دوافع النجاح وتجاوز الفشل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدافع لدى بعض الناس لمقاومة الفشل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن اسم الفشل، أيها السائل الكريم، كاف لكي ننفر منه، ونسعى للنجاح، بغض النظر عن مكسب مادي يتحصل عليه المرء من نجاحه؛ فالفشل اسم نقص وذم، والنجاح اسم كمال ومدح:
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
إن الفشل والنجاح، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة، ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر، وشواهد التجربة والواقع، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما:
فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن، وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية، فقد أمر سبحانه الإنسان بالإيمان، وطلب منه الالتزام بالعبودية التي لا ينفك عنها، وجعل ذلك غاية الخلق حين قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56، وعد سبحانه من مات على ذلك الطريق هو الناجح وغيره هو الخاسر: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران/185
فالنجاح إذا قصة الحياة، وغاية خلق الله تعالى لهذا الكون، وما أرسلت الرسل، وما أنزلت الكتب إلا لدعوة الناس إلى النجاح الحقيقي عند الله سبحانه، وقد وضع سبحانه من محفزات النجاح في الدنيا والآخرة ما يأخذ بأيدي السالكين إليه، وذلك:
- حين كتب النعيم المقيم الخالد لمن نجح في اختبار الإيمان والعبودية، والتزم طريقهما ومات عليهما: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة/19-24
- وحين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح، وأصروا على سبيل الغواية والفشل، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج، ويُعلم الناجح من الخاسر: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) الحاقة/25-29
- وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح، فقال عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل/97
قال ابن كثير - رحمه الله -:
" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إنها هي السعادة، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله. " تفسير القرآن العظيم " (4 / 601) .
هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه، لأن المؤمن يعلم أنه مطالب بإقامة الحق والعدل في هذه الدنيا لقول الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد/25، ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط.
ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ) رواه أبو يعلى (7 / 349) وحسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " (1113) ، وإتقان العمل ركن من أركان النجاح.
هذه الدوافع كلها هي التي تحفز المؤمن لبلوغ أقصى درجات النجاح، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه، واكتساب المهارات النافعة، وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، ويعلم أن المؤمن العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) . رواه مسلم (2664) .
قال ابن القيم رحمه الله: " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان..، ومنها:
أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.
ثم قال: (ولا تعجز) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد؛ ... فلهذا قال: (فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبة، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "
شفاء العليل (37-38) .
وهو بهذا الفكر يتجاوز كل عقبة وكل فشل، لا يعجزه شيء، وليس لأمانيه حدود، وليس لهمته وعزيمته نهاية.
بل يعلم أن الفشل إنما هو دليل على العمل، لأن الذي يعمل هو الذي قد يفشل، وأما القاعد المتكاسل فلا يصيب فشلا ولا نجاحا، والعمل لا بد أن يثمر النجاح يوما ولو بعد حين، فهو لذلك يتخذ من الفشل خطوة نحو النجاح، يتنبه به على مواطن الخلل والنقص، ويحاول تجاوزها وإصلاحها، فيعود أقوى وأصلب مما كان عليه من قبل، حتى يصيب النجاح الذي يسعى إليه.
وما باب التوبة الذي فتحه الله تعالى للذين يخطئون ويفشلون إلا حافز آخر لتجاوز مراحل الفشل إلى مراقي النجاح، خاصة إذا استفاد المقصر من تجربته، حتى قال بعض السلف: " معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عجبا واستكبارا ".
وأخيراً، ومع كل هذه الحوافز والدوافع نحو النجاح وتجاوز الفشل لا يبقى عذر لقاعد أو متكاسل أو محبط، فالسبيل ميسر، إنما يَطلُبُ منك شيئا من العزيمة والإرادة والحكمة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى) رواه البخاري (7280) .
وانظر جواب السؤال رقم (22704) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/478)
هل الأشياء السيئة التي تقع في الكون تحدث بإرادة الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ما يقع في هذا الكون هو بإرادة الله تعالى؟ وإذا كان كذلك فكيف تقع الأشياء التي لا يحبها الله في ملك الله وبإرادته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم وفقك الله تعالى أن بعض الناس قد ضل في باب القدر لأنهم ظنوا أن إرادة الله للفعل تقتضي محبته له فجرهم ذلك إلى القول بأن أفعال الشر تقع بغير إرادة الله، فنسبوا إلى الله العجز والضعف حيث أثبتوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد، وبالتالي فقد يريد الشيء ولا يقع ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ، والحق أنه لا تلازم بين ما يحبه الله ويريده شرعا، وبين ما يقضيه ويريده ويقدره كوناً ويتضح ذلك بالنقاط التالية:
أولاً: إرادة الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة على قسمين:
القسم الأول:
الإرادة الكونية القدرية: وهي مرادفة للمشيئة، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء؛ فالكافر والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء؛ فالطاعات، والمعاصي، كلها بمشيئة الرب، وإرادته.
ومن أمثلتها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ) الرعد/11
وقوله: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الأنعام/125
القسم الثاني:
الإرادة الشريعة الدينية: وهي مختصة بما يحبه الله ويرضاه.
ومن أمثلتها قوله ـ تعالى ـ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) البقرة/185
وقوله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) النساء/27، وقوله (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) المائدة/6.
ثانياً: الفرق بين الإرادتين:
بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق تميز كل واحدة منهما عن الأخرى، ومن تلك الفروق ما يلي:
1ـ الإرادة الكونية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه، وبما لا يحبه ولا يرضاه.
أما الشرعية فلا تتعلق إلا بما يحبه الله ويرضاه فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة، والإرادة الشرعية مرادفة للمحبة.
2ـ الإرادة الكونية قد تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً، وسائر الشرور؛ لتحصل بسببها أمور كثيرة محبوبة لله تعالى كالتوبة، والمجاهدة، والاستغفار.
أما الإرادة الشرعية فمقصودة لذاتها؛ فالله تعالى أراد الطاعة وأحبها، وشرعها ورضيها لذاتها.
3ـ الإرادة الكونية لابد من وقوعها؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولا بد، كإحياء أحد أو إماتته، أو غير ذلك.
أما الإرادة الشرعية ـ كإرادة الإيمان من كل أحد ـ فلا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين.
4ـ الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه.
5ـ الإرادتان تجتمعان في حق المطيع، فالذي أدى الصلاة ـ مثلاً ـ جمع بينهما؛ وذلك لأن الصلاة محبوبة لله، وقد أمر بها ورضيها وأحبها، فهي شرعية من هذا الوجه، وكونها وقعت دل على أن الله أرادها كوناً فهي كونية من هذا الوجه؛ فمن هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع.
وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، فكونها وقعت فهذا يدل على أن الله شاءها؛ لأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية لا شرعية.
وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر المأمور به، وطاعة العاصي المطلوبة منه بدل معصيته، فكونها محبوبة الله فهي شرعية، وكونها لم تقع ـ مع أمر الله بها ومحبته لها ـ دليل على أنها شرعية فحسب؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع.
هذه بعض الفوارق بين الإرادتين، فمن عرف الفرق بينهما سلم من شبهات كثيرة، زلت بها أقدام، وضلت بها أفهام، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً ومن نظر إلى الشرع دون القدر أو العكس كان أعور.
ثالثاً: أفعال الله كلها خير وحكمة وعدل:
فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها هو، وقد يُعْلم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم عليه، وقد يعجز العباد بعقولهم القاصرة عن إدراك كثير من الحكم الإلهية. والأمور العامة التي يفعلها سبحانه تكون لحكمة عامة، ورحمة عامة كإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " إنه سبحانه حكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة، وهي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فَعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا "
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يراجع (أعلام السنة المنشورة 147) (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن الممود) و (الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/479)
هل زواجي مقدَّر؟ وهل الطاعة والمعصية تغيران القدَر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قدَّر الله سبحانه لكل شخص من تكون زوجته؟ وهل للمعصية والطاعة دور في تغيير القدر؟ .
أنا أحب فتاة ذات دين وخلق، ولكن هي لا تحبني، فهل يجوز لي أن أدعو الله بأن يحببها فيَّ ويجعلها زوجتي في المستقبل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القدَر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخَلْقُه لها.
والإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحدٍ إلا به، ولا يصح الإيمان بالقدر إلا أن يؤمن المسلم بمراتب القدر الأربع وهي:
1. الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
2. الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
3. الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة؛ فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه.
4. الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم.
وانظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة (49004) و (34732) .
وهذا التفصيل يبين لك أن الله تعالى قدَّر في الأزل من يكون أهلك، ومن تكون زوجتك، ومن يكون أبناؤك، وكل ما كان ويكون في الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49.
ثانياً:
لا يعني هذا أن الإنسان يكون في الدنيا بلا إرادة، كما لا يعني هذا أن لا يسعى الإنسان في أسباب سعادته وعافيته، فكل شيء جعل الله له سبباً، فمن أراد الولد فلا بدَّ له من الزواج، ومن أراد السعادة في الآخرة فلا بدَّ أن يسعى لها سعيها، وأن يأخذ في طريق الهداية، ومن أراد المال والغنى فلا بدَّ أن يسعى للكد والتعب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ..) متفق عليه.
ولم يُطلع الله تعالى أحداً على تفصيل ما سيحصل له من خير أو شر، لذا فإن كل أحدٍ يسعى لجلب الخير لنفسه ودفع الأذى عن نفسه، ولا يكون عاقلاً من يسير في طريق سريع عكس الاتجاه ثم يقول " لن يحصل معي إلا ما كُتب لي أو عليَّ " ولا يجلس أحدٌ في بيته ثم يقول " لن يأتيني إلا ما قدِّر لي من رزق " ولا يأكل أحد طعاماً فاسداً ثم يقول " لن يصيبني إلا ما كتب الله لي أو عليَّ " وهذه الأمور لو فعلها أحدٌ وقالها لعدَّ من المجانين، وهو كذلك.
وفي خصوص الزواج فإن المسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّه على التزوج بذات الدِّين، وهذا يقتضي منه البحث والتحري عن صاحبة الدِّين، ولا يقول عاقل إنني لن أسعى في هذا؛ لأنه لو عرض عليه امرأة مجنونة أو دميمة أو كبيرة في السن أو ذات أخلاق سيئة فإنه لن يقبل بها زوجة! ولن يدَّعي أنه سيتزوج بأول من يراها أو أول من تُعرض عليه، وهذا يؤكد ما قلناه من أنه سيعرض عن بعض النساء، ويتأمل في أخريات ويتردد في بعضهن وهكذا، ولو اختار، بعد النظر والتأمل والاستشارة والاستخارة، امرأة تناسبه فليعلم أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فليجعل رجاءه في ربه عز وجل أن يهيئ له من أمره رشدا، وأن يقدر له أرشد الأمور بالنسبة إليه، وأحبها إلى رب العزة تبارك وتعالى.
ثم عليه، إذا وقع الأمر، وقدر له ربه عطاءً أو منعا، على ما وافق هواه أو خالفه، أن يحسن الظن بربه عز وجل، ويعلم أن الله لا تعالى لا يقضي لعبده المؤمن الصبار الشكور إلا قضاء الخير. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1804) .
ثالثاً:
أما بالنسبة لأثر الطاعة والمعصية على تغيير القدَر، فلتعلم أن أما ما كان في اللوح المحفوظ فإنه لن يتغير، قال النبي صلى الله عليه وسلم (رُفعت الأَقْلاَم وَجَفَّت الصُّحُف) - رواه الترمذي (2516) وصححه من حديث ابن عباس -، وأما ما في أيدي الملائكة من صحف فإن الله تعالى قد يأمر ملائكته بتغييرها لطاعة يفعلها المسلم أو معصية يرتكبها، ولا يكون في النهاية إلا ما كُتب أزلاً، ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على القيام ببعض الطاعات التي لها أثر في زيادة عمر الإنان، كصلة الرحِم، وأخبر أن الدعاء يرد القضاء، وهذا معناه: أن الله تعالى علَم أولاً أن عبده فلان سيأتي بهذه الطاعات فقدَّر له عمراً مديداً أو بركة في الرزق، والعكس كذلك فقد يرتكب الإنسان معصية يُحرم بسببها الرزق، ويكون الله تعالى قد علَم ذلك أزلاً فقدَّره وكتبه بحسب علمه، ولم يجبر الله تعالى أحداً على طاعة ولا معصية.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا في حديث واحد:
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) . رواه ابن ماجه (4022) .
قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (رقم 33) :
سألت شيخنا أبا الفضل العراقي – رحمه الله – عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. انتهى
وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5640) ومسلم (2557) .
وروى الطبري بإسناده، عن أبي عثمان النهدي: أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة
وكان أبو وائل شقيق بن سلمة التابعي مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. [تفسير الطبري 7/398]
وانظر جواب السؤال رقم: (43021) .
رابعاً:
حبُّك للفتاة ذات الخلق والدِّين يوجب عليك الحذر من أن تقع في مخالفات شرعية كمراسلتها أو محادثتها أو الخلوة بها، ولا ننصحك أن تدعو الله تعالى أن يحببها بك، بل ننصحك بالدعاء أن يرزقك الله تعالى زوجة صالحة، وإذا رأيتَ من تنطبق عليها مواصفات المرأة الصالحة فتقدَّم لها واخطبها، ولا داعي لتعيين امرأة بعينها فقد تبادلك المحبة ثم تقعان في مخالفات شرعية، وقد لا يتيسر لكما أمر الزواج، فدعاء الله تعالى بأن ييسر لك زوجة صالحة خير لك فيما نرى.
على أننا نصدقك ـ أخانا الكريم ـ القول، ونرى أن التعلق بهذه الفتاة هو مشكلة فراغ بالنسبة؛ ونعني بالفراغ هنا أنك لم تشغل نفسك بمهمات الأمور، فملأ الشيطان قلبك شغلا بما فيه المضرة عليك في نفسك ودينك، أو بما يفوت عليك مصالحك.
روى ابن الجوزي عن ابن عائشة قال: قلت لطبيب كان موصوفا بالحذق: ما العشق؟
قال شغل قلب فارغ!! [ذم الهوى 290] .
وإلا، فقل لي بربك يا أخي، هل أنت جاد في البحث عن زوجة مناسبة، في هذه الفترة؟!
وإذا كنت جادا في ذلك البحث، فهل أنت جاد في إمضاء الزواج الآن؟!
وإذا كنت جادا في إمضاء الزواج الآن، فهل ظروفك ملائمة لذلك الجِد (!!) منك؟!!
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا) رواه ابن ماجة (1864) وصححه الألباني.
فانظر ـ يا أخي ـ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الإذن بالنظر على إرادة النكاح.
قال العلماء: وهذا مستثنى من النهي عن النظر إلى المرأة الأجنبية، ولذلك إنما يسوغ حيث تدعو إليه الحاجة، ويرجو أن يتم زواجه الذي يريد.
قال ابن القطان رحمه الله: " لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر، وإن كان قد خطب [يعني: وإن كان يطلب خِطبتها] ؛ لأنه إنما أبيح له النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه، بقي النظر على أصله من المنع) [النظر في أحكام النظر 391] .
ومعلوم أن إرادة النكاح ممن لا يقدر على مؤنته، أو لا تساعده عليه ظروفه في وقته الراهن، نوع من العبث وإضاعة الزمان، وشغل القلب بما لا ينفع، بل بما يضر.
وحين تكون جادا، فاستعن بالله تعالى، واسأله التوفيق في أمرك، فإن بقيت على حالها، واستخرت ربك في شأنها، فامض في خطبتك، وإلا، فالنساء سواها كثير؛ فاظفر منهن بذات الدين؛ تربت يداك!!
نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يرزقك زوجة صالحة وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/480)
ما هي الحكمة من تألُّم الأطفال في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين يتألمون في هذه الدنيا، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء.
فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم، وأن في أوامره وتقديراته الحكمة البالغة، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها، وقد يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً.
والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة، وذلك كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين، ومثلها خلق الجن والإنس إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى.
قال ابن تيمية:
وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علْمنا بالحكمة فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها.
ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من ذلك. " مجموع الفتاوى " (6 / 128) .
وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر، ويَدخل عليه الشيطان من خلاله فيصده عن الحق والهدى.
ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال:
1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه، ولولا ذلك ما عُلم ما به من مرض.
2. البكاء الذي يولٍّده الألم، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل.
3. الاعتبار والاتعاظ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي الواجبات، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان، وخاصة إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات.
4. التفكر في الدار الآخرة، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في الجنة، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب، بل صحة وعافية وسعادة، والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع، فيعمل ما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار.
قال ابن قيم الجوزية:
ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً، فالبكاء يسيِّل ذلك ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح.
وأيضاً: فإن البكاء والعِياط – أي: الصراخ - يوسِّع عليه مجاري النَّفَس، ويفتح العروق، ويصلِّبها، ويقوِّي الأعصاب.
وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك: فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد خفي على أكثر النَّاس، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي: الخصوم -. " مفتاح دار السعادة " (2 / 228) .
وقال – أيضاً -:
هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر.
وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين، لكن لما صارت لهم عادة سهُل موقعها عندهم، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل.
وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة، فلو لم يُخلق كذلك لكان خلقاً آخر، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك بما لم يُمتحن به الكبير؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه النشأة.
قالوا: فإن سأل سائل وقال: فلم خُلق كذلك؟ وهلا خُلق خلقة غير قابلة للألم؟
فهذا سؤال فاسد؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء والامتحان من مادة ضعيفة، فهي عرضة للآفات، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من الآلام ...
فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين: دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما، والدار الأولى: الجنة، والدار الثانية: النار ... " مفتاح دار السعادة " (2 / 230، 231) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/481)
هل الإنسان مسير أو مخير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قدرنا مكتوب؟ البعض يقول بأنه لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجد في نهاية هذا الطريق هو ما قد قدره الله لك، وقد قرأت أيضاً أن القدر ربما خلقه الجهم بن صفوان وليس الله.
أين يمكن أن أجد معلومات في القرآن؟ إذا كانت الأقدار قد قُدرت فكم النسبة منها قد قدره الله؟ هل صحيح أنه معلوم اليوم الذي ولد فيه الشخص الذي سيتزوجني ومتى وأين سيموت؟
ماذا لو قابلت الشخص الذي من المفترض أن أتزوجه ولكن بطريقة ما اخترت الطريق الخطأ فهل سيعود لطريقي مرة أخرى أم أن هذا سيكون قدري وأن هذا عقابي فلن أحصل على هذا الرجل مرة أخرى في حياتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل عليه السلام حين سأل عن الإيمان: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
والمراد بالقدر: تقدير الله تعالى للأشياء في القَدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها. [القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص 39] .
فالإيمان بالقدر يقوم على الإيمان بأربعة أمور:
الأول: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون، بعلمه القديم.
الثاني: الكتابة: أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
الثالث: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه.
الرابع: الخلق والتكوين: أي أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فهم يعملونها حقيقة، وهو خالقهم وخالق أفعالهم.
فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر.
وقد قرر القرآن هذه الأمور في آيات عدة، منها قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59 وقوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد / 22 وقوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير/ 29 وقوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر / 49 وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء ".
وبهذا يتبين لك أن القول بأن القدر خلقه الجهم بن صفوان، قول لا أساس له من الصحة، والقدر لا يُخلق، بل الخلق داخل في الإيمان بالقدر. والجهم إنما غلا في إثبات القدر، وزعم أن الناس مجبورون على أفعالهم لا اختيار لهم وهو قول باطل.
والذي عليه أهل السنة والجماعة أن العبد له مشيئة واختيار، ولهذا يثاب ويعاقب، ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى، فلا يقع في الكون شئ لا يريده الله.
فما قاله البعض من أن لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجده في نهاية هذا الطريق قد قدره الله لك، قول صحيح. قال الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الانسان / 3 , وقال: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد / 10
وقال:) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) الكهف / 29
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا مذهب أهل السنة في أفعال العباد: (والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى " لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين") [الواسطية مع شرح هراس ص 65] .
والزواج من جملة ما قدره الله تعالى، والشخص الذي سيتزوجك، قد علم الله من هو، ومتى ولد وأين ومتى سيموت، وكيف سيكون حاله معك، إلى غير ذلك من التفاصيل، كل ذلك قد علمه الله وكتبه في اللوح المحفوظ، وهو واقع لا محالة كما قدر الله.
وإذا قدر الله لك الزواج من شخص، لكنك اخترت غيره، فإنك مهما طال الزمن ستتزوجين من ذلك الشخص، وزواجك من غيره مقدر عليك أيضا، فليس شئ إلا بتقدير الله تعالى. فقد يكون مقدرا لامرأة أن تتزوج من فلان بن فلان، فيتقدم لها فتأباه، وترفضه، وتتزوج من غيره، فيموت عنها أو يطلقها، ثم تقبل بالأول، وكل ذلك مقدر. مقدر لها أن تتزوج بفلان بن فلان بعد رفضه أو بعد تجربة أو محنة أو غير ذلك.
وقد يقدر للمرأة أن رجلا صالحا يتقدم لها، فترفضه، فلا يعود لها أبدا، بل تتزوج وتعيش مع غيره ممن هو أكثر أو أقل صلاحاً، على ما قدره الله تعالى لها.
ولما كان الإنان لا يدري ما قدر له، كان سبيله أن يلتزم الشرع، وأن يتقيد بالأمر والنهي، وأن يستعين بالله تعالى ويستخيره في كل أمر مع ما يبذله من الأسباب الحسية والتي من أهمها استشارية أهل النصح ممن لهم خبرة.
فمتى ما تقدم الرجل الصالح لخطبة امرأة، كان عليها أن تستخير الله تعالى، وأن تقبل الزواج منه، فإن تيسرت الأمور وسُهُلت، كان هذا دليلا على أن الخير لها في الارتباط به.
والخلاصة أن على الإنسان أن ينظر في شرع الله تعالى ويطبق أمر الله وإن كرهت نفسه؛ ويترك ما نهى عنه ولو تعلقت به نفسه، فإن الخير كله في امتثال الشرع، قال الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216، ولا ينظر إلى القدر من يحتج به على ترك الأوامر وفعل المحرمات وإنما ينظر إليه نظر الرضا بما قد لا يكون موافقاً لما يحبه من الأقدار المؤلمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/482)
حديث: (من اعتمد على عقله ضل)
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الحديث: (من اعتمد على ماله قلَّ , ومن اعتمد على عقله ضلَّ , ومن اعتمد على الله فلا يضل) . فهل هذا يعني أن العقل لا يستخدم في الاجتهاد؟ ومتى يستخدم العقل في الاجتهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث: (من اعتمد على ماله قلَّ ومن اعتمد على عقله ضلَّ ومن اعتمد على الله فلا يضل)
لم نجده بعد الاطلاع والبحث منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدناه في بعض الكتب منسوباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة، وتكمن أهميته في أمور، منها:
1. أنه شرط التكليف، فمن شروط التكليف بالأوامر وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلاً.
2. أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر والمخدرات.
3. أن استعمال الإنسان لعقله استعمالاً صحيحاً يجعله يفهم الآيات والأحاديث على وجهها الصحيح، وإذا كان كافراً فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10،11، وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح، بل العقل موافق لما جاء في الشرع، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد السلف ومنهجهم فهو المجتهد المأجور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات , والعبادات , وغير ذلك من كتاب الله , وسنَّةِ رسولِهِ , وما اتفق عليه سلف الأمّة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ.
وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس , أو يفهمون منها معنى باطلاً , فالآفةُ منهم , لا من الكتاب والسُّنَّة؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (11 / 490) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/483)
هل ننقذ المريض أم نتركه للقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[الله عليم بكل شيء حتى الذي لم يحصل بعد، ما رأي الإسلام في القضاء والقدر أو هل يمكن للرجل بأن يتحكم في القسمة والنصيب أم أنه شيء مكتوب؟ مثلاً: إذا كان شخص يموت فإن بعض الناس يقولون موته في يد الله ومشيئته والبعض يحاول علاجه وإنقاذه من الموت، هل هو مكتوب أم أن الرجل يمكن أن يكتب قدره بنفسه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
كل شيء مكتوب ومقدر كما قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، وقال تعالى: (وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر) . وفي الحديث الصحيح: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي الحديث الآخر: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) .
وهذا التقدير غائب عنا لا نعلمه ولا يجوز أن نتكل عليه وندع العمل والأخذ بالأسباب فلا تنافي بين الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام فإن الله ما أنزل داء وإلا أنزل له شفاء أو دواء) وقال صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ونحن لا نعلم عن المكتوب إلا بعد حصوله، وقد جعل الله لنا إرادة وقدرة ومشيئة واختياراً لا نخرج عن قدرة الله ومشيئته، والخلاصة أنه لا تعارض بين محاولة إنقاذ إنسان من الموت وبين قضاء الله المقدر والمكتوب والذي لا نعلمه إلا بعد حصوله، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: د. سليمان الغصن.(1/484)
امرأة مستقيمة ابتليت، وتسأل لماذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة كنت أعيش حياة سعيدة مع أنها ليست إسلامية جادة (أصلي وأصوم وألبس حجاباً لا بأس به) ، ومنذ أن تزوجت أصبحت متدينة أكثر والحمد لله وهنا بدأت مشاكلي. كثرة المشاكل تتعبني جداً فأرجو أن تجيب على سؤالي وتنصحني وأرجو كذلك أن تدلني على كتاب يساعدني في البحث عن أجوبة وحتى لو كان بالعربية.
دائماً أفكر وأقول بأنني لم أكن بذلك السوء قبل الزواج بالمقارنة بآخرين كانوا غير متدينين أبداً، ولم أقترف الكثير من الذنوب، فلماذا يحصل لي كل هذا وما هو الحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: (إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ... ) رواه أحمد (3490) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 714. وبناءً على هذا الحديث فعليكِ أن تحمدي الله حمداً كثيراً على هذه النعمة التي منّ بها عليكِ من الاستقامة على دينه، واعلمي أن البلاء هو حال هذه الدار التي هي دار بلاء وامتحان (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35، وحال المسلم مع كل بلاء هي حال الموقن بأن الله لن يقدِّر عليه إلا ما فيه الخير في دينه وفي دنياه، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999)
وكل ما ذكرتيه أيتها الأخت السائلة هو داخل في هذا الابتلاء بما لا يريده الإنسان والواجب عليك فيه الصبر وأن تعلمي أن كل هذا من عند الله لخيرٍ يريده بك.
وليست الاستقامة على أمر الله هي السبب فيما أصابك من بلاء؛ لأن من المتقرر شرعا أن الاستقامة هي سبب السعادة وأن ضدها هو سبب التعاسة قال تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) النحل/97، وقال سبحانه (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) طه 123،124 فالإيمان سبب السعادة الحقة في الدارين والإعراض عن ذكر الله سبب التعاسة والضيق، وحقيقة السعادة في القلب فلا ينافيها ما يحصل للمؤمن من ابتلاءات، بل إن الابتلاء الدنيوي قد حصل للأنبياء أيضاً كما في الحديث " إِنَّ مِنْ أَشَدّ النَّاس بَلاء الأَنْبِيَاء , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " أحمد 26539، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1165, وفي رواية" يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه حَتَّى يَمْشِي عَلَى الأَرْض وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة " أَخْرَجَهُ ابن ماجه4013 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 3249. وكما تقدم في الحديث الأول فإن السعة والضيق في أمور الدنيا لا تتوقف على دين الشخص.
والذي نوصيك به أيتها الأخت: مجاهدة النفس على الصبر، وإبعاد الخواطر الفاسدة والظن السيئ بالله تعالى، وعدم الضعف في الاستقامة بسبب هذه الظنون، ومن أهم الوسائل المعينة على هذا الدعاء بل قد يكون البلاء سبباً لكثرة دعاء الإنسان لربه فيفتح له بذلك خيرات كثيرة، واختاري من الأدعية ما يناسب تفريج البلاء من القرآن والسنة كدعاء أيوب (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) الأنبياء/83
، وكوني موقنة بالإجابة ولا تعجلي فإن الله تعالى أرحم بعبده من الوالدة بولدها، واحرصي على تحصين نفسك بالأذكار الشرعية.
ومن الأمور المُعينة على الصبر القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما مر عليه من البلاء والشدة وكذلك التأمل في أجور الصابرين في الدنيا والآخرة ومن الكتب المفيدة في هذا كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله.
نسأل الله تعالى لك الصبر وثبوت الأجر، والشفاء لك ولولدك، وأن يعود حالك مع زوجك وأهلك إلى خير حال، وأن يثبتنا وإياك على طريق الحق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/485)
هل يجوز التخطيط للمستقبل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ أن يقوم الشخص بالتخطيط المستقبلي لشيء ما, أعني أن يقول أنني سأفعل هذا الأمر غدا, أو في الشهر القادم أو العام القادم؟ مع أني أؤمن تماما بأن الموت قد يحين في أي وقت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإنه لا مانع أن يخطط الإنسان ويقدّر ما يحتاج إليه في المستقبل، وما يأمل تحقيقه، ويقول سأفعل كذا غدا
أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، لكن ينبغي أن يقول مع ذلك إن شاء الله، قال تعالى: (ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلاّ أن يشاء الله) . وكل ما ينوي الإنسان فعله في المستقبل، ويعزم عليه أو يرجو حصوله فإنه مبني على الأمل، والأمل هو الذي يحفز الناس على العمل لكن المؤمن يسعى في هذه الحياة فيما ينفعه في دينه ودنياه، ويأخذ بالأسباب، ويتوكل على الله، ويستعين به، كما قال عليه الصلاة
والسلام: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ". وقال تعالى: (فاعبده وتوكل عليه) . وأما الكافر والغافل فإنه يعتمد على الأسباب ويغفل عن ربه الذي بيده الملك، ولا يكون إلا ما يشاء سبحانه وتعالى ولو نظر الإنسان إلى العوارض التي تحول بينه وبين ما يأمله، وغلب عليه التفكير في الموت وغيره من العوارض لتوقف عن العمل، وعطّل مصالحه، وبهذا يعلم أن الإنسان لا يستطيع العيش في هذه الحياة إلا مع شيء من الأمل يجعله يتحرك على مصالحه التي يطمع في حصولها. ولكن ينبغي للمؤمن أن يكون قصير الأمل، لا يرْكن للدنيا، ولا يؤثر لذاتها بل يجعل الآخرة نصب عينيه، فيجتهد في الأعمال الصالحة التي تقربه إلى ربه، ويستعين بنعمته على طاعته، ليفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/486)
هل تغيير البيت يجلب الرزق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تغيير المكان يجلب الحظ السعيد , مثلاً هذا البيت ليس جيِّداً , وإذا انتقلت منه فإنه سيجلب لك ثروة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تغيير البيت لا يجلب الحظ السعيد، ولا يجلب الثروة، ولكن إذا سكن الإنسان بيتاً فأصابه فيه ضرر فله أن ينتقل إلى غيره.
سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
شخص سكن في دار فأصابته الأمراض وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار، فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟
فأجاب:
ربما يكون بعض المنازل أو بعض المركوبات أو بعض الزوجات مشئوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته إما ضرراً أو فوات منفعة أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيتٍ غيره، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الشؤم في ثلاث: الدار والمرأة والفرس " – رواه البخاري (5093) ومسلم (2225) -، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدَّر ذلك لينتقل الإنسان إلى محل آخر، والله أعلم.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 1212) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/487)
هل نحن نتصرف كما نشاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ هل جميع تصرفات البشر كالولادة والموت والتصرفات اليومية وجميع ما نفكر في فعله قد قدّره الله؟ هل حياتنا برمجها الله حتى قبل ولادتنا، أم لنا حرية التصرف ونستطيع أن نقرر ونتصرف كما نشاء بدون تحكم الله؟ باختصار، هل نحن نتصرف كما نشاء أم كما خلقنا الله لنتصرف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن أحوال العباد منها ما هو جبري ليس للناس فيه أدنى إرادة مثل اختيار يوم المولد ولون البشرة والشعر والعينين والوفاة فهذا كله مما لا سلطة للناس فيه وإنما هم مجبرون عليه ونظراً لأنهم لا اختيار لهم فيه فإنه لا يترتب عليه جنة ولا نار، ولا عذاب ولا نعيم.
وبعض الأفعال هم مخيرون فيه كاختيار الإيمان والكفر والقيام في شؤون الدنيا من اختيار المطعم والمشرب والمسكن.
وليس شيء من ذك كله يكون خارجاً عن إرادة الله تعالى ومشيئته وقدره.
ولكن كيف يكون ذلك؟
الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي لا يصح إيمان المسلم إلا إذا سلّم بأن كل الأمر من الله، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49، بل إن من أسماء الله تعالى القادر، والقدير، والمقتدر.
وأصل المسألة: أن الله تعالى يتصف بالعلم، والقدرة، والمشيئة.
وعليه: إذا أراد أصحاب الأفعال أن يقوموا بها سواء أكانت من المعاصي أو الطاعات فإن الله يعلمها ولا بد، بل لقد علمها في الأزل قبل خلق الخلائق.
ثم بعد أن علمها كتبها عنده، ثم لما أراد أصحابها أن يفعلوا ذلك شاء لهم ذلك، ولو لم يشأ لم يفعلوا، ثم كان قادراً فخلق هذا الفعل لأنه خالق لمن فعله من البشر.
فلذلك أفعال العباد كلها مكتوبة عند الله لأن علم الله سابق له، وليس ذلك يعني أن الله أجبر الناس على أفعالهم، فهم مخيرون في أفعالهم، كما قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) الإنسان/3.
ولكن أفعالهم لن تكون جبراً من الله تعالى، وليس الله يجبر العباد على شيء.
يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في مثل هذا:
فإن قيل: كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكوّنه؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته؟
قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً، وتباينت طرقهم وأقوالهم.
فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره.
فالمراد لنفسه: مطلوب محبوب لذاته، وما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد.
والمراد لغيره: قد لا يكون مقصوداً للمريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضائه وإيصاله إلى مراده فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه، بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوقه.
ومن ذلك: أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات ... ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى تترتب على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها. (شرح العقيدة الطحاوية/252-253) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/488)
والدها يرفض الخاطب لأنه مجاهد وقد يموت في المعركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج برجلٍ يعد نفسه للذهاب إلى الجهاد في غضون سنوات، لكن عندما ذكرت أمره لوالدي رفض؛ لأنه يقول بأنه لا يستطيع أن يراني أرملة في حياته، أنا أعي عواقب الزواج بشخصٍ قد يموت في المعركة (ومن منظور دنيوي: أي: أني سأعيش بدون زوج لأشهر كل مرة " يذهب فيها للجهاد "، وهناك احتمال كبير بأن أصبح أرملة، إلخ) ، لكن الأجر هو أعظم بكثيرٍ من المنافع الدنيوية.
وعليه، فهل يجب عليَّ أن أطيع والدي؟ وهل سبب رفضه مقبول إسلاميّاً لأن يرفض هذا الخاطب، وأنا أكثر من موافقة على أن أصبح زوجة لمجاهد؟ أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فإن النكاح رابطة شرعية شريفة حث عليها ديننا في مواضع من كتاب الله وسنة رسوله، وإن من المهم في هذه الرابطة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، وقال مخاطباً ولي المرأة: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " – رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) – وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) -.
ثم إن الجهاد من أعظم أبواب الخير وهو ذروة سنام الإسلام، وأهله هم من خيرة عباد الله، ومن حزبه المفلحين، وفضل الجهاد والمجاهدين مما يطول ذكره.
ثانياً:
الذهاب للجهاد لا يعني الموت المحقق، فإن الله قد خلق الخلائق وقدر أزراقها وآجالها، وإنه لمن العجب أن يظن المسلم أن ذهاب المجاهد إلى أرض المعركة يعني أنه سيقتل فيها، ويظن أنه إن لم يجاهد فسينجو من الموت، وهذا ظن خاطىء فالذهاب إلى الجهاد لا يعجِّل ساعة الإنسان، وعدم الذهاب لا يؤخرها، وقد يعيش الإنسان عمره كله في الجهاد ولا يُقتل فيه، ومن أحسن الأمثلة على ذلك: الصحابي الجليل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – والذي قضى كثيراً من عمره في ساحات القتال ثم كان موته على فراشه، بينما آلاف الناس يموتون في كل لحظة في بيوتهم أو متاجرهم أو في الشوارع، قال الله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل / 61، وقال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان / 34.
وقد أخبر الله تعالى عن مثل من يظن هذا الظن وردَّ عليهم.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} آل عمران / 156.
قال ابن كثير:
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي: عن إخوانهم {إذا ضربوا في الأرض} أي: سافروا للتجارة ونحوها {أو كانوا غزى} أي: كانوا في الغزو {لو كانوا عندنا} أي: في البلد {ما ماتوا وما قتلوا} أي: ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو، وقوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم.
ثم قال تعالى ردّاً عليهم {والله يحيي ويميت} أي: بيده الخلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره.
" تفسير ابن كثير " (1 / 420) .
وقال:
أي: كما أن الحذر لا يغني من القدَر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يُبعده، بل الإحياء المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن لا يُزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، وقال تعالى {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، وروينا عن أمير الجيوش ومقدَّم العساكر وحامى حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال - وهو في سياق الموت -: " لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضوٍ من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء "، يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه.
" تفسير ابن كثير " (1 / 300) .
ثالثاً:
ومما تقدم يتبين خطأ ما قاله والدك من أنه لا يريد أن يراك أرملة في حياته، إذ لو قدر الله ذلك لحصل حتى لو تزوجت من غير المجاهد، فرفضه لأنه يعد نفسه للجهاد ليس له مسوغٌ شرعاً، أما إن كان هناك أسباب أخَ تتعلق بخلُقه ودينه: فيمكن للوالد أن يردَّ هذا الزوج.
رابعاً:
والنصيحة لك أن تطيعي والدكِ، وليس لك أن تتزوجي من غير إذن الوليِّ، فقد أبطل الشرع الحكيم زواج المرأة من غير إذن الولي.
أ. عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ".
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) .
ب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له.
رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) .
والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (9 / 384) والحاكم (2 / 183) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/489)
لا يوجد شيء يغير القدَر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي يمكن أن تغير القدر وما قد كتبه الله لنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يوجد شيء يغير القدَر؛ لأن الله تعالى قال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد / 22؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفعت الأقلام وجفَّت الصحف " – رواه الترمذي (2516) وصححه من حديث ابن عباس -.
قال المباركفوري:
" رفعت الأقلام وجفت الصحف " أي: كُتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر.
" تحفة الأحوذي " (7 / 186) .
والكتابة نوعان: نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ، وهو أحد معاني قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد / 39، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق، أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
عن الرزق هل يزيد أو ينقص؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد؟
فأجاب:
الرزق نوعان:
أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً، وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه "، وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين، ومِن هذا الباب قول عمر: " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "، ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح (أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى) ، وشواهده كثيرة، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه: ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب.
والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
" مجموع الفتاوى " (8 / 540، 541) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/490)
لا حرج في استعمال كلمة "صدفة"
[السُّؤَالُ]
ـ[كلمة صدفة، هل يجوز لي أن أقول عندما ذهبت إلى السوق قابلت فلاناً صدفة؟
وهل هذه الكلمة (صدفة) حرام أو شرك بالله عز وجل، وماذا أقول بدلاً من هذه الكلمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس باستعمال كلمة قابلة فلاناً صدفة، لأن مراد المتكلم بذلك أنه قابله بدون اتفاق سابق، وبدون قصد منه، وليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل.
وقد ورد استعمال هذه الكلمة في بعض الأحاديث. منها: ما رواه مسلم (2144) عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ (يعني بعبد الله بن أبي طلحة) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. . . الحديث. والميسم أداة تستخدم في الكي.
وروى أبو داود (142) عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/393) :
"ليس قول الإنسان قابلت فلاناً صدفة محرّماً أو شركاً، لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلاً وليس في هذا المعنى حرج" اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة "صدفة"؟
فأجاب رحمه الله:
"رأينا في هذا القول أنه لا بأس به، وهذا أمر متعارف، ووردت أحاديث بهذا التعبير: صادفْنا رسول الله صادفَنا رسول الله.
والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو سبحانه وتعالى لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له: صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز" اهـ بتصرف.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3/117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/491)
السأم من الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مللت من العيش في هذه الدنيا الفانية، وأصبح عندي شعور بالملل والسأم، فهل من ناصر، ولا ناصر إلا الله؟! .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسباب الرغبة عن الدنيا وكراهيتها عديدة، فمن الناس من يكره هذه الدنيا الفانية رغبة فيما عند الله من الأجر والثواب، ومحبة للقاء الله تعالى، ولهذا قال بعض السلف:" تحفة المؤمن الموت "، فهو يكره الدنيا، لتعلق قلبه بالآخرة، وهو مع كراهيته للدنيا قائم بحق الله تعالى وحق عباده، وساع في الخير قدر استطاعته، على حد قوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر/99
ومن الناس من يكره الدنيا لا لأجل الآخرة، بل لأنه يرى أن حظه فيها قليل، وأن غيره خير منه، ولا شك أن في هذا نوعا من التسخط على أقدار الله تعالى، فالله تعالى هو معطي المنح، ومقسم الأرزاق، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/27
ومن الناس من يكره الدنيا لكثرة ما أصابه فيها من بلاء ونصب وتعب، ولا شك أن هذا الصنف لم يعرف حقيقة الدنيا، فالدنيا دار عمل وابتلاء، ودار نصب وتعب، لاسيما المؤمن الصالح، فإنه يلاقي من أنواع البلاء ما يكفر الله به عنه من خطاياه، ويرفع به من منزلته، قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) البلد/4، وقال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3، وقال تعالى: (مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) آل عمران/197 وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/154-156
أخي الكريم.... من أي الأصناف السابقة أنت؟؟!!!
تذكر أخي الحبيب كم ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاداه قومه، ووقف في وجهه أقرب الناس إليه، وشتمه بعض الناس، وآذاه البعض الآخر، وطرد من دياره، وحوصر حصارا شديدا، واجتمع الكفار على قلته واغتياله، وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها في أصعب المواقف وأحلك الظروف، وكان يبيت الشهر والشهرين لا يأكل إلا الماء والتمر، كل هذا وهو نبي الله، ورسوله وأمينه على وحيه!! كل هذا وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود!! كل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فكيف بنا نحن المذنبين العاصين المقصرين؟؟؟
أنصحك أخي الكريم بما يلي:
أولا: أكثر من دعاء الله عز وجل والتقرب إليه بأنواع العبادات، من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك، وابتهل إلى الله عز وجل أن يزيل ما نفسك، وأن يشرح صدرك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف/201
ثانيا: اعلم أن أقدار الله عز وجل لعبده المؤمن كلها خير، وأنه مهما ضاق عليك أمر حياتك، فعند الله خزائن السماوات والأرض، فأصلح ما بينك وبين الله، يكفك الله مؤنة الناس.
ثالثا: قد يكون كدرك وحزنك على أمر فاتك فلم تحصله، وحينئذ عليك أن تعلم أنه كم من إنسان ألح في طلب شيء، وهو لا يدري أن هلاكه فيه، وكم من إنسان حزن على فوات أمور يريدها، وهو لا يدري أنه لو حصلها لأضاع دينه ودنياه، فارض بقضاء الله وقدره، واستعن بالله ولا تعجز.
رابعاً: راجع فؤادك وقلبك وعلاقتك مع ربك بصورة أدق، فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه
خامسا: قد تكون لديك بعض المشاكل الشخصية أو العائلية، وحل مثل تلك المشاكل أن ترتب الأولويات، وأن تستعين بالله ثم بأهل الخبرة في حلها، وفك معضلاتها.
سادساً: اعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فقد ثبت في المسند من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينة رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة) مسند الإمام أحد برقم 1481، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 992.
سابعا: داوم على الاستغفار والعبادة، فهو خير لك من كل حظوظ الدنيا مهما عظمت وكثرت، كما أن فيه إزالة للهموم، وقد جاء في بعض الآثار أنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب.
فاستدم طاعة الله عز وجل، واعمل بقوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وقوله تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه/131، وفقنا الله وإياك لصالح القول والعمل، والله أعلم.
راجع الأسئلة (21515، 30901، 2554)
وانظر كتاب علاج الهموم في قسم الكتب من موقعنا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/492)
الكلام الذي ينبغي الإمساك عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بخير.
روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله:
مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) .
وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام:
أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟
صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) .
وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه.
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (34) .
وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100.
وقال سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/ 29.
فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) الحشر / 10، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه -.
" مجموع الفتاوى " (3 / 152) .
وقال أبو زرعة رحمه الله:
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق، وذلك لأن القرءان حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق.
" الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " (2 / 608) .
وأما الشق الثاني من الحديث وهو: الإمساك عن الكلام في النجوم، فالمقصود به والله أعلم هو: الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس.
وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما.
وانظر " فتاوى العقيدة " (2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً.
وأما الشق الثالث: وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23. فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
شرح العقيدة الطحاوية ص 276.
فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/493)
الإنسان مسيّر أو مخيّر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان مخير أو مسير؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب:
على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟
هل يصيبه المرض باختياره؟
هل يموت باختياره؟
إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير.
والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى: (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا) وإلى قوله: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وإلى قوله: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً) وإلى قوله: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) حيث خير الفادي فيما يفدي به.
ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده - لقوله – تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى.
وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2.(1/494)
قام بعملية تغيير الجنس من رجل إلى امرأة فهل له الخلوة بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في بلاد غير إسلامية ... يعاني نفسيا من اعتقاده بأنه امرأة.... لكنه (في محاولة لعلاج نفسه) تزوج وأنجب ابناً، لكن لم تحل المشكلة، في الأخير قام بعمليه إزالة الأعضاء الذكرية، وعاش بعدها كامرأة وبعد ذلك بعشر سنوات ... أسلم بعد أن تعرف عبر الانترنت بإنسانة مسلمة ... والتي كلمته على أساس أنه امرأة وليس رجلا وعندما عرفت بأنها كانت يوما ما رجلا ... ارتبكت، وهي الآن لا تعرف هل تتعامل معها كامرأة (بكل المعاني) أم ماذا؟
وهل إذا رغب هذا (الرجل المرأة) أن يأتي لزيارتها في بلد الحرمين....أن تقبل استضافته على أساس أنه رجل أم امرأة....أم لا تقبل استضافته؟
مع العلم (أنه / أنها) تحتاج إلى من يقف (معه / معها) في الإسلام.... (لأنه / لأنها) مازال من المؤلفة قلوبهم، ولم يثبت الإسلام ثباتا قويا في قلبه....ونخاف من أن يتسبب عدم قبول الضيافة في بيتها....صدا..أو حتى ارتدادا عن الدين، ولا احد يريد تحمل مثل هذه المسؤولية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هؤلاء الذين يشعرون بكراهية الجنس الذي خلقوا عليه، ويتمنون أن يكونوا من الجنس الآخر، هم في الحقيقة مرضى نفسيون، دفعهم سوء التربية أحيانا، وطبيعة المجتمع الذي نشؤوا فيه أحيانا أخرى، إلى كراهية ما هم عليه، فاعترضوا كما يقول الدكتور بعض الباحثين على مشيئة الله تعالى، ورغبوا في تحويل جنسهم إلى جنس آخر.
وعملية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى لها أسباب، وما ذكر في السؤال هو عبارة عن رغبة داخلية فقط، مع أن الأعضاء الذكرية كاملة، وليس هناك حالة ما يسمى عند الفقهاء (الخنثى) ، بل هو ذكر طبيعي، له كل المواصفات الذكرية، لكنه يرغب في التحول إلى أنثى، فتجرى له عملية لاستئصال الذكر، والخصيتين، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل، وتكبير الثديين، والحقن بهرمونات لفترات طويلة حتى ينعم الصوت، وتتغير طبيعة توزيع اللحم، ويظهر الشخص بمظهر الأنثى، لكنه في حقيقته ذكر.
وهذه العملية محرمة شرعا عند جميع من يعتد بقولهم من العلماء المعاصرين، وإن لم يكن للسابقين فيها كلام، فذلك لأنها لم تكن معروفة أو ممكنة في زمانهم، ويدل على تحريمها عدة أدلة، منها:
أولا:
قول الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) النساء/117–121، ولا شك أن إجراء مثل تلك العمليات هو نوع من العبث، وتغييرٌ لخلق الله تعالى.
ثانيا:
ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسم - المشتبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري (5546)
قال ابن حجر: وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء من قاصد مختار، حرام اتفاقاً.
وقال أيضاً: " أما ذم الكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك ... فتركه، بغير عذر، لحقه اللوم ".
ثالثا:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول المخنث على النساء، إذا فطن إلى المرأة ومحاسنها، بل أمر بإخراجه من البيوت، إلى حيث يُتَّقى شره. ففي حديث.. " تقبل بأربع وتدبر بثمان.. رواه البخاري ومسلم
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث ترجمتين: 1- في باب ما يُنهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة " 2- وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت "
قال ابن حجر: ويُستفاد منه – حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقاً لردعه، وظاهر الأمر وجوب ذلك " اهـ.
وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة (4928) بسند في ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمخنّث قد خضب يديه.. وليس بالبقيع؟؟؟؟)
رابعاً:
أنه قد ثبت بشهادة المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية، وأنه لا يعدو كونه رغبة للشخص.
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على التحريم، وللمزيد راجع أحكام الجراحة الطبية ص 199
ويقول الدكتور محمد علي البار: " ورغم أن الشكل الخارجي لمثل هذا الشخص قد يخدع الإنسان فيظنه بالفعل أنثى، إلا أن التركيب البيولوجي لا يزال ذكراً، وإن كان ممسوخا تماما، وبالتالي لا يوجد مبيض ولا رحم ولا يمكن أن تحيض (أو يحيض) مثل هذا الشخص، كما أنه لا يمكن أن يحمل قطعا. "
وبناءً على ما سبق فلا يجوز بأي حال أن تخلو به امرأة لوحدها، أو تتكشف له وترفع حجابها عنده، لأنه ذكر في الحقيقة، وإن كانت ميوله الآن نحو الأنث، لكثرة الهرمونات الأنثوية التي يحملها، ولا شك أن هؤلاء وأمثالهم شر من المخنثين الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على النساء، وأمر بنفيهم وإخراجهم من البيوت.
لذا فالتقاء أكثر من شخص به يمكن أن يكون مناسبا، كما أنه من المناسب عرضه على طبيب نفسي ثقة، يعالجه مما ألم به، نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله.
ويمكن تدارك الحالة الواقعة بأن تكلموا أحد الثقات من المشايخ أو طلبة العلم ليستقبل ذلك الشخص، ويعرفه أمر دينه وأحكامه، ويقوي صلته بالإسلام، ويثبته عليه، وذلك عن طريق حضور أكثر من شخص،
واعلمي أنه بعد القيام بما نستطيعه تجاه ذلك الشخص، فإن الهداية بيد الله عز وجل، يهدي بها من يشاء من عباده.
والله أعلم.
راجع السؤال رقم (21277) و (6285) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/495)
معنى الإيمان بالقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الإيمان بالقدر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون، حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، سواء كان مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده.
الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج /70.
وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) رواه أبو داود (4700) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى.
سواء كانت مما يتعلق بفعله سبحانه وتعالى، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.
قال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص /68. وقال: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ابراهيم /27. وقال: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) آل عمران /6.
وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) النساء /90. وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) الأنعام /112.
فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها.
قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الزمر /62. وقال: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان /2. وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات /96.
فإذا آمن الإنسان بهذه الأمور فقد آمن بالقدر إيماناً صحيحاً.
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها، بحيث يستطيع الاختيار هل يفعل أو يترك ما يكون ممكناً له من فعل الطاعات أو تركها، وفعل المعاصي أو تركها والشرع والواقع دالان على إثبات هذه المشيئة للعبد.
أما الشرع: فقد قال الله تعالى في المشيئة: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) النبأ /39.
وقال: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة /223.
وقال في القدرة: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة /286.
فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه.
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته، لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير /28-29.
ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته.
والله تعالى أعلم.
انظر: رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/496)
فساد مقولة (إرادة الشعب من إرادة الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض كتب المفكرين عبارة (إرادة الشعب من إرادة الله) أرجو الإفادة عن صحة هذه العبارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله عن هذا الإطلاق فأجاب قائلاً:
(هذا افتراء عظيم تجرأ به على الله بعض فلاسفة المذاهب ومنفذيها جرأة لم يسبق لها مثيل في أي محيط كافر في غابر القرون، إذا غاية ما قص الله عنهم التعلق بالمشيئة بقولهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) الأنعام /148.
فكذبهم الله، وهؤلاء جعلوا للشعب الموهوم - إرادة الأمر - لتبرير خططهم التي ينفذونها، ويلزم هذا الإفك إفساد اللوازم المبطلة له، الدافعة لمن قاله، إذ على قولهم الفاسد يكون للشعب أن يفعل ما شاء ويتصرف في حياته تصرف من ليس مقيداً بشريعة وكتاب، بل على وفق هواه، وعلى أساس المادة والشهوة، والقوة، كالشعوب الكافرة التي لا تدين بدين يقبله الله، ولا ترعى خُلقاً ولا فضيلة.
فهذا الإفك العظيم لم يجرؤ عليه أبو جهل ومن على شاكلته مع خبثه وعناده، لأن قبحه معروف ببداهة العقول، حيث إن أذواق الشعوب ونزعتها تختلف، فإذا جعلت إرادة الشعب من إرادة الله صارت نزعات الوجودية، والشيوعية، والنازية، والصهونية، ووحشية الغاب وغيرها من إرادة الله التي أمر بها، وصار كل ما تهواه النفوس الشريرة، ويعشقه مرضى القلوب من التهتك، والإنحلال، ومعاقرة الخمر، ودغدغة الغرائز، وإشباع الشهوات على حساب الغير من أمر الله.
فعلام ينتقدون غيرهم، ويصيحون عليه إذا كانت إرادة الشعوب ورغباتها من إرادة الله في حكمه الذي يرتضيه؟ ولأي شيء يرسل الله الرسل، وينزل الكتب، ويشرع الجهاد، والأمر والنهي على الناس إذا كانت إرادتهم من إرادته التي يرتضيها؟.
هذا هو عين المحال، ومنتهى الفجور والضلال، والذين تزعموا هذا الإفك لا يطبقونه على أنفسهم، بل يسمحون لها بغزو الشعب الذي لا يخضع لسلطانهم، ولا يسير وفق أهدافهم.
فكأن الشعب الذي يحكمونه هم بقوة الحديد والنار هو الشعب الذي إرادته ألوهيةً من إرادة الله.
والباطل لابد أن يتناقض، وينادي على نفسه بالبطلان، فقد أشركوا بالله شركاً عظيماً، إذ جعلوا الشعب نداً من دون الله، وأهواءه أنداداً لشريعته وحكمته، بدلاً من أن يكون محتكماًُ إلى الله، ملتزماً لحدوده، متكيفاً بشريعته، منفذاً لها) .
[الْمَصْدَرُ]
الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص 77-78(1/497)
حكم استعمال كلمة لو
[السُّؤَالُ]
ـ[فيمن سمع رجلا يقول: لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا , فقال له رجل آخر سمعه: هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها , وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر , فقال رجل آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر: {يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما} واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف إلى أن قال فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان} فهل هذا ناسخ لهذا أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جميع ما قاله الله ورسوله حق , " ولو " تستعمل على وجهين: أحدهما: على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور , فهذا هو الذي نهى عنه , كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} .
وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن - اللو - تفتح عمل الشيطان} أي تفتح عليك الحزن والجزع , وذلك يضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك , كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} , قالوا: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
والوجه الثاني: أن يقال " لو " لبيان علم نافع , كقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} . ولبيان محبة الخير وإرادته , كقوله: " لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل " ونحوه جائز.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما} هو من هذا الباب , كقوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما , فذكرها لبيان محبته للصبر المترتب عليه , فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة , ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يجب من الصبر على المقدور ...
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1033 - 9(1/498)
نظرة الإسلام للقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ينظر الإسلام للقضاء والقدر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان وهو يعني أن الله عالم بكل شيء، خالق لكل شيء، وأنه لا يخرج شيء عن إرادته وتقديره، وكتب كل شيء عنده في اللوح المحفوظ، وذلك قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف عام، وأن ما في الكون خلق لله تعالى هم وأفعالهم، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما أصاب العبد لا يمكن أن يخطئه وما أخطأه لا يمكن أن يصيبه وأن العبد ليس بمجبور على فعل الطاعات أو المعاصي بل له إرادة تليق بحاله ولكنها تحت إرادة الخالق. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/499)
هل يجوز قول شاءت الظروف
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في عدد من القصص والمقطوعات الأدبية والمقالات الصحفية عبارة (شاءت الظروف أو شاءت الأقدار) فما هو حكم هذه العبارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من الألفاظ التي لا ينبغي قولها، لأنه ليس للظروف ولا للأقدار مشيئة.
وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين حفظه الله عن هذه الألفاظ فقال: (شاءت الأقدار، وشاءت الظروف ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف، وهو الزمن، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قدر، والقدر لا مشيئة له.
وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل نعم لو قال الإنسان: اقتضى قدر الله كذا وكذا فلا بأس، أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار، لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، وإنما هي للموصوف) . مجموع فتاوى ورسائل محمد بن عثيمين 3/131-132.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147.(1/500)
هل يجوز أن نسأل الله رد القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا العبارة التي يدعو بها بعض الناس: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف بي) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء يجري كثيراً على الألسنة، وهو دعاء لا ينبغي، لأنه شُرع لنا أن نسأل الله رد القضاء إذا كان فيه سوء.
ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله باباً في صحيحه قال فيه: (باب من تعوذ بالله من درك الشقاء، وسوء القضاء، وقوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق) الفلق/1-2
ثم ساق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء وسوء القضاء) البخاري 7/215 كتاب القدر.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147.(1/501)
هل تتمنى المرأة أن تكون رجلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يكافأ الرجل في الجنة بالعديد من الحور وليس الأمر كذلك بالنسبة للمرأة؟ في الحقيقة فإنها يجب أن تشترك في زوجها مع الآخرين (الحور والزوجات) .
هل هناك شيء آخر عن هذا الموضوع لا أعرفه، أعلم أنه سيكون في الجنة شيء أكثر من مجرد الزواج وأزواجهن ولكني لا زلت أريد جواباً لهذا السؤال.
هذا الموضوع يدور في خلدي منذ زمن طويل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تمنى بعض الصحابيات أن يكنَّ رجالاً يجاهدن في سبيل الله، فأنزل الله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً) النساء/32 فنهى تعالى النساء عن تمني ما هو من خصائص الرجال فقد جعل الله للرجال نصيباً مقدراً من العمل في الدنيا ولهم نصيب من الجزاء المقدر في الآخرة وللنساء كذلك، فأسالوا الله الكريم الوهاب يعطيكم من فضله بدلاً من التمني، فالله أعلم بما يُصلح عباده فيما قسمه لهم من الخير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/502)
هل المسلمون جبريون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسلمون جبريون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجبرية والمجبرة هم الذين يرون أن العبد مجبور على فعله، وأن أفعاله كأفعال الشجرة التي تحركها الرياح، ويقابلهم القدرية النفاة الذين يرون أن العبد يخلق فعله، ومذهب أهل السنة والجماعة من المسلمين وسط بين الجبرية والقدرية، فيرون أن للعبد مشيئة وإرادة لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته فلا العبد يخلق فعله وليس بمجبور لا يستطيع أن يتصرف في نفسه فله تصرف تابع لإرادة الله ومشيئته. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(1/503)
هل من مسئولية على الأطفال المولودين في بيئة كافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[الأطفال الذين وُلدوا وتربوا في بيئات مختلفة وفي أديان مختلفة ينشؤون، وعندهم بشكل طبيعي، نزعة إلى التمرد على القيود العادية ويكون عندهم شخصيات مختلفة. فالطفل المولود لعائلة هندوسية يصبح هندوسيا عندما يكبر. وبالنسبة له، فإن الدين الهندوسي هو الدين الصحيح. ولنفترض أن من هو في مثل حال هذا الشخص، الذي تأصل في طبعه منذ الطفولة أنه هندوسي أولا وأخيرا، أنه تلقى رسالة الإسلام، فما هي احتمالات أنه سوف يتخلى عن دينه وهويته ويقبل بشيء جديد؟ أليس من العسير على مثله أن يصبح مسلما إذا ما قارنا ذلك مع آخر وُلد مسلما؟ إنه لشيء يخيفني جدا أن أفكر فيما لو أني وُلدت على دين آخر غير الإسلام فكيف يكون حالي الآن. وعليه، لماذا لا تكون القاعدة أن يحصل كل فرد على نفس الفرص كي يتمكن من تجريب الإسلام ويقبل به وهو صغير؟ هل هذا موضوع يتعلق بمشيئة الله، شيء روحاني (الهداية) أم بنفسية الإنسان؟ أرجو أن ترد مستدلا من القرآن والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه " متفق عليه.
والصواب أن المراد بالفطرة ملّة الإسلام كما في الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يُشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا ". ومعنى أن المولود يولد على ملة الإسلام أنه يولد مستعدا في تكوينه إذا تفتح عقله وعرض عليه الإسلام وضدّه أن يُؤْثِرَ الإسلام على ضدّه، ويختار الإسلام ديناً، مالم يمنعه من ذلك مانع كالهوى أو التعصب، فاتباع الهوى يحمل على إيثار الباطل لنيل حظ من الحظوظ من رئاسة أو مال والتعصب يحمل على اتباع الآباء والكبراء ولو كانوا على غير هدى، قال تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون) ، وقال تعالى عن الأتباع من أهل النار: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) . وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة فمعلوم أن منهم من يتهيأ له ما يوافق فطرته ويثبتها كمن يولد بين أبوين مسلمين، وينشأ في مجتمع مسلم، ومنهم من يتعرض لتغيير فطرته كمن يولد بين أبوين كافرين وينشأ بين الكفار من يهود أو نصارى ومجوس أو مشركين. ولا ريب أن الذي ولد في الإسلام قد حصل له من أسباب الهداية والسعادة ما لم يحصل لغيره ممن ولدوا ونشأوا في مجتمعات كافره، والتوفيق للإيمان وتيسير أسباب الهداية فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم يجب أن يُعلم أن من غيّرت فطرته عن الإسلام لا يعاقب بذنب غيره، وإنما يعاقب إذا بلغته دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام فأعرض عنها، ولم يقبلها إباءا واستكبارا وتعصبا لدين آبائه وأهل بلده، لأنه قد قامت عليه الحجة بدعوة الرسول، ومن قامت عليه الحجة الرسالية وأصرّ على كفره استحق العذاب، قال تعالى: (وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا) .
وقولك في السؤال (إنه لشيء يخيفني.......) قول صحيح ومعقول فمن نعمة الله عليك أنْ ولِدْتَ في الإسلام، ولو ولدت في دين آخر لكان يُخشى عليك من البقاء على الدين الباطل، ولكن الله إذا أراد بالعبد خيرا يسّر له من أسباب الهداية ما ينقله عن ملّة الكفر إلى ملّة الإسلام فالأمر كلّه لله.
وقولك في السؤال (لماذا لا تكون القاعدة.....) هو سؤال باطل سببه الجهل بحكمة الله تعالى وسنته في خلقه، ومعلوم أنه يستحيل أن تكون الفرص للجميع واحدة مع تعدد وكثرة الديانات البشرية، ثم إن الهداية إلى الإسلام تحصل بمشيئة الإنسان واختياره لأن الله تعالى أعطى الإنسان القدرة على الفرق بين الحقّ والباطل، والنافع والضار بما ركّب فيهم من العقل، وبما بعث به رسله من البينات، ومع ذلك فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله فإنه الذي يُضلّ من يشاء بعدله وحكمته، ويهدي من يشاء بفضله وحكمته.
قال تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/504)
فوائد ابتلاء المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يثقل الله على المؤمنين الذي يكثرون العبادة بالأمراض والبلايا في حين أن العصاة يتمتعون بكل مطايب الحياة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال يَرِد على وجهين أحدهما اعتراض والثاني استرشاد، فأما وقوعه على سبيل الاعتراض فإن دليل على جهل السائل، فإنّ حكمة الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تبلغها عقولنا والله عز وجل يقول: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)
فهذه الروح التي هي بين جنبينا والتي هي مادة حياتنا نحن لا نعرفها وقد عجز النظار والفلاسفة والمتكلمون عن تحديدها وكيفيتها، فإذا كانت هذه الروح التي هي أقرب مخلوق إلينا لا نعلم منها إلا ما وُصف في الكتاب والسنة فما بالك بما وراء هذا؟ فالله عز وجل أحكم وأعظم وأجل وأقدر، فعلينا أن نسلم بقضائه تسليماً تاماً: قضائه الكوني وقضائه القدري، لأننا عاجزون عن إدراك غايات حكمته سبحانه وتعالى، وعليه فالجواب عن هذا الوجه من السؤال أن نقول: الله أعلم وأحكم وأقدر وأعظم.
وأما الوجه الثاني وهو سؤال استرشاد فإننا نقول لهذا السائل: المؤمن يبتلى وابتلاء الله له بما يؤذيه له فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى اختبار هذا الرجل في إيمانه. هل إيمانه صادق أو متزعزع، فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره، ويحتسب الأجر منه وحينئذ يهون عليه الأمر، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً. وهذه فائدة.
أما الفائدة الثانية: فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من أبتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً واتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب، أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء، قال الله تعالى: (ويوم يُعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين في كتاب فتاوى إسلامية 1/83.(1/505)
هل مشيئة الله هي سبب إنحراف الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ضل الإنسان وانحرف هل يكون ذلك بمشيئة الله أم أن الله لا يُقدّر ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى -:
" قوله تعالى: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً) الكهف/17، بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الهدى والإضلال بيده وحده جل وعلا فمَن هداه فلا مُضلَّ له ومن أضلَّه فلا هاديَ له، وقد أوضح هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ جدّاً كقوله تعالى: (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبكماً وصمّاً) الإسراء/97، وقوله: (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) الأعراف/178، وقوله: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص/56، وقوله: (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) المائدة/41، وقوله: (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين) النحل/37، وقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنَّما يصَّعَّد في السماء) الأنعام/125، والآيات بمثل هذا كثيرة جدّاً.
ويؤخذ من هذه الآيات وأمثالها في القرآن بطلان مذهب القدرية: أن العبد مستقلٌّ بعمله من خيرٍ أو شرٍّ، وأن ذلك ليس بمشيئة الله وإنما بمشيئة العبد، سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شئ بدون مشيئته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.
[الْمَصْدَرُ]
" أضواء البيان " (4 / 44) .(1/506)
حكم قول: (ما تستاهل) للمريض
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأشخاص عندما يعود أحد المرضى يقول له ما تستاهل أو بعض الأشخاص عندما يسمع أن فلاناً من الناس مريض يقول: والله ما يستاهل نرجو بيان جواز قول هذه الكلمة من عدمه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا اللفظ لا يجوز؛ لأنه اعتراض على الله سبحانه، وهو سبحانه أعلم بأحوال عباده، وله الحكمة البالغة فيما يقضيه ويقدره على عباده من صحة ومرض، ومن غنى وفقر وغير ذلك.
وإنما المشروع أن يقول: عافاه الله وشفاه، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة.
وفق الله المسلمين جميعاً للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/421.(1/507)
خلق الله عز وجل لبشرٍ معوقين ذهنياً
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خلق الله عز وجل أناساً معوقين ذهنياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من أصول الدين الإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى في خلقه وأمره، وفي قدره وشرعه، بمعنى أنه لا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه للعباد، فكل ما في الوجود فهو بقدرته ومشيئته، قال تعالى: (الله خالق كل شيء) . وقد اقتضت حكمته البالغة خلق الأضداد، فخلق الملائكة والشياطين، والليل والنهار، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح، وخلق الخير والشر، وفاضل وفاوت بين العباد في أبدانهم وفي عقولهم، وفي قواهم، فجعل منهم الغني والفقير، والسليم والسقيم، والعاقل وغير العاقل. ومن حكمة الله في خلقه أن يبتليهم ويبتلي بعضهم ببعض، ليتبين من يشكره ومن يكفره، قال تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ... إلى قوله تعالى إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) . وقال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) .
فالمؤمن المعافى إذا شاهد المعوقين عرف نعمة الله عليه فشكره على إنعامه، وسأله العافية، وعلم أن الله على كل شيء قدير.
والعباد عاجزون عن الإحاطة بحكمته، لايسئل عما يفعل وهم يسألون سبحانه وتعالى، فما علمت أيها المسلم من حكمة ربك فآمن به، وما عجزت عنه فسلّم فيه لربك وقل: الله أعلم وأحكم، لاعلم لنا إلا ماعلمتنا وهو العليم الحكيم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/508)
تقدير الله للمصائب على الأطفال؛ لماذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي غير مسلمة، وكنت أحاول مساعدتها كي تتعرف على الدين الحقيقي، ومن بين الأسئلة التي طرحتها علي هذا السؤال:
"أفهم الاعتقاد بأن الله يختبر، وكي أستخدم مثالك، فالأم التي ترمي بطفلها في صندوق النفايات، لأنها لم تكن تريده، فإنها تكون قد أخفقت في اختبار الحب بشكل مخز. وكذلك المرأة التي كان عندها الكثير من الحب والشوق لأن يكون عندها طفل، ثم سرقت طفلا كي تشبع رغبتها. فإنها تكون أيضا قد أخفقت في اختبارها بسبب الطريق الخاطئة التي مكنتها الحصول على طفل. أنا لا أطرح أسئلتي بخصوص الكبار الذين ارتكبوا أخطاء. لكني أسأل عن الأساس المنطقي المتعلق بالأطفال. وبعبارة أخرى، هل كان الله يختبر الصغير لأنه سمح لوالدته أن ترميه في صندوق النفايات؟ أي نوع من الاختبارات هذا؟ هل الصغير الذي يؤذيه والداه جسديا يُختبر؟ أي نوع من الاختبارات هذا؟ على ماذا يُختبر الطفل؟ كم من الآلام يستطيع أن يتحمله الطفل؟ لذلك، فأسئلتي تتعلق بالأبرياء – وليس بالمذنبين. لماذا يسمح الله لهؤلاء الأبرياء أن يتعرضوا للأذى في جميع أنحاء العالم؟؟ أنا لا أستطيع فهم ذلك".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يُشغله شأن عن شأن، جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وحجةً للناس أجمعين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتى تركنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ... وبعد:
ـ فيجب أن نعلم يا أخي أن أي مؤمن بوجود الله، وكونه ربا خالقا ولو كان هذا المؤمن بوجود الرب من غير المسلمين، يعلم أن هذا الرب يتميز عن خلقه من جميع الوجوه فليس هناك مجال للمشابهة والمقارنة بينه وبين خلقه ولذا يقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/11.
ـ وإذا كان المالك للشيء في الدنيا يتصرف فيه كيف شاء دون أن يحاسبه الخلق على ذلك لأن هذا الشيء هو ملكه؛ فإن الله الخالق الذي ليس كمثله شيء له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ونوقن نحن المسلمين أن ربنا الذي خلقنا له الحكمة البالغة التي لايمكن أن يتطرق إليها أدنى نقص بأي وجه من الوجوه،بل وكل مؤمن بوجود الرب وقد رضي به ربا يلزمه أن يؤمن بذلك وإلا فهو يؤمن برب ناقص ومعلوم عند من له أدنى عقل وإيمان أن الرب لا يمكن أن يكون ربا حتى يكون كاملا من كل وجه بعيدا عن أي نقص، وإلا فهو ليس برب على الحقيقة. ونحن بدورنا ولأننا خلق من خلق الله، لايمكن أن نصل إلى إدراك شيء يسير من حكمته إلا بعد تعليمه لنا فما علّمناه من حِكم أفعاله فهمناه، وصدقناه. وما كتمه عنا مما اختص بعلمه آمنا به وعلمنا أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة عظيمة،لأنه هو الحكيم العليم، ولايمكن بحال أن يتطرق إلى قلوبنا احتمال أن نحاسبه على ما يفعل في ملكه وخلقه، وإلا فقد تعدينا على مقام الربوبية وتعدينا طورنا وزعمنا أن بإمكاننا أن نعلم ما يعلمه سبحانه، وهذا لايمكن أن يقوله إلا ملحد لايؤمن بوجود رب أصلا ـ نعوذ بالله من ذلك ـ.
ـ وإذا كنا نقر لأهل التخصص في تخصصهم وهم من البشر دون أن نناقشهم في ذلك كالأطباء والمهندسين وغيرهم، وذلك لأن مستوانا التعليمي لا يسمح لنا بفهم كل ما يذكرونه، فلأن نقر للعليم الذي لا يغيب عن علمه شيء بأن ما يتصرف به في شؤون خلقه ونحن لا نفهمه أنه هو الحكمة والصواب ولاشك؛ من باب أولى وأحرى.
ـ إننا نحن البشر نعد من الحكمة أحيانا أن نفعل بعض الأمور المكروهة لنا لما فيها من الفائدة ولو لم نفعلها لأصبحنا متهمين بنقص الحكمة والعقل، فمثلا المريض الذي يخاف على نفسه الهلاك ويعلم أن شفاءه بإذن الله إذا شرب هذا الدواء، فإن الحكمة هي أن يشرب ذلك الدواء ولو كان مُراً، ولو لم يشربه لعد تقصيرا منه ونقصا في عقله، وهكذا في أمور كثيرة في حياتنا نفعلها ونحن لها كارهون لما يترتب عليها من المصالح.
ولله عز وجل المثل الأعلى، وليس هناك مجال لقياسه على خلقه، فهو يفعل سبحانه في ملكه بعض ما يبغضه لما يترتب على ذلك من الحكم العظيمة؛ التي نعجز عن إدراكها أو كثير منها، وقد تتضح لنا بعض الحكم اليسيرة، وذلك من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يريهم بعض حكمه في الدنيا لتطمئن قلوبهم، فمثلا لو أردنا أن نلتمس بعض ما يمكن أن نفهمه من بعض الحكم من خلق الله للصبي ثم وفاته بعد ذلك، فربما لو عاش هذا الصبي لارتكب الموبقات والمعاصي العظيمة، فأوجب له ذلك الخلود في النار أدخولها مدة طويلة، أو إغواء غيره كأبويه كحال الغلام الذي قتله الخضر في قصته مع موسى عليه السلام (وهي في سورة الكهف) .
كما أنه ربما لو عاش هذا الصبي لتعرض لمتاعب كثيرة يكون الموت بالنسبة لها رحمة من الله.
وأيضا فلو خلقه معاقا مثلا فربما منعته هذه الإعاقة عن كثير من المعاصي التي لولاها لفعل هذه المعاصي فعوقب عليها يوم القيامة.
ـ كما أنه ليس بالضرورة أن يكون كل مرض أو إعاقة عقوبة، بل قد تكون امتحانا لوالديه، فيكفرالله عنهم من سيئا تهما، أو يرفع في درجاتهما في الجنة إذا صبرا على هذا البلاء، ثم إذا كبر هذا الصبي يمتد الامتحان له، فإن صبر مع الإيمان فقد أعد الله للصابرين أجرا عظيما لايمكن أن يقدر ولا يحسب، فقال سبحانه (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) الزمر/10، ونحن المسلمين لا تنتهي حياتنا بوفاتنا بل نحن نؤمن أن وراء الموت جنة ونارا، هي التي فيها الحياة الحقيقية، فأهل الخير يجدون جزاء ما عملوه من الخير في الدنيا بانتظارهم عند الله، وأهل الشر كذلك، فلا يمكن أن يستوي الطيب والخبيث، وهكذا فمن ابتلي وصبر لايمكن أن يضيع هذا الصبر عند الله، بل ربما يتمنى الذي لم يصب في الدنيا بمثل مصيبته أن يكون قد أصيب بمثل مصابه لما يرى له من المكانة العظيمة. والأدلة على هذا كثيرة في الكتاب والسنة فمنها:
قوله سبحانه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة/155.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم 2999
وبهذا يتبين لك أن المصائب التي تجري على الأبرياء في نظرنا، بل وعلى جميع الناس ليس بالضرورة أن تكون عقوبة؛ بل قد تكون رحمة من الله لكن لأن عقولنا قاصرة فإننا في كثير من الأحيان نعجز عن فهم حكمة الله في ذلك، فإما أن نكون مؤمنين بأن الله أعدل منا وأحكم وأعلم وأرحم بخلقه، فنسلّم له، ونرضى ونحن مقرين بعجزنا لمعرفتنا بحقيقة أنفسنا، وإما أن نتبجح بعقولنا القاصرة ونغتر بأنفسنا الضعيفة ونأبى إلا محاسبة الله والاعتراض عليه، وهذا لا يمكن أن يخطر بقلب أي مؤمن بوجود ربٍ خالقٍ مالك حكيم كامل من كل وجه. ولو فعلنا فقد عرضنا أنفسنا لغضب الله ومقته، ولن يضر الله شيئا.
ولذا فقد نبه الله على ذلك بقوله سبحانه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23
ـ كما أن من ضعف الإنسان وقصر نظره؛أن يقتصر على رؤية المصائب ولا يتفطن لما فيها من الفوائد، ولا ينظر في بقية النعم الأخرى له وفيما حوله، فنِعم الله على بني البشر لا تقارن بمقدار ما يصيبهم به من المصائب.ولو كان هناك إنسانٌ كثير الإحسان ولكنه لا يحسن أحياناً فإن نسيان إحسانه يعد من الجحود والنكران، فكيف بالله سبحانه وله المثل الأعلى، فكل تصرفاته في الكون هي خير ولا يمكن أن تكون شراً من جميع الوجوه.
وأيضاً فإن الأنبياء والرسل هم أحب الخلق إلى الله ومع ذلك فهم أشد الناس بلاء وأكثرهم مصائب، فلماذا؟ ليس عقوبة لهم ولا لهوانهم على ربهم، ولكن لأن الله يحبهم فقد ادخر لهم كامل الأجر ليستوفوه في الجنة وكتب عليهم هذه المصائب ليزيدهم رفعة ودرجة. فهو سبحانه يفعل ما شاء كيف شاء متى شاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره وهو الحكيم العليم. والله أعلى وأعلم وأحكم.
تنبيه: فيما يتعلق بقولك: (صديقتي) فإنه يحرم إقامة العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة ولمزيد من التوضيح والبيان في هذه القضية الهامة عليك مراجعة فتوى رقم (9465) و (1200) في الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/509)
تسخط الزوج إذا ولدت زوجته بنتاً
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين هداه الله إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها، وأعرف من هدد زوجته بالطلاق إذا أنجبت بنتاً، نرجو إلقاء الضوء من الشريعة الإسلامية على هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الصنيع ولا شك من أعمال الجاهلية الأولى، وأخلاق أهلها الأجلاف، الذين ورد ذمهم، والتشنيع عليهم في الكتاب والسنة.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت مستشفى للولادة في بلاد المسلمين، وقلبت طرفك في وجوه الحاضرين ممن ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم لرأيت توافقاً عجيباً وتطابقاً غريباً بين حال كثير من هؤلاء وحال أهل الجاهلية الذين قص الله تبارك وتعالى علينا خبرهم، وأنهم (إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل /58-59
ومن مظاهر التسخط بالبنات أن يُكتشف في بعض المستشفيات ما برحم المرأة من ذكر أو أنثى، وذلك عبر الأشعة الصوتية، فإن كان ذكراً بشّروا، وإن كان أنثى أقصروا! وهذا الأمر جد خطير، ويترتب عليه عدة محاذير، منها:
أنه اعتراض على قدر الله عز وجل.
أنه رد لهبته سبحانه وتعالى بدلاً من شكرها، وكفى بذلك مقتاً وتعرضاً للعقوبة.
أن فيه إهانة للمرأة، وحطاً من قدرها، وتحميلاً لها ما لا تطيق.
كما أنه دليل على السفاهة والجهل، والحماقة وقلة العقل.
كما أن فيه تشبهاً بأخلاق أهل الجاهلية.
فما أجدر بالمسلم أن يتجنب تلك المسالك، وأن ينجو بنفسه من تلك المهالك، فالتسليم لقدر الله أمر واجب، والرضا به من صفات المؤمنين.
ثم إن فضل البنات لا يخفى، فهن الأمهات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن نصف المجتمع ويلدن النصف الآخر، فكأنهن المجتمع كله. انظر تحفة المولود في أحكام المولود لابن القيم ص 16
ومما يدل على فضلهن أن الله عز وجل سمى إتيانهن هبة وقدمهن على الذكور في قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) الشورى /49
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بين فضلهن وحث على الإحسان إليهن كما في قوله: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهم كن له ستراً من النار) رواه البخاري 1418 مع الفتح، ومسلم (2629)
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء بالقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 160.(1/510)
ترك الأخذ بالأسباب بحجة التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الصوفية يقول بترك الأخذ بالأسباب، بحجة التوكل على الله والتسليم لقضائه وقدره، فهل هذا الكلام صحيح، وما هو المذهب الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الأمر مما عمت به البلوى، واشتدت به المحنة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة.
فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة، وفترات عسيرة، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير، والنظرة الثاقبة، والتصور الصحيح، فتبحث في الأسباب والمسببات، وتنظر في العواقب والمقدمات، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب، وتلج البيوت من الأبواب، فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات، وتخرج من تلك النكبات، فتعود لها عزتها، ويرجع لها سالف مجدها، هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية.
أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل، وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب، وشاعت فيها البدع والضلالات، فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين، فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض، ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور، وسبل العزة والفلاح، فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء.
فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر، وأن الله هو الفعال لما يريد، وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، فلتمض إرادته، ولتكن مشيئئته، وليجر قضاءه وقدره، فلا حول لنا ولا طول، ولا يد لنا في ذلك كله.
هكذا بكل يسر وسهولة، استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة.
فلا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، ولا جهاد لأعداء الله، ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل، ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة، كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك!
والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى، وضلالة عظمى، أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط، وسببت لها تسلط الأعداء، وجرت عليها ويلات إثر ويلات.
وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، بل إنه من تمامه، فالله عز وجل أراد بنا أشياء، وأراد منا أشياء، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أمرنا بالقيام به، فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا، وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم، وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ...
فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر، ويوقع في المحذور.
صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، الذي بيده ملكوت كل شيء، الذي له مقاليد السموات والأرض، ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها، وقوانين ينتظم بها، وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد.
فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب، لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله، وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته.
فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه، فقدرة الله صفة خاصة به، وقدرة العبد صفة خاصة به ـ فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب.
وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة: (طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله، والرضا بقضائه وقدره، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار)
وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان؛ ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب، وحققت نصراً متواصلاً، لأنها دفعت في الجندي روح الفداء.
وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الإنحدار، وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية. العلمانية للشيخ سفر الحوالي نقلاً عن باول شمتز في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية ص 87
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144.(1/511)
تمني الموت من شدة الكرب
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت لي مشاكل كبيرة في عملي وفي حياتي الاجتماعية، فهل يجوز لي تمني الموت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حالتك هذه تشبه ما قاله الشاعر:
ألا موت يباع فاشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه
وهذا خطأ، فلا يجوز للمؤمن أن يتمنى الموت، فإن كان لابد متمنياً فليدعُ بالدعاء المأثور في ذلك.
قال عليه الصلاة والسلام: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) رواه البخاري (الفتح) 11/154.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 159.(1/512)
انتحر أخوه ويتساءل تساؤلات خطيرة في القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أخي الصغير بتعليق نفسه. كان عمره 25 عاما فقط. كانت المشكلة عبارة عن شجار بسيط بين أمي وبينه. كلنا في غاية الدهشة وفي حالة حزن شديدة. هناك أسئلة كثيرة أحب أن أسألها عن هذا الوضع. أولا، لماذا اختار الله هذا النوع من الوفاة لأخي؟ ثانيا، عمر والدي 75 عاما وهو ورع/متدين جدا وأمي شديدة الكرم والطيبة/واللطف. لماذا أراهما الله مثل هذا اليوم في حياتهما. ثالثا، كيف يمكننا أن نساعده (أخي) الذي لم يعد بيننا؟ كيف يمكننا رؤيته في الجنة؟ هل بإمكاننا أن نبلغه سلامنا؟ هل سيصله سلامنا؟
أيضا، عندما تم فحصه لتحديد سبب الوفاة، وجدنا أن وفاته لم تكن بسبب الاختناق ولكن بسبب كسر عموده الفقري. ما حدث في الواقع هو أنه كان يوجد في غرفتي أرجوحة قماشية لطفلي. أخذ أخي كرسيا صغيرا كان قريبا منه وربطه في عنقه قائلا سأقتل نفسي. كانت أمي تصلي في نفس الغرفة. نشعر بأنه لم يكن انتحارا. ربما كان غضبه هو الذي دفعه لفعل ذلك.
يخبرنا أصدقاؤه بأنه ليس من نوعية الناس الذين يفكرون بالانتحار. في الحقيقة، كان ينصحهم ضد الانتحار كلما ذكروه.
كانت جنازته جيدة أيضا، ولم يبدو من وجهه أنه يعاني أوشيئا من هذا القبيل. كان يبدو وكأنه نائم وما علينا إلا أن نوقظه من النوم. هل هذا يدل على شئ.
أرجو الرد على هذا إذ أننا في غاية الإنزعاج بسبب هذا الموت المفاجئ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد بين يدي هذه الأسئلة من معرفة ثلاثة أمور هي:
أولا: أن كل شيء بقدر الله، وكل ما يجري في هذا الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله وتدبيره ومشيئته فإنه تعالى لا ربّ غيره، ولا مدبّر معه.
ثانيا: يجب الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى في أقداره، فله الحكمة البالغة في كل ما يجري في هذا الوجود سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه، بل كثير من حِكم الله لا تبلغها عقول العباد، فيجب التسليم لله تعالى وذلك بالإيمان بكمال حكمته، ولا يجوز الاعتراض عليه في شرعه ولا في قدره.
ثالثا: أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة، فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب، إنه بهذا يعرّض نفسه لعقوبة الله، فقد قال سبحانه وتعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) ، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم ... الحديث) .
فما ذكر في هذه الحالة يجب أن يفوض الحكم فيه إلى الله سبحانه، فالظاهر أن ما فعل هو انتحار لأنه علّق نفسه، أي ربط عنقه في حبل فشنق نفسه، فهو إما أن يكون انتحر أو أراد الانتحار فالله أعلم.
واما صلاح الوالدين واستقامتهما فهذا لا يمنع أن يبتليهما الله ببعض المصائب ليظهر بذلك صبرهما، وليكون في ذلك تمحيص لذنوبهما فالمؤمن أمره كلّه خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن. فالابتلاء بالمصائب لا يدل على هوان العبد عند ربّه إذا كان مستقيما على طاعة الله، فالإيمان بالله وطاعته وتقواه هي سبب الكرامة، والكفر والفسوق والعصيان هي سبب الهوان ومن ابتلي بمصيبة فصبر كان ذلك رفعا لدرجاته، والمصائب أنواع، تكون مرضا، وتكون فقد مال، وتكون بفقد حبيب كابن، أو أخ، أو والد، أو زوج أو زوجة، فالله تعالى يبتلي عباده بالنعم والمصائب وهي الخير والشر كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) . وإن كان الانتحار صدر عن جهل وكان الشخص مستقيما على طاعة الله محافظا على الصلوات فإنه يرجى له العفو من الله سبحانه وتعالى فإنه تعالى أرحم الراحمين، وإن كان يعلم تحريم الانتحار ولكنه لجأ إلى ذلك ليتخلص من المشكلة التي ضاق بها فإنه على خطر من التعرض للوعيد والعقاب الذي ورد في الحديث، ولكنه مع ذلك إن كان مؤمنا بالله ورسوله وموحدا لله غير مشرك، فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه، ثم إذا عذبه فإنه لا بد أن يخرجه من النار، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وقال عليه الصلاة والسلام: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان ".
وأما حاله عند تغسيله وتجهيزه وما ظهر به من المظهر الحسن فقد يستأنس به لحسن حاله، وحسن عاقبته
وأنه معذور عند ربه ومغفور له، ولكن لا يجزم بشيء من ذلك لأن هذه الأمور غاية ما تفد أنها تبشر بخير. وإن كان المنتحر مسلما موحدا مصليا فيمكن الإحسان إليه بالدعاء له بالمغفرة بأن يغفر الله له ذنوبه، ومن ذلك ما فعله بنفسه من التسبب في قتل نفسه. وأما ما ورد في السؤال من انتقاد الكيفية التي اختارها الله له ليموت بها فهذا نوع اعتراض على قدر الله، فالله هو المقدّر، وهو خالق كل شيء، وكل شيء بقدره سبحانه، وهو الحكيم العليم، ولكن ما كان مخالفا لشرع الله فلا يحتج بالقدر عليه، وما يجري في الوجود من هذه الأمور لا يجوز الاعتراض على الله في تقديرها فيجب الإيمان بالقدر، والإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الرحمن البراك.(1/513)
الرد على من يبرئ اللوطية بأن هذه طبيعة خلقتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لست شاذاً، ولكنني كنت أفكر من ناحية أخلاقية، بما أن الإسلام لا يبيح الشذوذ فما الذي يحصل للشاذ أو الشاذة؟
الكثير من الشواذ يقولون بأن توجههم الجنسي طبيعي وأنهم ولدوا هكذا، إذا افترضنا بأن ما يقولون صحيح لأن الناس الطبيعيين لا يعرفون هذا، فإذا كان الشذوذ محرم في الإسلام فلماذا خلقهم الله هكذا ليتعذبوا بوجودهم في هذه الدنيا ولا يستطيعون إرضاء رغبتهم الجنسية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نوافق على قولهم أن توجههم الجنسي طبيعي، بل انتكاسة للفطرة وقد عد الله هذا الفعل فاحشة وتعديا، وأنزل على قوم لوط عذابا لا يماثله عذاب أي أمة أخرى، وقد أخبر سبحانه أن هذه العقوبة ليست ببعيدة عن الظالمين.
وقولهم أن توجههم طبيعي فهذا من ترويج الفساد وإشاعته وإيجاد المبررات له، وكثير منهم يحاول تغيير خلقته ليصبح شاذا فكيف يقال أنهم خلقوا هكذا؟
والله تعالى لم يخلق أحدا ليعذبه وإنما خلق الخلق ليعبدوه وقد يبتلي عباده بالشدائد امتحانا لإيمانهم وتكفيرا لخطاياهم ورفعة لدرجاتهم، والله تعالى أعدل من أن يجبر عبدا على معصية ثم يعاقبه، بل المخلوق يفعل المعصية باختياره - مثل هؤلاء الشاذين - وعندها يستحقون العقوبة، قال الله عز وجل: " ولا يظلم ربك أحدا "، وقال تعالى: " إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ". والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/514)
الإيمان بالقضاء والقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما منزلة الصبر في الإسلام؟ وعلى ماذا يصبر المسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان.. ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطؤه.. وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه.. (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49.
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. والصبر صفة كريمة.. وعاقبته حميدة. والصابرون يأخذون أجرهم بغير حساب كما قال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر / 10.
وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض , أو في النفس , أو في المال, أو في الأهل , أو في غير ذلك.. فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه.. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) الحديد/22.
وما يصيب الإنسان من المصائب فهي خير له , علم ذلك أو لم يعلم لأن الله لا يقضي قضاءً إلا هو خير كما قال سبحانه (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) التوبة/51.
وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله ومن يؤمن بالله ولو شاء ما وقعت.. ولكن الله أذن بها وقدرها فوقعت كما قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) التغابن/11.
وإذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره.. فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر.. والصبر جزاؤه الجنة كما قال سبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) الإنسان/12.
والدعوة إلى الله رسالة عظيمة.. يتعرض من يقوم بها لكثير من الأذى والمصائب.. لذا أمر الله رسوله بالصبر كغيره من الأنبياء فقال (فاصبر كما صبر ألوا العزم من الرسل) الأحقاف/35.
وقد أرشد الله المؤمنين.. إذا حزبهم أمر.. أو وقعت لهم مصيبة أن يستعينوا على ذلك بالصبر , والصلاة , ليكشف الله همهم.. ويُعجل بفرجهم.. (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) البقرة / 153.
ويجب على المؤمن الصبر على أقدار الله.. والصبر على طاعة الله.. والصبر عن معاص الله.. ومن صبر أعطاه الله الأجر يوم القيامة بغير حساب كما قال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر / 10.
والمؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء.. قال عليه الصلاة والسلام.. (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم برقم 2999.
وقد أرشدنا الله إلى ما نقوله عند المصيبة.. وبين أن للصابرين مقاماً كريماً عند ربهم فقال: (وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة /155-157.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/515)
الحكمة من خلق الحيوانات الضارّة
[السُّؤَالُ]
ـ[لسؤال:
ما الحكمة من خلق الله حيوانات مثل الأفاعي والعقارب والفئران وما إلى ذلك إذا كنا لا نأكلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإجابة على هذا السؤال من جانبين عام وخاصّ: أمّا العام: فإنّ المسلم يؤمن بأنّ الله حكيم عليم لا يخلق شيئا عبثا وكلّ أفعاله صادرة عن حكمة، فإذا خفيت الحكمة من فعل من أفعاله تعالى على المؤمن فإنّه يلوذ بهذا الأصل ولا يُسيء الظنّ بربّه.
- وأما الخاص: فإنّ من الحكم في خلق مثل هذه المخلوقات ظهور إتقان صنعة الله في خلقه وتدبيره عزّ وجلّ في مخلوقاته فعلى كثرتها فإنّه يرزقها جميعا وكذلك فإنّه سبحانه يبتلي بها ويأجر من أصيب بها وتظهر شجاعة من قتلها وكذلك يبتلي بخلقها عباده من جهة إيمانهم ويقينهم فأمّا المؤمن فيرضى ويسلّم وأمّا المرتاب فيقول ماذا أراد الله بهذا الخلق!! وكذلك يظهر ضعف الإنسان وعجزه في تألمه ومرضه بسبب مخلوق هو أدنى منه في الخلقة بكثير، وقد سئل بعض العلماء عن الحكمة من خلق الذباب فقال: ليذلّ الله به أنوف الجبابرة، وبوجود المخلوقات الضارة تظهر عظم المنّة من خلق الأشياء النافعة كما قيل: وبضدّها تتبيّن الأشياء. ثمّ قد ظهر بالطبّ والتجربة أنّ عددا من العقاقير النافعة تُستخرج من سمّ الأفاعي وما شاكلها، فسبحان من جعل في الأمور التي ظاهرها الضرر أمورا نافعة، ثمّ إنّ كثيرا من هذه الحيوانات الضارّة تكون طعاما لغيرها من الدوابّ النافعة مما يشكّل حلقة في التوازن الموجود في الطبيعة والبيئة التي أحكم الله خلقها.
هذا ويجب أن يعتقد المسلم أنّ كلّ أفعاله تعالى خير وليس في مخلوقاته شرّ محض بل لابدّ أن يكون فيها خير من وجه آخر وإن خفي على بعضنا كخلق إبليس وهو رأس الشرّ. فإنّ خلقه فيه حكم ومصالح منها أن الله يبتلي به خلقه ليتبيّن أهل الطاعة من أهل المعصية وأهل المجاهدة من أهل التفريط فيتميّز أهل الجنة من أهل النار.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا قوة الإيمان والبصيرة في الدّين وصلى الله وسلّم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/516)
التخلي عن مساعدة المنكوبين بحجة أن هذه مشيئة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يرى إخوانه المسلمين تنزل بهم النوازل، وتحل بهم القوارع، فلا يتحرك لنصرتهم ولا ينبعث لمساعدتهم، ولا يحث غيره على ذلك، بحجة أن ذلك إنما وقع بمشيئة الله، وأنه لا يسوغ لنا أن نساعدهم، والله عز وجل يعاقبهم! وبعض الناس إذا قيل لهم أحسنوا إلى الفقراء والمحتاجين قال قائلهم: كيف نحسن إليهم والله قد شاء لهم ذلك؟ الله يفقرهم وأنت تغنيهم؟ أو يقول إن الله لو شاء إغناءهم لأغناهم بدون مساعدتنا؟ فما رأي الشرع بهذا الكلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام وأمثاله كلام باطل بلا ريب، وهو يدل على جهل عظيم، أو تجاهل وخيم، ذلك أن المشيئة ليست حجة لفعل المعاصي أو ترك الطاعات أبداً.
ثم إن الله عز وجل أمر بإغاثة المسلم الملهوف وأوجب إعانة المحتاج، وأنكر على من يتخلى عن واجبه بهذا الشأن قال تعالى: (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين، وتأكلون التراث أكلاً لماً، وتحبون المال حباً جماً) (الفجر/17-20)
وترك إطعام المساكين من أسباب دخول النار، قال تعالى: (ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين) (المدثر/42-44)
ثم إن المال مال الله، ولو شاء لسلب هذا القائل ماله فهل سيرضى حينئذ إذا اشتدت ضرورته إلى ما يقيم به أوده أن يقال له مثل قوله؟
فهذا القول خطأ عظيم، وضلالة كبرى، وقائله فيه شَبَهٌ ممن قال الله عز وجل فيهم: (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين) (يس/47) .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب القضاء بالإيمان والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص140.(1/517)
لماذا يموت أناس من الجوع مع أنّ الرزق مكتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الله قد كتب الرزق لكل إنسان فلماذا يموت الناس من الجوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن الله هو الرزاق وهو خير الرازقين وما من دابة إلا على الله رزقها، وإنّ رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره، ومن حكمة الله تعالى أن فارق بين العباد في أرزاقهم كما فارق بينهم في خلقهم وأخلاقهم فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أن يوسع الرزق على قوم ويضيقه على آخرين فهو تعالى متكفل بأرزاق العباد على ما سبق به علم الله وكتابه وقد علم سبحانه وتعالى وكتب أن من العباد من يبسط له في رزقه ومنهم من يضيق عليه ولله في ذلك حكم بالغة لا تحيط به العقول، ومن حكمته تعالى في البسط والتضييق ابتلاء العباد بالنعم والمصائب كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ، وقال تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن - وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) الفجر ثم قال تعالى: (كلا) أي ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان بل تنعيمه تعالى وتضييقه على من شاء ليس إلاّ ابتلاء لا إكراماً ولا إهانة،، وبهذا الإبتلاء يتبين الشاكر والصابر من ضدهما والله بكل شيء عليم. أهـ
[الْمَصْدَرُ]
كتب إليناهذه الإجابة فضيلة شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/518)
الله عز وجل لا يجبر الناس على الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه يصمهم ويعميهم عن الحق، وقد علمنا – أيضاً – أن الله تعالى لا يجبر أحداً على الكفر، فما هو توجيه هذه الآيات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه -:
فالجواب: أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة، إنما جعلها عليهم جزاءاً وفاقاً لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم، فأزاغ الله قلوبهم بالطبع والأكنة ونحو ذلك، جزاء على كفرهم، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (بل طبع الله عليها بكفرهم) النساء/155، أي بسبب كفرهم، وهو نص قرآني صريح في أن كفرهم السابق سبب الطبع على قلوبهم، وقوله: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) الصف/5.
وهو دليل واضحٌ أيضاً على سبب إزاغة الله قلوبهم هو زيغهم السابق، وقوله: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) المنافقون/3، وقوله تعالى: (في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً …) البقرة/10، وقوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) الأنعام/110، وقوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين/14، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الطبع على القلوب ومنعها من فهم ما ينفع عقاب من الله على الكفر السابق على ذلك، وهذا الذي ذكرنا هو وجه رد شبهة الجبرية الذين يتمسكون بها في هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن الكريم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/519)
هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن نعلم ابتداء أنه لا تعارض بين إيماننا بتقدير الله لكل شئ وإيماننا بأنه سبحانه أعطانا مشيئة وإرادة نتمكّن بها من فعل الأشياء، قال تعالى مثبتا مشيئة العباد: (لمن شاء منكم أن يستقيم) ، ومشيئتنا وإرادتنا هي ضمن مشيئة الله لا تخرج عنها كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) وعليه فلا يصح ضرب هذا بهذا ولا يجوز نفي هذا ولا هذا لأنّ الله أثبتهما جميعا فأثبت للعبد قدرة واختيارا وأثبت مشيئته سبحانه التي لا يخرج عنها شيء، وإذا طبّقنا هذا على ما ورد في السؤال فإننا نؤمن أنّ للعبد مشيئة يمكنه من خلالها أن يختار من يريد من النساء ليتزوجها ومهما حصل من اختيار العبد فإنّه مكتوب عند الله، وهذه الإرادة من العبد والاختيار والمشيئة سبب لحصول مقصوده وتحقيق مطلوبه يتوصّل من خلالها إلى ما يريد، وقد تقوم موانع تحول بين العبد وبين الوصول لمطلوبه ومراده فيعلم العبد أنّ الله لم يقدّّر له ما أراد لحكمة يعلمها سبحانه وكلّ أفعاله سبحانه خير، والعبد لا يعلم الغيب ولا مآلات الأمور وقد يتأسّف على فوات شيء والخير في فواته، وقد يكره وقوع شيء والخير في وقوعه كما قال سبحانه (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/520)
هل يمكن للحيوانات أن ترى الجن أو تسمع أصواتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للحيوانات أن تسمع الجن وتراه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في السنة الصحيحة أن الحمار يرى الشيطان، فيكون سببا من أسباب نهيقه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا) رواه البخاري (3303) ومسلم (2729)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلَابِ وَنَهِيقَ الْحُمُرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ)
رواه أبو داود (5103) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن من الحيوانات ما يرى الشيطان – الذي هو من جنس الجن – رؤية حقيقية تفزعه، ولا مانع من سماعها أصوات الجن والشياطين أيضا.
يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله:
" ورؤية الحيوان لما لا نرى ليس غريباً، فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية، ولذلك فإنّه يرى الشمس حال الغيم، والبومة ترى الفأر في ظلمة الليل البهيم " انتهى.
" عالم الجن والشياطين " (ص/16)
وانظر جواب السؤال رقم: (40703)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/521)
هل يدخل غرفة منفصلة داخل الحمام ليستتر عن أعين الجن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الضروري دخول غرف منفصلة داخل الحمامات في بيوتنا حتى نحتجب عن أعين الجن، أم أن هذا غير ضروري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا داعي لدخول غرفة منفصلة داخل الحمامات للاحتجاب عن أعين الجن؛ لأن الطريقة الشرعية للاحتجاب عنهم هي قول: (بسم الله) قبل دخول الحمام.
ويدل على ذلك ما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (606) وصححه الألباني في "الإرواء" (50) .
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كان يقال: إن ستر ما بين عورات بني آدم وبين أعين الجن والشياطين، أن يقول أحدكم إذا وضع ثيابه: بسم الله ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 93) .
فلا يحرز الإنسان نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال (26816) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/522)
تشك في شخصين أصاباها بالعين فأصبحت تكرههم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أصيبت بعين، وبعد القراءة عليها لفترة استمرت ثلاث سنوات ولدى قراء مختلفين حتى شفاها الله على يد أحد القراء، حيث تبين أن بها تلبساً من شخصين أصاباها بالعين، فأصبحت الآن تكرههم، وتكره سماع أخبار عنهم، علماً بأنهم من الأقارب، فما توجيهكم لهذه الحالة،جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفهم من كلام السائل أن زوجته أصابها مس من الجن، وأنه لما قرئ عليها نطق الجني بأن فلانا وفلانا أصاباها بالعين.
فاعلم – يا أخي – أن الأصل في الجن المشرك أنه كذوب لا يصدق، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. ذَاكَ شَيْطَانٌ) رواه البخاري (3275) .
قال الحافظ:
"فِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: أَنَّ الشَّيْطَان مِنْ شَأْنه أَنْ يَكْذِب" انتهى باختصار.
وقال أيضا:
"وَقَوْله فِي آخِره (صَدَقَك وَهُوَ كَذُوب) هُوَ مِنْ التَّتْمِيم الْبَلِيغ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْهَمَ مَدْحه بِوَصْفِهِ الصِّدْق فِي قَوْله صَدَقَك اِسْتَدْرَكَ نَفْي الصِّدْق عَنْهُ بِصِيغَةِ مُبَالَغَة، وَالْمَعْنَى: صَدَقَك فِي هَذَا الْقَوْل مَعَ أَنَّ عَادَته الْكَذِب الْمُسْتَمِرّ , وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: قَدْ يَصْدُق الْكَذُوب" انتهى.
ومن مقاصد الشيطان التي يسعى إليها: التفريق بين الناس والوقيعة بينهم.
قال الله تعالى عن السحرة الذين يتعلمون السحر من الشياطين: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/102.
فشأن الشياطين: التفريق بين الأحبة، والسعي بالفساد بين الناس، فتقطع الأرحام، وتطلق الزوجات، ويتباغض الناس.
فالذي نراه أنه لا يجوز الاعتماد على إخبار الجن بذلك، وقد يكون أراد بذلك تقطيع الأرحام.
مع التنبيه أن العائن قد يصيب المعيون وهو لا يريد ذلك ولا يشعر به، فلا يلزم من الإصابة بالعين أن يكون العائن خبيثاً يريد الشر بالمعيون، ويكره له الخير.
وعلى هذا، فالنصيحة لزوجتك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتجتهد في مراغمته وإذلاله، فتحسن إلى من أوهمها الشيطان أنهم أساءوا إليها لتقطع بذلك رحمها، ولتحتسب الثواب في ذلك، فإن صلة الأرحام من أفضل الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يصل من وصل رحمه، ويقطع من قطعها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/523)
هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(1/524)
المشروع لدفع العين أن يقول: بارك الله لك أو عليك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشرع الدعاء، عند خوف الحسد، بـ: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من السنة أن يبرك الإنسان – أي يدعو بالبركة - إذا رأى ما يعجبه، وخاف على صاحبه من العين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فٍان العين حق ".
رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " ص 168 والحاكم 4 / 216 وصححه الألباني في " الكلم الطيب " 243. وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فما لبث أن لُبِط به فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً قال: مَن تتهمون به؟ قالوا: عامر بن ربيعة، قال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه. رواه ابن ماجه 3509 وأحمد 15550 ومالك 1747.
وينظر جواب السؤال رقم (7190) .
2- أما قول بعض الناس إذا أعجبه شيء وخاف عليه من العين " ما شاء الله لا قوة إلا بالله "! ، فقد رود فيه حديث رواه أبو يعلى في مسنده، كما في المطالب العالية (10/348) ، وتفسير ابن كثير (5/158) ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة، من أهل أو مال أو ولد، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت» . وكان يتأول هذه الآية: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) .
غير أن الحديث المذكور، ضعيف، مداره على عبد الملك بن زراة، وهو ضعيف الحديث.
وينظر: الأسماء والصفات، للبيهقي، ت: عبد الله الحاشدي، وحاشية المحقق (1/417) .
وذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية مثل هذا الذكر، إذا رأى الإنسان ما يعجبه، إما خوفا من العين والآفة عليه، أو خوفا على صاحب ذلك الشيء من العجب والفخر، وتأولوا على ذلك معنى الآية، كما ذكر في آخر الحديث السابق، أنه كان يتأول الآية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى " فتاوى نور على الدرب".
وقال أيضا: " الأحسن إذا كان الإنسان يخاف أن تصيب عينه أحداً لإعجابه به أن يقول: تبارك الله عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للرجل الذي أصاب أخاه بعين: (هلا برَّكت عليه) ، أما ما شاء الله لا قوة إلا بالله فهذه يقولها: من أعجبه ملكه، كما قال صاحب الجنة لصاحبه قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39] وفي الأثر: [من رأى ما يعجبه في ماله فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يصبه في ماله أذىً] أو كلمة نحوها " لقاء الباب المفتوح (235/19) .
وفي فتاوى اللجنة (1/547) : " وأما العين فهي مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، والعين حق، كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» ، وحكمها أنها محرمة كالسحر. وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك، كما جاء في الحديث «هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت» ، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ويدعو للشخص بالبركة". وينظر أيضا: فتاوى اللجنة (1/109) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/525)
أحرقت خرقة سوداء وأدخلتها في أنف المريضة من أجل الشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي التي تبلغ من العمر 7 أشهر مرضت فذهبت بها لعدة أطباء لعلاجها وأنا أعلم عندما يصيب المسلم في جسده يلجأ إلى الله أولاً ثم الأطباء والعلاج. عندما كانت ابنتي مريضة وبعد عرضها على الأطباء ذهبت بها أمها إلى أهلها وحكت لهم بأن ابنتنا مريضة وكانت موجودة في بيت أهلها امرأة وهذه المرأة عندما سمعت بمرض ابنتنا الصغيرة قالت: أحضروا لي خرقة سوداء فحرقتها بالنار تم أطفأتها وأدخلت الخرقة المحروقة في أنف ابنتنا المريضة وعندما أخبرتني زوجتي بهذا الفعل غضبت جداً ووبخت زوجتي لأن هذا العمل شعرت بأنه نوع من السحر والدجل واتباع الشياطين. السؤال: ما هو حكم فعل هذا الشيء الذي أرعبني؟ وهل هذه المرأة بهذا الفعل الذي فعلته نعرف أنها من النساء اللواتي يتبعن السحر في العلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتكم شفاء تاماً لا يغادر سقماً.
ثانياً:
أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي من الأمراض فقال: (إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام) رواه الطبراني وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1633) .
والأدوية التي يتداوى بها المسلم نوعان:
1- أدوية دل الشرع على اعتبارها، كالتداوي بالقرآن والأدعية، أو بالعسل والحبة السوداء ... ونحو ذلك.
2- أدوية دل العلم والتجربة على اعتبارها.
فهذان النوعان من الأدوية لا حرج من التداوي بهما.
أما ما لم يثبت لا شرعاً ولا علماً وتجربةً أنه دواء مفيد نافع فلا يجوز التداوي به، كالتداوي بالبخور أو الشبة، بل هذا نوع من الدجل والشعوذة، ويخشى أن يكون فيه شيء من الاستعانة بالجن.
ومن هذا النوع: ما قامت به تلك المرأة، فلا يعلم لا من الشرع ولا من جهة العلم والتجربة أن ما فعلته المرأة يكون دواء وعلاجاً نافعاً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟
فأجابوا:
" لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 275) .
فالواجب التوبة مما حصل، وعدم تكرار مثل ذلك، والأخذ بالأسباب الصحيحة للعلاج، سواء كانت أسبابا شرعية كالرقية الشرعية، أو كانت أسباباً كونية قدرية صحيحة بالتطبب بالعلاج والدواء الذي يعرفه الأطباء من خلال علومهم وتجاربهم.
كما يجب نصح هذه المرأة، ويبين لها أن ما فعلته مخالف للشرع، حتى لا تعود إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/526)
حقيقة قصة " هاروت وماروت "
[السُّؤَالُ]
ـ[من هما هاروت وماروت ? هل هما بشر أم ملكان؟ وإن كانا ملكين هل هما معصومان بالرغم من تعليم السحر للناس ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد ذِكر اسمي " هاورت وماروت " في القرآن الكريم في موضع واحد فقط، وبتأمل هذا الموضع يعرف المرء الحقائق التالية:
1. أنهما من الملائكة، لا من البشر.
2. أنهما مرسَلان من الله؛ تعليماً لأناس شيئاً يقيهم من الشر، لا أنها معاقبان على ذنب.
وعليه: فمن ادَّعى أنهما من البشر، أو أنهما ملكان وقعا في معصية فمسخهما الله تعالى: فقد تكلم في أمر الغيب بلا علم، وادعى أمرا يتنقص به ملائكة الرحمن المكرمين، واعتقد بما في كتب بني إسرائيل، بغير شاهد صدق له من الوحي المعصوم.
قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة/ 102.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
وكذلك اتبع اليهودُ السحرَ الذي أُنزل على الملَكين، الكائنين بأرض " بابل "، من أرض العراق، أنزل عليهما السحر؛ امتحاناً وابتلاءً من الله لعباده، فيعلمانهم السحر.
(وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى) ينصحاه، و (يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) أي: لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر، ويخبرانه عن مرتبته.
فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس، والإضلال، ونسبته، وترويجه، إلى مَن برَّأه الله منه، وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحاناً مع نصحهما: لئلا يكون لهم حجة.
فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تُعلِّمه الشياطين، والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين، وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه.
ثم ذكر مفاسد السحر فقال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما؛ لأن الله قال في حقهما: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ، وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يضر بإذن الله، أي: بإرادة الله، والإذن نوعان: إذن قدَري، وهو المتعلق بمشيئة الله، كما في هذه الآية، وإذن شرعي، كما في قوله تعالى في الآية السابقة: (فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) .
وفي هذه الآية وما أشبهها: أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير: فإنها تابعة للقضاء والقدر، ليست مستقلة في التأثير، ولم يخالف في هذا الأصل مِن فِرَق الأمَّة غير " القدرية " في أفعال العباد، زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة، فأخرجوها عن قدرة الله، فخالفوا كتاب الله، وسنَّة رسوله، وإجماع الصحابة، والتابعين.
ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة، ليس فيه منفعة، لا دينية ولا دنيوية، كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي، كما قال تعالى في الخمر والميسر: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) فهذا السحر مضرة محضة، فليس له داع أصلا، فالمنهيات كلها إما مضرة محضة، أو شرها أكبر من خيرها، كما أن المأمورات إما مصلحة محضة، أو خيرها أكثر من شرها.
(وَلَقَدْ عَلِمُوا) أي: اليهود، (لَمَنِ اشْتَرَاهُ) أي: رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة: (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي: نصيب، بل هو موجب للعقوبة، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً، ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة.
(وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) علماً يثمر العمل: ما فعلوه.
" تفسير السعدي " (ص 61) .
وكل ما عدا ظاهر القرآن في حال هذين الملَكين: فهو من الإسرائيليات، يردها ما ثبت من عصمة الملائكة، على وجه العموم، دون ورود استثناء لهذا لأصل العام: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/26-28.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقد روي في قصة " هاروت وماروت " عن جماعة من التابعين، كمجاهد، والسدي، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن: إجمال القصة من غير بسط، ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال.
" تفسير ابن كثير " (1 / 360) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/527)
الرد على خرافة في فك السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت في " منتدى.... للرقية الشرعية " عن رجل نعتبره طالب علم عن السحر، فأخبرنا أنه يجوز استعمال فأس قديمة، وذلك بحرقها، والتبول عليها! فأجابوني: بأنها قد أجازها أحد علماء السلف، فما قولكم في ذلك جزاكم الله خيراً على خدمتكم للإسلام، والمسلمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما ما ذكرتَه من التبول على فأس قديم محماة بالنار، من أجل فك السحر: فهذه من الخرافات التي لا تليق بموحِّد، وقد اطلعنا على الموقع الذي أحلت عليه، ورأينا من أجابك هناك بجواز هذا الفعل، وهو لم ينسبه لعالم من علماء السلف، بل نسبه لابن القيم رحمه الله، وقد أعيانا البحث عن الموضع الذي ذكر فيه ابن القيم الجواز، ولم نستطع العثور عليه. ولا نظنه يثبت عنه، ولا عن غيره من العلماء السلفيين؛ بل هو أقرب لفعل المشعوذين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/528)
هل ورد أن إبليس يبكي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الموضوع وأحب أن أستفسر عنه: سبحان الله هل تعلمون أن " إبليس " يبكي..؟؟!! هل تعلمون أن عدوكم الأول يبكي..؟! هل تحبون أن تجعلوه دائما يبكي؟؟! إذاً عليكم بـ " سجدة التلاوة " فإنها تبكيه..!! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار) الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 81 أنا أحب أن أطهر المنتديات من مواضيع كهذه،. لأن المواضيع هذه منتشرة بشكل كبير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في السنة النبوية ما يدل على وقوع البكاء من الشيطان الرجيم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ)
رواه مسلم (رقم/81) ، فهو حديث صحيح، وأخرجه الإمام ابن خزيمه أيضا في " صحيحه " (1/276) وبوب عليه بقوله: " باب فضل السجود عند قراءة السجدة، وبكاء الشيطان، ودعائه بالويل لنفسه عند سجود القارئ السجدة " انتهى.
يقول القرطبي رحمه الله:
" وبكاء إبليس المذكور في الحديث: ليس ندما على معصيته، ولا رجوعا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه بما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم عليه السلام الجنة ونجاته، وذلك نحو مما يعتريه عند الأذان، والإقامة، ويوم عرفة.
وقوله: يا ويلتا: الويل: الهلاك، وويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة، والألف في: (يا ويلتا) : للندبة والتفجع " انتهى.
" المفهم " (1/274)
فالحاصل أن هذا الأمر ثابت وصحيح، فلا يجوز لك الدعوة إلى تكذيب ذلك، وننصحك ألا تخوضي في التحذير من أمر أو النصيحة بأمر حتى تتثبتي – كما فعلت الآن – كي تكون دعوتك على بصيرة؛ فالعاطفة النبيلة، والنية الصالحة لا تكفي وحدها لكي يكون عمل المرء نافعا ونبيلا، بل لا بد له من أن يتعلم العلم المناسب للأمر الذي يريده، ويسلك سبيل أهله في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/529)
يشرع سؤال الله الوقاية من شر ما خلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دعاء الله عز وجل بأن يحميني من شر ما خلق في هذا الكون , وفي القبر وفي اليوم الآخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الالتجاء إلى الله تعالى للحماية والوقاية من كل سوء وشر وأذى من أعظم العبادات، وأفضل الطاعات، فالله عز وجل يحب المستغيثين به، الملتجئين إليه، المستعيذين بعظمته وقدرته.
قال الله عز وجل:
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق/1-5.
وقوله تعالى: (من شر ما خلق) جاء بصفة العموم، فشمل الاستعاذة من كل شر في الحياة الدنيا كالشيطان ووساوسه، وفي البرزخ كعذاب القبر، وفي الحياة الآخرة كجهنم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) أي: من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (8/535)
وقال العلامة السعدي رحمه الله:
" أي: (قل) متعوذًا (أَعُوذُ) أي: ألجأ وألوذ وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) وهذا يشمل جميع ما خلق الله من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعدما عم، فقال: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) أي: من شر ما يكون في الليل حين يغشى الناس وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية. (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أي: ومن شر السواحر اللاتي يَسْتعِنّ على سحرِهن بالنفث في العقد التي يعقدنها على السحر. (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور عمومًا وخصوصًا. ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه ومن أهله " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/937)
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله من شر ما خلق في بعض الأذكار الشرعية:
عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم (2708)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: (إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) .
رواه البخاري (3371) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/530)
كيف تعرف الإصابة بالمس أو بالعين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للإنسان أن يعرف أنه مصاب بمس من الجان، أو أنه مصاب بالعين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يذكر المشتغلون بالرقية الشرعية شيئاً من الأعراض التي يعرف بها أن الشخص مصاب بمس من الجن أو أنه مصاب بالعين، وهي علامات ظنية، قد تتخلف في بعض الحالات، وقد تزيد أو تنقص في حالات أخرى.
أما أعراض المس فهي:
1- الإعراض والنّفور الشديد من سماع الأذان أو القرآن.
2- الإغماء أو التشنّج أو الصّرع والسقوط عند قراءة القرآن عليه.
3- كثرة الرؤى المفزعة.
4- الوحدة والعزلة والتصرّفات الغريبة.
5- قد ينطق الشيطان الذي تلبّس به عند القراءة عليه.
أما أعراض الإصابة بالعين فيقول الشيخ عبد العزيز السدحان حفظه الله:
" الأعراض إن لم تكن مرضا عضويا فإنها تكون غالبا على هيئة:
صداع متنقل. صفرة في الوجه. كثرة تعرق وتبول. ضعف شهية. تنمل أو حرارة أو برودة في الأطراف. خفقان في القلب. ألم يتنقل أسفل الظهر والكتفين. حزن وضيق في الصدر. أرق في الليل. انفعالات شديدة من خوف غير طبيعي. كثرة تجشؤ وتثاؤب وتنهد. انعزال وحب للوحدة. خمول وكسل. ميل إلى النوم. مشاكل صحية بلا سبب طبي معروف.
وقد توجد هذه العلامات أو بعضها حسب قوة العين وكثرة العائنين " انتهى.
" الرقية الشرعية " (ص/10) .
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (240) ، (20954)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/531)
هل يصاب الإنسان بالعين عن طريق النظر لصورته أو حكاية أخباره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصيب العين برؤية صورة الشخص من التلفاز أو صورة أو صوت أو في الإنترنت.. أو هل يجب لكي يصيب العين أن يرى الشخص الشخص الآخر بالعين وجها لوجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإصابة بالعين أمر ثابت معلوم بالشرع والعادة، ولا يتوقف على رؤية الشيء المعِين، بل قد تحصل الإصابة بالعين بمجرد الوصف أو الحكاية أو التخيّل.
قال ابن القيم رحمه الله: " ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية" انتهى.
"زاد المعاد" (4/153) .
وبهذا يتبين أن العائن قد ينظر إلى صورة الشخص في الحقيقة أو في التلفاز، وقد يسمع أوصافه فيصيبه بعينه، نسأل الله السلامة والعافية.
وننبه إلى أن بعض الناس يستسلم للوساوس والهواجس، ويظن أنه سيصاب بالعين كلما رزق نعمة، أو جاءه خير، وهذا من الضعف والعجز، فإن المؤمن لديه من الأسلحة ما يتحصن بها من شر العين والحسد والسحر، فعليه أن يتوكل على ربه، ويعتصم به، ويداوم على الذكر الواقي من تلك الشرور، وينظر جواب السؤال رقم (89604) ورقم (20954) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/532)
دخول الجني في الإنسي ومخاطبته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أصيب إنسان بمس أو سحر فهل يمكن مخاطبة هذا الجني ودعوته إلى الإسلام ووعظه، أم أن ذلك دجل وشعوذة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست مخاطبة الجن ووعظه ودعوته إلى الإسلام نوعاً من الدجل والشعوذة، فذلك ممكن، بل قد وقع ذلك كثيراً، وأعلن كثير من الجن إسلامهم.
ولكن ... ليس معنى هذا أن كل من ادعى هذه الدعوى فهو صادق، فقد يكون كاذباً، لكن كذب بعض المشعوذين لا يجعلنا ننفي وقوع ذلك من بعض الناس.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/68، 69) عن شيخه ابن تيمية أنه كان يخاطب الجن ويعظه وينهاه عن الظلم، وسيأتي نص كلامه إن شاء الله.
وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن امرأة كانت مصابة بمس من الجن وأن ذلك الجني أعلن إسلامه أمام الشيخ، وقد أنكر ذلك بعض الناس فكتب الشيخ مقالاً يبين فيه خطأ هؤلاء المنكرين، فقال بعد أن ذكر أن الجن أعلن إسلامه أمامه:
"وقد بلغني عن فضيلة الشيخ..... أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب، وأنه يمكن أن يكون كلاما مسجلا مع المرأة ولم تكن نطقت بذلك. وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه وعلمت منه ما ذكر، وقد عجبت كثيرا من تجويزه أن يكون ذلك مسجلا مع أني سألت الجني عدة أسئلة وأجاب عنها، فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب، هذا من أقبح الغلط ومن تجويز الباطل، وزعم أيضا في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ولا شك أن هذا غلط منه أيضا هداه الله وفهم باطل فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان.
فقد أسلم جم غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم. . وقد أوضح الله ذلك في سورة الأحقاف وسورة الجن وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعتّه (أي خنقته) ، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فرده الله خاسئا. هذا لفظ البخاري، وروى النسائي على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى وجدت برد لسانه على يدي، ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس) .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير.
وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى، بل تقليدا لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة؟ فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله.
بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) .
قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: يعني بذلك يتخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه (من المس) يعني: من الجنون.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. اهـ.
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده. وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين" الموجود في "مجموع الفتاوى" جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (وهذا مبسوط في موضعه) .
وقال أيضا رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276- 277 ما نصه. (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني، يكذبون. هو ذا يتكلم على لسانه) ، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك) . اهـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [زاد المعاد في هدي خير العباد] جـ 4 ص 66 إلى 69 ما نصه:
"الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح. فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه. ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع أثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه. فذكر بعض علاج الصرع. وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج.
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلةً فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها.
إلى أن قال: وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه. وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها. والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان. فإن هذا نوع محاربة. والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا، وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل. فكيف إذا عدم الأمران جميعا، ويكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له.
والثاني من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اخرج عدو الله، أنا رسول الله.
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه. ويقول قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب. فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا. . . إلى أن قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا. .) . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك.
تنبيه:
قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفا لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة ص أنه قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق، واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يمن علينا جميعا بإصابة الحق في الأقوال والأعمال، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم، ومن إنكار ما لم نحط به علما، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" الشيخ ابن باز (3/299-308) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/533)
حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح يمكن تحضير أرواح الأموات وسؤالهم عن بعض الأشياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يسمى بـ "تحضير الأرواح" لا حقيقة له، وهو خداع وشعوذة واستعانة بالجن، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مقال مطول عن هذا الموضوع نذكر بعض ما جاء فيه:
قال رحمه الله: " الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فلقد شاع بين كثير من الناس من الكتاب وغيرهم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح، وزعموا أنهم يستحضرون أرواح الموتى بطريقة اخترعها المشتغلون بهذه الشعوذة يسألونها عن أخبار الموتى من نعيم وعذاب وغير ذلك من الشؤون التي يظن أن عند الموتى علما بها في حياتهم.
ولقد تأملت هذا الموضوع كثيرا فاتضح لي أنه علم باطل، وأنه شعوذة شيطانية، يراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيس على المسلمين، والتوصل إلى دعوى علم الغيب في أشياء كثيرة.
ولهذا رأيت أن أكتب في ذلك كلمة موجزة لإيضاح الحق، والنصح للأمة، وكشف التلبيس عن الناس، فأقول:
لا ريب أن هذه المسألة مثل جميع المسائل يجب ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما أثبتاه أو أحدهما أثبتناه، وما نفياه أو أحدهما نفيناه، كما قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/ 59.
ومسألة (الروح) من الأمور الغيبية التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها ومعرفة كنهها (حقيقتها) ، فلا يصح الخوض فيها إلا بدليل شرعي، قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن/26-27، وقال سبحانه في سورة النمل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالروح في قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا) الإسراء/85.
فقال بعضهم: إنه الروح الذي في الأبدان، وعلى هذا فالآية دليل على أن الروح أمر من أمر الله لا يعلم الناس عنه شيئا إلا ما علمهم الله إياه؛ لأن ذلك أمر من الأمور التي اختص الله سبحانه بعلمها وحجب ذلك عن الخلق، وقد دل القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الموتى تبقى بعد موت الأبدان، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) .
وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نراه انطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي [طرف البئر] فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه) .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به "، ونقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالي: (اللَّهُ (يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال:
(بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها) ، ثم قال ابن القيم رحمه الله: " وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر ".
فهذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات ويكلمونها ويسألونها، فهذه إدعاءات باطلة، ليس لها ما يؤيدها من النقل ولا من العقل، بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح والمتصرف فيها، وهو القادر على ردها إلى أجسامها متى شاء ذلك، فهو المتصرف وحده في ملكه وخلقه لا ينازعه منازع، أما من يدعي غير ذلك فهو يدعي ما ليس له به علم، ويكذب على الناس فيما يروجه من أخبار الأرواح، إما لكسب مال، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة.
وما يدعيه هؤلاء الدجالون من تحضير الأرواح إنما هي أرواح شياطين يخدمها بعبادتها وتحقيق مطالبها وتخدمه بما يطلب منها كذبا وزورا في انتحالها أسماء من يدعونه من الأموات، كما قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) ، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، وذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع أو يكذبونه وهو الأكثر، ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حِلِّ ذلك وإباحته؛ لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعا، وتصديقهم فما يخبرون به أعظم تحريما، وأكبر إثما، بل هو من شعب الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) ، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .
وقد جاء في هذا المعنى أحاديث وآثار كثيرة، ولا شك أن هذه الأرواح التي يستحضرونها بزعمهم داخلة فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها من جنس الأرواح التي تقترن بالكهان والعرافين من أصناف الشياطين فيكون لها حكمها، فلا يجوز سؤالها ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر، بل وباطل، لما سمعت من الأحاديث والآثار في ذلك، ولأن ما ينقلونه عن هذه الأرواح يعتبر من علم الغيب، وقد قال الله سبحانه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) .
وقد تكون هذه الأرواح هي الشياطين المقترنة بالأموات الذين طلبوا أرواحهم فتخبر بما تعلمه من حال الميت في حياته مدعية أنها روح الميت التي كانت مقترنة به، فلا يجوز تصديقها ولا استحضارها ولا سؤالها كما تقدم الدليل على ذلك. وما يحضره ليس إلا الشياطين والجن يستخدمهم مقابل ما يتقرب به إليهم من العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله فيصل بذلك إلى حد الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة - نعوذ بالله من ذلك -.
وممن كشف حقيقة هذه الدعوى الباطلة الدكتور محمد محمد حسين في كتابه [الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها] ، وكان ممن خدع بهذه الشعوذة زمنا طويلا، ثم هداه الله إلى الحق وكشف زيف تلك الدعوى بعد أن توغل فيها، ولم يجد فيها سوى الخرافات والدجل....
وذكر الدكتور محمد محمد حسين أنه مارس هذه البدعة، وحاول مشاهدة ما يدعونه من تجسيد الروح أو الصوت المباشر ويرونه دليل دعواهم، فلم ينجح هو ولا غيره؛ لأنه لا وجود لذلك في حقيقة الأمر، ولما لم يقتنع بتلك الأفكار الفاسدة وكشف حقيقتها انسحب منها وعزم على توضيح الحقيقة للناس.
ومما ذكرناه يتضح بطلان ما يدعيه محادثو الأرواح من كونهم يحضرون أرواح الموتى ويسألونهم عما أرادوه، ويعلم أن هذه كلها أعمال شيطانية وشعوذة باطلة داخلة فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الكهنة والعرافين وأصحاب التنجيم ونحوهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو المسؤول سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم من خداع المجرمين وتلبيس أولياء الشياطين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (3/309-316) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (7107) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/534)
الطريقة التي سحر بها النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفه حيال ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؟ وإذا ثبت ذلك؛ فكيف كان تعامُلُه عليه الصلاة والسلام مع السّحر ومع من سَحَرَهُ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، حتى ليُخيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يومٍ: (أتاني ملَكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وَجَعُ الرجل؟ قال: مطبوبٌ. قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيدُ بن الأعصم، في مُشطٍ ومُشاطةٍ وجُفِّ طلعةِ ذَكَرٍ في بئر ذروانَ) رواه البخاري (6391) .
قال الإمام ابن القيِّم: " وقد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوهُ نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يُؤثِّرُ فيه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرضٌ من الأمراض، وإصابتُه به كإصابته بالسُّمِّ، لا فرقَ بينهما ".
وذكر رحمه الله عن القاضي عياض أنه قال: " ولا يَقدَحُ في نبوَّتِه، وأما كونه يُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعلهُ، فليس في هذا ما يُدخِلُ عليه داخِلةً في شيء من صدقه؛ لقيام الدَّليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوزُ طُرُوُّهُ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها ولا فضِّلَ من أجلها، وهو فيها عُرضةٌ للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يُخيَّلَ إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى.
ولما علم صلى الله عليه وسلم أنه قد سُحِرَ؛ سأل الله تعالى، فدلَّه على مكان السحر، فاستخرجه وأبطله، فذهب ما به، حتى كأنما نُشِطَ من عقال.
ولم يعاقب صلى الله عليه وسلم من سَحَرَه، قال صلى الله عليه وسلم: (أمَّا أنا، فقد شفاني الله، وأكرَهُ أن يُثيرَ على الناس شرًّا) رواه البخاري (6391) " انتهى.
فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/57، 58) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال: (68814) ، (2070) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/535)
هل هناك دليل على أن الجن يدخلون الإنس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على أن الجن يدخلون الإنس؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ هناك دليل من الكتاب والسنة، على أن الجن يدخلون الإنس، فمن القرآن قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) .
قال ابن كثير رحمه الله: " لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ".
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
وقال الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة: " إنهم (أي أهل السنة) يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع ". واستدل بالآية السابقة.
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: " قلت لأبي: إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه ".
وقد جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الإمام أحمد والبيهقي، أنه أُتي بصبي مجنون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اخرج عدو الله، اخرج عدو الله) ، وفي بعض ألفاظه: (اخرج عدو الله، أنا رسول الله) . فبرأ الصبي.
فأنت ترى أن في هذه المسألة دليلاً من القرآن الكريم ودليلين من السنة، وأنه قول أهل السنة والجماعة وقول أئمة السلف، والواقع يشهد به، ومع هذا لا ننكر أن يكون للجنون سبب آخر من توتر الأعصاب واختلال المخ وغير ذلك " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص984) .
وينظر جواب السؤال رقم (11447) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/536)
الراقي الذي يطلب اسم المريض واسم والدته هو ممن يستخدم الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا وعلاجك كذا وكذا ... ، ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج فما رأيكم في مثل هؤلاء وما حكم الذهاب إليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن، ويدعي علم المغيبات فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه مسلم في صحيحه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) أخرجه الترمذي.
وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى والودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه واسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم.
فالواجب الحذر منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن، لأن من عادة أهل الباطل التدليس والخداع، فلا يجوز تصديقهم فيما يقولون.
والواجب على من عرف أحداً منهم أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم عليهم بحكم الله، وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص946) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/537)
هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب لدفع العين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتبخر المحسود بالشب من أجل دفع الحسد أو العين عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علاج السحر أو العين يكون بالرقية الشرعية، وقد سبق في الموقع بيان ذلك، كما في جواب السؤال رقم (11290) ، ورقم (11359) .
أما العلاج بالتبخر بالشب أو الأعشاب، فذلك لا يجوز.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟
فأجابوا: "لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/538)
" هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار، كفر وإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في هذا الوقت ما يسمَّى بـ " هاري بوتر "، وله روايات مجزأة على 8 أو 7 أجزاء، وصورت بعضها أفلام، تتحدث عن السحر، شخصيّاً لم أطلع عليها، ولم أر شيئاً منها، ولكن سمعت عنها، وعن انتشارها كثيراً، وأيضاً هناك فيلم " مفكرة الموت " رأيت حلقة واحدة منه تحدث عن " إله الموت " أنه رمى بـ " مفكرة الموت " للبشر، وأخذها شخص، وقرأ على غلاف هذه المفكرة أنه إذا أراد أن يُميت أحداً: فإنه يكتب اسمه، وطريقة موته، ثم يموت خلال 30 ثانية، أو أقل - لا أتذكر بالضبط -، وتدور الأحداث كيف تعامل هذا الشخص مع هذه المفكرة. فما رأيكم في مثل هذه الأفلام؟ وتبادلها بين الشباب؟ وبعضهم يدعي بأنه لا يشتريها حتى لا يدعمهم، ولكن يأخذها من زميله " يقرؤها، أو يشاهدها، ويرجعها له "! هل هذا تصرف صحيح؟ وكيف يمكن إقناعهم بخطورة مثل هذه الأفلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سلبَت أفلام الرسوم المتحركة الحديثة عقول الصغار والكبار! ، وتحوَّل كثير منها إلى أفلام حقيقية بسبب فتنة الملايين بها، وتعلق قلوبهم بأحداثها وشخصياتها، وقد احتوى كثير منها على عقائد تخالف دين الإسلام، وتشكك المسلمين – وخاصة الصغار منهم – بالمسلَّمات والعقائد القطعية، إضافة لما تبثه من مفاسد سلوكية، بما يظهر فيها من نساء متبرجات، وقصص حب وغرام.
ونأسف أن يتلقف المسلمون تلك الأفلام ليجعلوها في بيوتهم، ويمكنوا أطفالهم من تقضية أوقاتهم في مشاهدتها، وليس عند من يفعل ذلك أدنى اهتمام بما يمكن أن تؤثر به مثل هذه المشاهدات على أولاده ذكورهم وإناثهم.
ثانياً:
مما فتن به العالَم في زماننا هذا قصص " هاري بوتر " الشهيرة، وهي سلسلة مكونة من سبعة كتب، كتبتها كاتبة بريطانية تدعى " ج. ك رولينج "، وتدور القصة حول فتى يدعى " هاري بوتر " وُلد لأبويْن ساحرين، وقد قتلهما ساحر شرِّير، وقد فشل هذا القاتل في قتل ابنهما " هاري "، وعندما بلغ هذا الفتى سن الحادية عشرة اكتشف أنه ساحر! ثم تبدأ سلسلة الأحداث القائمة على السحر والشعوذة والخيالات، وقد بيعت مئات الملايين من هذه القصة في أرجاء الأرض، وترجمت إلى حوالي 60 لغة! ومن بينها اللغة العربية! ، وقد أنشئت منتديات، وكتبت ألوف الصفحات في شبكات الإنترنت، تحلل القصة، وتتوقع وقائعها، وتناقش أحداثها، بل إن الموقع العربي المسمى باسم بطلها لا يكتب – كباقي المنتديات – " اسم المستخدم " للدخول لموقعه، بل يكتب " اسم الساحر "! والله المستعان.
ثالثاًً:
وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص، وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية، فقال:
" وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها:
1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية؛ لإلهاء الأطفال؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان " و " هرقل "، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه.
2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وفي لحظة واحدة، وبكلمة سحرية: يستطيع الساحر أن يحل الأزمة، ويتخطى العقبة , وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/ 17، 18 , وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر، ويحبونه، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً!!
3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان، ومحورها منفعته، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 , وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم!
قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف، ولعن فاعله، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/ من الآية 69.
4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن، والشياطين، ومساكنهم في مجاري المياه، والمراحيض، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة، والقابضة لنفوس الأبناء، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء!
5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت! فهو يميت الطائر كذا، والحيوان كذا، ثم يحييه في صورة أفضل، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى، ويعالج الجروح في لحظة واحدة، وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى (الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين. والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين. وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين. والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين. والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) الشعراء/ 78 - 82.
6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة، وعلى النفعية البالغة، وعلى التقليل من شأن الروح، وإعلاء المادة عليها، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف , وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان، وتعليقه بربه، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا، وأين الظلمات من النور؟!! " انتهى.
ولقراءة المقال كاملاً: اضغط هنا:
http://www.islamselect.com/mat/42292
رابعاً:
قد حرمت الشريعة قراءة كتب السحر، ولا يختلف حكم مشاهدة الأفلام عن القراءة، بل هو أشد إثماً؛ لما فيه من تطبيق عملي للأمور النظرية في الأفعال السحرية المحرمة؛ ولما له من تأثير بالغ على ذهن المشاهد، وعلى حياته.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال، وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه. نرجو الإفادة، وفقكم الله.
فأجاب:
هذا الذي قاله السائل حق، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب على من يجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم، وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملَكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/ 102، فدلَّ على أن تعلم السحر، والعمل به: كفر، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلِّم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت.
هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم، ولا غيره، أن يقرأها، أو يتعلم ما فيها، وغير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها، ولا أن يتعلم مما فيها، ولا أن يقرَّها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 148) طبعة " دار الوطن ".
والخلاصة:
لا يحل لمسلم أن يشتري هذه القصة المسمى " هاري بوتر " لما تحتويه من تعظيم للسحر، والسحرة؛ ولما فيها من عقائد تخالف عقيدة الإسلام، ومن باب أولى عدم جواز مشاهدة القصة مصورة في " فيلم " لما لها من تأثير بالغ على عقيدة، وسلوك مشاهديها؛ ولما تحتويه من مشاهد منكرة، وموسيقى محرمة.
خامساً:
الفيلم الكرتوني الآخر – وقد تحول إلى فيلم حقيقي – والمسمى " مفكرة الموت " يحتوي على عقائد كفرية، وملخص قصة الفيلم أن " إله الموت "! والمسمى " ريكو " يرمي بمفكرة سماها " مفكرة الموت " إلى عالم البشر! ، ويلتقطها بطل الفيلم " ياجامي "، ليعلم فيما بعد أنه يستطيع أن يميت من يشاء! وذلك من خلال كتابة اسم المراد موته فيها، بشرط أن يكون على علم بصورته، كما يستطيع أن يتحكم في طريقة وفاته! فإذا كتب طريقة الموت بعد " 40 " ثانية من كتابة الاسم، وكتب طريقة الموت: مات بما يطابق كتابته، وإن مرت المدة ولم يكتب طريقة موته: مات بالنوبة القلبية! فيبدأ بعدها التخلص من الأشرار! بكتابة أسمائهم في تلك المفكرة ليتم القضاء عليهم، ويبدأ محقق في تتبع أسباب وفاة أولئك، في قصة تملؤها الخرافة، والشرك، والكفر، والإلحاد، وفي كل مرة يقدَّم الكفر على أنه مخلص الأرض من الشر! وهذا ما رأيناه قبل قليل في الساحر " هاري بوتر " وكذا ما قدَّمته الرسوم المتحركة اليابانية من " ميكي ماوس " الإله الفأر الذي ينقذ المظلومين ويقضي على الأشرار، وها هم هنا يأتون بشخص يسمونه " إله الموت " – " شينيغامي " – ليجعل له وكيلاً من البشر! يقضي على من يشاء بالموت.
ولا يشك موحد يعرف الإسلام أن مثل هذه القصص والرسوم المتحركة والأفلام لا يحل نشرها، ولا قراءتها، ولا مشاهدتها؛ لما فيها من مخالفات واضحة لعقيدة التوحيد؛ ولما لها من أثر سيء على قارئها ومشاهدها.
ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) و (111600) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/539)
هل الشيطان يعلم خواطر الإنسان ونواياه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشيطان يعلم ما يحاك في صدورنا من كلام لا يعلمه إلا الله فيوسوس ما يناسب خواطرنا أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة الصحيحة على أن الشيطان قريب من الإنسان، بل يجري منه مجرى الدم، فيوسوس له في حال غفلته، ويخنس في حال ذكره، ومن خلال هذه الملازمة فإنه يعلم ما يهواه الإنسان من الشهوات فيزينها له، ويوسوس له بخصوصها.
روى البخاري (3281) ومسلم (2175) عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة [أي الملائكة تشم ريحا طيبة حين يهم العبد بالحسنة كما جاء عن سفيان بن عيينة] ، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه؛ فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر صفية رضي الله عنها (إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) .
وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/508) .
فالشيطان يطلع على وسوسة الإنسان لنفسه، ويعلم ما يميل إليه ويهواه من الخير والشر، فيوسوس له بحسب ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله – ضمن سؤال طويل -: وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان ويحاول صرفي عنه؟
فأجاب: " كل إنسان معه شيطان ومعه ملك , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يملي على الإنسان الشر ويدعوه إلى الشر وله لَمَّة في قلبه، وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الخير والشر , والملَك كذلك له لمَّة بقلبه يملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير، فهذه أشياء مكنهم الله منها: أي مكن القرينين، القرين من الجن والقرين من الملائكة , وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم الحديث بذلك ...
والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين , فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله والاستقامة على دينه , ويذل شيطانه حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله , والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل , وتشجيعه على الباطل , وعلى تثبيطه عن الخير. فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان , وعلى أن يحرص في مساعدة ملَكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (9/369) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/540)
عبارات غير مفهومة يزعم أنها أسماء الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت هذه الأيام كلمات يقال بأنها أسماء للجن، ونحن ننادي الجن فيها!! وهذا نص المقال: نحن كثيراً ننادي الجن!! عبارات نقولها عادةً.. في لحظة مرح ... في لحظة غضب ... لكن ... ماذا تعني ... وما هي النتيجة؟؟؟ (أهب هِب هِبوو هِبي) نقولها إذا أعجبنا شيء..! هل تعرفون ماذا تعني؟؟؟؟ هذا اسم واحد من كبار الجن، وإذا رأيت شيئا جميلاً وقلت هذه الكلمة فأنت تنادي هذا الجني.!! وتطلب منه تخريب هذا الشيء، قد لاحظت أحيانا أنك عندما تقولها عندها ترى تحفة مثلا فالا بها على الأرض وقد تكسرت.!! : (شبرا أمرا شمس نجوم) تعرفون هذي الأغنية أكيد غنيناها كثير صغارا.. وما زال الأطفال يغنونها إلى الآن.. لكن ماذا تعني؟؟!!! شبرا اسم جنّي من كبار الجن.. أيضا شبرا هذا يأمر الشمس والنجوم، وإذا استوعبت الكلام أعلاه وحاولت إكمالها.. فيها شرك كبير..!! (أنقلع لأقصى قريح..أو بقريح ألي ما ياقاك) هذي العبارة نقولها إذا أزعجنا أحد ورغبنا بذهابه عنا.. ونقولها كثيرا للأطفال بلحظة غضب.. ولكن.!! قريح اسم جنّي، وإذا قلت هذي العبارة فأنت تطلب من الجنّي أن يأخذ طفلك.!! وفي الختام أهديكم طرق طرد الشيطان ووساوسه.!! ومنها الاستعاذة بالله منه، والأذان والأذكار، وقراءة القرآن.. وأيضا ما يعوذ به الأولاد، فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما..: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عين لامه) . السؤال هنا: بماذا نرد على من يصدق هذا الكلام وينشره بدون حتى دليل أو أي شيء! وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على كل من ينشر نصيحة للمسلمين أن يتثبت ويدلل على نصيحته، إلا إن كان لا يقصد النصيحة، وإنما إثارة الإشاعات والخرافات بين الناس، فمثل هذا يتحمل وزره ووزر من لبس عليه وغرر به.
يقول الله عز وجل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36
وما ورد في السؤال مما يزعم أنها من أسماء الجن لم نقف على دليله، فلا نستطيع تأكيده ولا كذلك نفيه، إلا أن الذي يهمنا التنبيه عليه أمران اثنان:
الأول: المؤمن محفوظ بحفظ الله، إذا حافظ على أوامره، واجتنب نواهيه، وحرص على التحصن بالأذكار الشرعية، فالله سبحانه وتعالى يدرأ عن عباده من الأذى والضرر الشيء الكثير. يقول سبحانه وتعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل، وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحدا من ورائه، وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل، حافظان وكاتبان " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (4/437)
وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (احفظ الله يحفظك) رواه الترمذي (رقم/2516)
فلا يجوز لأحد أن يصور الأمر وكأنه تسلط من الجن والشياطين على المسلمين من غير رادع ولا حافظ، أو يصوره بأن كلمات يسيرة يمكن أن تقضي على إنسان أو توقع في كل هذا البلاء. فالأمر ليس بهذا التصور.
الثاني: ومع ذلك فنحن لا نستبعد أن يكون في الكلمات غير المفهومة التي تجري على ألسنة الناس ما يحتوي على شيء من أسماء الجن أو الشياطين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" تتمثل الشياطين لمن يعبد الملائكة والأنبياء والصالحين، ويخاطبونهم، فيظنون أن الذي خاطبهم ملك، أو نبي، أو ولي، وإنما هو شيطان، جعل نفسه ملكا من الملائكة، كما يصيب عباد الكواكب وأصحاب العزائم والطلسمات، يسمون أسماء، يقولون: هي أسماء الملائكة مثل: " منططرون " وغيره، وإنما هي أسماء الجن " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (14/283)
ولذلك فقد اشترط العلماء للرقية الصحيحة الجائزة أن تكون باللغة العربية المفهومة، كي لا يقع المسلم – إذا استعمل كلمات غير مفهومة - في نداء الجن والشياطين والاستعانة بهم وهو لا يشعر.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها: فهذه مذمومة، لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه " انتهى.
"شرح مسلم" (14/168)
ويقول العيني رحمه الله:
" ولا يجوز بألفاظ مما لا يعلم معناها من الألفاظ الغير العربية " انتهى.
"عمدة القاري" (12/100)
أما إذا كانت الكلمات عربية مفهومة واضحة، فليس في الرقية بها بأس، ولا نرى أنها مما يمكن أن تكون سبيلا للشيطان على الإنسان.
بل إذا قدر أن الناس يتكلم بما يفهمونه من لغتهم، ووافق أن بعض ما يتكلمونه ويتفاهمون به وينادونه، هو من أسماء الجن، فليس معنى ذلك أن الجن واقف على بابهم، يلتقط هذه الكلمة، أو هذا النداء، لينفذ هو إلى مأربه وحاجته.
والواقع أن المبالغة في هذه الأمور هو من غلبة الجهل، وانتشار الخرافة والأوهام، وضعف اليقين بالله عز وجل، والتعلق به، والتوكل عليه.
وعلى كل حال، ليس الأمر بالصورة التي يحاول نشرها أصحاب هذه المقالات، والمبالغة في الأمور من غير تثبت ولا تبين سبب كل مفسدة، ومفتاح كل شر.
وانظر جواب السؤال رقم: (10513)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/541)
هل إبليس مخير؟ ولماذا يحرص على إغواء الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الكثير من التفكير بدأت أفكر بشخصية الشيطان، إذا كان يعلم بأن مصيره جهنم فلماذا يجتهد في فعل الشر؟ الشيطان يوسوس للإنس ليفعوا الشر ولكن من يوسوس للشيطان ليفعل الشر؟ ولماذا؟ ألا يعلم بأنه سيكون وقوداً للنار؟ هل هو يكره الإنس؟ أليس له الخيار في المعصية والإحسان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إبليس وغيره من الجن والإنس لهم مشيئة واختيار، في فعل الطاعة أو المعصية، كما قال سبحانه: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) الكهف / 29، وقال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الإنسان/3.
وقد أمر الله تعالى إبليس بالسجود لآدم، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. فطرده الله من رحمته، وجعل عليه لعنته إلى يوم الدين.
قال الله عز وجل:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة / 34
وقال: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) الحجر / 30-35.
وهنا طلب إبليس النظرة والتأخير إلى يوم البعث، فأعطاه الله ذلك.
قال سبحانه:
(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) الحجر /36-38. فلما أيقن إبليس أنه من الهالكين، مع استكباره وكفره بربه، عزم على إغواء من استطاع من عباد الله، ليكونوا شركاءه في الجحيم.
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الحجر / 39، 40
فهو حريص على إلإغواء والإفساد، ليكثر أتباعه وعبّاده من الهالكين الذين يصلون مصيره.
فإبليس يعلم أن مصيره إلى النار، ويطمع أن يأخذ الجميع معه إلى جهنم حسدا وبغيا، وكفرا وعنادا.
وهو يكره الإنس الذين هم ذرية آدم عليه السلام، ويعاديهم لأنه لُعِن وطُرد من رحمة الله بسبب رفضه السجود لأبيهم آدم، ولهذا حَذَّر الله تعالى عباده منه فقال:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر / 6.
وإبليس لا يحتاج إلى من يوسوس له، فهو رأس الشر كله.
والمؤمن ينجو من كيده وشره، بطاعته لربه، واستقامته على دينه، فإن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، كما قال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل / 98-100 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/542)
كيف نحمي أنفسنا من أذى الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[أواجه مشاكل مع الجن. كنت ألاحظ الجن يظهر في أحوال مختلفة طوال أيام حياتي. ولم يحدث أن تضايقت منهم إلا في الآونة الأخيرة. لقد رأيت جنيا في أول أيام انتقالنا إلى شقتنا. وكان يحدث ذلك بين لحظة وأخرى حيث كنت أنتبه إلى أمور من هذا الجني أو حتى الجن (بالجمع) مثل أن الأبواب تفتح من تلقاء نفسها، وكنت أراهم، وأسمعهم ... الخ. لكن يبدو أن الأمور بدأت تتغير بشكل كبير. حيث بدأت بعض الأعمال تتكرر بشكل يومي، وهذه الأمور تجعلني غير مرتاحة في بيتي لدرجة أني أصبحت لا أرغب في العيش في بيتي هذا بعد الآن. الجني (أو الجن) يفتح الأبواب، يصرخ باسمي فأستيقظ من نومي مرتاعة، يطرق على بعض الأغراض، يظهر على صورة قط، يعبث بجهازي الكمبيوتر والهاتف، أنا أرى ظله.. إلى غير ذلك. الأمر غريب جدا. أنا لست متأكدة حقا كيف أتصرف في مواجهة هذه المشاكل. أنا آمل أن انتقالي من هذا البيت سينهي المشكلة. لكن في الوقت الراهن، فقد حاولت قراءة سور البقرة والإخلاص والفلق والناس، وأيضا فأنا أشغل أشرطة قراءة القرآن في بيتي. إن تلك الأعمال تتوقف بمجرد أن أقوم بما ذكرت آنفا، وإذا توقفت عن القراءة فإن الجن يظهر من جديد ويعلمني بحضوره بطريقة ما (في أغلب الأوقات) . أحيانا، يقفل جهاز تشغيل أشرطة الكاسيت ويعاد تشغيل جهاز الكمبيوتر في أثناء القراءة ... وقد وقع ذلك في مرارا. كما أن الجن يظهرون كثيرا لي في أحلامي. أنا لا أعرف كيف أتخلص من هذا الوضع، لكني سأقدر لك كثيرا جوابك أو نصحك لي في هذا الخصوص، وأرجو أن يكون ذلك سريعا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قول السائلة أنها رأت جنيّاً قولٌ خطأ؛ لأن الجن يرى ولا يُرى من قبَل الناس.
قال الشافعي:
من زعم من أهل العدالة أنه يَرى الجن أبطلت شهادته لأن الله عز وجل يقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} إلا أن يكون نبيّاً. " أحكام القرآن " (2 / 195، 196) .
وقال ابن حزم:
وأن الجن حق، وهم خلق من خلق الله عز وجل، فيهم الكافر والمؤمن، يروننا ولا نراهم، يأكلون وينسلون ويموتون. قال الله تعالى: {يا معشر الجن والإنس} وقال تعالى: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} وقال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وقال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} وقال تعالى: {كل من عليها فان} وقال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} … " المحلى " (1 / 34 / 35) .
ولهذا قد يكون ما رأته السائلة من الخيالات والتهيؤات، أو أنه جنٌّ قد تشكَّل على غير هيئته التي خلقه الله عليها.
ثانياً:
وأما بالنسبة لأذية الجني للإنسي فهي ثابتة وواقعة، وتكون الوقاية منه بالقرآن والأذكار الشرعيّة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه يرمي الحجارة، وربما يروعون الإنسان، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنَّة ودلَّ عليها الواقع، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذِن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات - وأظنها غزوة الخندق - وكان شابّاً حديث عهدٍ بعُرس، فلمَّا وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك، فقالت له: ادخل فدخل فإذا حيَّة ملتوية على الفراش، وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال - أي: الزمن الذي ماتت فيه الحيَّة - مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً الحية أم الرجل، فلمَّا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنّان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين.
وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم قد يؤذونهم، كما أن الواقع شاهدٌ بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمي بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخِربة، وقد يسمع أصواتاً وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به، وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي إما بعشق أو بقصد الإيذاء أو لسبب آخر من الأسباب، ويشير إلى هذا قوله تعالى {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} .
وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً أن لا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس.
وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنَّة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، والله الحافظ.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 287، 288) .
وقد جاء في السنَّة أذكار يعتصم بها الإنسان من الشياطين ومنها:
الاستعاذة بالله من الجن.
قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} ، وفي موضع آخر: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} .
عن سليمان بن صرد: أن رجلين استبَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجه أحدهما فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه البخاري (3108) ومسلم (2610) .
2. قراءة المعوذتين.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما.
رواه الترمذي (2058) وقال: حسن غريب، والنسائي (5494) وابن ماجه (3511) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (4902) .
3. قراءة آية الكرسي.
عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ هذه الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} . . . حتى ختم الآية فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك الليلة؟ قلت: يا رسول الله علَّمَني شيئاً زعم أن الله تعالى ينفعني به، قال: وما هو؟ قال: أمرني أن أقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشي، زعم أنه لا يقربني حتى أصبح، ولا يزال عليَّ من الله تعالى حافظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان. رواه البخاري (3101) .
4. قراءة سورة البقرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم (780) .
5. خاتمة سورة البقرة.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. رواه البخاري (4723) ومسلم (807) .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان. رواه الترمذي (2882) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1799) .
6. " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " مائة مرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. رواه البخاري (31119) ومسلم (2691) .
7. كثرة ذكر الله عز وجل.
عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... ، وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأَحْرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى. . . . الحديث.
رواه الترمذي (2863) وقال: حسن صحيح.
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1724) .
الشُّرف: المكان المرتفع.
ورِق: فضة.
أحرز: حمى ومنع.
8. الآذان:
عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا، فذكرت ذلك لأبي، فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولَّى وله حُصاص ". رواه مسلم (389) .
حُصاص: ضُراط، أو العَدو الشديد.
9. قراءة القرآن تعصم من الشياطين.
قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً} .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/543)
يزعم قدرته على معرفة السحرة من أسمائهم! فهل يستعان به لإيذائهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثني أخ لي عن شاب وهبه الله القدرة على اكتشاف السحرة , بمجرد معرفة أسمائهم , وعن طريق أدعية يقولها (لا نعرفها بالضبط) يستطيع أن يُمرض الساحر، أو يبتليه بحيث يدخله المستشفى. وهذا الشخص يصف للناس المصابين بالسحر، أو الممسوسين، أو الذين يعانون من أحوال غريبة , بحيث يقرأ الأدعية (ربما رقية) على الملح، أو السكر، أو الزيت , ويوصي أن هذا الملح يضاف على الأكل بعد طبخه، وليس أثناء الطبخ؛ لكي يكون له المفعول المطلوب , وهذا الشخص لا يأخذ المال على خدماته , والناس يشهدون له حسن عمله، هل يحل لنا أن نستعين به ضد السحرة، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الشاب المزعوم أنه موهوب دجَّال من الدجاجلة، وكاهن من الكهنة، وعرَّاف من العرَّافين، وليس على هدى ولا على طريق مستقيم، فهو يدَّعي علم أشياء هي من علم الغيب، ويستدل عليها بعلامات لم يجعلها الله تعالى علامات عليها، ولا هناك قواعد لذلك أصلاً، ونعني به: زعمه علمه بالسحرة من خلال معرفة أسمائهم! ومن المعلوم لكل موحد أنه ليس هناك آية، ولا حديث، ولا قاعدة، تعرِّف المسلم بأن هذا ساحر من خلال معرفة اسمه، فإذا زعم أنه يعلم السحرة من خلال أسمائهم: فإما أن يكون كاذباً أفَّاكاً، وإما أنه يعلم ذلك عن طريق أوليائه من الجن الكافر أو الفاسق.
وانظر جواب السؤال رقم: (91525) .
ثانياً:
ادعاء ذلك الدجال بأنه يستطيع أن يمرض السحرة أو أن يؤذيهم: مما يدل على ما وصفناه به، فالنفع والضر بيد الله تعالى، وهو وحده سبحانه القادر على إيقاع الضرر على الخلق، وليس ذلك بإرادة أحدٍ غيره، والأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هذه " الكرامة "! وكانوا عليهم السلام إذا أرادوا أن يهلك أعداء الدين: دعوا عليهم، ولم يكن باستطاعتهم إمراض الناس وإيذاؤهم وإهلاكهم، إلا أن يدعو أحدهم ربه تعالى فيستجيب الله دعاءه، فينفذ قدر الله بما شاء تعالى على أعدائهم.
ثالثاً:
ما يقرؤه من " كلمات " لا تعدُّ من الرقية الشرعية حتى تكون باللغة العربية، وتظهر كلماتها، وتكون موافقة للشرع لا مخالفة له، وكل ذلك لا يُعرف من ذلك الشاب؛ لأن الظاهر أنه يسر بتلك الكلمات ولا يجهر بها.
وانظر شروط الرقية الشرعية في جواب السؤال رقم: (13792) ، وفي هذا الجواب بينَّا كيفية التخلص من السحر، وبينَّا كيف نكشف الرقاة المخالفين للشرع.
وفي جواب السؤال رقم (21124) ذكرنا علامات السحرة، والعرافين، والكهان، وكيف نميزهم.
وتنظر شروط الراقي في جواب السؤال رقم: (7874) .
رابعاً:
كونه لا يطلب أجراً لا يدل على أنه ثقة، ولا أنه صادق، وهذه طريقة معروفة لأولئك الدجاجلة، حيث يوهمون العامة بذلك أنهم على خير، وعلى دين، ويستدل العامة على ذلك بأنه لا يطلب أجراً، وهذا ميزان فاسد.
ولا ينبغي الاغترار بشهادة العامة لأحدٍ من الناس، وخاصة في هذا الباب، فهم لا يفرقون بين المشرك والموحد، ولا بين السني والبدعي، ولا بين الصادق والكاذب، وليس عندهم ميزان علمي للحكم على أفعاله وتصرفاته لمحاكمتها وفق شرع الله تعالى، وهم يطلقون اسم " الشيخ " على كل من يعالج السحر والصرع، ولو سلك أي طريق في العلاج! ، ومن العجائب: أنه وُجد نصراني يسلك هذا الدرب في بعض البلاد، ويطلق عليه عامة الناس " الشيخ المسيحي "! وهو معروف، وقد تأكدنا من ذلك، ولا يزال كثيرون يطلقون عليه ذلك اللقب إلى الآن! .
والعبرة في هذا الباب هو حكم العلماء وطلبة العلم من أهل السنَّة والجماعة، فهم أقدر الناس على الحكم على أولئك المعالِجين بما يستحقونه، وقد أكرمهم الله تعالى باعتقاد صحيح، وعلم مؤصَّل وفق الكتاب والسنَّة يستطيعون بهما أن يميزوا بين الكاهن المشعوذ وبين الثقة الصادق ممن يقرأ على الناس ويعالجهم، فلا تلتفتوا لشهادة غيرهما، ولا تغتروا بحكم العامة، فوجوده كعدمه.
وعليه:
فلا يحل لأحدٍ الذهاب لهذا الدجَّال، ولا الاستعانة به، ولو زعم محاربة السحرة! فهو منهم، وإنما يريد دفع التهمة عن نفسه، وإخراج نفسه من زمرتهم، وقد ورد الوعيد الشديد في الذهاب إلى هؤلاء بعدم قبول صلاة أربعين يوماً من ذلك الذاهب، فإذا صدَّقه فيما يقول فإنه يكون قد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وانظر جواب السؤال رقم (98153) و (8291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/544)
هل يستجيبون لما تطلبه منهم المعالجة بالرقية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت أمي تأخذ قارئة للقرآن معها عند جدتي لكي تقرأ عليها؛ لأن جدتي كبيرة السن، ومقعدة، وفيها نوع من الخرف، وهي ليست كبيرة جدا، وهذه المرأة الراقية تقرأ الآيات، وتنفث على جدتي وعلى أمي في بعض الأحيان، ومرة من المرات وهي تقرأ مسكت رأس أمي، ووضعت يدها على رأسها، فأصبحت أمي تصرخ، لم أر هذا كله، لكن أمي قالت لي ما حصل لها، والآن أصبحت أمي تذهب لهذه القارئة، وتأخذني أنا وأختي، وعندما تقرأ عليها تصرخ، وتصبح يدها كأنها تريد أن تضرب أحدا، وتخرج أظافيرها وتتكلم كلام توعد وتهديد، وتستهزئ بالقرآن، فقالت لنا الراقية إن بها ماردا من مردة الشياطين، وأن أمي مسحورة، وهذا الجني يريد أن يؤذي أمنا ويجعلها مثل جدتي مقعدة، ولا يكون بها عقل، فوصتنا الراقية أن نقرأ سورة البقرة كل يوم، ونقرأ القرآن دائما في البيت، وأعطتنا زيت زيتون، وسدر، ومسك، وعسل، وحبة سوداء، وتمر العجوة، ووصتنا أن نداوم على استخدام هذه الأشياء، وقالت لنا أيضا: رشوا بيتكم بماء وملح خشن وماء ورد بالتعاقب، كل يوم في البيت. سؤالي: هل ما نفعله من هذه الأشياء يعتبر فيها نوع من أنواع الشرك، وهل يجوز لنا استخدام هذه الأشياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى لوالدتكم الشفاء التام العاجل بإذنه سبحانه، وأن يكتب لها ولكم الأجر والصبر والثبات.
ثم إننا لا نرى فيما ذكرتِ في السؤال شيئا يوجب الحكم بمنع الذهاب إلى هذه المرأة "المعالجة بالرقية "، فقد جاء في السؤال أنها ترقي بالقرآن الكريم، وتستعمل الزيت المبارك، والعجوة التي تقي من السم والسحر بإذن الله، ورائحة ماء الورد الطيبة تبعث في النفس قوة لمقاومة السحر أو الحسد، ويستعمل بعضهم العود والبخور لتحقيق هذا الغرض، وكلها أمور مشروعة إن شاء الله.
غير أن الذي نراه هنا هو استعمال الملح في رش البيت فإننا نخشى أن يكون هذا الأمر قد تسرب إلى بعض الراقين من اعتقادات العامة والخرافيين أن الملح يدفع العين ونحو ذلك.
وقد سألنا بعض الممارسين للرقى فذكر أنه لم يثبت للملح أثر في ذلك، وإن كان قد يستعمله بعض الناس.
والذي ننصحكم به التيقظ التام لألفاظها وقراءتها في رقيتها، فإذا تجاوزت الألفاظ الشرعية من أذكار وأدعية وآيات إلى أمور غير مفهومة أو يقع فيها الشك، فسارعوا حينئذ إلى استفهامها وسؤال أهل العلم عنها، فكثير من المعالجين بالرقية يظهر القراءة بالقرآن الكريم ليوهم السامعين، في حين أنه يستعمل السحر والشعوذة في كلمات مخفية يذكرها أو يكتبها ليؤذي بها المريض فلا يزال يأتيه ويدفع له الأموال.
وانظري في موقعنا العديد من الأسئلة المفيدة في هذا الموضوع، تحت الأرقام الآتية:
(11290) ، (12918) ، (13792) ، (21124) ، (91901)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/545)
هل يكفر من أتى عرافاً وسأله عن شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين الحديثين التاليين: 1- (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، رواه مسلم في صحيحه. 2 – (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ، رواه أبو داود. فالحديث الأول لا يدل على الكفر في حين الآخر يدل على الكفر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تعارض بين الحديثين، فحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) يراد منه: أن من سأل الكاهن معتقداً صدقه وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر؛ لأنه خالف القرآن في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65.
وأما الحديث الآخر: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم وليس فيه (فصدقه) .
فبهذا يُعلم أن من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/48) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/546)
كتاب مجربات الديربي الكبير كتاب سحر وكهانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح سؤالاً حول كتاب مجرَّبات الديربي الكبير، هل هو كتاب سحر؟ وما حكم الاطلاع عليه من باب الفضول؟ وما حكم إبقائه في المنزل أو إهدائه لأحد؟ وإن كان كتاب سحر فكيف نتخلص منه؟ وهل يجب على من كان يقرؤه أو يعمل بما فيه من أدعية أن يتوب؟ أي أنه فعل منكرًا. للعلم فالكتاب يتحدث عن العلاج بطرق مختلفة، وفيه أدعية، منها ما هو مألوف، وبعضها غريب لم أسمعه قبلاً، وقد طرحت سؤالي لأنني ارتبت مما في الكتاب، وشككت أنه من السحر، كما قرأت في بعض المواقع الإسلامية أنه كتاب سحر وكهانة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اسم هذا الكتاب كاملا هو: " فتح الملك المجيد المؤلف لنفع العبيد وقمع كل جبار عنيد "، ويسمى اختصارا بـ " مجرَّبَات الديربي "، ومؤلفه هو: أحمد بن عمر الديربي، المتوفى سنة 1151هـ، ترجمته في "الأعلام" للزركلي (1/188) .
وموضوع كتابه هذا في مُجَرَّبَات العلاج بالذكر والقرآن، حيث عقد فيه ستة وثلاثين بابا يبين فيها فوائد بعض السور والآيات والأذكار والأسماء الحسنى في علاج كثير من الأمراض، وتغيير بعض الأحوال، يزعم في مقدمته أنه جمع هذه الفوائد من: " التعاليق التي بخطوط العلماء، ومن الكتب الجليلة "
ولكن الواقع خلاف ذلك:
فقد اطلعنا على الكتاب المذكور، فلم نجد فيه شيئا منقولا عن أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء والمحدثين، بل وجدناه مليئا بالأمور الباطلة، وكثير من الكتب التي تحمل هذا العنوان " المُجَرَّبات " هي على الشاكلة نفسها، مليئة بالخرافات والأباطيل التي لا يجوز للمسلم أن يعتقد صحتها، فضلا عن أن يعمل بها.
وخلاصة المآخذ عليه في أمور ثلاثة:
1- دعوى نفع آيات أو أذكار أو كلمات أو أسماء معينة في شفاء أمراض معينة لا يثبت إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، وليس لأحد نسبة ذلك إلى دين الله، وإلا يكون مقتحما أبواب البدعة المنكرة.
2- استعمال كثير من الكلمات غير المفهومة، بحيث يخشى أن تحتوي على معاني باطلة، أو ذرائع شركية.
3- عدم ذكر أدلة المجربات المذكورة، ولا من جربها، ولا في كم حالة جربت ونفعت، فالتجربة لا يثبت نجاحها إلا إذا نفعت في أكثر الحالات المطبقة، وهذا يحتاج إلى دراسة علمية منهجية، وليس مجرد دعاوى لا يدرى صدق مدعيها من عدمه: وهذا مأخذ في غاية الأهمية.
ولذلك فلا نعد هذا الكتاب إلا ضمن كتب الخرافة، ولا نرى جواز شرائه ولا قراءته فضلا عن العمل بما فيه لأحد من المسلمين، بل ينبغي على المسلم حفظ ماله من الضياع فيما لا يفيد، والواجب على جميع المسلمين الغيرة على دينهم أن ينسب إليه ما ليس منه مما لا تقبله العقول السليمة، ولم ترد به الأدلة الصحيحة.
وقد أفتى العلماء قديما بحرمة شراء الكتب المشتملة على العلوم المحرمة، والمؤسسة على الضلالة والغواية، بل أفتوا بحرمة النظر والمطالعة فيها إلا لعالم يريد نقدها والجواب عليها.
يقول ابن بطة العكبري في "الشرح والإبانة" (ص/361) :
" ومن البدع النظر في كتب العزائم والعمل بها " انتهى.
ويقول ابن القيم في "زاد المعاد" (5/761) :
" وكذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتخاذها، فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها، فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية/ (2/198) :
" السؤال: أرفق لفضيلتكم ثلاثة كتيبات هي: (حرز الجوشن) ، و (مجربات الديربي) و (أسماء أهل بدر) .
فما حكم قراءتها والعمل بها، وما هي نصيحتكم لمن يصر على التعامل معها؟
والجواب:
بعد اطلاع اللجنة على الكتب المذكورة وجد أنها تحتوي على شركيات وأدعية مبتدعة وطلاسم وتوسل بالصالحين، وعلى هذا فهي كتب لا يجوز اقتناؤها، ولا العمل بما فيها، بل يجب إتلافها والابتعاد عنها للسلامة من شرها.
وهناك - ولله الحمد - من الأدعية الصحيحة النافعة ما يكفي المسلم، ونحيل في ذلك على كتاب (الوابل الصيب) لابن القيم، و (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (الأذكار) للإمام النووي، وفيها الخير الكثير ولله الحمد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/547)
هل تنصح صديقتها بالذهاب إلى أحد المعالجين بالرقى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم شيخ وإمام مسجد بمعالجة الناس بالقرآن الكريم، حيث يقوم بالقراءة على رأس الشخص، ومن ثم يخبره بسبب حالته، سواء أكانت عينا، أم وساوس شيطان، أو إذا كانت حالته ليست مما ورد فيخبره بأن يذهب لطبيب مختص، وقد قام الشيخ بمعالجتي قبل أربع سنوات، فقال لي أن أحافظ على الصلاة في وقتها، وأن أقرأ سورة البقرة على زيت زيتون، ومن ثم أدهن جسدي به عدا شعر الرأس والعورة المغلظة لمدة سبع ليالي قبل النوم، وأن أقوم لمدة أربعين يوما بما يلي: بقراءة سورة يس يوميا على ماء وشربه، وأن أقوم بالتهليل والاستغفار والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة، وأن أشرب ملعقة من عسل الكينا البري، أو السدر البري، ثلاث مرات يوميا، والآن هناك صديقة لي تريد أن تفعل نفس الشيء عندما أخبرتها بتجربتي، وأنا أريد أن أسأل هل هذا من الأمور المشروعة، أم هل هناك ما هو محرم منها؛ لأني في ذلك الوقت لم أفكر أن أسأل، لأنه كله من القرآن والأدعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعسل مذكور في الطب النبوي. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة التداوي بالرقية ولا بالطب عند الرجل، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، كأن يشتد عليها الألم ولا تجد من يعرف علاجها من النساء، فتلجأ حينئذ للرجال، لكن بشرط المحافظة على الحجاب الشرعي، ووجود محرم معها عند المعالجة، والاقتصار على لمس أو كشف ما يقتضيه أمر الفحص والعلاج.
جاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/467) :
" عن عطاء في المرأة تنكسر، قال: لا بأس أن يجبرها الرجل.
وعن قتادة قال: قلت لجابر بن زيد: المرأة ينكسر منها الفخذ أو الذراع أجبره؟ قال: نعم. وعن الشعبي سئل عن المرأة يكون بها الجرح، قال: يخرق موضعه ثم يداويها الرجل " انتهى باختصار.
وقال السفاريني في "غذاء الألباب" (2/21) :
" وحيث جاز للطبيب مداواة المرأة الأجنبية، فلا تجوز له الخلوة بها في بيت أو نحوه " انتهى.
ثانيا:
أما عن أعمال هذا الذي يرقى بالقرآن الكريم، فلا نرى فيها حرجا ولا محذورا، إلا أننا ننبه على عدم جواز اعتقاد خصوص أعداد الأذكار والسور كسورة " يس " التي أمركم بها بمزيد فضل وعظيم أثر، وإنما هي أرقام للعون على الامتثال وعدم التقصير، فليست تعبدية، ولا يتوقف العلاج على الالتزام بها تماما، أما غير ذلك فلا نرى – بحسب ما ورد في السؤال – أي حرج من التعامل معه بالشروط السابقة.
وانظري في موقعنا العديد من الأسئلة المفيدة في هذا الموضوع، تحت الأرقام الآتية:
(12918) ، (13792) ، (21124) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/548)
هل إبليس من الجن أو من الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إبليس ملك أم جني؟ فإن كان ملكاً فكيف عصى الله والملائكة لا يعصون الله؟ وإن كان جنياً فإن هذا يوضح أن له اختيار الطاعة أو المعصية. أرجو الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إبليس - لعنه الله - من الجن، ولم يكن يوماً ملكاً من الملائكة، ولا حتى طرفة عين؛ فإن الملائكة خلق كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد جاء ذلك في النصوص القرآنية الصريحة التي تدل على أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، ومنها:
1- قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) الكهف / 50.
2- وقد بيّن الله تعالى أنه خَلَقَ الجن من النار، قال تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) الحجر/27، وقال: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) الرحمن/15. وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَت الملائكة من نور، وّخُلِقَ الجَّان من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدم مما وُصِفَ لكم " رواه مسلم في صحيحه برقم 2996، ورواه أحمد برقم 24668، والبيهقي في السنن الكبرى برقم 18207، وابن حبان برقم 6155.
فمن صفات الملائكة أنها خُلِقت من نور، والجن خُلِق من نار، وقد جاء في الآيات أن إبليس - لعنه الله - خُلِقَ من النار، جاء ذلك على لسان إبليس لما سأله الله سبحانه وتعالى عن سبب رفضه السجود لآدم لمّا أمره الله بذلك، فقال - لعنه الله -: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف/12، ص/76، فيدل هذا على أنه كان من الجن.
3- وقد وَصَفَ الله عز وجل الملائكة في كتابه الكريم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6. وقال سبحانه: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمون * لا يَسْبِقُوْنَهُ بالقَولِ وهُم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء / 26 -27. وقال: (وَلِلّهِ يَسجُدُ مَا فِي السَمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ والمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ) النحل / 49 -50. فلا يمكن أن يعصي الملائكة ربهم لأنهم معصومون من الخطأ ومجبولون على الطاعة.
4- وكون إبليس ليس من الملائكة فإنه ليس مجبراً على الطاعة، وله الاختيار، كما لنا نحن البشر، قال تعالى: (إناّ هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) ، وأيضاً فإن هناك المسلمين والكافرين من الجن؛ جاء في الآيات من سورة الجن: (قل أوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدِي إلى الرُّشد فآمنّا به ولن نُشرِك برنا أحداً) الجن / 1-2. وجاء في نفس السورة على لسان الجن: (وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يُؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رَهَقاً * وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون..) الآيات.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (قال الحسن البصري: " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر " رواه الطبري بإسناد صحيح) ج3/ 89.
وقد قال بعض العلماء إن إبليس ملَكٌ من الملائكة، وأنه طاووس الملائكة، وأنه كان من أكثر الملائكة اجتهاداً في العبادة.. إلى غير ذلك من الروايات التي معظمها من الإسرائيليات، ومنها ما يُخالِف النصوص الصريحة في القرآن الكريم..
وقد قال ابن كثير مبيّناً ذلك: " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات - التي تُنْقَلُ لِيُنْظَرَ فيها - والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقْطَعُ بكذِبِهِ لمُخَالَفَتِهِ للحقّ الذي بأيدينا، وفي القرآن أخبار غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دَوّنوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم " تفسير القرآن العظيم ج 3/90. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/549)
تفصيل القول في وقوع وحكم نكاح الجن للإنس والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت معرفة صحة زواج الإنس بالجان هل هو صحيح وإذا كان صحيحاً كما أسمع: فكيف يتم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
امتنَّ الله تعالى علينا بأن خلق " الأنثى " من ذات جنسنا، فكانت بشراً حتى يحصل سكن الرجل إليها، ويحصل بينهما مودة ورحمة، وحتى يتم إعمار الأرض بالذرية.
قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل/ من الآية 72.
وقال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) الآية، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنَّه امتنَّ على بني آدم أعظم مِنَّة، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً، من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر: ما حصل الائتلاف، والمودة، والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، وهذا من أعظم المنن، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على أنه جل وعلا هو المستحق أن يعبد وحده.
وأوضح في غير هذا الموضع أن هذه نعمة عظيمة، وأنها من آياته جل وعلا، كقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) ، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) .
" أضواء البيان " (2 / 412) .
وأما بخصوص حكم التزاوج والنكاح بين الجن والإنس: فقد اختلف العلماء فيه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: التحريم، وهو قول الإمام أحمد.
والقول الثاني: الكراهة، وممن كرهه: الإمام مالك، وكذا كرهه الحكم بن عتيبة، وقتادة، والحسن، وعقبة الأصم، والحجاج بن أرطاة، وإسحاق بن راهويه – وقد يكون معنى " الكراهة " عند بعضهم: التحريم -.
وهو قول أكثر أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكره أكثر العلماء مناكحة الجن.
" مجموع الفتاوى " (19 / 40) .
والقول الثالث: الإباحة، وهو قول لبعض الشافعية.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن. فمنعها جماعة من أهل العلم، وأباحها بعضهم.
قال المناوي في " شرح الجامع الصغير ": ففي " الفتاوى السراجية " للحنفية: لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء؛ لاختلاف الجنس، وفي " فتاوى البارزي " من الشافعية: لا يجوز التناكح بينهما، ورجح ابن العماد جوازه.
وقال الماوردي: وهذا مستنكر للعقول؛ لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني، وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع اهـ.
وقال ابن العربي المالكي: نكاحهم جائز عقلاً، فإن صح نقلاً: فبها ونعمت.
قال مقيده عفا الله عنه: لا أعلم في كتاب الله ولا في سنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم نصّاً يدل على جواز مناكحة الإنس الجن، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه، فقوله في هذه الآية الكريمة: (والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) النحل/ 72 ممتنّاً على بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم: يُفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجاً تباينهم كمباينة الإنس والجن، وهو ظاهر، ويؤيده قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم/ 21.
فقوله: (أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا) في معرض الامتنان: يدل على أنه ما خلق لهم أزواجاً من غير أنفسهم.
" أضواء البيان " (3 / 43) .
وقال الشيخ ولي زار بن شاهز الدين – حفظه الله -:
أما القضية من حيث الواقع: فالكل قد جوز وقوعها، وحيث إن النصوص ليست قاطعة في ذلك – جوازاً أو منعاً -: فإننا نميل إلى عدم الجواز شرعاً؛ لما يترتب على جوازه من المخاطر التي تتمثل في:
1. وقوع الفواحش بين بني البشر، ونسبة ذلك إلى عالم الجن، إذ هو غيب لا يمكن التحقق من صدقه، والإسلام حريص على حفظ الأعراض وصيانتها ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما هو مقرر في الشريعة الإسلامية.
2. ما يترتب على التناكح بينهما من الذرية والحياة الزوجية - الأبناء لمن يكون نسبهم؟ وكيف تكون خلقتهم؟ وهل تلزم الزوجة من الجن بعدم التشكل؟ - ...
3. إن التعامل مع الجن على هذا النحو لا يسلم فيه عالم الإنس من الأذى، والإسلام حريص على سلامة البشر وصيانتهم من الأذى.
وبهذا نخلص إلى أن فتح الباب سيجر إلى مشكلات لا نهاية لها، وتستعصي على الحل، أضف إلى ذلك أن الأضرار المترتبة على ذلك يقينية في النفس والعقل والعرض، وذلك من أهم ما يحرص الإسلام على صيانته، كما أن جواز التناكح بينهما لا يأتي بأية فائدة.
ولذلك فنحن نميل إلى منع ذلك شرعا، وإن كان الوقوع محتملاً.
وإذا حدث ذلك، أو ظهرت إحدى المشكلات من هذا الطراز: فيمكن اعتبارها حالة مرضية تعالج بقدرها، ولا يفتح الباب في ذلك.
" الجن في القرآن والسنة " (ص 206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/550)
تصفيد الشياطين في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن أننا نعرف أن شهر رمضان تقيد فيه الشياطين والعياذ بالله منهم ... كذلك أود الاستفسار عن هل السحرة عليهم لعنة من الله يعملون في هذا الشهر الكريم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، قد توسوس الشياطين للإنسان في رمضان، وقد يعمل السحرة في رمضان، ولكن ذلك بلا شك أقل منه في غير رمضان.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين) . رواه البخاري (3277) ومسلم (1079) . وعند النسائي (2106) (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) .
والمردة جمع مارد، وهو المتجرد للشر.
وهذا لا يعني أنه ينعدم تأثير الشياطين تماماً، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان.
ويحتمل أن الذي يغل هو مردة الشياطين وليس كلهم.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ.
أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.
أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/551)
ما الفرق بين الجن والشيطان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الجن والشيطان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجن هو ذلك العالم الخفي الذي خلقه الله تعالى من النار، خلقه الله تعالى لعبادته، كما قال تعالى:) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذريات/56. وقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس جميعاً.
ووجود هذا العالم من الأمور المعلومة في دين الإسلام، ومن أنكره كفر؛ لأنه أنكر شيئا ثابتاً في القرآن الكريم، فإن من سور القرآن سورة كاملة اسمها سورة " الجن ".
ولما كان هذا العالم – عالم الجن – مكلفا بالتكاليف الشرعية، مأمورا بالإيمان بوحدانية الله، وعبادة الله وحده لا شريك له، واتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجد فيه من أطاع وآمن، ومن عصى وخالف وكفر.
وقد أخبرنا الله سبحانه عن ذلك على لسان الجن، فقال عز وجل: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن/14-1.
والشيطان اسم لما كفر من الجن، فلا يقال لمؤمن الجن: شيطان، وإنما يقال ذلك لكافرهم.
قال الله عز وجل: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) الكهف/50.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/16) :
" الشيطان مشتق من البعد على الصحيح، ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا، قال الله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) " انتهى.
وثبت في الصحيحين ما يدل على أن الشياطين من الجن، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ، تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: (يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ) رواه البخاري (4921) ومسلم (449) .
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/675) :
" وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن، وأنهما لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان؛ فلا يقال لمن آمن منهم إنه " شيطان " " انتهى.
وقال الرازي في "مفاتيح الغيب" في تفسير سورة الحجر الآية 27:
" الأصح أن الشيطان قسم من الجن: فكل من كان منهم مؤمناً فإنه لا يسمى بالشيطان، وكل من كان منهم كافرا يسمى بهذا الاسم " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (102373) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/552)
حكم استعمال البخور لطرد الشياطين
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بعض الناس باستخدام بخور يباع عند العطارين يسمى "نقض" يدعون أنها تطرد الشياطين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أعلم لهذا العمل أصلاً شرعياً، والواجب تركه، لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تطرد الشياطين بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) وقال له رجل: يا رسول الله، ماذا لقيت ُالبارحة من لدغة عقرب. فقال له صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح) وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للعلم النافع والعمل به، إنه سميع قريب"انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/280) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/553)
تبين له أن شيخه يتعامل مع الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يدرس عند شيخ يتعامل مع الجن لعلاج الملموسين والملموسات والمسحورين والمسحورات، وقد علم الشاب بذلك متأخرا، فهل يقطع دراسته عند هذا الشيخ ويترك المكان؟ مع العلم أن دراسته على وشك الانتهاء، وهذه الدراسة في العلوم الشرعية والقرآن. وما حكم تدريس القرآن لهذا الشاب الذي يشرف عليه هذا الشيخ؟ وما حكم الصدقة التي يأخذها هذا الطالب من هذا الشيخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
معاملة الجن خطرٌ عظيم، وبابٌ من أبواب الشر والفساد، طالما أصاب الناس من شره وآفته، وحسبك في ذلك أن الشرك لم يدخل على الناس إلا من طريقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - مُخبرا عن تعليم الله عز وجل عباده بقوله -: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) رواه مسلم (2865)
وإن كان في الجن من المؤمنين والمسلمين كما فيهم من الكافرين الفاسقين، غير أن احتجابهم عن الإنسان يحول دون الاطمئنان إلى أي منهم، ويوجب الخوف من استدراجهم، خاصة مع انتشار الجهل واشتهار البدع التي هي بريد الشرك، فغالبا ما توقع هذه المخلوقات الإنسان فيما يحرم، ثم لا تنفعهم أيضا إلا يسيرا.
وقد قال الله عز وجل: (وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6
لذلك كانت فتاوى أهل العلم بحرمة التعاطي مع الجن والتعامل معهم مطلقا – سواء في ذلك المؤمن منهم والكافر – وضرورة عدم التساهل في ذلك، سدا لباب الفتنة والريبة، ورعاية لقلوب الناس التي تملؤها الفطرة الإيمانية.
جاء في "الإنصاف" للمرداوي (10/351) :
" قوله: (فأما الذي يُعَزِّمُ على الجن، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه: فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر) فعلى المذهب: يعزر تعزيرا بليغا لا يبلغ به القتل على الصحيح من المذهب، وقيل: يبلغ بتعزيره القتل " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/18) :
" أما الاستعانة بغير الله، فإما أن تكون بالإنس أو الجن: فإن كانت الاستعانة بالجن فهي ممنوعة، وقد تكون شركا وكفرا، لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 " انتهى.
ويقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (تحت حديث رقم/2760) :
" ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ " الطب الروحاني "، سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن - كما كانوا عليه في الجاهلية - أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي " التنويم المغناطيسي "، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تُشرع؛ لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6، أي: خوفا وإثما.
وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم دعوى كاذبةٌ؛ لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن/14 هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27 " انتهى.
وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى أخرى لأهل العلم في هذا الموضوع في أجوبة الأسئلة الآتية: (10518) ، (11114) ، (78546)
ثانيا:
أول ما ينبغي لطالب العلم في طلبه تخير العلماء الثقات، أهل الديانة والأمانة والورع، فلا يحمل العلم إلا عَمَّن يؤخذ عنه بحقه، وحقه العمل به بطاعة الله والتزام شرعه وأمره، فإن للمعلم أكبر الأثر في نفس الطالب المتعلم، ولا بد أن يتزين ذلك بتقوى الله عز وجل.
عن إبراهيم النخعي قال:
" كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخذون عنه " انتهى. "الجامع لأخلاق الراوي" (1/127)
وقد ذكر العلماء ذلك فيما ينبغي على متعلم القرآن الكريم خاصة.
يقول النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/13) :
" ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين، فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم " انتهى.
وقال الزرنوجي رحمه الله في "تعليم المتعلم" (ص/7) :
" ينبغي أن يختار الأعلم والأورع واأسن، كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكر، وقال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا " انتهى.
ويقول ابن جماعة الكناني في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/133) :
" ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليما، وأجود تفهيما.
ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل، فعن بعض السلف: " هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفعَ يحصل غالبا، والفلاحَ يُدرِك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيبٌ وافر، وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر.
وكذلك إذا اعتبرت المصنفات، وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر " انتهى.
ثالثا:
فالنصيحة لهذا الطالب أن يترك ذلك المعلم الذي يستخدم الجن – إن ثبت ذلك عنه يقينا -، ولا يأخذ عنه شيئا من العلم أو الخلق أو الدين، فذلك أحوط لدينه ونفسه، وأبرأ لذمته، إن كان بمقدوره أن يعوض ما فاته، ويكمل دراسته عند شيخ من أهل السنة والاستقامة.
وأما إن كان لا يوجد في بلده من أهل الاستقامة من يقوم له بذلك، فالذي نراه أنه يكمل القدر اليسير المتبقي له من دراسته، إذا كان الحال ما ذكر من أنه إنما يستخدم الجن في علاج المسحورين أو المرضى، ولم يعرف عنه أنه يعمل بالسحر أو أذى المسلمين، أو العدوان على أموالهم أو أعراضهم، والقاعدة عند أهل العلم أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء؛ فنحن، وإن كنا نمنع ابتداء أن يتعلم الطالب على شيخ من أهل البدع، أو ممن يظهر عليه انحراف في علمه أو عمله، ففي مثل حال السائل، يرخص له في استمراره في هذه الدراسة حتى ينتهي، لا سيما إن كان القدر المتبقي يسيرا، ولا سيما ـ أيضا ـ إن كان في بلد يعز عليه أن يجد بديلا من أهل الاستقامة والسنة.
على أنه يؤيد ما ذكرناه هنا ـ أيضا ـ أن هذا الشيخ ربما كان يأخذ بقول من يقول بجواز استعمال الجن في الأمور المباحة، كالتي ذكرت في السؤال، فيكون متأولا معذورا، لا نستطيع أن نبدعه أو نضلله.
وهذا القول، وإن كان قال به بعض علماء أهل السنة، إلا أن الصواب هو ما ذكرناه أولا، من المنع من استخدام الجن مطلقا. لكن الراجح في المسألة شيء، وأعذار المتأولين شيء آخر.
رابعا:
نصيحتنا في شأن الصدقة أيضا الاستغناء عنها، والسعي الدائم إلى تحصيل العيش من كسب اليد، من غير تقصير في طلب العلم ولا انهماك في طلب الرزق، بل يكون معتدلا، يتكفف عما في أيدي الناس، ويجتهد في تعلم مسائل الدين، وبذلك ينال رضى الله عز وجل.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رواه مسلم (2699)
لكن إن أعوزت الطالب الحيلة، واضطر إلى الصدقة التي يعطيه إياها هذا المعلم، فلا حرج عليه إن شاء من قبولها وأخذها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/554)
هل يستطيع الجني أن يضع السحر في أماكن خفية في المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جوابا لسؤال محيّر: إذا كان البيت فيه عمل أو شيء من السحر والعياذ بالله، ورأينا أي شيء يدل على ذلك، وقد أخذناه إلى الشيخ: كيف يدخل السحر (العمل) ؛ هل هو عن طريق الجن أم ماذا؛ لأن المكان لا يستطيع أحد الوصول إليه؟ أتمنى أن يكون سؤالي واضحا مع جزيل الشكر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المادة التي يضع فيها الساحر سحره، كالخيوط والعقد والأوراق وغيرها، قد يلقيها الساحر في بيت المسحور بنفسه، أو عن طريق الجن، أو يعطيها لمن طلب السحر ليضعها بنفسه حيث يريد.
والجن لهم قدرات يتمكنون بها من دخول المنازل والأمكنة، وقد يسرقون منها بعض الأمتعة، كما في حديث أبي هريرة وسرقة الجني من تمر الصدقة، أو يضعون فيها ما يأمرهم به الساحر، وعلى المسلم أن يتحصن بالأذكار الشرعية، وأن يسمي الله تعالى عند دخوله وعند طعامه وشرابه، وأن يغلق بابه، فإن الشيطان لا يفتح بابا أغلق.
وينظر: سؤال رقم: (101681)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان ما تفعله الشياطين للسحرة: " وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه، وتأتى به " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/35) .
فمن أغلق بابه وسمى الله، ووضع متاعه وماله وسمى الله، كان ذلك حفظا له من الجن.
وقد يضع الساحر السحر بنفسه، كما في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل [من اليهود] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم [وكان يأمنه] فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار [فاشتكى لذلك أياما ـ وفي حديث عائشة (ستة أشهر) ـ] فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال فلان الذي [كان] يدخل عليه عقد له عُقَدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري فلو أرسل [إليه] رجلا وأخذ [منه] العقد لوجد الماء قد اصفر. [فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين) وقال: إن رجلا من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان قال] فبعث رجلا وفي طريق أخرى فبعث عليا رضي الله عنه) [فوجد الماء قد اصفر] فأخذ العقد [فجاء بها] [فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية] فحلها [فجعل يقرأ ويحل] [فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة] فبرأ. وفي الطريق الأخرى: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال) وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا منه ولم يعاتبه [قط حتى مات] ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني.
وأفاد هذا الحديث أن السحر إذا استخرج وكان فيه عقد، فإنها تحل مع القراءة.
وبين أهل العلم أنه يتلف ما عمله الساحر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) .
وينبغي الحذر من الذهاب للعرافين والدجالين، فإنه هذا محرم لا يجوز، وإنما يجوز الاستعانة بأهل الاستقامة والصلاح، المتمسكين بالسنة، في علاج السحر وإبطاله.
وينظر: سؤال رقم (13792) ورقم (21124) ورقم (11290) ورقم (12918)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/555)
هل إبليس أبٌ للجن كلهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إبليس أب للجن كلهم: الصالحين والشياطين منهم، أَمْ أَبٌ للشياطين فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشياطين هم كفار الجن، قال الله تعالى عن إبليس اللعين: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الكهف/50.
وذهب كثير من أهل العلم إلى أن إبليس هو أبو الجن كلهم: مؤمنهم وكافرهم، فهو أصلهم وهم ذريته: نُقل هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري وغيرهم.
انظر: "تفسير الطبري" (1/507) ، "الدر المنثور" (5/402) .
وروي في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/197) عن معاوية بن الحكم السلمي، إلا أنه ضعيف جدا، تفرد به طلحة بن زيد القرشي الذي قال فيه علي بن المديني: كان يضع الحديث. انظر "تهذيب التهذيب" (5/16) .
وقد أطلق شيخ الإسلام على إبليس أنه " أبو الجن " في أكثر من موضع، انظر "مجموع الفتاوى" (4/235،346) ، وكذا تلميذه ابن القيم، ثم الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/369) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (9/370-371) -:
" والشيطان هو أبو الجن عند جمعٍ من أهل العلم , وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم , فطرده الله وأبعده " انتهى.
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (الجن والشياطين/سؤال رقم/2) :
" لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة سبحانه وتعالى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) .
فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته. ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم " انتهى.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (13378) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/556)
الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة كيف يتوافق إخبار القرآن بأنه لا يعلم الغيب إلا الله مع اكتشافي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا في أحد الأحاديث بأن تنبؤ الجن بما سيحدث في المستقبل يحمل جزءا من الصدق، ثم يدخل الجن به مئات الأكاذيب ويخبرونا بها، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بأن التنجيم يقوم على الأكاذيب " الشمس والقمر هما آيتان فقط من آيات الله ". فكيف تخبرنا الجن بما سيحدث فى المستقبل مع أنه لا يعلم بذلك إلا الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فإن علم الغيب مما استأثر الله تعالى بعلمه كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فقد قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65، وقال سبحانه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام/59.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الآية/34، وروى البخاري في صحيحه حديث رقم (4477) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) .
ولكن من المهم في هذه المسألة أن نعلم ما هو الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فإن الغيب معناه ما كان غائبا؛ وهذا الغائب إما أن يكون غائبا عن الخلق كلهم - أهل السماء وأهل الأرض -، فهذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وهو الذي يسمى بالغيب المطلق.
وإما أن يكون هذا الغائب غائبا عن بعض الخلق، ومعلوما لخلق آخرين، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به، وليس هو غيبا عن جميع الخلق، فلا يختص الله عز وجل بعلمه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) : " المراد بالغيب: ما كان غائباً، والغيب أمر نسبي، لكن الغيب المطلق علمه خاص بالله " انتهى.
وما يخبر به الكهان، مما سيقع في المستقبل ليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم ما في غد، بل هم كذابون في دعاواهم؛ لكن قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سرقوا علم ذلك، مما أوحاه الله على ملائكته، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) رواه البخاري برقم (7561) .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية استراق الجن لهذه الكلمة فقال: (وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ) رواه مسلم برقم (2229) .
فتبين من هذا أن الجن لا يعلمون الغيب وإنما يسترقون السمع من الكلام الذي تردده الملائكة، والملائكة أنفسهم لم يكن عندهم شيء من علم ذلك، إلا بعد أن أعلمهم الله عز وجل به، وبعد علمهم به لم يعد غيبا مطلقا، وأما قبل ذلك فإنهم كغيرهم من الخلق لايعلمون من الغيب شيئا، فرجع هذا إلى إخبار الله، وإعلامه لهم، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) الجن/26.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن أشرف الرسل الملكي وهو جبريل سأل أشرف الرسل البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ، والمعنى: كما أنه لا علم لك بها، فلا علم لي بها أيضا) انتهى.
"شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/557)
تشك في أن الجن يسرق شيئا من متاع البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في أوروبا وأسكن منزلا منذ سنة لاحظت قبل أشهر اختفاء بعض الأشياء من المنزل ولم أهتم في البداية لكن عندما عاد شيء اختفى من مدة بحثت عنه كثيرا والغريب أن أجده في نفس المكان الذي داومت على البحث عنه فيه لمدة 3 أشهر هنا أصبت بالهول وبدأت أتذكر كل الأشياء السابقة وبدأ الشك والخوف يدخل إلى قلبي هل هذا البيت فيه شيء مثل الشياطين أم ماذا؟ رغم أنني محافظة على الصلاة وتلاوة ورد يومي ولله الحمد ربما كنت مقصرة في الأذكار اليومية لكني الآن ولله الحمد محافظة على جميع الأذكار ومازلت أشعر بالخوف على نفسي وأسرتي هل أترك هذا المنزل أم لا؟ رغم أني لم أعد أطيق العيش به ونفسيتي تعبانه جدا أرجو مساعدتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أحسنت في مواظبتك على الصلاة وورد التلاوة اليومي، فهما من خير الأعمال، ومن أسباب الحفظ والوقاية من المهالك والمضار، نسأل الله لك الحفظ والعافية والمعافاة في الدين والدنيا.
ثانيا:
إذا كنت متأكدة من اختفاء بعض الأشياء من منزلك، وأن أحداً ممن يسكن معك لم يأخذها لغرض ما، وتكرر ذلك، فلا يبعد أن يكون هذا من فعل الجن، فإن فيهم الصالح والطالح، وفيهم من يسرق لنفسه أو لغيره، لكن علاج ذلك سهل والحمد لله، فإنك إذا وضعت الأشياء وذكرت اسم الله عليها، ودخلت المنزل وسميت الله، وأغلقت الباب وسميت الله، لم يكن للجن سبيل إلى دخول منزلك أو أخذ شيء من متاعك.
فقد روى مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) .
وروى مسلم (2012) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ) .
ورواه البخاري (3280) بلفظ: (َأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا) .
وعليه، فإذا أغلقت الباب وسميت الله، ووضعت متاعك في صندوق مثلا وسميت الله، فإنه يكون محفوظا بإذن الله؛ لأن الشيطان لا يفتح بابا ولا يكشف إناءً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد حديث أبي هريرة وكلامه مع الجني الذي كان يسرق من تمر الصدقة: " وَأَنَّ الْجِنّ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَام الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَيَخْدَعُونَ , وَفِيهِ فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ وَفَضْل آخَر سُورَة الْبَقَرَة , وَأَنَّ الْجِنّ يُصِيبُونَ مِنْ الطَّعَام الَّذِي لَا يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ " انتهى مختصرا.
وإذا قدّر أنك أخذت بهذه الوسائل، ثم لم تجدي راحة في البقاء في المنزل، فالأفضل أن تبحثي عن منزل آخر، فقد روى أبو داود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى، فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَرُوهَا ذَمِيمَةً) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. أي اتركوها مذمومة.
وينظر جواب السؤال رقم (27192) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/558)
ذهب إلى ساحر لفك السحر فهل له من توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قلبي يعتصر ألما وعقلي كاد يشت أصبحت لا أدري ما الصواب وما الخطأ أشياء كثيرة كنت أتحاشا فعلها وقعت فيها، بل أكثر من ذلك فقد فعلت أشياء أخاف أن تكون شركاً , أخاف أن يكون قد حبط عملي. أشعر بأن صلاتي , صومي, حجي , كل عمل قد يكون صالحا قد أحبط كلما قرأت قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) قلبي يعتصر ألما والله، ما أقوله ليس من باب الرياء ولكنه حقيقة في نفسي أذهب إلى الصلاة أجر قدمي أصبحت لا أستطيع أن أفتح القرآن أشعر بأن القرآن يلعنني لأني لم أعمل بما أحفظ وحتى إذا قرأت لا أستطيع أن أكمل فأغلقه أقول لنفسي كيف أقف أمامه وأقول وإياك نستعين أين هذه الاستعانة قد كنت كلما أهمني أمر لا أتعلق إلا به سبحانه وأدعوه وألح في الدعاء كنت أشعر بأني قريب منه حتى في هذا الأمر الذي ألم بي كنت أدعوه كثيرا ولكن لم أصبر أشعر بأن الله امتحنني فما صبرت ورسبت , أشعر أن أعمالي ليست مقبولة كأن هناك صوتاً يقول لي: لم العمل وما فائدته؟ بعد الذي فعلت إذا كان كل ما تعمله ليس متقبلا وكل ما فعلته أصبح هباءً منثوراً, ما فعلته يتلخص في أني ذهبت إلى رجل ليفك لي سحراً أصبت به بعد الزواج استمر معي أكثر من شهر وأنا كاره لذلك ولكن أعطاني أشياء لا أفهمها أخذتها وأنا كاره لكل ذلك أخذتها ونفسيتي محطمة وعقلي غائب أليس هذا نوعاً من الشرك المحبط للعمل المخرج من الملة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرقى والتمائم والتولة شرك) وقال: (من ذهب إلى عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) أخبرني والله أنا في عذاب والله في عذاب، دنياي لا حظ لي فيها كل أمنياتي فيها لم يتحقق فيها شيء وأخاف أن تكون آخرتي آخرة سوء فأكون قد خسرت كل شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن شعورك بالذنب، وتألّم قلبك من أجله، دليل على صحة إيمانك، وطهارة نفسك، وهذا من فضل الله عليك، فإن أصحاب القلوب الحية هم الذين يتأثرون بالذنوب، ويفزعون إلى الله تائبين مستغفرين، وأما أصحاب القلوب الميتة فلا تؤثر فيهم جراحات المعاصي، كما قيل: ما لجرح بميتٍ إيلامُ.
قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف/201.
والمعنى أنهم إذا أصابوا الذنوب، تذكروا " عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده، ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب (فإذا هم مبصرون) أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه " انتهى من "تفسير ابن كثير".
فما عليك إلا أن تتوب وتستغفر، وتعلم أنك تقبل على رب رحيم، يفرح بتوبة عبده، ويتقبلها منه، ويبدل سيئاته حسنات، مهما كانت هذه السيئات.
وكأنك لا تعلم أن الله يتوب على أهل الكفر والإلحاد والبغي والفساد، إذا تابوا ورجعوا إليه، فكيف لا يتوب على أهل الإيمان إذا وقعوا في المعصية، وأصابهم الذنب، وهم المحبّون له، المقبلون عليه، الراكعون الساجدون، المتوضئون المتطهرون، علموا أنه لا يغفر ذنبهم غيرُه، ولا يجبر كسرهم سواه، فسارعوا نادمين مستغفرين، يقولون: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فيقول الرحمن لملائكته: علم عبدي أنه لا يغفر الذنب غيري، أشهدكم أني قد غفرت له، فتذهب الأحزان، وتزول الهموم، ويعود الوصل، ويزيد الأنس، فلله ما أحلى فرحة التائبين، وما أجمل عودة المذنبين.
قال الرب الرحيم: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68- 70.
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا وقَالَ: رَبِّ، أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي) .
وروى مسلم (2749) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) .
فبادر بالتوبة والندم والاستغفار، وأكثر من الأعمال الصالحة، وأبشر بالخير والفلاح.
ثانيا:
من مكر الشيطان بالإنسان أن يزين له المعصية، ويوقعه فيها، ثم يقنطه من التوبة، وينصح له بالزور: كيف تعود إلى الله وقد فعلت ما فعلت؟ أما تستحي منه؟ هل تظن أنه يقبل منك؟
فربما كانت معصية الإنسان كبيرة كالزنا، فجره بذلك إلى ما هو كفر كترك الصلاة، فتأمل كيف يتلاعب الشيطان بهذا الإنسان.
وأما المؤمن فلا سبيل للشيطان عليه في هذا الباب، لأنه يعلم ما قدمنا من لزوم التوبة، وفرح الله تعالى بها، وتكريمه لأهلها، وتبديل سيئات أصحابها حسنات.
ثالثا:
لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين، ولو كان ذلك لحل السحر، وهو ما يسمى بالنُّشْرة، بل السحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى، وينظر جواب السؤال رقم (11290) ورقم (48967)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقال: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (فسأله؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما) . ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما، ولكنه ليس على إطلاقه؛ فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا …) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (النمل: من الآية65) .
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ.
فقال: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك) ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا.
وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب، وقد يكون واجبا؛ فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى " انتهى من "القول المفيد" (2/49) .
وعليه فإذا لم تعتقد أن الساحر يعلم الغيب، فقد سلمت من الكفر الأكبر والحمد لله.
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حل السحر بالسحر، لكنه قول ضعيف، يفتح باب الشر، ويغري السحرة بالبقاء على باطلهم، ويشجع غيرهم على تعلم السحر بحجة نفع الناس.
وتعليق التميمة إن اعتقد فيها النفع والضر، فهذا هو الشرك الأكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهو شرك أصغر، وينظر السؤال رقم: (34817)
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويغسل حوبتك، ويمحو خطيئتك، ويعافيك في دينك ودنياك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/559)
بيان في قنوات السحر والشعوذة والكهانة
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت هذه الأيام قنوات تدعي أنها تعالج الناس من السحر عن طريق معرفة اسم الأم ومعلومات عن الشخص المصاب، وكذلك معرفة المستقبل من خلال علم النجوم والطوالع –كما يدّعون -، فما حكم مشاهدة هذه القنوات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..
ما تبثه هذه القنوات من علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد، وإضلال الناس.
وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون، أو مما يتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانية ولكنهم يدعونها كذباً وزوراً لكسب المال..وهذه العلوم لا تروج إلا على الجهال والمغفلين وضعفاء الدين..وقد ذم الله السحر والسحرة والكّهان كما قال الله تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ، وقال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) ، وقال تعالى في سحرة فرعون: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) وجاء في السنن: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتف الحكم واحد. وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجرد الفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم. ويجب على أولياء أمور الأسر منعهم من مشاهدتها أو الاتصال على هؤلاء السحرة والمشعوذين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..) . ويجب على المسلمين التناصح والحذر والتحذير من التواصل مع هذه القنوات التي هَمَّ أصحابها كسب المال ولو من الحرام.. بل وأكثرهم يقصد الفساد والإفساد، فنقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
الموقعون:
فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك.
فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/560)
إبليس ليس من الملائكة
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي قال بأن الشيطان كان من الملائكة وزوجتي تقول بأن هذا غير صحيح. هل يمكن أن تعطيني بعض المعلومات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يكن إبليس من الملائكة قطعاً، ويدل على ذلك أشياء ثلاثة:
تصريح القرآن، وصفات إبليس الخَلقية، وصفاته الخُلُقية.
1. أما تصريح القرآن بذلك، فقد جاء في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} الكهف /50.
قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر.
رواه الطبري بإسناد صحيح كما قال ابن كثير في " تفسيره " (3/89) .
2. وأما الصفات الخَلقية، فقد ذكر الله تعالى أنه خلق إبليس من نار، فقال {خَلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار} الرحمن / 14،15. وثبت في صحيح مسلم (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ".
المارج لهب النار الصافي، أو الذي خالطه الدخان، (تفسير السعدي 7/248) ، (لسان العرب 2/365)
فتبين الفرق بين خلق الملائكة وبين خلق إبليس، فعلم قطعاً أنه ليس منهم.
3. وأما الصفات الخُلُقية، فإن إبليس قد عصى الله تعالى في عدم سجوده لآدم، وقد علِمنا من القرآن أن الملائكة لا يمكن لهم أن يعصون الله تعالى، قال الله عز وجل {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6.
وقد ورد عن بعض السلف آثار غير صحيحة منها أنه طاووس الملائكة، وأنه من خزنة الجنة..الخ، وقد علَّق على ذلك الإمام ابن كثير فقال:
وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم. أ. هـ " تفسير القرآن العظيم " (3/90) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/561)
القراءة على الماء للرقية وتسخينه لبرودة الجو
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم مصاب بنوع من أنواع السحر؛ فيما يخص الرقية بالقرآن فهل بإمكاني قراءة الآيات القرآنية بنفسي على الماء , وهل يجب التجرد من كل الملابس عند الاغتسال , وأخيرا هل يجوز تسخين الماء قليلا لبرودة الجو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصرف عنك ما تجد.
ثانيا:
يجوز أن تقرأ على الماء، وتشرب منه وتغتسل، وقد سبق بيان هذا وبيان ما يقرأ لعلاج السحر في الجواب رقم (12918)
وما أشرت إليه من القراءة بنفسك على الماء، وفي صحيح البخاري (5735) ومسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا.
[قال معمر] فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفِثُ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقوله: " في المرض الذي مات فيه "، ليس قيدا في ذلك؛ وإنما أشارت عائشة إلى أن ذلك وقع في آخر حياته، وأن ذلك لم ينسخ. اهـ
ثالثا:
لا يجب التجرد من الملابس حال الغسل، سواء كان غسلا للرقية أو كان غسلا من الجنابة ونحوها، والمعتبر هو وصول الماء إلى الجسد.
وقد كان عثمان رضي الله عنه يغتسل دون أن ينزع ثوبه، لشدة حيائه رضي الله عنه. رواه أحمد (543) بإسناد حسن.
وقد ترجم الإمام البخاري في كتاب الغسل من صحيحه: بَاب: مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ. وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ودل قوله أفضل على الجواز [يعني: جواز أن يغتسل عريانا] ، وعليه أكثر العلماء " انتهى.
ولا حرج في تسخين الماء، والقراءة عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/562)
الاتصال على برامج السحرة والكهنة لطلب الرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت كبيره عمرها 27عاما هي لم تتزوج لحد الآن، مع العلم أنها جميله ومتعلمة ومحافظة على فروض دينها وسننه، وكانت تعمل في مجال مختلط مع العلم بأنها طبيبه ولكنها محجبة لا يبدو منها غير عينيها ويديها عند ضرورة العلاج وجاء شيخ وقرأ عليها لم يكن معها أي عله وطلب منها الشيخ أن تقرا بعض الآيات القرآنية ولكن لحد الآن ودون جدوى عندما يأتي أحد ليخطبها يحصل هناك نوع من الاضطراب في البيت وكأننا مسحورين ماذا افعل؟ وهناك سؤال آخر: أن هناك بعض القنوات الفضائية تعرض برامج، يتصل عليهم المشاهدون فيطلب المقدم منهم ذكر اسم أحد الوالدين أو الزوج وغيرها أو الحروف الأولى من الاسم وبعده يقول للمتصل أن يقرأ بعض الآيات القرآنية التي تفيدهم مع العلم أن المقدم يعلم علة المتصل إذا أخبره باسمه أو اسم أحد والديه فما حكم هذه القنوات بالتفصيل]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تأخر الزواج قد يكون لأسباب عادية، إذ ليس كل امرأة يستريح لها الخاطب ولو كانت جميلة، والأمر كله بتقدير الله تعالى، يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء، لا معقب لحكمه سبحانه.
وقد يكون ذلك لسبب آخر من سحر أو عين، وعلاج ذلك يكون بالرقية الشرعية، والمواظبة على الطاعات، وترك الذنوب والمعاصي، والمداومة على الذكر، ومن ذلك: أذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج منه، والأكل والشرب، وقراءة سورة البقرة في البيت كل ثلاث ليال مرة، وراجع السؤال رقم (12918) و (6530)
ثانيا:
لا يجوز الاتصال على البرامج المذكورة لأن القائمين عليها من السحرة والكهنة الذين لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5939) .
والعراف، قال بعض العلماء: هو من يخبر عن الأمور الماضية بأشياء يستدل بها. وقيل: العراف هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن الغيبيات في المستقبل.
وكلاهما تتنزل عليهم الشياطين، ولهذا يسألون الشخص عن اسم أمه، ليخبرهم الجن بحاله وماضيه.
فالحذر الحذر من سؤالهم، أو الاغترار بحالهم، ولو قرؤوا القرآن، لأنهم يفعلون ذلك حيلة وتلبيسا على الناس، وإلا فهم من أكفر الناس بالقرآن، يضعونه في النجاسات والقاذورات، ومن صلى منهم صلى للجان، لا للرحمن، لأن الجن لا يطيعهم ولا يخدمهم إلا بهذا الكفر العظيم، وبغيره من صور الكفر. (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الشعراء/221-222
وقد انتشر هؤلاء السحرة عبر هذه البرامج، وخفي حالهم على كثير من الناس، وانخدعوا بما يذكرونه أحيانا من أمور الدين، وهم دجالون مبطلون، يفرقون بين المرء وزوجه، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم.
نسأل الله لنا ولكم العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/563)
لا يجوز حل السحر بالسحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الذهاب إلى ساحر من أجل حل السحر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز حل السحر بالسحر، وإنما يحل السحر بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، والأدوية المباحة.
أما السحر فهو كفر وردة وخروج عن الإسلام، فلا يجوز فعله، ولا الذهاب إلى الساحر طلباً للشفاء، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة وهي حل السحر، فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رواه أبو داود (3868) وصححه الألباني.
قال ابن القيم في "فتاوى إمام المفتين" (ص207، 208) :
" والنشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد" (2/70) :
"وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حكم النشرة، وأنها من عمل الشيطان، وهذا يغني عن قوله إنها حرام، بل هذا أشد من قوله إنها حرام، لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها، والتنفير عنها، فهي محرمة " انتهى.
وبعد هذا النص الواضح البين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا قول لأحد، كائناً من كان.
ولا يجوز أن ينصب الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين رأي عالم أو فقيه، قال ابن القيم رحمه الله:
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
وقد حكى بعض أهل العلم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يرى جواز حل السحر بالسحر للضرورة، وكلام ابن المسيب رحمه الله ليس صريحا في جواز حل السحر بالسحر، بل يحتمل أنه أراد حله بالطرق المباحة، ومع ذلك فقد أجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا بقوله في " القول المفيد " (2/73) : " ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزاً في حكم الله حتى يعرض على الكتاب والسنة، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان) " انتهى.
وقد فهم بعضهم من تجويز الإمام أحمد للنشرة أنه أجاز حل السحر بالسحر، وإنما كلامه رحمه الله في الرقية الشرعية المباحة.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (419) : "وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك -أي النشرة بالرقية الشرعية- وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه، فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا! قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا. وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف وهو الذي روى الحديث (أنها من عمل الشيطان) ، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك" انتهى.
وقد صرح كثير من العلماء بتحريم حل السحر بالسحر، وأن الضرورة لا تبيح ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال، لأن ذلك محرم في كل حال، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر، والشيطان إذا عرف أن صاحبه مستخف بالعزائم لم يساعده، وأيضا فإن المكره مضطر إلى التكلم له ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين:
أحدهما: أنه قد لا يؤثر أكثر مما يؤثر من يعالج بالعزائم، فلا يؤثر، بل يزيده شراً.
والثاني: أن في الحق ما يغني عن الباطل " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/61) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحر للضرورة 0 والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح....... والسحر حرام وكفر، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة! " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/165)
وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي: " التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى " انتهى من "أضواء البيان" (4/465)
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة؟
فأجاب: "لا يجوز علاج السحر بالسحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . والنشرة هي حل السحر بالسحر؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم، وهذا من الشرك الأكبر؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، وقبلها قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) البقرة/102. ثم قال سبحانه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة/102،103.
وفي هاتين الآيتين تحذير من تعلم السحر وتعليمه من وجوه كثيرة، منها: أنه من عمل الشيطان، ومنها: أنّ تعلمه كفر ينافي الإيمان، ومنها: أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض، ومنها: أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري، ومنها: أن هذا التعلم يضرهم ولا ينفعهم، ومنها: أن من فعله ليس له عند الله من خلاق 0 والمعنى: ليس له حظ ولا نصيب من الخير 0 وهذا وعيد عظيم يوجب الحذر من تعلم السحر وتعليمه، ومنها: ذمه سبحانه من تعاطي هذا السحر بقوله تعالى: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ) والمراد بالشراء هنا البيع 00 ومنها: إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى 0
وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان، وردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك 0 فالواجب الحذر من ذلك، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلاً من العلاج بما حرمه الله عليه شرعاً، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجلة الدعوة" – تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ 0
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم النشرة.
فأجاب: "حل السحر عن المسحور (النشرة) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة 0
القسم الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمن العلماء من أجازه للضرورة.
ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود وإسناده جيد. وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرما، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعي إِذَا دَعَانِ) ويقول الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) والله الموفق " "فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1/238،239) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السحر بسحر مثله، فأجابت:
"لا يجوز ذلك، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)
وفي الأدوية الطبيعية، والأدعية الشرعية، ما فيه كفاية: (فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم: (تداووا ولا تتداووا بحرام) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام) " انتهى 0
"فتاوى مهمة لعموم الأمة" (106،107)
وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله:
"لا يجوز حل السحر بسحر مثله، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يبطل عمله الذي هو السحر، فإن في ذلك إقراراً له، وإبقاء لعمله، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر، فإن حده ضربة بالسيف، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السحر لما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضى بفعله " انتهى.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجاب:
"أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا ولا تداووا بحرام)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) ، ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة، هذا الذي يجوز حل السحر به " انتهى من "المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان" (2/132،133) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/564)
الشرك الأصغر هل يدخل تحت المشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل في العمل وأثناء الحديث معه أخبرنا بأن لديه حجابا أخذه من ناس يقولون إنهم شيوخ معالجون من نفس المنطقة يقول مكتوب به آية الكرسي ووضعه في جلد ويربطه على وسطه فدار بيننا حوار أنا وهو ومجوعة من الزملاء وناصحناه بحرق الكتاب أو أن يأتي به لأحد الأشخاص الموثوقين لفكه والنفث عليه فرفض بحجة أنهم شيوخ وأن هذا الشيء ما يقدر يطلع عليه أحد وأنه مفيد فما كان مني إلا أن قلت له من باب تخويفه بالله (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) وبصراحة بعدما قلتها ندمت وخفت أن الله يحبط عملي مثل الرجل الذي قال لأحد العصاة والله لا يغفر الله لك فقال الله تعالى (من ذا الذي يتألى علي فقد غفرت له وأحبطت عملك) وأنا الآن خائف من هذا الشيء أرجو إفادتي بماذا يجب علي فعله جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع.
والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع، لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى.
وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال (10543) .
وهذا كله إذا سلمنا أن الحجاب المسئول عنه ليس فيه إلا آية الكرسي أو نحوها من كلام الله عز وجل، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر، والعجيب أن السحرة يضعون كلام الله تعالى مع كفرهم وباطلهم، حتى يروج إفكهم، وينخدع الناس بهم.
وربما يظهر من حرص زميلك على ألا يطلع على الحجاب أحد، وما رد عليكم حينما طلبتم الحجاب للاطلاع على ما فيه، أو القراءة عليه، ربما يظهر من ذلك أن صاحبك إما جاهل بما في الحجاب حقيقة، أو أنه يعلم أنه الحجاب ليس خالصا لكلام الله عز وجل.
وعليه فالواجب نصح زميلك هذا، وتحذيره من تعليق ما لا يعلم بداخله، بل من تعليق التمائم كلها.
وقوله: إنه ما يقدر أحد أن يطلع عليه، ليس صحيحا، بل هذا من دجل السحرة والمشعوذين وتخويهم للناس حتى لا يطلع على ما في تمائمهم من أسماء الشياطين، أو الكتابة التي لا معنى لها.
ثانيا:
وأما قولك: (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) فإن كان مرادك أن من فعل ذلك فهو مستحق للنار، بحسب ما بلغك من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووعيده لمن فعله بالنار، مع علمك بأننا لا نقطع لأحد ـ على وجه التعيين ـ بجنة ولا نار، إلا بنص من الوحي، وأن عصاة الموحدين في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ إن كان هذا مرادك، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله.
وهكذا إن كنت تريد أن تهدده بعاقبة من يتهاون في مثل ذلك، ويصر على فعله، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله.
وفي مسند الإمام أحمد (19498) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: (وَيْحَكَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا)
[ضعفه الألباني في الضعيفة 1029] .
وفي سنن أبي داود (4669) عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: (أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ)
صححه الألباني في صحيح الجامع (5244) .
قال القاري في قوله: (.. لدخلت النار) : يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد!!
انتهى من تحفة الأحوذي.
وأما إن كان مرادك القطع على هذا الشخص المعين بأنه من أهل النار لأجل فعله هذا، فهذا خطأ منك؛ فنحن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص بذلك.
تنبيه: تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها، فإن اعتقد أنها تنتفع وتضر بذاتها، فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهذا شرك أصغر؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا، والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة، فهل يدخل تحت المشيئة، أم لا يغفر كالأكبر، قولان لأهل العلم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) يشمل الشرك الأصغر؟
فأجاب قائلا: اختلف في ذلك أهل العلم: فمنهم من قال: يشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها.
وشيخ الإسلام اختلف كلامه، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر.
وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله: (أَن يُشْرَكَ بِهِ) أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره " إشراكا به " فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (2/203) .
وأما ما يلزمك فهو التوبة إلى الله تعالى من تساهلك في مثل هذه الإطلاقات، وعدم العودة إلى ذلك مستقبلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/565)
مصابة بالمس ويتكلم الجني على لسانها ويرفض الخروج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[بنت خالتي متلبسة بجني يتكلم على لسانها بصوت رجل ويقول إنه لن يخرج لأنه يحبها، وذهبنا بها للرقية كثيراً، وكل مرة يتكلم ويقول إنه لن يخرج. فماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يذهب عن ابن خالتك ما تجد، وأن يعافيها، ويصرف عنها ذلك الجني، إنه سميع مجيب.
ثانيا:
علاج هذه الحالة وغيرها يكون بالرقية الشرعية، من قبل المريض نفسه، أو من يعالجه، وهي نافعة بإذن الله تعالى، لكن قد تحتاج إلى تكرار، وأمور مساعدة، ونحن نذكر لك أهم هذه الأمور:
1- مواظبة المريض على أذكار الصباح والمساء والنوم، والأكل والشرب، ودخول البيت والخروج منه، والإكثار من الذكر بصفة عامة، وأعظم الذكر قراءة القرآن، وآكد ما يقرأ منه المعوذات والفاتحة وسورة البقرة وآية الكرسي. وكلما واظب المريض على الذكر، ضعف أثر الشيطان عليه، وأمكن إخراجه بالرقية.
2- أن تكون الرقية على يد صالح متمسك بالسنة، بعيد عن البدع، والشعوذة والسحر.
3- أن يكثر المريض من اللجوء إلى الله تعالى وسؤاله، فإنه سبحانه يجيب دعوة المضطر، ويكشف السوء، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62.
لا سيما إذا كان الدعاء في أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وفي السحر، وفي الساعة الأخيرة بعد عصر يوم الجمعة، وعند فطر الصائم، وفي السفر.
4- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
5- التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي التي هي سبب تسلط الشيطان على الإنسان.
6- تطهير البيت من المواد التي يحبها الشيطان، كالصور، والكلاب، والغناء والموسيقى.
وتخيل هذا الشيطان الذي ضُيق عليه، فلا طعام ولا شراب، ولا متعة، قد حُرم ذلك بالتسمية على الطعام والشراب، وبإخراج ما يحب من البيت، هل يحرص على البقاء؟
ولمعرفة الرقية الشرعية وآدابها، انظر السؤال رقم (12918) (11290) (3476) (11026) (21581) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/566)
علاج المحبوس عن زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حديث العهد بالزواج وقد عقدت على زوجتي وقبل الدخول بزوجتي كانت الأمور على أحسن ما يرام، لكن منذ فترة وجيزة انقلبت الأمور وأصبحت وكأني محبوس عن زوجتي بحيث عندما أريد أن أجامعها أصاب بعدم الانتصاب مما يعيق عملية الجماع، ولا أدري هل أنا مسحور أم زوجتي؟ وأنا لست متأكدا من هذا الأمر ولهذا أريد من فضيلتكم أن تدلوني على عمل من الكتاب السنة بأن يرفع عني الله هذا البلاء، لأنه قد أثر هذا الأمر بشكل كبير على حياتنا الزوجية فأصبحت أفكر في هذا الأمر يوميا وأثر بشكل كبير على نفسيتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
على المسلم أن ينظر إلى هذه الابتلاءات والمحن التي تمر به على أنها خير من الله تعالى ورحمة، يكفر الله بها من ذنوبه وخطاياه، ويرفع درجاته، ويختبر بها صبره وإيمانه، وليستحضر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) .
ثانياً:
هذا الذي أصابك يحتمل أن يكون بسبب شياطين الجن إما عن طريق سحر أو مس، وهذا دواؤه سهل إن شاء الله تعالى: وذلك بالرقية الشرعية، وقد ذكر العلماء أن الرجل إذا حبس عن جماع زوجته يعالج بالرقية التالية:
" يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر، فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء، ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيها:
1- سورة الفاتحة.
2- آية الكرسي، وهي قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) البقرة/255.
3- آيات من سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) الأعراف/06-122.
4- آيات من سورة يونس، وهي قوله تعالى: (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) يونس/79 –82.
5- آيات من سورة طه، وهي قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/65-69.
6- سورة الكافرون.
7- سورة الإخلاص والمعوذتين وهما: سورة الفلق والناس (ثلاث مرات) .
8- بعض الأدعية الشرعية مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ثلاث مرات، وإذا قرأ مع ذلك: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ثلاث مرات، فهذا طيب " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (8/144) .
مع أهمية المحافظة على طاعة الله تعالى والبعد عن معصيته، والمداومة على قراءة القرآن وذكر الله، كالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء، وعند الأكل والشرب وبعد الفراغ منه، وعند الخروج من البيت، ودخوله وعند النوم والاستيقاظ....إلخ.
ولزيادة الفائدة راجع جواب السؤال (12918) و (6530) .
نسأل الله لكما الشفاء والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/567)
يعاني من وسواس العين
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله، ويقرأ القرآن، ويذكر الله دائما. أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك.
واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس.
قال سبحانه وتعالى: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة/6
ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين، يريد أن يحزن الذين آمنوا، ويريد أن يشق عليهم، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا.
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلاَ بَرَّكْتَ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ)
رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149)
قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي: قلت بارك الله فيك، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين، ويُذهب تأثيره " انتهى.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ)
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بذكر البركة. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) :
" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهمّ بارك فيه.
وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال: اللهمّ بارك ولا تضرّه.
ويقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) :
" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه " انتهى.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) :
" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى.
ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) :
" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول: اللهم بارك عليه!! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول: ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال: ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله.
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى.
وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) :
" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها، وليحسن الظن بالله عز وجل، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى، فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى.
فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك، ويرد عنه كل سوء، ولا تترك نفسك في مخاوفها، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع، وخفض ورفع، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته سبحانه.
وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله، كما قال المتنبي:
وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى
وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/568)
ذهبت إلى العراف ليدلها على السارق فاتّهم أخاها
[السُّؤَالُ]
ـ[سُرق لأختي وزوجها وأبنائها خزنة فيها الكثير من المال، زوج أختي محطم معنويا فدلوه الناس على أحد المشايخ الذين يقال عنهم إنهم أقوياء بالكشف عن الغمة والمسروقات بإذن الله طلبني للتعرف علي وكان بيده سيجارة فقال لي لقد رأيتك في الليل أن اسمك كذا وكذا وأنت السارق وأنا هذا عملي ومصدر رزقي وسأحصل على 25 بالمائة من المسروقات قل لي واعترف أنت السارق الوحيد الذي يشار إليه طال الحديث بيني وبينه ونفيت أمام الله أني بريء مما قال والله على ما أقول شهيد أرشدوني أعزكم الله وارفعوا هذا الظلم والادعاء الذي أحاط بي أخشى الفتنة بين الأقارب لأن الظلم عاقبته وخيمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ادعى أنه يعلم أماكن المسروقات ويدل على السارقين بأمور خفية لا يعلمها الناس، فهو أحد شخصين: كاهن تتنزل عليه الشياطين، أو دجال كذاب يوهم الناس بمعرفة ذلك ليأكل أموالهم بالباطل.
وعلى كل تقدير لا يجوز الرجوع إلى هؤلاء ولا سؤالهم ولا تصديقهم، مهما تظاهروا بالصلاح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال البغوي رحمه الله: " العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك " نقله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/178) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعراف: قيل هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل.
وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق؛ إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة ". انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/48) .
وقد أخبر بعض من تاب من العرافة والكهانة بأنه كان يستعين بالجن ليعلم منهم تفاصيل ما يجري في بيت المسروق، وحاله مع أقاربه وجيرانه، وأصدقائه وأعدائه، وأنه تارة يلصق التهمة بمن يدور حوله الاشتباه.
وعلى فرض أن العراف توصل إلى معرفة السارق الحقيقي وأحضر المال عن طريق أتباعه من الجن، فإنه لا يجوز الذهاب إليه ولا سؤاله لما سبق.
ثانيا:
ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من يدعي معرفة المسروقات أو أن الجن تخبره بذلك، قال ابن نجيم رحمه الله في بيان المكفّرات: " وبإتيان الكاهن وتصديقه، وبقوله: أنا أعلم المسروقات، وبقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي " انتهى من البحر الرائق (5/130) . وإنما يكفر بقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي؛ لأن الجن كالإنس لا يعلمون الغيب، كما قال تعالى عنهم: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ/14، قاله في حاشية البحر الرائق.
فسؤال العراف والكاهن محرم. ويدخل في ذلك: سؤاله عن الضالة والمسروق، ومعرفة المرض، والعلاج.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أحيانا نفقد بعض المال أو الذهب من المنزل ونعتقد أنه سُرق، ونذهب لأحد الأشخاص ويُعَرف بالمخبر، ونشرح له ذلك، ويوعدنا خيرا، وأحيانا نسترجع المفقود، وأحيانا لا، فما حكم ذهابنا لهؤلاء الأشخاص؟
فأجابوا: " لا يجوز ذهابكم إليه لأنه كاهن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/410) .
ثالثا:
على من أتى هذا العراف وسأله، أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على فعله، والعزم على ألا يعود إليه، وأن لا يتهم أحدا بالسرقة اعتمادا على قول العراف ومساعديه من الجن، فإن الجن يكذبون، وقد يتهمون البريء للإيقاع والإفساد بين المسلمين. والتوبة هنا تلزم من أتى العراف وسأله، كما تلزم من دله وأرشده، فإن الجميع واقعون في المعصية. وراجع السؤال رقم (32863) في التوبة من سؤال العرافين أو تصديقهم.
وينبغي للمسلم أن يفزع إلى الله تعالى، ويلجأ إليه عند حلول الحوادث والمصائب، فإن الأمر كله بيده سبحانه، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62
والله أعلم.
وهذا ينطبق على أختك وزوجها، كما ينطبق عليك أيضا، فينبغي أن تلجأ إلى الله تعالى ليرفع عنك الاتهام والظلم.
ونصيحتنا لأختك وزوجها ومن يتصل بهذه القضية ألا يتهموا أحدا بناء على كلام دجال أو عراف، فإن اتهام البريء أمر عظيم، والأصل هو البراءة والسلامة. قال صلى الله عليه وسلم: (من قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والردغة: الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/569)
من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر؟ وما هي علامات الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدي عمره 11 سنة تقريبا، وأصبح عدوانيّاً كثيراً، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر، فعلا الله هو العالم، وهو يريد أن يأخذ الولد مني (نحن مطلقان) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب، أو كلها.
وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك، والتي أدت للطلاق، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر "، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ، وكل ذلك محتمل، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك.
وعلى كل حال: فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده: فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر "، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية.
وإن كان بسبب سحر والده له: فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات.
ثانياً:
يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه.
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح، وهذه العلامات هي:
1. أنه يطلب من المريض اسم الأم، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس.
2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى، ولا يفهمها السامع، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته.
3. ومن العلامات: أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة، ولا الصلوات الخمس في المسجد.
4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة، يحب الظلام والوحدة.
5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام.
ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها، وبذلك تعرفين حقيقته، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء.
على أنك، ما دمت قد انفصلت عنه، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك؛ هل هو ساحر أو لا، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك، وابنك، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك.
ثالثاً:
وأما حضانة الولد: فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره، بما يضر بمصلحة أولاده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [يعني: من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب.
" مجموع الفتاوى " (34 / 132) .
وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء، أي: أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك.
وبما أنه قد بلغ سن (11) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد.
وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.
فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر: فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما، مراعاةً لمصلحته، وحتى لا يكون تنازعها سبباً لفشل الأبناء وضياعهم.
وانظري أجوبة الأسئلة: (8189) و (20705) و (21516) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/570)
هل يجوز له قتل السحرة دون إذن ولي الأمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في بلادنا السحرة، ويؤذون الناس ويضرونهم، فهل يجوز قتلهم حتى نريح الناس من شرهم؟
مع العلم أن حكومتنا ترخص لهم في العمل وتأخذ منهم الضرائب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا ثبت أن هذا الشخص يعمل بالسحر فالواجب قتله؛ دفعاً لضرره وشره عن الناس، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13941) .
والواجب على من ولاه الله أمر العباد أن يحكم فيهم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) المائدة /49، وقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وفي آية أخرى قال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة /45، وفي آية ثالثة: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة /47.
ولا يجوز أبدا إسقاط العقوبة الشرعية وإلغاؤها، وأقبح من ذلك وأشنع إقرار هذا العمل المحرم والترخيص للساحر أن يعمل بسحره مقابل دفعه الضرائب!! .
فهذا تضييع وخيانة للأمانة التي سيسأل عنها الحاكم يوم القيامة، يوم يعض على يديه ندماً، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً) الفرقان /27-29
ثانياً:
إذا كان الحاكم لا يفعل ما وجب عليه من إقامة العقوبات الشرعية، فليس لأحد من عامة المسلمين أن يفعل ذلك؛ لأن العقوبة تحتاج أولاً إلى إثبات أن هذا الشخص يستحق هذه العقوبة، ثم تحتاج ثانياً إلى قوة لتنفيذها.
ولو فتح الباب للناس في إقامة العقوبات الشرعية لعَمَّت الفوضى في المجتمع، ولم يأمن أحد على نفسه وماله.
قال علماء اللجنة الدائمة:
والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة: هو الحاكم المتولي شؤون المسلمين؛ درءاً للمفسدة؛ وسداً لباب الفوضى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 552) .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (13941) عن الشيخ سليمان العلوان قوله:
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما: فإنه يقتل وجوباً، فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه؛ لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان. انتهى.
وقد ذكرنا مسألة اشتراط السلطان في إقامة الحدود في جواب السؤال رقم (8980) ونقلنا هناك اتفاق العلماء على ذلك.
وعليك تحذير الناس من هذا الساحر، ومن الذهاب إليه، وبيان أن هذا الفعل قد يصل بصاحبه إلى الكفر والخروج من الإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/571)
هل يقرأ على من به مسٌّ من الجن أو ينشغل بالدعوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في حاجة إلى الدعوة ومع ذلك فإن أحدنا انشغل بعلاج الممسوسين بالجن.
هل يحوز تعطيل الدعوة لهذا العمل، وكيف يكون علاج الممسوس، وهل يجوز أخذ مال على القراءة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – هذا السؤال فقال:
الدعوة إلى الله عزَّ وجل فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم غيره مقامه فإنها مُقدمة على القراءة على من به مسٌّ من الجن؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة متيقنة، ومصلحة القراءة على من به مسٌ من الجن مصلحة غير متيقنة، وكم من إنسان قُرئ عليه ولم يستفد شيئاً.
فيُنظر: إذا كانت الدعوة متعينة على هذا الرجل لا يقوم غيره مقامه فيها فإنه يجب عليه أن يدعو ولو ترك القراءة على من به مس من الجن.
أما إذا كانت فرض كفاية فيُنظر إلى الأصلح، وإذا أمكن أن يجمع بينهما – وهو الظاهر – بتخصيص يوم لهذا ويوم لهذا مع استمرار الدعوة فهو أولى؛ ليحصل له نفع إخوانه المصابين بهذه المصيبة، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل.
وأما العلاج الصحيح للممسوس بالجن فإنه يختلف من حال إلى حال لكن أحسن ما يكون أن يقرأ عليه القرآن، مثل قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. فبأي آلاء ربكما تكذبان. يُرسل عليكما شواظٌ من نار ونحاسٌ فلا تنتصران. فبأي آلاء ربكما تُكذبان} .
لأن هذا تحدٍ لهم أنهم لا يستطيعون الفرار من الله عزَّ وجل، وكذلك اقرأ عليهم المعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي. وكذلك تكلم عليهم بالموعظة كما كان يفعل شيخ الإسلام، يقول: هذا حرام عليكم أن تؤذوا المسلمين أو تضربوهم أو ما أشبه ذلك.
أما أخذ المال: فإذا لم يأخذ مالاً فهو أفضل، وإن أخذ بدون شرط فلا بأس، وإن كان هؤلاء الذين قُرأ عليهم قد تركوا ما يجب عليهم للقارئ، وأبى أن يقرأ إلا بعوض فلا بأس كما فعل أهل السرية الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا.
فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (2276) ومسلم (2201) .
[الْمَصْدَرُ]
المرجع اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح.(1/572)
هل يجوز أن أدعو لقريني من الجن بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن لكل واحد من بني آدم قريناً من الجن، وذكر ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس منكم أحد إلا ومعه قرين من الجن، فقالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " أو كما قال عليه الصلاة والسلام. هل يجوز أن ندعوا للجني القرين بأن يسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي ذكرته حديث صحيح وقد رواه مسلم برقم (2714) وقد وقع الخلاف في معنى قوله (فأسلم) في هذا الحديث، وذكر هذا الخلاف والترجيح فيه النووي في شرح هذا الحديث فقال: (قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينه مِنْ الْجِنّ , قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللَّه أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلا يَأْمُرنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ) (فَأَسْلَم) بِرَفْعِ الْمِيم وَفَتْحهَا , وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرّه وَفِتْنَته , وَمَنْ فَتَحَ قَالَ: إِنَّ الْقَرِين أَسْلَمَ , مِنْ الإِسْلام وَصَارَ مُؤْمِنًا لَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ , وَاخْتَلَفُوا فِي الأَرْجَح مِنْهُمَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّحِيح الْمُخْتَار الرَّفْع , وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاض , الْفَتْح وَهُوَ الْمُخْتَار , لِقَوْلِهِ: " فَلا يَأْمُرنِي إِلا بِخَيْرٍ " , وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَة الْفَتْح , قِيلَ: أَسْلَمَ بِمَعْنَى اِسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ , وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم (فَاسْتَسْلَمَ) وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا , وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر) .
وقال أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة 1/185 (قيل أسلم أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه) ، وعلى هذا يكون إسلام القرين من خصائص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وعليه فإنه لا يشرع للمسلم أن يدعو الله بإسلام قرينه؛ لأن هذا اعتداء في الدعاء بسؤال الله ما هو من خصائصه صلى الله عليه وسلَّم، ولأن الصحابة وهم أحرص الناس على الخير وأقرب إليه منا لم يُنقل عنهم الدعاء والتوجه لله حتى يسلم قرناؤهم من الجن، ولا استعانوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلَّم لما سمعوا منه ذلك الحديث، فهذا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم من هم من علو الهمة لم ينقل عنهم أنهم فعلوا ذلك ولا أبناؤهم ونحن يجب علينا اتباع هدي هؤلاء الصحابة الكرام لأنهم فهموا هذا الدين من مصدره وتعلموه مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم غضًّا طرياً، ولا يجوز لنا اتباع غير سبيلهم قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء / 115.
والحديث ورد في سياق تحذير الصحابة من فتنة القرين، قال النووي: (وَفِي هَذَا الْحَدِيث: إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ فِتْنَة الْقَرِين وَوَسْوَسَته وَإِغْوَائِهِ , فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِز مِنْهُ بِحَسَبِ الإِمْكَان) ، وهذا هو الواجب شرعا.
فيكفيك إذا ما دلنا الله تعالى عليه من الدعاء كقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) المؤمنون / 97،98
وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الصباح والمساء مع ما صح من أذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قراءة آية الكرسي قبل النوم والبسملة عند عمل أي شيء والاستعاذة كلما أحسست بوسوسة من الشيطان قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت / 36
أسأل الله أن يزيدك حرصاً على الخير وأن يحفظنا وإياك من الشيطان وهمزاته آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/573)
حقيقة العيْن وطرق الوقاية منها وعلاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العين؟ قرأت هذا المصطلح كثيراً في هذا الموقع، أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه بعض المسائل والفتاوى المتعلقة بالعين، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حقيقة العين - النضل - قال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} ؟ وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والذي ما معناه قوله: " ثلث ما في القبور من العين "؟ ، وإذا شك الإنسان في حسد أحدهم فماذا يجب على المسلم فعله وقوله؟ وهل في أخذ غُسالة العائن للمعين ما يشفي، وهل يشربه أو يغتسل به؟
فأجابوا:
العين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين، وقد أمر الله نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد، فقال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} ، فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه، وإن صادفته حذراً شاكي السلاح (أي: تام السلاح) لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها.
(من " زاد المعاد " بتصرف) .
وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإصابة بالعين، فمن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين "، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1251) .
وأخرج الإمام أحمد والترمذي (2059) وصححه، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟ ، قال: نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأخرج الإمام أحمد (15550) ومالك (1811) والنسائي وابن حبان وصححه الألباني في المشكاة (4562) عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار (اسم موضع) من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ ، قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
(جلد مخبأة) أي جلد عذارء
(لبط) أي صُرع وسقط.
(داخلة إزاره) أي الجزء الملامس للبدن من الإزار
فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين؛ للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع.
وأما الحديث الذي ذكرته " ثلث ما في القبور من العين ": فلا نعلم صحته، ولكن ذكر صاحب " نيل الأوطار " أن البزار أخرج بسند حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس – يعني: بالعين – ".
ويجب على المسلم أن يحصن نفسه من الشياطين من مردة الجن والإنس بقوة الإيمان بالله واعتماده وتوكله عليه ولجئه وضراعته إليه، والتعوذات النبوية وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومن التعوذات: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " و " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون "، وقوله تعالى {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} ونحو ذلك من الأدعية الشرعية، وهذا هو معنى كلام ابن القيم المذكور في أول الجواب.
وإذا علم أن إنسانا أصابه بعينه أو شك في إصابته بعين أحد فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه فيحضر له إناء به ماء فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل إزاره ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة فيبرأ بإذن الله.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (1 / 186) .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين:
هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي لتوكل؟ .
فأجاب بقوله:
رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحسّاً، قال الله – تعالى -: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} القلم / 51، قال ابن عباس وغيره في تفسيرها: أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم، ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل ... – وساق الحديث -.
والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره.
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي:
1- القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا رقية إلا من عين أو حمة " الترمذي 2057 وأبو داود 3884، وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: " باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك ".
2- الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه، والله أعلم.
والتحرز من العين مقدماً لا بأس به، ولا ينافي التوكل بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله –سبحانه – مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة " الترمذي (2060) وأبو داود (4737) ويقول: " هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام "، رواه البخاري (3371) .
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 117، 118) .
وانظر جواب السؤالين: (7190) و (11359) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/574)
مس الجنُّ للإنس والأحكام المترتبة على المس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يمس الجن الناس؟ إذا كان ذلك ممكنا، فكيف يمكن أن يتحمل الإنسان المسؤولية عن أعماله عند التلبس يوم القيامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعم، يمكن للجن أن يصيب الإنس بمس، وقد ذكره الله تعالى في كتابه , في قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275.
وانظر جواب الأسئلة (11447) و (42073) و (39214) و (1819) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (24 / 276، 277) .
ثانياً:
المس نوع من المرض , فإذا كان الإنسان مع وجود هذا المرض عاقلاً وله اختيار فهو مؤاخذ بأقواله وأفعاله , أما إذا غلب عليه هذا المرض بحيث أفقده عقله واختياره فهو كالمجنون لا تكليف عليه. ولهذا يطلق في اللغة "المس" على "الجنون" انظر: "لسان العرب" (6/217) .
غير أنه إذا اعتدى على أحد وقت جنونه , وأتلف ماله – مثلاً - فإنه يضمن هذا المال لصاحبه.
وانظر: "زاد العاد" (4/66-71) .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (16 / 106) :
" أجمع الفقهاء على أن الجنون كالإغماء والنوم , بل هو أشد منهما في فوات الاختيار وتبطل عبارات المغمى عليه , والنائم في التصرفات القولية , كالطلاق , والإسلام , والردة , والبيع , والشراء وغيرها من التصرفات القولية , فبطلانها بالجنون أولى ; لأن المجنون عديم العقل والتمييز والأهلية , واستدلوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل) - رواه أهل السنن بإسناد صحيح -، ومثل ذلك كل تصرف قولي لما فيه من الضرر " انتهى.
وفي (16 / 107) :
" وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه: فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له , بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون , فإذا وقعت منه جرائم , أخذ بها ماليا لا بدنيا , وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان , وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/575)
هل كان قبل آدم عليه السلام على الأرض أحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان يوجد قوم قبل آدم عليه السلام اسمهم جن وقوم اسمهم حن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأت في الكتاب والسنة شيء يدل على أن قوما كانوا يسكنون الأرض قبل آدم عليه السلام، وإنما الذي جاء في ذلك هو من أقوال بعض المفسرين من الصحابة والتابعين، ومن ذلك:
القول الأول:
أن الأرض كان يسكنها الجن (بالجيم المعجمة) ، وهم الذين خلقهم الله تعالى من النار، وهذا القول مروي عن أكثر أهل التفسير.
روى الطبري في تفسيره (1/232) عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
(أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا)
وروى بسنده عن الربيع بن أنس قال:
(إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض)
القول الثاني:
لم يكن على الأرض قبل آدم عليه السلام أحد لا من الجن ولا من غيرهم.
وهذا القول رواه الطبري في تفسيره (1/232) عن عبد الرحمن بن زيد قال:
(قال الله تعالى ذكره للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا، وأجعل فيها خليفة، وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق)
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) :
" تعقيبُ ذكرِ خلق الأرض ثم السماوات، بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة، دليلٌ على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها، فالخليفة هنا الذي يخلف صاحب الشيء في التصرف في مملوكاته، ولا يلزم أن يكون المخلوف مستقرا في المكان من قبل، فالخليفة آدم، وخَلَفِيَّتُه قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي، وتلقين ذريته مراد الله تعالى من هذا العالم الأرضي " انتهى.
أما ما يذكره بعض المفسرين أو المؤرخين، أن قوما اسمهم الحن (بالحاء المهملة) كانوا يسكنون الأرض، فجاء الجن (بالجيم المعجمة) فقتلوهم وسكنوا مكانهم، فيبدو أنها من القصص التي لا تستند إلى أي سند صحيح.
يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/55) :
" قال كثير من علماء التفسير: خلقت الجن قبل آدم عليه السلام، وكان قبلهم في الأرض (الحِنُّ والبِنُّ) ، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم " انتهى.
قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) :
" إذا صح أن الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمون (الحِنُّ والبِنُّ) بحاء مهملة مكسورة ونون في الأول، وبموحدة مكسورة ونون في الثاني، وقيل: اسمهم (الطَّمُّ والرَّمُّ) بفتح أولهما، وأحسبه من المزاعم، وأن وضع هذين الاسمين من باب قول الناس (هيّان بن بيّان) إشارة إلى غير موجود أو غير معروف، ولعل هذا انجَرَّ لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان، فإن الفرس زعموا أنه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطم والرم، وكان اليونان يعتقدون أن الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى (التيتان) وأن (زفس) وهو (المشتري) كبير الأرباب في اعتقادهم جلاهم من الأرض لفسادهم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/576)
حل السحر بسحر مثله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فك السحر عن المسحور باستخدام السحر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن فك السحر عن المسحور لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يستخدم في ذلك الرقى الشرعية والتعوذات النبوية، والأدوية المباحة فلا بأس بذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية للرقى. يراجع سؤال (12918)
الحالة الثانية: " أن يعالجه ـ أي السحر ـ بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم فقال عليه الصلاة والسلام: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " فالسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة؟ فقال: " هي من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد في مسنده (3/294) وأبو داود في سننه (3868) بإسناد جيد
والنشرة هي حل السحر عن المسحور
ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما ونص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم والله المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء وأن يحفظ عليهم دينهم ويرزقهم الفقه فيه والعافية من كل ما يخالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه" ا. هـ
انظر مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (3 / 280) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/577)
هل للسحر حقيقة؟ وهل يجوز التداوي عند السحرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أطباء سحرة؟ وماذا نفعل إذا قال لنا أحد الأشخاص " أنا لا أؤمن بالسحر " لأنه " مجرد وهم " أو ربما " خداع للبصر "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحر - عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله.
ويوجد من الأطباء من يكون ساحراً، فيعالج الناس عن طريق الاستعانة بالجن، ويدعي علمه بحقيقة المرض دون الحاجة لتشخيصه، ويصف للمريض من الأطعمة والأشربة ما يتقرب به إلى أوليائه من الشياطين، وقد يأمرهم بذبح خنزير مع التسمية، وقد يأمره بذبح حيوان مباح مع عدم التسمية، أو مع تسمية أحد الشياطين.
وهذا كفر بالله تعالى، ولا يجوز بحال الذهاب إلى مثل هؤلاء، وحد هؤلاء القتل، وقد ثبت قتل السحرة عن ثلاثة من الصحابة – رضي الله عن الجميع -.
وقد سئلت اللجنة الدائمة سؤالا في الموضوع يقول:
أفيدكم علماً بأن في " زامبيا " رجلاً مسلماً يدَّعي أن عنده جنّاً، والناس يأتون إليه ويسألون الدواء لأمراضهم، وهذا الجن يحدِّد الدواء لهم.
وهل يجوز هذا؟
فأجابت:
لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق.
وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان.
وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم.
وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ".
وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 408، 409) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
.... فنظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الخيرة ممن يدَّعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذَّج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل، رأيتُ من باب النصيحة لله ولعباده أن أبيِّن ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقول مستعينا بالله تعالى:
يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب الى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أوعصبية أو نحو ذلك، ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسب ما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرف وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب الى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال اذا ادَّعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " رواه أبوداود، وخرجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " من أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تَطير أو تُطير له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أوسُحر له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد.
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم، والوعيد على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه، والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كتمتمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم....
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 274 – 281) .
ثانياً:
وأما السحر: فهو حقيقة وليس بوهم ولا بخيال، وله تأثير بإذن الله تعالى.
قال القرافي: السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبعه وعادته، وإن لم يباشره، وقال به الشافعي وابن حنبل …
" الفروق " (4 / 149) .
وخالف في ذلك المعتزلة والقدرية وبعض العلماء ولا اعتبار بخلافهم، وقد ذكر القرافي وغيره أن الصحابة أجمعوا على أنه حقيقة قبل ظهور من ينكره.
ومن أدلة أهل السنَّة على ذلك:
1. قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} البقرة / 102.
والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزجه، وأنه يضر بسحره الناس لكن لا يقع ضرره إلا بإذن الله.
2. قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} الفلق / 4.
والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه.
3. ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي لبيد بن الأعصم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
وقال ابن القيم: والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً ونزيفاً موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم.
" التفسير القيم " (ص 571) .
ثالثاً:
أنواع السحر كثيرة، ومنه التخييل أو " خداع البصر "، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها:
1. عُقَد ورقى
أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} البقرة / 102.
2. خفة اليد
وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء.
فمثلا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير!
والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج!
3. سحر العيون
وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه.
وقد اشتهر عندنا دجل هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون.
4. استعمال المواد الكيماوية
وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم! وقد تحداهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أن يغتسلوا بالماء الساخن قبل دخولهم النار، فرفضوا ذلك لأنه بان عوارهم.
وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى.
انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 146) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 178) ، و " السحر " للشيخ عمر الأشقر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/578)
حياة الجن ومساكنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جوابك عن الجن في السؤال رقم (2340) .
أرجو أن توضح أكثر عن حياة الجن ومساكنهم وأطفالهم وحياتهم العائلية وصلاتهم، هل هي كصلاتنا؟ دفنهم بعد الموت، هل الأشياء الحلال والمحرمة تنطبق عليهم؟ هل يتحاربون مثل بني البشر؟ هل لهم تصنيفات كالبشر؛ أسود، أوروبي، من هذا البلد أو ذاك؟ هل يتأثرون بالأشياء الطبيعية كالمطر والعواصف والزلازل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجن خلق من خلق الله تعالى، وهم عباد مكلفون بالأوامر والنواهي، كالبشر، فمنهم المؤمن والكافر والفاسق، ومحسنهم يدخل الجنة، ومسيئهم يستحق العذاب، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56.
وقال تعالى عن الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) الجن/11.
وقال أيضاً: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن/14، 15.
أما تكليفهم بالأوامر والنواهي، فقد اتفق العلماء على أنهم مكلفون، وذهب بعض العلماء إلى أن التكاليف التي أمروا بها كالتي أمر بها البشر سواء بسواء، وذهب آخرون إلى أن تكاليفهم تناسب قدرتهم وطاقته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين الإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحد، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف، بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعا بين المسلمين " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (4/233) .
وأما ما يتعلق بحياتهم ومساكنهم، فهم كبقية المخلوقات لهم حياتهم الخاصة بهم، ويتزوجون ويتناسلون، قال تعالى عن إبليس: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) الكهف/50.
وأما مساكنهم فيكثر تجمعهم في الخراب ومواضع النجاسات كالحمامات والمزابل، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1070) .
(الْحُشُوشَ) هي أماكن قضاء الحاجة.
(مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين.
(الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) قيل: أي ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: المراد بالخبث الشر، وبالخبائث النفوس الخبيثة، فيشمل ذكران الشياطين وإناثهم.
والجن لا شك يموتون، فهم داخلون تحت قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن/26.
وينبغي أن يعلم أن عالم الجن من عالم الغيب، لا نعلم عنه إلا ما أعلمنا الله تعالى عنه، في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فلا نستطيع أن نتكلم عنهم بشيء إلا بما ورد في النصوص الشرعية، وما عدا ذلك يبقى خافياً علينا، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36.
وللتوسع في هذا الموضوع يراجع كتاب "عالم الجن والشياطين" للدكتور عمر سليمان الأشقر.
ثانياً:
ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أخبرنا عن الجن أو غيرهم من المخلوقات بما ينفعنا، وما كتمه عنا فلا حاجة لنا في معرفته، ولو كانت معرفته ضرورية لنا لأخبرنا الله تعالى به، ولذلك ينبغي عدم التكلف في مثل هذه المسائل، والبحث عن غوامضها التي لا تعلم إلا بالوحي.
وينبغي أن يكون سؤال المرء عن دينه هو وعبادته، وعقيدته، وماذا يفعل. . . إلى آخر ذلك من الأمور الهامة التي أمر بها أو نهي عنها، حتى يحقق العبودية لله تعالى.
ولنا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فإنهم لم يكونوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه المسائل التي لا ينفع المكلف علمها، ولا يضره الجهل بها.
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/579)
هل تُقبل توبة الساحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل توبة الساحر عند الله - لأنني سمعت عن ساحرة استفتت الصحابة عن التوبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يفتها أحد -؟ وماذا قالوا لها؟ وهل ينفعها إيمانها عند الله؟ ولماذا يفتي العلماء بقبول توبة الساحر في هذه الحال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعلم السحر والعمل به كفر، قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، والساحر قد يأتي بما يوجب ردَّته فيكفر فيقتل ردةً، وقد يسحر من غير أن يأتي بمكفِّر، وهذا قد وقع فيه خلاف بين العلماء، والصحيح من أقوالهم: أنه يقتل أيضاً إذا ثبت أنه ساحر، وهو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين.
ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر سواء قلنا بكفره أم لم نقل، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتله منع من الإفساد وردع لغيره من إخوانه السحرة.
فإذا تاب الساحر بينه وبين الله توبة صادقة: فإن الله تعالى يقبل منه، وهذا فيما بينه وبين ربه قبل أن يصل أمره للقضاء، فإذا وصل أمره للقضاء الشرعي فينبغي على القاضي قتله من غير استتابة؛ تخليصاً للمجتمع من شره، ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيم الحد بنفسه، بل الأمر مرجعه لولي الأمر.
وهذه طائفة من فتاوى العلماء في ذلك:
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" إذا تاب الساحر توبة صادقة فيما بينه وبين الله: نفعه ذلك عند الله، فالله يقبل التوبة من المشركين وغيرهم، كما قال جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) الشورى/25، وقال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31.
لكن في الدنيا لا تقبل، الصحيح: أنه يقتل، فإذا ثبت عند حاكم المحكمة أنه ساحر يقتل، ولو قال: إنه تائب، فالتوبة فيما بينه وبين الله صحيحة , إن كان صادقا تنفعه عند الله، أما في الحكم الشرعي فيقتل، كما أمر عمر بقتل السحرة؛ لأن شرهم عظيم، قد يقولون: تبنا، وهم يكذبون، يضرون الناس، فلا يسلم من شرهم بتوبتهم التي أظهروها ولكن يقتلون، وتوبتهم إن كانوا صادقين تنفعهم عند الله " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 111) .
2. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً – (8/69) :
" والصحيح عند أهل العلم: أن الساحر يقتل بغير استتابة؛ لعظم شره وفساده، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستتاب، وأنهم كالكفرة الآخرين يستتابون، ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يستتاب؛ لأن شره عظيم، ولأنه يخفي شره، ويخفي كفره، فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب، فيضر الناس ضرراً عظيماً، فلهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن من عرف وثبت سحره يقتل ولو زعم أنه تائب ونادم، فلا يصدق في قوله.
ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة، حتى يتقي شرهم، قال أبو عثمان النهدي: (فقتلنا ثلاث سواحر) ، هكذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة – [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأصله في "البخاري"]-، وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها، لما علمت أنها تسحر قتلتها، وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحراً يلعب برأسه - يقطع رأسه ويعيده، يخيِّل على الناس بذلك - أتاه من جهة لا يعلمها فقتله، وقال: (أعد رأسك إن كنت صادقاً) .
والمقصود: أن السحرة شرهم عظيم، ولهذا يجب أن يقتلوا، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية: وجب عليه قتلهم؛ صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم " انتهى.
3. وقال الشيخ – أيضاً – (8/111) :
" إذا قُتل لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يدفن في مقابر الكفرة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يكفن، ونسأل الله العافية " انتهى.
4. وقال – أيضاً -:
" وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس، أو يترتب على عمله مضرة على الناس، من سحر العيون، والتزوير عليها، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، أو ضد ذلك مما يضر الناس، متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر، ولا يقبل منه توبة ولو تاب. . .
وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني: أمراءه - بقتل السحرة، لمنع فسادهم في الأرض، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم، ولو قالوا: تبنا؛ لأنهم لا يؤمَنون، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل؛ لعموم قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. . .
أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد، والمقصود: أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته؛ لأنه جاء تائباً نادماً، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 81، 82) .
5. وقال علماء اللجنة الدائمة:
" إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر: قتل لردته حدّاً، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسا معصومة: قتل قصاصاً، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً: ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح: أنه يقتل حدّاً لردته، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله؛ لكفره بسحره مطلقا لدلالة آية: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) على كفر الساحر مطلقاً؛ ولما ثبت في " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر) ، ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) رواه مالك في " الموطأ "؛ ولما ثبت عن جندب أنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.
وعلى هذا فحكم الساحر المسئول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء، والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شئون المسلمين؛ درءا للمفسدة وسدا لباب الفوضى " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 551 – 553) .
6. وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وهذا القتل هل هو حدٌّ أم قتله لكفره؟
يحتمل هذا وهذا، بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام.
والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل؛ لأنهم يمرضون، ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً؛ فكان واجباً على وليِّ الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم؛ فإن الحدَّ لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 508، 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ".
7. وقال الشيخ ابن عثيمين – أيضاً -:
" والقول بقتلهم (يعني: السحرة) موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/580)
هل للجن دور في إجهاض الجنين وتشويهه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع الجن أن يؤثر على الجنين في بطن أمه من حيث إجهاضه أو تشويهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن تعلمي أن الله تعالى هو الذي يخلق الجنين في بطن أمه، قال تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) الزمر/6، وهو الذي يصوره كيف يشاء، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/6، وهو الذي يقدر زمن بقائه فيه وخروجه منه، قال تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد/8.
قال الشيخ الشنقيطي – بعد ذِكر الأقوال في تفسير الآية -:
" مرجع هذه الأقوال كلها إلى شيء واحد، وهو أنه تعالى عالم بما تنقصه الأرحام وما تزيده؛ لأن معنى " تغيض ": تنقص، و " تزداد " أي: تأخذه زائداً، فيشمل النقص المذكور: نقص العدد، ونقص العضو من الجنين، ونقص جسمه إذا حاضت عليه فتقلص، ونقص مدة الحمل بأن تسقطه قبل أمد حمله المعتاد، كما أن الازياد يشمل زيادة العضو، وزيادة العدد، وزيادة جسم الجنين إن لم تحض وهي حامل، وزيادة أمد الحمل عن القدر المعتاد، والله جل وعلا يعلم ذلك كله، والآية تشمله كله " انتهى.
" أضواء البيان " (3 / 73) .
وبه تعلمي أن وجود ما يسمى " التابع " أو " التبيعة " في بطن الأم وأنه يسبب إجهاض أو تشويه الجنين أمرٌ لا صحة له، وهو من خرافات العامة وأساطيرهم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
كنت قد تزوجت في الثامن من ذي الحجة 1403هـ والتي تزوجتها ابنة خالتي، وفي أول يوم من شهر رمضان المبارك 1405هـ رزقني الله بمولود سميته: " موسى " وفي شهر شعبان 1406هـ أسقطت زوجتي جنينا بعد شهره الثالث.
وفي ربيع الأول 1407هـ توفَّى الله ولدي " موسى "، وكما قلت لكم: إن زوجتي ابنة خالتي، وبعد وفاة ابني موسى جاءتني خالتي - والتي هي أم زوجتي - وقالت لي: إنها ذهبت إلى رجل عالم بالكتاب، وقالت: إن هذا الرجل قال لها: إن مع زوجتي تابعة - أو تبيعة - من الجن تقتل أولادها حسداً وحقداً من عندها، وأن هذا الرجل يمكنه أن يقطع دابر تلك التبيعة أو التابعة من الجن.
فرفضت ذلك، وفي ثالث يوم من شهر شعبان الماضي 1407هـ رزقني الله بطفلة سميتها " مستورة " ولكن توفاها الله ثاني يوم ولادتها، فجاءتني خالتي وقالت لي: أما قلت لك: تذهب إلى ذلك الرجل وتنتهي من ذلك الموضوع، وأصرت أن نذهب إليه وكذلك أصر معها والدي على أن نذهب إلى ذلك الرجل الذي يقوم بإنهاء تلك التابعة أو التبيعة، فطلبت منهم مهلة عسى الله سبحانه وتعالى أن يلهمني، والحمد لله الذي هداني إلى أن أقوم بكتابة هذه الرسالة إليكم راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم في إفتائنا في هذا الموضوع، علما بأن هذا الموضوع يسبب لي أرقاً دائماً.
فأجابوا:
" لقد أحسنتَ بامتناعك من الذهاب مع خالتك - أم زوجتك - إلى الرجل الذي يدعي علم الكتاب؛ لأنه كاهن، وأحسنت أيضا بسؤالك أهل العلم للتحقق من الصواب، وعليك أن ترقي نفسك وزوجتك ومن ترزق من الأولاد بالرقية الشرعية، فتقرأ على كل منهم فاتحة الكتاب والمعوذات الثلاث: " قل هو الله أحد "، وسورة " الفلق "، وسورة " الناس " تكرر المعوذات (ثلاث مرات) وتنفث عقب كل مرة في كفيك وتمسح بهما الوجه وما أقبل من البدن، وتدعو بهذا الدعاء: " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة "، وننصحك بشراء كتاب " الأذكار النووية " للإمام النووي، وكتاب " الكلم الطيب " لابن تيمية، وكتاب " الوابل الصيب " لابن القيم، فإن فيها كثيراً من الأذكار النافعة والرقى الشرعية " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 619، 620) .
وسئلوا أيضاً:
بعض الناس الذين لم يأت لهم أولاد يرشدهم بعض الناس إلى شراء تيس مثلا، ويقول: لون التيس كذا، كأن يقول: أسود – مثلاً -، ويقول: اربطه في البيت عندك لمدة كذا، ويقولون: السبب في عدم وجود أولاد هي جنية يسمونها بـ: التابعة، فيزعمون أنه عند حالة وجود التيس في البيت يمنعها من دخول البيت وعند ذلك يحصل الحمل، فما حكم هذا؟
فأجابوا:
" لا يجوز ذلك وهو نوع من الكهانة، ولا أساس لصحة ما ذكر، بل هو كذب وافتراء " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 584) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/581)
كيف يقرأ سورة البقرة في البيت؟ وهل تجزئ القراءة من المسجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين: هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع؟ وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض؟ وهل يجزئ قراءتها منفصلة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة، ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " وآخر آيتين منها، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم (780) .
قال النووي – رحمه الله -:
هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح.
" شرح مسلم " (6 / 69) .
عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة) رواه مسلم (804) .
البَطَلة: السحرة.
ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت، ولو مع خفض الصوت، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل، ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت، بل لو وزعت بينهم لجاز، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد.
ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر؟
فأجاب:
لا، لا، صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن "، يقال: " استمع إلى صوت قارئ سابق "، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن، ثم قام فخطب، هل تُجزئ؟ لا تُجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت، هل يُجزئ عن القراءة؟ لا يُجزئ.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 986) .
لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت، واستخدموا المسجل في قراءتها، فالأظهر، إن شاء الله، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت: فرار الشيطان منه؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل.
والله أعلم
هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟
السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟
الجواب:
الحمد لله
الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) .
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/582)
قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومعناها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث بخصوص تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر صحيح؟ فقد سمعت الكثير حول الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا، ولم يُنكره إلا المبتدعة، وفيما يلي نص الحديث، وتخريجه، ومعناه، ورد العلماء على من أنكره.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189) .
مطبوب: مسحور.
(مُشط) : آلة تسريح الشعر.
(مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر.
(وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال المازري: أنكر المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها , قالوا: وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل , وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ (هناك) , وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء , قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ , والمعجزات شاهدات بتصديقه , فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض , فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.
قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن , وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.
قلت – أي: ابن حجر -: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري، ولفظه: (حتى كان يرى (أي: يظن) أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي: (أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) .
قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ... .
وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده , ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه , فكذلك السحر، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ , بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام , أو عجز عن بعض الفعل , أو حدوث تخيل لا يستمر , بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين " انتهى.
"فتح الباري" (10/226، 227) باختصار.
وقال ابن القيم رحمه الله:
" هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به:
قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر) قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يَقدح في نبوته.
وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله: فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى.
"زاد المعاد" (4/124) .
وبعد، فقد تبيَّن صحة الحديث، وعدم تنقصه من منصب النبوة، والله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده، ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل، وهو في أمرٍ دنيوي بحت، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة، وفيما سبق من كلام أهل العلم كفاية، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "فتح الباري" و "زاد المعاد".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/583)
لماذا نتثاءب في رمضان.. وقد صفدت الشياطين؟ وهل نقل التلفزيون للصور محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المعروف أن الشياطين تصفد في رمضان، وأن التثاؤب من الشيطان ... فلماذا نتثاءب في رمضان؟
والمعروف أيضاً أن تصوير الإنسان محرم فهل يعتبر نقل التلفزيون للصور محرما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (6226) ومسلم (2994) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) .
قيل في معنى ذلك: إن الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا، ويعجبه ذلك منه؛ لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ، وليس المراد أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان هو الذي فَعَلَ التَّثَاؤُب.
وقيل: إنما أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأن التثاؤب ينشأ عن امتلاء البطن، وينتج عنه التكاسل؛ وَذَلِكَ إنما يكون بتأثير من الشَّيْطَان. قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات، إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل.
وقال المناوي رحمه الله: أضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة.
ولا إشكال في وجود التثاؤب من العبد في رمضان، مع تصفيد الشياطين فيه؛ لأنه على القول بأن معنى ذلك أن الشيطان يحبه ويرضاه، فليس من شرط محبته ورضاه أن يكون طليقا، بل يحصل ذلك منه ولو كان مصفدا.
وعلى القول بأن ذلك يكون من تأثير الشيطان، تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر، فقد قيل إن الذي يصفد في رمضان هم المردة من الشياطين فقط، وأما غيرهم فيبقى على حاله، فلعل التثاؤب يكون من فعل من لم يصفد منهم.
وأما على القول بأن المراد بتصفيد الشياطين أن إغواءهم وتصرفهم بالشر في المؤمنين يقل في ذلك الشهر عن غيره، فلعل التثاؤب يكون من ذلك التصرف القليل الذي يتمكنون منه في رمضان.
وللمزيد حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان راجع السؤال رقم (39736) ، وراجع أيضا السؤال رقم (37965) لمعرفة الجواب عن: كيف تقع المعاصي في رمضان، مع تصفيد الشياطين.
وأما السؤال عن حكم نقل الصور بالتلفزيون، فتجد جوابه في السؤال رقم (10326) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/584)
الوسائل الشرعية التي يُتقى بها السحر قبل وقوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل الشرعية التي يُتقى بها السحر قبل وقوعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من أهم الوسائل التي يُتقي به خطر السحر قبل وقوعه هو التحصن بالأذكار الشرعية، والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك:
1- قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام.
2-ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي: هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه وتعالى: (اللَّه لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
3- ومن ذلك قراءة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث (ثلاث مرات) : في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب.
4- ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح} وصح عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه} والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء.
5- ومن ذلك الإكثار من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك
6- ومن ذلك: أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل (ثلاث مرات) : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان، وثقة بالله واعتماد عليه، وانشراح صدر لما دلت عليه.
وهي أيضا من أعظم السلاح لدفع السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله، وسؤاله سبحانه: أن يكشف الضرر، ويزيل البأس، ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه: (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك) وليكرر ذلك (ثلاث مرات) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – ج8.(1/585)
حكم من يرى أن السحر لا يضر ما دام أنه لم يسبب شيئاً من المشاكل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي سماحتكم في رجل استعمل الرقية، ولم ير أنها تنفعه فتحول عنه السحر، ويقول: إنه لا يضر مادام أنه لا يسبب شيئاً من المشاكل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحر منكر وكفر، وإذا كان المريض لم يشف بالقراءة فالطب أيضاً لا يلزم منه الشفاء؛ لأنه ليس كل علاج ينفع ويحصل به المقصود، فقد يؤجل الله الشفاء إلى مدة طويلة، وقد يموت الإنسان بهذا المرض، وليس من شرط العلاج أن يشفى الإنسان، وليس ذلك بعذر إذا عالج عند إنسان بالقراءة ولم يظهر له الشفاء أن يتوجه إلى السحرة، لأن المكلف مأمور بتعاطي الأسباب الشرعية المباحة، وممنوع من تعاطي الأسباب المحرمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا، ولا تداووا بحرام) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) .
فالأمور كلها بيد الله سبحانه، فهو الذي يشفي من يشاء، ويقدر الموت والمرض على من يشاء، كما قال سبحانه: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) الأنعام/17، وقال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) يونس الآية/107، فعلى المسلم الصبر والاحتساب، والتقيد بما أباح الله له من الأسباب والحذر مما حرم الله عليه، مع الإيمان بأن قدر الله نافذ وأمره سبحانه لا راد له، كما قال عز وجل: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس/82، وقال سبحانه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) التكوير/29، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/112.(1/586)
حكم تعلم السحر وفك السحر عن المسحور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تعلم حل أو فك السحر عن المسحور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان بالشيء المباح من الأدعية الشرعية، أو الأدعية المباحة، أو الرقية الشرعية، فلا بأس، أما أن يتعلم السحر ليحل به السحر أو لمقاصد أخرى فذلك لا يجوز، بل هو من نواقض الإسلام، لأنه لا يمكن تعلمه إلا بالوقوع في الشرك، وذلك بعبادة الشياطين من الذبح لهم، والنذر لهم، ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذبح والتقرب إليهم بما يحبون حتى يخدموه بما يحب، وهذا هو الاستمتاع الذي ذكره الله سبحانه بقوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) سورة الأنعام /128
[الْمَصْدَرُ]
مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز ص 118.(1/587)
حكم تخيل المريض للعائن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة تخيل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يخيل للمريض من أصابه بالعين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له بصورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/588)
تعلق التميمة، وعلاج الكوابيس
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق عندما كان صغيراً لم يكن يستطيع النوم ويرى كوابيس، كان أبوه يأخذه لرجل من الأولياء، وقد صنع له هذا الرجل قلادة من أشياء كالصناديق الصغيرة تحتوي على كتابات مقدسة.
هل هذا جائز في الإسلام؟ عمره الآن 24 سنة فماذا تنصحه أن يفعل لكي يتخلص من هذه الكوابيس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والعرافين، والمشعوذين، ومن ذهب إليهم وسألهم عن شيء لم تُقْبِل منه صلاة أربعين يوماً، ومن صدَّقهم بأنهم يعلمون الغيب أو يكشفون الضر ويجلبون النفع فهو كافر كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز تعليق الخرز والتمائم، وقد جاء الوعيد الأكيد في السنة الصحيحة لمن فعل ذلك.
عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد (16969) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) .
وفي جواب السؤال رقم (10543) تجد تفصيل الأحاديث الواردة في التمائم، وفيه بيان حكم العلماء في التميمة المعلقة من القرآن وحكم التمائم من غيرها.
وفيه – عن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب -:
هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله. اهـ.
وعن الشيخ حافظ حكمي:
وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعبَّاد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك -. اهـ
ثانياً:
وفي جواب السؤال رقم (9577) تجد سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/589)
أشخاص يدعون قدرتهم على مضاعفة الأموال باستخدام الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد رجل يدعي أنه يتعامل مع الجن، ويقول: إنه على استعداد بأن يقوم بدفع الأرباح مضاعفة لمن يتعامل معه، فمثلاً إذا أعطيته مبلغ مليون فإنه يستخدم مادة الزئبق، للتعامل مع الجن، وبعدها يعطي أرباح خمسة ملايين ريال تقريباً، فما رأي فضيلتكم فيما يدعيه هذا الشخص، وهل صحيح أن الجن يحضرون مبالغ لمن يستخدمهم على حد زعمه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
أرى أن هذا لا يجوز، حيث أن التعامل معهم غالباً لا يكون إلا بعد التقرب إليهم بما يحبون، وهو عمل الساحر الذي يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يبطل عمله، وهكذا لما ذكر من استخدامهم الزئبق، فإنه خداع وأكل للمال بالباطل، وقد يدخل في القمار والاختلاس، فإن عمل الشياطين يكون بالتخييل والسحر، ومعلوم أنهم لا يملكون مثل ما نملك من الأموال والنقود والأمتعة، فإذا أعطوا الإنسان شيئاً من ذلك فإما أن يكون من التخييل الذي لا حقيقة له، أو أنه اختلاس من أموال الناس، فلا يحق التعامل معهم. انتهى
وفي الحقيقة فإن كثيراً من هؤلاء المشعوذين الذين يدّعون تكثير الأموال هم محتالون وكذابون ويخدعون الناس ويأكلون أموالهم وأعمالهم لا تعدو أن تكون أعمال نصب واحتيال والجرائد طافحة بمثل هذه الأخبار نسأل الله السلامة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/590)
أثر السحر على العلاقة الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للسحر أثر على العلاقة الزوجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الساحر يتعاطى أموراً يسحر بها الناس تارة بالتخييل، كما قال الله عن سحرة فرعون: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/66، ويعملون أعمالاً تغير مناظر الأمور في أعين الناس حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، كما قال تعالى في سورة الأعراف: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) /166، فهم يفعلون أشياء تسحر العيون، حتى يرى الحبل حية والعصا حية تمشي، وهي ليست حية وإنما عصا أو حبل، وكذلك يسحرون الناس بأمور أخرى مما يبغض الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى زوجها، مما يسحرون به أعينهم، وبما يعطونهم من أدوية خبيثة يتلقونها عن الشياطين، وبما يعقدون من العقد التي ينفثون فيها بدعوة غير الله من الشياطين، والاستعانة بهم في إضرار الناس، فيخيل للرجل أن زوجته غير الزوجة المعروفة، فيراها في طلعة قبيحة ينفر منها ويبغضها، ويخيل للمرأة أن زوجها غير زوجها المعروف في صورة قبيحة وفي صورة مفزعة، بأسباب مما وقع من هؤلاء المجرمين. فسحرهم على نوعين: نوع يكون بالتخييل والتزوير على العيون حتى ترى الأشياء على غير ما هي عليه.
ونوع آخر منه يسمى الصرف والعطف، يكون بالعقد والنفث والأدوية، التي يصنعونها من وحي الشياطين وما تزينه لهم ويدعونهم إليه وهذا النوع الثاني يحصل به تحبب الرجل إلى امرأته، أو بغضه لها والعكس، وهكذا غير الزوج والزوجة مع الناس الآخرين، ولهذا شرع الله لنا للاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وشرع لنا الاستعاذة من كل سوء.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/80.(1/591)
حول دخول الجن بدن الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أُثِيرَت في الأيام الماضية قضية دخول الجن بدن الإنسان، وأن هذا مستحيل عقلاً !! بسبب الاختلاف في أصل الخلقة، إذ خلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار، وإن الشياطين لا تملك سوى الوسوسة ولم يجعل الله لها سلطة على الإنسان! وأن الأشرطة المسجلة التي تتداول ليست دليلاً على هذا الأمر، فما ردكم على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن دخول الجان بدن الإنسان ثابت بالكتاب والسنة واتفاق أهل السنة والجماعة والمشاهد والمحسوس، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة الذي قدموا معقولاتهم على أدلة الكتاب والسنة، ونحن نذكر من ذلك ما تيسر:
قال الله عز وجل: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا..) البقرة/275
قال القرطبي في تفسيره (ج3ص355) : (هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس)
وقال ابن كثير في تفسير (ج1ص32) بعد أن ذكر الآية السابقة (أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً، وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق) .
وجاء في الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي عن أبي اليسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من التردي والهرم والغرق والحرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ... ) قال المناوي في فيضه (ج2ص148) في شرح عبارة (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها الأقدام، وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه من التوبة ... الخ
وقال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 24/276) دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) أ. هـ
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواماً يقولون إن الجن لا يدخل في بدن المصروع فقال: (يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه) . قال ابن تيمية معلقاً (هذا الذي قاله مشهور فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويُضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضُرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله وقد يَجُر المصروع وغير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ويجري غير ذلك من الأمور، ومن شاهدها أفادته علماً ضرورياً بأن الناطق على لسان الإنس، والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان) ، ويقول رحمه الله: (وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يُكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك) .
فدخول الجن إلى جسد الإنس إذاً ثابت بالكتاب العزيز والسنة المطهرة وباتفاق أهل السنة والجماعة الذي سردنا بعضاً من أقوالهم.
وأما قول الله عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) فهو لا شك دليل واضح على أن الجن لا يستطيعون أن يضروا أحداً بسحر أو بصرع أو غيره من أنواع الإيذاء أو الإضلال إلا بإذن الله، كما قال الحسن البصري: من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ لم يسلط ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله، كما قال الله تعالى، فالشيطان (وهو الجني الكافر) قد يسلط على المؤمنين بذنوبهم وبعدهم عن ذكر الله وتوحيده وإخلاص العبادة له، وأما عباد الله الصالحين فلا قدرة له عليهم كما قال تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً) الإسراء/65.
وقد كانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك جيداً وتتداوله في أشعارها فقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله:
وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق
والأولق: شبه الجنون.
أما أسباب الصرع: فقد بين ابن تيمية (مجموع الفتاوى 19/39) ذلك بقوله: (إن صرع الجن للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس ... وقد يكون وهو الأكثر عن بغض ومجازاة مثل أن يؤذيهم بعض الإنس أو يظنوا أنهم يتعمدون أذاهم إما يبول على بعضهم وإما يصب ماءً حاراً وإما بقتل بعضهم، وإن كان الإنس لا يعرف ذلك، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه، وقد يكون عن عبث منهم وشر بمثل سفهاء الإنس) انتهى.
أقول: ولعل النجاة من ذلك هو ذكر الله والتسمية عند بدء الأمور كلها كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم التسمية وذكر الله عند أمور كثيرة مثل أكل الطعام والشراب وعند ركوب الدابة وعند وضع الثياب للحاجة وعند الجماع وغيرها من الأمور..
وأما عن علاجه فيقول ابن تيمية (مجموع الفتاوى 19/42) : (والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على الإنس أخبروا بحكم الله ورسوله وأقيمت عليهم الحجة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر كما يفعل بالإنس لأن الله يقول: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ثم قال: وإذا لم يرتدع الجني بالأمر والنهي والبيان فإنه يجوز نهره وسبه وتهديده ولعنه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الشيطان عندما جاء بشهاب ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بالله منك، وألعنك بلعنة الله - ثلاثاً) رواه البخاري، ويستعان عليه أيضاً بذكر الله وقراءة القرآن، وخاصة أية الكرسي فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من قرأها لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح) رواه البخاري وقراءة المعوذتين كذلك.
وأما الطبيب النفساني الذي لا يعتمد على ما ذكرنا في علاجه للمصروع فإنه لن ينفع المصروع بشيء.
والمسألة تحتمل البسط أكثر من ذلك وفيما ذكرناه كفاية للمتبع. والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل/محمد الحمود النجدي ص23(1/592)
القول الصحيح في حكم الساحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو القول الصحيح في حكم الساحر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه.
وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله.
قال تعالى {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } .
وقال {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر.
وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة.
وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد.
والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها.
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان العلوان(1/593)
ربط خيط مقروء عليه آيات من القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقرأ القرآن على خيط أو ما شابهه، ثم نربطه حول معصم الطفل لحمايته من العين أو من الأمراض؟
أو بدلا عن ذلك، فهل يجوز أن نقوم بوضع آيات قرآنية داخل كبسولة معدنية صغيرة ثم نربطها حول معصم المسلم لحمايته من الاصابة بالعين أو البلايا؟
الناس عندنا في حينا السكني يعملون الأمرين أعلاه كثيرا. إنهم يقصدون إمام المسجد المحلي ليقدم لهم هذه الخدمات. وأنا لا أريد أن أفعل هذا لطفلي ما لم يكن هناك سبب تقبل به الشريعة.
أرجو أن تساعدني في الوصول للحقيقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز ربط هذه الخيوط أو القلائد، قال صلى الله عليه وسلم: " من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله عليه "
وقال: " من تعلّق شيئا وُكل إليه "، وقال: " من تعلّق تميمة فقد أشرك ".
وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطعها كما في الحديث عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذه الحلقة قال هذه من الواهنة قال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا. رواه ابن ماجة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان.(1/594)
كيف تتخلص من التميمة بدون ضرر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ممن يعملون عندي والدي أقنعه أنه مصاب بالعين، وأحضر له حجراً وقال: ضعها في جيبك حتى تقيك من العين، ثم بعد فترة أحضر له ورقة مكتوباً فيها اب ع د وأسفل الورقة الله الحامي وبعض الكتابات الغير مفهومة والطلاسم والخرابيش فنحن نريد أن نتخلص من هذه الورقة لأنها غير مشروعة ولكن لم نعرف الطريقة الصحيحة للتخلص منها دون أي مضرة لنا، وأرجو من فضيلتك بعض الكلمات المفيدة والناصحة لنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العين حق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقاية منها تكون بالرقية الشرعية، والأوراد النبوية، لا بالتمائم، ولا بالتعاويذ التي يكتبها الدجاجلة والمشعوذون، ولمعرفة حقيقة العين وطرق الوقاية منها انظري السؤال رقم 20954، ورقم 11359.
ثانيا:
حمل الأحجار أو التعاويذ بقصد الحماية من العين أو السحر، يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا. قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد (16781) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (492) .
وروى أحمد (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه الأرنؤوط في تحقيقه على المسند.
والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين.
قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ".
وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع ". "التعريفات الاعتقادية" ص 121.
والصحيح من قولي العلماء تحريم التميمة ولو كانت من القرآن، وانظري السؤال رقم (10543) ، وأما ما اشتمل على الحروف والكلمات المجهولة فلا خلاف في تحريمه، ولا يؤمن أن تكون سحرا، أو استعانة بالجن.
ثالثا:
طريقة التخلص من التمائم ومن السحر عند العثور عليه: يكون بحل العقد – إن وجدت - وفصل الأجزاء بعضها عن بعض ثم إتلافها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما. وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث عليا رضي الله عنه فوجد الماء قد اصفر فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) .
فالتخلص من الورقة التي مع أبيك، يكون بتمزيقها، وحرقها، مع تذكيره بالتوبة إلى الله تعالى من تعليق التمائم والتعلّق بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/595)
استرجاع المسروقات والمفقودات عن طريق الكهان والعرافين
[السُّؤَالُ]
ـ[اختفى دفتر فواتير مهم خاص بالمؤسسة وعدم ظهوره سوف يكلفني الكثير أرسلت أحد أقاربي إلى رجل دين وسأله عن كيفية الحصول على هذا الدفتر، المهم: أمر بإحضار طفل عمره 11-12 سنة وأعطاه بيضة كتب عليها كتابة بالأزرق وغطى الطفل بشماغ وأخذ يقرأ ما تيسر من القرآن ثم سأل الطفل هل يرى الشخص الذي أخذ الدفتر فذكر الطفل شكل واسم شخص نعرفه تماماً ولا يعرفه هذا الطفل فما الحكم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت الأدلة الصحيحة على تحريم إتيان العرافين والكهنة، وسؤالهم وتصديقهم، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال البغوي رحمه الله: " العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك " نقله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/178) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعراف: قيل هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل.
وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق؛ إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة ". انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/48) .
فالتوصل إلى معرفة السارق بالطريقة التي ذكرت، نوع من العرافة والكهانة المحرمة، التي تعتمد على استخدام الجن والوثوق بهم، ولا ينبغي الانخداع بقراءة العراف لشيء من القرآن، فهذا من الحيلة والتمويه التي يلجأ إليها هؤلاء المبطلون.
وانظر السؤال رقم (21124) : في بيان علامات السحرة والعرافين والكهان.
ثانيا:
ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من يدعي معرفة المسروقات أو أن الجن تخبره بذلك، قال ابن نجيم رحمه الله في بيان المكفّرات: " وبإتيان الكاهن وتصديقه، وبقوله: أنا أعلم المسروقات، وبقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي " انتهى من البحر الرائق (5/130) . وإنما يكفر بقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي؛ لأن الجن كالإنس لا يعلمون الغيب، كما قال تعالى عنهم: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ/14، قاله في حاشية البحر الرائق.
وأما إتيان العراف وسؤاله، فيه تفصيل:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتي عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم.
القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) النمل/65.
القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به.
القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا " انتهى من "القول المفيد" (2/49) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أحيانا نفقد بعض المال أو الذهب من المنزل ونعتقد أنه سُرق، ونذهب لأحد الأشخاص ويعرف بالمخبر، ونشرح له ذلك، ويوعدنا خيرا، وأحيانا نسترجع المفقود، وأحيانا لا، فما حكم ذهابنا لهؤلاء الأشخاص؟
فأجابت: " لا يجوز ذهابكم إليه لأنه كاهن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم "انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/410) .
وسئلوا أيضاً (1/411) : قلتم في سؤال سابق لي وجوابه إن الذهاب إلى المخبر لا يجوز لأنه كاهن. أود أن أشير هنا أن الأشخاص الذين نذهب لهم معروفون بتمسكهم بتعاليم الدين الحنيف، ولا يقرأون غير القرآن والأحاديث الشريفة في مثل تلك المسائل التي ذكرتها في سؤالي، فما حكم ذهابنا إليهم؟
فأجابوا: " مجرد قراءة القرآن والأحاديث لا يُعرف به مكان المفقود، ولا يسترجع به، ومن ذهب إلى من يدعي معرفة مكان المفقود بمجرد قراءة القرآن والأحاديث فهو ملتجئ إلى كاهن دجال، ولو ادعى أنه صالح متمسك بالدين، وقد يتظاهر بقراءة القرآن والحديث الشريف للتضليل والتلبيس، وهم في الباطن من الكهنة والعرافين " انتهى.
ثالثا:
على من أتى هذا العراف وسأله، أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على فعله، والعزم على ألا يعود إليه، وأن لا يتهم أحدا بالسرقة اعتمادا على قول العراف ومساعديه من الجن، فإن الجن يكذبون، وقد يتهمون البريء للإيقاع والإفساد بين المسلمين. والتوبة هنا تلزم من أتى العراف وسأله، كما تلزم من دله وأرشده، فإن الجميع واقعون في المعصية. وراجع السؤال رقم 32863 في التوبة من سؤال العرافين أو تصديقهم.
وينبغي للمسلم أن يفزع إلى الله تعالى، ويلجأ إليه عند حلول الحوادث والمصائب، فإن الأمر كله بيده سبحانه، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62.
ولا يليق بمسلم أبداً أن يعرض دينه للضياع من أجل أن يجد شيئا فُقِدَ منه، فإن أغلى ما يجب على المسلم الحفاظ عليه هو دينه، وليبذل في سبيل الحفاظ على دينه ما أمكنه بذله من نفس ومال.... وكل شيء، ولا يجوز أبداً بحال من الأحوال أن يكون الأمر بالعكس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/596)
كيفية التخلص من السحر بعد العثور عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضرنا خادمة، والآن بعد مرور 7 شهور ذات يوم بعد خروجها من دورة المياه وجدنا في مكانها شعر ملفوف غير طبيعي ومربوط عليه بخيط أربع لفات مع العلم أن الشعر ليس من شعر أهل البيت ثم قمنا بتفتيش حقيبتها فوجدنا أربع لفات من نفس الشعر وكل لفة معقود عليها بأربع لفات، ماذا نفعل بالشعر؟ مع العلم أيضا أن الشعر ليس شعر الخادمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لف الشعر وعقده بالخيط من الطرق التي يستعملها السحرة في سحرهم وضلالهم، فإنهم يعقدون العقد وينفثون عليها بتعاويذهم الباطلة. ومن وجد شيئا من ذلك فليحل العقد وليفصل الأجزاء بعضها عن بعض مع قراءة المعوذات، ثم يتلفها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما، وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل، فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث رجلا (وفي طريق أخرى: فبعث عليا رضي الله عنه) فوجد الماء قد اصفر، فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فحلها، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) . أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ومن علاج السحر أيضا وهو من أنفع علاجه: بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر " انتهى. "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/280) .
وقال أيضا: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) .
وينبغي الحذر من هذه الخادمة والسعي في إرجاعها إلى بلدها، كما ينبغي لأهل المنزل أن يتحصنوا بالأذكار الشرعية، كأذكار الصباح والمساء والنوم، والدخول والخروج، والأكل والشرب.
ومن الأمور التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه: " أهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والمعوذات المأثورة ومن ذلك: قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك: قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة/255.
ومن ذلك: قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب.
ومن ذلك: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير. . . إلى آخر السورة) .
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) وصح عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء.
ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بـ (كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) .
ومن ذلك: أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بلله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره - وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه -: (اللهم رب الناس، أذهب البأس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما) يقولها ثلاثا.
ومن ذلك: الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك) ويكرر ذلك ثلاث مرات. انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (3/277- 279) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/597)
هل هناك فضل أو مزية لمن قتلت بالسحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي زميلة توفيت جدتها مسحورة بعد 3 سنوات من السحر، وقد حاولوا علاجها ولكن لم يفد ذلك، وتسألني زميلتي هل موتها عادي أم أن هناك فضلاً أو أي شيء يميز الإنسان الذي يموت وهو مسحور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على دليلٍ أو نقلٍ ـ بعد البحث ـ يدل على فضل من مات بالسحر، إلا أن المسحور إن صبر على بلواه كان له أجر الصابرين، وما أعظمه من أجر. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/155- 157
وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (5653) ومسلم (2576) عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ) فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.
وليعلم أن السحر له حقيقة، وقد يؤدي إلى مرض المسحور، وربما أدى إلى قتله.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما السحر في الشرع؛ فإنه ينقسم إلى قسمين:
الأول: عُقَدٌ وَرُقىً؛ أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102.
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله؛ فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف.
فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك.
فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئا فشيئا حتى يهلك.
وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه.
وفي عقله؛ فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله " انتهى من "شرح كتاب التوحيد" (2/5) .
هذا وقد ينال المسحور أجر الشهيد إذا أدى السحر إلى مرضه بداء البطن، أو الطاعون، أو ذات الجنب، أو ماتت المرأة وهي في حال الولادة، فقد روى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ. وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ. وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ. وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ. وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في "عون المعبود":
" (المطعون) هو الذي يموت بالطاعون (والغرق شهيد) إذا كان سفره طاعة (وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال (والمبطون) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن (وصاحب الحريق) أي المحرق وهو الذي يموت بالحرق (تحت الهدم) أي حائط ونحوه.
(والمرأة تموت بجُمع) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/598)
أنواع علاج السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العلاج لمن به صرف أو عطف أو سحر؟ وكيف يمكن للمؤمن أن ينجو من ذلك ولا يضره فعله وهل هناك أدعية أو ذكر من القرآن والسنة لذلك الشيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أنواع من العلاج:
أولاً: ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلاً جعل شيئاً من الشعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر.
ثانياً: أن يلزم الساحر إذا عرف أن يزيل ما فعل، فيقال له: إما أن تزيل ما فعلت أو تضرب عنقك، ثم إذا أزال ذلك الشيء يقتله ولي الأمر، لأن الساحر يقتل على الصحيح بدون استتابة، كما فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وقد روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (حد الساحر ضربه بالسيف) ولما علمت حفصة أم المؤمنين رضي لله تعالى عنها أن جارية لها تتعاطى السحر قتلتها.
ثالثاً: القراءة فإن لها أثراً عظيماً في إزالة السحر: وهو أن يقرأ على المسحور أو في إناء آية الكرسي وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة طه، ومعها سورة الكافرون وسورة الإخلاص والمعوذتين، ويدعو له بالشفاء والعافية، ولاسيما بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ، ومن ذلك ما رقى به جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ويكرر هذه الرقية ثلاثاً، ويكرر قراءة (قل هو الله أحد) و (المعوذتين) ثلاثاً، ومن ذلك أن يقرأ ما ذكرناه في ماء ويشرب منه المسحور، ويغتسل بباقيه مرة أو أكثر حسب الحاجة، فإنه يزول بإذن الله تعالى، وقد ذكر هذا العلماء رحمهم الله، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في كتاب: (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) في (باب ما جاء في النشرة) وذكره غيره.
رابعاً: أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر ويدقها ويجعلها في ماء ويقرأ فيه ما تقدم من الآيات والسور السابقة والدعوات فيشرب منه ويغتسل، كما أن ذلك ينفع في علاج الرجل إذا حبس عن زوجته فتوضع السبع ورقات من السدر الأخضر في ماء فيقرأ فيه ما سبق ثم يشرب منه ويغتسل، فإنه نافع بإذن الله جل وعلا.
والآيات التي تقرأ في الماء وورق السدر بالنسبة للمسحورين ومن حبس عن زوجته ولم يجامعها هي كما يلي:
1- قراءة الفاتحة.
2- قراءة آية الكرسي من سورة البقرة وهي قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) /255
3- قراءة آيات الأعراف وهي قوله تعالى: (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) /106-122
4- قراءة آيات في سورة يونس وهي قوله تعالى: (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) 79-82
5- قراءة آيات من سورة طه، وهي قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) /65-69
6- قراءة سورة الكافرون.
7- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين وهما: سورة الفلق والناس (ثلاث مرات) .
8- قراءة بعض الأدعية الشرعية مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) (ثلاث مرات) فهذا طيب، وإذا قرأ مع ذلك (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) (ثلاث مرات) فهذا طيب. وإن قرأ ما سبق على المسحور مباشرة ونفث على رأسه أو على صدره، فهذا من أسباب الشفاء بإذن الله أيضاً كما تقدم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 144.(1/599)
سحر الزوجة للزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل طلقت زوجتي ثم تزوجت بزوجة أخرى وعندما أردت معاشرتها شعرت بأمور غريبة وكأنني مسحور فذهبت إلى شيخ فأعطاني وصفة علاجية غريبة وسؤالي هو، لماذا لم أستطع معاشرة زوجتي الجديدة؟ وما هو حكم ذلك الشيخ الذي يعالج الناس بغير القرآن؟ أفتونا مأجورين ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الزوجة القديمة قد أقرت بهذا العمل أو ثبت عليها ذلك بالبينة فقد فعلت منكرا عظيما بل كفرا وضلالا؛ لأن عملها هذا هو السحر المحرم، والساحر كافر كما قال الله سبحانه: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فهذه الآية الكريمة تدل على أن السحر كفر وأن الساحر كافر والسحرة يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأن من مقاصدهم التفريق بين المرء وزوجه وأنه لا خلاق لهم عند الله يوم القيامة - يعني لا حظ لهم في النجاة - وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هن يا رسول الله؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أما الشيخ الذي أعطاك الدواء فالظاهر أنه ساحر كالمرأة؛ لأنه لا يطلع على أعمال السحر إلا السحرة وهو أيضا من العرافين والكهنة المعروفين بادعاء الغيب في كثير من الأمور، والواجب على المسلم أن يحذرهم وألا يصدّقهم فيما يدّعون من الغيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه مسلم في صحيحه وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) فالواجب عليك التوبة والندم على ما قد حصل منك وإخبار رئيس الهيئة ورئيس المحكمة بالشيخ المذكور وزوجتك القديمة حتى تعمل المحكمة والهيئة ما يردعهم، وإذا عرض لك مثل هذا الحادث فاسأل علماء الشرع حتى يخبروك بالعلاج الشرعي، وإذا كان الذي أصابك قد زال فالحمد لله وإلا فأخبرنا حتى نخبرك بالعلاج الشرعي رزقنا الله وإياك الفقه في الدين والثبات عليه والسلامة مما يخالفه إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/431.(1/600)
التعامل مع الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي زوجي أن في بلده يوجد العديد من المشايخ اللذين يتعاملون مع الجان، وأنه عندما ينتاب أي شخص تعب أو مرض ما يمكنه أن يذهب إلى الجآن للحصول على المساعدة وقد أخبرت زوجي أن هذا حرام لكنه قال لي إنه حلال لأن الشيوخ يفعلون ذلك.
فهل يمكنك تقديم البراهين والأدلة على هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات مِن الإضرار بأحدٍ أو نفعه: شرك في العبادة؛ لأنه نوعٌ من الاستمتاع بالجني بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه واستعانته به في تحقيق رغبته.
قال الله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجَّلتَ لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) الأنعام / 128.
وقال تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) الجن / 6.
فاستعانة الإنسي بالجني في إنزال ضرر بغيره، واستعانته به في حفظه مِن شرّ من يخاف شرَّه: كلُّه شرك.
ومن كان هذا شأنه: فلا صلاة له ولا صيام، لقوله تعالى: (لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملُك ولتكونن من الخاسرين) الزمر / 65.
ومن عُرف عنه ذلك: لا يُصلَّى عليه إذا مات، ولا تُتبع جنازته، ولا يُدفن في مقابر المسلمين.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 407، 408) .
2. وسئلت اللجنة الدائمة سؤالا في الموضوع يقول:
أفيدكم علماً بأن في " زامبيا " رجلاً مسلماً يدَّعي أن عنده جنّاً، والناس يأتون إليه ويسألون الدواء لأمراضهم، وهذا الجن يحدِّد الدواء لهم. وهل يجوز هذا؟
الجواب:
لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق.
وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان.
وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم.
وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ".
وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 408، 409)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/601)
الطرق الروحانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تتفضلون بتعريفي بالرأي الإسلامي في الطرق الروحانية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان المقصود تحضير الأرواح من جنٍ أو غيرهم فلا يجوز لأنه لا يتم إلا بطرق شركيه، وإن كان المراد ما يغذي الروح من إيمان بالله، ورسله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهو مطلب شرعي على المسلم أن يسعى في تغذيته هذا الجانب. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(1/602)
الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الجن؟ وكيف خلقهم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجن خلق من خلق الله , خلقهم من نار قبل خلق آدم كما قال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم) الحجر/26-270.
وكما أن لآدم ذرية فكذلك لإبليس ذرية كما قال سبحانه عن إبليس: (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) الكهف/50.
وقد خلق الله الجن والإنس لعبادته فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات/56-58.
والجن كلهم مكلفون كالإنس منهم المؤمن ومنهم الكافر والمطيع والعاصي كما حكى الله سبحانه عنهم قولهم: (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً) الجن/11.
وجزاء الجن في الآخرة كالإنس كما قال الله سبحانه عنهم: (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون، فمن أسلم فأولك تحروا رشدا وأما القاسطون كانوا لجهنم حطباً) الجن/14- 15 0
وسيقف الجن والإنس جميعاً للحساب يوم القيامة أمام رب العالمين فلن يتأخر أو يفر منهم أحد: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) الرحمن/33.
ومن حاول الفرار من الجن والإنس عن الحساب فلن يتمكن كما قال عنهما سبحانه: (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) الرحمن/35.
وحين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة صرف الله إليه نفراً من الجن فسمعوا القرآن وتأثروا به: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضي ولوا إلى قومهم منذرين) الأحقاف/29.
وقد آمن بعض الجن حين سمعوا القرآن كما قال سبحانه: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجباً، يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) الجن/1-2.
وكل من آدم وإبليس وقع في المعصية لكن آدم ندم وتاب فتاب الله عليه: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) البقرة/37.
أما إبليس فأبى واستكبر فكان من الكافرين: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة/34.
ومن عصى الله مستكبراً من الجن والإنس فهو تبع للشيطان , يحشر معه في نار جهنم إن لم يتب كما قال سبحانه لإبليس: (قال فالحق والحق أقول، لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) ص/84-85.
وأولياء الرحمن من الإنس والجن يتعاونون على البر والتقوى وأولياء الشيطان من الإنس والجن يتعاونون على الإثم والعدوان. قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) الأنعام/112.
وكان الجن لهم مقاعد في السماء يسترقون السمع فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُنعوا ذلك ومن استمع منهم أحرقته الشهب كما حكى الله عن الجن قولهم:: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصدا) الجن/8-9.
والجن معنا في هذه الأرض , ولكن من رحمة الله أنهم يروننا ونحن لا نراهم كما قال سبحانه عن إبليس وقبيله: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف/27.
ومن يراك وأنت لا تراه وهو عدوك فهو أشد خطراً لذا يجب الانتباه والحذر منه دائماً والاحتراس من شياطين الإنس والجن.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/603)
هل يرى المسحور مَن سحره أثناء الرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أصيب الإنسان بالسحر واستعمل الرقية، فهل يمكن أن يحدث أنه أثناء قراءة القرآن يرى الشخص المصاب من قام بسحره وكيف فعل هذا؟ الناس تقول إن ما يراه الشخص المصاب أثناء الرؤية قد يكون صحيحاً وقد يكون خطأ، ويقولون بأن المصاب إذا اتهم شخصاً آخر فيجب عليه أن يتوب لأنه اتهم شخصاً بريئاً، فهل كلام هؤلاء الناس صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قاله لك الناس صحيح من أن رؤية المصاب لمن أصابه بعين أو سحر قد لا يكون صحيحا، ولا يجوز أن يُتهم البريء بأنه قام بسحرٍ لهذا المصاب، وما يراه المصاب أثناء الرقية لا يمكن أن يُجزم بأنه صحيح، بل الأكثر والأغلب أنه تخييل من الشيطان لإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، فلا ينبغي الالتفات إليه، إلا أن عدم الاعتداد به شرعا لا يمنع الإنسان من أخذ حيطته وحذره ممن قد يخشى منهم أذى من سحر أو عين أو غيره من دون أن يتضمن ذلك اتهاما لأحد بلا بينة شرعية أو يترتب عليه عداء له.
وخطورة هذا الاتهام أنه قد يكون اتهاما بالكفر، وليس فقط اتهاما بإيقاع الضرر، وذلك أن الساحر إما أن يكون كافراً، وإما أن يكون مجرماً فاجراً، ويختلف حكمه لاختلاف طريقة قيامه بالسحر.
قال الشيخ ابن عثيمين – في شرح حديث " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، ... ":
قوله: " والسحر "، أي: من الموبقات، وظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فرق بين أن يكون ذلك بواسطة الشياطين أو بواسطة الأدوية والعقاقير.
لأنه إن كان بواسطة الشياطين، فالذي لا يأتي إلا بالإشراك بهم: فهو داخل في الشرك بالله.
وإن كان دون ذلك: فهو أيضاً جرم عظيم؛ لأن السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم، فهو يفسد على المسحور أمر دينه ودنياه، ويقلقه فيصبح كالبهائم، بل أسوأ من ذلك؛ لأن البهيمة خلقت هكذا على طبيعتها، أما الآدمي: فإنه إذا صرف عن طبيعته وفطرته لحقه من الضيق والقلق ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولهذا كان السحر يلي الشرك بالله - عز وجل -. " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (2 / 287) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/604)
السحر وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للسحر حقيقة وهل يؤثر وما هي أنواعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن السحر من الجرائم العظيمة، ومن أنواع الكفر ومما يبتلى به الناس قديماً وحديثاً، في الأمم الماضية وفي الجاهلية وفي هذه الأمة، وعلى حسب كثرة الجهل وقلة العلم وقلة الوازع الإيماني والسلطاني - يكثر أهل السحر والشعوذة، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم، ولأسباب أخرى، وعندما يظهر العلم ويكثر الإيمان، ويقوى السلطان الإسلامي يقل هؤلاء الخبثاء وينكمشون وينتقلون من بلاد إلى بلاد لالتماس المحل الذي يروج فيه باطلهم، ويتمكنون فيه من الشعوذة والفساد.
وقد بين الكتاب والسنة أنواع السحر وحكمها.
السحر سمي سحراً لأن أسبابه خفية، ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التخييل على الناس والتلبيس عليهم، والتزوير على عيونهم، وإدخال الضرر عليهم وسلب أموالهم إلى غير ذلك، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب ولهذا يسمى آخر الليل سحراً، لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم، ويقال للرئة سحر، لأنها في داخل الجسم وخفية.
ومعناه في الشرع: ما يتعاطاه السحرة من التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة، كما قال الله سبحانه عن سحرة فرعون: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/ 65 - 69 وقد يكون السحر من أشياء يفعلها السحرة مع عقد ينفثون فيها كما قال سبحانه (ومن شر النفاثات في العقد) الفلق/4 وقد يكون من أعمال أخرى يتوصلون إليها من طريق الشياطين فيعملون أعمالاً قد تغير عقل الإنسان، وقد تسبب مرضاً له، وقد تسبب تفريقاً بينه وبين زوجته فتقبح عنده، ويقبح منظرها فيكرهها وهكذا هي قد يعمل معها الساحر ما يبغض زوجها إليها، وينفرها من زوجها وهو كفر صريح بنص القرآن، حيث قال عز وجل: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة /102 , فأخبر سبحانه عن كفرهم بتعليمهم الناس السحر، وقال بعدها: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102 ثم قال سبحانه: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) البقرة/102، يعني هذا السحر وما يقع منه من الشر كله بقدر سابق بمشيئة الله، فربنا جل وعلا لا يُغلب ولا يقع في ملكه ما لا يريد، بل لا يقع شيء في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بقدر سابق، لحكمة بالغة شاءها سبحانه وتعالى، فقد يُبتلى هؤلاء بالسحر، ويُبتلى هؤلاء بالمرض، ويبتلى هؤلاء بالقتل ... إلى غير ذلك، لله الحكمة البالغة فيما يقضي ويقدر، وفيما يشرعه سبحانه لعباده، ولهذا قال سبحانه: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) البقرة/102 يعني بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي، فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك، لكن بالإذن القدري الذي مضى به علم الله وقدره السابق أن يقع من فلان السحر، ويقع من فلانة، ويقع على فلان وعلى فلانة، كما مضى قدره: بأن فلان يصاب بقتل أو يصاب بمرض كذا، ويموت في بلد كذا، ويرزق كذا ويغتني أو يفتقر، وكله بمشيئة الله وقدره سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49، وقال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) الحديد/22، فهذه الشرور التي قد تقع من السحرة ومن غيرهم، لا تقع من جهل من ربنا فهو العالم بكل شيء سبحانه وتعالى لا يخفى عليه خافية جل وعلا، كما قال سبحانه: (إن الله بكل شيء عليم) الأنفال/75، وقال سبحانه (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) الطلاق/12، فهو يعلم كل شيء، ولا يقع في ملكه مالا يريد سبحانه وتعالى، ولكن له الحكمة البالغة، والغايات المحمودة فيما يقضي ويقدر مما يقع فيه الناس من عز وذل، وإزالة ملك، وإقامة ملك، ومرض وصحة، وسحر وغيره.
وسائر الأمور التي تقع في العباد كلها عن مشيئة، وعن قدر سابق. وهؤلاء السحرة قد يتعاطون أشياء تخيلية كما تقدم في قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما إن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/65-66، يخيل إلى الناظر أن هذه العصي، وأن هذه الحبال حيات تسعى في الوادي، وهي حبال وعصي لكن السحرة خيلوا للناس ما أظهروه أمام أعينهم من أشياء تعلموها تغير الحقائق على اناس بالنظر إلى أبصارهم، قال سبحانه: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/66، وقال تعالى في سورة الأعراف: (قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) آية 116، وهي في الحقيقة ما تغيرت، حبال وعصي ولكن تغير نظر الناس إليها بسبب السحر فاعتقدوها حيات بسبب التلبيس الذي حصل من السحرة، وتسميه بعض الناس "تقمير" وهو أن يعمل الساحر أشياء تجعل الإنسان لا يشعر بالحقيقة على ما هي عليه، فيكون بصره لا يدرك الحقيقة فقد يؤخذ من حانوته أو منزله ما فيه ولا يشعر بذلك، يعني أنه لم يعرف الحقيقة، فقد يرى الحجر دجاجة، أويرى الحجر بيضة، أوما أشبه ذلك، لأن الواقع تغير في عينيه، بسبب عمل الساحر وتلبيسه، فسُحرت عيناه وجعل هناك من الأشياء التي يتعاطاها السحرة من المواد ما تجعل عينيه لا تريان الحقيقة على ما هي عليه، هذا من السحر الذي سماه الله: عظيماً في قوله جل وعلا في سورة الأعراف: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) آية 116.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 65.(1/605)
شخص يدعي علم أماكن المسروقات
[السُّؤَالُ]
ـ[يزعم أحد الدجالين أنه يستطيع أن يتعرف على السارق بعد أن يسرق غيباً، وذلك بأمور لا يعلمها كثير من الناس منها، أنه يأمر بإحضار صحن ماء وطفل دون سن البلوغ، ويكون قد رضع من ثدي أمه حولين كاملين ولم يخيفه كلب، ثم يقوم بقراءة شيء من القرآن، وبعض الكلمات التي لا يفهم معناها، ثم يسأل الطفل هل رأيت شيئاً في الماء الذي في الصحن؟ فيصف الطفل السارق بالتفصيل، وأين أخفى المسروقات، فما حكم الدين فيه؟ وهل تجوز الصلاة خلفه، وأن نصله في السراء والضراء؟ علماً أنا قد نصحناه ولكن لا يقبل النصيحة ويقول: إنه على الحق.. .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا شك أن هذا من السحرة، ومن عمل الشياطين، لأن هذا خارج عن قدرة البشر، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، والوحي إنما نزل على الرسل، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، ولا شك أن الشيطان يتصور للكهان ويصف لهم السارق، ويبين لهم موضع السرقة، سواء في هذا الصحن والماء أو في غيره، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم (ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) صحيح، رواه أحمد (2/408) ، وأبو داود (3904) ، والترمذي (135) ، وابن ماجه (639) ، والحاكم (1/8) . وعلى هذا فلا يجوز تقديمه في الإمامة، ولا الصلاة خلفه، ولا صلته سراً أو جهراً، ولا إعطاؤه ولو في حالة الضرورة حتى يتوب، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 19.(1/606)
هل الصرع من فعل الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن الصرع يكون بسبب الجن، فكيف يمكننا تفسير قصة المرأة السوداء التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يسأل الله أن يشفيها من الصرع الذي كانت تعاني منه ومن تكشفها بسببه؟ لكن لم يرد في القصة أن ذلك كان بسبب تلبس الجن بها؟ أم أن هناك خطأ في الترجمة، وأنها لم تكن تعاني من الصرع حقا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصرع له أكثر من سبب وغالبه من قبل الجن، وبعضه بسبب اعتلال في الجسد أو الدماغ، أو الأعصاب
أو اختلاف المزاج، أو ضعف في البنية كل ذلك مما يسبب غيبة العقل، وصدور بعض التصرفات المخرجة عن حد الاعتدال. والمرأة السوداء قد يكون صرعها بسبب الجن، ولا يلزم نقل السبب، فاقتصر الرواة على ما ينبغي فعله عند حصول الصرع بأي سبب من دعاء ورقية أو صبر واحتساب.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
وحديث المرأة السوداء في الصحيحين البخاري (5652) ومسلم (2576) ، وقد ورد في بعض روايات الحديث ما يشير إلى أن صرعها بسبب الجن كما عند البزار " إني أخاف الخبيث أن يجردني " قال الحافظ ابن حجر: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط. فتح الباري حديث 5652
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/607)
عالم الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في القرآن الكريم عن ما هم الجن، ولكني لا أدري ما هم في الحقيقة. أرجو تزويدي بمزيد من المعلومات عنهم إن أمكن. والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجود الجن وأن لإيجادهم غاية في هذه الحياة وهي عبادة الله وحده لا شريك له قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56 وقال تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) الأنعام: 130 وعالم الجن عالم مستقل بذاته، له طبعه الذي يتميز به وصفاته التي تخفى على عالم البشر. وبينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بالعقل والإدراك ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر. وسموا جنا لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون قال تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف: 27
أصل الجن:
أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن فقال تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال تعالى: (وخلق الجان من مارج من نار) الرحمن: 15 وفي الحديث عن عائشة عن النبي قال: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم " رواه مسلم 5314.
أصناف الجن:
خلق الله الجن على أصناف مختلفة. فمن الجن من يتحول إلى أشكال مختلفة كالكلاب والحيات ومنهم الريح الطيارة ذوو الأجنحة ومنهم من يحل ويضعن. عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله: " الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون." رواه الطحاوي في مشكل الآثار (4/95) ورواه الطبراني في الكبير (22/214) وقال الشيخ الألباني في المشكاة (2/1206 رقم 4148) : ورواه الطحاوي وأبو الشيخ بسند صحيح.
الجن وابن آدم:
كل فرد من بني آدم قد وكل به قرينه من الجن. عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. رواه مسلم (2814) قال النووي في شرحه لمسلم (17/175) : فأسلم.. صار مسلما مؤمنا وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.ا. هـ.
قدراتهم:
أعطى الله الجن قدرة لم يعطها للبشر، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم فمن ذلك سرعة الحركة والانتقال فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوس قال تعالى: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي) النمل: 39-40.
طعام الجن وشرابهم:
الجن يأكلون ويشربون: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: " أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال النبي: " فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم " رواه مسلم (450) . وفي رواية: إِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ إِلا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا. " رواه البخاري 3571، فالمؤمنون من الجن لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه لأن الرسول لم يبح لهم متروك التسمية، وأما متروك التسمية فإنه لكفرة الجن
دواب الجن:
في حديث ابن مسعود السابق أن الجن سألوا الرسول الزاد فقال:.. وكل بعرة علف لدوابكم.
مساكن الجن:
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ويكثر تواجدهم في الخراب ومواقع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ولهذا جاء الهدي النبوي باتخاذ الأسباب عند الدخول على مثل هذه الأماكن وذلك بالأذكار المشروعة ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. رواه البخاري (142) ومسلم (375) ، قال الخطابي: الخُبُث جماعة الخبيث. والخبائث جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم.
الجنّ منهم المؤمن ومنهم الكافر
قال الله عزّ وجل عن الجنّ: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) سورة الجنّ، بل المسلمون منهم يتفاوتون في الصلاح والطاعة، قال تعالى في السورة نفسها: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
وقصة إسلام أوائل الجن في هذه الأمة قد جاءت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. " رواه البخاري 731
حسابهم يوم القيامة
والجن سيحاسبون يوم القيامة، قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) قال: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. صحيح البخاري: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم.
الوقاية من أذى الجن
لما كان الجن يروننا ولا نراهم علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم سبلا كثيرة للوقاية من أذاهم مثل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومثل قراءة سورة الفلق وسورة الناس.
ومثل الاستعاذة الواردة في قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون
وكذلك فإن التسمية وهي قول بسم الله قبل دخول البيت وقبل الطعام والشراب وقبل الجماع يمنع الشيطان من المبيت ومشاركة الإنسان في مطعمه ومشربه ومنكحه وكذلك ذكر اسم الله قبل دخول الخلاء وقبل خلع اللباس يمنع الجنّ من رؤية عورة الإنسان ومن إيذائه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ رواه الترمذي 551 وهو في صحيح الجامع 3611
وقوة الإيمان والدّين عموما لدى الإنسي تمنع الجنّ من إيذائه بل ربما لو تقابلا في معركة لانتصر صاحب الإيمان كما روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ رَجُلا مِنْ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإِنْسِيُّ فَقَالَ لَهُ الإِنْسِيُّ إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلا شَخِيتًا كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ كَذَلِكَ قَالَ لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّانِيَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَقْرَأُ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. (وهي آية الكرسي) ، قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّكَ لا تَقْرَؤُهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ ثُمَّ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الضَّئِيلُ الدَّقِيقُ وَالشَّخِيتُ الْمَهْزُولُ وَالضَّلِيعُ جَيِّدُ
الأَضْلاعِ وَالْخَبَجُ الرِّيحُ رواه الدارمي 3247
هذه نبذة عن الجنّ وخلقتهم وطبيعتهم والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
للمزيد يُراجع كتاب عالم الجن والشياطين: عمر سليمان الأشقر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/608)
متى يكفر الساحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ساحر يعتبر كافراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الساحر هو الذي يستخدم الشياطين، ويتقرب إلى الجن بما يحبون من الذبح لهم من دون الله، ومن دعائهم مع الله، ومن طاعتهم في معصية الله بالزنا، وشرب الخمر، وأكل الحرام، وترك الصلاة والتلطخ بالنجاسات والبقاء في الأماكن القذرة، حتى تجيبه الشياطين لما طلب منها من الإضرار بالمسحورين بالصرف والعطف والملاطفة، والتفريق بين المرء وزوجه، والإخبار ببعض المغيبات، وبالمسروق ومكان الضالة فهذا مشرك كافر، لأنه عبد الله وعبد الشيطان، وهذا هو الشرك الأكبر، فيكون كافراً لقوله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة/102 ولقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102 وقد ورد الأمر بقتل الساحر لحديث (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي (1460) والدارقطني (3/114) والحاكم (4/360) والبيهقي (8/136) ، وانظر السلسلة الضعيفة 3/641 رقم 1446.
فعلى هذا يكون كافراً ولو صلى وصام وقرأ ودعا، فإن الشرك يحبط الأعمال، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 11.(1/609)
ترى في منامها أحلاماً مزعجة بعد أن تزوجت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة شابة وقد تزوجت مؤخرا برجل صاحب خلق ودين، ومنذ أن تزوجت , وأنا أرى أحلاما مروعة عن زوجي وعن غيره ممن أحب.
لم يسبق أن رأيت أحلاما مروعة قبل زواجي, حيث كنت أردد الأذكار دائما قبل أن أنام. في بعض الأحيان أرى أن هناك جناً داخل أشخاص أخرين وأنا أحاول دفعهم بقراءتي لآية الكرسي , لكنهم يمنعوني من فعل ذلك. أنا لا أستطيع النوم في المساء وأقوم من نومي مرارا. لقد أخبرتني إحدى الأخوات أن ذلك ربما يكون بسبب العين والحسد من بعض الناس. إذا كان ذلك هو السبب, فهل ترشدني كيف أفعل في مشكلتي هذه؟ فالأمر يضايقني جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن الذي تراه الأخت السائلة من الأحلام المروعة هي من الشيطان اللَّعين الذي يحاول جهده أن يصد الناس عن الدين وعن ربهم الذي يعبدون، ويريد أن يدخل الحزن على المؤمنين، ولكن كيده على أولياء الله المتقين، كيد ضعيف مهين، لا سيما الذين يحصنون أنفسهم بالرقي الشرعية في يقظتهم وعند منامهم.
ثانياً:
اعلمي أن أفضل ما يحفظ به المسلم نفسه من الشيطان ذكر الله تعالى وفي الحديث الذي رواه الترمذي (2863) أن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام أن يأمر بني إسرائيل بخمس كان منها: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالمسلم إذا صاحبَ تقوى الله في أمره كله، وحافظ على أوامر الله واجتنب نواهيه ومحارمه، والتزم بذكر الله من صلاة وصيام وغير ذلك من الطاعات، وحصَّن نفسه بتلاوة القرآن في الليل والنهار والجهر والإسرار، وحافظ على الأوراد والأذكار التي شرع قولها والتلفظ بها من أذكار المساء والصباح والطعام والشراب واللباس والمنام: فإن الشيطان يبعد عنه مذموماً مدحوراً لا يقوى على شيء من أمره، وكيف لا والله تعالى يقول: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء / 76.
فالشيطان لا يقرب إلا من البعيدين عن دينهم وعن قرآنهم، وقد يتعرض الشيطان للصالحين ليصدهم عن السبيل وليخرب عليهم معاشهم ودينهم ودنياهم، فالوقاية تكون منه بالذي أسلفنا وليراجع في ذلك كتب الأذكار مثل كتاب " الأذكار " للإمام النووي و " عمل اليوم والليلة " للنسائي و " عمل اليوم والليلة " لابن السني، وغير ذلك من كتب الأذكار الخاصة بهذا الموضوع أو العامة من كتب السنن، فعند ذلك نرجو أن يتعدل الحال، ويروق البال، ويغير الله من حال إلى حال.
ومن الأذكار التي ننصح المداومة عليها:
1 – أذكار الصباح والمساء:
أ. أن يحافظ في كل مساء على أن يقول: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ".
عن أبي هريرة أنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك ".
رواه مسلم (2709) .
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على أن نقول ذلك في كل منزل ننزله.
عن خولة بنت حكيم السلمية تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ".
رواه مسلم (2708) .
ب. عن عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء.
رواه الترمذي (3388) وصححه، وابن ماجه (3869) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
ج. أن يقرأ قبل النوم آية الكرسي والمعوذات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ".
رواه البخاري (3101) ومسلم (505) .
والأذكار كثيرة جداً لا يسعها مثل هذا المجال.
ثالثاً:
أما الحسد والعين الذي تحدثت عنه، وأنه ربما يكون الأذى قد نالك بسبب ذلك، فالوقاية منه تكون بالأذكار الشرعية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة ".
رواه البخاري (3191) .
أما العلاج:
فعن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا ".
رواه مسلم (2188) .
فإن كنت تعلمين أن العين التي أصابتك من إنسان معين معلوم: فاطلبي منه أن يغتسل، أو فليتوضأ ثم أهريقي عليكِ ماء غسله أو وضوئه، والكيفية فيها يبينها لنا ابن القيم فيقول:
وفي سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين "، وفي الصحيحين عن عائشة قالت: " أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن نسترقي من العين "، وذكر الترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت: " يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال: نعم، فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين " قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ثم ذكر حديث إصابة عامر بن ربيعة لسهل بن حنيف بعينه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بالاغتسال، (فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس) .
" الطب النبوي " (ص 127 – 129) .
ولمعرفة المزيد عن العين وطرق علاجها والوقاية منها راجعي السؤال رقم (20954)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/610)
هل الجن يعاونون الإنس على بعض الأشياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الشيطان والجن، وهل الشيطان يتناسل من ذكر وأنثى؟ وهل الشيطان يتعامل مع الإنسان بأن يخدمه مقابل عصيان الإنسان لربه؟ وهل هناك جن مسلمون يخدمون المسلمين كخدمتهم لسيدنا سليمان عليه السلام؟ وإذا كان الشيطان أو الجن باستطاعته خدمة الإنسان فلماذا لا يساعد المسلمون من الجن المسلمين من الإنس في حربهم مع الكفار، ونقل أسرارهم ونصرة الإسلام؟ ولماذا لا يساعد الكفار منهم الكفار من الإنس بأي شكل من الأشكال؟ وهل حصلت أمثلة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا كان يوجد كتاب فيه مثل هذه المسائل دلوني عليه حتى أستطيع أن أنجو من شر الشياطين، نجاني الله وإياكم من شرورهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشياطين من الجن، وهم المتمردون منهم وأشرارهم كما أن شياطين الإنس هم متمردو الإنس وأشرارهم، فالجن كالإنس منهم شياطين وهم متمردوهم وأشرارهم من الكفرة والفسقة وفيهم المسلمون من الأخيار الطيبين كما في الإنس الأخيار الطيبون، قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) والشيطان هو أبو الجن عند جمع من أهل العلم، وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم، فطرده الله وأبعده. وقال آخرون من أهل العلم: إن الشيطان من طائفة من الملائكة يقال لهم (الجن) استكبر عن السجود فطرده الله وأبعده، وصار قائداً لكل شر وخبيث، وكل كافر وظالم، وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يملي على الإنسان الشر يدعوه إلى الشر وله لمة في قلبه وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الشر والخير، والملك كذلك له لمة بقلبه يملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير فهذه أشياء مكنهم الله منها: أي مكن القرينين القرين من الجن والقرين من الملائكة، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم وهو الحديث بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الملائكة ومن الجن) قالوا: وأنت يا رسول الله، قال: (وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير) ، والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين، فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله والاستقامة على دينه، ويذل شيطانه حتى يكون ضعيفاً لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله، والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل، وتشجيعه على الباطل، وعلى تثبيطه عن الخير. فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان، وعلى أن يحرص في مساعدة ملكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى والمسلمون يعينون إخوانهم من الجن على طاعة الله ورسوله كالإنس وقد يعينهم الإنس في بعض المسائل وإن لم يعلم بذلك الإنس، فقد يعينونهم على طاعة الله ورسوله بالتعليم والتذكير مع الإنس وقد يحضر الجن دروس الإنس في المساجد وغيرها فيستفيدون من ذلك. وقد يسمع الإنس منهم بعض الشيء الذي ينفعهم، وقد يوقظونهم للصلاة، وقد ينبهونهم على أشياء تنفعهم وعن أشياء تضرهم. فكل هذا واقع وإن كانوا لا يتمثلون للناس. وقد يتمثل الجني لبعض الناس في دلالته على الخير أو في دلالته على الشر، فقد يقع هذا ولكنه قليل، والغالب أنهم لا يظهرون للإنسان وإن سمع صوتهم في بعض الأحيان يوقظونه للصلاة أو يخبرونه ببعض الأخبار. فالحاصل أن الجن من المؤمنين لهم مساعدة للمؤمنين وإن لم يعلم المؤمنون بذلك، ويحبون لهم كل خير. وهكذا المؤمنون من الإنس يحبون لإخواهم المؤمنين من الجن كل خير ويسألون الله لهم الخير. وقد يحضرون الدروس، ويحبون سماع القرآن والعلم كما تقدم فالمؤمنون من الجن يحضرون دروس الإنس، في بعض الأحيان وفي بعض البلاد، ويستفيدون من دروس الإنس، كل هذا واقع ومعلوم. وقد صرح به كثير من أهل العلم ممن اتصل به الجن وسألوه عن بعض المسائل العلمية وأخبروه أنهم يحضرون دروسه، كل هذا أمر معلوم والله المستعان، وقد أخبر الله سبحانه عن سماع الجن للقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الأحقاف حيث قال سبحانه: (وإذ صرفنا إليك نفر من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) الجن/29-30 والآيتين بعدها وأنزل الله سبحانه في سورة مستقلة وهي سورة: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً) السورة. الجن/1.
وهناك كتب كثيرة ألفت في هذا الباب، وابن القيم رحمه الله في كتبه قد ذكر كثيراً من هذا وكذلك كتاب لبعض العلماء سماه (المرجان في بيان أحكام الجان) لمؤلفه الشبلي، وهو كتاب مفيد وهناك كتب أخرى صنفت في هذا الباب، وبإمكان الإنسان أن يلتمسها ويسأل عنها في المكتبات التجارية، وبإمكانه أن يستفيد من كتب تفسير سورة الجن والآيات الأخرى من سورة الأحقاف وغيرها التي فيها أخبار الجن، وبمراجعة التفاسير يستفيد الإنسان من ذلك ومما قاله المفسرون رحمهم الله في أخبار الجن وأشرارهم وأخيارهم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/373.(1/611)
هل إبليس لا زال حيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الجن يعيشون ويموتون, فهل يعني ذلك أن إبليس قد مات، أم أنه ما يزال حيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ من سُنة الله في خلق الإنسان أن يبتليه ويختبره، لِيُمَحِّصه، قال تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران / 154.
وكان مما ابتلانا الله به، إبليس - لعنه الله -، فجعله الله من المنظرين إلى وقت معلوم، يصدّ عن الخير ويأمر بالشر، وينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر، فصدّقه من صدّقه، واتبعه خلق كثير من بني آدم، فضلَّ وأَضَلَّ، وكان إبليس قد تعهد بأن يفعل ذلك: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا) الإسراء / 61 - 65.
وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف / 11 - 18.
ويدلُّ ظاهر هذه الآيات وغيرها أن إبليس - لعنه الله - أنظرهُ الله إلى أجل، والإنظار معناه التأخير، فأخرَّه الله إلى يوم معلوم عنده، لا يعلمه غيره، وكان إبليس قد سأل الله أن يؤخره، قال تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِين * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُوم) ص / 80 - 82.
وقد اختلف العلماء في قوله تعالى (إلى يوم الوقت المعلوم) :
· فمنهم من قال: أنه يوم البعث، عند النفخة الثانية.
· ومنهم من قال: أنه أجل إبليس المكتوب له.
وذهب أكثر أهل العلم: أن المقصود بيوم الوقت المعلوم، هو يوم موت جميع الخلائق وفنائها عند النفخة الأولى، وليس النفخة الثانية، وقالوا: لأنه بعد البعث - النفخة الثانية في الصور - لا يكون هناك موت، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر / 68.
قال البيضاوي في تفسيره: " إلى يوم الوقت المعلوم: المسمى فيه أجلك عند الله، أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور " تفسير البيضاوي (3 / 370) .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: " قال ابن عباس: أراد به النفخة الأولى. أي حين تموت الخلائق. وقيل: الوقت المعلوم الذي استأثر الله بعلمه ويجهله إبليس فيموت إبليس ثم يُبعَث؛ قال الله تعالى: (كل من عليها فان) " تفسير القرطبي (10 / 27) .
وروى الطبري في تفسيره عن السُدِّي: " (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) : فلم يُنْظِرهُ إلى يوم البعث ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى فصعق من في السموات ومن في الأرض فمات " (8 / 132) .
قال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآيات: ".. (إلى يوم الوقت المعلوم) : الذى قَدَّرَهُ الله لفناء الخلائق وهو عند النفخة الآخرة، وقيل هو النفخة الأولى. قيل إنما طلب إبليس الإنظار إلى يوم البعث ليتخلص من الموت لأنه إذا أنظر إلى يوم البعث لم يمت قبل البعث وعند مجىء البعث لا يموت فحينئذ يتخلص من الموت فأجيب بما يبطل مراده وينق عليه مقصده وهو الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو الذى يعلمه الله ولا يعلمه غيره " فتح القدير (4 / 446) .
فهذا يدل على أن إبليس - لعنه الله - ما يزال حياً، وأنه ما يزال يُفسد في الأرض ويُضِّل الناس عن سبيل الله. وأنه ليس مُخلداً إلى يوم القيامة، بل له أجل سوف يموت فيه، والله أعلم بهذا الأجل، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْت) وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلاَلِ وَالإِكْرَام) .
وأيضاً فقد جاء ما يَدُلُّ على أن إبليس - لعنه الله - كان حيّاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
· ظهور إبليس يوم بدر على هيئة سراقة بن مالك، قال الله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال / 48.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " حَسَّنَ لهم - لعنه الله - ماجاؤا له وما همّوا به، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال إني جار لكم، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بني مدلج كبير تلك الناحية. وكل ذلك منه كما قال تعالى عنه: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) . قال ابن جريج: قال ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية: لمّا كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة نكص على عقبيه - رجع مدبراً - وقال إني أرى ما لا ترون.. الآية " تفسير ابن كثير (2 / 318) .
· وأيضاً ظهوره - لعنه الله - يوم أُحد، جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: " لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ " رواه البخاري برقم 3047.
· وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام رأى إبليس، جاء في الحديث الصحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ، ثَلاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ! وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ؟! قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ؛ وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " رواه مسلم برقم 843، والنسائي برقم 1200.
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَلَوْلا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَتَلاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ " رواه أحمد برقم 11354.
· وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً " رواه مسلم برقم 5031، وأحمد برقم 1427.
فإبليس عليه لعنة الله ما زال حياً، وسيموت في الوقت المعلوم الذي أنظره الله إليه، وهو على الراجح من قول أهل العلم: يوم النفخة الأولى. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المند(1/612)
هل السحر يقتل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معلومات عن السحر. ما هي آثاره؟ وهل يستطيع الإنسان استخدامه لقتل الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم من السحر ما يقتل وقد ذكر العلماء في صور القتل العمد أن من قتل غيره بسحر يقتل غالبا يلزمه القود (القصاص) لأنه قتله بما يقتل غالبا. قال ابن قدامة في المغني (9/330) : النوع السادس أن يقتله بسحر يقتل غالبا فيلزمه القود لأنه قتله بما يقتل غالبا فأشبه ما لو قتله بسكين , وإن كان مما لا يقتل غالبا أو كان مما يقتل ولا يقتل ففيه الديه دون القصاص لأنه عمد الخطأ فأشبه ضرب العصا. أ.هـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (24/267) في حكم الساحر إذا قتل بسحره: ذهب الجمهور.. إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا وفيه القصاص ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار. وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافىء له ففيه القصاص إن تعمد قتله به، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما كقوله قتلته بسحري أو قوله: قتلته بنوع كذا ويشهد عدلان يعرفان ذلك وقد كانا تابا، بأن ذلك النوع يقتل غالبا. فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه العمد. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/613)
ما هي علامات السحرة والعرافين والكهان وكيف نميزهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن معرفة السحرة والدجالين , والذين يعالجون بالقرآن هل يجوز أن يستعينوا بالجن المسلم, وإذا من الممكن إرسال لي بعض الأدعية المؤكدة عن الرسول الكريم لمن أصابته فاقة أو تعسرت علية معيشته , وهل يمكن أن تخبروني عن سحر الفقر وكيف يمكن اجتنابه والتخلص منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الساحر والدجال يعرف بعدّة أمور، من أهمها: دعوى معرفة الغيب، ولو لم يصرح بذلك، ولكنك تجده يخبر بأمور من الغيب قد تكون جميعها كذب ودجل وقد يصدق في بعضها ويكذب في أكثرها، ولكن يروج ذلك الكذب بسبب القليل من الصدق. وكذلك عدم الاستقامة، فلا تجدهما حريصين على الطاعة، فهم ينكشفون خاصة في الكذب، والأمور التي تتعلق بالنساء، إذ كثيرا ما يفتضحون بارتكابهم المحرمات مع النساء كالخلوة، ولمس المرأة بحجة العلاج.
الشيخ سعد الحميد.
ومن علامات العرافين والسحرة والكهان أنهم يسألون عن اسم أم الشخص المتقدم إليهم، ويكثر لديهم استعمال البخور والمواد الغريبة، وقد يكتبون القرآن بالنجاسات ودم الحائض، ويطلبون من الشخص الذبح لغير الله، ويستعملون الخواتم الكبار، وقد لا يغتسلون من جنابة ويتمتمون بالكلمات الغريبة الخفية، ويستعملون الرموز والطلاسم، وقد يتظاهرون بقراءة القرآن في أول الأمر مخادعة للشخص الذي يأتيهم، نسأل الله أن يقينا كيدهم فهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإٌسلام سؤال وجواب(1/614)
هل يجوز استخدام السحر لتحقيق أغراض جيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام السحر لتحقيق أغراض جيدة (حسنة النية) ؟ أو لإقناع أحد والديَّ بأمر معين؟ كمثل اقتناعهما بزواجي من فتاة معينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن السحر من علم الشياطين وعملهم، قال تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) ، وقال تعالى: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) ، وقال تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن، قال: الشرك بالله، والسحر ... الحديث "، وقال عليه الصلاة والسلام: " ليس منا من سحر أو سُحر له ".
وعلى هذا لا يجوز استخدام السحر لأي غرض من الأغراض. فإن السحر باطل، والباطل بأنواعه من الكفر، والفسوق، والمعاصي لا يكون طريقا إلى الخير، والواجب طلب الأغراض النافعة بالطرق الشرعية التي لا إثم فيها، وعاقبتها مأمونة، والله تعالى قد أغنى عباده بما أباح لهم، عما حرم عليهم فله الحمد والشكر على إنعامه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/615)
لكل إنسان قرين من الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك في الإسلام شيء يسمى القرين؟ أود أن أعرف ما إذا كان هناك قرين لي.
ماذا يقول الإسلام عن هذا أم أنه لا يوجد أصلاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هناك ما يسمَّى القرين، وقد جعله الله تعالى مع كلِّ أحدٍ من الناس، وهو الذي يدفع صاحبه للشر والمعصية، باستثناء النبي صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي -.
قال الله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) ق/27-29.
قال ابن كثير:
{قال قرينه} قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وُكِّل به.
{ربَّنا ما أطغيته} أي: يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامةَ كافراً يتبرأ منه شيطانه، فيقول: {ربنا ما أطغيته} أي: ما أضللتُه.
{ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: بل كان هو في نفسه ضالاًّ قابلاً للباطل معانداً للحقِّ، كما أخبر سبحانه وتعالى في الآية الأخرى في قوله {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ابراهيم/22.
وقوله تبارك وتعالى {قال لا تختصموا لديَّ} يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينِه من الجن وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى فيقول الإنسي: يا رب هذا أضلَّني عن الذِّكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان {ربَّنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: عن منهج الحق.
فيقول الرب عز وجل لهما: {لا تختصموا لدي} أي: عندي، {وقد قدمت إليكم بالوعيد} أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين.
{ما يبدل القول لديَّ} قال مجاهد: يعني: قد قضيتُ ما أنا قاض.
{وما أنا بظلاَّم للعبيد} أي: لست أعذِّب أحداً بذنب أحدٍ، ولكن لا أعذِّب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
" تفسير ابن كثير " (4 / 227) .
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير.
وفي رواية: " … وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة ".
رواه مسلم (2814) .
وبوَّب عليه النووي بقوله: باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً.
قال النووي:
" فأسلم " برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه: أسلم أنا من شرِّه وفتنته، ومَن فتح قال: إن القرين أسلم، من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير.
واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح، وهو المختار؛ لقوله: " فلا يأمرني إلا بخير "، واختلفوا على رواية الفتح، قيل: أسلم بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم " فاستسلم "، وقيل: معناه صار مسلماً مؤمناً، وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمَّة مجتمعة على عصمة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه.
وفي هذا الحديث: إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.
" شرح مسلم " (17 / 157، 158) .
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين ". رواه مسلم (506) .
قال الشوكاني:
قوله " فإن معه القرين " في القاموس: " القرين ": المقارن، والصاحب، والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه، وهو المراد هنا. " نيل الأوطار " (3 / 7) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/616)
كيفية الوقاية من العين
[السُّؤَالُ]
ـ[شعرت في السنوات الأخيرة بأني مصابة بالعين، فقد آتاني الله حسن صورة يلفت النظر،. والحمد لله لكني لا أريد أن تكون حياتي في اضطراب بسبب ذلك. أقول لك: ليس كل الناس يحمدون الله ويثنون عليه للأشياء التي يعجبون بها، خصوصا الكفار. فهل يوجد أمام الفتاة من طريق للتمكن من حماية نفسها من العين بدون (أن تحتاج إلى) تغطية وجهها؟ هل وضع مقاطع من القرآن يحمي الفرد من الإصابة بالعين؟ وماذا عن لبس القلائد والتعليقات التي تكون على شكل أعين أو أيدي؟ فقد سمعت بأن تلك التعليقات تحفظ الفرد لكنها حرام؟ حياتي أفضل كثيرا الآن بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق حيث كنت لا أتمسك بالإسلام مع أني ولدت مسلمة، فهل يعني هذا أنه بسبب أني مسلمة أفضل فإن العين، إن أنا كنت غير محظوظة بما يكفي لأن أصاب بها فقد اختفت من روحي (؟) ، أم يجب أن يقرأ علي القرآن كي أتخلص منها. كيف لي أن أحفظ نفسي من أن يصيبني ذلك مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تعرفي أن الحجاب واجب، وليس لشخص أن يختار من الشرع ما يميل إليه نفسه، ويترك ما لا تميل إليه نفسه، لأن الله عز وجل يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة /208 قال ابن كثير: أمر الله عباده المؤمنين أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره تفسير ابن كثير 1/566، والمؤمنات مَنْهِيّات عن إبداء الزينة لغيرالمحارم، قال تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، فامتثال أمر الله بالحجاب يحفظك من العين بإذن الله. في الدنيا ويحفظك من عذاب الله في الآخرة.
أما تعليق مقاطع من القرآن أو غيرها أو لبس أشكال معينة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تعلَّق تمِيمَةً فلا أتَمَّ الله له، ومن تَعَلَّقَ وَدعَةً فلا ودع الله له " وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رهط فبايع تسعة، وأمسك عن واحد , فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا، فقال: " إن عليه تميمة " فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: " من تعلق تميمة فقد أشرك " من فتاوى العين والحسد ص 277.
أما علاج العين والحسد، فلا شك أن الإنسان متى كان قريباً من الله عز وجل مداوماً على ذكره، وقراءة القرآن، كان أبعد عن الإصابة بالعين، وغيرها من الآفات وأذى شياطين الإنس والجن، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ نفسه، وأعظم ما يتعوذ به المسلم قراءة كتاب الله وعلى رأس ذلك:
المعوذتان وفاتحة الكتاب وآية الكرسي
ومن التعوذات الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها:
(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) رواه مسلم (الذكر والدعاء/4881)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء/3120) ، ومعنى الَّلامة: قال الخطابي: المراد به كلُّ داء وآفة تُلمُّ بالإنسان من جنون وخبل. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " رواه مسلم (السلام/4056) ، ولا شك أن مداومة الإنسان على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وغيرها من الأذكار له أثر عظيم في حفظ الإنسان من العين فإنها حصن له بإذن الله فينبغي الحرص عليها، ومن أهم العلاجات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّصَ في الرُّقية من العين وأمر بها
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ " رواه البخاري (الطب/5297) ، وما جاء عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ " رواه أبو داود (الطب/3382) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح الإسناد برقم 3286.
هذه بعض الأذكار والعلاجات التي تحفظ بإذن الله من العين والحسد، نسأل الله أن يعيذنا من ذلك , والله أعلم.
يراجع كتاب زاد المعاد لابن القيم 4/162.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/617)
كيف يتخلص من السحر، وهل ماء زمزم يستخدم في علاج السحر؟ وشروط الرقية الصحيحة.
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في الغرب، لكن كوني أتيت من شبه القارة الهندية، فإنه يصعب علي الوصول إلى أشخاص من أهل العلم ممن يمكنهم المساعدة في شفاء من يصاب بتأثيرات السحر. فهل على المرء أن يحاول التعرف ما إذا كان قد عُمل له/لها عمل بسبب الغيرة أو الكراهية أو غير ذلك؟ وما هي الأشياء التي يمكن عملها للتخلص من تأثيرات السحر؟
قرأت حديثا ورد فيه أن ماء زمزم هو لما شرب له، وأنه شفاء من جميع الأمراض. فهل في النصين ما يدل على أن استخدام زمزم يشفي من السحر؟
وهل يمكن استخدام أي نوع من أنواع الرقية؟ إذا كان الجواب بنعم، فكيف يمكن للمرء أن يباشر ذلك؟ العوام في الثقافة التي جئت منها عادة ما يذهبون إلى أناس يقال لهم "بيرز" أو أناس يظن فيهم أنهم أتقياء ومتدينون كي يأخذوا منهم تمائم توضع حول الأعناق لتخلصهم من تأثيرات السحر، فهل يعد هذا نوع من الشرك؟ لقد قرأت كثيرا أن أمثال هؤلاء هم من الصوفية، فهل يجوز الذهاب إلى أمثالهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيرا على حرصك على سلامة عقيدتك، وسعيك للوصول إلى الحق بدليله ونسأل الله أن يثبتنا على السنة حتى نلقاه.
ـ ثم اعلم وفقك الله أن المسلم ينبغي عليه أن يبتعد عن الوساوس والأوهام فإنها سبب لضيق الصدر، ونكد العيش، فلا يصح أن يعزو الإنسان كل شيء يصيبه إلى السحر أو العين، أما إذا لحظ الإنسان تغيرا ليس طبيعيا أو أمرا غير معتاد، وشك في كونه سحرا أو عينا، وأراد أن يتأكد من ذلك، أو تحقق منه وأراد العلاج، فإن الطريق الشرعي: هو الرقية الشرعية المعتمِدة على الكتاب والسنة والأدعية الصحيحة المفهومة سواء رقى المرء نفسه وهذا الأحسن، أو ذهب إلى من يرقيه بشرط أن يكون الراقي من أهل الصلاح والاستقامة واتباع السنة ـ هذا هو الطريق الصحيح لعلاج العين والسحرـ مع ملازمة دعاء لله، وطلب الشفاء والعافية منه سبحانه فهو الذي قدر البلاء، وهو الذي بيده أن يرفعه.
ـ وأما بالنسبة لماء زمزم فإنه ماء مبارك وقد ورد في فضله أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم (2473) : "..إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ.. ". وفي رواية أبي داود الطيالسي بإسناد صحيح: " إنها طعام طعم وشفاء سقم ".
وفي حديث آخر حسنه جماعة من العلماء منهم الإمام ابن عيينة والألباني وابن القيم وغيرهم بكثرة طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له ". أخرجه أحمد (3 / 357، 372) وراجع أقوال العلماء فيه في الإرواء (4 / 320، وما بعدها)
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: " وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله، وشاهدتُ من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف شهر أو أكثر ولا يجد جوعا. " زاد المعاد (3 / 129) .
فهي لاشك سبب عظيم من أسباب الشفاء من السحر وغيره من الأمراض بإذن الله، إذا شربها الشخص مصدقا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأراد الله له الشفاء بها، فإن الله قد يعطل بعض الأسباب عن مسبباتها لحكمة، كما لو شرب المريض الدواء المجرّب فلم يبرأ، فليس ذلك عيباّ في الدواء، وإنما هو قدر الله الذي لم يكتب النفع في هذا الدواء، لحكمة يعلمها سبحانه.
ـ وأما ما يتعلق بأنواع الرقية،فقد ذكر العلماء أن الرقية حتى تكون صحيحة مقبولة شرعا لابد لها من ثلاثة شروط إجمالا:
الأول: أن لا يعتقد الراقي أو المرقي أن الرقية تنفع بنفسها، فهذا شرك بالله؛ بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله.
الثاني: أن لاتكون الرقية مشتملة على مخالفة شرعية كدعاء غير الله أو الاستغاثة بالجن والشياطين، وما أشبه ذلك، فتكون شركا والعياذ بالله.
الثالث: أن تكون مفهومة معلومة فإن كانت مشتملة على طلاسم وشعوذة، فإنها لاتجوز. (انظر القول المفيد للشيخ ابن عثيمين 1 / 184) .
فإذا سلمت الرقية من هذه المخالفات صحت بأي شكل كانت، فلو قرأ على المريض مع النفث أو بدون نفث، أو قرأ على ماء وشربه المريض، أو زيت وادّهن به المريض، أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز وهو نافع بإذن الله وفضله.
ـ وأما الناس الذين ذكرتهم باسم "بيرز" فلا يُدرى من هم ولا ما حقيقتهم وحيث أن البركة من الله يجعلها فيمن يشاء من خلقه فلا يجوز إتباعها لأشخاص بمجرد الإدعاء، وكثيراً ما أدى مثل هذا إلى الغلو الموقع في الشرك.
والمقياس الذي يتم اختيار الراقي بناء عليه؛ هو اتباعه للسنة وبعده عن البدعة، وأن يكون واضحا في كلامه وتصرفاته وطلباته فلا يطلب أشياء غريبة ولا يتمتم بعبارات غير مفهومة أو يستعمل البخور أو يسأل عن اسم الأم أو قطعة من الملابس أو يداوي بالمحرمات كالدم وغير ذلك من أفعال المشعوذين وما قد يثير الريبة حوله.
ـ وأما بالنسبة للتمائم فعليك مراجعة سؤال رقم (10543) من هذا الموقع.
ـ وأما بالنسبة للصوفية الذين يستخدمون أساليب الشعوذة وما شابه ذلك فلا يجوز الذهاب إليهم بحال من الأحوال. وللاستزادة عن الصوفية راجع سؤال رقم (4983) من هذا الموقع.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/618)
تلبس الجني بالإنسي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدخل الجني في بدن الإنسي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام شيخ الإسلام في الفتاوى بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة، كالجبائي وأبو بكر الرازي وغيرهما دخول الجني في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم كظهور هذا، وإن كانوا مخطئين في ذلك، ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع كما قال تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ... ) البقرة/275.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قلت لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال: يا بني، يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه وهو مبسوط في موضعه) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19 / 12) وقال أيضاً رحمه الله، في المجلد الرابع والعشرين من الفتاوى (ص 276، 277) ما نصه: (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة/275 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .... إلى أن قال رحمه الله: وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن انكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ... ) إلخ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله م/8. ص / 60(1/619)
هل يمكن أن يختطف الجن إنسياً
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت قصصاً كثيرة عن اختطاف الجن للإنس، وقد قرأت قصة مفادها أن رجلاً من الأنصار رضي الله عنه خرج يصلي العشاء فسبته الجن، وفًقد أعواماً، فهل هذا الأمر ممكن أعني اختطاف الجن للإنس؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
من ناحية الإمكان فهذا أمر ممكن ولكنه نادر جداً، وقد أجاب الشيخ عبد الله بن جبرين عن السؤال السابق فأجاب حفظه الله بقوله:
يمكن ذلك، فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم، فقالوا:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ... ** ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده
ووقع في زمن عمر أن رجلاً اختطفته الجن، وبقي أربع سنين، ثم جاء وأخبر أن جناً من المشركين اختطفوه، فبقي عندهم أسيراً، فغزاهم جن مسلمون فهزموهم، وردوه إلى أهله، ذكر ذلك في منار السبيل وغيره (راجع منار السبيل 2/88 وقصة الرجل المخطوف رواها البيهقي (7/445-446) وصحح إسنادها الألباني في الإرواء 6/150 رقم 1709.
[الْمَصْدَرُ]
عبد الله بن جبرين(1/620)
هل يمكن الكلام مع الجن واستخدامهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تكلمت مع رجل يدعي أنه يكلم الجن وأخبرنا ببعض الأمور عن نفسي وهؤلاء الناس يستخدمون ألفاظاً وكلمات من القرآن ليسيطروا على الجن. فما رأيك فيهم؟ وهل يجوز الكلام معهم؟ ومن هم أهل الكتاب؟
كيف يمكن أن أتكلم مع الجن والملائكة وأراهم فهناك كتب عن هذا وتستخدم القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
مخاطبة الجن ممكنة، والإخبار عن المغيبات، وما في النفس، من ادعاء علم الغيب فهو حرام، والذين يستخدمون ألفاظا ً وكلمات من القرآن ليسيطروا على الجن، وسائلهم غير شرعيه غالبا ً، فاستخدام الجن من خصائص سليمان عليه السلام، ولذا لمّا أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوثق الجنيّ الذي تغلّب عليه في صلاته تذكر دعوة سليمان عليه السلام فتركه.
وحينئذ ٍ يتعين نصح هؤلاء فإن امتثلوا وإلا فالسلامة في مقاطعتهم وعدم الكلام معهم.
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى.
والكلام مع الجن إن حصل من غير سببٍ منك فلا مانع من أن تتكلم معهم بل يستحب دعوتهم إلى دين الله والاستقامة على شرعه كما يُدعى الأنس، ولا يُنصح بقراءة كتب، ولا قراءة القرآن من أجل ذلك فالقرآن لم يُنزل لهذه الأمور بل أُنزل ليكون نبراسا ً ومنهجا ً في حياة المسلم، يقتفي المسلم أثره باتباع أوامره واجتناب نواهيه.
وأما الملائكة فحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء رؤيتهم، وحصل لبعض الأولياء مخاطبتهم كما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كانت الملائكة تسلّم عليه حتى اكتوى فترك، ثم ترك الكي فعاد التسليم. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(1/621)
طريقة علاج السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي طريقة علاج السحر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أصيب بالسحر ليس له أن يتداوى بالسحر فإن الشر لا يزال بالشر، والكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير، ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النُّشرة قال: (هي من عمل الشيطان) والنشرة المذكورة في الحديث: هي حل السحر عن المسحور بالسحر. أما إن كان بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرقية الطيبة فهذا لا بأس به، وأما بالسحر فلا يجوز كما تقدم، لأن السحر عبادة للشياطين، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقربه إليهم بما يريدون، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر، لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية، بالأدوية المباحة، كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يشفى، لأنه ما كل مريض يشفى، فقد يعالج المريض فيشفى إن كان الأجل مؤخراً وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض، ولو عرض على أحذق الأطباء، وأعلم الأطباء، متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج، لقول الله تعالى: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها) المنافقون/11، وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضر الأجل وقدر الله للعبد الشفاء، كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء، وقد لايكتب له الشفاء، ابتلاء وامتحاناً وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا، منها: أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله) .
ومن العلاج الشرعي أن يعالج السحر بالقراءة، فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن: وهي الفاتحة، تكرر عليه، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور، وأنه متى قال للشيء كن فإنه يكون فإذا صدرت القراءة عن إيمان، وعن تقوى وعن إخلاص وكرر ذلك القارئ فقد يزول السحر ويشفى صاحبه بإذن الله، وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لدغ شيخهم، يعني أميرهم وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه، فقالوا لبعض الصحابة: هل فيكم من راق؟ قالوا: نعم فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة، فقام كأنه نشط من عقال في الحال، وعافاه الله من شر لدغة الحية، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً) وقد رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، فالرقية فيها خير كثير، وفيها نفع عظيم، فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة، وبآية الكرسي، وبـ (قل هو الله أحد) ، والمعوذتين، أو بغيرها من الآيات، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعض المرضى: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر، ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ثلاث مرات فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يشرع أن يرقى بها اللديغ والمسحور والمريض، ولا بأس أن يرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً) ، وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان، لأنه سبحانه هو القادر عل كل شيء، وله الحكمة البالغة في كل شيء، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس /82، فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل.
وقد لا يشفى المريض لأنه قد تم أجله وقدر موته بهذا المرض، ومما يستعمل في الرقية آيات السحر تقرأ في الماء، وهي آيات السحر في الأعراف، وهي قوله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) /117-119، وفي يونس وهي قوله تعالى (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) إلى قوله جل وعلا (ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) من أية 79 إلى أية 28، وكذلك آيات طه (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) ... إلى قوله سبحانه (ولا يفلح الساحر حيث أتى) من أية 65 إلى أية 69، وهذه الآيات مما ينفع الله بها في رقية السحر، وإن قرأ القارئ هذه الآيات في الماء وقرأ معها سورة الفاتحة، وآية الكرسي وبـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين في ماء ثم صبه على من يظن أنه محور، أو محبوس عن زوجته فإنه يشفى بإذن الله، وإن وضع في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان مناسباً، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في (فتح المجيد) عن بعض أهل العلم في باب (ما جاء في النشرة) . ويستحب أن يكرر قراءة السور الثلاث، وهي (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) (وقل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات. والمقصود أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يعالج به هذا البلاء: وهو السحر ويعالج به أيضاً من حبس عن زوجته، وقد جرب ذلك كثيراً فنفع الله به، وقد يعالج بالفاتحة وحدها فيشفى، وقد يعالج بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين وحدها ويشفى. والمهم جداً أن يكون المعالِج والمعالَج عندهما إيمان صادق، وعندهما ثقة بالله، وعلم بأنه سبحانه مصرف الأمور، وأنه متى شاء شيئاً كان وإذا لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى، فالأمر بيده جل وعلا، ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه يزول المرض بإذن الله وبسرعة، وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية.
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 70(1/622)
هل يُمكن حبس الشخص عن زوجته بالسّحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأنه يستطيع شخص أن يعمل (عملا) لشخص آخر ويجعله يفشل في حياته؟ جزاك الله خيرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
.الصحيح عند جمهور أهل السنَّة أن السحر له حقيقة، وأنه قد يؤثّر - إذا شاء الله وقدَّر - في بدن المسحور، وقد يقتله.
قال الإمام القرافي: السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبْعه وعادته،.. وقال به الشافعي وابن حنبل …أ. هـ " الفروق " (4 / 149) .
وخالف في ذلك المعتزلة والقدرية.. ولا اعتبار بخلافهم، وقد ذكر القرافي وغيره أن الصحابة أجمعوا على أنه حقيقة قبل ظهور من ينكره.
= ومن أدلة أهل السنَّة:
1. قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} [البقرة / 102] .
والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزوجه، وأنه يضر بسحره الناس - بإذن الله الكوني -.
2. قوله تعالى {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق / 4] .
والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه.
3. ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي لبيد بن الأعصم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم.
4. واستدلوا كذلك بوقوعه حقيقة وعِياناً وهو ما لا يمكن لأحد دفعه.
قال ابن القيم: والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم. أ. هـ " التفسير القيم " (ص571) .
وقال ابن قدامة: اشتهر بين الناس وجود عقْد (أي حبْس) الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها وحلُّ عُقَدِه فيقدر عليها بعد عجزه عنها حتى صار متواتراً لا يمكن جحده، وروي مِن أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطىء على الكذب فيه. أ. هـ " المغني " (8 / 151) .
= وطرق الوقاية من السحر كثيرة:
أعظمها تقوى الله، وحفظ أوامره، والتوكل عليه، والاستعاذة بالله، والتصبح بسبع تمرات. وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة.
= أما طرق إزالة السحر كثيرة:
ومنها:
أ. الرقى، وأعظم ما تكون بالقرآن الكريم، ثم بالأدعية الصحيحة.
ب. استخراج السحر وإبطاله.
قال ابن القيم رحمه الله: ذكر هديه في علاج هذا المرض وقد روي عنه فيه نوعان:
أحدهما وهو أبلغهما استخراجه وإبطاله كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر فكان مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما انشط من عقال فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ.
ج. الحجامة والاستفراغ والجراحة.
قال ابن القيم - متمما كلامه السابق -: والنوع الثاني الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها فإذا ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدّاً. أ. هـ " زاد المعاد " (4/124، 125) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/623)
كيف سحر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يسحر الرسول صلى الله عليه وسلم والله يقول له: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ؟ وكيف يسحر وهو يتلقى الوحي عن ربه ويبلغ ذلك للمسلمين، فكيف يبلغ وهو مسحور وقول الكفار والمشركين: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا) ؟ نرجو إيضاحها، وبيان هذه الشبهات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ثبت في الحديث الصحيح أن هذا السحر وقع في المدينة، عندما استقر الوحي واستقرت الرسالة، وبعد أن قامت دلائل النبوة وصدق الرسالة، ونصر الله نبيه على المشركين وأذلهم، تعرض له شخص من اليهود يدعى: لبيد بن الأعصم، فعمل له سحراً في مشط ومشاطة وجب طلعة ذكر النخل، فصار يخيل إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فعل بعض الشيء مع أهله ولم يفعله، لكن لم يَزَل بحمد الله تعالى عقله وشعوره وتمييزه معه فيما يحدث به الناس، واستمر يكلم الناس بالحق الذي أوحاه الله إليه، لكنه أحس بشيء أثَّر عليه بعض الأثر مع نسائه، كما قالت عائشة رضي الله عنها:" إنه كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله وهو لم يفعله فجاءه الوحي من ربه عز وجل بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه " وزال عنه بحمد الله تعالى ذلك الأثر وأنزل عليه سبحانه سورتي المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل بلاء وقال عليه الصلاة والسلام ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ولم يترتب على ذلك شيء مما يضر الناس أو يخل بالرسالة أو بالوحي، والله جل وعلا عصمه من الناس مما يمنع وصول الرسالة وتبليغها.
أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جُرح يوم أحد، وكُسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقا شديدا، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (8/ 149) .(1/624)
هل سلس البول من تأثير الجن وماذا يفعل في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت سؤالاً عن شخص ما يعاني من مشكلة في الوضوء وعندي مشكلة مشابهه أو حتى أسوء حينما أريد أن أصلي أشعر بأن هناك ريحاً تخرج مني. لو ذهبت إلى الحمام أقضي 30 دقيقة ولكن البول وسائل آخر يستمر في الخروج مني أثناء الصلاة ويكون عندي رغبة شديدة في الذهاب إلى الحمام ولذلك علي أن أكرر وضوئي مرة بعد مرة وهذا الموقف يحيرني جداً ويخجلني حيث يجعل الصلاة صعبة جداً وهذا يؤثر على إيماني أنا متأكد أن هذا ليس مرضاً لأني ذهبت إلى كثير من الأطباء ولكن بدون تحسن وهذه المشكلة تأتي لي فقط عندما أريد أن أصلي بعض الناس يقولون لي أن هذا بسبب جن دخل جسمي من فضلك أرشدني كيف يمكن أن أصلي بسهولة هل أستطيع أن أؤدي أكثر من صلاة واحدة بنفس الوضوء حتى لو هذه الأشياء تخرج مني. لو هذا بسبب الجن كيف يمكن الخلاص منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سلس البول وما في حكمه مما يخرج من السبيل بدون إرادة، ولا يمكن التحكم فيه لا يلتفت إليه، بل يصلي الإنسان على حسب حاله ولو خرج هذا السائل أثناء الصلاة للمشقة والحرج في الإستنزاه منه، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، لكن إن خشي تلويث بدنه وثيابه، لفَّه (أعني فرجه) بمناديل وشبهها، ويصلي بعد وضوئه، ولا يلتفت إلى أي خارج لا يمكن أن يتحكم به، وهذا مرض عادي، ومنتشر كثيرا ً، وليس من صنع الجن، ولا بسببهم والطهارة ضرورة عليك تجديدها لكل صلاة (فريضة) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير(1/625)
حل السحر بالسحر لحل المشاكل الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نصيحتكم لمن يحل السحر بسحر مثله لحل المشاكل الزوجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حل السحر عن المسحور إن كان على الوجه المباح فإنه من باب الدواء والمعالجة وهو من أفضل الأعمال لمن ابتغى بذلك وجه الله خاصة إذا كان في هذا حل المشاكل الزوجية والأسرية.
فإن حل السحر عن المسحور له حالتان:
الأولى: أن يكون حل السحر بسحر مثله، حيث يتقرب الساحر والمريض إلى الجن والشياطين لحل هذا السحر، وهذا محرم، ومنكر عظيم، وهو من عمل الشيطان، كما في مسند الإمام أحمد (3/294) وسنن أبي داود (3868) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (3868) .
والنشرة هي حل السحر عن المسحور، والمراد بها في هذا الحديث: النشرة التي كانوا يستعملونها في الجاهلية، وهي حل السحر بالسحر أو باستخدام الشياطين.
انظر: " القول المفيد على كتاب التوحيد " للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وجه الدلالة من الحديث على حرمتها: أنه صلى الله عليه وسلم جعلها من عمل الشيطان، وما كان من عمل الشيطان فهو محرم؛ فإن الشيطان يأمر بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون.
الثانية: أن يكون حل السحر بالرقية والتعوذات الشرعية، والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز وعمل فاضل، يؤجر عليه الإنسان، مع مراعاة آداب العلاج والرقية. راجع السؤال رقم (12918) .
ثانياً:
أما النصيحة لمن يستخدم السحر لحل السحر، أن يتقي الله في نفسه، وأن يبادر إلى التوبة من هذا العمل الخطير على دينه وإسلامه، قبل أن ينزل به ملك الموت بغتة وهو لا يشعر، وحينئذ لا ينفع الندم ولا الرجوع، فإن خطر السحر على الدين عظيم وجسيم، فقد أخبر الله تعالى في كتابه أنَّ تَعُلًّمَ السحرِ وتعليمه كفر فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، فجعل تعليم السحر وتعلمه من الكفر بالله تعالى، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ) .
والموبقات: المهلكات التي تهلك صاحبها وتلقي به في النار، فليحذر هذا الساحر غضب الله وبطشه، فإن بطشه أليم شديد، وليحذر من حبائل الشيطان وخطواته وتزينه لهذا العمل، وإيهامه بأن فيه مصلحة للمسلمين، وحلا لمشاكلهم، حتى يجلسه على مقاعد الجحيم، ويهوي به في جهنم وبئس المصير، فالحذر الحذر فإن الأمر جد خطير، إنها سعادة أبدية أو شقاء أبدي نعوذ بالله من الخذلان ودرك الشقاء.
ثالثاً:
النصيحة للمريض المبتلى بالسحر أن يتحلى بالصبر، واحتساب الأجر من الله جل وعلا، وليعلم أن في ذلك امتحانا له لرفع لدرجاته عند الله إذا صبر واحتسب، فقد روى الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2396) .
وعليه أن يعتمد على الله وحده، ويتوكل عليه في الأمور كلها، مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة في العلاج، وأن يعظم الرغبة إلى الله سبحانه ويلح عليه بالدعاء وقت الأسحار، وأدبار الصلوات، فإنه سبحانه كاشف الضر، مغيث اللهفات، رحيم بعباده المؤمنين، يجيب دعوة المضطرين (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62، وليحذر كل الحذر من طرق أبواب السحرة والكهنة والعرافين، فإنهم الداء الحقيقي والهلاك المبين، ففي صحيح مسلم (2230) عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (5939) ، فليحذر المسلم من سؤالهم أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحفاظاً على دينه وعقيدته، وحذراً من غضب الله عليه، وابتعاداً عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عيها خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
وللاستزادة عن هذه المسألة وطرق علاج السحر الشرعية تراجع الأسئلة رقم: (11290) و (12918) و (48967) .
وانظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (3/280) و (8/144) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/626)
مصير الشيطان يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا سيحدث للشيطان بعد يوم البعث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مصير الشيطان يوم القيامة هو أسوأ وأشنع مصير ـ والعياذ بالله ـ وقد دلت على ذلك الأدلة الكثيرة جدا في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد بين الله تعالى أن الشيطان من الكافرين فقال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة/34. ومصير الكافرين هو النار وبئس القرار.
وأخبر سبحانه أن اللعنة قد حلت على الشيطان إلى يوم البعث، كما أخبر سبحانه أنه سيملأ جهنم منه ومن أتباعه فقال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف/11-18
وقال عز من قائل سبحانه وهو يخبر عن قول الشيطان لما أُخبِرَ بطرده وإبعاده عن رحمة الله: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين * إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ص/82-85، إلى غير ذلك من الآيات التي تبين المصير المحتوم للشيطان يوم القيامة.
وأخبرنا الله تعالى عن تبرئ الشيطان من أتباعه يوم القيامة، فقال: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/22.
فليحذر العاقل أن يكون من أتباع الشيطان، أو حزبه، فإن أتباعه هم أهل النار – كما في الآيات السابقة - والشيطان (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6.
(أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ) المجادلة/19.
ولهذا أوجب الله تعالى علينا معاداته، ومخالفته، وحذرنا من طاعته واتباع خطواته، قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) فاطر/6.
وقال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يس/6.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/168.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21.
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الشيطان الرجيم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/627)
تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة ويعتقدون أنها تعلم الغيب
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تقول إنها أخلصت في طاعة الله، وأثناء نومها زارها رجل يلبس جلباباً أبيض، وطاف حولها، وبعد ذلك أصبحت تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة، فعرف الناس بها، وأخذوا يترددون عليها، ويقولون: إنها تعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فما حكم هذه المرأة؟ وبم ننصحها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحد أن يدَّعي علم الغيب، ومن ادَّعاه فقد كفر، ولا يجوز لأحدٍ أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب، ومن اعتقد ذلك فقد كفر.
وقد أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأخبر أن الجن لا يعلمون الغيب.
وإنما قصدنا بذلك الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وأما الغيب النسبي وهو ما يعلمه أناس دون آخرين: فهذا قد يستطيع بعض الناس علمه وإنما يكون البحث في كيفية اطلاعهم عليه، فمنهم من يعرفه بالتجسس ومنهم من يعرفه عن طريق الجن، وكلاهما طريق لا يجوز سلوكه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل الجن يعلمون الغيب؟ .
فأجاب:
الجن لا يعلمون الغيب لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، واقرأ قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) ، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، ومن صدَّق من يدعي علم الغيب فإنه كافر أيضاً لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، فلا يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذين يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، فإن صدَّقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب فقد كذَّب قوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 115) بتصرف.
وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
عن حكم من يدعي علم الغيب؟ .
فأجاب:
الحكم فيمن يدَّعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذِّّّب لله عز وجل، قال الله تعالى:) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادَّعى علم الغيب فقد كذب الله عز وجل في هذا الخبر.
ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلي الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟ هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم؟ ! فإن قالوا: نحن أشرف من الرسول: كفروا بهذا، وإن قالوا: هو أشرف، فنقول: لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟ ! وقد قال الله عز وجل عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى)
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 22) .
والذي يتنبأ بالمستقبل يسمَّّّى " كاهناً "، ولا يحل سؤاله ولا إتيانه، وأما صدقهم أحياناً في تنبؤاتهم فإما أن يكون من باب موافقة القدَر، وإما أن يكون من الجن الذي يسترق السمع، فيلقي الجنُّ الكلمة على الكاهن فيكذب معها مئة كذبة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. رواه البخاري (5429) ومسلم (2228) .
قال الحافظ ابن حجر:
قال القرطبي: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم , وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية , لكن بقي في الوجود من يتشَّبه بهم , وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.
قوله: " إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا " في رواية يونس " فإنهم يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لأنه فهِم أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق , وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب ...
قال الخطابي: بيَّن صلى الله عليه وسلم أن إصابة لكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع , فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب." فتح الباري " (10 / 219، 220) .
أما ما ذكر في السؤال من ما رأته تلك المرأة في منامها، فإن مثل هذه الأحلام لا يؤخذ منها أي دليل على حكم شرعي فضلا عن أن تدل على مصادمة لقضية من قضايا العقيدة المقررة وعليه فيُعدُّ ما رأته في منامها نوعا من أنواع تلاعب الشيطان بها واستغلاله لجهلها.
ولمعرفة أحكام ما يُرى في المنام تراجع الأسئلة (25768) ، (6537) ، (23367)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/628)
كيف يعرف الشخص الذي حسده، وعلاج المحسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن للإنسان المحسود أن يعرف هل هو حسد نفسه أم حسده شخص آخر؟ وما هو الدواء في كلا الحالتين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا أُعجب الإنسان بشيء عنده ولم يبرِّك، (أي: لم يدع بالبركة، بأن يقول: بارك الله فيه ـ مثلاً) وتأثر هذا الشيء فإنه يمكنه أن يعرف أنه قد حسد نفسه.
ولا يمكن لأحدٍ أن يجزم أن فلاناً هو الذي حسده إلا إذا كان بمثل تلك الحال، كأن يدخل أحد محله فيبدي إعجابه به ولا يبرك عليه فيكسر ما فيه أو يتلف.
وهذا في حال أن يكون التأثير مباشرة، أما إذا طال الفصل: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم على فلان أنه حسده.
ويوجد طرق يستعملها بعض الناس لمعرفة العائن لكنها غير شرعية، بل هي شيطانية، وذلك مثل التخيل أثناء القراءة، أو الاستعانة بالجن والشياطين لمعرفة ذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة:
تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك: هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين؛ ولأنه يسبِّب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) الجن/6
وقالوا:
لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) الجن/6، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام /128، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقهم.
" مجلة الدعوة " العدد: (1682) .
ثانياً:
أما بالنسبة لعلاج المحسود فيكون بطريقتين:
إذا عرف عائنَه فإنه يطلب منه أن يغتسل ليصبَّ ماء غسله عليه، وإذا لم يعرفه فإن علاجه يكون بالرقية والأذكار الشرعية.
ولتفصيل الكلام عن العين والحسد والفرق بينهما، والوقاية والعلاج منهما: يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (20954) و (7190) و (11359) و (12205) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/629)
أريد أن تعود علاقة زوجي معي كما كانت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في محنة لا يعلمها إلا ربي سبحانه وتعالى ومشكلتي باني أعاني من سوء معاملة زوجي لي ويخونني ولا يعرف ربه، وقد حدث هذا التغيير الكلي منذ ثلاث سنوات وقد استحملت طول هذه المدة من أجل أولادي وعلى أمل أن يتغير فقد كنت اعتقد أن أمه أثرت عليه، فأمه كانت تذمني باستمرار من ورائي مع أنني كنت أحسن معاملتها واحترمها وأراعيها ولكنها كانت تحس بالغيرة من حب زوجي لي، وكنت اشعر بذلك بالرغم أنها أمامي تظهر لي الحب لأني كنت أحسن معاملتها وهذا حدث قبل ثلاث سنوات عندما جلست معنا في البيت لمدة خمسة أشهر بعد وفاة زوجها وتركتنا بعد سفرنا للخارج للعمل ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني أشد المعاناة.
فلم يعد زوجي هو زوجي الذي أعرفه.أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا لا اعلم ماذا أفعل أكثر لكي أرجعه معي كما كان. وأختي تؤكد لي بأنه مسحور وليس بعقله فهل هذا معقول وإذا كان كذلك ماذا افعل؟ أرجو أن تفيدني فأنا لا أريد الطلاق ولا أريد أن ألجأ إلى المشعوذين فأختي قالت لي بان هناك رجل دين يتعامل بالقرآن وطلبت مني أن أعطيها، صورتي وصورة زوجي ولكني خفت لكي لا أغضب الله. فهل هذا يجوز؟ وما العمل في هذه الحالة؟ أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا في حاله يرثى لها. أرجو أن تجاوبني بسرعة، وأنا الجأ إليك بعد الله تعالى عسى ربي يفرج عنى مما أنا فيه. وفرج الله عنك كل ضيق وجزاك الله كل خير آمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي أختي السائلة أن من حكمة الله تعالى في عباده أن يبتليهم بالخير والشر ليعلم من يطيعه سبحانه في كل أحواله ممن يطيعه في حال دون حال، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2، وقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35
ومن أنواع البلاء أن يبتلي أحد الزوجين بالآخر في سوء العشرة ونحوها لأي سبب كان، وعليه فإن كان ما تذكرينه صحيحا من أن زوجك قد أصيب بسحر أو حسد قوي، ولا شك أن السحر والعين لهما تأثير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق) رواه البخاري برقم 5408، ومسلم برقم 2187، فعليك اتباع ما يلي:
أولا: أكثري من ذكر الله والاستغفار، وسؤال الله تعالى أن يشفي زوجك، وأن يعيده لك كما كان، ولا يرد القضاء إلا الدعاء.
ثانيا: راجعي نفسك وطريقة معاملتك مع زوجك، فقد تكوني أنت التي تغيرت عليه وأنت لا تشعرين، فكوني له خير امرأة وزوجة، وخير معين بعد الله تعالى، وقفي معه في هذه المحنة، وكوني سنده بعد الله تعالى.
ثالثاً: لا تذهبي إلى ذلك الذي يزعم أنه رجل دين، فإن طلبه لصوركما من مثل أعمال الكهنة والمشعوذين. (راجعي سؤال رقم (21124)
رابعاً: لا حرج في أن تذهبي بزوجك إلى أحد المشايخ الموثوقين، الذين يعالجون بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، كما إنه يمكنك أن تقرئي على ماء وتسقي منه زوجك، وترقيه كل يوم، وتقرئي سورة البقرة في البيت، وللمزيد راجعي في فك السحر وطرقه الأسئلة:
(11290، 4010، 13792، 21124، 12198، 8291، 20954) ، وفي الوقاية من السحر (2662، 22816) ، وفي أنواع السحر (12578، 9432، 240) .
سادسا: على افتراض أن ما أصاب زوجك ليس سحرا ولا حسدا، فاجلسي معه جلسة مصارحة، وأخبريه بما تحسين به وتشعرين، واتفقا على أن تعودا لبعضكما كما كنتما.
سابعا: يمكنك أن توسطي بعض المصلحين – لاسيما الثقات من الأقارب -، لبحث هذه المشكلة، والنظر فيها، وفي ماهيتها، وأسبابها، ومحاولة علاجها.
وننصحك أخيرا بأن توازني بين حسنات زوجك وسيئاته وألا يغيب عن بالك ما عنده من صفات حسنة ومن إحسان إليك، من أجل أن يدعوك ذلك للسعي لإصلاحه وإعادته إلى طريق الحق والصواب في تدينه وعلاقته بربه أولا ثم في علاقته معك.
يسر الله أمرك، وأسعد زوجك بطاعته وأسعدك به، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/630)
في بيته جنِّي
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعيش في شقة في الشارقة لعدة أشهر ثم لاحظت وجود بصمات أصابع بالدم على الجدران والأرض، ثم بدأت تصدر بعض الأصوات فتركت البيت وانتقلت لبيت آخر، ثم حصل نفس الشيء في البيت الجديد، فقمت بإرسال عائلتي لبلدي وانتقلت للعيش مع بعض الأصدقاء، سمعت الأصوات هنا كذلك ولكن لا تصدر إلا إذا كنت وحيداً وأزعجتني هذه الأصوات كثيراً.
اعتدت أن أصلي الصلوات الخمس وأقرأ القرآن في الصبح وإذا أردت النوم أقرأ سورة المزمل سبع مرات وسورة الملك وبدأت تقل الآن. أرجو أن تخبرني بما يجب أن أفعله الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأصوات والأفعال ربما صدرت من الجن، والجن خلق من خلق الله تعالى يجب علينا الإيمان بوجودهم، لأن الله تعالى ذكرهم في القرآن في آيات كثيرة، بل خصهم بسورة تسمى سورة (الجن) ووجودهم متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وجماهير الأمم يقرّ بالجن ولهم معهم وقائع يطول وصفها، ولم ينكر الجن إلا شرذمة قليلة من جهّال المتفلسفة والأطباء ونحوهم " مجموع الفتاوى 19/32.
وقدراتهم تفوق قدرات الإنسان، كما قال تعالى: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِك) النمل /39، وبين سليمان عليه السلام وملكة سبأ مسافة بعيدة، وقد أقدرهم الله على التشكل والطيران وغير ذلك، لكنهم مع شدة قوتهم لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) الاسراء /65، وقال: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) سبأ /21. بل يعترف الشيطان بهذه الحقيقة فيقول: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين) الحجر /39 – 40، وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ويتابعونه عن رضا وطواعية، كما أخبر الله بذلك فقال:
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين َ) الحجر/42
وقد يسلطهم الله على المؤمنين بسبب ذنوبهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جار تبرّأ منه وألزمه الشيطان) رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1823.
والجَوْر عدم العدل.
والمسلم يجب أن يكون قبل كل شيء متسلحاً بسلاح الإيمان والعمل الصالح لأنهما خير زادٍ له وخير وسيلة لدحر كيد شياطين الإنس والجن.
وعليك أن توثق حبلك مع الله تعالى، فإنه الركن الذي يركن إليه. وأكثر من ذكر الله تعالى على كل حال، واحرص على أن لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى، فإن الإنسان لن يعصم من الشيطان بمثل ذكر الله تعالى. فقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكان منها: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ) . رواه الترمذي (2863) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وحافظ على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كالذكر عند دخول الخلاء وعند الجماع وعند سماع نهيق الحمار وعند دخول البيت وفي الصباح والمساء وعند النوم. . وغير ذلك من الأحوال والأوقات التي ورد فيها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر معين.
وهي مجموعة في كتب الأذكار ككتاب الأذكار للنووي، والكلم الطيب لابن تيمية، وحصن المسلم للقحطاني.
وعليك بالإكثار من قراءة القرآن في البيت لاسيما سورة البقرة في البيت، فقد روى أحمد (7762) ومسلم (780) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ [ولفظ أحمد: يَفِرّ] مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) .
وعليك أيضاً أن تطهّر بيتك من كل شيء فيه معصية لله تعالى، مثل اقتناء الصور والكلاب، فقد روى أبو طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري (3322) ومسلم (2106)
فإن خلت البيوت من الملائكة كانت مرتعاً ومسكناً للشياطين.
أما قراءة سورة المزمل والملك عند النوم فقد ورد ما يدل على استحباب قراءة سورة الملك قبل النوم، روى الترمذي (2892) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
أما سورة المزمل فلم يرد ما يدل على استحباب قراءتها قبل النوم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/631)
هل يمكن أن نرى الجن؟ وهل توجد لهم صور صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجن يظهر كما نرى الإنسان؟ وهل توجد صور صحيحة للجن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال مكون من شقين:
الأول: هل تظهر الجن بصور الإنسان؟
الثاني: هل هناك صورة صحيحة للجن؟
أما الشق الأول: فيقال:
أولا: اعلم أن الأصل في الجن أنهم مستترون عن الإنس، ولهذا سُمُّوا (جنا) لأن المادة اللغوية (جن) الجيم والنون تدل على أصل واحد، وهو السَّتْر والتستُّر. (كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة مادة جن) . فالجن سموا بذلك لأنهم مستترون عن الإنس، والجنين سمي بذلك لأنه مستتر في بطن أمه، والجنة لأنها مستترة بالأشجار، والمجنون لأن عقله مستتر وهكذا في جميع الاشتقاق.
وقد أخبر الله تعالى بهذه الحقيقة حيث قال: (يَابَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27
ثانيا: هل يمكن أن يظهروا في صور يراهم الناس فيها؟
والجواب عن ذلك: أنه ثبت في السنة وفي الواقع ظهور الجن على صور مختلفة كصور الناس والحيوانات وغيرها، فمن أصرح الأدلة على ذلك من السنة تلك القصة التي رواها البخاري (3275) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فشكا حاجة وعيالا فرحمه أبو هريرة وتركه حتى تكرر هذا ثلاث مرات وفي الثالثة قال أبو هريرة: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. وحين أصبح أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما حصل. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. أتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وفي الحديث من الفوائد ... أن الشيطان من شأنه أن يكذب، وأنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته، وأن قوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها " اهـ
وقد روي أن الشيطان ظهر لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وشجعهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في غزوة بدر فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره (12564) عن عروة بن الزبير، قال: (لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر - يعني من الحرب - فكاد ذلك أن يثبطهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه! فخرجوا سراعا) وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (5/62) .
وفي صحيح مسلم (2236) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) .
والعوامر: الحيات والثعابين التي تكون في البيوت، لا تقتل حتى تستأذن ثلاثاً فقد تكون من الجن. انظر " غريب الحديث " لابن الأثير.
قال النووي: «معناه: وإذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنَّه ليس من عوامر البيوت، ولا ممَّن أسلم من الجنِّ، بل هو شيطان، فلا حرمة عليكم فاقتلوه، ولن يجعل اللهُ له سبيلاً للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم، واللهُ أعلم» . شرح مسلم 14/236
ومثل هذا في الواقع كثير، قال شيخ الإسلام: (والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفى صور الطير وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر) مجموع الفتاوى (19/44)
ثالثا: لقد أضلت الجن كثيراً من الإنس بتصورهم في صور الأولياء والصالحين وغيرهم، قال شيخ الإسلام: " وكثيراً ما يتصور الشيطان بصورة المدعو المنادى المستغاث به إذا كان ميتا. وكذلك قد يكون حيا ولا يشعر بالذي ناداه ; بل يتصور الشيطان بصورته فيظن المشرك الضال المستغيث بذلك الشخص أن الشخص نفسه أجابه وإنما هو الشيطان، وهذا يقع للكفار المستغيثين بمن يحسنون به الظن من الأموات والأحياء كالنصارى المستغيثين بجرجس وغيره من قداديسهم، ويقع لأهل الشرك والضلال من المنتسبين إلى الإسلام الذين يستغيثون بالموتى والغائبين، يتصور لهم الشيطان في صورة ذلك المستغاث به وهو لا يشعر.... وذكر لي غير واحد أنهم استغاثوا بي، كلٌّ يذكر قصة غير قصة صاحبه فأخبرت كلا منهم أني لم أجب أحداً منهم ولا علمت باستغاثته، فقيل: هذا يكون مَلَكاً، فقلت: المَلَكُ لا يغيث المشرك، إنما هو شيطان أراد أن يضله " اهـ. مجموع الفتاوى (19/47-48)
ثم إن من أعظم ما ينتصر به المسلم على الشياطين التحصن بالأذكار، وقراءة آية الكرسي، كما في حديث أبي هريرة السابق،
وانظر السؤال رقم (22816) و (12715) و (42073)
أما الشق الثاني من السؤال وهو هل هناك صورة صحيحة للجن؟
فإن مسألة تصوير الجن صورة فوتوغرافية من الأمور التي شغف بها كثير من الناس وانتشرت في بعض مواقع الإنترنت ولا يمكن الجزم بصحة ما في هذه المواقع خاصة في هذه الآونة التي تفنن الناس فيها بأنواع الخدع التصويرية، ثم إن البحث في مثل هذه الأمور ليس ذا فائدة أو جدوى في الدين أو الدنيا، والأولى بالإنسان أن يشتغل بما يعود عليه بالفائدة الدينية أو الدنيوية من قراءة وتفهم لما في القرآن وصحيح السنة وما يجب على الإنسان في عقيدته وعبادته، والأخلاق والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم وغير ذلك، علما بأن نشر صور ذوات الأرواح محرم شرعا وقد وردت النصوص الشرعية بذلك، ويمكنك مراجعة الأسئلة التي تحمل رقم (13633) ورقم (10668) ورقم (7918) .
والله المسؤول أن يحفظك ويعلي قدرك ويغفر ذنبك ويرزقك العلم والعمل إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/632)
معنى تصفيد الشياطين في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في تصفيد الشياطين في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1899) ومسلم (1079) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) .
وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال.
قال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي: " يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره - أي غير الحليمي - المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم.... وقوله صفدت ... أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت.... قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة، قال ويحتمل أن يكون.... تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره " فتح الباري 4/114
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (وصفدت الشياطين) ومع ذلك نرى أناسا يصرعون في نهار رمضان، فكيف تصفد الشياطين وبعض الناس يصرعون؟
فأجاب بقوله: " في بعض روايات الحديث: (تصفد فيه مردة الشياطين) أو (تغل) وهي عند النسائي، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه: إن الإنسان يصرع في رمضان. قال الإمام: هكذا الحديث ولا تكلم في هذا.
ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. " انتهى كلامه [مجموع الفتاوى 20]
وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس.
والله أعلم.
يراجع السؤال رقم (12653) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/633)
خانت زوجها وسحرته وانقلب على أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوج ابني بامرأة سوء عملت له سحراً، فانقلب على أهله جميعاً، وصار لا يرد لها أي طلب مهما كان. وقد قبضت هيئة الأمر بالمعروف عليها هي وعشيقها وثبتت تلك الجريمة عليها، ومع ذلك فابني رفض طلاقها ودائماً يدافع عنها. ودخلنا بينها فوجدنا أشياء غريبة فقد وجدنا حذاء موضوعاً على كتاب الله فوق الدولاب (والعياذ بالله) ووجدنا أشياء أخرى، وعندها خادمات من بلاد يعرفون بالسحر. مما جعلنا نقطع أنها سحرت ابني، وقد ذهبنا إلى أحد المشايخ ليقرأ عليه فظهرت عليه علامات السحر.
وهو الآن يرفض العلاج ولا يصدقنا أنه مسحور. فماذا نفعل؟ هل تقوم بالذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر؟
وقد توفي والده وهو الآن يطالبنا بنصيبه من ميراث أبيه، فهل نعطيه المال، وهو مسحور يضيع أمواله، وهذه المرأة قد سلبت جميع أمواله وضيعتها على السحر والشعوذة، مع العلم أن له أولاداً يحتاجون إلى هذا المال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما أصاب ابنكم هو من البلاء لكم، ونسأل الله تعالى أن يصبِّركم، ويثبتكم على دينه، كما نسأل الله له الشفاء، والظاهر أنه واقع تحت تأثير السحر، فلا ينبغي لكم مؤاخذته على تصرفاته معكم، ولا يرضى عاقل أن يعلم عن امرأته بشيء مما فعلته ويسكت عنها، لكن يبدو أن السحر قد أثَّر عليه تأثيراً بالغاً حتى وقف معها وانقلب عليكم.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (11290) حرمة علاج السحر بالسحر، وفيه وفي جواب السؤال رقم (12918) بيان العلاج الشرعي للسحر.
ويمكنكم علاج ولدكم بالقراءة على الماء وسقيه له دون علمه، وعليكم ملازمة الدعاء مع استعمال العلاج، فلعل الله تعالى أن يكشف عنه البأس والضر.
ثانياً:
يتوقف دفع حق ولدكم من الميراث على حسن تصرفه بالمال، فإن كان المال سيقع في يده أو يد زوجته ولن يحسنا التصرف فيه: فلا يجوز لكم تمكينه من المال، وليبقَ معكم، ولتنفقوا عليه وعلى أبنائه منه، وهو أمانة في أيديكم لا ينبغي لكم التفريط فيه.
قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء/5، 6.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
{السفهاء} جمع " سفيه " وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله , كالمجنون والمعتوه , ونحوهما، وإما لعدم رشده , كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم , خشية إفسادها وإتلافها، لأن الله جعل الأموال قياماً لعباده , في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الله الولي أن لا يؤتيهم إياها بل يرزقهم منها , ويكسوهم , ويبذل منها , ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية , وأن يقولوا لهم قولاً معروفاً , بأن يعِدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم , ونحو ذلك , ويلطفوا لهم في الأقوال , جبراً لخواطرهم، وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء , ما يفعلونه في أموالهم , من الحفظ , والتصرف , وعدم التعرض للأخطار.
وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه , في مالهم , إذا كان لهم مال لقوله (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) . " تفسير السعدي ".
وينبغي رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية وأقامة البينة على أن هذا الولد لا يحسن التصرف في ماله، حتى تقوم المحكمة بالحجر عليه وتعين ولي على ماله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/634)
المس وما يتعلق به من أوهام وحقائق
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بمس جني - ولم أشف منه - منذ سنتين تقريباً، والغريب أنني أشعر بهم في جسدي ويكاد يكون لي التحكم فيهم في جسدي مثلاً: عندما أسمع للقرآن فأشعر بحركة ألم لهم في بطني فأستطيع إن شاء الله أن أوقفهم عن تلك الحركة.
وأنا أؤمن بأن خروجهم لن يتم أبدا إلا من الله العلي القدير، فلذلك أدعو الله ولا أذهب إلى معالج شرعي يرقي بالقرآن.
الحمد لله أنني بفضل الله مستقيم، ولكني أقع أحيانا في بعض المعاصي، فما تفسير ذلك؟ وما هي نصيحتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المس بالجن فيه حقائق وفيه أوهام، وأوهامه – عند كثير من الناس الآن – أكثر من حقائقه، وأهل السنة مجمعون على تلبس الجني ببدن الإنسي، لكن ليس معنى ذلك أن كل ما يكون من المصروع هو مس من الجن، لأن الصرع قد يكون له سبب عضوي، ومثله ما يشعر به الكثيرون ويحسونه في أجسادهم، فلا يُجزَم بأنه من فعل الجن، بل قد يكون أهاماً وقد تكون خيالات.
لذا فعليك ألا تلتفت إلى ما قد يوسوس به الشيطان أو يهيئه لك أنه من فِعله، وأنك تستطيع التحكم به، فهذا من أبواب تلبيسه على المسلم ليوهمه بأنه يستطيع التحكم فيه حتى يظن في نفسه ما ليس فيها، وقد يصل به إلى ما لا تحمد عقباه كما حصل مع كثيرين.
وعليك بالمداومة على رقية نفسك بنفسك، وكتاب ربك تبارك وتعالى بين يديك، فاقرأ منه وارق نفسك، وسواء كان عندك مس أم لم يكن فلا شك أنك مستفيد من هذه القراءة وتلك الرقية.
وللمزيد انظر سؤال رقم (3476) .
وإذا ذهبت إلى من هو معروف باستعمال الرقية الشرعية مع استقامة حاله وبعده عن الشعوذة والخرافات، فإن هذا لا بأس به وقد يكون سبباً لشفائك مما تشكو منه.
وعليك بالاستعانة بالله تعالى والدعاء والتضرع ليكف عنك كيد شياطين الإنس والجن، فالإنسان محتاج لربه دوماً، والله تعالى قادر على أن يخلصك من الظنون والأوهام والحقائق التي تؤذيك وتضرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/635)
المسّ الشيطاني والسّحر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن عاد أخي من رحلة بدأ ينطق بأشياء عجيبة وبدأ يقول بعض التكهنات ولا يتكلم مع أحد لقد بقي في الخارج عامين ووصل الأمر إلى أن يبصق على أمه ثم اعتقدنا أنه مريض نفسياً فذهبنا به إلى الطبيب لكنه لم يكتشف شيئاً. ونحن نظن أنه أصابه جن أو سحر. فكيف نعرف ذلك وكيف نخلصه منه؟ لقد مرضت أمي بسبب هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بالنسبة للتفريق بين حالة المسّ والسّحر فقد ذكر بعض المجرّبين أن من علامات المسّ ما يلي:
1- الإعراض والنّفور الشديد من سماع الأذان أو القرآن.
2- الإغماء أو التشنّج أو الصّرع والسّقوط حال القراءة عليه.
3- كثرة الرؤى المفزعة.
4- الوحدة والعزلة والتصرّفات الغريبة.
5- قد ينطق الشيطان الذي تلبّس به عند القراءة.
6- التخبّط كما قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ) .
أمّا السّحر فمن أعراضه:
1- كره المسحور لزوجته أو المسحورة لزوجها كما قال تعالى: (فيتعلّمون منهما ما يُفرّقون به بين المرء وزوجه) .
2- اختلاف حاله خارج البيت عن حاله داخله اختلافا كلّيا فيشتاق إلى أهله وبيته في الخارج فإذا دخل كرههم أشدّ الكُره.
3- عدم القدرة على وقاع الزّوجة.
4- توالي إسقاط المرأة الحامل باستمرار.
5- التغيّر المفاجئ في التصرّفات دون أيّ سبب واضح.
6- عدم اشتهاء الطعام بالكلّية.
7- أن يخيّل إليه أنّه فعل الشيء وهو لم يفعله.
8- الطاعة العمياء والمحبّة المفاجئة والمفرطة لشخص معيّن.
هذا ويجب الانتباه إلى أنّ الأعراض المذكورة آنفا لا يُشترط عند توفّر بعضها أن يكون الشّخص مصابا بالسّحر أو المسّ فقد يكون بعضها لأسباب عضوية أو نفسية أخرى.
العلاج
1- التوكّل على الله وصدق اللجوء إليه
2- الرقى والتعويذات الشرعية
وأهمّها المعوذتان وهي التي عولج النبي صلى الله عليه وسلم بها وما تعوذّ متعوّذ بمثلهما قط ويضاف إليهما قل هو الله أحد، وسورة الفاتحة رقية ناجحة كما ثبت.
وفي علاج السّحر يمكن أخذ سبع ورقات من السّدر الأخضر وطحنها ثمّ وضعها في إناء ويصبّ عليها من الماء ما يكفيه للغسل ويُقرأ فيها بآية الكرسي وسورة الكافرون والإخلاص والمعوذتين وآيات السّحر الموجودة في سورة البقرة آية 102 والأعراف آية 117-119 وسورة يونس 79-82 وسورة طه 65 - 69 ثمّ يشرب بعض الماء ويغتسل بالباقي كما جرّبه بعض السّلف فنفع.
3- استخراج السّحر وإتلافه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سحره لبيد بن الأعصم اليهودي.
4- استعمال الأدوية المباحة كأكل سبع تمرات من تمر العالية البرنيّ (من تمور المدينة النبوية) على الرّيق وإذا لم يجد يأكل من أي تمر وجده يكون نافعا بإذن الله.
5- الحجامة
6- الدّعاء
ونسأل الله أن يشفي أخاكم ويفرّج كربته وكربتكم وهو الشافي لا شافي إلا هو.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/636)
هل هناك علاقة بين قص الأثر والزواج من الجن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قول مشهور بين الناس عن بعض القبائل التي لديها فراسة وقدرة على تقصي الآثار، ومعرفة أصحابها، وقيل لأن أحد أجدادهم قد تزوج من الجن، وهذا هو سبب اكتسابهم هذه القدرة، فما مدى صحة ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
هذا غير صحيح، ولا أعرف أن الإنسان يتولد بين إنسي وجني، حيث أن الجن ليس لهم أجسام، وإنما هم أرواح هوائية، وإن كانوا يقدرون على التشكل بأشكال متنوعة، فأما هؤلاء الذين يعرفون الآثار والأشياء فهم من أهل الفراسة، وقوة الذكاء والمعرفة، والفطنة والتجربة، وقد جعل الله تعالى فروقاً بين الآثار وموطئ الأقدام، كما جعل فروقاً ظاهرة بين الناس في الطول والقصر، والسواد والبياض والصغر والكبر، فأنت ترى مائة ألف من البشر لا تجد فيهم اثنين متشابهين في كل الصفات، فهذا هو السبب الذي يميز هؤلاء بين الناس، ويعرفون الآثار والأشباه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 15(1/637)
شخص يخبر من حضر إليه بأمور خاصة وخفية
[السُّؤَالُ]
ـ[يزعم أحد الدجالين بأنه يعلم الغيب، وذلك بالقراءة على المصروعين، ويأمرهم بأن يتبخروا بأوراق يُكتب عليها، ويعطيهم تمائم (حجابات) ليلبسوها، وإذا حضر إليه شخص يريد العلاج ويكون من شاربي الخمر فيخبره بأنه شرب بالأمس خمراً، وباقي الخمر موجود في مكان كذا، وإني لن أعالجك من الصرع حتى تترك شرب الخمر فيعترف بذلك، أفتونا في هذا الأمر، وهل يجوز أن نؤاكله ونسلم عليه، ونصلي خلفه، لأنه يصلي أحياناً بالناس، وقد نصحناه ولم يقبل النصيحة، ويقول: إنه على الحق ... أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
هذا لا شك أنه من الكهنة الذين يستخدمون الشياطين، ويتقربون إليها بما تحب حتى تطلعهم على بعض الأمور الغائبة، وذلك أن يذبح لهم، أو يدعوهم بأسمائهم، أو يطيعهم في معصية الله بأكل الحرام والنجاسات، أو نحو ذلك، ومعلوم أن هذا من الكفر والشرك، فعلى هذا يجب أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا، ولا تجوز الصلاة خلفهم، والسلام عليهم حتى يتوبوا، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 20.(1/638)
الإصابة بالعين يمكن أن تقع من الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للكافر أن يصيب الآخرين بالعين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم قد تقع الإصابة بالعين من الكافر والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر.. الآية) القلم/51.
قال السدي: يصيبونك بعيونهم. تفسير البغوي 8/202.
وكذلك يدلّ عليه عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَيْنُ حَقٌّ) رواه البخاري (5740) ومسلم (2187) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/639)
اعتقاد أن موت الفجأة بسبب السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمريكية ومتزوجة من رجل عربي، والناس في بلده يؤمنون أن الشخص إذا مات فجأة من مرض ما فإنه قد تعرض لسحر حيث يظن الجميع بأنه مات وهو بالفعل لم يمت فيأخذوه السحرة ليكون عبدا لهم.ما حكم الاعتقاد بمثل هذه الأفكار؟ هل سمعت بشيء كهذا من قبل؟ هل يمكن أن يحصل هذا فعلاً كوني مسلمة جديدة فأنا لا أعرف ما أصدق بالنسبة لهذا الموضوع فأرجو أن توضح لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكر في السؤال خطأ محض فالذي يموت فجأة كغيره ممن مات بأي سبب تفارق روحه جسده والروح أمر غيبي من أمر الله سبحانه وتعالى، ومن طوائف المبتدعة من يرى أن الإنسان إذا مات انتقلت روحه إلى غيره، وهذا مما يعرف بالتناسخ، وهذا القول مما عرف بطلانه بالضرورة من دين الإسلام. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضيري.
وهو كفر شنيع وقول باطل ومما يترتب عليه جَحْد عذاب القبر، نسأل الله السلامة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/640)
هل يُصيب الرجل بالعين زوجته الجميلة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول العين. إذا قال الرجل لزوجته إنها جميلة فهل يجب عليه أن يقول ما شاء الله أم أن هذا يعتبر تطرفا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً: العين حق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " العين حق ولو كان شيء سابَق القدر لسبقته العين ". رواه مسلم (2188) من حديث ابن عباس.
وروى البخاري (5048) ومسلم (2187) من حديث أبي هريرة: أوَّله.
ثانياً: إن العين تكون من العائن الحاسد على الأكثر.
يقول ابن القيم:
وكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً … ثم قال:
وأصله إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني، وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: عن من عرف بذلك حبسه الإمام، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعا.. " زاد المعاد " (4 / 167) .
فعليه جاء في الحديث: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة ". رواه البخاري (3191) من حديث ابن عباس.
ومعنى الهامَّة: الحيوانات والحشرات السامة القاتلة.
ومنى لامَّة: التي تصيب بالحسد.
ثالثاً: إن الراجح أن العين كما أنها تكون من العائن الحاسد فقد تكون من غير الحاسد بمجرد الإعجاب وذلك لحديث " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فٍان العين حق ". رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (ص 168) والحاكم (4 / 216) وصححه الألباني في " الكلم الطيب " (243) .
فهذا الحديث يبين أن الرجل قد يصيب نفسه أو ماله - ولا أحد يحسد نفسه - فيصيب نفسه بالعين لإعجابه بنفسه، فلأن يصيب زوجته من باب أولى.
قال ابن القيم:
وقد يعين الرجل نفسه. " زاد المعاد (4 / 167) .
رابعاً: إن الرجل قد يصيب زوجته بالعين بنظره إليها وملاحظته جمالها والإعجاب بها حتى وإن لم يقل لها إنك جميلة ويستحب له أن يقول اللهم بارك فيها.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ (المخبأة: هي الفتاة في خدرها وهو كناية عن شدة بياضه) فَلُبِطَ سَهْلٌ (أي: صُرع وسقط على الأرض) فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) المسند 3/486 وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح، المجمع 5/107.
خامساً: وبعض الناس إذا أعجبه شيء قال " ما شاء الله لا قوة إلا بالله "! ويستدلون لذلك بالآية من سورة الكهف وبحديث.
أما الآية وهي قوله تعالى {ولولا إذ دخلتَ جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} : فلا تصلح للاستدلال، إذ لا علاقة للحسد بالموضوع، وإنما أهلك الله جنتيه بسبب كفره وطغيانه.
وأما الحديث: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى شيئاً فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله: لم تصبه العين ". والحديث ضعيف جدّاً!
قال الهيثمي: رواه البزار من رواية أبي بكر الهذلي، وهو ضعيف جدّاً. " مجمع الزوائد " (5 / 21) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/641)
شهادة التوحيد متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شهادة أن (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) تشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، أم توحيد العبودية فقط؟ لأنني قرأت في معنى (أشهد أن لا إله إلا الله) أنه (لا معبود بحقٍ إلا الله، وإنني أُقر بأنني أثبت على عبادة الله وحده وأتقي عبادة غيره) ، وهذا المعنى الذي أستحضره عند قولها عندما أريد أن أتوب، فهل شهادتي ناقصة؛ لعدم استحضاري لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، مع أنني مؤمنٌ بهما، فهل تصح توبتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كلمة الإخلاص، وشهادة التوحيد هي أصل الدين، وعنوان النجاة، وبرهان الفلاح، والتي ما خلق الجن والإنس إلا للقيام بها حق القيام.
وهي متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية – وهو توحيد العبادة -، وتوحيد الأسماء والصفات.
وعلى المتلفظ بها أن يؤمن بذلك ويستحضره عند النطق بها، وأن يستقر ذلك في نفسه استقرارا تاما غير مدخول ولا مشوش عليه، دون أدنى تكلف أو معاناة.
فحاجة النفس إلى التوحيد ومعرفته أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب والنفس، وهي حاجة فطرية تلقائية، وإنما الواجب على المكلف أن يسعى في تحقيق المعرفة وتحصيل العلم الذي به تتحقق فيه شرائطها، وتنتفي عنه موانع الإخلاص والصدق فيها.
ولمعرفة شروط كلمة التوحيد عند التلفظ بها يرجى مراجعة جواب السؤال رقم: (9104) ، ورقم: (12295) .
وأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، فمن أقر بواحد منها لزمه الإقرار بجميعها، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ويدل عليه ويوجبه، وتوحيد الأسماء والصفات: توحيد الربوبية يستلزمه ; لأن من كان هو الخلاق الرزاق والمالك لكل شيء , فهو المستحق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى , وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله , لا شريك له , ولا شبيه له , ولا تدركه الأبصار وهو السميع العليم.
ومن أتقن أنواع التوحيد الثلاثة , وحفظها واستقام على معناها , علم أن الله هو الواحد حقا , وأنه هو المستحق للعبادة دون جميع خلقه , ومن ضيع واحدا منها أضاع الجميع فهي متلازمة , لا إسلام إلا بها جميعا " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 38-39) .
وما دمت على إيمان بذلك كله، وعلى يقين منه، فليس في شهادتك نقص ولا خلل، وليس في توبتك شيء، بحيث تحتاج إلى تجديدها؛ والمرء قد يعزب عنه بعض ما يعلمه في موقف من المواقف، وقد يغلب عليه في موقف استحضار معنى اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، دون أن يكون في ذلك خلل في إيمانه بباقي الأسماء والصفات.
وهكذا قد يكون في مقام العبودية والطاعة، فيغلب عليه استحضار معنى توحيد العبودية، وإخلاص العمل لله.
وقد يكون في مقام طلب الرزق، أو كشف الضر، فيغلب عليه شهود ربوبية الله لخلقه، وتفرده بالتدبير والتصريف، وهكذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/642)
الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[دين إبراهيم عليه السلام هو الحنيفية.. ماذا تعني الحنيفية؟ وهل يوجد أحد على دين إبراهيم إلى الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحنيفية مذكورة في آيات عديدة في القرآن الكريم، يصف الله سبحانه وتعالى بها نبيه إبراهيم عليه السلام، ومن يقرآ الآيات يستطيع أن يعرف معنى الحنيفية الواردة فيها، ونحن نسوقها في جوابنا هنا كي نشحذ ذهن القارئ لفهمها من سياقها:
يقول الله تعالى:
(وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) البقرة/135.
وقال سبحانه:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/65-68.
وقال عز وجل:
(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/95.
وقال تعالى:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/125.
ويقول جل شأنه:
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام/78-79.
ومنها أيضا قوله تعالى:
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/161-163.
وقوله تعالى:
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل/121-123.
فمن تأمل في الآيات السابقات يدرك أن الحنيفية التي كان عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام هي دين التوحيد والاستسلام لله عز وجل، ونبذ الشرك والكفر وكل ما يعبد من دون الله، وهذا هو دين الأنبياء جميعهم، واعتقاد الرسل كلهم، لم يختلفوا فيما بينهم إلا في الشرائع والأحكام، أما الاعتقاد والإيمان بالله، فقد كانوا كلهم على التوحيد.
يقول القرطبي رحمه الله:
" (حَنِيفاً) مائلاً عن الأديان المكوهة إلى الحق دين إبراهيم؛ وهو في موضع نصب على الحال؛ قاله الزجاج.
أي: بل نتبع ملّة إبراهيم في هذه الحالة.
وسُمِّيَ إبراهيم حنيفاً لأنه حَنِف إلى دين الله، وهو الإسلام.
والحَنَف: المَيْل؛ ومنه رِجْلٌ حَنْفاء، ورَجُل أَحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. قالت أمّ الأَحْنَف:
واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرجْلِه ... ما كان في فِتيانكم مِن مِثلِه
وقال الشاعر:
إذا حوّل الظّل العشيّ رأيتَه ... حَنِيفاً وفي قَرْن الضحى يَتنصّرُ
أي: الحِرْباء تستقبل القِبْلة بالعشيّ، والمَشْرِقَ بالغداة، وهو قِبلة النصارى.
وقال قوم: الحَنَف: الاستقامة؛ فسُمّيَ دين إبراهيم حنيفاً لاستقامته " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (1/358) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله:
" أي: مقبلا على الله، معرضا عما سواه، قائما بالتوحيد، تاركا للشرك والتنديد، فهذا الذي في اتباعه الهداية، وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/67)
ويقول العلامة ابن عاشور رحمه الله:
" المراد الميل في المذهب، أن الذي به حنف يميل في مشيه عن الطريق المعتاد، وإنما كان هذا مدحا للملة لأن الناس يوم ظهور ملة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلا عنهم، فلقب بالحنيف، ثم صار الحنيف لقب مدح بالغلبة. وقد دلت هذه الآية على أن الدين الإسلامي من إسلام إبراهيم " انتهى.
" التحرير والتنوير " (1/717)
ويقول أيضا رحمه الله:
" قوله: (وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أفاد الاستدراك بعد نفي الضد حصرا لحال إبراهيم فيما يوافق أصول الإسلام، ولذلك بيَّنَ (حنيفا) بقوله: (مسلما) لأنهم يعرفون معنى الحنيفية، ولا يؤمنون بالإسلام، فأعلمهم أن الإسلام هو الحنيفية، وقال: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فنفي عن إبراهيم موافقة اليهودية، وموافقة النصرانية، وموافقة المشركين، وإنه كان مسلما، فثبتت موافقة الإسلام، وقد تقدم في سورة البقرة في مواضع أن إبراهيم سأل أن يكون مسلما، وأن الله أمره أن يكون مسلما، وأنه كان حنيفا، وأن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء به إبراهيم، (وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وكل ذلك لا يُبقِي شكا في أن الإسلام هو إسلام إبراهيم.
فقد جاء إبراهيم بالتوحيد، وأعلنه إعلانا لم يترك للشرك مسلكا إلى نفوس الغافلين، وأقام هيكلا وهو الكعبة، أول بيت وضع الناس، وفرض حجه على الناس: ارتباطا بمغزاه، وأعلن تمام العبودية لله تعالى بقوله: (وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً) الأنعام/80، وأخلص القول والعمل لله تعالى فقال: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً) الأنعام/81، وتطَلَّب الهدى بقوله: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) البقرة/128، (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا) البقرة/128، وكسر الأصنام بيده (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً) الأنبياء/58، وأظهر الانقطاع لله بقوله: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) الشعراء/78- 81، وتصدى للاحتجاج على الوحدانية وصفات الله قال إبراهيم: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) البقرة/258، (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَى قَوْمِه) الأنعام/83،ِ (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) الأنعام/80 " انتهى.
" التحرير والتنوير " (3/122-123)
ومما يؤكد أن معنى الحنيفية هو الإسلام آيات أخرى يأمر الله تعالى فيها جميع المسلمين بأن يوحدوه عز وجل، ويفردوه بالعبادة، ويكونوا حنفاء له مائلين عن الشرك إلى التوحيد، وذلك في قوله جل وعلا:
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس/104-106.
وقوله سبحانه:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/30.
ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما جاء بالملة الحنيفية:
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) .
رواه أحمد في المسند (24334) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1829) ، وحسنه محققو المسند.
وأخبر أن ذلك أحب الطرق إلى الله عز وجل:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ.) . رواه أحمد (2108) وصححه الألباني في الصحيحة (881) .
وبوب الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه:
(بَاب الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ) .
وقد بقيت بقايا من دين إبراهيم عليه، وصلت إلى العرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قلة من العرب يدينون ـ قبل البعثة ـ بالحنيفية، دين إبراهيم عليه السلام.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي؟!
فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ!!
قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ!! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟
قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا.
قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟
قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ.
فَخَرَجَ زَيْدٌ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ!!
قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟
قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا.
قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟
قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ.
فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ!!
[قال البخاري:] وَقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ:
رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي.
وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا؛ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا.
رواه البخاري (3828) .
وانظر جواب السؤال رقم: (13043)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/643)
حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان) ... قال: (فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط..) وبين خلود الكافر في النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم (لم يعملوا خيرا قط) ، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار، بل هم من المؤمنين الموحدين، ولكنهم فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة.
والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ.
فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا.
ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا.
ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا.
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ)
والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى.
وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله، وجاء بأصل التوحيد، ولكنه لم يعمل خيرا قط.
يقول ابن حجر رحمه الله:
" وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى.
" فتح الباري " (11/428)
ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله، حيث جاء فيها: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) – قال ابن عبد البر رحمه الله:
" وهذه اللفظة – يعني (إلا التوحيد) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) ، أو (لم يعمل خيرا قط لم يعذبه) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب)
والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قالوا: كل من خاف لله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده.
ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله قد تجاوزت عنك)
قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (لعل الله يتجاوز عنا) : إيمان وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قول الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى.
" التمهيد " (18/40-41)
ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب: " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ":
" هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى.
" التوحيد " (2/732)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/644)
الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستعمل كلمة "الدعاء" للدلالة على معنيين اثنين:
1- دعاء المسألة، وهو طلب ما ينفع، أو طلب دفع ما يضر، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة.
كالدعاء بالمغفرة والرحمة، والهداية والتوفيق، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا، وحسنة في الآخرة ... إلخ.
2- دعاء العبادة، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادات، القلبية أو البدنية أو المالية، كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه، والصلاة والصيام والحج، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..... إلخ.
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى.
انظر: "القول المفيد" (1/264) ، "تصحيح الدعاء" (ص 15- 21) .
والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً؛ لأنهما متلازمان، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له، فإن الدعاء عبادة، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة" انتهى.
"القواعد الحسان" (رقم/51) .
وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55-56-:
" هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة:
فإنّ الدُّعاء في القرآن يراد به هذا تارةً وهذا تارةً، ويراد به مجموعهما؛ وهما متلازمان؛ فإنّ دعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضره ودفعِه، ... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة، ويدعو خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان؛ فكل دعاءِ عبادةٍ مستلزمٌ لدعاءِ المسألة، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة.
وعلى هذا فقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء ... وبكل منهما فُسِّرت الآية. قيل: أُعطيه إذا سألني، وقيل: أُثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.
وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً.
فتأمَّله؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع، وقلَّ ما يُفطن له، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً، فهي من هذا القبيل.
ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) الفرقان/77 أي: دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين.
وعلى هذا؛ فالمراد به نوعا الدُّعاء؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر؛ أَي: ما يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه، وعبادته تستلزم مسأَلَته؛ فالنّوعان داخلان فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60، فالدُّعاء يتضمن النّوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية، ويفسَّر الدُّعاء في الآية بهذا وهذا.
وروى الترمذي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول على المنبر: إنَّ الدُّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية، قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ.
وأمَّا قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية، الحج/73، وقوله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية، النّساء/117، وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية، فصلت/48، وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم، فالمراد به دعاءُ العبادة المتضمن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهر ...
وقوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) غافر/65، هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره.
وأمَّا قول إبراهيم عليه السّلام: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاء) إبراهيم/39، فالمراد بالسّمع ههنا ااء الطّلب، وسَمْعُ الربِّ تعال له إثابته على الثناء، وإجابته للطلب؛ فهو سميعُ هذا وهذا.
وأمَّا قولُ زكريا عليه السّلام: (ولم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) مريم/4، فقد قيل: إنَّه دعاءُ لسّمع الخاص، وهو سمعُ الإجابة والقبول، لا السّمع العام؛ لأنَّه سميعٌ لكل مسموعٍ، وإذا كان كذلك؛ فالدُّعاء: دعاء العبادة ودعالمسألة، والمعنى: أنَّك عودتَّني إجابتَك، ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسلٌ إليه سبحانه وتعالى بما سلف من إجابته وإحسانه، وهذا ظاهرٌ ههنا.
وأمَّا قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الآية، الإسراء/110؛ فهذا الدُّعاء: المشهور أنَّه دعاءُ المسألة، وهو سببُ النّزول، قالوا: كان النّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ربه فيقول مرَّةً: يا الله. ومرَّةً: يا رحمن. فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ.
وأمَّا قوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الطّور/28، فهذا دعاءُ العبادة المتضمن للسؤال رغبةً ورهبةً، والمعنى: إنَّا كنَّا نخلص له العبادة؛ وبهذا استحقُّوا أنْ وقاهم الله عذابَ السّموم، لا بمجرد السّؤال المشترك بين النّاجي وغيره: فإنّه سبحانه يسأله من في السّموات والأرض، (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) الكهف/14، أي: لن نعبد غيره، وكذا قوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) الآية، الصّافات/125.
وأمَّا قوله: (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ) القصص/64، فهذا دعاءُ المسألة، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم؛ أنَّ شركاءَهم لا يستجيبون لهم دعوتَهم، وليس المراد: اعبدوهم، وهو نظير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) الكهف/52 " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (15/10-14) باختصار. وانظر أمثلة أخرى في "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/513-527) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/645)
منزلة الحكم بما أنزل الله في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما منزلة الحكم بما أنزل الله في الإسلام؟ وهل يكون الحاكم بغير ما أنزل الله يكون كافراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه، لهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم فقال سبحانه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جُعلوا مشرِّعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى.
وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم) .
إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان وآيات بكفره وظلمه وفسقه.
أما القسم الأول [يعني الآيات التي وردت بنفي الإيمان عنه] :
فمثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/60- 65.
فوصف الله تعالى هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات:
الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت؛ وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حُكْمِ مَنْ له الحكم وإليه يرجع الأمر كله، وهو الله، قال الله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف/54.
الثانية: أنهم إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا.
الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر.
ثم حذر سبحانه هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنون من أمور تخالف ما يقولون، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً. ثم بين الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم. ثم أقسم تعالى بربوبيتة لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته صلى الله عليه وسلم أقسم بها مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور:
الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه.
الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف.
وأما القسم الثاني [يعني الآيات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه] :
فمثل قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47. وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق؟ لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق، فقال تعالى: (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ) البقرة/254، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وََسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84، فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي، والله أعلم.
فنقول: من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فَضْلَ ما عَدَلَ إليه، ونَقَصَ ما عدلَ عنه.
ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله ولا احتقاراً ولا اعتقاداً أن غيره أصلح وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عَرَض الدنيا، فهذا فاسق وليس بكافر، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم يبدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل. فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً.
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال – كذا العبارة المنقولة عنه – ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى العقيدة" (ص 208- 212) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/646)
كيف أحقق التوحيد، وما هو الجزاء الموعود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للعبد أن يحقق التوحيد لله تعالى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أحكام الأضحية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فقد سألتَ ـ وفقك الله ـ عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، نسأل الله أن ييسر لنا ولإخواننا المسلمين كل خير.
اعلم أن تحقيق التوحيد إنما يكون بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله وهذا التحقيق له درجتان: (درجة واجبة، ودرجة مستحبة)
فالدرجة الواجبة تتحقق بثلاثة أمور:
1) ترك الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي.
2) ترك البدع بأنواعها.
3) ترك المعاصي بأنواعها.
والدرجة المستحبة وهي التي يتفاضل فيها الناس ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي: أن لا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله أو التعلق بسواه؛ فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله ليس فيه التفات لسواه، نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله جل جلاله، وهذه الدرجة يعبر بعض أهل العلم عنها بأنها:
ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وذلك يشمل أعمال القلوب واللسان والجوارح.
ولابد لتحقيق هاتين الدرجتين من أمور:
أولها: العلم، وإلا فكيف يحقق التوحيد ويعمل به من لا يعرفه ويفهمه، فواجب على كل مكلف أن يتعلم من توحيد الله ما يُصَحِّحُ به معتقده وقوله وعمله، ثم ما زاد فهو فضلٌ وخيرٌ.
ثانيها: التصديق الجازم واليقين الراسخ بما ورد عن الله وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبار، وأقوال.
ثالثها: الانقياد والامتثال لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل المأمورات، وترك المحظورات والمنهيات.
وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً لهذه الأمور كان توحيده أعظم وثوابه أكبر.
وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن من حقق الدرجة العليا من التوحيد فهو موعود بأن يكون مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ـ نسأل الله من فضله ـ
ففي صحيح البخاري (5705) ومسلم (220) عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولا يكتوون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " قوله: (لَا يَسْتَرْقُونَ) أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم.وإن كان طلب الرقية جائزاً لكنه خلاف الأولى والأفضل.
وقوله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أي لا يقعون في التشاؤم بالطير أو بغيرها مما يتشاءم منه الناس فيتركون بعض ما عزموا على فعله بسبب هذا التشاؤم.والتشاؤم محرم وهو من الشرك الأصغر.
وقوله: (وَلَا يَكْتَوُونَ) فيتركون الاكتواء بالنار في علاج أمراضهم ولو ثبت لهم نفعه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم له. ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
فالصفة المشتركة في هذه الصفات الثلاثة أن أصحابها (على ربهم يتوكلون) أي حققوا أكمل درجات التوكل وأعلاها، فلم يعد في قلوبهم أدنى التفات للأسباب، ولا تعلق بها بل تعلقهم بربهم وحده سبحانه.
والتوكل هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن حبيب، بل هو الغاية القصوى كما يقول وهب بن منبه رحمه الله.
وتجد في السؤال رقم (4203) مزيدا من الكلام على هذا الحديث فراجعه لأهميته. والله أعلم وأحكم.
وبعد: فليس تحقيق التوحيد بالتمني،ولا بالتحلي، ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق، وإنما بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان، وحقائق الإحسان؛ وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة. فعلى المسلم أن يبادر لحظات العمر، وسابق ساعات الزمن في المبادرة إلى الخيرات، والمنافسة في الطاعات، وليستهون الصعب، وليستلذ الألم، فإن سلعة الله غالية. إن سلعة الله الجنة.
ينظر (القول السديد على مقاصد كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ20-23)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/647)
حوار مع نصراني: توحيد الله هو رسالة عيسى والأنبياء جميعا، عليهم السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا تبتعدون عن الحقيقة، وتنظرون إلى عيسى على أنه رسول بدلا من النظر إليه كابن للرب، عيسى هو ابن الرب الوحيد، هذه هي الحقيقة!!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكرا لك أيها السائل أن أتحت لنا فرصة التواصل معا، لنتحاور حول الحقيقة التي نحتاج أن نعرفها جميعا، ثم نتبعها مهما خالفت آراءنا السابقة، واعتقاداتنا القديمة، فبهذا فقط، أعني معرفة الحق واتباعه، نتحرر من خطايانا وذنوبنا، كما في كتابكم المقدس: {وتعرفون الحق، والحق يحرركم} [يوحنا 8/32] ، فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة، كما يعرضها كتابكم المقدس، رغم كل ما ناله من تحريف وتغيير!!
إن الدعوة التي جاء بها المسيح عليه السلام هي عبادة الله الواحد، رب المسيح ورب العالمين:
{هذه هي الحياة الأبدية؛ لابد أن يعرفوك: أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته} [يوحنا 17/3]
{سأله رئيس قائلا: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحا؛ ليس أحد صالحا إلا واحد؛ هو الله!!} [لوقا 18/18-19] .
{وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك العالم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك، لأنه من نصيبي، وأنا أعطيه لمن أشاء!! فإن سجدت لي يكون كله لك. فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان، يقول الكتاب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.} [لوقا 4/5-8] .
إن توحيد الله الذي لا إله إلا غيره، أعظم وصية جاء بها المسيح، وهو أعظم وصايا الأنبياء جميعا:
{وكان أحد معلمي الشريعة هناك، فسمعهم يتجادلون، ورأى أن يسوع أحسن الرد على الصدوقيين، فدنا منه وسأله: ما هي أول الوصايا كلها؟
فأجاب يسوع: الوصية الأولى هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الرب الأحد؛ فأحب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل فكرك، وكل قدرتك.
والوصية الثانية مثلها؛ أحب قريبك مثلما تحب نفسك.
وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
فقال له معلم الشريعة: أحسنت يا معلم؛ فأنت على حق في قولك: إن الله واحد، ولا إله إلا هو، وأن يحبه الإنسان بكل قدرته، وأن يحب قريبه بكل قلبه وكل فكره وكل قدرته، وأن يحب قريبه مثلما يحب نفسه، أحسن من كل الذبائح والقرابين.
ورأى يسوع أن الرجل أجاب بحكمة، فقال له: ما أنت بعيد عن ملكوت الله.
وما تجرأ أحد بعد ذلك أن يسأله عن شيء.} [مرقس 12/28-34] .
ولا تظن أن هاتين الوصيتين لإسرائيل، أو لشعبه فقط، بل هي أصل الشريعة وتعاليم جميع الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيل متى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدهما: {على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها، وتعاليم الأنبياء} [متى 22/39] .
فهذا التوحيد حقا هو رسالة كل الأنبياء؛ قال الله تعالى:
) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25
وهو الأصل الذي دعا إليه المسيح، وحذر من مخالفته؛ قال الله تعالى:
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72
وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن نلتقي عليه جميعا؛ قال الله تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64
إنها غريبة على النصرانية الحقة تلك المحاولة اليائسة للجمع بين التوحيد الذي جاءت به الأنبياء، وصرح به الكتاب المقدس لديكم، وقررته التوراة خصوصا، وبين ما تؤمنون به من التثليث.
جاء في دائرة المعارف الأمريكية:
(لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد.
إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما.
إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملا.) [27/294]
ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحي من المسيحيين، في المصدر السابق نفسه، دائرة المعارف [27/300-301] .
إنها معضلة للعقول، مستحيلة في الفطر والأذهان، فلا عجب أنكم لم تفهموها مجرد فهم، لكن العجب هو الإيمان بما يستحيل فهمه، إلا أن نغرر أنفسنا بأن ذلك الفهم سيأتي في اليوم الآخر:
(قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية) !!
نعم سوفي يتجلى لكم الحق عيانا في المستقبل، كما تجلى لنا اليوم، والحمد لله؛ يوم يجمع الله الرسل فيشهدهم على أممهم؛ قال الله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب ِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إ ِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/648)
معرفة أحوال الطقس هل تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض مواقع أحوال الطقس على الإنترنت تعرض أحوال الطقس المتوقعة مابين 5-10 أيام فهل يجوز لي مشاهدتها؟ أنا سألت هذا السؤال لأنني أخاف أنهم يدعون علم الغيب أو ينجمون وأنه يحرم علي مشاهدتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معرفة أحوال الطقس لا تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب، وإنما تبنى على أمور حسية وتجارب، ونظر في سنن الله الكونية. وكذلك معرفة أوقات الكسوف والخسوف، أو توقع هبوب الرياح، أو نزول الأمطار.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " قد يعرف وقت خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب، ويعرف به كذلك كون ذلك كليا أو جزئيا، ولا غرابة في ذلك؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب، وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم ويستقيموا على طاعته "
وجاء فيها أيضاً:
" معرفة الطقس أو توقع هبوب رياح أو عواصف أو توقع نشوء سحاب أو نزول مطر في جهة مبني على معرفة سنن الله الكونية، فقد يحصل ظن لا علم لمن كان لديه خبرة بهذه السنن عن طريق نظريات علمية أو تجارب عادية عامة فيتوقع ذلك ويخبر به عن ظن لا علم فيصيب تارة ويخطئ أخرى " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وليس من الكهانة في شيء من يخبر عن أمور تدرك بالحساب؛ فإن الأمور التي تدرك بالحساب ليست من الكهانة في شيء، كما لو أخبر عن كسوف الشمس أو خسوف القمر؛ فهذا ليس من الكهانة لأنه يدرك بالحساب، وكما لو أخبر أن الشمس تغرب في 20من برج الميزان مثلا في الساعة كذا وكذا؛ فهذا ليس من علم الغيب، لأنه من الأمور التي تدرك بالحساب؛ فكل شيء يدرك بالحساب، فإن الإخبار عنه ولو كان مستقبلا لا يعتبر من علم الغيب، ولا من الكهانة.
وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك؟
الجواب: لا؛ لأنه أيضا يستند إلى أمور حسية، وهي تكيف الجو؛ لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم؛ فيكون صالحا لأن يمطر، أو لا يمطر، ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب، نقول: يوشك أن ينزل المطر.
فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس؛ فليس من علم الغيب، وإن كان بعض العامة يظنون أن هذه الأمور من علم الغيب، ويقولون: إن التصديق بها تصديق بالكهانة.
" انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد".
وينظر: "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/424) فيما يتعلق بمعرفة أهل التقاويم والحساب لأوقات الكسوف والخسوف، وأول الربيع، وأول الشتاء ونحو ذلك مما يعرف بالحساب، ولا يدخل في علم الغيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/649)
هل النطق بالشهادتين كافٍ لدخول الجنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه إذا كانت عائلة الشخص تؤمن أنه " لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله " فإن ذلك يكون كافياً لدخول المذكور الجنة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس الإسلام هو النطق بالشهادتين فقط، بل لا بدَّ من تحقيق شروطٍ في هاتين الشهادتين حتى يكون الناطق بهما مسلماً حقّاً، وأركان الإسلام: الاعتقاد والنطق والعمل.
عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) . رواه البخاري (3252) ومسلم (28) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -:
قوله (من شهد أن لا إله إلا الله) أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً، فلابدَّ في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله) .
وقوله (إِلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح: فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في " المفهم على صحيح مسلم ": " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابدَّ من استيقان القلب " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً ا. هـ
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: (من شهد) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق.
" فتح المجيد " (ص 36)
وشروط " شهادة أن لا إله إلا الله " سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها؛ وهي على سبيل الإجمال:
الأول: العلم المنافي للجهل، الثاني: اليقين المنافي للشك، الثالث: القبول المنافي للرد، الرابع: الانقيادُ المنافي للترك، الخامس: الإخلاص المنافي للشرك، السادس: الصدق المنافي للكذب، السابع: المحبة المنافية لضدها، وهو البغضاء.
وشروط " شهادة أن محمَّداً رسول الله " هي نفسها شروط " شهادة أن لا إله إلا الله "، وهي مذكورة بأدلتها في جواب السؤالين (9104) و (12295) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/650)
تقسيم التوحيد إلى أقسام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من بعض الأخوة الذين عندهم علم بالتوحيد وأقسامه أن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمة الله قسم التوحيد إلى نوعين (توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات) , فما مدى صحة هذا القول؟ وهل كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام؟ وأخيرا , فهل يقسم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله التوحيد إلى أربعة أقسام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لابد أن نعلم أن القاعدة تقول " لا مشاحة في الاصطلاح "، وهذه قاعدة معروفة عند الفقهاء والأصوليين.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
والاصطلاحات لامشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة. " مدارج السالكين " (3 / 306) .
ومعنى لا مشاحة أي لا تنازع.
ثانيا:
إن للعلماء من قديم الزمان تقسيمات للأحكام الشرعية، وهذا التقسيم إنما هو للتيسير وتسهيل الفهم للنصوص والأحكام الشرعية وخصوصا مع تأخر الزمان وضعف المعرفة باللغة العربية واختلاط اللسان العربي بالأعجمي.
فرأى العلماء أن وضع قواعد ومسائل وتقسيمات لتسهيل وتيسير الفهم لا مشاحة فيه بل ذلك من الأمور المستحسنة لما يترتب عليه من تقريب العلم للمسلمين، فهذا الشافعي واضع علم الأصول في الفقه الإسلامي وقد لاقت تقسيماته قبولا حسنا وعليه درج الأصوليون مع إضافات وتعقب على ما ذكره، وهكذا جميع العلوم الشرعية كعلم التجويد وتقسيماته وترتيباته وعلوم القرآن وغيرها ومنها علم التوحيد.
ثالثا:
ما ذكره السائل من أن شيخ الإسلام قسَّم التوحيد إلى قسمين والشيخ محمد بن إبراهيم قسمه إلى أربعة أقسام وكذلك الشيخ صالح الفوزان: فلا إشكال في ذلك وإليك البيان:
فقد ذكر بعض العلماء أن التوحيد ينقسم إلى قسمين:
توحيد المعرفة والاثبات: وهو يشمل الإيمان بوجود الله والإيمان بربوبيته والإيمان بأسمائه وصفاته.
توحيد القصد والطلب: وهو يشمل الإيمان بألوهية الله تعالى.
وأما من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام فقد فصَّل التقسيم السابق زيادة في تسهيل الفهم والمعرفة فقال: التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية: ويدخل فيه الإيمان بوجود الله.
توحيد الألوهية أو توحيد العبادة - وهما بمعنى واحد –.
توحيد الأسماء والصفات.
ثم جاء بعض العلماء فزادوا في التقسيم فقالوا: التوحيد ينقسم إلى أربعة أقسام:
الإيمان بوجود الله.
الإيمان بربوبية الله.
الإيمان بألوهية الله.
الإيمان بأسماء الله وصفاته.
فكما نرى لا إشكال في هذا التقسيم ما دام أنه لا يدل على شيء باطل، ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذا التفصيل إنما هو لتسهيل الفهم فكلما بعُد العهد: قلَّ الفهم واحتاج العلماء إلى التبسيط والتسهيل والتفصيل.
والخلاصة أنه لا إشكال فيما ذكره السائل لأن من قسم التوحيد إلى قسمين قد جمع في هذين القسمين ما فضّله الآخرون، ومن قسمه إلى ثلاثة أقسام أو أربعة فصّل فيما أجمله الآخرون.
والجميع متفقون على أن التوحيد يشمل كل ما ذكروه.
وهذه التقسيمات اصطلاحية لا مانع منها بشرط أن لا يحصل من ذلك مفسدة، كما لو أخرج من معاني التوحيد بعض ما يدخل فيه، أو يُدخل فيها ما ليس منه.
وقد يأتي زمان نحتاج فيه إلى تفصيل أكثر فيفصل العلماء ويقسموا ليسهلوا الفهم.
وهذا بيان مختصر لمعنى أنواع التوحيد الثلاثة:
الإيمان بالربوبية: هو إفراد الله بأفعاله من خَلْق وإحياء وإماتة وغيرها.
والإيمان بالألوهية: هو إفراد الله بأفعال العباد من قول أو فعل ظاهر أو باطن. فلا يُعبد إلا الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالأسماء والصفات: هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من غير تعطيل أو تمثيل.
رابعا:
تقسيم العلماء للتوحيد على هذا التقسيم ليس محدثاً بل هو معروف في القرن الثالث والرابع كما ذكر ذلك الشيخ العلامة بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في كتابه " الرد على المخالف "، فنقل هذا التقسيم عن ابن جرير الطبري وغيره من العلماء.
تنبيه: ما ذكره السائل من أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقسم التوحيد إلى قسمين: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، ليس بصحيح بل يقسمه إلى قسمين وهما توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب، والأول منهما يتضمن توحيد الربوبية والأسماء والصفات
انظر مجموع الفتاوى (15/164) والفتاوى الكبرى (5/250)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/651)
الجمع بين حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وبين خلود المشركين في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "، وبين خلود المشركين والمنافقين في النار مع أنهم يقولون " لا إله إلا الله "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -:
الحديث يدل على أن القائل: " لا إله إلا الله " مؤمنٌ حقاً؛ لكن سولت له نفسه ففعل بعض المعاصي أو بعض الكبائر من السرقة وغيرها.
وطريق أهل السنة والجماعة أن الإنسان المؤمن وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنة من العقوبة راجع إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فصار جميع فاعلي المعاصي - وإن عظمت – إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة فمآل فاعلها إلى الجنة، لكن قد يُعذب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله، أما المنافقون وأهل البدع المكفرة التي تكفرهم بدعهم فإنهم حقيقةً لم يقولوا لا إله إلا الله بقلوبهم؛ لأن هذا النفاق الذي أدى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقول لا إله إلا الله لا بد فيه من الإخلاص.
أما أن يقول: لا إله إلا الله وهو يعتقد أنه ليس هناك رب ولا إله، أو يعتقد أن مع الله إلهاً آخر يدبر الكون، أو يعتقد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا كلهم بعد موته عليه الصلاة والسلام أو ما أشبه ذلك من البدع المكفرة، فهؤلاء لم يُخلصوا في قول: لا إله إلا لله، فكانت بدعهم هذه تنافي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " من شهد ألا إله إلا الله أو من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ".
فلا بد من الإخلاص في الشهادتين، واستمع إلى قول الله تبارك وتعالى في المنافقين: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} ، وفي نفس الآيات يقول: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} ، ويقول عنهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} ، هذه شهادة باللسان: {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} ، أي كاذبون في قولهم: " نشهد إنك لرسول الله " فهم يذكرون الله ويشهدون بالرسالة لرسوله لكن قلوبهم خالية مما تنطق به ألسنتهم. انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع لقاء الباب المفتوح رقم 45(1/652)
ما الدليل على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهل هناك دليل على ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فهذا التقسيم مأخوذ من الاستقراء والتأمل. لأن العلماء لما استقرءوا ما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ظهر لهم هذا، وزاد بعضهم نوعا رابعا هو توحيد المتابعة، وهذا كله بالاستقراء.
فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الألوهية، ووجد آيات تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور، وهذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام، كما يجد آيات أخرى تدل على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه لا شبيه له ولا كفو له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة، ومن سلك سبيلهم.
ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ورفض ما خالف شرعه، وهذا هو توحيد المتابعة، فهذا التقسيم قد علم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة، ومن ذلك قول الله سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: 4)
وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)
وقوله جل وتعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 163)
وقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (57) (الذاريات:56، 57)
وقوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54) .
وقال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)
وقال عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) (الإخلاص) .
وقال جل شأنه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران:31) .
وقال سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النور:54) والآيات الدالة على ما ذكر من التقسيم كثيرة.
ومن الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه المتفق على صحته (خ/ 2856، م/ 30) : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا "
وقوله عليه الصلاة والسلام:" من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " رواه البخاري (4497) ومسلم (92) .
وقوله لجبريل عليه السلام لما سأله عن الإسلام قال: " (أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة.. الحديث " متفق عليه (خ/ 50، م/ 9) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله " متفق على صحته (خ/ 2957، م/ 1835) .
وقوله عليه الصلاة والسلام: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " رواه البخاري في صحيحه (7280) والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع ".
وقال:" فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله ".
نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا من حكام ومحكومين للفقه في دينه والثبات عليه والنصح لله ولعباده، والحذر مما يخالف ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (6/ 215) .(1/653)
حكم قول (يا رحمة الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول بعض الناس: (يا رحمة الله) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز، هذا من دعاء الصفة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله 1/117.(1/654)
معنى شهادة التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: نفي استحقاق العبادة عن كل ما سوى الله تعالى، وإثباتها لله عز وجل وحده لا شريك له، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج/62.
فـ (لا إله) تنفي جميع ما يعبد من دون الله و (إلا الله) تثبت جميع أنواع العبادة لله وحده. فمعناها: لا معبود حقٌّ إلا الله.
فكما أن الله تعالى ليس له شريك في ملكه؛ فكذلك لا شريك له في عبادته سبحانه.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمدا عبده ورسوله إلى الخلق كافة إنسهم وجنِّهم، فيجب تصديقه فيما أخبر به من أنباء ما قد سبق، وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال، وحرم من حرام، والامتثال والانقياد لما أمر به، والانتهاء والكف عما نهى عنه، واتباع شريعته، والتزام سنته في السر والجهر، مع الرضا بما قضاه والتسليم له، والعلم بأن طاعته هي طاعة الله ومعصيته هي معصية الله، لأنه مبلغ عن الله رسالته، ولم يتوفه الله حتى أكمل به الدين، وبلغ البلاغ المبين، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته.
ولا يدخل العبد في الدين إلا بهاتين الشهادتين، وهما متلازمتان، ولذا فشروط شهادة (لا إله إلا الله) هي نفس شروط شهادة أن محمدا رسول الله، وهي مذكورة بأدلتها في السؤال رقم (9104) و (12295) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/655)
قوانين القبائل والدعوة إلى إحيائها
[السُّؤَالُ]
ـ[نشر بعضهم مقالاً يدعون فيه إلى إحياء قوانين القبائل وأن هذا من التراث الذي لا يصح أن يضيع وأن تجمع وتدرس وتعمل فيها أبحاثاً جامعية وتقارن ببعضها وبغيرها، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على جميع المسلمين أن يتحاكموا إلى كلام الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في كل شيء لا إلى العادات والأعراف القبلية، ولا إلى القوانين الوضعية، قال الله سبحانه وتعالى: (وما اختلفتم فيه من شي فحكمه إلى الله) الشورى/10، وقال سبحانه: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) النساء/60، وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/50، وقال عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء/59، فيجب على كل مسلم أن يخضع لحكم الله ورسوله، وألا يقدم حكم غير الله ورسوله - كائناً من كان - على حكم الله ورسوله، فكما أن العبادة لله وحده فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه وتعالى: (إن الحكم إلا لله) يوسف/40، فالتحاكم إلى غير كتاب الله سبحانه وتعالى، وإلى غير سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات وأقبح السيئات، بل قد يكفر المتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا اعتقد حل ذلك، أو اعتقد أن حكم غيرهما أحسن، قال سبحانه وتعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء/65.
فلا إيمان لمن لم يحكّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وبهذا يعلم أنه لا يجوز إحياء قوانين القبائل وأعرافهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلاً من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها وإماتتها والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع الله سبحانه وتعالى، ففيه صلاح الجميع وسلامة دينهم ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل الله بها من سلطان، بل يجب أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، وذلك لا يمنع الصلح بين المتنازعين بما يزيل الشحناء ويجمع الكلمة ويرضي الطرفين بدون إلزام، على وجه لا يخالف الشرع المطهر، لقوله سبحانه وتعالى: (والصلح خير) النساء/128، وقوله عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) النساء/114، وقوله جل وعلا: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) الأنفال/1، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً) .
فالواجب الالتزام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إليهما، والحذر مما يخالفهما، والتوبة النصوح مما سلف مما يخالف شرع الله تعالى.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 272.(1/656)
الأدلة على أن القرآن كلام الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب لك راجية أن تتمكن من مساعدتي في الخروج من هذه الورطة. أنا فتاة متمسكة وأبلغ من العمر 20 عاما. لقد انتقلت منذ 5 سنوات للعيش في كندا. والداي لم يمارسا الشعائر الإسلامية البتة، لكن جدتي سعت في تعليمي أمور الإسلام. أنا مؤمنة بالله منذ نعومة أظفاري. لكني لم أكن أعرف كيفية تأدية الصلاة حتى وقت قريب، وقد قررت أن أتعلم بنفسي حيث أنه لا يوجد حولي من يعلمني تلك الأمور. وقد تعرفت، بفضل الله، على كيفية الصلاة، كما أني بدأت أضع الحجاب. أما عن مشكلتي فهي أني بدأت أقابل شابا وقعت في حبه. إلا أنه، للأسف، غير مسلم، ولا يؤمن بأي ديانة أخرى. إنه يؤمن بالرب، وقد حاولت إقناعه بالدخول في الإسلام وأن يكون فردا من أتباع الدين الصحيح الوحيد، وإلا فلن يكون باستطاعتي الزواج منه (ونحن نعيش سويا منذ 3 سنوات) . أما الأمر الذي لم أفلح في إقناعه به فهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله. إنه يطرح علي أسئلة من قبيل: "كيف لك التأكد أن هذا هو كلام الرب؟ ماذا لو أن محمدا أتى به من عند نفسه وجعله يظهر وكأنه كلام الرب؟ " أرجو أن توضح لي كيف أقنعه بأن القرآن هو كلام الله وحده، وأن محمدا هو رسوله. أرجو المساعدة، فهو يقول دوما أنه لو حصل وتزوجنا، فإنه لن يجد بأسا في استمراري في ممارسة ديني. إنه فخور لأني بدأت أضع الحجاب في مجتمع لا يشيع فيه هذا العمل. (فربما أكون واحدة من القلائل الآتي يضعن الحجاب هنا، وإيماني بالله هو الذي أعطاني القوة على ذلك) . أعلم أنه لن يجد غضاضة من تمسكي بديني، لكني أريده أن يسلم، فهو شخص جيد ولا يفعل ما يشين. أنا أتألم حقا عندما استحضر فكرة أننا لن نكون مع بعض. وأسأل: هل الزواج منه يعد معصية عظيمة؟ فهناك الكثيرات ممن يتزوجن بغير مسلمين، خصوصا عندما لا يوجد أي مسلم في المكان الذي أعيش فيه. فهل سأعاقب بشدة إن أنا تزوجت به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فنحمد الله عز وجل أن حبب إليك الخير، ونسأله أن يزيدك هدى وإيماناً، وأن يهدي والديك للعمل بالإسلام،والالتزام بأحكامه.. آمين.
وبعد: فأما بالنسبة للقرآن وما الذي يثبت أنه كتاب الله،فهذه الشبهة قد طرحها الكفار الأوائل الذين أرسل إليهم النبي صلى اله عليه وسلم عنادا واستكبارا، فرد الله عليهم قولهم بأدلة كثيرة تبطل قولهم وتبين فساده منها: -
1- أن هذا القرآن تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بمثل أصغر سورة من القرآن فلم يستطيعوا، مع أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق، وأفصحهم، والقرآن نزل بلغتهم، ومع هذا أعلنوا عجزهم التام الكامل، وبقي التحدي على مدار التاريخ، فلم يستطع أحد من الخلق أن يأتي بشيء من ذلك، ولو كان هذا كلام بشر لاستطاع بعض الخلق أن يأتي بمثله أو قريبا منه.والأدلة على هذا التحدي من القرآن كثيرة منها قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء:88
وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور فقط: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13
قال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة:23
2- أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو، والنقص، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص كما قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض، بل كله حكمة ورحمة وعدل، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض، وفهمه الخاطئ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب، وكشفوا عنه الإشكال، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 41،42
3- أن الله تكفل بحفظ هذا القرآن العظيم كما قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 فكل حرف منه ينقله الآلاف عن الآلاف على مدار التاريخ لم يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يحرف فيه أو يزيد أو بنقص فإنه يفتضح مباشرة لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن بخلاف غيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله لقوم النبي فقط وليس لجميع الخلق، فلم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أتباع الأنبياء فلم يحفظوها بل دخلها التحريف والتغيير المفسد لكثير من معانيه، أما القرآن فقد أنزله الله لجميع الخلق على امتداد الزمن لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة، فصار القرآن محفوظا في الصدور، ومحفوظا في االسطور، وحوادث التاريخ تثبت ذلك. فكم من شخص اجتهد في تحريف آيات القرآن وترويجها عند المسلمين فسرعان ما يفتضح أمره، وينكشف زيفه، حتى عند أطفال المسلمين.
وما يدل دلالة قطعية على أن هذا القرآن ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو وحي من الله أوحاه له:
4- الإعجاز العظيم الذي اشتمل عليه القرآن في التشريعات، والأحكام، والقصص، والعقائد، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم، فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن توجيهات القرآن، وبقدر هذا البعد بقدر ما يكون الفشل، وهذا قد أثبته الكفار أنفسهم.
5- الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية مما لا يمكن أن يستقل بشر مهما بلغ من العلم أن يخبر به خاصة في ذلك الزمن الذي يعتبر بدائيا من جهة التقنية والآلات الحديثة، فهناك أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها إلا بعد تجارب طويلة مريرة بأحدث الأجهزة، والآلات، قد أخبرنا الله عنها في القرآن، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا، كأحوال الجنين، ومراحل نموه، وأحوال البحار، وغير ذلك. مما جعل بعض الكافرين يقرون بأن هذا لايمكن أن يكون إلا من عند الله فمثلا أطوار الجنين:
فمنذ 60 عاما فقط تأكد الباحثون من أن الإنسان لا يوجد دفعة واحدة إنما يمر بأطوار ومراحل طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة وشكلا بعد شكل. منذ 60 عاما فقط وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية.
يقول الشيخ الزنداني التقينا مرة مع أحد الأساتذة الأمريكان بروفيسور أمريكى من أكبر علماء أمريكا اسمه (بروفيسور مارشال جونسون) فقلنا له: ذكر في القرآن أن الإنسان خلق أطوارا فلما سمع هذا كان قاعدا فوقف وقال: أطوارا؟! قلنا له: وكان ذلك في القرن السابع الميلادى! جاء هذا الكتاب ليقول: الإنسان خلق أطوارا!! فقال: هذا غير ممكن.. غير ممكن.. قلنا له: لماذا تحكم عليه بهذا؟ هذا الكتاب يقول: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) (الزمر) ويقول: (مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (نوح) فقعد على الكرسي وهو يقول: بعد أن تأمل: أنا عندي الجواب: ليس هناك إلا ثلاث احتمالات: الأول: أن يكون عند محمد ميكروسكوبات ضخمة.. تمكن بها من دراسة هذه الأشياء وعلم بها ما لم يعلمه الناس فذكر هذا الكلام! الثاني: أن تكون وقعت صدفة.. وهذه جاءت صدفة الثالث: أنه رسول من عند الله قلنا: نأخذ الأول: أما القول بأنه كان عنده ميكروسكوب وآلات أنت تعرف أن الميكروسكوب يحتاج إلى عدسات وهي تحتاج للزجاج وخبرة فنية وتحتاج إلى آلات وهذه معلومات بعضها لا تأتي إلا بالميكروسكوبات الإلكترونية وتحتاج كهرباء والكهرباء تحتاج إلى علم وهذه العلوم لا تأتي إلا من جيل سابق ولا يستطيع جيل أن يحدث هذا دفعة فلا بد أن للجيل الذي قبله كان له اشتغال بالعلوم ثم بعد ذلك انتقل إلى الجيل الذي بعده ثم هكذا ... أما أن يكون واحد فقط.. لا أحد من قبله ولا من بعده ولا في بلده ولا في البلاد المجاورة والرومان كذلك كانوا جهلة ما عندهم هذه الأجهزة والفرس والعرب كذلك! واحد فقط لا غير هو الذي عنده كل هذه الأجهزة وعنده كل هذه الصناعات وبعد ذلك ما أعطاها لأحد من بعده.. هذا كلام ما هو معقول! قال: هذا صحيح صعب نقول: صدفة..ما رأيك لو قلنا لم يذكر القرآن هذه الحقيقة في آية بل ذكرها في آيات ولم يذكرها في آية وآيات إجمالا بل أخذ يفصل كل طور: قال: الطور الأول يحدث فيه وفيه والطور الثاني كذا وكذا والطور الثالث.. أيكون هذا صدفة؟! فلما عرضنا التفاصيل والأطوار وما في كل طور قال: الصدفة كلام غلط!! هذا علم مقصود قلنا: ما في تفسير عندك: قال: لا تفسير إلا وحي من فوق!!
وأما الأخبار الكثيرة في القرآن عن البحار فبعضها لم يكتشف إلا في العصور المتأخرة، وكثير منها لا يزال مجهولا. فمثلاً هذه حقيقة تم الوصول إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية.. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة.. والذي قال هذا الكلام هو (البروفيسور شرايدر) .. وهو من أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية.. كان يقول: إذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين.. لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن بهت وقال: إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر.. ويأتي (البروفيسور دورجاروا) أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل إليه العلم في قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) سورة النور: 40.. فيقول لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا.. ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر.. الآية الكريمة تقول: (بَحْرٍ لُّجِّيٍّ) كما.. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ... منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة.. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر.. واختفاء كل لون يعطي ظلمة.. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر.. وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر.. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة.. أما قوله تعالى: (مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي.. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها.. فكأنها موج من فوقه موج.. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية: إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا انظر الأدلة المادية على وجود الله " محمد متولي الشعراوي)
الأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
6-أن في القرآن بعض الآيات التي فيها معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض الأمور التي نبه الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، وبعضها قد يكون فيها إحراج للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله، لما احتاج إلى هذا، ولو كان كتم شيئا من القرآن لكتم بعض هذه الآيات المشتملة على العتاب له وتنبيهه على بعض ما كان الأولى به أن لا يفعله كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه) (الأحزاب: من الآية37) . أيبقى بعد هذا شك عند ذي عقل أن هذا القرآن هو كلام الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه أكمل بلاغ وأتمه؟ !
ثم نقول لهذا الشخص جرب بنفسك قراءة ترجمة من تراجم القرآن الصحيحة وأعمل عقلك في تدبر هذه الأحكام والتشريعات، فلاشك أن أي عاقل عنده قدرة على التمييز سيلحظ فرقا كبيرا بين هذا الكلام، وكلام أي مخلوق على وجه الأرض.
وأما علاقتِك بالشاب فإن هذا الدين الشريف قد منع المرأة من مخالطة الرجال للنساء لحكم عظيمة جليلة فيجب عليك أن تبتعدي عن اللقاء به، وأن تقطعي صلتك بهذا الشاب حتى يُسلِم، ثم يتزوجك بعد ذلك زواجا شرعيا. وتجدين في السؤال رقم (1200) بيان حكم اختلاط المسلمة بالرجال الأجانب فراجعيه.
وأما حبك، وتعلقك به، فهذا ابتلاء من الله لك، هل تقدمين محبة الله على محبة مخلوق من مخلوقاته، أو تقدمين محبة هذا الشخص على محبة ربك العظيم الذي نهاك عن هذا الأمر، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأول هذا الخير الذي ستجدينه بإذن الله أن يعوضك الله راحة وأنسا بمحبته سبحانه، فتجتهدي في التقرب إلى الله بما يحبه فتزداد محبتك لربك، وتعلقك به، ويضعف تعلقك بجميع المخلوقين. وفي السؤال رقم (10254) بعض الحلول المناسبة لهذه المشكلة.
وأما عن حكم زواج المسلمة بالكافر فهذا محرم بإجماع أهل العلم، بل هو من الفواحش العظيمة التي نهى الله عنها في القرآن وتجدين في إجابة السؤال (8396) و (1825) إجابة وافية عن هذا السؤال.
فننصحك بالصبر والتحمل، والبعد التام عن كل ما قد يسبب لك الوقوع فيما يغضب ربك، واعلمي أن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لعباده المؤمنين، فمن صبر، ومنع نفسه مما تشتهي رغبة في رضى الله عوضه الله في الجنة بمنه وكرمه من أنواع النعيم، ما لا يمكن أن يقارن بما ضحى به العبد من المتع الزائلة الفانية، زيادة عما قد يجده في قلبه من السعادة والراحة بطاعة ربه.
ولعله إذا رأى تمسكك بدينك وأنك امتنعت عن لقائه والجلوس معه رغم محبتك له يعلم عظمة هذا الدين الذي يجعل أتباعه على أتم الاستعداد بالتضحية بكل ما يحبون لإرضاء ربهم سبحانه، ويعلم أنهم يرجون عند ربهم خيرا عظيما يكرمهم به لأجل صبرهم على طاعته، وامتناعهم عن حرماته فيكون ذلك سببا في إسلامه.
نسأل الله أن يهديه للإسلام، وأن ييسر لك الخير، ويصرف عنك الشر.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/657)
لا إكراه في قبول الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الزملاء: من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام ويستدل بقوله تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس / 99، وقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة / 256، فما رأي سماحتكم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس، لا يكرهون، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية.
وقال آخرون من أهل العلم: إنها كانت في أول الأمر ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية؛ لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب، فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون. فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية، والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون؛ لأن الرسول قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) – التوبة / 5 -، ولم يقل: أو أدوا الجزية، فاليهود والنصارى والمجوس يُطالبون بالإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم، إن استطاعوا ذلك، يقول عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) - التوبة / 29 -.
ولم يثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من المجوس، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة، والأصل في هذا قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) - الأنفال / 39 -، وقوله سبحانه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) - التوبة / 5 - وهذه الآية تسمى آية السيف.
وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 219(1/658)
الحكم على مقولة: (الله بالعين ما شفناه وبالعقل عرفناه)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: (الله ما شفناه بالعقل عرفناه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الكلمة تحتوي على مسألتين: الأولى حق، لا ريب فيها، والثانية: فيها جزء من الحقيقة، وليست الحقيقة كاملة.
وبيان ذلك:
1. أما المسألة الأولى: فهي قولهم "الله ما شفناه" – أي: ما رأيناه -: فهذا حق؛: لأنه من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لا يراه أحد في الدنيا؛ وإنما تكون رؤيته في الآخرة، بعد الموت، ففي صحيح مسلم (7540) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولهذا اتفق سلف الأمة، وأئمتها، على أن الله يُرى في الآخرة، وأنه لا يَراه أحدٌ في الدنيا بعينه.
"مجموع الفتاوى" (2/230) .
2. وأما المسألة الثانية: وهي قولهم " بالعقل عرفناه ": فهي تمثِّل جزء من الحقيقة؛ لأن دلائل معرفة الله متنوعة، منها الفطرية، والعقلية، والشرعية، والحسية.
فوجود الله تعالى معروف بالعقل.
ومن الأدلة العقلية التي يستند عليها العلماء في إثبات وجود الله تعالى: أن كل سبب لا بد له من مسبِّب , وكل محدَث - بالفتح - لا بد له من محدِث - بالكسر -، وهذا دليل عقلي.
وقد أمر الله تعالى بالتفكر في خلق السماء، والأرض , وهذا التفكر إنما يتم بالعقل، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8.
ومن ذلك قول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وآثار السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج: ألا تدل على اللطيف الخبير؟! .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
أما إثبات الصانع: فطرُقه لا تحصى بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري، ضروري، مغروز في الجِبِلَّة، ولهذا كانت دعوة عامَّة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامَّة الأمَّة مقرين بالصانع، مع إشراكهم به بعبادة ما دونه، والذين أظهروا إنكار الصانع - كفرعون - خاطبتهم الرسل خطاب مَن يعرف أنه حق، كقول موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) الإسراء/102، ولما قال فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) الشعراء/23، قال له موسى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) الشعراء/24 – 28.
"منهاج السنة" (2/270) .
وكون الله تعالى موصوفاً بكل كمال، ومنزهاً عن كل نقص معروف أيضاً بالعقل.
ولكن هذه المعرفة معرفة إجمالية , وأما المعرفة التفصيلية: فلا تتم إلا بالشرع، فبه تُعرف أسماؤه تعالى الحسنى، وصفاته العلى.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله:
ما مدى جواز قول القائل: " عرفْنا ربَّنا بالعقل تفصيلاً "؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب:
" الحمد لله، وبعد:
لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يَعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكِّر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) يوسف/ 105.
وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر، والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8.
والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك: فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، على وجه التفصيل إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بتعريف العباد بربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء، والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه، على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء، والصفات تفصيلاً هو: ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علماً مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه/110، وقال صلى الله
عليه وسلم: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) أخرجه مسلم (486) .
وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع - وهو النقل - وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب، والسنَّة، وأن مِن أسمائه وصفاته ما يُعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة: يحسُن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع - وهو الوحي - وجعل العقل تابعاً مهتدياً بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارَض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلاَّل، من الفلاسفة، والمتكلمين.
ووَفَّق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنَّة، كما فعل الغالطون، والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم.
من موقع الشيخ حفظه الله
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=1164&Itemid=25
أكرمنا الله، وإياك برؤية الله سبحانه في دار القرار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/659)
كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله يبعث من في القبور، وأنه كما خلقهم من عدم قادر على أن يبعثهم كيف شاء ومتى شاء، على اختلاف صورهم، وتعدد مصارعهم، مما لا يتم الإيمان بالله إلا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَسَائِرُ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8 / 7) .
وقال أيضا:
"اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ خَارِجًا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11 / 354) .
وقال الله عز وجل:
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس/78، 79.
قال السعدي:
"هذا وجه الشبهة والمثل، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه، ونسيان لابتداء خلقه، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فَوُجِدَ عيانا، لم يضرب هذا المثل.
فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف، فقال: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) وهذا بمجرد تصوره، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه، أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 699- 700) .
وروى البخاري (3481) ومسلم (2756) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) .
ولفظ البخاري: (إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ) .
قال شيخ الإسلام:
" فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ وَالْجَهْلُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعَادَةِ ابْنِ آدَمَ؛ بَعْدَ مَا أُحْرِقَ وَذُرِيَ وَعَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَيِّتَ وَيَحْشُرُهُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَهَذَانِ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ:
أَحَدُهُمَا: مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. والثَّانِي: مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ هَذَا الْمَيِّتَ وَيَجْزِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (12 / 491) .
فمتى علم العبد أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وأنه سبحانه أوجد الخلائق من عدم لم يمتنع لديه الإيمان بالبعث والنشور على أي صورة كان، دون أن يرهق عقله وفكره بالبحث والتحري الذي لا يجدي شيئا، ويكفيه دلالة الشاهد الذي لا يغيب عن ناظره، وهو نفسه، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20، 2.
وقال الله عز وجل لعبده زكريا عليه السلام: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/7-9.
فليس خلق هذا الغلام من أم عاقر، وأب كبير في السن بأعجب من خلق الأب وإيجاده من العدم.
انظر: تفسير الطبري (18/151) .
وقال تعالى عن مريم: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/47.
وقال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/59.
ثم هذه السماوات والأرض أمام عينيه، وما يشاهده بينهما من أفلاك ونجوم، لا يحصي عددها إلا الله، ولا يقادر قدرها أحد من خلقه، هي أكبر من خلق الناس، فالذي خلق السماوات والأرض مع عظمهما واتساعها قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان مرة أخرى.
قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) غافر/57.
وقال تعالى: (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81، 82.
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الروم/27.
يعني: أيسر عليه. وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البَدَاءة، والبداءة عليه هَيْنٌ. وكذا قال عكرمة وغيره.
"تفسير ابن كثير" (6/311) .
وروى البخاري (4974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي. وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ) .
هذا.. وإن كان قصد السائل بسؤاله: كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم، يعني في النار يوم القيامة.
فيقال: إن أرواحهم باقية في أجسادهم، وإن حرقت بالنار، فيوم القيامة إذا عادت الروح إلى البدن لا تخرج منه أبدا، فتبقى روح الكافر في جسده معذبة، وتبقى روح المؤمن في جسده منعمة.
فإن أهل النار كلما احترقت جلودهم بالنار أبدلهم الله غيرها، حتى يستمر عذابهم ولا ينقضي، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/56.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/660)
الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نقول في مثل هذه الأمور: إننا قد ندرك حكمتها، وقد لا ندرك، فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء/85.
فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه، وجعل الخيل على هذا الوجه، وجعل الحمير على هذا الوجه، وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سألنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، وصلاة العشاء أربعاً؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعلم الحكمة في ذلك.
وبهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية، وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة، إنْ مَنَّ اللهُ علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها، فإن ذلك لا ينقصنا شيئاً.
ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وَكَّل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟
فالحكمة من ذلك: بيان أن الله سبحانه وتعالى نَظَّم الأشياء وقَدَّرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين، موكلين بهم، يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان، وكمال حفظه تبارك وتعالى، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام، والله عليم حكيم.
والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/121) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/661)
هل الاستنساخ نفخ للروح، وخلق كخلق الله؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب تونسي، ملتزم، والحمد لله، أحافظ على صلواتي، لي أخي يكبرني بعامين لا يصلي، وبعيد عن الله، كما لديه فكر غربي، لا يأبه بتعاليم الإسلام، يظن نفسه متفتحاً، يعني لا مانع أن يذهب مع البنات، لا يجد حرجاً في قلة أدب سلوكه، وكنت كثير التخاصم معه خاصة في الأمور الدينية، حيث إنه جاهل بالدين بطريقة غريبة، يريد أن يردد دائما الشبهات حول الإسلام، في الآونة الأخيرة حلت الكارثة: دخل علينا بفلسفة كافرة، فاسقة، قال: " إن الله هو الخالق وحده، يخلق الكائنات الحية لأنه يبعث فيها الروح، والآن استطاع العلماء الخلق! وذلك بالاستنساخ، وبما أن الله هو الذي انفرد ببعث الروح: فقد تمكن العلماء من مضاهاته يوم بعثوا الروح عندما خلقوا بالاستنساخ ". خلاصة القول: هل فعلاً تمكن العلماء من الخلق بالاستنساخ وبعثوا الروح؟ ما الاستنساخ؟ هل هو حقيقة صنع منها البشر كائنات حية؟ نحن نعلم أن الله فقط يبعث الروح، بالله عليكم ردوا عليَّ حتى أستطيع أن أُفهمه ما هو الإستنساخ، حيث إنه يظن أنه خلق للكائنات، وبعث الروح فيها، كما خلق الله الكائنات، كما إنه يلمح من كلامه عدم وجود الله - والعياذ بالله - ولقد كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لديه صديق يحمل نفس فكره الكافر، أريد نصحه، أجيبونا، يرحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كنا قد فصلنا القول في " الاستنساخ " وبينا حكمه في جواب السؤال رقم: (21582) ، فلينظر، فلا داعي لتكرار الكلام من غير حاجة.
وننبه هنا: إلى أنه يجب عليك الاطمئنان بأن اعتقاد المسلم أنه لا خالق إلا الله تعالى: هو اعتقاد صحيح، ليس ثمة ما يناقضه، وليس له صور استثنائية؛ فالروح من أمر الله، ولا يجعلها أحدٌ في شيء إلا أن يأذن الله تعالى، كما فعل عيسى عليه السلام فيما صنعه من الطين كهيئة الطير، وكما فعله جبريل عليه السلام حين نفخ في درع مريم عليها السلام.
أ. قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة/ 110.
فالبشر يستطيعون نحت تمثال يشبه في صورته – وليس حقيقته – البشر، ويستطيعون صناعة صورة طير من الطين، أو الجص – وهو فعل محرَّم - ولكن هل يستطيع أحدٌ أن يحيي هذا الذي صنعه، أو نحته؟! الجواب: يعرفه كل مخلوق على وجه الأرض، وحتى من كان ملحداً منهم، وهذا هو زعيم الملحدين " لينين " قد حنَّطه قومه، ولم يدفنوه – توفي سنة 1924 م - فهل يستطيع ملحدو العالَم كله أن يحيوه بعد أن أماته ربُّه؟! إنهم أعجز من ذلك، فلا يستطيع الواحد منهم منع ذبابة أن تحط على أنفه، ولا بعوضة أن تمص دماً من صلعته! فأنَّى لهم دفع الأمراض عن أنفسهم، فضلاً عن الهروب من الموت، فضلاً عما هو أعظم من ذلك أن يحيوا الأموات؟! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان أوجه عبودية المسيح وأنه مخلوق لا خالق -:
الوجه الثاني: أنه خَلق من الطين كهيئة الطير، والمراد به: تصويره بصورة الطير، وهذا الخلق يقدِر عليه عامة الناس، فإنه يمكن أحدهم أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير، وغير الطير من الحيوانات، ولكن هذا التصوير محرَّم، بخلاف تصوير المسيح؛ فإن الله أذن له فيه، والمعجزة أنه يَنفخ فيه الروح فيصير طيراً بإذن الله عز وجل، ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين؛ فإن هذا مشترك، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصوِّرين، وقال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) .
الوجه الثالث: أن الله أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى، وأخبر المسيح عليه السلام أنه فعله بإذن الله، وأخبر الله أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه السلام كما قال تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) .
" الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (4 / 46، 47) .
وانظر جواب السؤال رقم: (20011) .
ثانيا:
قد بيَّن الله تعالى بياناً شافياً، وتحدَّى تحديّاً بليغاً كلَّ الخلق، والآلهةَ المزعومة: في الخلق من العدم، والإحياء، والإماتة، والبعث، فقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/ 40.
ال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -:
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) : يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ اتَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين.
" أضواء البيان " (6 / 271) .
ثالثا:
الخبراء في " الاستنساخ " من أهل الفن يعلمون أنه ليس هو إخراج حي من ميت، فضلاً أن يكون إحياء من عدم، بل إن الاستنساخ من ميت أمر مبتوت فيه عندهم أنه لن يكون! ، والمصطلح المستعمل فيه يدل على هذا، فكلمة نسخ، أو استنساخ هي: clone)) ، (cloning) ، وهي تعني: إنشاء صورة طبق الأصل من المادة المراد نسخها! .
فليسمع أخوك، وليقرأ هذه النقولات:
1. ذكر الدكتور " سينوت حليم دوس " - أستاذ ورئيس قسم الهرمونات بالمركز القومي للبحوث - في كتابه " استنساخ الإنسان حيّاً وميتاً " - نشر المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى - في الفصل التاسع الذي سماه: " هل يستنسخ الإنسانُ ميتاً؟ " محاولات للاستنساخ من جثة فرعون! وغير ذلك، ثم وصل إلى نتيجة مهمة سطرها بالكلمات الآتية، قال:
" وفي الوقت الراهن أقرر: أن استنساخ الميت: حلم لن يتحقق مطلقاً "، ثم قال:
" وإلى الله ترجع الأمور ".
(ص 59، 60) من كتابه.
2. كما قال في الكتاب نفسه في الفصل الثامن وهو " هل يمكن استنساخ الإنسان حيّاً؟ ":
إن الاستنساخ في حقيقته عملية تمجد الخالق، وتجري في الكثير من المعامل الطبية للكشف عن الفيروس الكبدي ... وهو حقّاً عملية إبداع الخالق، تمجد الخالق فيما خلق، ونستعير عبارة قالها الكيميائي العربي جابر بن حيان " لكي تصنع الذهب: عليك أن تبدأ بالذهب " لنقول: " لكي تعيد تشكيل خلية حية: عليك أن تبدأ بخلية حية متمثلة فيها الحياة التي يتمتع بها الحمض النووي.
(ص 53) .
3. وقال رياض أحمد عودة الله في كتابه: " الاستنساخ في ميزان الإسلام " - دار أسامة للنشر – الطبعة الأولى - صفحة 148 و 149:
فالقول إن الاستنساخ خَلْق: أمرٌ منقوض من الوجهة النقلية الشرعية بنص القرآن الكريم والسنَّة النبوية، ومنقوض كذلك من الوجهة العلمية البحتة.
ثم قال:
والاستنساخ - كما هو مشاهد وملموس - ليس إيجاداً من عدم، بل إن المكونات الأساسية مخلوقة، وموجودة.
انتهى
4. وقال كامل محمد صالح العجلوني في كتابه: " الاستنساخ بين العلم والأديان والمعتقدات " - مطبعة الأجيال في صفحة (64) من كتابه هذا -:
" والواقع الذي ينبغي معرفته أولاً هو: أن الاستنساخ ليس خلْقاً، أو إيجاداً من العدم؛ لأن الخلق على هذا النحو إنما ينفرد به الله عز وجل، فهو الخالق.
ثم قال:
وقد تحدى الله تعالى جميع الناس بهذا الإبداع، أو الخلق، والتكوين لأصغر الأشياء، وأدقها، فقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون ... ) .
انتهى
5. وقالت هناء نزار انشاصي في كتابها " الاستنساخ بين الحقيقة والخيال " - دار الفكر الطبعة الأولى في صفحة (132) :
" فالاستنساخ ليس تخليقاً، وإنما هو عملية دمج لنواة خلية موجودة وحية، مع نواة مفرغة لتكوين موجودات متشابهة.
انتهى.
والخلاصة:
هذا اعتقاد المسلمين في الخلق، والإحياء، وليس بينهم اختلاف في هذا، وقد قهر الله تعالى الناس بالموت، وتحداهم بأن يخلقوا شيئاً من عدم فعجزوا، واعترف كل عاقل بضعفه، وعجزه، فلم يبق إلا المجادلة بالباطل، ولذا فننصحك بتأمل ما ذكرناه، وفهمه على وجهه الصحيح، مع النظر بحقيقة الاستنساخ، لتعلم بعد أن ذلك أن ما وقع من أخيك ما هو إلا كلام في الهواء، ليس له أساس، ولا قرار، فداوم على نصحه بالتي هي أحسن، وخصَّه بدعوة في آخر الليل، عسى الله أن يتقبل منك، ويهديه لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(1/662)
" المطر الصناعي " حقيقته، وأقوال العلماء فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي فيما يسمى بـ " استمطار السحاب " بواسطة التلقيح الصناعي؟ وهل يصح قياسه على طفل الأنابيب وعمليات التلقيح الصناعي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حقيقة " الاستمطار "، وكيفيته:
جاء في " الموسوعة العربية العالمية ":
" الاستمطار " – Rainmaking -:
الاستِمْطار: عملية إسقاط المطر من السحب بطريقة علمية بحته تُجْرَى على السحب المتكوِّنة في الجو، ويسمَّى أيضاً: " تطعيم السحب "، يستخدم الناس هذه الطريقة لزيادة كمية المياه بمنطقة معيَّنة، أو لتوفير المياه للري، أو لتوليد الطاقة الكهربائية من المحطات الكهرومائية، وتُستخدم أيضاً لمنع سقوط الأمطار الغزيرة في المناطق الزراعية خوفاً من تلف المحاصيل، ويمكن للخبراء في بعض الأحيان تخفيض شدة العواصف بتكوين السحب قبل وصولها إلى تلك المناطق، وقد قام العديد من علماء الولايات المتحدة، الذين يعملون بصفة مستقلة، بتطوير أساليب الاستمطار وطرقها خلال الأربعينيات من القرن العشرين.
ثلاث طرق للاستمطار:
طرق الاستمطار: يحدث المطر عندما يُكوِّن بخار الماء في السحب بلورات ثلجية، أو قطرات ماء ضخمة وثقيلة بالقدر الكَافي للسقوط على الأرض، يمكن في بعض الحالات زيادة احتمال سقوط المطر بإضافة مواد تعرف بعوامل التطعيم إلى السحب، وتعمل عملية التكوين بصورة أفضل في السحب التي يكون احتمال سقوط الأمطار منها كبيراً، وتعتمد المادة المستخدمة في عملية التطعيم على درجة حرارة السحب.
وعند درجات حرارة أعلى من الصفر المئوي: فإن عامل التطعيم الرئيسي المستخدم سائل مكون من " نترات الأمونيوم " و " اليوريا "، وتسبب جسيمات هذا العامل تكون بخار الماء حوله، ويرش عامل تطعيم السحب من الطائرات على أسفل السحابة.
وعندما تتكون بلورات الثلج: تسقط في اتجاه الأرض في صورة كتل جليدية رقيقة، وعندما تدخل منطقة تكون درجة حرارتها فوق درجة الصفر: تنصهر مكونة المطر.
تبلغ درجة حرارة الجليد الجاف - وهو غاز ثاني أكسيد الكربون - حوالي 80° م تحت الصفر، وتقوم كرات الثلج الجاف عند إسقاطها على السحب من الطائرة بخفض درجة حرارة الماء فائق البرودة، وعندما تنخفض درجة الحرارة: يتحول الماء إلى بلورات من الثلج، وتشبه بلورات " يوديد الفضة " بلورات الثلج، وهي التي تؤدي بالماء فائق البرودة إلى تكوين بلورات الثلج حولها، وتستخدم أجهزة تُسمى " الشعلات "، و " المولدات "، لإنتاج وتوزيع بخار يحتوي على بلورات " يوديد الفضة "، ويكوَّن هذا البخار بحرق " يوديد الفضة " مع مواد أخرى، ويتم توزيع البخار عن طريق الطائرة، كما يمكن استخدام " المولدات " أيضاً لتوزيعه على الأرض.
تسبَّبت عملية " تطعيم السحب " في كثير من الخلافات، والمناقشات، فالعلماء لم يكونوا قادرين على إثبات تأثيرها العملي في كل الحالات، ويضاف إلى ذلك اعتقاد بعض الناس بأن زيادة سقوط المطر في مناطق معينة: قد يؤدي إلى نقصه في مناطق أخرى " انتهى.
ثانياً:
كلام بعض خبراء البيئة، والأرصاد الجوية:
1. قال الكاتب البيئي أسعد سراج أبو رزيزة: " في عام 2003 م ذكر تقرير للأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية: (أنه لا توجد حتى الآن أدلة حاسمة، ونتائج موثقة تؤكد فاعلية هذه التقنية) .
وتذكر جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية: (أن هناك مؤشرات لاحتمال زيادة كمية الأمطار بنسبة 10% بعد بذر السحب، واستمطارها) .
ويقول الدكتور " ويليام كوتون " من قسم علوم الأرصاد بجامعة ولاية كولورادو: " إنه لم نر - باستثناء بعض الحالات النادرة - أدلة حاسمة تؤكد أن استمطار السحب يحقق أهدافه ".
وتذكر منظمة الكومنولث للعلوم والصناعة في تقرير لها: " أنه من المستحيل كسر الجفاف باصطياد المطر صناعيّاً، وتؤكد أن نجاح تجاربها كان مرهوناً بنوع السحب المستهدفة، وأن معظم السحب لا يمكن استمطارها " انتهى.
2. وقال أيضاً – الكلام لأسعد سراج -: " الأثر البيئي لهذه التقنية يجب البحث فيه ومعرفة جوانبه، فالمواد المستخدمة في بذر السحب: مواد سامة - بحسب تصنيف المنظمات العالمية -، فمكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة " بيركلي " - كاليفورنيا بالولايات المتحدة - يصنف " يود الفضة " بأنه مادة كيماوية غير عضوية، خطرة، لا تذوب في الماء، وسامة للإنسان، والأسماك.
وتفهرس وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة " يود الفضة " ضمن المواد الخطرة، والسامة.
وفي دراسات طبية عديدة على تأثير " يود الفضة " على صحة الإنسان: ثبت أنها تدخل إلى جسمه عن طريق الجهاز الهضمي، أو التنفسي، أو عن طريق امتصاص الجلد، وتصيبه بأمراض، تبدأ بإثارة الجهاز الهضمي، وتحوِّل لون الجلد إلى الأسود، في حالات التسمم البسيطة، وتصل إلى تضخم القلب، والنوبات الصدرية الحادة، مع الجرعات العالية " انتهى.
"جريدة الوطن السعودية" (الأربعاء 23 جمادى الأولى 1429هـ، الموافق 28 مايو 2008م، العدد (2798) ، السنة الثامنة) .
3. نقل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن الدكتور محمد جمال الدين الفندي - أستاذ الفلك والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة قوله:
" إن الظروف الطبيعة التي تؤدي إلى تكوين المُزن – السحاب -، ونزول المطر: لا يمكن أن يصنعها البشر، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، ولا يزال موضوع " المطر الصناعي " - ليس مطراً صناعيّاً، لأن المطر لا يصنعه الإنسان في المعمل، وإنما هو مطر يستحث الإنسان نزوله - واستمطار السحب العابرة: مجرد تجارب، لم يثبت نجاحها بعدُ، وحتى إذا ما تم نجاحها: فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار السماء صناعيّاً، أي: إن واجب علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط " انتهى.
"توحيد الخالق للشيخ عبد المجيد الزنداني" (ص/223) .
ثالثاً:
فتاوى بعض العلماء فيه:
1. سئل الشيخ عطية صقر رحمه الله:
توصل بعض العلماء إلى إنزال " مطر صناعي "، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى (وينزل الغيث) ؟
فأجاب:
" كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود في السحاب، أو في الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس في ذلك مشاركة لقوله تعالى: (وينزل الغيث) لقمان/34؛ لأن تكوُّن السحاب، وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذي خلقها، فهو الخالق للبخار، ولحرارة الشمس، والمتحكم في برودة الجو، وكذلك في الرياح، وسوقها للسحاب، وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثراً، كما قال سبحانه: (ألم تر أن الله يزجى سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء) النور/43.
إن العمليات التي يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر في نطاق ضيق، في عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذباً، فهي تدور على التبخير، والتكثيف، كما يحدث في " الأنبيق " الذي تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلاً في صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التي خلقها الله، ولا يمكن لأحدٍ أن يخلق الحرارة، أو البرودة، أو الماء بوسائط، أو مواد غير ما أوجده الله في الكون.
ومع ذلك فالمحاولات لا تغني؛ لأن كثيراً من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف، وقلة الماء، وهلاك الزرع، والحيوان، فلو أمكنهم التحكم في المطر، والماء، والريح - كما يتحكم الله ليُغاثوا من القحط -: ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله: لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقي إلى غير الله.
وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط: عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف، والصواعق، والسيول، والزلازل، والبراكين على بلاد المتحضرين، المزهوين بعلومهم، واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيماناً بقوله تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد. وما ذلك على الله بعزيز) فاطر/15-17 " انتهى.
" فتاوى الأزهر " (7 / 405) - ترقيم " الشاملة " -.
2. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" ما يسمَّى بـ: " المطر الصناعي ": لم يثبت - حسب علمنا - أنه على ما يُذكر عنه، بل الأمر مبالغ فيه، وأمره - والحمد لله - لا يشكل؛ وذلك أن الله أطلعهم على أن المطر يُحدث بقدرة الله بتفاعل أشياء، فهم يعمدون إلى عملها، وقد يحدث حصول بعض الأمر، وقد لا يحدث، وإن حدث: فهو في حيِّزٍ ضيق، وليس كالمطر الذي ينزله الله تعالى من السحاب، ولذا نعلم - كما يعلم غيرنا - أن الدول التي تعمد إلى تجربة ما يسمى بـ: " المطر الصناعي " لا تستفيد منه، وإذا لم ينزل الله تعالى عليها المطر من السماء عاشت في قحط وفقر " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (1/241) .
والخلاصة:
1. بداية اكتشاف ما يسمى " المطر الصناعي " بدأ عام 1946 م، ولو أنهم أفلحوا ونجحوا في ادعاءاتهم لصارت الأرض قطعة خضراء، ولما اشتكت دولة من قحط، ولا عانت من جفاف، فكل ما في الأمر أنها تجارب.
2. حتى ما يدعونه فإنهم لا يستطيعون القيام به إلا مع وجود السحاب الذي خلقه الله تعالى، وإلا مع وجود الإمكانية التي جعلها الله تعالى فيها أنها ينزل الماء منها، وكذا ما يتعلق بالظروف الأخرى التي يحتاجها السحاب لذلك الإنزال.
3. ما يصل إليه الشرق والغرب من العلم ما هو إلا بتسهيل الله وتعليمه، ولن يكون لأحد قدرة فوق قدرة الله، ولا علم من غير تعليم الله له.
4. الماء الذي يدعون إنزاله بالاستمطار لو أنه ثبت يقيناً: فلا يمكن أن يكون إلا بإذن الله، ولو شاء الله أسقط طائراتهم، ولأرجع مدافعهم عليهم، ولأجرى السحاب حيث شاء سبحانه، أو لأمسك ما فيها أن ينزل، وإذا كان الغرب الكافر لا يعي هذا: فإنه لا يجوز أن يغيب هذا عن ذهن المسلم ولا للحظة واحدة.
ويشبه هذا: إنبات الزرع – أو التلقيح الصناعي كما ذكره السائل -، فالله تعالى أخبر أنه هو الذي يُنبت الزرع، ويخرج الثمار، وما يفعله بعض المزارعين من وضع المواد الكيميائية، أو الطبيعية لسرعة الإنبات لا يعني مخالفة ما في القرآن، بل إن الله تعالى قد مكنهم من هذا، وعلمهم إياه، وقد يكون يه الضرر، كما في استعمال المواد الكيميائية، وقد يكون فيه النفع، كاستعمال المواد الطبيعية.
5. الماء الذي تكفَّل الله تعالى بإنزاله من السحاب هو " الغيث "، وكذا سماه تعالى في آية الغيبيات الخمسة (وَيُنزِّل الغَيْثَ) ، وهو الذي يغيث الله تعالى به البلاد والعباد، وتكون منه الجداول والواحات، وهو الذي يُنبت الله به الزرع، وتمسك الأرض ما يشاء الله منه في باطنها، وأما ما يزعمون أنه ينزل من السحاب بالاستمطار: فليس هو ماء الحياة، بل هو – كما سماه بعضهم – " ماء الوهم "، بل هو " ماء الضرر " كما سبق بيانه.
6. لا ينبغي للدول الإسلامية أن تتبع دعايات الشركات التجارية، والأبحاث المزورة، وليكن الأمر منهم على واقع مشاهد في بلاد تلك الشركات، والتي لو صدقت ادعاءات شركاتها لحولوا صحاريهم إلى جنان.
7. لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن " صلاة الاستسقاء " فإنها هي " الاستمطار " الحقيقي، وقد ثبت في صحيح السنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ربه وليس في السماء سحابة كبيرة ولا صغيرة، ثم جاء الله تعالى بالسحب المحملة بالغيث، فأغاث الله تعالى بها البلاد والعباد، وما يزعمه هؤلاء فإنهم يؤكدون أنهم لا يمكنهم " الاستمطار " إلا بوجود سحاب! فأي الأمرين أحق بأن يسمَّى استمطاراً؟ وأي الفريقين أصدق قيلاً؟ .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/663)
ذبائح البلاد التي اختلط فيها المسلمون والنصارى والوثنيون
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في بلاد اختلط فيها النصارى والوثنيون والمسلمون الجاهلون، فلا ندري أذكروا اسم الله على ذبائحهم أم لا. فما حكم الأكل من ذبائح هؤلاء جميعاً مع صعوبة التمييز بين ذبائحهم، بل في ذلك مشقة وحرج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر من اختلاط من يذبحون الذبائح من أهل الكتاب والوثنيين وجهلة المسلمين، ولم تتميّز ذبائحهم ولم يدر أذكر اسم الله عليها أم لا، حَرُمَ على من اختلط عليه حال الذابحين الأكل من ذبائحهم، لأن الأصل تحريم بهيمة الأنعام، وما في حكمها من الحيوانات إلا إذا ذكّيت الذكاة الشرعية، وفي هذه المسألة وقع شك في التذكية، هل هي شرعية أو لا؟ بسبب اختلاط الذابحين ومنهم من تحل ذبيحته ومن لا تحل ذبيحته، كالوثني والمبتدع من جهلة المسلمين بدعاً شركية.
أما من تميّزت عنده ذبائحهم فليأكل منها ما ذبحه المسلم أو الكتابي الذي عرف أنه ذكر على ذبيحته اسم الله أو لم يدر عنه أذكر اسم الله أم لا. ولا يأكل من ذبيحة الوثني ولا المسلم المبتدع بدعاً شركية سواءً ذكروا اسم الله عليها أم لا.
وينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في جميع شؤون دينه، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه وجميع شؤونه ففي مثل ما سئل عنه يجتهد أهل السنة أن يختاروا لأنفسهم من يذبح لهم الذبائح وتوزع عليهم بطريقة لا ريبة فيها، ولا حرج على الذابح والمستهلك.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة (22/450-451) .(1/664)
حقيقة توحيد الحاكمية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في إنكار توحيد الحاكمية، وهل إفراده بقسم مستقل خروج عن مذهب السلف، وفي أي أنواع التوحيد يدخل هذا القسم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توحيد الحاكمية، لا يجوز إنكاره، فهو نوع من أنواع التوحيد، ولكنه داخل في توحيد العبادة بالنسبة للحاكم نفسه كشخص، أما بالنسبة له فهو يعني: التوحيد، فهو داخل في توحيد الربوبية، لأن الحاكم هو الله تعالى.
فيجب أن يكون الرب المتصرف هو الذي له الحكم فهو يكون داخلاً في توحيد الربوبية من حيث الحكم والأمر والنهي والتصرف، أما من حيث التطبيق والعمل فالعبد مكلف باتباع حكم الله فهو من توحيد العبادة من هذه الجهة.
وجعله قسماً رابعاً ليس له وجه، لأنه داخل في الأقسام الثلاثة، والتقسيم بلا مقتضى يكون زيادة كلام لا داعي له، والأمر سهل فيه على كل حال، إذا جعل قسماً مستقلاً فهو مرادف، ولا محذور فيه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان.(1/665)
العالم حادث بعد العدم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا القول صحيح؟ وهل فيه محاذير عقدية؟ مع العلم أن هذين البيتين من متن زبد ابن رسلان فاقطع يقيناً بالفؤاد واجزمِ بحدث العالم بعد العدمِ أحدثه لا لاحتياجه الإلهُ ولو أراد تركه لما ابتداهُ أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البيتان معناهما صحيح، ولا محذور فيهما، وقد تضمنا ثلاثة أمور:
الأول: أن العالم حادث مخلوق بعد العدم، وهذا حق لا ريب فيه، فكل ما سوى الله مخلوق، كائن بعد أن لم يكن، كما قال سبحانه: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الزمر/62
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما كون المخلوق لا وجود له إلا من الخالق سبحانه فهذا حق، ثم جميع الكائنات هو خالقها وربها ومليكها، لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وخلقه، هو خالق كل شيء سبحانه وتعالى " مجموع الفتاوى (2/27) .
وقال أيضا: " فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم، بصريح المعقول، هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول، على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله، وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا رادا لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله؛ بل القول بقدم العالم قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه، فليس أهل الملة وحدهم تبطله، بل أهل الملل كلهم، وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين: مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم، وجماهير أساطين الفلاسفة، كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن، بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء، والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء، وأن هذا العالم كله مخلوق، والله خالفه وربه " مجموع الفتاوى (5/565) .
الثاني: أن الله تعالى خلق العالم غير محتاج له، وهذا حق لا ريب فيه أيضا، فإنه سبحانه هو الغني، وما سواه فقير محتاج إليه. كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر/15
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره (687) :
" يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم بها، لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد، فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه، الغني في حمده " اهـ
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " انتهى.
الثالث: ما أفاده قوله: " ولو أراد تركه لما ابتداه " وهو أن الله تعالى فاعل بالاختيار، لا موجب بالذات كما تقول الفلاسفة، فلو شاء لم يخلق العالم، ولكنه خلقه بمشيئته واختياره، وهذا حق دلت عليه النصوص، كقوله تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) البروج/16، وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص/68
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/666)
هل هنالك خالق لهذا الكون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تظن أن الكون قد خلقه ونظمه خالق عظيم وذكي وقوي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على السؤال، نريد أن نجيبك بمجموعة من الآيات في كتاب الله من كلام الله ثم أنت فكّر في الأمر بينك وبين نفسك فإذا تبين لك الحقّ فلا مناص من اتّباعه.
قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) سورة الطور
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) سورة البقرة
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) سورة الأنعام
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) سورة الأعراف
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) سورة الأنبياء
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) سورة النمل
(خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) سورة لقمان
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطَِةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) سورة لقمان
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) سورة فاطر
(أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) سورة الفرقان
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) سورة الفرقان
(وَءايَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَءايَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَءايَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) سورة يس
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) ءأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَالَّذِي تَشْرَبُونَ (68) ءأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) ءأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ (77) سورة الواقعة
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ ءايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سورة الروم
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مََ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) سورة النمل
هذه طائفة من الآيات البينات فيها جواب على سؤالك ونحن ندعوك إلى الانضمام إلى ركب المؤمنين والدخول في دين الإسلام الذي ارتضاه الله دينا للعالمين، والسلام على من اتبع الهدى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/667)
لله الخلق والأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ومن ذلك خلق السماوات والأرض وما فيهما وما عليهما وما بينهما من السماوات الطباق والأرضين المهاد والكواكب النيرة والنجوم المضيئة والجبال الراسية والمعادن المتنوعة والأشجار المختلفة والمياه النافعة والحيوانات المختلفة والرياح المتجددة والملائكة العظام والإنس والجان والطير والحيوان والجماد والنبات: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) لقمان/11.
إن هذه المخلوقات العظيمة تدل على عظمة الخالق وكثرتها تدل على قدرة الخالق وألوانها وأجناسها تدل على خبرة الخالق واختلاف وظائفها ومنافعها يدل على حكمة الخالق وحفظها وتدبيرها يدل على حياة الخالق وعلمه وقدرته وقوته وذلك هو: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) البقرة/255.
إنه ربنا الذي علم كل شيء وملك كل شيء وخلق كل شيء: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف/54.
سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون) يس/82.
ربنا على كل شيء قدير يخلق ما يشاء كيف يشاء: (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) النور/45.
ربنا قوي عزيز: (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) لقمان/10.
ربنا بكل شيء عليم: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) المجادلة/7.
ربنا الذي خلقنا وخلق أرزاقنا: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) فاطر/3.
ربنا لطيف خبير: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) لقمان/16.
ربنا عليم قدير: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) الشورى/49 - 50.
ربنا جواد كريم: (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) غافر/64.
ربنا حكيم عليم: (وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً، لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً) الفرقان/47-49.
ربنا الذي خلق البشرية كلها من نفس واحدة: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) النساء/1.
ربنا قوي قدير: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً) فاطر/41.
ربنا خلق كل شيء: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62.
ربنا محيط بكل شيء: (وكان الله بكل شيء محيطاً) النساء/126.
الأمر كله لله: (لله الأمر من قبل ومن بعد) الروم/4.
وتدبير الأمور بيد الله: (ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله) هود/123.
أمرنا الله ألا نعبد إلا إياه , ولا نحتكم لأحد سواه: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) يوسف/40.
أمرنا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) آل عمران/123.
أمرنا الله بالأخلاق الحسنة ونهانا عن الأخلاق السيئة بقوله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل/90.
أمرنا الله بالتعاون على الخير وحذرنا من كل شر بقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2.
الخلق والأمر والملك لله وحده: (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) المائدة/120.
والقلوب مفطورة على الإقرار بأن الملك والخلق لله وحده دون سواه: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون، قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) المؤمنون/84-90.
أيها الناس ألا تجيبون؟ : (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به) الأنعام/46.
أفلا تعقلون؟ : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) القصص/71-72.
أفلا تفكرون؟ : (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) الواقعة/58-59.
أفلا تبصرون؟ : (أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) الواقعة/63-64.
أفلا تنظرون؟ : (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون، أفرأيتم النار التي تورون، أأنتم أنشئتم شجرتها أم نحن المنشئون، نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين، فسبح باسم ربك العظيم) الواقعة/68-74.
أفلا تعقلون؟ من سخر الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب والنجوم إنه الله وحده كما قال سبحانه: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) النحل/12.
وإذا كان الله هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يدبر الأمر وهو الذي يعلم كل شيء فهو الذي يستحق العبادة دون سواه لأنه حي قيوم خالق رازق عالم قادر وغيره عاجز ضعيف لا يخلق ولا يرزق ولا يملك نفعاً ولا ضراً: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون، والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون، إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) النحل/19-22.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/668)
وحدانية الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تعطي المشركين دليلاً على وحدانية الله تعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الكون كله خلقاً وتدبيراً يشهد بوحدانية الله.. (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف / 54.
خلق السماوات والأرض.. واختلاف الليل والنهار.. وأصناف الجماد والنبات والثمار.. وخلق الإنسان والحيوان.. كل ذلك يدل على أن الخالق العظيم واحد لا شريك له.. (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) غافر/62.
وتنوع هذه المخلوقات وعظمتها.. وإحكامها وإتقانها.. وحفظها وتدبيرها كل ذلك يدل على أن الخالق واحد يفعل ما يشاء.. ويحكم ما يريد.. (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62.
وكل ما سبق يدل على أن لهذا الخلق خالقاً.. ولهذا الملك مالكاً.. ووراء الصورة مصور.. (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى) الحشر/24.
وصلاح السماوات والأرض.. وانتظام الكون.. وانسجام المخلوقات مع بعضها.. يدل على أن الخالق واحد لا شريك له.. (لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) الأنبياء/22.
وهذه المخلوقات العظيمة إما أنها خلقت نفسها وهذا محال.. أو أن الإنسان خلق نفسه ثم خلقها وهذا محال أيضاً.. (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) الطور/35 - 36.
وقد دل العقل والوحي والفطرة على أن لهذا الوجود موجداً.. ولهذه المخلوقات خالقاً.. حي قيوم.. عليم خبير.. قوي عزيز.. رؤوف رحيم.. له الأسماء الحسنى والصفات العلى.. عليم بكل شيء.. لا يعجزه ولا يشبهه شيء.. (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) البقرة/ 163.
ووجود الله معلوم بالضرورة وبداهة العقول.. (قالت رسلهم أفي لله شك فاطر السماوات والأرض) إبراهيم/10.
وقد فطر الله الناس على الإقرار بربوبيته ووحدانيته ولكن الشياطين جاءت إلى بني آدم.. وصرفتهم عن دينهم.. وفي الحديث القدسي (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم) رواه مسلم برقم 2865.
فمنهم من أنكر وجود الله.. ومنهم من يعبد الشيطان.. ومنهم من يعبد الإنسان.
ومنهم من يعبد الدينار أو النار أو الفرج أو الحيوان.
ومنهم من أشرك به حجراً من الأرض.. أو كوكباً في السماء.
وهذه المعبودات من دون الله.. لم تخلق ولم ترزق.. ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر.. فكيف يعبدونها من دون الله.. (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يوسف/ 39.
وقد نعى الله على من عبد تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بقوله (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين - ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) الأعراف/ 194 - 195.
وقوله (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) المائدة/76.
ألا ما أجهل الإنسان بربه الذي خلقه ورزقه.. كيف يجحده وينساه ويعبد غيره.. (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج/ 46.
فسبحان الله وتعالى عما يشركون.. والحمد لله رب العالمين.. (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون - أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون - أمن جعل الأرض قرراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون - أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون- أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أءله مع الله تعالى الله عما يشركون - أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) النمل / 59 - 64.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري.(1/669)
حقيقة توحيد الربوبية والمخالفين فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقيقة توحيد الربوبية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة وإنزال المطر ونحو ذلك فلا يتم توحيد العبد حتى يقر بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المنفرد بإجابة الدعاء، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء، ويدخل في ذلك الإيمان بالقدر خيره وشره.
وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به إجمالاً؛ كما قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) الزخرف/9، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، فعلم بهذا أن الإقرار بربوبية الله تعالى لا يكفي العبد في تحقق إسلامه بل لابد معه من الإتيان بلازمه ومقتضاه وهو توحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بالعبادة.
وهذا التوحيد ـ أعني توحيد الربوبية ـ لم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين: إن للعالم خالقين متساويين. فلم يجحد أحد توحيد الربوبية؛ إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره مكابرة منه وعنادا ً؛ بل زعم لعنه الله أن الرب، قال تعالى حكاية عنه: (فقال أنا ربكم الأعلى) النازعات/24، (ما علمت لكم من إله غيري) القصص/38. وهذه مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) النمل/14، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) الإسراء/102؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله -عز وجل-.
كما أنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر. وأيضاً فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته.
وبعد.. فليس معنى إقرار المشركين بتوحيد الربوبية أنهم أتوا به على الوجه الأكمل؛ بل إنما كانوا يقرون به إجمالا كما حكى الله عنهم في الآيات السابقة؛ لكنهم كانوا يقعون في أشياء تخل به وتقدح فيه؛ ومن ذلك نسبتهم المطر إلى النجوم، واعتقادهم في الكهنة والسحرة بأنهم يعلمون الغيب إلى غير ذلك من صور الشرك في الربوبية؛ لكنها تبقى قليلة محصورة إذا ما قورنت بصور شركهم في الإلهية والعبادة.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه،
والله أعلم.
انظر (تيسير العزيز الحميد /33، والقول المفيد 1/ 14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/670)
هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أحداً أن يحيي ميِّتا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مِن أصول الاعتقاد الصحيح: الإيمان بأن الله تعالى هو وحده الذي يحيي ويميت , ومن ادَّعى أن غير الله تعالى قادر على الإحياء والإماتة فقد كفر، بل إن المشركين في جاهليتهم لم يعتقدوا ذلك في أصنامهم وآلهتهم.
قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة/28.
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الحج/6.
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ) الحج/66.
وقد بيَّن الله تعالى عجز الآلهة المزعومة عن الخلق والرزق والإحياء والإماتة.
قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/40.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" فقوله تعالى? في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ ?تَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ ?لاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل ?للَّهُ يَبْدَأُ ?لْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ ?للَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ ?للَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّر) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِ?للَّهِ وَكُنتُمْ أَمْو?تًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ?ثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ?ثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 271) .
وقد كان من آيات عيسى ابن مريم عليه السلام البينات أنه يحيي الموتى بإذن الله، ولم يكن عيسى عليه السلام قادراً على ذلك إلا أن يشاء ربه تبارك وتعالى.
قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) آل عمران/49.
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) المائدة/110.
وأما ما وقع من المجادل لإبراهيم عليه السلام بأنه قادر على الإحياء والإماتة فهذا من أسخف الادعاءات , وأبطلها , ولهذا لما ناظره إبراهيم عليه السلام انقطع ذلك الكافر , وثبت بطلان دعواه.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/258.
فلا يستطيع أحدٌ من البشر أن يدَّعي أنه قادر على إحياء الموتى، ومن ادعى ذلك فها هم الموتى من الرسل والأنبياء والعظماء فليحيهم إن كان صادقاً في دعواه!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/671)
نسبة الملك والتدبير للمخلوقين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن ينسب الملك والتدبير للمخلوق وهو من أفعال الربوبية التي يجب توحيد الله تعالى بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على العبد أن يعتقد انفراد الله تعالى بالملك؛ وأنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض) آل عمران/19، وقال تعالى: (قل من بيده ملكوت كل شيء) المؤمنون/88.
وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) المؤمنون/6، وقال تعالى: (أو ما ملكتم مفتاحه) النور/61، فهذه الملكية تختلف عن ملك الله تعالى بعدة فروق منها:
1- أن ملك المخلوق ملكٌ محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات؛ فالإنسان يملك ما تحت يده، ولا يملك ما تحت يد غيره.
2- وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً، فمثلاً: لو أراد أن يحرق ماله، أو يعذب حيوانه؛ قلنا: لا يجوز، أما الله - سبحانه ـ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً.
وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) يونس/31.
وأما تدبير الإنسان فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً.
وعلى هذا، لا بأس أن ينسب الملك والتدبير للإنسان، وهذا الملك والتدبير قاصر، وليس هو الملك والتدبير العام الشامل لكل شيء الذي لا يملكه إلا الله تعالى.
والله أعلم.
انظر (القول المفيد 1 / 13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/672)
إدعاء الربوبية
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد طائفتان إسلاميتان زائفتان في الأمة الإسلامية (طائفة "الإجة محمد") التي تعتقد بالتشبيه. وقد بلغ ببعض أتباع هذه الطائفة أن أطلقوا على أنفسهم "الله". وهم أيضا يحاولون استخدام الترجمة القاديانية للقرآن محاولين بذلك إثبات صحة اعتقاداتهم. فكيف أدحض اعتقادات مدعي الربوبية (الرجل-الرب) باستخدام الكتاب والسنة؟ ليس فقط بالنسبة "لأمة الكفر"، بل أيضا للنصارى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة ستفترق.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين"، وفي رواية ابن ماجه (3993) من حديث أنس: " كلها في النار إلا واحدة ".
رواه الترمذي (2640) .
قال أبو عيسى الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3227)
فإذا علم هذا فإن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة واحدة وهي المتمسكة بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً.
ثانيا:
مدعي الربوبية هو أكفر من مشركي العرب قبل الإسلام الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشركون في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحي المميت والدليل على ذلك قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} لقمان / 25.
ومع ذلك لم يرفع الله عنهم الشرك والكفر لأنهم كفروا بتوحيد العبودية وهو إفراد الله بالعبادة؛ فكانوا يسجدون لغير الله ويذبحون لغير الله، فكانوا يشركون في عبادتهم لله الأصنام والأوثان ويظنون أنها تنفع أو تضر من دون الله ولذلك قال الله تبارك وتعالى على لسانهم: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب} ص / 5.
وقال أيضا: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} الزمر / 3.
وهذا يدل على أن مشركي العرب أقل كفراً ممن ذكرهم السائل لأن مشركي العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وهؤلاء يكفرون به.
ثالثا:
إن الله سبحانه وتعالى قد دحض في القرآن شبهات مدعي الربوبية، فقال الله تبارك وتعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} الأنبياء / 21، وقال الله تبارك وتعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} المؤمنون / 91.
وفي قصة محاجة إبراهيم عليه السلام لمدَّعى الربوبية خير وسيلة للمحاجة قال الله تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} البقرة / 258.
فخذ بمثل هذا الأسلوب فقل لمدعي الربوبية إن كان ما تقولون حقا فليأتوا بالشمس من المغرب أو فليحيوا الأموات أو فلينزلوا المطر من السماء أو فليخرجوا الزرع من الأرض.
رابعاً:
قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان سيدَّعي الربوبية وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على علامة نستدل بها على بطلان دعواه أنه الرب، وهي أن الدجال أعور العين اليمنى.
فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: (إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور) . رواه البخاري (2892) ، ومسلم (169) .
وهذه علامة ظاهرة لكل من يراها، فلو كان هذا الدجال هو الرب الذي أبدع هذا الكون بهذا الجمال لاستطاع أن يرفع القبح عن نفسه وأن يرفع العور عن نفسه.
فالله سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا الكون وهذا الإنسان بهذا التناسق العجيب، والإحكام البديع، لابد أن يكون له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
وهؤلاء الذين يدعون الربوبية علامات النقص ظاهرة عليهم، من النوم، والمرض، والتألم، والتأذي من الحر والبرد، والحاجة إلى الطعام والشراب، بل يحمل أحدهم النجاسة بين جنبيه، ويحتاج أن يدخل إلى الخلاء في اليوم مرة أو مرتين!! فهل هؤلاء يصلحون أن يكونوا أرباباً؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
وليس العجب أن يدعي هذه الدعوى، ولكن العجب كل العجب أن يجد هؤلاء لهم أتباعاً يوافقوانهم على ما يقولون.
خامسا:
لابد أن يعلم المسلم أن مثل هذه الفرق كالطائفة التي ذكرها والقاديانية والبهائية وغيرها من الفرق الضالة ما أوجدت إلا لمحاربة الإسلام وإبعاد أهله عنه وبيان ضلالها وزيفها لا يحتاج إلى جهد كبير لإبطاله وبيان زيفه، وعلى المسلم أن يَحْذَر ويُحذِّر المسلمين من هذه الفرق الضالة.
سادسا:
وأما بالنسبة لدحض دين النصارى فلا يحتاج إلى كبير جهد ويكفي في الرد عليهم هذا الكلام لابن القيم -رحمه الله تعالى- إذ قال:
أعبَّاد المسيح نا سؤال نريد جوابه ممن وعاه؟
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه فبشراهم إذاً نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه فقوتهم إذاً أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمّرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شد على قفاه
وكيف دنا الحديد إليه حتى يخالطه ويلحقه أذاه
وكيف تمكنت أيدي عِدَاه وطالت حيث قد صفعوا قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياةٍ أم المُحيي له رب سواه
ويا عجبا لقبر ضم رباً وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولوداً صغيرًا ضعيفا فاتحاً للثدى فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك هل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه
أعباد الصليب لأي معنى يعظم أو يقبح من رماه
وهل تقضى العقول بغير كسر وإحراق له ولمن بغاه
إذا ركب الإله عليه كرهاً وقد شدّت لتسمير يداه
فذاك المركب الملعون حقاً فدسه لا تبسه إذ تراه
يهان عليه رب الخلق طراً وتعبده فإنك من عداه
فإن عظمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه
وقد فقد الصليب فإن رأينا له شكلا تذكرنا سناه
فهلا للقبور سجدت طرًا لضم القبر ربك في حشاه
فيا عبد المسيح أفق فهذا بدايته وهذا منتهاه
" إغاثة اللهفان " (2 / 291) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/673)
لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون، فلماذا استغرق 6 أيام حتى يخلق السماوات والأرض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء، وقدرته سبحانه ليس لها حدود، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة، ومنتهى الأمر والقضاء، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى.
وقد تواترت النصوص القطعية من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على تقرير هذا الأمر وبيانه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ونكتفي هنا بذكر بعض الآيات الدالة على ذلك، فمن ذلك قوله تعالى: (بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) البقرة / 117.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة (1/175) : (يبين بذلك تعالى كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له كن _ أي: مرة واحدة _ فيكون، أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس / 82) أ. هـ.
وقال تعالى: ( ... قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) آل عمران / 247.
وقال تعالى: (هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) غافر / 68.
وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر/50.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية (4/261) : (وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال: (وما أمرنا إلا واحدة) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر، لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء:
إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون) أ. هـ.
وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه.
فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام؟ .
أولاً:
قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54.
ثانياً:
ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم "، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم.
غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا، قال الله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء / 23.
وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام:
1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف (54) (4/7/140) :
( ... وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد:
- أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور.
- ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء....
- وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام؛ لأن لكل شيء عنده أجلا، وبيّن بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً ... ) ا. هـ.
2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " (3/162) في تفسير آية الأعراف:
( ... فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة:
أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري.
والثاني: أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة.
والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قوله (كن فيكون) .
والرابع: أنه علّم عباده التثبت، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت.
والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق.) ا. هـ.
3- وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف: (3/232) : ( ... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور) ا. هـ.
وقال عن تفسير الآية (59) من سورة الفرقان (6/226) :
( ... فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين وترتيب رصين، في أوقات معينة، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة، وغايات جميلة، لا تقف على تفصيلها العقول ... ) أ. هـ.
وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة، ومنتهى الإرادة، وكمال التصرف والتدبير، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه، وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة " كن ".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/674)
لماذا يتكلم الله بصيغة الجمع والمفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يتكلم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أحياناً بصيغة الجمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجواب نوعان:
أولاً: الجواب الإجمالي: على كل مؤمن أن يعتقد أن أفعال الله لم تكن إلا لحكم جسيمة وغايات محمودة ولا يلزم من ذلك أن تتضح لكل أحد وهذا نوع من أنواع الابتلاء والاختبار كما قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) .
ثانياً: الجواب التفصيلي: أن القرآن الكريم جاء بلغة العرب، ولغة العرب يصح فيها إطلاق لفظ الجمع على الواحد، كما يصح إطلاق لفظ المفرد على الواحد لكن إطلاق لفظ الجمع يكون من باب التعظيم ولا أحد أعظم من الله فيكون إطلاق لفظ المفرد لإثبات كونه واحداً لا شريك له وإطلاق لفظ الجمع لإثبات عظمته سبحانه.
ولابن تيمية كلام يفيدنا في هذه المسألة قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/128: " وأما القرب - معنى قرب الله - فذكر تارة بصيغة المفرد كقوله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع..) وفي الحديث: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) وتارة بصيغة الجمع كقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وهذا مثل قوله تعالى: (نتلوا عليك) ، (نقص عليك) .. أما قوله نتلوا، ونقص ونحوه فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه فإذا فعل أعوانه فعلاً بأمره قال: نحن فعلنا، كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد وهزمنا هذا الجيش، ونحو ذلك. وانظر تكملة هذا الجواب في كلام مهم تحت السؤال 606. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/675)
إضافة الخلق إلى غير الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من المسلمين يستعملون كلمة "يخلق" للآدميين، مثلاً: يقولون: فلان له عقل خلاق. أو أنهم يقولون: إن فلاناً خلق هذا أو ذاك، حتى إن بعض المسلمين الملتزمين جداً يستعملون هذه الكلمة في كتبهم.
الخالق الوحيد هو الله فهل يمكن أن نستعمل هذه الكلمة للآدميين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الله تعالى هو المنفرد بالخلق، قال الله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) فاطر/3. ولكن ورد إضافة الخلق إلى غير الله تعالى، كما في قوله سبحانه: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون/14. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصورين يقال لهم يوم القيامة: (أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) .
فإضافة الخلق إلى الله تعالى معناها الإيجاد من العدم، وهذا هو الذي لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.
وأما إضافة الخلق إلى البشر فمعناها تحويل الشيء من صورة إلى صورة.
فإذا أطلق على غير الله أنه يخلق باعتبار أنه يحول الشيء من صورة إلى أخرى فهذا صحيح، وأما إذا أطلق على غير الله أنه يخلق بمعنى أنه يوجد الشيء من العدم فهذا غير جائز. والله تعالى أعلم.
كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين 1/6.
وأما قول بعض الناس: إن فلاناً له عقل خلاق. فإنهم يقصدون بذلك حسن تفكيره، وقدرته على الابتكار، والإتيان بالأفكار الجديدة. وليس في هذا محذور شرعي. وإن كان الأولى التنزه عن مثل هذه الألفاظ التي قد يفهم منها معنى باطل.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/676)
الموقف من أخطاء القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تسبب القضاة الجهلة في نفورنا من الشرع الحكيم ليس لنقص فيه حاشا لله ولكن لنقص في عقول قضاتنا هداهم الله فإن الله أرحم بالعباد منهم فحد شارب الخمر 80 جلدة وهو من الموبقات السبع وهم يعزرون في قضايا تافهة بالجلد أكثر من ذلك وكأن القضاء في الإسلام عبارة عن العصا الغليظة والسجن فمقابلة بعض القضاة الذي لا يكاد يرد السلام هو أشد عقاب فهل يجوز المناداة بتطبيق القوانين الوضعية لأننا لا نستطيع بهذه العقليات أن نطبق شرعنا الحنيف بل نسيء إليه فالقاضي أقل الناس التزاما بدوامه الرسمي وأسوأ الناس معاملة وأكثر الناس حبا للمال ومخططات الأراضي فما هو الحل حفظكم الله وكثر من أمثالكم الملتزمين بدينهم الذين يؤمنون بأهميَّة التقنية في خدمة هذا الدين الحنيف. وأخيرا أقول ثبت الله الصالح من قضاتنا وهدى الضال منهم إلى الطريق الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجزم بأن ما ذكر مبالغ فيه، ولكن ليس القضاة بالمعصومين فهم كغيرهم يصيبون وهو الغالب، ويخطئون وخطأ المجتهد مغفور له إن شاء الله، فإذا وجد شيء من الأخطاء فعلى الإنسان إن كان ممن يدرك هذه الأخطاء أن يسعى في تصحيحها بالمناصحة مع المخطئ ومشاورة أهل العلم والفضل والنصح، ولا يجوز بحال من الأحوال إذا وجد شيء من الخطأ أن نطالب بتطبيق القوانين الوضعية، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ، وقال (.... هم الفاسقون) ، وقال (.... هم الظالمون) . فالحكم بغير ما أنزل الله من أعظم المنكرات التي يجب على المسلمين إزالتها فورا فكيف نطالب بتطبيقها؟ وعلى القضاة أن يتقوا الله في أحكامهم على أن تكون وفق ما شرعه الله، والعقوبات والتعزيرات علاج لمشاكل المجتمع، وعلى القضاة وغيرهم ممن يقصّر في الدوام الرسمي أن يتقوا الله في ذلك ويحرص على براءة ذمته، وطيب كسبه لأنه أجير لا يجوز له أن يخلّ بشيء مما أوجب الله عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(1/677)
هل قبر السيدة زينب في سوريا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها، وهل هي كما قالوا في سوريا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليعلم أن من أعظم أسباب ضلال بني آدم غلوهم في الصالحين، ومن أعظم أسباب الافتتان بهم: ما يحصل عند قبورهم من الغلو والشرك بالله، وصرف العبادات، من الطواف والذبح والنذر لغير الله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ قال: ( [اللهم] لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) رواه الإمام أحمد (7311) ، وصححه الألباني.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) . رواه أبو داود (2042) ، وصححه الألباني.
وإن من أعظم ما يدل على بطلان ما يفعله هؤلاء القبوريون عند قبورهم: أنك تجدهم مختلفين في كثير من هذه الأماكن، فأهل مصر يزعمون أن قبر زينب رضي الله عنها في مصر، ويفعلون عندها من البدع والخرافات، بل من الشرك والضلال ما الله به عليم.
وهكذا أهل سوريا كما ذكرت، يفعلون نفس الشيء عند قبرهم المزعوم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا.. "
ثم قال:
" وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مُخْتَلق، لا يكاد يُوقَف منه على العلم، إلا في قليل منها، بعد بحث شديد؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه ".
ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/444) وما بعدها، ويراجع كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للشيخ الألباني رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/678)
لماذا لم يقم عمرو بن العاص رضى الله عنه بتحطيم التماثيل الفرعونية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يقم عمرو بن العاص رضى الله عنه بتحطيم التماثيل الفرعونية عندما قام بفتح مصر؟ وهل هناك فرق بين هذا الموقف وبين تكسير تماثيل بوذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لأن تلك التماثيل الفرعونية كانت مدفونة تحت الأرض عندما فتحت مصر، وإنما أخرجت ونُبشت في القرون المتأخرة، ومن المعلوم أنه كان في مصر وفي غيرها معابد كثيرة فهدمها المسلمون وحطموا الصور وكسروا الأخشاب والأحجار التي كهيئة الأصنام، وقطعوا الأشجار وهدموا المعابد الشركية، وأما الأهرام فإنها موجودة ولكن لم تكن تعظم وتعبد من دون الله، وأيضا فإن هدمها يكلف كثيرا فليس في إمكان المسلمين في ذلك الزمان القدرة على هدمها بخلاف تماثيل بوذا الموجودة في الأفغان والتي قام بتحطيمها المسلمون في هذه الأشهر، فإن تحطيمها قديما كان فيه صعوبة، وقد قوي المسلمون بما أعطوا من الإمكانيات فحطموها حيث إنها تحت ولا يتهم وسيطرتهم، كما حطم النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت في مكة والطائف ونخلة وغيرها.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم (20894) .
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(1/679)
العبادة محبة وتعظيم وليست عناء ومشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة من عدم وجود فترة استراحة للرجل في العبادة مثل النساء، مثلا نصوم رمضان وعند الحيض نفطر، نصلي وعند الحيض والنفاس لا نصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست العبادة عناء ومشقة كي يستريح منها المسلم، بل هي محبة وتعظيم لله تعالى، يبعث عليها صادق الرغبة إلى الله، ويهيج إليها عظيم الشوق إليه سبحانه، يتذلل المسلم بها بين يدي ربه ومولاه، يناديه ويناجيه مقبلا إليه، راجيا رحمته، وسائلا فضله وكرمه وقربه، فَمَن هذا حالُه لا يطلب إقالة ولا استقالة، ولا يسأل إلا المزيد من مواسم العبادة والطاعة، ويكون حاله كحال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول: (أرحنا بها – يعني بالصلاة – يا بلال) .
يقول ابن القيم رحمه الله:
" لا ريب أن كمال العبودية تابع لكمال المحبة، وكمال المحبة تابع لكمال المحبوب في نفسه، والله سبحانه له الكمال المطلق التام في كل وجه، الذي لا يعتريه توهم نقص أصلا، ومَن هذا شأنه فإن القلوب لا يكون شيء أحب إليها منه، ما دامت فطرها وعقولها سليمة، وإذا كانت أحب الأشياء إليها فلا محالة أن محبته توجب عبوديته وطاعته، وتتبع مرضاته واستفراغ الجهد في التعبد له، والإنابة إليه، وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها، حتى لو فرض تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب استفرغ الوسع، واستخلص القلب للمعبود الحق، ومِن هذا قول بعض السلف: أنه ليستخرج حبه من قلبي ما لا يستخرجه قوله. ومنه قول عمر في صهيب: لو لم يخف الله لم يعصه ...
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: (أفلا أكون عبدا شكورا) ...
فالله سبحانه يُعبَد ويُحمَد ويُحَب لأنه أهل لذلك ومستحقه، بل ما يستحقه سبحانه من عباده أمرٌ لا تناله قدرتهم ولا إرادتهم ولا تتصوره عقولهم، ولا يمكن أحدا من خلقه قط أن يعبده حق عبادته، ولا يوفيه حقه من المحبة والحمد، ولهذا قال أفضل خلقه وأكملهم وأعرفهم به وأحبهم إليه وأطوعهم له: (لا أحصى ثناء عليك) ، وأخبر أن عمله صلى الله عليه وسلم لا يستقل بالنجاة فقال: (لن ينجي أحدا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) عليه صلوات الله وسلامه عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما بينهما، وعدد ما هو خالق، وفي الحديث المرفوع المشهور أن مِن الملائكة مَن هو ساجد لله لا يرفع رأسه منذ خلق، ومنهم راكع لا يرفع رأسه من الركوع منذ خلق إلى يوم القيامة، وأنهم يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك " انتهى.
" مفتاح دار السعادة " (2/88-90)
وانظر جواب السؤال رقم: (49016)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/680)
عمر لم يتوسل بجاه العباس رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث (نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الرجل: (يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) ولأن عمر قال للعباس: (قم يا عباس فادع الله، فدعا) ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، دون جاه العباس بن عبد المطلب.
والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره.
كما أنني أيضاً أقول: إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2/277) .
ولمزيد الفائدة حول حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وبيان أن هذا التوسل كان بدعائه، لا بجاهه، انظر كتاب "التوسل" للشيخ الألباني رحمه الله ص (50-68) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/681)
معنى كلمة الطّاغوت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كلمة الطاغوت تشمل الأجسام التي لا تدعو الناس لعبادتها، كالشمس والأشجار والأصنام والأحجار؟
هل المسلمون الأتقياء كالإمام الشافعي يُسمون طواغيت لأن الناس تعبدهم أو تعبد قبورهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس كل ما عُبد من دون الله يعتبر طاغوتاً إذ أن الصحيح من أقوال أهل العلم في بيان معنى الطاغوت ما قال ابن جرير الطبري في التفسير (3/21) : " الصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود، أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كائناً ما كان من شيء وقال أيضاً: وأصل الطاغوت.. من قول القائل طغا فلان يطغو إذا عدا قدره فتجاوز حده ".
فالأنبياء والعلماء وغيرهم من الصالحين والأولياء لم يحملوا الناس على عبادتهم إياهم ولا أطاعوهم في ذلك بل حذّروهم من ذلك أشد تحذير بل كان المقصد من إرسال الله الرسل إلى الخلق دعوتهم إلى توحيد الله والكفر بما دونه قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36.
قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} .
فلا يسمى الأنبياء ولا العلماء وإن عبدوا من دون الله طواغيتاً.
وإذا غلا أناس في الشافعي أو غيره من العلماء رحمهم الله فاستغاثوا بهم من دون الله أو عبدوا قبورهم فلا ذنب لأولئك العلماء بل الوزر على من أشرك، وكذلك النصارى الذين عبدوا عيسى عليه السلام من دون الله لا يتحمل عيسى عليه السلام شيئاً من وزرهم، ومن التعريفات المختصرة للطاغوت: من عُبِد من دون الله وهو راضٍ، ومعلوم أن عيسى عليه السلام وغيره من الأنبياء وكذلك الشافعي رحمه الله وغيره من العلماء الموحدين لا يرضون بعبادتهم أبداً من دون الله بل ينهون عن ذلك ويبيّنون التوحيد، قال تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّيَ إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب _ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ... ) المائدة /116،117
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/682)
لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحرم السلفية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن العلماء كلهم متفقون على جوازه، حتى ظهر ابن تيمية الذي كان أول من حرمه؟ مع أن كل العلماء من جميع المذاهب يجيزون التوسل، فلماذا يُصِرُّون على تحريمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه: أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه، أو تعجيل حاجته، فيقول: أسألك بحق النبي، أو: بجاه النبي، أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ:
" والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين.
فإن كان إقساما على الله بغيره: فهذا لا يجوز.
وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك: فهذا جائز.
وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين: فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه لا يجوز. ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب.
بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة: فهذا جائز، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به.
وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا: كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، والوسيلة هي الأعمال الصالحة. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57.
وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، ولا مشهورا عن السلف." انتهى.
ثانيا:
ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل، ولا منزلة لديه سبحانه، كما يقوله من يفتري على السلفيين، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك، وهو صاحب المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة، وسيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق؛ لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال: حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه.
وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا.
وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ". انتهى.
وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ:
" ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه، مع أن النبي لم يدع له: كان هذا كلاما باطلا ". انتهى.
ثالثا:
مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة، بل هو من أجل العبادات لله تعالى، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه أبو داود (1479) وغيره، وصححه الألباني.
والعبادات مبناها على التوقيف، يعني: على ورود الشرع بها، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات.
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبََ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد. وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد. وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى.
فإذا علمنا هذا الأصل، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا، أو اتباعا لغيرنا فيه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ:
" ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى.
وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ:
" والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمر به، والذي أمر به: ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة ".
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟
فأجابوا:
" من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته، فقال: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك.
ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /108
فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة، والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة ... " انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) .
رابعا:
قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه: غير صحيح؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله، في رده على الأخنائي، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية، فقال في حق شيخ الإسلام: " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع "، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة، فقال في ضمن ذلك:
" الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم، يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه..، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟!
الوجه السابع: أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع. والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا: اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقها وحديثا: ما لم يطلع عليه.
الوجه الثامن: أن المجيب [يعني: شيخ الإسلام نفسه]ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقل قد سبقه إليه العلماء؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام؛ فمن كان يسلك هذا المسلك، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! " انتهى. من الرد على الأخنائي (457-458) .
خامسا:
هذه المسألة المذكورة، والتي زعم السائل فيها، تبعا لغيره، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء، وخاصة الأحناف بالمنع منها، والنهي عنها.
قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) :
" وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ".
ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) .
قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) :
" وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ".
ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة، يعني: أبا حنيفة، وصاحبيه: أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2554) .
قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) :
" وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل: بحق الأنبياء والأولياء، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام: مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد، وعللوا ذلك بقولهم: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى.
وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي: جلاء العينين (505) وما بعدها.
ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة: لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك، ولا هو آخرهم أيضا.
وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/683)
حديث الأعمى وتوسله بالرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث: أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف عن بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي) ما صحة هذا الحديث وما معناه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه حسن، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له إلى الله عز وجل؛ وذلك بأن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شَفَّعهم الله فيه) .
فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، ولهذا لم يلجأ الصحابة رضي الله عنهم عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم؛ بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قحط المطر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله عز وجل بالسقيا فدعا فسقوا. وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة، قال الله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) يونس/106. وقال تعالى: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) الشعراء/213؛ وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117؛ وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) المائدة/72.
فالمهم أن من دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك، فكيف بعد موته، بعد أن كان جثة وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع والخير، مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60. وقال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186. وقال تعالى منكراً على من دعا غيره: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62.
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/274) .
فالحديث لا يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه البعض، بل الحديث يدل على أن هذا الرجل توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقوله: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد) أي: بدعاء نبينا محمد، وقوله: (يا محمد إني أتوجه بك إل ربي) أي: بدعائك.
ويدل على هذا:
1- أن هذا الرجل، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو له، ولو كان مراده التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم لقعد في بيته، وقال: اللهم إني أتوسل إليك وأسألك بجاه محمد.
2- من جملة الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم فشفعه فيّ، وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيّ، والشفاعة هي الدعاء، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له.
وقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل دعائي أن تقبل دعاءه.
قال الألباني رحمه الله في كتاب التوسل ص (73، 74) :
"إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة، ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع فيّ نبيك وشفعني فيه" انتهى.
وانظر لتفصيل الكلام على هذا الحديث: كتاب "التوسل" ص (68-93) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/684)
حقيقة العبودية لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في السؤال رقم (11804 ">) أن الغاية من خلق البشر هي أن يفردوا الله تعالى بالعبادة فهل توضح لي حقيقة العبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العبادة في اللغة: هي الخضوع والذل تقول العرب هذا طريق مُعَبَّدْ أي مُذَلَّلْ من كثرة وطئ الأقدام عليه.
أما في الشرع فالعبادة تطلق على شيئين:
الأول: فعل العبد كالذي يصلي أو يزكي ففعله هذا عبادة ويعرفها العلماء بقولهم:
هي طاعة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه مع محبة الله وخوفه ورجائه.
الثاني: نفس المأمور به ولو لم يفعله أحد كالصلاة في حد ذاتها والزكاة ونحو ذلك فيعرفها العلماء بقولهم:
هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وسميت هذه المأمورات عبادات لأن المكلفين يفعلونها خاضعين متذللين محبين لربهم جل وتعالى. فلا بد في عبادة الله من كمال محبته مع كمال الخضوع والذل له سبحانه.
وقد بين لنا ربنا أن الغاية العظمى والهدف الأسمى من خلق الجن والإنس هو أن يعبدوه وحده لا شريك له فقال جل شأنه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56
فكيف نحقق هذه الغاية ونصل إلى هذا الهدف؟
كثير من الناس يظن أن العبادة لا تعدو أن تكون مجموعة من الشعائر التعبدية التي أمر الله أن تؤدى في أوقاتها المعلومة ـ كالصلاة والصيام والحج، وبهذا ينتهي كل شيء ـ. وليس الأمر كما يظن هؤلاء.
فكم تستغرق الشعائر التعبدية من اليوم والليلة؟ بل كم تستغرق من عمر الإنسان نفسه؟!
فأين بقية العمر إذن؟ وأين بقية الطاقة؟ وأين بقية الوقت؟ أين تنفق وأين تذهب؟ أتنفق في العبادة أم في غيرها؟ وإن كانت ستنفق في غير العبادة فكيف تتحقق غاية الوجود الإنساني التي حصرتها الآية حصراً كاملاً في عبادة الله؟ وكيف يتحقق قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام/162.
إن العبودية قضية كلية تهيمن على حياة المسلم فهو حين يسعى في الأرض لطلب الرزق يعبد الله لأن ربه يأمره بذلك في قوله: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك/15، وهو حين ينام فهو ينام ليتقوى على عبادة الله تعالى كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " أخرجه البخاري 4342، أي أنه يحتسب الأجر في نومه كما يحتسب الأجر في قيامه لِلَّيل، بل إن المسلم لا يرضى إلا أن يكون تمتعه بالطعام والشراب والنكاح في ميزان حسناته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) أخرجه مسلم 1006
وطريق الوصول إلى هذه المرتبة العظيمة بأن يستحضر العبد ذكر ربه وهو يعمل في شتى مجالات الحياة فيسأل نفسه هل هو في الموضع الذي يرضي ربه عنه أم يسخطه عليه؟ فإذا كان في موضع الرضى فليحمد الله وليزدد من الخير، وإن كان على غير ذلك فليستغفر الله وليتب إليه كما هو حال عباد الله المتقين الذين وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/ 135، 136.
وهكذا كانت العبادة في حس سلفنا الصالح من الصحابة ومن بعدهم فلم يحصروها قط في إطار الشعائر التعبدية بحيث تصبح اللحظات التي يقومون فيها بأداء تلك الشعائر هي وحدها لحظات العبادة، وتكون بقية حياتهم " خارج العبادة " إنما كان في حس أحدهم أن حياته كلها عبادة وأن الشعائر إنما هي لحظات مركزة يتزود فيها الإنسان بالطاقة الإيمانية التي تعينه على أداء بقية العبادات المطلوبة منه، ولذلك كانوا يحتفون بها احتفاءً خاصاً كما يحتفي المسافر بالزاد الذي يعينه على الطريق وباللحظة التي يحصل فيها على الزاد.
لقد كانوا كما وصفهم ربهم: (يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) آل عمران/191 أي في جميع أحوالهم لقد كانوا يجمعون إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب وكانت عظمة الله وخشيته حاضرة في قلوبهم في كل عمل يعملونه، أو قول يقولونه فإذا حدث وغفل أحدهم فزل أو أخطأ كان حاله كما وصف الله في الآيات التي سبق ذكرها من آل عمران.
ثم اعلم ـ وفقك الله ـ أن كل إنسان عابد بفطرته. أي أنه مجبول على العبادة؛ فإما أن يكون عابدا لله وحده بلا شريك، وإما أن يكون عابدا لشيء آخر غير الله، معه أو من دونه، كلاهما سواء! وهذه العبادة هي التي يسميها الله سبحانه وتعالى " عبادة الشيطان " لأنه استجابة لدعوة الشيطان: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس/60. ولا يستوي حياة الإنسان عابدا لله وعابدا للشيطان: (أفمن يمشي مكباًّ على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم) الملك/22.
(قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) الرعد/16، والشيطان يستدرج الإنسان في محاولة لإبعاده عن عبادة الله فتارة ينجح في إبعاده إبعاداً مؤقتاً كما يقع في المعصية " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن..) أخرجه البخاري (2475) ومسلم (57) ، وتارة يبعده إبعاداً كاملاً ينقطع فيه ما بين العبد وبين ربه فيشرك أو يكفر أو يلحد ـ والعياذ بالله ـ
وعبادة الشيطان هذه تارة تكون عبادة للهوى كما قال تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) الفرقان/43، فهذا العبد الذي يأتمر بأمر هواه فما رآه حسنا فعله وما رآه قبيحا تركه فهو مطيع لهوى نفسه يتبع ما تدعو إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه.
وتارة تكون عبادة للدرهم والدينار كما قال صلى الله عليه وسلم: " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ.. الحديث " رواه البخاري 2887
وهكذا كل من تعلق قلبه بشيء غير الله من أهواء نفسه فإن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط فهو عبد ما يهواه رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته.
ثم بقدر ما تستعبده هذه الشهوات أو بعضها بقدر ما تضعف عبوديته لربه سبحانه فإن استحكمت عبوديته لتلك الشهوات والأهواء حتى صدته عن الدين بالكلية فهو مشرك كافر، وإن صدته تلك الأهواء والشهوات عن بعض ما يجب عليه أو زينت له فعل بعض ما يحرم عليه مما لا يخرج فاعله من الدين فقد نقص من عبوديته لربه وإيمانه به بقدر ما صُد عنه.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بكمال العبودية له سبحانه , وأن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين، إنه سميع قريب مجيب.
والله أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يراجع (مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب 20- 23، 174- 182) و (العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/685)
نقض مقولة " ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك "
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر أني أقوم بالعبادات والطاعات بدافع حبِّ الجنَّة، والخوف من النَّار، وليس بدافع محبة الله، أو حب الطاعات، فما السبب في ذلك؟ وما العلاج؟ . أريد أن أقوم بأي عبادة حبّاً في الله، وحبّاً في طاعته، في المقام الأول، فما السبيل إلى ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الإشكال في سؤالك أخي الفاضل منبعه تلك المقولة الخاطئة المشتهرة " لا نعبد الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، بل نعبده حبّاً له "! وبعضهم يذكرها بصيغة أخرى مفادها: أنه من عبد الله خوفا من ناره فهي عبادة العبيد، ومن عبده طمعاً في جنته فهي عبادة التجار، وزعموا أن العابد هو من عبده حبّاً له تعالى!!
وأيّاً كانت العبارة، أو الصيغة التي تحمل تلك المعاني، وأيا كان قائلها: فإنها خطأ، وهي مخالفة للشرع المطهَّر، ويدل على ذلك:
1. أنه ليس بين الحب والخوف والرجاء تعارض حتى تريد - أخي السائل - أن تعبد ربك تعالى حبّاً له؛ لأن الذي يخافه تعالى ويرجوه ليست محبة الله منزوعة منه، بل لعله أكثر تحقيقاً لها من كثيرين يزعمون محبته.
2. أن العبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم، والمحبة تولِّد الرجاء، والتعظيم يولِّد الخوف.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين، هما: المحبة، والتعظيم، الناتج عنهما: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً) الأنبياء/ 90، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة، والخوف.
ولهذا كانت العبادة أوامر، ونواهي: أوامر مبنية على الرغبة، وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم، والرهبة من هذا العظيم.
فإذا أحببتَ الله عز وجل: رغبتَ فيما عنده، ورغبت في الوصول إليه، وطلبتَ الطريق الموصل إليه، وقمتَ بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمتَه: خفتَ منه، كلما هممتَ بمعصية استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرتَ، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) يوسف/ 24.
فهذه مِن نعمة الله عليك، إذا هممتَ بمعصية وجدتَ الله أمامك، فهبتَ، وخفتَ، وتباعدتَ عن المعصية؛ لأنك تعبد الله، رغبة، ورهبة.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (8 / 17، 18) .
3. أن عبادة الأنبياء والعلماء والأتقياء تشتمل على الخوف والرجاء، ولا تخلو من محبة، فمن يرد أن يعبد الله تعالى بإحدى ذلك: فهو مبتدع، وقد يصل الحال به للكفر.
قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) الإسراء/ 57.
وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء -: (إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ 90.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
ويعنى بقوله: (رَغَباً) : أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه، من رحمته، وفضله.
(وَرَهَباً) : يعني: رهبة منهم، من عذابه، وعقابه، بتركهم عبادته، وركوبهم معصيته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
" تفسير الطبري " (18 / 521) .
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) أي: في عمل القُرُبات، وفعل الطاعات.
(وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) قال الثوري: (رَغَبًا) فيما عندنا، (وَرَهَبًا) مما عندنا.
(وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: مصدِّقين بما أنزل الله، وقال مجاهد: مؤمنين حقّاً، وقال أبو العالية: خائفين، وقال أبو سِنَان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب، لا يفارقه أبداً، وعن مجاهد أيضاً: (خَاشِعِينَ) أي: متواضعين، وقال الحسن، وقتادة، والضحاك: (خَاشِعِينَ) أي: متذللين لله عز وجل، وكل هذه الأقوال متقاربة.
" تفسير ابن كثير " (5 / 370) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
قال بعض السلف: " مَن عبد الله بالحب وحده: فهو زنديق، ومَن عبده بالخوف وحده: فهو حروري – أي: خارجي -، ومَن عبده بالرجاء وحده: فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء: فهو مؤمن موحد.
" مجموع الفتاوى " (15 / 21) .
4. اعتقادهم أن الجنة هي الأشجار والأنهار والحور العين، وغفلوا عن أعظم ما في الجنة مما يسعى العبد لتحصيله وهو: رؤية الله تعالى، والتلذذ بذلك، والنار ليست هي الحميم والسموم والزقوم، بل هي غضب الله وعذابه والحجب عن رؤيته عز وجل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومِن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول مَن قال: " ما عبدتُك شوقاً إلى جنَّتك، ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك ".
فإن هذا القائل ظنَّ هو ومَن تابعه أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض مَن غلط مِن المشائخ لما سمع قوله: (مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر في قوله تعالى: (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ) قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنَّة فأين النظر إليه؟! .
وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق: أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها: النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة، كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تُعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق.
" مجموع الفتاوى " (10 / 62، 63) .
وقال ابن القيم - رحمه الله -:
والتحقيق أن يقال: الجنَّة ليست اسماً لمجرد الأشجار، والفواكه، والطعام، والشراب، والحور العين، والأنهار، والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنَّة، فإنَّ الجنَّة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومِن أعظم نعيم الجنَّة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه، وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبداً، فأيسر يسير من رضوانه: أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر) التوبة/ 72، وأتى به مُنَكَّراًَ في سياق الإثبات، أي: أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة.
قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل
وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية: (فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه) ، وفي حديث آخر: (أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا: نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه) .
ولا ريب أن الأمر هكذا، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة، فإن (المرء مع مَن أحب) ، ولا تخصيص في هذا الحكم، بل هو ثابت، شاهداً، وغائباً، فأي نعيم، وأي لذة، وأي قرة عين، وأي فوز، يداني نعيم تلك المعية، ولذتها، وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه، ولا أكمل، ولا أجمل قرة عين ألبتة؟ .
وهذا - والله - هو العِلم الذي شمَّر إليه المحبون، واللواء الذي أمَّه العارفون، وهو روح مسمَّى الجنَّة وحياتها، وبه طابت الجنة، وعليه قامت.
فكيف يقال: " لا يُعبد الله طلباً لجنَّته، ولا خوفاً من ناره "؟! .
وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله، وإهانته، وغضبه، وسخطه، والبُعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم، وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها.
فمطلوب الأنبياء، والمرسلين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين: هو الجنَّة، ومهربهم: من النار، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
" مدارج السالكين " (2 / 80، 81) .
5. مؤدى تلك المقولة الاستخفاف بخلق الجنة، والنار، والله تعالى خلقهما، وأعدَّ كل واحدة منهما لمن يستحقها، وبالجنة رغَّب العابدين لعبادته، وبالنار خوَّف خلقه من معصيته والكفر به.
6. كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النار، وكان يعلِّم ذلك لأصحابه رضوان الله عليهم، وهكذا توارثه العلماء والعبَّاد، ولم يروا في ذلك نقضاً لمحبتهم لربهم تعالى، ولا نقصاً في منزلة عبادتهم.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) . رواه البخاري (6026) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: (مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟) قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ – أي: ابن جبل - قَالَ: (حَوْلَهَا نُدَنْدِن) .
رواه أبو داود (792) وابن ماجه (3847) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وعَنْ الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ) . رواه البخاري (5952) ومسلم (2710) .
قال تقي الدِّين السبكي – رحمه الله -:
والعاملون على أصناف: صنف عبدوه لذاته، وكونه مستحقّاً لذلك؛ فإنه مستحق لذلك، لو لم يخلق جنَّة ولا ناراً، فهذا معنى قول من قال: " ما عبدناك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنَّتك "، أي: بل عبدناك لاستحقاقك ذلك، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النار، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك، وهو جهل، فمَن لم يسأل الله الجنَّة والنجاة من النار: فهو مخالف للسنَّة؛ فإن مِن سنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولما قال ذلك القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: " إنه يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار "، وقال: " ما أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ ": قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن) .
فهذا سيد الأولين والآخرين يقول هذه المقالة، فمن اعتقد خلاف ذلك: فهو جاهل، ختَّال.
ومِن آداب أهل السنَّة أربعة أشياء لا بد لهم منها: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والافتقار إلى الله تعالى، والاستغاثة بالله، والصبر على ذلك إلى الممات.
كذا قال سهل بن عبد الله التستري، وهو كلامٌ حقٌّ.
" فتاوى السبكي " (2 / 560) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
كل ما أعده الله لأوليائه: فهو مِن الجنَّة، والنظر إليه هو من الجنة، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النَّار، ولما سألَ بعضَ أصحابه عما يقول في صلاته، قال: " إني أسأل الله الجنَّة، وأعوذ بالله من النَّار، أما إني لا أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ "، فقال: (حولها ندندن) .
" مجموع الفتاوى " (10 / 241) .
7. من أراد أن يعبد الله تعالى بالمحبَّة وحدها دون الخوف والرجاء: فدينه في خطر، وهو مبتدع أشد الابتداع، وقد يصل به الحال أن يخرج من ملَّة الإسلام، وبعض كبار الزنادقة يقول: إننا نعبد الله محبة له، ولو كان مصيرنا الخلود في النار!! ، ويعتقد بعضهم أنه بالمحبة فقط ينال رضا الله ورضوانه، وهو يشابه بذلك عقيدة اليهود والنصارى، حيث قال تعالى عنهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المائدة/ 18.
قال تقي الدين السبكي – رحمه الله -:
وأما هذا الشخص الذي جرد وصف المحبة، وعبد الله بها وحدها: فقد ربا بجهله على هذا، واعتقد أن له منزلة عند الله رفَعته عن حضيض العبودية، وضآلتها، وحقارة نفسه الخسيسة، وذلتها، إلى أوج المحبة، كأنه آمِنٌ على نفسه، وآخذٌ عهداً من ربِّه أنَّه من المقربين، فضلاً عن أصحاب اليمين، كلا بل هو في أسفل السافلين.
فالواجب على العبد: سلوك الأدب مع الله، وتضاؤله بين يديه، واحتقاره نفسه، واستصغاره إياها، والخوف من عذاب الله، وعدم الأمن من مكر الله، ورجاء فضل الله، واستعانته به، واستعانته على نفسه، ويقول بعد اجتهاده في العبادة: " ما عبدناك حق عبادتك "، ويعترف بالتقصير، ويستغفر عقيب الصلوات، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير في العبادة، وفي الأسحار، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير، وقد قام طول الليل، فكيف من لم يقم؟! .
" فتاوى السبكي " (2 / 560) .
وقال القرطبي – رحمه الله -:
(وادعوه خوفاً وطمعاً) أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب، وتخوف، وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر، يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما: هلك الإنسان، قال الله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحِجر/ 49، 50.
" تفسير القرطبي " (7 / 227) .
فأنت ترى أخي السائل أنه يجب عليك أن تسير في عبادتك على ما سار عليه الأنبياء والصالحون من قبلك، فتؤدي ما أمرك الله به من عبادات على الوجه الذي يحبه الله، وتقصد بذلك التقرب إليه، والرجاء بالثواب الذي أعدَّه للعابدين، والخوف من سخطه وعذابه إن حصل تقصير في الطاعات أو ترك لها، ومن زعم أنه يحب ربه تعالى فليريه منه طاعته لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/ 31.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/686)
أنواع التوسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع التوسل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة:
أحدها: لايتم الإيمان إلا به، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله، وهذا هو المراد بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة) سورة المائدة 35 [ويدخل في هذا؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك]
والثاني: التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه.
الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم، مثل قوله: اللهم! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء، ولكنه ضعيف، والصواب الجزم بتحريمه؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته.
الرابع: التوسل في عرف كثير من المتأخرين، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به (والاستغاثة بالأموات والأولياء) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/687)
الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً.
ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين:
الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء.
فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان.
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) :
" وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى.
ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن الصلاح:
" لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) .
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) :
" وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى.
وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له"
"الفتوحات الربانية" (2/27-29)
وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) :
" بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى.
وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) :
" هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى.
ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال.
لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) .
وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال.
وانظر جواب السؤال رقم (45730) .
وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء.
ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك.
فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265)
فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/688)
الباعث الأول على الطاعة الحب والإجلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أعبد الله ولا أرتكب المعاصي حبّاً فيه واستحياءً منه واحتراماً لجلاله، وليس طمعاً في الجنة أو خوفا من النار، هذا هو سؤالي، هل أنا على حق؟ إذا سألني أحد لماذا لا تزني، أرد عليه وأقول أستحيي من ربي، ولا أقول أخاف من النار؛ لأني أعتقد أن الاحترام أصدق من الخوف، أفيدوني لو سمحتم في أقرب وقت على عنواني الخاص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ربنا تبارك وتعالى هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي له الألوهية المطلقة، يستحق العبادة والمحبة لكمال ذاته وعظيم صفاته، تألهه قلوب العابدين لجلاله وكماله، ويعبده كل ما دونه لاستحقاقه صفات الحمد والتأله، هذا هو معنى ألوهيته الذي علمه سبحانه لأنبيائه ورسله، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل من شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه.
يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25.
ويقول عز وجل: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْري) طه/13-14.
فقد رتب العبادة على تفرده سبحانه بالألوهية، واستحقاقه أن يحمد ويعبد لكمال ذاته وعظيم صفاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
الله سبحانه يستحق لذاته أن يحب ويعبد، وأن يحب لأجله رسوله، والقلوب فيها معنى يقتضي حبه وطاعته، كما فيها معنى يقتضي العلم والتصديق به.
" مجموع الفتاوى " (7 / 541) .
وقال - رحمه الله -:
فقوله: (لا إله إلا أنت) فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل.
" مجموع الفتاوى " (10 / 249) .
ومن هنا ندرك أنه ينبغي أن يكون الباعث الأول على العبادة هو ما لله سبحانه من الجلال والعظمة والكمال، وما تفرد به سبحانه من صفات الألوهية والربوبية، ثم الباعث الثاني إنعام الله على عباده، وإحسانه إليهم، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
أصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان:
أحدهما: وهو الذي يقال له (محبة العامة) لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة، إذ هو مُيَسِّرُ الوسائط، ومسبب الأسباب، ولكن هذه المحبة فى الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحبَّ العبدُ في الحقيقة إلا نفسَه، وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه، فما أحب فى الحقيقة إلا نفسه، وهذا ليس بمذموم بل محمود، والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه.
الأصل الثانى فيه: هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله، وما من وجه من الوجوه التى يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه، حتى جميع مفعولاته، إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال، ويستحق أن يحمد على السراء والضراء، وهذا أعلى وأكمل، وهذا حب الخاصة، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم، ويتلذذون بذكره ومناجاته، ويكون لهم أعظم من الماء للسمك، حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون، وهم السابقون.
كما فى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) .
وفى رواية أخرى: (قَالُوا وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا) رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".
" مجموع الفتاوى " (10 / 84) .
ثانياً:
ومن أحب الله لكماله وجلاله واستحقاقه المحبة والتأله والتعبد لا شك أنه يحب قربَه سبحانه، ويتشوف إلى النظر إليه، ويتشوق إلى لقائه، يسعى للحصول على رضاه، ويرجو أن ينال محبته وكرمه ويكون عنده من المقربين.
وذلك كله لا يكون إلا بدخول الجنة التي هي محل رضوان الله، وفيها ينظر أهلها إلى وجه الله، وتمتلئ قلوبهم بمحبة معبودهم وإلههم الذي تنفطر القلوب شوقا إليه وإجلالا له، كما يكون فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
هذه هي الجنة التي طمَّعنا الله فيها، وطَمِعَ بها الأنبياء والصالحون والأولياء، كي يكونوا فيها بجوار الكريم سبحانه، ويتنعمون فيها برضوانه والقرب منه، فذلك أكبر لذات الجنة.
يقول سبحانه وتعالى: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/72.
وبهذا نعلم أن ليس ثمة تعارض بين عبادة الله محبة له وإجلالا، وبين سؤال الجنة وطلبها والشوق إليها والحرص على المسابقة إليها، وكذا الاستعاذة من النار والخوف منها، فإن العبد الذي يحب الله لذاته إذا استحضر أن الجنة دار رضوان الله ودار كرامته، وأنه سيجد فيها من قرب الله ما يزيد محبته وأنسه وشوقه: فلا شك أنه سيعمل لدخولها، ويسعى للدرجات العلى منها، ويحتسب طاعاته في الدنيا وسائلَ تقربه إليها وتبعده عن النار التي هي دار المهانة والبعد والغضب والعذاب.
ثالثا:
وأنتِ - أختنا الفاضلة - إذا تصورتِ معي ما سبق علمت خطأك حين ظننت أن الطمع في الجنة والخوف من النار يتعارض مع محبة الله إجلالا وتعظيما؛ لأن محبة الله تعني الشوق إليه، والرغبة في القرب منه، والسعي إلى رضوانه وتجنب سخطه؛ ولأن المحب يشتاق إلى محبوبه، وعذابه في البعد عنه، فكيف بسخطه عليه.
ولكن لما توهم كثير من الناس أن نعيم الجنة إنما هو طعام وشراب وحور عين ونحوها من اللذات الحسية قامت في أذهانهم تلك المعارضة بين محبة الله وعبادته وبين سؤال الجنة والاستعاذة من النار.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال: ما عبدتك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك.
فإن هذا القائل ظنَّ هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل فى مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله: (مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر فى قوله تعالى: (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ) قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه؟! .
وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق.
" مجموع الفتاوى " (10 / 62، 63) .
ويقول ابن القيم - رحمه الله -:
والتحقيق أن يقال: الجنة ليست اسماً لمجرد الأشجار والفواكه والطعام والشراب والحور العين والأنهار والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومن أعظم نعيم الجنة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدا، فأيسر يسير من رضوانه: أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر) التوبة/72، وأتى به مُنَكَّرًا في سياق الإثبات، أي أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة.
قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل
وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية: (فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه) وفي حديث آخر: (أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا: نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه) .
ولا ريب أن الأمر هكذا، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة، فإن المرء مع من أحب، ولا تخصيص في هذا الحكم بل هو ثابت شاهدا وغائبا، فأي نعيم وأي لذة وأي قرة عين وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ولا أكمل ولا أجمل قرة عين ألبتة؟ .
وهذا - والله - هو العلَم الذي شمر إليه المحبون، واللواء الذي أمه العارفون، وهو روح مسمى الجنة وحياتها، وبه طابت الجنة وعليه قامت.
فكيف يقال: " لا يعبد الله طلباً لجنته ولا خوفاً من ناره "؟! .
وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته وغضبه وسخطه والبعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها.
فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين: هو الجنة، ومهربهم: من النار. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
" مدارج السالكين " (2 / 80، 81) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/689)
معنى العبودية في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح معنى العبودية في الإسلام (العبودية لله والعبودية للناس) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عبودية المسلم لله عزّ وجلّ هي التي أمر بها سبحانه في كتابه وأرسل الرسل لأجلها كما قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل - 36
والعبودية في اللغة مأخوذة من التعبيد تقول عبّدت الطريق أي ذللته وسهلته، وعبودية العبد لله لها معنيان عام وخاص، فإن أريد المُعبّد أي المذلل والمسخر فهو المعنى العام ويدخل فيه جميع المخلوقات من جميع العالم العلوي والسفلي من عاقل وغيره ومن رطب ويابس ومتحرك وساكن وكافر ومؤمن وبَرٍّ وفاجر فالكل مخلوق لله عز وجل مسخر بتسخيره مدبر بتدبيره ولكل منهم حدٌّ يقف عنده.
وإن أريد بالعبد العابد لله المُطيع لأمره كان ذلك مخصوصا بالمؤمنين دون الكافرين لأن المؤمنين هم عباد الله حقا الذين أفردوه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ولم يشركوا به شيئاً. كما قال تعالى في قصّة إبليس: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. سورة الحجر
أما العبادة التي أمر الله بها فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة والبراءة مما ينافي ذلك فيدخل في هذا التعريف الشهادتان والصلاة والحج والصيام والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله والملائكة والرسل واليوم الآخر وقوام هذه العبادة الإخلاص بأن يكون قصد العابد وجه الله عز وجل والدار الآخرة قال تعالى {ويتجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) الليل 17-21.
فلا بد من الإخلاص ثم لا بد من الصدق: بأن يبذل المؤمن جهده في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه والاستعداد للقاء الله تعالى وترك العجز والكسل وإمساك النفس عن الهوى كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119.
ثم لا بد من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيعبد العابد الله تعالى بوفق ما شَرَع عزّ وجلّ لا بحسب ما يهوى المخلوق ويبتدع وهذا هو المقصود باتّباع النبي المرسل من عند الله محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد من الإخلاص والصدق والمتابعة فإذا عُرفت هذه الأمور تبين لنا أن كل ما يضاد هذه التعاريف فهو من العبودية للناس فالرياء هو عبودية للناس والشرك هو عبودية للناس وترك الأوامر واسخاط الرب مقابل رضى الناس عبودية للناس وكلّ من قدّم طاعة هواه على طاعة ربه فقد خرج عن مقتضى العبودية وخالف المنهج المستقيم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الخميصة وتعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش.
والعبودية لله تجمع وتتضمن المحبة والخوف والرجاء فالعبد يحبّ ربّه ويخاف عقابه ويرجو رحمته وثوابه فهذه أركانه الثلاثة التي لا تقوم إلا بها.
والعبودية لله شرف وليست مذلّة كما قال الشاعر:
ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/690)
أول واجب على الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أول واجب على الخلق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله) . فهذا أول واجب على العباد أن يوحدوا الله عز وجل , وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وبتوحيد الله عز وجل والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق الإخلاص , والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 84.(1/691)
حكم سؤال الله بجاه الصالحين ومكانتهم عنده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأموات الصالحون ربنا يكرم بهم العبد الحي إذا سألنا الله بصلاح الشيخ فلان وبفضله عندك وبعبادته لك أن تفرج يا الله كربتي ونحن نعلم أن الفائدة من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الدعاء هو من أعظم العبادات الشرعية التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، ولا شك أيضاً أنه لا يجوز لأحد من العباد أن يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما روى البخاري (2499) ومسلم (3242) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وفي لفظ لمسلم (3243) :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "
وبهذا يعلم أن التوجه إلى الله تعالى والتوسل إليه بما لم يرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، وبما لم يفعله أصحابه الكرام الذين كانوا أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه؛ بدعة منكرة ينبغي للعبد الذي يحب ربه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقدم عليها ولا يتعبد بها.
فإذا نظرنا إلى ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من التوسل إلى الله بمكانة الصالحين، وعبادتهم وجاههم عند الله؛ وجدنا أنه أمر مُحْدَثٌ لم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد عن صحابته الكرام أنهم توسلوا يوماً ما بجاهه ومكانته عند ربه لا في حياته ولا بعد مماته بل كانوا في حياته يتوسلون إلى الله بدعائه لهم، فلما توفي عليه الصلاة والسلام توسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من الأحياء وتركوا التوسل بجاهه؛ مما يدل بجلاء على أن التوسل بذاته وجاهه لو كان خيراً مشروعا لسبقونا إليه، ومن ذا يزعم أنه أحرص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخير، وهاهو يُعرِض عن التوسل إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوسل إليه بدعاء عم نبيه، والصحابة الكرام يشهدون ذلك منه دون نكير أو مخالفة؛ كما في صحيح البخاري (954) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ "
ومعنى توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالعباس هو: التوسل بدعائه بدلالة مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث ,َ عن أَنَس قَالَ " كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَوْا بِهِ , فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَة عُمَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح. وجاء عند عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ عُمَر اِسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى , فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ , فَقَامَ الْعَبَّاس " فَذَكَرَ الْحَدِيث. نقله الحافظ في الفتح وسكت عليه.
فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده عمر رضي الله عنه إنما هو التوسل بدعاء الرجل الصالح وهو توسل صحيح مشروع دلت عليه الأدلة الكثيرة وهو المعروف من حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم فإنهم كانوا إذا أقحطوا واحتبس عنهم المطر طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيدعو فيسقون، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/153)
" الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز، لأن العبادات توقيفية، ولم يشرع الله ذلك، وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات، وليس بجاه فلان وفلان وحياته من ذلك، فوجب على المكلفين الاقتصار على ما شرع الله سبحانه، وبذلك يُعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين " اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم ا. هـ.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه وشرعه حتى نلقاه.. آمين.
والله أعلم.
انظر (التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص55 وما بعدها، وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 153) ، والتوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي ص 180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/692)
وجوب تكسير الأصنام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب تكسير التماثيل في الإسلام، ولو كانت من التراث الإنساني والحضاري؟ ولماذا لما فتح الصحابة البلاد ورأوا فيها التماثيل لم يكسروها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة الشرعية على وجوب هدم الأصنام، ومن ذلك:
1- ما رواه مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته ".
2- وما رواه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ".
ويتأكد وجوب هدمها إذا كانت تعبد من دون الله:
3- روى البخاري (3020) ومسلم (2476) عن جرير بن عبد الله البجلي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال فنفرت في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب يده في صدري فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فانطلقَ فحرَّقها بالنار ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة منا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ".
قال الحافظ ابن حجر:
وَفِي الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة إِزَالَة مَا يُفْتَتَن بِهِ النَّاس مِنْ بِنَاء وَغَيْره سَوَاء كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا اهـ.
4- وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه في سرية لهدم العزى.
5- وأرسل سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه في سرية لهدم مناة.
6- وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية لهدم سواع. وذلك كله بعد فتح مكة.
[البداية والهاية 4/712، 776، 5/83، السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي 2/1186] .
قال النووي في "شرح مسلم" في كلام له على التصوير:
وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْع مَا كَانَ لَهُ ظِلّ , وَوُجُوب تَغْيِيره اهـ.
والذي له ظل من الصور هو الصور المجسمة كهذه التماثيل.
وأما ما يقال في ترك الصحابة رضي الله عنهم للأصنام في البلاد المفتوحة، فهذا من الظنون والأوهام، فما كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الأصنام والأوثان، لاسيما مع كونها معبودة في ذلك الزمن.
فإن قيل: فهذه الأصنام القديمة للفراعنة والفينيقيين وغيرهم، كيف تركها الصحابة الفاتحون؟
فالجواب: أن هذه الأصنام لا تخرج عن ثلاثة وجوه:
الأول: أن تكون تلك الأصنام في أماكن نائية لم يصل إليها الصحابة، فإن فتح الصحابة لمصر مثلاً لا يعني
وصولهم إلى كل أرض فيها.
الثاني: أن تكون تلك الأصنام غير ظاهرة، بل داخل منازل الفراعنة وغيرهم، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع عند المرور على ديار الظلمة والمعذبين، بل جاء نهيه عن دخول تلك الأماكن.
ففي الصحيحين: " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم " قال ذلك صلى الله عليه وسلم عند مروره على أصحاب الحجر، في ديار ثمود قوم صالح عليه السلام.
وفي رواية في الصحيحين أيضاً: " فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ".
والظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن رأوا معبداً أو منزلاً لهؤلاء أن لا يدخلوه، وأن لا يطلعوا على ما فيه.
وهذا مما يزيل الإشكال حول عدم تعرض الصحابة للأهرام وما فيها، مع احتمال كون أبوابها ومداخلها مطمورة بالرمال في ذلك الوقت.
الثالث: أن كثيراً من هذه الأصنام الظاهرة اليوم كان مغموراً مطموراً، أو اكتشف حديثاً، أو جيء به من أماكن نائية لم يصل إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟
فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول.
(شبه جزيرة العرب 4/1188) .
ثم بقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور، فلا بد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم كانوا قادرين على هدمه.
والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمه، فقد استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشرين يوماً، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم تتوفر للصحابة قطعاً.
ومما يدل على ذلك ما ذكره ابن خلدون في (المقدمة ص 383) أن الخليفة الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى، فشرع في ذلك وجمع الأيدي، واتخذ الفؤوس، وحَمَّاه بالنار، وصب عليه الخل، حتى أدركه العجز وأن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر.
وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني، فهذا كلام لا يلتفت إليه، فإن اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من الأصنام كانت تراثاً لمن يعدها في قريش والجزيرة.
وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته، وإذا جاء أمر الله ورسوله فالمؤمن يبادر إلى الامتثال ولا يرد أمر الله ورسوله بمثل هذه الحجج الواهية، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور / 51
ونسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/693)
رب العالمين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو رب العالمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله وحده هو الرب الخالق الرازق.. المالك المتصرف.. العليم الحكيم.. الحي القيوم.. السميع البصير.. اللطيف الخبير.. الرحمن الرحيم.. الحليم الغفور.. العزيز الجبار.. العفو الكريم.. القوي القادر.. البارئ المصور..
- له ملك السماوات والأرض بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
- لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى.. (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) طه / 8.
- يفعل ما يشاء.. ويحكم ما يريد.. (وربك يخلق ما يشاء ويختار) القصص 68 /.
- مالك الملك.. يعز من يشاء.. ويذل من يشاء.. (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) .آل عمران/26.
- هو يحيي ويميت، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير) آل عمران/156.
- له الخلق والأمر وحده.. (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف/ 54.
- هو الأول فليس قبله شيء.. والآخر فليس بعده شيء.. والظاهر فليس فوقه شيء.. والباطن فليس دونه شيء.. (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد /3.
- خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم.. (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على شيء وكيل) الأنعام /102.
- لطيف عظيم محيط بكل شيء.. (وكان الله بكل شيء محيطاً) النساء / 126.
- حي قيوم.. له ما في السماوات وما في الأرض.. لا يخفى عليه شيء.. ولا يعجزه شيء.. ولا يحيط به شيء.. (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم) البقرة /255.
- علم كل شيء وأحصاه.. (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس / 12.
- جواد كريم.. الرزق كله منه.. (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) هود/ 6
- نعمه لا تعد ولا تحصى.. (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) إبراهيم / 34.
- وخزائنه ملأت الأرض والسماء.. (ولله خزائن السماوات والأرض) المنافقون /7.
- غني حميد يعطي العباد ولا تنقضي خزائنه.. (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر / 15.
- عفو غفور يرحم عباده ويتجاوز عن سيئاتهم.. (إن الله لعفو غفور) الحج / 60.
- عالم الغيب والشهادة.. عزيز في ملكه.. حكيم في تدبيره.. (عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) التغابن / 18.
- يعلم السر والجهر وما يخفى.. (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) الأنعام / 3.
- لطيف خبير.. (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام / 103.
- واحد في ذاته وصفاته وأفعاله 00 (قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفواً أحد) الإخلاص / 1-4.
- سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شريك له.. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) الزمر/ 6.
- ومن هذا ملكه.. وهذه صفاته.. وهذا خلقه.. وهذه نعمه.. هو الذي يستحق الحمد والشكر.. وإخلاص العبادة له دون سواه.. (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون) يونس / 3.
- خلق فسوى.. وقدر فهدى.. ورزق فأغنى.. (الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) غافر / 64.
- اللهم لك الحمد على الملك العظيم.. (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) سبأ / 1.
- اللهم لك الحمد على الخلق العظيم.. (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) الأنعام / 1.
-اللهم لك الحمد هديتنا للإسلام.. وأنزلت علينا القرآن.. ورزقتنا من الطيبات.. وجعلتنا خير الأمم.. وأكرمتنا بوافر النعم.. لا إله إلا أنت.. لك الملك.. ولك الخلق والأمر.. ولك الفضل كله.. ولك الحمد كله.. (الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم - مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين) . الفاتحة /2- 5.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.(1/694)
حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/35، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله.
والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ".
ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/37.
ثانياً:
أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.
والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (2/53، 54) .
وقال الشنقيطي رحمه الله:
" اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . .
وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) .
ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلاَ في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) .
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار.
"أضواء البيان" (2/86– 88) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/695)
حكم نداء الملائكة والطّلب منهم قبل النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتهر عند بعض العوام أن يقول أحدهم قبل النوم يا ملائكة الحفظ أيقظوني في الساعة كذا أو عند وقت كذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر؛ لأنه دعاء لغير الله وطلب من الغائب، فهو كالطلب من الجن والأصنام والأموات لعموم قوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) 18/الجن، وقوله سبحانه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) 13-14/فاطر، فسمى سبحانه دعاء غيره من الأموات والأصنام والجن والملائكة شركاً به سبحانه وقال عز وجل: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) 6/الجن، وقال سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) 117/المؤمنون، فسمى الداعين لغيره كافرين، وهذا يعم جميع المدعوين من دون الله من أموات أو أصنام أو جن أو ملائكة، ولا يستثنى من ذلك إلا الحي الحاضر القادر لقول الله سبحانه في قصة موسى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) 15/القصص.
ومن هذا الشرك قول بعض الناس: يا جن خذوه يا سبعة خذوه، أو يا جن الظهيرة خذوه، أو يا جن الشعب الفلاني أو يا جن بلد فلان فهذا كله شرك أكبر ودعوة لغير الله من الغائبين، فإذا قال يا ملائكة الله أيقظوني أو احفظوني فهذا شرك أكبر، أو يا جن البيت احفظوني أو أيقظوني فهذا شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك والواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يستغيث بالله وحده ويسأله وحده ففيه الكفاية سبحانه، وهو القادر على كل شيء وهو القائل عز وجل: (ادعوني أستجب لكم) 60/غافر، والقائل سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) 186/البقرة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) .
نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/180.(1/696)
ما معنى سجود الملائكة لآدم وسجود إخوة يوسف له
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم؟ ولماذا سجد إخوة يوسف ليوسف؟ أعرف أن السجود يجب أن يكون لله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السجود يكون على وجهين:
يكون تعظيماً وتقرباً إلى من سُجِدَ لهُ، وهذا سُجود عبادة ولا يكون إِلاَّّ لله وحده في جميع الشرائع.
النوع الثاني من السجود، سُجود تحيَّة وتكريم وهذا هو السُّجود الذي أَمَر الله الملائكة به لآدم فسجدوا له تكريماً، وهو منهم عبادة لله سبحانه بطاعتهم له إذْ أمرهم بالسجود.
وأمّا سجود أَبَويْ يُوسُف وإخوته له فكذلك هو من سجود التحية والتكريم، وقد كان جائزاً في شريعتهم، وأمّا في الشريعة التي جاء بها خاتم النبيين محمدٌ صلى الله عليه وسلّم فلا يجوز السجود فيها لغير الله مطلقاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ". ونهى النبي عليه الصلاة والسلام معاذاً عن السجود له لمّا ذكر أن أهل الكتاب يسجدون لعظمائهم، وذكر الحديث المتقدم، وتحريم السجود لغير الله مطلقاً في هذه الشريعة هو من كمالها في تحقيق التوحيد وهي الشريعة الكاملة في كُلِّ ما اشتملت عليه من الأحكام، قال تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) .
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك.(1/697)
أنواع المحبة وأحكامها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من المسلمين دار بيننا حوار حاولنا فيه التوصل إلى تعريف لـ "الحب" في الإسلام. وعلى الرغم من أننا جميعاً ندرك تماماً ضرورة حب الله سبحانه وتعالى والتزامنا بأن نحبه هو وأنبيائه ورسله، فإننا نتساءل عما إذا كان هناك إطار واضح للحب بين البشر (مثل "الحب الأخوي" في المسيحية وليس النوع الرومانسي) . قال البعض بأن "الحب" لا يوجد إلا في نطاق الأسرة وكل ما عدا ذلك ما هو إلا احترام وصداقة وما إلى ذلك. وتساءل البعض عما إذا كان الحب يقتصر فقط على الزوج والأبناء. وتساءل آخرون عما إذا كان الحب يمكن أن يكون مشروطاً أم لا. ورأي آخر يقول بأن "الحب" (حسب التعبير الشائع) ما هو إلا "بدعة" تقوم على القصص الخيالية والفلسفة المسيحية. وقد بحث كثير منا في مصادر مختلفة للتوصل إلى إجابة، ولكن لم نعثر على إجابة قاطعة حتى الآن. فهل يمكنك أن تساعدنا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيتها السائلة الكريمة
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته وبعد
فإنّه لممّا يُثلج الصّدر ما تفعلينه مع أخواتك من تدارس لأمور الإيمان والإسلام ومن ذلك مناقشتكم لأمر المحبّة ولا شكّ أنّكِ وأخواتك تُدركين أهمية كلام العلماء في فضّ النّزاعات وأهمية الرّجوع إلى كلامهم في فهم القضايا الشرعية، ونحن ننقل لك هنا شيئا من كلامهم في أنواع المحبّة وأقسامها حتى تنجلي لكم القضية بإذن الله.
أنواع المحبة وأحكامها
تنقسم المحبّة إلى محبة خاصّة ومحبّة مشتركة والمحبّة الخاصّة تنقسم إلى محبّة
شرعية ومحبة محرمة.
فالمحبة الشرعية أقسام:
1- محبة الله وحكمها أنها من أوجب الواجبات وذلك لأن محبته سبحانه هي أصل دين الإسلام فبكمالها يكمل الإيمان. وبنقصها ينقص التوحيد ودليل ذلك قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة 165، وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 24. وغيرها من الأدلة في القرآن والسنة. وهي تتمثل في إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما أحب الله ويبغض ما يبغضه الله، ويوالي ويعادي فيه، ويلتزم بشريعته والأسباب الجالبة لها كثيرة.
2- محبة الرسول وهي أيضاً واجبة من واجبات الدين، بل لا يحصل كمال الإيمان حتى يحب المرء رسول الله أكثر من نفسه كما في الحديث: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. " رواه مسلم رقم 44 وحديث عبد الله بن هشام قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآنَ يَا عُمَرُ. " رواه البخاري فتح رقم 6632. وهذه المحبّة تابعة لمحبة الله تعالى وتتمثل في متابعته صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قول غيره.
3- محبة الأنبياء والمؤمنين وحكمها واجبة لأن محبة الله تعالى تستلزم محبة أهل طاعته وهؤلاء هم الأنبياء والصالحون ودليله قوله عليه السلام " من أحب في الله " أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك، ولا يكتمل الإيمان أيضاً إلا بذلك ولو كثرت صلاة الشخص وصيامه، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد رأيتنا في عهد رسول الله وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم.
والمحبة المحرمة:
منها ما هو شرك: وهو أن تحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو قد اتخذ نداً وهذا شرك المحبة وأكثر أهل الأرض قد اتخذوا أنداداً في الحب والتعظيم.
ومنها ما هو محرّم دون الشرك: وذلك بأن يحب أهله أو ماله أو عشيرته وتجارته ومسكنه فيؤثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال كالهجرة والجهاد ونحو ذلك ودليله قوله تعالى: (إن كان آباؤكم ... إلى قوله تعالى: أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)
فهذا الذي مضى هو المحبة الخاصة بأقسامها.
أما المحبة المشتركة فهي ثلاثة أنواع:
أحدها: طبيعية كمحبة الجائع للطعام،والظمآن للماء وهذه لا تستلزم التعظيم فهي مباحة.
الثاني: محبة رحمة وشفقة كمحبة الوالد لولده الطفل وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم ولا إشكال فيها.
الثالث: محبة أنس وألف كمحبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً فهذه الأنواع التي تصلح للخلق بعضهم بعضاً وكمحبة الأخوة بعضهم لبعض ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله تعالى.
من مراجع الموضوع: كتاب تيسير العزيز الحميد: باب ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً.
ونرجو بهذا التقسيم والشّرح أن تكون القضية قد اتّضحت لكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكلّ خير، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/698)
حكم تسمية البريد الإلكتروني باسم المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنشأت أول بريد الكتروني لي عندما كنت في الصف الثامن، وكنت حينها حريصة على أن يكون له مدلول إسلامي فسميّته باسم المؤمن، ثم بعد أن كبرت أدركت أن المؤمن من أسماء الله الحسنى، وأخشى أنني بذلك ارتكبت شركاً أو انتهكت حرمةً، فهل يجوز لي أن استمر في استخدام هذا البريد أم لا؟ وما توجيهكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس/180.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى ...
وقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه.
وحقيقة الإلحاد: الميل بها عما جعلت له، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها؛ فالواجب أن يُحذر الإلحادُ فيها، ويُحذر الملحدون فيها..".
"تفسير السعدي" (309) باختصار.
وينظر: بدائع الفوائد لابن القيم (1/179) ، القواعد المثلى، لابن عثيمين (25-26) .
وبذلك يتبين أن لله تعالى أسماء، لا يستحقها غيره، وأن إطلاق هذه الأسماء على أحد من خلقه هو من الإلحاد في أسمائه، الذي يستحق صاحبه أن يجازى به عند ربه يوم القيامة.
ثانيا:
أسماء الله تعالى وصفاته، وإن كانت كلها مختصة به سبحانه من حيث المعنى؛ فلا يشبه أحدا من خلقه في شيء منها، بل ما ثبت له منها يليق بجلال الألوهية، وعظمة الربوبية، كما أن ما ثبت لخلقه يليق بحال العبودية؛ لكن مع ذلك قد ورد في الشرع تسمية الله تعالى بأسماء وصفات ورد إطلاقها على بعض خلقه، وهذا إنما هو من حيث اللفظ والتسمية فقط، وإلا فما يضاف إلى الله تعالى مختص به، لا يشركه فيه أحد من خلقه، كما أن ما يضاف إلى العبد هو مختص به، يليق بحاله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره. وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم، مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص: اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.
فقد سمى الله نفسه حيا فقال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، وسمى بعض عباده حيا، فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي، لأن قوله (الحي) اسم لله مختص به، وقوله: {يخرج الحي من الميت} اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.
ولا بد من هذا فى جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى..
وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وليس المؤمن كالمؤمن " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/10-12) باختصار.
والحاصل: أنه لا حرج في التسمي بـ (المؤمن) من هذه الناحية؛ لأن اسم المؤمن ليس من الأسماء الخاصة بالله جل جلاله، والتي يمنع من تسمية الخلق بها، بل قد سمى الله سبحانه نفسه بالمؤمن في كتابه الكريم، وكذلك سمى بعض عباده بالمؤمنين، والمؤمنين؛ لكن ذلك لا يعني أن المعنى فيهما واحد، بل للخالق من الصفات ما يخصه ويليق به، لا يشاركه في حقيقته شيء من خلقه، ولخلقه ما يليق بهم من الأسماء والمعاني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/699)
هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل، أو ثلث الليل الأخير كله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اطّلعت على الفتاوي أرقام: 34810 و 22438 وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم 34810: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة أي أن طول الليل 9 ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم 34810. ولكني قرأت في الفتوى رقم 132950 أن وقت جوف الليل الآخر هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل) . فمتى وقت النّزول الإلهي: هل هو وقت جوف الليل الآخر، أم ثلث الليل الأخير كله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) .
وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر"، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام الترمذي رحمه الله: " وهو أصح الروايات". "سنن الترمذي" (2/309) .
ولا يمنع ذلك أن يقال: إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين: الخامس والسادس، وأول هذا الثلث هو السدس الخامس؛ فلذلك يصح أن يقال: إن وقت النزول هو الثلث الأخير، وهو أيضا: السدس الخامس.
فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر؛ كما في رواية لمسلم (758) : (فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) ؛ ازداد الأمر وضوحا، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل، وهو أيضا: السدس الخامس، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده.
على أنه قد يقال: إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني.
هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث.
قال الخطابي رحمه الله:
" قوله (أي الساعات أسمع) ، يريد: أيها أوقع للسمع، والمعنى أيها أولى بالدعاء، وأرجى للاستجابة؟ وهذا كقول ضماد الأزدي، حين عرض عليه رسول الله الإسلام، قال: فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب.
وجوف الليل الآخر: إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى. "غريب الحديث"، للخطابي (1/134) .
وقال ابن الأثير رحمه الله:
" وفيه: (قِيل له: أيُّ اللَّيل أسْمَعُ؟ قال: جَوْف الليل الآخِرُ) ، أي: ثُلثُه الآخِرُ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى. "النهاية" (1/841) .
وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله:
" وجَوْفُ اللَّيْلِ: الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ: أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قال: (َوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ) أَي: ثُلُثُةُ الآخِرُ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم " انتهى. "تاج العروس" (23/108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/700)
معنى التفويض في أسماء الله وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف المراد - والحمد لله - بهؤلاء الأربع: التحريف والتعطيل والتوقيف والتمثيل لكن يتحدث البعض أيضا عن أمر خامس وهو التفويض وأنا لا أعرف ما هو التفويض فهل بوسعكم رجاء أن توضحوا لي معناه ودلالاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التفويض في أسماء الله تعالى وصفاته له معنيان:
الأول: معنى صحيح، وهو إثبات اللفظ ومعناه الذي يدل عليه، ثم تفويض علم كيفيته إلى الله، فنثبت لله تعالى أسماءه الحسنى، وصفاته العلى، ونعرف معانيها ونؤمن بها، غير أننا لا نعلم كيفيتها.
فنؤمن بأن الله تعالى قد استوى على العرش، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه، ليس كاستواء البشر، ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا؛ ولذا، فإننا نفوض كيفيته إلى الله، كما قال الإمام مالك وغيره لما سئل عن الاستواء: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول".
انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (3/25) .
وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات صفات الله تعالى، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف، قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئا من ذلك ".
"العلو للعلي الغفار" (ص 250)
والمعنى الثاني للتفويض - وهو معنى باطل -: إثبات اللفظ من غير معرفة معناه.
فيثبتون الألفاظ فقط، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ثم يقولون: لا ندري معناه، ولا ماذا أراد الله به!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضّنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟
وأيضا: فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يُرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك، فعلي التقديرين لم نخاطَبْ بما بُيّن فيه الحق، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر.
وحقيقة قول هؤلاء في المخاطِب لنا: أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه، بل دل ظاهره علي الكفر والباطل، وأراد منا أن نفهم منه شيئا أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد ...
إلى أن قال: فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد " انتهى.
"درء التعارض" (1/115) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"السلف لم يكن مذهبهم التفويض، وإنما مذهبهم الإيمان بهذه النصوص كما جاءت، وإثبات معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، مع نفي التَّشبيه عنها؛ كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/ 11" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (25/1) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
"الصواب: ترك التأويل، وإثبات حقيقة الصفات التي أفادتها تلك النصوص، مع تفويض العلم بالكيفيات والماهيَّات، ومع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين، فلا تشبيه ولا تعطيل" انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (64/41) .
وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله:
"مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لا في المعنى" انتهى.
"فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 104) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"المفوضة قال أحمد فيهم: إنهم شر من الجهمية، والتفويض أن يقول القائل: الله أعلم بمعناها فقط، وهذا لا يجوز ; لأن معانيها معلومة عند العلماء. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم، فمعاني الصفات معلومة، يعلمها أهل السنة والجماعة ; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها، وأنها معاني غير المعاني الأخرى، فالضحك غير الرضا، والرضا غير الغضب، والغضب غير المحبة، والسمع غير البصر، كلها معلومة لله سبحانه، لكنها لا تشابه صفات المخلوقين" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب لابن باز" (ص 65) .
وقال أيضا:
"أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض , وبدّعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه , والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك , وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل. وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (3/55) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"التفويض نوعان: تفويض المعنى، وتفويض الكيفية.
فأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض - ويعني به تفويض المعنى - فقد كذب عليهم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (67/24) .
ثانياً:
توهم البعض أن مذهب السلف هو التفويض، وفهموا ذلك من قول السلف في أحاديث الصفات: (أمروها كما جاءت بلا كيف) .
وهو فهم غير صحيح، بل هذا القول الوارد عن السلف يدل على أنهم كانوا يثبتون الصفات بمعانيها لله تعالى، ثم ينفون علمهم بكيفية ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فقول ربيعة ومالك: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب) موافق لقول الباقين: (أمروها كما جاءت بلا كيف) فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة.
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.
وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضاً: فإن من ينفى الصفات لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.
وأيضاً: فقولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو: أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" انتهى.
"مجموع الفتاوى" الفتوى الحموية (5/41) .
وقد قرب ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:
"اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف".
روي هذا عن مكحول، والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي.
وفي هذه العبارة رد على المعطلة والممثلة، ففي قولهم: " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم: " بلا كيف" رد على الممثلة.
وفيها أيضا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين:
الأول: قولهم: "أمروها كما جاءت". فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها". ونحو ذلك.
الثاني: قولهم: "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته من لغو القول" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/32) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/701)
معنى (لا يمل الله حتى تملوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمل الله حتى تملوا)) ؟؟ وهل فيه إثبات صفة الملل لله عز وجل؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (43) ومسلم (785) واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ، تُصَلِّي. قَالَ: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
وظاهر الحديث يدل على إثبات الملل لله عز وجل على الوجه الذي يليق به سبحانه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: " (فإن الله لا يمل حتى تملوا) من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري لا نقص فيه، كنصوص الاستهزاءِ والخداع فيما يتبادر " انتهى من فتاوى الشيخ (1/ 179) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الحديث فأجابوا:
فأجابوا:
"الواجب هو إمرار هذا الحديث كما جاء، مع الإيمان بالصفة، وأنها حق على الوجه الذي يليق بالله، من غير مشابهة لخلقه ولا تكييف، كالمكر والخداع والكيد الواردة في كتاب الله عز وجل، وكلها صفات حق تليق بالله سبحانه وتعالى على حد قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/402) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل نثبت صفة الملل لله عز وجل؟
فأجاب بقوله: "جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: (فإن الله لا يمل حتى تملوا) فمن العلماء من قال إن هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ إن ملل المخلوق نقص، لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا.
ومن العلماء من يقول: إن قوله: (لا يمل حتى تملوا) يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل فإن الله يجازيك عليه، فاعمل ما بدا لك فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقا لأن قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني وهذا أيضا (لا يمل حتى تملوا) لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أن الله تعالى منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/702)
حكم إطلاق "سيدنا" على النبي صلى الله عليه وسلم والتسمي بأسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إطلاق كلمة "سيدنا" على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأولياء الصالحين؟ وحكم تسمية البشر بأسماء الله الحسنى مثل البصير والعزيز وغيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إطلاق لفظ سيدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حق، لأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو سيد العباد والمرسلين، فإذا قال الرجل: سيدنا محمد، اللهم صلِّ على سيدنا محمد. فلا بأس بهذا، هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وسيد الخلق.
وإنما كره ذلك على الناس في حياته؛ لأنه خاف عليهم الغلو. لما قالوا: أنت سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) سداً للذريعة؛ خاف عليهم أن يغلوا فيه عليه الصلاة والسلام، ولكن بعد أن توفي عليه الصلاة والسلام، وأخبرنا أنه سيد ولد آدم فلا بأس أن تقول: سيدنا، عليه الصلاة والسلام، فهو خيرنا وسيدنا وإمامنا، وهو خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام.
أما بقية الناس فالأولى ألا يقال سيدنا ولا يخاطب بهذا، لكن لو قيل: فلان سيدهم، يعني رئيسهم. سيدهم فلان يعني أميرهم، وشيخ قبيلتهم فلا بأس. مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن: (إن ابني هذا سيد) وقال: (مَنْ سيد بني فلان؟) وقال للصحابة يوم جاء سعد بن معاذ ليحكم في بني قريظة: (قوموا إلى سيدكم) فهذا لا بأس به.
لكن لا يقول: يا سيدنا. بل تركه أولى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (السيد الله تبارك وتعالى) ، ولأن هذا يفضي إلى التكبر والغلو فيه إذا قيل له هكذا.
فالأولى أن يقول الناس: يا أخانا، يا أبا فلان فهذا يكفي، وأما إذا قيل على سبيل الإضافة: من سيد بني فلان، هذا فلان سيد؛ لأنه من بيت النبوة، أو لأنه فقيه، أو عالم أو شريف في نفسه في أخلاقه وأعماله أو جواد كريم ـ فلا بأس، لكن إذا خيف من إطلاق صفة سيد عليه أن يتكبر أو يتعاظم في نفسه يُترك ذلك.
ولا يقال هذا للكافر ولا المنافق ولا العاصي؛ إنما يقال هذا للشيخ الكبير، للفقيه العالم الرئيس المعروف بالإصلاح والخير والحلم والفضل والجود.
فإذا قيل لهؤلاء: سيد، فلا بأس، أما أن يخاطب: يا سيدنا فتركه أولى، أما إذا كان الفاجر أو المنافق سيد قومه فلا بأس أن يُقال له: يا سيد بني فلان.
أما الشق الثاني من السؤال: فأسماء الرب تعالى قسمان:
قسم يجوز التسمية به، وقسم لا يجوز، لا يقال: خلاق ولا رزَّاق، ولا رب العالمين، ولكن مثل عزيز وبصير لا بأس؛ فالله سمى بعض مخلوقاته كذلك: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) الإنسان/2، (قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) يوسف/51، مثل هذه الأشياء تطلق على المخلوق، عزيز قومه، كذا بصير بالأمور، أو بصير بمعنى المبصر، كذلك حكيم يعني المحكم فلا بأس بهذه الأشياء؛ لأنها مشتركة وللمخلوق نصيبه منها.
والله له الأكمل منها سبحانه وتعالى، لكن الأسماء المختصة بالله لا تطلق على غير الله، لا يقال الله لابن آدم، ولا الرحمن ولا الخلاق، ولا الرزاق ولا خالق الخلق أو ما أشبهه مما يختص بالله سبحانه وتعالى" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
والله أعلم
"فتاوى نور على الدرب" (1/472) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/703)
معنى "أن الله تعالى في السماء"
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض من ينفي أن يكون الله تعالى في السماء يقول: السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها، وقال عليه الصلاة والسلام: (أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط فليس فيها مكان إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد) فتعالى الله أن يتحيز بين الملائكة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكلام المذكور في السؤال حق أريد به باطل! فالحق أن الله ليس متحيزاً في السماء، ولا هو – تعالى – متحيز بين الملائكة، والباطل: هو إرادة نفي علو الله تعالى على خلقه، وإيهام الناس أن أهل السنة والجماعة إذا قالوا: إن الله تعالى في السماء، أن معنى ذلك أن السماء تحويه وتحيط به.
وهذا لم يقل به أحد من أهل السنة.
ولم يقل أهل السنَّة: إن الله تعالى في السماء أخذاً من شِعرِ شاعر، ولا من نثر فصيح، بل قالوا ذلك واعتقدوه أخذاً له من قول الله تعالى عن نفسه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وللوقوف على شيء من أدلة علو الله تعالى على خلقه انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) .
ولدحض هذه الفرية الواردة في السؤال نقول: إن لفظ "السماء" له معنيان: الأول: العلو، والثاني: الجرم المخلوق المعروف، الذي هو السقف المحفوظ، فإذا قال أهل السنة: "الله في السماء" فمعنى السماء هنا: العلو.
ومن أراد بلفظ السماء ذلك الجرم المخلوق: فإنه يجعل "في" بمعنى "على".
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:
"وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه: مَن على السماء يعني: على العرش.
وقد يكون "في" بمعنى "على"، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) التوبة/2 أي: على الأرض، وكذلك قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) طه/71" انتهى.
"التمهيد" (7/130) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"معنى كون الله في السماء: معناه على السماء أي فوقها، فـ (في) بمعنى "على"، كما جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض) أي: عليها.
ويجوز أن تكون (في) للظرفية، و (السماء) على هذا بمعنى العلو، فيكون المعنى: أن الله في العلو، وقد جاءت السماء بمعنى العلو في قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء) .
ولا يصح أن تكون (في) للظرفية إذا كان المراد بالسماء الأجرام المحسوسة؛ لأن ذلك يوهم أن السماء تحيط بالله، وهذا معنى باطل؛ لأن الله أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (4/283) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"السلف، والأئمة، وسائر علماء السنَّة إذا قالوا: " إنه فوق العرش "، و " إنه في السماء فوق كل شيء ": لا يقولون إن هناك شيئاً يحويه، أو يحصره، أو يكون محلاًّ له، أو ظرفاً، ووعاءً، سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغنٍ عن كل شيءٍ، وكل شيءٍ مفتقرٌ إليه، وهو عالٍ على كل شيءٍ، وهو الحامل للعرش، ولحملة العرش، بقوته، وقدرته، وكل مخلوق مفتقرٌ إليه، وهو غنيٌّ عن العرش، وعن كل مخلوق.
وما في الكتاب والسنة من قوله: (أأمنتم من في السماء) ونحو ذلك: قد يَفهم منه بعضُهم أن "السماء" هي نفس المخلوق العالي العرش فما دونه، فيقولون: قوله (في السماء) بمعنى: "على السماء"، كما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، وكما قال: (فسيروا في الأرض) أي: على الأرض.
ولا حاجة إلى هذا، بل " السماء " اسم جنس للعالي، لا يخص شيئاً، فقوله: (في السماء) أي: في العلو دون السفل.
وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره، العلي الأعلى، سبحانه وتعالى" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (16/100، 101) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/704)
معنى قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من يقول في تفسير قول الله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) قال: فما من أحد من العلماء المعتبرين قال إن المقصود هو الله تعالى، إنما (مَنْ في السماء) ملائكته في السماء، والموكل بالخسف هو سيدنا جبريل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أدلة علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه تبلغ المئات، ولا يختلف أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان أن الله تعالى فوق كل شيء، مستوٍ على عرشه.
وقد دل على ذلك: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وللوقوف على شيء من ذلك انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) .
ثانياً:
أما ما جاء في السؤال من أن قول الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) : لم يقل أحد من العلماء المعتبرين إن المقصود هو الله تعالى، وإنما المقصود الملائكة، فهذا كلام باطل كذب، وبيان ذلك:
1. أن الإمام الطبري شيخ وإمام المفسرين (توفي 310 هـ) قد قال بأن المقصود بقوله تعالى (من في السماء) : إنه الله، وهذا يكفي لتكذيب النفي الوارد في السؤال.
قال الإمام الطبري رحمه الله:
"قول تعالى ذِكره: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون.
(أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم، وتجيئ، وتضطرب.
(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وهو الله.
(أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) وهو التراب فيه الحصباء الصغار" انتهى.
"تفسير الطبري" (23/513) .
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:
"وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه: مَن على السماء، يعني: على العرش" انتهى.
"التمهيد" (7/130) .
فهذان قولان لمفسِّر فقيه، ومحدِّث فقيه، وبهما يتبين بجلاء بطلان ذلك الزعم بأنه لا أحد من العلماء المعتبرين يقول بأن معنى (من في السماء) إنه الله، ولو شئنا لسردنا عشرات النقولات عن الأئمة المعتبرين، سلفاً، وخلَفاً.
2. جاءت آيات أخرى في القرآن الكريم، تؤيد ما ذكرنا في تفسير هذه الآية، وذلك أن الله تعالى قد خسف بأهل معصيته الأرض، أو يهددهم بأنه يخسف بهم الأرض، وهو يؤكد أن المقصود بـ "من في السماء" الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الآيات:
أ. قوله تعالى عن قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) القصص/81.
ب. قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) النحل/ 45.
ج. وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) الإسراء/ 67 – 69.
د. وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أن المراد بـ (من في السماء) هو الله تعالى، ولا تحتمل غير هذا المعنى:
أ. قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
ب. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (1924) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وبتأمل هذه الآيات والأحاديث يتبين خطأ ما زعمه ذلك الزاعم الذي جاء كلامه في السؤال.
وكل هذا يفعلونه، ويتجرؤون عليه، من أجل نفي صفة العلو لله تعالى، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/705)
حكم قول بعضهم عن الله: جسم لا كالأجسام
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في تايلاند كأقلية حيث يوجد هنا رجل يدعي أن الله جسم لا كالأجسام، حيث قال في بعض المنتديات: "إن الأساس هو أن الله جسم، ولكن لا نعلم كيف جسمه؟ وأن جسمه ليس كسائر الأجسام، لأنه ليس كمثله شيء فهل هذا القول صحيح؟ وما حكم الشرع في القائل؟ وما هو واجبنا تجاه القول والقائل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القول بأن الله جسم لا كالأجسام، قول غير صحيح، وذلك لعدم ثبوت وصف الله تعالى بالجسمية في الكتاب أو السنة.
والأصل الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يتجاوز القرآن والحديث، لكن إن أراد المثبت للجسمية إثبات أن الله تعالى سميع بصير متكلم مستو على عرشه، وأنه يُرى ويشار إليه، إلى غير ذلك من صفاته، قيل له: هذه الصفات حق، وقد أخطأت في التعبير عنها أو عن بعضها بالجسمية، ولهذا لم يعرف عن سلف الأمة التعبير بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولفظ الجسم فيه إجمال، قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة، والله تعالى منزه عن ذلك كله، أو كان متفرقا فاجتمع، أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه.
وقد يراد بالجسم ما يشار إليه، أو ما يُرى، أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يُرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فإن أراد بقوله: ليس بجسم هذا المعنى، قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تُقم دليلا على نفيه، وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفياًَ ولا إثباتاً، وكذلك لفظ الجوهر والمتحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المحدَث فيها نفيا وإثباتا " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (1/550) .
وقد تبين بهذا أن لفظ الجسم لفظ مجمل، يحتمل حقا وباطلا، وهو لفظ مبتدع لم يرد في النصوص نفيا ولا إثباتا، فلزم اجتنابه.
والقائل بأن الله جسم لا كالأجسام ينبغي نصحه، ودعوته للوقوف عند ما وصف الله به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولزومِ منهج السلف.
قال السفاريني رحمه الله: "قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والحديث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب السلف أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فالمعطّل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما، والمسلم يعبد إله الأرض والسماء" انتهى من "لوامع الأنوار البهية" (1/24) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/706)
معنى اسم الله تعالى "الجبار"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله تعالى الجبار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الجبار له ثلاث معان:
الأول: جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبار، الذي يقهر الجبابرة، ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته في يده وقبضته.
الثاني: جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغِنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها؛ وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.
الثالث: جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عالٍ عليهم، وهو مع علوه قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
قال ابن القيم في النونية في معنى الجبار:
وكذلك الجبار في أوصافه والجبر في أوصافه قسمان
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كسرة فالجبر منه دان
والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان
وله مسمى ثالث وهو العلو فليس يدنو منه إنسان
من قولهم جبارة للنخلة العلـ يا التي فاقت كل بنان" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى العقيدة" (صـ 56) .
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله(1/707)
معنى اسم (الرقيب)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اسمي رقيب فما معنى هذا الاسم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
"الرقيب" من أسماء الله تعالى الحسنى.
قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1. وقال سبحانه: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52. وقال تعالى عن نبيه عيسى عليه السلام: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة/117.
ومعنى "الرقيب" أي: المراقب، المطلع على أعمال العباد، الذي لا تخفى عليه خافية، ويدخل في معنى "الرقيب" أيضاً: المدبر لأمور الخلق على أحسن ما يكون.
قال الخازن في "لباب التأويل" (1/473) في تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) :
"والرقيب في صفة الله تعالى: هو الذي لا يغفل عما خلق، فيلحقه نقص، ويدخل عليه خلل، وقيل: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء من أمر خلقه، فبيّن بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) أنه يعلم السر وأخفى , وإذا كان كذلك فهو جدير بأن يخاف ويتقى" انتهى.
وقال الألوسي في "روح المعاني" (4/209) :
"ناظراً إلى قلوبكم، مطلعاً على ما فيها" انتهى.
وقال في "التحرير والتنوير" (13/150) في تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) الرعد/33.
"والقائم على الشيء: الرقيب فيشمل الحفظ والإبقاء والإمداد" انتهى.
وجاء في "لسان العرب" (1/424) مادة: (رقب) :
"في أَسماءِ الله تعالى: الرَّقِيبُ , وهو الحافظُ الذي لا يَغيبُ عنه شيءٌ" انتهى.
وقال ابن جرير في قوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52.
"يقول: وكان الله على كل شيء: ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظًا، لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ ذلك كله" انتهى.
"تفسير الطبري" (20/304) .
وقال السعدي:
"أي: مراقبًا للأمور، وعالمًا بما إليه تؤول، وقائمًا بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن إحكام" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 670) .
ثانياً:
أما عن اسمك "رقيب"، فهو لا يخرج من حيث الأصل عن المعنى السابق، غير أنه بحسب ما يليق بالإنسان من هذا المعنى.
فمعناه: المشرف والمراقب -ومنه: رقيب الجيش-، والحارس الحافظ، فرقيب القوم هو حارسهم.
راجع: "لسان العرب" (1/424) – "الصحاح" (1/264) – "مقاييس اللغة" (2/353)
- "القاموس المحيط" (116) – "تاج العروس" (533) – "المخصص" (3/155) .
مادة: (رقب) .
وإذا اطلع الإنسان على حسن معنى اسمه، فإن عليه أن يجتهد في الاتصاف بهذا المعنى، وقد جرت العادة أن كل شخص لابد له من نصيب من اسمه، وانظر كلام ابن القيم في ذلك في جواب السؤال رقم (14622) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/708)
تكرار اسم الله " الباطن " يوميّاً هل تُكشف به الأسرار؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا عن تكرير اسم الله " الباطن " ثلاث مرات يوميّاً لكشف الأسرار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اسم الله تعالى " الباطن " ثبت في القرآن، والسنَّة:
قال تعالى: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3.
وعَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَىْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) .
وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم (2713) .
ثانياً:
وأما معنى اسم الله " الباطن ": فخير تفسير له ما فسَّره به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (وأنت الباطن فليس دونك شيء) ومعناه: العالِم ببواطن خلقه، القريب منهم، المحيط بهم، لا تخفى عليه منهم خافية، فهو تعالى قريب من عموم خلقه بالعلم، والقدرة، والإحاطة، وقريب من خصوص أوليائه بالنصرة والتأييد.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: (وأنت الباطن فليس دونك شيء) : المعنى: ليس دون الله شيء، لا أحد يدبر دون الله، ولا أحد ينفرد بشيء دون الله، ولا أحد يخفى على الله، كل شيء فالله محيط به، ولهذا قال: (ليس دونك شيء) يعني: لا يحول دونك شيء، ولا يمنع دونك شيء، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وهكذا.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (8 / 429) .
وانظر جواب السؤال رقم: (11277) ففيه شرح أوفى.
ثالثاً:
بعد أن علمنا ثبوت اسم الباطن أنه من أسمائه تعالى الحسنى، وعلمنا معانيه الجليلة: فليُعلم أن ما ذُكر في السؤال من كون ترداد اسم الله " الباطن " ثلاث مرات يوميّاً: يُكشف به الأسرار: قول باطل، لا قيمة له، فليس له أصل في الشرع، ولا هو ثابت في الواقع، ولا يحل لأحدٍ استعمال أسمائه تعالى الجليلة للعبث، ولا علاقة لما ورد في السؤال، ولما يزعمه المشعوذون والدجالون من خواص معينة لأسماء الله تعالى، سوى ما ورد به الشرع، من إحصائها، والتعبد لله بمقتضاها.
وقد رأينا من ذكر غير عدد الثلاث مرات، فقال بعضهم: " مَن أراد أن يطلع على علم الضمائر - أي: أن يدرك ما يضمره الآخرون -: فليقل " يا باطن " 62 مرة يوميّاً! لمدة أربعين يوماً، ومَن قال: " يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن " 99 مرة كل يوم: نال ذلك أيضاً، ولذلك تأثير عجيب "! .
وكل ذلك لا أصل له، ولا ضابط للعدد في تلك النقولات، فكلها اختراعات من أصحابها، ولا ثمة من يطالبهم - من المريدين - بالدليل على صواب ما يقوله أحدهم، وبطلان ما يزعمه غيره.
وتتبارى الفرق الباطنية فيما بينها للوصول إلى إضلال الناس، وتعليقهم بعلم المكاشفات، وتخترع كل طائفة منها سبيلاً ليسلكه المريد عندهم ليكون من " أهل الكشف "، فبعض تلك الطوائف تجعل تكرار اسم الله " المهيمن " ألفاً وأربعين مرَّة هو السبيل للاطلاع على بواطن الخلق! ومنهم يجعل تكرار اسم الله " الحكيم " حتى يغيب عن الوعي هو الطريق لذلك! وكل ذلك من الضلال، والانحراف عن اعتقاد سلف هذه الأمة، ومن تلبيس الشيطان على تلك الطوائف الضالة، وقد جمعوا ذلك تحت عناوين مثل: " أسرار أسماء الله الحسنى "! و " فوائد أسماء الله الحسنى "! .
وانظر جواب السؤال رقم (12778) لمعرفة الفرق بين الكشف الرحماني، والكشف الشيطاني.
وانظر جواب السؤال رقم (45559) في الإنكار على من استعمل أسماء الله تعالى في العلاج.
وليُنظر كتاب " نقض الصوفية " للأستاذ عامر حسن عامر، ففيه مباحث قيمة في علم الكشف عند المتصوفة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/709)
هل "الحد" ثابت لله؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل الله عز وجل محدود أم غير محدود؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل في الكلام عن الأسماء والصفات النقل، إذ إن أسماء الله وصفاته توقيفية كما حرر ذلك أهل العلم.
ينظر: إجابة السؤال رقم: (106256)
ثانيا:
باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات.
قال ابن القيم رحمه الله:
" ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه؛ فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا " انتهى.
"بدائع الفوائد" (1/169)
وقال أيضا:
" ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا، فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه: هل هي توقيفية، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع " انتهى مختصرا.
"بدائع الفوائد" (1/170)
ثالثا:
قد ذم أهل العلم إطلاق القول، نفياً أو إثباتاً، في الألفاظ المحدثة المجملة، قبل الاستفصال عن معناها عند قائلها، ورد القول في ذلك إلى المحكم الثابت من الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله:
" إذا منع إطلاق هذه المجملات المحدثات في النفي والإثبات، ووقع الاستفسار والتفصيل: تبيَّنَ سواءُ السبيل.
وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام، نص على كل ما يعصم من المهالك، نصا قاطعا للعذر، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) سورة التوبة /115، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) المائدة/3 ".
ثم قال:
" وهذه الجملة: يُعلم تفصيلها بالبحث والنظر، والتتبع والاستقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل، ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء. وذلك يكون بشيئين:
أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين؛ فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما قال تعالي: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} البقرة /213، وقال تعالي {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} الشورى /10، وقال {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} النساء / 59 – 61.
ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة: النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور أو تقصير في بيان الحق؛ ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة، المشتملة علي حق وباطل؛ ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين.
بخلاف النصوص الإلهية، فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل. ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه؛ فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا وإثباتا؛ لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل؛ فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله، بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه.
وأما المختلفون في الكتاب، المخالفون له، المتفقون علي مفارقته: فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات التي لا يجوز اتباعها، بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه، أوالإعراض عنها وترك التدبر لها ".
"درء تعارض العقل والنقل" (1/73-77) .
رابعاً:
إذا وقع الاستفصال عن المعنى، ورددنا محل النزاع إلى كتاب وسنة رسوله: ساغ استخدام اللفظ الحادث، للدلالة على معنى ثابت، عند من يحتاج إلى ذلك.
قال شيخ الإسلام:
" اذا أثبت الرجل معنى حقا، ونفى معنى باطلا، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب، لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك: لم يكن ذلك منهيا عنه؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى، ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه، وهذا جائز، بل مستحب أحيانا، بل واجب أحيانا. وإن لم يكن ذلك مشروعا على الإطلاق؛ كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص، إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة، ... وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب، بلا نزاع بين العلماء ". انتهى.
بيان تلبيس الجهمية (2/389) .
خامسا:
من هذا الباب لفظ " الحد " المذكور في السؤال؛ فمن أراد بإثبات الحد، أنه سبحانه وتعالى بائن عن خلقه بحد فاصل، بين الخالق والمخلوق، فلا يحل شيء من المخلوقات بذاته جل جلاله، كما أنه لا يحل بشيء من خلقه ولا يتّحد به: فهذا معنى صحيح، يُخْبَر به عن الله تعالى، وإن لم يكن صفة ثبوتية، تضاف إليه سبحانه.
قال شيخ الإسلام:
" ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه: إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها، ويجحدون قدره، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه، منفصلٌ عنه، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون: ليس له حدٌّ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ، ولا يكون فوق العالم، لأن ذلك مستلزم للحدِّ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله بن المبارك: بماذا نعرفه؟ قال: بأنه فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو وجوده فوق العرشِ، ومباينته للمخلوقات، فقالوا له: بحدٍّ؟ قال: بحدّ.".
انتهى باختصار. بيان تلبيس الجهمية (1/443) .
وقال شيخ الإسلام أيضا:
" هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة؛ بل بيّنّا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته ".
"بيان تلبيس الجهمية" (1/445)
ومن هنا نتبين أن إطلاق جمع من السلف لهذا اللفظ كان ردا على الجهمية والحلولية وأشباههم من أهل البدعة، وبياناً لمعنى شرعي صحيح في نفس الأمر، وإن كان الشرع لم يعبر عنه بهذا اللفظ.
سادساً:
إثبات الحد لله تعالى، والإخبار به عنه: لا يعني أن الخلق يُحيطون به علماً، سبحانه، أو أنهم يعلمون منتهى ذلك الحد، قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه/110، وقال: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء) البقرة/255.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:
" والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد، ويَكِل علم ذلك إلى الله.
ولمكانه أيضا حد، وهو على عرشه فوق سماواته.
فهذان حدان اثنان ". انتهى.
"نقض الدارمي على بشر المريسي" (223-224) ، وينظر: "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (7/193) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/710)
استشكل صفة " العَجب " لله تعالى مع علمه بما سيفعله خلقه تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[قد أَشكل عليَّ شيءٌ في العقيدة، وأريد توضيحه إذا أمكن، نحن كمسلمين نؤمن أن علم الغيب عند الله عز وجل، فلا يعلم أحد غيره ما كان، وما يكون، وما سيكون، فكيف نوفِّق بين هذا، وبين " تعجب الله من فعل الصحابي مع ضيفه عندما قلد صوت الأكل ولم يأكل "، حيث إن الله يعلم هذا الشيء مسبقاً - سبحانه وتعالى -. أنا يا شيخ يأتيني الشيطان بهذه الوساوس، وأحاول جاهداً طرده، وأنا أعلم حقيقة أن ما بي هو سوء فهم، لا أكثر، فهلا أجبتني جزاك الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله لك الهداية والتوفيق، ونسأله تعالى أن يرزقك الإخلاص واليقين، وقد أحسنتَ بسؤالك عما يقلقك، وسنجيب على سؤالك بما يقطع دابر الشك والوسوسة بإذن الله وتوفيقه، ونحن نذكر لك الحديث بنصه، ثم نعقبه بكلام الأئمة الأعلام في معناه.
نص الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ: (مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ، قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ قَالَ فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ) .
رواه مسلم (2054) .
مجهود: أي: أصابني الجهد، وهو المشقة، والحاجة وسوء العيش والجوع.
ثانياً:
سبب الإشكال عندك أخي السائل: هو ظنك أن صفة " التعجب " معناها الدهشة من فعل شيء غير متوقع أو غير معلوم، أو: أن سبب الفعل المتعجَّب منه يخفى على المتعجِّب، ومن هنا قالوا: " إذا عُرف السبب بطل العجب "! .
وكلا هذين االمعنيين باطل في حق الله تعالى، وإنما هذا هو تعجب المخلوق، والله تعالى ليس كمثله شيء، فليس سمعه كسمع المخلوق، وليس بصره كبصر المخلوق، وليست رحمته كرحمة المخلوق، وهكذا سائر صفاته، وأفعاله، وأسمائه، ومثله يقال في صفة " العَجَب "، فليست هي كصفة العجَب عند المخلوق.
والله تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو خالق الخلق وخالق أفهالهم، فلا يليق بجلال الله وكماله أن نفهم أن هذه الصفة تستلزم في حقه سبحانه، ما تستلزمه في حق البشر من الجهل، والدهش أو الحيرة، أو ما إلى ذلك؛ بل هذه الصفة، وجميع صفاته، تفهم على معناها الظاهر في اللغة، مع الاعتقاد أن الله جل جلاله لا يشبه أحدا من خلقه في صفاته، كما أنه لا يشبههم في ذاته.
وأما معنى الصفة اللائق بالله تعالى فهو أنها بمعنى " تعجب استحسان " لا تعجب اندهاش.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
والعجب هنا: عجبُ استحسان، استحسن عز وجل صنيعهما من تلك الليلة، لما يشتمل عليه من الفوائد العظيمة.
" شرح رياض الصالحين " (3 / 420) .
ثالثاً:
وقد ثبتت صفة " العَجَب " لله تعالى في الكتاب والسنَّة:
1. قال تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) الصافات/ 12، وفي قراءة: (عَجِبْتُ) .
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -:
قوله: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) اختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء الكوفة: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من (عَجِبْتَ) ، بمعنى: بل عظُم عندي، وكبر اتخاذهم لي شريكاً، وتكذيبهم تَنْزيلي، وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قرَّاء المدينة، والبصرة، وبعض قرَّاء الكوفة (عَجِبْتَ) بفتح التاء، بمعنى: بل عجبتَ أنت يا محمد، ويسخرون من هذا القرآن.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ: فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القاريء بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكلّ واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه.
" تفسير الطبري " (21 / 22، 23) .
2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ) .
رواه البخاري (2848) .
3. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ) .
رواه أحمد (28 / 600) وحسنَّه محققوه، وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 270) .
قال أبو يعلى الفراء – رحمه الله – تحت باب " إثبات صفة العَجب لربنا تبارك وتعالى -:
اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث كالكلام في الذي قبله – وكان ساق قبله حديثين -، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه، وحمْله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته.
" إبطال التأويلات " (ص 245) .
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني، قوام السنة، رحمه الله:
" وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يعجب، لأن العجب ممن يعلم ما لم يكن يعلم. واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: (بل عجبت ويسخرون) على أنه إخبار من الله عز وجل عن نفسه "
"الحجة في بيان المحجة" (2/490) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وأما قوله: " التعجب استعظام للمتعجب منه ". فيقال: نعم؛ وقد يكون مقرونا بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره.
والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما تعجب منه ; بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيما له. والله تعالى يعظم ما هو عظيم ; إما لعظمة سببه، أو لعظمته. فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم. ووصف بعض الشر بأنه عظيم ...
ولهذا قال تعالى: {بل عجبتُ ويسخرون} على قراءة الضم، فهنا هو عَجِب من كفرهم مع وضوح الأدلة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما: (لقد عجب الله) وفي لفظ في الصحيح: (لقد ضحك الله الليلة من صنعكما البارحة) .. "
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (6/123-124) .
وينظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة، للشيخ علوي السقاف (210-213) .
وبعد:
فلقد رأيت – أخي السائل – أن العَجَب الذي يكون عن جهل: هو عجب البشر، وأما عجب الرب تعالى فليس كذلك، بل هو عن سابق علم، وإنما أراد الله تعالى استحسان فعلهم، وتعظيمه بذكره بهذه الصفة، اللائقة به تبارك وتعالى.
فأما الوسوسة، فلها داواءان: دواء العلم البنوي الشافي من الجهل والتلبيس الشيطاني، فشد يديك بكتب أهل السنة، وأئمة أهل العلم والإيمان.
ودواء آخر نبوي أيضا، يقطع عنك أبواب الخيالات الفاسدة، والوساوس المحيرة.
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟! فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) . رواه البخاري (3276) ومسلم (134) .
فهذا دواء نافع، بإذن الله، من كل ووسواس فاسد، أو سؤال لا وجه له، واسترسال في خيال محير.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/711)
تفصيل مفيد في صفة " السمع لله تعالى، وفيها بيان سماع الله لخلقه على اختلاف لغاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الله عز وجل يفهم جميع اللغات؟! ولماذا نعاني نحن كل هذه المعاناة في تعلم العربية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليعلم أن الله تعالى جلَّ وعلا ليس كخلْقه، بل له صفات الكمال سبحانه وتعالى، فهو عزَّ وجلَّ قال عن نفسه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى/ من الآية11.
ومن أصول الإيمان القطعية، التي لا يصح إيمان العبد، ولا معرفته بربه إلا بها: أن يعلم أن الله جل جلاله بكل شيء عليم، بما كان، وبما يكون، وبما لم يكن، يعلم السر وأخفى، لا يشغله شيء عن شيء، ولا صوت عن صوت، ولا خلق عن خلق، السر والعلن عنده سواء:
(سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن السر والجهر عنده سواء، وأن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء؛ لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفى كما يعلم الظاهر.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [67/13، 14] ، وقوله: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [20/7] ، وقوله: {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [11/5] ، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الآية [50/16] ، إلى غير ذلك من الآيات ". انتهى.
"أضواء البيان" (2/236) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، كَثِيرَ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا!!
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} .
رواه البخاري (4443) ومسلم (4979) .
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ: تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى، وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِى، وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) ، قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ»
رواه مسلم (395) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
فهذا يقوله سبحانه وتعالى لكل مصلٍّ قرأ الفاتحة، فلو صلَّى الرجل ما صلَّى من الركعات قيل له ذلك، وفي تلك الساعة يصلي مَن يقرأ الفاتحة مَن لا يُحصي عددَه إلا الله، وكل واحدٍ منهم يقول الله له كما يقول لهذا، كما يحاسبهم كذلك، فيقول لكل واحد ما يقول له من القول في ساعة واحدة، وكذلك سمعه لكلامهم، يسمع كلامهم كلَّه مع اختلاف لغاتهم، وتفنن حاجاتهم؛ يسمع دعاءَهم سمْع إجابة، ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين؛ فإنه سبحانه هو الذي خلق هذا كله، وهو الذي يرزق هذا كله، وهو الذي يوصل الغذاء إلى كل جزء من البدن على مقداره وصفته المناسبة له، وكذلك من الزرع.
" مجموع الفتاوى " (5 / 479، 480) .
ثانيا:
الله تعالى هو الذي خلق اللغات، وجعل ذلك من آياته تعالى على ربوبيته، وقدرته، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم/ 22؛ وكيف يكون إلهاً، ومعبوداً، وربّاً، وهو لا يعلم ما يقوله عباده؟! إننا نرى فيما يعتاده الناس ويعرفونه: أن صاحب الصنعة هو أدرى الناس بها، وأفضل طريقة لمعرفة نظام جهاز من الأجهزة: أن تراجع كتاب التشغيل الصادر عن مصنعه؛ فكيف بالله جل جلاله، وهو خالق الخلق، وهو علام الغيوب: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/13-14.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه، فقال: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} ، أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فـ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما فيها من النيات والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال التي تسمع وترى؟!
ثم قال مستدلا بدليل عقلي على علمه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ؛ فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ، الذي لطف علمه وخبره حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا والغيوب، وهو الذي {يعلم السر وأخفى} ؟! انتهى.
"تفسير السعدي" (876) .
ثالثا:
إذا آمنا بأن الله رقيب على عباده مطلع عليهم، وآمنا بأن الخلق إليه يحشرون، وأنه سيحاسبهم على أعمالهم، فمن ضرورة ذلك: أن نؤمن إيمانا جازما باطلاعه على خلقه، وعلمه بهم:
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) غافر/19-20.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيكلم خلقه يوم القيامة، من غير حجاب ولا ترجمان بينه وبينهم:
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) .
رواه البخاري (7005) ومسلم (1016) .
وفي رواية للبخاري:
(وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهََّمَ) . رواه البخاري (3400) .
رابعاً:
أما تعلم اللغة العربية فالقدر الذي يجب منه: أن تتعلم المقدار الذي تصح به صلاتك وعبادتك، وما زاد على ذلك فهو نافلة مستحبة، أن تتعلم ما يعينك على فهم كتاب الله وسنة نبيه، والتفقه في دينه، ويتأكد ذلك في حق طالب العلم، ويتأكد في حق الشاب القادر على التعلم ما لا يطلب من الشيخ والمرأة الكبيرة، وهكذا كل على حسب طاقته.
قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:
فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذِّكر فيما افترض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح، والتشهد، وغير ذلك.
" الرسالة " (ص 48) .
وأما سبب معاناة كثيرين في تعلم العربية: فلعل ذلك يعود لأسباب كثيرة، منها عدم سلوك الطريق المنهجي المناسب، أو عدم خبرة المعلم بتدريس اللغة لغير أهلها، أو عدم المداومة على استعمال ما تعلمه المتعلم من الألفاظ والأساليب، إلى غير ذلك من الأسباب التي من الممكن أن يستشار فيها المختص، كل على حسب حالته.
ومن الأمور المهمة التي يُنصح بها هنا أن يكثر المتعلم من مخالطة العرب، ومحاولة التكلم معهم بالعربية، خاصة فيما يتعلق بالأمور الدينية والعلمية، فهذا أفضل الطرق لاكتساب اللغات: أن يخالط المرء أهلها، وأن يصبر على تعلمها بهذه الطريقة، لاسيما إذا واكب ذلك دراسة نظرية منهجية، ووفق للإخوة ناصحين له، يعينونه على هذه المخالطة التعليمية، ويعلمونه الجديد، ويصوبونه له الخطأ.
وضع في علمك أن كل شيء يحتاج إلى صبر وبذل، وأنه ليس شيء يصعب على المرء مع الهمة العالية، وسلوك الطريق الصحيح.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/712)
الرد على مقولة " السماء قبلة الدعاء " وبيان اعتقاد أهل السنَّة أن الله تعالى في السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رد فضيلتكم على هذا القول: أن الله تعالى لا يتحيز في مكان، إنما السماء قبلة الدعاء، ومهبط الرحمات، قال تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) ، السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها، وقال عليه الصلاة والسلام: (أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط فليس فيها مكان إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد) فتعالى الله أن يتحيز بين الملائكة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الكلام الوارد في السؤال هو من إنشاء أهل البدع والأهواء نفاة العلو لله الواحد القهَّار، وقد شاع بين " الأشاعرة "، وكانوا قد ورثوه عن " الجهمية ".
وأصل ذلك: أنهم أرادوا نفي علو ذات الله تعالى، وغاظهم ما يجده الناس في فطَرهم ضرورةً من توجه قلوبهم نحو السماء، ومن رفع أيديهم تجاهها، فزعموا أن " السماء قبلة للدعاء "! وأن توجه المسلمين بقلوبهم نحوها، ورفع أيديهم باتجاهها: هو توجه لقبلة الدعاء، كما يتوجهون للكعبة قبلة الصلاة! حتى روى بعض الكذَّابين نفاة الصفات عن الله تعالى في ذلك حديثاً نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ: (السماءُ قِبلةُ الدعاء) !
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
لم أقف له على أصل، إلا ما قاله الحافظ في "نتائج الأفكار" (1/259، 260) في "آداب الدعاء":
"قلت: أما الاستقبال: فلم أرَ فيه شيئاً صريحاً يختص به، وقد نقل الروياني أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر، وفي حديث ثوبان: " السماء قبلة الدعاء "، فلعل ذلك مراد مَن أطلق".
كذا قال! وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر، ولا رأيتُ ذلك في كتاب من كتب السنَّة التي وقفتُ عليها، بل ظاهر كلام شارح "العقيدة الطحاوية" ابن أبي العز (ص 327) وغيره: أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه، وما فُطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو، فقال الشارح:
"إن قولكم: إن "السماء قبلة الدعاء": لم يقله أحدٌ من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان ... ".
"السلسة الضعيفة" (13/443) .
وقد تكررت هذه العبارة "السماء قبلة الدعاء" في كتب الأشاعرة، وهو ينفون عن الله تعالى صفة العلو، والاستواء على العرش حتى ظنها كثيرون عقيدة صحيحة، والحق أحق أن يُتبَّع، ولا ينبغي التوقف في خطأ هذه العبارة، وضلال معناها.
وقد أجاب ابن أبي العز الحنفي رحمه الله على هذا القول من عدة أوجه:
"أحدها: أن قولكم: إن السماء قبلة للدعاء - لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها.
الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة، أو إن له قبلتين: إحداهما الكعبة والأخرى السماء - فقد ابتدع في الدين، وخالف جماعة المسلمين.
الثالث: أن القبلة: هي ما يستقبله العابد بوجهه، كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء، والذكر والذبح، وكما يوجه المحتضر والمدفون، ولذلك سميت " وجهة "، والاستقبال خلاف الاستدبار، فالاستقبال بالوجه، والاستدبار بالدبر، فأما ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى " قبلة "، لا حقيقة ولا مجازاً، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى " قبلة "، لا حقيقة ولا مجازاً، ولأن القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع، ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل السماء بوجهه، بل نهوا عن ذلك.
ومعلوم أن التوجه بالقلب، واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري، يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل، وأكثر ما يفعله المضطر والمستغيث بالله، كما فطر على أنه إذا مسه الضر يدعو الله، مع أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من الصخرة إلى الكعبة، وأمر التوجه في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك، بخلاف الداعي، فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه، ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده" انتهى.
"شرح العقيدة الطحاوية" (ص 327، 328) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"إن الذين يرفعون أيديهم، وأبصارهم، وغير ذلك، إلى السماء وقت الدعاء: تقصد قلوبُهم الربَّ الذي هو فوق، وتكون حركة جوارحهم بالإشارة إلى فوق: تبعاً لحركة قلوبهم إلى فوق، وهذا أمرٌ يجدونه كلهم في قلوبهم وَجْداً ضروريّاً، إلا من غُيِّرت فطرتُه باعتقاد يصرفه عن ذلك، وقد حكى محمد بن طاهر المقدسي عن الشيخ أبي جعفر الهمذاني أنه حضر مجلس أبي المعالي – أي: الجويني - فذكر العرش، وقال: "كان الله ولا عرش"، ونحو ذلك، وقام إليه الشيخ أبو جعفر، فقال: يا شيخ دعنا من ذِكر العرش، وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا: فإنه ما قال عارف قط: "يا الله": إلا وجد في قلبه ضرورةً لطلب العلو، لا يلتفت يمنة، ولا يسرة، قال: فضرب أبو المعالي على رأسه، وقال: "حيرني الهمذاني".
فأخبر هذا الشيخ عن كل من عرف الله: أنه يجد في قلبه حركة ضرورية إلى العلو إذا قال: "يا الله"، وهذا يقتضي أنه في فطرتهم، وخِلقتهم: العلم بأن الله فوق، وقصده، والتوجه إليه: إلى فوق".
"بيان تلبيس الجهمية" (2/446، 447) ، وفي (4/518، 519) طبعة المدينة.
ثم إننا عندما نقول: إن الله تعالى في السماء ليس معنى ذلك أن السماء تحيط به، أو كما يعبر هؤلاء بأن الله ساكن السماء! تعالى الله عن ذلك.
بل نقول: إن الله تعالى في السماء يعني على السماء، وفوق السماء، مستوٍ على عرشه سبحانه وتعالى، كقول الله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الأنعام/11. أي: على الأرض.
وللوقوف على بعض الأدلة على علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه، انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) .
ثانياً:
أما قول السائل: السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها ... إلخ
فقد سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم (131956) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/713)
معنى أن الله تعالى في السماء أنه سبحانه يعلو السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت عدة ترجمات باللغة الانجليزية للقرآن الكريم , وعندما قرأت تفسير بعض الآيات أصبح عندي نوع من الضياع والوساوس. قال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) فالتفاسير التي قرأتها تقول أن الله في السماء، وهذا خلاف ما أنا مؤمن ومعتقد به، وما قرأته ـ أيضا ـ في بعض التفاسير، وهو أن الله فوق السماء. كما أنني قرأت في بعض التفاسير، في قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ، يقول: " استوى بمعني أرتفع وعلا "، علواً يليق بجلاله جل في علاه. وسأكون ممتناً جداً لفضيلتكم إذا ما شرحتم هذا لي بالتفصيل الدقيق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في مسألة علو الله تعالى على خلقه واستوائه جل وعلا على عرشه قاعدتان مهمتان يجب تقريرهما والتنبيه عليهما:
القاعدة الأولى: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه المحكم المبين، حيث وصف نفسه بالعلو على جميع خلقه، وباستوائه عز وجل على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض، وذلك في آيات محكمات بينات من الذكر الحكيم:
يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/49-50. ويقول جل وعلا: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) الملك/16-17.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) ويقول أيضا: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (رقم/1924) وقال: حسن صحيح. ويقول أيضا (لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي) رواه البخاري (رقم/3194) ومسلم (2751)
وانظر جواب السؤال رقم: (992) ، (9564) ، (11035) ، (47048)
القاعدة الثانية: أن الله عز وجل لا يحيط به شيء من خلقه، ولا تحويه مخلوقاته، وهو سبحانه غني عنها، فقد تنزه عن الحاجة إليها، وتعالى أن يحيط به المخلوق المحدَث الناقص.
يقول الله عز وجل: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام/103.
ويقول تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه/110.
ومن هاتين القاعدتين يقرر أهل السنة أن علو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه يعني كونه سبحانه وتعالى فوق المخلوقات كلها، فوق السماء، وفوق الجنة، وفوق العرش، وأنه سبحانه وتعالى لا يحويه شيء من هذه المخلوقات، ولا يحتاج إلى شيء منها، بل هو خالقها والقيوم عليها، وأن النصوص التي تصف الله تعالى بأنه (في السماء) تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به، وذلك لأن السماء هنا بمعنى العلو، وليست السماء المخلوقة، أو يقال بأن حرف الجر (في) هنا بمعنى: على، أي: على السماء.
ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق، شيخ البخاري، قال:
قلت لعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا؟
قال: في السماء السابعة على عرشه. وفي لفظ: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض.
فقيل لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا.
قال الإمام الذهبي معلقا على هذا الأثر:
" هذا صحيح ثابت عن ابن المبارك، وأحمد رضي الله عنهما، وقوله: " في السماء " رواية أخرى، توضح لك أن مقصوده بقوله " في السماء " أي: على السماء، كالرواية الأخرى الصحيحة التي كتب بها إلى يحيى بن منصور الفقيه " انتهى.
" العرش " (2/189)
وننقل هنا كلام أهل العلم الذي يشرح ويوضح هذا الموضوع:
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:
" وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه مَن على السماء يعني على العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) التوبة/2 أي: على الأرض. وكذلك قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) طه/71 " انتهى.
" التمهيد " (7/130) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه فوق العرش، وإنه في السماء فوق كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه، وهو عالٍ على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته، وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق.
وما في الكتاب والسنة من قوله: (أأمنتم من في السماء) ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن " السماء " هي نفس المخلوق العالي، العرش فما دونه، فيقولون: قوله (في السماء) بمعنى " على السماء "، كما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، وكما قال: (فسيروا في الأرض) أي: على الأرض.
ولا حاجة إلى هذا، بل " السماء " اسم جنس للعالي، لا يخص شيئا، فقوله: (في السماء) أي: في العلو دون السفل.
وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (16/100-101) .
والخلاصة: أن ما تعقتده من أن الله تعالى مستو على عرشه، فوق سمائه، وفوق جميع خلقه، هو الذي يجب على كل مؤمن اعتقاده، وما قرأته في التفاسير المشار إليها من أن الله تعالى في السماء، هو أيضا صحيح، موافق لما تعتقده، قد نطق به الكتاب والسنة، لكن بشرط أن يفهم أن السماء هنا تعني: جهة العلو، أو أن في تعني: على، كما فصلناه في الجواب؛ فإن كان المفسر يريد معنى آخر سوى ما ذكرنا، فكلامه مردود، ويحسن بك أن تزودنا بكلامه كاملا، حتى نرى ما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/714)
معنى إحصاء أسماء الله تعالى الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى من أحصاها دخل الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي:
1- حفظها.
2- معرفة معناها.
3- العمل بمقتضاها: فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره، وإذا علم أنّه الرحيم، فإنه يفعل من الطاعات ما هو سبب لهذه الرحمة ... وهكذا.
4- دعاؤه بها، كما قال عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180. وذلك كأن يقول: يا رحمن، ارحمني، يا غفور، اغفر لي، يا توّاب، تُبْ عليّ ونحو ذلك.
قال الشيح محمد بن صالح العثيمين: " وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك:
أولاً: الإحاطة بها لفظاً.
ثانياً: فهمها معنى.
ثالثاً: التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان:
الوجه الأول: أن تدعو الله بها؛ لقوله تعالى: (فادعوه بها) الأعراف/180، بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور، اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول: يا شديد العقاب، اغفر لي، بل هذا يشبه الاستهزاء، بل تقول: أجرني من عقابك.
الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/74) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/715)
ينفي عن الله تعالى صفة الوجود بدعوى أن كل موجود لا بد له من موجد أوجده!
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس يقول بأنه لا يصح أن يوصف الله تعالى بأنه موجود، لأن كلمة "موجود" اسم مفعول، وكل موجود لا بد له من موجد أوجده، وهذا المعنى باطل في حق الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على من أراد أن يتكلم في الأمور الشرعية أن يكون كلامه مبنياً على علم صحيح، ومن نفى عن الله تعالى صفة ثابتة له، أو أثبت له صفة لا تليق به لمجرد ظن أو وهم توهمه، فهو على خطر عظيم، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36.
ثانياً:
قد ذكرنا في جواب السؤال رقم (120190) فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: في ثبوت هذه صفة الوجود لله تعالى، ونزيد هنا بعض النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وغيرهما من العلماء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
"وهو سبحانه قديم واجب الوجود، رب كل شيء ومليكه، هو الخالق وما سواه مخلوق" انتهى. "بيان تلبيس الجهمية" (1/304) .
وقال أيضاً:
"فإن الله موجود حقيقةً، والعبد موجود حقيقةً، وليس هذا مثل هذا" انتهى. "مجموع الفتاوى" (5/198) .
وقال أيضاً:
"ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه" انتهى. "مجموع الفتاوى" (5/420) .
وقال أيضاً:
"ومعلوم أنه غني بنفسه، وأنه واجب الوجود بنفسه، وأنه موجود بنفسه" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11/395) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"تفرد الحق تعالى بالوجود أزلا وأبداً، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، ووجود كل ما سواه قائم به، وأثر صنعه، فوجوده هو الوجود الواجب الحق الثابت لنفسه أزلا وأبدا..... فوجوده تعالى وجود ذاتي.... ليس مع الله موجود بذاته سواه، وكل ما سواه فموجود بإيجاده سبحانه" انتهى بتصرف. "مدارج السالكين" (3/34) .
ومن هذه النقول يتبين أن قول القائل: كل موجود لا بد له من أحد أوجده غير صحيح، وذلك لأن الوجود نوعان:
الأول: وجود ذاتي، بحيث يوصف الشيء بأنه موجود، ولم يوجده أحد، وهذا هو الوجود الذي يوصف الله تعالى به، ولا يكون لأحد سواه.
والنوع الثاني: وجود بغيره، أي أن الشيء موجود، ولكن أوجده غيره، وهذا هو الوجود الذي يوصف به جميع المخلوقات، فالله تعالى هو الخالق وحده، وكل ما سواه مخلوق، وهو الواجد وحده، وكل ما سواه موجود بهذا المعنى.
وقد سئل الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله: كلمة "موجود" أليس كل موجود لابد له من واجد؟
فأجاب: "لا يقصد هذا، يقصد موجود، أي: هو متصف بصفة الوجود،.... وليس كل موجود يحتاج إلى موجِد، والله موجود" انتهى باختصار من "فتاوى كبار علماء الأمة" ص (43) .
وهو يشير بقوله: "ليس كل موجود يحتاج لموجد"، إلى تقسيم الوجود إلى نوعين كما سبق.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية"، في معرض رده على من نفى عن الله تعالى الصفات، قال:
"لهذا، كان الإيمان بصفات الله من الإيمان بالله، لو لم يكن من صفات الله إلا أنه موجود واجب الوجود، وهذا باتفاق الناس، وعلى هذا، فلا بد أن يكون له صفة" انتهى.
فإثبات صفة الوجود لله تعالى مما لا ينازع فيه أحد من المسلمين، بل ولا سائر أهل الملل.
ومن أنكر هذه الصفة الثابتة لله تعالى من غلاة أهل البدع، فلم ينكروها للسبب المذكور في السؤال، وإنما أنكروها لأنهم ينكرون جميع الصفات.
قال شيخ الإسلام في "التدمرية" بعد أن ذكر جملة من الآيات التي فيها إثبات صفات الكمال لله تعالى، قال:
"فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة المتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم: فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجوداً مطلقا لا حقيقة له في الأعيان، فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات.
فإنهم يسبلون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول، ووقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات.
وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه [وهو الله تعالى وحده لا شريك له] .
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدَث ممكن يقبل الوجود والعدم: فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود ها، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه" انتهى باختصار.
وبهذا الكلام لشيخ الإسلام يتبين أن الوجود والعدم نقيضان، والنقيضان لابد من اتصاف الشيء بواحد منهما، فلا يمكن أن يوصف بهما معاً، ولا أن يخلو منهما معاً، ونفي أحدهما إثبات للآخر بالضرورة.
فليتنبه الذين ينفون عن الله تعالى صفة الوجود، فإنه يلزم من ذلك نفي وجود الله تعالى. وإننا لنتعجب أن يصدر هذا القول من بعض من يزعم أنه من أهل السنة والجماعة وعلى طريقة السلف، وقد أوقعه في هذا الخطأ سببان:
الأول: ظنه أنه لابد لكل موجود من موجِد أوجده، وهو ظن خاطئ كما سبق.
الثاني: عدم الرجوع إلى أهل العلم، وعدم الاستنارة بأقوالهم، وقد قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.
ونزيد سبباً ثالثاً: إعجاب المتكلم برأيه، وظنه أنه هدي لما ضل عنه جميع الأمة!
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/716)
ثبوت صفة الوجود لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: لم أجد في أسماء الله وصفاته اسم (الموجود) ، وإنما وجدت اسم (الواجد) وعلمت في اللغة أن الموجود على وزن مفعول ولا بد أن يكون لكل موجود موجد، كما أن لكل مفعول فاعل، ومحال أن يوجد لله موجد. ورأيت أن الواجد يشبه اسم الخالق، والموجود يشبه اسم المخلوق، وكما أن لكل موجود موجد فلكل مخلوق خالق، فهل لي بعد ذلك أن أصف الله بأنه موجود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء حتى المشركين لا ينازع في ذلك إلا ملحد دهري، ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان:
الأول: وجود ذاتي، وهو ما كان وجوده ثابتا له في نفسه، لا مكسوبا له من غيره، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته، فإن وجوده لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/3.
الثاني: وجود حادث، وهو ما كان حادثا بعد عدم، فهذا الذي لا بد له من موجد يوجده، وخالق يحدثه وهو الله سبحانه، قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الزمر/62، 63، وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الطور/35، 36.
وعلى هذا؛ يوصف الله تعالى بأنه موجود، ويُخْبَرُ عنه بذلك في الكلام، فيقال: الله موجود، وليس الوجود اسما، بل صفة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/190، 191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/717)
قوله تعالى: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون)
[السُّؤَالُ]
ـ[يروي الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) الدارمي في رده على المريسي (ص90) ، الأسماء والصفات للبيهقى (ص233) لكننا نجد في سورة يس، آية/71 أن الله تعالى يقول: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون) ، فأرجو توضيح هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحديث المذكور في السؤال، قد سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم: (117279) .
ثانياً:
هذه الآية من سورة " يس " لا تدل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم عليه السلام بيده، فمن تأمل قوله عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن) يس/71، ظهر له من المعنى العام والسياق أن المقصود هو ذكر منّة الله تعالى على البشر بما خلق لهم من هذه الأنعام، وليس المقصود النص على ذكر الخلق بـ " اليد " التي هي صفة من صفات الله تعالى، وذلك لعدة قرائن:
1- ذكر الأيدي بلفظ الجمع، مضافاً إلى ضمير الجمع أيضاً " نا " الذي يقصد به التفخيم والتعظيم.
2- عدم تعدية الفعل " عَمِل " بالباء، فلم يقل: عملنا بأيدينا؛ لأن التعدية بالباء هي التي تؤكد إرادة الحقيقة في السياق، كما جاء ذلك في قوله عز وجل: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)
3- ولو كان كل شيء خلقه الله بيده التي هي صفته سبحانه لما كان لخلق آدم بيده على سائر الخلق فضيلة، ولاحتج إبليس على ربه عز وجل بقوله: وأنا خلقتني بيدك يا رب، فلماذا أمرتني بالسجود لآدم؟!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) : لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لان القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية، ولا يجوز أن يكون: " لما خلقت أنا "؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد؛ فتكون إضافته إلى اليد: إضافة له إلى الفاعل؛ كقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ) ، و (قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، ومنه قوله: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاما) .
أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل، وعدي الفعل إلى اليد بحرف الباء كقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه.
ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى: أن يقال: " فعلتَ هذا بيديك " ويقال: " هذا فَعَلَته يداك "؛ لأن مجرد قوله: " فعلت " كاف في الإضافة إلى الفاعل، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (6/366)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" لفظ: " اليد " جاء في القرآن على ثلاثة أنواع: مفرداً، ومثنى، ومجموعاً:
فالمفرد كقوله: (بِيَدِهِ المُلكُ)
والمثنى كقوله: (خَلَقتُ بِيَدَيَّ)
والمجموع كقوله: (عَمِلَت أَيدِينَا)
فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدَّى الفعل بالباء إليهما، فقال (خلقت بيدي)
وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها، ولم يعد الفعل بالباء، فهذه ثلاثة فروق، فلا يحتمل (خلقت بيدي) من المجاز ما يحتمله: (عملت أيدينا)
فإن كل أحد يفهم من قوله: (عملت أيدينا) ما يفهمه من قوله: عملنا، وخلقنا. كما يفهم ذلك من قوله: (فبما كسبت أيديكم)
وأما قوله: (خلقت بيدي) فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى، فكيف وقد دخلت عليها الباء، فكيف إذا ثنيت!!
وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد، والمراد الإضافة إليه، كقوله: (بما قدمت يداك) ، (فبما كسبت أيديكم)
وأما إذا أضيف إليه الفعل، ثم عدي بالباء إلى يده، مفردة أو مثناة، فهو ما باشرته يده، ولهذا قال عبد الله بن عمرو: (إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة الفردوس بيده، وذكر الثالثة)
فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون: (يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك) فذكروا أربعة أشياء كلها خصائص ...
وهذا التخصيص إنما فهم من قوله: (خلقت بيدي) ، فلو كانت مثل قوله: (مما عملت أيدينا) لكان هو والأنعام في ذلك سواء، فلما فهم المسلمون أن قوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) موجبا له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه: كانت التسوية بينه وبين قوله: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً) خطأ محضاً " انتهى.
"الصواعق المرسلة" (ص/75-76)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" وليس المراد هنا الصفة الذاتية - بغير إشكال-، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام " انتهى.
"فتح الباري" لابن رجب (1/7)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/718)
الأشياء التي خلقها الله بيده
[السُّؤَالُ]
ـ[يروي الإمام الذهبي رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) تفسير ابن جابر (23/185) ، الدارمي في رد على المريسي (ص90) ، الأسماء والصفات للبيهقى (ص233) فأرجو توضيح هذا الأمر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ثبت لنا – بعد الجمع والدراسة – أن الله سبحانه وتعالى قد خص أشياء معينة بأنه خلقها أو عملها بـ " يده " سبحانه وتعالى دون سائر المخلوقات، وهذه الأمور هي:
أولاً: خلق آدم.
دليل ذلك قوله عز وجل: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75.
ثانياً: غرس جنة عدن بيده سبحانه.
دليله ما ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ: غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) رواه مسلم برقم (312) .
ثالثاً: كتب الألواح لموسى عليه السلام بيده.
دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ.
فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا: خَطَّ، وقَالَ الْآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ)
رواه مسلم برقم (2652) .
رابعاً: القلم.
دليله أثر مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله موقوفا عليه – وهو الأثر الوارد في السؤال - قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) رواه الطبري في "جامع البيان" (20/145) ، والدارمي في "نقضه على المريسي" (ص/261) ، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" (2/579) ، والآجري في "الشريعة" (رقم/750) ، والحاكم في "المستدرك" (2/349) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/126) .
جميعهم من طرق عن عُبيد المُكْتِب عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما به.
وهذا إسناد صحيح، عبيد هو ابن مهران المكتب الكوفي وثقه النسائي وابن معين، انظر "تهذيب التهذيب" (7/68) .
لذلك قال الحاكم بعد إخراجه للأثر: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى. ووافقه الذهبي.
وجاء نحوه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ميسرة ووردان بن خالد وغيرهم من التابعين.
انظر "الدر المنثور" للسيوطي (3/549) (7/207) ، فقد جمع كثيراً من هذه الآثار المتعلقة بالموضوع نفسه.
وقد تلقى أهل السنة هذا الأثر بالقبول وأوردوه في مصنفاتهم، وردوا به على الجهمية في إنكارهم صفة اليد لله سبحانه.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله، بعد روايته للأثر: " أفلا ترى أيها المريسي كيف ميز ابن عمر وفرق بين آدم وسائر الخلق في خلقه اليد أفأنت أعلم من ابن عمر بتأويل القرآن وقد شهد التنزيل وعاين التأويل وكان بلغات العرب غير جهول ".
"نقض الدارمي على بشر المريسي" (35) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها، فإن الله سبحانه قادر أن يخلق ما يخلقه بيديه وقادر أن يخلق ما يخلقه بغير يديه وقد وردت الأثارة من العلم بأنه خلق بعض الأشياء بيديه وخلق بعض الأشياء بغير يديه....، ثم نقل رحمه الله – أي: شيخ الإسلام - أثر الدارمي " انتهى.
"بيان تلبيس الجهمية" (1/513) .
ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا أمران:
1- ورد في ذكر هذه الأشياء التي خلقها الله بيده أحاديث مرفوعة تجمعها في سياق واحد، ولكنها أحاديث ضعيفة، فلا حاجة لذكرها هنا.
2- المفهوم المتفق عليه من هذا التخصيص أنه لمزيد تكريم وتشريف وتعظيم، لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، خص هذه الأربعة بأنه خلقها بيده ولم يجعل خلقها بكلمة كن كسائر المخلوقات، فلا يجوز الخوض في تفصيل معاني هذا التخصيص، وكيفيته، بل يجب التسليم به، مع تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب وتشبيه.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله: " ثم إنا ما عرفنا لآدم من ذريته ابنا أعق ولا أحسد منه؛ إذ ينفي عنه أفضل فضائله وأشرف مناقبه، فيسويه في ذلك بأخس خلق الله لأنه ليس لآدم فضيلة أفضل من أن الله خلقه بيده من بين خلائقه، ففضله بها على جميع الأنبياء والرسل والملائكة؛ ألا ترون موسى حين التقى مع آدم في المحاورة: احتج عليه بأشرف مناقبه فقال: أنت الذي خلقك الله يده، ولو لم تكن هذه مخصوصة لآدم دون من سواه ما كان يخصه بها فضيلة دون نفسه " انتهى.
"نقض الدارمي على بشر المريسي" (1/255) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/719)
جواز التكني بـ أبي الطيب فهو ليس من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية باسم (أبو الطيب) ، هل تجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي، وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى.
انظر "معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى" محمد بن خليفة التميمي (ص/157) .
والصواب مع هؤلاء الجمهور إن شاء الله تعالى، إذ لا دليل على اعتبار " الطَّيِّب " من الأسماء الحسنى، وأما الحديث الذي استدل به الفريق الأول، وهو ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه إثبات " الطَّيِّبِ " من أسماء الله تعالى، بل فيه إثباته من الصفات، وفرقٌ بين الأمرين يدل عليه السياق؛ فالحديث مسوق أصلا لمقصد آخر، وهو الحث على أكل الحلال واجتناب الحرام، فبدأ بإثبات وصف الطيب له سبحانه للتقديم بين يدي ما يحبه الله وما يرضاه ويحله، وسياقه لفظ " طيب " من غير أل التعريف قرينة على ذلك، فأسماء الله تعالى غالبا ما تساق معرفة للدلالة على الاستغراق، وأما قوله " إن الله طيب " فالمقصود وصف الله تعالى بالطيب، وليس تسميته به، فالتسمية قدر زائد على الوصف المجرد، وباب الصفات والأخبار أوسع من باب الأسماء.
ثانيا:
وعلى فرض كون " الطيب " من أسماء الله تعالى، فهو ليس من الأسماء المختصة التي لا تنصرف إلا إليه عز وجل، إذ الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز التسمي بأسماء الله التي لا تختص به، مثل: علي، حكيم، رشيد، فقد كان من مشاهير الصحابة من يتسمى بهذه الأسماء، والممنوع فقط هو الأسماء المختصة بالرب عز وجل، مثل: الله، الرحمن.
جاء في حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/243) من كتب الشافعية:
" جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم " انتهى.
وقرر بعض فقهاء الحنفية ذلك بقولهم:
" التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى: كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز؛ لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى " انتهى.
انظر: "بريقة محمودية" (3/234) نقلا عن التتارخانية.
وهو المفهوم من كلام ابن القيم في "تحفة المودود" (ص/125) :
" ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب " انتهى.
وقد سبق تقريره في جواب السؤال رقم (114309) (1692) .
فالحاصل مما سبق هو جواز التسمي والتلقب بـ " الطيب "، وجواز التكني بـ " أبي الطيب "؛ إذ لا محذور في ذلك، وفي علماء المسلمين وفقهائهم وحفاظهم عشرات ممن تسموا أو تكنوا بهذه الكنية الطيبة، من غير نكير من أحد عليهم على حد بحثنا وعلمنا، منهم فقيه الشافعية بخراسان الإمام أبو الطيب الصعلوكي (404هـ) شيخ الحاكم والبيهقي، ومنهم شيخ الإسلام القاضي أبو الطيب الطبري (450هـ) شيخ الخطيب البغدادي، وغيرهم كثير.
فمن يدعي تحريم هذه الكنية فعليه الدليل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/720)
الولي والمولى من أسماء الله ويجوز أن يقال للمسلم مولانا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اسم (الولي) من أسماء الله الحسنى؟ ونسمع أحياناً أشخاص يقولون لشيخ مولانا أو لفلان مولانا , فهل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الولي والمولى اسمان من أسماء الله عز وجل، لقوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشورى/9، وقوله: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة/257، وقوله: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الأنفال/40، وقوله: (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/286، وقوله: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة/51
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا) رواه مسلم (7081) .
وينظر: فيض القدير (2/613) ، القواعد المثلي ص 15
ثانيا:
يجوز أن يقال للمخلوق: مولانا، إذا كان مسلما، ولا يجوز أن يقال هذا للكافر.
وجوز بعض أهل العلم إطلاق (المولى) بالتعريف على المسلم الفاضل بعلم أو صلاح.
وقد قال النبي لزيد بن حارثة: (أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا) رواه البخاري (2552) .
والمولى يُطلق على المالك والصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمحبّ والمنعِم والمنعَم عليه والعبد والمعتق، ينظر القاموس المحيط
قال ابن الأثير: " وقد تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولى أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء المعتق والموالاة من والى القوم " اهـ من النهاية في غريب الحديث (5/227)
ولهذا لا حرج في إطلاقه على المخلوق ما لم يكن كافراً.
قال ابن القيم رحمه الله: " فصل: لا يخاطب الذمي بسيدنا ونحوه.
وأما أن يخاطب بسيدنا ومولانا ونحو ذلك فحرام قطعاً " انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2/771) .
وقال النووي: " قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه " صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي. قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي ولا مخالفة بينه وبين هذا فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق ولا يقال السيد بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق " يعني قوله: " إذا كان المُسوَّد فاضلا خيرا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا، أو متهما في دينه، أو نحو ذلك، كره له أن يقال سيد " انتهى من "الأذكار" ص 840، وينظر: معجم المناهي اللفظية ص 535.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/721)
الله بكل شيء عليم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (الله بكل شيء عليم) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- الله بكل شيء عليم.. لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. من الأقوال والأعمال.. والحركات والسكنات.. والطاعات والمعاصي.. (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) الحج/70.
- والله سبحانه قد أحاط بكل شيءٍ علماً.. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) يونس/61.
- والله وحده علام الغيوب.. يعلم ما في السماوات وما في الأرض كما قال الله سبحانه عن نفسه: (إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) البقرة/33.
- والله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء.. ومفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو كما قال سبحانه: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام/59.
- والله وحده هو الذي يعلم قيام الساعة.. ونزول المطر.. وما في الأرحام.. وعمل الإنسان.. وزمان ومكان أجله قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) لقمان/34.
- والله سبحانه معنا ولا يخفى عليه شيء من أمرنا.. (وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) الحديد/4.
- والله مطلع علينا.. يعلم أعمالنا خيراً كانت أو شراً.. ثم يخبرنا بها ويجازينا عليها يوم القيامة.. كما قال سبحانه: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) المجادلة/7.
- والله سبحانه يعلم وحده الغيب والشهادة.. والسر والجهر كما قال سبحانه عن نفسه: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) الرعد/9.
وقال سبحانه: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) طه/7.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ: محمد بن ابرهيم التويجري.(1/722)
هل الستير والستار من أسماء الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الستير والستار، وأيهما اسم من أسماء الله عز وجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أسماء الله تعالى توقيفية، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها: وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36، وقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/275) .
ثانياً:
لفظ "الستار" لم يثبت - فيما نعلم - في نصوص الكتاب والسنة أنه اسم من أسماء الله تعالى.
وقد سُئل الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله: هل السَّتَّار من أسماء الله الحسنى؟
فأجاب: " الستار لا أعلم أنه من أسماء الله، ولكن من أسماء الله: "الستير"، كما جاء في الحديث: (إن الله حيي ستير) ، أما الستار فلا أعلم أنه من أسماء الله، وإنما هو من باب الخبر، أُخْبِرَ عن الله أنه ستار، وباب الخبر أوسع من باب الأسماء " انتهى.
"نقلاً: عن شريط شرح الإبانة الصغرى لابن بطة".
أما لفظ الستير، فقد روى أبو داود (4012) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ) وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقال ابن القيم رحمه الله في "نونيته":
وهو الحيي فليس يفضح عبده ... ** عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... ** فهو الستير وصاحب الغفران
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": هل المحيي والستير يعتبران من أسماء الله؟
فأجاب: " المحيي ليس من أسماء الله، بل هو صفة فعل من أفعال الله، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) غافر/68، فالمحيي اسم فاعل من أحيا، فهو من صفات الأفعال وليس من الأسماء.
وأما الستير فقد ورد فيه حديث، ولكن يحتاج إلى نظر في صحته، فإذا صح فهو من أسماء الله؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما صح في أسماء الله عن رسول الله فإنه يثبت، أي: ثابت التسمية به " انتهى.
وأما الفرق بين "الستير" و "الستار" فكلاهما يدل على المبالغة في الستر، فالله تعالى يستر على عباده كثيراً.
واسم الفاعل إذا أريد المبالغة في الوصف به جاء على عدة أوزان منها: فَعَّال، وهذا كثير مشهور، ومنه: "ستَّار".
ومنها: فِعِّيل، ومن هذه الصيغة: اسم " سِتِّير"، وقد ورد استعمال هذه الصيغة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) يوسف/46، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) المائدة/82.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/723)
هل العدل من أسماء الله تعالى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العدل من أسماء الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فالعدل لم يرد إطلاقه اسما لله تعالى في القرآن ولم يصح به حديث، ولكن ورد في حديث عد الأسماء المشهور الذي رواه الترمذي وغيره، وقد تكلم العلماء في هذا الحديث وضعفوا رفع هذا العد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري (11/217) : (قال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة وهو الأظهر عندي.)
وقال الصنعاني في سبل السلام (4/108) : (اتفق الحفاظ أن سردها –أي عد أسماء الله تعالى في الحديث- إدراج من بعض الرواة.)
لكن ورد العدل مقيداً بكونه وصفاً لكلمات الله تعالى، كقوله سبحانه: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.) الأنعام (115) .
ولذا اختلف العلماء في عد العدل من أسماء الله تعالى، فجماعة منهم عدوه من الأسماء، كما فعل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في آخر تفسيره حيث قال وهو يعدد أسماء الله تعالى ويتكلم عن معانيها –: (الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه.) انتهى.
وقال البيهقي في الأسماء والصفات (1/198) : (ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور.) انتهى.
وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم منهم الخطابي وابن منده وآخرون.
وذهب فريق آخر إلى عدم عده من أسماء الله، لما ذكرناه من أنه لم يرد إطلاقه اسماً على الله تعالى في نص صحيح، ومن هؤلاء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، حيث عد تسعة وتسعين اسماً من الكتاب والسنة في كتابه القواعد المثلى، ولم يذكر اسم (العدل) منها وهكذا فعل الحافظ ابن حجر العسقلاني وآخرون.
على أنه قد ثبت وصفه سبحانه بالعدل في أفعاله، كما في البخاري (3150) ومسلم (1062) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) .
قال ابن القيم رحمه الله:
والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ ومقالِهِ والحكم في الميزانِ
وورد في معناه عن معاذ رضي الله عنه، أنه كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ، إِلَّا قَالَ: (اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ ... ) رواه أبو داود (4611) ـ موقوفا على معاذ ـ وصححه الألباني.
قال في عون المعبود: " أي حاكم عادل ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/724)
هل يثبت لله تعالى صفة التردد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة (وما ترددت في شيء أنا فاعله) في الحديث القدسي وهل يتردد ربنا سبحانه وتعالى؟ وكيف نرد على من ينفى صحة أن الله سبحانه وتعالى يتردد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) .
فالتردد الوارد في الحديث هو التردد في قبض نفس المؤمن، رحمةً وشفقةً عليه، ومحبةً له؛ لأنه يكره الموت، وربه سبحانه يكره مساءته.
وليس هذا كتردد المخلوق الناشئ عن الشك في القدرة، أو في المصلحة.
ولهذا يجب أن يقيد وصف الله بالتردد بقولنا: التردد في قبض نفس المؤمن، فهذا هو الوارد في النص، ولا يوصف الله تعالى بالتردد المطلق الذي يشمل أنواعا من العجز والنقص التي لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟
فأجاب: " إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: (ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) ، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: (يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه) ، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (59/12) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟
فأجاب: " هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة، وقالوا: إنَّ الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إنَّ الله يعامل معاملة المتردد.
والتحقيق: أنَّ كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه لا يعلم عاقبة الأمور؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه؛ كما قيل:
الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: (حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره) ، وقال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث؛ فإنه قال: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) ؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق ...
والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه،.....والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به؛ فهو يريده، ولا بد منه؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً للحق من وجه، مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً ن وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/129) باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/725)
حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القرآن الكريم كلام الله تعالى: ألفاظه وحروفه ومعانيه؛ منه بدأ، وإليه يعود، تكلم الله تعالى به، وسمعه منه جبريل عليه السلام، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم. قال سبحانه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة/77- 80، وقال: (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) السجدة/ 1، 2، وقال: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) الزمر/ 1.
وهو من جملة كلامه، الذي هو صفة من صفاته، فمن قال: مخلوق، فهو كافر، هذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة، خلافا لما عليه أهل الزيغ والانحراف.
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمّه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (سأصليه سقر) فلما أوعد الله بسقر لمن قال: (إن هذا إلا قول البشر) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ومن كلام الله سبحانه: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت/ 42، وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء/ 88.
وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} سبأ /31، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} المدثر/ 25، فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} المدثر/ 26 ... ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف " انتهى
"لمعة الاعتقاد" ص (28-22) .
ومعنى قول أهل السنة: " منه بدأ ": أن الله تعالى تكلم به، فظهوره وابتداؤه من الله تعالى.
ومعنى قولهم: " وإليه يعود ": أنه يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف كما جاء ذلك في عدة آثار.
وللحافظ ضياء الدين المقدسي (ت: 643هـ) رحمه الله رسالة حول هذه المسألة، بعنوان: " اختصاص القرآن بالعود إلى الرحمن ".
ولأهل البدع مقالات أخرى كثيرة مخالفة لما دل عليه صريح المعقول، وصحيح المنقول في هذا الباب، يمكن مراجعتها ومعرفة ردود أهل العلم عليها في كتب أهل السنة المصنفة في هذا الباب، ومنها مصنفات خاصة بالرد على أهل البدع في صفة الكلام، مثل: البرهان في مسألة القرآن، وحكاية المناظرة في القرآن، كلاهما لموفق الدين ابن قدامة، صاحب المغني، رحمه الله، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتب ورسائل عديدة فيما يتعلق بصفة الكلام من مسائل، فيمكن مراجعة المجلد الثاني عشر من مجموع فتاواه، ومن كتبه المهمة في ذلك كتاب التسعينية، رد على الأشاعرة بدعهم في صفة الكلام من نحو من تسعين وجها.
وأما المصنفات المعاصرة، فقد أفرد هذه المسألة بالتأليف الشيخ عبد الله الجديع في كتابه: العقيدة السلفية في كلام رب البرية، وهو كتاب نافع مفيد في بابه.
ثانيا:
وصف القرآن بالقدم، أو وصف كلام الله تعالى بأنه قديم، يراد به معنيان:
الأول: أنه غير مخلوق، كما تقدم؛ وأن جنس الكلام، في حق الله تعالى، قديم، لم يزل متكلما، متى شاء، وكيف شاء، ويكلم من عباده من شاء. وهذا حق، وهذا هو مأخذ من أطلق " القِدَم " في حق القرآن، أو في حق كلام الله تعالى عامة، من أهل السنة.
ومن هؤلاء: أبو القاسم اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة "
قال (2/224) : " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة ".
ثم قال (2/227) : " ما روي من إجماع الصحابة على أن القرآن غير مخلوق ".
وممن أطلق ذلك أيضا: ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في لمعة الاعتقاد. قال (15) :
" ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبري عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وقال سبحانه: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] ، وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] ، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] ، وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 11 - 12] ، وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله ... " انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء. فبينوا أن كلام الله قديم، أي: جنسه قديم لم يزل.
ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم.
بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق.
وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته، كان القرآن كلامه، وكان منزلا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء؛ فجنس كلامه قديم.
فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض " انتهى مجموع الفتاوى (12/54) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا:
" وكلام الله: تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقا بائنا عنه. بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائما بدون قدرته ومشيئته.
والسلف قالوا: لم يزل الله تعالى متكلما إذا شاء؛ فإذا قيل: كلام الله قديم ; بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ; بل لم يزل متكلما إذا شاء فهذا كلام صحيح.
ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون: القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء ; بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف " انتهى من الفتاوى (12/566-567) .
والمعنى الثاني: أن القرآن معنى، أو معنى وحروف، تكلم الله بها في الأزل، ثم لم يتكلم بعدها، وهذا من بدع الأشاعرة ومن وافقهم من أهل الكلام، التي أرادوا بها الخروج من بدعة المعتزلة والجهمية القائلين بخلق القرآن.
فمن قال في القرآن، أو غيره من صفات الله تعالى وأفعاله الاختيارية: إنه قديم، وأراد ذلك فمراده باطل، ثم إن اللفظ الذي أطلقه مجمل غير مأثور.
ولأجل هذا الاحتمال الباطل الذي يحتمله إطلاق هذا اللفظ، ولأجل أنه غير مأثور، كان الراجح هنا ألا يطلق لفظ القدم على القرآن، بل يقال فيه ما قال السلف: القرآن كلام الله، غير مخلوق.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأتباع السلف يقولون: إن كلام الله قديم، أي: لم يزل متكلما إذا شاء، لا يقولون: إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك.
لكن هؤلاء [يعني: الأشاعرة ومن وافقهم] اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته. ثم اختلفوا:
فمنهم من قال: القديم هو معنى واحد، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن؛ وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة: قالوا: والقرآن العربي لم يتكلم الله به، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد؛ فيكون كلاما لذلك الرسول، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب، الذي هو جميع معاني الكلام.
ومنهم من قال: بل القرآن القديم هو حروف، أو حروف وأصوات، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا ... ؛ إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه، ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا.
وعندهم لم يزل ولا يزال يقول: {يا آدم اسكن أنت وزوجك} و: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك} و {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع.
والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف؛ أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين، الذين لهم في الأمة لسان صدق، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم. وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ... " الفتاوى (17/85)
وعليه فمن قال: القرآن قديم، أو كلام الله قديم، وأراد المعنى الأول: أن القرآن، وسائر كلام الله تعالى، منزل من عنده غير مخلوق، ومع ذلك فهو متعلق بمشيئته واختياره، فمراده صحيح، وإن كان الأولى والأسلم في ذلك أن يقتصر على الألفاظ الواردة عن السلف، السالمة من الإجمال واحتمال المعاني الباطلة.
وإن أراد المعنى الثاني ونفى أن يتعلق كلام الله تعالى بمشيئته واختياره، فمراده باطل، واللفظ الذي أطلقه ـ أيضا ـ مبتدع.
وانظر أيضا: منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5/419-421) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/726)
لماذ لم يُسمِّ الله نفسه بالمتكلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكننا – للتوضيح – أن نعبر عن السؤال بصيغة أخرى فنقول:
هل يجوز أن يُشتَقَّ من صفاتِ الله تعالى وأفعالِه التي أثبتها الله لنفسه أسماءً له عز وجل يتسمى بها، ليدعوه بها عبادُه، ويحصوها مع أسمائه حتى ينالوا الأجر المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) ، أم أنَّ هناك ضابطًا في اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال؟
لا بد أولا من إرجاع الحكمة إلى الله تعالى، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق، يتسمى ويتصف بما هو أهل له، والعباد إنما يتلمَّسون شيئا مما بينه لهم في كتابه من كماله وجلاله وعظمته، فإليه يرجع الأمر كله، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى.
إلا أننا نحاول الوقوف على فقه أسمائه وصفاته من خلال ما ورد في الكتاب والسنة، نتأمل في ذلك لعلنا نصل إلى ضابط في تحديد الأسماء الحسنى.
وقد اختلف العلماء فيما سأل عنه الأخ الكريم، مما أدى إلى اختلافهم في تعداد أسماء الله الحسنى ووضع الضابط لها، فقد جعل بعضهم الأمر تعبديا محضا ليس فيه شيء من معاني القياس أو الاجتهاد كما فعل ابن حزم، وتوسع بعضهم فأجاز تسمية الله بالمتكلم والمريد وبكل اسم جاء وصف الله تعالى بمعناه في الكتاب أو السنة، وهذا مذهب ابن العربي المالكي وغيره.
وتوسط بعض أهل العلم، فتأملوا في موارد الأسماء الحسنى، فوجدوا أن الصفة إذا كانت صفة مدح مطلق ولا تحتمل الذم بوجه من الوجوه: كالسمع والبصر، فحينئذ يأتي في النصوص اشتقاق الاسم منها فيسمي الله نفسه بـ " السميع " و " البصير ".
أما إذا كانت الصفة تحتمل النقص والذم بإحدى الوجوه: كالكلام مثلا، فإن الكلام قد يكون كذبا وظلما وسُوءًا، فيكون نقصا يفضل السكوت عليه، فحينئذ لا نجد اشتقاقا للاسم من هذه الصفة، ولا نجد من أسماء الله: المتكلم.
وهذا هو تقرير العلامة ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وقول أكثر علمائنا المعاصرين.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "شرح العقيدة الأصفهانية" (1/19-20) :
" وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم:
فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن، ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي: التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها.
والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح.
وأما الكلام والإرادة: فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود: كالصدق والعدل، وإلى مذموم: كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم ... فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة: المتكلم والمريد " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله في "بيان تلبيس الجهمية" (2/10-11) :
" وذلك أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى، كما سمى نفسه بذلك، وأنزل كتبه، وعلَّمه من شاء من خلقه، كاسمه: الحق، والعليم، والرحيم، والحكيم، والأول، والآخر، والعلي، والعظيم، والكبير، ونحو ذلك.
وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد، تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما ...
والله له الأسماء الحسنى، ليس له مثل السوء قط، فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم، لا توجد في أسماء الله الحسنى؛ لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق" (2/34)
" لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (3/415-416) :
" وما كان مسماه منقسما – يعني إلى كامل وناقص - لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى: كالشيء والمعلوم، ولذلك لم يسم بـ " المريد "، ولا بـ " المتكلم "، وإن كان له الإرادة والكلام؛ لانقسام مسمى " المريد " و " المتكلم "، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فتأمله وبالله التوفيق " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى "شرح الواسطية" (1/86) :
" ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؛ لأن الكلام قد يكون خيراً، وقد يكون شراً، وقد لا يكون خيراً ولا شراً، فالشر لا ينسب إلى الله، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله، لأنه سفه، والخير ينسب إليه، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف/180، ليس فيها أي شيء من النقص، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (39803) ، (48964)
وللتوسع انظر كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للدكتور محمد بن خليفة التميمي (50-59)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/727)
استعمال ضمير المذكر "هو" في حق الله تعالى؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نقول عند الإشارة إلى الله فى القرآن والحديث " هو "؟ فكيف لنا أن نعلم بأن الله يشار إليه بلفظ " هو "؟ فقد أتت إليَّ إحدى الفتيات غير مسلمات وسألتني لماذا لا نقول " هي " عند الإشارة لله؟ ولماذا نقول " هو "؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لسنا ندري إلى من نوجه خطابنا أولا ـ أيتها السائلة ـ؛ أنكلمك أنت، وأنت التي وجهتِ السؤال إلينا، أم نتوجه إلى تلك التي ظل الشيطان يتلاعب بها، ويجرئُها على الله تعالى، وهو يمهلها سبحانه؛ فلم تكتف بالكفر به، حتى راحت تلقي سخافات عقلها التي يأباها العاقل، ولو كان كافرا مثلها، وأنت ـ وتلك مصيبتك ـ تسمعين إليها، وتظنين أنها قالت شيئا يستحق السؤال، والقلق في الجواب؟
على أية حال، إنما يعنينا أنت الآن، فلا هي سألتنا، ولا هي من أهل ملتنا حتى نخاطبها بما عندنا، وإن كنا نجيبك ـ إن شاء الله ـ بما يصلح في جوابها ـ أيضا ـ لو كانت من عقلاء قومها؟
فاعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن سبب سؤال هذه السائلة إنما هو جهلها باللغة العربية التي نتحدث بها، بل جهلها بشأن غيرها من اللغات.
قال العلامة اللغوي أبو الفتح ابن جني: " باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية.
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية، ولا وراءه من نهاية؛ وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه واستخف حلمه: ضعفُه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها.. " انتهى.
الخصائص (3/248) .
فاعلمي ـ أيتها السائلة ـ أن من ضرورات الخطاب والتفاهم أن يُعبر عن كل أحد بما يخصه ويميز جنسه، وهذه ظاهرة قديمة في اللغات البشرية. " غير أن هناك أشياء لا صلة لها بالجنس الحقيقي، مثل الجمادات، كالحجر والجبل، والمعاني، كالعدل والكرم، وغير ذلك.
فمثل هذه الأمور لا يلحظ فيها تذكير ولا تأنيث، بالمدلول الحقيقي الطبيعي لهاتين الكلمتين. وكان ذلك ـ فيما يبدو ـ هو السبب الذي جعل بعض اللغات تقسم الأسماء الموجودة فيها إلى ثلاثة أقسام: مذكر ومؤنث، وقسم ثالث هو ما يسمى في اللغات الهندوأوربية " بالمحايد" NEUTER وهو في الأصل ما ليس مذكرا ولا مؤنثا.
ولكن اللغات البشرية لم تسر كلها هذا الشوط، على نمط واحد، فقد وزعت اللغات السامية ـ مثلا ـ أسماء القسم الثالث، وهو المحايد، على القسمين الآخرين، وصارت الأسماء فيها إما مذكرة وإما مؤنثة ...
ومثل ذلك حدث في اللغة الفرنسية؛ إذ ليس في أسمائها إلا التذكير والتأنيث، وكانت الإنجليزية في ذلك أوغل من الفرنسية ... "
انظر: مقدمة د. رمضان عبد التواب ـ رحمه الله ـ لكتاب " البلغة في المذكر والمؤنث "، لابن الأنباري (37-39) .
وإذا عرفنا أن تقسيم الأشياء إلى مذكر ومؤنث ـ حتى ما لا يوصف في واقع الأمر بذلك ـ هو من خصائص معظم اللغات، خاصة الحية منها الآن؛ وليس من خصائص اللغة العربية وحدها، فلتعلمي أن الشيء ـ أي شيء ـ إذا دار بين أن يوصف في اللغة بالمذكر أو المؤنث، ولم يكن مما يوصف في حقيقة أمره بذلك، فإن اللغة ترجح الإخبار عنه بوصفه مذكرا؛ لأنه أخف عندهم، ولأنه الأصل، فلا يحتاج إلى علامة، ويتفرع عنه المؤنث، بالعلامة الدالة عليه.
يقول إمام النحو سيبويه، رحمه الله: " واعلم أن المذكر أخفّ عليهم من المؤنث لأن المذكر أول، وهو أشد تمكناً، وإنما يخرج التأنيث من التذكير؛ ألا ترى أن " الشيء " يقع على كل ما أُخبر عنه، من قَبْل أن يُعلم أذكر هو أو أنثى، والشيء ذكر؟! "
كتاب سيبويه (1/22) وانظر (3/241) منه.
وإذا كان الأمر يدور بين قسمين، أو أمرين، أحدهما أرجح من الآخر، ولو بوجه ما،
" وجب ضرورة اختصاص الرب بأشرف الأمرين وأعلاهما " [الصواعق 4/1308] .
ولذلك تجد عامة من يؤمن بأن له في السماء إلاها، يخبر عنه بذلك الضمير " هو " الذي هو لائق به سبحانه، وهذا أمر فطري لا يحتاج إلى بحث ونظر أو دليل، فلا تجد عالما أو جاهلا، موحدا لله أو مشركا به، إلا ويخبر بذلك عن الله سبحانه، ولو قد تكلم أحد منهم بضمير المؤنث، كما قالت لك تلك المسكينة، لقاموا عليه جميعا، وعرفوه بالجهل والضلال المبين.
فكيف إذا انضم إلى ذلك خبر الله تعالى عن نفسه، في كتابه الكريم، بل في كتبه المنزلة جميعا، بمثل ذلك الضمير.
قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:73) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الزخرف:84)
والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى.
فكيف إذا كان الله تعالى قد عاب على المشركين أنهم يدعون عبادة الله الواحد الواحد القهار، ويعبدون من دونه إناثا، وذمهم على ذلك وبين قبيح عملهم. قال تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً) (النساء:117) .
يقول الإمام الطبري رحمه الله: " يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا، والإناث من كل شيء أخسُّه، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة، على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء، وبيده الخلق والأمر " تفسير الطبري (9/211) ط محمود شاكر.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي: أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما.
ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى؛ فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها، بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا، ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة، فكيف يُعبد من هذا وصفه، ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، والحمد والكمال، والمجد والجلال، والعز والجمال، والرحمة والبر والإحسان، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير؟!!
هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف؟!! " انتهى، من تفسير السعدي (203) .
على أننا ننبه أن الله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك، وإنما ذلك من ضرورات الخطاب في اللغة، وما يحتاجه الناس في التفاهم؛ فكل ذكر وأنثى مخلوق، والله تعالى هو خالق الذكر والأنثى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (النجم:45) .
وتعالى الله أن يكون له ند أو شبيه، أو زوجة أو ولد: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101) .
وقال تعالى، في خبره عن مؤمني الجن أنهم لما سمعوا القرآن آمنوا به، وعرفوا ربهم سبحانه: (وأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجن:3) .
وما عليك أيتها السائلة إلا أن ترشديها إلى كتابها، إن كانت تؤمن بأن لها إلاها، أرسل رسولا، وأنزل عليه كتابا، فلتنظر فيه، ولتعلم لماذا.
فإن كانت قد تفجرت غيظا أو لعلها اغتاظ قلبها، لأنها الأنثى، والله تعالى لا يوصف بما توصف به الأنثى؛ فلقد بلغ الكفر من الناس في زماننا كل مبلغ، فراحت الأنثى تطلب أن تنتصر لبني جنسها من الإناث، بالحق وبالباطل، كفعل أهل الجهل والنقص، يشعر أحدهم بخسة نفسه، ودناءة حاله، فيريد أن يعوضه ولو بالباطل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الذي يعظّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله، ولو كان خطأ ". مجموع الفتاوى (10/292) .
فإن كان وصل بها الجهل والنقص إلى أن تشبه الله تعالى بخلقه، بل بالإناث من خلقه، فتلك حال لم يصلها جهال العرب في عبادتهم للأوثان؛ فإنهم كانوا يعلمون أن الله الخالق الرازق هو أجل من أوثانهم هذه، ولا يليق أن يكون مثلها.
فاحذري يا أمة الله من كل جاهل مارق، واعلمي أن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/728)
شروط ترجمة أسماء الله تعالى، وكتب مزكاة في الموضوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من " بلغاريا "، فهل يجوز لي عندما أقوم بترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى أن أزيد أداة على الاسم في حالة الرفع؟ فقد أخبرني أخ لي في الإسلام أنه لايجوز زيادة أداة على أسماء الله إلا فى حالة كونه مفعولاً، وأن هذه قاعدة لغوية، فهل هذا صحيح؟ . رجاء راسلوني بأسرع ما يمكن! بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يوجد في الشرع ما يمنع المسلم من ترجمة معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لكن لا بدَّ من أن يكون القائم على الترجمة بصيراً باللغة العربية، وبصيراً باللغة التي يريد الترجمة لها، ولا بدَّ أن يكون أميناً في نقله وترجمته، ولابدَّ أن يكون على علمٍ بالشريعة، وأن يكون على اعتقاد أهل السنَّة والجماعة، وإلا فإنه لا يؤمن على ترجمته أن يدس بها اعتقادات ضالة منحرفة.
وترجمة معاني أسماء الله وصفاته لا تخرج عما ذكرناه من الجواز، ومن الشروط، وعلى المسلم الذي يود القيام بهذه المهمة الجليلة أن يُكثر من قراءة كتب أهل السنة والجماعة المؤلفة في بيان معاني أسماء الله وصفاته، قبل القيام بالترجمة؛ لئلا يقع منه الخطأ في فهم الاسم أو الصفة؛ وحتى يترجمه إلى المعنى اللائق به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأما مُخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم، ولغتهم: فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحةً، كمخاطبة العجم من الروم والفُرس والتُّرك بلغتهم وعُرفهم، فإنَّ هذا جائزٌ حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يُحْتَجْ إليه.…
" درء تعارض العقل والنقل " (1 / 43) .
وقال – رحمه الله -:
وكذلك في الإثبات، له الأسماء الحسنى التي يُدعى بها ...
[و] إذا أثبت الرجل معنًى حقّاً، ونفى معنًى باطلاً واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب لأنها من لغة المخاطب، ونحو ذلك: لم يكن ذلك منهيّاً عنه؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه، وآياته بلغة أخرى ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه، وهذا جائز، بل مستحب أحياناً، بل واجب أحياناً ... إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة، تشبه قراءة القرآن بغير العربية، وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء."
انتهى ـ مختصرا ـ من: " بيان تلبيس الجهمية " (2 / 389) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هل يجوز ترجمة أسماء الله الحسنى إلى لغة غير عربية – يعني: أجنبية -؟ .
فأجاب:
ترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى لمن يريد أن يتفهمها: هذا لا بأس به، بل قد يكون واجباً؛ إذ إن الذي لا يعرف اللغة العربية يحتاج إلى فهم المعنى، ولهذا قال الله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) يعني: بِلُغتهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) إبراهيم/من الآية 4.
فترجمتها لأجل التفهيم: لا بأس به.
أما لأجل التأسيس بمعنى أن نُحلَّ غير اللغة العربية محل اللغة العربية: فهذا لا يجوز؛ لأنه طمسٌ للغة العربية.
" دروس الحرمين: دروس المسجد النبوي " الشريط 62، الوجه الثاني.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (9347) فتوى اللجنة الدائمة في جواز ترجمة القرآن والحديث وأسماء الله تعالى، فلتنظر.
ثانياً:
والزيادة على أسماء الله تعالى باللغة المترجم إليها لا حرج فيه إن كان يؤدي إلى إيصال المعنى اللائق بالله تعالى، ولا يلتفت المترجم إلى كون الاسم منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً في القرآن أو السنة؛ فإن هذا لا يؤثر في الترجمة، ولن يغير معنى الاسم وروده مرفوعاً أو منصوباً؛ لأن تلك الحركات استحقها الاسم بحسب موقعه من الإعراب.
ومما نزكيه للأخ المترجم من كتب يقرؤها قبل قيامه بالترجمة:
1. " تفسير أسماء الله الحسنى " للشيخ عبد الرحمن السعدي، منشور في " مجلة الجامعة الإسلامية " (العدد 112) .
2. " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " للشيخ محمد بن صالح العثيمين.
3. " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنَّة " للشيخ علوي بن عبد القادر السقَّاف.
4. " النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى " للشيخ محمد الحمود.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/729)
شبهة في خلق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أؤمن أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ولكن كيف نجمع بين هذا وبين الحديث القائل بأن سورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان تحاجان عن صاحبهما، وهذا قطعاً ينفي كون تلك الغيايتين من ذات الله، وكذلك الأحاديث الأخرى عن سورة تبارك في القبر، وغيرها من سور القرآن التي تتمثل في صورة مخلوق يدافع عن العبد في الآخرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعتقد المسلمون أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه.
يقول الله عز وجل:
(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) التوبة/6
يقول الإمام الآجري في كتاب "الشريعة" (1/84) :
" اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم: أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق، ووُفقوا للرشاد قديما وحديثا: أن القرآن كلام الله عز وجل، ليس بمخلوق؛ لأن القرآن من علم الله تعالى، وعلم الله عز وجل لا يكون مخلوقا، تعالى الله عز وجل عن ذلك، دل على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم، لا ينكر هذا إلا جهمي خبيث، والجهمية عند العلماء كافرة.
وقال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف/158.
وهو القرآن.
وقال جل وعلا لموسى عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) الأعراف/188
ومثل هذا في القرآن كثير، وقال عز وجل: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) آل عمران/61، وقال عز وجل: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة/145
لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء، من قال غير هذا فقد كفر.
وسنذكر من السنن والآثار وقول العلماء الذين لا يستوحش من ذكرهم: ما إذا سمعها من له علم وعقل زاده علما وفهما، وإذا سمعها من في قلبه زيغ فإذا أراد الله هدايته إلى طريق الحق رجع عن مذهبه، وإن لم يرجع فالبلاء عليه أعظم " انتهى.
فمن أحب التوسع فليرجع إلى ما ذكره الآجري من أدلة متواترة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
ثانيا:
أصل القول بخلق القرآن ليس استدلالا من الكتاب والسنة، وإنما بأدلة عقلية اضطرتهم إلى نفي الصفات عن الله تعالى، وذلك حين قالوا بأن الصفات لا تقوم إلا في المخلوقات والحوادث، وتوصلوا إلى هذه القاعدة عبر سلسلةٍ من المغالطات التي يسمونها "دليل حدوث العالم"، ثم نظروا بعد ذلك في القرآن الكريم، فحرَّفوا كل دلالة تُخَالفُ هذا المفهوم الذي توصلوا إليه، وجمعوا كل شبهة يمكن أن تدل عليه، فكان مما تشبَّثُوا به ما ذكره السائل الكريم، مما جاء في السنة الآحادية الصحيحة – مع أنهم لا يحتجون في العقائد إلا بالمتواتر منها – أن القرآن يأتي يوم القيامة على هيئة معينة ليشفع لصاحبه، قالوا وهذا يدل على أنه مخلوق، فإنه لا يتصف بالمجيء والإتيان إلا المخلوق.
عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا) رواه مسلم (804)
الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، (الفِرقان) هما قطيعان وجماعتان من طير (صواف) جمع صافة: وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء. "شرح مسلم للنووي" (6/90)
وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ) رواه ابن ماجه (3781) وصححه البوصيري في الزوائد، وابن حجر في "المطالب العالية" (4/66) ، وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه: ضعيف يحتمل التحسين. وحسنه من حديث أبي هريرة في "السلسلة الصحيحة" (2829)
وهذه شبهة قديمة أجاب عنها الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة.
يقول ابن قتيبة رحمه الله في "تأويل مختلف الحديث" (258) :
" أراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران كأنها غمامتان) أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة، ويأتي ثوابه الرجل في قبره، ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه، ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه " انتهى.
وانظر: الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد ص (42-43) .
ويقول ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (5/476) :
" ثم إن الجهمية لجأت إلى المغالطة في أحاديث تأولوها، موهوا بها على من لا يعرف الحديث، وإنما عنى في هذه الأحاديث في قوله: (يجيء القرآن وتجيء البقرة وتجيء الصلاة ويجيء الصيام) يجيء ثواب ذلك كله، وكل هذا مبين في الكتاب والسنة.
قال الله عز وجل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/7-8
فظاهر اللفظ من هذا أنه يرى الخير والشر، وليس يرى الخير والشر، وإنما ثوابَهما والجزاء عليهما من الثواب والعقاب.
كما قال عز وجل (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) آل عمران/30
وليس يعني أنها تلك الأعمال التي عملتها بهيئتها وكما عملتها من الشر، وإنما تجد الجزاء على ذلك من الثواب والعقاب.
فيجوز في الكلام أن يقال: يجيء القرآن، تجيء الصلاة، وتجيء الزكاة، يجيء الصبر، يجيء الشكر، وإنما يجيء ثواب ذلك كله " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/408) :
" ولما احتج الجهمية على الإمام أحمد وغيره من أهل السنة على أن القرآن مخلوق بقول النبى صلى الله عليه وسلم: (تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف) و (يأتي القرآن فى صورة الرجل الشاحب) ونحو ذلك.
قالوا: ومن يأتى ويذهب لا يكون إلا مخلوقا.
أجابهم الإمام أحمد: بأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمجيء والإتيان بقوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) الأنعام/158، وقال: (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) الفجر/22، ومع هذا فلم يكن هذا دليلا على أنه مخلوق بالاتفاق، بل قد يقول القائل جاء أمره، وهكذا تقوله المعتزلة الذين يقولون القرآن مخلوق، يتأولون هذه الآية على أن المراد بمجيئه مجيء أمره، فَلِمَ لا يجوز أن يتأول مجيء القرآن على مجيء ثوابه، ويكون المراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران) بمجيء ثوابها، وثوابها مخلوق! وقد ذكر هذا المعنى غير واحد، وبينوا أن المراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران) أي: ثوابهما، ليجيبوا الجهمية الذين احتجوا بمجيء القرآن وإتيانه على أنه مخلوق " انتهى
وفي مجموع الفتاوى (5/398) :
" وأحمد وغيره من أئمة السنة فسروا هذا الحديث بأن المراد به مجىء ثواب البقرة وآل عمران، كما ذكر مثل ذلك من مجىء الأعمال فى القبر وفى القيامة، والمراد منه ثواب الأعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا البقرة وآل عمران فانهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما)
وهذا الحديث فى الصحيح، فلما أمر بقرائتهما، وذكر مجيئهما يحاجان عن القارىء، علم أنه أراد بذلك قراءة القارىء لهما، وهو عمله، وأخبر بمجيء عمله الذى هو التلاوة لهما فى الصورة التى ذكرها، كما أخبر بمجىء غير ذلك من الأعمال " انتهى.
يتبين مما سبق أنه لا يصح الاستدلال بهذه الأحاديث على خلق القرآن، لأن المقصود بها ثواب قراءة القرآن، كما أن المقصود بقوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الزلزلة/7، أنه يرى ثواب الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/730)
حكم الإخراج السينمائي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أود أن أصبح مخرجاً سينمائيّاً، فهل هذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن معرفة واقع السينما اليوم يسهِّل علينا تعريفك بحكم التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج السينمائي، فهو واقع مزرٍ، ولا يكاد يخلو فيلم سينمائي – عربي أو أجنبي – من نشر للفاحشة والرذيلة والجريمة، فالأفلام مليئة بمشاهد الحب والعري، وشرب الخمور، ومصادقة الأجنبيات وتقبيلهن والزنا بهن، مع ما فيها من نشر جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، وهو ما أثَّر في نفوس المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال، وقد ذكر أهل الاختصاص في تقاريرهم ما ينبئ عن خطر هذه الأفلام السينمائية على الخلق والدين والمجتمع والأسرة.
ولذا كانت المساهمة في ظهور هذه الأفلام مشاركة في الإثم والعدوان، ولا يشك أحد له اطلاع على واقع هذه السينما في تحريم إنتاجها وتمثيلها وإخراجها.
وقد حاول بعض المفتين المعاصرين أن يضع ضوابط للسينما! لكنها أشبه ما تكون بالخيال، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع العملي.
فقال صاحب كتاب " الحلال والحرام في الإسلام " – في ذِكر ضوابط السينما -:
1. أن تنزه موضوعاتها التي تعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه.
2. أن لا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي كالصلوات الخمس.
3. أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثيرين بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم منعاً للفتنة ودرأ للشبهة. انتهى.
وقد ردَّ عليه كثيرون، ومنهم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقال:
"والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن نقول: بعيد كل البعد أو قد يكون مستحيلاً في السينما أن تتوفر هذه الشروط التي ذكرها المؤلف وخلوها من هذه المحاذير لأنها لو خلت من هذه الأشياء وتمحضت للتوجيه النافع - على حد زعم المؤلف - لم يحصل الإقبال عليها من الناس ولم يكثر مرتادوها - ومهمة القائمين عليها استجلاب الناس إليها بشتى الوسائل ليحصلوا منهم على الكسب المادي لأنها أداة كسب في الغالب.
الوجه الثاني: لو فرضنا خلوها من هذه المحاذير - فإنها لا تخلو من عرض الصور المتحركة ومشاهدتها - ولا شك أن التصوير لذوات الأرواح واستعمال الصور المحرمة محرم، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة حتى محى ما فيها من الصور وامتنع صلى الله عليه وسلم من دخول بيت عائشة رضي الله عنه من أجل نمرقة فيها تصاوير، وامتنع من دخول بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى فيه تصاوير، فدل ذلك على أنه لا يجوز مشاهدة الصور في البيت ولا في السينما ولا في غيرها ولا دخول مكان تعرض فيه.
وكشاهد على ما ذكرنا من أنه لا يمكن خلو السينما من المحاذير والشرور وأنها أداة شر: ننقل لك جملة من أقوال من عرفوا تلك الأضرار في السينما فحذروا منها:
قال في كتاب " النهضة الإصلاحية " صحيفة (357) وهو يعدد جملة من المنكرات قال: ومنها: وقوع نظر النساء على الصور المتحركة - السينما - ذلك أن تلك الشاشة البيضاء كما يسمونها لا تخلو أبدا من مناظر فاجرة تمثل الفسق والغرام والهيام المفرط الذي جاوز الحد، ومعروف أن النفوس مجبولة على التقليد، ولها من الإحساس ما يتحرك ويهيج إذا رأى المحرم المهيج، وأي مهيج أقوى وأشد من هاتيك المناظر المتعمدة المقصودة للتهييج، وكيف لا تسارع المرأة ناقصة العقل والدين كل المسارعة إلى تقليد ما ترى على الشاشة البيضاء من ترام في الأحضان وتضام وعناق وتقبيل وما يتلو ذلك.
إن من لا يقول إن المرأة تتأثر بهذه المناظر تأثراً خطراً يكون مريض العقل فاقد الإحساس عادم التقدير، لا أتردد أنا في ذلك، ولقد هيئت الفرص أن أتكلم في هذه النقطة مع سيدات ممن تعوَّدن الذهاب إلى حيث الصور المتحركة، فلم يترددن في موافقتي على أن تلك المناظر تؤثر عليهن كل التأثير، ولقد أخبرتني سيدة رأت في تلك الشاشة صورة حرب فيها كر وفر وتصادم وهجوم وطعن وضرب وإطلاق نيران وما إلى ذلك من فنون الحروب المهلكة تقول لي - وزوجها الذي يرغمها إلى الذهاب إلى تلك المناظر يسمع-: إني لم أقم من ذلك المكان بعد رؤية هاتيك الصور إلا وكلي رعب وفزع لا يتصل مني عضو بالآخر من شدة ما نزل من التأثر، وهي تريد أن تقول لي بتلك الحكاية: إن كل منظر مؤذ يؤثر في موضوعه فإذا كان على الشاشة صور غرامية أثرت في النفوس للحد الذي يفهمه من يعرف قوة الطبيعة الحيوانية في الإنسان. ا. هـ.
وجاء في " مجلة الأزهر " (26 - 442) ما نصه: (وبحْث مشكلة السينما في مصر متشعب النواحي فقد تبحث باعتبارها فنّاً من الفنون، أو صناعة من الصناعات، أو أداة ووسيلة حيوية لتوجيه الشعب وتثقيفه وإرشاده، وهي الناحية التي سنعرض لها هنا لنتبين إلى أي مدى استطاعت السينما أن تحقق هذه الوظائف القومية في المجتمع المصري، وإن من يتابع الأفلام المصرية ويشاهد منها الكثير والكثير - وهي وفيرة العدد - لَيخرج بحقيقة واحدة لا يستطيع عنها حوَلاً، وإن أكثر من المشاهدة والتدقيق وتعب في الفحص والاختبار، هذه الحقيقة الوحيدة هي: أن هذه الأفلام قد فشلت فشلاً ذريعاً في تقيق الأهداف المذكورة، وعجزت عجزاً تامّاً عن أداء الوظائف الحيوية في خدمة الإرشاد العام في المجتمع المصري، مؤثرة عناصر التجارة على عنصر التوجيه، ومطرحة لعنصر الفن، وضاربة الصفح إلا عن ابتزاز الأموال. ا. هـ.
وجاء في صحيفة (517) من المجلد (26) من تلك المجلة أيضا: (يندر أن يجد المدمن على مشاهدة الأفلام فيلما يخلو من قبلات، حتى لقد أصبحت من لوازم هذه الأفلام! إذا جلست في دار الخيالة تشاهد واحداً منها فلا بد أن تكون موطِّناً نفسك على أن تشهد منها الكثير والكثير بمناسبة وبغير مناسبة، بل إن الكثير من المراهقين والشبان والفتيات ليدخلون دور الخيالة ليشهدوا هذه الطبعات التي يحلمون بها ويشتاقون إلى ذوق أمثالها، وهنا بيت الداء ومبعث انتشاره. ا. هـ.
هذه شهادات ممن خبروا أضرار السينما وواقعها وما تجر على مشاهدها من أضرار وخسارة في الأخلاق والسلوك وأنها لا يمكن بحال خلوها من تلك المفاسد وأن القائمين عليها لا ينظرون في صالح الناس، وإنما ينظرون إلى ما يمكنهم من ابتزاز الأموال.
وبالجملة فلا خير فيها بوجه من الوجوه وإن زعم من زعم أنها أداة إصلاح وتوجيه.
خاتمة:
وأخيراً نقول: ليت فضيلة المؤلف التزم ما قرره في أول كتابه من قواعد كقوله: (ما أدى إلى الحرام فهو حرام) (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام) (النية الحسنة لا تبرر الحرام) ليته التزم مقتضى هذه القواعد فأخلى كتابه من هذه الفتاوى التي خالف فيها الصواب، وقلد في غالبها الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل، ليته جعل كتابه مشتملاً على ما هو مفيد ونافع.
قال الأستاذ عبد الحميد طهماز في رده على المؤلف: ليت المؤلف وقف عند المبدأ الذي قرره في أول الكتاب أن الحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله تعالى، فلا يكون منه التفات إلى مثل هذه الآراء الضعيفة في ثبوتها.ا. هـ.
قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم وزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
وقال المحقق العلامة ابن القيم في " أعلام الموقعين ": (1-10-11) ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة عدلا في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات. فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات. فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب. فقال تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفا وجلالة. إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقف بين يدي الله. اهـ.
وإذ كان المؤلف قد بسط القول في جانب تحريم الحلال وحمل على الذين يحرمون من غير دليل وجب عليه أيضا أن لا ينسى خطورة الجانب الثاني وهو تحليل الحرام فهو لا يقل أهمية عن الجانب الأول والواقعون فيه أكثر والله تعالى قد نهى عن الجانبين على حد سواء فقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومعلوم أن من قواعد الشريعة (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في المحرمات) . و (إذا تنازع حظر وإباحة غلب جانب الحظر) مما يدل على خطورة الوقوع في الحرام.
هذا وأسأل الله لنا وللمؤلف ولجميع المسلمين التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
"الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام" (التعقيب رقم 11) .
ثانياً:
من درَس الإخراج السينمائي، أو يستطيع دراسته دون التعرض للآثام والمحرَّمات: فإنه يستطيع جعل مهنته في أعمال مباحة، كإخراج الأفلام الوثائقية، والمقابلات واللقاءات والندوات، على أن يلتزم بكون المادة تخلو من حرام، كوجود ممثلات، أو معازف، أو دعوة إلى بدعة أو معصية، ويوجد في هذه الأيام مجال لمثل هذه العمل المباح مع قنوات فضائية تلتزم الضوابط الشرعية، مثل " قناة المجد "، فنرجو أن يكون العمل في هذا المجال خالياً من الإثم.
وعند الفتوى في موضوع السينما ذكرنا واقعها اليوم من حيث ممثليها ومادتها، وقلنا إنها تدعو إلى المحرمات، لكن لا يمنع هذا أن ندل على باب آخر للإخراج غير السينمائي، وهو ما ذكرناه من الأفلام الوثائقية واللقاءات وغيرها.
ونسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر أعدائهم، وأن يوفقهم لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، ونرجو أن يبتعد من يرغب بمثل هذه الأعمال عن الفتن، والسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ الناس به، والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/731)
الجواد من أسماء الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اسم (الجواد) من أسماء الله الحسنى؟ وهل يمكن أن نسمي به كأن نسمي (عبد الجواد) وإذا لم يكن من أسماء الله، فهل هو صفة لله؟ وهل يمكن التسمية به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجواد اسم من أسماء الله تعالى، كما دلت السنة، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية من حديث طلحة بن عبيد الله وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها) صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 1744.
قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
"وَهُوَ الجَوَادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُو دَ جَمِيعَهُ بِالفَضْلِ وَالإحْسَانِ
وَهُوَ الجَوَادُ فَلا يُخَيِّبُ سَائِلاً وَلَوْ أنَّهُ مِنْ أُمَّةِ الكُفْرَانِ"
وقال الشيخ السعدي في (التفسير) (5/299) : " الرحمن الرحيم والبر الكريم الجواد الرؤوف الوهاب "؛ هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر والجود والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، وخص المؤمنين منها بالنصيب الأوفر والحظ الأكمل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه في سرد أسماء الله الحسنى: " ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجميل الجواد الحكم الحيي " انتهى من "القواعد المثلى".
وانظر: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف.
وبناء على ذلك فيجوز التسمي بـ "عبد الجواد".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/732)
خلق الله أربعة أشياء بيده
[السُّؤَالُ]
ـ[خلق الله سبحانه وتعالى آدم بيديه ونفخ فيه من روحه، فهل خلق الله بقية المخلوقات ـ من الملائكة والجن والكائنات الأخرى ـ بيديه أيضا؟ وهل نفخ فيها من روحه جلا وعلا؟ أم هذه ميزه خاصة، ومكانه خاصة لآدم وحده، دون بقية المخلوقات؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خص الله تعالى آدم عليه السلام، فخلقه بيديه كما أخبر، ولم يخلق ذا روح ٍ غيره بيديه.
قال سبحانه: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أََسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75، وفي حديث الشفاعة: (أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ... ) الحديث، رواه البخاري (3340) ومسلم (194) .
قال الإمام الدارمي رحمه الله: " وولي خلق آدم بيده مسيسا، لم يخلق ذا روح بيديه غيره، فلذلك خصه وفضله وشرف بذلك ذكره " انتهى من "نقض الدرامي على المريسي" ص 64
وروى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) .
وروى الدارمي بسند حسن عن ميسرة أبي صالح مولى كندة، أحد التابعين أنه قال: (إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده) . "نقض الدارمي" ص 99، وقال محققه الشيخ منصور السماري في مقدمته: " وقد روي عن غيره من التابعين مثل حكيم بن جابر، ومحمد بن كعب القرظي بأسانيد صحيحة ذكرتها عند التعليق على الأثر في موضعه من الكتاب ".
فهذه أربعة أشياء خلقها الله بيده: العرش والقلم وجنة عدن وآدم، وأما سائر الخلق، فهم مخلوقون بالكلمة (كن) فكانوا.
ثانيا:
وأما الروح، فإن آدم وبنيه جميعا، نفخ الله فيهم الروح، وهي روح مخلوقة، أضيفت لله من باب التشريف والتكريم.
قال الله عز وجل في حق آدم عليه السلام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر/29
وقال في حق عيسى عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) النساء/171
وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم 50774
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/733)
حديث الأوعال حديث ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة حديث الأوعال؟ وكيف نفسره في ضوء العلم الحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما نص حديث الأوعال فهو:
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال:
(كُنتُ فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّت بِهِم سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ: " مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ " قالوا: السَّحَابُ. قَالَ: " وَالمُزنُ "، قَالُوا: وَالمُزنُ، قَالَ: " وَالعَنَانُ "، قَالُوا: وَالعَنَان، قال: " هَل تَدرُونَ مَا بُعدُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ؟ " قالوا: لا نَدرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعدَ مَا بَينَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَو اثنَتَانِ أَو ثَلاثٌ وَسَبعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوقَهَا كَذَلِكَ - " حَتَّى عَدَّ سَبعَ سَمَوَاتٍ " - ثُمَّ فَوقَ السَّابِعَةِ بَحرٌ بَينَ أسفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، بَينَ أَظلافِهِم وَرُكَبِهِم مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِم العَرشُ، مَا بَينَ أَسفَلِهِ وَأَعلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوقَ ذَلِكَ) .
قال ابن الأثير في "النهاية" (3/355) :
" (أوعال) أي ملائكةٌ على صُورة الأوْعال، وهم تُيوسُ الجَبَل، واحِدُها وَعِلٌ بكسر العين.
(الظِّلْف) للبَقَر والغَنَم كالحافِر للفَرس والبَغْل والخُفِّ للبَعِير " انتهى.
وهذا حديث مشهور في كتب أهل العلم، ومروي في أكثر الكتب المسندة، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/206) ، وأبو داود في "السنن" (4723) ، والترمذي في "السنن" (3320) وابن ماجه (193) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (50) ، والبزار في مسنده (4/134) ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (1/66) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234) ، والحاكم في المستدرك (2/410) وغير ذلك من كتب السنة.
ومجموع رواية هؤلاء الأئمة تصل إلى خمس روايات كلها تلتقي في:
سِمَاك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به.
أما سِمَاك بن حرب فقد أدرك العديد من الصحابة، وأخرج له مسلم، والبخاري تعليقا، وقد وثقه جماعة من أهل العلم، كالإمام أحمد وأبو حاتم والبزار وغيرهم، ولكن أخذ عليه بعض أهل العلم وجود الغرائب في حديثه، لذلك ضعفه شعبة وابن المبارك، وقال ابن أبي خيثمة سمعت ابن معين سئل عنه: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة. وقال ابن عمار: يقولون إنه كان يغلط، ويختلفون في حديثه. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد. وقال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطىء كثيرا.
انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/204)
وأما عبد الله بن عميرة: فلا نعرف عنه شيئا من ترجمته إلا أنه يروي عن الأحنف بن قيس، ولا يعرف عنه راو غير سماك بن حرب، ولم ينص أحد من أهل العلم على توثيقه أو تضعيفه، إلا أن ابن احبان ذكره في "الثقات"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/301)
" قال البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن الترمذي حديثه، قلت (أي ابن حجر) : قال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى، لا تصح له صحبة ولا رؤية. وقال مسلم في "الوُحدان": تفرد سماك بالراوية عنه. وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفه " انتهى.
ولما كان أمر سماك بن حرب قد لا يحتمل التفرد بحديث أصل، ونجد أمر عبد الله بن عميرة مشتبها ومحتملا، اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
فالحديث قال فيه الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن خزيمة بإخراجه في كتاب "التوحيد" حيث اشترط الصحة، وقال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
ومن المتأخرين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/192) ، وابن القيم في "مختصر الصواعق" (433) حيث قال: إسناده جيد.
أما من ضعفه من أهل العلم:
فهو مفهوم كلام البزار في "مسنده" (4/115) حيث قال: " لا نعلمه روي بهذا الكلام وهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن العباس عن النبي صلى لله عليه وسلم، وعبد الله بن عميرة، لا نعلم روى عنه إلا سماك بن حرب " انتهى.
وابن عدي في الكامل (9/27) حيث قال: غير محفوظ.
وأشار إلى ضعفه المزي في "تهذيب الكمال" (10/391)
وقال الذهبي في "العلو" (1/60) : " تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة " انتهى وإن كان الذهبي قد حسن الحديث في كتاب "العرش" (24)
ومن المتأخرين أيضا العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1247)
والذي يترجح – والله أعلم – هو ضعف الحديث، فإن تفرد سماك بن حرب بمثل هذا الحديث المتعلق بالغيبيات تفرد غير مقبول، وجهالة عبد الله بن عميرة تضر في مثل هذا الموضع أيضا، ثم ثمة انقطاع بينه وبين الأحنف بن قيس.
أما من أراد الاستدلال بهذا الحديث على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأنه فوق العرش العظيم، فإن الكتاب والسنة الصحيحة مليئان بما يغني في الدلالة على ذلك، حتى قد تصل الأدلة إلى ألف دليل، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه "العلو" لمن أراد المزيد.
وسبق في موقعنا ذكر شيء من الأدلة، انظر جواب السؤال رقم (992) و (11035)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/734)
قول الملحد: هل يقدر الله على خلق إله مثل نفسه!!
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل بعض الملحدين أسئلة مثل إذا كان الله علي كل شئ قدير فهل يقدر أن يخلق إلها آخر مثله أو يخلق شيئا ثقيلا جدا لدرجة أنه لا يقدر علي رفعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الملحد يحتاج إلى من يدعوه إلى الله تعالى، ويذكره بآلاء الله ونعمه وآياته التي تدل على وجوده، ووحدانيته، وعظمته.
فالكون كله يدل على الله تعالى، فوا عجبا، كيف يجحده الجاحد؟!
فيا عجبا كيف يُعصى الإلهُ أم كيف يجحده الجاحدُ
ولله في كل تحريكةٍ وفي كل تسكينة شاهدُ
وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدُ
وشبهات الملحدين والضالين، لا يجوز الإصغاء إليها، إلا لمن لديه أهلية للرد عليها ونقضها، ولهذا فالحذر الحذر؛ فالشبهة قد تعلق بالقلب، ثم يصعب إخراجها منه.
ثانيا:
هذه الشبهة من شبهات الملحدين قديما، ولأهل العلم جواب مشهور عليها، وحاصله أمران:
الأول:
أن هذه المسألة من المحال؛ لأن الآخَر لو كان إلها، ما أمكن خلقه؛ فافتراض أنه إله، وأنه يُخلق، محال.
قال في "الدرر السنية من الأجوبة النجدية" (3/265) : " وقد روي عن ابن عباس، حكاية على غير هذا الوجه، وهي: أن الشياطين، قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالِم، ما لا تفرح بموت العابد؟ ! والعالِم لا نُصيب منه، والعابد نُصيب منه؟ !
قال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري؛ فقال: أترونه لم تنفعه عبادته مع جهله؟ !
فسألوا عالماً عن ذلك؟ فقال: هذه المسألة محال، لأنه لو كان مثله، لم يكن مخلوقاً، فكونه مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً لم يكن مثله، بل كان عبداً من عبيده؛ فقال: أترون هذا يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين؟ ! والله أعلم " انتهى.
الثاني:
أن وجود إله آخر مع الله، أمر مستحيل لذاته، وقد دل على استحالته أدلة كثيرة، أيسرها وجود هذا العالم المنتظم، إذ لو كان هناك إله آخر، لفسد نظام العالم، لتنازعهما، ورغبة كل منهما في العلو على الآخر، كما قال سبحانه: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء/22.
وقوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون/91.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " أي لو قدّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض " انتهى.
وكذلك وجود شيء ثقيل، لا يقدر الله على رفعه: أمر مستحيل؛ لأن الله هو الذي خلقه، وأوجده، وهو قادر على إفنائه في أي لحظة، فكيف لا يقدر على رفعه؟!
والملحد إنما يريد أن يطعن في العموم الذي في قوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير) فيقول: إذا كان قادرا على (كل شيء) فلماذا لا يقدر على هذا؟
والجواب: أن هذا المستحيل (ليس بشيء) !
فالمستحيل المعدوم، الذي لا يمكن وجوده، ليس بشيء، وإن كان الذهن قد يتخيله ويقدّره تقديرا، ومعلوم أن الذهن يفرض ويقدر المستحيل، فالذهن يقدّر اجتماع النقيضين، ككون الشيء موجود معدوما في نفس الوقت.
فالآية تنص على قدرة الله على (الأشياء) فلا يدخل في ذلك الأمور المستحيلة لذاتها، لأنها ليست بشيء، بل عدم، لا يمكن أن يوجد.
ولهذا نص غير واحد من العلماء على أن قدرة الله إنما تتعلق بالممكن؛ لهذا السبب الذي ذكرناه، وهو أن المعدوم المستحيل ليس بشيء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما أهل السنة، فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب: خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك " انتهى من "منهاج السنة" (2/294) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "شفاء العليل" ص 374: " لأن المحال ليس بشيء، فلا تتعلق به القدرة، والله على كل شيء قدير، فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/735)
هل الضار النافع من أسماء الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير ومعنى اسم الله الضار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يثبت بدليل صحيح أن الضار من أسماء الله تعالى، وإنما ورد ذلك في الحديث المشهور الذي فيه تعداد الأسماء الحسنى، وهو حديث ضعيف، رواه الترمذي وغيره.
والمقرر عند أهل العلم أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، أي لا يثبت منها شيء إلا بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة.
فإذا لم يثبت الاسم، وكان معناه صحيحا فإنه يجوز الإخبار به عن الله تعالى، فيقال: الله هو الضار النافع، لأن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، لكن لا يعبّد بهذا الاسم، فلا يقال: عبد الضار أو عبد النافع؛ لأنه لم يثبت اسما لله تعالى.
وأما ما يوجد في كلام بعض أهل العلم من تسمية الله تعالى بالضار النافع، فلعل ذلك منهم اعتمادا على حديث الترمذي، وقد سبق أنه حديث ضعيف، والمعوّل عليه هو الدليل الصحيح من الكتاب أو السنة.
ثانيا:
معنى الضار: الذي يقدّر الضر ويوصله إلى من شاء من خلقه.
فالخير والشر من الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الانبياء/35
وقال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/17 وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) الزمر/38
وروى الترمذي (3388) وأبو داود (5088) وابن ماجه (3869) عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الترمذي (2516) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن تيمية رحمه الله: فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر غيره.
ثالثا:
لما كان الإخبار عن الله تعالى بأنه الضار قد يوهم نقصا، بيّن أهل العلم أنه لا يذكر إلا مقرونا بالإخبار عنه بأنه النافع، سبحانه وتعالى، فيقال: الضار النافع، كما يقال: القابض الباسط، العفو المنتقم.
قال ابن القيم رحمه الله: " إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره، وهو غالب الأسماء. كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدعى به مفردا ومقترنا بغيره، فتقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم. وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو. فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله، م، عطاء ومنعا، ونفعا وضرا،وعفوا وانتقاما. لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيه؛ وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ. فهذه الأسماء المزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه. فلو قلت: يا مذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه، ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها " انتهى من "بدائع الفوائد" (1/132) باختصار.
وانظر السؤال رقم (20476)
رابعا:
يجب أن يعلم أن المطلوب من العبد في هذا المقام أن يرى تفرد الله تعالى بربوبيته لخلقه، سبحانه له الخلق والأمر، فلا منازع له في سلطانه، ولا راد لأمره، ولا معقب لحكمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الرب سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل؛ فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته، لكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك فلينظر إلى المعطي الأول ـ مثلا ـ فيشكره على ما أولاه من النعم، وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه ... ؛ لأن النعم كلها لله تعالى كما قال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله) ، وقال تعالى: (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة؛ فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده، فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره؛ فهو الأول والآخر..، وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية.
فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لومه وذمه إياهم، وتجرد التوحيد في قلبه فقوي إيمانه وانشرح صدره وتنور قلبه؛ ومن توكل على الله فهو حسبه.
ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من عرف الناس استراح. يريد - والله أعلم - أنهم لا ينفعون ولا يضرون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/736)
يسأل عن كتاب في أسماء الله الـ 99
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف الفتوى في كتاب THE 99 BEAUTIFUL NAMES OF ALLAH أسماء الله ال 99 الحسنى، للشيخ محمد إدنيس ميرثي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الكتاب لا نعرفه، ولم نقف عليه حتى نحكم على ما فيه، لكن قد اهتم العلماء قديما وحديثا بمعرفة أسماء الله التسعة والتسعين التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) .
وقد اجتهد كثير من العلماء في استخراج الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، ولهم في ذلك قواعد حكموا من خلالها على معرفة أسماء الله تعالى.
وينبغي هنا أن ننبه على أمرين:
الأول: أن تحديد العلماء لهذه الأسماء إنما هو اجتهاد منهم حسب ما ظهر لكل واحد منهم، ولا نستطيع الجزم بأن هذا هو مراد الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الحديث الوارد عند الترمذي في تحديد هذه الأسماء ضعيف باتفاق أهل الحديث.
وتجد تفصيل هذه المسائل وغيرها في جواب السؤال رقم: (72318) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/737)
هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أحداً أن يحيي ميِّتا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مِن أصول الاعتقاد الصحيح: الإيمان بأن الله تعالى هو وحده الذي يحيي ويميت , ومن ادَّعى أن غير الله تعالى قادر على الإحياء والإماتة فقد كفر، بل إن المشركين في جاهليتهم لم يعتقدوا ذلك في أصنامهم وآلهتهم.
قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة/28.
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الحج/6.
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ) الحج/66.
وقد بيَّن الله تعالى عجز الآلهة المزعومة عن الخلق والرزق والإحياء والإماتة.
قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/40.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" فقوله تعالى? في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ ?تَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ ?لاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل ?للَّهُ يَبْدَأُ ?لْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ ?للَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ ?للَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّر) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِ?للَّهِ وَكُنتُمْ أَمْو?تًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ?ثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ?ثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 271) .
وقد كان من آيات عيسى ابن مريم عليه السلام البينات أنه يحيي الموتى بإذن الله، ولم يكن عيسى عليه السلام قادراً على ذلك إلا أن يشاء ربه تبارك وتعالى.
قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) آل عمران/49.
وقال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) المائدة/110.
وأما ما وقع من المجادل لإبراهيم عليه السلام بأنه قادر على الإحياء والإماتة فهذا من أسخف الادعاءات , وأبطلها , ولهذا لما ناظره إبراهيم عليه السلام انقطع ذلك الكافر , وثبت بطلان دعواه.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/258.
فلا يستطيع أحدٌ من البشر أن يدَّعي أنه قادر على إحياء الموتى، ومن ادعى ذلك فها هم الموتى من الرسل والأنبياء والعظماء فليحيهم إن كان صادقاً في دعواه!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/738)
إثبات صفة النزول لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً فيه: " ... يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".
1) ما درجة صحة هذا الحديث؟
2) ما معنى هذا الحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فسؤالك أيها الأخ الكريم يتضمن أمرين:
أولاً: درجة صحة الحديث:
هذا الحديث حديث صحيح ثابت في أصح كتابين بعد كتاب الله؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه (1145) ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ"
وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوٌ من ثمانية وعشرين صحابياً ـ رضي الله عنهم ـ، واتفق أهل السنة على تلقي ذلك بالقبول.
ثانياً: بيان معنى نزوله ـ جل وعلا ـ إلى السماء الدنيا:
اعلم أخي ـ وفقك الله ـ أن نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا هو صفة من صفاته الفعلية، التي تتعلق بمشيئته وحكمته، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته. فهو سبحانه ينزل كيف شاء، متى شاء، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يصح تحريف معنى الحديث بأن يفسر بأن المراد هو نزول أمره، أو رحمته، أو ملك من ملائكته، فإن هذا باطل لوجوه:
الأول:
أن هذا التأويل يخالف ظاهر الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النزول إلى الله، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه، أو قام به فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً يخالف الأصل. ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأصدق الخلق فيما يخبر به، فليس في كلامه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقول على الله تعالى شيئاً لا في أسمائه، ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أحكامه قال الله تعالى: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) الحاقة/44ـ46 ثم هو عليه الصلاة والسلام، لا يريد إلا الهداية للخلق فإذا قال: " ينزل ربنا " فإن أي قائل يقول بخلاف ظاهر هذا اللفظ كأن يقول: المراد ينزل أمره. فنقول: أأنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل ربنا " وأنت تقول: ينزل أمره، أم أنك أنصح للأمة منه حيث عمَّى عليهم فخاطبهم بما يريد خلافه؟!، ولا شك أن الإنسان الذي يخاطب الناس بما يريد خلافه غير ناصح لهم، أم تراك أفصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فلا شك أن مثل هذا التحريف لا يخلو من وصمة الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من النقص الذي لا يرضى به مسلم أبدا ً في جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني:
أن نزول أمره أو رحمته لا يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت. فإن قيل: المراد نزول أمر خاص، ورحمة خاصة وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت. فالجواب: أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء هو السماء الدنيا وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا من غير أن تصل لنا؟! حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟!
الثالث: أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول:" من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". ولا يمكن أن يقول ذلك أحد سوى الله تعالى.
انظر: (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/ 203-215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/739)
يوسوس له الشيطان بتخيل صورة لله تعالى ليحقق معنى الإحسان!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحاول في العبادات المتعلقة بالذكر كالصلاة والدعاء أن أعبد الله كأني أراه , لذلك فقد اعتدت أمراً لا أدري إن كان صحيحاً أم لا , وذلك أنى أحاول أن أتصور الله أمامي وأنا في صلاتي مثلاً , ولكن عقلي البشري الضعيف أقرب ما يذهب إليه هو صورة إنسان، وأنا أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الملِك الذي ليس كمثله شيء , أيضاً أحاول أن أهيئ لنفسي وأنا ساجد مثلا أني أمام الكعبة، وقد أشعر بأني قريب من الله فعلا، ولكني أيضا لا أشعر بكامل القرب من الله لأني أدرك أن الله أعظم من ذلك كثيراً. أرجو أن تعلموا أن أمري ليس وسوسة، ولكني أريد القرب أكثر من الله , فانصحوني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: اعلم يا عبد الله أن الله تعالى احتجب عن خلقه في دار الدنيا، فلا يراه بشر فيها، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونه.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ) رواه البخاري (4855) ومسلم (177) واللفظ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا؛ وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.) مجموع الفتاوى 2/335
وإذا كان البشر، كل البشر، قد حجبوا في دار الدنيا عن هذه الرؤية، فالبشر، كل البشر أيضا، عاجزون عن الوقوف على حقيقة ذاته سبحانه، أو كيفية شيء من صفاته؛ لأن الإنسان لا يتخيل شيئا تخيلا صحيحا إلا أن يكون رآه، أو رأى شبيه هذا الشيء أو نظيره، حتى ينتقل خياله من صورة الشيء الذي رآه إلى صورة ما غاب عنه.
وبناء على ذلك، اعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن كل صورة في خيالك، أو توهم كيفيةٍ في بالك، فالله تعالى بخلاف ذلك، بل: الله تعالى أجل وأعظم من كل ذلك. وأن اشتغالك بهذه الخيالات وساوس واستدراج من الشيطان، ليشغلك بما يضرك عما ينفعك، وبالباطل عن الحق. قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام. فمن رام علمَ ما حُظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان؛ فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، مُوَسْوِسا تائها شاكا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا) [متن العقيدة الطحاوية ص 14] .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق دفع الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد، فيما يتعلق بالله جل جلاله، فقال: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134)
قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم. وراجع كلاما مفيدا في فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1 / السؤال رقم 18)
وأما القرب الذي تبحث عنه وتنشده في عبادتك لربك عز وجل، فنعم مقام العابدين هو:
(أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك!!) .
غير أن هذا المقام العظيم الجليل لا يحتاج منك أن تجهد نفسك، وتشتت قلبك في البحث عن شيء لن تدركه، وهو تخيل صورة الله عز وجل؛ وإنما يحتاج منك أن تستحضر من صفات الجلال والكمال والجمال لله عز وجل ما يعينك على حضور القلب في عبادته سبحانه، والإقبال عليه بكليتك. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه..، يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة؛ وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة:
" أن تخشى الله كأنك تراه " [رواه بهذا اللفظ: مسلم (10) ] .
ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها) جامع العلوم والحكم 1/104
وقال ابن القيم – رحمه الله -: ومشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الحياء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله سبحانه والذل له ويقطع الوسواس وحديث النفس ويجمع القلب والهم على الله.
فحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد. " رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه " (ص 38، 39) ، وانظر أيضا: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/103) وما بعدها، ط دار ابن الجوزي، معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي (3 / 999، 1000) .
وقد أشار أهل العلم إلى جملة من الأعمال والأحوال، متى اجتهد العبد في تحقيقها كانت له عونا على القرب من ربه عز وجل، وبحسب سعي العبد في القرب من ربه عز وجل، يكون قرب الله تعالى منه؛ فأقلَّ إن شئت أو استكثر!!
ومن هذه الأمور:
1. تحقيق التوحيد وترك الشرك الأكبر والأصغر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وهذا تحقيق الإخلاص والتوحيد الذي من حققه كان أقرب الخلق إلى الله، وهو تحقيق كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله ". الاستقامة " (ص 195) .
2. معرفة صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله.
قال ابن القيم – رحمه الله -: (مشهد الإحسان، وهو مشهد المراقبة، وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهذا المشهد إنما ينشأ من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، حتى كأنه يرى الله سبحانه فوق سمواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة؛ فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه، وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه؛ فيشهد ذلك كله بقلبه ويشهد أسماءه وصفاته ويشهد قيوماً حيّاً سميعاً بصيراً عزيزاً حكيماً آمراً ناهياً، يحب ويبغض، ويرضى ويغضب، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ولا أقوالهم ولا بواطنهم، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص 38) .
3. تحقيق الولاية، ويكون تحقيقها بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس/62،63.
قال ابن القيم رحمه الله: (الولاية هي القرب من الله عز وجل، فولي الله هو القريب منه، المختص به، والولاء هو في اللغة: القرب.) بدائع الفوائد (3 / 621) .
4. المداومة على الصلاة، وبخاصة استشعار القرب من الله تعالى في السجود؛ فإنه أقرب ما يكون العبد فيه قرباً لربه تعالى، وكذا الصلاة في آخر الليل. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق/19.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) .
وعن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) .
رواه الترمذي (3579) والنسائي (572) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1173) .
5. تحقيق التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها) . مجموع الفتاوى " (15 / 55) .
6. ذكر الله تعالى على كل حال، من أذكار وأدعية وتسبيح وتحميد وتهليل:
قال ابن القيم رحمه الله: (والذِّكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة) . " الوابل الصيب " (1 / 96) .
7. تحقيق الخوف منه عز وجل:
قال ابن القيم رحمه الله: (هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده، وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد؛ لأنه يطالَب بما لا يطالَب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره، ونظير هذا في الشاهد أن الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له، أشد خوفاً منه من البعيد عنه؛ بحسب قربه منه ومنزلته عنده، ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به غيره، فهو أحق بالخوف من البعيد، ومَن تصور هذا حق تصوره فهم قوله (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) طريق الهجرتين (1 / 427، 428) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/740)
يرغب في معرفة أسماء الله تعالى وصفاته الواردة في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا - ولله الحمد والمنَّة - أحفظ أسماء الله الحسنى الـ 98 أرجو أن تصدقوا ما تقرؤون، لأني لم أجد في أذكار الصباح والمساء التي أملك سوى 98، كذلك استفسرت من بعض زملائي بالعمل ممن أثق بفقههم فلم أجد عندهم الجواب القاطع، لذا أرجو منكم التكرم بأن ترسلوا لي أسماء الله الحسنى كاملة، وأن ترشدوني إلى صفات الله والتي لا تعد إحدى تلك الأسماء حتى أفيد غيري وأزيل هذا الخطأ الشائع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن معرفة أسماء الله تعالى وصفاته لها أهمية كبرى في حياة المسلم، فبها يتعرف المسلم على خالقه عز وجل، وبهذه المعرفة يستطيع تحقيق أنواع التوحيد جميعها.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (4043) أهمية معرفة أسماء الله الحسنى فلينظر.
ثانياً:
أسماء الله تعالى ليست محصورة في عدد معيَّن، وقد ورد نصٌّ صحيح فهم منه بعض الناس أن أسماء الله تعالى عددها (99) اسماً، وهذا النص هو ما رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
وقد نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى غير محصورة في هذا العدد، وقد سبق في جواب السؤال رقم (41003) الدليل على نفي الحصر بهذا العدد، مع أقوال أهل العلم في الرد على من فهم أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد.
وفي جواب السؤال رقم (48964) تجد تفصيلاً في معرفة الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى.
والحديث الوارد عند الترمذي في تعيين هذه التسعة والتسعين اسماً حديث ضعيف.
وقد ضعَّفه الإمام الترمذي رحمه الله نفسه، وغيره.
قال الترمذي رحمه الله - عقب روايته للحديث -:
هذا حديث غريب - (أي: ضعيف كما هو ظاهر كلامه هنا) - حدثنا به غيرُ واحدٍ عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقةٌ عند أهل الحديث، وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلمُ في كثيرِ شيءٍ من الروايات له إسنادٌ صحيح ذَكَرَ الأسماءَ إلا في هذا الحديث، وقد روى " آدم بن أبي إياس " هذا الحديث بإسنادٍ غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -وذكر فيه الأسماء - وليس له إسنادٌ صحيحٌ.
" سنن الترمذي " (5 / 530 – 532) .
وقد ضعَّف الحديث - كذلك - الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 172) ، ونقل تضعيفه عن ابنِ حزمٍ والبيهقى وغيرِهما.
وضعَّفه كذلك شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (22 / 482) .
وقد اجتهد كثير من العلماء في استخراج أسماء الله تعالى من الكتاب والسنة، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وذلك في كتابه " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى "، وقد ذكر في هذا الكتاب تعداد أسماء الله تعالى من الكتاب والسنة بحسب اجتهاده – رحمه الله – وتجد هذه الأسماء في كتابه تحت هذا الرابط:
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16821.shtml
ثالثاً:
وأما صفاته تعالى فهي أكثر من أن تحصر هنا – أيضاً – وقد سبق في جواب السؤال رقم (39803) تفصيلٌ مفيدٌ في هذا الموضوع، فلينظر.
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه السابق قواعد نافعة في صفات الله تعالى، وتجدها تحت هذا الرابط:
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16822.shtml
أما من حيث الاجتهاد في حصرها بحسب الوارد في الكتاب والسنة: فقد اجتهد بعض العلماء والمحققين في حصر ما ورد في الكتاب والسنة من هذه الصفات، ومن أحسن ما كتب في هذا: كتاب الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة "، ويمكن لكم تصفح الكتاب من موقعه تحت هذا الرابط:
http://dorar.net/book_view.asp?book_id=2939
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/741)
هل يجوز أن يسمِّي ابنته " تبارك "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التسمية بتبارك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر هو عدم جواز إطلاق اسم " تبارك " على أحدٍ من المخلوقين؛ لأنها صفة مختصة بالله تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وأما صفته " تبارك ": فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى.
" بدائع الفوائد " (2 / 185) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " -:
" الأظهر في معنى (تَبَارَكَ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن: أنه تفاعل من البركة، كما جزم به ابن جرير الطبري، وعليه: فمعنى (تَبَارَكَ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة، واستحقاق إخلاص العبادة له، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير، ولا رزق كالأصنام، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم، ...
اعلم أن قوله: (تَبَارَكَ) فعل جامد لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل، ولا غير ذلك، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالى?، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب (تَبَارَكَ) مسنداً إلى اللَّه تعالى? معروف في كلامهم " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 262، 263) .
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله:
" (البركة) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها " تبارك "، ولهذا لا يقال لغيره كذلك، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ؛ فهو سبحانه المبارِك، وعبده ورسوله المبارَك؛ كما قال المسيح: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً) ، فمن بارك الله فيه: فهو المبارَك، وأما صفته: فمختصة به؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) " انتهى.
" الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " (ص 283) .
وعليه: فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى، لأن مختصة به سبحانه وتعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/742)
تساؤلات عن صفة النزول لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[" ... يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".
1) هل ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا أو إلى الأرض؟
2) كما يوجد حديث آخر جاء فيه أن الله تعالى يأتي في ظلل من السحاب وبعض الحيوانات تعرف ذلك باستثناء الجن والإنس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه الأمور التي سألت عنها هي من الأمور الغيبية التي لا يمكن أن يعلمها الإنسان إلا من طريق الوحي ـ الكتاب والسنة ـ ولا شك أن منتهى النزول هو السماء الدنيا، وليس إلى الأرض، كما هو نص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) ، ولم يقل: إلى الأرض.
ثانياً:
وأما ما ذكرته من أن الله تعالى يأتي في ظلل السحاب، وأن بعض الحيوانات يعرف ذلك، فبعد البحث في أمهات الكتب الحديثية المتاحة، والرجوع إلى أقوال أهل العلم الراسخين الذين تكلموا عن مسألة نزول الرب جل جلاله إلى السماء الدنيا لم نجد ما يدل على ثبوت شيء من ذلك. والواجب علينا إثبات ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، وأن نزوله يليق بجلاله وعظمته، ونفوض علم ما سوى ذلك إلى عالمه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وهو العليم الحكيم.
لكن قد جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يوم القيامة حين يأتي لفصل القضاء؛ يأتي في ظلل من الغمام كما قال تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) البقرة/210، وهذا إنما هو يوم القيامة.
ثم اعلم ـ وفقك الله ـ أنه لا منافاة أبداً بين إيماننا بعلو الله تعالى بذاته، وأنه هو العلي العظيم وبين نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا؛ فإن علو الله تعالى من صفاته الذاتية التي لا يمكن أن ينفك عنها، ـ أي: أنه لا يمكن أن يكون غير متصف بها في وقت ما ـ فلا منافاة بينهما
أولاً: لأن النصوص جمعت بينهما، والنصوص لا تأتي بالمحال كما هو معلوم.
ثانياً: لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فليس نزوله كنزول المخلوقين حتى يقال: إنه ينافي علوه ويناقضه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
انظر: (كتاب السنة لابن أبي عاصم (215) ، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/743)
معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: " كنت سمعه الذي يسمع به ... الحديث "
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تشرح هذا الحديث لي؟
قال الله تعالى " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته.
فتح الباري 11.34041 حديث رقم 6502 وقد روى الحديث الإمام البخاري وأحمد بن حنبل والبيهقي..
الجزء الذي أريد شرحه هو (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معنى هذا الجزء من الحديث: أن العبد المؤمن إذا اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قرّبه ربه إليه، ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة ربه،ومحبته، وتعظيمه، وخوفه ومهابته، وإجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك زال منه كل تعلق بكل ما سوى الله، ولم يبق للعبد تعلق بشيء من هواه. ولا إرادة إلا ما يريده منه ربه ومولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره , ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع بالله وإن نظر نظر بالله، أي بتوفيق الله له في هذه الأمور فلا يسمع إلا ما يحبه الله، ولا يبصر إلا ما يرضي الله، ولا يبطش بيده، ولا يمشي برجله إلا فيما يرضي ربه ومولاه وليس المعنى: أن الله هو سمعه، وأن الله هو بصره، وأن الله هو يده ورجله. ـ تعالى الله ـ فإنه سبحانه فوق العرش، وهو العالي على جميع خلقه، ولكن مراده سبحانه: أنه يوفقه في سمعه وبصره ومشيه وبطشه؛ ولهذا جاء في الرواية الأخرى يقول سبحانه: " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي " يعني: أن يوفقه في أعماله، وأقواله، وسمعه، وبصره، هذا معناه عند أهل السنة والجماعة، ومع ذلك يجيب الله دعوته، فإن سأله أعطاه، وإن استعان به أعانه، وإن استعاذ به أعاذه. . إ. هـ. بتصرف واختصار من (جامع العلوم والحكم 2 / 347، وفتاوى نور على الدرب الشريط (10) لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله) .
ومن أشار إلى غير هذا المعنى فقد أساء وظلم وتعدى على مقام الله، وخالف ما تعرفه العرب من كلامها، وما تفهمه من مثل هذه الإطلاقات، يقول الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاواه (1 / 145 9) : " فأنت ترى أن الله تعالى ذكر عبدا ومعبودا، ومتقرِّبا، ومتقرَّبا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلا، ومسئولا ومعطيا ومُعطى , مستعيذا ومستعاذا به، ومعيذا ومعاذا، فالحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر، فإذا كان كذلك لم يكن ظاهر قوله كنت سمعه وبصره ويده ورجله " أن الخالق يكون جزءاً من المخلوق، أو وصفا فيه تعالى الله عن ذلك، وإنما ظاهره وحقيقته أن الله تعالى يسدد هذا العبد في سمعه وبصره وبطشه، فيكون سمعه لله تعالى إخلاصا وبه استعانة وفيه شرعا واتباعا وهكذا بصره، وبطشه ومشيه. إ. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/744)
لا تعارض بين نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا واستوائه على العرش
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يُطرح علي السؤال "أين الله؟ "، أجيب، بأنه "فوق السماوات السبع والعرش".
لكن، إذا أخذنا الحديث الذي فيه أن الله ينزل للسماء السفلى في آخر جزء من الليل،
فإذا سأل شخص، أين الله؟ ، وذكر بأن الوقت (عند طرح السؤال) هو آخر ثلث من الليل، فماهو الرد الذي يقال له؟ ونقطة أخرى هي أن بعض الناس يقولون بأن الجزء الأخير من الليل هو مستمر في كل الوقت (في مكان ما من الأرض وفي وقت محدد من الزمن) ، ومن ذلك فإنهم يستنتجون أن الله ليس على عرشه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب علينا أولا معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته. فعقيدة أهل السنة والجماعة هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ويعتقدون ما أمرهم الله باعتقاده فقال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
وقد أخبرنا الله سبحانه عن نفسه فقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/54 وقال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) طه/5 وغيرها من الآيات التي فيها ذكر استواء الله تعالى على عرشه.
واستواء الله تعالى على عرشه، علوه عليه بذاته، علوا خاصا يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيتها إلا هو.
وقد ثبت كذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ رواه البخاري (كتاب التوحيد/6940) ومسلم (صلاة المسافرين/1262) .
والنزول عند أهل السنة معناه: أنه ينزل سبحانه بنفسه إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقيا يليق بجلاله ولا يعلم كيفيته إلا هو.
ولكن هل يستلزم نزول الله عز وجل خلو العرش منه أو لا؟ قال الشيخ ابن عثيمن في مثل هذا السؤال: نقول أصل هذا السؤال تنطُّعٌ وإيراده غير مشكور عليه مورده، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله؟ إن قال: نعم. فقد كذب. وإن قال: لا. قلنا فلْيَسَعْكَ ما وسعهم، فهم ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يارسول الله إذا نزل هل يخلو منه العرش؟ وما لك ولهذا السؤال، قل ينزل واسكت يخلو منه العرش أو ما يخلو، هذا ليس إليك، أنت مأمور بأن تصدِّق الخبر، لا سيما ما يتعلق بذات الله وصفاته لأنه أمر فوق العقول.
مجموع فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/204- 205
قال شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة: والصواب أنه ينزل ولا يخلو منه العرش، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلاً ونهاراً إلى أن يموت ووقت النوم تعرج.. قال: والليل يختلف فيكون ثلث الليل بالمشرق قبل ثلثه بالمغرب ونزوله الذي أخبر به رسوله إلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم وإلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم لا يشغله شأن.. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 5/132
والاستواء والنزول من الصفات الفعلية التي تتعلق بمشيئة الله. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل والتكييف، أي أنهم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن نزول الله كنزول المخلوقين واستواءه على العرش كاستوائهم، لأنهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويعلمون بمقتضى العقل ما بين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات والصفات والأفعال ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل؟ وكيف استوى على العرش؟ والمقصود أنهم لا يكيِّفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا وحينئذ لا يمكن أبداً أن يتصور الكيفية.
ونحن نعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقول الله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله.
ومن توَهَّم التَّناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما إما لقلَّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق. فإن لم يتبين له الحق فليَكِل الأمر إلى عالمه وليكُفَّ عن توهُّمِه وليقل كما قال الراسخون في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما اختلاف. والله أعلم
انظر فتاوى ابن عثيمين 3/237- 238
وتوهّم تعارض النزول إلى السماء الدنيا مع الاستواء على العرش والعلو فوق السماء ناشئ عن قياس الخالق على المخلوق، وإذا كان الإنسان لا يتصوَّر بعقله غيبيات مخلوقة كنعيم الجنة فكيف يستطيع أن يتصور الخالق عز وجل علام الغيوب، فنؤمن بما ورد من الاستواء والنزول والعلو لله ونثبته كما يليق بجلاله وعظمته.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(1/745)
شرعية التخلق بما يحب الله التخلق به من معاني أسمائه وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الخطباء في خطبة الجمعة يحث على الاتصاف بصفات الله، والتخلق بأخلاقه هل لهذا الكلام محمل صحيح، وهل سبق أن قال ذلك أحد من أهل العلم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله فهذا التعبير الذي أشرت إليه غير لائق، ولكن له محمل صحيح، وهو الحث على التخلق بمقتضى بعض صفات الله وأسمائه وموجبها، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها، بخلاف الصفات المختصة بالله كالخلاق والرزاق والإله ونحو ذلك، فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه، وهكذا ما أشبه هذه الأسماء، وإنما المقصود الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها، كالعلم والقوة في الحق، والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو وأشباه ذلك، فهو سبحانه عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي، أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء عفو يحب العفو، إلخ، لكن الذي لله سبحانه من هذه الصفات وغيرها أكمل وأعظم من الذي للمخلوق، بل لا مقارنة بينهما؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله، كما أنه لا مثيل له في ذاته، وإنما حسب المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات، بحسب ما يليق به ويناسبه على الحد الشرعي، فلو تجاوز في الكرم الحد صار مسرفا، ولو تجاوز في الرحمة الحد عطل الحدود والتعزيرات الشرعية، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه، وهذه الأمثلة تدل على سواها، وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على هذا المعنى في كتابيه: (عدة الصابرين) و (الوابل الصيب) ، وإليك نص كلامه في العدة والوابل، قال في العدة صفحة 310:" ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها، أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها، ولهذا يبغض الكافر والظالم والجاهل، والقاسي القلب والبخيل والجبان، والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، سِتِّير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، فهو عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكلما يحبه فهو من آثار أسمائه وصفاته وموجبها، وكلما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها ". وقال في (الوابل الصيب) صفحة 43 من مجموعة الحديث: " والجود من صفات الرب جل جلاله، فإنه يعطي ولا يأخذ، ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكرماء من عباده، وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال" انتهى. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية وحصول للفائدة، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والقيام بحقه إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (1 / 133) .(1/746)
الفرق بين أسماء الله وصفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أسماء الله وصفاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به مثل القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة والصفة مستلزمة للاسم، ويجب الإيمان بكل ما ثبت منهما عن الله تعالى أو عن النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بالله سبحانه مع الإيمان بأنه سبحانه لا يشبه خلقه، في شيء من صفاته، كما أنه سبحانه لا يشبههم في ذاته لقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاص
وقوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/11
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
(فتاوى الشيخ ابن باز) .(1/747)
حكم قول (يا وجه الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول بعض الناس: (يا وجه الله) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما تنبغي، وممكن أن مقصودهم الذات.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ص 1/117.(1/748)
المثل الأعلى
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا السؤال يتكرر كثيراً وهو: من هو مثلك الأعلى وتختلف الإجابة باختلاف الأشخاص هناك من يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يقول: والدي وهكذا.
ما رأي سماحتكم حفظكم الله في هذا السؤال؟ وما علاقته بآية سورة النحل رقم 60 وهي قوله تعالى: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وكذا آية سورة الروم رقم 27 وهي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم) ؟ . أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المعنى يختلف فيما أشرت إليه فإذا أريد بيان من هو الأحق بالوصف الأعلى فالجواب هو الله وحده؛ لأنه سبحانه هو الذي له المثل الأعلى في كل شيء ومعناه الوصف الأعلى، وهو سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، وهذا المعنى هو المراد في الآيتين الكريمتين المذكورتين في سؤالك، وقد قال الله عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أما إن أريد من هو المثل الأعلى في المنهج والسيرة فإنه يفسر بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنه أكمل الناس هديا وسيرة وقولا وعملا وهو المثل الأعلى للمؤمنين في سيرتهم وأعمالهم وجهادهم وصبرهم وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة كما قال الله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال عز وجل في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن) والمعنى أنه كان عليه الصلاة والسلام يعمل بأوامر القرآن وينتهي عن نواهيه ويتخلق بالأخلاق التي أثنى القرآن على أهلها ويبتعد عن الأخلاق التي ذم القرآن أهلها. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/425.(1/749)
الدهر ليس من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً أن الله تعالى يقول: أنا الدهر. فهل معنى ذلك أن الدهر من أسماء الله الحسنى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البخاري (4826) ومسلم (2246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) .
ولا يدل هذا الحديث على أن الدهر من أسماء الله، وإنما معنى الحديث أن الله تعالى هو الذي يقلب الدهر ويصرفه.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ:
مَعْنَاهُ: أَنَا صَاحِب الدَّهْر، وَمُدَبِّر الْأُمُور الَّتِي يَنْسُبُونَهَا إِلَى الدَّهْر , فَمَنْ سَبَّ الدَّهْر مِنْ أَجْل أَنَّهُ فَاعِل هَذِهِ الأُمُور عَادَ سَبّه إِلَى رَبّه الَّذِي هُوَ فَاعِلهَا اهـ.
وقال النووي:
وَمَعْنَى "فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر" أَيْ: فَاعِل النَّوَازِل وَالْحَوَادِث , وَخَالِق الْكَائِنَات. وَاللَّهُ أَعْلَم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى، ومن زعم ذلك فقد أخطأ وذلك لسببين:
السبب الأول:
أن أسماءه سبحانه وتعالى حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسماً جامداً (أي: لا يدل على معنى) ، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات.
السبب الثاني:
أن سياق الحديث يأبى ذلك، لأنه قال: " أقلب الليل والنهار " والليل والنهار هما الدهر فكيف يمكن أن يكون المقلَّب بفتح اللام هو المقلِّب بكسر اللام؟! " اهـ.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/163) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/750)
ما هو الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن يسمى الله بالمتكلم أو الباطش لأنه ورد أنه يفعل ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسماء الله تعالى كلها توقيفية أي (أنه يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص) وعليه فلا يصح أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو أطلقه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من الأحاديث، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف على النص لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء/26. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص.
وأما ما ورد في القرآن والسنة على سبيل الوصف أو الخبر فقط، بحيث لم يرد تسمية الله به، فلا يصح أن نسميه به، وذلك لأن من صفات الله ما يتعلق بأفعاله، وأفعال الله لا منتهى لها كما أن أقواله لا منتهى لها.
ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله الفعلية (المجيء والإتيان، والأخذ، والإمساك، والبطش) إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: (وجاء ربك) الفجر/22 وقال: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) الحج /65 وقال: (إن بطش ربك لشديد) البروج /12، فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش، ونحو ذلك وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به."
والله أعلم.
يراجع: (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى 13 , 21) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/751)
يجادل نصرانيا ويسأل هل لله روح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أجادل مسيحيا فيقول لي: إن لله روحا. فسؤالي هل لله روح؟ (روح كروح الإنسان والملائكة وسائر الخلق) وهل الروح شئ مخلوق أم ماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة/140. (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36.
والروح ليست من صفات الله تعالى، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى. وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء.
فالقول في الروح، كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم.
ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى الله: قوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه) السجدة/9. وهذا في حق آدم عليه السلام.
وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر/29.
وقال تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً) مريم/17- 19.
فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم. وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا) فالإضافة هنا للتكريم والتشريف، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى.
وفي حديث الشفاعة الطويل: (فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) رواه البخاري (7510) ومسلم (193) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق، كقوله تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم. ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من "الجواب الصحيح" (4/414) .
وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مواضع، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان:
1- أعيان قائمة بذاتها، فهذه الإضافة للتشريف والتكريم، كبيت الله وناقة الله، وكذلك الروح، فإنها ليست صفة، بل هي عين قائمة بنفسها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه: (فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ) (فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح) فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني (ص 198) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) رواه مسلم (920) أي: إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب. فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها.
2- صفات لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به، كالعلم والإرادة والقدرة، فإذا قيل: علم الله، وإرادة الله، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح":
" المسألة السابعة عشرة: وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟
ثم قال: فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله: " ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13 "
انتهى من "الروح" (ص144) .
وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) النساء/171. فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض، وأن الروح جزء من الله. والحق أن (مِِْن) هنا لابتداء الغاية، أي هذه الروح من عند الله، مبدأها ومنشأها من الله تعالى، فهو الخالق لها، والمتصرف فيها.
قال ابن كثير رحمه الله:
" فقوله في الآية والحديث: (وَرُوحٌ مِنْهُ) كقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي من خلقه ومِنْ عنده، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: (وروح منه) أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة. وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ) الأعراف/73، وفي قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) الحج/26. وكما روي في الحديث الصحيح: (فأدخل على ربي في داره) أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) .
وقال الألوسي رحمه الله:: حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى، وتلا هذه الآية: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقرأ الواقدي قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13. فقال: إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا، فانقطع النصراني فأسلم، وفرح الرشيد فرحا شديدا ".
وقال رحمه الله: " لا حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه؛ إذ لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك، ففي إنجيل لوقا: قال يسوع لتلاميذه: إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه.
وفى إنجيل متى: إن يوحنا المعمداني امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه.
وفى التوراة: قال الله تعالى لموسى عليه السلام: اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك.
وفيها في حق يوسف عليه السلام: يقول الملك: هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه.
وفيها أيضا: إن روح الله تعالى حلت على دانيال. . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني" (6/25) .
وجاء في إنجيل لوقا (1/41) : (وامتلأت الياصبات من الروح القدس) .
وقوله (1/25، 26) : (وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان، ينتظر الخلاص لإسرائيل، والروح القدس كان عليه، وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي، وصريح أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى، والله هو الذي مسحه، وجعلها مسيحا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/752)
أهمية معرفة أسماء الله الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية معرفة أسماء الله الحسنى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة أسماء الله تعالى أهمية كبيرة لأجل ما يلي:
1- أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام.
2- أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته، وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله، إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في فهم معانيها.
3- أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، مما يزيد الإيمان، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: (إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه " الروح: هو الفرح، والاستراحة من غم القلب "، وأصله وغايته، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي ص 41.
4- أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم، لأنه كما يقول ابن القيم رحمه الله: (مفتاح دعوة الرسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها) . الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم (1/150-151) فالاشتغال بمعرفة الله، اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه.
5- أن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، كما يقول ابن القيم رحمه الله: (إن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، فإن هذه المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً، إما علم بما كوَّنه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه.. وإحصاء الأسماء الحسنى، أصل لإحصاء كل معلوم، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ... )
[الْمَصْدَرُ]
بدائع الفوائد لابن القيم (1/163) ، من كتاب أسماء الله الحسنى ص 6-8(1/753)
هل الرشيد من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مؤخراً توثيقاً بأن الرشيد اسم من أسماء الله ولست أدرى هل هذه المعلومات أصح من المعلومات التي لدي من كتاب تحفة الذاكرين للشوكاني.
هل يمكن أن توضح هذا لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من أسماء الله تعالى (الرشيد) لأنه لم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة، وأسماء الله توقيفية، فلا يجوز أن يُسمى الله إلا بما سمى به نفسه أو سمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/754)
كيف للمسلم أن يتخيل الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف للمسلم أن يتخيل الله؟ أعلم بأنه لا يمكن رؤية الله، فهل أتخيله على هيئة آدمي أم نور؟
أرجو أن تساعدني جزاك الله خيرا والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فهو تعالى لا مثيل له ولا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، وهو تعالى منزه عن مماثلة المخلوقين، وكل ما يخطر ببال ابن آدم نحو ربه فالله تعالى أعظم من ذلك، ولا يمكن للمخلوق أن يحيط به جل وعلا ولا أن يتخيل صورته، قال عز وجل: " ولا يحيطون به علما "، وليس المسلم مكلفاً أصلا أن يتخيل الله أو يتصوره، بل عليه أن يعتقد أن لله الصفات العلى التي تليق بعظمته وجلاله لا يماثله أحد فيها، ومن عقيدة المسلمين أن الله تعالى لا يُرى في الدنيا كقوله عز وجل: " لا تدركه الأبصار "، إنما يراه المؤمنون في الآخرة في العرصات - في أرض المحشر - وفي الجنة، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نورا، وفي رواية: " نورٌ أنى أراه؟ " أي كيف أراه، وهذا موافق لقول الله تعالى لموسى في سورة الأعراف: " لن تراني " أي في الدنيا.
فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ربه بعيني رأسه، وفي الآخرة إذا رآه الناس في المحشر خروا له سجّدا لعظمته وجلاله، وتكون رؤيته في الجنة أعظم نعمة يعطاها أهل الجنة على الإطلاق.
فعليك يا أخي أن تتعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته التي أخبر عنها في كتابه وأخبر عنه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تكلف نفسك ما لا تطيق وانصرف إلى ما أمرك به ربك واترك عنك وساوس الشيطان وفقك الله لمرضاته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/755)
معنى اسم الله عز وجل المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المؤمن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه هو المؤمن المصدق الصادقين، دعا خلقه إلى الإيمان به، وهو يملك أمان خلقه في الدنيا والآخرة، ووحد نفسه بقوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) آل عمران/18
والمؤمن: هو مصدق عباده المؤمنين أي يصدقهم على إيمانهم بقبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه، كما أنه يصدق ما وعد عبده من الثواب.
وهو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه وبأسه فأمنوا فلا يأمن إلا من آمنه، وهو سبحانه يصدق ظنون عباده ولا يخيب آمالهم.
وهو سبحانه الذي وحّد نفسه بقوله: (وإلهكم إله واحد) البقرة/163
وهو الذي أمن الخلق من ظلمه، وأمن من عذابه من لا يستحقه.
وهو الذي يصدق عباده المسلمين يوم القيامة إذا سأل الأمم عن تبليغ رسلهم، قال تعالى: (ويؤمن للمؤمنين) التوبة /61 أي يصدقهم.
وكل هذه الصفات لله عز وجل لأنه صدّق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وأمن الخلق من ظلمه، ووعد الجنة لمن آمن به، والنار لمن كفر به، وهو مصدق وعده.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 220.(1/756)
معنى اسم الله عز وجل المقدم والمؤخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المقدم والمؤخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه هو الذي يقدم ما يجب تقديمه من شيء حكماً وفعلاً على ما أحب وكيف أحب، وما قدمه فهو مقدم، وما أخره فهو مؤخر، وهو الذي يؤخر ما يجب تأخيره، والحكمة والصلاح فيما يفعله الله تعالى، وإن خفي علينا وجه الحكمة والصلاح فيه.
وهو سبحانه المنزل الأشياء منازلها يقدم ما شاء منها، ويؤخر ما شاء، قدم المقادير قبل خلق الخلق، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخر من شاء عن مراتبهم، وأخر الشيء عن حين توقعه، لعلمه بما في عواقبه الحكمة، فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم.
والتقديم يشمل:
التقديم الكوني: كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
والتقديم الشرعي: كتفضيل بعض الأنبياء على بعض، وتفضيلهم جميعاً على الخلق، وتفضيل بعض العباد على بعض، وكل ما سبق تبع لحكمته سبحانه.
قال ابن القيم:
وهو المقدم والمؤخر ذانك الو ... ... * صفان للأفعال تابعان
وهما صفات الذات أيضاً إذ هما ... ... * بالذات لا بالغير قائمتان
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 218.(1/757)
هل العرش فوق السماء السابعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن الله فوق السماء والأرض والكل تحته. فهل هذا يعني أن العرش فوق السماء السابعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن العرش فوق السماء السابعة بل هو أعلى المخلوقات كلها.
وقد دلت الأدلة الصريحة على ذلك.
فمن ذلك ما رواه البخاري (2581) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ".
وقد تقرر عند جميع المسلمين، أن الجنة فوق السماء السابعة، فإذا كان العرش فوق الجنة لزم من ذلك أن يكون العرش فوق السماء السابعة.
ومما يشهد لهذا المعنى ويدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه (4136) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْصَارِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ... وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا " فهذا ظاهر جداً في أن العرش وحملته فوق جميع السماوات.
ومن ذلك مَا أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه (105) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام. وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو (ص64) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية (ص 100) .
وما أخرجه الذهبي في كتاب العلو كما في مختصره (35) عن عبد الله بن عمرو قال: جعل الله فوق السماء السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش " وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح.
وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن العرش سقف المخلوقات وأعلاها.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/203) :
والعرش هو سقف المخلوقات وأعظمها اهـ بتصرف يسير.
وكذا قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/581) ، (25/1998) .
وقاله ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/9، 11) .
وقاله ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" (1/311) .
انظر: (مختصر العلو ـ للذهبي، والتوحيد لابن خزيمة، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/758)
معنى اسم الله الحيي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الحيي) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه تعالى بالحياء، وحياء الله لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول؛ فهو حياء كرم وبر وجود وجلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى من رحمته وكرمه وكماله وحلمه يستحيي من هتك عبده وفضيحته وإحلال العقوبة به، ويستحيي سبحانه أن يرد من يمد إليه يديه، وهو سبحانه يحب أهل الحياء.
قال ابن القيم:
وهو الحيي فليس يفضح عبده ... ** عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره ... ** فهو الستير وصاحب الغفران.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 114.(1/759)
معنى اسم الله عز وجل المصور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المصور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه هو المصور خلقه كيف شاء، وهو سبحانه الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة هيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها، وقد صوّر سبحانه كل صورة لا على مثال احتذاه ولا رسم ارتسمه تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وهو سبحانه إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار، وهو ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.
وفرق بعضهم بين الخالق والبارئ والمصور، بأن:
الخالق: هو المخرج من العدم إلى الوجود جميع المخلوقات، والمقدرة على صفاتها.
والبارئ: خالق الناس من البرا وهو التراب.
والمصور: خالق الصور المختلفة.
فالخالق عام، والبارئ أخص منه، والمصور أخص من الأخص.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 240.(1/760)
معنى اسم الله عز وجل المتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه ذو القوة المتين أي ذو الاقتدار الشديد.
وهو القوي الشديد الذي لا تنقطع قوته، ولا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب، وهو سبحانه بالغ القدرة تامها قوي لا تتناقص قوته فيَهِن ويفتُر تعالى الله عن ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 229.(1/761)
معنى اسم الله عز وجل (السبوح) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (السبوح) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السبوح: هو الذي تنزه عن كل شيء لا ينبغي له، فهو المنزه عن المعائب والصفات التي تعتري المحدثين من ناحية الحدوث.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 138.(1/762)
ما معنى اسم الله عز وجل السيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل السيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله السيد: أي مالك الخلق، والخلق كلهم عبيده.
وهو سبحانه المحتاج إليه بالإطلاق، ليس لمخلوق غنية عنه، فلو لم يوجدهم لم يوجدوا ولو لم يبقهم بعد الإيجاد لم يكن لهم بقاء، ولو لم يعنهم فيما يعرض لهم لم يكن لهم معين غيره، فحق على الخلق أن يدعوه السيد دون سواه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح اسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير.(1/763)
تفسير (فأينما تولوا فثم وجه الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرح لي معنى الآية الواردة أدناه. إذا كان الله فوق الجنة , فكيف يكون وجه الله أينما تولي وجهك؟ أطرح هذا السؤال لأني كنت أشرح لأحد الأشخاص أن الله فوق الجنة , لكنه استشهد بالآية أدناه؛ ولم أتمكن من الرد عليه.
قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة / 115.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر.
وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق.
وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح.
أما تفسير الآية، فقد قال الشيخ ابن عثيمين:
فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته. الجواب: هذا هو الأصل كما في قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الأنعام / 52، {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} الليل / 19 – 21، وما أشبهها من الآيات.
فالأصل: أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك آية اختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة / 115..... فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} البقرة / 148.
فالمراد بالوجه: الجهة، أي: فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها.
قالوا: لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه.
ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا: وجه الله الحقيقي، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة.
وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع.
وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان.
واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم. {ولا يحيطون به علماً} طه /110.
وأما قوله تعالى: {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه} القصص / 88، فالمعنى: " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه " شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1 / 243 – 245)
ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق، فإن الله تعالى كما قال عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى / 11.
فالله تعالى مستوٍ على عرشه، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى.
وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فقالوا: إن الليل غير متحد على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا.
قال الشيخ ابن عثيمين:
جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض.
قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها؟ فنقول: أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين، أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل كيف وكيف؟ .
فقل: إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً.
إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني، فأستجيب له ومن يسألني؟ فأعطيه من يستغفرني فأغفر له.
" شرح الواسطية " (2 / 437) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/764)
معنى استخدام الضمير "نحن" في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يستخدم القرآن لفظ نحن في الآيات؟ كثير من غير المؤمنين يقولون إن هذا إشارة إلى عيسى.]ـ
[الْجَوَابُ]
من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير " نحن " للتعظيم ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله " أنا " وبضمير الغيبة نحو " هو " وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن والله يخاطب العرب بلسانهم. فتاوى اللجنة الدائمة م4/143.
" فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً، وتارة بصيغة الجمع كقوله: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وأمثال ذلك. ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط، لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه، وربما تدل على معاني أسمائه، وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور، وهو مقدس عن ذلك " أ. هـ العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 75.
ولفظ (إنا) و (نحن) وغيرهما من صيغ الجمع قد يتكلم بها الشخص عن جماعته وقد يتكلّم بها الواحد العظيم، كما يفعل بعض الملوك إذا أصدر مرسوما أو قرارا يقول نحن وقررنا ونحو ذلك وليس هو إلا شخص واحد وإنّما عبّر بها للتعظيم، والأحقّ بالتعظيم من كلّ أحد هو الله عزّ وجلّ فإذا قال الله في كتابه إنا ونحن فإنّها للتعظيم وليست للتعدّد، ولو أنّ آية من هذا القبيل أشكلت على شخص واشتبهت عليه فيجب أن يردّ تفسيرها إلى الآيات المحكمة، فإذا تمسك النصراني مثلا بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) ونحوه على تعدد الآلهة، رددنا عليه بالمحكم كقوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وقوله: (قل هو الله أحد) ، ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وعند ذلك يزول اللبس عمن أراد الحقّ، وكلّ صيغ الجمع التي ذكر الله بها نفسه مبنية على ما يستحقه من العظمة ولكثرة أسمائه وصفاته وكثرة جنوده وملائكته. يُراجع كتاب العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 109. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(1/765)
معنى اسم الله عز وجل (الرفيق)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الرفيق) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى رفيق بعباده، وهو رفيق في أفعاله: خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة، ومن تدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء وجدها شاهداً على رفقه سبحانه.
وهو سبحانه رفيق لا يعجل لأنه إنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء قبضته وملكه فليس يعجل فيها.
قال ابن القيم:
وهو الرفيق يحب أهل الرفق بل يعطيهم بالرفق فوق أمان
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 134.(1/766)
ما معنى اسم الله عز وجل الشهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الشهيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشهيد: هو الأمين في شهادته، وقيل: هو الذي لا يغيب عن علمه شيء، والشهيد الحاضر، وهو أيضاً الذي يشهد على الخلق يوم القيامة، وهو سبحانه قد دلّ على توحيده بجميع ما خلق.
والشهيد، والخبير، والعليم: كلها ترجع إلى العلم فالأول يرجع إلى الأمور الظاهرة، والثاني إلى الأمور الباطنة، والثالث يشملهما.
والله عز وجل لما كانت الأشياء لا تخفى عليه كان شاهداً وشهيداً، أي عالماً بها وبحقائقها علم المشاهد لها لأنه لا تخفى عليه خافية.
كما أنه سبحانه الشاهد للمظلوم الذي لا شاهد له، ولا ناصر على الظالم المعتدي الذي لا مانع له في الدنيا لينتصف له منه.
وهو سبحانه المطلع على جميع الأشياء سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، أحاط علمه بكل شيء وهو سبحانه الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 156.(1/767)
هل الأحد من أسماء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأحد من أسماء الله؟ وهل يجوز لي تسمية ابني "عبد الأحد"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم الأحد من أسماء الله التي ُنصَّ عليها في القرآن في قوله تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد) وعلى هذا يجوز أن تسمي ابنك عبد الأحد كما تسميه عبد الصمد. فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.
ومعنى الأحد:
هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر (النهاية 1/35)
وهو المنفرد بوحدانيته في ذاته وصفاته، وقد فرق بعضهم بين الواحد والأحد: أن الواحد يفيد وحدة الذات فقط والأحد يفيده بالذات والمعاني (تفسير أسماء الله للزجاج ص58) . فقيل: الواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير،والأحد بني على الانفراد فالوحدة بين الأصحاب، فالواحد منفرد بالذات، والأحد بالمعنى، والأحد من صفات الله عز وجل التي استخلصها لنفسه، ولا يشركه فيها شيء (اللسان - أحد - 1/35، وحد 8/4779 - 4783) ، فالله عز وجل الواحد الأحد الذي لا ثاني له، ولا شريك له ولا مثل ولا نظير، وهو سبحانه الواحد الذي يعتمده عباده، ويقصدونه، ولا يتكلون إلا عليه عز وجل (اشتقاق أسماء الله 90-93) ، وهو سبحانه الواحد الذي ليس كمثله شيء، وكل شيء سواه يدعى واحد من جهة غير واحد من جهات (شأن الدعاء 82 - 83) .
وقد اختار ابن جرير أن معنى وحدانية الله نفي الأشباه والأمثال عنه، فالله لا مثل له ولا نظير، وهو سبحانه معبود واحد ورب واحد لا يستحق الطاعة غيره ولا يستوجب العبادة سواه (تفسير ابن جرير 3/265-266) .
وقد قال تعالى: " وإلهكم إله واحد " البقرة: 163.
فالله سبحانه هو الذي توحد بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه فيها مشارك ويجب على العبيد توحيده عقدا وقولا وعملا بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية ويفردوه بأنواع العبادة. (تيسير الكريم الرحمن 5/485)
[الْمَصْدَرُ]
شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة ص 47.(1/768)
معنى اسم الله عز وجل الوكيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الوكيل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوكيل: الحفيظ المحيط، وقيل: الشهيد.
وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد القائم عليهم بمصالحهم، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، فالخلق والأمر كله له لا يملك أحد من دونه شيئاً، وقيل: الحافظ، الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق.
وقيل: الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا.
وقيل: الكافي ونعم الكافي.
وقوله تعالى: (وقالوا حسينا الله ونعم الوكيل) آل عمران/173. أي كفانا الله، ونعم المولى وليه وكفله، والوكيل في كلام العرب هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، ولما كان المؤمنون المذكورون في هذه الآية قد فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه، وصف نفسه بقيامه بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال: ونعم الوكيل تعالى لهم. وتوكيل العبد ربه تسليم لربوبيته وقيام بعبوديته، والله له الوكالة التامة وهي التي تجمع علم الوكيل بما هو وكيل عليه، وإحاطته بتفاصيله وقدرته التامة عليه ليتمكن من التصرف فيه وحفظ ما هو وكيل عليه مع حكمته ومعرفة بوجوه التصرفات ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق.
والله سبحانه هو المنزه عن كل نقص في أي صفة من صفاته، وهو على كل شيء وكيل، وهذا يدل على إحاطة علمه بكل شيء، وكمال قدرته على التدبير، وكمال تدبيره، وكمال حكمته، فهو نعم الوكيل.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 276.(1/769)
الحكمة مِن خَلْق البشر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لما خُلق البشر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة "، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم "، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة، ومصالح راجحة عميمة، عَلِمَها من عَلِمها، وجَهِلها من جهلها، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً، فقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/115،116، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء/16، وقال عز وجل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان/38، 39، ويقول سبحانه وتعالى: (حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/1 – 3.
وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين؟!
ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه، ونفاها الكفار، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/190، 191، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص/27.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلاً، أي: عبثاً ولعباً، من غير فائدة ولا مصلحة.
(ذلك ظن الذين كفروا) بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله.
(فويل للذين كفروا من النار) فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته، وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر، ولا يظن الجاهل بحكمة الله، أن يسوي الله بينهما في حكمه، ولهذا قال: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 712) .
ثانياً:
ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر، فيكون بذلك كالبهائم، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، وقال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الحجر/3 , وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة، فهذه العين للنظر، وهذه الأذن للسمع، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه؟!
ثالثاً:
وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض، والحياة والموت للابتلاء والاختبار، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه، ومَنْ يعصيه ليعاقبه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) هود/ 7، وقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/ 2.
وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته، مثل اسم الله تعالى " الرحمن "، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى.
ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات -: الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون، أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: إلا ليعبدون، أي: إلا للعبادة " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (4 / 239) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء، فقال: (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) أي: ولئن قلتَ لهؤلاء، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت، لم يصدقوك، بل كذبوك أشد التكذيب، وقدحوا فيما جئت به، وقالوا: (إن هذا إلا سحر مبين) ألا وهو الحق المبين " انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 333) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/770)
العلاج بالأسماء الحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العلاج بأسماء الله الحسنى، بأن يقول على المريض في عينه: " يا بصير " وهكذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انتشر بين الناس العلاج بأسماء الله تعالى، وقد وزعت أوراق فيها ذكر الاسم وبجانبه المرض الذي يعالجه الاسم.
والذي زعم أنه أكتشف هذا النوع من العلاج هو الدكتور إبراهيم كريم، وهو مبتكر علم " البايوجيومترئ " وقد زعم أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة عظمى في عضو معين بجسم الإنسان، وزعم أنه استطاع بواسطة تطبيق " قانون الرنين " أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت 3 سنوات أخرج للناس اختراعه في جدول يبين فيه المرض وما يقابله من الاسم الذي ينفع في علاجه.
ومن أمثلته:
" السميع ": لإعادة توازن الطاقة، " الرزاق ": يعالج المعدة، " الجبار ": يعالج العمود الفقري، " الرؤوف ": يعالج القولون، " النافع "! يعالج العظم، " الحي " يعالج الكلية، " البديع "! : يعالج الشعر، " جل جلاله "! : قشر الشعر، " النور " و " البصير " و " الوهاب ": تعالج العيون ...
وطريقة العلاج: أن يكرر الاسم على العضو المناسب أو عدة أسماء لمدة عشر دقائق.
وقد زعم أنه اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء بعد ذكر التسبيح بأسماء الله الحسنى، وهذه الآيات هي: {ويشف صدور قوم مؤمنين} ، {وشفاء لما في الصدور} ، {فيه شفاء للناس} ، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} ، {وإذا مرضت فهو يشفين} ، {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} .
والرد على هذا:
1. أن العلاج إما أن يكون بأسباب حسيَّة وإما بأسباب شرعية، فما كان بالأسباب الحسية المادية فمرجعه إلى التجربة، وما كان بالأسباب الشرعية فمرجعه إلى الشرع في بيان ما يعالج به وكيفيته وذكر الله بالأسماء الحسنى من الأمور الشرعية، ولم يأتِ هذا الباحث لكلامه بمستندٍ شرعي واحد يدل على هذا التعيين للأسماء وهذه الكيفية في العلاج وما تعالجه، فبطل كونها سبباً شرعياً للعلاج، ولا يجوز التجربة بالأدلة الشرعية وامتهانها بمثل هذه الطريقة.
قال الشيخ ابن عثيمين:
اعلم أن الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سبباً والأشياء التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان:
النوع الأول: أسباب شرعية، كالقرآن الكريم، والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة: " وما يدريك أنها رقية "، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي المرضى بالدعاء لهم فيشفي الله تعالى بدعائه من أراد شفاءه به.
النوع الثاني: أسباب حسية، كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية، وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال، فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى، أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول: فهذا لا يجوز الاعتماد عليه، ولا إثبات كونه دواء، لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه؛ لأن ذلك ليس سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً، وما لم يثبت كونه سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً: لم يجز أن يجعل سبباً؛ فإن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها، وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لهذه المسألة في كتاب التوحيد بقوله: " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء أو رفعه ".
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 49) .
2. أنه ذكر أسماء لله تعالى زاعماً أنه سمى بها نفسه، وليس الأمر كذلك، مثل " جلَّ جلاله " و " الرشيد " و " البديع " و " النافع " وغيرها، وهو يدل على جهل هذا المدعي، ويدل على بطلان تلك الطاقة المزعومة، إذ هي مولَّدة – على حسب زعمه – من أسماء غير أسماء الله تعالى الثابتة بالأدلة الصحيحة.
3- أن تعيين كيفية التداوي وتحديد اسم لكل مرض.
وبما صحَّ أنه من أسماء الله تعالى يدخل في باب القول على الله بغير علم، وقد حرم الله القول عليه بلا علم فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله- في تفسيرها:
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) : في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه.
" تفسير السعدي " (ص 250) .
4. وقد رد علماء اللجنة الدائمة على هذا الزاعم وزعمه حينما سئلوا عن هذه المسألة فقالوا:
بعد دراسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للاستفتاء أجابت بما يلي:
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال النبي صلى الله علية وسلم: " إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة "، ومنها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي، فأسماء الله جل وعلا لا يعلم عددها إلا هو سبحانه وتعالى، وكُلها حُسنى، ويجب إثباتها وإثبات ما تدل عليه من كمال الله وجلاله وعظمته، ويحرم الإلحاد فيها بنفيها أو نفي شيء منها عن الله أو نفي ما تدل عليه من الكمال، أو نفي ما تتضمنه من صفات الله العظيمة.
ومن الإلحاد في أسماء الله ما زعمه المدعي " كريم سيد " وتلميذه وابنه في ورقة يوزعونها على الناس من أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وأنه بواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان اكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان، وإن الدكتور " إبراهيم كريم " استطاع بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية في جسم الإنسان، وقال: والمعروف أن الفراعنة أول من درس ووضع قياسات لمسارات الطاقة الحيوية بجسم الإنسان بواسطة البندول الفرعوني، ثم ذكر جملة من أسماء الله الحسنى في جدول وزعم أن لكل اسم منها فائدة للجسم أو علاج لنوع من أمراض الجسم، ووضح ذلك برسم لجسم الإنسان، ووضع على كل عضو منها اسما من أسماء الله.
وهذا العمل باطل لأنه من الإلحاد في أسماء الله، وفيه امتهان لها؛ لأن المشروع في أسماء الله دعاؤه بها كما قال تعالى: (فادعوه بها) ، وكذلك إثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله؛ لأن كل اسم منها يتضمن صفة لله جل جلاله: لا يجوز أن تُستعمل في شيء من الأشياء غير الدعاء بها، إلا بدليل من الشرع.
ومن يزعم بأنها تُفيد كذا وكذا أو تُعالج كذا وكذا بدون دليل من الشرع: فإنه قول على الله بلا علم، وقد قال تعالى:) قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) .
فالواجب إتلاف هذه الورقة، والواجب على المذكورين وغيرهم التوبة إلى الله من هذا العمل، وعدم العودة إلى شيءٍ منه مما يتعلق بالعقيدة والأحكام الشرعية.
وبالله التوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/771)
معنى اسم الله عز وجل الواسع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الواسع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الله سبحانه وتعالى واسع يسع خلقه كلهم بالكافية والإفضال والجود والتدبير، فالله هو الغني الذي وسع رزقه جميع خلقه، فلا تجد أحداً إلا هو يأكل من رزقه، ولا يقدر أن يأكل من غير ما رزقه، ووسعت رحمته كل شيء وغناه كل فقر، وهو الكثير العطاء الذي يسع لما يُسأل، وهو المحيط بكل شيء كما في قوله تعالى: (وسع كل شيء علماً) طه /98.
فالواسع قد يتضمن من المعنى ما لا يتضمنه الغني حيث يقال: واسع الفضل وواسع الرحمة، وقد عمت رحمته كل شيء، وأحاط علمه بكل شيء، قال تعالى: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً) غافر/7
ويفضي هذا الاسم الاعتراف بأنه لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه، فهو الكثير مقدوراته ومعلوماته سبحانه.
والله الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وهو واسع العظمة والسلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 268(1/772)
هل يوجد آية في القرآن تقول إن الله لا يزال يقوم بعملية الخلق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه يوجد آية في القرآن تقول إن الله لا يزال يقوم بعملية الخلق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أسماء الله تعالى " الخالق " و " الخلاَّق "، قال الله عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر / 24، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} الحجر / 86، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر / 62. ومن صفاته تعالى " الخلق "، قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف / 54. ومن أفعاله تعالى أنه " يخلق "، قال الله عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذريات / 49، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} الإنسان / 2.
وقال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) القصص / 68
ومما لا شك فيه أن الله تعالى يخلق في كل لحظة ما يشاء من البشر والحيوانات والجمادات، ومن ذلك الأطفال المواليد وصغار البهائم، وكل آية في القرآن فيها بيان خلق الله للبشر فهي دالة على المراد في السؤال.
قال ابن حزم:
لم ينف الله عز وجل أن يخلق شيئاً بعد الستة الأيام بل قد قال عز وجل: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} الزمر / 6، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون / 12 - 14. وكان هذا كله في غير تلك الستة الأيام، فإذ قد جاء النص بأن الله تعالى يخلق بعد تلك الأيام أبداً ولا يزال يخلق بعد ناشئة الدنيا ثم لا يزال يخلق نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أبداً بلا نهاية ... " الفِصَل في الملل والنِّحَل " (3 / 34) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(1/773)
ما معنى اسم الله عز وجل القدوس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى اسم الله عز وجل القدوس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القدوس هو المبارك وهو الطاهر الذي تعالى عن كل دنس، وقيل: تقدسه الملائكة الكرام وهو سبحانه الممدوح بالفضائل والمحاسن.
الله القدوس: هو المنزه عن الأضداد والأنداد والصاحبة والولد، الموصوف بالكمال، بل المنزه عن العيوب والنقائص كلها، كما أنه منزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال وقال ابن جرير: (التقديس: هو التطهير والتعظيم ... قدوس: طهارة له وتعظيم لذلك قيل للأرض: أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة فمعنى قول الملائكة ونقدس لك: ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، وما أضاف إليك أهل الكفر بك، وقد قيل: إن تقديس الملائكة لربها صلاتها) ثم ذكر بعض أقوال المفسرين ومنها: التقديس: الصلاة، أو التعظيم والتمجيد والتكبير، والطاعة وذلك أن الصلاة والتعظيم ترجع إلى التطهير لأنها تطهره مما ينسبه إليه أهل الكفر به.
قال ابن القيم:
هذا ومن أوصافه القدوس ذو الـ تنزيه بالتعظيم للرحمن
[الْمَصْدَرُ]
كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 198(1/774)
الرد على استشهاد الكنيسة بالقرآن على بنوة عيسى لله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت استشهاد الكنيسة بآيات من القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ودليلهم على ذلك قالوا: لما كان الله وحده قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا) ، بصفة المفرد، ولما خلق عيسى عليه السلام تغير أسلوب بعض الآيات إلى صيغة الجمع وضربوا مثلاً بالآية الشريفة:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) و: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) وقالوا: الله تعالى تكلّم بصفة الجمع، أي بمعنى (الله وعيسى عليه السلام والروح القدس) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس في تنوع الأسلوب القرآني وإخبار الله تعالى عن نفسه مرّة بصيغة الإفراد، وأخرى بصيغة قد تستعمل في الجمع أحياناً، وفي المفرد أحياناً على وجه التعظيم ليس في ذلك دليل على بنوّة عيسى عليه السلام لله، ولا على إلهيّته، وذلك لوجوه:
الوجه الأول:
أن تنوع الأسلوب في القرآن بالجمع والإفراد كان قبل أن يخلق الله عبده عيسى عليه السلام وأمه مريم بآلاف السنين وحين خلقهما وبعد أن خلقهما، فلا أثر لوجودهما في تنوع الأسلوب، بل ذلك لأمر آخر يتبين مما يأتي:
قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) وقال: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)
فجاء الأسلوب متنوعاً قبل أن يكون عيسى وأمه عليهما السلام، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ) إلى أن قال: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ* وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس ِ) إلى أن قال:) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ) إلى أن قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) . وقال: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ) وقال في خليله إبراهيم عليه السلام:) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) وقال في كليمه موسى عليه السلام: (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً) وقال: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الآية، وقال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ) الآيات، وأمثالها من الآيات تُنَوِّع في الأسلوب إفراداً وجمعاً في خلق عيسى ومخاطبته وقبل خلقه، ومن هذا يتبيّن أن الأسلوب لم تغيّر بعد خلق عيسى عليه السلام ليكون دليلاً على بنوّته لله أو إلهيّته بل لأمر آخر يعرف من الوجه الثاني.
الوجه الثاني: أن كل من عرف لغة العرب وأسلوبهم في التعبير يعلم أن ضمير التكلّم مثل كلمة (أنا) ، وتاء المتكلم يستعملها الفرد في الحديث عن نفسه، أما ضمير المتكلم (نحن) و (نا) فيستعملها الاثنان فأكثر، وقد يستعلمها الفرد العظيم أو المتعاظم إشعاراً بعظمته، وسياق الكلام ومقتضى الحال وما احتف بالحديث من القرائن هو الذي يرشد القارئ والسامع إلى المراد ويعين المقصود، ومن خالف في ذلك فهو إما جاهل عميت عليه الأنباء، وإما معاند يريد التلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه، إتباعاً للهوى، ويأبى الله إلا أن يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، يكشف ذلك الوجه الثالث.
الوجه الثالث: أن القرآن كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، يفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً، وقد قال تعالى فيه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) وقال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد) وقال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فوجب على من آمن به أن يجمع بين آياته، ولزم من استدل بنصوصه أن ينصفه من نفسه، فلا يستدل ببعضه ويعرض عن بعض، وألا يلبس الحق بالباطل ليضرب بعضه ببعض بغياً وعدواناً ترويجاً للباطل كما فعل أسلافهم اليهود بالتوراة، فأنكر الله عليهم ذلك بقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) الآيات.
وعلى هذا لزم من استدل بالقرآن أن يستدل به على نفي بنوّة عيسى عليه السلام لله وإلهيّته مع الله، ويثبت وحدانية الله تعالى، لما ذكر من الآيات، ولقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) الآيات. وأمثال ذلك في القرآن كثير، وإلا فليكفوا عن هذا التلاعب حتى لا يلزمهم العار، ويضحكوا العقلاء من أنفسهم ويحق فيهم المثل القائل: " ليس هذا بعشك فادرجي" اهـ
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة (3/216-218) .(1/775)