، ويقيم في بلاد غربية مع والديه، ومحرج من طلب رجوعهما لبلدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يعيش كلٌّ من والداي وإخوتي البنات في بيتهم في الجزائر، وأعيش في لندن، وقد قمت مؤخراً بامتلاك بيت جديد، وجاء كل من أبواي وإخوتي ليسكنوا معي منذ ذلك الحين، وقد تركوا البيت القديم لإخوتي الذكور – اثنين -، والآن تغيرت الظروف ووجدت نفسي في ضائقة مالية صعبة، وقد أصبحت كبيراً أيضاً. وسؤالي هو: هل يمكنني أن أسال والداي العودة إلى بيتهم القديم في الجزائر الذي ما زالوا يملكونه، والذي يسكنه أخواي وزوجتاهما وأبناؤهما؟ كما أنه ليس لدي سوى خيارين إما أن أبيع البيت، أو أن أتزوج، وأعيش فيه مع زوجتي، وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لي، على أية حال فلا أستطيع العيش وأنا أشعر بالإثم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على بر والديك، وخشيتك من الوقوع في الإثم فيما تسأل عنه من التصرف حيالهما، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر، وأن يوفقك لما فيه رضاه.
ثانياً:
لا شك أنه من المؤلم أن تواجه والديك بضرورة خروجهما من بيتك، ورجوعهما إلى بلدهما، مع بقائك أنت فيه، وخاصة إن كان السبب هو تزوجك، وإحضار تلك الزوجة لتحل محلهما، ونحن نقدِّر ذلك، ونشعر به، ولكن هناك خيار آخر لم تذكره، ونحن نرى أنه الخيار الموافق للشرع، والملائم لحالتك، وهو: أن تبيع بيتك في لندن، وترجع مع والديك إلى بلدكما الأصلي، وتتزوج من مسلمة تقية، وتشتري أو تستأجر بيتاً يسعك أنت ووالديك وزوجتك.
وفي هذا الحل عدة فوائد:
1. ترك بلاد الكفر التي تسكنها، والتي أسكنتَ فيها والديك.
2. عدم إيذاء والديك بإخراجهما من بيتك.
3. تزوجك من امرأة من أهل دينك، وبلدك.
4. تجميع الأسرة جميعها في مكان واحد، وعدم التسبب في تفرقها.
5. بقاء أخويك في بيت والديك، وعدم خروجهما منه.
هذا ما نرى أنه الخيار الأسلم، لك، ولأهلك جميعاً، فإن أبيتَه، وأبيت إلا البقاء في تلك الديار: فنرانا مضطرين لنصحك بالخيار الآخر، وهو أقل الشرَّيْن، وهو أن تبيع بيتك، ثم تنفق ثمنه في أمرين:
الأول: في إرجاع والديك لبلدهما، مع توسعة بيتهما ببناء يسعهما، ويكفيهما.
والثاني: في زواجك بذات دين، وإعفاف نفسك، والسكن في بيت مستأجَر، حتى يوسع الله عليك.
فإن كنت ترغب بالزواج من نصرانية: فانظر جواب السؤال رقم (2527) ففيه بيان شروط الزواج من الكتابية.
ونوصيك بالتأمل في الحكم الشرعي في بقائك في تلك الديار، فلعلك تستجيب لما نصحناك به، وأن تترك تلك البلاد لله تعالى، وأنت موعود بأن يعوضك الله خيراً منه.
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه أحمد (22565) ، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 47) ، وصححه محققو مسند "أحمد بن حنبل" (23074) .
قد ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/951)
تعليم أطفال المسلمين في المدارس في الدول الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا أنه يحرم تعليم أطفال المسلمين في مدارس الكفار، أتكلم عن الأطفال الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا (دار الكفر) للمعلومية يوجد مدارس للمسلمين ولكن جميعها خاصة وأقساطها غالية جداً، فما هو الحل بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع أن يدفع أقساط لولده في مدارس المسلمين؟ أرجو أن تجيب على هذا السؤال لأن هذه أصبحت مشكلة عظمى يعاني منها الكثير من المسلمين الذين يهتمون بتدريس أبنائهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ترتب على دراستهم في مدارس الكفار مفسدة كالخوف عليهم من الانحلال واعتناق دين النصارى والزهد في دين المسلمين وتعظيم الكفار واحترامهم، واحتقار أهل الإسلام وعلومهم ونحو ذلك من الأخطاء، فنقول: يحرم تدريسهم في تلك المدارس الكفرية، وبقاؤهم على طبيعة آبائهم أولى من تدريسهم ما يصير سبباً في خروجهم من دين الإسلام، أم إذا لاحظهم أولياء أمورهم وربّوهم على الإسلام ودرسوهم بمدارس الكفار قدر ما يتعلمون به اللغة الأجنبية وما يتعلمون به الكتابة والقراءة والحساب ونحوه، فإن هذا جائز ولكن على أولياء أمورهم أن يلاحظوهم كل يوم أو كل أسبوع، ويتفقدوا معلوماتهم ويحذروهم من العقائد السيئة وينبهوهم على الكلمات الخاطئة، ويحذرونهم من الانخداع بدعاية الكفار حتى يكونوا سالمين من العقائد السيئة والملل الكفرية، وكل هذا خاص بمن يعجز عن دفع الأقساط في مدارس المسلمين.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(1/952)
كيف يتعامل مع النصارى الموجودين الآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع النصارى الموجودون اليوم , باعتبارهم مشركين؟ وهل مصافحتهم والبيع والشراء منهم حرام لأنهم نجس؟ مع العلم أنني سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ابتاع من بعض النصارى جبن. وهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أولا دعوتهم إلى الإسلام وشرح تعاليم الإسلام لهم، فإذا أصروا فعليك أن تظهر لهم البغضاء والمقت والاحتقار، فلا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم، ولا بدايتهم بالسلام ولا مصافحتهم أو مجالستهم أو ممازحتهم، بل يجب مقاطعتهم وإظهار البغض لهم واحتقارهم والتقليل من شأنهم، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) .
وأما البيع والشراء منهم فإنه جائز عند الحاجة إذا لم توجد تلك السلع إلا عندهم.
وأما ما ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام ابتاع من بعض النصارى جُبناً فالظاهر أن هذا غير صحيح، ولكن لا مانع من شراء الجبن ونحوه منهم، كما لا مانع من أكل ذبائحهم إذا ذبحت على الطريقة الشرعية.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(1/953)
لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين إذا لم يكونوا يقاتلوننا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة تعمل وأريد أن أعرف ما إذا كان يجوز لي أن أعطي الماء أو الطعام لغير المسلمين؟ يوجد غلام يهودي في عملي، وعندما أخرج أو أذهب لأحضر الماء، فإنه يطلب مني أن أحضر له الماء أيضا، فهل يجوز لي ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين بشرط ألا يكونوا معروفين بعداء المسلمين، أو مساعدة أعدائنا علينا، قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8، 9.
قال ابن كثير رحمه الله:
"أي: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، كالنساء والضعفة منهم، (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي: تحسنوا إليهم (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي: تعدلوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (4/446) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة (2/294) :
"وأما الكافر فلا بأس من بره، والإحسان إليه بشرط أن يكون ممن لا يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا؛ لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) " انتهى.
ويثاب المسلم على إحسانه إلى هؤلاء، وله على ذلك أجر، فقد ذكر الله تعالى من صفات الأبرار الذين هم أهل الجنة: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) والأسير لا يكون إلا كافراً.
قَالَ قَتَادَةَ رحمه الله، قَوْلُهُ: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) . قَالَ: لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لِأَهْلُ الشِّرْكِ.
انظر: تفسير الطبري (10/8364) .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/237) :
"فلو تصدق على فاسق أو على كافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي جاز , وكان فيه أجر في الجملة. قال صاحب البيان: قال الصيمري: وكذلك الحربي , ودليل المسألة: قول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ومعلوم أن الأسير حربي" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/954)
حكم التجنس بجنسية أجنبية مع العزم على العمل والاستقرار في دولة إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إلى كندا للدراسة وأنا متزوج والحمد لله. وأريد أن أكمل دراستي وأستقر بعد ذلك في بلاد فيها الخير كالمملكة أو غيرها من دول الخليج لكن العمل في الخليج كثيراً ما يتطلب جنسية أوربية أو كندية للعمل هناك فاستفتيت مشايخ هنا فأفتوا لي بالجواز وقالوا لي: إن الموالاة غير موجودة في الجنسية الكندية وأنها مجرد ورقة يوقع عليها ولا تفقد الجنسية الأصلية. أيضا: بلدنا للأسف كثيرة الاضطهادات ولازال فيها مشاكل أمنية واجتماعية يخاف الإنسان أن ينقلب الحال بين ليلة وضحاها، وأيضاً فإن الخدمة الوطنية هناك إجبارية ويترتب عليها مخالفات شرعية كثيرة كحلق اللحية والوقوف للعلم وغير ذلك من المنكرات. ويمكن التخلص من كل هذه المشاكل بأخذ الجنسية والانتقال من هذه البلد بسهولة، فإن الجنسية للأسف سبب لرفع الحرج وتسهيل الطريق في الخليج وغيرها. وإذا ما اختلت الحالة الأمنية في بلدي كما وقع قبل سنين يمكن الانتقال بسهولة إلى بلد مسلم آخر. وعلما أنني سأنشغل بالبحث العلمي في الجامعات في مجال الكيمياء وأريد إعانة دولة مسلمة.. أفتونا بارك الله فيكم ونفع الله بكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا لمن قدر على إظهار دينه، فإن لم يقدر على إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إن قدر على ذلك، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13363) .
ثانياً:
أما الحصول على الجنسية لدولة كافرة، فلا يجوز إلا في حال الاضطرار، لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة، كالخضوع لأحكام الكفار، والقسم على الولاء لهم، وغير ذلك.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى.
وإذا كان الأمر كما ذكرت من عزمك على العودة إلى بلاد المسلمين، وعدم تنازلك عن جنسيتك الأولى، ومن حصول التضييق في بلدك والإلزام بالخدمة العسكرية المقتضية لارتكاب مخالفات شرعية، فالذي يظهر لنا جوز الحصول على الجنسية الكندية حينئذ.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/955)
التبرع بالدم لغير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي التبرع بنقل دم لمريض أوشك على الهلاك وهو على غير دين الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا أعلم مانعاً من ذلك، لأن الله تعالى يقول جل وعلا في كتابه العظيم: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرهم ونحسن إليهم، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي كافرة إلى بنتها؛ في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة تسألها الصلة، فاستفتت أسماءُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأفتاها أن تصلها، وقال: (صلي أمك) وهي كافرة.
فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب؛ إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم، كما لو اضطر إلى الميتة، وأنت مأجور في ذلك؛ لأنه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/292، 293) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/956)
هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.
ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها:
1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر.
وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.
2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين.
بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15.
3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين.
ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36.
قال القرطبي رحمه الله:
"قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني.
قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه.
"تفسير القرطبي" (5/183، 184) .
4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي.
وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة.
" تفسير السعدي " (ص 856) .
5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
" فتح الباري " (12 / 259) .
6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته.
وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) .
7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل.
وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه.
" أضواء البيان " (3 / 50) .
وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته.
ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام.
ثانياً:
مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة:
1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه.
2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ".
وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله.
ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت.
3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك:
أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم.
ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها.
ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! .
فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/957)
هاجر من أوربا إلى المغرب لكن زوجته تريد العودة
[السُّؤَالُ]
ـ[هاجرت من إحدى الدول الأوربية إلى المغرب مع زوجتي وأولادي الأربعة منذ أربعة أشهر تقريبا ولدينا سكن بالإيجار وسأبدأ بالعمل قريبا إن شاء الله ولكن زوجتي التي اقتنعت بهذه الهجرة في بداية الأمر أصابها اكتئاب وإحباط شديدين ونقلتها إلى المستشفى مرارا وهي غير سعيدة في بيتها وبالتالي أنا غير سعيد ولم يعجبها شيء في المغرب قط وتشتكي من كل شيء. وأنا عرضت عليها بأن تعود إلى بلد الكفر التي هاجرنا منها وهي لم تقبل , وقلت لها خذي الأولاد وارجعي واتركوني اشتغل هنا وسآتي إلى زيارتكم بين فترة وأخرى ولم تقبل, وهي تريدني أن نرجع جميعا علما بأن أولادي صغار السن حيث أكبرهم عمره 11 سنة وهم تارة يحبون وتارة لا يحبون ومن المعلوم بان حبهم وكرههم مرتبط بنا, أما أنا فليس لي بديل في الوقت الحالي وإن كان هنالك بعض الصعوبات وأريد أن أتحمل كل هذه الصعوبات لأن الغاية التي خرجت من أجلها عظيمة ألا وهي الهجرة إلى الله وإلى إرضاء الله تعالى خوفا لأنفسنا وأولادنا ولكن أرى بأنه صعب جدا مع حالة زوجتي التي تزداد سوءا يوما بعد يوم والتي بدورها تؤثر سلبا على سعادتنا وعلى تربية الأولاد , وأزيدكم علما بأني صابر معها صبرا جميلا إن شاء الله ولكن لا أعتقد بان صبري سيغير شيئا من اكتئابها وملاحظاتها عن المغرب. أرجوا منكم أن تجدوا لي حلا وأن تجيبوا على سؤالي في أسرع وقت ممكن لأن وضعنا لا يتحمل التأخير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الهجرة من بلاد الكفر يختلف حكمها باختلاف حال الإنسان ومدى قدرته على الهجرة وعلى إظهار دينه هناك.
فتجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه، واستطاع الهجرة.
وأما من قدر على إظهار دينه، فتستحب له الهجرة ولا تجب، ومن عجز عن الهجرة، فقد عذره الله تعالى.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب. ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه. وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه. وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم. ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة" انتهى من "المغني" (9/236) .
وعليه؛ فإذا كنت قادرا على إظهار دينك في البلد الأوربي، فإن الهجرة لا تجب عليك، لكن انتقالك إلى بلد من بلدان المسلمين أفضل وأسلم لك ولأولادك، فإن كان في ذلك مشقة على أهلك، فابذل الوسع في إقناعهم والتخفيف عنهم وبيان محاسن هذا الانتقال، فإن تم ذلك فالحمد لله، وإلا فلا حرج عليك في العودة إلى أوربا، ثم محاولة الهجرة مرة أخرى حين يتيسر ذلك لك ولأهلك.
ولكن ... تبقى مشكلة المحافظة على الأولاد هناك دينياً وأخلاقياً، وهو أمر صعب للغاية.
فإن لم يمكنك المحافظة عليهم فبقاؤك في بلاد المسلمين هو الواجب والمتعين عليك، وعلى زوجتك أن تصبر وترضى، وتقدم مصلحة الدين والمحافظة عليه على الراحة الدنيوية التي يجدها الإنسان في البلاد الغربية.
ولا ينبغي أن تترك أولادك وزوجتك يعودون إلى أوروبا دونك، لما في ذلك من زيادة الخطر عليهم.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (13363) .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/958)
حكم شراء المنتجات وعليها النجمة السداسية، وهل منها منتجات "مونت بلانك"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد انتشر بين الناس ماركة عالمية " مون بلان " – للتصحيح فالماركة اسمها " مونت بلانك "، تحمل شكلاً مشابهاً لـ " نجمة إسرائيل "، فهل يجوز ارتداء حليهم، أو اقتناء أقلامهم، أو كباكتهم؟ وهل لهذه النجمة ارتباط ديني؟ أرجو توضيح ذلك؛ فقد عم يها البلاء. وهذا موقع الشركة www.montblanc.com.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هناك اختلاف في حقيقة تاريخ اتخاذ النجمة شعاراً لليهود، والذي يعنينا الآن: أن هذه النجمة صارت شعاراً لهم، وجزءاً من علم دولتهم.
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" نجمة داود "، " Star of David ":
وتسمَّى أيضاً " ترس داود "، وهي الرمز العالمي لليهودية، تظهر نجمة داود في علَم " دولة إسرائيل "! والمعابد اليهودية، وفي الأشياء التي تستخدم عند ممارسة الطقوس الدينية، وفي شعارات مختلف المنظمات.
تتكون النجمة من مثلثين، يتشابكان لتكوين نجمة سداسية، وشكل هذه النجمة معروف منذ القدم، ولكن لا يعرف الباحثون متى اشتهر بوصفه رمزاً لليهودية، ويعتقد أنه ظهر قبل عام 960 ق. م، أما المصطلح اليهودي " ماغن ديفيد " الذي يعني " ترس داود ": فيعود إلى أواخر القرن الثالث الميلادي" انتهى.
تنبيه:
من الخطأ أن نقول: " نجمة داود "، والصواب: أن يقال: " النجمة السداسية "؛ لأنه لا يُعرف لداود عليه السلام نجمة، ثم هم يريدون نسبة أنفسهم لنبي من الأنبياء، مع أن الواقع أن الكفرة منهم ملعونون على لسانه عليه السلام، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) المائدة/ 78.
ومن أراد الزيادة في معرفة تاريخ ظهور هذه النجمة السداسية: فلينظر كتاب " موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية " تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله.
ثانياً:
لكون النجمة السداسية الآن صارت شعاراً لتلك العصابة الإجرامية، وجزءاً من رايتها: فإن المنع من نقشها، ورسمها على الثياب، والساعات، والجدُر، وغيرها: هو المتعيِّن، وهو الذي أفتى به العلماء.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن حكم بيع أو شراء أو عرض: " نجمة إسرائيل "! أو " الصليب "، أو ما يمت لليهود والنصارى بشيء من شعائرهم؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز عمل هذه المصوغات بما يحمل شعارات الكفر ورموزه، كالصليب، ونجمة إسرائيل، وغيرهما، ولا يجوز بيعها، ولا شراؤها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 68 – 70) .
ثالثاً:
أما بخصوص العلامة التجارية الوارد ذِكرها في السؤال: فالذي علمناه أنه لا يُقصد بذلك الشعار " النجمة السداسية "، وليست الشركة المنتجة شركة يهودية.
فاسم الماركة " مونت بلانك "montblanc هو اسم " جبل " ثلجي في فرنسا، يقع على الحدود الفرنسية الإيطالية، ويعد أعلى الجبال الواقعة في " أوروبا الغربية "، والشركة المنتجة لهذه المصنوعات هي شركة ألمانية، تأسست سنة 1906 م، وكان لها اسم غير هذا، وفي عام 1909 تم تغيير الاسم، وفي عام 1913 تم ابتكار هذا الشعار، وقد قصدوا بالشعار قمة ذلك الجبل، وأن مصنوعاتهم تشبه تلك القمة، في بياضها، وعالميتها، وعلو مكانتها، وهذا كله بحسب موقعهم الذي أحالنا عليه السائل.
وننبه هنا على أن بعض منتجات الشركة الوارد ذكرها في السؤال قد تكون محرَّمة باعتبار آخر، إما لذاتها كساعات ذهبية للرجال، أو لاستعمالها، كزينة محرّم على المرأة إظهارها، أو عطور نسائية تخرج بها من بيتها، ويجد ريحها الرجال الأجانب عنها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/959)
حكم تهنئة غير المسلمين في مناسبات غير دينية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتاوى المتعلقة بعدم جواز مشاركة غير المسلمين في احتفالاتهم، ولكنني أريد أن أعرف ما حكم الاحتفال معهم في مناسبة مدرسية أو جامعية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية محرم لا شك في تحريمه، وقد سبق لنا في فتاوى متعددة بيان ذلك، والتحذير منه.
(947) و (11427) و (4528) و (1130) .
ثانياً:
وأما مناسباتهم الشخصية الخاصة، كزواج، أو نجاح في مدرسة، أو تعيين في وظيفة، أو شفاء من مرض، أو إنجاب ولد، أو قدوم من سفر، ونحوه: فهذا مما اختلف فيه العلماء إلى أقوال ثلاثة - وهي أقوال ثلاثة عن الإمام أحمد -: فمنهم من رأى الجواز، ومنهم من منع، ومنهم من أجاز بشرط وجود مصلحة شرعية، كتأليف قلوبهم للإسلام، أو دعوتهم إلى الدين.
وهذا أرجح الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -:
وتحرم العيادة، والتهنئة، والتعزية لهم ... ، وعنه – أي: عن الإمام أحمد -: يجوز، وعنه: لمصلحة راجحة , كرجاء إسلام , اختاره شيخنا – أي: ابن تيمية - ومعناه اختيار الآجري , وأنه قول العلماء: يُعاد، ويعرض عليه الإسلام، نقل أبو داود: إن كان يريد يدعوه إلى الإسلام: فنعم.
" الفروع وتصحيح الفروع " (10 / 334) .
على أننا ننبه إلى شروط أخرى يجب توفرها حتى يقال بالجواز، ومنها:
1. خلو بيئة التهنئة والزيارة من المنكرات، كالاختلاط، والمعازف، والأطعمة والأشربة المحرمة، فاحتفالات المسلمين غالباً – وللأسف – لا تخلو من منكرات، فكيف بغير المسلمين.
وانظر جواب السؤال رقم: (3325) .
2. أن تخلو عبارات التهنئة من مخالفات شرعية، كابتدائه بالسلام، أو الدعاء له بالعز والبقاء.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فصل في تهنئتهم بزوجة، أو ولد، أو قدوم غائب، أو عافية، أو سلامة من مكروه، ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة، ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية، والعيادة، ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم " متَّعك الله بدينك "، أو " نيَّحك فيه " – أي: قوَّاك فيه -، أو يقول له: " أعزك الله "، أو " أكرمك "، إلا أن يقول " أكرمك الله بالإسلام، وأعزك به "، ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.
" أحكام أهل الذمة " (1 / 441) .
3. أن لا يهنَّأ ذلك الكافر – ولا المسلم كذلك – إن كان رجوعه من سفر معصية، أو حرب على المسلمين، أو لتولي وظيفة محرمة، كعمل في بنك، أو قضاء بين الناس بخلاف الشرع.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
فمن هنَّأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر: فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء، والتدريس، والإفتاء؛ تجنباً لمقت الله، وسقوطهم من عينه، وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشرٍّ يتوقعه منهم، فمشى إليهم، ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق، والتسديد: فلا بأس بذلك.
" أحكام أهل الذمة " (1 / 441، 442) .
4. تجنب تهنئة رؤوس الكفر كالقساوسة، والأحبار، وزعماء الكفر؛ لقطع الطمع في إسلامهم، ولما في تهنئتهم ومشاركتهم من عزٍّ لهم، وذل للمسلم، إلا أن يُطمع بأحد بعينه: فيجوز، كما في عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – وسئل عن تهنئة " قس " بوصوله -:
وأما ذهاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لليهودي الذي كان مريضاً: فإن هذا اليهودي كان غلاماً يخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا مرض عاده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعرض عليه الإسلام، فعرَضه عليه، فأسلم، فأين هذا الذي يعوده ليعرض عليه الإسلام من شخص زار قسّاً ليهنئه بسلامة الوصول، ويرفع من معنويته؟! لا يمكن أن يقيس هذا على ذاك إلا جاهل، أو صاحب هوى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 47) .
والخلاصة: أن الراجح في المسألة هو جواز التهنئة، بالشروط التي قدمناها، وإن كان الأحوط أن يجتنبهم المرء تماما، وأن يبتعد عن مخالطتهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/960)
تريد دعوة رافضي للإسلام وتسأل عن " الوطنية " وعلاجها عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف رجلاً إيرانيّاً شيعيّاً , وهو مستعد لأن يكون سنيّاً , وهو رجل وطني للغاية , وأنا أتساءل دائماً: هل هو مهتم بالإخوة الإسلامية كما هو مهتم بإخوانه المنتمين لبلده؟ وأنا أعتقد أن المسلم يجب أن تكون أولويته في الحب لإخوانه المسلمين أكثر من أي حب آخر , هذا فضلاً عن محبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وأريد أن أقول له ذلك الأمر إلا أنني أخشى أن أكون من الذين يقومون بعمل تفرقة بين الناس. أرجو بيان هذا الأمر , فهل اعتقادي صحيح أم لا؟ . إذا كان صحيحاً: أرجو من فضيلتكم بيان كيفية إخبار هذا الرجل بهذا الأمر , كيف أخبره أن محبة الإسلام والمسلمين أولى من محبة أبناء الوطن خصوصاً الشيعة؟ . وهل يجوز دفع الزكاة للشيعي - لأنهم ليسوا كلهم كفرة -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل الجواب لا بدَّ من تحذير وتنبيه الأخت السائلة من إثم وخطر علاقة المرأة بالرجال الأجانب، فالإسلام يحرِّم تلك العلاقات بين الطرفين إذا لم يربط بينهما رابط شرعي، وللشيطان طرقه في الإيقاع بعباد الله حتى من طريق الدعوة إلى الله؛ وذلك بتزيين مثل تلك العلاقة أنها نافعة للهداية إما للإسلام، أو للطاعة.
كما أن الرجل – ولدينا كثير من الحالات – يوهم المرأة أنه قريب من دينها، ومنهجها، وأنه لا تبعده عن ذلك إلا خطوات؛ من أجل أن يجد مجالاً للحديث معها، والإيقاع بها، وقد يُعلن في الظاهر أنه على دينها ومنهجها، ثم سرعان ما يتركها بعد أن يحقق مأربه.
وإنما نذكر هذا نصيحة وتحذيراً للمسلمات أن ينتبهن لأنفسهن، وأن يحذرن من تغليب العاطفة على الشرع، والعقل.
وفي حالتنا هذه: يمكن أن توكل مهمة دعوة ذلك الرافضي لرجل من أهل السنة، من أهلك، أو ممن يوثق به من أهل العلم والحكمة ممن هو قريب منكِ، ليتولى هو أمر دعوته والكلام معه، وإذا هداه الله ووفقه فيُكتب ذلك في ميزانك إن شاء الله.
فإن لم تجدي عندك من يقوم بهذه المهمة عنك، فدعيها له، وبإمكانه هو أن يستغل الخيط الذي ألقيتِ إليه طرفه، ويبحث عما ينفعه عند أهل العلم والدين، أو يراسل بنفسه المواقع المعنية بذلك لأهل السنة، إن كان حريصا على الهداية، وأما أنت فليس لك أن تغرري بنفسك ودينك، من أجل مصلحة موهومة مظنونة، قل أن تحصل في مثل ذلك الحال، وإن حصلت فحولها أضعافها من المفاسد لك ولغيرك، وإن سلمت حالة، هلكت عشرات الحالات، في مثل تلك العلاقات.
ثانياً:
قد أحسنتِ في قولك إن محبة الإسلام والمسلمين مقدَّمة على حب الوطن، وأبناء الوطن، فالوطنية مصطلح خبيث في أصله؛ إنما جاءنا من دول الكفر من أجل التفرقة بين أبناء الإسلام، فرابطة الإسلام أوسع وأوثق، فجاء المستعمر الخبيث فقسَّم الدول الإسلامية إلى دويلات، ثم ربط أبناء كل دولة بعضهم ببعض؛ ليقطع أواصر العلاقة الكبيرة المتينة بين أبناء الإسلام، فصارت الرابطة الوطنية، والتي تجمع أبناء البلد الواحد بغض النظر عن دينه ومنهجه وخلُقه، فنجح في ذلك – وللأسف – نجاحاً كبيراً، فصار الحب لأبناء الوطن مقدَّماً على الحب لأبناء الإسلام، وصار القتال في سبيل الوطن، لا في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام، وها نحن نعيش أثر ذلك في أيامنا هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما كذبه الكاذبون على نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما نسبوه إليه من قوله (حُبُّ الوَطَن من الإيمان) ! وهو حديث مكذوب لا أصل له. [ينظر: السلسلة الضعيفة، للشيخ الألباني، رحمه الله، رقم (36) ] .
وما قلناه لا يعني منع حب الإنسان لبلده، ووطنه، بل هو شيء فطري لا انفكاك للإنسان منه، وإنما أردنا التحذير من أن تكون رابطة " الوطنية " هي المقدَّمة على رابطة " الإسلام " في الولاء، والمحبة، والنصرة، وأردنا التنبيه على أن المسلم الأعجمي الذي يعيش في أقصى الأرض أقرب وأحب إلينا من أبناء وطننا ممن ليس مسلماً، وإن كان من وطننا وبلدنا، بل وإن كان ابن أمنا وأبينا.
وأما الحب للأرض التي يولد فيها المسلم، أو يعيش: فهذا لا يُتنازع في أنه مشروع، لكن من قاتل دفاعاً عن وطنه فينبغي أن يكون ذلك دفاعاً عن الإسلام الذي في وطنه، لا عن الأرض مجرداً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن: لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر؛ لأنه أيضاً يقاتل من أجل وطنه، والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط: ليس بشهيد.
ولكن الواجب علينا - ونحن مسلمون، وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك -: الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا.
انتبه للفرق! نقاتِل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن تصحَّح هذه النقطة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، ندافع عن الإسلام الذي فيه.
أما مجرد الوطنية: فإنها نية باطلة، لا تفيد الإسلام شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم، والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن.
وما يُذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) ، وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذب.
حب الوطن إن كان إسلاميّاً: فهذا تحبه لأنه إسلامي، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك، أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين، كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه.
على كل حال: يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، لا لمجرد الوطنية.
أما قتال الدفاع: أي لو أحداً صال عليك في بيتك يريد أخذ مالك، أو أن ينتهك عرض أهلك مثلاً: فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.
فقد سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: (لا تعطه) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (إن قتلك فأنت شهيد) ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (إن قتلتَه فهو في النار) ...
والحاصل: أنه لابد من تصحيح النية، ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد، والصحف: " الوطن "، " الوطن "، " الوطن "، وليس فيها ذكر للإسلام، وهذا نقص عظيم، يجب أن توجَّه الأمة إلى النهج، والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا، ولكم التوفيق لما يحب ويرضى " انتهى مختصراً.
" شرح رياض الصالحين " (1 / 65 – 69) .
ثالثاً:
وأما بخصوص إيصال هذه الرسالة لذلك الرافضي: فنرى أن الرفض دين فاسد احتوى على مظاهر كثيرة من الشرك، والزندقة، والجاهلية، والبدع والخرافات، وليست هذه المسألة بالتي ستحول بين هداية ذلك الرافضي وبين الإسلام، فإن المطلوب منه أن يتخلى عن التعلق بالقبور، وأهلها، ومطلوب منه أن يُفرد الله تعالى بالتوحيد، وأن يعتقد بعدم تحريف القرآن، وأن يثبت إسلام الصحابة جميعهم، ويشهد لهم بالخير، وخاصة من ورد في فضله نصوص صحيحة، مطلوب منه عشرات الأصول، والسنن والعقائد، أن يعتقدها، ويعمل بها، على وفق ما جاء به كتاب الله، وهدت إليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نبحث معه في التخلي عن الوطنية التي تذكرينها.
فإن تاب من بدع الرفض، وضلالاته، أوقفناه على حقيقة الولاء والبراء بين المسلمين، وأن المسلم لا يقدِّم محبة أحدٍ من أهله حتى لو كان أقرب الناس منه، ولا وطنه وبلده، ولا مالَه، على محبة الله ورسوله ودينه، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/ 24، وبينا له: أن الإيمان الذي يقبله الله ليس في قلب صاحبه مودة لكافرٍ، ولو كان أقرب الناس منه، كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22.
فهذا هو الواجب في دعوة هذا الرجل وأمثاله، على ألا يكون ذلك عن طريقك، كما نبهناك عليه في أول الجواب.
رابعاً:
أما بخصوص دفع الزكاة للشيعة – الرافضة -: فقد سبق تفصيل القول فيها في جواب السؤال رقم (1148) ، وفيه بيان عدم جواز ذلك.
وهذا من حيث الأصل، أما إن كان السؤال عن ذلك الشخص القريب من الإسلام: فيجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم طمعاً في إسلامه، ويصدق عليه أنه من " المؤلَّفة قلوبهم "، وقد ذكرنا جواز ذلك في جواب السؤال رقم (39655) فلينظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/961)
تعليق أعلام وشعارات الدول الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت بين بعض الشباب ظاهرة التعلق بأعلام وشعارات بعض الدول غير المسلمة، ونراهم يقبلون على شرائها واقتنائها، ويطبعونها على القمص والبناطيل والأحزمة والنظارات، والقبعات والأحذية والمساطر والأقلام والخواتم والساعات، ويجعلونها غطاء لمقاعد السيارات، وملصقات على الزجاج، وبعضهم يشتري العلم كاملاً ويفرشه على مقدمة أو مؤخرة السيارة. فما حكم بيع وشراء واقتناء وتعليق هذه الأعلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة: أن يكون المسلم متميزاً عن جميع الكفرة والفجار، في عقيدته وأخلاقه وسلوكه وتفكيره، بل وفي مظهره ولغته أيضاً، وقطع جميع علائق المحبة والولاء والنصرة لكل كافر بالله ورسوله، وقد تكاثرت الدلائل الشرعية نصية واستنباطية مؤكدة هذا الأصل الإسلامي، محذرة من نقضه أو التساهل به، عن طريق المحاكاة والتشبه بالذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فقال الله عز وجل: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الجاثية/18، وقال سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/120، وقال جل وعلا: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) المائدة/49، وقال جل وتقدس: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد/16، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة. وقال عليه الصلاة والسلام لما رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) خرجه مسلم في صحيحه، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل الكتاب في سدل الشعر. وقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) أخرجاه في الصحيحين.
والأحاديث والآثار عن السلف الصالح في هذا الأمر كثيرة مشهورة.
ومما تقدم يُعلم أن المرء لا يكون عاملاً بحقيقة الإسلام حتى يكون ظاهره وباطنه موافقاً لأمر الله ورسوله، فيكون ولاؤه لله ولرسوله ولإخوانه المؤمنين، كما قال الله سبحانه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة/55. ويجب على المؤمن البراءة من الكفر وأهله، سواء كانوا من النصارى أو اليهود أو المجوس أو الملحدين أو غيرهم من سائر الملل والنحل المخالفة للإسلام.
ومن أجل المحافظة على الأصل المتقدم لدى المسلم وصيانة لإسلامه من الزيغ والانحراف، جاءت النصوص الشرعية بتحريم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، في الأقوال والأفعال والألبسة والهيئة العامة؛ لما في ذلك من الخطر على عقيدة المسلم، وخشية أن يجره ذلك إلى استحسان ما هم عليه من الكفر والضلال، فقال عليه الصلاة والسلام: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد وغيره بسند جيد، وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، مبيناً حكمة الشريعة في تحريم التشبه بالكفار، ووجوب مخالفتهم في الأمور الظاهرة؛ كالألبسة ونحوها:
"وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة: أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدْي الظاهر – وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة – لأمور:
منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقةٍ ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلُّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك، إلا أن يمنعه مانع.
ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينةً ومفارقةً توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من المولاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.
وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام – لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات، من حيث الجملة – كان إحساس بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبُعْده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.
ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً، لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له".
وبناء على ما تقدم فمما لا شك فيه أن من مظاهر الولاء للكفار: التشبه بهم، وارتداء ملابس تحمل شعاراتهم؛ كالصليب ونحوه، والعناية بصورهم، وتشجيع أنديتهم الرياضية، وتعليق أعلامهم على السيارات والبيوتات والمحال التجارية، والتسمي بأسمائهم الخاصة بهم، والدعوة إلى محبتهم وصداقتهم، والافتخار بالانتساب إليهم، وإلى رؤسائهم وأعيانهم، والانبهار بأهوائهم وأفكارهم المخالفة للإسلام، وما دروا أنهم بصنيعهم هذا يهدمون أصلاً من أصول الإسلام في أنفسهم وفي نفوس المسلمين، ويزيدون الأمة وهناً على وهن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والواجب على جميع المسلمين التمسك بهدي الإسلام المستقيم، والحذر من الانحراف عنه إلى طريق المغضوب عليهم والضالين، من اليهود والنصارى وسائر المشركين، والتواصي بالبر والتقوى، وكل ما فيه خير وعز للإسلام والمسلمين، وترك كل ما فيه ضرر على المسلمين والإعانة عليه، وترويجه ونشره.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/303) .
[الْمَصْدَرُ]
(1/962)
هل تذهب للكنسية مع والديها إرضاء لهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتدت أن أذهب الى الكنيسة برفقة والديَّ، ولكن لم أعد أذهب إليها مطلقاً، الأمر الذي جعلهما غاضبيْن مني، فما رأيكم: هل أذهب معهما لإرضائهما فقط؟ لا سيما أن والدتي مريضة في هذه الأيام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن مجرد دخول المسلم لكنائس النصارى فيه خلاف بين أهل العلم، فالجمهور على التحريم، وذهبت طائفة من الحنابلة إلى الكراهة، وطائفة أخرى ذهبت إلى القول بالجواز، وقد سبق ذِكر ذلك في جواب السؤال رقم (111832) ، ورجحنا هناك: الكراهة.
لكن ينبغي التفريق بين الذهاب للكنيسة الذي ليس فيه شيء من التعظيم، والتبجيل، لهم، ولدينهم، وبين الذهاب الذي يقع فيه شيء من هذه الأحوال من المسلم الذاهب إلى تلك الكنائس.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (82836) ذِكر بعض المفاسد في الذهاب للكنائس لعقد اجتماعات علمية، كما سبق التنبيه على ترك الدعوة إلى الإسلام فيها إن كان المقصود من ذلك إذلال المسلم، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (11232) .
وليست الكراهة في الذهاب إلى الكنيسة، أو جواز دخولها يشمل الداخل فيها لسماع ما يُقرأ من الإنجيل المحرَّف، أو ادعاء الولد لله تعالى، أو الافتراء عليه في التشريع، بل مثل هذا لا يُشك في حرمته، ولا يجوز لأحدٍ حضور ذلك مجاملة، أو إرضاء لأحدٍ، ولو كانا والديْن، كما سبق ذِكر ذلك عن علماء اللجنة الدائمة في الجواب المحال عليه أولاً، ومثل هذا الدخول يجوز في حال الضرورة، وذلك كأن يكون المسلمُ مُكرهاً إكراهاً حقيقيا من جهة أخرى، سواء شخص أو جماعة، قادرة على إيقاع عقوبة لا يحتملها به. ومتى استطاع التخلص من الذهاب لم يجز له الاستمرار في فعله.
ثانياً:
والذي نراه في مسألتِك: أن الأمر ليس إكراهاً، بل هو من أجل إرضاء والديكِ، وعليه: فلا نرى موافقتهما على الذهاب معهما إلى الكنيسة.
والذي ننصحك به في هذا المقام:
1. التلطف في معاملة والديكِ، وإظهار أكبر درجات الاحترام، والعناية بهما، والرعاية لهما، وخاصة والدتك المريضة، ومن شأن هذه المعاملة أن تجعلهم يغضون النظر عن إلزامك بالذهاب معهما إلى الكنيسة، فضلاً عن الغضب منكِ في حال لم تذهبي.
2. إبداء العذر المناسب الذي لا يجعلهما يغضبان منك، كالبقاء في البيت للدراسة، أو من أجل استقبال ضيفة من زميلاتك، وغير ذلك من الأعذار المناسبة.
3. تجنب الطعن في دينهم مباشرة، أو تسفيه ما يقال في الكنسية.
4. محاولة صرفهم عن الذهاب إلى هناك، مع إبداء عذر مقنع لك: وهو وجود الكم الهائل من أبناء دينهم ممن لا يذهبون لتلك الكنائس، ويفضل الإتيان بإحصائيات في ذلك، مما يتعلق ببلادكم.
5. عدم التقصير في دعوتهم للإسلام بالتي هي أحسن، عن طريق الكتيبات، أو الأشرطة، أو زيارة المواقع الإسلامية، أو القنوات الفضائية الإسلامية، كقناة " الهدى " باللغة الإنجليزية.
6. الصبر والاحتساب على ما تلاقينه من معاملة قاسية منهما، أو من غضب، بسبب عدم ذهابك معهما، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزانك يوم تلقينه.
7. المداومة على الدعاء لهما بالهداية، واحرصي على الأوقات الفاضلة للدعاء كالثلث الأخير من الليل، واحرصي عليه في خير حالات المؤمن، وهو السجود في الصلاة.
ونسأل الله أن يوفقك في مسعاكِ، وأن يثبتك على الحق والهدى، وأن يهدي والديك، ويكرمك برؤيتهما مسلميْن، موحديْن لربهما تعالى، وأن يُدخلكم جميعاً جنته.
ونرحب بتواصلك معنا، وتزويدنا بأخبارك مع والديك، وإذا قدَّر الله لهما الهداية أن تفرحينا بهذا الخبر.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/963)
حكم التجنس بجنسية " ترنيداد وتوباكو "
[السُّؤَالُ]
ـ[الدولة التي أعيش فيها اسمها " ترنيداد وتوباكو "، فهذا الاسم قد سماه " كريستوفر كولومبس "، وهو مكتشف هذه المنطقة من الأرض، فهل يجوز لي أن أستخدم اسم " ترينداديان" كاسم لجنسيتي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جمهورية " ترينيداد وتوباغو " (بالإنجليزية: Republic of Trinidad and Tobago) هي دولة تقع في جنوب " البحر الكاريبي "، على بعد 11 كيلومتراً من " فنزويلا "، تعتبر " ترينيداد وتوباغو " أرخبيلاً مكوناً من جزيرتين رئيسيتين هما " ترينيداد " - أكبر جزر " ترينيداد وتوباغو " – و " توباغو "، بالإضافة إلى 21 جزيرة صغيرة أخرى، مساحتها: 5128 كم2، وعدد سكانها: 1262366 (عام 2000) ، اللغة الرسمية فيها هي: اللغة الإنجليزية.
والبلاد مكونة من أعراق شتى، فالأفريقيون يشكلون حوالي نصف سكان البلاد - 43 % -، ويشكل الهنود الآسيويون، والصينيون نسبة عالية تصل 41 %، أما الأديان: فيمثل النصارى 53،4 %،، والهندوس 34،6 %، والمسلمون 12 % من جملة السكان.
وتعد الزراعة: الحرفة الأساسية لسكان " ترينداد وتوباغو ".
باختصار من موقع " ويكيبديا ".
ثانيا:
أما بخصوص اسم جنسيتك: فليست المسألة في الاسم، بل في التجنس نفسه، وقد ذكرنا حال الدولة من حيث عدد المسلمين – اسماً لا واقعاً -، ولا شك أن حكومة تلك الدولة ليست مسلمة، والمسلمون فيها أقلية، والذي يفتي به علماؤنا الثقات هو جواز الحصول على الجنسية من دولة كافرة إذا دعت الضرورة إلى ذلك، نحو من كان مطارداً في بلده، أو مطروداً منها، ولم يجد بلداً مسلماً يتجنس بجنسيته، بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكناً من أداء الشعائر الدينية، لا سيما من كان من أهل البلد الأصليين، وليس ممن دخلها للعمل أو الإقامة، فالرخصة له في حمل جنسية هذه الدولة أولى وأقوى.
أما الهجرة إلى مثل هذه البلاد، والتجنس بجنسيتها، لمجرد تحقيق مصالح دنيوية من هذه الجنسية: فلا يجوز في هذه الحال؛ لما في استخراجها من تولِّي الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر، أو بالقانون المخالف لشرع الله؛ ولأن استخراجها ذريعة إلى الإقامة في بلاد الكفار الدائمة، وهو أمر غير جائز، إلا لمن عجز عن تركها إلى بلد أفضل له في دينه منها.
وهذا ملخص لما ذكرناه في جواب السؤالين (14235) و (6247) ، وانظر زيادة على ذلك: جوابي السؤالين: (67782) (72955) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/964)
السفر إلى الخارج لتعلم اللغة، والدراسة الجامعية المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من بلاد الحرمين الشريفين وعلى وشك السفر إلى كندا والدراسة هناك لتعلم اللغة ومن ثم التفكير في مسألة الدراسة الجامعية أم لا، وأنا ولله الحمد ملتزم، ولا أخفيكم بأني رفضت هذه المسألة من البداية بعد أن قرأت بأنه لا يجوز الدراسة بالخارج، ولكن مع الضغوط من الأهل وأيضاً محاولة إقناعي بأن هناك في كندا لن أواجه مشكلة في إعلان ديني والقيام بكل ما أريد ولكن أواجه مشكلة مثلاً في [الاختلاط] حيث إن الدراسة هناك مختلطة. كيف أستطيع أن أواجه هذا الأمر؟ ، وأيضاً مسألة [اللحية] هل أقوم بإعفاء اللحية وهذا الذي أتمناه، أم أنه من الأفضل حلقها؟ خصوصاً وأنني باللحية ربما أكون ملفتاً للأنظار هناك، وأتمنى توجيه بعض النصائح لكل من يسافر لدراسة بالخارج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق لنا في فتاوى متعددة بيان حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في بعض حالات، وضمن شروط معينة، وليس من تلك الحالات أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام مع تعريض نفسه للفتن والانحرافات.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) .
وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين.
وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام.
وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا.
وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن ,
حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجر.
وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها:
1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل.
2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم.
3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم.
4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) .
ثانيا:
لا تجوز الدراسة المختلطة سواء كانت في بلادك أو في بلاد الغرب، وهي في بلاد الغرب أشد ضررا وإثما وخطرا، وقد أنعم الله عليك بجامعات غير مختلطة في بلادك فكيف تتركها وتذهب إلى أخرى مختلطة؟
وكيف تستبدل بنعمة الله عليك المقام في تلك البلدان مع البعد عن أهلك وإخوانك، ورؤية الكافرين صباحا ومساء، وما هم عليه من المنكر والباطل (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/182) : " اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً ... " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
وجاء فيها أيضا (12/173) : " لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
ثالثا:
يحرم على الرجل حلق لحيته؛ للأدلة الآمرة بإعفائها.
وينظر جواب السؤال رقم 110462.
والوصية لك أن تتقي الله تعالى، وأن تدع السفر إلى تلك البلاد، سواء كان لتعلم اللغة أو للدراسة الجامعية، وأن تبين لأهلك حرمة هذا السفر الذي يعرض الإنسان للفتنة، ويوقعه في الاختلاط المحرم.
ولا يلزمك طاعة أهلك في هذا السفر؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فاحفظ دينك وأمانتك، واحمد الله على ما أنعم عليك، واطلب ما تريد من العلم في بلدك، ولَنَقْصٌ في أمر الدنيا أهون من عذاب في الآخرة.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/965)
لماذا حرم الإسلام تشبه المسلمين بالكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرم الإسلام على المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التشبه بالغير حالة تطرأ على النفس البشرية، تدل على عظم محبة المتشبه بمن تشبه به، وهي في كثير من أحيانها ظاهرة غير صحية، وقد أولت الشريعة هذه القضية [تشبه المسلمين بالكفار] اهتماماً بالغاً، وحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم تحريماً قاطعاً، فقال: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
"وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة/51.
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه" انتهى باختصار من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/270، 271) .
ويمكن تلمس الحكمة من تحريم تشبه المسلمين بالكفار من معرفة أضرار هذا التشبه وآثاره السيئة، فمن ذلك:
1- أن تشبه المسلم بالكافر يدل على تفضيل المسلم لهيئة الكافر على هيئة نفسه، وهذا قد يكون فيه شيء من الاعتراض على شرع الله تعالى ومشيئته.
فالمرأة التي تتشبه بالرجل كأنها معترضة على الهيئة التي خلقها الله عليها، وغير راضية عنها.
وكذلك المسلم إذا تشبه بالكافر، فإنه يعلن أن هيئة الكافر خير له من الهيئة التي أكرمه الله بها، وأمره أن يكون عليها.
2- التشبه بالغير دليل على الضعف النفسي، والهزيمة النفسية، والشريعة لا تقبل من المسلمين أن يعلنوا تلك الهزيمة، حتى وإن كانت واقعاً.
إن الاعتراف بالهزيمة وإعلانها يزيد الضعيف ضعفاً، ويزيد القوي قوة، وهذا قد يكون من أكبر العوائق على نهوض الضعيف وتصحيحه لمساره.
ولهذا فإن العقلاء من أي أمة من الأمم يأبون أن تقلد شعوبهم عدوهم، بل إنهم يحرصون على تميزهم بتراثهم وتقاليدهم وأزيائهم حتى ولو رأوا أن العدو له تراث وتقاليد وأزياء خير مما هم عليه؛ وما ذلك إلا لأنهم يدركون الأبعاد النفسية والاجتماعية، بل والسياسية للتبعية الشكلية للعدو.
3- التشبه في المظهر الخارجي ملازم للمحبة والولاء القلبي، فلا يتشبه الإنسان إلا بمن يحبه، والمسلمون مأمورون بالبراءة من الكفار بشتى أنواعهم، قال الله تعالى: (لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران/28. وقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله) . رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (998) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/549) : "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة" انتهى.
فالتشبه بالكفار فيه هدم لهذا الأصل من أصول الدين: وهو البراءة من الكفار وبغضهم.
4- التشبه بالكفار في الظاهر يؤدي إلى ما هو أخطر، وهو التشبه بهم في الباطن، فيعتقد اعتقادهم، أو يرى تصحيح مذاهبهم وآرائهم، فبين الظاهر والباطن ارتباط وثيق، ويؤثر أحدهما على الآخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/548) : "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيماناً من غيرهم" انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "لأن المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس؛ ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب" انتهى من الفروسية ص (122) .
فهذه بعض الحكم الظاهرة جداً لتحريم الشرع تشبه المسلمين بالمشركين، وعلى المسلم أن يمتثل حكم الله تعالى ويؤمن أن الله تعالى لن يأمره إلا بما فيه الحكمة والمصلحة والسعادة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/966)
حديث لا تراءى ناراهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث ورد بمعنى أن نار المؤمن ونار الكافر لا تتراءيان، وأظن المعنى أنهما لا تتجاوران؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) .
جاء هذا الحديث على وجهين اثنين:
1. مسندا متصلا من رواية قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي: رواه أبو داود برقم (2465) ، والترمذي برقم (1064) ، وغيرهم.
2. مرسلا من رواية قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم: رواه النسائي برقم (4780) ، وغيره.
وقد ذهب غير واحد من أئمة الحديث إلى ترجيح كون الحديث مرسلا وليس مسندا، منهم أبو حاتم والبخاري والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم.
قال الترمذي رحمه الله: " سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن قيس بن أبي حازم مرسل.
قلت له: فإن حماد بن سلمة روى هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير؟ فلم يَعُدَّهُ محفوظا " انتهى.
"العلل الكبير" (2/100) .
وقال أبو داود رحمه الله، بعدما روى الحديث مسندا في سننه: " رَوَاهُ هُشَيْمٌ وَمَعْمَرٌ وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا جَرِيرًا " انتهى.
وانظر: "البدر المنير" لابن الملقن (9/163) .
فالحديث على هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا:
أما عن شرح هذا الحديث، فننقل هنا أقوال أهل العلم فيه:
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله:
" أما قوله: (لا تراءى ناراهما) ففيه قولان:
أما أحدهما: فيقول: لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين، فيكون منهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه، فيجعل الرؤية في هذا الحديث في النار، ولا رؤية للنار، وإنما معناه أن تدنو هذه من هذه، وكان الكسائي يقول: العرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان ودورنا تناظر، ويقول: إذا أخذت في طريق كذا وكذا، فنظر إليك الجبل: فخذ عن يمينه أو يساره، هكذا كلام العرب. قال الله عز وجل وذكر الأصنام فقال: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الأعراف/197-198، فهذا وجه.
وأما الوجه الآخر فيقال: أراد بقوله: (لا تراءى ناراهما) يريد نار الحرب، قال الله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) المائدة/64، فيقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله تبارك وتعالى، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان؟ وكيف يساكن المسلم المشركين في بلادهم، وهذه حال هؤلاء وهؤلاء.
ويقال: إن أول هذا أن قوما من أهل مكة أسلموا وكانوا مقيمين بها على إسلامهم قبل فتح مكة، فقال النبي عليه السلام هذه المقالة فيهم، ثم صارت للعامة " انتهى.
"غريب الحديث" (2/88-89) .
وقال ابن الأثير رحمه الله: " أي: يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم.
وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان، وحث المسلمين على الهجرة. والترائي: تفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم: إذا رأى بعضهم بعضا، وتراءى لي الشيء: أي ظهر حتى رأيته.
وإسناد الترائي إلى النارين مجاز من قولهم: داري تنظر إلى دار فلان: أي تقابلها.
يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟! والأصل في " تراءى " تتراءى، فحذف إحدى التاءين تخفيفا " انتهى.
"النهاية في غريب الحديث" (2/447) .
وقد سبق في موقعنا العديد من الأسئلة التي توضح حكم إقامة المسلم بين أظهر المشركين، يمكن مراجعتها في قسم (الولاء والبراء) ، وانظر جواب السؤال رقم: (11793) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/967)
حكم مشاركة المسلم في التجارة مع الكافر والفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أشترك مع كافر أو فاسق في التجارة؟ وإذا كنتُ شريكاً في التجارة مع رجل مسلم فاسق، أو كافر، ثم انسحبت لكن بقي رأس مالي عنده على أساس يسدد لي المال نقداً بدل البضاعة في المستقبل، فهل عليَّ زكاة مالي الذي يتجر فيه، علماً بأني لا أحصل على أي فائدة من ذلك المال، أم الزكاة على شريكي؟ علماً بأن شريكي لا يدفع الزكاة، أو أنه قد يدفع الزكاة لكن في غير مصاريف الزكاة، فإذا لم يدفع زكاة ذلك المال فهل عليَّ زكاة ذلك؟ وأيضاً قررنا أن يسدد لي الدَّين الذي عليه بأن نبني بناية لنؤجرها، ففي هذه الحال كيف يكون الزكاة؟ يعني: أني لا أحصل الدَّين الذي على شريكي نقداً، بل عند سداد الدَّيْن الذي عليه سيذهب ذلك المال مباشرة في تكلفة البناية، نرجو منكم التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشاركة المسلم للكافر والفاسق في التجارة أو العمل جائزة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيبر " اليهود أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. رواه البخاري (2366) .
فهذه مشاركة بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود على العمل في الأرض، فالعمل من اليهود، والأرض من النبي صلى الله عليه وسلم، والزرع الناتج يقسم مناصفة.
والحديث بوَّب عليه البخاري في كتاب الشركة من صحيحه بقوله: " باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة ".
ثانياً:
مشاركة المسلم للكافر تكون ممنوعة إذا كانت ستؤدي إلى موالاة الكافر ومحبته.
والذي ينبغي أيضاً إذا كانت المشاركة في التجارة أن يتولى المسلم التجارة بنفسه، أو يكون رقيباً على معاملات الكافر أو الفاسق، حتى لا يتعاملا بالربا أو غيره من المحرمات.
قال الشيخ صالح الفوزان في " الملخص الفقهي " (2 / 124) :
"وتجوز مشاركة المسلم للكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف، بل يكون بإشراف المسلم؛ لئلا يتعامل الكافر بالربا، أو المحرمات إذا انفرد عن إشراف المسلم" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام، أو تجارتها، أو أي تجارة أخرى؟
فأجاب:
"فإن اشتراك مسلم مع نصراني، أو غيره من الكفرة في المواشي، أو في الزراعة، أو في أي شيء آخر: الأصل في ذلك: جوازه إذا لم يكن هناك موالاة، وإنما تعاون في شيء من المال، كالزراعة، أو الماشية، أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية: المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر؛ لأنه لا يؤمن.
وهذا فيه تفصيل: فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله: حرمت هذه الشركة؛ لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها، حتى لا يخدع: فلا حرج في ذلك.
ولكن بكل حال: فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين، دون غيرهم، حتى يأمن على دينه، ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين: فيه خطر على خلُقه، ودينه، وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر؛ حفظاً لدينه، وحفظاً لعِرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم.
أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه، أو عرضه، أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه؛ فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة، والأعمال فيها: المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 377، 378) .
ثالثاً:
خروجك من الشركة وبقاء نصيبك فيها دَيناً على شريكك، يقطع علاقتك بالشركة، فلا زكاة عليك فيما يتعلق بمال الشركة.
وإنما عليك زكاة هذا الدَّين الذي لك عند شريكك، حتى وإن كنت ستبني به بناية.
فما دام الدين في ذمة شريكك، فعليك زكاته، وزكاة الدين فيها تفصيل ذكرناه في جواب السؤال رقم (1117) ، وخلاصته:
إن كان شريكك غنياً باذلا للدين فعليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول، وإن كان فقيراً أو معسراً أو ماطلاً، فالأحوط أن تزكيه عن سنة واحدة إذا قبضته، حتى ولو مر عليه عند شريكك عدة سنوات.
وانظر جواب السؤال (119047) ، فهو شبيه بسؤالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/968)
حكم إدخال كلمات أجنبية في الكلام العربي أثناء الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يتكلم بكلمات أجنبية أثناء كلامه العربي، وقد لا يكون هناك أي داع لهذه الكلمات، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللغة العربية هي أشرف اللغات، وهي شعار الإسلام، ولهذا اختصها الله تعالى وأنزل بها أفضل كتبه، وهو القرآن الكريم، وجعلها لغة خاتم الرسل وأفضلهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فينبغي للمسلم أن يعتز بتلك اللغة ويحرص عليها، ولا يتكلم بغيرها إلا لحاجة.
وقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم نهوا عن الكلام بغير العربية.
روى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم) .
والرطانة هي التكلم بالأعجمية. "مختار الصحاح" مادة (رطن) (ص246) .
وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: (ما بال الفارسية بعد الحنيفية!) .
وكان بعض الناس يسمون التاجر بـ "السمسار" وهي كلمة أعجمية، فكره ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، وقال: " سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً، ولا ينطق بالعربية، فيسمى شيئاً بأعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها، لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوباً فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية " انتهى نقلا من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/521) .
فقد كره الإمام الشافعي رحمه الله لمن يعرف العربية أن يخلط كلامه العربي بكلام أعجمي.
فإن وجدت حاجة للكلام الأعجمي، كما لو كان المخاطَب لا يفهم العربية، فلا حرج من الكلام الأعجمي حينئذ.
ونُقل عن بعض السلف أنهم كانوا يتكلمون في ثنايا كلامهم بكلمات أعجمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك لإفهام المخاطب، إما لكونه أعجمياً، أو قد اعتاد العجمية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وقد كساها ثوباً: (يا أم خالد، هذا سنا) رواه البخاري (5845) .
والسنا بلغة الحبشة: الحسن، وإنما خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لأنها كانت صغيرة، وقد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها.
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية – التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن – حتى يصير ذلك عادة للمصر – أي: البلد -، وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه ... ، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم " انتهى باختصار وتصرف من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/525 - 526) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يدخل البعض في طيات كلامه العربي كلمات أجنبية عندما تتحدث معه , وربما كانت هذه الكلمات لا حاجة لها، فما تعليقكم على هذا الأمر؟
فأجاب: " تعليقي: أن المسلم ينبغي له أن لا يتكلم بغير العربية، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من العربية إلا قليلاً، فإن هذا لا بأس به.
أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى؛ لأن أفضل اللغات وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية، ولهذا نزل القرآن باللغة العربية، وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم اللسان العربي، وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية " انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (1084) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (90066) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/969)
الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم التشبه بالمشركين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تبين لي الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم تشبه المسلمين بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم.
وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية، خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين، جهلاً بدينهم، أو اتباعاً لأهوائهم، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع.
ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) .. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ) رواه مسلم (302) .
وأدلة هذه القاعدة كثيرة في الكتاب والسنة.
أما أدلة القرآن الكريم، فمنها:
1. قول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الجاثية/16-18.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر، شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في (الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) كل من خالف شريعته، و (أهواؤهم) هي ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك" انتهى.
ومثل هذه الآية في الاستدلال، قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد/36، 37.
فمتابعتهم والتشبه بهم فيما يختصون به هو من اتباع أهوائهم.
2. قول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد/16.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" فقوله: (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب) نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية (4/396) : "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية " انتهى.
3. قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/104.
قال ابن كثير رحمه الله (1/197) : " نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص، عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا قالوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: (مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/46.
وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: (السام عليكم) والسام هو الموت، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ (وعليكم) وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً " انتهى.
فهذه الآيات ـ وغيرها مما لم نذكره ـ تبين أن ترك التشبه بالكفار في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي جاء بها القرآن الكريم.
وأما أدلة السنة على هذه القاعدة، فهي كثيرة جداً، منها:
1. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031) .
وصحح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1/342) ، وحسنه الحافظ في الفتح (10/222) ، والألباني في كتاب "حجاب المرأة المسلمة" (ص203) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) .
فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك.
وبكل حال، فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً [أي: تحريم التشبه بهم من أجل أنه تشبه، لا لسبب آخر] " انتهى.
2. روى أبو داود (652) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَالِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا يدل على أن مخالفة اليهود أمر مقصود في الشرع.
3. عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا) رواه مسلم (2077) .
فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب بأنها من لباس الكفار.
4. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) رواه مسلم (259) .
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً، ثم ذكر من ذلك: قص الشوارب، وإعفاء اللحي.
5. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ) رواه البخاري (3462) ومسلم (2103) .
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى) رواه أحمد (7492) ، وقال الألباني في "حجاب المرأة المسلمة (ص189) : " إسناده حسن " انتهى.
وهذا الحديث أدل على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن مشابهتهم؛ لأن بياض الشيب ليس من فعلنا، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبقاءه وعدم تغييره من التشبه باليهود والنصارى، وقد نهى عن ذلك، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى.
6. عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: (اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني: البوق) ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ) رواه أبو داود (498) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعَّلل النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للبوق بأنه من أمر اليهود، وكراهته للناقوس بأنه من أمر النصارى، وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى.
7. عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: (قلت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) رواه مسلم (832) .
قال شيخ الإسلام بن تيمية:
"فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللاً ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار.
ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق..... وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية، ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة، وحسماً للمادة" انتهى.
8. وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم (1134) .
فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء.
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها: (صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص177) .
فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن التشبه بالمشركين، والأمر بمخالفتهم، وهذا يدل على أن ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية، فعلى المسلمين أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها.
وقد اختصرنا هذا البحث من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، فمن أراد التوسع فليرجع إليه، فإنه لم يؤلف في هذا الموضوع مثله.
وانظر كتاب "حجاب المرأة المسلمة" للألباني رحمه الله (ص161-212) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/970)
حكم بناء الكنائس والمعابد الكفرية في جزيرة العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بناء الكنائس أو المعابد لغير المسلمين في جزيرة العرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدر من اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى مطولة في هذا الموضوع، جاء فيها:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من عدد من المستفتين بشأن حكم بناء المعابد الكفرية في جزيرة العرب، مثل: بناء الكنائس للنصارى، والمعابد لليهود وغيرهم من الكفرة، أو أن يخصص صاحب شركة أو مؤسسة مكانا للعمالة الكافرة لديهم يؤدون فيه عباداتهم الكفرية. . . إلخ.
وبعد دراسة اللجنة لهذه الاستفتاءات أجابت بما يلي:
كل دين غير دين الإسلام فهو كفر وضلال، وكل مكان للعبادة على غير دين الإسلام فهو بيت كفر وضلال، إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس، وناسخة لما قبلها، وهذا مجمع عليه بحمد الله تعالى.
ومن زعم أن اليهود على حق، أو النصارى على حق، سواء كان منهم أو من غيرهم فهو مكذب لكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وهو مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بعد إقامة الحجة عليه، إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سبأ/28، وقال عز شأنه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) الأعراف/158، وقال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال جل وعلا: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران/85، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة/6، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة) ، ولهذا صار من ضروريات الدين تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية، لأن العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان/23. ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية، مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وأن لا يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أحدثت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها، بل تجب طاعته، وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أن بناء المعابد الكفرية، ومنها الكنائس في جزيرة العرب، أشد إثما وأعظم جرما؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) رواه الإمام مالك وغيره وأصله في الصحيحين.
فجزيرة العرب حرم الإسلام، وقاعدته التي لا يجوز السماح أو الإذن لكافر باختراقها، ولا التجنس بجنسيتها، ولا التملك فيها، فضلا عن إقامة كنيسة فيها لعُبَّاد الصليب، فلا يجتمع فيها دينان، إلا دينا واحدا هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا يكون فيها قبلتان، إلا قبلة واحدة هي قبلة المسلمين إلى البيت العتيق، والحمد لله الذي وفق ولاة أمر هذه البلاد إلى صد هذه المعابد الكفرية عن هذه الأرض الإسلامية الطاهرة.
وإلى الله المشتكى مما جلبه أعداء الإسلام من المعابد الكفرية من الكنائس وغيرها في كثير من بلاد المسلمين. نسأل الله أن يحفظ الإسلام من كيدهم ومكرهم.
وبهذا يعلم أن السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية مثل الكنائس أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة - فهو كافر) ، وقال أيضا: (من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر صار مرتدا) انته.
عائذين بالله من الحَوْر بعد الكَوْر، ومن الضلالة بعد الهداية، وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ. فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/25-28.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/268-471) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/971)
أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ 5 سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج 4 سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار.
هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم.
ثانياً:
ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم.
ثالثاً:
والواجب عليك وعلى أمهم:
1. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر.
2. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم.
3. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود.
04 الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه.
05 تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /6-7
ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/972)
حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السفر إلى بلاد الكفار خطير، يجب الحذر منه إلا عند الضرورة القصوى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) ، وهذا خطر فيجب الحذر.
فيجب على الدولة وفقها الله أن لا تبعث إلى بلاد المشركين إلا عند الضرورة، مع مراعاة أن يكون المبعوث ممن لا يخشى عليه لعلمه وفضله وتقواه , وأن يكون مع المبعوثين من يلاحظهم ويراقبهم ويتفقد أحوالهم , وهكذا إذا كان المبعوثون يقومون بالدعوة إلى الله سبحانه , ونشر الإسلام بين الكفار لعلمهم وفضلهم، فهذا مطلوب، ولا حرج فيه.
أما إرسال الشباب إلى بلاد الكفار على غير الوجه الذي ذكرنا , أو السماح لهم بالسفر إليها فهو منكر، وفيه خطر عظيم , وهكذا ذهاب التجار إلى هناك فيه خطر عظيم؛ لأن بلاد الشرك - الشرك فيها ظاهر - والمعاصي فيها ظاهرة , والفساد منتشر , والإنسان على خطر من شيطانه وهواه ومن قرناء السوء فيجب الحذر من ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/46) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/973)
مخاطر سفر الطلاب للدراسة في الخارج والإقامة مع العائلات هناك
[السُّؤَالُ]
ـ[تلقيت عرضاً للعمل كممثل لمدارس لغات إنجليزية تقع بكندا واستراليا وبريطانيا وأمريكا وذلك لكي أقوم بتمثيل هذه المدارس ببعض البلاد العربية، وستتمثل مهمتي في أن أقوم بالتسويق لهذه المدارس، وتسجيل الطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم أو تدريبهم بهذه البلاد، كما سيكون من واجبي أيضاً حجز السكن بالمدارس أو الجامعات أو الفنادق أو مع الأسر المضيفة، وسأتلقى عمولة عن هذا العمل، فهل هذا العمل حلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخفى أن سفر الطلاب إلى الخارج، وسكنهم مع العائلات المضيفة، يحتوي على مجموعة من المحاذير الشرعية، ومنها:
1- الخطر العظيم على دينهم وأفكارهم وثقافتهم، لا سيما إذا كانوا في مرحلة الشباب، وانتقلوا إلى تلك البيئات التي يغلب عليها الانحلال الخلقي، والانحراف الفكري، ولهذا رجع كثير من أبناء المسلمين المبتعثين إلى تلك البلدان بلا دين، أو بلا هوية، أو بأمراض وانحرافات سلوكية وفكرية.
ولهذا اشترط أهل العلم للدراسة في بلاد الغرب أن يكون الدارس ذا علم يمنعه من الشبهات، وذا دين يحجزه عن الشهوات، وأن يكون ذلك تحت رقابة من الدولة أو من الأسرة تحول بينه وبين التأثر بالانحرافات الموجودة هناك.
2- أن إقامة الطالب مع ما يسمى بالعائلات المضيفة، يعرضه لمزيد من الخطر والفتنة؛ لما في ذلك من الاختلاط بأهل البيت، والتأثر بعاداتهم، والمحاكاة لهم، وقد يجره ذلك إلى علاقات محرمة مع أهل البيت أو من يحيط بهم، وينظر في الموقع حكم السكن مع العوائل في الخارج (13694) .
3- أن الاختلاط في التعليم أمر محرم، والغالب في مدارس تلك الدول ومعاهدها هو الاختلاط، فلا يجوز إرسال الأبناء إلى تلك الأماكن، لما في ذلك من إعانتهم على الحرام والإثم والعدوان، وينظر في تحريم الاختلاط جواب السؤال رقم (1200) .
4- أنه إذا كانت الدارسة فتاة، فإن المحذور في حقها أشد؛ لما يقتضيه ذلك من سفرها بلا محرم، وإقامتها بعيدا عن أهلها، مما يعرضها للفتنة، ويجرها للشر.
ولهذا؛ فلا يستريت عاقل في أن إرسال أبناء المسلمين إلى تلك البلدان - دون رقابة ومتابعة وإشراف مباشر يمنعهم من الاندماج في المجتمع والتأثر بثقافته وفكره - أن ذلك من أعظم الجناية عليهم، والتفريط في حقهم، وهو من أسباب انحراف المجتمع المسلم، لكون هؤلاء الدارسين يعودون فيتبوؤن المناصب، ويحوزون التقديم، وهم قد انسلخوا من دينهم وعقيدتهم، وتحللوا من أخلاقهم وقيهم، إلا من عصم الله.
والمتتبع لمسيرة التغريب في المجتمعات الإسلامية يجد أنها قامت على يد هؤلاء المبتعثين إلى الخارج، الذين أرادوا أن يكون مجتمعهم جزءا من المجتمعات المنحلة التي عاشوا فيها، وانبهروا بانحرافها.
وما زال أهل العلم والغيرة يحذرون من المدارس الأجنبية المقامة في بلدان المسلمين، وما لها من أثر في التغريب وطمس الهوية، فكيف إذا كان الطالب سيذهب إلى بلادهم، ويجلس فيها دون رقيب أو حسيب.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله مبينا ضوابط ابتعاث الطلاب إلى الخارج: " أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية , واختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه وصلاحه ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة , ويقوم بالدعوة إلى الله هناك , وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة , ويتفقد أحوالها وتصرفات أفرادها , ويقوم بإرشادهم وتوجيههم , وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه وتشكيك وغير ذلك.
وينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ولو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل والشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها , ويبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها , والحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكلام أهل العلم مثل أحكام الرق , وتعدد الزوجات بصفة عامة , وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة , وحكم الطلاق , وحكمة الجهاد ابتداء ودفاعا وغير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (1/387) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كان الواقع كما ذكر من أن التخصص الذي تدرسه موجود في بلدك الإسلامي، وأن الدراسة في الخارج مشتملة على مفاسد كثيرة في الدين والأخلاق وعلى الزوجة والأولاد - فإنه لا يجوز لك السفر لهذه الدراسة؛ لأنها ليست من الضرورات، مع وجودها في بلدك الإسلامي، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في التحذير من الإقامة في بلاد الكفار من غير مسوغ شرعي؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) وغيره من الأحاديث، وما وقع فيه بعض المسلمين من السفر إلى بلاد الكار من غير ضرورة هو من التساهل الذي لا يجوز في دين الله، وهو من إيثار الدنيا على الآخرة، وقد قال الله جل وعلا: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) الأعلى/16، 17، وقال سبحانه: (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) النساء/77.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له) انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/93) .
وبناء على ذلك، فإنه لا يجوز أن تشجع أو تعين أحداً على الدراسة في الخارج إلا إذا علمت انضباطه بالشرع، وخلو سفره من المحا ذير، وذلك إذا كان يسافر لدراسة لا تتوفر في بلده، وكان ضمن هيئة تشرف عليه وتراقبه، أو كان من السن والعلم والدين بحيث يؤمن عليه الاغترار بالشبهات والانجذاب للشهوات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/974)
المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الشروط الواجب توفرها في بلد حتى تكون دار حرب أو دار كفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل بلاد أو ديار يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ويحكمون رعيتها بشريعة الإسلام، وتستطيع فيها الرعية أن تقوم بما أوجبته الشريعة الإسلامية عليها؛ فهي دار إسلام، فعلى المسلمين فيها أن يطيعوا حكامها في المعروف، وأن ينصحوا لهم، وأن يكونوا عونا لهم على إقامة شؤون الدولة، ودعمها بما أوتوا من قوة علمية وعملية، ولهم أن يعيشوا فيها، وألا يتحولوا عنها إلا إلى ولاية إسلامية، تكون حالتهم فيها أحسن وأفضل، وذلك كالمدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وإقامة الدولة الإسلامية فيها، وكمكة بعد الفتح؛ فإنها صارت بالفتح وتولي المسلمين أمرها دار إسلام بعد أن كانت دار حرب تجب الهجرة منها على من فيها من المسلمين القادرين عليها.
وكل بلاد أو ديار، لا يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ولا يحكمون في الرعية بحكم الإسلام، ولا يقوى المسلم فيها على القيام بما وجب عليه من شعائر الإسلام؛ فهي دار كفر، وذلك مثل مكة المكرمة قبل الفتح، فإنها كانت دار كفر، وكذا البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، ويحكم ذوو السلطان فيها بغير ما أنزل الله، ولا يقوى المسلمون فيها على إقامة شعائر دينهم، فيجب عليهم أن يهاجروا منها، فرارا بدينهم من الفتن، إلى ديار يحكم فيها بالإسلام، ويستطيعون أن يقوموا فيها بما وجب عليهم شرعا، ومن عجز عن الهجرة منها من الرجال والنساء والولدان فهو معذور، وعلى المسلمين في الديار الأخرى أن ينقذوه من ديار الكفر إلى بلاد الإسلام، قال الله تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97) إلا المستضعفين من النساء والرجال والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا " النساء:97-99، وقال تعالى: " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا " النساء: 75، أما من قوي من أهلها على إقامة شعائر دينه فيها، وتمكن من إقامة الحجة على الحكام وذوي السلطان، وأن يصلح من أمرهم، ويعدل من سيرتهم، فيشرع له البقاء بين أظهرهم؛ لما يرجى من إقامته بينهم من البلاغ والإصلاح، مع سلامته من الفتن.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/975)
الاحتفال في المناسبات والأعياد، ما يجوز منه، وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الزمن، حيث نعيش في القرية العالمية مع كل الجاليات الأخرى، هل يجوز الاحتفال بأعياد الميلاد الشخصية، ومناسبات الأعراس بطريقة إسلامية، والتي فيها لا نقحم أنفسنا في أي ممارسات غير إسلامية ما دام أن هذه المناسبات، والاحتفالات لا تنتسب إلى أي دين، مثل " الهالوين "، و " الكريسميس " و " الفالنتاين " المسيحية، و " الديسيرا " و " الديفالي " الهندوسيين، وغيرها؟ . هل يمكن الاحتفال بالمناسبات التي ليس لها ارتباط ديني؟ لقد عرفت أن هناك إمكانية لإقامة احتفال بسيط كما مذكور في الفتاوى على مواقع: daruliftaa.com; islamonline.net، أجده صعباً جدّاً أن أقنع أطفالي أن ما كنا نفعله في السنوات الخمس عشرة، وكل ما يمارس حولنا: ليس إسلاميّاً، وليس له قبول في ديننا. لطفاً، أجيبوا مع وضع كل ما مضى في ذهنكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في شرع الله تعالى من إقامة الاحتفالات في الأعراس، أو غيرها من المناسبات الدنيوية، بشرط خلوها من المنكرات، كالاختلاط، والمعازف، وهذه الاحتفالات ليست من العبادات التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى، بل هو اجتماع لإظهار الفرح والسرور، والأصل في العادات الإباحة، بخلاف العبادات فإن الأصل فيها المنع والتحريم.
ومن الاحتفالات الممنوعة في الشرع – عدا ما فيه منكرات ومعاصٍ -: ما كان فيه مشابهة لأهل الكفر، كالاحتفال بيوم الميلاد، ويوم الأم، ويشتد المنع إذا اتخذت صورة تشبه صورة الأعياد الشرعية؛ وهو أمر واقع حال تلك المناسبات، فيطلق عليها " عيد الميلاد "، و" عيد الأم "، وهي مناسبات فيها مشابهة لأهل الكفر، والذين نهينا على التشبه بهم، مما يختصون به، ويشتد المنع أكثر إذا كان يقصد المحتفل بها التقرب إلى الله تعالى، وحينئذٍ تجمع بين المعصية، والبدعة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم تعييد ميلاد الأولاد؟ يقال عندنا: إن من الأحسن الصوم في ذلك اليوم بدلا من التعييد، ما هو الصحيح؟
فأجابوا: " عيد الميلاد، أو الصيام لأجل عيد الميلاد: كل ذلك بدعة، لا أصل له، وإنما على المسلم أن يتقرب إلى الله بما افترضه عليه، وبنوافل العبادات، وأن يكون في جميع أحيانه شاكراً له، وحامداً له، على مرور الأيام، والأعوام عليه وهو معافى في بدنه، آمناً على نفسه، وماله، وولده " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 260 , 261) .
وما ذكرته في شأن الكريسميس، من أنه لا ينتمي إلى دين معين، غير صحيح، بل هو عيد ديني عند النصارى، يتحفلون فيه بميلاد المسيح عليه السلام، وإذا كنا نمنع من الاحتفال بميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونراه من الأعياد المبتدعة، فكيف بمن يوافق النصارى على عيدهم المبتدع.
وانظر حول الكريسميس جواب السؤال رقم (1130) ، (947) ، (85108) .
وانظر فتوى للشيخين عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين رحمهما الله في حكم الاحتفال بعيد الميلاد في جوابي السؤالين: (1027) ، (26804) .
وانظر فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيما يسمى " عيد الأم " في جواب السؤال رقم: (59905) .
وفي موقعنا هذا مقال مفصَّل حول ما يسمى " عيد الأم "، وفيه نبذة عن تاريخه، وفتاوى أهل العلم في حكمه، فانظر هنا:
http://www.islam-qa.com/index.php?pg=article&ln=ara&article_id=92
وانظر كلمة عامة في الأعياد المبتدعة: جواب السؤال رقم: (10070) .
وللوقوف على منكرات الأعراس، وفتاوى أهل العلم فيها: انظر أجوبة الأسئلة: (60442) و (10791) و (9290) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/976)
غريب بين أهله وأقربائه العصاة، يريد النصح والتوجيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم، أعيش في بنجلاديش، والدي توفي عندما كنت في الثامنة من عمري، أمي، وكل أفراد العائلة، وقريباتي لا يلتزمون بالحجاب الإسلامي، هذا هو سبب أنني لم أزر أبدا أيّاً من قريباتي عندما يدعونني إلى منازلهم، أغلب أقاربي صغار السن مثلي لا يصلون الصلوات اليومية، يقولون: إن الله قسم رحمته إلى مائة جزء، واحتفظ بتسعة وتسعين جزءا منها عنده، مشيرين إلى أنهم إذا صلوا صلاة العيد فقط: الله سيغفر لهم، أعرف بنفسي الأحاديث عن الصلاة، وحاولت أن أخبرهم أنهم غير منطقيين جدّاً، ويتبعون شهوات نفوسهم فقط، كيف ينبغي عليَّ التصرف مع مثل هؤلاء الأقارب؛ لأن كل أقاربي مثل هؤلاء؟ وبسبب توقفي عن الذهاب إلى بيوتهم عندما يدعونني: بدؤوا ينادونني بأنني غير اجتماعي، كيف ينبغي أن أرد على هؤلاء الأشخاص عديمي المنطق والعقل، الذين يتبعون شهواتهم فقط؟ كيف أتصرف مع أمي وأخي الأصغر لأنهما يشاهدان الأفلام الهندية على تلفزيون " ... "، ويستمعان إلى الأغاني على قناة " ... "؟ . أخي يصلي وقتما يشاء، أحياناً خمس مرات، وأحياناً أخرى لا شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إننا نشعر معك أخي الفاضل، وشعورك بالغربة في بيئتك يشاركك فيه ألوف من الناس، بل ملايين، يعيشون بين ظهراني أهليهم، ولا يجدون منهم نصرة وتأييداً، بل يجدون كل شرٍّ وسوء، من التثبيط عن الطاعة، والتخذيل عن إقامة شرع الله في نفسه وحياته، وتزداد الغربة أكثر عندما يكون ذلك الغريب " أنثى " مكسورة الجناح، مهضومة الحقوق، ونبشرك أن هؤلاء الغرباء كان لهم من العمل لدين الله تعالى الشيء الكثير، وكانت نتائج دعوتهم عظيمة، وكل ذلك كان بفضل الله ورحمته، عندما صبروا واحتسبوا ما لا يلاقونه في سبيل الله تعالى.
وفي الوقت ذاته نقول: إنَّ ما عانى منه أوائل هذه الأمة من القهر والأذى والضرر يهون معه ما يصيبنا من أهلينا وأقربائنا، فأين ما أصابك – مثلاً – من طعنهم بك أنك " غير اجتماعي " مع ما طعنوا به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا عنه: ساحر، وكذاب، ومجنون، ثم إن المنافقين طعنوا في عرضه، فاتهموا زوجته عائشة بالفاحشة! وليس هذا فحسب، بل أيضاً رفعوا السلاح في وجوه أشقائهم، وآبائهم، وأقربائهم، واستباحوا دماءهم، وقاتلوهم، فضلاً عما قام به بعضهم من السجن، والتعذيب، والقهر.
فالصبر الصبر، والاحتساب الاحتساب، ولا تكن في ضيق مما يمكرون، وكن مع الله ولا تبالِ، واحرص على نفسك أن تنقذها من النار أولاً، ثم اسعَ في دعوة غيرك.
ثانياً:
مما نوصيك به في باب دعوتهم ونصحهم:
1. أن تخلص نيتك في الدعوة، وأن لا تبتغي بذلك إلا وجه الله.
2. أن تكون قدوة حسنة عند أهلك وأقربائك، ومن ذلك: أن تلتزم بشرع الله تعالى في خاصة نفسك، وأن تلتزم بأخلاق الإسلام في كل أمورك.
3. أن لا تتنازل عن شيء من شرع الله من أجلهم، فإن هذا من شأنه أن يقلل من مهابة التزامك بالشرع عندهم.
4. أن تنتقي من أهلك وأقربائك العقلاء منهم، وأن تحاول أن تضم إلى صفك من يقوِّي جانبك، ويشد من أزرك، ولا تنتبه للسفهاء والحمقى، فتضيع منك أوقات أنت أولى بها.
5. أن تستمر على مقاطعتك لمجالس أقربائك إن كان فيها ما يمكن أن يؤثر على دينك سلباً، وأما إن رأيت فائدة من زياراتك لهم: فاحرص عليها، ولا تتخل عنهم، فهم مرضى وأنت طبيبهم، فاسلك الطريق المناسبة لتقديم العلاج لهم مع رفضهم ذاك، شريطة أن تكون ماهرا في طبك وعلاجك، آخذا بالحيطة لدينك، ألا يصيبك من عدوى الذنب، وشؤم المعصية، وبلاء المنكر مثل ما أصابهم، كما قال ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ) رواه البخاري (695) .
6. نوِّع وسائل دعوتهم وترغيبهم بالخير، بين الكتيبات الصغيرة، والأشرطة المؤثرة، للدعاة الموثوق في علمهم ودينهم، من أهل السنة.
7. احرص على الدعاء، فرب دعوة صادقة تنطلق منك في جوف الليل الآخر تجد قبولاً عند رب العالمين، فترى آثارها الحميدة أمامك، فيسعد قلبك، وينشرح صدرك.
سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: لي أقارب وأرحام، ومنهم خال لي، ووالداي في بعض الأيام يسهران عندهم، ويريداني أن أذهب معهم لزيارتهم، ولكني أرفض؛ لأن مجلسهم لا يخلو من المنكرات، ويقولون لي: الله غفور رحيم، وأنَّ علي أن أصل رحمي، فهل أذهب معهم وأتحمل الصبر على منكراتهم كي أصل الرحم أم أقطعهم؟ .
فأجاب: " أما إذا كان في ذهابك إليهم رجاء أن تؤثر عليهم، وأن توعظهم إلى ترك المنكر، وتقوم بواجب إنكار المنكر: فإنه يجب عليك الذهاب إليهم من ناحيتين:
الناحية الأولى: صلة الرحم.
الناحية الثانية: إنكار المنكر الذي تقوم به إذا ذهبت.
أما إذا لم يحصل منك إنكار المنكر، أو كان الإنكار لا يجدي، وهم يستمرون على منكرهم على الرغم مما تنكر عليهم، فإنك لا تذهب إليهم؛ لأنك إذا ذهبت إليهم: فإنك تجلس في مجلس يكون فيه منكر، وأنت لا تغيره، أو لا تقدر على تغييره، فعليك أن تبتعد عنهم؛ لعل الله سبحانه وتعالى يهديهم " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2/245) .
ثالثاً:
لستَ بحاجة للتنبيه على ضلال من استدل منهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؛ والاستدلال بهذا الحديث على ترك ما أمر الله تعالى به من أوامر ضرب من السخرية والاستهزاء، فرحمة الله تعالى لا تكتب للأشقياء الذين يتعمدون فعل المنكرات التي حذرت منها الشريعة، بل إن بعض تلك المخالفات كفر يخرج من الملة مثل ترك الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/ من الآية 56، وتأمل أكثر قول الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/ من الآية 156، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) غافر/ 7.
قال ابن كثير رحمه الله: " (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي: إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره، ويتركون زواجره " انتهى. " تفسير ابن كثير " (3 / 429) .
وكما أن الله تعالى واسع المغفرة: فهو أيضاً شديد العقاب، كما قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) الرعد/ 32، وقال: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) غافر/ 3، وقال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) إبراهيم/49،50، فأين العصاة عن هذه الصفة للرب تعالى، حتى يرتدعوا عن فعل ما يغضبه، ويوجب لهم الوعيد؟! .
وانظر جوابي السؤالين: (47425) و (11266) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/977)
حكم العمل في بلاد الغرب، وهل يدخل دفع الضرائب في توليهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن العيش، والعمل في بلاد الغرب، أريد أن أعرف: هل هو يجوز أن أعمل في الغرب حيث يجب عليَّ أدفع ضريبة للحكومة، وهذه الضريبة تنفق في أي شيء، داخلاً في ذلك الجيوش التي تشن حرباً على المسلمين؟ هل يدخل ذلك تحت الآيات التي عن مساعدة الكافرين وتوليهم؟ أيضاً: هل نستطيع العيش بين الكفار؟ وإذا كانت الإجابة بلا: فأين نذهب؟ لأنه لا يوجد دولة إسلامية اليوم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر من أجل العمل؛ إذ ليس العمل من الأعذار الشرعية التي تبيح له تلك الإقامة.
والأعذار الشرعية التي تبيح الإقامة في تلك الديار: العلاج الذي لا يجده في بلاد المسلمين، والعلم الذي تحتاجه الأمة مما لا يتوفر إلا عندهم، والتجارة المباحة، والدعوة إلى الله، وكل ذلك يُعذر المسلم بالإقامة من أجله في ديار الكفر، بشرط أن يكون محصَّناً من الشهوات والشبهات، وبشرط أن تنقطع إقامته إذا انتهى عذره الذي من أجله أقام بين ظهرانيهم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه؟ .
فأجابوا:
"إذا أردتَ العمل، وطلب الرزق: فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك، وفيها غنية عن بلاد الكفار؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة، والدِّين، والأخلاق" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/58) .
وأرض الله واسعة، وبلاد المسلمين شاسعة، فليس المسلم معذوراً في إقامته واستيطانه بين ظهراني الكفار، وهو يعلم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن تلك الإقامة، وهو يرى ما عندهم من فساد للخلُق والدِّين.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العنكبوت/ 56:
نادى الله جل وعلا عباده المؤمنين، وأكَّد لهم أن أرضه واسعة، وأمرهم أن يعبدوه وحده دون غيره ...
والمعنى: أنهم إن كانوا في أرض لا يقدرون فيها على إقامة دينهم، أو يصيبهم فيها أذى الكفار: فإن أرض ربهم واسعة، فليهاجروا إلى موضع منها يقدرون فيه على إقامة دينهم، ويسلمون فيه من أذى الكفار، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء في آيات أخر، كقوله تعالى: (إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) النساء/ 97، وقوله تعالى: (وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10" انتهى.
"أضواء البيان" (6/241) .
والكفار الآن يضيقون على المسلمين ليتركوا شعائر الإسلام الظاهرة، فلم يعد المسلم يستطيع إظهار تلك الشعائر من الأذان للصلوات، والحجاب للمرأة، فضلا عن الولاء للمسلمين، والبراء من الكفار المحتلين الغاصبين، فلذا لا نرى للمسلم أن يعيش بين أظهرهم، ومن يقيم في تلك الديار ويدفع الضرائب لها: فهو يساهم في تقوية اقتصادها، ويعينها على حرب الإسلام والمسلمين، وهو داخل – قطعاً – في إعانتهم على الباطل، والإثم، والكفر، والعدوان، وهذا من أبرز أنواع التولِّي للكافرين.
إلا من كان معذوراً مضطراً للإقامة هناك، فإن الضرورة لها أحاكم خاصة، قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
وانظر أجوبة الأسئلة: (13363) و (83912) و (27211) .
وينظر جواب السؤال رقم (111564) فهو مهم.
وقولك: "لا يوجد دولة إسلامية اليوم" غير صحيح.
ومع الشر والفساد الموجود بكثير من البلاد الإسلامية فهي – بلا شك- لا تزال أقل شراً وفساداً من الدول الكافرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/978)
زيادة العبادة في أيام تنتشر فيها المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل عبادة في وقت هرج الناس (مثل رأس السنة الميلادية) ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (عبادة في الهرج كهجرة إلي) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وفي السراء والضراء، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه، ولا تشغله عن عبادته الشواغل، ولا تصرفه عن حبه الصوارف، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه، فهؤلاء هم الشهداء الغرباء القابضون على الجمر، الذين وردت الأحاديث في فضل عملهم، وتمسكهم بالسنة في زمان الفتنة والمحنة والغربة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم (145)
فالفضل حاصل لمن يحافظ على السنة والطاعة والعبادة في أيام الفتنة والغفلة كما يحافظ عليها في أزمان الصلاح والتقوى، فهو عامل عابد على كل حال.
هذا هو الذي جاءت الأحاديث في مدحه والثناء عليه.
أما ما قد يفهمه بعض الناس، أن يترقب أحدهم أيام انتشار المعاصي والمنكرات، ليبادر إلى تخصيص ذلك اليوم بصيام أو قيام، ولا يكون ذلك من هديه وعادته في غالب أيامه وأحواله، فليس هذا من الفهم الصحيح للحديث، وليس مقصودا للشارع الحكيم، وإنما المقصود الحث على التمسك الدائم بالسنة، والقيام الكامل بأوامر الله تعالى، ليبقى المسلم منارة في الأرض في أزمنة الظلام، ويلقى الله تعالى وما استقال من بيعته التي بايع عليها حين أعلن استسلامه إليه عز وجل.
وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أيامه وساعاته خالصة لوجه الله تعالى، فلم يكن يدع فرصة لعبادة الله تفوته، حتى سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه: قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. رواه النسائي في "السنن" (رقم/2357) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/1898)
وهذا هو أيضا معنى الحديث الذي يرويه مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم (2948)
قال النووي رحمه الله:
" المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد " انتهى.
"شرح مسلم" (18/88)
فلا نرى للأخت السائلة ولا لغيرها من المسلمين تخصيص ليالي رأس السنة الميلادية بعبادة، على وجه المقابلة للكفار الذين يملؤونها بالمعاصي، إلا إذا كان القيام أو الصيام من عادة المسلم في باقي أيامه، فلا بأس حينئذ من العبادة تلك الليالي، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا على عمله ونيته.
وقد سبق التحذير من تخصيص ليالي أعياد الكفار بعبادات معينة في جواب السؤال رقم: (113064)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/979)
جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس
[السُّؤَالُ]
ـ[مدرستي فيها تقاليد في أعياد الميلاد فكل عام يقوم أحد الفصول بتولي أمر أسرة فقيرة يجمع لها التبرعات لشراء هدايا أعياد الميلاد ولكني رفضت ذلك لأن الأسرة حينما تتلقى هذه الهدايا تدعو "بارك الله في النصارى" فهل فعلي صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يظهر أنك تعني ميلاد المسيح عليه السلام الذي تعظمه النّصارى وتتخذه عيداً. وأعياد النصارى من دينهم، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم فهو منهم) . فيجب على المسلمين أن يحذروا من التشبه بالنصارى في أعيادهم، وفي العادات المختصة بهم، وقد أحسنت وأصبت حيث لم توافق على جمع التبرعات للأسر الفقيرة بمناسبة أعياد الميلاد، فاستقم على طريقك، وناصح إخوانك وبيِّن لهم أن هذا العمل لا يجوز فنحن المسلمين ليس لنا سوى عيد الفطر، وعيد الأضحى وقد أغنانا الله عن أعياد الكافرين بهذين العيدين. انتهى.
كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك
ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار بل نقوم به كلما دعت الحاجة وننتهز مواسم الخير العظيمة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها من المواسم الفاضلة التي تُضاعف فيها الأجور، وكذلك في أوقات العسرة كما قال الله تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) سورة البلد
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/980)
هل تحضر الكريسمس لتسلم على أقاربها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسلم وعائلتي تجتمع في عيد الكريسمس، وأريد أن أحضر وأسلم عليهم، ليس بنية الاحتفال ولا المشاركة، لكن فقط لا نتهاز فرصة اجتماع أقاربي، هل هذا مسموح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وجهت هذا السؤال لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فأجاب:
لا، لا يجوز، إذا من الله عليها بالإسلام أول ما تفعله التبرؤ من (دينها الأول وأعياده) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(1/981)
حجاب المرأة المسلمة أمام الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي تستطيع المرأة المسلمة كشفها أمام المرأة الكافرة كالبوذية مثلاً وهل صحيح أنه لا يجوز لها إلا كشف وجهها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أن المرأة تكشف للمرأة سواء كانت مسلمة أو كافرة ما فوق السرة وتحت الركبة أما ما بين السرة والركبة فهو عورة في حق الجميع لا تراه المرأة من المرأة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة قريبة أو بعيدة كالعورة للرجل مع الرجل فللمرأة أن ترى من المرأة صدرها ورأسها وساقها ونحو ذلك كالرجل يرى من الرجل صدره وساقه ورأسه وأما قول بعض أهل العلم أن المرأة الكافرة لا تكشف لها المؤمنة فهو قول مرجوح في أصح قولي العلماء لأن اليهوديات كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الوثنيات يدخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجتهن ولم يُحفظ أنهن كن يتحجبن منهن وهن أتقى النساء وأفضلهن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 830(1/982)
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب (أحكام أهل الذمة) حيث قال: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه." انتهى كلامه - يرحمه الله -.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} ، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق، وقال فيه: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} . وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام،أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبّه بقوم فهو منهم} . قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) : " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ". انتهي كلامه يرحمه الله.
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز. (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 3/369) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/983)
السفر إلى البلاد الأجنبية من أجل النزهة والسياحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى البلاد الأجنبية الغربية لمدة أسبوعين أو ثلاثة من أجل النزهة والسياحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة لا يجوز عند جمع من أهل العلم؛ لما فيه من التعرض للمنكرات والفتن، مع عدم وجود الضرورة أو الحاجة لذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السفر إلى بلاد الكفار محرم إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون عند الإنسان علمٌ يدفع به الشبهات.
والثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات.
والثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك ... أن يحتاج إلى ذلك، إما لعلم لا يوجد له نظير في المملكة، أو ذهب لمرضٍ يتداوى، أو لتجارة لا بد منها، وأما إذا لم يكن له حاجة فلا يذهب، وكم من أناسٍ يذهبون إلى الخارج باسم التمشي والنزهة فتفسد أخلاقهم وتنحل عقائدهم -والعياذ بالله- ويرجعون ممسوخين، ولا شك أن هذا لا يحل للمسلم أن يتعرض له لما فيه من الشر والفساد " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 6.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأما السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية فلا يجوز لما فيه من الفتن والشرور ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات وتأثر القلب بذلك، إلا في حدود ضيقة حددها أهل العلم وهي:
1- العلاج الذي يضطر إليه ولا يجده في بلاد المسلمين.
2- التجارة التي تستدعي سفره.
3- تعلم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون ولا توجد في بلادهم.
4- القيام بالدعوة إلى الله عز وجل ونشر الإسلام.
ويشترط في كل الأحوال أن يكون قادراً على إظهار دينه، ومعتزاً بعقيدته، مبتعداً عن مواطن الفتن.
وأما السفر لمجرد النزهة، أو الاستجمام فهو محرم شديد التحريم " انتهى.
وقال أيضا: " ومن مظاهر موالاة الكفار: السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار محرم إلا عند الضرورة، كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم، فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مظهراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر؛ حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (25/118) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/984)
كيف يعامل المسلم أهله الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أسلمت وتعيش مع أهلها غير المسلمين، وهم الآن لا يعترضون على إسلامها، قد حاولت دعوتهم بطرق شتى، ولكن لا جدوى، فكيف تتعامل معهم وهم على ضلالتهم؟ هل تصلهم أم تحد علاقتها بهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من هداه الله تعالى للإسلام أن يبادر بهذا النور ليضيء به حياة أهله وعشيرته، فهم أولى الناس بدعوته، وبنور الإسلام، وإذا وُجد من أولئك من كان غير معترض على الإسلام فهو نعمة عظيمة على المسلم استثمارها لتقديم الإسلام لهم بطريقة حسنة، وليسلك في دعوته لهم كل سبيل مباح، من تقديم الأشرطة المرئية والمسموعة، والكتب، والمواقع، واستضافة الشخصيات الإسلامية المؤثرة، وليتقرب لهم بالهدايا، والمعاملة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، وليبتعد عن التعنيف، وليداوم على دعاء الله أن يهديهم ويوفقهم.
وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان للوالدين اللذين يدعوان ولدهما للكفر ويبذلان في ذلك جهوداً عظيمة: فأولى أن تكون تلك المعاملة لمن رضي لك إسلامك، ولم يعترض عليه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان/ 14، 15.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:
"وإن جاهدك أيها الإنسان، والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري، مما لا تعلم أنه لي شريك - ولا شريك له تعالى ذكره علوّاً كبيراً: فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا) يقول: وصاحبهما في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه فيما بينك وبين ربك، ولا إثم".
" تفسير الطبري " (20 / 139) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
"أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما: فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) يعني: المؤمنين" انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 / 337) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي أهل مشركون إلا أختاً لي مسلمة، فهل يجوز لي الإقامة والأكل والشرب معهم، وإن كان يجوز مع أن ذلك ليس على حساب ديني: فهل يجوز لي التصريح لهم بأنهم كفار خارجون عن دين الله؟ مع أني دعوتهم فهم مترددون، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ولكنهم أقرب للشرك، مع أني لا أجد سكناً إلا معهم.
فأجابوا:
"الواجب عليك الاستمرار في نصحهم، وتذكيرهم، ومصاحبتهم بالمعروف، ولين القول لهم، وإن كنتَ ذا مال: فأنفق عليهم؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يفتح قلوبهم، وينير بصائرهم، قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 15.
وابحث عن شتى السبل لإيصال الحق لهم بالرسائل، والكتب، والأشرطة ... " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 255، 256) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
"فالله سبحانه وتعالى أوجب بر الوالدين بالمعروف والإحسان ولو كانا كافرين، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 14، 15.
فيجب عليك أن تُحسن إلى والديك الإحسان الدنيوي، وأما في الدين: فأنت تتبع الدين الحق ولو خالف دين آبائك، مع الإحسان للوالدين من باب المكافأة، فأنت تحسن إليهما وتكافئهما على معروفهما، ولو كانا كافرين، فلا مانع أن تواصل والدك، وأن تبر به، وأن تكافئه؛ ولكن لا تطيعه في معصية الله عز وجل" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 257، السؤال رقم 226) .
وانظري – لمزيد فائدة - أجوبة الأسئلة: (20961) و (27196) و (27105) و (6401) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/985)
الإقامة في بلاد الكفر مع عدم وجود جالية أو جامع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمكن المسلم إظهار دينه في بلاد الكفر وهو مقيم للعمل ولكن لا يوجد جامع ولا جالية هل يأثم بهذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت الأدلة على تحريم المقام بين ظهراني المشركين، ووجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن قدر على ذلك. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
هذا هو الأصل العام، إلا أنه يجوز الذهاب إلى تلك البلاد للمصلحة والحاجة، كالتجارة والدراسة ونحوها بشرط التمكن من إظهار الدين وشعائره.
وأما من لم يمكنه إظهار الدين فإنه يحرم عليه البقاء، وتلزمه الهجرة مع القدرة.
وينظر جواب السؤال رقم 13363.
ثانيا:
المقصود بإظهار الدين هو إعلان التوحيد، والبراءة من الشرك، وإقامة الشعائر دون خوف.
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: أَفتنا عن معنى حديث: (مَن سَاكَن الْمشرك وَجَامَعَه فهوَ مِثله) . وحديث: (أَنا بَرِيءٌ مِن مَسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) .
فأجاب: "حديث: (مَن جَامَعَ الْمشرِك أَو سَكن مَعَه فهوَ مِثله) وحديث: (أَنا بَرِيءٌ مِن مسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) هذان الحديثان هما من الوعيد الشديد المفيد غلظ تحريم مساكنة المشركين ومجامعتهم، كما هما من أَدلة وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهذا في حق من لم يقدر على إظهار دينه. وأَما من قدر على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة، بل هي مستحبة في حقه. وقد لا تستحب إذا كان في بقائه بين أَظهرهم مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهاره دينه.
وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنا وغير ذلك. إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أَنواع الكفر والضلال " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/77) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما حكم من خاف من اعتداء الكفار والمشركين وجاملهم في بعض أفعالهم المنكرات؛ خوفًا منهم، وليس إقرارًا أو رضاء بما يفعلون؟
فأجاب: "لا يجوز للمسلم أن يجامل الكفار على حساب دينه، أو أن يوافقهم في أفعالهم؛ لأن أفعالهم ربما تكون كفرًا وشركًا وكبائر من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمسلم أن يوافقهم على ذلك، أو أن يشاركهم في ذلك باختياره، بل الواجب عليه أن يُظهِرَ دينه.
ولا يجوز له الإقامة مع الكفار والبقاء في بلادهم إلا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ بأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله عز وجل، هذا هو إظهار الدين؛ فإذا كان لا يستطيع ذلك؛ وجب عليه أن يُهاجِر إلى بلاد المسلمين من بلاد الكفار، ولا يبقى فيها على حساب دينه وعقيدته " انتهى من "المنتقى" (1/254) .
وإظهار الدين على هذا الوجه يتعذر غالبا على من يعيش بمفرده في هذه البلاد، أو مع جماعة قليلة من المسلمين.
وعلى فرض تمكنك من إظهار دينك، فإن البقاء بمعزل عن المسلمين، له آثاره السيئة التي لا تخفى على النفس والأهل والذرية، ومعلوم أنه توجد أجيال من المسلمين قد انسلخت عن دينها ولغتها وقيمها بسبب البقاء في هذه البلدان، لا تسمع الأذان، ولا تشهد الجماعة، ولا ترى المؤمنين، والكفر يحيط بها من كل جانب، والمنكرات تغزوها من كل صوب.
فلهذا ننصحك بالفرار بدينك، والمحافظة على نفسك ومن معك، والانتقال إلى بلاد الإسلام، أو إلى محل يكثر فيه تجمع المسلمين، وتتمكن معهم من إقامة الجمعة والجماعة، وإظهار الأذان، وإعلان الشعائر.
ونضع بين يديك نصيحة كتبها الشيخ ابن باز رحمه الله تناسب المقام:
قال رحمه الله في رسالة وجهها لمسلم يقيم في إيطاليا: " فإشارة إلى رسالتك التي تذكر فيها أنك شاب مسلم تقيم في إيطاليا، وأن بها شبابا من المسلمين كثيرين، وأن أغلبهم استجاب لرغبة الصليبيين في إبعادهم عن دين الإسلام وتعاليمه السامية، فأصبح أغلبهم لا يصلي، وتخلق بأخلاق سيئة، ويعمل المنكرات ويستبيحها. . إلى غير ذلك مما ذكرته في رسالتك.
وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر، ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز، سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة، أو غير ذلك؛ لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهََّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) .
وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، ورضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله، وإيثار مرضاته، والغيرة لدينه، والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة، لا يجتمع مع هذه المنكرات، وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم؛ أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين.
وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك، والتحذير منه، ووجوب الهجرة مع القدرة، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة، فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وشرح محاسن الإسلام لهم، وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي، بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله، ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها، بل وفعلها، كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام.
وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية، كالدراسة، أو التجارة، أو التكسب، فذلك لا يزيده إلا مقتا.
وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة، كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة، ويرضى الإقامة في بلادهم، وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه، والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب، والمستوطن،
حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق، إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم، وهم يقدرون على الهجرة.
وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي، وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه، منها:
1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل.
2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى، وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، ويستطيع المدافعة عنه، ويدفع شبه الكافرين، لا يباح له السفر إليهم.
3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم، وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم.
4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده؛ ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر، والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به، وإظهاره، واتباع أوامره، والبعد عن نواهيه، والدعوة إليه، حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.
والله المسؤول أن يصلح أحوالكم جميعا، وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزغات الشيطان، وأن يعيننا جميعا على كل خير، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم، والتحاكم إليها، والرضا بها، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) .
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك للخير والبر حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/986)
هل يُهدي للكافر لتأليف قلبه على الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا أعطى الكافر أموالاً أو أهدى إليه هدايا بقصد تأليف قلبه إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بهذا – أي لا بأس أن يهدى إليه هدية أو يُعطى دراهم أو يُسكن بيتاً من أجل تأليفه على الإسلام، ولكن يجب أن تلاحظ أن التأليف لابد أن يكون له محل، بأن يكون هذا المؤلَّف ممن يُرجى إسلامه، أما إذا كان من أئمة الكفر الذين لا يُرجى إسلامهم فإنهم لا يُعطون إلا إذا كانوا يُعطون من أجل دفع ضررهم " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/25، 26) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/987)
هل يقضي حاجة جاره الكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان جاري كافراً فهل يجوز لي أن أقضي حاجته التي يطلبها مني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا يعود إلى ما جرى به العرف، فإذا كان من عادات الجيران أن بعضهم يقضي حاجة الآخر، كما لو نزل الجار إلى السوق وقال له جاره: اشتر لي معك كذا وكذا من فاكهة أو طعام أو نحوها، فلا بأس أن يفعل ذلك مع جاره الكافر، لأن ذلك من إكرام الجار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) .
وأما ما لم تجر به العادة والعرف فيه فهذا ينظر فيه إلى المصلحة " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/15، 16) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/988)
هل يبتسم في وجه الكافر ويلين له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا التقيت بالكافر في طريق ضيق فجرى بيني وبينه حديث وابتسام ولين في الكلام مع بغضي له فهل في هذا شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الكافر لا ينبغي أن تريه ما يشعر بالمودة له والمحبة له؛ لأن هذا من المودة التي قال فيها الله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22، ولكن قابله بما تقتضيه حاله، فإن كان ممن عرف بالإساءة إلى المسلمين فقابله بوجه عابس غاضب كاره، وإن كان هادئاً مسالماً وبيننا وبينه عهد فقابله بوجه لين، ولا تظهر أنك عدو له " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/16، 17) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/989)
أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج.
وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) .
ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! .
ثانياً:
العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (4458) .
ثالثاً:
ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث.
وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ .
فأجابوا:
عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) .
وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر.
فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك.
وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث.
والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين.
وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن.
وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/990)
إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار "
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو التوضيح بالأمثلة ما المقصود من العبارة التالية: " موالاة الكفّار حرام ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم الأمثلة توضّح المقصود وتجلّيه ولذلك ننتقل إليها مباشرة وننقل بعضا من أهمّ ما ذكره أهل العلم وأئمة الدّعوة من صور الموالاة الكفار:
ـ الرضا بكفرهم أو الشك فيه أو الامتناع عن تكفيرهم أو الإقدام على مدح دينهم قال الله تعالى عن كفر الراضي: (ولكن من شرح بالكفر صدرا) . وقال تعالى موجبا ومشترطا الكفر بالطاغوت: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) . وقال عن اليهود في تفضيلهم المشركين على المسلمين: (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) .
ـ التحاكم إليهم: كما في قوله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به)
ـ مودتهم ومحبتهم، قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله.. الآية)
ـ الركون إليهم والاعتماد عليهم وجعلهم سندا وظهيرا، قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) .
ـ إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين. قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقال عن الكفار: (بعضهم أولياء بعض) . وقال: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم) .
ـ الانخراط في مجتمعاتهم والانضمام إلى أحزابهم وتكثير سوادهم والتجنُّس بجنسياتهم (لغير ضرورة) والخدمة في جيوشهم والعمل على تطوير أسلحتهم.
ـ نقل قوانينهم وتحكيمها في بلاد المسلمين، قال تعالى: (أَفَحُكم الجاهلية يبغون)
ـ التولي العام لهم واتخاذهم أعوانا وأنصارا وربط المصير بهم، قال الله تعالى ناهيا عن ذلك (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض) .
ـ مداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين، قال تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون) . ويدخل في ذلك مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله، قال الله تعالى: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُسْتهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) .
ـ الثقة بهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين وجعلهم مستشارين. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور. إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلِقْ. " رواه مسلم 3388.
ومن هذه النصوص يتبين لنا تحريم تولية الكفار الأعمال التي يتمكنون بواسطتها من الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم.
ـ توليتهم المناصب الإدارية التي يرأسون بها المسلمين ويذلونهم ويتحكمون في رقاب الموحدين ويحولون بينهم وبين أدائهم عباداتهم. قال الله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ، وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: لي كاتب نصراني، قال: مالك قاتلك الله، أما سمعت قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} (المائدة:51) ألا اتخذت حنيفاً، قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله.
وكذلك جعلهم في بيوت المسلمين يطلعون على العورات ويربون أبناء المسلمين على الكفر ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين وجعله عمالاً وسائقين ومستخدمين، ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل والأسر المسلمة.
وكذلك ضمّ الأولاد إلى المدارس الكفرية والمعاهد التبشيرية والكليات والجامعات الخبيثة وجعلهم يسكنون مع عوائل الكفار.
ـ التشبه بالكافرين في الملبس والهيئة والكلام وغيرها وذلك يدل على محبة المتشبه به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) .
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل والشرب وغير ذلك.
ـ الإقامة في بلادهم بغير حاجة ولا ضرورة، ولهذا فإن المسلم المستضعف الذي لا يستطيع إظهار شعائر دينه تحرم عليه الإقامة بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً} .
فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة. وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في بلادهم.
فالإقامة بين ظهرانيهم محرمة لغير ضرورة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين) .
ـ السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس: أمّا الذّهاب لحاجة شرعية - كالعلاج والتجارة وتعلّم التخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين.
ويشترط للذّاهب في هذه الحالة أن يكون معه علم يدفع به الشبهات وإيمان يدفع به الشهوات وأن يكون مُظهِراً لدينه معتزاً بإسلامه مبتعداً عن مواطن الشر، حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام.
ـ مدحهم والذبّ عنهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد. قال تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربِّك خيرٌ وأبقى} .
وكذلك تعظيمهم وإطلاق ألقاب التفخيم عليهم والبدء بتحيتهم وتقديمهم في المجالس وفي المرور في الطرقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ". رواه مسلم 4030
ـ ترك تاريخ المسلمين والتأريخ بتأريخهم واعتماده خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي، وهو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام، والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم.
ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضْع تاريخ للمسلمين في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو من خصائصهم ـ والله المستعان.
ـ مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أوتهنئتهم بمناسبتها أو حضور أماكنها.
وقد فُسَّر الزور في قوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} بأعياد الكفار.
ـ التسمي بأسمائهم المُنكَرة، وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الشركية كعبد العزّى وعبد الكعبة.
ـ الاستغفار لهم والترحم عليهم: قال الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) .
فهذه طائفة من الأمثلة التي توضّح قاعدة تحريم موالاة الكفّار، نسأل الله سلامة العقيدة وقوّة الإيمان والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/991)
مضطر للسكن مع زملاء غير مسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن مع عشرة زملاء آخرين من دول مختلفة: تسعة منهم مسيحيون، والعاشر لا يعتنق أي دين، نتناول الوجبة الرئيسية سوياً على مائدة واحدة، يقوم بإعدادها اثنان من الطلبة كل يوم بالتناوب، فهل يصح شرعاً أن أتناول طعاماً مع هؤلاء؟ علماً بأن ظروفي المالية والدراسية لا تمكن من العيش بمفردي أبداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"شريعة الإسلام مبنية على اليسر والسهولة، ورفع الحرج، ولك أن تستمر معهم ما دمت لا تتمكن من العيش وحدك، ولكن عليك أن تدعوهم إلى الله بأقوالك وأفعالك ومعاملتك لهم؛ لعل الله أن يجعل فيك بركة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/87) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/992)
ما هو الفرق بين عرش الربّ وكرسيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الكرسي والعرش؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه، والعرش أكبر من الكرسي.
والعرش هو أعظم المخلوقات، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله، وله قوائم، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق.
وقد أخطأ من جعلهما شيئاً واحداً.
وهذه أدلة ما سبق مع طائفة من أقوال العلم:
عن ابن مسعود قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. رواه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 105) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 401) .
والأثر: صححه ابن القيم في " اجتماع الجيوش الإسلامية " (ص 100) ، والذهبي في " العلو " (ص 64) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون لها حكم الرفع، لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات.
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3 / 379) .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل هذا الحديث:
... التاسعة: عِظَم الكرسي بالنسبة إلى السماء.
العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي.
الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء.
" شرح كتاب التوحيد " (ص 667، 668) .
وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات، وأوسعها.
قال تعالى: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم} [المؤمنون / 116] ، وقال تعالى {وهو رب العرش العظيم} [التوبة / 129] ، وقال تعالى {ذو العرش المجيد} [البروج / 15] .
قال القرطبي:
خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه.
" تفسير القرطبي " (8 / 302، 303) .
وقال ابن كثير:
{وهو رب العرش العظيم} أي: هو مالك كل شيء وخالقه؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى، وعلمه محيط بكل شيء، وقدره نافذ في كل شيء، وهو على كل شيء وكيل.
" تفسير ابن كثير " (2 / 405) .
وقال رحمه الله:
{ذو العرش} أي: صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق، و {المجيد} : فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل، والجر على أنه صفة للعرش، وكلاهما معنى صحيح.
" تفسير ابن كثير " (4 / 474) .
والمجيد: المتسع عظيم القدر.
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ". رواه البخاري (3217) .
وللعرش حملة يحملونه.
قال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) [غافر / 7] .
وهم على خِلقة عظيمة.
عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أُذِن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ".
رواه أبو داود (4727) .
والحديث: قال عنه الحافظ ابن حجر: وإسناده على شرط الصحيح.
" فتح الباري " (8 / 665) .
والعرش فوق الكرسي بل فوق كل المخلوقات.
قال ابن القيم:
إنه إذا كان سبحانه مبايناً للعالَم فإما أن يكون محيطا به أو لا يكون محيطا به، فإن كان محيطاً به لزِم علوّه عليه قطعاً ضرورة علو المحيط على المحاط به، ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عالياً فما كان محيطاً بجميع ذلك كان عالياً عليه ضرورة ولا يستلزم ذلك محايثته لشيء مما هو محيط به ولا مماثلته ومشابهته له.
" الصواعق المرسلة " (4 / 1308) .
7. والعرش ليس هو المُلْك وليس هو الكرسي.
قال ابن أبي العز الحنفي:
وأما من حرَّف كلام الله وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثانية} [الحاقة / 17] ، وقوله {وكان عرشه على الماء} [هود / 7] ؟ أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية، وكان ملكه على الماء ويكون موسى عليه السلام آخذا بقائمة من قوائم المُلْك؟ هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول.
وأما الكرسي فقال تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} [البقرة / 255] ، وقد قيل: هو العرش، والصحيح: أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره روى ابن أبي شيبة في كتاب " صفة العرش " والحاكم في " مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} أنه قال: " الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ".
وقد روي مرفوعاً، والصواب: أنه موقوف على ابن عباس ...
قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض ".
.. وهو كما قال غير واحدٍ من السلف: بين يدي العرش كالمرقاة إليه.
" شرح العقيدة الطحاوية " (ص 312، 313) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
هناك من قال: إن العرش هو الكرسي لحديث " إن الله يضع كرسيَّه يوم القيامة "، وظنوا أن الكرسي هو العرش.
وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم، فقالوا في قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} أي: علمه.
والصواب: أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه.
والعلم: صفة في العالِم يُدرك فيها المعلوم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3 / 393، 394) .(1/993)
هل النصارى الموجودون الآن أقرب الناس إلينا مودة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى..) المائدة / 82
ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين فما موقفنا منهم؟ وهل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود؟ هذا السؤال يحيرني كثيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأن النصارى والتوقف في لعنتهم فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى، بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه، وهذا هو الذي يقتضيه سياق الآيات المسؤول عنها (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) المائدة / 82 – 83، فالآيات تتحدث عن قوم من النصارى لما عرفوا الحق أسلموا وأعلنوا إيمانهم.
قال العلامة ابن القيم في هذه الآيات:
والمقصود أن هؤلاء أي الموصفين بهذه الصفات الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان.
أما لعنة من لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأدلة القطعية الدالة على ذلك، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة / 72، وإذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) المائدة / 73
إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم.
ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى في آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) المائدة / 86
فتوى الشيخ ابن إبراهيم بتصرف. مجلة البحوث الإسلامية (58/36-39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/994)
حكم عيادة المريض الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث أن يمرض أحد النصارى معنا في العمل أو الدراسة فهل تجوز زيارته وما حكم عيادة المريض الكافر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه.
وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة.
والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه.
وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال. كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له. أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول. الحمد لله الذي أنقذه من النار.
وهذا الحديث فيه فوائد.
الأولى: حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم.
الثانية: حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق.
الثالثة: أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم. والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.
الرابعة: عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة. قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم.
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى..} .
والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين، قال: إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان العلوان(1/995)
قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح.
وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/996)
هل يساعد شقيقه الهندوسي بالمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقف وأساند شقيقي الهندوسي وهو مقبل على الزواج؟ علماً أن له مواقف معي كثيرة، وقف معي عند قضاء ديني، ومرة عندما طعن الهندوس في ديني كان له مواقف ضدهم ودافع عني. هل يمكن لي أن أسانده مادياً وأقف معه حتى يتم مراسم زواجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا مانع من صلة أخيك الكافر بالمال والهدية، خصوصاً إذا كان له معك مواقف جيدة، فإنك تكافؤه عليها، قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/379) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/997)
هل يعتبر التأريخ بالتاريخ الميلادي موالاة للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يعتبر من موالاة الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يعتبر موالاة، لكن يعتبر تشبهاً بهم.
والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري.
وضعوا التاريخ الهجري ولم يستعملوا التاريخ الميلادي مع أنه كان موجوداً في عهدهم، هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى، فنحن لا نشاركهم ولا نشجهم على هذا الشيء. وإذا أرّخنا بتاريخهم فمعناه أننا نتشبه بهم.
وعندنا والحمد لله التاريخ الهجري الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا. انتهى
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ صالح الفوزان في كتاب المنتقى 1/257.(1/998)
هل يدعو لوالديه ولا يعلم على أي شيء ماتا
[السُّؤَالُ]
ـ[مَن ترك والديه كفاراً ولم يعلم هل أسلموا أو لا، هل يجوز أن يدعو لهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق:
فأجاب:
متى كان من أمَّةٍ أصلها كفار: لم يجز أن يستغفر لأبويه، إلا أن يكونا قد أسلما، كما قال تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى مِن بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} .
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (2 / 423) .(1/999)
حكم إقامة الطلبة المبتعثين في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلبة مسلمون ندرس في أمريكا لفترات تتراوح ما بين ستة أشهر وأربع سنوات وجئنا للدراسة هنا بمحض إرادتنا - أي لسنا مبتعثين من أي جهة - والدراسة هنا في أمريكا لا تختلف عن الدراسة في بلادنا سوى بالحصول على اللغة الإنجليزية، فما حكم جلوسنا في هذه البلاد للدراسة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان منكم لديه علم وبصيرة بدين الله يمكنه أن يدعو إلى الله ويعلم الناس الخير ويدفع الشبهة عن نفسه ويظهر دينه بين من لديه من الكفار فلا حرج عليه؛ لأن إقامته والحال ما ذكر وتزوده من العلم الذي يحتاج إليه ينفعه وينفع غيره، وقد يهدي الله على يديه جمعاً غفيراً إذا اجتهد في الدعوة وصبر وأخلص النية لله سبحانه وتعالى، أما من ليس عنده علم وبصيرة، أو ليس عنده صبر على الدعوة، أو يخاف على نفسه الوقوع فيما حرم الله، أو لا يستطيع إظهار دينه بالدعوة إلى توحيد الله والتحذير من الشرك به وبيان ذلك لمن حوله فلا تجوز له الإقامة بين أظهر المشركين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ولما عليه من الخطر في هذه الإقامة، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/401.(1/1000)
حكم قبول هدايا المشركين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا مسجد يبنى وبجواره نصارى، والنصارى إذا أرادوا التبرع في بناء المسجد بالمال هل على المسلمين أن يأخذوا المال منهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان فيه شرط يخالف الشرع فلا، أما التبرع المجرد فإنه ليس فيه شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل كثيراً من هدايا المشركين" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1001)
حكم مصادقة العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل المتمسك بالإسلام أن يتحدث إلى شخص مسلم بالاسم يشرب الكحول ولا يصلي، وأن تنشأ بينهما مودة وصداقة ويتخذه مساعدا له؟ ما هو الحكم في اتخاذ أمثال هؤلاء (الذين لا يمارسون شعائر الدين وهم يخالفون أوامر الله) أصدقاء ومساعدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المعاصي على نوعين:
النوع الأول: معاص مكفرة، وهي التي تؤدي بالإنسان إلى الخروج من الملة والعياذ بالله، وصاحب هذه المعاصي كافر خارج من الملة متى توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، كمن يشرك بالله، أو يترك الصلاة تركاً كاملاً، ونحو ذلك.
النوع الثاني: معاص غير مكفرة، وهي التي لا تخرج الإنسان من الملة، لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق، ومؤمن ناقص الإيمان، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ما لم يستحلها، فإن استحل الحرام خرج من الملة، إذا انطبقت عليه شروط التكفير وانتفت موانعه، فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها، وراجع لذلك إجابة السؤال رقم (9924) .
إذا علم هذا، فمصاحبة الناس ينبني حكمها على ما سبق.
فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي، ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً.
أما عصاة المؤمنين، فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان، ويجب بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية، أما اتخاذهم أصدقاء، فهذا مما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة ً) رواه مسلم برقم (2628) ، فصديق السوء يورد الإنسان المهالك، ويضره أكثر مما ينفعه، وفرق بين أن أوالي ذلك الشخص، وأحبه لأن معه وصف الإيمان، وبين أن أصاحبه فآخذ منه ويأخذ مني.
لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاده إلى طريق الهداية، فهذا من الأعمال الفاضلة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) فصلت/33، لكن بشرط ألا يؤثر ذلك عليك، فتضر نفسك من حيث تريد أن تنفعها.
وبناء على ما سبق، فإن الشخص المسؤول عنه، إن كان تاركا للصلاة بالكلّية، فهو كافر، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول السلف، أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، مخرجا من الملة، وراجع لأدلة ذلك، الأسئلة التالية (2182، 5208، 6035، 33007، 10094) ، وعليه فلا تجوز مودته، ولا موالاته، بل يدعى إلى التوبة إلى الله عز وجل، والالتزام بالصلاة، وقد قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة/11
واعلم أن مصاحبة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا، ونبينا صلى الله عليه وسلم، كما سبق في الحديث المتقدم، وكما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /119، وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف/28، والله أعلم
للمزيد راجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3 / 31) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1002)
هل يدعو للكافرة بالهداية للإسلام ليتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[على فرض أنك رأيت امرأة جميلة بالطريق وتريد أن تتزوجها لكنها كافرة ولذلك فلا يجوز لك ذلك. سؤالي هو: هل يجوز أن أسأل الله أن يهديها للإسلام ثم أتزوجها بعد ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الجواب عن السؤال نقول: إن المسلم مأمور بغض بصره عما حرَّم الله عليه، قال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، ولله عز وجل من وراء هذا التوجيه الحكمة البالغة، فإنه سبحانه رحيم بعباده روؤف بهم، فجاء شرعه بما يرفع عنهم العنت والمشقة وأسباب العذاب النفسي والبدني، ومن المعلوم أن العَين رسول القلب وبريده، فإذا ما أرسلها صاحبها وقلّبها في الصور الجملية تعلق قلبه بتلك الصور، وانطبعت فيه، ثم في أكثر الأحوال لا يستطيع الوصول إلى ما أحبه فيشقى ويتعب وصدق الشاعر حين قال:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً ... * لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... * عليه ولا عن بعضه أنت صابر
فجاء الشرع الحنيف بقطع أسباب هذا العناء، فأمر بغض الأبصار، فعلى المسلم امتثال هذا الأمر ليرضي ربه وليريح نفسه.
والصواب ما أشرت إليه في سؤالك من أن من اشتهى شيئاً وأحبه فإن عليه أن يمنع نفسه من الوصول إليه إلا من الطريق التي أباحها الله عز وجل، وأن يجعل هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك من خصال المؤمن.
أما عن خصوص السؤال فالجواب: أنه يجوز الدعاء للكافر بالهداية، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دعا لقبيلة دوس بالهداية فقال: (اللهم اهد دوساً) رواه البخاري (2937) ومسلم (2524)
وروى الترمذي (5/82) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري" (10/604) : " حديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت، لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن، ولا مانع من ذلك " انتهى.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/368) ، وهو يتكلم عما يجوز وما لا يجوز الدعاء به للكافر قال: " وأما الدعاء بالهداية ونحوها فهذا جوازه واضح " انتهى.
وينبغي للداعي أن يحسن نيته بهذا الدعاء بأن يقصد تحقيق مرضاة الله بإسلام هذه المرأة ونجاتها من عذاب الله ونحو ذلك من المقاصد الحسنة، ولا بأس أن ينوي مع ذلك الزواج بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1003)
حكم الاحتفال بعيد النيروز
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم جميعا فهذا الموقع موقع رائع! كنت أتساءل ما إذا كان الاحتفال بالنيروز حراما أم لا؟ لأنني كفارسي أحتفل به. ونحن نقوم أيضا في النيروز بإقامة مأدبة ونضع قرآنا على تلك المائدة.... فهل الاحتفال بالنيروز حرام أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النَّيْروز: كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية "نوروز" ومعناها: اليوم الجديد.
وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد" أحد ملوك الفرس الأُول، ويقال فيهْ "جمشاد ".
والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده.
ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم.
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس"ص 46: " فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103- 104.
ثانيا:
ليس للمسلمين عيد يحتفلون به إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك فهو أعيادة محدثة، لا يجوز الاحتفال بها.
وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021) .
ويدخل في الأعياد المحدثة: عيد النيروز، وعيد الأم، وعيد الميلاد، وعيد الاستقلال، وما شابه ذلك، وإذا كان العيد في الأصل عيدا للكفار كعيد النيروز كان الأمر أشد وأعظم.
وعيد النيروز عيد جاهلي، كان يحتفل به الفرس قبل الإسلام، ويحتفل به النصارى أيضا، فيتأكد المنع من الاحتفال به لما في ذلك من المشابهة لهم.
قال الذهبي رحمه الله في رسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع":
" أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس، والنيروز، فبدعة وحشة.
فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103، 104.
والخميس: عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير.
وفي "الموسوعة الفقهية" (12/7) : التشبه بالكفار في أعيادهم: لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم , لما ورد في الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) , ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به ...
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك , حشر معهم يوم القيامة. ولأن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج , فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر , والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر , بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر , فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره.
قال قاضي خان: رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم: إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه الكفرة يكون كفرا , وإن فعل ذلك لأجل السرف والتنعم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرا. وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم , إنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرا. وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده , وأن يحترز عن التشبه بالكفرة.
وكره ابن القاسم (من المالكية) للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة , ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره.
وكما لا يجوز التشبه بالكفار في الأعياد لا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك , فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته , ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد , مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته , خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم , مثل إهداء الشمع ونحوه في عيد الميلاد.
وتجب عقوبة من يتشبه بالكفار في أعيادهم " انتهى.
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة كعيد الميلاد للنصارى، وعيد النيروز والمهرجان، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي عده النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد، وذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم، وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك، واعتقادهم أنه لا بأس به، والله أعلم " انتهى من كتاب "اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين" ص 27.
والحاصل: أنه لا يجوز للمسلمين الاحتفال بعيد النيروز، ولا تخصيصه باحتفال أو طعام أو هدايا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1004)
حكم حضور الاحتفالات بعيد الفصح
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان يحرم الذهاب لعرض سيدنى الملكي الخاص بعيد الفصح فبالرغم من تسميته بعرض عيد الفصح فإنه ليس له علاقة بعيد الفصح وأنا أود الذهاب لمشاهدة عروض الحيل والفواكه والحيوانات وجميع تلك العروض ليس لها دخل بعيد الفصح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم المشاركة في أعياد الكفار واحتفالاتهم المبتدعة، كعيد الفصح والكريسمس وغيرهما، لما في المشاركة والحضور من الإعانة على هذا المنكر، والتكثير لأهله، والتشبه بهم، وكل ذلك ممنوع، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/109) .
قال ابن القيم رحمه الله: ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم. . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً: (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) انتهى من "أحكام أهل الذمة" (1 /723) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الاحتفالات الوطنية الأرجنتينية والتي تقام في كنائسهم كعيد الاستقلال - والاحتفالات النصرانية العربية كعيد الفصح -
فأجابت: " لا تجوز إقامتها من المسلمين ولا حضورها ولا المشاركة فيها مع النصارى؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك.
وبالله التوفيق " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/76) .
والحاصل: أن أعياد الكفار لا يجوز الاحتفال بها، ولا مشاركة أهلها، سواء مارسوا فيها شيئا من دينهم، أم اكتفوا باللهو واللعب؛ لأن نفس الاحتفال بدعة محرمة، وإن كان حضور طقوسهم الدينية أشد تحريما.
وعلى المسلم أن يقضي هذا اليوم كغيره من الأيام، لا يخصه بطعام ولا شراب، ولا غيره من مظاهر السرور، التي يفعلها المحتفلون بهذا العيد، كالخروج للحدائق والمتنزهات والألعاب وما شابه ذلك؛ ليبرأ من إثم الإقرار والمشاركة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1005)
الاحتفال ببلوغ الفتاة سن المراهقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة مسلمة وكنت أتساءل عما إذا كان هناك ضير فى إقامة إحتفال ستة عشر الجميل لفتاتك الصغيرة. واحتفال ستة عشر الجميل هو احتفال كبير تقيمه من أجل فتاتك عندما يصل عمرها ستة عشر عاما أى عندما تصبح مراهقة. برجاء الرد على هذا التساؤل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع الاحتفال بهذه المناسبة وهي بلوغ الفتاة ست عشرة سنة؛ لما فيه من التشبه بالكفار الذين وضعوا هذه الاحتفالات وانشغلوا بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم) رواه أبو داود (3512) وصححه الألباني.
وهذا السنّ لا يمثل شيئا في ديننا، فإن الفتاة تبلغ وتصير مكلفة بعلامات ليس منها بلوغها ست عشرة سنة.
فعلامات البلوغ: إما الحيض، أو الاحتلام، أو نبات الشعر الخشن حول العانة، أو بلوغ خمس عشرة سنة.
ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم للذكر أو للأنثى الاحتفال ببلوغه أو دخوله في سن معين، لا سن البلوغ، ولا سن الشباب، ولا غير ذلك.
وبعض الناس اليوم يحتفل بمرور سنة على ولادة الطفل، ثم يحتفل به إذا مشى، وإذا تكلم، وكل هذا لا أصل له في الإسلام، بل هو من العادات المأخوذة عن غير المسلمين.
فالواجب الحذر من مشابهة الكفار، والحفاظ على الهوية الإسلامية، والبعد عن التقليد الأعمى.
على أنه لا مانع، عند بلوغ الطفل بالعلامات الشرعية المعتبرة، من تنبيهه إلى أهمية ذلك في حياته بصفة عامة، وإلى أن أمر آخرته مرتبط ببلوغه ذلك أشد الارتباط؛ فقد صار مسئولا عن تصرفاته، محاسبا على أقواله وأعماله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة 8-9)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1006)
هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة، أو لأجل الفرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد هنا كنائس كثيرة، فهل يجوز الدخول فيها ومناقشة القساوسة الذين فيها؟ هل يجوز دخولها للنظر فيها ومعرفة ما يفعل هؤلاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
يجوز دخول الكنائس لأهل العلم لدعوة أهلها إلى الإسلام، أما دخولها لأجل الفرجة فقط فلا ينبغي؛ لأنه لا فائدة من ورائه، ولأنه يُخشى على المسلم أن يتأثر بهم، لا سيما إذا كان جاهلاً بأمور دينه، ولا يستطيع رد الشبهة التي يوجهونها إليه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/257.(1/1007)
الرد على من قال إن صوم يوم عرفة ليس من السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا شيخ يقول: إن صيام يوم عرفة ليس بسنة، ولا يجوز صيامه، أرجو الرد من سماحتكم على هذا السؤال، لأن هذا الشيخ يوزع منشورات تنهي عن صيام يوم عرفة. أرجو الرد من سماحتكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صوم يوم عرفة سنة مؤكدة لغير الحاج، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم (1162) وفي رواية له: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/428) ـ من كتب الشافعية ـ:
" أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب: يستحب صوم يوم عرفة لغير من هو بعرفة.
وأما الحاج الحاضر في عرفة فقال الشافعي في المختصر والأصحاب: يستحب له فطره لحديث أم الفضل. وقال جماعة من أصحابنا: يكره له صومه , وممن صرح بكراهته الدارمي والبندنيجي والمحاملي في المجموع والمصنف في التنبيه وآخرون " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/443) ـ من كتب الحنابلة ـ:
" وهو يوم شريف عظيم، وعيد كريم، وفضله كبير، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر سنتين." انتهى.
وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (3/108) ـ من كتب الحنابلة أيضا ـ:
" ويستحب صوم عشر ذي الحجة، وآكده التاسع، وهو يوم عرفة، إجماعا. " انتهى.
وقال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (2/76) ـ من كتب الأحناف ـ:
" وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ: فَفِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّدْبِ إلَى صَوْمِهِ، وَلِأَنَّ لَهُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَيُسْتَدْرَكُ عَادَةً، فَأَمَّا فَضِيلَةُ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ فِيهِ لَا يُسْتَدْرَكُ فِي حَقِّ عَامَّةِ النَّاسِ عَادَةً إلَّا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى ".
وفي شرح مختصر خليل، للخرشي (6/488) ـ من كتب المالكية ـ "
" وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ (ش) يُرِيدُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ {أَفْطَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ} " انتهى.
وفي حاشية الدسوقي (5/80) :
"ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَنُدِبَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَخْ الْمُرَادُ تَأَكُّدُ النَّدْبِ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ ".
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " ما حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج والحاج؟
فأجاب: صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) وفي رواية: (يكفر السنة الماضية والباقية) .
وأما الحاج فإنه لا يسن له صوم يوم عرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة في حجة الوداع، ففي صحيح البخاري عن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون " انتهى
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" ج 20 سؤال رقم 404
فصيام عرفة للحاج مكروه، لا يستحب، فإن كان هذا مقصود المتكلم، فقد أصاب، وأما إن كان مراده عدم مشروعية صيام يوم عرفة لغير الحاج، فهذا خطأ بين مخالف لما دلت عليه السنة الصحيحة كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1008)
تريد السفر إلى كندا لإكمال دراستها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ولي خمسة إخوان ذكور ولي أخت تريد إكمال دراستها في كندا وإنني رافض هذه الفكرة وإخواني يريدون أن تذهب أختي بمفردها فأنا رفضت بشدة وقالوا لي إن كنت تقصد المحرم فاذهب أنت معها وإنني الآن في حيرة من أمري هل أذهب معها أم ماذا؟ وإن لم أذهب تركوها تذهب بمفردها علما أنني حاولت إقناع أختي فرفضت وقالت لي أريدك أن تذهب معي أفيدوني جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سفر المرأة بلا محرم، لا يجوز، سواء كان للدراسة أو لغيرها. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (82392)
ثانيا:
الإقامة في بلاد الغرب، الأصل فيها المنع، ولا تباح إلا في حالات ضيقة. وإذا كانت المقيمة والدارسة امرأة، فالأمر أشد. وراجع في ذلك جواب السؤال رقم (2956)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في رسالة وجهها لمسلم يقيم في إيطاليا: " فإشارة إلى رسالتك التي تذكر فيها أنك شاب مسلم تقيم في إيطاليا , وأن بها شبابا من المسلمين كثيرين , وأن أغلبهم استجاب لرغبة الصليبيين في إبعادهم عن دين الإسلام وتعاليمه السامية , فأصبح أغلبهم لا يصلي , وتخلق بأخلاق سيئة , ويعمل المنكرات ويستبيحها. . إلى غير ذلك مما ذكرته في رسالتك.
وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) .
وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين.
وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام.
وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا.
وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن ,
حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجرة.
وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها:
1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل.
2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم.
3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم.
4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.
والله المسئول أن يصلح أحوالكم جميعا , وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه , وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام , وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه , وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزغات الشيطان , وأن يعيننا جميعا على كل خير , وأن ينصر دينه , ويعلي كلمته , وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه , وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم , والتحاكم إليها , والرضا بها , والحذر مما يخالفها , إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) .
وبهذا يتبين أنه ليس لك ولا لأختك السفر إلى هذه البلاد، والواجب عليك أن تنصحها وتنصح والدك بمنعها من هذا السفر، فإن حفظ الدين مقدم على المال والجاه والشهادة وغيرها.
نسأل الله لك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1009)
هل يضع في شركته هدايا تعبيرا عن عيد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في دولة غير مسلمة ولى شركة يعمل بها أناس غير مسلمين فهل يحق لي أن أشترى بعض الهدايا لأضعها في الشركة تعبيرا عن عيد الميلاد ومشاركة منى لهم أم أن هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز المشاركة في أعياد الميلاد، بتقديم الهدايا، أو تعطيل الأعمال، أو وضع الزينات ونحو ذلك، كما لا يجوز التهنئة بهذه الأعياد، لأنها أعياد مبتدعة محرمة، ومرتبطة بعقائد فاسدة، مع ما في الاحتفال بها من المشابهة للنصارى، وذلك محرم تحريما شديدا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (5/109) .
وراجع السؤال رقم (947) ورقم (12866)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1010)
والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك، حدث ذلك منذ فترة من الزمن، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً، وليست لديه زوجة ترعاه، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة، رجاء قدموا لي يد العون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (27211) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين، فلينظر.
وبخصوص والدك: فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له، وبخاصة أنه والدك، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان – في الغالب - للحصول على تأشيرة.
وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت: فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم
وإذا لم يتيسر هذا الأمر: فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة، فيسافر معك للبلد المسلم، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة.
وأخيراً: إذا لم يتيسر أمر تأشيرته، وليس له مكان يقيم فيه في بلده، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته: فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك، ويفرج عنك كربك، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى.
وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها، فزوجها له عليها طاعة، فإذا أمرها بالخروج معه، وعدم الانتظار، أو عدم الإلغاء: فليس لها أن تخالفه، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها.
وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك، كما هو ظاهر من سؤالك؛ وإلا لو كان له أحد سواك، ولو أخ أو أخت له، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1011)
أمه نصرانية وأبوه مسلم سيء فهل يهاجر من بلده دون إذنهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي مسيحية، وأبي مسلم سيئ، وأريد - إن شاء الله - أن أهاجر - فقط – إن شاء الله ـ لبلد مسلم، فهل من الجائز، أو من الواجب عليَّ تركهما حتى أقوم بواجباتى تجاه الله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كل من يعيش في بلاد لا يستطيع فيها القيام بشعائر الإسلام، وبما أوجبه الله عليه: فلا يحل له البقاء فيها، مع توفر بلاد أخرى يستطيع فيها القيام بذلك، ويتحتم ذلك إن كان البدل الذي يعيش فيه من بلاد الكفر، ورأس مال المسلم هو دينه، فيجب الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه، وإذا اختار البقاء في البلاد التي لا يستطيع إظهار دينه والقيام بما أوجبه الله عليه، مع استطاعته الخروج منها إلى بلاد المسلمين: فهو آثم على بقائه، وعلى تفريطه في الواجبات الشرعية، ولن يكون من المعذورين يوم الحساب فيما فرط فيه من دينه.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97.
قال القرطبي – رحمه الله -:
والمراد بقوله (ألم تكن أرض الله واسعة) : المدينة، أي: ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم؟ وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي.
" تفسير القرطبي " (5 / 346) .
وقال ابن كثير – رحمه الله -:
وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدر، فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي: بترك الهجرة، (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ) أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) .
" تفسير ابن كثير " (2 / 389) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كنتَ تستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين: فإنه يجب عليك ذلك؛ فراراً بدينك؛ لأن الله سبحانه قد أوجب على المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وتوعد من لم يفعل ذلك، وهو قادر عليه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
وأما إذا كنت لا تستطيع الهجرة: فإنك معذور، بشرط التمسك بدين الإسلام، والثبات عليه؛ لقوله تعالى بعد الآية السابقة: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً) النساء/ 98، 99.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 57، 58) .
وقالوا – أيضاً -:
لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها، فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويكثر به سواد المسلمين، وسوف لا يعدم رزقاً؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً، ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلمين في إعلان شعائر دينه، بعد قدرته على الهجرة منه: فهو آثم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 54، 55) .
ومن هاجر في سبيل الله تعالى فراراً من الفتن، وإقامة لشعائر الدين: فإن الله قد وعده بالهداية والتوفيق والرزق.
قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/100.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/74.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل/41.
وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/110.
وانظر جواب السؤال رقم: (3225) ففيه بيان المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها.
ثانياً:
بالنسبة لوالديك: فإنه إن كان وجودك عندهما يمنعك من إقامة شعائر دينك، والقيام بما أوجبه الله تعالى عليك: فإنه لا يجب عليه الاستئذان منهما، وبخاصة أن والدتك كافرة، ووالدك إن كان لا يصلي ـ البتة ـ فهو يلحق بها في الحكم؛ لأنه يكون بتركه للصلاة مرتداً، وقد نصَّ العلماء أن الذي يُستأذن هما الأبوان المسلمان، وحتى لو كانا مسلميْن: فإنه لا ينبغي اختيار البقاء معهما على حساب القيام بالواجبات الشرعية؛ لأن الهجرة تصير في حقك واجبة.
عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا.
رواه البخاري (1671) ومسلم (2549) .
قال الخطابي – رحمه الله -:
إن كان الخارج فيه متطوعاً: فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، فأما إذا تعيَّن عليه فرض الجهاد: فلا حاجة إلى إذنهما، هذا إذا كانا مسلميْن، فإن كانا كافريْن: يخرج بدون إذنهما، فرضاً كان الجهاد، أو تطوعا.
انظر " عون المعبود " (5 / 424) .
وفي " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " (2 / 463) لمحمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه: فقد عارضها ما هو أوجب منها، وهو حق الوالدين، وإن لم تكن واجبة: فالواجب أولى، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما، أما لو خاف على دينه: وجب عليه الفرار به، وترك آبائه، وأبنائه، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد.
انتهى.
ولا ننسى في النهاية أن نذكرك بدعوة والديك للحق، فهما أحوج ما يكون لذلك؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما، وبما أنك تحتاج للهجرة من أجل دينك، ولا يظهر أن والديك يحتاجانك، وهما على ما هما عليه من الكفر والضلال: فلا تتحرج من الهجرة لبلاد تنقذ بها نفسك، مع ضرورة التنبه لدعوة أهلك، والإحسان إليهم، وحتى لو سافرت وهاجرت فلا تقطع الصلة بهما، وداوم على دعوتهما، فلعل الله أن ينقذهما بك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1012)
هل تجالس مسلمة لا تصلي وتأكل معها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمة أن تجالس وتسامر مسلمة لا تصلي إطلاقاً في مناسبات إسلامية أو حفل زواج تمت دعوتها إليه؟
هل يجوز أن نأكل ونشرب من نفس الكأس أو الطبق الذي استعملته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان تاركا للصلاة بالكلية فهو كافر وليس بمسلم كما بسط ذلك في إجابة السؤال رقم (5208) .
وعليه فهذه المرأة المذكورة في السؤال ليست بمسلمة , وعليه فالواجب هجرها وعدم مجالستها , إلا إذا كان ذلك لأجل حثها على التوبة والإنابة إلى الله بأداء الصلوات والمحافظة عليها.
وفي فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (من ترك الصلاة متعمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء , وإن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم , وبناء على ذلك لا تجوز مجالسة هؤلاء بل يجب هجرهم ومقاطعتهم وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر إذا كان مثلهم يجهل ذلك , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". وهذا يعم الجاحد لوجوبها والتارك لها كسلا , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله) ا. هـ
من " فتاوى إسلامية " للمسند (1/373) .
وأما الأكل والشرب من نفس الإناء الذي استعملته فحكمه حكم أواني الكفار , وأواني الكفار يجوز للمسلم استعمالها إذا علم أنهم لا يضعون فيها شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير , فقد ثبت في الصحيحين البخاري برقم (344) ، ومسلم برقم (682) من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعملوا ماء من مزادة امرأة مشركة.
وأما إذا تقين أو غلب على ظنه استخدامهم لها في شيء من المحرمات فالواجب عليه أن يغسلها قبل استعمالها , لما ثبت في الصحيحين البخاري (5496) ، ومسلم (1930) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله , إنا بأرض قوم من أهل الكتاب , نأكل في آنيتهم؟ .... إلى أن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب , تأكلون في آنيتهم , فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها , وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ". واللفظ لمسلم.
للمزيد يراجع فتح الباري لابن حجر: (1/453) , والشرح الممتع لابن عثيمين (1/67_69) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1013)
من مآسي المسلمين في الدول الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى على فضيلتكم انتشار الصحوة الإسلامية المباركة وبالأخص في صفوف الفتيات المسلمات، وحيثُ إننا نعيش في بلد غير إسلامي (أوروبي) لذلك نجد صعوبة في تطبيق أحكام الإسلام، فمِن حينٍ لآخر نجد بعض الصعوبات، فمرة بالاستهزاء بالقرآن، ومرة بإلصاق الإعلانات في الأماكن العامة وقد صوروا عليها فتاة مسلمة وكتبوا تحتها عبارة (هل تريدين غطاء الرأس؟ نحن نظن أنك لا تريدين) ، وآخرها: القرار الصادر من الحكومة بمنع ارتداء النقاب كليّاً، ودفع مبلغ 150 يورو لمن ترتديه، وفي الآونة الأخيرة أصبح في الأمر صعوبة كبيرة على الأخوات؛ لأن الأمر قد تعدى العقوبة المالية إلى ممارسة بعض التصرفات العنصرية من قبل رجال الشرطة، وذلك مثل الاستهزاء والسخرية، وأحياناً يتم إجبارهن على رفع النقاب أمام الرجال، ولا ننسى الموقف المُشين والصورة الغير لائقة للفتاة المُتنقبة أمام أعين الناس ورجال الشرطة يلتفون من حولها وكأنها ارتكبت جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما بالنسبة لموقف الأخوات من هذا القرار فبعضهن انهمكت في الاتصال بالمشايخ لعلها تظفر بفتوى تُبيح لها كشف وجهها، وبالفعل وجدن من أفتى لهن بأن في الأمر خلافاً بين العلماء وأنتن في ضرورة ولا بأس بنزعه، والبعض الآخر لازلن محاصرات في بيوتهن ينتظرن رحمة رب العالمين.
فضيلة الشيخ
وحيثُ إنني ولدتُ وقضيتُ كل عمري في هذا البلد لذلك معذرة دعني أصارحك القول أن الإقامة في بلد الكفر تحمل في طياتها أسراراً لا يعلمها إلا من عاشها واقعيّاً.
فضيلة الشيخ
والله الذي لا إله غيره إن المسلمين في بلاد الكفر يعيشون في ذُل ومهانة وضياع لا يعلمه إلا الله وحده، فكم من البيوت انهارت، وكم من الأبناء لا يعرفون من الدين إلا اسمه، بل وصل الأمر إلى بيع بناتنا المسلمات إلى تجار الرقيق وإرسالهن إلى بعض دول أوروبا الشرقية، وذلك ليتم استعمالهن في ممارسة البغاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد استمعتُ يوماً من الأيام إلى رئيس قسم الأمراض المعدية - وهو عربي الجنسية - حيثُ صرح بأنه يوجد عدد 4000 أربعة آلاف من الفتيات المسلمات وبأعمار مختلفة يشتغلن في ممارسة الزنا وبأوراق رسمية، وهذا الإحصاء في مدينة واحده فقط!! وللأسف الشديد حتى ممن يوصفون بالتدين وجدوا أنفسهم بين فكي الأسد، فالأموال اختلطت بالربا، والأبناء لا يتكلمون اللغة العربية، وصلاة الجمعة تصلى ظهراً في المصانع الخ! ، ولا أقول هذا عن طريق سماع الأخبار، بل ما نراه بأعيننا، وهذا قليل من كثير، والله إن القلب ليتفطر من شدة ما نسمع ونرى وما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نراه اليوم إلا عندما خالفنا شرع ربنا ورضينا بالعيش معهم من أجل دراهم معدودة إلا من رحم الله من الذين لهم العذر في البقاء، وفي المقابل هناك عدد من العائلات اجتهدوا في الهجرة إلى بلاد الإسلام وهم الآن يعيشون في رغد من العيش والله خير الرازقين.
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً يوم علمتنا أن نكون مُتفائلين لا متشائمين، ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي لا مفر منها، وحتى نكون منصفين فالحمد لله الإقبال على الإسلام كثير وبالأخص في صفوف المسلمين الجدد، فالحمد لله على نعمته وفضله.
فضيلة الشيخ
ما نريده من فضيلتكم ولكم الأجر من الله سبحانه وتعالى:
1. تقديم النصيحة للفتيات المسلمات بالتمسك بحجابهن، وعدم تعلقهن بالفتاوى الواهية التي تفتح لهن أبواب الشر.
2. تشجيع الشباب على الهجرة وعدم الركون إلى الدنيا؛ لأن كثيراً منهم - أو أغلبهم - كان سبباً في بقاء زوجته وأبنائه وتعرضهما إلى هذه المصائب، علماً بأن كثيراً من الإخوة لم يهاجروا بعد وذلك بحجة جمع المال الكافي الذي يمكنهم من القيام بمشروع تجاري في البلد الذي سيهاجرون إليه، فكم المبلغ المطلوب جمعه؟ ومتى سيُجمع؟ .
3. تقديم النصيحة للأخوات اللواتي يُكثرن الخروج من البيت لغير ضرورة، وبالأخص في مثل هذه الظروف الحرجة.
4. تقديم النصيحة للإخوة الذين يطلبون من زوجاتهم كشف الوجه بالقوة أمام بعض الإدارات بحجة أن الأمر فيه ضرورة، فما هو الحكم الشرعي في طاعة الزوج في هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن مآسي المسلمين والمسلمات في كثير من دول الكفر كثيرة، وحالهم في تلك الدول يُفطِّر القلب، ويُدمع العين.
وكلنا نسمع ونقرأ ما يتعرضون له من مضايقات، وبخاصة النساء، وقد بان زيف هذه الدول التي تدَّعي الحضارة والحرية، فراحوا يضيقون على المسلمين في وظائفهم وبيوتهم، وعلى النساء في حجابهن وعملهن، فأطلقوا الحريات في زواج المثليين، والشذوذ الجنسي، وحرية الإساءة للإسلام وأهله، وضيَّقوا على المسلمين في شعائرهم وشرائعهم.
والواجب على كل من قدر على الخروج من تلك الديار أن لا يقصِّر في ذلك، قبل أن يأتي يوم يندم فيه على تفويت الفرصة، ولا يملك حتى نفسه ليخرج بها، وذلك بعد أن يضِيع أولاده في خضم تلك الحضارة الزائفة الخارجة عن كل خلق وفضيلة، فيعيش سنين حياته يعمل ويكد ويجتهد، ثم يسلِّم أولاده للشارع والكنيسة، خسر الدنيا والآخرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين
التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك ... .
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم؟! انتهى.
وانظر تتمة هذا الكلام للشيخ – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (27211) ففيه تفصيل مسألة الإقامة في دول الكفر.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة المسلمة التنازل عن عفافها وحجابها أمام تلك المغريات الفاسدة الزائلة، ولا يزال شياطين الإنس والجن يزينون للمرأة الانخراط في سلك الغاوين، فمن تبعهم زينوا الدنيا في ناظريه، وأبعدوه عن التفكير في القبر والآخرة ولقاء الله تعالى.
وللأسف أن يساهم بعض مفتي الفضائيات في نزع المرأة حجابها بحجة الدراسة أو العمل، ولا خير في دراسة وعمل يسبب غضب الرب تبارك وتعالى وسخطه، وأي متاع دنيوي ستحوزه المرأة بشهادتها أو راتبها، وهي تعلم أنه على حساب ثواب الآخرة ورضا الله تعالى، فلا يرضى بهذا إلا مَنْ زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً.
ولا يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها فضلاً أن تكشف عن شعرها، ولو بحجة الدراسة أو العمل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ويجب على كل مسلم أن يسارع في الخروج من تلك الظلمات، وعلى العلماء أن يعينوا الأسر المسلمة على دينها وطاعة ربها بدلاً من إعانتهم على تكوين ثرواتهم وعبادة الدرهم والدولار!
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكِ ولا لغيركِ من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله.
ولا يجوز لكِ ولا لغيركِ طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53.
فبيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجَّب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) إلى أن قال سبحانه: ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) النور/31.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 529) .
ثالثاً:
ينبغي للأزواج أن يكونوا عوناً لزوجاتهم على العفاف والستر والحياء، ولا يحل لهم أن يأمروهن بخلع حجابهن من أجل الدنيا كدراسة أو عمل، فإن تحتم عليهم ذلك ولم يتيسر لهم إبقاء حجاب نسائهم فيجوز كشف الوجه لتلك الضرورة، كالمطارات والجوازات، على أن يحرصوا أن يكون الناظر لها امرأة.
وأما الذين يريدون من نسائهم خلع حجابهن بالكلية، أو من غير ضرورة: فلا يحل لهم هذا، والواجب عليهم أن يفخروا بانتسابهم لهذا الدين، وأن يفخروا بستر نسائهم وبناتهم، خاصة وأنهم يرون لباس الكافرات من حيث العري والشذوذ في الألوان والتفصيل!
ولا يحل للمرأة طاعة زوجها إذا كان يأمرها بخلاف الستر والحجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) .
رواه البخاري (4085) ومسلم - واللفظ له - (1840) .
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟ .
فأجاب:
إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسَّر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمَّل الرجل المسؤولية في أهله فقال: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) ، فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم، يكون سبباً للفتنة بها ومنها، فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته أن يسَّر له مثل هذه المرأة الصالحة.
وأما بالنسبة لزوجته: فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 442، 443) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (45672) ففيه تفصيل لحكم إجبار الدول للمسلمات على نزع الحجاب.
رابعاً:
وأما خروج المرأة من بيتها: فلتعلم أخواتنا أن الأصل في المرأة أنها مكرَّمة، ومن تكريمها أن سخر لها زوجها وأولادها لخدمتها، وأوجب على الزوج النفقة عليها، وبقاؤها في بيتها ليس إلا لأنها تقوم بعمل جليل لا يمكن لمجموعة من الرجال أن يقوموا به، وهو تربية أولادها، وخدمة زوجها وبيتها، وهي أعمال جليلة عظيمة، ولذا فإنها لا تخرج إلا من ضرورة أو حاجة ماسة، وخاصة إن كانت في بلاد كافرة أو غير آمنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن , فإذا أمكن ألا تخرج: فهذا هو المطلوب , وإذا اضطرت للخروج: فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفِلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات , ولكن لا تخرج إلا لحاجة , ... فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال، ولا تخرج إلا للضرورة , وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة.
أما اصطحاب محرَم لها: فلا شك أنه أفضل وأولى , لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر، ولكن من المؤسف أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله , فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله , فلا يفعل هذا الفعل , إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل.
" لقاءات الباب المفتوح " (117 / السؤال 2) .
وانظري جوابي السؤالين: (6742) و (9937) .
خامساً:
ولمن يريد النصح الصادق، والتوجيه الشرعي إذا أبى إلا البقاء في دول الكفر: فلينظر جوابي السؤالين: (70256) و (4237) ففيهما خير كثير إن شاء الله من التوجيه والنصح.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1014)
أهله يقعون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم ويسبون أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أوصى الله ورسوله والأمة الإسلامية بصلة الأرحام؛ فوالله اليوم لا نشعر بها , لسوء الناس الذين نعيش معهم، ولسوء فهمهم وغفلتهم عن الله سبحانه وتعالى. الأهل آذوني، يشتمون ويسبون أمي إذا كنت موجودا!! الأهل في بيتهم إذا كنت جالسا يسبون ويشتمون في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم -يسبون أصحابه؟!! فهل علي ذنب إن قاطعتهم؟ وأسال الله العافية وأن يوفقكم فيما تعملون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مثل هؤلاء الذي يعتادون شتم الأمهات، لا ينبغي للإنسان أن يجلس معهم إلا أن يضطر إلى ذلك، ويجب عليه أن يظهر لهم كراهية أفعالهم وأخلاقهم، وأن يبذل الوسائل لدعوتهم ونصحهم، حتى يقلعوا عن هذه الرذائل.
وإن كان هؤلاء من القرابة والأرحام، فالأولى بالمرء أن يجاهد نفسه على صلتهم ودعوتهم إلى الله تعالى، وبذل الجهد في ذلك، فلأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك من حمر النعم، ولا ينبغي أن يهجرهم لحق نفسه.
ثانيا:
كل شيء قد يُحتمل، إلا الطعن في رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، والطعن في أصحابه وحملة دينه، وهذا مستلزم للطعن في رب العالمين سبحانه، الذي زكى نبيه صلى الله عليه وسلم واختاره واصطفاه، وزكى أصحابه واختارهم وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، أي في زوجاته أو إحداهن، طعن فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اختارها، وأمسكها، وظل مصاحبا لها حتى فارق الدنيا، وهو طعن في الله تعالى الذي اختارها لنبيه، ورضيها له، ولم يأمره بفراقها.
ومثل هذا الطعن لا يصدر إلا ممن طمس الله تعالى بصيرته عن الهدى ودين الحق، من الرافضة وأشباههم من أهل الضلال، أو من تأثر بهم، وانخدع بضلالتهم، نسأل الله السلامة.
ولهذا فالواجب عليك أن تنكر هذا المنكر العظيم، وأن تبين لأهلك أن هذا ردة عن الدين، وسلوك لسبيل المجرمين الضالين، وأن تحذرهم من سوء العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.
فإن استجابوا فالحمد لله، وإن أصروا فابذل كل وسيلة متاحة لإقناعهم، ومن ذلك استضافة أحد العلماء لنصحهم، ولو بطريق غير مباشر، أو إحضار بعض الكتب أو الأشرطة في هذا الموضوع، فإن لم يُجد ذلك معهم، وأمكنك مقاطعتهم أو مفارقتهم، فافعل ذلك غيرة على حبيبك صلى الله عليه وسلم، وأقل الأحوال أن تعلن إنكارك كلما فعلوا ذلك وأن تفارق المجلس حينئذ.
قال البغوي رحمه الله ـ في تعليقه على حديث كعب بن مالك وأصحابه ـ:
" وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ... ، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم على ذلك، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم. " انتهى من شرح السنة (1/227) .
وقال ابن مفلح رحمه الله: " قال أحمد..: ويجب هجر من كفر , أو فسق ببدعة , أو دعا إلى بدعة مضلة , أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه , أو خاف الاغترار به , والتأذي دون غيره وقيل: يجب هجره مطلقا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق , وقطع ابن عقيل به في معتقده قال ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا واستدل عليه.
وقال أيضا [يعني: ابن عقيل] : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع , ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك , وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة , عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون , هذا يقول: حديث خرافة والمعري يقول: تلوا باطلا وجلوا صارما وقالوا صدقنا فقلنا نعم يعني بالباطل كتاب الله عز وجل. وعاشوا سنين وعظمت قبورهم واشتريت تصانيفهم , وهذا يدل على برودة الدين في القلب. وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى.
وقال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه. قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه ...
وقال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية وفي وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة أطلق كما ترى , وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر , وغيره في المبتدع والفاسق.
قال: ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم , والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى , فأما إذا كان الحق لآدمي كالقذف والسب والغيبة وأخذ ماله غصبا ونحو ذلك نظرت , فإن كان المهاجر والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته , وإن كان غيره , فهل تجوز هجرته أم لا؟ على روايتين ...
قال القاضي: وإنما كره أحمد هجرة الأقارب لحق نفسه للأخبار في صلة الرحم , وإنما أجازها في حق الله تعالى , ومنعها في حق الغير على رواية المروذي في حق الأجنبي ; لأن حق الله عز وجل أضيق لأنه لا يدخله العفو وحق الآدمي أخف لأنه يدخله العفو , ويبين هذا قول النبي: صلى الله عليه وسلم فدين الله عز وجل أحق أن يقضى.
وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق , وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في مواضع , وهو الأولى والأخبار في صلة الرحم تخص بأدلة الهجر , وحق الآدمي فيه حق الله تعالى , وهو مبني على المساهلة والمسامحة بخلاف حق الآدمي."
انتهى من الآداب الشرعية (1/237-238) .
نسأل الله لك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1015)
مسافرة بعيداً عن أهلها وتخشى على نفسها الفتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة أعيش وحيدة في بلاد كافرة، بعد أن رفض أهلي كل من تقدم لي للزواج، وقد عانيت كثيراً وأنا أحاول الهروب من الفتن وأحافظ على ديني، لكن 4 سنوات من الغربة جعلتني أمرض وأعاني من آلام نفسية حادة، لكثرة ندمي على سفري بلا محرم، ولا أستطيع العودة إلى بلدي، ولا أهلي تركوني أحصن نفسي، وبالرغم من أنني حافظت على حجابي وساهمت في الدعوة إلى الله إلا أنني ضعفت وكدت أقع في الزنا، ومن ثم ساءت حالتي أكثر وأكثر. فكرت في الانتحار لكن علمي بعظم هذا الجرم منعني.
سافرت في إطار عملي فالتقيت بشاب من بلدي الأصلي تظهر عليه علامات الطهر والالتزام يعيش في نفس البلد الذي أدرس فيه.
كنت أبكي طيلة السفر، وأدعو الله أن أموت في تلك الرحلة، لأنني أشعر أني ضعفت وفقدت القدرة على المقاومة.
عندما عدت من السفر أحسست أن شيئاً ما تغير في نفسي، وأني استعدت ثقتي بالله، وقطعت صلتي بكل من أفسدني، وأعلنتها توبة عجزت عنها منذ مدة طويلة، صليت لله واستخرت أن يكون هذا الشاب زوجي، فوالله ما فتئ يتصل بي طالباً مني الزواج على أن ألتزم بالشرع، أخبرت أهلي لكنهم رفضوا مرة أخرى وآذوني لأنهم ما فكروا فيما أعاني، فوالله لا أريد عقوقهم، لكنهم يحملوني ما لا طاقة لي به، فقد فكرت طلب ولاية الإمام، لأن الشاب من أحسن ما رأيت دينا وخلقا، ووالله لا أريد إلا تحصين نفسي لوجه الله فما أفعل؟
وسؤالي الثاني: إنني أحس بالذنب مع هذا الشاب لما أذنبته، فهل أخبره بما فعلته في الماضي برغم توبتي الصادقة! أنا على اتصال هاتفي بهذا الشاب للتفاهم، ويشهد الله أنه ما تجاوز حدوده أبدا! أفيدوني بإجابتكم فوالله إن قلبي لممزق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويزيل غمك، ويحميك من الانزلاق في مهاوي الردى والمعصية إنه على ما يشاء قدير.
اسمعي معي إلى هذا النداء الإلهي العظيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53.
واسمعي إلى قوله تعالى وهو ينادي عباده المؤمنين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/8.
والله يقبل التوبة عن عباده، كما قال جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25.
أختي السائلة:
ما الذي دعاك لترك أهلك؛ والسفر إلى بلاد الكفر والعيش معهم؟! والإنسان لم يعد يأمن على نفسه حتى في بلاد الإسلام! وذلك لكثرة الشبهات والشهوات!
فكيف ببلاد استبيح فيها كل شيء، وفتحت فيها أبواب المعاصي على مصراعيها!
من أجل هذا – ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته, وحماية لهم من الوقوع في مثل ما وقعت به – أسأل الله أن يعافيك-، حرّم السكن والعيش بين الكفار, والإقامة في بلادهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) .
والإقامة في بلاد الكفر مرتع وخيم، وعيش نكد، وحياة قلق واضطراب، وهم – أعني أصحاب تلك البلاد – حياتهم جهنم لا تطاق – باعترافهم – لأنهم فقدوا تربية الروح، والصلة مع الله، وصارت حياتهم مادية بحتة، فكثرت فيهم الأمراض النفسية، ولجأوا في كثير من الأحيان – للتخلص من هذه الحياة – إلى الانتحار.
ثانياً:
النصيحة لك أن تبحثي عن الأسباب التي جعلت أهلك يقفون منك هذا الموقف، فيرفضون كل من تقدم للزواج منك , وجدي في معرفتها والعمل على إزالتها، حتى تستطيعي معالجة الأمر، وإيجاد الحلول المناسبة؛ حتى يلتم الشمل وتجتمعي مع أهلك.
وإذا تعثر ذلك، وبقيت الأمور على ما هي وتبيّن أن الأسباب الحائلة بينك وبين أهلك أسباب غير شرعية. عند ذلك تنتقل ولايتك للسلطان أو القاضي الشرعي، وحيث إنك توجدين في بلاد ليس فيها قضاء شرعي وليست بلاد إسلام، فلا حرج عليك أن يكون وليك هو مدير أحد المراكز الإسلامية أو إمام المسجد، وانظري جواب السؤال (7989) .
ثالثاً:
إن إحساسك بالذنب على ما قد فعلته سابقاً , ورجوعك إلى الله، والتوبة الصادقة النصوح، التي يندم فيها الإنسان على ما فعل , ويعزم على أن لا يعود، ويقلع عن الذنب , ويستغفر, ويكثر من الأعمال الصالحة , إن ذلك يجبر ما فات ويطهره، قال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المائدة/39.
وقال جل شأنه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقال تعالى: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/71.
فمن رجع عن المعاصي، وأناب إلى ربه، وأسلم له؛ فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/59-60.
والتوبة تفتح على صاحبها باباً جديداً, ينطلق منه إلى حياة جديدة؛ ملؤها الإيمان , والإحسان , والأمل.
قال صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني.
فأنصحك بعدم ذكر ذلك له، لأن ذلك صار كأنه لم يكن – بعد التوبة – وابدئي معه حياة جديدة, ملؤها الأمل , والحب , والسعادة , وكلليها بالطاعة , والتقوى، والاستقامة على الهدى.
ونصيحتنا لك أن تعجلي بأمر الزواج من هذا الشاب، لأن اتصاله بك وإقامة علاقة معه قبل الزواج أمر محرم، وقد يكون ذلك باباً من أبواب الفتنة، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الزلل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1016)
قوله للكافر في عيده: أتمنى لك الخير أو الأفضل هل يعد تهنئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن تهنئة الكتابيين بأعيادهم حرام، لما فيها من إقرار لعقائد باطلة, ولكن هل يجوز لي أن أرسل لمن أعرفه منهم في أعيادهم رسائل لا تحتوى على تهنئة, كأن أرسل لهم "أتمنى لك الخير", "أتمنى لك الأفضل" بنية تمنى لهم الهدى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تهنئة الكفار في أعيادهم، أمر محرم، كما ذكرت. وراجع السؤال رقم (947) ، ورقم (81977)
والذي يظهر أن إرسال رسالة إلى من تعرفه منهم، في أيام أعيادهم، مضمونها: أتمنى لك الخير أو الأفضل، أن ذلك من التهنئة.
لكن لو أرسلت هذه الرسالة في غير أيام الأعياد الخاصة بهم، بنية دعوتهم والرغبة في هدايتهم، فلا حرج.
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ [يعني: يفتعلون العطاس من عندهم] عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.
رواه الإمام أحمد (19089) أبو داود (5038) والترمذي (2739) وصححه الألباني في الإرواء (1277) .
قال في عون المعبود: " أَيْ وَلَا يَقُول لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّه , لِأَنَّ الرَّحْمَة مُخْتَصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِح بَالَهُمْ مِنْ الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ.
فالدعاء للكافر بالهداية، أو بصلاح البال: يعني: بالإيمان والهدى، لا بأس به، بل هو ثابت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1017)
حكم التحدث باللغة الانجليزية دون الحاجة لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم التحدث باللغة (الانجليزية) دون الحاجة لذلك؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أولا:
يقرر علماء اللسانيات والأصوات أن اللغات في العالم بلغت ما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، وأنها تختلف في مستوياتها، فمنها اللغة الراقية والمتصرفة والثرية ومنها دون ذلك.
واللغة العربية تتربع في قمة هرم اللغات، لما لها من خصائص ذاتية في حروفها وكلماتها التي تقوم على أصول ثلاثية في الغالب، وتناوبِ الصيغ في أداء المعنى، وتقارُبِ معاني ألفاظها مع الأصوات، وكذلك للخصائص التي تحملها معاني التراكيب اللغوية، فيما يسمى بـ " علم البلاغة ".
ولذلك كانت اللغة العربية لغة كتاب الله الخالد، القرآن الكريم، وقد اختارها الله سبحانه لتكون اللسان الذي أنزل به كتابه، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء /192-195
الإمام الشافعي رحمه الله:
" ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي " انتهى. الرسالة (34)
وقد شهد أهل العلم باللغات بأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات.
يقول ابن جني في "الخصائص" (1/243) :
" إنا نسأل علماء العربية، ممن أصله أعجمي، وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لا يكاد يَقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه، وتقدُّمِ لطف العربية في رأيه وحسه، سألت غير مرة أبا علي (يعني الفارسي إمام اللغة المعروف) عن ذلك، فكان جوابه عنه نحو ما حكيته " انتهى.
ويقول ابن سنان الخفاجي في "سر الفصاحة" (45) :
" لا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها " انتهى. ثم توسع في شرح ذلك.
وانظر كتاب "البلاغة المفترى عليها" لفضل حسن عباس (19-78) .
ثانيا:
ومن عرف للغة العربية فضلها وأهميتها أدرك ما ينبغي عليه من شديد العناية بها، خاصة وأن الصلاة وهي أهم عبادات المسلم لا تصح إلا بتلاوة كتاب الله العربي، لذلك كان المسلمون في شرق الأرض وغربها يتعلمون العربية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، حفاظا على وحي الله تعالى الذي أنزله بهذه اللغة، فإنَّ حفظَ القوالب حفظٌ للمعاني.
اللهم إلا أننا أصبحنا نجد في عصرنا هذا من يزهد في لغة القرآن، فينسبها تارة للعجز، وأخرى للصعوبة، لم يغادر شبهة أو تهمة إلا وحاول إلصاقها بها، ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من يبين فساد مقالته، وبطلان دعواه.
كما أننا نجد في زماننا من يزهد بلغته العربية، تبعية للغرب الذي سلب لُبَّه بمدنيته الزائفة، وحضارتِه الموهومة، فأصبح يستبدل العبارات العربية بالكلمات (الانجليزية) تارة، أو بـ (الفرنسية) تارة أخرى، حتى انحرف لسانه عن لغته الأصيلة، وانحرفت أخلاقه وأطباعه تبعا لذلك.
فلهؤلاء وأولئك أنقل لهم كلمة ضافية لشيخ الإسلام ابن تيمية، أوفى فيها على المقصود، وجمع فيها من المنقول والمعقول في هذا الموضوع، فقال رحمه الله تعالى في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208) :
" اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء، أو أكثرهم، يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية..
وأما الخطاب بها (يعني الأعجمية) من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، كالتواريخ ونحو ذلك، منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب.
وأما مع العلم به، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا، فإنه كره "آذرماه" ونحوه، ومعناه: ليس محرما، وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال: لسان سوء. وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم، وعن شهود أعيادهم.
وهذا قول مالك أيضا، فإنه قال: لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها، ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال: " إنها خِبَّ " (المكر والغش، المدونة 1/62-63) ، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا.
وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول:
" لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية "
فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين.
روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال: قال عمر: ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ (صار خَدَّاعًا) ، ولا خَبَّ رجل إلا نقصت مروءته.
وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم.
وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه. (انظر مصنف عبد الرزاق 1/411)
وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنيفية.
ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية:
قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية.
وقال منذر الثوري: سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن، فقال: يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزا، فاشترت به نبيزا، ثم جاءت به، يعني الجبن.
وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما كانوا يفعلون إما لكون المخاطب أعجميا، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال: (يا أم خالد هذا سنا) والسنا: بلغة الحبشة الحسن. البخاري (5845)
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه: أشكم بدرد.
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما.
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه.
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: (كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي)
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم)
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم 3/سؤال رقم 12) :
" السؤال: نجد أن بعض الناس ربما يتخاطب مع غيره من الشباب وغيرهم باللغة الإنجليزية أو ببعض مفرداتها، هل يفرق هذا بين من كان في مجال عمل، كما أننا نحن مثلاً في المستشفى نتخاطب مع زملائنا باللغة الإنجليزية غالباً، ولو كان الأمر لا يحتاج للكلام، ولكننا تعودنا ذلك بمقتضى مخالطتنا لهم، فهل في هذا بأس، وإذا تكلم الإنسان بكلمة من غير العربية فهل يأثم بذلك؟
الجواب:
الكلام باللغة غير العربية أحياناً لا بأس به، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال لطفلة صغيرة جارية قدمت من الحبشة فرآها وعليها ثوب جميل، فقال: (هذا سنا، هذا سنا) أي: هذا حسن، كلمها باللغة الحبشية؛ لأنها جاءت قريبة من الحبشة، فخطاب من لا يعرف العربية أحياناً باللغة التي يفهمها هو لا بأس به، وليس فيه إشكال، لكن كوننا يأتينا هؤلاء القوم لا يعلمون اللغة العربية، ثم نتعجم نحن قبل أن يتعربوا هم، مثل أن تجد بعض الناس إذا خاطب إنساناً غير عربي بدل ما يقول: لا أعرف، يقول: " ما في معلوم ". لماذا يقول: " ما في معلوم "؟ لأجل أن يعرف ما يقول له، والصحيح أن يقول له: لا أعرف، حتى يعرف هو اللغة الصحيحة، لكن مع الأسف الآن نخشى على أنفسنا أن نكون أعاجم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 142/سؤال رقم 3) :
" الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك - مع الأسف الشديد - الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: " باي باي "..؟!! ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يُهْجَر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية!! كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية ... " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/186/ سؤال رقم/15) :
" إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة) ؛ لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية " انتهى.
وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/432-433)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1018)
هل يطرد خاله مدمن الخمر من السكن معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يعيش معنا -أنا واثنان من الإخوة أصغر مني- في بلاد الكفر في نفس البيت الصغير -غرفتين- خال لي مدمن خمر , لكن في بداية سكناه معنا لم يكن يشرب بهذا القدر , أضف إلى ذلك أنه لا يصلي , ويسب الدين والرب في بعض الأوقات , وهو هنا في بلاد الكفر منذ ما يقارب 30 سنة لم يذهب خلالها قط إلى البلاد.. ولقد كان صديقاً لأبي قبل أن يتزوج أبي بأمي.. ونحن ولله الحمد والمنة نصلي ونحاول اتقاء الله قدر المستطاع , ولقد تكلمنا معه بالتي هي أحسن ونصحناه بأن يتوب إلى الله , فيقول لنا؛ معكم الحق.. ادعوا الله أن يتوب عليّ.. ثم بعد يوم أو اثنين يعود لما كان عليه! ونحن إن قمنا بطرده من البيت فلا يوجد من يستضيفه في بيته مما سيؤدي به إلى النوم في الشارع ككثير من المدمنين العرب الذين يعيشون في الشوارع , نسأل الله لنا ولهم الهداية.. السؤال؛ ماذا يتوجب علي فعله مع العلم بأن أمي وأبي لا يعيشون معنا في نفس البيت فهما في بلدنا الأصلي , لكن في حالة طرد خالي أو التكلم معه بقسوة فقد تنزعج أمي لأنها رغم ذلك تحب أخاها لأنها لم تره منذ 30 سنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مآسي المسلمين في بلاد الكفر كثيرة , لا تعد ولا تحصى , تدمي القلب , وتفطر الكبد , وتحزن النفس , ذلك أن هذه المجتمعات؛ وتلك البيئات ليست للمسلمين , فمقوماتها لا تتناسب ودينهم , وما جاء به من مبادئ سامية , وأخلاق رفيعة , وأدب جم.
لقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من العيش في تلك البيئات والمجتمعات أشد تحذير، لما يعلم ما لهذه الإقامة من الأثر السيء على المسلمين؛ في دينهم؛ وأخلاقهم , وسلوكهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) .
وما حال خالكم المذكور ـ وغيره كثير- إلا نتيجة لتلك الإقامة التي نهانا ديننا عنها.
إنه الضياع الكبير , والخسران المبين للدنيا والآخرة , إن لم يتداركه الله برحمته.
أخي السائل:
ليس لكم إلا الصبر على خالكم , فإنه يظهر من نصيحتكم له وجوابه لكم أن بذرة الإيمان لا زالت حية , تنبض في قلبه , فتحتاج منكم الرعاية , والسقاية , والاهتمام دون كلل , ولا ملل , واضعين نصب أعينكم قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) أخرجه البخاري (2942) .
فبقاؤه معكم في البيت – مع بذل النصيحة له والعناية به – خير له من التسكع في الشوارع , وعيشة المشرد , والتي قد تؤدي به إلى سوء الخاتمة , بسبب بعده عنكم. وارتكاب أخف المفسدتين ودفع إحداهما بالأخرى , هو الأصل المطلوب.
مع ما في الإحسان إليه من بر الوالدة ورضاها بذلك، فاجتهدوا في دعوته إلى الخير، وحاولوا إشغاله عما هو فيه، وخذوه معكم إلى المسجد شيئاً فشيئاً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي ضال المسلمين, وينير بصائرهم ,إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1019)
التبسم في وجه الكافر لغرض تأليفه ودعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنظر إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الكفار.. من عدم جواز بدئهم بالسلام.. ومن عدم إفساح الطريق لهم كما في حديث (اضطروهم إلى أضيقه) فهل يمكن أن نقيس على ذلك أيضاً عدم جواز التبسم في وجوههم؟ بمعنى آخر.. هل يجوز الابتسام في وجوه الكفار؟ فإن كان لا يجوز.. فكيف نرد على من يقول إن ذلك من باب الدعوة إلى الله وترغيبهم في الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت نصوص الشريعة المستفيضة على تحريم موالاة الكافر ومودته واتخاذه صديقا وخليلا، وإكرامه وإظهار الحفاوة والبشر له، وابتدائه بالسلام والتحية، ويستثنى من ذلك بعض هذه الأمور إذا دعت مصلحة أو حاجة، كتحيته بغير السلام عند الحاجة، والتلطف واللين معه عند دعوته للإسلام، ويدخل في ذلك التبسم في وجهه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟
فأجاب: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة / 4، وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) المجادلة / 22.
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) الممتحنة / 1.
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به. وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" رحمه الله (3/31) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (2/424) في ابتداء الكفار بالتحية:
" وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك " اهـ.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (25/168) : " ذهب الحنفية إلى أن السلام على أهل الذمة مكروه لما فيه من تعظيمهم , ولا بأس أن يسلم على الذمي إن كانت له عنده حاجة ; لأن السلام حينئذ لأجل. الحاجة لا لتعظيمه , ويجوز أن يقول: السلام على من اتبع الهدى ... ويحرم عند الشافعية بداءة الذمي بالسلام , وله أن يحييه بغير السلام بأن يقول: هداك الله أو أنعم الله صباحك إن كانت له عنده حاجة , وإلا فلا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلا ; لأن ذلك بسط له وإيناس وإظهار ود. وقد قال الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} " انتهى.
والحاصل أن التبسط للكافر، والتبسم له، يجوز لغرض دعوته للإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1020)
هل يشارك في حفل زواج أخيه النصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت ولله الحمد، لكن عائلتي لا تزال على النصرانية. وسيتزوج أخي قريبا، مما يترتب عليه الاحتفال بخدمات دينية في الكنيسة يتبعها مأدبة طعام. وقد أخبرت عائلتي أني لن أشارك في الاحتفال الديني. وأود أن أعرف إذا كان الإسلام يجيز لي ولزوجتي وطفلي حضور مأدبة الطعام حيث قد يقدم الخمر لبعض النصارى أثناء تناولهم الطعام.
إذا كان ذلك لا يجوز، فبماذا تنصحني إذن؟ أرجو أن تجيبني مع الدليل.
إن هذا الموضوع مهم جدا بالنسبة لي حيث أن والدي أبعدني عنه منذ 7 سنوات (بمحض إرادته) وأنا أحاول دعوتهم للإسلام.
وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام ونسأله تعالى أن يتم عليك النعمة بالثبات عليه، وهداية أهلك ودخولهم في الإسلام.
2. وقد أحسنتَ بموقفك من عدم حضور الخدمات الدينية في الكنيسة، إذ المشاركة في مثل هذه الأمور الدينية عند غير المسلمين أقل أحوالها أنها من الكبائر، وقد تصل إلى الكفر.
3. وأما المشاركة في حفل زفاف أخيك والذي يكون فيه الخمر مع الطعام، فإننا ننصحك أن تمتنع عن المشاركة كما فعلت أولا، والمشاركة في مثل هذا الاحتفال من المحرمات وكبائر الذنوب، وقد قال الله تعالى {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه وذلك أضعف الإيمان ".
رواه مسلم (49) .
والمشاركة في مثل هذه الأمور لن تستطيع أن تغير المنكر بيدك ولا بلسانك - في الغالب -، فلم يبق إلا التغيير بالقلب، وهو يتنافى مع المشاركة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر ". رواه أحمد (14241) ، وقد صححه العلامة الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 6) .
وسبب التحريم - كما هو ظاهر - هو أن الجلوس يعني إقرار المنكر.
4. إن تقديم مثل هذه التنازلات من قبل الأخ السائل بالإضافة إلى أنه لا يجوز لها شرعاً: فإنه يضعف موقفه في محاولات دعوة أهلها إلى الإسلام، وكلما كان الداعية صادقاً في نفسه ومع ربه كلما كان تأثيره أقوى في دعوة الآخرين، وأما تمييع المسائل وتذبذب المواقف فإنه يفقد الثقة فيه من قِبَل الآخرين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/1021)
هل يسمح المسلم لضيفه الكافر بأداء شعائر الكفر في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا زارك شخص كافر ليبقى في بيتك لعدة أيام فهل يجوز للمسلم المستضيف أن يسمح له بأن يؤدي صلاته وشعائر دينه التعبدية؟
هل يعتبر المسلم المستضيف مذنباً؟ لأن بعض الصلوات والشعائر التعبدية لدين آخر لا تتوافق مع الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد صالح العثيمين فأجاب بقوله: الحمد لله، لا يجوز أن توافقه على ذلك لأن هذا كفر فإنه لا دين له كما قال الله عز وجل " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " وقال تعالى " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ولأن هذا الزائر امتهن كرامتك لأنه يعلم أنك لا ترضى بهذا فلا تدعه يمتهن كرامتك. أهـ والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح العثيمين(1/1022)
معاشرة غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب مسلم، وأنا أعيش حالة ضياع بين مصاحبة المسلمين وغير المسلمين. ففي أيام الجمع عادة، فأنا أبقى مع المسلمين، أما في باقي أيام الأسبوع، فأبقى مع غير المسلمين في الجامعة. ومشكلتي هي أني أميل إلى قضاء جزء كبير من وقتي مع غير المسلمين. ومع وجود الإغراءات من حولي، فأنا لا أعرف كيف أفعل مع النساء. أنا لا أشرب الخمر، ولا أدخن، لكن عندما يتعلق الأمر بالنساء، فإني أصبح ضعيفا. وبسبب مواقفي الإسلامية، فإن الفتيات يجدنني لطيفا بالمقارنة مع أصدقائي الآخرين. وأنا أتمنى لو أني أعرف بعض الأخوات المسلمات، اللآتي أحترمهن حقا، لأتمكن من التحدث إليهن (من منظور إسلامي) ولا أضطر عندها لأن أقضي وقتي مع الفتيات غير المسلمات. كنت أحاول منذ وقت طويل، لكن أحيانا يكون مجرد المحاولة لا يكفي. فبماذا تنصحني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك يدل على وجود الخير في قلبك ومحبتك له وحرصك ورغبتك في الالتزام الكامل بما أمر الله عز وجل به.
وقد ذكرت في سؤالك عدة قضايا:
الأولى:
أنك تخالط المسلمين وغير المسلمين , فاعلم يا أخي أن علاقة المسلم مع المسلمين تختلف عن علاقته مع غيرهم , وذلك أن المسلم يجب عليه أن يوالي أخاه المسلم , بأن يكن له المحبة القلبية والتقدير والاحترام , كما قال الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة / 71 ولإخوانك المسلمين عليك حقوق يجب أن تؤديها إليهم , وليس هذا المقام مقام بيانها وبإمكانك الإطلاع على بعضها في إجابة السؤال رقم: 11413.
أما غير المسلم فالواجب على المسلم أن يتبرأ منه , ولا يُكِن له أي مودة قلبية , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) الممتحنة / 1. وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة / 4.
ولكن هذا لا يمنعه من التعامل معه بأسلوب حسن ترغيبا له في الإسلام , على أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية , كما قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة / 8.
وعلى المسلم أن يحرص كل الحرص على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بكل الوسائل الشرعية الممكنة , والتي يرجى معها النفع والاستجابة , كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل / 125.
وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33.
وروى مسلم في "صحيحه" (2674) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ".
الثانية:
أنك تميل إلى قضاء جزء كبير من وقتك مع غير المسلمين , وقد عبرت عن ذلك بأنه مشكلة , وهو كذلك بالفعل , لأن مخالطة المسلم لغير المسلمين وفي مجتمع غير إسلامي مع الميل إليهم , هذا مما يؤثر على الإنسان في عقيدته ودينه وخلقه (لا سيما وقد ذكرت في سؤالك بأنك لا تشرب الخمر ولا تدخن _ وهذا من فضل الله عليك _ مما يفهم منه وقوع مثل هذه الأشياء من أولئك القوم) ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من مخالطة ومعاشرة غير المسلمين , فقد أمر الله عز وجل بالهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام , كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً.إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء /97_ 98.
وروى أبو داود في "سننه" (2645) والترمذي في "جامعه" (1640) من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". قالوا: يا رسول الله، ولم؟ قال: " لا ترايا ناراهما ". والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (1207) .
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" (عون _ 7/304) : (والذي يظهر من معنى الحديث: أن النار هي شعار القوم عند النزول وعلامتهم , وهي تدعو إليهم , والطارق يأنس بها , فإذا ألم بها جاور أهلها وسالمهم , فنار المشركين تدعو إلى الشيطان وإلى نار الآخرة , فإنها إنما توقد في معصية الله , ونار المؤمنين تدعو إلى الله وإلى طاعته وإعزاز دينه , فكيف تتفق الناران , وهذا شأنهما؟! وهذا من أفصح الكلام وأجزله , المشتمل على المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة) ا. هـ.
وروى أبو داود (2787) من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله ". ورواه الحاكم (2/141) بإسناد آخر عن سمرة ولفظه: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". والحديث حسنه الألباني في "الصحيحة" (2330) بمجموع طريقيه.
وروى الإمام أحمد (4/365) والنسائي (4177) من حيث جرير قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع , فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك , واشترط علي , فأنت أعلم. قال: " أبايعك على أن تعبد الله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتناصح المسلمين , وتفارق المشرك ". والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (636) .
فهذه النصوص تدل على أن الأصل في المسلم أن لا يقيم مع الكفار في بلادهم , وأن الواجب عليه الانتقال منها إلى بلاد الإسلام , ويستثنى من ذلك من كانت إقامته لضرورة , ولكن الضرورة تقدر بقدرها , فعلى المسلم أن يكون مع أولئك بقالبه لا بقلبه، وعليه أن يجتنب مخالطتهم بدون حاجة.
فالواجب عليك يا أخي أن تبحث عن رفقة صالحة من المسلمين يعنونك على تعلم دينك والاستقامة عليه , وعليك أن تستغل أوقات فراغك بقراءة القرآن , وقراءة الكتب النافعة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وفي أحكام الدين وآدابه وأخلاقه , وبذكر الله عز وجل , قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (86) وهو يعدد فوائد الذكر: (أنه أيسر العبادات , وهو من أجلها وأفضلها , فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها , ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة , بل لا يمكنه ذلك) ا. هـ.
ويمكنك أيضا أن تشغل وقتك بالاستماع إلى الأشرطة النافعة , وبتصفح المواقع المفيدة على شبكة "الانترنت".
وإن مما يعينك على الانصراف عن مخالطة غير المسلمين: تذكر أن هؤلاء الكفار _ وإن كانت معاملتهم حسنة ولهم حسنات _ إلا أنهم قد جمعوا جملة من المنكرات العظيمة واحد منها كفيل بأن يحبط كل عمل عملوه , ومن تلك المنكرات ما يعتقده النصارى _ مثلا _ من أن الله ثالث ثلاثة، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73.
وبقية الملل الكفرية كلها تجعل لله شريكا , أو لا تؤمن بوجود الإله أصلا.
والكفار عموما لا يؤمنون بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , بل يكذبون بالقرآن ويكذبون بنبينا صلى الله عليه وسلم , فكيف يميل إليهم المسلم مع كفرهم وضلالهم.
فهم وإن أعطوك شيئا من حقك بمعاملتك بالحسنى فقد سلبوا الله حقه وسلبوا القرآن حقه وسلبوا نبينا صلى الله عليه وسلم حقه , وحق الله وحق كتابه وحق نبيه أعظم من حقنا الشخصي , فتذكر هذا، فإنه ممن يعينك على بغضهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده , كما سبق في الآية الكريمة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة / 4.
ولكن نؤكد على أنه لا مانع من أن يحسن المسلم إليهم وفق الضوابط الشرعية , لا سيما إذا كانوا ممن يحسنون إلينا , فقد قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) الرحمن / 60.
الثالثة:
مخالطتك للفتيات غير المسلمات , ورغبتك في التعرف على فتيات مسلمات , اعلم يا أخي أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية حفظ الأعراض , وقد فرضت شريعتنا الغراء تدابير كثيرة لتحقيق هذا المقصد السامي , ومن ذلك المنع من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أشرف المواضع وعند طلب أسمى المقاصد , فمن هدي الإسلام فصل الرجال عن النساء في المساجد , روى مسلم في "صحيحه" (440) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ".
قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/159) : (والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم) ا. هـ
وروى البخاري في "صحيحه" (837) من حديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه , ومكث يسيرا قبل أن يقوم. قال الزهري: فأرى _ والله أعلم _ أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم.
فإذا كانت المساجد التي هي أشرف المواضع قد جاءت الشريعة بفصل الرجال عن النساء فيها فغيرها من باب أولى.
وأيضا التعليم الذي هو أسمى المقاصد , ومع هذا فقد راعت الشريعة فيه فصل النساء عن الرجال، روى البخاري (101) ومسلم (2633) من حديث أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: " اجتمعن يوم كذا وكذا " فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ... الحديث , واللفظ لمسلم.
وروى مسلم (885) من حديث جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن.
ومن الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الباب أن الله عز وجل أمر الرجال والنساء بغض البصر , فالمسلم لا يجوز له أن ينظر إلى امرأة أجنبية عنه , وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى أجنبي عنها , قال الله تعالى:) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) الآية النور / 30 _ 31.
وروى مسلم في "صحيحه" (2159) من حديث جرير بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري.
وروى أبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ". والحديث حسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص:77) .
وأيضا جاءت الشريعة بالنهي عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية , وجاءت بالمنع من مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية، وغير ذلك من الأحكام التي لا يتسع المقام لبسطها [للاستزادة بإمكانك مراجعة أجوبة الأسئلة التالية: 2459، 2986، 9989] .
وهذه الأحكام تنطبق على المرأة المسلمة وغير المسلمة ما لم تكن من محارم الرجل.
وعليه يا أخي فالواجب عليك أن تبتعد عن مخالطة النساء الأجنبيات وإن كن مسلمات , وأن لا تستجيب إلى ما يوقعه الشيطان في قلبك من نزغات , من إعجاب بعض الفتيات بك ونحو ذلك , واجعل تحقيق رضى الله هو غايتك , روى الترمذي (2414) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ". والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (2311) .
أخي اعلم أنك قد تجد صعوبة في تطبيق ذلك في بادئ الأمر , ولكن عليك أن تجاهد نفسك , فقد قال تعالى:) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / 69.
وعليك أن تصبر وتصابر وتحتسب , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران / 200.
واعلم أنك إذا حرصت على تقوى الله فإنك في النهاية سوف تجد لك مخرجا من كل ضيق , كما قال تعالى: (ِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق / 2.
وسوف يسهل عليك كل ما كنت تجده صعبا , فالله عز وجل وجل يجعل الحَزْن إذا شاء سهلا.
وأيضا سوف يعرف عنك الآخرون التزامك بما أمرك به دينك , مما يجعلهم يحترمون ذلك منك ويقدرونه لك.
وفي الختام أوصيك بالإكثار من دعاء الله عز وجل , لاسيما في أوقات الإجابة ومواضعها , كالسجود وقبل السلام من الصلاة وفي الثلث الأخير من الليل , وبين الأذان والإقامة , فأدعو الله بأن يثبتك على الإسلام , واستعن بالله على التمسك بأوامره والبعد عن معاصيه , واسأل الله أن يجعل لك من كل ضيق مخرج ومن كل هم فرجا , والله معك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1023)
قبول هدية الكافر في يوم عيده
[السُّؤَالُ]
ـ[جارتي أمريكية مسيحية....، هي وعائلتها قدموا لي هدايا بمناسبة الكريسمس، وأنا لا أستطيع رده هذه الهدايا، حتى لا تغضب مني!!
فهل لي أن أقبل هذه الهدايا، كما قبل الرسول عليه الصلاة والسلام هدايا الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل هو جواز قبول الهدية من الكافر، تأليفا لقلبه وترغيبا له في الإسلام، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار، كهدية المقوقس وغيره.
وبوب البخاري في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، قال رحمه الله: " وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ، وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " وذكر قصة اليهودية وإهداءها الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا:
يجوز للمسلم أن يهدي للكافر والمشرك، بقصد تأليفه، وترغيبه في الإسلام، لاسيما إذا كان قريبا أو جارا، وقد أهدى عمر رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حلة (ثوبا) . رواه البخاري (2619) .
لكن لا يجوز أن يهدي للكافر في يوم عيد من أعياده، لأن ذلك يعد إقرارا ومشاركة في الاحتفال بالعيد الباطل.
وإذا كانت الهدية مما يستعان به على الاحتفال كالطعام والشموع ونحو ذلك، كان الأمر أعظم تحريما، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كفر.
قال الزيلعي في "تبيين الحقائق" (حنفي) (6/228) : " (والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر , وقال أبو حفص الكبير رحمه الله لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز , وأهدى لبعض المشركين بيضة، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر , وحبط عمله. وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر , ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم , ولكن ما اعتاده بعض الناس لا يكفر , ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة , ويفعله قبله أو بعده، كي لا يكون تشبها بأولئك القوم , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من تشبه بقوم فهو منهم} . وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا، لم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر " انتهى.
وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (4/319) : " وكره ابن القاسم أن يهدي للنصراني في عيده مكافأة له، ونحوه إعطاء اليهودي ورق النخيل لعيده " انتهى.
وقال في "الإقناع" من كتب الحنابلة: " ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه، ومهاداتهم لعيدهم " انتهى.
بل ولا يجوز للمسلم أن يهدي للمسلم هدية لأجل هذا العيد، كما سبق في كلام الحنفية، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالِفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/227) .
ثالثا:
أما قبول الهدية من الكافر في يوم عيده، فلا حرج فيه، ولا يعد ذلك مشاركة ولا إقرارا للاحتفال، بل تؤخذ على سبيل البر، وقصد التأليف والدعوة إلى الإسلام، وقد أباح الله تعالى البر والقسط مع الكافر الذي لم يقاتل المسلمين، فقال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
لكن البر والقسط لا يعني المودة والمحبة؛ إذ لا تجوز محبة الكافر ولا مودته، ولا اتخاذه صديقا أو صاحبا، لقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ) الممتحنة/1، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118
وقال عز وجل: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود/113
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تحريم مصادقة الكافر أو مودته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها.
وروى ابن أبي شيبة.. أن امرأة سألت عائشة قالت إن لنا أظآرا [جمع ظئر، وهي المرضع] من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا فقالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم.
و.. عن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان، فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه.
فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم ... ".
ثم نبه رحمه الله على أن ذبيحة الكتابي وإن كانت حلالا إلا أن ما ذبحه لأجل عيده: لا يجوز أكله. قال رحمه الله: " وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم، بابتياعٍ أو هديةٍ أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد. فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة، وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/251) .
والحاصل أنه يجوز لك قبول الهدية من جارتك النصرانية، في يوم عيدهم، بشروط:
الأول: ألا تكون هذه الهدية من ذبيحةٍ ذبحت لأجل العيد.
الثاني: ألا تكون مما يستعان به على التشبه بهم في يوم عيدهم، كالشمع، والبيض، والجريد، ونحو ذلك.
الثالث: أن يصحب ذلك شرح وتوضيح لعقيدة الولاء والبراء لأبنائك، حتى لا ينغرس في قلوبهم حب هذا العيد، أو التعلق بالمُهدي.
الرابع: أن يكون قبول الهدية بقصد تأليفها ودعوتها للإسلام، لا مجاملة أو محبة ومودة.
وفي حال كون الهدية مما لا يجوز قبولها، فإنه ينبغي أن يصحب رفضها توضيح وبيان لسبب الرفض، كأن يقال: إنما رفضنا هديتك لأنها ذبيحة ذبحت لأجل العيد، وهذا لا يحل لنا أكله، أو أن هذه الأمور إنما يقبلها من يشارك في الاحتفال، ونحن لا نحتفل بهذا العيد؛ لأنه غير مشروع في ديننا، ويتضمن اعتقادا لا يصح عندنا، ونحو ذلك، مما هو مدخل لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان خطر الكفر الذي هم عليه.
والمسلم يجب أن يكون معتزا بدينه، مطبقا لأحكامه، لا يتنازل عنها حياء أو مجاملة لأحد، فإن الله أحق أن يُستحيى منه.
وراجعي السؤال رقم (947) ورقم (13642) لمزيد الفائدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1024)
السفر للعمل في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يريد أن يسافر إلى بلاد الكفار للعمل وبدعوى أن لديهم نظاما ومعاملة راقية إلخ من مزايا. فهل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تعلم أولا أن السفر والإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بشروط بينها أهل العلم، وملخصها:
1- أن يأمن الإنسان على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان ما يبعده عن الانحراف.
2- أن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم.
3- أن يتمكن من إظهار دينه، من الصلاة وغيرها.
4- أن يكون بقاؤه هناك لضرورة أو مصلحة كالدعوة إلى الله تعالى، أو تعلم علم لا يوجد في بلده.
انظر: "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 92-95) .
هذا على سبيل الإجمال، وأما على سبيل التفصيل فيقال:
الإقامة في بلاد الكفر، تارة تكون جائزة، وتارة تكون مستحبة، وتارة تكون محرمة، وذلك بحسب حال المقيم، وغرض إقامته، ومدى قدرته على إظهار دينه. وقد أجبنا على ذلك مرات، لكن سنضع هنا بين يديك كلاما دقيقا للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، يجمع شتات هذه المسألة:
قال الشيخ رحمه الله:
" وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فساقا، وبعضهم رجع مرتدا عن دينه وكافرا به وبسائر الأديان والعياذ بالله حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين:
الأول: أمنُ المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية المجادلة/22. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/ 51، 52، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من أحب قوما فهو منهم) ، (وأن المرء مع من أحب) .
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب قوما فهو منهم) .
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ.
قال في المغني (8/457) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء /97. وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى.
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها، أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين، وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان، فقال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) .
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة، وبطلان التعبد، وانحلال الأخلاق، وفوضوية السلوك؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضا لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه، لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لكن لا بد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام وجب الكف، لقوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108.
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينا للمسلمين؛ ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم.
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة، ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة، وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة، لكنها أخطر منها وأشد فتكا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال. والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد، فأما بعث الأحداث " الصغار السن " وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرا من أولئكم المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في دياناتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل. وفي الدعاء المأثور: (اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علي فأضل) .
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة فإذا صادفت محلا ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله، لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم، لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) . وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر، فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى نارهما) . رواه أبو داود والترمذي، وأكثر الرواة رووه مرسلا عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: سمعت محمدا - يعني البخاري - يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل. اهـ.
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر، ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه، ويسمعه بأذنيه، ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع م في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر نسأل الله أن يكون موافقا للحق والصواب " انتهى من "شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ضمن مجموع الفتاوى له (6/132) .
ثانيا:
بناء على ما سبق، فالذي يظهر أن السفر لأجل العمل في بلاد الكفار، يلحق بما ذكره الشيخ رحمه الله في القسم الخامس والسادس، وهو السفر للدراسة، وللسكن والإقامة؛ ففي هذه الحالات، تطول المدة، ويعظم الخطر، لا سيما إذا كان الإنسان محتاجا إليهم، وقد ذهب منبهرا بما عندهم من حضارة ورقي، فإن كان العامل هناك: يتمكن من إظهار دينه، ولديه نضج يميز به بين النافع والضار والصالح والطالح، وعلم يدفع به الشبهات، وإيمان يقف في وجه الشهوات، ولم يجد فرصة للعمل في بلاد المسلمين، واقتصر بقاؤه هناك على قدر حاجته، فهذا يجوز له السفر. والسلامة في ترك ذلك؛ لأنه إن أمن على نفسه، فلا يكاد يأمن على أولاده، وقد تلهيه الحياة وتطغيه، ويركن إلى البقاء هناك، فيضيع دينه، أو ينحرف أبناؤه، نسأل الله العافية.
وعلى من ابتلي بالسفر إلى هذه البلاد أن يظهر ولاءه لأهل الإسلام هناك، وأن يعتصم بالأخوة الإيمانية، وأن يكون عضوا فاعلا في المراكز الإسلامية، لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، والشيطان من الفرد قريب، ومن الاثنين أبعد.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1025)
أُهدي لهم طعام في "الكريسماس" فكيف يتصرفون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتصرف إذا كان جارنا يقدم لنا طعام الكريسمس في 25 من ديسمبر؟ هل نتخلص من الطعام، أم نرفضه، حتى ولو كان رفضنا قد يؤدي لشيء من إساءة فهمهم لنا؟ . وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للإنسان المسلم أن يقبل الهدايا من الكفار أو يعطيهم الهدايا، وخاصة إذا كانوا من الأقرباء، والدليل على ذلك:
أ. عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً وكتب له ببحرهم. رواه البخاري (2990) .
ب. عن كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي. رواه مسلم (1775) .
وقد ثبت هذا عن الصحابة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده، فقد زارت أم أسماء بنت أبي بكر – وهي مشركة - ابنتها وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها أن تصِلها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً، وكلا الحديثين في الصحيحين.
والخلاصة: أنه يجوز للمسلم أن يهدي الكافر وأن يقبل الهدية منه.
ثانياً:
أما بالنسبة لهدايا أعيادهم فلا يجوز بذلها لهم ولا قبولها منهم؛ لأن في ذلك تعظيماً لأعيادهم، وإقراراً لهم عليها، وعوناً لهم على كفرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومَن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تُقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض، واللبن، والغنم في " الخميس الصغير " الذي في آخر صومهم.
وكذلك أيضاً لا يُهدى لأحدٍ من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه.
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد، من الطعام، واللباس، ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 227) .
وقال – رحمه الله -:
فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم: فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 229) .
وقال ابن القيم - رحمه الله – بخصوص أعياد أهل الكتاب -:
وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم.
- ثم ساق – رحمه الله – كلام أئمة المذاهب وأعلامها في المنع من ذلك -.
" أحكام أهل الذمة " (3 / 1245 – 1250) .
وينظر جواب السؤال رقم (12666) .
ثالثاً:
ولا يجوز للمسلم أن يتهاون في أمر دينه، ويجب عليه أن يكون مظهراً لأحكامه، وها هم قد أعلنوا دينهم وأظهروا شعائرهم بمثل هذه الأعياد، ونحن علينا أن نظهر ونعلن رفضنا لهداياهم، والمنع من مشاركتهم وإعانتهم عليها، وهذا من شعائر ديننا.
ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بأحكام دينه، وأن يرزقنا العمل بها والثبات عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1026)
هل تجوز الشفاعة لزميله إذا غش في الامتحان وألغيت المادة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زميل لنا في الدفعة غير مسلم، وغش في أحد الامتحانات، وعاقبه الدكتور بإلغاء المادة.. هل يجوز لنا مساعدته في ذلك الموقف واسترحام الدكتور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الغش في الامتحانات محرم كغيره من أنواع الغش.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم غش الطلبة في اختبارات المدارس؟
فأجابت: " حديث: (من غشنا فليس منا) صحيح، وهو عام يشمل الغش في البيع والشراء، وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق، وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها، سواء كان نقلاً من الكتب أم أخذاً عن التلاميذ أم إعطاء لهم كلاماً أم عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/200) .
ثانيا:
يشرع معاقبة الغاش وتأديبه وتعزيره بما تراه الجامعة مناسبا، كحرمانه من إكمال الامتحان أو إلغاء المادة؛ سدا لهذا الباب المحرم الذي ينشأ عنه الضعف والتخلف وتقديم من لا يستحق التقديم وإسناد الأمر لغير أهله، وأقل عقاب يستحقه الطالب إذا غش في الاختبار أن تلغى له هذه المادة التي غشّ فيها، إذ كيف يعطى درجات لا يستحقها، وكيف يقدم على غيره من الطلبة، وقد كان راسباً؟!
وعلى هذا لا ينبغي لكم أن تشفعوا لهذا الطالب عند الدكتور، بل لعله يستفيد من هذا العقاب ولا يعود لمثل ذلك مرة أخرى، ويستفيد غيره أيضاً. ولكن إذا كان هذا الطالب لم يغش شيئاً، وإنما كانت مجرد محاولة، ولم يكن ذلك من عادته، وظهرت عليه أمارات الندم والعزم على عدم العودة لمثل ذلك في المستقبل، فلا حرج من شفاعتكم له عند الدكتور ليرفع عنه العقاب.
ثالثاً:
وأما كون هذا الطالب غير مسلم فلا يمنع الشفاعة له في الأصل، فد ثبت أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت: (أي: جعلته في أمانها وحماها) رجلاً كافراً يوم فتح مكة حتى لا يقتل، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) رواه البخاري (3171) ومسلم (336) .
وهذا شفاعة لها في هذا الرجل الكافر حتى لا يقتل، وأقرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك أجار عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلاً كان قد ارتد ثم جاء تائباً مسلماً فأجاره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود (4358) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا مما يبين سماحة الإسلام، وحرص أهله على الخير والنفع لعامة الناس، مما يحرك قلوبهم للتفكر في هذا الدين الحق، ويرغبهم فيه، وهذا هو الهدف الذي ينطلق منه المسلم في إحسانه للكافر وصلته له، أن يشرح الله صدره للإسلام، وأن ينقذه من ظلمات الكفر والشرك.
ولا يخفى أن هذا الإحسان لا يقتضي المودة والمحبة والولاء، فإن ذلك لا يجوز مع الكافر، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقال: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1027)
لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم بأي صيغة كانت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تناول الطعام (رز أو لحم أو دجاج أو كيك) الذي يهدى إلينا من صديق نصراني والذي صنعه من أجل عيد ميلاده الشخصي أو عيد الميلاد (كريسماس) أو عيد رأس السنة الميلادية؟ وما رأي فضيلتكم في تهنئته بكلام مثل إن شاء الله تستمر في النجاح في هذه السنة لتفادي قول كل عام وأنت بخير أو عام سعيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يأكل ما يصنعه اليهود والنصارى في أعيادهم، أو ما يهدونه إليه من أجل عيدهم، لأن ذلك من التعاون والمشاركة معهم في هذا المنكر كما هو مبين في السؤال رقم (12666)
كما لا يجوز له أن يهنئهم بعيدهم، بأي صيغة من صيغ التهنئة؛ لما في ذلك من الإقرار بعيدهم وعدم الإنكار عليهم، ومعاونتهم في إظهار شعائرهم وترويج بدعهم ومشاركتهم السرور في أعيادهم، وهي أعياد مبتدعة، تتصل بعقائد فاسدة لا يقرها الإسلام، وانظر السؤال رقم (47322)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1028)
حكم إدخال الخادمات غير المسلمات لمكة في موسم الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إدخال غير المسلمين إلى مكة المكرمة كالخادمات لفترة الحج أو العمرة، بحجة أن الشخص لا يجد لها مكاناً يبقيها فيه خلال فترة غيابه عن بلده؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها، وتُفعل الفواحش في تلك البيوت، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في بدنه أو في دينه، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها.
ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك.
ثانياً:
إذا كانت الأسرة مضطرة لوجود خادمة في البيت، بسبب كثرة الأعمال البيتية، وبشرط الالتزام بالشروط الشرعية: فإنه يجوز لصاحب البيت إحضار خادمة للعمل، ويُفضَّل أن تكون مسلمة؛ لما في اتخاذها كافرة من مخاطر كبيرة على الأسرة.
ولينظر جواب السؤال رقم (31242) ففيه شروط استخدام خادم غير مسلم.
وأما إن كانت الأسرة تعيش في " الجزيرة العربية " فإنه لا يجوز لهم إحضار الخادمات الكافرات للعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب.
فعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لاَ أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِماً) رواه مسلم (1767) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ منها: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1 04806) .
ثالثاً:
أما جلب الخادمات الكافرات وغيرهن من الكفار إلى الحرم: فلا يجوز سواء للعمرة أو للحج أو لغيرهما، وهذا وجه آخر في المنع من دخولهم الحرم، فهو من جهة داخل قطعاً في " جزيرة العرب " التي نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم دخولهم فيها، وكذلك من وجه آخر أنه قد وردت النصوص بتخصيص الحرم من منع دخولهم فيه، وهو المعمول به منذ أزمان بعيدة بفضل الله تعالى وتوفيقه.
ومعنى هذا أنه من كان لوجوده في جزيرة العرب من الكفار مصلحة للمسلمين، أو كان أحدٌ قد تساهل في جلب الكفار لها: فإنه لا يجوز التعدي على الشرع من الجهة الأخرى بإدخالهم إلى حدود الحرم.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28.
والمسجد الحرام هنا هو: الحرم كله.
قال النووي رحمه الله:
والمراد بالمسجد الحرام ها هنا: الحرم كله، فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول، بل يُخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات: نبش وأخرج من الحرم.
" شرح مسلم " (9 / 116) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟ .
فأجاب:
أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/28؟ لا، هذا حرام عليه، وإذا قدِّر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت: فهذا المطلوب، وإن لم تسلم: إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة: فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم.
السائل:
هو يا شيخ من غير هذه البلاد، وجاء بها، وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ .
الشيخ:
نعم، يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها.
" لقاءات الباب المفتوح " (196 / السؤال رقم 18) .
والخلاصة:
أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وأنه لا يجوز جلب الخادمات الكافرات إلى جزيرة العرب، ولا دخولهن حدود الحرم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1029)
قبول الهدية المشروطة من غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب مسلم أدرس في أمريكا، ونحن بصدد بناء مركز إسلامي في المدينة التي أقيم فيها، وقد تبرعت الجامعة بالأرض المراد إنشاء المركز عليها، وقد اشترطوا عدة شروط حيت يتم العقد الذي بموجبه نستلم الأرض ونبني عليها المركز، مما جعل بعض الأخوة يعارض قبول هذه الأرض
ومن هذه الشروط:
1- أن إدارة المركز تخضع لقوانين الولاية، ولقوانين الجامعة
2- أن الجامعة لها حق الرجوع في الهبة ونقل الملكية إلى الجامعة.
3- أن المركز لا يكون خاصاً بالمسلمين، بل يكون للمسلمين وغيرهم.
فهل يجوز قبول هذه الأرض الموافقة على هذه الشروط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز قبول هذه الهبة، لما يترتب على تطبيق شروط العقد من المفاسد، من ذلك: خضوع إدارة المركز لضوابط وقوانين الجامعة، وهي مجهولة لمن قبل الهدية، وقد يكون منها ما يخالف الإسلام، وكذلك ما ذكر من خضوع المركز لقوانين الولاية ومعلوم أن قوانينهم منها ما يخالف الإسلام، وما جاء فيه أيضاً من أن المراكز للمسلمين وغيرهم كاليهود، وهذا يعني: أن المسلمين يقيمون مركزاً تقام فيه شعائر الدين النصراني واليهودي، وهذا سيحدث مشاكل كثيرة، وقد شرط فيه أيضاً: أن المانح له حق الرجوع في الهبة، ونقل الملكية إلى الجامعة ... إلى غير ذلك من الأمور التي اشتمل عليها العقد، وهي مخالفة للشريعة الإسلامية ". ا. هـ
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/178-179) .(1/1030)
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا تمنع السلفية ويمنع التمسك بالأحكام الشرعية كاللحية وتقصير الثياب والصلاة في المسجد وخاصة الفجر والكلام بما يخالف المذهب المعمول به هنا وغير ذلك أريد أن أسأل عن الهجرة شروطها ومتى تجب؟ وما هي الأماكن التي يهاجر إليها والتي لا يهاجر إليها؟ وهل تجوز الهجرة إلى أوروبا وأمريكا؟ كما أن البلدان العربية والإسلامية لا تسمح بالهجرة إليها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذكر أهل العلم أن من أقسام الهجرة المشروعة: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دار البدعة إلى دار السنة، ومن الأرض التي يغلب عليها الحرام، والهجرة فرارا من الأذى في البدن أو المال أو الأهل.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله: " الهجرة وهي تنقسم إلى ستة أقسام:
الأول: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم مع غيرها من أنواعها، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان.
الثاني: الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يسب فيها السلف.
وهذا صحيح، فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره نزل عنه، قال الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68.
وقد كنت قلت لشيخنا الإمام الزاهد أبي بكر الفهري: ارحل عن أرض مصر إلى بلادك فيقول: لا أحب أن أدخل بلادا غلب عليها كثرة الجهل وقلة العقل، فأقول له: فارتحل إلى مكة أقم في جوار الله وجوار رسوله، فقد علمت أن الخروج عن هذه الأرض فرض لما فيها من البدعة والحرام، فيقول: وعلى يدي فيها هُدَى كثير وإرشاد للخلق وتوحيد وصد عن العقائد السيئة ودعاء إلى الله عز وجل.
الثالث: الخروج عن أرض غلب عليها الحرام؛ فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم.
الرابع: الفرار من الإذاية في البدن، وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال: (إني مهاجر إلى ربي) العنكبوت/26، وقال: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) الصافات/99 وموسى قال الله سبحانه فيه: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) القصص/21.
الخامس: خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس: الفرار خوف الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، والأهل مثله أو آكد " انتهى من "أحكام القرآن" (1/611) باختصار. ولا شك أن هذه المقاصد متفاوتة في الحكم بحسب حال الشخص، فقد تجب وقد تستحب.
والمتحصل من كلام أهل العلم أن الهجرة تجب على من عجز عن إظهار دينه، واستطاع الهجرة. وأما من قدر على إظهار دينه، فلا تجب عليه الهجرة، وكذلك من عجز عن إظهار دينه وعجز عن الهجرة، فقد عذره الله تعالى.
قال ابن قدامة رحمه الله مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة: " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب. ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه. وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه. وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم. ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة. وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه ". انتهى من "المغني" (9/236) .
ثانيا:
علم مما تقدم أنه إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه، فإنه تجب عليه الهجرة عند القدرة، فإن لم يستطع لعجزه أو مرضه أو عدم وجود جهة تسمح بانتقاله إليها، فهو معذور، وفرضه أن يتقي الله ما استطاع، ويجتهد في أداء ما يستطيعه من أمور دينه؛ قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال: (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) الأنعام/152.
وإذا لم توجد بلد يمكن فيها إظهار الدين كاملا – ممن تسمح بالهجرة إليها -، فإنه يُبحث عن الأمثل فالأمثل، وهذا من تقوى الله تعالى، وامتثالِ أوامره، وفعلِ الممكن المستطاع.
ثالثا:
إذا لم توجد دولة إسلامية يمكن الانتقال إليها، وكان العيش في أوروبا أو أمريكا، مما يمكّن المسلم من إظهار دينه، أو ينجو فيه من الأذى المتوقع على بدنه أو أهله أو ماله، بحيث يكون العيش فيها آمن من العيش في بلده الأصلي، فلا حرج في ذلك، على أن يقتصر على الإقامة دون أخذ الجنسية، لما يترتب على أخذها من محظورات كبار، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا نصه:
كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك علما بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟
فأجابت: "لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل.
أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين ... ) النساء/97، 98.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم "انتهى".
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي..... عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69) .
وجوَّزَ بعض أهل العلم أخذ الجنسية في حالة الاضطرار، كالمطارد الذي لا يجد مأوى إلا في هذه البلاد، قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه.
والله أعلم" وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم (13363)
نسأل الله تعالى أن يظهر دينه، ويعلي كلمته، ويحفظنا وإياكم والمسلمين بحفظه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1031)
حكم الاحتفال بعيد الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عيد الحب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عيد الحب عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر. وانظر تفصيل الكلام على هذا العيد في ملف بعنوان: (الاحتفال بعيد الحب)
ثانيا:
لا يجوز للمسلم الاحتفال بشيء من أعياد الكفار؛ لأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه (عنها) : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقال: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا) وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار (لباس كان خاصاً بأهل الذمة) ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/207) .
وقال رحمه الله أيضاً: " لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة.
وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/329) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله " فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم " انتهى من "تشبه الخسيس بأهل الخميس" منشورة في مجلة الحكمة (4/193)
والحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام رواه البخاري (952) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو: بَكْرٍ أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) .
وروى أبو داود (1134) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا يدل على أن العيد من الخصائص التي تتميز بها الأمم، وأنه لا يجوز الاحتفال بأعياد الجاهليين والمشركين.
وقد أفتى أهل العلم بتحريم الاحتفال بعيد الحب:
1- سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه:
" انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحب خاصة بين الطالبات وهو عيد من أعياد النصارى، ويكون الزي كاملا باللون الأحمر، الملبس والحذاء، ويتبادلن الزهور الحمراء، نأمل من فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور والله يحفظكم ويرعاكم؟
فأجاب: الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التهادي، أو غير ذلك.
وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق. أسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يتولانا بتوليه وتوفيقه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/199) .
2- وسئلت الجنة الدائمة: يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 14/2 من كل سنة ميلادية بيوم الحب ((فالنتين داي)) . ((day valentine)) . ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ويرسم عليها قلوب وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم فما هو رأيكم:
أولاً: الاحتفال بهذا اليوم؟
ثانياً: الشراء من المحلات في هذا اليوم؟
ثالثاً: بيع أصحاب المحلات (غير المحتفلة) لمن يحتفل ببعض ما يهدى في هذا اليوم؟
فأجابت: " دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة – وعلى ذلك أجمع سلف الأمة – أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء لأن ذلك من تعدي حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم لأن في ذلك تشبهاً بهم ونوع موالاة لهم وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه العزيز وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) . وعيد الحب هو من جنس ما ذكر لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ بل الواجب تركه واجتنابه استجابة لله ورسوله وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله لاسيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها فإنه لا هادي إلا الله ولا مثبت إلا هو سبحانه وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
3- وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
" انتشر بين فتياننا وفتياتنا الاحتفال بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى يحتفلون به كل عام في 14 فبراير، ويتبادلون فيه الهدايا والورود الحمراء، ويرتدون الملابس الحمراء، فما حكم الاحتفال به أو تبادل الهدايا في ذلك اليوم وإظهار ذلك العيد؟
فأجاب:
أولاً: لا يجوز الاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على من أحدثه.
ثانياً: أن فيها مشابهة للكفار وتقليدًا لهم في تعظيم ما يعظمونه واحترام أعيادهم ومناسباتهم وتشبهًا بهم فيما هو من ديانتهم وفي الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) .
ثالثا: ما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير كاللهو واللعب والغناء والزمر والأشر والبطر والسفور والتبرج واختلاط الرجال بالنساء أو بروز النساء أمام غير المحارم ونحو ذلك من المحرمات، أو ما هو وسيلة إلى الفواحش ومقدماتها، ولا يبرر ذلك ما يعلل به من التسلية والترفيه وما يزعمونه من التحفظ فإن ذلك غير صحيح، فعلى من نصح نفسه أن يبتعد عن الآثام ووسائلها.
وقال حفظه الله:
وعلى هذا لا يجوز بيع هذه الهدايا والورود إذا عرف أن المشتري يحتفل بتلك الأعياد أو يهديها أو يعظم بها تلك الأيام حتى لا يكون البائع مشاركًا لمن يعمل بهذه البدعة والله أعلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1032)
هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يدعي أن بعض الكفار يحبون المسلمين وأن بعضهم يريد لنا الخير، وقد يتحجج بعلاقات واقعية مع بعضهم حيث لم ير منهم إلا الخير (وهذا شيء مشاهد) ، آمل من فضيلتكم تفنيد هذه الشبهة، وهل يختلف في ذلك عامة الكفار عن علمائهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بين الله تعالى في كتابه أن الكفار يضمرون لنا العداوة، ولا يقصّرون في إلحاق الضرر بنا، ويودّون لنا العنت والمشقة، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران/118- 120.
وقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/120.
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) أي من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره " ثم أورد ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي الدهقانة، قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتباً، فقال: قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين. قال ابن كثير: " ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب، ولهذا قال تعالى: (لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم) " انتهى من تفسير ابن كثير (1/528) .
وقال القرطبي رحمه الله: " نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم ... ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: (لا يألونكم خبالاً) يقول: فساداً، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ".
ثم قال رحمه الله: " قوله تعالى: (ها أنتم أولاء تحبونهم) يعني المنافقين، دليله قوله تعالى: (وإذا لقوكم قالوا آمنا) قاله أبو العالية ومقاتل. والمحبة هنا بمعنى المصافاة، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم. وقيل: المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر. وقيل: المراد اليهود، قاله الأكثر. والكتاب اسم جنس، قال ابن عباس: يعني: بالكتب. واليهود يؤمنون بالبعض، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه) البقرة/91.
(وإذا لقوكم قالوا آمنا) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا خلوا فيما بينهم عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ والحنق عليكم، فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا وكثروا " انتهى من تفسير القرطبي (4/177) .
وقال الطبري رحمه الله: " يعني بقوله جل ثناؤه: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) : وليست اليهود يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق " انتهى من "تفسير الطبري" (1/565) .
وبين ربنا سبحانه وتعالى أن كثيرا من أهل الكتاب يودون لنا الكفر، حسدا وبغيا منهم، فقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/109.
قال ابن كثير رحمه الله: " يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم " انتهى.
وقال تعالى في شأن أهل الكفر: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/8.
فهذا هو حالهم، يرضون المسلمين بأفواههم، وأما قلوبهم فإنها تضمر العداوة والشر.
والحاصل أنه إن وجد من الكفار من يظهر المحبة لأهل الإيمان، فذلك لا يخرج عن ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون ذلك تصنّعا وتظاهرا بما لا حقيقة له، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى، وهو الأعلم بنياتهم وقلوبهم.
الثاني: أن يكون ذلك مع من انسلخ من الإسلام، ووقع في موالاة الكفار ومودتهم، فصار منهم، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة/51، ولهذا رضوا عنه وأحبوه.
الثالث: أن يندرج ذلك تحت النادر والقليل، والنادر لا حكم له، وقد يكون مرجعه إلى عدم تمسك الكافر بكفره، أو عدم مبالاته بالأديان، كما هو حال جماعات منهم اليوم.
والذي يجب على كل مسلم أن يحذره، هو ما حذر منه الله تعالى، من موالاة الكافرين ومودتهم، واتخاذهم بطانة والركون إليهم، سواء أظهر الكافر المحبة أو العداوة، وسواء كان صادقا في محبته أو مخادعا، فهذا هو الأمر المحكم الذي لا نقاش فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1033)
هل يذهب مع أهله إلى أماكن ترفيهية فيها سفور وغناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تشيع بصورة ملفتة جدّاً هذه الأيام ظاهرة السفور والتبرج في الأسواق والملاهي والموسيقى العالية في كل مكان منها.
وسؤالي هو:
هل الذهاب للملاهي بقصد الترفيه عن أبنائي الذكور يعتبر حراماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من واجب الدولة أن توفر الأماكن الترفيهية المباحة، وفي ذلك فوائد متعددة لجميع الأطراف، فقد ذكرت إحصائية جديدة أنه من المحتمل أن يصل عدد الذين سيغادرون للسياحة خارج المملكة حوالي 5 مليون سائح! ولا شك أن كثيراً منهم سيتعرض للمحرمات وقد يفعل الموبقات في سفره ذاك، فضلاً عن الأموال التي ستنفق في الخارج في بلاد الكفر وأماكن اللهو المحرم، وكثير من هؤلاء سيرجع بأخلاق منحرفة، وأمراض مزمنة معدية، وهو ما يسبب خسارة في الدين والنفس والمال والعرض والعقل، وهي الضرورات التي جاءت الشرائع بحمايتها والعناية بها.
وينبغي الاعتناء بهذه الأماكن الترفيهية المباحة من حيث توفير الأمن فيها، والاعتناء بنظافتها وخدماتها، وتخصيص أماكن للنساء والأسر، وأخرى للشباب، وينبغي منع المحرمات فيها مثل تشغيل الأغاني أو وجود التبرج والسفور، أو وجود الشباب الطائش، وبذلك تكون الدولة قد قطعت السبيل على من أراد إفساد الشباب والنساء في الخارج، وأعانت على توفير أموالهم، وكذا في الحد من استفادة أهل الكفر والضلال والانحراف منها، واستفادت توفير فرص عمل لكثير من الشباب.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (47396) أنه لا يجوز للمسلم أن يوجد في مكان به منكرات وهو عاجز عن تغييرها، بل الواجب عليه أن يسعى في تغييرها باليد واللسان فإن عجز فما بقي إلا إنكارها بالقلب، ومن لوازم هذا الإنكار القلبي أن يترك المكان.
وعليه: فلا يجوز لكم ولا لغيركم الذهاب إلى أماكن ترفيهية مع وجود المعاصي فيها، مثل التبرج والسفور، أو الأغاني والمعازف، وقد جعل الله لكم بديلاً في الأماكن التي لا يوجد فيها شيء من هذه المعاصي، ولا ينبغي لكم نسيان العمرة في هذه الأيام، والمسلم العاقل يغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل سقمه، وفراغه قبل شغله، وغناه قبل فقره، ولا نحرِّم ما أحل الله من الذهاب إلى الأماكن الترفيهية المباحة، لكن نصحناكم بالانتقاء، ونصحناكم بما هو خير لآخرتكم.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1034)
شراء منتجات الدول الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع وشراء المنتجات الأمريكية وخصوصاً ذات التقنية مثل IBM, DELL, Microsoft جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
المنتجات الأمريكية كغيرها مما يرد على بلاد المسلمين من بلاد الكفر والتعامل مع الكفار في التجارات لا مانع منه إذا لم يكن منه ما يتعارض مع الشرع وإذا لم يكن في صناعات المسلمين ما يغني عن صناعات الكفار ومنتجاتهم وما لم يؤد شراء منتجاتهم على التقوي على المسلمين، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الخضير.(1/1035)
مقاطعة بضائع الكفار المحاربين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟
مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.
وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة.
على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ.
ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) :
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ.
وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ.
ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب.
والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين.
ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث.
وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها.
والحاصل:
أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن.
ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟
فأجابت:
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1036)
هل يرد على الكفار إذا هنؤوه بالعام الجديد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقول لغير المسلمين (ولكم بالمثل) عندما يهنئونني بالعام الجديد بعبارة عام سعيد أو أحلى التهاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسماس (رأس السنة الميلادية) أو غير ذلك من أعيادهم، كما لا يجوز إجابتهم في حال تهنئتهم لنا بهذه الأعياد، لأنها ليست أعيادا مشروعة في ديننا، وفي إجابة التهنئة بها إقرار واعتراف بها، وعلى المسلم أن يكون معتزا بدينه، فخورا بأحكامه، حريصا على دعوة الآخرين وتبليغهم دين الله عز وجل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئا مما ذكر بغير قصد؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياء أو إحراجا أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟
فأجاب: " تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة "، حيث قال: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ". انتهى كلامه رحمه الله.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقرارا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الزمر/7. وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة/3. وتهنئتهم بذلك حرام، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ". انتهى كلامه رحمه الله.
ومن فعل شيئا من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة، أو توددا، أو حياء، أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز ". انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/44) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1037)
هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لي مراسلات مع أوربيات وأمريكيات عن طريق الإنترنت نقوم بتبادل الهدايا وأمور الخياطة وذلك منذ سنتين. حاولت مناقشتهن في الإسلام لكن توقفت خوفا من عدم تمكني من الدعوة وبالتالي الوقوع في الخطأ. ماذا تنصحني هل أقطع علاقتي بهن نهائيا أم أستمر بقصد دعوتهن للإسلام رغم الصعوبات وكيف أبدأ؟ وهل تعتبر هذه العلاقة صداقة وما حكمها شرعا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمسلم أو المسلمة اتخاذ صديق أو صديقة من غير المسلمين؛ لنهي الله تعالى عن مودة الكافرين وموالاتهم واتخاذهم بطانة، كما في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118.
ثانيا:
يجوز للمسلم مراسلة هؤلاء، وتقديم الهدايا لهم، بغرض دعوتهم للإسلام، وترغيبهم فيه، بشرط أن يكون متحصنا بالعلم والإيمان، متمكنا من الدعوة، مطلعا على شبهات القوم وأساليبهم. أما غير المتمكن فليس له أن يزج بنفسه في هذا المجال؛ لما قد يعترضه من الفتن، أو يأتيه من الشبهات التي لا يقدر على ردها، فيكون هذا سبب انحرافه وهلاكه، عياذا بالله من ذلك.
ثالثا:
إذا كانت مراسلة هؤلاء تقتصر على تبادل أمور الخياطة، والاستفادة منهم في ذلك من غير أن يصل الأمر إلى محبتهم ومودتهم وتهنئتهم بأعيادهم – مثلاً – فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بيعاً وشراء.
بل لا حرج من تقديم بعض الهدايا لهم بشرط أن يكونوا غير محاربين للإسلام والمسلمين، فإن الله تعالى قال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8.
قال السعدي رحمه الله (ص 1016) :
" أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها " انتهى.
رابعاً:
وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة، منها:
1- الحوار المباشر، وينبغي أن يرتكز على بيان محاسن الإسلام، وحقيقة التوحيد، وأهمية الإيمان، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بيان بطلان ما سواه من الأديان الأخرى، وما أصابها من التحريف والتغيير والتبديل.
2- إهداء الكتب والنشرات التي تتحدث عن الإسلام وترغب في الدخول فيه.
3- دلالة الآخرين على المواقع المختصة بتوضيح الإسلام، والدعوة إليه، والإجابة على شبهات المخالفين، ومجادلتهم بالتي هي أحسن.
ولا بد أن يكون الداعي إلى الإسلام متحصنا بالعلم الشرعي والإيمان القوي الذي يقف في وجه الشبهات والشهوات، وإلا فليدع المجال لغيره، وليتق الله في نفسه ولا يوردها المهالك، وليحذر المسلم أن يتسرب إلى قلبه شيء من مودة الكافر ومحبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1038)
حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين (عيدي الفطر والأضحى) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى.
ثانيا:
أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا، كيوم الكريسمس، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس، فلا حرج في ذلك أيضا، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم، كالأعلام والرايات، والصور، وبطاقات التهنئة، والفوانيس، والزهور، والبيض الملوّن، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد.
وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم.
والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية، وعن الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) .
وقال: " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ".
ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله: " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا إداما، ولا ثوبا، ولا يُعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه ". "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً: " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك، فهذا لا ريب في تحريمه، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا، وبناء الكنيسة لهم.
وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته، لكن: كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه؟ والأشبه أنه كراهة تحريم، كسائر النظائر عنده، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره، وهذا أعظم من إعانة شخص معين ". "الاقتضاء" (2/2/552) .
وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله؟
فأجاب بقوله: " يحرم البيع في الصورتين، كما شمله قولهم (يعني العلماء) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له. وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما. وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) .
والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار، بشرطين:
الأول: ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم.
والثاني: ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد.
ولا شك أن هناك سلعا معلومة، تتخذ لهذه الأعياد، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار، فهذه لا يجوز بيعها، ولا إدخالها في المحل أصلا.
وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره، فيجتهد صاحب المتجر، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد، كالملابس، والطيب، والأطعمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1039)
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل في شركة يملكها رجل كافر يعتبر من موالاة الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل عند الكفار ومشاركتهم في التجارة لا يعد من موالاتهم، وعلى المسلم أن يحسن اختياره للأشخاص، ولطبيعة العمل ونوعية التجارة، ولا يجوز أن تكون أعماله أو تجاراته في المحرمات، ولا يحل له أن يوادهم في قلبه، ولا أن يثني عليهم ثناء مطلقاً، ويجب عليه أن يتحلى بالصدق والإتقان في عمله ليكون أنموذجاً طيباً لأخلاق المسلمين.
قال الشيخ صالح الفوزان:
ومن الموالاة المحرمة: مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام - والعياذ بالله - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51.
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح، نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل معهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله، ولا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2/252) .
وعلى أصحاب الأعمال من المسلمين أن يتقوا الله في أعمالهم وموظفيهم، وأن يقيموا الأعمال المباحة، وأن يعطوا موظفيهم وعمالهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، وأن لا يتسببوا في انتقال العمال والموظفين المسلمين إلى غيرهم من الكفار.
فالكثير من المسلمين يرى أن ما يحصل عليه من راتب وامتيازات عند الكافر هي التي تدفعه إلى العمل عنده؛ لأنه يرى أنه يأخذ ما يستحقه، وفي هذا من المفاسد ما فيه من مدح هؤلاء الكفار والثناء عليهم في خلقهم ومعاملاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في موالاتهم، وهو ما سبب فتنة لكثيرين في دينهم بعد ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم (59879) ففيه تفصيل مهم في موالاة الكفار وأنواعها.
وانظر جواب السؤال رقم (2875) ففيه حكم العمل عند الكفار، وجواب السؤال رقم (2371) ففيه بيان جواز مشاركة المسلم للكافر بشروط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1040)
هل يجوز له أخذ الجنسية الكندية لأجل المضايقات في بلده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم قدمت إلى كندا من حوالي 4 سنوات بقصد الدراسة، حصلت على الإقامة الدائمة في هذا البلد وأيضا تحصلت على شهادة جامعية. في فترة إقامتي تعلمت الكثير من الأشياء عن الإسلام ومن جملة ما تعلمت عدم جواز الإقامة في بلاد الكفر. قررت عدم البقاء. هنا يشير علي بعض الإخوان وأبي الذي يعيش في بلدنا الأصلي إلى أخذ الجنسية الكندية وذلك لما نلقاه في بلادنا من مضايقات وتنكيل بالملتزمين وأصحاب اللحى وهو بزعمهم أخذ بالأسباب حتى نتقي شر هؤلاء. فهل يجوز لي في هذه الحالة أخد الجنسية؟ وفي حالة الجواز فهل ينافي هذا التوكل على الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا لمن قدر على إظهار دينه، فإن لم يقدر على إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إن قدر على ذلك، وتطبيق هذا الحكم على الواقع يختلف من شخص لآخر، ومن بلد لآخر.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13363) .
ثانيا:
أما الحصول على الجنسية لدولة كافرة، فلا تجوز إلا في حال الاضطرار، لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، كالخضوع لأحكام الكفار، وغير ذلك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك؟ علماً بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد. فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟
فأجابت: " لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم، والموافقة على ما هم عليه من الباطل.
أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين ... ) النساء/97، 98.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (6247) .
وعليه؛ فإذا لم تكن مضطهدا في بلدك، وكان بإمكانك العيش فيها ولو مع نوع من التضييق، فلا يجوز لك أخذ هذه الجنسية.
ومن اضطر وأخذ الجنسية، لم يكن هذا قدحا في توكله؛ لأن ذلك –حينئذ- من جملة الأسباب التي يستعان بها على رفع الضرر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1041)
ما معنى اتخاذ الكفار أولياء؟ وحكم مخالطة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء، لكن ماذا يعني ذلك؟ أقصد إلى أي حدٍّ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم؟ أنا أدرس، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم؟ .
أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده، لكني مع ذلك أقول له: " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء؟ " وهو يرد قائلا: إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم، كما أن لهم صديقات، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/80، 81.
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة/13.
وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) آل عمران/28. فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً.
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى.
"أضواء البيان" (2 / 98، 99) .
ومن صور مولاة الكفار المحرمة: اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم.
وفي جواب السؤال رقم (10342) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله:
" ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس.
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ". انتهى.
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟
فأجاب:
لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/4. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيََّهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22.
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/1.
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم: فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله ". انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 389) .
ثانياً:
وأما قول هذا القائل: إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه.
فجوابه أن يقال:
أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم، ونهيهم عن المنكر، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها.
وأما مخالطته للكفار، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم: عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) الممتحنة/1.
فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه؟!
ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار، وإقامتهم في بلدانهم. فبعضهم تَهَوَّدَ، وبعضهم تَنَصَّر، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
وانظر جواب السؤال رقم (2179) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة.
وفي جواب السؤال رقم (43270) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول.
وفي جواب السؤال رقم (26118) ، (23325) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1042)
الفرق بين الرسول والنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى سورة الأحزاب، الآية رقم 40، قال تعالى: " ... ولكن رسول الله وخاتم النبيين."
ما هو الفرق بين الرسول والنبي؟
لماذا قال رسول، ولم يقل الرسول الأخير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق المشهور بين النبي والرسول، أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، ولكن هذا الفرق لا يسلم من إشكال، فإن النبي مأمور بالدعوة والتبليغ والحكم ولهذا قال شيخ الإسلام بن تيمية: الصواب أن الرسول هو من أرسل إلى قوم كفار مكذبين، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين بشريعة رسول قبله يعلمهم ويحكم بينهم كما قال تعالى: (إنا أرسلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) فأنبياء بني اسرائيل يحكمون بالتوراة التي أنزل الله على موسى، وأما قوله تعالى: (وخاتم النبيين) ولم يقل خاتم المرسلين؟ فلأن ختم الرسالة لا يستلزم ختم النبوة، واما ختم النبوة فيستلزم ختم الرسالة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " انه لا نبي بعدي "، ولم يقل لا رسول بعدي.
فعُلم أنه صلى الله عليه وسلم لا رسول بعده ولا نبي بل هو خاتم النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/1043)
حكم السفر للسياحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنال الأجر إذا أخذت أهلي إلى إحدى الدول الإسلامية للترفيه عن النفس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البلاد الإسلامية التي تُحكم بالشريعة الإسلامية يجوز السفر إليها إن خلت من المنكرات والفواحش، والبلاد التي أهلها مسلمون ولا تُحكم بالشريعة الإسلامية فهذه لا يسافر إليها من أجل السياحة، وأولى بالتحريم البلاد التي أهلها كافرون، ولا يجوز السفر إلى هذه البلاد إلا لمضطر كمريض مسافر للعلاج، أو صاحب غرض صحيح كذاهب لتجارة أو دعوة.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
عن حكم السفر إلى البلاد التي لا تدين بالإسلام سواء كانت نصرانية أو لا دينية؟ وهل هناك فرق بين السفر للسياحة والسفر للعلاج والدراسة ونحو ذلك؟
فأجاب:
السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين.
أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة.
وسئل حفظه الله:
ما حكم السفر إلى البلاد الإسلامية التي تكثر فيها المنكرات والكبائر، كالزنا والخمر، ونحوهما؟
فأجاب:
المراد بالبلاد الإسلامية هي التي تتولاها حكومة تحكم بالشريعة الإسلامية، لا البلاد التي فيها مسلمون وتتولاها حكومة تحكم بغير الشريعة فهذه ليست إسلامية، والبلاد الإسلامية بالمعنى الأول إذا كان فيها فساد ومنكرات لا ينبغي السفر إليها خشية من التأثر بما فيها من فساد، أما البلاد التي هي بالمعنى الثاني - أي: غير الإسلامية - فقد بيَّنا حكم السفر إليها في الجواب الأول.
وسئل حفظه الله:
ما هي نصيحتكم للآباء الذين يرسلون أبناءهم للخارج في الصيف بحجة دراسة اللغة الإنجليزية أو السياحة؟ وما هي نصيحتكم لمن يسافرون للخارج؟
فأجاب:
نصيحتي لهؤلاء الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، فإنهم أمانة في أعناقهم يُسألون عنها يوم القيامة، فلا يجوز لهم المغامرة بهؤلاء الأبناء بإرسالهم إلى بلاد الكفر والفساد خشية عليهم من الانحراف، وتعلم اللغة الإنجليزية - إن كانوا بحاجة إليها - أمكنهم تعليمهم إياها في بلادهم بدون سفر إلى بلاد الكفار، وأعظم من هذا خطراً: إرسالهم للسياحة، والسفر لهذا الغرض محرم كما سبق في الجواب الأول.
ونصيحتي لمن يسافرون للخارج ممن يجوز لهم السفر شرعًا أن يتقوا الله ويحافظوا على دينهم ويظهروه ويعتزوا به ويدعوا إليه ويبلغوه للناس، وأن يكونوا قدوة صالحة يمثلون المسلمين تمثيلاً صحيحاً، وأن لا يبقوا في بلاد الكفار أكثر من الحاجة الضرورية، والله أعلم.
" المنتقى " (2 / 253 – 255) .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
عن سفر العوائل إلى خارج البلاد يعني إلى البلاد الإسلامية مع العلم بأن هناك جوازات للسفر، وينظرون إلى صورة المرأة، وقد يطلب الرجل من المرأة كشف وجهها حتى يتثبت من شخصيتها، فهل هذا يجوز من غير ضرورة؟
فأجاب:
أولاً: لا نرى أن الإنسان يسافر إلى بلاد خارج بلاده إلا لحاجة أو مصلحة راجحة؛ وذلك لأن السفر إلى البلاد الخارجية يتكلف نفقات كبيرة لا داعي لها فتكون من إضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
ثانياً: إن هذا السفر ربما يشغلهم عن أشياء ربما يفعلونها في بلدهم من صلة الرحم وطلب العلم إذا كانوا يطلبون العلم وغير ذلك، ولا شك أن الاشتغال عن الشيء النافع يعتبر خسارة من عمر الإنسان.
ثالثاً: أن البلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره، وهذا هو أشد الأمور التي يخشى منها في السفر إلى الخارج.
ولهذا أقول لهذا السائل ولغيره: عندنا - ولله الحمد - من المصايف في بلادنا ما يغني عن الخارج مع قلة النفقة ونفع المواطنين.
" لقاء الباب المفتوح (السؤال رقم 810) .
وانظر جواب السؤال رقم (13342) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1044)
ابنها يقع في الفاحشة، فهل تحاسب على أفعاله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يبلغ ابني من العمر 15 عاما، وقد ولد في أمريكا ونشأ فيها. ابني له صديقات، وقد اكتشفت مؤخرا أنه يمارس الجنس مع إحداهن. وأنا أشعر بالذنب، لكني لا أعرف كيف أتصرف. هل سيعاقبني الله جراء تصرفاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس أعظم من المصيبة في الدين؛ فهي المصيبة حقا، نسأل الله السلامة منها، وليس أكرم على الإنسان ـ بعد نفسه ـ من ولده؛ فبهم سرور القلب وقرة العين، قال الله تعالى:
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74، لكن القلب لا يُسَرُّ، والعين لا تَقَرّ إلا بذرية صالحة، طائعة لله؛ قال الحسن البصري: (هي والله أن يُري الله ُ العبدَ من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب من أن يرى ولدا، أو والدا، أو حميما، أو أخا مطيعا لله عز وجل) تحفة المودود لابن القيم ص 424
ولا شك أن أعظم ما يُسْأَل عنه الوالدان من حفظ أبنائهما ورعايتهم، تربيتهم على طاعة الله تعالى، وطردهم عن معصيته؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) التحريم/6، َقَالَ مُجَاهِد وغيره من السلف: أَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَأَدِّبُوهُمْ، وقال قتادة: مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَته.
وفي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما،ُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) البخاري 2554 ومسلم 1829.
فقد دل هذا الحديث على أَنَّ الْمُكَلَّف يُؤَاخَذ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْر مَنْ هُوَ فِي حُكْمه، وتحت رعايته.
وقد نص الحديث على دخول الوالدين في هذا الأصل العام: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)
فالوالدان مسئولان عن أبنائهما، لأَنَّهُا أُمِرَا أَنْ يَحْرِصا عَلَى وِقَايَتهمْ مِنْ النَّار , وَامْتِثَال أَوَامِر اللَّه، وَاجْتِنَاب مَنَاهِيه. فإذا قام الوالدان بما يجب عليهما من تربية أولادهما التربية الصحيحة ولم يقصرا في ذلك، فإنه لا إثم عليهما في هذه الحال إذا انحرف أولادهما. قال الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164
وإذا كان كل أحد يفهم من الشرع، وببديهة عقله، أنه إن فرط في واجب الأدب والتربية نحو أولاده، فإنه مسئول عما وقعوا فيه من انحراف، فإن مسئولية الأسرة التي تعيش في الغرب نحو أبنائها مسئولية من لون آخر، هي أعظم من ذلك كله؛ إنها مسئولية من ألقى ثمرة فؤاده في اليم، مكتوفا!! بل هي والله أعظم؛ إنها نار الله وعذابه، نسأل الله السلامة.
وفي حالة ولدكما، ومثلها كثير، كان ينبغي سد أبواب الفتنة قبل أن تستفحل وتشتعل نارها؛ فليس في الإسلام علاقة صداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لاسيما في هذه المرحلة الخطيرة من عمر ابنكما.
لكن السؤال الأهم، الآن، فعلا هو: كيف نتصرف؟
إن عليكما، أنت وأبوه، أن تتحيلا بكل حيلة سريعة لإبعاد ولدكما عن هذه العلاقات الآثمة، وقطع علاقاته بالنساء الأجنبيات، حتى ولو تحققتما من أن هذه العلاقة لم تصل إلى أوحال الزنا؛ فقد ذكرنا أن أصل هذه العلاقة مرفوض في الشرع.
وقد يكون من أهم الوسائل لإبعاده عن تلك العلاقات المحرّمة التعجيل في تحصينه بالزواج، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء ٌ) متفق عليه
الباءة أي: تكاليف الزواج.
ومعنى وجاء أي: وقاية من الوقوع في الإثم.
لكنكما تعلمان أن إبعاد الشاب عن تلك العلاقات المحرمة ليس بالأمر السهل، بل تكاد هذه المهمة تكون مستحيلة في البلاد التي تعيشون فيها؛ فإن المحضن الغربي الذي تنمو فيه قلوب هذه الذرية وعقولها، ملوث بكل لون من فتن الشبهات والشهوات، تلك الفتن التي أحالت، الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين هناك، إلى أجيال تتفلت يوما بعد يوم من شعائر الإسلام وشرائعه، وتتشرب بدلا منها قِيَم الغرب وأخلاقه، حتى لا يكاد يبقى لها في نهاية الأمر إلا " بركة " النسب!!
فيعود السؤال إليكما مرة ثانية: هل عندكما ن القوة في أمر الله، والخوف من إضاعة الأمانة نحو نفسيكما أولا، ثم نحو ذريتكما ثانيا، والرغبة في إصلاح ما فات، هل عندكما من ذلك كله ما يدفعكما للتضحية بمتاع الدنيا وزينتها في بلاد الغرب، والعودة بأبنائكما إلى بلدكم، أو إلى حيث تكونون أكثر أمنا على دينكم، قبل أن يفوت الأوان، ويأتي الموت على هذه الحال؛ فيقول قائل: (رَبِّ ارْجِعُونِي لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100، وقبل أن نرى تأويل ما فعلنا؛ أي: عاقبته: (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) الأعراف/99؟
أم إن المسؤولية لا تستحق هذه التضحية؟!
وقد تقولون: إن أكثر بلاد المسلمين اليوم يعج بالفتن والمنكرات، فلن تتوفر لنا البيئة الصالحة لتنشئة الذرية على الشرع النقي، فما الفائدة من هذه النقلة؟ !
فيقال: نعم، وأنتم محقون إلى حد كبير، لكن إذا لم نستطع جلب الخير كله، فلنكسب أقصى ما نستطيع منه، وإذا لم يمكن دفع الشر كله، فلندفع أقصى ما يمكننا منه، وبعض الشر أهون من بعض!!
والأمر فقط يحتاج إلى صدق مع النفس، وصدق الله العظيم: (بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) القيامة/14-15
والله يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1045)
مسلم يقوم بجمع التبرعات للكنيسة فهل يقبل صومه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق مسلم مشارك في النادي الدولي في المدرسة. وقد استفسر المعلم من جميع المشتركين في النادي إن كانوا يريدون جمع التبرعات للكنيسة. وتطوع المذكور لذلك. وسيقوم بجمع التبرعات في رمضان. فهل يقبل صيامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الكنيسة: هي البناء الذي يمارس فيه النصارى شعائرهم وطقوسهم، بما تشتمل عليه من الكفر والتثليث وعبادة غير الله.
وعليه فبناء الكنائس، أو جمع التبرعات لإنشائها أو إصلاحها أو دعمها، منكر عظيم، لما فيه من الإعانة على نشر الكفر وتقريره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" من اعتقد أن الكنائس بيوت الله , أو أنه يعبد فيها، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله , أو أنه يحب ذلك , أو يرضاه فهو كافر ; لأنه يتضمن اعتقاده صحة دينهم , وذلك كفر، أو أعانهم على فتحها ; أي: الكنائس، وإقامة دينهم ; واعتقد أن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر، لتضمنه اعتقاد صحة دينهم ".
وقال: الشيخ في موضع آخر:
" من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله ; فهو مرتد , وإن جهل أن ذلك محرم عُرِّف ذلك , فإن أصر صار مرتدا ; لتضمنه تكذيب قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران/91 " انتهى من " مطالب أولي النهى" (6/281) بتصرف.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/482) :
" لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
فعليك تذكيره بالله ونصحه أن يتوب إلى الله تعالى، ويقلع عن العمل المذكور حذراً من وقوعه هو في الكفر والردة، فيحبط عمله وهو لا يشعر.
وعلى هذا، فإنه يُخشى على صاحبك ما هو أعظم من عدم قبول صيامه، ألا وهو الكفر.
نسأل الله أن يهديه، ويوفقه لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1046)
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى (الكريسماس) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل. فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد.
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً: من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد.
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم.
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (3 / 105) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم، فما توجيهكم؟ .
فأجاب:
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم "، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع، فلا يجوز الاشتراك فيها، ولا التعاون مع أهلها، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها؛ ولأن الله سبحانه يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 405) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا:
سادساً: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك: إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها. اهـ.
وعليه: فلا يجوز لك – أخي – المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار، واترك هذه الوظيفة لله تعالى، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1047)
بدء إلقاء التحيّة على الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يحي غير المسلم أولاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم السلام على غير المسلمين، فأجاب بقوله:
البدء بالسلام على غير المسلمين محرّم ولا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ، ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نردّ عليهم، لعموم قوله تعالى: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها) ، وكان اليهود يسلّمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: السام عليك يا محمد، والسام بمعنى الموت. يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود يقولون: السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم "
فإذا سلّم غير المسلم على المسلم وقال: " السام عليكم " فإننا نقول: وعليكم ". وفي قوله صلى الله عليه وسلم " وعليكم " دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا: السلام عليكم فإن عليهم السلام فكما قالوا نقول لهم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح: " السلام عليكم " جاز أن نقول: عليكم السلام.
ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلاً وسهلاً وما أشبهها لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون، لأن السلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام.
إذا فنقول في خلاصة الجواب: لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالاً للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله ـ عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلّ نفسه في هذا. أما إذا سلّموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلّموا.
وكذلك أيضاً لا يجوز أن نبدأهم بالتحيّة مثل أهلاً وسهلاً ومرحباً وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيهم فهو كابتداء السلام عليهم "
(مجموع الفتاوى 3/33)
وإذا كانت هناك حاجة داعية إلى بدء الكافر بالتحية فلا حرج فيها حينئذٍِ، ولتكن بغير السلام، كما لو قال له: أهلاً وسهلاً أو كيف حالك ونحو ذلك. لأن التحية حينئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (25/168) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (2/424) في ابتداء الكفار بالتحية:
(وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك) اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1048)
هل يدعو لصديقه النصراني بالشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق نصراني أحبه جدا وهو من النصارى الذين مدحهم القرآن، وهو الآن مريض جدا فهل يسمح لي الإسلام أن أدعو الله له بالشفاء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين، وأوثق عرى الإيمان، وكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك تحقيق الناس لهذا الأصل العظيم يزيد وينقص، وأما هدم هذا الأصل في قلب العبد وترك ما يوجبه على المؤمن من الأعمال فهو هدم للإيمان كله الذي هو مبني على محبة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) النساء/144 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بِحَرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك " رواه مسلم (1817)
بل اتهم الصحابة - رضي الله عنهم – مالك بن الدخشن بالنفاق، بسبب كثرة صحبته لبعض المنافقين، ولقائه بهم، كما ثبت في الصحيحين (البخاري برقم 415، ومسلم 33)
كل ما سبق وغيره كثير، يدل على تحريم موالاة الكافرين، أو محبتهم وتوليهم، وهذه الموالاة لها صور عدة، فمنها: الرضا بكفرهم، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم، أو تحكيم قوانينهم وغير ذلك، وانظر السؤال رقم (2179)
ومما سبق تعلم أن محبة الكافر أمرها خطير جدا، لأنها تناقض باباً عظيما من أبواب التوحيد، ألا وهو الولاء للمؤمنين، والبراء من المشركين.
وقولك إن هذا الكافر من النصارى الذي مدحهم الله في كتابه، جوابه أن الذين مدحهم الله في كتابه هم صنف معين لهم أوصاف محددة، وقد بين الله تعالى هذه الأوصاف بعد آية مدحهم مباشرة، قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) ثم قال: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) المائدة/86 فتمام الآيات يبين أن المراد بهؤلاء من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وتأثر بسماع القرآن ودعوته.
قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: " يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين وإلى ولايتهم ومحبتهم وأبعدهم من ذلك: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا.
فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لدة بغضهم لهم بغيا وحسدا وعنادا وكفرا.
(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)
وذكر تعالى لذلك عدة أسباب: منها: أن منهم قسيسين ورهبانا، أي علماء متزهدين وعبادا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين.
ومنها: أنهم لا يستكبرون أي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.
ومنها: أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا للذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب.... وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسم - كالنجاشي وغيره، ممن آمن منهم، وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام " [تفسير السعدي 1 / 511]
أما الدعاء للكافرين فينقسم إلى قسمين:
الأول: أن تدعو له بالهداية إلى الإسلام ونحو ذلك، فهذا جائز، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب) رواه الترمذي (3681) ، وصححه الألباني، وهذا دعاء لأحدهما بالهداية
الثاني: أن تدعو له بالمغفرة ونحو ذلك، فهو حرام بالإجماع.
قال النووي: " وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع " [المجموع 5 / 120]
وقال في تحفة المحتاج:" ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه " [3 / 141]
أما الدعاء له بالشفاء من مرض والعافية منه، فهو جائز للمصلحة، كرجاء إسلامه وتأليف قلبه، ونحو ذلك، ويدل لهذا حديث الصحابي الذي رقى سيد القوم من لدغة العقرب، وقد سبق بيانه في السؤال رقم (6714) ، والدعاء بالشفاء من جنس الرقية.
بل يجوز لك أن تزوره في مرضه هذا، والإنسان في مرضه يرقُّ قلبه ويضْعُف، ويقرب قبوله للحق، وقد كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يهودي يخدمه، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1356)
قال ابن حجر: " وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد "
لكن الدعاء للكافر بالشفاء لا يعني موالاته أو محبته أو تقديمه أو مودته كما سبق ذلك، والله أعلم.
وللمزيد راجع الأسئلة رقم (23325، 20471، 32560، 41631، 6517، 26721، 1398، 3485)
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن حكم موالاة الكفار؟
فأجاب بقوله: موالاة الكفار بالموادة والمناصرة واتخاذهم بطانة حرام منهي عنها بنص القرآن الكريم قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ويتميز هؤلاء عن هؤلاء، فإنها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
ولا ينبغي أبدا أن يثق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح فإن الله تعالى يقول عنهم (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) . ويقول سبحانه لنبيه (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله في تنفيذ شرعه، وألا تأخذه فيه لومة لائم، وألا يخاف من أعدائه فقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
(انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 3 / 31 - 46، الولاء والبراء في الإسلام ص 352) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1049)
هل يقبل المسلم الهدية من أخيه الكافر.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخوين أحدهما مسلم والآخر مشرك وغني هل يجوز للأخ المسلم قبول هدية أخيه الكافر والمشرك هذا أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبول المسلم هدية أخيه إذا كان كافراً أو مشركاً جائزة لما في ذلك من تأليفه، لعل الله أن يهديه للإسلام.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/183) .(1/1050)
يعاني من كسل زملائه المسلمين في الدراسة فهل يعمل مع غير المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بإحدى المدارس في الغرب، والحمد لله أقضي جل وقتي مع المسلمين، لكن أعاني من كسلي وكسل زملائي المسلمين هنا، ولذلك بدأت بتفضيل العمل مع غير المسلمين هنا في مجال الدراسة فقط، فهل هذا يعتبر موالاة للكفار؟ وماهي شروط العمل معهم في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أهم ما يؤثر في أخلاق الإنسان وطبائعه، بل ودينه أيضاً: بيئته المحيطة به، من أشخاص يتعاملون معه ويتعامل معهم، ومكان يعيش فيه ويتردد عليه، وتتردد معالمه على حسه، بحيث يتأثر شعور الإنسان، وتتكون قِيَمُه التي يؤمن بها، وتتلون أخلاقه التي يتخلق بها بهذه المؤثرات المختلفة من حوله، وأخطر ما في ذلك أن هذه العملية تتم من حيث لا يدري، ولا يلقي لها بالاً، ولأجل ذلك قالوا: الطبع لص، يعني أنه ينقل مما حوله خفية، من حيث لا يشعر به الإنسان.
ولأجل ما ذكرنا حدد الشرع للإنسان بيئته التي ينبغي أن يحرص على الحياة فيها، من حيث اختيار الصديق الصالح، والبيئة المسلمة التي يعيش فيها، وحذره من الإقامة بين أظهر المشركين، أومصادقتهم. [راجع أسئلة الولاء والبراء في قسم العقيدة] ، وانظر الأسئلة رقم (38284) ، (26118) ، (23325) .
وهذا إنما يمكن للمرء أن يتحراها ويتحكم فيها في حال السعة، وأما حين يكون الإنسان في حال الضرورة، أو ما يشبهها، وليس في يده أمر الاختيار، فهنا يكون الكلام عن تحصيل أقصى ما يستطيع من المصالح، ودفع أقصى ما يمكنه من المفاسد. انظر للأهمية السؤال (13363)
وفيما يتعلق بسؤالك، قبل أن تفكر في العمل مع غير المسلمين، لِمَ لا تحاول أن تدفع الكسل عنك وعن إخوانك المسلمين؟!
لِمَ لا تحاول أن تقدم ـ مع إخوانك ـ صورة طيبة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من جد واجتهاد؟!
إن أخشى ما أخشاه أن تؤكد بذلك السلوك صورة الكسل والتهاون والضعف التي تُنْقل عن المسلمين، ولعمر الله إنها شكوى قديمة، اشتكاها عمر رضي الله عنه من قبل: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة!! راجع السؤال رقم (43270)
أما إن دار الأمر بين أن تعمل وتجد مع الكفار، أو تنام وادعاً بين المسلمين، فلتعمل ولتجتهد، واحرص على دينك وأخلاقك التي تعلمتها من دينك، وكن شحيحاً بدينك أشد من شحك بمالك ودمك، وانتبه إلى:
1- لا تجعل أصدقاء عملك من النساء، فأنت خبير بأحوالهن، تعرف ما يترتب على صحبتهن والاختلاط بهن، ثم فوق ذلك تعرف أن مثل هذه العلاقات مرفوضة في الشرع.
2- حاول أن تقلل من الأوقات التي تقضيها بينهم، قدر المستطاع.
3- اقتصر في حدود هذه العلاقة على ما يتطلبه العمل والدراسة منك.
4- حاول أن تكون صورة صحيحة للمسلمين: في دينهم وأخلاقهم، واربط كل خير عندك بما يأمرك به دينك.
5- اعلم أن استقامتك وحرصك على دينك من أسباب احترام الآخرين لك، ومن يدري لعل منهم من يتأثر بك، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1051)
حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا فيه تفصيل؛ فإن كان طلبها منهم وقبولها لا يخشى منه ضرر في الدين على من طلبها أو قبلها فلا حرج في ذلك، وإن كان في ذلك خطر لم يجز له طلبها ولا قبولها؛ عملاً بالأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحذر مما حرم الله، والبعد عن مساخط الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض الهدايا من المشركين ولم يقبلها من آخرين، والحكمة في ذلك: هو ما ذكرنا: كما نص على ذلك أهل العلم.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/432.(1/1052)
وجد كافراً على الطريق فهل يوصله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجد الإنسان شخصاً غير مسلم في الطريق وطلب إيصاله فما الحكم؟ وهل يجوز الأكل مما مسته أيدي الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا وجدت شخصاً غير مسلم في الطريق فلا حرج عليك أن توصله معك في سيارتك لأن الله يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة / 8.
أما الأكل مما مسته أيدي الكفار فجائز، لأن نجاسة الكافر نجاسة معنوية لا حسية."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/44.(1/1053)
رد السلام على الكافر على ثلاثة أقسام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء / 86، أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول: وعليك.
وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه: السام عليكم يعني الموت فإنه يقال: وعليك.
فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يقول بلفظ صريح: " السام عليكم ". فيجاب: " وعليكم ".
الثاني: أن نشك هل قال: " السام " أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم".
الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ:
" فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم: والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) المجادلة / 8.
فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. أ. هـ أحكام أهل الذمة 200 /1.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك ". والسام هو الموت.
وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه.
وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الكأس على الطاولة ولا حرج.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/36.(1/1054)
الاستفادة مما عند الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عبادات.
القسم الثاني: عادات.
القسم الثالث: صناعات وأعمال.
أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام.
وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليكم وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم ".
وأما الصناعات والحِرَف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد مَن قام بها متشبهاً بهم.
وأما قول السائل: " وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟ ".
فنقول: إن المصالح المرسلة لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً، بل نقول: هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع.
وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة.
وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبهذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً. "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/40.(1/1055)
حديث " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام.. " أليس منفراً عن الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" يجب أن نعلم أن أسدَّ الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مجانباً للحكمة فالواجب علينا أن نتهم هذا الفهم، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ندركه من عقولنا وأفهامنا؛ لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " والمعنى: لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم حتى يكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم بل استمروا في اتجاهكم وسيركم، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إذا رأى الكافر (كاليهود الذين في المدينة) ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار ولم يفعل ذلك الصحابه رضي الله عنهم بعد فتوح الأمصار.
فالمعنى أنكم كما لا تبدؤونهم بالسلام لا تفسحوا لهم فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا بل استمروا على ما أنتم عليه واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام بل فيه إظهار لعزة المسلم، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل.
انتهى - بتصرف يسير – من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/38.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/1056)