بارك الله فيكم من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المستمع للبرنامج سالم علي يقول ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد إذا ذبح الذبيحة فرد تارك للصلاة هل يجوز للمصلى أن يأكل منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ذبح من لا يصلى ذبيحة فإنها لا تحل أي لا يحل أكلها لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرج عن الملة وإذا كان كافراً كفراً مخرجاً عن الملة فإن ذبيحته لا تحل لأن الذبيحة لا تحل إلا إذا كان الذابح مسلماً أو كتابياً وهو اليهودي والنصراني لقوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) وطعام الذين أوتوا الكتاب هو ذبائحهم كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما وأما المرتدون وسائر الكفار غير اليهود والنصارى فإن ذبيحتهم لا تحل وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم والمسلم والكتابي وهو اليهودي والنصراني إذا ذبح الذبيحة حلت لنا وإن كنا لا ندري هل ذكر اسم الله عليها أم لا ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن أقواماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر فهنا أحل النبي صلى الله عليه وسلم ذبيحة هؤلاء الذين لا يدرى أذكروا اسم الله على ذبائحهم أم لا؟ لأن الفعل إذا كان صادراً من أهله فإنه لا يسأل عن كيفية فعله ولا عن شروطه ولا عن موانعه لأن الأصل الصحة إلا أن يقوم دليل الفساد وكذلك أيضاً لا نسأل عن ذبيحة المسلم واليهودي والنصراني كيف ذبحها بل نأكل ولا نسأل كيف ذبحها ولا نسأل هل سمى أم لا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من ذبائح اليهود ولم يسألهم كيف ذبحوا والقاعدة التي أشرنا إليها قبل قليل مفيدة جداً وهي أن الأصل فيمن هو أهل للفعل الأصل فيه الصحة حتى يقوم دليل على الفساد ولو أننا ألزمنا المسلمين بأن يسألوا عن فعل الفاعل هل تمت شروطه وانتفت موانعه لألحقنا حرجاً كثيراً بالمسلمين المتبعين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والخلاصة أن ذبيحة من لا يصلى حرام لا يحل أكلها لا للمصلىن ولا لغير المصلىن.(20/2)
فضيلة الشيخ: طيب إذا كان تاركاً للصلاة جاحداً لوجوبها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وكذلك إذا كان جاحداً بفرضيتها فإن ذبيحته حرام لأنه كافر إلا إذا كان حديث عهد بإسلام لا يدري هل الصلاة واجبة أو غير واجبة فإن هذا لا يكفر بجهله الوجوب حتى يعرف ويبين له الحق فإذا جحده بعد أن بين له حكم عليه بما يقتضيه ذلك الجحد.
***(20/2)
هل شراء اللحم من الجزار الذي لا يصلى ولا يصوم ويتعاطى بعض المحرمات يجوز أم لا أفيدونا بذلك مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان الجزار الذي لا يصوم ولا يصلى هو الذي ذبح الذبيحة فإنه لا يحل لك أن تشتري منه شيئاً وذلك لأن الذي لا يصلى كافر مرتد, مرتد عن الإسلام لا تحل ذبيحته إذ أن من شرط حل الذبيحة أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياًَ والكتابي هو اليهودي أو النصراني وأما المرتد والعياذ بالله فإنها لا تحل ذبيحته والذي لا يصلى مرتد كافر خارج عن الإسلام كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح وقد بينا ذلك في عدة حلقات سابقة ونرجو أن يكون لدى المستمع وقت يتمكن من طلبها والاستماع إليها.
***(20/2)
جزاكم الله خيراً بالنسبة للذي يذبح ويبيع اللحم وهو تارك للصلاة أو قد نجهل سلوكه بالنسبة للصلاة ومحافظته عليها من عدمها ولا ندري عنه لكن لسنا أيضاً ملزمين بالبحث أو السؤال عنه وهل يصلى أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الذابح يتسمى بالإسلام ومنتسباً للإسلام فليس لنا أن نبحث عن حاله لأن الأصل أن المؤمن على الظاهر حتى يتبين لنا لكن بالنسبة للجزار لا يحل له أن يبيع هذه الذبيحة وهو لا يصلى على أحد من المسلمين لأن هذا من أكبر الغش والعياذ بالله لأنه يبيع عليهم الميتة لأن ذبيحة من لا يصلى ميتة وحينئذٍ فيحرم عليه أن يبيعها في أسواق المسلمين ليأكلوها وهو أيضاً لا يأكلها لا هو ولا أهله لأنها محرمة حيث إن الذابح ليس أهلاً للذبح.
***(20/2)
يقول السائل إذا كان الإنسان لا يصلى ثم ذبح ذبيحة وذكر اسم الله عليها فهل يجوز الأكل منها أم لا وإذا كنت في بلد غلب على أهلها ترك الصلاة فما حكم أكل ذبائحهم الموجودة في أسواقهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عن ذبيحة الإنسان الذي لا يصلى تكون حلالاً إذا ذكر اسم الله عليها على قول من يقول إنه لا يكفر بترك الصلاة أما على قول من يقول إن تارك الصلاة يكفر وهو القول الصحيح فإن ذبيحته لا تحل لأن ذبيحة غير المسلم لا تحل إلا أن يكون من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والمرتد ليس من أهل الكتاب لا من اليهود ولا من النصارى وعلى هذا فذبيحته لا تحل على القول الراجح أما الجواب عن الفقرة الثانية من السؤال وهو ما إذا كان الإنسان في بلد ليس فيه مسلمون فهل يأكل من ذبيحتهم فنقول إن كان هذا البلد أهله من أهل الكتاب فإن ذبائحهم حلال لقوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما طعامهم ذبائحهم وهو كذلك وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أتت بها له اليهودية في خيبر وأكل من طعام يهودي دعاه وفيه إهالة سنخة والإهالة السنخة هي الشحم المتغير وأما إذا كان أهل هذه البلاد من غير أهل الكتاب فإنه لا يجوز الأكل من ذبائحهم لأنهم ليسوا بمسلمين ولا من أهل الكتاب فتكون ذبائحهم حراماً لا تؤكل.(20/2)
فضيلة الشيخ: يقول شائع في بلدنا أن الجزارين لا يسمون اسم الله على كل ذبائحهم بل يسمون على الأولى ويذبحون البقية من غير تسمية والذي أخبرنا بهذا أحدهم فما حكم الأكل من مثل هذه الذبائح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأكل من هذه الذبائح إذا كان من الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها فهو حلال ولا بأس به وإن كان من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها فهي حرام لقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وإذا اشتبه الأمر فلا ندري هل هذه الذبيحة مما ذكر اسم الله عليه أما من الذبائح الأخرى فإنها لا تحل لأنها اشتبهت بمحرم ولا يمكن اجتناب المحرم إلا باجتناب الجميع فوجب أن يجتنب الجميع ولكني أوجه نصيحة إلى هؤلاء الجزارين أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي إخوانهم المسلمين وأن يسموا الله تعالى على كل ذبيحة إلا إذا كان الفعل واحداً والذبائح متعددة فلا حرج أن يسموا تسمية واحدة مثل أن يجمعوا عدة دجاج مثلاً ثم يذبحوها بفعل واحد ويقولوا بسم الله فهذا لا حرج فيه.(20/2)
فضيلة الشيخ: يعني بحركة واحدة تذبح الجميع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بفعل واحد يذبحون الجميع فإن هذا لا بأس به لأنهم سموا على هذا الفعل وكلها حاضرة بين أيديهم وقد سمي عليها فلا بأس بها.
***(20/2)
يقول السائل ماحكم من ترك البسملة عند ذبح الذبيحة وهل يجب أن تكون كاملة أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يخلو تارك التسمية عند الذبيحة من حالين إما أن يتركها لعذر من جهل أو نسيان وأما أن يتركها لغير عذر فإن تركها لغير عذر فإن الذبيحة لا تحل وذلك لأنه ترك شرطاً من شروط حل الذبيحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلْ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر اسم الله شرطاً لحل الذبيحة وقال الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وأما إذا تركها معذوراً بجهل أو نسيان فإن جمهور أهل العلم على حل هذه الذبيحة لأنه معذور وقد الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) وذهب بعض أهل العلم من السلف والخلف إلى أن الذبيحة لا تحل ولو كان معذوراً بجهل أو نسيان فإذا ذبح الذبيحة ونسي أن يسمي الله فإن الذبيحة لا تحل وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الراجح على أن ما لم يذكر اسم الله عليه حرام أكله وذلك لقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) فنهى الله تعالى أن نأكل من شيء لم يذكر اسم الله عليه ولم يقيد ذلك بالعمد لم يقل مما لم يذكر اسم الله عليه عمداً وهاهنا جهتان جهة الذبح وجهة الأكل فالذابح الذي نسي أن يسمي الله على الذبيحة لا إثم عليه لأنه معذور وأما بالنسبة للآكل فإنه لا يحل له أن يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه ولو نسي فأكل فلا إثم عليه لأنه معذور فيجب علينا أن نعرف الفرق بين هاتين الجهتين وأن نقول نحن نسلم بأن الله تعالى لا يؤاخذ بالجهل والنسيان ولكن هاهنا فعلان فعل الذابح لا يؤاخذ به بالجهل والنسيان ولا يعاقب على ذلك وفعل الآكل إذا تعمد أن يأكل من شيء لم يذكر اسم الله عليه وقد نهى الله عنه فقد وقع في الإثم ثم إن قول النبي عليه الصلاة والسلام (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلْ) دليل على أن ذكر اسم الله على الذبيحة كإنهار الدم منها وكلاهما شرط والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان ولو أن أحداً من الناس كان جاهلاً فذبح الذبيحة على وجه لا ينهر به الدم لكنه جاهل فإنه من المعلوم أن ذبيحته هذه لا تؤكل لأنها داخلة في المنخنقة ونحوها التي حرمها الله عز وجل في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ) الخ ولو أنه نسي أن يذكي بما ينهر الدم فقتلها بشيء لا ينهر به الدم فإنها لا تحل ولو كان هذا الرجل ناسياً لكن هذا القاتل لا يأثم بنسيانه لأنه معفو عنه فكذلك إذا نسي أن يسمي الله أو جهل أن يسمي الله لأن الجميع في حديث واحد ومخرجهما واحد فلا يحل لأحد أن يأكل ذبيحة لم يذكر اسم عليها وإن كان تركها أي التسيمة نسياناً ولهذا لو أن الإنسان صلى بغير وضوء ناسياً لكانت صلاته هذه باطلة ووجب عليه إعادتها مع أنه لا يؤاخذ بصلاته بغير وضوء لأنه ناسٍ لكن عدم مؤاخذته بصلاته بغير وضوء ناسياً لا يعني أنه لا تلزمه الإعادة وقد يقول قائل إن في تحريمها أي تحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسياناً إضاعة للمال فنقول ليس في ذلك إضاعة للمال بل في ذلك حماية للإنسان أن يأكل من غير ما ذكر اسم الله عليه لأننا إذا قلنا لهذا الرجل الذي نسي أن يسمي إن ذبيحتك الآن حرام فإن ذلك يؤدي إلى أن يذكر التسمية في المستقبل ولاينساها أبداً بخلاف ما لو قلنا إن ذلك معفو عنه وأنه يحل أكل هذه الذبيحة فإنه إذا علم أن الأمر سهل فإنه إذا علم أن الأمر سهل ربما يتهاون بذكر التسمية وقد بسط هذا الكلام في غير هذا الموضع وأما قول السائل هل تكمل التسمية أم لا فإن ظاهر النصوص أنها لا تكمل وإنه يكفي أن نقول باسم الله فقط.
***(20/2)
هناك من يقول لا تلزم التسمية على الذبيحة من المسلم لأنه لو تكلم لما تكلم إلا بتسمية الله عز وجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول ضعيف جداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في وسط جماعة المسلمين فهو يخاطب المسلمين في عامة مخاطباته ثم لو كان المقصود ما قاله هؤلاء لقال ما أنهر الدم وذبحه المسلمون فكل ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لأهل الصيد الذين يرسلون كلابهم أو سهامهم يقول (إذا أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه) (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه) فلا بد من هذا الشرط ثم إن قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) صريحٌ في النهي عن أكل ما لم يسمَ الله عليه ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أن الذكاة يشترط فيها التسمية وأن التسمية في الذكاة لا تسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً وأن ما لم يسمَ الله عليه فهو حرام مطلقاً وعلى أي حال لأن الشرط لا يسقط بالنسيان ولا بالجهل وهذا القول أولى من القول المشهور عند الحنابلة رحمهم الله وهو المذهب أنه إذا ترك التسمية سهواً في الذبيحة حلت وإذا ترك التسمية سهواً في الصيد لم يحل وهذا لو أردنا أن نرجع إلى الواقع لكنا نعذر صاحب الصيد أكثر مما نعذر صاحب الذبيحة لأن صاحب الذبيحة يذبحها على تؤدة ويقل نسيانه أما صاحب الصيد فإنه يرمي سهمه انتهازاً للفرصة ومثل هذا يغيب عنه كثيراً التسمية فعذر صاحب الذبيحة وعدم عذر صاحب الصيد كان الأولى والأجدر من حيث النظر أن يكون الأمر بالعكس لكننا نقول ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة رحمهم الله في عدم حل صيد ما لم يذكر اسم الله عليه هو الصواب ولكن أيضاً نلحق به الذبيحة ونقول الذبيحة إذا نسي أن يسمي الله عليها فإنها تكون حراماً لا يحل أكلها.(20/2)
فضيلة الشيخ: ذكرتم قطع الودجين في الذبيحة لكن كثيرٌ من المسلمين يتحرجون من النظر إلى الذبائح وهي معلقة في دكاكين الجزارين حيث يرون أن اتصال النخاع الشوكي بالرأس لم يقطع فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يضر وهذه المسألة لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام تفصيل بالنسبة لما يقطع وفي الرقبة أربعة أشياء الودجان اثنان والحلقوم والمرئ الحلقوم مجرى النفس وهو العظام اللينة المدورة والمرئ مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم مما يلي عظم الرقبة هذه الأمور الأربعة تمام الذكاة بقطعها جميعاً بلا شك إذا قطعت جميعاً فهذا تمام الذكاة فإذا قطع بعضها فإن من العلماء من يرى بأن الشرط قطع الحلقوم والمرئ وأن قطع الودجين ليس بشرط ومنهم يرى أن قطع الودجين هو الشرط وأن قطع الحلقوم والمرئ على سبيل الاستحباب فقط ومنهم من يرى أن الشرط قطع ثلاثة من الأربعة إما على التعيين أو على عدم التعيين وهذه الاضطرابات في أقوال أهل العلم سببه أنه ليس في المسألة سنةٌ قاطعة تبين ما يقطع في الذكاة ولكننا إذا نظرنا إلى المعنى الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم فكل) ولم يذكر اشتراط شيء أخر أبداً ثم تأملنا في قطع هذه الأمور الأربعة ما الذي يحصل به إنهار الدم فإنه يتبين أن إنهار الدم إنما يحصل بقطع الودجين كما هو معلوم ثم إن أهل العلم عللوا تحريم الميتة التي لم تذكَ كالمنخنقة والموقوذة وما أشبهها عللوا ذلك بأنه قد احتقن بها الدم فصارت خبيثةً به ومعلومٌ أن الودجين يحصل بهما إفراغ الدم تماماً لهذا نرى أن المعتبر في الذكاة إنما هو قطع الودجين فقط وذلك لإشارة الحديث (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه) بإشارة الحديث هذا إلى وجوب قطعهما وعدم وجود ما يوجب قطع الحلقوم والمرئ.
***(20/2)
رسالة بعث بها المستمع حسن محمد فراج رشوان مصري يعمل بالمملكة يقول ذهبت إلى شخصٍ يبيع الدجاج بعد ذبحه حاضراً ولكنني أثناء ذبحه للدجاج لم أسمعه يذكر اسم الله فسألته عن ذلك فأجاب أنه يسمي على أول واحدةٍ يذبحها في اليوم عنها وعن الجميع لأنه لكثرة ما يذبح يقول إنه يجد صعوبةً في ذكر اسم الله على كل واحدة وقد ينسى ذلك والسؤال هو هل يجوز أن يبيعها دون تسميةٍ لكثرة المشترين أو يجوز أن يسمي مرةً واحدة في أول اليوم على دجاجة ثم يذبح البقية بدون تسمية وما حكم أكلها كذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا ذابح جاهل في كونه لا يسمي إلا على أول واحدة وذلك أن ذبح كل واحدة يجب أن يسمي عليها الله سبحانه وتعالى لأن ذبح كل واحدةٍ فعلٌ مستقلٌ عن الأخرى فلا بد من أن يسمي على كل واحدة على حدة فإن لم يفعل فإن ما لم يسمِ عليه لا يحل أكله لقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ومن العجب أن هذا الذابح يقول إنه يشق عليه أن يسمي عند ذبح كل واحدة مع أن النطق أسهل من الفعل فإذا كان لا يشق عليه أن يذبح كل واحدةٍ وحدها فكيف يشق عليه أن يسمي على كل واحدة وعلى هذا فالواجب أن يسمي الله سبحانه وتعالى على كل واحدة ولا يحل أكل ما لم يسمَ الله عليه لما تلوناه من الآية الكريمة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر فإن السن عظم وإن الظفر مدى الحبشة) .(20/2)
فضيلة الشيخ: لو ترك التسمية سهواً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو تركها سهواً ففي حلها خلافٌ بين أهل العلم واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها لا تحل لأن التسمية شرط والشرط لا يسقط بالنسيان وهذا الذي ذكره هو الراجح عندي أن ما ترك التسمية عليه فالذابح معذور بهذا ولا يأثم بذلك لكن بالنسبة للآكل لا يأكله لأن هذه الذبيحة لم يذكر اسم الله عليها وقال بعض أهل العلم إنه يحل ذبح ما ترك التسمية عليه سهواً ولا يحل أكل ما صيد من الطيور وتركت التسمية عليه سهواً وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله فيفرقون بين الصيد وبين الذبيحة وقال بعض أهل العلم إنه إذا ترك التسمية سهواً في الذبيحة وفي الصيد فإنها تؤكل ولكن أرجح الأقوال عندي ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فالإنسان إذا حرم من أكل هذه الذبيحة التي لم يسم الله عليها فإنه لن ينسى بعد ذلك سوف يكون على ذكرٍ دائماً وإذا قيل له هذا حلال ولا بأس بأنك معذور تهاون فيما بعد في ترك التسمية.
***(20/2)
المرسل عبد الرحمن صالح الحربي بعث إلينا بهذه الرسالة يقول ما حكم ذبيحة المجنون حيث إنه في قريتنا مجنون وفي إحدى الليالي أحضر إلينا لحم بقر فقمنا بطهيه فأكلناه فهل ذبحه حلال أم حرام أفيدوني بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذبح المجنون لا يحل أكله لأن ذبح المجنون ليس بصحيح وذلك لأن من شروط الذكاة قصد التذكية والمجنون لا يصح منه القصد لأنه ربما تفوته التسمية والتسمية شرطٌ في حل الأكل لقول الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) كما أنه ربما يفوت عليه قطع ما يجب قطعه عند الذكاة وهما الودجان فإن الودجين وهما العرقان الغليظان اللذان يبرز منهما الدم لا بد من قطعهما في الذكاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وإنهار الدم لا يحصل إلا بقطع هذين الودجين لأنه وإن حصل دمٌ بعدم قطعهما لكن إنهار الدم الذي يكون كالنهر لا يكون إلا بقطع هذين الودجين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن شريطة الشيطان) وهي التي تذبح ولا تفرى أوداجها والمهم أن المجنون ذكاته فقد منها قطعاً قصد التذكية ويخشى أن لا يسمي الله عليها وأن لا يقطع ما يجب قطعه في التذكية وكل هذا من أسباب المنع من أكل ما ذبح وقد نص أهل العلم على أنه من شروط صحة الذكاة أن يكون المذكي عاقلاً.
***(20/2)
يقول السائل بينما كانت أغنامي ترعى في البر إذ اعتدى عليها سبع واختطف إحداها فلحقت به فوجدته قد كسر أحد أعضائها ولكنها مازالت حية لم تمت فذكيتها فهل يجوز الأكل من لحمها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز الأكل من لحمها مادمت أدركتها حية لقول الله تعالى (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) يعني حرام عليكم (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) فمن أدركت ذكاته من مأكول السبع والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة فإنه يكون حلالاً.(20/2)
فضيلة الشيخ: يعني جميع لحمها حلال حتى الجزء الذي قد شرع السبع في أكله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حتى الجزء الذي شرع السبع في أكله أما إذا كان قد قطعه أي السبع فإنه لا يحل أكله لأن ما أبين من حي فهو كميتته.
***(20/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل لافي ناصر البلوي من تبوك يقول هل يجوز تذكية الشاة التي لا يراد أكلها بسبب مرضٍ أو غيره لأننا سمعنا في ذلك بقول لا تذكى وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت الشاة ملكاً للإنسان وأصيبت بمرض وأيس منها فلا بأس أن يبعها لأنه إذا أبقاها كلف الإنفاق عليها والإنفاق عليها ضائع لا فائدة منه أما إذا كانت ليست ملكاً له كما لو وجد شاةً مريضةً في البر فليس عليه منها شيء يتركها متى أراد الله أن تموت ماتت.
***(20/2)
يقول لقد حصل أني رأيت إنساناً يذبح الدجاج قليلاً من رقبته حتى يظهر الدم ثم يطلقه يجري حتى يموت فهل هذا حلال أم حرام وهل يجوز أكل ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا ذبح الدجاجة حتى أنهر الدم ثم أطلقها فإنها تحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) لكن الدجاجة في الحقيقة يخفى جداً ما يقطع عند ذبحها إلا إذا قطع الرقبة كلها فإنه يتبين بذلك أنها ذبحت فإذا قطع رأسها وتركها فلا حرج في هذا وهي حلال.
***(20/2)
المواطن عبد العزيز خضر القرشي من مدينة الطائف بعث بهذه الرسالة يقول جرت العادة عند بعض القبائل أنهم إذا ذبحوا الذبيحة ثم ذكر اسم الله وكل ما يلزم يقولون إذا لم تكن الحنجرة في الرأس فإن هذه الذبيحة تعتبر حرجة وحرام أكلها وإذا كانت الحنجرة رجعت يعني فصلت من الرأس حل أكلها رغم أنه ذكر اسم الله كما في الكتاب والسنة فهل هذا صحيح أم خطأ أفيدونا وجزاكم الله عنا خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا قال به بعض أهل العلم أن الذبيحة لا تصح حتى تكون من دون الخرزة التي في أعلى الرقبة ولكن هذا ليس بصحيح والصواب أنها تحل وإن لم يلحق الرأس شيء من الحلقوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) والمهم هو إنهار الدم وذلك بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم هذا هو أهم ما يجب في الذبح بالنسبة لما يُقطع من الرقبة والكمال أن يُقطع الودجان وهما العرقان اللذان ذكرنا والمريء وهو مجرى الطعام والحلقوم وهو مجرى النفس.
***(20/2)
يقول في سؤاله ماحكم ذبح الطير دون قطع وريده وهل هو حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد من إنهار الدم إذا كان الطير مقدوراً عليه فلا بد من إنهار الدم من الرقبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا) أما إذا كان غير مقدورٍ عليه فإنه يكفي إصابته في أي موضعٍ كان من بدنه سواءٌ كان في صدره أو بطنه أو في أي مكان لكن إذا سقط بعد رميه وفيه حياةٌ مستقرة فإن الواجب تذكيته لأنه مقدورٌ عليه فإن مات فإنه لا يحل لأنه قدر على تذكيته ولم يفعل أما إذا سقط وقد أعياه الجرح وليس فيه إلا حركةٌ كحركة المذبوح فهذا حلال ويؤكل.
***(20/2)
هذا المستمع للبرنامج رمز لاسمه ب س ج م جمهورية مصر العربية يقول فضيلة الشيخ أسأل عن طريقة الذبح الصحيحة بالنسبة للطيور هل تقطع الرقبة بالكامل أو جزء منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المهم في الذبح إنهار الدم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما أنهر على الدم وذكر اسم الله عليه فكل) فإذا حصل إنهار الدم بقطع الشرايين وهما الودجان العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم حصل الإجزاء والطير لا يتمكن الإنسان من معرفة ذلك لصغر رقبته وعدم الإحاطة بها فلا يبرأه بيقين إلا إذا قطع الرقبة مرة واحدة ولا حرج عليه في قطع الرقبة مرة واحدة لاسيما لهذا الغرض وهو الاحتياط.
***(20/2)
ما طريقة الذبح في الشريعة الإسلامية وبارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طريقة الذبح الإسلامية أن تأتي بسكين حادة قوية وأن تمرها على رقبة المذبوح بقوة وأن تسمي الله عز وجل عند تحريك السكين وأن يبرز الدم وذلك بقطع الودجين والودجان هما عرقان محيطان بالحلقوم وهما الوريدان عند كثير من الناس هذان العرقان عرقان غليظان يوزعان الدم على البدن من القلب فإذا قطعا ماتت الذبيحة فلا بد من قطعهما واشترط بعض العلماء قطع الحلقوم والمري وقالوا إن الواجب قطع الحلقوم والمري وأما قطع الودجين فسنة والصواب العكس أن قطع الودجين هو الواجب لأنه هو الذي به ينهر الدم وأما قطع الحلقوم والمرئ فهو سنة فإذا قطع الأربعة فإن الذبيحة تحل بالإجماع وإن قطع ثلاثة منها أو اثنين منها على التعيين دون البقية فهذا موضع نزاع بين العلماء والذي يظهر من الأدلة أنه إذا قطع الودجين حلت الذبحة ولكن الأكمل والأفضل قطع الودجين والحلقوم والمري.
***(20/2)
يقول السائل إذا ذبح الشخص إلى غير القبلة متعمداً فهل تؤكل الذبيحة وما حكم ذبح المرأة والصبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ليس من شرط حل الذبيحة أن يستقبل بها القبلة حين الذبح فإذا ذبحها إلى غير القبلة فهي حلال سواءٌ كان متعمداً أو جاهلاً وذبيحة المرأة حلال إذا سمت الله عليها كالرجل ذبيحته حلال إذا سم الله عليها وذبيحة الطفل إن كان مميزاً يعقل فذبيحته حلال إذا سم الله عليها وإن كان دون التمييز ولا يدري ولا يعرف فذبيحته حرام كذبيحة المجنون.
***(20/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل خالد يقول في سؤاله في مسلخ الأغنام الذين يذبحون لا يضعون الذبيحة بكاملها تجاه القبلة بل يكتفون بثني الرقبة تجاه القبلة فقط فهل هذا يكفي يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استقبال القبلة عند الذبح ليس بواجب بل لو ذبح الإنسان لأي جهةٍ كانت فالذبيحة حلال وعلى هذا لا يحتاج إلى ليِّ الرقبة عند الذبح بل إن أمكن أن يوجه الذبيحة كلها إلى القبلة وإلا ذبحها حيث كانت.
***(20/2)
رسالة من فتحي أحمد مصري مقيم بالعراق يقول في رسالته هل يصح للمرأة أن تقوم بعملية الذبح سواء كان طيراً أو ما شابه ذلك من الحيوانات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نعم يجوز للمرأة أن تذبح طيراً أو ما هو أكبر من الطير من الحيوانات ودليل ذلك (أن جارية كانت ترعى غنماً في سلع. وسلع جبل في المدينة فعدا الذئب على شاة لها فأدركتها فذبحتها بحجر) وكان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فالمرأة ذبيحتها حلال حتى ولو كانت حائضاً وحتى لو كان عندها رجل يحسن الذبح وعلى هذا فيكون الجواب على هذا السؤال هو أن ما ذبحته المرأة فهو حلال مباح لكن بشرط أن تكون مسلمة أو من أهل الكتاب اليهود أو النصارى.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل مصطفى من سوريا يقول في هذا السؤال هل ذبح المرأة حلال أم حرام وهل يؤكل من الذبيحة التي تقوم بذبحها أفيدونا جزاكم الله خيرا علماً بأنه لا يوجد أحد سواها في البيت ولا من الجيران جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكاة المرأة حلال يعني أن المرأة إذا ذكت بهيمة تحل بالذكاة فهي حلال لو ذكت شاة أو بقرة أو نحرت بعيراً فهي حلال ودليل ذلك (أن جارية كانت ترعى غنماً لها حول سلع وسلع جبل بالمدينة فأصاب الذئب شاة منها فأخذت حجراً محدداً فذبحتها قبل أن تموت فأحل النبي صلى الله عليه وسلم ذبيحتها) وهذا دليل على حل ما ذكته المرأة ولا فرق بين أن تكون المرأة بالغة أو صغيرة لكنها مميزة ولا بين أن تكون طاهراً أو حائضاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يستفصل وأما ظن بعض الناس أن المرأة لا تحل ذكاتها أو أن المرأة الحائض لا تحل ذكاتها فهذا لا أصل له ولهذا نقول تحل ذكاة الحائض وذكاة الجنب وذكاة من عليه وضوء وذكاة الصغير إذا كان مميزاً.
***(20/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول السائل هل تجوز ذبيحة المرأة في حالة غياب الرجال وهل تؤكل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذبيحة المرأة حلال سواءٌ كان ذلك بحضرة الرجال أو بغيبة الرجال إذا أنهرت الدم وذكرت اسم الله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا) ولا فرق بين أن تكون حائضا أو على طهر لأن الحائض يجوز لها أن تذكر الله عز وجل.
***(20/2)
السائل محمد حسن يقول في هذا السؤال هل يجوز للمسلم أن يذبح الذبيحة وهو جنب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمسلم أن يذبح الذبيحة وهو جنب لأن الجنب لا يمنع من ذكر الله قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) فيسمي ويذبح والمسلم تحل ذبيحته سواء كان رجلاً أم امرأة كبيراً أم صغيراً يعقل إذا سمى وأنهر الدم.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا يقول السائل هـ إبراهيم من الجزائر يقول هل يجوز لي أن أستعمل اليد اليسرى وذلك للشخص الذي لا يحسن استعمال اليد اليمنى في الذبح أو لكتابة القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يستعمل يده اليسرى في الذبح وكتابة القرآن وغيره إذا كان لا يحسن ذلك باليمنى لقول الله تبارك وتعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وبناءاً على ذلك إذا أراد أن يذبح شاة فليضجعها على الجنب الأيمن ليذبح باليد اليسرى فإن ذلك أفضل وأيسر لذبح البهية وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) لأنه إذا أضجعها على جانبها الأيسر وهو لا يعرف الذبح إلا باليد اليسرى صار في ذلك مشقة عليه وعلى البهيمة وبهذه المناسبة أود أن أقول إذا أضجعت البهيمة للذبح فليضع الذابح رجله على عنقها أي على صفحة العنق وليمسك رأسها بيده اليسرى إن كان يذبح باليمنى ثم ليذبحها مسمياً أي قائلاً بسم الله وليجهز أي ليكن الذبح بقوة وسرعة وليقطع الودجين وهما العرقان اللذان ينصب منهما الدم وليدع أرجلها من غير إمساك حتى تأخذ حريتها بالحركة وحتى يتفرغ دمها تفرغاً أكبر وأما ما يفعله بعض الناس من تقييد الأرجل أو الجلوس عليها حتى لا تتحرك فهذا وإن كان جائزاً لكن تركه أحسن لما أشرنا إليه من فائدتين وهما راحة الذبيحة والثاني شدة تفريغ الدم وسرعته أيضاً.
***(20/2)
السؤال هذه رسالة من المستمع سهل هبه مفتاح من بحره يقول كثير من الناس يذبحون ذبائحهم باليد الشمال مع العلم أنهم يذكرون اسم الله عليها فهل يؤثر ذلك على حلها أم لا يؤثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط في الذبح أن يكون باليد اليمنى بل هو جائز باليد اليمنى وباليد اليسرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولم يقيد ذلك بكونه في اليد اليمنى لكن لا ريب أنه في اليد اليمنى أولى لأنها أقوى وإذا كانت أقوى فإنها تكون أريح للذبيحة والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراحة الذبيحة حيث قال صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) وعلى هذا فقد يكون الذبح في اليسرى أولى من الذبح في اليمنى كما لو كان الإنسان أعسر يعني يعمل بيده اليسرى ولا يعمل بيده اليمنى ويسمى في اللغة العامية عندنا الأشتف فإنه في هذه الحال الأولى أن يذبح باليسرى لأنها أقوى فتكون أريح للحيوان وعليه فيضجع الحيوان في هذه الحال على الجنب الأيمن ثم يذبحه والأفضل أن يذبح الحيوان ويضع رجله على عنقه ليتمكن من الذبح وأما الإمساك بيديه ورجليه فليس هذا من السنة بل إن العلماء يقولون الأولى أن تطلق يداه ورجلاه لأن ذلك أريح له ولأنه أبلغ في إخراج الدم إذ أنه مع الحركة يسيل الدم ويندفع ويخرج وكلما كان أبلغ في إنهار الدم فإنه أولى عكس ما يفعله العامة الآن حيث يربضون عليه إذا أرادوا ذبحه ويمسكون بيديه ورجليه فربما يؤلمونه قبل أن يذبحوه كذلك بعض العامة يأخذ بيد الحيوان ويلويها على عنقه من الخلف وهذا أيضاً أقل ما نقول فيه أنه مكروه لأنه بلا شك إذا لوى يده على عنقه من الخلف فإن ذلك يؤلمه ويؤذيه وهو خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (وليرح ذبيحته) وخلاصة الجواب أن نقول لا بأس أن الإنسان يذبح بيده اليسرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط أن يكون ذبحه باليمنى.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا يقول هذا السائل أبو حامد من الرياض هل حق الضيافة واجبة على المسلم أو مستحبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حق الضيافة واجب على المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ويكون ذلك بحسب الضيف فمن الضيف مَنْ يكون إكرامه كبيرا ومِنَ الضيف من يكون إكرامه متوسطا ومن الضيف من يكون إكرامه دون ذلك ومن الضيوف من إذا أعطيته دراهما ليذهب إلى الفندق أو نحو ذلك عد ذلك إكراما فهو يختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف الأحوال أيضا قد يكون صاحب البيت الذي نزل به الضيف ليس عنده متسع يدخله في بيته ويكرمه في البيت فيحيله إلى الفندق ويحاسب عنه وقد تكون عادة جارية بأن الضيافة تكون في الفندق ويحاسب عنه من نزل ضيفا عليه وما أشبه ذلك المهم أن هذا يرجع إلى العادة والضيافة واجبة.
***(20/2)
أحسن الله إليكم م ص م معلمة تقول السائلة إذا حضر عندي ضيوف في المنزل وبدأت بتقديم القهوة وأحد والديَّ في المجلس مع الضيوف فهل الأفضل أن أبدأ بتقديم الشاي أو ما يتيسر من القهوة لوالدي أم أبدأ باليمين يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إذا كان الذي يصب القهوة أو الشاي قد دخل المجلس فليبدأ بالأكبر لا بالذي على يمينه فإذا أعطى الأكبر أعطى الذي عن يمينه أي يمين الصاب وهو عن يسار الذي أعطي أولا ثم يستمر على اليمين أما إذا كان يصب القهوة أو الشاي وهو جالس كما يوجد في مجالس الأولين يكون صاحب المحل جالسا عند موقد النار وعنده الأباريق والدلال فهنا يعطي الذي عن يمينه إذا صب أعطى الذي عن يمينه ثم مشى على اليمين وما توهمه بعض الناس من أنه يبدأ باليمين على كل حال فإنه لا أصل له بعض الناس الآن إذا دخل المجلس ومعه القهوة أو الشاي بدأ بالذي يلي الباب ولو كان أصغر القوم وليس هذا صوابا بل إذا دخلت المجلس فأبدأ أولا بالكبير ثم بالذي على يمينك أنت واستمر على اليمين إلى أن تنتهي من الصف الأيمن ثم تبدأ بالصف الأيسر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (كبر كبر) فالجمع بين كونه يأمر باليمين ويأمر بالتكبير أن تبدأ باليمين إذا صببت لأناس وأنت بينهم وإذا صببت لأناس وأنت داخل عليهم لست جالس فيهم فأبدأ بالأكبر ثم بالذي عن يمينك.
***(20/2)
بارك الله فيك يقول الأخ عبد الله في سؤاله أخي مولع بصيد الطيور حيث يترك عمله لمدة أسبوع ويذهب إلى البر بحثاً عن الصيد فما حكم ذلك جزاكم الله خيرا
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان أن يدع عمله الواجب الوظيفي ليتمتع باللهو والصيد أو غير ذلك مما يصده عن القيام بالواجب لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والوظيفة تعتبر عقداً بين الإنسان وبين الجهة المسئولة ولقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) فالواجب على الإنسان أن يقوم بوظيفته حسب ما يقتضيه الإنسان كما أنه يطالب بالراتب الذي له على وجه الكمال وكثيرٌ من الناس يفرط فيما يجب عليه من عمل الوظيفة ويطالب بكل حقه من الراتب وهذا داخلٌ في قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) نسأل الله لنا ولاخواننا الهداية وأن يعيننا جميعاً على أداء ما أوجب علينا إنه على كل شيء قدير.
***(20/2)
سائل من الحسو سؤاله يقول عندي كلاب أربيها وهي ليست من كلاب الصيد المعروفة فهل صيدها أي عندما تصيد حلال أم حرام وما حكم تربية مثل هذه الحيوانات أفيدونا جزاكم الله خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان أن يقتني كلباً إلا أن يكون كلب صيد أو حرث أو ماشية كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الكلاب التي أشار إليها السائل إن كان يقتنيها ليمرنها على الصيد حتى تصطاد فإنه لاحرج عليه في ذلك لقوله تعالى (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) وأما إذا كان يقتنيها لمجرد هوايته لها فإن هذا حرام عليه ولا يجوز وينتقص من أجره كل يوم قيراط وبهذه المناسبة أود أن أنبه على ما يفعله كثير من المترفين باقتناء الكلاب في بيوتهم بل ربما يشترونها بأثمان باهظة مع (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ثمن الكلب) يفعلون ذلك تقليداً لغير المسلمين ومن المعلوم أن تقليد غير المسلمين فيما كان محرماً أو فيما كان من خصائصهم أمر لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) فنصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يتقوا الله عز وجل وأن يحفظوا أموالهم وأن يحفظوا أجورهم وثوابهم من النقص وأن يدعوا هذه الكلاب ويتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ومن تاب تاب الله عليه.
***(20/2)
الصيد بوسيلة من الوسائل الغير مباشرة كالكلاب مثلاً أو الصقور ونحوها كيف تكون التسمية عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون التسمية عليها عند إرسال الكلب أو الصقر إذا أرسلته قل بسم الله ومتى صادها هذا فإنها تحل.
***(20/2)
هذا السائل الأخ عبد الله الخالدي يقول إذا أطلق الرجل رصاصة بقصد الطير وهو لم يشاهد طائرا ولكنها أصابت طيراً فهل يجوز له ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني فهل يحل الطير والجواب الطير هنا لا يحل لأنه هنا لم يقصده ولا بد من النية والقصد فإذا رمى الإنسان سهمه وهو لا يرى طيرا ثم أصابت طائرا فمات بهذا السهم فانه لا يحل لأن من شرط التذكية والصيد القصد ولهذا لو رمى بالسكين فأصابت مذبح شاة وأنهر الدم فإن هذه الشاة لا تحل لعدم القصد ومن ثم نقول إن ذبح المجنون لا تحل به الذبيحة لعدم القصد واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط قصد الأكل أو لا يشترط فمنهم من قال إنه يشترط قصد الأكل وأنه لو ذبح لعبث أو لتجربة السكين أو لتمرين على الذبح وما أشبه ذلك فإن الذبيحة لا تحل ولكن الصحيح أنها تحل ما دام قد قصد التذكية فإنها تكون مذكاة ويحل أكلها أما ما كان بغير قصد فإن الذبيحة لا تحل به وكذلك الصيد لا يحل به.
***(20/2)
تقول قرأت في كتاب أن كل شيء يعيش في البحر يمكن أكله ولكني سمعت أن هناك بعض الحيوانات التي تعيش في البحر لا يجوز أكلها فهل هذا صحيح وما هو الحكم الشرعي في أكل صيد البحر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيد البحر كله حلال حتى للمحرمين يجوز لهم أن يصطادوا في البحر لقول الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) فصيد البحر هو ما أكل حياً وطعامه ما وجد ميتاً وظاهر الآية الكريمة أحل لكم صيد البحر ظاهرها أنه لا يستثنى من ذلك شي لأن صيد اسم مفرد مضاف والمفرد المضاف يفيد العموم كما في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) فإن نعمة مفرد هنا ولكن المراد بها العموم وهذا القول هو الصحيح الراجح أن صيد البحر كله حلال لا يستثنى منه شيء واستثنى بعض أهل العلم من ذلك الضفدع والتمساح والحية وقال إنه لا يحل أكلها ولكن القول الصحيح العموم وأن جميع حيوانات البحر حلال حيهُ وميتهُ.
***(20/2)
المستمع يقول هل الطيور التي نرميها بالبندقية وتموت حلال أم لا حيث إن بعض الطيور التي نرميها نجدها قد ماتت قبل أن نسمي عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا رميت بالبندقية صيوداً من طيور أو زواحف كالأرانب والظباء وسميت الله على ذلك حين إطلاق السهم فإنها تكون حلالا ولو وجدتها ميتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وقال (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل) لكن إن كانت حية حياةً مستقرة تزيد على حركة المذبوح وجب عليك أن تذبحها وتسمي الله عند ذبحها فإن لم تفعل وماتت صارت حراماً عليك ولكن يجب التنبه إلى التسمية عند إطلاق السهم لأنك إذا لم تسمِ الله حرم عليك الأكل ولو كنت ناسياً لقول النبي عليه الصلاة والسلام قال (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) .
***(20/2)
هذا المستمع للبرنامج يقول فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في صيد الطيور في الأشهر الحرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيد الطيور في الأشهر الحرم جائز لأن الأشهر الحرم إنما يحرم فيها القتال على أن كثيراً من العلماء أو أكثر العلماء يقولون إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ ولكن إذا كانت الطيور داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز صيدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين فتح مكة (لا ينفر صيدها) أي مكة وإذا نهي عن التنفير فالقتل من باب أولى وقال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) وقال عز وجل (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) فإذا كان الإنسان محرماً أو دخل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد.
***(20/2)
هذا السائل من السودان يقول نحن مجموعة من الشباب نقوم بصيد نوع من أنواع الطيور يقال له القطى ليلاً واعترضنا بعض الإخوان وقالوا إن صيد الطيور في أوكارها ليلاً محرم مستدلين بحديث (لا تأتوا الطيور في أوكارها ليلاً) ما حكم صيد الطيور في أوكارها ليلاً وما مدى صحة هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصيد جائز ليلاً ونهاراً إلا أنه في الليل على خطر لأن الإنسان قد يتجشم شجرة تؤذيه أو حفرة يقع فيها لشفقته على إدراك الصيد أما من حيث الصيد نفسه فإنه حلال ليلاً ونهاراً قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29) ولم يقيد زمناً دون زمن.
***(20/2)
أحسن الله إليكم يذكر هذا السائل في آخر أسئلته من الجزائر في فصل الصيف هناك شباب يصطادون بعض الطيور وهذه الطيور لها فراخ فتموت جوع فنهيتهم عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الحكم الشرعي أنه جائز ولكن الأفضل إذا كان في زمن إفراخها أن لا يقتلها يعني أن لا يصيدها إلا إذا كان يعرف مكان أفراخها ثم صادها وذهب لأفراخها وأخذها ثم ذبحها وانتفع بها.
***(20/2)
بارك الله فيكم السائل مصري ومقيم بمكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ نحن نقيم على بعد أربعين كيلو عن الحرم ويوجد بعض العمال يقدمون لنا الحمام الموجود في المنطقة للأكل وبعض الناس يقولون بأن هذا الحمام تابع للحرم هل أكل هذا الحمام حلال أم حرام أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمتم تبعدون عن حدود الحرم أربعين كيلو فإنكم في مكان حلال وصيد مكان الحلال حلال وعلى هذا فما يقدمه العمال لكم من هذا الحمام يكون حلالاً لأنه لم يصد في الحرم نعم لو قال لك العامل أنه صاده في الحرم فإنه حرام عليك وعلى العامل أيضا وينبغي درأً للشبهة وطردا للشك ينبغي أن تخبروا العمال بأنه لا يجوز الصيد داخل حدود الحرم حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم.
***(20/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ الصيد في الحرم النبوي ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه محرم لكنه ليس كالصيد في حرم مكة فإن حرم مكة إذا صاده الإنسان فإثمه أكبر مما لو صاد صيداً في حرم المدينة فحرم المدينة ليس في صيده جزاء وحرم مكة في صيده الجزاء وحرم المدينة إذا أدخل الإنسان الصيد فيه من خارج الحرم فله إمساكه وذبحه وحرم مكة فيه خلاف فمن العلماء من يقول إذا أدخل الإنسان صيداً إلى حرم مكة وجب عليه إطلاقه ومنهم من يقول لا يجب والصحيح أنه لا يجب عليه إطلاقه فلو أدخل الإنسان أرنباً أو حمامة من خارج الحرم إلى الحرم فله استبقاؤها وذبحها لأنها ملكه بخلاف ما إذا صادها في الحرم فإنه ليس له إبقاؤها وليس له ذبحها بل يجب عليه أن يطلقها.
***(20/2)
جزاكم الله خير بعض الصغار يرمون الطيور بما يسمى بالنباطة هل يصح صيدهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يصح صيدهم إلا إذا أدركوا العصفور حيا وذكوه ذكاة شرعية أما إن سقط ميتاً أو في حكم الميت بأن كان يضطرب أومات على الفور فإنه لا يحل لكن النباطة منهي عنها لأنها كما جاء في الحديث (لا تنكأ عدوا ولا تصيد صيدا يعني لا يحل الصيد بها وإنما تفقأ العين وتكسر السن) فينهى عنها وينبغي للإنسان ألا يمكن صبيانه منها بل يمنعهم ويبين لهم أنها خطيرة وربما تفقأ العين وتكسر السن أو تدمي الخد أو الرأس أو ما أشبه هذا.
***(20/2)
_____الأيمان والنذور _____(/)
فتاوى الأيمان والنذور - كتاب الأيمان(21/1)
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في الحلف على المصحف ما هو جزاء من حلف على المصحف وما هي الكفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف وهو اليمين والقسم لا يجوز إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته ونعني بالحلف بالله الحلف بكل اسم من أسماء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولقوله (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فلا يجوز الحلف بالنبي ولا بالكعبة ولا بجبريل ولا بمكائيل ولا بمن دون النبي من الصالحين والأئمة وغيرهم فمن فعل ذلك فليستغفر الله وليتب إليه ولا يعد وإذا حلف بالله سبحانه وتعالى فإنه لا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف ليحلف عليه فالحلف على المصحف أمر لم يكن عند السلف الصالح لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة حتى بعد تدوين المصحف لم يكونوا يحلفون على المصحف بل يحلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى بدون أن يكون ذلك على المصحف.
***(21/2)
يقول السائل ما الفرق بين أن تحلف بالله قولاً وأن تحلف بالمصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالله هو الأصل ولكن إذا حلف الإنسان بالمصحف وقصده ما في المصحف من كلام الله فلا بأس لأن كلام الله تعالى صفة من صفاته والحلف بصفة من صفات الله جائز أما إذا قصد المصحف الذي هو الأوراق والجلد فإنه لا يجوز الحلف به وذلك لأن الحلف بغير الله كفر أو شرك ومن ذلك أن يحلف بالنبي أو بالكعبة أو بجبريل أو ميكائيل أو بالشمس أو بالقمر أو بالسماء أو بالأرض كل من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك لكن إما أن يكون كفره مخرجاً عن الملة كما لو اعتقد أن هذا المحلوف به له من العظمة والسلطان ما لله عز وجل فهذا كفر أكبر وشرك أكبر أما لو حلف به تعظيماً لكنه دون تعظيم الله عز وجل فإنه لا يكفر كفراً أكبر ولكنه يكفر كفراً أصغر وشرك أصغر وعلى كل حال فالحلف بغير الله تعالى محرم لا يجوز.
***(21/2)
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في أداء هذا القسم على المصحف وخاصة أن صيغته تؤدى كالآتي أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم فهل هذا يكفي أن يقول الإنسان أقسم بالله العظيم فقط وهل الزيادة في قوله الكريم فيها شيء أرجو الافادة حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القسم على المصحف من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثت فيما بعد وأما القسم بالله فهو قسم مشروع لكن لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الإقسام بالله عز وجل بل لا يقسم إلا عند الحاجة إلى القسم وأما القسم بكتاب الله الذي هو القرآن فإنه لا بأس به لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الله تعالى من صفاته والحلف بصفات الله جائز كما ذكر ذلك أهل العلم أما الحلف بغير الله أو صفة من صفاته فإنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وقال (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فلا يجوز الحلف بأحد من الخلق لا رسولٍ ولا ملك ولا كعبة ولا غير ذلك فلا يجوز أن يقول والنبي لأفعلن كذا أو والنبي ما فعلت كذا ولا يجوز أن يحلف بملك من الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل ولا يجوز أن يحلف بالكعبة فيقول والكعبة لأفعلن كذا أو والكعبة ما فعلت كذا لأن هذا محرم وهو نوع من الشرك.
***(21/2)
بارك الله فيكم رسالة وصلت من أخوكم في الله رمز لاسمه بـ ع. ج. يسأل يا شيخ محمد ويقول هل يجوز الحلف بالمصحف والحلف على المصحف يقول مثلاً والمصحف لأعمل كذا حكم الشرع في نظركم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله تعالى بأحد أسمائه أو بصفة من صفاته مثل أن يقول والله لأفعلنّ ورب الكعبة لأفعلنّ وعزة الله لأفعلنّ وما أشبه ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى والمصحف يتضمن كلام الله وكلام الله تعالى من صفاته،كلام الله صفة ذاتية فعلية لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الجهة من صفات الله الذاتية لم يزل ولا يزال متكلماً فعال لما يريد وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته والنصوص في هذا متضافرة كثيرة وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته وبهذا نعرف بطلان قول من يقول إن كلام الله أزلي ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته وأنه هو المعنى القائم بنفسه وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله عز وجل فإن هذا القول باطل في حقيقته وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله كتاب يعرف باسم التسعينية بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله وكلام الله تعالى من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف بأن يقول الإنسان والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله عز وجل وقد نص على ذلك فقهاء الحنابلة رحمهم الله ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله عز وجل فيقول والله أو ورب الكعبة أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة ولا يحصل لديها فيه تشويش فإن تحليف الناس بما يعرفون وتطمئن به قلوبهم خير وأولى وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله لا بالنبي ولا بجبريل ولا بالكعبة ولا بغير ذلك من المخلوقات قال النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وقال صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي أو بحياة النبي أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك وليبين له أن ذلك حرام ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة بحيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا العمل المحرم لأن بعض الناس تأخذه الغيره عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجه وتنتفخ أوداجه وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة ولو أن الإنسان نزَّل الناس منازلهم ودعى إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف) ولا يخفى على كثير من المستمعين ما حصل من النبي عليه الصلاة والسلام في (قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس وصاحوا به فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلما قضى بوله دعاه النبي عليه الصلاة والسلام وقال له إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول دنوباً من ماء وبهذا زالت المفسدة وطهر المكان وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة هذا الأعرابي الجاهل وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعيين لله سبحانه وتعالى فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم والله الموفق.
***(21/2)
ما حكم الحلف على القرآن في أمر غير صحيح ولم أكن أعرف أن هذا الحلف حرام فماذا يجب علي أن أعمل لكي أكفر عن هذه الخطيئة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف على الكذب محرم سواء حلف الإنسان على المصحف أو بدون ذلك لأن الحلف على الكذب يتضمن مفسدتين المفسدة الأولى الكذب والكذب محرم والمفسدة الثانية انتهاك عظمة الله عز وجل حيث حلف بالله عز وجل وبعظمته جل وعلا على أمر هو فيه كاذب ومن حلف على أمر كاذب وهو يعرف كذبه فيه فإنه عند بعض العلماء من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار وقيل إن اليمين الغموس هي التي يحلف بها الإنسان على أمر كاذب ليقتطع به مال امرئ مسلم وفي هذه الحال لو حلف على كذب يقتطع به مال امرئ مسلم صار في ذلك ثلاثة محاذير الكذب والحلف بالله واقتطاع مال لا يحل له وهذه هي اليمين الغموس وأما من حلف على شيء بناء على غلبة الظن فتبين أنه على خلاف ظنه فلا باس في ذلك مثل أن يحلف أن هذا الشيء قد كان بناء على ظنه ثم يتبين أنه لم يكن فإنه ليس عليه في ذلك إثم لأنه إنما حلف على ظنه وهو في حال حلفه صادق فيما يغلب على ظنه ومثل ذلك لو قال والله ليقدمن فلان غدا أي ليقدمن من السفر غدا بناء على ظنه ثم لا يقدم فإنه لا شيء عليه على القول الراجح أي لا إثم عليه ولا كفارة وذلك لأنه إنما حلف على ظنه.
***(21/2)
جزاكم الله خيراً السائل أحمد علي من جمهورية مصر العربية يقول أرجو منكم يا فضيلة الشيخ مأجورين أن تجيبوا على سؤالي لعل الله أن يجعل في إجابتكم إنقاذاً لي من حيرتي يقول لقد عاهدت الله منذ سنوات أن أترك ذنباً معيناً كنت اقترفه وكانت نيتي أن أترك هذا الذنب وفعلاً مكثت فترةً على عهدي ولكن بعد ذلك اقترفت هذا الذنب وانقطعت عن الصلاة كسلاً ثم عدت أصلى ثم انقطعت وهكذا عدة مرات والآن أريد أن أتوب توبةً نصوحاً ولكنني أقرأ في القرآن الكريم آيتين هما (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ) إلى آخر الآية من سورة التوبة والآية الثانية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) الآية من سورة آل عمران وعرفت أن تارك الصلاة كافر تبعاً للحديث النبوي وقرأت في التفاسير هذه الآيات في كتاب تفسير ابن كثير ففهمت أن هاتين الآيتين نزلتا في ناسٍ ليس لهم توبة وأنهم عرفوا أنهم من أهل جهنم من الدنيا والعياذ بالله وأنا الآن في حيرةٍ شديدة فهل التوبة مقبولة في مثل هذا الحال أم أنني مثل هؤلاء الناس ليس له توبة وجهوني مأجورين يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أقول تب إلى الله عز وجل توبةً نصوحاً واترك ما عاهدت الله على تركه وعليك كفارة يمين لفعلك إياه وإنني أنصحك وأنصح غيرك عن النذر حتى لو كان نذر طاعة أو ترك معصية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وقال إنه (لا يرد قضاءً) وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن البخيل هو الذي تحاوره نفسه أن لا يتصدق فينذر أن يتصدق ويقول لله علي نذر أن أتصدق بكذا وكذلك المريض فييأس من الشفاء فينذر إن شفاه الله تعالى ليفعلن كذا وكذا وهذا النذر لا يرد قضاءً لأن الله إن كان قدر شفائك فستشفى بلا نذر وإن قدر عدم الشفاء بقي المرض وإن نذرت وما أكثر الناذرين الذين إذا خالفوا ما نذروا ذهبوا إلى كل عالم لعلهم يجدون مخرجا فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يدعو النذر وأن يسألو الله تبارك وتعالى من فضله الشفاء والحياة السعيدة بدون أن يلجأوا إلى النذر واللاجئ إلى النذر في ترك المعصية يدل فعله على أنه ضعيف العزيمة والهمة إذ لو كان قوياً ما احتاج إلى النذر نسأل الله لإخواننا التوفيق لما يحبه ويرضاه.
***(21/2)
البائع الذي يحلف للزبون بكلمة صدقني هذا آخر شيء مثلا هل هذا صحيح حتى لا يجعل الله عرضة لكثرة الأيمان للتجارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال صدقني فهذا ليس يمينا لكنه طلب من المشتري أو من السائم أن يصدقه أما لو قال والله لقد اشتريتها بكذا أو والله لقد سيمت كذا وهو كاذب فهذا هو الذي اشترى بعهد الله ويمينه ثمنا قليلا والمنفق سلعته بالحلف الكاذب من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم كما رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومع هذا إذا قلنا أن قوله صدقني ليست يمينا فلا يحل له أن يخبر المشتري بخبر كذب سواء أخبره بصفة في السلعة وهو كاذب أو أخبره بأنه اشتراها بكذا وهو كاذب أو أخبره بأنها سيمت كذا وهو كاذب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) .
***(21/2)
بارك الله فيكم السائل مصطفى علي سوداني مقيم بالدمام يقول ما حكم من حلف على يمين على شيء لم يتضرر أحد منه أي حلف ولكن ليس ليضر به أحد ولكن يقصد المصلحة الذاتية مع العلم التام بأن هذا الشخص إذا لم يحلف لم يصل إلى ما يرغب فيه وجهونا في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف على الشيء على حسب ذلك الشيء فمثلا إذا كان لا يتوصل إلى مقصود شرعي إلا باليمين فلا بأس أن يحلف وإلا فإن الأفضل ألا يكثر الإنسان الأيمان لقول الله تبارك وتعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من معنى هذه الآية ألا يكثر الإنسان اليمين ولأن الإنسان إذا أكثر الأيمان صار عرضة إما للكذب وإما للحنث وكلاهما محظور فالأولى للإنسان ألا يحلف إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك وإذا دعت الحاجة إلى ذلك فاليمين على حسب ما تقتضيه هذه الحاجة.
***(21/2)
أحمد أ. من الطائف يقول في رسالته أنا إنسان أشرب الدخان وقد قلت بقلبي إذا شربت الدخان مرة ثانية تحرم علي زوجتي ونسيت ثم شربته وتذكرت أنني قلت تحرم علي زوجتي فماذا يلزمني في هذه الحالة أفيدونا جزاكم الله كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ما دمت على هذا الجانب الكبير من الحرص على ترك الدخان فإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينك على تركه وأن يرزقك العزيمة الصادقة والثبات والصبر حتى توفق لما تصبو إليه وأما سؤالك عن التحريم الذي قلته فإن كنت قلت ذلك بقلبك بدون ذكر بلسانك فلا حكم له ولا أثر له وإن كنت قلته بلسانك وأنت تقصد بذلك التوكيد على نفسك بترك الدخان فإن هذا حكمه حكم اليمين فإن شربت الدخان متعمداً ذاكراً فعليك كفارة يمين وإن كنت ناسياً فلا شيء عليك لكن لا تعد إليه بعد ذلك وأنت ذاكر فإن عدت إليه بعد ذلك وأنت ذاكر وجبت عليك كفارة أعني كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أنت مخير في هذه الثلاثة وكيفية الإطعام إما أن تغديهم أو تعشيهم وإما أن تدفع إليهم رزاً مصحوباً بلحم يكفيه مقدراه ستة كيلوات للعشرة جميعاً سواء في بيت واحد أو في بيوت متعددة فإن لم تجد فقراء تدفع إليهم ذلك فإنك تصوم ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
هل يجوز السؤال بوجه الله تعالى غير الجنة حيث قد ورد في حديث صححه الألباني جاء فيه (ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ولم يعط) فهل هذا الحديث صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم عليه بالصحة أو غيرها والذي أرى أنه ينبغي لطالب العلم إذا صحح أحد من أهل علم الحديث وليس في الكتب المشهورة بالصحة والتي تلقاها أهل العلم بالقبول أرى أن يبحث هو بنفسه عن هذا الحديث وعن سنده حتى يتبين له صحته فإن الإنسان بشر ربما يخطئ كما أنه يصيب ولكن هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم عليه بالصحة أو بغيرها فإن صح هذا الحديث فمعناه أنه لما كان وجه الله تعالى موصوفاً بالجلال والإكرام كان لا ينبغي أن يسأل فيه إلا أعظم الأشياء وهو الجنة أما الأشياء التي دونها فإنه لا ينبغي أن يسأل كما أن المسئول إذا سئل بوجه الله وهو الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام فإنه لا ينبغي له أن يرد من سأل به بل عليه أن يجيبه وكل هذا الذي أقوله إذا كان الحديث صحيحاً والله أعلم ولعلنا إن شاء الله تعالى نبحث عنه ويتسنى لنا الكلام عليه في موضع آخر.
***(21/2)
يقول السائل فائز كثير من الناس عندنا في قريتنا يحلفون بالألفاظ التالية وعمر ربي وعمر أبوي ورأس أبوي إلى غير ذلك من الألفاظ أفيدونا في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله تعالى شرك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وأما الحلف بعمر الله فليبدل بقوله وحياة الله فان الحلف بحياة الله جائز والحلف بسمع الله جائز وببصره وقدرته وعزته وحكمته وجميع صفاته فالحلف يكون بأسماء الله وصفاته وما عدا ذلك فانه لا يحلف به.
***(21/2)
يقول السائل الحلف الشركي هل عليه كفارة وهل قول في ذمتك ولعمري من الحلف الشركي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف الشركي ليس فيه كفارة يعني لو قال والنبي والكعبة والشمس والقمر والليل والنهار والسيد وما أشبه ذلك فكل هذا من الشرك وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وهو حلف محرم ليس فيه شيء أي ليس فيه الكفارة لكن فيه الإثم لأن الشرك لا يغفره الله عز وجل قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وظاهر الآية الكريمة أن الشرك لا يغفر ولو كان أصغراً وإن كان في ذلك خلاف بين العلماء قالوا الشرك الأصغر يغفر أو لا يغفر لكن صاحبه لا يخلد في النار أما قول في ذمتك فليس بيمين لأن المراد بالذمة العهد يعني كأنه قال أنا في عهدك أو ما أشبه ذلك أما لعمري فليس بها بأس أيضا فقد جاءت في السنة وجاءت في كلام الصحابة وجاءت في كلام العلماء وليست فيها القسم لأن القسم أن يصوغ الكلام بصيغة القسم وصيغه ثلاثة الواو والباء والتاء والله بالله تالله.
***(21/2)
عثمان جابر من جمهورية مصر العربية يعمل في العراق يسأل عن شخص حلف على المصحف كذباً في أيام الطفولة أي كان يبلغ خمس عشرة سنة ولكنه ندم على هذا بعد أن بلغ سن الرشد أي عرف أن هذا حرام شرعاً فهل عليه إثم أو كفارة أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن مسألتين المسألة الأولى الحلف على المصحف لتأكيد اليمين وهذه صيغة لا أعلم لها أصلاً من السنة فليست مشروعة وأما المسألة الثانية فهي حلفه على الكذب وهو عالم بذلك وهذا إثم عظيم يجب عليه أن يتوب إلى الله منه حتى إن بعض أهل العلم يقول إن هذا من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار فإذا كانت هذه اليمين قد وقعت منه بعد بلوغه فإنه بذلك يكون آثماً عليه أن يتوب إلى الله وليس عليه كفارة لأن الكفارة إنما تكون في الأيمان على الأشياء المستقبلة وأما الأشياء الماضية فليس فيها كفارة بل الإنسان دائر فيها بين أن يكون آثماً أم غير آثم فإذا حلف على شيء يعلم أنه كذب فهو آثم وإن حلف على شيء يغلب على ظنه أنه صادق أو يعلم أنه صادق فيه فليس بآثم.
***(21/2)
يقول اقترضت مبلغا من المال من أحد الناس إلى أجل محدود وقد حان وقت السداد ولم يكن عندي ما أوفي دينه فرفع علي شكوى في المحكمة وحين سألني القاضي أنكرت أن يكون له في ذمتي شيء خوفا من الحكم علي بالسجن إذا لم أدفع وحلفت على ذلك أنني لم أقترض منه شيئا وكانت نيتي أنني إذا وجدت مالاً أقضيه دينه الذي له عليّ فماذا علي في هذه اليمين التي حلفتها كاذباً متعمداً لأنجو بها من السجن وهل لها كفارة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه اليمين التي حلفتها كاذباً في جحد حق أخيك المسلم هي يمين الغموس ومن كذب على يمين يقتطع بها مال من مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ففعلك هذا من كبائر الذنوب وهو إن أنجاك من السجن في الدنيا لم ينجك من العذاب يوم القيامة إلا أن يشاء الله ثم إن نجاتك من السجن في الدنيا تحصل بإقرارك أن في ذمتك لهذا الرجل كذا وكذا من المال ثم إقامة البينة على أنك معسر فإذا قامت عند القاضي بينة بأنك معسر فإن القاضي سوف يصرف خصمك عنك ويمنعه من مطالبتك لأنه إذا ثبت إعسار المدين فإن طلبه بالدين ومطالبته به أمر محرم لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وكثير من الناس إذا حلت عليهم الديون وهم لا يستطيعون وفائها يلجئون إلى طريقة أخرى غير هذه الطريقة التي ذكرت أو التي ذكر السائل وهي أنهم يذهبون إلى أناس فيستدينوا منهم ثم إذا حل الدين الثاني استدانوا له وهكذا حتى تتراكم عليهم الديون فيعجزون بالتالي عن وفائها وهذه طريقة من طريقة السفهاء والإنسان إذا ثبت أنه فقير فإنه لن يطالب بسداد الدين فعليه نقول أثبت عند القاضي فقرك وحينئذ تنتفي عنك المطالبة وتسلم من الاستدانة مرة أخرى وأخرى وأخرى وتسلم من تحمل الديون الكثيرة الثقيلة التي قد تعجز عنها في المستقبل وهاهنا أمر يجب أن نوجهه أيضاً إلى المطلوب وهو المدين وهو أن بعض المدينين المطلوبين لا يخافون الله سبحانه وتعالى ولا يرحمون الخلق تجده يلعب بالمال ويبذره ويفسده ثم يأتي في آخر الأمر يقول عجزت عن الوفاء وهذا أيضاً من السفه وكذلك أناس يكون عندهم القدرة على الوفاء مع حلول الديون ومطالبة صاحب الدين ومع ذلك يماطلون ويؤخرون الوفاء يأتيه فيقول غدا ثم يأتي فيقول غدا وهكذا وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (مطل الغني ظلم) .
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع على خ. م. يقول من حلف على المصحف القرآن الكريم كاذباً ولكنه أصبح نادماً على ما فعل فماذا يفعل أرجو الإفادة حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالله كاذباً حرام بل عده بعض العلماء من كبائر الذنوب سواء حلف على المصحف أم لم يحلف على المصحف والحلف على المصحف من الأمور البدعية التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها أحدثت فيما بعد فمن حلف بالله كاذباً سواء على المصحف أو بدونه فإنه آثم بل فاعل كبيرة عند بعض العلماء فعليه أن يتوب إلى الله فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل ومن تاب تاب الله عليه لقول الله تبارك وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فإن هذه الآية نزلت في التائبين.
***(21/2)
أحسن الله إليكم يقول إذا حلف شخص على شيء وهو يعلم بأنه كاذب وبعد أن حلف قال أستغفر الله وأتوب إليه ما حكم ذلك وهل عليه كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حلف على شيء يعلم أنه كاذب فيه فقد تحمل إثمين الإثم الأول الكذب والإثم الثاني الاستهانة باليمين حيث حلف على كذب فيكون كما قال الله فيهم (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فعليه أن يتوب إلى الله من هذا الذنب الذي فعله والذي تضمن سيئتين ولا كفارة عليه لأن الكفارة إنما تكون في الحلف على شيء مستقبل أما الحلف على شيء ماضٍ فهو إما سالم وإما آثم فإن كان يعلم أنه كاذب أو يغلب على ظنه أنه كاذب فهو آثم وإن كان يعلم أنه صادق أو يغلب على ظنه أنه صادق فهو غير آثم أما الكفارة فلا تجب في الحلف على أمر ماض ولو كان كاذبا فيه.
***(21/2)
هذه الرسالة من تاج الدين أبو بكر من السودان يقول إذا كان هناك مسلمٌ أمام المحكمة وقد أحضر يوماً للمحكمة لكي يحلف باسم الله وقد كان هذا الشخص مدان في قضية وهو يعلم سلفاً أنه مدان إلا أنه أراد أن يحلف فقط لتخليص نفسه من السجن والمحاسبة وليس في قلبه إنكار للتهمة الموجهة ضده فهل يرى سيادتكم بأن هذا الشخص سيحاسب على التهمة الموجهة ضده أم لا أم على اليمين الغير صادقة أمام ربه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه التهمة التي وجهت إليه وهو منها برئٌ يجوز له أن يحلف على سلامته منها وبراءته منها أما إذا كان غير بريءٍ منها ولكنه يخشى من عقوبتها فإنه لا يجوز له أن يحلف بالله سبحانه وتعالى وهو كاذب لأن هذا الحلف يجتمع فيه الكذب والكذب محرم ويجتمع فيه أيضاً الاستهانة بالحلف بالله سبحانه وتعالى والاستهانة بالحلف بالله أمره عظيم ولهذا أوجب الله سبحانه وتعالى على من حنث في يمينه وخالف ما حلف عليه أوجب عليه الكفارة وهي كما هو معروف عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
***(21/2)
سائل يقول هل إذا حلفت على ترك شيء وأخذته هل فيه إثم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول الحلف بالله سبحانه وتعالى لا ينبغي للإنسان أن يكون ديدناً له بل يجب عليه أن يكون معظماً لله عز وجل وألا يحلف إلا إذا كان ثمة حاجة وإن كان الحلف يجوز بدون حاجة من استحلاف لكن الأولى ألا يكثر لقوله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن بعض المفسرين يقولون المراد لا تكثر اليمين بالله سبحانه وتعالى ولكن مع ذلك إذا حلف على شيء وخالف ما حلف عليه فإن كان قد قال إن شاء الله في حلفه فلا ضرر عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من حلف على يمين فقال إن شاء لم يحنث) وإن كان لم يقل إن شاء الله في يمينه فإنه إذا فعل ما حلف عليه وجبت عليه الكفارة إذا كان عالماً ذاكراً مختاراً والكفارة هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وليعلم الأخ السائل أن اليمين على الماضي ليست بيمين منعقدة مثل لو قال والله ما صار هذا الشيء ثم تبين أنه قد صار فإنه ليس عليك كفارة بل نقول إذا حلفت على شيء ماضٍ فإن كنت صادقاً فلا شيء عليك وإن كنت كاذباً فعليك إثم الكذب واليمين الكاذبة ليس فيها كفارة لأن الكفارة لا تكون إلا على يمين قصد عقدها على مستقبل.(21/2)
فضيلة الشيخ: أليس في هذا إثم التلاعب بالحلف وبالله عز وجل إذا حلف على شيء أنه لم يقع وهو يعرف أنه قد وقع وهو يعلم أنه لا كفارة عليه وإنما حلف ليرضي خصمه في هذه المسألة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو على كل حال فيه إثم الكذب وإثم اليمين في هذا(21/2)
فضيلة الشيخ: ذكرتم أن الشخص إذا حلف وقال إن شاء الله هذا قد لا يكون يميناً لأنه ليس في منزلة اليمين لأنه في حل من أمره إن أراد سمع وإن أراد لم يسمع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم ولكنه يمين الرسول قال صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث) وهو يمين في الحقيقة لأنه قسم بالله ولكنه يمين علق بمشيئة الله فكأن الإنسان قد تبرأ من حوله وقوته وجعل الأمر إلى الله فلما جعل الأمر إلى الله صار إذا خالف فقد خالف بمشيئة الله ولا شيء عليه ولهذا اختلف العلماء إذا قال إن شاء الله للتبرك أو للتعليق إذا قال للتبرك هل تنفعه أو لا تنفعه واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه تنفعه مطلقاً لعموم الحديث يعني مثلاً قد يقول الحالف والله إن شاء الله لأفعلن كذا ويقصد بقوله إن شاء الله التحقيق تحقيق الأمر والتأكيد دون التعليق بمشيئة الله ومن العلماء من يقول إذا لم يقصد التعليق فإنه يحنث لأنه ما رد المشيئة إلى الله وإنما أكد ذلك لكونه بمشيئة الله ومنهم من يقول إنه إذا قال إن شاء الله مطلقاً سواء قصد التحقيق أو التعليق فإنه لا شيء عليه وهذا الأخير اختيار شيء الإسلام ابن تيمية لعموم الحديث.
***(21/2)
تقول السائلة أنا أحلف كذباً أمام زميلاتي وأخوتي أو معلماتي وأنا أستغفر في نفسي وأردد الاستغفار دون أن يعلموا بذلك فهل علي إثمٌ في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليها إثمٌ في ذلك ولا يجوز للإنسان أن يكذب فكيف إذا قرنه باليمين فيكون ذلك أشد إثماً حتى إن بعض العلماء يقول إن من حلف على يمينٍ كاذباً يعلم أنه كاذب فإن ذلك هو اليمين الغموس الذي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار
***(21/2)
يقول السائل تنازعت أنا ورجل وتحاكمنا بالمحكمة وطلب منه اليمين فحلف اليمين وهو كاذب فما حساب من يحلف على القرآن وهو كاذب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حلف الإنسان في الدعوى على أمر هو كاذب فيه فإن ذلك هو اليمين الغموس وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن من حلف على يمين هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار وسواء حلف على المصحف أو بدون ذلك مع أن الحلف على المصحف أمر لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما نعلم لكن بعض الناس يتخذون ذلك من باب التأكيد والتخويف وعلى كل حال فكل من ادعى دعوى ليست له أو أنكر شيئا هو عليه وحلف على ذلك وهو كاذب فإن جزائه هذا الجزاء الذي سمعت وهو أنه يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من غضبه وعقابه.
***(21/2)
يقول المستمع س. س. من المدينة المنورة بعث برسالة مطولة يقول فيها منذ مدة وبينما أنا في الطريق البري بين الرياض والمدينة رأيت حادثاً شنيعاً وقع بين سيارتين وأعرف سائق إحدى هاتين السيارتين وقد توفي رحمه الله وبعد قليل حضر قريب لهذا الشخص وبعد تمعن عرف السيارة فسألني هل صاحبها توفي فأشفقت عليه وقلت له لا أعرف كما أنني لا أعرف السيارة فاستحلفني بالله العظيم أن أخبره بالحقيقة ولكنني خوفاً من أن يقع له حادث مماثل نتيجة للفزع أنكرت ذلك وبعد مدة سألت فمن قائل بأنني آثم على إخفاء الحقيقة ومن قائل بأنني إن شاء الله مأجور لأنني طمأنته حتى يرسل إلى أهله وأنا حائر، هل علي إثم وهل علي كفارة نرجو التوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على الإنسان أن يكون صادقاً في مقاله وفي عادته وأن يكشف عن الحقيقة مهما كان الأمر إلا إذا خشي ضرراً فإنه يمكنه أن يتأول فينوي بقلبه خلاف ما يفهمه مخاطبه وعلى ذلك فإن الجواب على ما قاله السائل أنه مجتهد ونيته حسنة وطيبة ولكنه مخطئ والإنسان إذا اجتهد ونوى الخير فإنه لن يلحقه وزر لأنه لم يتعمد الإثم، وقد قال الله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فنحن نطمئن الأخ بأن هذه القضية التي حصلت منه ليس عليه فيها إثم لأنه لم يتعمد الإثم ولكننا ننصحه ونقول له لا تعد لمثلها بل أخبر بالحقيقة فإن خفت أن يترتب على الحقيقة محظور فلا بأس أن تتأول بمعنى أن تريد بلفظك ما يخالف ظاهره بحيث يفهمه على معنى وأنت تريد معنى آخر فمثلاً لو قال لك قائل إن عندك لفلان كذا وكذا وديعة وأنت تخشى أنك لو أخبرته بأن لفلان عندك كذا وكذا وديعة لتسلط على فلان وظلمه فلك أن تتأول فتقول مثلاً والله ماله عندي شيء فهو سيفهم منك أن ما نافية وأن المعنى أنه ليس له عندك شيء فهذا هو التأويل وفي التأويل مندوحة عن الكذب فلو أن الرجل لما جاء وسألك عن هذه السيارة وهل مات الذي أصيب بالحادث قلت والله ما أعرفه تنوي ما أعرفه شقياً مثلاً أو ما أعرفه سارقاً أو ما أعرفه فاعلاً كذا وكذا أي تقيد لفظك بالأمر الواقع الحقيقي الذي يكون صدقاً باعتبار نيتك وإن كان هو يفهم خلاف هذا الأمر الواقع لأنه سيفهم بأن جوابك على حسب ما سألك.
***(21/2)
سائل يقول ماحكم اليمين التي حلف بها من أخذ المهر زائداً اتفقت عليه القبيلة وأخفى بعضه وقال والله إنني لم آخذ زيادة على ما قالته القبيلة وهو يصلى ويصوم، فهل يعتبر مأموناً ومؤمناً وأهلاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه اليمين يمين كاذبة ولا يجوز له أن يحلف وهو كاذب وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن اليمين في مثل هذه الحال هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار ولكن الراجح أن اليمين الغموس هي التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر ولكن هذا الرجل حرام عليه أن يحلف على كذب لأن الكذب محرم وإذا انضاف إلى ذلك أنه حلف بالله كاذباً كان ذلك أعظم إثماً.
***(21/2)
المستمعة هـ. ع. أ. الرياض تقول في رسالتها ما حكم الزوجة التي تأخذ من مال زوجها عدة مرات وٍدون علمه وتنفق على أولادها وتحلف له بأنها لم تأخذ منه شيئاً ما حكم هذا العمل بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه لأن الله سبحانه وتعالى حرم على العباد أن يأخذ بعضهم من مال بعض وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حجة الوداع حيث قال (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت) ولكن إذا كان زوجها بخيلاً ولا يعطيها ما يكفيها وولدها بالمعروف من النفقة فإن لها أن تأخذ من ماله بقدر النفقة بالمعروف لها ولأولادها ولا تأخذ أكثر من هذا ولا تأخذ شيئاً تنفق منه أكثر مما يجب لها هي وأولادها لحديث هند بنت عتبة أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكت زوجها وقالت إنه رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك أو قال ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف) فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها سواء علم بذلك أم لم يعلم وفي سؤال هذه المرأة أنها تحلف لزوجها أنها لم تأخذ شيئاً وحلفها هذا محرم إلا أن تتأول بأن تنوي بقولها والله ما أخذت شيئاً يعني والله ما أخذت شيئاً يحرم علي أخذه أو والله ما أخذت شيئاً زائداً على النفقة الواجبة عليك أو ما أشبه ذلك من التأويل الذي يكون مطابقاً لما تستحقه شرعاً لأن التأويل سائغ فيما إذا كان الإنسان مظلوماً أما إذا كان الإنسان ظالماً أولا ظالماً ولا مظلوماً فإنه لا يسوغ له التأويل بل يحرم، والمرأة التي يبخل عليها زوجها بما يجب لها ولأولادها هي مظلومة فيجوز لها أن تتأول.
***(21/2)
السائلة سعاد تقول ماحكم الحلف بالأمانة لمن لم يعلم بأن الحلف بها شرك وهل يحبط عمله وإذا قالها بعد العلم بحكمها ناسياً فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالأمانة كغيره من الأحلاف بغير الله نوعٌ من الشرك لكنه ليس الشرك الأكبر الذي يحبط العمل فلا يحبط عمل من حلف بالأمانة لكن كثير من الناس يكلم الشخص ويقول بالأمانة لا يقصد اليمين وإنما يقصد الائتمان فيقول مثلاً إذا حدثه بحديث قال هذا معك أمانة يعني لا تفشيه لأحد أو يقول الحديث بالأمانة يعني لا تفشيه أو يقول هذا الحديث بأمانتي وعهدي فالمهم أن كثيراً ممن يقولون بالأمانة لا يقصدون اليمين يقصدون العهد والائتمان وحينئذٍ لا يكون حلف بالأمانة أما إذا قصد الحلف بها فإنه محرم ونوعٌ من الشرك.
***(21/2)
جزاكم الله خيرا يا فضيلة الشيخ تقول ما حكم الحلف بالأمانة أقصد أن أقول لفلان أمانة الله أن تخبرني الصدق أو أمانة عليك أن تقول كذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالأمانة محرم لأن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قال (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وهو شرك أصغر إلا أن يعتقد الحالف أن المحلوف به بمنزلة الله تبارك وتعالى في التعظيم والعبادة وما أشبه هذا فيكون شركا أكبر أما الذمة والعهد وما أشبه ذلك فهذا ليس بحلف يعني مثلا أن يقول بذمتي لأوفينك كذا وكذا فهذا معناه بعهدي لأن الذمة بمعنى العهد كما جاء في الحديث (إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك) أي عهدك والذين يقولون بذمتي أن أفعل كذا وكذا لا أظنهم يقصدون الحلف بالذمة وإنما يقصدون بعهدي وتعهدي وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) لكن لما كان اللفظ محتملا أن يكون قسما فالأولى تجنبه وألا يقول الإنسان بذمتي لأوفينك ولأعطينك كذا وكذا وليقل لك علي عهد لأوفينك وقت كذا وكذا.
***(21/2)
جزاكم الله خيرا السائل يقول عبارة أمانة سوف تفعل كذا أو أمانة لا تفعل كذا هل فيها بأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه تشبه القسم أمانة أفعل كذا أو أمانة لا تفعل كذا لكن إذا كانت الأمانة بمعنى الوصية مثل أن يخبره بسر فيقول أمانة ألا تخبر أحدا فهذا لا بأس به أو يوصيه لشخص يقول أمانة أن تبلغه عني كذا وكذا فهذه ليست بقسم فلا بأس بها أما الصورة الأولى أمانة أن تفعل كذا أو ما أشبه ذلك مما لا يفيد معنى الوصية فإنه بمعنى الحلف بالأمانة والحلف بغير الله تعالى نوع من الشرك.
***(21/2)
المستمع أيضاً يسأل في رسالته ويقول عندما يريد الرجل أن يصلح بين اثنين متخاصمين هل يحق له أن يكذب ويحلف بالله ولكن نيته أنه يريد الإصلاح فقط فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكذب في الإصلاح بين الناس فإنه جائز لما فيه من المصلحة التي تربو على مفسدة الكذب ومع ذلك فإن الأولى للمصلح أن يوري في كلامه يعني أن يسلك طريق التورية بأنه يريد في كلامه ما يخالف ظاهره فإذا أراد أن يقول لأحد الخصمين والله ما قال فلان فيك شيئاً وهو يعلم أنه قد قال فيه شيئاً فلينو بهذا الشيء شيئاً أخر غير الذي قاله فيه ليكون بذلك صادقاً وهو أمام المخاطب إنما أراد ما اتهم المخاطب به صاحبه فحينئذ يكون سالماً من الكذب مصلحاً بين المتخاصمين وأما الحلف على ذلك وهو يعلم أنه كذب فأنا أتوقف فيه إلا إذا أراد التورية فإن إرادته التورية وحلفه على ما يريد جائز.
***(21/2)
سائل يقول في هذه الرسالة سمعت من بعض الناس أن الحلف دون الرقية وأعتقد يقصد التقية أي إذا خفت الموت يجوز لي أن أحلف ولو كنت فاعل ذلك والحلف بالله العلي العظيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان إذا أكره على اليمين على شيء وكان من أكرهه قادراً على تنفيذ ما هدده به فإنه يجوز له أن يحلف على ذلك الشيء ولكن خيراً من هذا الأمر أن يتأول في يمينه بأن يقصد بلفظه ما يخالف ظاهره إذا قيل له قل والله ما فعلت هذا فليقل والله ما فعلت هذا وينوي (بما) الذي يعني والله الذي فعلت هذا فإذا نوى (بما) الذي فإنه حينئذ يكون صادقاً لأن الذي اسم موصول يكون مبتدأ وهذا خبره يعني أنه يقول والله إن الذي فعلت هو هذا ومُكْرَهُه الذي هو يُخاطب يفهم من قوله والله ما فعلت هذا النفي لأنه يفهم أن ما نافية وأن هذا مفعول فعلت وفي التعريض مندوحة عن الكذب.(21/2)
فضيلة الشيخ: لكن هذا إذا كان يخشى على نفسه فقط لكن لو كان فيه قطع حق على آخرين أو مثلاً جريمة فعلها وسيؤدب تأديباً لا يجوز له أن يحلف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحلف الذي سيعرض فيه إذا كان في قطع واجب لغيره أو فعل محرم فهذا لا يجوز لأن قطع الواجب للغير لا يجوز بلا يمين فكيف باليمين.
***(21/2)
الجمهورية العربية اليمنية من سائل رمز لاسمه بـ: ي. ن. ي. يقول في رسالته في يوم من الأيام ذهبت إلى منزل عمي وقد حصل بيننا خلاف ثم حلفت ألا أدخل بيته مرة ثانية ثم بعد أيام شاءت الظروف ودخلت البيت فماذا يجب عليّ في مثل هذه الحال أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب قبل أن أذكر الإجابة على سؤاله أحب أن أنبهه وغيره على أن قوله شاءت الظروف كلمة منكرة فإن الظروف هي الأزمنة، والأزمنة لا تشاء وليس لها من الأمر شيء بل الأزمنة أوقات مخلوقة لله مدبرة بأمره مسخرة بإذنه تبارك وتعالى والمشيئة إنما هي لله تعالى ثم للإنسان الفاعل باختياره والواجب على المؤمن أن يتجنب مثل هذه الكلمات وأن لا يتكلم بكلمة إلا وهو يعلم معناها وهل هو خير أو شر وهل هو حق أو باطل حتى يكون متزناً في تصرفه القولي والفعلي والمهم أن التعبير بمثل هذه العبارة شاءت الظروف أو شاءت الأقدار أو ما أشبه ذلك لا يجوز فعلى المرء أن يكف عنه وأما الإجابة عن سؤاله الذي أراد الإجابة عنه فإننا نقول له إن عدم دخوله بيت عمه من قطيعة الرحم وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب والخير أن يدخل بيت عمه وأن يكفر عن يمينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير) وعلى هذا فليدخل السائل هذا على عمه وليكفر عن يمينه فيطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة ٍ.
***(21/2)
جزاكم الله خيرا يقول هذا السائل والدتي إذا قام إخوتي الصغار بشقاوة في البيت تقوم بالحلف وتكثر من ذلك بأيمان كثيرة في اليوم أكثر من مائة يمين ولا تؤدي القرين فما حكم الشرع في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأيمان التي تقع من الأم لأولادها بالوعيد على المخالفة من لغو اليمين التي ليس فيها كفارة لقول الله تبارك وتعالى (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) وفي الآية الثانية (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ومن المعلوم أن المرأة إذا قالت لولدها والله لأضربنك والله لأكسرن رجليك والله لأفعلن كذا وكذا تهدده إذا خالف من المعلوم أنها لا تريد عقد اليمين في هذا فيكون ذلك من لغو اليمين الذي ليس فيه كفارة لكني أنصح إخواننا المسلمين أن لا يكثروا من الحلف حتى بلغو اليمين لقول الله تبارك وتعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فقد قيل إن معناها لا تكثروا الحلف بالله كذلك أنصح إخواني إذا حلفوا يميناً عقدوها أن يتبعوا ذلك بالمشيئة أي مشيئة الله فيقول والله لأفعلن كذا إن شاء الله فإنه إذا قال إن شاء الله استفاد فائدتين عظيمتين الفائدة الأولى تسهيل أمره حتى يقوم بما حلف عليه والفائدة الثانية أنه لو خالف لم يحنث أي لم يكن عليه كفارة ولا إثم دليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه ذكر أن نبي الله سليمان عليه السلام قال والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة منهم غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله بناء على ما عنده من قوة العزيمة فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة فلم تلد منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان) ليتبين لسليمان عليه الصلاة السلام ولغيره أن الأمر بيد الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم (فلو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته ولقاتلوا في سبيل الله) والفائدة الثانية: وهي أنه إذا حنث فلا كفارة عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) لهذا ينبغي للإنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بمشيئة الله عز وجل فيقول والله إن شاء الله أو والله بمشيئة الله لأفعلن كذا وكذا.
***(21/2)
تقول السائلة إنها تعاني الوسوسة ومضى عليها خمس سنوات تقريبا تقول وأحاول أن أتخلص منها ولكن ليس لدي طريقة صحيحة للتخلص وأخيرا خطر على بالي أن أحلف بالله ألا أغسل يدي مثلا أكثر من ثلاث مرات ولكني أشك بعد ذلك أنها لم تطهر فأغسلها مرة أخرى وقد تكرر ذلك مني كثيرا أحلف على ألا أغسل العضو أكثر من عدد معين ولكني أغسله مرة أخرى فهل علي كفارة مع كوني لا أحصي عدد المرات التي حلفت فيها لأنها كثيرة بل هي في كل مرة يحصل لي ذلك وهل تكفي كفارة واحدة أم بعدد الأيمان مع أنني كما قلت لا أحصي عددها ولكن الغرض منها واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا من وجهين الوجه الأول أنه لا ينبغي للإنسان أن يحلف على ترك معصية من المعاصي أو على فعل واجب من الواجبات فإن هذا مما نهى الله عنه قال الله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فالذي ينبغي للإنسان أن يستعين الله عز وجل على فعل الطاعات وترك المحرمات بدون أن يحلف بل يمرن نفسه على قبول أمر الله ورسوله فعلا للمأمور وتركا للمحظور بدون إلزام بالقسم وأما الوجه الثاني فإن هذه المرأة التي حلفت ألا تغسل يديها أكثر مما ينبغي أن تغسلها ثم فعلت وتكرر ذلك منها فإنه يجب عليها كفارة يمين وما دام الفعل جنسا واحدا فإنها تكتفي بكفارة واحدة وكفارة اليمين هي كما ذكرها الله عز وجل (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وإطعام المساكين يكون على وجهين أحدهما أن يغديهم أو يعشيهم بأن يصنع طعاما فيدعو إليه عشرة من الفقراء ليأكلوه والثاني أن يفرق عليهم حبا من بر أو أرز والأرز في وقتنا هذا هو أوسط ما نطعم أهلينا فيكون أولى من غيره ومقداره حسب ما حررته بالأصواع المعروفة في عامة هذه البلاد صاعان من الأرز ولكن ينبغي أن نضيف إلى هذا الطعام شيئا يؤدمه من لحم أو نحوه حتى يتم الإطعام.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول إذا حلفت على شيء أظنه هو ثم تبين خلاف ذلك فما الحكم أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى:: إذا حلف الإنسان على شيء يظنه كذلك وتبين على خلافه فإنه لا شيء عليه لأنه صدق في يمينه حيث كان حين يمينه لا يعتقد سوى ما حلف عليه وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحلفون في مثل هذه الأمور عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليهم، ففي قصة الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه قال له: هل تجد رقبة؟ فقال: الرجل لا أجد ثم قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، فقال: لا أستطيع، ثم قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا، قال: لا أستطيع فجلس الرجل فجيء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتمر، فقال: خذ هذا تصدق به، فقال: يا رسول الله أعلى أفقر مني يا رسول الله والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك) فأقسم الرجل أنه ما بين لابتيها أي ما بين لابتي المدينة أهل بيت أفقر منه ومن المعلوم أنه لم يذهب يتحسس كل بيت لكنه حلف على ما يغلب على ظنه فأقره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك وخلاصة الجواب أن نقول من حلف على شيء يظنه معين فتبين على خلافه فلا شيء عليه لا إثم ولا كفارة.
***(21/2)
أحسن الله إليكم من أسئلة هذا السائل يقول إذا حلف الرجل على أبنه ألا يفعل أمرا ولكنه بعد فترة تراجع الرجل وسمح لابنه أن يفعل هذا الأمر ماذا يلزمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه إلا كفارة اليمين وهي ثلاثة أشياء أي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فثم أمر رابع وهو أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة لكن يجب أن ننظر ما الذي حلف على ابنه ألا يفعله إذا كان حراما فإنه لا يجوز له أن يتراجع مثل أن يحلف على ابنه ألا يشرب الدخان فهنا لا يجوز للوالد أن يتراجع لأنه إذا تراجع يعني أنه أذن له بشربه وهذا حرام عليه أما لو كان مباحا بأن حلف على ابنه ألا يخرج في نزهة بصحبة أخيار ثم تراجع فهنا نقول عليه كفارة اليمين التي ذكرناها لكن بالمناسبة أود ألا يكثر الإنسان الحلف ثم إذا احتاج إلى اليمين فليقرنها بمشيئة الله فيقول والله إن شاء الله لأنه إذا قرنها بمشيئة الله استفاد فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: أن الله ييسر له ما حلف عليه.
والفائدة الثانية: أنه إذا لم يتيسر لم تلزمه الكفارة ودليل ذلك ما جاء في السنة حيث حكى لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن سليمان النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال يوما (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل لقوة عزيمته فطاف على تسعين امرأة جامعهن فولدت واحدة منهن شق إنسان) نصف إنسان ليعلم العبد أن الأمر بيد الله عز وجل ولهذا قال الله لنبيه (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قصة سليمان (لو قال إن شاء الله لم يحنث) يعني لولدت كل واحدة غلاما يقاتل في سبيل الله أما الدليل الثاني وهو أن الإنسان إذا قال إن شاء الله فحنث بيمينه فلا كفارة عليه فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) لذلك ينبغي لكل إنسان حلف على شيء أن يقرن حلفه بمشيئة الله فيقول والله إن شاء الله أو والله لأفعلن كذا إن شاء الله أو والله لأفعلن هذا بمشيئة الله وما أشبه ذلك.
***(21/2)
أحسن الله إليكم من جمهورية مصر العربية أبو خالد من المنيا يقول ما حكم من حلف على كتاب الله بأن لا يعصي الله في شيء ثم ارتكب ذنبا فما حكم من حلف على كتاب الله ثم وقع في مخالفة أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليه أن يتوب من الذنب الذي وقع فيه توبة نصوحاً بحيث يخلص في نيته التوبة ويندم على ما مضى منه من المعصية ويقلع عنها في الحال ويعزم على ألا يعود في المستقبل وليبادر بذلك فإن الإنسان لا يدري متى يفجعه الموت وعليه أن يكفر كفارة يمين لأنه حنث بهذا اليمين وقد قال الله تبارك وتعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) .
***(21/2)
رسالة من المستمع المرسل ع ش ع يقول كنت أكتب يوماً لأبي حساب وأجور العمال وحصل بين اثنين من العمال وأبي سوء تفاهم في بعض الحقوق وحلفت بالله ألا أكتب لظهور بعض الشبهات من الكتابة ثم بعد ذلك كتبت لغير هذين الاثنين فما الحكم في هذه اليمين علماً بأنني لم أحلف إلا لهذا السبب المذكور ولم أكتب لهذين الشخصين شيئا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أولاً الحلف بالله تبارك وتعالى إذا قرنه إنسان بمشيئة الله فإنه ليس عليه شيء إذا خالف ما حلف عليه مثل أن يقول والله إن شاء الله لا أفعل كذا ثم فعله أو قال والله إن شاء لأفعلن كذا ولم يفعلها فلا شيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث) أما إذا لم يقل إن شاء الله وحلف على يمين في أمر مستقبل ليفعلنه أو لا يفعلنه ففعله فإن كان له نية فعلى حسب نيته أو كان له سبب أحيل الحكم على السبب وإلا اعتبر دلالة اللفظ فيمين الأخ الآن إذا نزلناه على هذه القواعد نقول إنه لما حلف ألا يكتب إن كان نيته ألا يكتب لهذين الاثنين فقط فإنه إذا كتب لغيرهما فليس عليه شيء اعتماداً على النية وإن كان نيته ألا يكتب مطلقاً لئلا تقع هذه المشاكل فإنه لا يكتب لهما ولا لغيرهما فإن كتب وجب عليه كفارة يمين وكفارة اليمين أربعة أمور ثلاثة منها على التخيير وواحد على الترتيب عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم هذه الثلاثة على التخيير أي واحدٍ فعل أجزأ فإن لم يجد فإنه يصوم ثلاثة أيام متتابعة وإطعام المساكين يكون على وجهين تارة يغديهم أو يعشيهم بمعنى أن يدعو عشرة فقراء إلى الغداء فيأكلوا ويشبعوا فتجزئه عن الكفارة أو الأمر الثاني أن يملكهم الطعام فإذا ملكهم الطعام فإنه يعطيهم من الأرز وأتكلم هنا بالنسبة لبلادنا لأن أوسط ما نطعم أهلينا من الطعام الآن هو الأرز وقد قال الله تعالى (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ومقداره بالصاع النبوي كيلوان وأربعون غراماً هذا الصاع النبوي يعطى لأربعة ثم صاع آخر لأربعة ثم نصف صاع لاثنين ويحسن هنا إذا أعطاهم أن يجعل مع الأرز شيئاً يكون طعماً له من لحم أو غيره ليتم بذلك الإطعام فإذا قال قائل هل أوزع هذه الكيلوات على واحد واحد نقول لا ليس بلازم المهم أن يكونوا عشرة ولو كانوا في بيت واحد لأن المقصود عشرة أنفس سواء كانوا في بيت واحد أو متفرقين ويظن بعض العامة أن كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام وليس الأمر كذلك لأن صيام الأيام الثلاثة لا يجوز إلا إذا كان لا يستطيع أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة.(21/2)
فضيلة الشيخ: يتساءل الكثير عن الإطعام ويقول أنا لا أجد عشرة مساكين لو مثلاً أعطيت ثلاثة مساكين أو أربعة مساكين كل يوم أعطيهم ما يكفيهم هذا اليوم لمدة ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة أيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة إذا كان لا يجد المساكين الذين يطعمهم فإن كان لا يجد أحدا فليصم ثلاثة أيام لعموم قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام) لأنه حُذف المفعول وحذف المفعول يدل على العموم فمن لم يجد إطعاماً ولا مطعماً فصيام ثلاثة أيام وأما إذا وجد البعض مثل أن يجد خمسة أو ثلاثة كما قلت فهذا محل تردد عندي هل نقول أعطي هؤلاء الموجودين ما يكفي العشرة لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أو نقول يسقط الإطعام هنا لعدم وجود نصابه وهم العشرة وينتقل إلى الصيام أنا أتردد بين هذين الاحتمالين والعلم عند الله عز وجل وإن رأى أن يحتاط ويطعم الثلاثة وكذلك يصوم ثلاثة أيام فهو حسن.
***(21/2)
رسالة وصلت من مستمع للبرنامج يقول بعض الناس يلزمون الضيف بوجه الله مثل عليك وجه الله أن تأخذ واجبك عندي إلى غير ذلك ما حكم الشرع في نظركم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان في معاملته لإخوانه أن لا يحرجهم فيما يريد أن يكرمهم به فإن إكرام المرء حقيقة أن تيسر له الأمر وأن تمهله وأن لا تثقل عليه بالإلزام والمبالغة في الإكرام إهانة وكم من إنسان حصل له في مثل هذه الحال أي أنه ألزم عليه في الشيء يفعله أو يدعه فيقع في حرج وربما تضرر بموافقة صاحبه الذي ألزمه أو لزم عليه ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يحرج أخاه فيوقعه في الحرج في مثل هذه الأمور بل يعرض عليه الأمر عرضاً فإن وافق فذاك وإن لم يوافق فهو أدرى بنفسه وأعلم وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن الرجل إذا علم أن المُهدي أو الواهب له قد أهداه أو وهبه شيئاً حياء وخجلاً لا مروءة وطوعاً فإنه يحرم عليه قبول هديته فكذلك هذا الرجل الذي ألزم صاحبه أو لزم عليه قد يكون أثماً بإحراج أخيه وشر من ذلك ما يقع من بعض الناس بطريقة الإلزام حيث يحلف بالطلاق فيقول علي الطلاق أن تفعل كذا أو ألا تفعل كذا أو ما أشبه ذلك وحينئذ يقع في حرج في نفسه وإحراج لغيره فقد يمتنع صاحبه عن موافقته فيقع هذا الذي حلف بالطلاق في حرج وربما يفتى بما عليه جمهور أهل العلم من أن زوجته تطلق إذا تخلف الشرط وربما تكون هذه الطلقة هي أخر ثلاثة تطليقات فتبين بها المرأة والمهم أن الذي أنصح به أخواني المسلمين ألا يشقوا على غيرهم ويوقعوهم في الحرج بل يعرضوا الإكرام عرضاً فإن وفقوا فذاك وإن لا فليدع الإنسان في سعه أما بالنسبة للسؤال بوجه الله عز وجل فإن وجه الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله عز وجل وسيلة يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك فلا يقدمنّ أحد على مثل هذا السؤال أي لا يقول وجه الله عليك أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك.
***(21/2)
قالت زوجتي وهي غضبانة حرامٌ علي ربنا إذا أنت نزعت شيئاً من زينة إحدى قطع ملابسها فتركت ذلك العمل وأحياناً تحلف بهذه الصيغة وحياة الله أحياناً يقول بعض الناس لآخر حد الله بينك وبينه ليمنعه من فعل شيء ويعتقد أنه إذا فعل ذلك الشيء يعتقد أنه ارتكب ذنباً عظيماً نتيجة عدم انتهائه بسماع جملة حد الله بينك وبينه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صيغة القسم بقول الإنسان وحياة الله فهذه لا بأس بها لأن القسم يكون بالله سبحانه وتعالى بأي اسمٍ من أسمائه ويكون كذلك بصفاته كالحياة والعلم والعزة والقدرة وما أشبه ذلك فيجوز أن يقول الحالف وحياة الله وعلم الله وقدرة الله وعزة الله وما أشبه هذا مما يكون من صفات الله سبحانه وتعالى كما يجوز القسم بالقرآن الكريم لأنه كلام الله وبالمصحف أيضاً لأنه مشتملٌ على كلام الله سبحانه وتعالى أما قولها حرامٌ علي ربنا فإذا كانت تقصد أن الله حرامٌ عليها فهذا لا معنى له ولا يجوز مثل هذا الكلام لأن معنى هذا التحريم هل معناها عبادة الله حرامٌ عليها أو ما أدري أيش معنى هذا الكلام أما إذا كانت تريد حرامٌ علي هذا الشيء أو حرامٌ علي أن لا تفعل أنت هذا الشيء وتقصد بربنا أي لا ربنا فهذا لا بأس هذه صورة للتحريم صورة تحريم الشيء، والشيء إذا حرم لو قصد الإنسان به الامتناع عنه صار بمنزلة اليمين كما قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل هذا التحريم يميناً وقال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فالرجل أو فالإنسان إذا قال هذا حرامٌ علي أو حرامٌ عليه أن لا يفعله أي لا أفعل كذا وقصده بذلك الامتناع من هذا الشيء فحكمه حكم اليمين بمعنى أن نقول كأنك قلت والله لا أفعل هذا الشيء أو والله لا ألبس هذا الثوب أو والله لا آكل هذا الطعام وعلى هذا فما دام الزوج ترك الملابس التي حلفت عليه فيها باليمين فليس عليها شيء ليس عليها كفارة يمين لأن زوجها بر بيمينها وإذا بر المحلوف عليه باليمين لم يكن شيئاً على الحالف وأما بالنسبة للصيغة الثالثة حد الله بيني وبينك فهذا كأنه من باب الاستعاذة بالله عز وجل والاستعاذة بالله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجاب الإنسان عليها بمعنى أنه إذا استعاذ الرجل بالله عز وجل وجب علينا أن نعيذه إلا إذا كان ظالماً في هذه الاستعاذة فإن الله سبحانه وتعالى لا يجيره إذا كان ظالماً مثاله لو أردنا أن نأخذ الزكاة من شخص لا يؤديها فقال أعوذ بالله منك فإننا لا نعيذه لأن إعاذته معناها إقراره على معصية الله عز وجل والله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك فإذا كان الله لايرضاه فنحن أيضاً لا نوافقه عليه فالمهم أن من استعاذ بالله تعالى فإننا مأمورون بإعاذته وتجنبه ما لم يستعذ بالله من أمرٍ واجبٍ عليه يخاف أن نلزمه به فإننا لا نعيذه في هذه الحال.
***(21/2)
المستمع أحمد على محمود من جمهورية مصر العربية سوهاج يقول هو شاب يبلغ من العمر تسعاً وعشرين سنة وقد أراد والداه أن يزوجاه من فتاة لا يرغب فيها ولا يريدها زوجة وبعد الإلحاح عليه غضب من تصرف والديه وحلف قائلاً عليه الحرام لن يتزوج قبل مضي عشر سنوات من ذلك الوقت وإن دخلت عليه البيت أي واحدة فهي محرمة عليه ومثل أمه وأخته فهو يسأل ماذا عليه في هذا الكلام وما الحكم لو تزوج قبل مضي عشر سنين التي حددها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل أخطأ على نفسه حيث حلف هذا اليمين على ألا يتزوج إلا بعد عشر سنوات وذلك لأن ما فعله خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم) . وهذا الرجل قد يسر الله له الزواج وأمره به والداه فيكون الزواج متأكداً في حقه بأمر الله عز وجل وبطلب والديه أن يتزوج فتصرفه هذا تصرف أحمق ولا ينبغي أن يستمر عليه وعليه أن يتزوج أي ينبغي له أن يتزوج وما حصل منه تحريم فإنه يكفر عنه كفارة يمين ولا يكون هذا ظهاراً لأنه لم يكن له زوجة حتى يظاهر منها والظهار على القول الراجح لا يصح إلا من زوجة قد عقد عليها لقوله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) فأضاف الظهارإلى نسائه والمرأة قبل أن يتزوج بها ليست من نسائه فلا يقع عليها ظهاره وإن بقي إلى تمام عشر سنوات ثم تزوج فلا شيء عليه من ناحية الكفارة لأنه أتم ما حلف عليه.(21/2)
فضيلة الشيخ: (هو في هذه الحالة ظاهَرَ منها مع العلم أن المرأة معينة بأنها ستكون زوجته) لا فرق في هذا بين كونها معينة أو لا مادام لم يعقد عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا فر ق بين كونها معينة أو غير معينة مادام لم يعقد لأنه كما ذكرت لا يقع الظهار إلا على زوجة حيث إن الله قال (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) فكما أن الطلاق لا يقع إلا على زوجة فكذلك الظهار وكما أن الإيلاء لا يقع إلا من زوجة فكذلك الظهار ولا فرق بين هذه الأمور الثلاثة على القول الراجح.
***(21/2)
المستمع أيضاً الذي رمز لاسمه بـ م. أ. أ. يقول الكثير من الناس أسمعهم يحلفون بكلمة علي الحرام ما معنى هذه الكلمة ومثلاً يقول إنسان علي الحرام ما أفعل كذا وكذا هل يقع عليه الطلاق نرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بهذه الصيغة خلاف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا كنت تريد الحلف فاحلف بالله قل والله وما أشبه ذلك وأما أن تحلف بهذه الصيغة فإن ذلك مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع هذا إذا قال عليّ الحرام أن لا أفعل كذا فإما أن يريد الطلاق وإما أن يريد الظهار وإما أن يريد اليمين فله ما نوى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولما كان هذا اللفظ محتملاً لأحد المعاني الثلاثة الطلاق أو الظهار أو اليمين كان تعيين أحد هذه الاحتمالات راجعاً إلى نيته فإذا قال أردت بقولي عليّ الحرام أن لا أفعل كذا أردت أني إن فعلته فزوجتي طالق كان ذلك طلاقاً وإن قال أردت إن فعلته فزوجتي علي حرام كان ذلك ظهاراً لا سيما إن وصله بقوله عليّ الحرام أن تكون زوجتي كظهر أمي وإن قال أردت اليمين أي أردت أن لا أفعله فجعلت هذا عوضاً عن قولي والله كان ذلك يميناً فأما حكم الطلاق أي إذا نواه طلاقاً وقلنا إنه طلاق فإنه زوجته تطلق إذا فعله وأما كونه ظهاراً فإن زوجته تكون حراماً حتى يفعل ما أمره الله به من كفارة الظهار وهو عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وإن أراد اليمين فإنه إذا فعله وجب عليه كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
من المرسل ن ع غ الشمري وردتنا هذه الرسالة يقول فيها لقد كنت أنا وأخي نعمل في مدينة الرياض وبعد أن حصلنا على الإجازة ذهبنا إلى أبينا في حائل وبعد وصولنا هناك حصل في ليلة من الليالي حفلة لدى زملائنا في حائل واستجبنا لدعوتهم وبعد انتهاء الحفلة فإذا بنا في وقت متأخر من الليل فدخلنا بيت والدنا ورقدنا في المجلس وكان أخي لديه امرأة ولكنه تركها ورقد بجانبي في المجلس وبعد برهة من الزمن وإذ بأبينا يدخل علينا وكان غاضباً على أخي وقال له قم من هنا ونم عند أهلك فرفض أخي وبعد مشادة قصيرة طلق أخي امرأته مما أدى إلى غضب الوالد وأقسم بأنها إذا خرجت من البيت فإنكم لا تبيتان عندي - وخرجت يعني زوجة أخي - وخرجنا مطيعين لقسمه وكذلك حرم ضحيتنا وعشانا ونحن الآن بعيدين عنه ولم ندخل بيته حتى الآن ما الحل في مثل هذه المسألة وهل هناك كفارة أو أننا نبقى هكذا مدى حياتنا ووالدنا أم كيف نصنع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا تصرف ليس بسديد ولا بصواب وكان على أخيك لما أمره أبوه أن يقوم ويرقد مع أهله كان عليه أن يجيب والده أولاً لأن طاعة الوالد واجبة إذا لم تكن في معصية الله تعالى أو تتضمن ضرراً على الولد وهنا لا ضرر على الولد وليست في معصية الله بل هي في شيء التزامه من طاعة الله وهو معاشرة زوجته بالمعروف ولاشك أن نومه عند امرأته من المعاشرة بالمعروف فتصرف الولد هذا سيئ ولا ينبغي منه وأما الوالد فكونه أيضاً يحلف على ألا يدخل الأولاد بيته ولا يضحوا له ولا يعشوا له هو أيضاً من الأمر الذي لا ينبغي فإنه لما حصلت المفسدة بطلاق الابن زوجته كان من الأولى أن يأمر الوالد ابنه أن يراجع زوجته لأن هذا الطلاق عن غضب والغالب فيه الندم فإذا راجعها زال المحظور وزال السبب الذي من أجله غضب الوالد ولكن الأمر الآن نحن أمام أمر واقع فنقول إن كانت الزوجة لم تنقض عدتها فالأولى للزوج أن يراجعها وأما بالنسبة لحلف الوالد فاليمين ولله الحمد له ما يكفره فإنه يستطيع أن يطعم عشرة مساكين أو أن يكسوهم فإن لم يجد وهذا في وقتنا هذا ولله الحمد نادر فإنه يصوم ثلاثة أيام الحل الآن بالنسبة للزوجة أن يراجعها زوجها مادامت في العدة وبالنسبة ليمين الأب يكفر الأب عن هذا اليمين فيطعم عشرة مساكين ثم يرجع الأولاد إلى بيت والدهم.
***(21/2)
إنسان حرم عن أكل شيء من يد إنسان فهل يدفع كفارة وما هي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة تحريم ما أحل الله أفتانا الله بها حيث قال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل الله تحريم الحلال يميناً فإذا حرم الإنسان على نفسه شيئاً بمعنى أنه أراد الامتناع منه بهذه الصيغة فإنه حينئذٍ يكون بمنزلة الحالف فله أن يفعل ما حرم ثم يكفر كفارة يمين وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما نطعم أهلنا أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
***(21/2)
رسالة من المستمع محمد أحمد على من الطائف يقول عزمت على ترك فعلٍ ما فقلت تحرم علي امرأتي مثل أمي وأختي لو فعلت ذلك ولكنني لم أنفذ بل فعلت ذلك الأمر فماذا علي في هذه الحالة وما معنى عتق رقبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا أولاً النصيحة لهذا السائل وأمثاله من أن يتكلموا بمثل هذا الكلام وإذا كانوا عازمين على ترك أو على الفعل فإن لهم مندوحةً عنه بحيث يحلفون بالله لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولا حاجة إلى أن يعلقوا ذلك بتحريم زوجاتهم أو طلاقهن أو ما أشبه ذلك وهي من الأمور التي تضر بالإنسان وهي أمورٌ محدثة أيضاً فلم تكون معروفة في عهد السلف الصالح ولكن لما وقعت من هذا الرجل فإننا نقول له لا تعد لمثل هذا وإذا كنت لا تقصد تحريم زوجتك وإنما تقصد الامتناع عن هذا الشيء ثم لم تمتنع منه فإن الراجح في هذه المسألة أن يكون كلامك هذا حكمه حكم اليمين بمعنى أن تطعم عشرة مساكين تحضرهم فتغديهم أو تعشيهم أو تعطي كل واحدٍ مداً من الأرز ومعه لحم وإذا كانوا عشرةً في بيتٍ واحد أعطيتهم ما يكفيهم عشرة أمداد ومعه اللحم الذي يكفي وبهذا تنحل يمينك أما عتق رقبة معناها تحريرها من الرق بمعنى إذا وجدت عبداً مملوكاً اشتريته وأعتقته أو كان عندك عبد فتعتقه هذا معنى قوله تعالى (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وأما المد فإن صاع النبي عليه الصلاة والسلام كيلوين وأربعين غراماً حسب ما تحرر لنا وصاع النبي عليه الصلاة والسلام أربعة أمداد فيكون على هذا المد نصف كيلو وعشرة غرامات من البر الجيد والذي يظهر أيضاً أن الأرز مثله أي يوازنه.
***(21/2)
هذه الرسالة وردتنا من المستمعة تقول أختكم في الإسلام أم عمار امرأة قالت في أحد المرات حَرمت علي ركوب الطائرات كما حرمت النار على محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك حكمت عليها الظروف الصحية لابنها لسفر في الخارج فما حكم ذلك في الإسلام فهل تسافر وتكفر عن يمينها أم لا ما رأي الشيخ وفقه الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنها تسافر وتكفر عن يمينها لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فبين الله تعالى أن التحريم تحريم ما أحل الله يمين وأنه ينحل بكفارة اليمين (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) سماه الله تعالى يميناً وعلى هذا فتكفر عن يمينها وتركب الطائرة وأما قولك في سؤالك حكمت علي الظروف الصحية فإن الظروف لا تحكم بشيء بل الحكم لله والتقدير لله فإن الله هو الحكم وإليه الحكم والله أعلم.
***(21/2)
هذه رسالة من المستمع أحمد محمد الزهراني يقول لقد حلفت بالحرام ولست متأكداً من عدد الأيمان بالحرام وكان ذلك أمام نفسي وفي وقت ضائقة وفي مكان واحد وذلك على أن لا أفعل شيئاً من الأشياء وقد امتنعت وتركت ذلك الشيء مدة من الزمن ثم عدت إلى فعله وبما أنني متزوج ولا أدري لو تخلل ذلك الحلف بالحرام الحلف بالله فما هو الحل في هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول للأخ السائل يجب عليك أن لا تحلف إلا بالله لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) والحلف بالطلاق أو بالحرام ليس من الأحلاف المشروعة ولكن إذا وقع للإنسان فإنه يعتبر في حكم اليمين فيكفر عنه كفارة يمين إذا خالف ما حلف عليه فهذا الشيء الذي قلت علي الحرام أن لا أفعله ثم فعلته يجب عليك أن تكفر كفارة يمين وذلك بأن تطعم عشرة مساكين أو تكسوهم أو تعتق رقبة فإن لم تجد فتصوم ثلاثة أيام متتابعة ولكني أنصحك بأن لا تطلق لسانك في الحلف بغير الله لا بالحرام ولا بالطلاق ولا بغيره.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا السائل حمود على المالكي من بني مالك بعث برسالة يقول فيها أنا رجل متزوج وقد كنت مكثراً من شرب الدخان وحرصاً مني على الإقلاع عنه كلية فقد أقسمت بالطلاق على ألا أعود لشربه أبدا وفعلاً فقد انقطعت عنه مدة طويلة ولكن في يوم من الأيام كنت جالساً مع بعض الأصدقاء ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أدخن فانتبهت لذلك وتذكرت أنني حلفت بالطلاق على تركه وقد سألت عن ذلك فقيل علي كفارة فقط ولأنني أشك في عدد الطلقات في ذلك الوقت فقد أصابني القلق والشك في بقائي مع زوجتي بعد ما حدث ولكني ما زلت ممسكا لها وحياتنا عادية جدا فأرجو إرشادي إلى ما يجب عليه من ناحية الطلاق جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطلاق الذي وقع منك هو كما أفتاك المفتي حكمه حكم اليمين وعليك كفارة يمين ولكني أنصحك عن أمرين:
الأمر الأول: ألا تجعل لسانك يعتاد الحلف بالطلاق فإن هذا أمر خلاف المشروع فلا ينبغي على الإنسان أن يعتاد الحلف بالطلاق إن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.
أما الأمر الثاني: فإني أنصحك بالإقلاع عن شرب الدخان لأن شرب الدخان محرم بدليل الكتاب والسنة ولا أعني بالدليل هنا الدليل الخاص الذي ينص على هذا الدخان وهو التبغ لأن هذا ما حدث إلا أخيراً لكن في نصوص الكتاب والسنة كلمات عامة جامعة تشمل ما يحدث إلى يوم القيامة فمن النصوص الدالة على تحريمه قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ومن المعلوم أن هذا الشراب يعني الدخان سبب لأمراض كثيرة مستعصية ربما تؤدي بالإنسان إلى الموت كما قرر ذلك الآن أكابر الأطباء ومنها قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهذه وجه دلالتها كالآية الأولى ومنها قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فالله تعالى نهى أن نؤتي السفهاء الذين لا يحسنون التصرف في المال نهى أن نعطيهم الأموال وبين أن الله جعل هذه الأموال قياماً للناس تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم ومن المعلوم أن الدخان ليس فيه مصلحة لا في الدين ولا في الدنيا بل فيه مضرة أما من السنة فيستدل على تحريمه بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن إضاعة المال وإضاعة المال صرفه فيما لا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة والدخان لا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة فيكون صرف المال فيه إضاعة للمال ومن أدلة السنة أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وهذا الحديث وإن كان فيه مقال ولكن قواعد الشرع تشهد له فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرر والضرار وهو نفي بمعنى النهي ألا يمارس الإنسان ما فيه الضرر أو ما فيه الإضرار بالغير وحينئذٍ نقول هل في الدخان ضرر أم لا والجواب على لسان الأطباء فيه ضرر وعلى ذلك يكون داخلاً في النهي الوارد في هذا الحديث هذه أدلة تحريم الدخان من حيث الأثر أما من حيث النظر فشارب الدخان يستثقل العبادات البدنية ولا سيما ما فيها الإمساك عن الأكل والشرب مثل الصيام فإن الصيام من أثقل الأشياء على شارب الدخان لأنه يحبسه عن تناوله في النهار فيجد من ذلك مشقة عظيمة وثقلاً عظيماً من هذه العبادة كذلك أيضاً تثقل عليه الصلاة أحياناً لو جاء وقت الصلاة وهو مشتهٍ للدخان لوجدته يستثقل هذه الصلاة وينتظر بفارغ الصبر الخلاص منها وهذا لا شك أنه مؤثر على العبد في سيره إلى ربه عز وجل فنصيحتي لك أيها الأخ ولعامة إخواننا المسلمين أن يتجنبوا شرب الدخان ولا يصعب على المرء تركه إذا صدق العزيمة والتوجه إلى ربه باستعانته تبارك وتعالى وسؤاله الخلاص منه وبإبعاده عن الجلوس مع الذين يشربونه ولهذا عدت إلى شربه حين جلست مع أولئك الذين يشربونه فالابتعاد عن مجالسة الذين يشربونه من أكبر العون على الاعتصام منه وأهم شيء صدق العزيمة والنية والإخلاص لله والاستعانة به سبحانه وتعالى فإن هذا كله مما يعين الإنسان على تركه وقد رأينا أناساً منَّ الله عليهم بتركه فعادت لهم الصحة والقوة والنشاط وحمدوا العاقبة.
***(21/2)
هذه رسالة من المستمع محمد أحمد و. ش. مصري يعمل بالقصيم بريدة يقول أنا رجل متزوج وقد حصل مني طلاق في حالتين الأولى حضرت إلى بيتنا والدة زوجتي وبقيت عندنا مدة قصيرة وحينما أرادت الذهاب ومعها ابنها منعتهما رغبة في بقائها عندنا مدة أطول فقلت علي الطلاق إن لم تمكثوا معنا فسأرمي بما تحضرونه لنا في المرة القادمة في البحر فهم عادة ما يحضروا لنا بعض الهدايا والطعام ولكنهم لم يمكثوا بل سافروا فسألت أحد العلماء في قريتنا فقال في هذه المرة ليس عليك شيء وإنما في المرة القادمة لو أحضروا لك فأرمه في البحر وقد صعب علي هذا الأمر لعدة أسباب فأردت المخرج من هذه اليمين فقال لي هات يدك فوضعتها في يده وبينهما منديل أبيض وجعل يقرأ بعض القراءات وأنا أردد خلفه ثم قال اعط زوجتك مبلغاً يسيراً من المال وهذه كفارة يمينك ولعلمكم فإني لم أقصد طلاق زوجتي وإنما أردت إلزام والدة زوجتي وابنها بالبقاء معنا فهل بقي عليّ شيء بعد هذا والحال الثانية حينما حدثت منازعة بين زوجتي ووالدتي تركت زوجتي البيت وذهبت إلى بيت أهلها وقد أردت إصلاح ما بينهما فذهبت وأخذت زوجتي لكي تراضي والدتي وفي الطريق كانت تتكلم وفي الطريق قلت لها علي الطلاق ألا تتكلمي في الطريق ولكنها لم تسكت وتكلمت بعد أن حلفت فذهبت إلى العالم الأول نفسه وأفتاني بمثل ما فعله في المرة الأولى علماً أنني أيضاً في هذه اليمين الأخيرة لم أقصد الطلاق وإنما أردت المنع لها من الكلام فهل يقع منهما شيء وماذا يلزمني فعله الآن أرشدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إرشادنا لك بما نعلمه من شريعة الله أن تتجنب مثل هذه الأيمان أيمان الطلاق فإنها أيمان غير مشروعة ولا هي معروفة في عهد السلف أيضاً في عهد الصحابة وعلى هذا فهي من الأيمان التي لا ينبغي للمؤمن أن يحلف بها لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وهذا نسميه يميناً لأنه في حكم اليمين وليس هو اليمين الذي هو القسم بالطلاق فإن القسم بالطلاق أو بغيره من المحلوفات يعتبر محرماً ونوعاً من الشرك قال النبي عليه الصلاة والسلام (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) فالذي يحلف بغير الله مثل أن يقول والنبي أو والرسول أو والكعبة أو وشرفي أو نحو ذلك مما يحلف به الجهال فإن ذلك محرم عليه ولا يجوز وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الأمر أم بالنسبة لما وقع منك على والدة زوجتك وعلى زوجتك في المرة الثانية فقد صرحت في سؤالك أنك لم ترد الطلاق وإنما أردت اليمين حيث أردت منع والدة زوجتك من السفر وأردت منع زوجتك من الكلام أثناء الطريق وما دامت هذه نيتك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولكن كفارة ذلك ليس كما قال لك المفتي الذي استفتيته بل كفارة ذلك أن تطعم عشرة مساكين أو كسوتهم وإطعامهم إطعام المساكين في كفارة اليمين يكون على وجهين فإما أن تصنع طعاماً غداءً أو عشاء فتدعوهم إليه فيسارع المساكين إلى هذا الغداء أو العشاء فيأكلون وإما أن تعطيهم إياه بدون طبخ ومقدراه ستة كيلوات من الرز ويحسن أن تجعل معه لحماً يكون إيداماً له حتى يتم الإطعام وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أطلق الإطعام ولم يقدر ما يطعم فقال سبحانه وتعالى في كفارته (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ) فبين المدفوع إليه ولم يبين المدفوع فما جرت به العادة أن يكون طعاماً فهو طعام وقد علم أن الغداء أو العشاء يعتبر إطعام لهم فيقال أطعمتهم إذا غديتهم وعلى هذا فأنت الآن يلزمك كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وفي هاتين الحالين اختلف أهل العلم هل تجب عليك كفارتان لكل يمين كفارة لاختلاف المحلوف عليه أو تكفيك كفارة واحدة لأن الكفارة من جنس الموجبات لها فلا تتعدد كما لو أحدث الإنسان بعدة أنواع من الحدث فإن فيه وضوء اواحدا يعني أن الإنسان لو نام وأكل لحم إبل وخرج منه ريح وبول وغائط فإنه يكفيه وضوء واحد عن هذه الخمسة كلها لأن الموجِب فيها شيء واحد فكذلك الأيمان إذا كان الموجب لها شيئا واحدا فإنه يكفيه عنها جميعها كفارة واحدة هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وإن أتيت بكفارتين لاختلاف الفعلين فهو أحسن وأحوط.(21/2)
فضيلة الشيخ: بالنسبة لما أفتاه به هذا الشخص يعني كونه يدفع شيئا من المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في الجواب أنه ليس بصحيح والنصيحة لهؤلاء الذين يتولون الإفتاء بغير علم أن نقول لهم ولأمثالهم ليحذروا من هذا العمل المحرم فإن الله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فقرن سبحانه وتعالى القول عليه بلا علم قرنه بالشرك به ومعلوم أن الشرك أعظم الذنوب وأكبرها والقول على الله بلا علم يتضمن القول على الله في ذاته والقول على الله في أسمائه وصفاته والقول على الله في أحكامه والقول على الله في أفعاله وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فهؤلاء المفتون في الحقيقة يرتكبون إثماً عظيماً ولا أدري ماذا يحمل هؤلاء المفتين على التسرع في الفتوى وعلى التسابق فيها ما الذي يحملهم مع أن الأمر خطير جدا وعظيم والمفتي واسطة بين الله وبين عباده في تبليغ شرعه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ) فأنا انصح هذا الأخ المفتي عن الفتوى بغير علم وأحذره من ذلك هو وغيره أيضاً وأقول الحمد لله إذا كنت تعلم وعندك علم فأفتي بما تعلم واستعن بالله عز وجل واسأله التوفيق والهداية وإن كنت لا تعلم فإن عليك الصبر حتى تراجع المسألة وتتبينها من كلام أهل العلم ثم إنه ينبغي للإنسان إذا نزلت به نازلة لا سيما النوازل المشكلة أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في سؤال التوفيق والصواب وأن يستغفر الله عز وجل عند إيصال الفتوى وقد استنبط بعض العلماء ذلك من قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً)
***(21/2)
هذا سؤال بعث به المستمع محمد عطية حسني مصري يعمل بالجبيل يقول أنا رجل متزوج من فتاة هي ابنة خالي وقد حصل أن وقع والدي وخالي ورقة تثبت مبلغا من المال لزوجتي وحفظت الورقة عند خالي والد زوجتي فقد توفي والدي فطلبت الورقة من خالي وأخذ المبلغ من المال الذي عنده لزوجتي فرفض فحلفت قائلا إما أن تعطيني الورقة وإما ابنتك طالق ثم سافرت من البلد إلى هنا في المملكة للعمل وهو قد أخذ ابنته من بيتي ولها الآن عند أهلها سنة ولم أبعث خلالها نفقة لها فما الحكم في هذا وهل وقع الطلاق وهل كان يلزمني نفقة لها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن نقول أولا ننصح هذا السائل وغيره ألا يتساهلوا في إطلاق الطلاق وألا يكون هذا دأبهم في الأيمان والحلف لأن هذه مسالة خطيرة وكثير من أهل العلم إن لم أقل أكثرهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق بكل حال وحينئذ يكون الإنسان معرضاً لأمر عظيم فالواجب على المرء أن يكون حازما دائما وأن يكون لديه من القوة ما يستطيع أن يمنع ما يريد منعه أو يجلب ما يريد جلبه بدون هذه الأيمان وهذا الطلاق وما ذكرت من الصورة التي وجهتها إلى خالك أبى زوجتك فإن كان نيتك أنه إذا لم يدفع المال فإنك قد طابت نفسك من مصاهرته ورغبت عنه وعن قربه ونويت الطلاق بذلك فامرأتك طالق إلا أن يدفع إليك هذا المبلغ الذي علقت الطلاق عليه وإما إذا كانت نيتك أن تحثه على تسليم المبلغ وليس لك غرض في فراق زوجتك وأنت تريد زوجتك وتحبها فإن الطلاق لا يقع ولكن إن سلم لك هذا المبلغ فذاك وإن لم يسلم فعليك كفارة يمين بأن تطعم عشرة مساكين وفي سؤالك أنك قلت خالي والد زوجتي فإن كان خالك حقا يعني أنه أخو أمك فهو خالك حقا وإن كان خالك بمعنى أنه أبو زوجتك وليس بينك وبينه صلة قرابة فإن هذه التسمية لا ينبغي أن يسمي الإنسان أبا زوجته خالاً أو عماً لأن ذلك قد يوهم أن له حكم الخال والعم القريبين وتغيير الأسماء إلى مسميات غير شرعيه لا ينبغي ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يغلبنكم الأعراب على تسميتكم صلاتكم العشاء يعني تسمونها العتمة فإنها العشاء) في كتاب الله الخال شرعا وفريضة هو أخ أمك سواء كان أخاها من أبيها أو أخاها من أمها أو أخاها من أبيها وأمها والعم هو أخو أبيك من أمه أو من أبيه أو من أمه وأبيه أما أبو زوجتك فأنه يسمى حماً ويسمى صهراً وما أشبه ذلك.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة ف. م. ر. مقيمة بالرياض تقول إنها متزوجة ولها أربعة أولاد وبعد موافقة زوجها بالسفر وإنهاء كل الإجراءات رفض مرةً أخرى رفضاً قاطعاً وأقسم بالطلاق بأنها لو سافرت فستكون محرمةً عليه ولكنها أصرت على السفر برغم عدد الطلقات التي أقسمها أمامها وأخيراً قال علي الحرام لو سافرت لتكونين طالقاً ولكنها سافرت وقد مضى الآن على هذا الموضوع عشرة أشهر وهي الآن تستعد للعودة إلى زوجها وأولادها فهل من حقها الرجوع إليه بعد ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً حرامٌ على هذه المرأة أن تسافر بدون إذن زوجها فما دام زوجها لم يأذن فإنه يحرم عليها أن تسافر حتى لو أذن واستعدت للرحيل وتهيأت للسفر ورجع فإن الحق له في ذلك فلا يجوز لها أن تسافر إلا برضاه أما بالنسبة لما وقع من الزوج فإننا نقول إذا كان قد أراد أنها إذا فعلت هذا الشيء فإنها تطلق ويكون كارهاً لها وللبقاء معها صارت بهذا العمل طالقةً وإن كان يريد بهذا تحذيرها وتهييبها فإنها لا تطلق به وعليه كفارة يمين حيث خالفته في هذا الأمر.
***(21/2)
هذه السائلة سناء عدنان محمد من العراق بغداد تقول لنا أقاربٌ لأبي وقبل سبعة عشر عاماً حدثت مشاكل من قبل زوجة قريب والدي أدت إلى أن يحلف والدي بالطلاق على أمي إذا ما دخلت هذه المرأة إلى دارنا وبقي الخصام بيننا وبينهم لمدة سبعة عشر عاماً وفي العام الماضي أراد أبي أن ينهي الخصام فأخذ والدتي وذهب إلى دارهم ليتصالح معهم ولكن الذي حدث هو أن هذه السيدة قد أتت إلى دارنا وأتى والدي وسلم عليها وقد أحرج هو لدخولها المنزل فماذا على والدي أن يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول قبل الجواب على سؤالها إنه ينبغي للمرء أن لا يحلف بالطلاق ولا بالنذر فمن كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإذا حلف بالطلاق على فعل امرأته بأن قال إن فعلتي كذا فأنت طالق أو علي الطلاق إن فعلتي كذا أو ما أشبه ذلك فإنه بحسب نيته إن كان نيته أن امرأته إذا فعلت ذلك فقد طابت نفسه منها وكرهها ولا يريد العيش معها وقد خالفته في هذا الأمر فإنها إذا خالفته وفعلت تكون طالقاً لأن هذا الرجل أراد الطلاق بهذا التعليق أما إذا كان الرجل الذي قال لزوجته إن فعلتي كذا فأنت طالق أو علي الطلاق أو ما أشبه ذلك إنما يريد بها تهييبها وتحذيرها من هذا الأمر والتأكيد عليها بفعل الطلاق فإن هذا حكمه حكم اليمين بمعنى أنها إذا خالفته في ذلك وجب عليه أن يكفر كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم يخير في ذلك فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وعلى هذا فنقول لهذا الأخ ما نيتك في تعليق الطلاق بامرأتك إذا دخلت هذه المرأة إلى البيت إن كانت نيتك أنك لا تريد زوجتك بعد هذه المخالفة وأنك تكرهها وتريد طلاقها وفراقها فإن زوجتك تطلق بهذا أما إذا كان غرضك تهييب زوجتك وتحذيرها من هذا الأمر وأنك تريدها أن تبقى زوجتك ولو خالفتك في هذا الأمر فإن الزوجة باقية وعليك كفارة يمين.(21/2)
فضيلة الشيخ: في حالة وقوع الطلاق فعلاً تكون طلقة واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم تكون طلقةً واحدة.(21/2)
فضيلة الشيخ: إذا كانت هي الأولى فله مراجعتها أو الثانية
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم الأولى أو الثانية فله مراجعتها
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمع إبراهيم سعد حوته من خميس مشيط أحد رفيدة بعث بسؤال يقول فيه لقد جرى بين ابنتي وزوجها مشاجرة وسوء تفاهم وكنت موجودا أثناء تلك المشاجرة فغضبت جدا ودهاني الشيطان لعنه الله وقلت لزوج ابنتى طلاق مني إنك لن تكون زوج ابنتي بعد هذا وفي أثناء الوقت تأسفت على هذا الكلام الذي بدر مني أثناء المشاجرة فما الحكم فيما قلته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قولك الشيطان لعنه الله ينبغي أن تقول أعاذني الله منه فإن هذا هو الأولى لقوله تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وأما قولك طلاق مني ألا تكون زوجا لابنتى فهذا خطأ منك فإن هذا معناه أنك توجد العداوة والبغضاء بين ابنتك وزوجها وهذا غلط فتب إلى ربك واستغفره وإذا كانت ابنتك الآن عندك فأعدها إلى زوجها لا تحل بينه وبينها وما وقع منك من هذا الطلاق بهذا اللفظ فإن حكمه حكم اليمين عليك أن تكفر كفارة يمين بأن تطعم عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة ثم إني أنصحك وغيرك من الناس عن الحلف بغير الله عز وجل لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) الحلف بالطلاق وبالنذر وبالعتق وما أشبهه هذا أمر لا ينبغي بل الحلف يكون بالله سبحانه تعالى أما الحلف بصيغة القسم بغير الله فإنه من الشرك والكفر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) .
***(21/2)
المستمع علاء الدين عطا شحاتة مصري يعمل بالعراق بعث بسؤال يقول فيه رجلٌ ترك زوجته أكثر من سنتين وسافر إلى إحدى البلدان بحثاً عن الرزق ولكنه خلال تلك المدة كان دائم الحلف بالطلاق بجميع أنواعه لأي سببٍ يحدث وبغضبٍ وبدون غضب يقول تكون زوجتي طالقاً بالثلاث لا يحلها شافعي ولا المذاهب الأربعة فهل تحل له زوجته بعد ذلك وتقيم معه في منزله بعد عودته إلى بلده أم أنه يجب عليه مفارقتها وماذا يفعل لو أراد استرجاعها علماً أن هناك من الناس من يقول إنه لا يقع منه طلاقٌ أبداً لأنه في حالة غضب فما حكم هذا الرجل أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل أخطأ خطأً عظيماً في كونه يتسرع في الحلف بالطلاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت فعلى هذا الرجل أن يقلع عما كان عليه من هذا التهاون ويحفظ لسانه ولكن بالنسبة للقضية التي وقعت منه وتكرار هذا الطلاق والحلف به نسأله فنقول له هل أنت تريد أن زوجتك تطلق إذا حصل خلاف ما تريد أم أنك لا تريد هذا وإنما تريد تهديدها ومنعها فإن كان الأول فإنها تطلق وإن كان الثاني وهو أنك تريد تهديدها ومنعها فإنها لا تطلق وعليك كفارة يمين وأما قول بعض الناس إنه لا شيء عليك لأنك في حالة غضب فهذا الغضب ينظر فيه فإن الغضب له ثلاث حالات حال عليا وحال ابتداء وحال وسط.
الحال العليا هي التي يبلغ الأمر بالغاضب إلى أن ينسى ما هو عليه ولا يدري ما يقول فهذا لا حكم لقوله لا في طلاقٍ ولا غيره الحال الابتدائي إذا كان عنده غضب ولكنه يعي ما يقول ويملك نفسه فهذا قوله معتبر بكل حال والحال الوسط التي يعي فيها ما يقول ولكنه لا يملك ضبط نفسه ويكون ملجأً إلى أن يقول ما قال فإنه فيه خلافٌ بين أهل العلم فمنهم من يرى اعتبار قوله ومنهم من لا يرى اعتبار قوله.
***(21/2)
هذا سؤال من المستمع علي البأسي سوداني مقيم بالمملكة خميس مشيط يقول وقع منيّ حلف بالطلاق في المملكة وزوجتي في السودان وليس لها علم بحلفي هذا فقد حلفت على شيء بالطلاق أن لا أفعله وقد نسيت وفعلته فهل زوجتي طالق علماً أن الحلف قبل ثمانية أشهر من الآن وحتى الآن هي لا تعلم بذلك وفي حالة وقوع الطلاق هل يعتبر من حين التلفظ به أم من وقت علمها به كما أسلفت مضى عليه ثمانية أشهر ولم تعلم إلى الآن فإذا كان يقع من تاريخ التلفظ به فمعنى هذا أنها خرجت من العدة فكيف السبيل إلى استرجاعها أفيدوني حفظكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حلفت بالطلاق على أن لا تفعل شيئاً ثم نسيت ففعلته هذا خلاصة السؤال إلا أنك ذكرت أن زوجتك لم تعلم بهذا فالزوجة ليس من شرط صحة اليمين أو وقوع الطلاق أن تعلم به الزوجة ولكن ما ذكرته من حالك حيث فعلت ما حلفت عليه ناسياً فإنه لا شيء عليك لا كفارة يمين ولا طلاق زوجة لأن الله تعالى يقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله تعالى قد فعلت فعلى هذا نقول الزوجة باقية معك ولم تطلق وليس عليك كفارة يمين لأنك فعلت ما حلفت عليه ناسياً وإذا كان هذا الذي حلفت عليه من أعمال الخير فإننا ننصحك بأن تفعله وتكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
هذا سؤال من المستمع س ص ك مصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول في سؤاله بعد عقد القران وقبل الدخول على زوجتي حلفت بالطلاق للإقلاع عن عادة سيئة كنت أمارسها بقولي تكون امرأتي طالقاً إذا عدت إليها ولكنني رجعت إليها مرة أخرى واستمرت حياتنا الزوجية كالعادة فما الحكم في هذه اليمين مع العلم أنه كان بيني وبين نفسي دون علمها ولا علم وليها وعند بداية الحلف بالطلاق هذا كانت النية ليست بغرض الطلاق ولكن للإقلاع عن هذه العادة وسبب استمراري في حياتنا الزوجية أنني أجبت بأن اليمين ما دام ليس أمامها فلا يقع راجياً زيادة الاطمئنان والإفادة منكم أفادكم الله وجزاكم عنا أحسن الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال نقدم له مقدمة وهي أنه قد كثر من الناس في الآونة الأخيرة الحلف بالطلاق فصار الإنسان منهم يرسل لسانه في هذا الأمر في أكثر الأمور وربما يجعله طلاقاً بائناً بالثلاث وهذا أمر ينبغي للمرء أن ينزِّه لسانه عنه لأن الحلف المشروع إنما يكون بالله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا أردت أن تحلف فاحلف بالله سبحانه وتعالى فقل والله لأفعلن كذا أو والله لا أفعلن كذا أو باسم آخر من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته أما أن تحلف بالطلاق أو بالعتق أو بغير ذلك فإنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فنصيحتي لإخواننا ألا يرسلوا ألسنتهم بمثل هذه اليمين ثم أعود لأجيب السائل عن سؤاله فأقول غريب منك أيها الأخ أن يكون مبادرتك لزوجتك التي عقدت عليها ولم تدخل بها محاولة الطلاق لها فتحلف الطلاق فهلا صبرت على الأقل إلى أن تدخل بها ويمضي وقت فالطلاق ليس أمراً هيناً يتلاعب به المرء عند أتفه الأمور ولهذا نجد كثيراً من الناس الذين لا يهتمون بهذا الأمر والذين يطلقون طلاقاً منجزاً غير معلق ولا مقصوداً منه اليمين نجدهم دائماً يندمون ويذهبون إلى عتبة كل عالم لعلهم يجدون الخلاص ولو أنهم رجعوا إلى أنفسهم وملكوها عند الغضب لكان ذلك أولى بهم وأجدر أما بالنسبة لمسألتك فإنه ما دمت قاصداً الامتناع من هذا العمل السيئ فإن هذا الطلاق المعلق حكمه حكم اليمين إذا خالفت ما حلفت عليه وجب عليك كفارة اليمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة ولا فرق بين أن تقول ذلك وزوجتك لم تسمع أو تقول ذلك وهي أمامك تسمع لا فرق وإفتاء من أفتاك بأنه حيث كان بينك وبين نفسك لم تواجه به الزوجة فإنه يكون يميناً هذه الفتوى فيها نظر لأنه لا فرق إذا قصدت اليمين بين أن تقولها لزوجتك مواجهة أو تقولها في مكان لا يسمعك أحد أو تقولها في مكان سمعك غير الزوجة.
***(21/2)
محمد معتمد عبد العليم مصري يعمل بالعراق يقول أنا أعمل مزارع عند رجل بالعراق وحصل بيني وبينه ذات مرة خصام وكنت وقتها في حالة غضب شديد ولم أمتلك أعصابي فحلفت بالطلاق والمحرمات أنني لا أزرع عنده ولكنني وبعد أن هدأت ثورتي فكرت في مصيري وفي حاجتي للعمل والاكتساب فرجعت أعمل عنده وحصلت مرة أخرى مشكلة معه فتشاجرنا على إثرها إلى أن بلغ الغضب مني أشده فقلت تكون زوجتي محرمة علي إن زرعت عندك بعد هذه المرة ولكنني أيضاً ما لبثت أن عدت أزرع عنده إلى أن حصد تلك الثمرة ولم أزرع عنده بعدها فما الحكم فيما صدر مني في المرتين علماً أنني سألت فقيل لي ليس علي شيء ولكنني أريد التأكد مما يجب علي نحوهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم فيما فعلت وهو أنك حلفت بالتحريم على أن لا تشتغل عند هذا الرجل حينما بلغ الغضب منك أشده الحكم في هذا أنا نقول لك ينبغي لك أن تضبط نفسك وأن تمنع غضبك وأن تهدئ أعصابك وإذا أردت أن تحلف فلتحلف بالله ولا تحلف بطلاق ولا بمحرمات فإن ذلك خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (من كان حالفاً فليحلف بالله) ولكن الذي وقع لا يمكن رده والواجب عليك حينئذٍ حين رجعت إلى العمل عند هذا الرجل الذي حرمت العمل عنده أو حلفت بالتحريم على أن لا تعمل عنده الواجب عليك أن تكفر كفارة يمين وكفارة اليمين ذكرها الله تعالى في سورة المائدة في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) (المائدة: من الآية89) والدليل على أن التحريم تلزم فيه كفارة اليمن قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل الله تعالى التحريم يميناً وعلى هذا فيلزمك كفارة يمين حين حنثت في هذا التحريم ولكن نصيحتي لك أعيدها مرة ثانية ولكل من يسمع ألا تتسرع في هذه الأمور وألا تجعل هذه الأمور على لسانك بل إذا كنت حالفاً ولابد من الحلف فاحلف بالله عز وجل.
***(21/2)
امرأة حرمت عن الدخان وحلفت على القرآن أنها لن تعود لشرب الدخان وأخيراً دخنت وبعد ذلك دفعت كفارة وأخيراً أجبرها زوجها أن تدخن ثم لم تعد تدخن فما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسأل الله العافية هذه حرمت على نفسها أن تشرب الدخان بقصد الامتناع منه ولكنها رجعت إليه فيجب عليها كفارة يمين فالكفارة التي بذلت إن كانت بقدر كفارة اليمين يعني أنها أطعمت عشرة مساكين فقد برئت ذمتها وإلا فعليها أن تبرئ ذمتها بإطعام عشرة مساكين ثم إنه من الخطأ الذي ارتكبه زوجها حيث أمرها بأن تعود إلى الدخان لأن هذا أمرٌ بمعصية ولا طاعة للزوج فيها لا يجوز لها أن تطيع زوجها فيما يحرم والدخان اختلف الناس في حكمه أول ما ظهر فمن مبيحٍ ومن محرمٍ ومن كاره ومن قائلٍ إن الأولى اجتنابه ولكن بعد أن تبين ضرره بإجماع الأطباء في عصرنا هذا تبين لنا أنه محرم وأنه لا يجوز للإنسان شربه لأنه يؤدي إلى ضررٍ في الجسم ثم إنه إتلافٌ للمال بدون فائدة ثم ما يصحبه من روائح كريهة التي تؤذي من لم يعتد شربه.
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمع خالد ع. م. من الكويت يقول عندما يحلف الشخص على فعل الشيء ثم يرى أن ذلك الشيء غير نافع فهل يتركه ويصوم ثلاثة أيام؟ وهل عندما يصوم تكون هذه الأيام الثلاثة متوالية أم في كل أسبوع مثلاُ نرجو التوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حلف الإنسان على شيء فإنه قد يجب عليه الحنث وقد يحرم عليه الحنث وقد يترجح الحنث، وقد يترجح عدمه فإذا حلف أن يفعل محرماً فإنه لا يحل له أن يفعله لأن اليمين لا تبيح الحرام وفي هذه الحال يجب عليه الحنث، وإذا حلف أن لا يصلى مع الجماعة وهو ممن تجب عليه الجماعة فإن الجماعة لا تسقط عنه بيمينه بل يجب عليه أن يصلى وهذا هو الحنث إذن يجب الحنث وهو مخالفة ما حلف عليه إذا كانت اليمين تتضمن إسقاط واجب أو فعل محرم، وتارة يترجح الحنث مثل أن يحلف على ترك سنة فيقول والله لا أصلى راتبة الظهر فإننا فنقول له صل لأن اليمين لا تسقط استحباب ما كان مستحباً، وقد يترجح عدم الحنث يعني يترجح أن يبقى الإنسان على يمينه وذلك هو الأصل، الأصل أن يطلب من الإنسان أن يحفظ يمينه ولا يحنث لاسيما إذا حلف على شيء تركه خير فإن الأفضل أن يتركه من هذه الضوابط يمكن أن يتبين للسائل جواب سؤاله ولكن مع ذلك نوضحه فنقول إذا حلف على شيء فرأى أنه ليس فيه فائدة وأن تركه خير فالأفضل أن يحنث في يمينه، وفي هذه الحال يكفر ولكن كفارة اليمين ليست كما قال السائل أن يصوم ثلاثة أيام، بل كفارة اليمين أربعة أشياء ثلاثة مخير فيها والرابعة على الترتيب الثلاثة المخير فيها الإطعام والكسوة والعتق والرابعة الصيام إذا لم يجد هذه الثلاثة، ولنستمع إلى قوله تعالى (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) هذه ثلاثة مخير فيها إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) ولكن كيف نطعم المساكين؟ لنا في إطعامهم طريقان الطريق الأول: أن نصنع غذاء أو عشاء وندعو عشرة فقراء يتغدون أو يتعشون.
والطريق الثاني: أن نعطيهم طعاماً غير مطبوخ ومقداره ربع صاع بالصاع النبوي من الأرز أو من البر، وربع الصاع النبوي بالنسبة لأصواعنا المعروفة هنا خُمس صاع يعني أن الصاع يكون لخمسة فقراء وهو أي خمس صاع الموجود حالياً عندنا أو ربع صاع نبوي يقارب كيلو من الأرز فيوزع على الفقراء هذا القدر من الأرز ويحسن أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو غيره ولا فرق بين أن يكون هؤلاء الفقراء العشرة في بيت واحد أو في بيوت متفرقة.
فإذا كانوا عائلة مثلاً عشرة أعطاهم الكفارة كلها وأجزأ، أما إذا لم يجد فقراء أو لم يجد ما يطعمهم أو يكسوهم ولم يجد رقبة إما لعدم قدرته على ثمنها أو لعدم وجود الرقيق ففي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام وتكون متتابعة لا يفرق بينها إلا لعذر شرعي، ودليل ذلك قراءة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال الله تعالى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) فإنه كان يقرأها (فصيام ثلاثة أيام متتابعة) .
***(21/2)
تقول السائلة إنها كثيرة القسم وقد قرأت في مقرر التوحيد للصف الثالث المتوسط بأن كثرة القسم يؤدي إلى الشرك الذي ينافي كمال التوحيد فماذا علي فإنني أقسم وفي بعض الأحيان لا أنفذ القسم وقد كثرت علي الكفارات فأنا أنسى هل كفرت عن هذا القسم أو لا فما الذي يجب علي في مثل هذه الحال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) وفسرت هذه الآية بأن المراد بذلك أن لا يكثر الإنسان من الأيمان ولا شك أن كثرة الأيمان تدل على أن الإنسان لا يهتم بالقسم مع أن القسم أمر عظيم أوجب الله الكفارة على من لم يتم ما أقسم عليه وعلى هذا فإننا ننهى هذه السائلة عن كثرة الحلف ثم نقول إذا كان كثرة الحلف يجري على اللسان بلا قصد فإن الإنسان لا يؤاخذ عليه لا إثماً ولا كفارة وذلك لأنه يجري على اللسان بلا قصد وقد قال الله عز وجل (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي الآية الثانية (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) فدل هذا على أن كثرة اليمين الذي يجري على اللسان بلا قصد مما عفا الله عنه والحمد رب العالمين وإني أنصح هذه السائلة وغيرها بأن يقرنوا بأيمانهم إن شاء الله يعني يقول (والله إن شاء الله) حتى يكون ذلك أسهل في حصول مطلوبه وأسلم من وجوب الكفارة عليه إذا حنث لأن من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه ومن حلف على يمين وقال إن شاء يوشك أن ييسر الله أمره ودليل هذا قول الله جل وعلا (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن نبي الله سليمان بن داود أقسم ليطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله -اعتماداً على ما في نفسه من القوة والعزيمة ولئلا يوجب قوله إن شاء الله التهاون عن هذا الأمر حيث يعلم أنه إذا قال إن شاء الله لا يحنث- فطاف على تسعين امرأة ولكن لم تلد إلا واحدة منهن ولدت شق إنسان) تبارك الخلاق العليم ليريه ربه عز وجل أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الإنسان قد يشاء الشيء فيجزم عليه ولكنه لا يأتيه على ما يريد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ولو قال إن شاء الله لم يحنث ولقاتلوا في سبيل الله) وهذا يدل على أن الإنسان إذا حلف وقال إن شاء الله تيسرت أموره أما كونه إذا حلف وقال إن شاء الله فلا يحنث لو خالف ما حلف عليه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه أو قال لم يحنث) فليعود الإنسان لسانه عند اليمين أن يقول إن شاء الله حتى إذا لم يكن الأمر على ما أراد سلم من الكفارة ولا حرج أن يقولها جهراً كما جهر بيمينه أو يقولها سراً بحيث لا يسمعه الآخر.
***(21/2)
فضيلة الشيخ محمد حفظكم الله سائلة من جمهورية مصر العربية تقول حلفت على شيء أن لا أستعمله وقمت باستعماله وأنا ناسية فما حكم هذا اليمين وهل لي أن أستعمل هذا الشيء بعد ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها كفارة ما دامت ناسية ولكنها لا تتعمد بعد ذلك أن تفعله إلا إذا أرادت أن تكفر كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد صامت ثلاثة أيام متتابعة هذا إذا كان الذي حلفت عليه من الأمور المباحة أما إذا كان من الأمور المحرمة فإنه لا يجوز لها أن تفعله سواء حلفت على تركه أم لم تحلف.
***(21/2)
السائل أخوكم في الله المهدي من الدمام يقول ارتكبت ذنبا وحلفت بالله أن لا أعود إليه ثانية ولكنني عدت إليه ثم قلت لو عدت إلى هذا العمل تكون زوجتي علي كظهر أمي لكنني عدت وللأسف الشديد والسؤال هل علي كفارة وهل أطعم مساكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل ذكر أنه حلف أولا وظاهر ثانيا أما حلفه فلو قال إن شاء الله لكان سببا لإدراك مقصوده لو قال والله إن شاء الله لا أعود إليه ربما يكون هذا سببا في إدراك ما حلف عليه لكنه لم يقل إن شاء الله ولهذا حنث والذي ينبغي لكل حالف أنه ولو كان جازما أن يقول إن شاء الله لأنه إذا قال إن شاء الله استفاد بذلك فائدتين:
الفائدة الأولى: الإعانة على فعل ما حلف عليه.
والفائدة الثانية: أنه لو حنث ولم يفعل لم يكن عليه كفارة ودليل ذلك ما ثبت في السنة النبوية (أن سليمان عليه الصلاة والسلام وهو أحد أنبياء بني إسرائيل آتاه الله النبوة والملك فحلف ذات يوم أن يطوف على تسعين امرأة أي يجامع تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله لكنه عليه الصلاة والسلام لم يقل اعتمادا على ما في نفسه من الجزم والعزيمة فجامع تسعين امرأة في تلك الليلة ولم تلد منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان لا إنسان كاملا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته) على هذا فنقول لهذا الأخ لو أنك حين أردت أن تحلف على ألا تعود إلى هذه المعصية قلت إن شاء الله لكان هذا سببا لإدراك ما تريد لكن لم يحصل فعليك حينئذ كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة ثم إني أنصحك وأنصح كل من يسمع كلامي هذا أن لا تجعلوا الأيمان أو النذور سببا لامتناعكم من المعصية أو لفعلكم الطاعة لأن الله تعالى أنكر ذلك فقال (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعني عليكم طاعة معروفة بدون قسم وهذا نص من القرآن أما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله وعلى آله وسلم أنه (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) يعني أن البخيل هو الذي يلزم نفسه بالصدقة عن طريق النذر وكم من إنسان نذر لله طاعة ثم ثقلت عليه بعد ذلك ولم يفعل وصار يطرق باب كل عالم لعله ينجو من هذا النذر وتكون النهاية أن لا يوفي بنذره فيقع في هذا الوعيد الشديد الذي ذكره الله تعالى بقوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) هذا هو الجواب عن الفقرة الأولى في السؤال وهي أنه حلف أن لا يعود إلى هذا الذنب فعاد إليه وخلاصة ذلك أنه لو قال إن شاء الله لكان خيرا له وثانيا يجب عليه حين عاد إليه أن يكفر كفارة يمين وذلك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة أما الفقرة الثانية وهو أنه ظاهر من زوجته إن عاد فقال إن عُدْتُ إلى هذا فزوجتي تكون عليّ كظهر أمي فهذا أيضا أشد من الأول لأن الظهار كما وصفه الله عز وجل في قوله (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (المجادلة: من الآية2) منكر من القول لأنه محرم وزور لأنه كذب فيقال لهذا الرجل هل أردت بهذا المظاهرة أي أن زوجتك تكون عليك كظهر أمك في التحريم فهذا ظهار وكفارته مغلظة أو أردت بذلك قوة الرادع لنفسك وأنه من شدة ما تكره هذا الفعل أنك علقت عليه الظهار فإن كان الأول فإن زوجتك لا يحل لك أن تقربها حتى تكفر والكفارة عتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا وإن كان الثاني أي أنك أردت بذلك قوة الرادع لنفسك عن هذا الفعل فحكمه حكم اليمين يعني أنك لما عدت إليه تكون عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وإنني أنصحك في نهاية هذا الجواب أنصحك أن تتوب إلى الله عز وجل وأن تقلع عن هذا الذنب وأن تعزم عزما أكيدا مخلصا لله تعالى فيه على أن لا تعود وإذا علم الله تعالى منك صدق النية أعانك وسددك ومنعك منه.
***(21/2)
أحسن الله إليكم هذا المستمع ص. أ. ج. من العراق محافظة الأنبار بعث بهذا السؤال يقول أنا أعمل بعيدا عن بيتي وأسرتي وطبيعة عملي لا تسمح لي بالذهاب إلى البيت إلا مرة في الشهر وهذه العادة تجعل زوجتي دائما تكثر الذهاب إلى بيت أهلها وقد سببت هذه الحالة لي إحراجا مع أهلي وخصوصا أنها أحيانا لا تعود إلى بيتنا إلا إذا أتيت فمنعتها من ذلك وحددت لها يوما في الأسبوع لزيارة أهلها ولكنها لم تتقيد بهذا فقلت لها إذا ذهبت مرة أخرى لأهلك فهو طلاقك ولما حان موعد سفري أخذت تبكي وترجوني أن أعدل عن ذلك فأشفقت عليها وحاولت إيجاد تفسير لكلامي ذلك فقلت إذا ذهبت إلى أهلك بدون إذني فهو طلاقك وإني الآن آذن لك بالذهاب ولكني أجد في نفسي شيئاً من ذلك لأني لم أسأل أي عالم عن ذلك بل استمرت حياتنا الزوجية على ما كانت عليه وكانت في ذلك الوقت حاملا وقد وضعت مولودها وهي الآن حامل بالمولود الثاني ولم أكفر ولم أصنع شيئاً ولكني كما قلت أجد في نفسي ولكني أجد في نفسي شبه رغبة عنها وعدم ارتياح للحياة معها فلعل ذلك بسبب ما حدث وأنه كان يلزمني شيء ما أو أنها تكون طالقا ولم نعلم بذلك فأرجو إفادتي عما يترتب على ذلك وماذا يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أنصح وما أكثر ما يوجب النصح من أفعال بعض المسلمين أحب أن أقول أن أي عمل يقدم عليه الإنسان وهو لا يدري عن حكم الله فيه فإنه على خطر فيه والواجب على المؤمن إذا أراد أن يعمل عملا سواء كان عبادة أو معاملة ألا يقدم على الشيء حتى يتبين له حكم الله فيه ليكون على بصيرة من أمره لا سيما في مثل هذه الأمور الخطرة أمور النكاح والطلاق وكون الإنسان لا يتفطن للشيء إلا بعد أن يصاب بأمر يفسره بأنه بسبب مخالفته هذا أمر لا يليق بالمؤمن ولا ينبغي للحازم فكان على هذا الأخ حين وقع منه ما وقع أن يسأل قبل أن يفسر الأمر بنفسه تفسيرا صادرا عن جهل وأسأل الله أن يتوب علينا وعليه أما بالنسبة لجواب سؤاله الخاص فإني أقول إذا كان هذا الرجل يريد بقوله لزوجته إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك يريد بذلك تهديدها ومنعها من الذهاب إلى أهلها فإن هذا يعتبر في حكم اليمين وله أن يعدل عنه ويكفر كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة من المساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وأما إذا كان قصده بقوله إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك قصده الطلاق بحيث يشعر بنفسه أنها إذا عصت وخالفت فإنه لا يرغب أن تبقى زوجة له فإن مثل هذا يقع به الطلاق إذا خرجت إلى أهلها ولا يمكنه العدول عن هذا التعليق لا يمكنه أن يزيد شرطا فيه أو أن يلغيه بالكلية فيقول قوله الأخير إن ذهبت إلى أهلك بغير إذني فهو طلاقك غير معتبر لأنه بالتعليق الأول ثبت الحكم وهو الطلاق المعلق على هذا الفعل فلا يمكن أن يزاد فيه أو ينقص منه أو يلغى بكلية وعلى هذا فإنها إذا ذهبت إلى أهلها تكون طالقا بذهابها إلى أهلها وإذا كان الطلاق رجعيا فإن له أن يراجعها ما دامت في العدة نعم لو كان قد قصد من الأول إن ذهبت إلى أهلك فهو طلاقك بغير إذن مني فإن النية تخصص العام ويكون ذلك تخصيصا فإذا خرجت بإذنه فلا حرج عليهما.
***(21/2)
مصري رمز لاسمه بـ أ. م. ع. يقول في رسالته عندما نجلس أنا ومجموعة من الأصدقاء في مطعم وأريد أن أدفع الحساب يقوم أحدهم ليدفع الحساب لكنني أقسم بأن أدفع الحساب وأقول بالله ما تدفع أنت لكنه يدفع دون مبالاة بالقسم فهل هذا يجوز وهل يعتبر قسمي هذا يمين وعليه كفارته أفيدونا في ذلك مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أولاً أنصح هذا السائل وغيره من أن يقسموا على غيرهم بفعل شيء أو تركه لأن في هذا القسم إحراجاً لهم أو لمن أقسموا عليهم أما كونه إحراجاً لهم فلأن هذا المحلوف عليه إذا خالف لزمته الكفارة وأما كونه إحراجاً لمن حلفوا عليه فلأنه قد يفعل ذلك مع المشقة وربما مع المشقة والضرر مجاملة لهذا الذي أقسم عليه وفي ذلك من الإحراج والإعنات ما فيه وأما بالنسبة للكفارة فإن الإنسان إذا حلف على فعل شيء في نفسه أو من غيره أو على تركه فإما أن يقرن يمينه بالمشيئة أي بمشيئة الله فيقول والله إن شاء الله لتفعلن كذا أو لأفعلنّ كذا وإما أن لا يقرنها فإن قرن يمينه بالمشيئة فلا حنث عليه ولا كفارة ولو تخلف المحلوف عليه وإن لم يقرنها بالمشيئة فإنه يحنث إذا ترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه والذي ينبغي للإنسان إذا حلف على شيء سواء من فعل نفسه أو من فعل غيره أن يقول إن شاء الله فإن في قول إن شاء الله فائدتين عظمتين إحداهما أن ذلك سبب لتسهيل ما حلف عليه والثانية أنه لو حنث في يمينه فلم يفعل ما حلف عليه أو فعل ما حلف على تركه فإنه لا كفارة عليه ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم (حدث عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام أنه حلف ليطوفن على تسعين امرأة أي يجامعهنّ حلف ليطوفنّ على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهنّ غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل اعتماداً على ما في نفسه من العزيمة فطاف على تسعين امرأة وجامعهنّ ولم تلد أي واحدة منهنّ إلا واحدة ولدت شق إنسان قال النبي صلى الله عليه وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث) وعليه فينبغي للحالف إذا حلف على شيء أن يقرن يمينه بالمشيئة فيقول والله إن شاء الله أما فيما يتعلق بسؤال السائل الذي حلف على صاحبه أن لا يحاسب صاحب المطعم فحاسبه فإنه يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لأن صاحبه لم يبر قسمه وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وللإطعام كيفيتان فإما أن يصنع طعاماً غداء أو عشاء ويدعو المساكين إليه المساكين العشرة حتى يأكلوا وإما أن يفرق طعاماً على العشرة ومقداره بالأرز ستة كيلو فإذا وجد بيتاً فيه عشرة أفراد وأعطاهم هذا المقدار من الأرز وجعل معه إداماً من لحم أو غيره كان ذلك كافياً في الإطعام فإن لم يجد بأن لم يكن عنده ما يطعمه منه أو لم يجد أحداً يطعمهم أو يكسوهم لكون البلد بلد غنى فإنه في هذه الحال يصوم ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
عبد الفتاح مدرس مصري مقيم بالرياض يقول فضيلة الشيخ حلفت أيمان كثيرة ولا أستطيع حصرها ولم أنفذ منها شيء فما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أشير على هذا السائل وعلى غيره من المستمعين إلى هذا البرنامج ألا يكثروا الأيمان وأن يقللوا منها ما استطاعوا وقد فسر قوم من أهل العلم قول الله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) بأن المعنى لا تكثروا الحلف بالله والإنسان إذا عزم على الشيء يمكنه أن يقوم به بدون يمين وإذا قدر أنه حلف فليجعل على لسانه دائما قول إن شاء الله فإن من حلف على شيء وقال إن شاء الله لم يحنث كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قصة سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام وأنه قال (والله لأطوفن الليل على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله حلف أن يجامع تسعين امرأة تلد كل واحدة غلاما يقاتل في سبيل الله) لم يحلف من أجل نيل شهوته لكن لأجل أن يخرج من صلبه أغلمة يقاتلون في سبيل الله على أن الإنسان إذا نال شهوته من أهله فله فيها أجر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال نعم أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) المهم أن سليمان بن داود قيل له لما حلف هذا اليمين قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله اعتمادا على ما في قلبه من العزيمة لأنه عازم فيسر الله له أن طاف على تسعين امرأة في تلك الليلة ولم يلد منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان نصف إنسان ليريه الله عز وجل أن الأمر بمشيئة الله عز وجل ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا ليمينه) وفي بعض الألفاظ (لقاتلوا في سبيل الله) فأنت اجعل على لسانك قول إن شاء الله كلما حلفت لتستفيد منها فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: حصول المقصود لأن حصول المقصود مع قول إن شاء الله أقرب من حصوله إذا لم تقل إن شاء الله.
الثانية: أنه لو لم يحصل لك ما حلفت عليه لم يكن عليك كفارة لأنك ربطت الأمر بمشيئة الله ومشيئة الله تعالى فوق كل شيء ولو شاء الله أن يكون لك وهذا السائل الذي يقول لديه أيمان كثيرة لا يدري ما هي نقول أولا لابد أن نعرف هذه الأيمان هل هي على شيء في المستقبل أو على شيء ماضٍ وهل قال فيها إن شاء الله أو لم يقل وهل هي أيمان مكررة على شيء واحد أم على أشياء أم أنها يمين واحدة مكررة على أشياء كل هذه أمور لابد أن نعرف عنها فإذا كان لديه جواب على هذه التساؤلات فليقدمه إلى البرنامج من أجل أن يكون الجواب محددا حتى لا يضيع هو ولا السامعون فيما نقول.
***(21/2)
المستمع ع. ع. يقول في رسالته إنني متزوج وقد حلفت ونطقت كلمات علي الحرام على أحد الأصدقاء بأن يقوم بعمل ما والعمل هذا ليس فيه شيء من الحرمة أو الحرام ولكن بشيء من العناد رفض الصديق هذا القيام بالعمل الذي حلفت عليه ماذا يلزمني في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على سؤال الأخ أحب أن أوجه نصيحة لإخواني المسلمين بأن يتحرزوا من إطلاق مثل هذه العبارات علي الحرام أو ما أشبهها وذلك لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ولقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) فلا ينبغي للإنسان أن يستعمل هذه العبارات في أيمانه وإذا استعملها فإننا نقول له إذا كنت تريد اليمين فحكم ذلك القول حكم اليمين فإن تم ما قلت فلا شيء عليك وإن لم يتم فعليك كفارة يمين وكفارة اليمين هي واحد من أمور أربعة ثلاثة منها على التخيير وواحد على الترتيب أما الثلاثة التي على التخيير فهي مذكورة في قوله تعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فيخير بين هذه الأمور الثلاثة إن شاء أطعم عشرة مساكين وإن شاء كساهم وإن شاء أعتق رقبة فأما إطعامهم فمخير فيه بين أن يصنع طعاماً غداء أو عشاء ثم يدعوهم إلى أكله أو أن يدفع إليهم طعاماً من الأرز مثلاً لأنه من أوسط ما نطعمه الآن من الأرز ومقداره ستة كيلوات ويحسن أن يجعل معه شيئاً من اللحم يؤدمه به وأما الكسوة فيكسو هؤلاء العشرة مساكين بما يعد كسوة عرفا والأعراف تختلف أي أن اللباس يختلف ما بين مكان وآخر وأما عتق الرقبة فمعروف بأن يشتري عبداً أو يكون عنده عبد مملوك من قبل فيعتقه من هذه الكفارة فإن لم يكن عنده ما يحصل به هذه الأمور الثلاثة أو كان عنده ولكن لم يحصلها أي لم يجد فقراء أو لم يجد رقبة فإنه ينتقل إلى الصنف الرابع وهو صيام ثلاثة أيام متتابعة لقول الله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ) هذه هي كفارة اليمين فمن حرم شيئًا فإن كفارته هذه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل الله التحريم يميناً.
***(21/2)
بارك الله فيكم إذا حلف الإنسان عدة أيمان لا يعلم عددها فهل يكفي أن يخرج كيسا من الأرز ويوزعه على عشرة مساكين أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء هل تتعدد الكفارات بتعدد الأيمان أو يكفي فيها كفارة واحدة فقال بعض أهل العلم إن الأيمان مهما كثرت فأنه يكفي فيها كفارة واحدة وذلك لأن الموجب واحد فلو قال والله لا ألبس هذا الثوب والله لا ألبس هذه الغترة والله لا أخرج من البيت والله لا أركب سيارة فلان فهذه أربعة أيمان فمن العلماء من يقول إذا حنث فيها لزمه أربع كفارات ومنهم من قال لا يلزمه إلا كفارة واحدة لأن موجب هذه الأيمان شيء واحد فهو كما لو تعددت الأحداث فإنه يكفي فيها وضوء واحد يعني لو بال الإنسان وتغوط وخرجت منه ريح ونام وأكل لحم إبل فهذه خمسة أحداث يكفي فيها وضوء واحد فقاسوا عليها الأيمان وقالوا لو تعددت فإن موجبها واحد فتكفي فيها كفارة واحدة وعلى هذا القول فلا أشكال في مسألة السائل لأنه يكفيه كفارة واحدة سواء علم عدد الأيمان أم لم يعلم وسواء قلت أم كثرت ولكن هناك قول أخر يقول إذا تعدد المحلوف عليه فأنه يلزمه كفارات بعدد المحلوف عليه ما لم تكن اليمين واحدة فإذا قال والله لا ألبس هذا الثوب والله لا ألبس هذه الغترة والله لا أخرج من البيت والله لا أركب هذه السيارة فهذه أربعة أيمان لكل يمين منها كفارة إذا حنث فيه فيلزمه على هذا القول أربع كفارات وبناءا على هذا القول نقول للسائل إذا كانت عليك أيمان متعددة ولم تدر قدرها فتحرى وإذا شككت هل هي عشرة أو خمسة مثلا فخذ بالأقل خذ بخمسة لأنها المتيقنة وما زاد فهو مشكوك فيه فلا يلزمك فيه الكفارة.
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمع من الخبر م. ح. م. يقول أقسمت بالله أن لا أتزوج بعد وفاة زوجتي وبعد وفاتها بسبع سنوات تزوجت أختها والآن عندي ثلاثة أبناء من الزوجة الأخيرة هل علي كفارة في مثل هذه الحال يا فضيلة الشيخ؟
المقدم: قبل الإجابة على هذا السؤال أقول إن إقسامه أن لا يتزوج امرأةً بعد زوجته خطأٌ عظيم لأن الزواج من سنن المرسلين ومما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) ثم إن إقسام الإنسان أن لا يتزوج بعد موت امرأته قد يكون سببه التسخط من قضاء الله وقدره بمنزلة الإضراب عن هذا الشيء احتجاجاً على القدر وقد لا يكون هذا هو السبب المهم أن هذا غلطٌ عظيم أن يقسم الإنسان أن لا يتزوج بعد امرأته بل الذي ينبغي له أن يبادر بالزواج حتى يحصن فرجه ويحصل على المكاسب العظيمة التي تكون في الزواج ومن المكاسب العظيمة تكثير النسل أي نسل الأمة الإسلامية فإنه ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا تحقيقاً لرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال (تزوجوا الودود الولود) ولأجل أن تستغني الأمة الإسلامية عن غيرها ولأجل أن تكون مهيبةً أمام العالم وكلما كثرت الأمة كانت أشد هيبةً عند أعدائها وكان أشد اكتفاءً بنفسها عن غيرها ثم بعد ذلك نقول في جواب السؤال إن هذا الرجل الذي أقسم أن لا يتزوج بعد امرأته ثم تزوج أختها بعدها بسبع سنوات عليه أن يقوم بالكفارة كفارة اليمين وهي على التخيير بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد واحدة من هذه الثلاثة فإنه يصوم ثلاثة أيامٍ متتابعة لقول الله تعالى (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
***(21/2)
سائل يقول والدي يحنث في إيمان كثيرة هل يجوز لي أن أكفر عنه مع عدم علمه ثم أخبره أنني قد دفعت كفارة اليمين عنك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولاً انصح والدك بعدم كثرة الحلف وإذا كان مبتلى بكثرة الحلف فليقرنه بقول إن شاء الله فإن الإنسان إذا حلف على شيء وقال إن شاء الله فإنه لا يحنث ويستفيد من قول إن شاء الله فائدة أخرى وهي أن الله ييسر له ما أراد فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن سليمان بن داود النبي الكريم قال والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل فطاف على تسعين امرأة فولدت فيهن امرأة واحدة شق إنسان) فلم يأته ولا ولد واحد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته ولقاتلوا في سبيل الله) فأنت انصح والدك بعدم كثرة الحلف وإذا كان مبتلى بكثرة الحلف فليقرن يمينه بقول إن شاء الله حتى لا تلزمه الكفارة لو حنث في يمينه أما بالنسبة لإخراج الكفارة عنه فمن المعلوم أن الكفارة إنما تلزم الحالف فهو المسئول عنها وهو الذي يجب أن يؤديها عن نفسه وأنت إذا أردت أن تؤدي عنه فأخبره أولاً قبل أن تؤدي عنه وقل له إني أريد أن أكفر عن يمينك التي حنثت فيها فإذا سكت ولم ينهك وأديت عنه فلا حرج أما إذا أديت عنه أولاً قبل أن يوكلك ثم أخبرته بذلك فأجازه فهذا محل تردد عندي فإنه قد يقال إن هذا لا بأس به لإجازته إياه وقد يقال إنه لا ينفع لأنه لا بد في أداء الواجب الشرعي من نية ممن يجب عليه وهنا ليس هناك نية ممن يجب عليه.
***(21/2)
يوجد لي عند شخص مجموعة من النقود وطلبتها منه عدة مرات ويماطل بي وجئت له مرة وقلت له أعطني جزاك الله خيراً حقي قال ما عندي شيء اصبر مثل غيرك والحقيقة أنا رجل حمقي فغضبت وقلت له شوف عساي أعمى يوم ما أعطيتها ليك متى ما هداك الله جبها والآن له سنتان ما شفت أحد ولا جاني وأنا نادم على فعلي ومحتار على أنني وصيت له ويقول أرسلت رجال لفكها ولا أفاد وأنا ودي أذهب لأمه وأشتكيه إذا لم يسدد لي فأنا خائف على هذا الدعاء الذي دعيت على نفسي أرجو حل هذه المشكلة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي دعوت به على نفسك هو عند بعض العلماء بمنزلة اليمين فقول الرجل هو يهوديٌ إن فعل كذا أو هو نصرانيٌ إن فعل كذا أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فيكون حكمه حكم اليمين بمعنى أنك إن عدت إليه وطالبته وجب عليك كفارة يمين وكفارة اليمين هي كما ذكر الله تعالى في سورة المائدة (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) (المائدة: من الآية89) فأنت الآن أطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الناس وهو في وقتنا الآن الأرز فاصنع طعاماً من الأرز وادع إليه عشرةً من الفقراء وأطعمهم حتى يأكلوه وإن لم تفعل هكذا فانظر عائلة فقيرة تتكون من عشرة أفراد ثم ادفع إليهم هذا وينبغي أن تجعل معه لحماً أو نحوه مما يؤدمه حتى يتم الإطعام وتطالبه بعد ذلك بحقك.
***(21/2)
هذا السائل عبد رب النبي مطاوع من العراق يقول حينما كنت في بلدي قلت لزوجتي إن ذهبت إلى المكان الفلاني فأنت محرمة علي ولم أتلفظ بالطلاق وبعد أن سافرت بلغني أنها ذهب إلى ذلك المكان فماذا علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أنصحك ومن يسمع بأنه لا ينبغي للإنسان إذا أراد منع أهله شيئاً أن يطلق عليهم لفظ التحريم أو لفظ الطلاق أو لفظ الظهار وما أشبه ذلك فتكون عنده من قوة الشخصية ما لا يحتاج معه إلى ترتيب الأمر بمثل هذه الكلمات وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فاحبس لسانك عن مثل هذه الكلمات وكن قوي الشخصية بحيث يكون كلامك مؤثراً على زوجتك بدون أن تؤكده بمثل هذه الأمور أما ما وقع منك على زوجتك فإن كانت الزوجة بقيت على ما تريد فلا شيء عليك وإن خالفتك فإنه يلزمك كفارة يمين لتحريمك إياها وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وإطعام المساكين في كفارة اليمين يكون على وجهين فإما أن يصنع غداء أو عشاء ويجمع المساكين إليه ليتعشوا أو يتغدوا وإما أن يعطيهم غير مطبوخ عشرة أمداد من الأرز ويحسن أن يكون معها شيء من الطعام من لحم أو غيره ويتم بذلك الإطعام والمراد بالأمداد الامداد النبوية والصاع النبوي بالكيلو كيلوان وأربعون غراماً من البر الجيد فما كان يسع هذا الوزن من البر الجيد فهو صاع نبوي.(21/2)
فضيلة الشيخ: الصاع النبوي يطعم به مسكين واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصاع النبوي يطعم لأربعة مساكين.
***(21/2)
هذه رسالة من السائل عبد الله إمام أمين أثيوبي مقيم بالمدينة المنورة يقول عليّ كفارة يمين فهل يجوز أن أتصدق بقيمتها لعشرة مساكين لكل واحد خمس ريالات مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجب الله تعالى في كفارة اليمين واحداً من أمور ثلاثة فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وبدأ الله تبارك وتعالى بالأسهل غالباً فإن الإطعام أسهل من الكسوة والكسوة أسهل من إعتاق الرقبة ثم قال سبحانه وتعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وعلى هذا فإخراج الدراهم لا يجزئ لأن الله تعالى فرض الإطعام أو الكسوة أو العتق ثم قال فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فنحن نقول بدلاً من أن تعطي كل واحد خمسة دراهم اجمع المساكين واصنع لهم طعاماً غداءً أو عشاءً ودعهم يأكلونه أو ادفع إليهم ما يساوي صاعين ونصف تقريباً للصاع النبوي من الأرز واجعل معه شيئاً يؤدمه من اللحم أو غيره وهم يصنعونه في بيتهم أو اكسُ كل واحد منهم ما يعد كسوة من قميص وسروال وغترة وطاقية حسب عرف الناس في كسوتهم أو أعتق رقبة إن أمكن فإن لم تفعل شيئاً من ذلك بحيث لم تجد ما تؤدي به ذلك أو لم تجد أحداً يستحق ذلك لأنه قد يكون من الصعب أن تجد فقراء مستحقين لا للكسوة ولا للإطعام كما لو كنت في بلاد غنية ففي هذه الحال تصوم ثلاثة أيام لأن الله تعالى قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) وحذف المفعول به فتشمل من لم يجد ما يُطعِم بمعنى من لم يجد طعاماً ولا كسوة أو من لم يجد محلاً لهذا الطعام أو الكسوة وهم الفقراء والمساكين.
***(21/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ سؤال للمستمعة غادة تقول حصل بيني وبين أخي خصام ونحن في بيته فلما اشتد الخصام غضبت وحلفت أن لا أدخل بيته مرة أخرى والآن أريد أن أزوره فهل تجب علي الكفارة علماً بأنه انتقل من بيته الذي حصل فيه الخصام إلى بيتٍ آخر وهل الكفارة تكون قبل الزيارة أم بعد أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لهذه السائلة ولغيرها ممن يستمع إلى كلامي أن لا يتعجلوا في اليمين بل إذا غضبوا فليستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ولا يتعجلوا ويتسرعوا في اليمين وأدهى من ذلك وأشر من يتعجل في طلاق امرأته إذا غضب أدنى غضب طلق امرأته وهذا خطأ وقد ثبت في صحيح البخاري (أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني فقال لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب) وأما فيما يتعلق بسؤال السائلة فنقول اذهبي إلى أخيك في بيته الأول أو البيت الذي انتقل إليه وكفري عن يمينك سواءٌ كفرتي قبل الذهاب أو بعد الذهاب والكفارة قبل الحنث تسمى تحلة وبعد الحنث تسمى كفارة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وهذه الثلاثة على التخيير فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائلة تذكر بأنها حلفت وتريد أن تكفر عن هذا الحلف بصيام ثلاثة أيام فهل يجوز أن أصومها مع صيام الست من شوال بحيث يكون صيامي ستة أيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لا يجوز للحالف إذا حنث في يمينه أن يصوم إلا إذا كان لا يجد إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة لأن الله سبحانه وتعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) وقد اشتهر عند كثير من العامة أن كفارة اليمين إذا حنث الحالف صيام ثلاثة أيام لمن يجد الإطعام أو الكسوة أو العتق ومن لا يجد وهذا غلط بل لا يجوز الصيام إلا إذا كان الحالف الذي حنث لا يجد إطعام عشرة مساكين أو يجد لكن لا يجد مساكين فحينئذٍ يصوم ثلاثة أيام متتابعة ثم إذا كان يندرج تحت صيام الأيام الثلاثة فإنه لا يجزئ أن ينوي بها صيام ستة أيام من شوال لأنهما عبادتان مستقلتان فلا تغني إحداهما عن الأخرى بل يصوم ستة أيام من شوال ثم يصوم الأيام الثلاثة زائدة على صيام الأيام الستة.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا السؤال من المستمع فتح الله أبو العينين مصري من محافظة الغربية يقول حصل بيني وبين أهل زوجتي خلاف مما أجبرني على منع زوجتي من الذهاب إلى أهلها وقلت لها إن ذهبت لأهلك تكوني على ذمة نفسك ثم سافرت إلى العراق سعياً للرزق والاكتساب وعلمت بأنها ذهبت بعد ذلك فهل تلزمني كفارة يمين أم أنها تكون رجعية بطلقة واحدة وهل قولي لها تكوني على ذمة نفسك يعتبر طلاقاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً قبل الإجابة على سؤالك أقول إذا كانت الخلافات التي بينك وبين أهلها خلافات شخصية فلا ينبغي لك أن تمنعها من زيارة أهلها اللهم إلا أن تخشى أن يفسدوها عليك وأما بالنسبة لما أوقعت عليها من الطلاق إن ذهبت إليهم فإن كنت أردت وقوع الطلاق فإنها تطلق وتكون الطلقة هذه رجعية إن لم يسبقها طلقتان وإن كنت تريد تهديدها ومنعها من الذهاب إلى أهلها دون وقوع الطلاق فإنه لا طلاق عليك وإنما عليك كفارة يمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وكفارة اليمين هي كما ذكر الله عز وجل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام) .
***(21/2)
جزاكم الله خيرا السائل طرشون عبد الله من الجزائر يقول يا فضيلة الشيخ كنت أدخن وأقسمت بالله على تركه وعدت إليه بعد سنة ثم ندمت وأقسمت مرة أخرى وصمت ثلاثة أيام وأطعمت تلاميذ بإحدى المدارس النائية ثم عدت إليه بعد أكثر من سنة وندمت وتركته وصمت وأطعمت هل على وزر كبير في هذا التصرف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية أن يثبت على يمينه وألا يعصي الله عز وجل فإن عاد إلى المعصية مع حلفه ألا يفعلها فعليه كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم والصوم لا يجزي في كفارة اليمين إلا من عجز عن هذه الأشياء الثلاثة العتق والإطعام والكسوة فأما من قدر فلو صام ثلاثة أيام لا يجزؤه وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة ثابتاً وألا يجالس أهل المعصية التي تاب منها بل يبتعد عنهم حتى يستقر ذلك في نفسه.
***(21/2)
صيام الثلاثة أيام في كفارة اليمين هل تكون متتابعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن صيام ثلاثة أيام كفارة اليمين لا يجوز إلا لمن لا يستطيع أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة لقول الله تبارك وتعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) فإذا كان لا يستطيع الخصال الثلاث الإطعام والكسوة والعتق فإنه يجب عليه أن يصوم والقول الراحج أنه لا بد أن تكون هذه الأيام متتابعة لقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (فصيام ثلاثة أيام متتابعة) ولكن لو فرق بينها لعذر مثل أن يصوم أول يوم ثم يحصل له مرض يشق عليه بالصوم فيفطر في اليوم التالي ثم يستأنف الصوم بعد زوال هذا المرض فلا حرج عليه لأن التتابع لا ينقطع إذا كان التفريق لعذر شرعي.
***(21/2)
بارك الله فيكم يقول السائل في سؤال له نتيجة انزعاجي لموقف ما أقسمت بأن لا أدخل منزل أخي مرة أخرى بعد هذا اليوم والآن ندمت على هذا فماذا يتوجب علي بالتكفير عن هذا القسم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولاً لا ينبغي للإنسان أن يتعجل باليمين بل يتأنى وإذا قُدر أن يحلف فينبغي له أن يقرن ذلك بالمشيئة أي بمشيئة الله فيقول والله لا أفعل كذا إن شاء الله ليعوِّد لسانه على هذا لأنه إذا قال إن شاء الله في اليمين، اكتسب بذلك فائدتين عظيمتين:
الأولى: أن ييسر له الأمر.
الفائدة الثانية: أنه لو حنث فلا كفارة عليه.
وأما الجواب على السؤال فنقول إن الأفضل الآن أن تدخل بيت أخيك وأن تكفر عن يمينك وذلك بأن تطعم عشرة مساكين إما أن تجمعهم على غداء أو عشاء أو تعطي كل واحد منهم ما يقارب كيلو من الأرز ومعه لحم يؤدمه ولا حرج عليك إذا كانوا في بيت واحد أن تعطيهم الأرز جميعاً فتعطيهم ما يقارب عشرة كيلوات ومعه شيء من اللحم يؤدمه وإذا وجدت بيتاً فيه خمسة وبيت آخر فيه خمسة فوزع عليهم الكفارة نصفين.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه مستمعة ن. م. من الأردن تقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن يحلف بالله دون أن ينفذ الأمر الذي حلف من أجله وحكم من يستغفر الله في نفس اللحظة التي حلف بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذاحلف الإنسان على شيء أن يفعله ولم يفعله فعليه الكفارة لقوله تعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) فإذا حلف على شيء وقال والله لأفعلن كذا ولم يفعله فعليه هذه الكفارة إما أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو يكسوهم فإن لم يجد فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة ولا ينفعه إذا قال أستغفر الله بعد اليمين وإنما الذي ينفعه أن يقول إن شاء الله فإذا حلف على شيء وقال إن شاء الله ولم يوف بيمينه فلا شيء عليه فإذا قال والله لأفعلن كذا إن شاء الله ولم يفعل فليس عليه كفارة هكذا جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(21/2)
هذه رسالة من المستمعة من اليمن ج. ع. م. تقول إذا حلف الشخص أن يعمل عملاً في الحاضر وعمله في المستقبل فهل يلزمه كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حلف الإنسان على شيء أن يفعله وقيد هذا الفعل بوقت وفات الوقت قبل فعله لزمته الكفارة مثال ذلك إذا قال والله لأصلىن اليوم ركعتين ففات اليوم فإن عليه كفارة أما إذا قال والله لأصلىن ركعتين ولم يقيدها فهو بالخيار إن شاء عجل وهو أفضل وأبرأ للذمة وإن أخر فلا بأس.
***(21/2)
لقد كان لي صديق عزيز لكنه انتقل إلى رحمة الله تعالى وبعد أن توفي رحمه الله فقطعت عهداً على نفسي بأن لا أذهب إلى بيت أهله وأقسمت على ذلك لكنني بعد إلحاح من أهله وجدت نفسي مضطراً للذهاب إليهم مرة واحدة وبعدها قررت أن لا أذهب أبدأ فهل علي كفارة لما فعلت وهل يجوز لي أن أذهب إليهم أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب تضمن سؤاله كلمة أحب أن أنبه عليها وهي قوله انتقل إلى رحمة الله وهذه الكلمة لها وجهان الوجه الأول أن يكون جازماً بأن هذا الرجل انتقل إلى رحمة الله والوجه الثاني أن يكون راجياً أن يكون هذا الرجل انتقل إلى رحمة الله فأما الأول فإنه لا يجوز لنا أن نجزم لأحد بأنه في الجنة أو في النار إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم كما قرر ذلك أهل السنة في عقائدهم فقالوا لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء وأما إذا كان الإنسان راجياًًً أن هذا الرجل انتقل إلى رحمة الله فإن الرجاء بابه واسع ولا حرج عليه في ذلك ومثله قولهم فلان رحمه الله إن كان خبراً فإنه شهادة ولا يجوز وإن كان دعاء ورجاء فلا بأس به ومثله قولهم فلان المغفور له أو المرحوم إن كان خبراً فإنه لا يجوز لأنك لا تعلم ولا تشهد بذلك وإن كان رجاء ودعاء فإنه لا بأس به أما الجواب على سؤاله وهو أنه أخذ على نفسه عهداً وأقسم أن لا يذهب إلى أهل صديقه هذا وبعد إلحاح ذهب إليهم مرة واحدة ثم ترك الذهاب فإن عليه في هذه الحال أن يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة إلا إذا كان قد قرن يمينه بالمشيئة فقال والله إن شاء الله فإنه لا يحنث في يمينه ولا كفارة عليه وحينئذٍ يذهب إلى أهل هذا الميت وتكفيه كفارته الأولى.
***(21/2)
جزاكم الله خيراً السائلة تقول في هذا السؤال يا فضيلة الشيخ امرأة ميسورة الحال وقد سبق لها أن حلفت ذات مرة يميناً ولكن لم يتم هذا الحلف الذي حلفت فيه فما كان منها إلا أن صامت ثلاثة أيام وسمعت بأنه لا بد من الإطعام قبل الصيام فهل معنى ذلك أنه لا بد أن تطعم ولا ينفع الصوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بد أن تطعم وصومها الذي صامت يكون لها نفلاً وطاعةً لله عز وجل لكنه لا يجزئ عن الإطعام لأنها قادرةٌ عليه فالواجب الآن أن تطعم عشرة مساكين لكل مسكين نحو كيلو من الأرز وليجعل مع ذلك لحمٌ يؤدمه.
***(21/2)
هل يمكن أداء كفارة اليمين بعد تأخيرها سنة أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على مَنْ حنث في يمينه أن يبادر بالتكفير لأنه حين الحنث ثبتت عليه الكفارة ولا يجوز التراخي في أداء الواجب فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له ربما يعجز بعد القدرة أو يفتقر بعد الغنى أو يموت بعد الحياة والكفارة دين في الذمة يجب عليه المبادرة بقضائه وإذا تهاون وتكاسل أو نسي حتى مضت سنة أو سنتان فإنه يجب عليه أداء الكفارة ولو طالت المدة لكنه يأثم بالتأخير إن أخر بلا عذر.
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمع عاتق منتصر من قطر يقول إنه خطب ابنة عمه وطالت فترة الخطوبة بسبب المعاش البسيط الذي يأخذه من الشغل يقول ولكن منذ ثلاثة شهور أصبت بمرض يمنعني من الزواج المشكلة بأنه هو وخطيبته قد أحضرا المصحف الشريف وحلفا اليمين أنهم لن يترك أحد الآخر وسوف يتزوجان فيقول هل هذا اليمين على كتاب الله تكون زوجتي وإذا لم أتزوج ما هي الكفارة لهذا اليمين وهل أخبرها بهذا المرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تكون الزوجة زوجة بالتعاهد مع خطيبها على أن كل واحد منهما يتزوج الآخر ولا تكون زوجة إلا بالعقد الشرعي الصحيح ويجب عليه أن يخبرها بما حدث له من المرض حتى تكون على بصيرة من الأمر إن شاءت أقدمت وإن شاءت لم تقدم فإن تم الزواج فلا شيء عليهما بالنسبة لليمين وإن لم يتم فعلى كل واحد أن يكفر كفارة يمين لأنه حنث في يمينه.
***(21/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل للبرنامج أرسل بهذا السؤال يقول أنا أحلف بعض الأحيان وتجب علي كفارة وفي رمضان في كل سنة أتصدق على الصائمين من فطور وغير ذلك هل تعتبر هذه مجزئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان إذا حنث في يمينه أن يبادر بالكفارة ولا يجوز أن يؤخرها لأنه لا يدري ماذا يعرض له قد يكون اليوم قادراً على الكفارة وغداً غير قادر وقد يموت فالواجب المبادرة بالكفارة بدون تأخير ولا يقول أنا أؤخرها لرمضان لأن الصدقة في رمضان أفضل نقول والحمد لله رمضان له صدقته والكفارة تجب في حينها وإنني بهذه المناسبة أقول لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الحلف حتى إن بعض العلماء رحمهم الله قالوا في قوله تعالى (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال لا تكثروا الحلف ثم إن الإنسان إذا حلف ولا بد فليقل إن شاء الله لأن قوله إن شاء الله يستفيد بها فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: أنه إذا قال إن شاء الله حقق الله له ما حلف عليه.
والثانية: أنه إذا قال إن شاء الله ولم يفعل فلا كفارة عليه ودليل ذلك ما (قصه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علينا فيما حصل لسليمان سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم أحد الأنبياء الكرام كان يحب الجهاد في سبيل الله حلف ذات يوم قال والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأةً تلد كل واحدةٍ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله بناءً على ما عنده من العزيمة فطاف على تسعين امرأة جامعهن في تلك الليلة فولدت واحدةٌ منهن شق إنسان نصف إنسان فلم يتحقق له مما حلف عليه شيء قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركاً لحاجته) وأما الفائدة الثانية وهي أنه لو حنث لا كفارة عليه فدليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من حلف على شيء فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) فإذا كان قول الحالف إن شاء الله يستفيد به هاتين الفائدتين فليلزمه دائماً إن شاء الله فإذا قال أخشى إن قلت إن شاء الله أن صاحبي الذي حلفت عليه يتهاون بالأمر قلنا إذا خفت من هذا فقلها سراً يعني بينك وبين نفسك يعني انطق بها بحيث لا يسمعك وحينئذٍ يكون هو سمع يميناً ليس فيه استثناء وأنت حلفت يميناً فيه استثناء.
***(21/2)
السائل: هذه الرسالة عن كفارة يمين يقول أكتب إلى سماحتكم هذا السؤال عسى أن تتفضلوا بالإجابة عليه وهو هل يكفي أن أدفع نقوداً لعشرة مساكين بدلا من إطعامهم والنقود تكون مقدرة بالطعام وذلك لكفارة حنث على جزاكم الله كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يستبدل الطعام بدراهم لأن ما نص عليه في الشرع فإنه يجب الوقوف عليه بدون أن يتخطاه الإنسان إلى غيره ولهذا نقول لا يجوز أن تدفع الدراهم عن زكاة الفطر ولا عن كفارة الظهار ولا عن كفارة اليمين ولا على عن كفارة حلق الرأس في الحج وما أشبه ذلك مما نص الله فيه على الإطعام فإن الواجب اتباع النص في هذه الأمور ولعل للشارع نظراً لا تدركه عقولنا في هذه التعيينات التي قد يظن البعض أنها من أجل مصلحة الفقير المحضة فيري أن الدراهم أفضل أو أحب إلى الفقير من الإطعام فيعدل عن الإطعام إليها ولكننا نرى أن مثل هذه الأمور يجب التوقف فيها على ما ورد به الشرع ولا يتجاوز فيها ما جاء به الشرع.
***(21/2)
بارك الله فيكم هل يشترط في كفارة اليمين عدد عشرة مساكين وإذا لم يجد هؤلاء المساكين بعينهم فهل الأقارب يدخلون في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يدخلون لقوله تعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) والمساكين سواء كانوا من الأقارب أو من غيرهم بل إذا كانوا من الأقارب فهو أفضل من غيرهم لكن إذا قدر أنه لم يجد فقد بين الله حكم ذلك في آخر الآية في قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) ونفي الوجود هنا يشمل من لم يجد الطعام فيطعمه ومن لم يجد المساكين وإن كان عنده مال كثير فإذا لم يجد المساكين فإنه يصوم ثلاثة أيام لكن يشترط في الأيام الثلاثة إذا صامها أن تكون متتابعة.
***(21/2)
هذه رسالة من السائل أحمد محمد شكور من دمشق سوريا يقول إذا كان حالف اليمين الذي يريد أن يكفر عن يمينه مسكيناً ولا يملك أن يطعم عشرة مساكين ولا يستطيع الصيام لعذر صحي ومرض يمنعه من الصيام فماذا يفعل وكذلك بخصوص فدية الصوم في رمضان إذا كان لا يجد ما يطعم به ثلاثين مسكيناً ولا يستطيع أن يصوم فماذا يفعل وما هي صفات المسكين يعني متى يكون المرء مسكيناً وهل هناك فرق بين الفقير والمسكين أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لزم الإنسان كفارة يمين ولم يجد ما يطعم ولم يستطع الصوم فإنها تسقط عنه لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولا يلزمه شيء لأن من القواعد المقررة أن الواجبات تسقط بالعجز عنها إلى بدلها إن كان أو إلى غير شيء إذا لم يكن لها بدل وإذا تعذر عن البدل سقطت عنه نهائياً أما بالنسبة لصيام رمضان فإن الواجب على المرء أن يصوم رمضان فإن كان مريضاً فله الفطر وينتظر حتى يعافيه الله إلا أن يكون مرضه مستمراً فإنه في هذه الحال يلزمه الإطعام وإذا لم يجد ما يطعم سقط عنه أيضاً لما سبق أما الفرق بين الفقير والمسكين فإنه إذا ذكر أحدهما دون الثاني فهما بمعنى واحد فإذا قلنا مثلاً أطعم عشرة فقراء فهنا لا فرق بين الفقير والمسكين وإذا قلنا أطعم عشرة مساكين فلا فرق بين المساكين والفقراء أما إذا ذكر الفقير والمسكين في كلام واحد كما في آية الصدقات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) فإن الجميع يشتركون في الحاجة لكن الفقير أحوج من المسكين ولهذا قال بعض أهل العلم إن الفقير من يجد دون نصف الكفاية والمسكين من يجد النصف ودون الكفاية.
***(21/2)
أحسن الله إليكم هل يشترط إعطاء كفارة اليمين لعشرة مساكين وما مقدارها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لابد أن تكون لعشرة مساكين لأن هذا نص القرآن قال الله تبارك وتعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أما مقدار الطعام فإن كان يريد أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً ويجمع العشرة يتغدون أو يتعشون فهذا كافٍ وإن لم يفعل فإنه يعطي كل فقير كيلو من الأرز أو ما هو من طعام آخر من أوسط ما تطعمون أهليكم ويجعل معه شيئاً يؤدمه كقطعة لحم دجاج أو غيره فإذاً له صفتان الصفة الأولى أن يجمع الفقراء على غداء أو عشاء والصفة الثانية أن يعطي كل واحد كيلو من الأرز أو ما يقابله من أوسط ما يطعمون منه أهليهم ويجعل معه شيئاً يؤدمه من اللحم.
***(21/2)
يقول أيضاً هل يجوز إخراج قيمة الكفارة بدلاً منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر القرآن أنه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى يقول (إطعام) وما أوجبه الله تعالى فليس لنا العدول عنه إلا بدليل يدل على ذلك ولكن الإطعام على القول الصحيح يجوز على وجهين أحدهما أن يجمع المساكين الواجب إطعامهم على غداء أو عشاء والثاني أن يعطيهم شيئاً يتولون هم إصلاحه يعني مداً من البر أو نحوه أو نصف صاع مما دون ذلك كالتمر ونحوه.
***(21/2)
المستمع أبو محمد من القطيف يقول لقد نويت أن أصوم لله شهرين متتابعين تكفيراً عما ارتكبته في حياتي وحينما علم بذلك بعض زملائي سألوني إن كنت قد ارتكبت عملاً يوجب كفارة صيام شهرين متتابعين فقلت لهم لا فقالوا ليس عليك شيء لو لم تكمل الصيام بل لا يجوز لك ذلك فامتثلت كلامهم وقطعت الصيام فهل كلامهم هذا صحيح وماذا يجب علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلامهم صحيح والإنسان لا يمكن أن يفعل من العبادات إلا ما أذن الله فيه ولم يأمر الله تعالى عباده أن يصوموا شهرين متتابعين احتياطاً عما قد يكون وقع منهم من الذنوب ولكن الإنسان مأمور بأن يكثر من التوبة والاستغفار فإن النبي عليه الصلاة والسلام حث على ذلك حيث قال (يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم وأما قطعك الصيام حين أخبروك فهذا حق وهو من كمال الإيمان أن يقف الإنسان عند الحق متى تبين له فقد أحسن من انتهى إلى ما سمع والذي أنصحك وسائر إخواني المسلمين ألا يتعبدوا لله تعالى بشيء حتى يعلموا أنه من شريعة الله ليعبدوا الله تعالى على بصيرة فالشرع ليس إلينا وإنما هو إلى الله ورسوله ولهذا عاب الله تعالى وأنكر على من اتخذوا شركاء معه يشرعون للعباد فقال أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.(21/2)
فضيلة الشيخ: لكن قوله هذا نويت أن أصوم ألا يعتبر فيه حكم النذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا ليس نذراً لأنه إخبار عما نوى فقط ثم لو كان نذراً وهو ليس بمشروع فإنه لا يلزم الوفاء به.(21/2)
فضيلة الشيخ: ولا يلزمه مقابل ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو صح أن يكون نذراً للزمه كفارة يمين على عدم الوفاء به كما يلزم في بقية النذور كل النذور التي لا يلزم الوفاء بها كنذر المباح ونذر اللجاج الغضب ونحوها فيها كفارة يمين إذا لم يفعلها.
***(21/2)
إذا كان على شخص عدة أيمان يعني حلف عدة مرات على عدة أشياء فهل تكفيرها يجزئ عن كل هذه الأيمان أم كل حلف يحتاج إلى تكفير مستقل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأيمان إذا كانت على فعل واحد فإنه يجزئه كفارة واحدة مثل أن يقول والله لا أكلم فلاناً ثم يقول له بعض الناس كلمه فالهجر حرام ثم يقول والله لا أكلمه ثم يقول له آخر كيف تحلف كلمه فهذا أخوك المسلم فيقول ثالثةٌ والله لا أكلمه فهذه أيمانٌ ثلاثة لكن المحلوف عليه شيء واحد فهذا يجزئه كفارةٌ واحدة لأن المحلوف عليه شيء واحد وأما إذا كان المحلوف عليه متعدداً مثل لو قال والله لا أكلم فلاناً والله لا أدخل هذا البيت والله لا آكل هذا الطعام وما أشبه ذلك من الأنواع المتعددة ثم حنث في يمينه وفعل ما حلف على تركه فهذا إن كفر على واحدة منها لزمه الكفارة لغيره إذا حنث فيه وإن لم يكفر فإنه محل خلافٍ بين أهل العلم منهم من قال يجب عليه لكل فعلٍ كفارة ومنهم من قال تكفيه كفارةٌ واحدة فالذين قالوا عليه لكل فعلٍ كفارة اعتبروا أن المحلوف عليه متعدد ولكل محلوفٍ عليه كفارة والذين قالوا تجزئه كفارةٌ واحدة قالوا إن المحلوف عليه كتعدد أسباب الوضوء فإن الرجل قد يأكل لحم إبلٍ وقد ينام وقد يخرج من سبيليه شيء ويجزئه وضوءٌ واحد قالوا وهذا مثله تجزئه كفارةٌ واحدة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه إذا حلف على أشياء متعددة وحنث فيها ولم يكفر فإنه تجزئه كفارةٌ واحدة على الجميع.
***(21/2)
أحسن الله إليكم يقول في أيام شبابي كنا نحلف باليمين وبعض هذه الأيمان لا تتم وهي كثيرة لا أستطيع حصرها وقد تبت من ذلك فهل التوبة تكفي أم لا وإذا كانت التوبة لا تكفي فهل يجوز أن أصنع طعاما وأقوم بتوزيعه على حجاج بيت الله حيث أنني أسكن المدينة النبوية حيث أنني لا أعلم كم عدد تلك الأيمان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الأيمان قبل البلوغ فلا شيء عليه إذا حنث فيها لأن من شرط الإلزام والتكليف البلوغ وإن كان بعد بلوغه وقد اعتاد أن يقول عند اليمين إن شاء الله فلا شيء عليه أيضا حملا لليمين على العادة وكذلك إن تأكد أنه يقول إن شاء الله فلا شيء عليه وأما إذا لم يتأكد وليس من عادته أن يقول إن شاء الله فعليه كفارة لكل يمين وإذا أشكل عليه كفر عما يتيقن فقط ولكن ليعلم أنه إذا كان المحلوف عليه شيئا واحدا فليس فيه إلا كفارة واحدة ولو تعددت الأيمان مثال ذلك رجل قال والله لا أزور فلانا فهذه يمين فقال له بعض الناس لماذا لا تزور فلان. فلان طيب فلان صاحبك فلان قريبك زره قال والله لا أزوره فهذه يمين ثانية ثم قيل له في ذلك فقال والله لا أزوره فهذه يمين ثالثة هذه الأيمان الثلاث تكفيه كفارة واحدة لأن المحلوف عليه شيء واحد وكذلك لو حلف يمينا على أشياء متعددة فقال والله لا أزور فلانا ولا ألبس هذا الثوب ولا أكلم فلانا واليمين واحدة فعليه كفارة واحدة أما إذا تعدد المحلوف عليه وتعددت الأيمان فعليه لكل واحد كفارة لكن إذا شك هل هي ثلاثة أو أربعة لم يلزمه إلا ثلاثة.
***(21/2)
أحسن الله إليكم الشيخ يقول السائل إذا وجب على والدتي كفارة فهل يجوز أن أكفر عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا وجب على أحد كفارة وكفر عنه أحد بإذنه فلا بأس لأنه يكون كالوكيل له والوكيل في دفع الكفارات وفي دفع الصدقات وكالته نافذة وصحيحة وسواء أخرج الكفارة من مال والدته أو من ماله هو.
***(21/2)
فتاوى الأيمان والنذور - كتاب النذور(21/2)
جزاكم الله خيرا السائلة هـ ج تقول في السؤال ما هو النذر وهل هو مكروه أم محرم وأسأل عن الكفارة وهل النذر الذي تحت سيطرة الخوف يقع أم لا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر هو أن يلتزم الإنسان لربه تبارك وتعالى بطاعة أو غيرها ويُسمى معاهدة على حد قول الله تبارك وتعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وهو مكروه ابتداءً يعني أن ابتداء عقده مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وأخبر أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل وأخبر أنه لا يرد قضاءً) يعني ولا يرفع القضاء وإنما هو إقحام للنفس بما ليس بواجب عليها وما أكثر الذين ينذرون ثم يتأسفون على ذلك وما أكثر الذين ينذرون ثم لا يوفون ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى تحريم النذر وأنه لا يجوز للإنسان أن يلزم نفسه بشيء قد عافاه الله منه وعلى كل حال فمن نذر طاعة لله وجب عليه أن يوفي بنذره ومن نذر معصية فإنه لا يحل له أن يوفي بنذره ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) مثال للطاعة أن يقول قائل لله علي نذر أن أصوم يوم الاثنين القادم فهذا نذر طاعة فيقال له يجب عليك أن توفي بنذرك وأن تصوم يوم الاثنين ومثال المعصية أن ينذر شخص بسرقة مال من شخص آخر فهنا نقول له لا يحل لك أن تفعل ما نذرت ولكن عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة بقي نذر المباح فنذر المباح يخير الإنسان بين فعله أو كفارة يمين مثل أن يقول لله علي نذر أن ألبس هذا الثوب فنقول له هذا نذر مباح إن شيءت وفيت بنذرك ولبست الثوب وإن شيءت لم تف بنذرك ولكن عليك كفارة يمين وإنني أحذر إخواني المسلمين من النذر كله لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ولأن الإنسان في عافية فلا ينبغي له أن يشدد على نفسه ولأن النذر لا يرد قضاءً فإن بعض الناس إذا صعب عليه الشيء أو أيس من الشيء ذهب ينذر لله علي نذر إن حصل كذا وكذا لأفعلن كذا وكذا نقول يا أخي إن الله إذا قدره فإن نذرك لا أثر له لا في إيجاد الشيء ولا في إعدامه ولكن اسأل الله العافية واسأله مطلوبك كما قال ربك عز وجل (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .
***(21/2)
يقول السائل ما حكم النذر هل هو حرام أو حلال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر الذي يترجح عندي أنه حرام ولا يجوز (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه) والأصل في النهي التحريم ولأنه يكلف الإنسان فيه نفسه فيما لم يكلفه الله به ولأنه عرضه لعدم الوفاء به كما يوجد كثيراً في الناذرين لا يوفون بما نذروا وهذا خطر عليهم لا سيما أن بعض الناس إذا اشتد به الكرب واشتد به الأمر نذر نذراً كبيراً ثم يشق عليه بعد ذلك الوفاء به وهذا خطير جداً والذي أرجحه وأميل إليه هو أن النذر محرم وليس مكروها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه والأصل في النهي التحريم ولما فيه من المشقة لإلزام الرجل نفسه ما لا يلزمه والإنسان في عافية.
***(21/2)
سائل يقول كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع فما هو أصلها وما موقف التشريع الإسلامي منها أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لست أعلم ما يريد بالنذور فأخشى أنه يريد بالنذور ما يُنذر للأموات فإن كان يريد ذلك فإن النذور للأموات من الشرك الأكبر لأن النذر خاص لله عز وجل فإذا قال قائل لصاحب هذا القبر عليَّ نذر أن أذبح له أو لصاحب هذا القبر نذر أن أصلى له أو ما أشبه ذلك من العبادات التي تُنذر لأصحاب القبور فإن هذا بلا شك شرك مخرج عن الملة أما إن أراد بالنذر النذر لله عز وجل فهذا فيه تفصيل إن كان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به سواء كان النذر مطلقاً أو معلقاً بشرط فإذا قال قائل مثلاً لله علي نذر أن أصوم غداً وجب عليه أن يصوم ولو قال لله علي نذر أن أصلى ركعتين وجب عليه أن يصلى ركعتين أو قال لله علي نذر أن أحج وجب عليه أن يحج وكذا لو قال لله علي نذر أن أعتمر وجب عليه أن يعتمر أو قال لله علي نذر أن أصلى في المسجد النبوي وجب عليه أن يصلى في المسجد النبوي إلا أنه إذا نذر شيئاً فله أن ينتقل إلى ما هو خير منه لو نذر أن يصلى في المسجد النبوي فله أن يصلى بدلاً من ذلك في المسجد الحرام لأنه ثبت أن رجلاً قال يوم الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال النبي صلى الله عليه وسلم (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه الرجل مرتين فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (شأنك إذن) فهذا دليل على أنه إذا نذر شيئاً وفعل ما هو خير منه من جنسه فإنه يكون جائزاً وموفياً بنذره هذا في نذر الطاعة سواءً كان مطلقاً كما مثلنا أو كان معلقاً بشرط كما في هذا الحديث (إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس) ومثل النذور المعلقة أيضاً ما يفعله كثير من الناس يكون عندهم المريض فيقول إن شفى الله هذا المريض فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من أمور الخير فيجب عليه إذا شُفي هذا المريض أن يوفي بما نذر من طاعة الله ومثله أيضاً ما يفعله بعض الطلبة يقول إن نجحت فلله علي كذا من أمور الطاعة لله علي أن أصوم ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو يوم الاثنين والخميس من هذا الشهر أو ما أشبه ذلك فكل هذا يجب الوفاء به لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ومع هذا فإني أنصح إخواننا المسلمين أنصحهم ألا ينذروا على أنفسهم لأن النذر أقل أحواله الكراهة بل إن بعض العلماء حرمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال (إن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل)) ولأن الناذر ألزم نفسه بأمر هو في عافية منه ولأن الناذر قد يتراخى ويتساهل في الوفاء بالنذر وهذا أمر خطير واستمعوا إلى قول الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فإذا تساهل الإنسان فيما نذر لله على شرط فإنه يوشك أن يُعاقب بهذه العقوبة العظيمة يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى أن يموت نسأل الله السلامة والعافية ثم إن النذر في هذه الحال كأن الناذر يقول إن الله لا يعطيني ما أريد إلا إذا شرطتُ له وهذا في الحقيقة سوء ظن بالله عز وجل فالله تبارك وتعالى يتفضل على عباده بدون أن يشترطوا له شرطاً أو شيئاً فأنت إذا حصل لك مكروه أو أردت مرغوباً فاسأل الله وادعه هذه طريقة الرسل كما قال الله تعالى عنهم عن الذين أُصيبوا ببلاء أنهم يناجون الله عز وجل ويدعونه فيستجيب لهم (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) وهل أيوب نذر لله نذراً إن عافاه الله لا بل دعى ربه وهكذا أيضاً سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين إذا أرادوا من الله ما يرغبون توجهوا إليه بالرغبة والدعاء أن يعطيهم ذلك وإذا أرادوا من الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنهم ما يكرهون دعوه سبحانه وتعالى ولجأوا إليه بأن يصرف عنهم ما يكرهون هذه سبيل المرسلين من الأولين والآخرين أخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يخرج الإنسان عن طريقتهم فالمهم أننا ننصح إخواننا الابتعاد عن هذا الأمر وكثير ما يسأل الناس الذين نذروا على أنفسهم نذوراً يسألون يريدون أن يجدوا من أهل العلم من يخلصهم منها فلا يجدون من يخلصهم.
***(21/2)
رسالة السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله عز وجل وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظراً لطول المدة على هذه النذور فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال الهام أولاً كونها تنذر لله عز وجل ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال (إنه لا يأتي بخير) فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان ولا النذر هو الذي يدفع الشر إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره ولهذا جاء في حديث آخر (أن النذر لا يرد القضاء) فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فلا يظن الظان إذا نذر شيئاً وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر لأن النذر مكروه منهي عنه والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله عز وجل وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله هذا فيه مضادة إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب أي بما يحبه الله عز وجل حتى يحصل للمتوسل ما يحب.
ثانياً: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة والصلاة فيها لا تصح ويجب أن تهدم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن البناء على القبور وقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ولرسوله ولكتابه وللمسلمين أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد فإن الواجب نبشه لأن المسجد لم يبن على أنه مقبرة بل بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن فالواجب نبش هذا القبر وإخراج الميت منه ودفنه مع الناس ولا يجوز إقرار القبر في المسجد فإن قال قائل كيف تقول هذا وقبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده الآن والمسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا فالجواب أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة وقبر النبي عليه الصلاة والسلام لم يبن عليه المسجد ولم يدفن الرسول في المسجد فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد والمسجد لم يبن على قبره المسجد كان قديماً بناه الرسول عليه الصلاة والسلام من حين قدم المدينة مهاجراً والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر فيه وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه فدخلت فيه بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان من جملتها بيت عائشة لكنه بيت مستقل لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد فهو حجرة في مسجد قائمة قبل بناء المسجد أعني الزيادة في المسجد ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد أو يبنى المسجد على القبر وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقاً وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم وما أكثر الأمور المتشابهات بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات من أجل أن يضلوا بها عباد الله هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال.
أما المسألة الثالثة وهي أنها لا تعلم أن النذور التي نذرت فلا يجب عليها إلا ما علمته لأن الأصل براءة الذمة فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين ولكنني أكرر النهي عن النذر سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط أكرر ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير) هكذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بخير لا يرد قضاءً ولا يرفع بلاءً وإنما يكلف الإنسان ويلزمه ما ليس بلازم له وما هو بعافية منه سواء كان هذا النذر معلق بشرط مثل أن يقول إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا أو غير معلق مثل أن يقول لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلاً فالبعد البعد عن النذر نسأل الله السلامة.
***(21/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذه السائلة هـ ع ج وادي الدواسر تقول ما صيغة النذر وهل النذر هو اليمين وهل إذا قلت مثلاً نذر علي أن لا أفعل كذا وبعد ذلك رجعت وفعلت هذا هل علي كفارة وهل كفارة اليمين هي كفارة النذر وأخيراً إذا قلت والله العظيم ثم قلت أستغفر الله فهل الاستغفار يلغي الحلف بالله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر ليس له صيغة معينة بل كل كلمة يفهم منها أن العبد ألزم نفسه لله تعالى بشيء فهو نذر وقد سمى الله النذر معاهدة فقال تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ) فإذا قال القائل لله علي عهد أن أفعل كذا فهو نذر أما القسم فليس إلزاماً للنفس ولكنه تأكيد للخبر ولذلك فرقوا بينه وبين النذر من عدة وجوه وأما إذا نذر الإنسان أن لا يفعل شيئاً ففعله فهذا النذر حكمه حكم اليمين كما قال العلماء رحمهم الله فإذا حنث فيه فعليه كفارة يمين وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وبالمناسبة أود أن أنبه إخواني بأن النذر مكروه أو محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاءاً) وكثير من الناس اليوم إذا تعسر عليه الأمر يقول إن حصل كذا فلله علي نذر أن أفعل كذا وهذا غلط لأن هذا النذر لا يأتي بخير إن كان الله أراد أن يأتي بالخير لك أتاك بدون نذر وإن كان الله لم يرد ذلك فإنه لا يأتيك ولو نذرت وكثير من الناس يكون عنده المريض ويشفق عليه ويقول إن شفى الله مريضي لأصومن كل يوم اثنين أو خميس فيشفى المريض ثم لا يفي هذا الناذر بما عاهد الله عليه يثقل عليه أن يصوم كل يوم اثنين أوخميس فلا يفعل وهذا على خطر عظيم لأن الله تعالى قال في كتابه (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) نعوذ بالله يعني جعل في قلوبهم نفاقاً إلى الموت وهذا خطير جداً وإننا نسأل هذا الرجل إذا قلت لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أصوم الاثنين والخميس فهل هذا يوجب أن يشفى المريض لا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إنه لا يرد قضاءً) هل إذا لم ينذر يوجب أن يموت الإنسان من مرضه لا يوجب هذا إن كان الله أراد لمريضك الشفاء شفاه بدون نذرك وإن كان الله لا يريد له الشفاء لم ينفعه نذرك وما أكثر الذين يذهبون إلى العلماء ويقرعون باب كل عالم ينذرون الشيء على شيء من الأشياء ثم يحصل فيندمون ويطلبون الخلاص مما نذروا وهذا يؤيد نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النذر فعلى الإنسان أن يتقي الله في نفسه وأن يحمد الله على العافية وأن لا يلزم نفسه شيئاً لم يلزمه الله تعالى به أما إذا نذر ووقع النذر فإن كان نذر طاعة وجب عليه الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وإن كان نذر معصية حرم الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) لكن عليه كفارة يمين وإن كان نذرا مباحا خيِّر بين فعله وتركه فإن فعله فقد وفى بنذره وإن لم يفعله وجب عليه كفارة يمين.
***(21/2)
ما هي صيغة النذر التي يجب على الإنسان الوفاء بها هل يسبق ذلك حلف أو مثلاً يقول علي أن أفعل كذا وكذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر ليس له صيغة معينة بل كل قولٍ يدل على التزام العبد بالشيء لله فهو نذرٌ فإن قرنه باليمين صار يميناً ونذراً.
***(21/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل يقول إذا أراد العبد من ربه حاجة ثم أتجه إلى ربه يدعوه وقال يا ربي لك علي عهد إذا حققت طلبي ألا أفعل كذا أو كذا ثم حقق الله لعبده الحاجة وندم العبد على ما عاهد الله عليه لأن في ذلك العهد مضايقة له هل يجوز ترك هذا العهد مع الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لابد أن نعلم ما الذي عاهد الله عليه أن يتركه إن كان شيئاً مباحا مثل أن يقول علي عهد الله ألا آكل الطعام الفلاني فهنا نقول كله وكفر عن نذرك لأن هذا نذر مباح وأما إذا كان شيئا محرما وقال عليَّ عهد الله ألا أغتاب الناس فإنه يجب عليه ألا يغتاب وتكون الغيبة عليه محرمة من وجهين الوجه الأول: أنها في الأصل محرمة بل من كبائر الذنوب والثاني: أنه عاهد الله على تركها إذا تحققت له الحاجة الفلانية وقد تحققت وليعلم أن النذر في أصله مكروه أو حرام بمعنى أنك لا تقول لله على نذر أبدا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال (إنه لا يأتي بخير)) فإذا اجتمع نهي ونفي الخير هذا يدل على كراهته كراهة شديدة بل بعض العلماء قال إنه حرام وما أكثر الذين ينذرون ويتأسفون فيما بعد وما أكثر الذين ينذرون ثم لا يوفون والناذر إذا نذر طاعة ولم يوف وهذا النذر مقيد بشيء حققه الله له فإنه يخشى عليه من النفاق قال الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فأنهى إخواني عن النذر كما نهاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك وأقول إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء فالمقضي سيكون والخير سيكون بدون نذر إذا كان الله أراده وبعض الناس إذا كان عنده مريض وطال المرض أو كان المرض شديدا أو يئس من برئه قال لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أفعل كذا وكذا فيشفى المريض ثم لا يوفي أو يوفي بمشقة شديدة ما ألزمه الله بها إلا بالنذر فليتق الله ولا يخاطر وليرفق بنفسه وليعلم أن ما أراد الله قضاءه سيكون سواء نذر أم لم ينذر وما لم يرد الله لم يكن ولو نذر.
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمع أيضًا يقول هل يقع النذر على من قال إني نذرت أن أصوم غداً إذا جاء فلان فهل يقع عليه نذر إذا لم يأت ذلك الرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أنصح إخواني السائل وغيره ممن يستمعون أنصحهم عن النذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وما أكثر الذين نذروا ثم ندموا على نذرهم لأنهم ألزموا أنفسهم ما لم يلزمهم به الله وكثير من الناس ينذر إذا نجح أن يصوم شهراً أو عشرة أيام أو أقل أو أكثر وكثير من الناس ينذر إن كان عنده مريض إن شفاه الله أن يذبح بقرة أو يذبح غنماً أو يتصدق بشيء ثم إذا حصل له ذلك صار يماطل ربه ولا يوفي بما نذر لله عز وجل وهذا أمر خطير جداً قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فتأمل هذه العقوبة العظيمة أن الله تعالى جعل في قلوبهم النفاق المستمر إلى الموت نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون فهم أخلفوا الله ما عاهدوه لأنهم عاهدوا الله والنذر عهد عاهدوا الله عز وجل على أن يتصدقوا ويكونوا من الصالحين وكذبوا في ذلك ويدل على كراهة النذر قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ) هذه نصيحة أوجهها لكل إخواني المستمعين وأقول إياكم والنذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وأنتم تعلمون ما يحصل به من المشاق أو العذاب إن أخلفتم ما وعدتم الله سبحانه وتعالى وأما سؤال السائل عن كونه نذر أن يصوم غداً إذا قدم فلان ولم يقدم فلان فإنه لا يلزمه الصوم لأنه إنما نذر الصوم مقيداً بقدوم فلان غداً فلما لم يقدم فقد تخلف الشرط وإذا تخلف الشرط تخلف المشروط وليس عليه شيء في ذلك النذر لأنه لم يتم الشرط الذي شرطه.
***(21/2)
جزاكم الله خيرا يقول السائل إذا نذر الشخص وهو نائم هل يجب عليه أن يفي بما نذر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نذر النائم ليس بشيء لأن إقرار النائم ليس بشيء فجميع تصرفات النائم ليس بشيء النائم لا ينسب إليه الفعل حتى لو طلق زوجته وهو نائم لم تطلق ولو أوقف ماله وهو نائم لم يكن وقفا ولو ظاهر من زوجته وهو نائم لم يثبت حكم الظهار في حقه ولو طلقها لم يثبت حكم الطلاق في حقه لأن النائم لا حكم لتصرفه إلا في مسألة واحدة وهي فعله الذي لا يعذر فيه الجاهل مثل أن ينقلب على شخص إلى جنبه يقتله فهذا عليه الضمان كما لو انقلبت الأم على طفلها وضمته حتى مات فإنها تضمنه ويدل على أن فعل النائم لا ينسب إليه قول الله تبارك وتعالى في أصحاب الكهف (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) فجعل الله تعالى تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال غير منسوب إليهم بل ومن فعله تبارك وتعالى.
***(21/2)
هل النذر في المنام يثبت أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر في المنام لا يثبت وجميع الأقوال في المنام لا تثبت.
***(21/2)
حفظكم الله الناذر يا شيخ لو قرن ذلك بالمشيئة قال نذرت لله إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قيّده بالمشيئة فلا حنث عليه فإن شاء وفّى وإن شاء لم يوفِ.
***(21/2)
أحسن الله إليكم متى يجب الوفاء بالنذر وهل وفاء النذر واجبٌ في كل حال أي ما دام أنه نذر وجب عليه الوفاء وإن لم يحصل ما أراده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النذر قسمان قسمٌ مطلق وقسمٌ معلق فالمطلق أن يقول الناذر لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام فيجب عليه أن يبادر بالصوم لأن الأصل في الواجب أنه على الفور وقسمٌ آخر معلق مثل أن يقول إن رد الله علي ما ضاع مني فلله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام فمتى رد الله عليه ما ضاع منه ولو بعد سنة أو سنتين أو أكثر وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام من حين أن يرد الله عليه ذلك ولكن يجب أن نعلم أن النذر مكروه وأنه يكره أن ينذر الإنسان شيئاً سواءٌ كان مطلقاً أم معلقاً بل لو قيل إنه حرام أي النذر لكان له وجه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير) وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن كثيراً من الناذرين يندمون على نذرهم ويتمنون أنهم لم ينذروا ويذهبون إلى كل عالم إذا نذروا لعلهم يجدون رخصةً في ترك النذر والنذر كما أنه لا يأتي بخير فإنه أيضاً لا يرد قضاءً كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا كان عند الإنسان مريض وقال إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أتصدق بمائة ريال فهذا النذر لا يوجب الشفاء إن كان الله أراد له شفاءً شفي بدون نذر وإن لم يرد الله له شفاءً لم يُشفَ ولو نذر وهذا معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنه لا يأتي بخيرٍ ولا يرد قضاءً) فاحمد ربك يا أخي على العافية ولا تلزم نفسك بشيء فتندم ولكن إذا نذرت طاعة فلا بد من وفائك بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) .
***(21/2)
تقول السائلة امرأة نذرت صيام أسبوع إذا حقق الله لها أمراً من أمور الدنيا وفعلاً تحقق لها هذا الأمر وفعلاً وفت بنذرها فالسؤال هل يكتب لها أجرٌ على صيامها لهذا وتزيد حسناتها بذلك الصيام أم لا لأن صيامها كان من أجل تحقيق أمرٍ من أمور الدنيا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هي تؤجر على وفائها بالنذر لكن لا تؤجر على نذرها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وقال إنه لا يرد قضاءً) وكثيرٌ من الناس مع الأسف إذا حصل له مرض أو لأحدٍ من أقاربه أو أصحابه قال لله علي نذر إن شفاني الله أو شفى الله مريضي أن أصوم شهراً أو أن أتصدق بكذا أو ما أشبه ذلك هذا غلط فهل الله عز وجل لا يكشف السوء إلا بشرط كلا والله. النذر لا يرد قضاء إن كان الله قد قضى على هذا المريض أن يموت مات ولو نذر له أي نذر لشفائه وإن كان الله قد قضى عليه الشفاء شفي وإن لم ينذر له فالنذر كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يرد قضاءً ولا يأتي بخير ونهى عنه) ولهذا مال بعض أهل العلم إلى تحريم النذر وأن الإنسان يجب عليه أن يمسك والقول بأنه حرام قولٌ قوي وليس ببعيد.
أولاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه.
ثانياً أن الإنسان إذا زالت عنه النقمة أو حصلت له النعمة ينسبها إلى نذره يقول لما نذرت أتى الله لي بالخير أو لما نذرت شفى الله مريضي لا ينسبها إلى فضل الله وهذه مسألة عظيمة.
ثالثاً أن الناذر ما أسرع ما يندم يقول ليتني ما قيدت نفسي ليتني لم أنذر فيندم ندماً عظيماً ثم إذا وقع ما اشترط ذهب إلى باب كل عالم يسأله لعله يتخلص فيقع في مشكلة عظيمة وما أكثر الذين يطلبون التخلص ثم إنه أحياناً لا يفي بما نذر أن يعطيه الله عز وجل ما أحب ولكنه لا يفي لله بما نذر وهذا خطرٌ عظيم أيضاً قال الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) ربما يصاب هذا الناذر الذي لم يفِ بما وعد الله ربما يصاب بالنفاق إلى الموت والعياذ بالله فابتعد يا أخي عن النذر إياك والنذر لا تنذر فإن كان لك مريض فاسأل الله له الشفاء وإن كنت فقدت شيئاً من مالك فاسأل الله أن يرده عليك وإن كنت فقيراً فاسأل الله الغنى ولا تنذر.
***(21/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل من الرياض يذكر بأنه شاب يقول عليّ ذنوب كثيرة من نذور وأيمان وصلوات ضائعة فيما سبق وغيرها والآن أنا تبت إلى الله وسؤالي ماذا أفعل تجاه هذه الذنوب وكيف أكفر عنها علما بأنني لا أعلم عدد النذور ولا الأيمان ولا الصلوات الضائعة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصلوات التي تركتها وأخاطب السائل الآن فإنه يكفي أن تتوب إلى الله تعالى من تركها وأن تحسنها فيما يستقبل من عمرك ولا تقضِ ما فات لأن من أخرج فرضا عن وقته بلا عذر شرعي لا يقضيه عنه الدهر كله بمعنى أنه إن بقي يصلى إلى أن يموت ما نفعه لأن العبادة المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها ثم فعلها بعد الوقت لم تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود وأما بالنسبة للنذور والأيمان فتحرَّ ما عليك وما شككت فيه لا يلزمك فمثلا إذا قلت في نفسك ما أدري هل علي عشرة أيمان أو خمسة اجعلها خمسة لأن هذا هو المتيقن وكذلك النذور إذا كنت شككت هل نذرت عشر مرات أو خمس مرات أن تطعم المساكين فاجعلها خمسة مرات لأن هذا هو المتيقن وما زاد على ذلك مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.
***(21/2)
سائل يقول عندما حضرت إلى المملكة للعمل سألت الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في عملي وسفري هذا ونذرت لله سبحانه وتعالى أن أصلى يومياً أربع ركعات حمداً وشكراً له وذلك طول حياتي وذات يوم نسيت صلاة هذه الأربع ركعات وقمت بصلاتها في اليوم التالي فما الحكم في هذا السهو هل قضاؤها ثاني يوم مقبول أم الأمر فيه كفارة أرجو إفادتكم بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على سؤاله أود أن أنبه وكم نبهت ونبه غيري أن النذر مكروه حتى قال بعض العلماء إنه حرام وذلك (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه) وفي القرآن ما يشير إليه أي إلى النهي عنه حيث قال الله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ٌ) أي أطيعوا الله تعالى بدون أن تقسموا أو أطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمركم بالخروج بدون أن تقسموا والنبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير) والنظر يقتضي النهي عنه أيضاً ذلك لأن كثيراً من الناذرين يصعب عليهم أن يوفوا بنذورهم فتجدهم يذهبون إلى كل عالم يطرقون بابه لعلهم يجدون الخلاص منه وبعضهم يتهاون ولا يوفي بنذره وإذا تهاون الإنسان بنذره الذي يجب عليه الوفاء به فإنه يخشى عليه من النفاق لقول الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وبعد هذا نجيب على سؤال السائل ونقول إنك نذرت أن تصلى لله تعالى أربع ركعات طول حياته ما دام في المملكة كما يظهر لي من سؤاله والصلاة طاعة لله عز وجل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وعلى هذا فيلزمك أن تصلى كل يوم أربع ركعات كما نذرت فإذا نسيتها ذات يوم فصلها متى ذكرتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها ولا كفارة لها إلا ذلك) والواجب بالنذر أن يحذو به حذو الواجب بأصل الشرع أما لو تركتها عمداً إلى اليوم الثاني فإنك آثم بذلك لأنك لم تأت بنذرك وعندي تردد في كونه يجزئك أن تقضيه في اليوم الثاني أو لا يجزئك لأنها صلاة مؤقتة بوقت أخرجتها عن وقتها بدون عذر شرعي فلا تكون مقبولة منك لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وأنت مأمور أن توفي بنذرك في وقته الذي عينته فإن أخرته عن وقته الذي عينته عمداً فقد فعلت غير ما أمرت فيكون ذلك مردوداً عليك وفي هذه الحال تكفر كفارة يمين لفوات النذر عن وقته وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(21/2)
هذه مستمعة من الأردن بعثت برسالة طويلة تقول في رسالتها بأنها متزوجة منذ سبع وعشرين عاما تقول إنها أنجبت من الأولاد ومن ضمن هؤلاء الأولاد بنتاً وقد مرضت بعد سنتين من ولادتها بمرض يسمى حوض البحر الأبيض المتوسط حيث كانت تحتاج دائماً إلى دم وقد قال الأطباء والمشرفون على تمريضها اتركيها حتى تموت من المرض فانزعجت من كلام الأطباء ولم أعر هذا الكلام اهتماما وتوكلت على الله فكان معي ومعها فصرت أرعاها وأهتم بها حتى أنهت الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية فالكلية وبتقدير ممتاز والحمد لله على ذلك وقد أجرينا لها عملية تكللت بالنجاح تقول السائلة بأنها هي وزوجها لا تملك المال وعندهم أولاد في الجامعات وكان لي أرض من أبي فقلت ونذرت إذا شفيت من العملية سوف أهب هذه الأرض للأوقاف أو للجمعية الإسلامية لكي يبنوا عليها مسجداً جامعاً فنجحت العملية بفضل الله ولكن زوجي عارض ذلك قال إننا لا نملك مالاً نشتري به أرضاً أو بيتاً والأولاد بحاجة إلى هذه الأرض وسألت علماء الشريعة في بلدي فقالوا عليك أن تطعمي عشرة مساكين أو تكسيهم أو تتحملي أشياء من مواد البناء لجامعٍ جديد وقد أصيبت ابنتي الثانية بنفس المرض وما زلت أدفع أموالاً كثيرة لعلاجها نرجو منك فضيلة الشيخ محمد الإجابة على ذلك أو آخذ بفتوى علماء بلدي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا أنه لا ينبغي للإنسان إذا استفتى عالماً يثق به أن يسأل غيره بل نص أهل العلم أن الإنسان إذا استفتى شخصاً ملتزماً بقوله وبما يفتي به فإنه لا يحل له أن يفتي غيره وبناءً على ذلك فإن استفتاءك للعلماء الذين في بلدك وإفتاءهم إياك بما ذكرتي في السؤال يمكنك أن تقتصري عليه وأن لا تسألي منه أحداً بعد ذلك لأن الإنسان لا يكلف أن يسأل كل عالم من علماء المسلمين بل عليه أن يسأل من يثق به وإذا سأل من يثق به فليقتصر على ما يفتى به ولا يسأل أحداً غيره ولوفرض أن الإنسان وقع في مشكلة أو وقعت عليه مشكلة ولم يكن عنده إلا عالم فاستفتاه للضرورة وهو في نفسه يقول إنني إذا قدرت على عالمٍ أوثق منه سألته فلا بأس حينئذٍ أن يسأل عن هذا الأمر الذي وقع فيه الإشكال ولو كان قد سأل عنه العالم الذي في بلده وخلاصة الجواب أني أقول ما دمتي قد سألتي العلماء الذين عندك ففيهم إن شاء الله تعالى كفاية.
***(21/2)
رسالة وصلت من المستمع مصباح سلمان من أثيوبيا ومقيم في جدة بعث برسالة يقول فيها إذا حلف الإنسان قائلاً عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو عليّ ندر لله أن أفعل كذا ثم حنث ولم يوفِ بهذا العهد هل عليه كفارة وما هي أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه إخوتنا المستمعين إلى أن النذر الذي يلتزم به الإنسان مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج من البخيل) حتى إن من أهل العلم من قال إن النذر محرم لأن الإنسان يلزم نفسه بما لا يلزمه فيشق على نفسه وربما يتأخر عن إيفائه فيعرض نفسه للعقاب العظيم الذي ذكره الله تعالى في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وقد أشار الله عز وجل إلى كراهة النذر وإلزام الإنسان نفسه فقال تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) ثم إننا نسمع دائماً عن أناس نذروا نذوراً معلقة على شرط من الشروط كأن يقول إن شفى الله مريضي فلله عليَّ نذر أن أصوم كذا أو أن أتصدق بكذا أو إن شفاني الله أو ما أشبه ذلك ثم يحصل له ما علق النذر عليه ولا يفي به وهذا كما أشرت إليه أنفاً تعريض من الإنسان لنفسه أن يقع في هذه العقوبة العظيمة أن يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وإذا ابتلى الإنسان فنذر فإن كان النذر نذر طاعة فإنه يجب عليه الوفاء به ولا يحل له أن يدعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ولا فرق بين أن يكون النذر طاعة واجبة كأن يقول الإنسان مثلاً لله عليّ نذر أن أودي زكاتي أو نذر طاعة مستحبة كأن يقول لله عليّ نذر أن أصلى ركعتين، ولا فرق بين أن يكون هذا النذر مطلقاً غير معلق بشيء أو يكون معلقاً بشيء فالأول كأن يقول لله عليّ نذر أن أصوم الاثنين والخميس والثاني أن يقول إن شفى الله مريضي أو إن شفاني الله فلله عليّ نذر أن أصوم الاثنين والخميس وعلى كل حال كل نذر طاعة فإنه يجب الوفاء به ولا يحل له أن يدعه ويكفر ولو فعل كان أثماً، أما إذا كان النذر غير الطاعة فإن كان نذر معصية فإنه لا يجوز الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يعصى الله فلا يعصه) ولكنه يجب عليه كفارة يمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كفارة النذر كفارة يمين) وهذا عام فكل نذر لا تفي به فإن عليك فيه كفارة يمين، وكفارة اليمين بينها الله تعالى في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (المائدة: من الآية89) وهذه الثلاثة على التخيير (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) (المائدة: من الآية89) وبناء على هذه القاعدة يلزم على السائل الذي قال لله علي نذر أن أفعل كذا وكذا ولم يفعله يلزمه أن يكفر كفارة يمين فيطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة، والإطعام له كيفيتان الكيفية الأولى أن يصنع طعاماً غذاءً أو عشاءً ويدعو إليه عشرة مساكين فيأكلوه والثانية أن يفرق عليهم طعاماً كالأرز مثلاً ويحسن أن يجعل معه لحماً يؤدمه ومقداره أي مقدار الواجب من الأرز إذا أراد أن يفرقه بدون طبخ مقدار ربع صاع من صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خمس صاع بصاعنا الموجود حالياً ولو أخرج إنسان للعشرة عشرة كيلوات لكل واحد كيلو لكان أدى الواجب وزيادة والله أعلم.
***(21/2)
بارك الله فيكم في رسالة المستمعة هناء محمد تقول فضيلة الشيخ ما هو عقاب من لم يوفِ بالنذر وماذا يعمل إذا نسي هذا النذر الذي نسيه وهل يصح للإنسان أن ينذر بأي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عقوبة من نذر ولم يوفِ بنذره إذا كان الوفاء بالنذر واجباً عليه ما ذكره الله تعالى في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وهذه عقوبة عظيمة أشد من أي عقوبة مادية لأنها أي هذه العقوبة نفاق في القلب يبقى إلى الممات (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) ، وهذه عقوبة والله عظيمة فالواجب على من نذر نذراً يجب عليه الوفاء به أن يتقي الله عز وجل وأن يوفي بالنذر على حسب ما نذر سواء كان صلاة أو صدقة أو صوماً أو حجاً لئلا يقع إذا أخلف ما عاهد الله عليه في هذه العقوبة العظيمة، ولكن من النذر ما لا يجب الوفاء به كما لو جرى النذر مجرى اليمين بأن يكون المقصود به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ففي هذه الحال لا يجب عليه الوفاء بالنذر ويكفيه كفارة يمين مثل أن يقول إن لم أكلم فلاناً فلله علي نذر أن أصوم شهرين ولم يكلم فلان ففي هذه الحال لا يجب عليه أن يصوم الشهرين بل له أن يصوم الشهرين وله أن يكفر عن النذر كفارة يمين بأن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وذلك لأن هذا النذر جرى مجرى اليمين فإن المقصود به الحث على تكليمه، وكذلك لو كان المقصود به المنع مثل أن يقول إن كلمت فلاناً فلله عليّ نذر أن أصوم شهرين فكلمه فحينئذ يخير بين أن يكفر كفارة اليمين وسبق بيانها أو يصوم هذين الشهرين لأن هذا النذر جار مجري اليمين وكذلك لو كان النذر في أمر مباح مثل أن يقول لله علي نذر أن أخرج إلى الصلاة بهذا الثوب المعين ويعينه ثم يخرج فيصلى بثوب أخر غيره فإنه في هذه الحال يجزئه كفارة يمين لأن هذا النذر يراد به اليمين وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك أمرىءٍ ما نوى) وأما قول السائل إذا نذر شيئاً فنسيه فإننا نقول إذا نذر شيئاً فنسيه لم يلزمه شيء حتى يتبين فإن أيس من بيانه ومن ذكره فإنه يكفر كفارة يمين على ما سبق بيانه.
***(21/2)
بارك الله فيكم يقول هل يجوز لي أن أودي فريضة الحج قبل أن أوف بنذر كنت قد نذرته حيث أن الوفاء بهذا النذر غير ممكن إلا في بلدي وأنا الآن موجود في السعودية ولا أستطيع الوفاء بالنذر لظروف عملي أرجو الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج عليك في مثل هذه الحال أن تحج قبل الوفاء بالنذر إذا كان الوفاء بالنذر أمراً متيسراً بعد الحج وأنه قبل الحج لا يمكن لأنه في بلدك وأنت الآن في بلد آخر لا يمكنك أن تذهب إلى بلدك قبل حلول موسم الحج ولكن ليت السائل بين لنا لماذا لا يكون وفاء النذر إلا في بلده هل هو لأنه نذره لأحد من أقاربه لا يوجد في البلد الثاني ولا أعلم ما الذي جعله يكون متعيناً في بلده لأنه إذا كان المقصود المكان فقط فإن وفاء النذر في مكة مثلاً أفضل من وفائه في أي بلد آخر ويجوز للإنسان أن ينقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل ودليل ذلك (أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلى في المسجد الأقصى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صل هاهنا يعني في مكة فأعاد عليه فقال صل هاهنا فأعاد عليه فقال له شأنك إذن) وهذا يدل على أن نقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الفاضل لا بأس به لأن أصل النذر إنما يقصد به وجه الله فكل ما كان أشد تقرباً إلى الله كان أولى بأن يوفى به النذر.
***(21/2)
هذا السائل يقول من الحدود الشمالية مدينة رفحاء من الحرس الوطني نايف عبد الله الحربي يقول أفيدكم أنه جرى علي حادث وذلك في وقت ليل ودخلت المستشفى ونذرت نذر أني ما أسافر بالليل إلا وقت النهار وعندما تعافيت ولله الحمد والشكر أجبرتني الظروف أن أسافر بالليل أرجو الإفادة عن هذا الموضوع وما هي الكفارة الذي أنتم تنصحون بها بحيث أني صاحب عمل ويمكن العمل أو الواجب يجبرني على ما ذكرت وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أولاً لا ينبغي للمؤمن أن ينذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال (إنه لا يأتي بخير) ومن المؤسف أن كثيراً من الناس ينذرون إذا حصلت لهم حوادث وأمراض وعلل وفقر ينذرون لله تعالى إن زال عنهم ما يكرهون أن يفعلوا كذا وكذا كأن الله سبحانه وبحمده لا ينعم عليهم إلا بشرط وهذا في الحقيقة خلل ونقص والذي ينبغي للمرء مادام الله قد عافاه من هذا النذر الذي يلزم به نفسه أن يحمد الله على العافية وألا ينذر لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن النذر وأما موضعك أنت فإن نذرك هذا له حكم اليمين لأنه نذر على ترك مباح فأنت لا بأس أن تسافر في الليل وأن تكفر كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام ومن المعلوم أن إطعام عشرة مساكين في وقتنا هذا متيسر جداً ولله الحمد فأنت أطعم عشرة مساكين إما أن تدعوهم إلى بيتك وتغديهم أو تعشيهم وإما أن تملكهم فتدفع إليهم صاعين من الرز إن كانت عندكم الأصواع مثل الأصواع هنا في القصيم وإلا فإن المعتبر الكيلو فبساوي كيلوين وأربعون غراماً لكل أربعة مساكين من الأرز تدفعه إلى العشرة ويحسن أن يكون معه شيء يؤدمه من لحم أو غيره وبهذا تبرأ ذمتك.
***(21/2)
سائل للبرنامج يقول أصبت بمرض وقلت إن شفاني ربي من هذا المرض صلىت ركعتين عند الكعبة والحمد لله شفيت ولم أتمكن من السفر لعوائق فما الحكم وهل هذا من النذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من النذر لأن النذر أن يلتزم الإنسان لربه طاعة وصيغته ليست صيغة معينة لا ينعقد بدونها بل كل ما دل على الالتزام فهو نذر وعلى هذا الناذر الذي مَنَّ الله عليه بالشفاء أن يفي لله تعالى بما عاهد الله عليه فيذهب إلى مكة ويصلى ركعتين عند الكعبة لقول النبي صلى الله وعليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وقد ثبت عن (النبي صلى الله وعليه وسلم أنه جاءه رجل بعد فتح مكة وقال له: يا رسول الله إني نذرت إذا فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس، فقال: صلِّ ها هنا، فأعاد عليه، فقال: صلِّ ها هنا، ثم أعادها عليه، فقال: شأنك) فدل هذا على أن تعين الصلاة في مكان فاضل لحدوث شفاء أو غناء أو ما أشبه ذلك لا بد من تحقيقه والوفاء به ومن لم يفِ بالنذر الواجب فإنه حري بأن يعقبه الله نفاقاً في قلبه والعياذ بالله كما قال تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ولهذا جاءت السنة بالنهي عن النذر فقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وبناء على هذا الحديث أحذر إخواني من النذر سواء كان للشفاء من المرض أو لحصول على ولد أو لحصول زوجة أو نجاحٍ في علم أو غير ذلك لأن الإنسان قد لا يفي بما نذر مع تحقق مراده فيعاقب بهذه العقوبة العظيمة الشنيعة (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أراده الله تعالى فسوف يقع سواء نذرت أم لم تنذر فإذا كان الله قد أراد الشفاء لهذا المريض فإنه سيشفى سواء نذر أم لم ينذر وإذا أراد الله أمرا لشخص فإنه سيحصل سواء نذر أم لم ينذر.
***(21/2)
بارك الله فيكم سائلة تقول نذرت لله أن أقوم صلاة النفل بلا انقطاع إذا شفى الله والدي من مرض خطير ألم به والآن والحمد لله فقد شفي والدي وصلىت النفل بعض الوقت ولكن لم أستمر في ذلك فبعض النوافل لا أصلىها علماً بأني عندما نذرت كان عمري أربعة عشرة سنة هل علي ذنب في ذلك ارجوا الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا النذر قبل البلوغ فإنه لا يلزمك لأنك غير مكلف وأما إذا كان بعد البلوغ فإنه يلزمها أن توفي بنذرها إذا كان طاعة لله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لكنها لا تصلى في أوقات النهي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح وذلك بعد طلوعها بنحو ثلث ساعة وعند الزوال حتى تزول وذلك قبل الزوال بنحو عشر دقائق ومن صلاة العصر إلى غروبها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذه الأوقات فتكون الصلاة في هذه الأوقات من المعصية وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) .
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه المستمعة رمزت لاسمها بـ ن. ك. هـ. من الرياض تقول أرجو أن توضحوا لي في هذه الرسالة ما يلي عندما كنت في الإعدادية نذرت أن أصوم شهراً كاملاً إذا أكرمني الله ونجحت بمجموع جيد ونجحت والحمد لله بالمجموع الذي كنت أتمناه ودخلت الثانوية العامة ونجحت ودخلت الجامعة وحصلت على ليسانس وتزوجت وكان زواجي موفقاً والحمد لله وذلك منذ سنة وخمسة أشهر ولم أنجب أطفالاً بعد تقول هل ممكن أن أصوم الشهر على فترات حيث إن صوم شهر كامل يصعب علي وهل من الممكن أن أنفق مالاً أي أتصدق عن كل يوم أو ماذا أفعل أرشدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول إن النذر مكروه بل إن بعض أهل العلم حرمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال (إنه لا يأتي بخير) ولأن كثيراً من الناذرين يتعبون مما نذروا وربما يدعون ما نذروا لمشقته عليهم وما أكثر ما يحصل من الندم للناذرين الذين ينذرون شيئا معينا كانوا يستبعدونه أو كانوا حريصين عليه جداً فينذرون لله سبحانه وتعالى إن يسره لهم أن يصوموا أو أن يتصدقوا أو ما أشبه ذلك فأقول إنه ينبغي للإنسان أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله وأن ينتهي عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنذر أيها الأخ المستمع لا تنذر أبداً لا لشفاء مريض ولا لحصول مطلوب ولا لغير ذلك اسأل الله التيسير وأحسن الظن بالله والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى شرط تجعله له إذ أنعم عليك لجلب منفعة أو دفع مضرة بل يحتاج منك إلى الشكر والاعتراف لله تعالى بالجميل والاستعانة بما أعطاك على طاعته هذه نصيحة أوجهها إلى كل مستمع أن يدعوا النذور لئلا يلزموا أنفسهم بما هم منه في عافية ولئلا يأخذهم الكسل فيما بعد فيتهاونوا بما نذروا فتصيبهم العقوبة العظيمة التي ذكرها الله تعالى في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فانظر كيف عاقب الله هؤلاء الذين عاهدوه على أن يتصدقوا ويكونوا من الصالحين حين ما لم يوفوا بما عاهدوا الله عليه أعقبهم الله نفاقاً وفي قلوبهم إلى يوم يلقونه أي نفاقاً قلبياً في العقيدة وليس نفاقاً عملياً بل هو نفاق قلبي عقدي إلى أن يموتوا وهذا وعيد شديد والعياذ بالله فيمن عاهد الله على شيء ومن ذلك النذرفإن النذر معاهدة بين الإنسان وبين ربه ولم يف له بما عاهد الله عليه أما فيما يتعلق بسؤال هذه السائلة فإننا نقول يلزمها أن تصوم شهراً كما نذرت فإن كان نيتها حينما نذرت أن يكون متتابعاً لزمها أن يكون متتابعاً وكذلك إن كانت قد شرطت ذلك بلسانها فقالت شهراً متتابعاً أما إذا لم يكن هناك شرط ولا نية فإن لها أن تفرقه فتصوم يوماً وتفطر يوماً أو تصوم يوم وتفطر يومين أو تصوم يومين وتفطر يوماً حسب ما يتيسر لها ذلك حيث إنها لم تشترط بلسانها التتابع ولم تنوه بقلبها.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من أختكم في الله ن. ص. القصيم تقول فيها نذرت في إحدى السنوات جهلاً مني بالنذر وحينما نذرت ذلك كنت بالغة حيث قلت عندما أنجح في هذه السنة أنذر لله بأنني سأصوم ولا أدري إن قلت شهرين أو ثلاثة متتالية أو غير متتالية تقول وظناً مني أنها كلمة فقط تقال ولا أهمية لها فأرجو منكم يا فضيلة الشيخ أن توجهوني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ما زلنا نكرر من هذا البرنامج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النذر لا يأتي بخير ولا يجلب نفعاً ولا يدفع ضرراً ولا يرد قضاءً وما أكثر الناذرين الذين ينذرون ولا يوفون وما أعظم عقوبة الناذرين الذين لا يوفون يقول الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فتأمل هذه القصة عاهدوا الله إن آتاهم من فضله أن يتصدقوا مما آتاهم وأن يصلحوا في أنفسهم ولكن لما آتاهم الله من فضله بخلوا وتولوا فلم يتصدقوا ولم يصلحوا فكانت العقوبة أن أعقبهم الله تعالى نفاقاً في قلوبهم إلى الممات إلى يوم يلقونه وهذا وعيدٌ شديد يخشى الإنسان منه إذا خالف ما عاهد الله عليه وما أكثر الذين يقولون إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أتصدق بكذا أو أن أصوم كذا أو يقول إن نجح فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا فيعطيه الله تعالى ما نذر عليه ولا يؤتي لله ما نذره فيكون قد أخلف الله ما وعده وكذب فجمع بين نقض العهد والغدر وبين الكذب والعياذ بالله والإنسان إذا كان الله قد قدر له الخير فإن الخير يأتيه وإن لم ينذر وإذا قدر الله له رفع السوء فإن رفع السوء يرتفع وإن لم ينذر فليصبر ويسأل الله تعالى ما يرجوه من الخير وليسأل الله تعالى أن يرفع عنه ما يخافه من السوء هذه المرأة التي تسأل تقول إنها نذرت إذا نجحت أن تصوم ولم تدرِ ماذا قالت في عدد الصوم هل هو شهر أو شهران أو ثلاثة ثم هي لا تدري ما معنى النذر فنقول إذا كانت لا تدري ما معنى النذر ولا تدري هل النذر إلتزام أو غير إلتزام فنقول فإنه ليس عليها شيء لأن الله تعالى لا يكلفها شيئاً لم تلتزم به وإذا كانت تدري ما معنى النذر فإنها لا تدري ما معنى الإلتزام أيضاً على أنني أستبعد أن تنذر وهي لا تدري ما معنى النذر لأن كل إنسان يقصد قولاً فالغالب أنه يعرف معنى هذا القول وأنه لم يقل لغواً لا يدري ما معناه وعليه فهي حسيبة نفسها في هذا الأمر إن كانت تلك الساعة لا تدري ما النذر هل هو التزام فليس عليها شيء وإن كانت تدري أنه التزام ولكن أشكل عليها الآن كم شهراً عينت فإنه لا يلزمها إلا أقل تقدير لأن الأصل براءة ذمتها فإذا كانت تقول لا تدري أشهرٌ هو أم شهران أم ثلاثة قلنا لا يلزمها إلا شهراً واحداً لأن هذا هو المتيقن وما عداه مشكوكٌ فيه والأصل براءة الذمة وأخيراً أنصح إخواني المستمعين أنصحهم في النذور أن لا ينذروا وإذا نذروا طاعة فليوفوا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) .
***(21/2)
أخبر سماحتكم بأن وقعت نفسي في أحدى الشدائد أو بما يسمونها محنة تؤدي لقتل النفس وهذه المحنة ارتكبتها في عام ستة وسبعين وتسعمائة وألف لقد خافت والدتي خوفاً شديداً على نفسي من القتل ويومها ليس لدى والدتي أي سلطة أو وسيلة لحل مشكلتي فمن شدة خوفها علي جعلت في ذمتها صيام شهر ما عدا شهر رمضان من كل سنة تصوم شهر من عام ستة وسبعين تتابع صيامها حتى الآن وأنا الحمد لله رب العالمين لقد نجيت من هذه الشدة بسلام ووالدتي لقد تجاوز عمرها الأربعين سنة والآن أصبحت تصوم شهرين منهن شهر رمضان المبارك هذا فرض والثاني اليمين الذي في ذمتها من طرفي فما المبرر التي يبررها من صيام هذه أو هذا الشهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نجيب على هذا السؤال نحب أن نبين لإخواننا المستمعين أن النذر مكروه بل إنه محرمٌ عند كثيرٍ من أهل العلم (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه) ولأن الإنسان يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به ولأن الإنسان ربما لا يستطيع أن يفي بهذا النذر لعذرٍ حقيقي شرعي أو للتهاون فيكون في ذلك خطرٌ عظيمٌ عليه كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) وحصل لهم ما علقوا هذين الأمرين الصدقة والصلاح (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) يعني فلم يتصدقوا وتولوا وهم معرضون فلم يكونوا من الصالحين النتيجة والعقوبة (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في النذر (إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل) البخيل ببدنه إذا كان النذر عملاً بدنياً كصلاةٍ وصوم أو البخيل بماله فيما إذا كان النذر مالياً كالصدقة وشبهها وعلى كل حال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النذر لا يأتي بخيرٍ وما لا يأتي بخيرٍ) فليس فيه خير ولهذا ننهى إخواننا أن يلجئوا عند الشدائد إلى النذور وإنما المطلوب من المسلم أن يلجأ عند الشدائد إلى الله سبحانه وتعالى ويسأله الفرج وإزالة الشدة ويعلم علماً يقينياً بأنه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً) والإنسان إذا نذر عند الشدة وأزيلت الشدة عنه فليس معنى ذلك أن سبب إزالتها هو النذر فالشدة لم تزل بالنذر لأننا لا نعلم أن النذر سببٌ لإزالة الشدة وإنما ابتلى الله سبحانه وتعالى المرء فأزال هذه الشدة عند النذر لا بالنذر وهذا كما يحصل حتى في فتنة عباد القبور الذين يعبدون القبر ويدعون صاحب القبر ربما يحصل مطلوبهم بعد الدعاء مباشرةً بعد دعاء صاحب القبر ليختبرهم الله بذلك ويبتليهم وإننا نعلم أن ما حصل لهم من المطلوب ليس من صاحب القبر ولكنه حصل عند دعائهم إياه وليس بدعائهم إياه على كل حال بعد هذه المقدمة نرجع إلى الجواب على هذا السؤال فأمه التي جعلت في ذمتها والذي يظهر أنها جعلت ذلك بصيغة النذر بأن نذرت أن تصوم في كل سنةٍ شهراً لإزالة هذه الشدة فإننا نقول لها يجب عليها أن تفي بنذرها لأن الصوم طاعةٌ لله سبحانه وتعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فيجب على المسلم إذا نذر طاعةً سواءٌ كان نذراً معلقاً على شرط كهذا النذر أو غير معلق يجب عليه أن يوفي بنذره إذا كان طاعةً لله عز وجل ونسأل الله أن يعينها على ما ألزمت به نفسها(21/2)
فضيلة الشيخ: إذا عجزت لكبر سنها ألا يسقط عنها النذر كما يسقط عنها صوم رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا عجزت لكبر سنها يعني لا في الشتاء ولا في الصيف عجزت يعني هذا الشهر لم تقيده بزمن فهو يصلح في الشتاء ويصلح في الصيف وكذلك يصلح متتابعاً ويصلح متفرقاً إلا إذا كان من نيتها أنه متتابع فيجب (فلكل امرئٍ ما نوى) ويجب عليها أن تفي به متتابعاً فأما إذا قالت شهراً وأطلقت فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز متتابعاً ويجوز متفرقاً لكن إذا عجزت لكبر كما سألت فالظاهر أنه يجب عليها ما يجب على العاجز عن صيام رمضان بمعنى أن تطعم عن كل يومٍ مسكيناً لأن الواجب بالنذر يحذى به حذو الواجب بالشرع إلا ما قام الدليل على الفرق بينهما فيه.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة نضال علي من العراق بغداد تقول كنت قد نذرت لله إن حقق لي أمراً ما أن أصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع مدى الحياة والحمد لله قد تحقق لي مرادي ولكنني حينما بدأت في الوفاء بالنذر وجدت صعوبة بالغة وخصوصاً بعدما التحقت بإحدى الدوائر الحكومية فيصعب جداً الجمع بين العمل والصيام في وقت واحد وخصوصاً أن الجو حار في بلدنا فهل من مخرج من هذا النذر وما هو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً قبل أن أجيب على هذا السؤال الذي تكرر مراراً من هذا البرنامج التحذير من النذر والنهي عن النذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر) وقال (أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وهذا هو الواقع فإن كثيراً من الناذرين إذا نذروا شيئاً وحصل لهم ما نذورا عليه شق عليهم الوفاء بالنذر وصاروا يطرقون باب كل عالم لعلهم يجدون الخلاص وربما يدعون ما نذروه فيكون لهم نصيباً من هذا الواقع الذي ذكره الله في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فتأمل قوله (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) حيث كان عاقبة من لم يف بما عاهد الله عليه من النذر مع أن الله تعالى قد آتاه ما أراد فكان عاقبته أن عاقبه الله على ذلك بنفاق في قلبه إلى أن يموت والعياذ بالله والإنسان يجب عليه إذا وقع في أمر أن يسأل الله عز وجل وأن ينتظر الفرج منه وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى غني حميد وغني كريم يعطي بدون أن يشرط له شرط ويقال لله علي نذر إن حصل كذا أن أفعل كذا فالرب جل وعلا يعطي ويتكرم من فضله وإحسانه بدون أن يشرط له شرط بعد هذا نرجع إلى الجواب عن سؤال هذه المرأة التي نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس إذا حصل لها كذا وكذا وقد حصل لها ما نذرت عليه فيجب عليها أن توفي بنذرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذه قد نذرت طاعة من الطاعات وهو صوم يوم الإثنين والخميس ويجب عليها أن تفي بهذا النذر وليس هذا من الفعل المكروه حتى نقول إنها تستبدله بشي آخر لأن صوم الاثنين والخميس من الأمور المشروعة.
***(21/2)
يقول السائل لي والد وعمه نذرا عند مرض أحد أولادهم صيام شهر من كل سنة ومضى على ذلك أكثر من اثني عشر سنة وهم يصومون والآن لحق بهم مضرة من هذا الصيام نرجو الإفادة وحل المشكلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يبدوا أنهم لم يلحقهم ضرر من صيام شهر من سنة لأنهم لهم أن يصوموا هذا الشهر في أيام الشتاء وفيها برودة الجو وقصر النهار وهم فيما يبدوا سئموا فقط من هذا الصيام ولكن سأمهم هم الذين جلبوه لأنفسهم بهذا النذر وبهذه المناسبة أود أن أُذكر إخواني إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال (إنه لا يأتي بخير) وعلى هذا فيجب على المسلم أن يتحرز منه وأن يحذر منه ولا يجوز له أن ينذر ويلزم نفسه بما لم يلزمه الله به فإن ذلك من المشقة وكثير ما ينذر بعض الناس ليحصل له مصلحه أويندفع عنه مضرة ثم إذا اندفعت تلك المضرة أو حصلت تلك المصلحة صار يتجول يميناً وشمالاً لعله يتخلص من هذا النذر وربما يترك ما نذر ولا يفي به وهذا خطر عظيم كما قال الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) فنصيحتي للإخوان ألا ينذروا أبداً وإذا نزل بهم أمر يضرهم فليلجئوا إلى الله عز وجل بالدعاء والإنابة والخضوع لعل الله يرفعه عنهم وإذا أرادوا أن يكون مصلحة لهم أن يسألوا الله تعالى وصوله وتيسيره لهم وإعانتهم على الوصول إليه وبهذا يحصل لهم المقصود لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النذر (إنه لا يأتي بخير) .
***(21/2)
هذه الرسالة من المرسلة منى طامي عبد الله العاصمي تقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد أفيدكم بأن والدتي قد أصيبت في مرض ألزمها الفراش وذلك قبل ثلاثة سنوات تقربياً وأثناء مرضها حلفت بأن تصوم في كل شهر يوماً واحداً وفعلاً استمرت تصوم يوم من كل شهر ولا زالت حتى الآن السؤال تسأل والدتي هل هناك كفارة تبيح لها العدول عن الصوم الذي ألزمت نفسها به وذلك خوفاً من أن تنسي أن تصوم في بعض الأوقات أو أن تعرض لمرض قد يحول دون قيامها بالصوم أو خلاف ذلك لهذا أرجو عرض هذا الموضوع علي فضيلة الشيخ لإرشادها بما يراه في هذا الموضوع وفقكم الله وأمدكم بعونه وتوفيقه والسلام؟.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا شي سهل أن تصوم يوماً واحداً من كل شهر تجعله إما في يوم الاثنين أو في يوم الخميس ولا حرج عليها في ذلك وما دامت هي حلفت ملزمة نفسها بذلك فإن هذا نذرُ مؤكد بيمين فيجب عليها أن تفعل ما نذرت لله عز وجل وهو أمر لا يضرها وإذا قدر أنها تركت ذلك نسياناً مع اهتمامها بهذا الأمر فنرجو لها أن يغفر الله لها.
***(21/2)
هذا مستمع للبرنامج يقول فضيلة الشيخ شخص كان لا ينجب أبناء فنذر لله إن رزقه الله ولداً أن يصوم هو والولد كل اثنين ما دام قادراً لكن بعد الإنجاب لم يلتزم الولد بذلك فما هو الحل في نظركم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال أود أن أقول للأخ السائل وللسامع أن النذر مكروه (نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أنه لا يأتي بخير) وأنه لا يرد قضاء ولا يجلب ما لم يقض وليس فيه إلا تكليف الإنسان نفسه بما لم يكلف الله به ثم إن فيه إساءة ظن بالله عز وجل فيما إذا نذر لحصول نعمة أو اندفاع نقمة فهل الله عز وجل لا يدفع عنك النقم إلا بشرط هل الله عز وجل لا يطلب لك الخير إلا بشرط إن فضل الله واسع فأنت انتظر حتى إذا رفع البلاء عنك تشكر الله على هذه النعمة وتصدق بما شيءت من مال وإذا أنعم الله عليك بمال فاشكر الله على ذلك وتصدق بما شيءت أما أن تنذر قبل اندفاع النقم وقبل حصول النعم فما أشبه حالك بحال من قال الله فيهم (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أكثر الذين يسألون عن نذور نذروها على حصول شيء أو اندفاع شيء ثم لما حصل ما يريدون أو اندفع ما يكرهون ثقل عليهم الوفاء بالنذر فجاؤوا يسألون الناس من الذي يخلصنا من هذا النذر فإما أن يلتزموا بهذا النذر على مشقة شديدة وإما أن يدعو الوفاء به وحينئذٍ يخشى عليهم أن يحل عليهم قول الله عز وجل (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ونصيحتي ثم نصيحتي ثم نصيحتي لإخواني ألا يتعجلوا في النذر أن يحمدوا الله على العافية لا يتعجلوا بالنذر طاعة لله ورسوله وسلامة لأنفسهم لإلزامهم بما لم يلزمهم وانتظاراً لفضل الله عز وجل الذي يكون بدون مقابل ولينظروا في قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) وإذا نذر الإنسان نذراً من العبادات على حصول شيء يحبه أو اندفاع شيء يكرهه فحصل ذلك الشيء واندفع ما يكرهه وجب عليه الوفاء بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من نذر أن يطع الله فليطعه) أما الجواب على السؤال فإن السؤال تضمن نذر الوالد أن يصوم كل يوم اثنين هو وولده فأما هو فيلزمه الوفاء بالنذر وأما ولده فلا يلزمه الوفاء بالنذر لأن الإنسان لا يلزم بنذر غيره وليس على الولد جناح إذا لم يصم.
***(21/2)
السائلة ح ب ح من حائل تقول لقد كنت أعاني من مرض في عيني لمدة ثلاثة سنوات وذهبت إلى الطبيب ولكن دون جدوى فنذرت صيام يوم من كل شهر إذا شفيت فبعد فترة تحسنت عيني وصمت يومين من شهرين ولكن بعد ذلك عاودني المرض فهل أصوم أم لا أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول للسائلة وأسمع من يسمع بأن النذر مكروه أو محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير) فإذا نهى عنه وعلل بأنه لا يأتي بخير كان الأليق بالإنسان أن لا ينذر والنذر لا يرد القضاء ولا يجلب القضاء النذر ليس فيه إلا الوقوع فيما نهى عنه رسول الله صلى عليه وعلى آله وسلم والوقوع في الضيق على الإنسان لأنه يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به وكم من إنسان نذر ثم تأسف وذهب يطرق أبواب العلماء لعله يجد مخلصا مما نذر ولكن لا يجد مخلصا وحينئذ يبقى بين أن ينفذ ما نذر على وجه المشقة ولو المشقة النفسية أو أن يدع ما نذر وإذا ترك ما نذر فإنه على خطر عظيم من العقوبة التي قال الله تعالى في المخلفين لوعده (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) النذر خطير وعاقبته قد تكون سيئة بل هي سيئة إذا لم يفِ به العبد فنصيحتي لهذه المرأة ولمن سمع من إخواني المسلمين أن لا يوقعوا أنفسهم في هذه الورطة فيلزموها بما لم يلزمهم الله عز وجل ويوقعوها في ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن أبى الإنسان إلا أن ينذر وكان النذر نذر طاعة وجب عليه أن يوفي به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) وهذه المرأة التي نذرت إن شفى الله عينها من المرض أن تصوم من كل شهر يوما فشفاها الله فإن كان الشفاء شفاءً تاما وجب عليها أن توفي بنذرها وأن تصوم من كل شهر يوما من أوله أو وسطه أو آخره ما دامت لم تعين وإن كان الشفاء ليس تاما لكن خف المرض عليها فإنه لا يجب عليها أن توفي بالنذر لأنه لم يوجد الشرط وإذا لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط والذي ظهر لي من سؤالها أنها لم تشف شفاءً تاما وعلى هذا فلا يلزمها أن تصوم ما نذرت لأنها لم تشف منه أي من المرض الذي نذرت عليه إلا إذا كان من نيتها حين النذر أنه إن شفاها الله ولو شفاءً غير تام فحينئذ يلزمها أن تصوم من كل شهر يوما حتى وإن عاد عليها المرض فإنها توفي بنذرها ولعل وفاءها بنذرها يكون سببا لشفائها بإذن الله.
***(21/2)
تقول نذرت أختي أن تصوم يوم الجمعة فهل يجوز لها أن توفي بنذرها أم لا وأن لم يجز فهل تلزمها كفارة تدفعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لها تصوم يوم الجمعة وتضيف إليه يوم السبت أو تصوم معه يوم الخميس وبذلك يكون وفاؤها بالنذر على وجه لا كراهة فيه أما أفراد يوم الجمعة بالصوم لخصوصه لا لسبب آخر فإن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه) إلا أن يصوم الإنسان يوما قبله أو يوما بعده وحينئذ نقول لهذه الناذرة صومي يوم الجمعة وصومي قبله يوما أو بعده يوما.
***(21/2)
هذا المستمع خالد عبد الرحمن يقول إنني أحب قراءة السور القرآنية وأحب الصلاة وأحب الرجل الذي يصلى وأستمع إلى السور القرآنية دائماً وأنا لا أصلى علماً أن السبب الذي يجعلني لا أصلى هو أنني في مدرسة مختلطة فما هو الواجب علي أن أعمله أيضاً يقول وحلفت نذراً علي أن أصوم وأصلى عندما أنجح من الصف السادس هل يجوز نذري هذا في الصلاة وفي الصوم نرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال غريب شاهد من الواقع على فساد المدارس المختلطة وأنها شر وفتنة ودليل من الواقع على أنه يجب على هؤلاء الذين جعلوا مدارسهم مختلطة أن يميزوا مدارس النساء عن مدارس الرجال حتى يسلموا من هذه الفتنة العظيمة التي أوجبت لمثل هذا الشاب أن يضل هذا الضلال في دينه فلا يصلى وبهذه القصة الغريبة يتبين الخطر الكامل في المدارس التي يختلط فيها الرجال والنساء ويتبين حكمة الشرع في وجوب الفصل بين الرجال والنساء في الدراسة وكذلك في العمل ولقد ثبت في صحيح البخاري (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكوا إليه أن الرجال غلبوهنّ على النبي صلى الله عليه وسلم حيث يختلطون به كثيراً ويأخذون من علمه وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهنّ ليعلمهنّ مما علمه الله ووعدهن النبي صلى الله عليه وسلم موعداً في بيت إحداهنّ وجاء إليهنّ فعلمهنّ) لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم احضرن مع الرجال لتتعلمن ما يتعلمه الرجال ولكنه صلى الله عليه وسلم وعدهنّ يوماً في مكان متحد يعلمهنّ مما علمه الله ولما كان النساء يحضرنّ الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا بد من حضورهنّ المسجد إذا أردن الجماعة قال الرسول صلى الله عليه وسلم (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) كل هذا حثاً منه صلوات الله وسلامه عليه على أن تبتعد المرأة من الرجل وفيه بيان أن قرب المرأة من الرجل شر (لقوله وشرها آخرها) فالواجب على المسلمين أن يأخذوا مثل هذا الهدي العظيم الذي به رحمة الخلق وصلاحهم وسعادتهم وفلاحهم كما قال الله تعالى مبيناً الحكمة في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فإذا كانت شريعة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين كانت سبباًَ مقتضياً للرحمة إذا تمسك بها المسلمون فنصيحتي لهؤلاء الذين جعلوا مدارسهم مختلطة بين الرجال والنساء أن يتوبوا إلى الله عز وجل من ذلك وأن يميزوا بين مدراس الرجال والنساء ويفصلوا بينهم وتكون المدرسة التي تدرس المختلطين خاصة بالنساء والمدرس الذي يدرس المختلطين خاصاً بالرجال نسأل الله تعالى أن يمن على المسلمين بما تقتضيه شريعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم من الآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات والعقائد السليمة أما الجواب عن سؤاله فإن الأفضل أن يتعبد الإنسان لله عز وجل بدون نذر ولكن كأن هذا الرجل الذي كان يحب المصلىن ويستمع إلى القرآن كأن هذا الرجل من شدة شفقته وحرصه أن يتوب إلى الله ويقوم بما أوجب الله عليه من الصلاة حمله ذلك الحرص على أن ينذر ويحلف أنه إذا تخرج من السادسة فإنه يصلى وإلا فإن الأفضل ألا يحلف الإنسان أو ينذر على فعل الطاعة لقول الله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فنهى الله عز وجل أن يقسم الإنسان على فعل الطاعة بل يطيع ربه طاعة معروفة بانقياد تام بدون إقسام ولا نذر هذا وأسال الله لهذا السائل أن يثبته وأن يزيده من فضله وهدايته.
***(21/2)
المستمع محمد عبد الخالق يعمل بالمملكة العربية السعودية نجران مصري الجنسية يقول في رسالته كان لي طفل ونذرت زوجتي بصيام يومي الإثنين والخميس طول العمر إذا شفاه الله والحمد تم شفاؤه وقد نفذت زوجتي النذر لمدة عام ثم انقطعت ثم عادت إلى الصيام هذا العام وأسأل ما حكم الأيام التي انقطعت عن صيامها وما حكم أيام الحيض إذا وافقت يوم الاثنين والخميس أتقضى ما الحكم مستقبلاً إذا عجزت عن مواصلة الصيام طول العمر كما نذرت أفيدونا جزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أذكر أخواني المسلمين بأن النذر مكروه بل حرمه بعض أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) والنذر لا يرد قضاء ولا يوجد معدوماً بل تجد الناذر إذا نذر شيئاً تعب من تنفيذه إذا لزمه وهذا مما يؤكد أن النذر إما مكروه وإما محرم وأما الجواب على سؤال السائل وأن هذه المرأة نذرت نذر طاعة معلقاً بشرط ونذر الطاعة المعلق بشرط يجب الوفاء به لقول الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وهذه المرأة التي نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس يلزمها أن تصوم كل يوم إثنين وخميس لأن صيامها طاعة لله عز وجل فإن تركت ذلك ولم تفِ به فهي آثمة وهي على خطر عظيم يوشك أن يُعْقبها الله نفاقًا في قلبها إلى يوم تلقاه والعياذ بالله وعليها أن تقضي الصوم إذا صادف يوم حيضها وإن كفرت مع ذلك كفارة اليمين لفوات الوقت كان أولى وأحوط.
***(21/2)
فيصل من الرياض يقول رجل نذر أن يصوم عشرة أيام في بداية شهر ما فلم يستطع إكمالها جميعاً فأخر بعضها للشهر الثاني هل عليه كفارة في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نحن من هذا المنبر منبر نور على الدرب نكرر النهي عن النذر آخذين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وما أكثر السائلين الذين يسألون عن نذور نذروها إما لوقوع في ضيق فينذرون إن نجاهم الله منهم أن يتصدقوا أو يصوموا وإما لمريض كان عندهم وينذرون إن شفاه الله ينذرون أن يتصدقوا أو يصوموا وإما لحصول الذرية ينذرون إن رزقهم إن يفعلوا كذا وكذا من العبادات كأن الله عز وجل لا يمنن عليهم بنعمه إلا إذا شرطوا له على النذر وإنني من هذا المكان أحذر إخواني المسلمين من النذر وأنقل إليهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه لأنهم دائماً ينذرون فيندمون وربما ينذرون ولا يوفون وما أعظم عقوبة من نذر لله سبحانه وتعالى ولم يفِ فلنستمع إلى قول الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ثم إن النذر أقسام منه ما يجب الوفاء به ومنه ما لا يجب الوفاء به لكونه جارياً مجرى اليمين فإذا نذر الإنسان عبادة سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً قاصداً فعل تلك العبادة وجب عليه أن يأتي بهذه العبادة مثال ذلك قال رجل لله علي نذر أن أصلى ركعتين هذا نذر عبادة مطلق فيجب عليه أن يصلىها فوراً ما لم يقيدها بزمن أو مكان فإن قيدها بزمن لا يجب عليه أن يصلى حتى يأتي ذاك الزمن وإن قيدها بمكان لا يلزمه أن يصلى إلا في ذلك المكان الذي نذره ما لم يكن فيه محظور شرعي لكن يجوز له أن يصلىها في مكان آخر إلا إذا كان الذي عينه له مزية الفضل فإنه لا يجوز أن يصلىها في مكان ليس له ذلك الفضل مثل لو نذر الصلاة في المسجد الحرام لم تجز له الصلاة في ما سواه من المساجد ولو نذر الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه أن يصلى في المسجد الحرام ولو نذرها في المسجد الأقصى أجزأه أن يصلىها في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام أيضاً فإذا نذر الأعلى لا تجزي الصلاة فيما دونه وإن نذر الأدنى أجزأه ما هو أعلى منه المهم إن نذر العبادة يجب الوفاء به سواء كان مطلقاً كما مثلنا أو معلقاً كما لو قال إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أصوم شهراً أو قال إن نجحت في الامتحان فلله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام أو أن أصوم يوم الاثنين من الشهر الفلاني فيجب عليه الوفاء ذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطع الله فليطعه) أما إذا كان النذر جارياً مجرى اليمين أي لا يقصد التعبد لله بهذه العبادة المعينة وإنما يقصد الناذر أن يمتنع عن فعل معين أو أن يلتزم بفعل معين مثل أن يقول لله علي نذر أن لا ألبس هذا الثوب هذا يخير بين لبسه وكفارة اليمين أو يقول إن لبست هذا الثوب فلله علي نذر أن أصوم شهراً فهنا إذا لبس الثوب لم يلزمه أن يصوم شهراً بل إن شاء صام شهراً وإن شاء كفر عن نذره كفارة يمين لأن كل نذر يقصد به منع أو الحث أو التصديق أو التكذيب فإنه يكون جاري مجرى اليمين بعد هذا نرجع إلى جواب السؤال الذي تقدم به السائل وهو أنه نذر أن يصوم عشر أيام من شهر ما ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني فنقول له إن عليك كفارة يمين لأن نذرك تضمن شيئين تضمن صيام عشرة أيام وأن تكون في هذا الشهر المعين فلما فاتك أن تكون في هذا الشهر المعين لزمتك كفارة اليمين لفوات الصفة وأما الأيام فقد صمتها وأخيراً أرجو من إخواني المسلمين ألا ينذروا ألا يكلفوا أنفسهم بهذه النذور ألا يلزموها بما لم يلزمها الله به ألا يفعلوا شيئاً يندمون عليه وربما لا يوفون به فيقع عليهم ما وقع على من عاهد الله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) أخشى أن يقع الإنسان إذا نذر لله نذراً كهذا الذي ذكره الله عز وجل ثم لم يوفِ به أن يعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى الممات إنني أرجو وأكرر رجائي أن ينتبه أخواني المسلمون إلى هذه المسألة وأن ينتهوا عن النذر كما نهاهم عنه نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم والله المستعان.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع من العراق محافظة نينوى رمز لاسمه بـ ع م س يقول سؤالي قبل عشر سنوات تقريباً أدركني الغرق ونذرت في هذه الحالة إن انقذني الله سبحانه وتعالى فسوف أصوم يومين الاثنين والخميس طيلة حياتي فصمت منها بضعة أيام ثم تركت الصوم لقراءتي الحديث الذي في صحيح مسلم (كفارة النذر كفارة يمين) فكفرت عن يميني ولم أصم طيلة العشر سنوات الماضية فهل عملي هذا صحيح يا فضيلة الشيخ وإن لم يكن كذلك فهل علي صوم الأيام التي أفطرتها في السنين الماضية أم يكفيني الصوم منذ الآن والتوبة فقط أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أنبه مثل ما نبهت عليه كثيراً من هذا البرنامج وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) لأن النذر هو إلزام الإنسان نفسه بطاعة غير واجبة عليه وهو في عافية منها فيذهب يلزم نفسه بها ولاسيما إذا كان النذر مشروطاً بنعمة من الله عليه أو بدفع ضرر عنه إذ مقتضى الحال أن هذا الناذر ينذر لله هذه العبادة فجزاء لله تعالى على نعمته بحصول مقصوده أو دفع ضرره كأن الله تعالى لا ينعم عليه إلا بهذا الجزاء وما أكثر الذين نذروا ثم ندموا ولم يوفوا بنذورهم وهذا خطر عظيم بين الله تعالى عقوبته في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فأحذر إخواني المسلمين من النذر على أي حال كان وأما الجواب على سؤال هذا الرجل فإن هذا الرجل نذر لله تعالى طاعة معلقة بشرط وقد حصل الشرط وإذا حصل الشرط وجب المشروط وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذا الرجل نذر صيام يوم الاثنين والخميس نذر طاعة تجب عليه أن يصوم كل دهره يوم الاثنين والخميس وتركه للصيام حين قرأ ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (كفارة النذر كفارة يمين) يكون تركاً بتأويل وإن كان هذا التأويل فاسداً لأن المراد بالحديث كفارة النذر الذي لم يسم مثل أن يقول لله علي نذر فقط فهنا يكفر كفارة يمين أما نذر الطاعة فقد سماه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وإذا كان قد ترك الصوم مستنداً إلى دليل متأولاً فيه وإن كان مخطئاً فإنه لا يلزمه قضاء ما مضى بناء على تأويله لاسيما إذا كان ممن يمارس العلم وعنده شيء من الطلب أي من طلب العلم فعليه الآن أن يتوب إلى الله وأن يوفي بنذره في المستقبل.
***(21/2)
سائلة تقول إنه في يومٍ من الأيام حدث أمرٌ أغضبني كثيراً فقلت إذا تحقق ذلك الأمر سأصوم لله في كل سنةٍ شهراً فتحقق ذلك والحمد لله فبدأت أصوم ولكني سمعت أنه لا يقع النذر من الغضبان فأنا الآن محتارة ولا تطاوعني نفسي بترك الصيام وقد مرت علي سنةٌ ولم أصم الشهر المنذور فيها فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام غضبٌ بلغ الغاية بحيث لا يشعر الإنسان بما يقول ولا يدري ما يقول فهذا لا حكم لقوله لأنه لا يشعر بما يقول فالإرادة منغلقةٌ عليه فيكون قوله لغواً وأما القسم الثاني فهو الغضب في ابتدائه بحيث إن الإنسان يشعر بما يقول ويملك نفسه ويستطيع أن يتصرف تصرفاً تاماً فهذا لا يؤثر إطلاقاً الغضب لا يؤثر في حقه والقسم الثالث وسط بين هاتين الحالين بحيث يكون غضبان يشعر ما يقول ويدري ما يقول ولكنه فقد السيطرة التامة على تصرفه فهذا محل خلافٍ بين أهل العلم والمرأة تعرف نفسها إن كانت من القسم الأول فإن نذرها هذا لغوٌ ولا يلزمها أن تصوم شهرٌ كل سنة وإن كان من القسم الثاني وهو الغضب اليسير فلغوها فنذرها صحيح ويلزمها أن تفي بما نذرت وأما إذا كان من القسم الوسط ففيه خلاف بين أهل العلم والأظهر والله أعلم أنه لا يلزمها لأن الأصل براءة الذمة حتى يتبين لنا أنها تمكنت من التصرف كما تريد والله أعلم.(21/2)
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن غضبها كان يسيراً بأن كانت تعي ما تقول وعلى هذا فيلزمها الوفاء بالنذر لكن لو أرادت أن تتخلص من هذا النذر لمشقته وهو صيام شهر في كل سنة قد يشق عليها كيف تتخلص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن تتخلص لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لا بد من تنفيذ هذا النذر وما دام الشهر غير معينٍ في السنة فيمكنها أن تجعله في أيام الشتاء الأيام القصيرة والبراد وهذا لا يشق عليها ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أحذرها هي وأمثالها من النذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير) وكما ترى فإنها الآن ندمت على هذا النذر بلا شك وتحب أن تتخلص منه فالإنسان في عافية لا ينبغي أن ينذر أبداً وكثيرٌ من الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا مرضوا أو مرض لهم أحد أو فشلوا في دراسة أو ما أشبه ذلك نذروا لله إن نجحوا أو إن شفوا من المرض أو شفي قريبهم من المرض نذروا لله نذراً كأن الله تعالى لا يمن عليهم بالقبول وبإزالة المرض وبحصول المطلوب إلا إذا شرطوا له شرطاً وهذا خطأٌ عظيم فالله جل وعلا كريم فالذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق وهو الصواب (ونهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل) فنهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن النذر هو الحق والصواب.
***(21/2)
هذه رسالة بعث بها المستمع عبد الله ياسين عبد الجليل العروضي من الجمهورية العربية اليمنية يقول امرأة كان لها ولد وقد أصيب بمرض خطير فنذرت إن شفاه الله من ذلك المرض أن تصوم لله سنة كاملة وقد شفي ولدها وكبر وتزوج ومضت السنين ولم تستطع الوفاء بنذرها ولم تصم ولا يوما واحدا فهل لها من مخرج من هذا النذر بكفارة ونحوها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا أولا ينبغي أن يعلم بأن النذر مكروه بل إن بعض أهل العلم حرمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وكم من إنسان نذر نذرا ثم إذا حصل ما علق عليه النذر تعب في التخلص مما نذر وربما لا يوفي بما نذر تهاونا وحينئذ يخشى أن يقع فيما قال الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فلا ينبغي للإنسان أن ينذر مهما كان والله سبحانه وتعالى يدفع السوء ويجلب الخير بدون أن يشرط له شرط فإذا وقعت في مصيبة أو في بلاء فاسأل الله تعالى أن يرفعه عنك وإذا أردت خيرا فأسأل الله تعالى أن ييسره لك أما أن تنذر فكأنما لسان حالك يقول إن الله لا يعطي إلا بشرط وهذا أمر لا ينبغي ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) فالنذر لا يجلب الخير لأحد ولا يرفع السوء عن أحد ولكن البخيل الذي لا يتصدق هو الذي ينذر لأجل أن يتصدق ونقول ثانيا في الجواب على هذا السؤال هذه المرأة التي نذرت أن تصوم سنة يجب عليها أن تصوم السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وإذا كانت لا تستطيع أن تصوم فإنه لا شيء عليها والله أعلم.(21/2)
فضيلة الشيخ: هل يجوز أن تصوم السنة متفرقة على عدة سنين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن تصومها إذا لم تنو أنها سنة متتابعة أو تشترط ذلك فإن اشترطت أنها متتابعة أو نوت بقلبها أنها متتابعة وجب عليها أن تفي بما نذرت به.(21/2)
فضيلة الشيخ: لو فرض أنها ماتت قبل أن تكمل نذرها فهل يصام عنها أو يكفر عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن أخرت بتفريط منها فإنه يصام عنها وإن أخرت بغير تفريط كما لو شرعت من حين ما وجب عليها النذر ولكنها ماتت قبل فإنه لا يقضى عنها ولا يكفر عنها.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا سؤال للأخت المستمعة أم صالح من جدة تقول لقد نذرت أن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام ولم أحدد أن أصوم الدهر كله أو أن أصوم أيام الدهر لقصر نهاره فيه وقد سبق لي أن صمت فترة حتى داهمني المرض فلم أستطع مواصلة الصيام وسؤالي الذي يحيرني وأخاف أن أعاقب على نذري يوم القيامة هل يصح لي أن أتصدق على المساكين عن كل شهر بدلاً من صيامي الذي نذرته وكم مسكيناً أطعم عنه كل شهر الثلاثة أيام التي نذرت صيامها إن كان هذا يجزئ وإلا فماذا عليّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أود أن أحذر إخواننا المسلمين من النذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال (إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل) وكم من إنسان نذر نذراً ثم ندم على هذا النذر وصار يلتمس التخلص منه من هنا ومن هناك وهذا يبين حكمة النبي عليه الصلاة والسلام في نهيه عن النذر الحذر الحذر يا أخي من النذر فإنك تلزم نفسك بما أنت في حل منه وعافية منه وربما لا يتسنى لك أن تفعله إلا على نوع من المشقة وربما تدعه وتتركه وحينئذٍ تعاقب بما ذكر الله في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ (77)) ثم إنه من المؤسف أن بعض الناس إذا أصيب بمرض أو أراد حاجة يرغبها ينذر لله عز وجل إن شفاني الله من المرض أو حصلت لي الحاجة الفلانية فلله علي نذر كذا وكذا كأن الله تعالى لا يعطيه حتى يشرط له شرطاً وهذا خطأ عظيم فالله تعالى أكرم من عباده بل يسأل الله تعالى أن يشفيه من المرض وأن يسأل الله تعالى أن ييسر له حاجته التي يطلبها بدون أن ينذر فيلزم نفسه بما لا يلزمه أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فنقول إن الواجب عليك أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر سواء كانت متفرقة أو متتابعة وسواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره فإن عجزت عن ذلك فإن قياس النذر على الفريضة أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً فيكون عليك إطعام ثلاثة مساكين كل شهر تدعين ثلاثة فقراء وتغدينهم أو تعشينهم ويكفي.(21/2)
فضيلة الشيخ: وإن أعطتهم في أيديهم كم تعطيهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن أعطتهم بيدهم تعطيهم ثلاثة أمداد من الأرز والأحسن أن يكون معه لحم يؤدمه حتى يتم الإطعام.(21/2)
فضيلة الشيخ: لو استطاعت أن تصوم فيلزمها أن تصوم مدى الحياة ما دامت قادرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم يلزمها مدى الحياة لأنها أطلقت أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر لم تخصه بسنة دون الأخرى ولا بحال بدون حال.
***(21/2)
تقول هذه السائلة منذ سنوات طلبت من الله عز وجل إذا أنجبت بالسلامة وعاش الطفل أن أصوم كل يوم إثنين وخميس ولم أصم حتى الآن إلا العام الماضي فقط صمت لمدة شهر فقط وسؤالي هل علي ذنب لتأخري في الصيام وهل علي القضاء للأيام والسنوات الماضية ماذا يجب علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قولها طلبت من الله يحتمل أن يكون المعنى أنها نذرت لله أن تصوم يوم الاثنين والخميس ويحتمل طلبت من الله أي سألته أن يعينني على ذلك فإن كان الثاني أي سألت الله أن يعينني على ذلك فلا شيء عليها لأن الإنسان قد يدعو الله عز وجل وتكون من الحكمة ألا يستجيب الله له ليدخر ذلك له يوم القيامة أجراً وثواباً أو يصرف عنه من السوء ما يقارب هذا الدعاء أما إذا كانت تريد النذر فإن سؤالها هذا يتطلب شيئين الشيء الأول حكم النذر في الإسلام فالنذر في الإسلام أقل أحواله أن يكون مكروها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال أنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء) وإذا كان لا يأتي بخير ولا يرد قضاء لم يكن فيه فائدة وكثير من الناس يشفق أن يحصل له الشيء فتجده ينذر ظانا منه أن النذر يأتي به وهذا غلط فالله تعالى إذا أتى بالخير لم يرده شيء وإذا كان الشر لم يرده شيء وبناء على ذلك أنصح إخواني المسلمين المستمعين إلى هذا البرنامج بترك النذر وألا ينذروا وإذا كانوا مشفقين على الشيء فليسألوا الله تسهيله وتيسيره إذا كان مريضا لا حاجة أن يقول إن شفاني الله فلله علي نذر أن أفعل كذا بل يقول اللهم اشفني اللهم عافني وما أشبه ذلك فإن الدعاء يرد القضاء بإذن الله لكن النذر لا يرد القضاء ولا يأتي بالخير وكثير من الناس ينذر فإذا حصل مطلوبه تباطأ في النذر ولم يوفه كهذه السائلة فإذا نذر الإنسان شيئا على شيء وحصل له ما نذر عليه ولم يوفِ بالنذر فإن العاقبة ستكون وخيمة قال الله تبارك وتعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ (77)) فهم أخلفوا وعد الله وكذبوا لم يكونوا من الصالحين ولم يقوموا بما نذروا فأعقبهم الله نفاقا في قلوبهم إلى الموت إلى يوم يلقونه وهو موتهم فشيء هذه نتيجته لا ينبغي أبدا ولا يليق بالعاقل أن يفعله هذا شيء مما يتطلبه سؤال المرأة.
أما الشيء الثاني فهو الجواب على سؤالها نقول إذا كان معني قولها طلبت من الله تنوي به نذرا فإنه يجب عليها أن توفي بالنذر تصوم الاثنين والخميس وهذا لا يضر إن شاء الله لأنهما يومان في الأسبوع وما مضى فإنها تقضيه وتكفر كفارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته فإذا كان مضى عليها أربعون اثنين وأربعون خميس وجب أن تقضي ثمانين يوما مع كفارة اليمين لفوات الوقت الذي عينته ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس.
***(21/2)
المستمعة تقول لي أخت كانت قد تزوجت منذ فترة ولم تنجب أطفالاً لفترة ثم نذرت إن رزقها الله بأولاد ستصوم كل سنة شهراً كاملاً وقد مضى عليها ما يقارب ثلاثة عشرة سنة تصوم كل سنة شهراً وهي الآن أم لعدة أولاد والسنة التي لا تنجب فيها تكون ترضع فهل يسقط عنها الصوم بعد هذه المدة أم عليها كفارة مع أنها قادرة على ذلك وجهونا بهذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنبه إخواننا المستمعين إلى أن النذر مكروه (نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء وبين أنه إنما يستخرج به من البخيل) وعلى هذا نحن ننهى إخواننا المسلمين عن النذر لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك حتى إن بعض العلماء حرم النذر لأن الأصل في النهي التحريم لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون فيه فائدة وبين أنه إنما يستخرج به من البخيل وإذا أراد الله لك أمرا فإنه سيأتيك سواء نذرت أم لم تنذر وإذا لم يرد الله لك الأمر فإنه لن يأتيك سواء نذرت أم لم تنذر إذاً ليس في النذر فائدة إلا إلزام الإنسان نفسه بما لا يلزمه عند الله عز وجل وما أكثر الذين ينذرون ثم يشق عليهم الوفاء بالنذر فتجدهم يتحيلون على إسقاط هذا الواجب أو يذهبون على عتبة كل عالم يسألونه لعلهم يجدون مخلصا ولا يجدون وإذا نذر الإنسان نذرا على نعمة يعطيها الله إياه ثم أخلف فإنه على خطر عظيم قال الله تبارك وتعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ (77)) وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن من نذر أن يطيع الله فإنه يجب عليه أن يطيع الله) وحينئذ ننتقل إلى جواب سؤال هذه السائلة فنقول هذه السائلة نذرت طاعة من الطاعات وهو الصيام علقت هذا النذر على شرط وتحقق هذا الشرط وصامت ما شاء الله أن تصوم ثلاث عشرة سنة والآن تسأل هل يمكن أن تنفك من هذا النذر أم لا وبينت أنها قادرة على الوفاء بالنذر فأقول لها لا انفكاك عن هذا النذر ويجب عليها أن تصوم من كل سنة شهرا ولكن من نعمة الله تعالى عليها أن لم يجرِ على لسانها أن تصوم شهرا معينا وعلى هذا فلها أن تصوم من أيام السنة ما كان أقصر وأبرد أي أن لها أن تصوم في أيام الشتاء أيام البراد والأيام القصيرة حتى يأذن الله بانتقالها من الدنيا إلى الآخرة.
***(21/2)
المستمع حسن أحمد الحسين من خميس مشيط حارة الضباط يقول والدتي مرضت مرضاً شديداً ونذرت على نفسها إذا شافاها الله من هذا المرض أن تصوم تسعة أيام من كل شهر فشفيت بإذن الله من مرضها وصامت هذه الأيام عدة أشهر في كل شهر تسعة أيام ولكن حصل لها ظروف في الحياة من رعي الأغنام والزراعة والحصاد ونحو ذلك فلم تستطع صيام هذه الأيام فاقتصرت على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي إلى الآن لم تقطع صيام هذه الأيام الثلاثة فماذا عليها في ترك صيام الأيام الستة المتبقية من النذر وماذا يجب عليها أن تعمل إن أرادت التخلص من هذا النذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤال الرجل عن نذر أمه أود أن أقول إن النذر مكروه بل إن بعض أهل العلم حرمه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) فالشفاء لا يجلبه النذر والغنى لا يجلبه النذر والولد لا يجلبه النذر والنجاح في الحياة أو في الدراسة لا يجلبه النذر إلى غير ذلك من الأمور المحبوبة أو زوال الأمور المكروهة لا يكون النذر جالباً لها لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنه لا يأتي بخير) . وإنما الخير بيد الله عز وجل والرب عز وجل كريم يتكرم على عباده بدون أن يشترطوا له شيئاً يتعبدون له به من صيام أو صدقة أو غيرها ثم إن النذر إلزام للنفس بما لم يُلزمه الله عز وجل وتكليف لها بما لم تكلف به ثم إن كثيراً من الناذرين يصعب عليهم بعد ذلك الوفاء بالنذر ويشق عليهم وربما يتهاونون به ويدعونه وهذا خطأ عظيم واستمع إلى قول الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فماذا كان حالهم بعد ذلك ماذا كان قال الله تعالى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أكثر الناذرين الذين إذا نذروا شيئاً لحصول شيء فحصل ذلك الشيء الذي علق عليه النذر ما أكثر الذين يتجولون يميناً وشمالاً ليجدوا عالماً يرخص لهم في الخلاص مما ألزموا به أنفسهم فإذا علمت أيها المؤمن عاقبة النذر وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فإنك تتجنبه طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم وحماية لنفسك من أن تلزمها بما لم يلزمك الله به ولكن بعد هذا كله إذا نذر الإنسان طاعة سواء كان نذراً مطلقاً أو معلقاً بشرط فإنه يجب عليه أن يفي بتلك الطاعة لأنها تكون واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ووالدتك هذه نذرت نذراً يمكنها أن تقوم به وهو أن تصوم تسعة أيام من كل شهر إذا شفاها الله تعالى وقد شفاها الله من مرضها الذي علقت على الشفاء منه هذا النذر ويمكنها أن تصوم هذه الأيام التسعة موزعة على الشهر فتصوم ثلاثة في العشر الأول وثلاثة في العشر الأوسط وثلاثة في العشر الأخير من الشهر مادامت لم تشترط التتابع أو تنوي ولا خلاص لها من ذلك اللهم إلا أن تعجز عنه عجزاً يبيح لها الفطر في رمضان من مرض ونحوه فحينئذ لها أن تدع ذلك من أجل هذا العذر وتقضيه في وقت آخر.
***(21/2)
هذا السائل يقول نذرت أن أصوم مدة طويلة جداً فماذا أفعل حيال ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد أن نعرف كيفية النذر هل هو نذر تعبد أو نذر يمين وهو ما يسمى عند العلماء بنذر اللجاج والغضب أما نذر التعبد كأن يقول الإنسان لله علي نذر أن أصوم لله عشرة أيام تعبداً لله وطاعة له أو يقول إن شفى الله مريضي فلله علي أن أصوم عشرة أيام فهذا يجب عليه الوفاء بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) أما إذا كان نذر يمين أي قصد به معنى اليمين بأن قال إن فعلت كذا فلله علي نذر أن أصوم عشرة أيام يريد بذلك تأكيد منع نفسه من هذا الفعل فهذا حكمه حكم اليمين يعني أنه يخير إن شاء فعل ما نذره وإن شاء تركه وكفر كفارة يمين وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فهذا هو جواب السؤال فلينتبه السائل أن هناك فرقاً بين نذر التبرر والطاعة ونذر اليمين الذي يقصد به المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب.
***(21/2)
جزاكم الله خيراً من عليه صيام نذرٍ هل يمكن له أن يصوم تطوعاً كيوم عرفة ويوم عاشوراء وغيرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان النذر معيناً في ذلك اليوم فإنه لا يجوز أن يصومه نفلاً مثال ذلك رجلٌ نذر أن يصوم يوم عرفة أو نذر أن يصوم يوم الأحد المقبل فصادف أنه يوم عرفة فهنا لا ينوي صوم يوم عرفة وإنما ينوي صوم النذر فالمسألة الأولى إذا نذر أن يصوم يوم عرفة إذا كان قصده أن يصوم يوم عرفة تطوعاً فهو على نيته يصومه تطوعاً وإن كان نذر أن يصوم يوم عرفة على أنه واجبٌ بالنذر فإنه يجب عليه أن يصومه ناوياً به وفاء النذر الذي نذره على نفسه.
***(21/2)
السائل محمد السعيد مصري يعمل بجدة يقول قبل مجيئي للعمل بالمملكة كنت دائماً أدعو الله تعالى أن ييسر لي أمر المجيء إليها لأحظى بأداء فريضة الحج وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونذرت لله تعالى إن مَنَّ عليَّ بذلك أن أحجج والدي ووالدتي وبعد أن حصل لي ما تمنيته والحمد لله أديت فريضة الحج في العام الأول وفي العام الثاني عزمت على الوفاء بنذري بالنسبة لوالدي فأرسلت أطلب مجيئهما للحج على نفقتي ولكن فوجئت بالرد بأن والدي قد توفاه الله فحججت عنه في ذلك العام أما والدتي فقد اعتمرت عدة مرات وأهب ثوابها لها فهل فعلي ذلك يعتبر وفاء بالنذر بالنسبة لأبي وكذلك أمي هل يكفي الاعتمار لها عن الحج وإن لم يكفِ فهل يجزئ أن أحج عنها بنفسي أم لابد أن تحج هي بنفسها مادامت قادرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لأبيك فإنك قد أديت الواجب لأنه لما تعذر أن يحج بنفسه لموته حججت عنه وبهذا قمت بما يجب عليك احمد الله على ذلك وأما بالنسبة لأمك فإنه لابد أن تحج هي بنفسها إلا أن يتعذر ذلك لمرض لا يرجى برؤه أو بموت فتحج عنها أنت وبعد هذا فإني أنصحك وجميع من يسمع هذا البرنامج أنصحك بعدم النذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير) وأنت إذا رزقك الله تعالى نعمة فإن وظيفتك في هذه النعمة أن تشكر الله عز وجل لا أن تلزم نفسك بنذور أنت في حل منها ثم بعد ذلك ربما لا تستطيع الوفاء بالنذر ربما تتهاون بالوفاء بالنذر والتهاون في الوفاء بالنذر سببٌ لحصول النفاق في القلب كما قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ (77)) وعلى كل حال فإني أنصح إخواني المسلمين وأحذرهم من النذر أحذرهم أن ينذروا أقول لا ينبغي للإنسان أن ينذر بل النذر دائر بين المكروه والمحرم لأنه: أولاً: وقوع فيما عنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن بعض الناس يظن أنه إذا لم ينذر لم يحصل له من الله تعالى ما يتمنى وهذا قد يكون سوء ظن بالله عز وجل وسوء اعتقاد به وأن الله تعالى لا يمن عليك إلا إذا جعلت له جُعلاً وهذا لاشك أنه معتقد سيئ.
وثالثاً: أن الإنسان يلزم نفسه بأمر هو في حل منه.
ورابعاً: أن كثيراً من الناذرين بعد أن يحصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتكاسلون فيعرضون أنفسهم لذلك الوعيد الشديد الذي ذكرناه قبل
وخامساً: أنك تجدهم أي الناذرين إذا حصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتتبعون العلماء لعلهم يجدون رخصة في التخلص منه ومعلوم أن تتبع الرخص كما قال أهل العلم فسق وإن كان مع الأسف قد وقع فيه بعض الناس إذا استفتى عالماً وهو حين استفتائه له يعتقد أن ما يقوله هذا العالم هو الشرع الذي يسير عليه تجده إذا أفتاه بغير هواه ذهب يسأل عالماً آخر فإن أفتاه بما يهواه وإلا ذهب إلى عالم ثالث وهكذا وقد ذكر أهل العلم أن من استفتى عالماً ملتزماً بقوله فإنه لا يجوز له أن يستفتي آخر لما يحصل في ذلك من التلاعب بالدين وتذبذب الإنسان وعدم استقراره على قاعدة يبني عليها سيره إلى الله عز وجل نعم لو أفتاك عالم بفتوى وأنت إنما استفتيته للضرورة حيث لم تجد حولك أحداً أوثق منه في نفسك فلك حينئذ إذا وجدت عالماً أوثق منه أن تسأله وأن تعدل إلى قوله إذا خالف قول المفتي الأول لأنك إنما استفتيت الأول للضرورة وكذلك أيضاً لا حرج عليك إذا استفتيت شخصاً واثقاً بفتواه ولكنه حصل لك علم جديد من عالم آخر بدون تسبب منك فلا حرج عليك أن تنتقل إلى قول العالم الآخر بل قد يجب عليك إذا تبين لك أن الدليل مع الثاني فإنه في هذه الحال يجب عليك أن ترجع إلى قول العالم الثاني لوجود الدليل معه ولكن إذا سمع من عالم آخر بدون بحث ما يرى أنه هو الحق وقوة دليله فعليه أن يتبعه من أجل الدليل كذلك إذا استفتى عالماً حوله للضرورة لأنه لا يجد أحدا أوثق منه في نفسه فلا حرج عليه إذا طلب عالماً آخر أوثق في حال السعة.
***(21/2)
أحسن الله إليك السائل طه محمد من محافظة إب يقول امرأة نذرت أن تقرأ المصحف إذا شفى الله مريضها وهي عامية لا تستطيع القراءة فأعطت قيم المسجد مبلغا من المال على أن يقرأ لها إيفاءً بنذرها فما حكم أخذ هذا المال وماحكم هذا النذر ونرجو الدليل إن وجد وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم النذر مكروه أو محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عنه وأخبر أنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه (لا يرد قضاء) وأن ما أراده الله فسيكون سواء بنذر أو بغير نذر وذلك أن الحكمة من النهي عنه أنه إلزام للنفس بما لا يلزمها وأن الإنسان ربما يعجز عن تنفيذه وربما يتكاسل عن تنفيذه وإذا تكاسل عن تنفيذ فهو الخطر العظيم قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فالنذر خطير وكم من إنسان نذر ثم جاء يترجى يود الخلاص ولا خلاص هنا المرأة التي نذرت أن تقرأ المصحف ولكنها عاجزة الآن يسقط عنها النذر لعجزها عنه وعليها كفارة يمين تطعم عشرة مساكين لكل مسكين كيلو من الأرز ويكون معه ما يؤدمه من لحم دجاج أو غنم أو معز أو غيره وأما كونها تستأجر من يقرأه لها فلا وجه له.
***(21/2)
المستمع رمز لاسمه بـ: أ. م. ع. من جمهورية مصر العربية محافظة أسيوط يقول في رسالته كنت ناذراً بذبيحة لله ولم يكن في البيت غيرها وبعتها بمبلغ أربع وخمسين جنيه مصري لمدة أربع سنوات والآن أريد أوفي النذر الذي نذرته هل اشتري بالمبلغ ذبيحة أخرى وهل علي إثم في عملي هذا أرجو الإفادة ولكم من الله التوفيق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هذه الشاة التي نذرت لله عز وجل أن تذبحها إذا كان نذرك هذا نذر طاعة فإنه قد وجب عليك الوفاء به وتعينت هذه الشاة للنذر وبيعك إياه بعد ذلك غلط منك ومحرم عليك وعليك أن تضمنها الآن بمثلها أو بما هو خير منها وأن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما صنعت فاذبح بدلها تقرباً إلى الله عز وجل ووزعه على الفقراء ما دمت قد نويت أنها صدقة لله تعالى وليكن ما تذبحه مثل التي نذرت أو أحسن منها.
***(21/2)
السائل: هذه رسالة وردت من المرسل مرشد فازع الجمهورية العربية اليمنية مقيم في الرياض البطحاء يقول أنه رقد في المستشفى وكان لا يستطيع أن يقوم بخدمة نفسه وطلب من جماعته أن يبقي منهم واحد عنده إلا أنهم اعتذر عن ذلك ونذر أن الذي يجلس عنده يعطيه مائة ريال وبعد ذلكم عندما أراد أن يعطي الذي جلس مائة ريال أبي أن يأخذ هذه المائة يقول ما الذي يجب على؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه شيء لأن هذا الرجل وفي بما نذر فقد حصل منه البذل ولكن صاحبه لم يقبل وعلى هذا فإن نذره قد بر به وهذا النذر حكمه حكم اليمين فإذا بر به وبذل ما نذره فإنه لا شيء عليه.
***(21/2)
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل تبرعت بمبلغ من المال وكان هذا المبلغ نذرا علي ولما أردت أن أقوم بهذا الوفاء أرسلت نصف المبلغ لإخواني لكي يقوموا بإيصاله للفقراء الذين كنت قد حددتهم لكي أعطيهم هذا المبلغ وأوزعه عليهم فكان الإخوة عندما وصلهم نصف المبلغ كانوا في احتياج لأي مبلغ يصلهم فأخذوه ولم يعطوه لأصحابه والآن هل يجب علي أن أدفع المبلغ كاملا إلى من سبق الإشارة إليهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك أن تدفع هذا المبلغ لكن يجب على إخوتك أن يدفعوه لأنهم ضامنون لذلك وأنت الآن غريمك إخوتك ولا يحل لأحد مؤتمن أن يغدر بمن ائتمنه وكان الواجب على هؤلاء الأخوة لما وصل إليهم المبلغ أن يكلموا أخاهم ويقولوا نحن في حاجة فاسمح لنا أن نأخذه فإذا كانوا كما قالوا وسمح لهم فلا بأس وإن كان قد حدد لهم أسماء معينة ولكن إذا كان قد وعد هؤلاء الذين حددهم فإنه يجب عليه أن يفي بوعده لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق وخلاصة الجواب أن نقول على إخوتك ضمان المال الذي أخذوه يدفعونه إلى من عينتهم لهم فإن أبوا فإنهم يلزمون بذلك ثم إن شيءت فأعطهم وإن شيءت فلا تعطهم ثانيا إذا كنت قد وعدت الذين حددتهم وقلت لهم سأبعث إليكم بكذا وكذا فأوفِ بالوعد وأرجع على إخوتك بما أخذوه وإن شيءت فسامحهم.
***(21/2)
بارك الله فيكم يقول السائل مرض أحد الناس مرضاً شديداً فنذر نذراً إن شفاه الله أن يذبح كل عام ذبيحة وبالفعل شفاه الله ونفذ النذر عدة أعوام ثم جاء في العام الماضي وأخر الذبيحة لفرح أحد أولاده فذبحها يوم الفرح والسؤال ما حكم هذا النذر نذر العمر مثل هذا النذر وأيضاً أسأل وأقول كذلك ما حكم تأخير الذبيحة عن موعدها شهراً حتى زواج أحد الأولاد وهل تنفع الذبيحة في الفرح وهل تعتبر قائمة مقام الوليمة فهل تجزئ الذبيحة عن النذر أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أقول لهذا السائل ولغيره ممن يستمع إلى كلامنا إن النذر مكروه فيكره للإنسان أن ينذر شيئاً سواء كان معلقاً بشيء آخر أم غير معلق ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير) فليس النذر هو الذي يأتي بالخير وليس النذر هو السبب في شفاء المريض وليس النذر هو السبب لوجود الغائب وما أشبه ذلك بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يأتي بخير إنما يستخرج به من البخيل) ثم إن الناذر يلزم نفسه شيئاً هو في غنى عنه قد أحله الله منه فيأتي المسكين ويلزم نفسه بشيء ربما يكون اليوم يستطيعه وغداً لا يستطيعه ويبقى في حرج ثم إن النذر على الشيء قد يوجد في القلب عقيدةً غير صحيحة وهي أن النذر يكون سبباً لحصول المقصود ودفع المكروه وليس كذلك فأنصح هذا الرجل السائل وكذلك غيره ممن يستمع إلى كلامنا هذا أنصحهم عن النذر وأقول إذا كنتم مرضى فاسألوا الله الشفاء واستعملوا ما أمر به الشرع من الأدعية والأدوية المباحة ولا تتخذوا النذر سبباً لذلك وإذا ضاع لكم شيء فاسألوا الله سبحانه وتعالى أن يرده لكم بدون النذر.
أما ثانياً: وهو ما يتعلق بجواب هذا السؤال فإن السائل لم يفصح هل أنه نذر أن يذبح هذه الذبيحة أضحية أو مجرد ذبيحة للأكل فإن كان الأول أي نذر أن يذبح ذبيحةً أضحية في عيد الأضحى فإنه النذر يكون حينئذٍ عبادة يجب عليه أن يوفي به في وقته ولا يجوز له تأخيره عنه فإن أخره فإن عليه كفارة يمين لتأخيره النذر عن وقته ويلزمه القضاء وأما إذا كان النذر لمجرد التمتع بأكله فهو نذرٌ مباح إن شاء أنفذه في أي وقتٍ كان إذا لم يقيده بوقتٍ معين وإن شاء لم ينفذه ولكن يكفر في هذه الحال كفارة يمين وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة وفي هذا مخير والإطعام إما أن يجمع المساكين على غداءٍ أو عشاء وإما أن يفرق عليهم طعاماً يكون الصاع لأربعة أنفس ويحسن أن يجعل معه شيئاً مما يحسنه من إدام والكسوة ثوب وغترة وطاقية حسب العرف مما يسمى كسوة وعتق الرقبة معروف فإن لم يجد يعني لم يجد دراهم يحصل بها على الطعام والكسوة والعتق أو وجد ولكن إذالم يجد فقراء ولا رقبة فإنه يصوم ثلاثة أيامٍ متتابعة ولا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام والكسوة لأن الله تعالى ذكر الثلاثة جميعاً ثم قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) .(21/2)
فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم له نقطة أخيرة في هذا السؤال يقول لو أراد أن ينسلخ عن نذره هذا فماذا عليه أن يفعل حتى لا يأثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه فقرة تدخل فيما ذكرنا آنفاً وهو أنه إذا كان نذر هذه الذبيحة أضحية فإنه لا يمكن أن ينسلخ عنها لأنها عبادة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) أما إذا كانت لمجرد التمتع بالأكل فله أن يكفر كفارة يمين وتنحل بذلك وينحل بذلك نذره.
***(21/2)
نذرت لله تعالى أن أذبح ولقد نفذت النذر وأكلت أنا وأهلي من ذلك ولقد سمعت أنه لا يجوز الأكل منه فماذا علي هل أعيد الذبح مرةً ثانية أم أخرج بمقدار ما أكلت أنا وأهلي وهو ما يقارب الثلاثة كيلوجرامات من اللحم أفيدوني فأنا حائر أو أنه ليس علي شيءٌ ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نذر الذبح ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون قربةً لله يريد الإنسان به أن يتقرب إلى الله عز وجل فهذا لا يأكل منه وإنما يصرفه صدقةً للفقراء القسم الثاني أن يكون نذر الذبح عادةً لا عبادة أي أن يقصد به الفرح والسرور وجمع الناس عليه وما أشبه ذلك من الأمور المباحة فهذا لا يكون له حكم العبادة وإنما هو نذر مباح إن شاء الإنسان فعله وإن شاء كفر عنه كفارة يمين ولم يفعله وهذا القسم إذا فعله ونفذ ما نذر به فله أن يأكل منه هو وأهله ولا حرج عليه في ذلك أما القسم الأول الذي يقصد منه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فقد قلنا إنه يصرف صدقةً للفقراء إذا كان قد أكل منه فليعزم مقدار ما أكل ويتصدق به على الفقراء.
***(21/2)
نذر شخص إذا رزق مثلاً بأولاد أن يقدم ثلاث ذبائح لكنه لم يعين هل يعطيها للفقراء يقول مثلاً إن رزقت كذا وكذا ذبحت كذا وكذا هل يجوز له أن يأكل منها أو يجب عليه أن يوزعها بكاملها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الحال يسأل عن نيته فأحياناً يكون الرجل نوى بهذا النذر إظهار الفرح والسرور فقط كما يظهر الفرح والسرور بالقادم ويذبح له ذبيحة فهذا النذر حكمه نذر مباح بمعنى أنه يخير بين أن يفعله ويأكل منه هو وأهله وأقاربه وجيرانه وبين أن يكفر كفارة يمين لأن هذا هو القاعدة في النذر المباح أن يخير الإنسان بين فعل ما نذر وبين كفارة اليمين.
***(21/2)
إذا نذر الإنسان ونسي لا يعلم هو نذر أم لا ماذا يفعل؟ وإذا نذر المسلم نذراً مثل لو قال لو رزقني الله النجاح هذه السنة سوف أذبح كبشاً هل يجوز له أن يوفر لنفسه منه شيء أم لا وما مقدار الذي يتصدق به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السؤال الأول وهو إذا شك الإنسان هل نذر أم لا فليس عليه شيء لأن الأصل براءة الذمة ولا وجوب مع الشك فعلى هذا لا يهمه شيء إطلاقاً وأما السؤال الثاني إذا نذر أن يذبح كبشاً لنجاحه أو نحوه من المطلوبات التي يطلبها ونذر فإننا نسأله هل تريد بهذا النذر إظهار الفرح والسرور ودعوة الأخوان والانبساط إليهم فإنه يجوز لك أن تذبح هذا الكبش وتدعو إليه من شيءت من جيرانك وأقاربك ومعارفك وإن شيءت كفر عن هذا النذر كفارة يمين ولا تذبح الكبش لأن هذا العمل ليس من أمور الطاعة بل هو من الأمور المباحة والنذر المباح يخير فيه الإنسان بين أن يفعل ما نذر وبين أن يكفر كفارة يمين أما إذا كان نذرك هذا الكبش من أجل النجاح ونحوه من مطلوباتك تريد به الشكر لله على نعمته فإنه حينئذٍ يكون عبادة يجب الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وعلى هذا يجب عليك أن تذبحه وأن تتصدق به على الفقراء ولا تدخر لنفسك منه شيئاً لأنه كان لله وما كان لله فإنه يصرف في الفقراء والمساكين ولكن تبييناً لهذا السؤال أنا أحذرك أيها الأخ وغيرك من المسلمين أحذركم من النذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل) والنذر في الحقيقة إلزام الإنسان نفسه بأمرٍ لم يلزمه الله به وربما ينذر لله تعالى نذراً معلقاً على حصول شيء محبوبٌ إليه فيحصل هذا الشيء ثم يتكاسل عن الوفاء بالنذر أو يتهاون به ولا يقوم به ثم يخشى عليه مما ذكر الله تعالى في عقوبة الذين لم يفوا بنذورهم في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ثم إن النذر ليس هو الذي يأتي بالمطلوب أبداً فإن الذي يأتي بالمطلوب هو الله عز وجل فالإنسان يسأل الله تعالى أن ييسر له هذا الأمر الذي يحب بدون أن ينذر فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما أسلفنا (إنه لا يأتي بخيرٍ) لهذا أحذر إخواني المستمعين من النذر والله الموفق.
***(21/2)
مبارك عبد الله من جدة يقول في هذا السؤال بأنه نذر إذا أتم الله له أمر فإنه سيذبح ذبيحةً للفقراء والمساكين ولم يحدد المكان الذي يتم فيه الذبح فهل يحل له أن يذبح في بلده حيث إن هناك يقول أعرف مساكين وفقراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن النذر أقل أحواله أن يكون مكروهاً ومن العلماء من حرمه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وقال إنه لا يرد قضاءً) فالنذر ليس هو الذي يجلب الخير للإنسان ولا هو الذي يدفع الضرر عنه وإنما يستخرج به من البخيل كما جاء في الحديث ولهذا حرم النذر طائفةٌ كبيرة من أهل العلم وما أكثر الذين يسألون عن النذر فتجدهم ينذرون ثم يماطلون في الوفاء بالنذر وربما يتساهلون فلا يوفون وهؤلاء على خطرٍ عظيم لقول الله تبارك وتعالى في المنافقين (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فأكرر لإخواني المسلمين النهي عن النذر أي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه وأقول احذروا النذر احذروه ومن نذر أن يطيع الله فليطعه وهذا الرجل نذر أن يذبح ذبيحة لحصول أمرٍ ما يتصدق بها على الفقراء وهذا النذر نذر طاعة ولا فرق بين أن يوفيه في بلده أو في بلدٍ آخر إلا إذا عين البلد فيتعين ما عينه هو.
***(21/2)
بارك الله فيكم المستمعة م. ن. ف. من جدة تقول بأنها نذرت أن تذبح لأبنائها لكل فرد منهم ذبيحة عددهم عشرة ذكور وإناث علماً بأن والدهم لم يذبح لهم عند ولادتهم تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تستطيع الوفاء بهذا النذر كما أن نذرها هذا كان قائماً على ظنٍ منها بأن عدم الذبح عليهم فيه ذنب وبأنه لا يجوز فماذا عليها أن تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان نذرها مبنياً على هذا الظن وهو ظنها أن العقيقة واجبة فإنه لا يلزمها الوفاء بالنذر لأنه مبني على أصل تبين أنه ليس ثابتاً فإذا كان كذلك فإن ما بني على ما ليس بثابت لا يكون ثابتاً وأما إذا كانت نذرت أن تعق عنهم من غير أن يكون النذر مبنياً على هذا الظن فإنها تعق عنهم ولكن بإذن والدهم لأن المخاطب بالعقيقة هو الوالد (الأب) وليست المرأة (الأم) ثم إنني أنصح هذه المرأة وغيرها من المستمعين بعدم النذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) وكثير ما ينذر الإنسان نذراً ثم يتمنى أن يتخلص منه ولا يحصل له فيجد في نفسه المشقة والصعوبة وربما يترك هذا النذر ولا يوفي به وهذا على خطر عظيم إذا نذر الإنسان نذراً معلقاً على شيء فحصل هذا الشيء ثم لم يوف بنذره فإنه على خطر عظيم ألم تر إلى قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فبين الله أن هؤلاء القوم عاهدوا الله إذا آتاهم من فضله أن يتصدقوا وأن يصلحوا أحوالهم فلما آتاهم من فضله لم يتصدقوا بل بخلوا ولم يصلحوا بل تولوا وهم معرضون فكانت النتيجة أن أعقبهم الله نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه أي نفاقاً يبقى فيهم حتى يموتوا والعياذ بالله فأنا أقول وأنصح إخواني المسلمين بعدم النذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وأخبر بأنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل والله الموفق.
***(21/2)
هذه الرسالة من السائل الحاج إبراهيم جاسم من العراق يقول كانت والدتي المتوفاه قد نذرت نذراً في حياتها لله وثوابه للشيخ محمود العمرلي والذي يقال من أولاد عمر بن الخطاب بأن تذبح شاة في كل سنة وقد استمرت على هذا النذر حتى ماتت ثم تولينا نحن الاستمرار فيه إلى الآن فهل علينا شيء في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذبح الذي نذرت لا يخلو مما أن تقصد به التقرب إلى هذا الميت لتعظيم فهذا محرم وشرك لأن الذبح تقرباً لا يجوز إلا لله رب العالمين قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ) وأما إن كانت تقصد من هذا النذر أن يكون هذا أضحية تتقرب به إلى الله ليكون ثوابها لهذا الميت فإن هذا لا بأس به وليس محرماً ولكن إذا ماتت فإنه يسقط عنها النذر لأنها أصبحت من غير أهل التكليف فلا يلزمكم أن تنفذوه عنها.
***(21/2)
هذه رسالة وردتنا من السائلة نورا فهد تقول في رسالتها قد مرض لي أحد أقاربي ونذرت إن شفي من مرضه أن أذبح ذبيحة وفي أحد المناسبات جاءتنا إعانات وذبائح من بعض الأقرباء وبقي بعضها وتصدقت بواحدة فهل تجزئ أو لا وقد قيل إن المتصدق لا يأكل منها فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجزئ أن تقضي نذرك من هذه الغنم التي جاءتكم وأما الأكل منها فهو على حسب النية إذا كان الناذر الذي نذر إن شفى الله مريضه أن يذبح شاة إذا كان قصده من هذا الذبح أن يتقرب بذلك إلى الله فهذه عبادة وطاعة فيتصدق بها جميعاً على الفقراء لأن الفقراء هم مصرف الأموال الشرعية والصدقات وإذا كان قصده بنذر ذبح هذه الشاة أن يفرح بذلك وأن يسر ويكون كإظهار أهل المسافر للفرح إذا قدم من سفره فإن هذا نذر مباح يجوز له أن يفعله يعني يذبح الشاة التي نذر ويأكل منها ويتصدق ويهدي ويجوز أن يدع ذلك ولا يذبح ولكن يكفر كفارة يمين لان حكم نذر المباح أن الناذر يخير فيه بين أن يفعل ما نذر وأن يكفر كفارة يمين.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة أم عبد الرحمن من الرياض تقول ما حكم من نذر لوالده وقد كان مريضا وأجرى عملية جراحية ثم خرج وتمتع بصحة جيدة مدة شهر ثم عاوده المرض وتوفي والنذر هو ناقة بقصدي إن شفي من هذا المرض وشفي مدة محدودة ثم عاد عليه المرض ثم توفي نرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الشفاء الذي حدث له أثناء المرضين شفاء تاما لم يبق فيه أعراض المرض فإنه يجب عليها الوفاء بالنذر فتذبح الناقة وتتصدق بها على الفقراء شكرا لله عز وجل على هذه النعمة وهي بُرْءُ أبيها أما إذا كان البرء عبارة عن سكون المرض وأعراض المرض باقية فإنه لا يجب عليها شيء لأن حقيقة الأمر أن أباها لم يشف من المرض وهي إنما نذرت إذا شفي والدها.
***(21/2)
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم من أسئلة السائل أبو عبد الله قال رجلٌ لزميله إذا أنجبت المزرعة التي تملكها أكثر من العام الماضي فعندي لك ذبيحة وبالفعل صار ولكن قال لهم رجلٌ آخر هذا الكلام حرام وظلم فما هو الصحيح في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى نية الملتزم إذا كان قصده بذلك أي بذبح ذبيحة إظهار الفرح والسرور لكون نماء المزرعة أكثر فلا بأس به أما إذا كان قصده التحدي وأنه لا يمكن أن يكون النماء والمحصول أكثر فهذا لا وجه له ولا يوفي به.
***(21/2)
فتاوى الأيمان والنذور - كتاب القضاء(21/2)
رسالة وصلت من جمال عبده أحمد من اليمن مدرس يمني من اليمن الشمالي مركز الزهرة التعليمي يقول في هذا السؤال ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في القاضي المسلم وهل الإسلام يحرم على القاضي قبول الهدية وهل تعتبر رشوة نرجو بهذا الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن يعلم أن كل ولايةٍ فلا بد فيها من ركنين أساسيين بل شرطين أساسيين وهما القوة والأمانة وهذان الركنان أو الشرطان لا بد منهما في كل عمل قال الله تعالى (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) وقال عفريت من الجن (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) والقوة في القاضي تتركز على العلم بالشريعة الإسلامية حتى يقضي بها بين الناس والعلم بأحوال الناس وأعرافهم ومصطلحاتهم حتى يتمكن من تطبيقها على الأحكام الشرعية لأنه لا بد لكل حكمٍ من محلٍ قابلٍ له فيشترط في القاضي أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية وعالماً بأحوال الناس وأعرافهم ومصطلحاتهم وهذه هي القوة ولا بد أن يكون أميناً والأمانة لا تتحقق إلا إذا كان القاضي مسلماً عدلاً فغير المسلم لا ينطبق حكمه على المسلمين لأنه غير مأمونٍ في قضائه وإذا كان الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتبين في خبر الفاسق فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) فإن التبين في خبر الكافر من باب أولى ولهذا لم تجز شهادة الكافر إلا في حال الضرورة في الوصية إذا مات المسلم في السفر ولم يكن عنده مسلم وأوصى وأشهد كافرين فإن الشهادة حينئذٍ تقبل ويقسمان بالله إن حصل ارتيابٌ في شهادتهما المهم لا بد أن يكون القاضي مسلماً ولا بد أن يكون عدلاً والعدل هو الذي استقام دينه واستقامت مروءته فمن ترك الواجبات أو فعل الكبائر أو أصر على الصغائر فليس بعدل فلا يكون حاكماً لأن الحكم يتضمن في الواقع ثلاثة أمور شهادة وبيان وفصل فالحاكم يبين الحكم الشرعي ويوضحه ويحكم بأنها لفلان وهذا الحكم يقتضي أنه يشهد بأن الحكم لفلان على فلان ويفصل بين الناس فلا بد أن يكون عدلاً لنثق بحكمه وخبره الشرط الرابع أن يكون ذكراً فلا يمكن أن يتولى القضاء امرأة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) وهناك شروطٌ أخرى اختلف فيها أهل العلم ولا حاجة لذكرها حينئذٍ لأن المقام لا يقتضي.
وأما قبول الهدية بالنسبة للقاضي فإن أهل العلم يقولون لا يجوز له أن يقبل الهدية إلا بشرطين أحدهما أن تكون ممن يهاديه قبل ولايته والثاني أن لا يكون لهذا المهدي حكومة فإن كان ممن لا يهاديه قبل ولا يته فإنه لا يجوز له أن يقبل هديته لأن هذا إنما أهداه لتوليه القضاء فهو كالعامل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن اللتبية على الصدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا) وإذا كان للمهدي قضية حاضرة وحكومة عند هذا القاضي الذي أهدي إليه فإنه يخشى أن تكون رشوة ليحكم له بما يريد ومن المعلوم أن الهدية توجب الميل أي ميل المهدى إليه إلى المهدي وعدم التحقق والنظر في دعواه وفي أمره إذاً لا يجوز للقاضي أن يقبل هدية إلا بهذين الشرطين الشرط الأول أن تكون من شخصٍ يهاديه من قبل ولايته والشرط الثاني أن لا يكون لهذا المهدي قضيةٌ حاضرة.
***(21/2)
يسأل عن صحة هذا الحديث (خير الشهداء من يشهد بالحق قبل أن يسأل أو تسأل شهادته) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث أتى به السائل بمعناه وإلا فهو صحيح ولفظه (ألا أنبئكم بخير الشهداء هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) والمراد بذلك أن خير الشهداء هو الذي يأتي بالشهادة متى احتيج إليها سواءٌ سئلها أم لم يسألها والإنسان قد يشهد بشيء ولا يعلم المشهود له بشهادته والواجب عليه إذا رأى أن القضية قد طرحت إلى الحاكم أن يذهب إلى المشهود له ويخبره بأن له شهادة له حتى يتمكن المشهود له من أخذ حقه بهذه الشهادة.
***(21/2)
المستمع أيضاً مصري يعمل في نجران المملكة العربية السعودية يقول هناك مسألة دائماً تشغل فكري ولم أنساها منذ سنين عديدة وهي حضرتُ أمام القاضي لأدلي بشهادتي لإثبات وراثة وكانت شهادتي سليمة مائة بالمائة ولكن عندما قال لي القاضي صاحب القضية قريب لك قلت بالنص لا جاري أي جار لي والحق أنه جار لي ولكنه في نفس الوقت أب لزوجتي السؤال هل يعتبر أب الزوجة قريب للزوج أم لا مع العلم بأنني قلت لا جاري وكانت في نيتي ألا تتأجل القضية وأصحابها في انتظارها وقد يزعل مني وهذا إذا صرحت أن صاحب القضية أب لزوجتي أفيدونا عن هذا الأمر بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قولك للقاضي حين سألك أهو قريب لك (لا) يعني ليس بقريب لك قول صحيح وليس فيه كذب فإن أب الزوجة ليس قريباً لزوجها ولكنه صهره أبو زوجته وقولك إنه جارك هذا صحيح وعليه فلا تشغل هذه المسألة ببالك لأنها حق وصدق.
***(21/2)
سؤال: المستمع عاشور عوض لقمان من حضرموت اليمن الديمقراطية يقول في رسالته يوجد عندنا عادة قديمة وهي إذا احتكم رجلان إلى قاضٍ معين لكي يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه فإن كل رجل منهم يأتي بخمسة رجال من أقربائه ويقسمون يميناً أي يحلفون بأن صاحبهم على حق وجميع ما يقوله صحيح ضد الرجل الآخر وهم لم يحضروا الخلاف الذي حصل بين صاحبهم والرجل الآخر فهل عليهم ذنب في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الصفة في استشهاد الشهود مخالفة للشرع من وجهين الوجه الأول من حيث العدد فإن عدد الشهود في الشريعة يختلف عن هذا الذي ذكره السائل وليست في الشريعة ما يكون فيه الشهود فيه خمسة وأعلى عدد يكون في الشهادة أربعة رجال وذلك في الشهادة على الزنا ثم المخالفة الثانية أن هؤلاء يشهدون وهم لم يحضروا والشهادة بدون علم الشاهد شهادة زور محرمة بل هي من كبائر الذنوب وقد (عدد النبي صلى الله عليه وسلم أكبر الكبائر وكان متكئاً فلما بلغ الشهادة جلس فقال ألا وقول الزور ألا وشاهدة الزور وما زال يكررها حتى قال الصحابة ليته سكت) وهذا دليل على عظم شهادة الزور وأنها من أكبر الكبائر والواجب على المرء أن يكون قائماً بشهادته لله عز وجل قائماً بالقسط لا يشهد لأحد إلا بما علمه ولا يشهد على أحد إلا بما علمه فلا يحمله قرابة القريب أو غنى الغني أو صداقة الصديق على الشهادة له ولا يحمله عداوة العدو وبعد البعيد وفقر الفقير على الشهادة عليه بل تكون شهادته لله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وعلى القضاة في جميع بلاد المسلمين أن يتحروا العدل والحكم بما أنزل الله عز وجل فإن من لم يحكم بما أنزل الله فقد وصفه الله تعالى بأوصاف ثلاثة بالكفر والظلم والفسق على حسب ما يحمله عليه هذا الحكم فعلى جميع قضاة المسلمين وحكامهم وذوي السلطة العليا منهم ألا يحتكموا إلا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تتم السعادة لهم ولشعوبهم وتحصل العزة والكرامة لهذه الأمة الإسلامية.
***(21/2)
المستمع محمد يوسف إبراهيم من الظهران يقول كان لي عم وقد توفاه الله وبعد مضي مدة على وفاته قام أحد الأشخاص وقال إن لي على عمك ديناً فأوفنيه، فقلت أثبت هذا الدين بوثيقة أو نحوها فلم يكن عنده شيء ثم طلبت منه أن يحلف بالله فرفض فما العمل في هذه الحاله هل أعطيه ما ادعاه من الدين أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ادعى أن له دينا على عمك لا يلزمك وفاؤه إلا إذا أقام بينة وإذا لم يقم بينة فإنه لا يلزمكم أن توفوه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي) إذ يكون هو المفرط حيث لم يثبت هذا ببينة وليس عليكم شيء اللهم إلا إذا علمتم أن هذا الرجل ثقة لا يمكن أن يدعي ما ليس له فحينئذٍ يجب على من وثق بقوله أن يؤديه ما ينال نصيبه من الميراث وأما من لم يثق بقوله فإنه لا يلزمه أن يؤديه شيئا وكونك طلبت منه اليمين فلم يحلف بناء على أنه يعتقد أن الحق له فإنه يكون هو الذي أسقط حقه لأنه لا يستحق شيئا إلا بيمين ولكن كما قلت قبل قليل إذا أنت كنت تثق من صدق هذا الرجل وقد ورثت من مال عمك شيئا فأدي له نصيباً أو قسطاً ما يكون من نصيبك في ميراث عمك وهكذا كل من صدقه من الورثة فإنه يلزمهم أن يعطوه قسط نصيبهم من الورثة من التركة مثال ذلك لنفرض أن عمك له بنت وأن العاصب أنت فيكون للبنت النصف ولك الباقي وهو النصف فإذا كان صاحب هذا الدين يدعي عشرة آلاف ريال وأنت تثق من صدقه فإنك تعطيه من الذي ورثت من عمك تعطيه خمسة آلاف ريال لأنها مقابل نصيبك ثم البنت إن صدقته أيضا دفعت الباقي وإن لم تصدقه فإنه لا يلزمها شيء هذا هو حكم هذه المسألة.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع الذي رمز لاسمه ب أم م من قرية نساح يقول فضيلة الشيخ إنني أبيع وأشتري في السيارات بالتقسيط وأنا عندي أكثر من سبعين زبون يشترون بالتقسيط لمدة ثلاثة سنوات والبعض منهم يقوم بتأخير القسط شهريا فأشتكيه وآخذ حقي منه هل علي خطأ في شكواي لهم عن حقي المتأخر أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي حل عليه القسط قادرا على الوفاء فلك الحق في مطالبته ورفع أمره إلى ولاة الأمور ليخرجوا حقك منه وأما إذا كان معسرا فإنه ليس لك أن تطلبه ولا أن تطالبه ولا أن ترفعه إلى ولاة الأمور لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواننا الذين يكون لهم ديون على المعسرين فيؤذون هؤلاء المعسرين بالطلب والمطالبة ويرفعونهم إلى الجهات المسئولة وهذا الدائن لا شك أنه آثم إذا طالب المعسر بوفاء الدين لأنه عاصٍ لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وأما بالنسبة للمدينين فإنني أوجه إليه نصيحة بأن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يستدينوا شيئا إلا عند الضرورة القصوى التي لابد لهم منها وذلك لأن الدين خطره عظيم فإنه هم في الليل وذل في النهار وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يفتح الله عليه إذا قُدِّم إليه الميت يسأل (أعليه دين لا وفاء له فإن قالوا نعم لم يصلِ عليه صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا يدل على عظم الدين وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه (سئل عن الشهادة في سبيل الله هل تكفر الخطايا فقال نعم ثم أدبر الرجل فناداه فقال النبي عليه الصلاة والسلام إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفا) فإذا كان الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين وتكفر ما سواه من المعاصي كان ذلك دليلا على عظمه وأنه أمر يعيق الإنسان عن الوصول إلى درجات الكمال ثم أني أنصحهم مرة أخرى إذا دعت الضرورة إلى الاستدانة واستدانوا أنصحهم أن لا يماطلوا في حق الدائن ويؤخروه فإن ذلك ظلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) والمطل يكون إذا حل الحق والغني هو القادر على الوفاء فإذا حل حق الدائن وكان المدين قادراً على الوفاء فإنه يجب عليه المبادرة بوفائه وإذا تأخر ساعة فهو آثم وساعتين فهو أشد إثما وثلاثة ساعات فهو أشد إثما وهكذا كلما زادت الساعات في تأخيره للوفاء أزداد بذلك إثما ثم إنه ربما يعاقب فيسلب هذا المال الذي كان به قادر على الوفاء ويندم حين لا ينفع الندم.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع يوسف مصطفى من القاهرة يقول فضيلة الشيخ تخرجت من كلية الحقوق وأريد أن أشتغل بالمحاماة فما رأيكم وما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن المحاماة وهي التوكل عن الرجل ليخاصم خصمه رأينا أنها تنقسم إلى قسمين قسم يريد أن يحامي بحق وعن حق فالدخول في هذا لا بأس به لأن غاية ما فيه أنه توكل لشخص بأجر والوكالة بأجر جائزة لا بأس بها وقسم ثانٍ من المحاماة يريد المحامي أن يتم قوله بحق أو بباطل فهذا القسم لا يجوز الدخول فيه لأنه سيكون مدافعا عن الحق وعن الباطل وهذا محرم بل الواجب على المسلم إذا رأى أن أخاه سيقع في باطل أن ينصحه وأن لا يتوكل عنه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .
***(21/2)
بارك الله فيكم أيضاً يسأل عن حكم الشرع في نظركم في المحاماة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المحاماة وهي المدافعة عن صاحب الحق لا بأس بها في الأصل فهي من قسم الوكالات الجائزة إلا أنها أحياناً تجب وأحياناً تحرم فتجب المحاماة إذا كان لا يمكن استخلاص الحق لصاحب الحق إلا بها فإن أخاك المسلم إذا استنجدك للمحافظة على ماله ودفاع أهل الظلم عنه كان من حقه عليك أن تعينه في هذا الشيء وتكون محرمة إذا كان الإنسان يحامي لغيره في إثبات باطل أو إنكار حق فإذا كان الإنسان قد جعل مهنة المحاماة وسيلة لإرضاء من وكله سواء كان محقاً أو مبطلاً فإن الدخول فيها حرام أما إذا دخل من أجل نصرة الحق ورد المظالم إلى أهلها فإنه لا بأس بها بل قد تكون واجبة أو مندوبة بحسب ما تقتضيه الحاجة أو المصلحة.
***(21/2)
بارك الله فيكم من محافظة نينوى العرق المستمع الذي رمز لاسمه بقوله أخوكم المسلم ق. م. ع. يسأل ويقول ما رأي الشرع في نظركم في مهنة المحاماة وهل هي حلال أم حرام وهل كان يوجد في الإسلام محاماة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المحاماة هي التوكل بالإنسان في محاكمة خصمه وأصل الوكالة جائز في الإسلام بدلالة الكتاب والسنة والوكالة في الخصومة أو في محاكمة الخصم داخل في عموم الوكالة فإذا كان هذا المحامي الذي توكل لشخص في محاكمة خصمه إذا كان لا يريد بمحاماته إلا إحقاق الحق وإبطال الباطل وإعطاء كل ذي حق حقه فإن المحاماة حينئذ لا بأس بها بل قد تكون من الإحسان إلى من لا يحسن المخاصمة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما يقتطع له قطعة من النار فليستقل أو ليستكثر أو قال فليأخذها أو ليذر) أما إذا كان المحامي يريد أن يتوكل في هذه المحاكمة لأجل أن تكون الغلبة لموكله بحق أو بباطل فإن ذلك لا يجوز وتوكله حرام وما أخذ على هذه الوكالة حرام أيضاً لأنها إعانة على الباطل وقد قال الله عز وجل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فصارت المحاماة فيها هذا التفصيل الذي سمعت.
***(21/2)
سيد عبد الحليم مهنا مصري يعمل بالعراق يقول ما حكم العمل بالمحاماة هل هو حرام أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل بالمحاماة يتبين حكمه بنوع تلك المحاماة فإن كان المقصود بالمحاماة الدفاع عن الحق ومهاجمة أهل الباطل فإن هذا لا بأس به بل قد يكون واجباً لأن الدفاع عن الحق واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأما إذا كان العمل بالمحاماة من أجل انتصار الإنسان لقوله وأكله ما يأكله على هذا العمل من الأموال دون النظر إلى كونه موافقاً للحق أو مخالفاً له فإن هذا حرام ولا يجوز وعلى الإنسان أن ينظر في أمره هل هو يريد أن يدافع عن الحق وأن يحمي حوزة الحق فليعمل في ذلك أما إذا كان لا يريد ألا أن يأخذ ما يأخذه من المال من أجل محاماته ويحرص على أن يكون قوله هو القاطع الفاصل وإن كان باطلاً فإن ذلك حرام.
***(21/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع عبد السلام أحمد سالم من خميس مشيط بعث برسالة يقول ما حكم من أخفى مجرماً عن العدالة أو ساعده على الهرب أو الاختفاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فلا يجوز لأحد أن يعين آثماً أو معتدياً على إثمه أو عدوانه أياً كان فهذا الظالم المعتدي المجرم لا تجوز مساعدته في تمكنه من الهرب أو الستر عليه اللهم إلا إذا كان في ذلك مصلحة مثل أن يكون هذا المجرم لم يسبق منه بادرة وظاهر حاله الصلاح فإننا هنا يمكن أن نقول إن الستر عليه مستحب في هذه الحال إذا علمنا أنه سيستقيم أو إذا غلب على الظن أنه سيستقيم ويرجع إلى الله عز وجل وأما من عرف بالفساد ولا يظن فيه الخير فإنه لا يجوز الستر عليه وهذا لا يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة أو ستر الله عليه في الدنيا والآخرة) فإن المراد بذلك من كان في ستره مصلحة وأما من كان ستره يزيده في الشر والتوغل في العدوان فإن ستره في هذه الحال لا يجوز.(21/2)
فضيلة الشيخ: هل يدخل في هذا التستر على الأجانب المقيمين مثلاً بصفة غير شرعية الذين قد يخشى من وقوع ضرر منهم أو وهو مخالف لتعاليم وأنظمة الدولة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وهذا أيضاً مثله مثل هذا أيضاً الستر على من أقام في البلاد بغير نظام وذلك لأن الدولة تنظم النظم التي ترى أنه من مصلحتها ومن مصلحة رعيتها فإذا ستر على من خالف هذه الأنظمة فمعنى ذلك أنه أعان هذا المخالف على مخالفته ثم إن هذا ليس من النصيحة لدولته وحكومته بل هذا من الإساءة وسوء السمعة حتى الناس الأجانب إذا رأوا من الرعية مثل هذه الأمور وأنهم يخونون الدولة في أنظمتها ويكثرون ما يخالفها لا شك أنهم يأخذون طابعاً سيئاً عن هذا الشعب بالنسبة إلى حكومته فالواجب علينا نحن الرعية تحت راعٍ بايعناه على السمع والطاعة بالمعروف الواجب علينا أن نعينهم على أنظمته التي لا تخالف الشرع والتي يقصد منها مصلحة الرعية ومصلحة البلاد حتى يكون الراعي والرعية متلاقيين فيما هو من مصلحة البلاد ومنفعته.
***(21/2)
_____ الزينة والمرأة _____(/)
إزالة الشعر(22/1)
السؤال: تقول هل يجوز للفتاة أن تنتزع الشعر الذي في يدها لأنه طويل ومشوه لجمال المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الشعر الذي على الساق أو على الذراع كثيرا مشوها فلا حرج أن يخفف حتى يكون عاديا أما إذا كان عاديا ليس فيه تشويه فالأفضل إبقاؤه لأن الله تعالى لم يخلقه إلا لحكمة وأخشى أن تكون إزالته من تغيير خلق الله وذلك أن الشعر ينقسم حكمه إلى ثلاثة أقسام قسم يشرع إزالته كحلق العانة والإبط وتخفيف الشارب وقسم تحرم إزالته كاللحية فإن حلقها حرام والقسم الثالث مسكوت عنه لكن الأفضل بقاؤه إلا أن يكون في ذلك تشويه فلا حرج من إزالته.
***(22/2)
السؤال: فضيلة الشيخ ما قولكم في إزالة المرأة لشعر الساقين واليدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم أن إزالة الشعور على ثلاثة أقسام:
القسم الأول ما أمر به الشرع وذلك كشعر العانة والإبطين والشارب فإن من السنة حلق العانة ونتف الإبطين وحف الشارب أو قصه وهذا من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها وقد وقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يترك فوق أربعين يوماً ويضاف إلى ذلك الأظفار فإن من السنة قصها أو تقليمها وألا تترك فوق أربعين يوماً.
والقسم الثاني شعر نهى الشرع عن إزالته أو أمر بما ينافي الإزالة وذلك كشعر اللحية فإن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها) وقال (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) وهذا يقتضي أن يكون حلق اللحية حراماً.
والقسم الثالث ما سكت عنه الشرع فلم يأمر بإزالته ولم ينه عن إزالته وذلك كشعر الصدر وشعر الرقبة وشعر الذراعين والساقين والبطن فهذا إن كثر فلا بأس من تخفيفه ولا حرج فيه لأن في ذلك إزالة ما يشوه المنظر وأما إذا لم يكثر فإن الأولى عدم التعرض له لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه عبثاً بل لا بد فيه من فائدة وقال بعض العلماء إن إزالته إما مكروهة وإما محرمة مستدلاً بقوله تعالى عن الشيطان (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ولكن لا يتبين لي هذا الحكم أي لا يتبين لي أن إزالته مكروهة أو محرمة بل إزالته من الأمور المباحة إلا أن تركه أفضل خوفاً من الوقوع فيما يأمر به الشيطان من تغيير خلق الله.
***(22/2)
المستمعة تقول هل إزالة شعر اليدين والرجلين تعتبر زينة للمرأة وهل إزالته حلال أم تعتبر تغييراً لخلق الله تعالى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى للإنسان أن يبقي ما خلقه الله له على ما كان عليه إلا ما أمر الشرع بإزالته مثل شعر الإبطين والعانة والأظفار فإنها تزال اتباعاً للشرع وأما ما لم يرد الشرع على إزالته فالأولى إبقاؤه على ما كان عليه ولا يغير ولكن لو كثر شعر اليدين أو الساقين بحيث يعد خارجا عن المألوف ومستقبحا ومستكرها في أعراف الناس فإنه لا حرج من تخفيفه ولا بأس بذلك.
***(22/2)
السؤال: يقول هذا السائل هل يجوز للمرأة أن تخفف من شعر يديها ورجليها من باب التجمل للزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان الشعر كثيرا يشبه شعور الرجال فلا بأس أن تخفف وأما إذا كان عاديا فالأولى ألا تتعرض له وأن تبقيه لأن هذا لا يستنكر ولا يستغرب شيء فهو عادي ولأن الله عز وجل لم يخلق هذا إلا لحكمة عظيمة فإبقاؤه هو الأولى.
***(22/2)
المستمعة تقول هل يجوز إزالة الشعر الذي في اليدين وفي الأصابع وعلى الساقين والذي في الوجه ماعدا الحاجبين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال جوابه التفصيل وذلك أن الشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام أولاً ما أمر الشرع بإزالته وثانياً ما نهى الشرع عن إزالته وثالثاً ما سكت عنه الشرع
أما ما أمر الشرع بإزالته مثل شعر الإبطين فالأمر فيه واضح
وأما ما نهى الشرع عن إزالته فإنه أيضاً واضح حكمه وأنه لا يزال كما في شعر اللحية للرجل فإنه لا يجوز له حلقها لأن ذلك معصية للرسول صلى الله عليه وسلم ومعصية الرسول معصية لمرسل الرسول وهو الله عز وجل
وأما ما سكت عنه الشرع مثل شعر الذراع والساق والصدر والرقبة فهذا قد يقول القائل إنه لا بأس بإزالته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وما سكت عنه فهو عفو) وهذا مسكوت عنه فيكون عفواً وقد يقول القائل إنه لا ينبغي أخذه لا نقول إنه حرام لأنه لو كان حراماً لبُين تحريمه ولكن نقول لا ينبغي أخذه لأنه قد يدخل في تغيير خلق الله الذي هو من أوامر الشيطان كما قال الله عز وجل عن الشيطان (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) وعلى هذا فيكون الأولى ترك هذه الشعور كما هي إلا أن تصل إلى حد مشوه بحيث تخرج عن العادة والمألوف وتكون محل الأنظار فهنا لا بأس أن يستعمل الإنسان ما يخففها حتى لا يكون محل نظر من الناس بقى علينا شعر الوجه كالحاجبين فإن أخذ الحاجبين بالنتف محرم وهو من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) قال أهل العلم والنمص نتف شعر الوجه والحاجبان من شعر الوجه وأما تخفيف الحاجبين بغير نتف بل بالقص والحلق فهذا موضع خلاف بين أهل العلم منهم من قال إنه داخل في النمص فهو محرم بل كبيرة ومنهم من قال إنه لا يدخل في النمص لأن النمص مخصوص بالنتف وهذا ليس بنتف ولكننا نقول إن الأولى والاحتياط تركه وعدم الأخذ من شعر الحاجبين اللهم إلا أن يكون فيهما أذى للعين مثل أن تطول هذه الشعور فحينئذ يجوز تخفيفها على وجه تزول به المضرة.
***(22/2)
تقول يوجد شعر في رجليّ وهذا الشعر كثير ويضايقني نفسياً وقد قمت مرة بحلقه ومرة قمت بنتفه هل هذا من الحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان كثيراً خارجاً عن العادة فلا بأس بإزالته ولكن لا تزيله بالحلق لأن الشعر إذا حلق ازداد قوة ونمواً ولكن يزيله بالأدوية الموجودة الآن ولا حرج عليها في ذلك مادام كثيراً مشوهاً أما إذا كان عادياً فالأفضل الإبقاء عليه.
***(22/2)
الداعية أم خالد بعثت بهذه الرسالة تقول هناك مادة تستعملها النساء في إزالة الشعر من الذراعين والساقين بقصد التجمل للزوج وهي عجينه مكونة من السكر والليمون تعقد على النار فهل هذا جائز أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إزالة شعر الذراعين الأولى ألا تفعل وذلك لأن الشعور التي في البدن تنقسم إلى ثلاثة أقسام
قسم أمر الشرع بإزالتها فتزال وذلك كشعر العانة وشعر الإبطين فالعانة تحلق وأما الإبطان فينتفان نتفاً إذا لم يشق على الإنسان
والقسم الثاني شعر لا تجوز إزالته بالنتف وهو شعر الوجه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النامصة المتنمصة وهي التي تنتف شعر وجهها كالحواجب ولو كان ذلك للتجمل للزوج فإنه محرم ولا يجوز بل هو من كبائر الذنوب
والقسم الثالث ما لم يرد الشرع بالنهي عن إزالته ولا بالأمر بإزالته فليس بمحرم لعدم وجود دليل على التحريم وليس بمأمور بإزالته لعدم وجود دليل على إزالته ولكن الأولى ألا يزال لأن الأصل فيما خلق الله تعالى في البدن أن يبقى كما هو عليه إلا إذا ورد الإذن بإزالته أو الأمر بإزالته فعلى حسب ما جاء به الشرع ومن ذلك شعر الذراعين والساقين فالأولى أن يبقيا ولا يزالا اللهم إلا أن يصل إلى حد التشوه بالكثرة الكاثرة التي تلفت النظر فحينئذ لا بأس من تخفيفها.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز للمرأة أن تزيل الشعر من جميع أجزاء جسمها وهل يعد ذلك من التزيين للزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال أن نقول إن إزالة الشعر أي شعر المرأة من بدنها ينقسم إلى ثلاثة أقسام
القسم الأول منهي عنه بل ملعون فاعله وذلك النمص وهو نتف شعر الوجه كنتف شعر الحواجب لترقيقها وتخفيفها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن النامصة والمتنمصة)
والقسم الثاني شعر مطلوب إزالته كشعر الإبطين والعانة
والقسم الثالث شعر مسكوت عنه كشعر الساقين والذراعين والصدر ونحو ذلك فالأولى في هذا القسم المسكوت عنه أن لا يزال الشعر اللهم إلا أن يكون كثيراً تقبح به المرأة فلا بأس من تخفيفه بل إن تخفيفه إذا كان أدعى لمحبة الزوج لها أحسن وأولى وأما إذا كان غير كثير ولا مشوه فالأفضل إبقاؤه على ما هو عليه لأنه يخشى أن يكون داخلاً في قوله تعالى عن الشيطان (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) ولكن لا يصل إلى درجة الكراهة أو إلى درجة التحريم أعني إزالة الشعر من الساقين والذراعين والصدر ونحو ذلك لا يدخل إلى درجة الكراهة أو التحريم لعدم ورود النهي عنه فهو من الأمور المسكوت عنها ولكن الأولى تركه إلا أن يكونمستقبحا وإنني بهذه المناسبة أيضاً أحذر بعض النساء اللآتي زين لهنّ الشيطان سوء أعمالهن من إبقاء الأظفار وتطويلها وبعضهن يطول ظفر الخنصر فقط لأن ذلك خلاف الفطرة وخلاف ما وقته النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأمته في الأظافر والعانة والإبط والشارب للرجل أن لا تترك فوق أربعين يوماً ومن العجب أن يزين للإنسان سوء عمله فيبقي هذه الأظافر التي تجمع الأوساخ والأنتان وتشوه المنظر وتلحق الرجل بمشابهة الحبشة فإن الحبشة هم الذين يطيلون أظفارهم لتكون مدىً لهم قال النبي عليه الصلاة والسلام (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر فإن السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة) فلا يليق بالإنسان أن يفعل هذا، ولا يترك الظفر ولا العانة ولا الإبط ولا شارب الرجل أكثر من أربعين يوماً.
***(22/2)
السؤال: ظهر دواء يمنع ظهور شعر الجسم في المرأة مرة أخرى ولما فيه من الفائدة والراحة للمرأة فإن كثيرا من النساء تتسآل عما إذا كان هذا الدواء حلالاً أم حراماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا في الوجه فهو بمعنى النمص وقد ذكرنا حكمه وإذا كان هذا على شعر آخر كشعر الذراعين والساقين فإن الأولى بلا شك ألا يستعمل هذا لأن الله عز وجل خلق هذا الشعر ولا شك أن في خلقه حكمة اللهم إلا أن يكون شعرا كثيرا مشوها فلا بأس بتخفيفه أو إزالته وبهذه المناسبة نقول إن الشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم نهى الشرع عن إزالته وهو شعر لحية الرجل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) .
والقسم الثاني شعر أمر بإزالته وهو شعر الإبطين والعانة للرجل والمرأة والشارب للرجل فإن الرجل أمر بحف الشارب.
والقسم الثالث من الشعور مسكوت عنه لم يأت به أمر ولا نهي فالأولى إبقاؤه على ما كان عليه ألا أن يكون فيه تشويه للخلقة فلا بأس وهذا لا نقول إن إزالته حرام ولا نقول إن إزالته مكروهة لأن التحريم والكراهة يحتاجان إلى دليل لكن نقول الأولى إبقاؤه لأن الله تعالى لم يخلقه عبثا ما لم يكن فيه تشويه.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز إزالة شعر الوجه دون إزالة الحواجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الرجل فلا يحل له حلق لحيته ولكن يسن له قص شواربه
وأما المرأة فإن نبت في موضع اللحية والشارب شعر يبين إذا رآه الإنسان فلها أن تزيله بأي مزيل كان وإن كان شعرا معروفا يعني شعرة أو شعرتين ليس فيها تشويه فإنها تبقيه ولا يحل لها أن تنتفه ولا فرق في هذا بين الحواجب وغيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) .
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول فضيلة الشيخ هل نتف شعر الوجه دون الحاجبين حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حرام فإن نتف شعر الوجه من النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاعله فهو من كبائر الذنوب وسواء كان بالحاجبين أو على الخدين أو غير ذلك.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم إزالة الشعر الزائد في وجه المرأة من غير الحاجبين وكذلك إزالة الشعر في أماكن أخرى من جسمها كيديها ورجليها زينة لزوجها فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا أن نقول إزالة الشعر ثلاثة أقسام
القسم الأول أن يكون مما أمر به الشرع فأمره واضح مثل إزالة شعر العانة والإبط فهذا من السنة ومن الفطرة ومن الطهارة والنظافة.
الثاني ما نهى عنه الشرع كحلق شعر اللحية للرجل وكذلك النمص وهو نتف الحواجب للمرأة أو الرجل أيضاً وقال بعض أهل العلم إن النمص نتف شعر الوجه وهذا يعم كل الوجه ويكون نتفه من النمص أما إذا كان منبت الشعر في وجه المرأة مُثلةً مثل أن ينبت لها شارب أو لحية فإن لها أن تزيل ذلك لأن هذا مُثلة ينفر منها
القسم الثالث إزالة الشعر الذي لم يرد النص بتحريمه كإزالة شعر الذراعين والساقين ونحو ذلك فالأولى أن لا يزال وقال بعض العلماء إنه يحرم إزالته لأن هذا من تغيير خلق الله والأصل في تغيير خلق الله المنع لأن الله تعالى أخبر عنه أنه من أوامر الشيطان وإذا كان من أوامره فإنه لا يجوز لنا طاعته فعليه لا يؤخذ هذا الشعر لا من الساق ولا من الذراع ولا من غيره وقال بعض أهل العلم إنه جائز لكن تركه أفضل وعلل للجواز بأن هذا مما سكت الله ورسوله عنه فهو عفو ولا ريب أن الإنسان ينبغي له أن يحتاط في كل أمر يخشى على نفسه من الوقوع في محظور بسببه فلا ينبغي للمرأة أن تزيل شيئاً من شعر ساقها أو ذراعها اللهم إلا أن يكون كثيراً بحيث يشوه الخلقة فلها أن تخففه ولا حرج عليها في ذلك.
***(22/2)
السؤال: تقول لقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (لعن الله النامصة والمتنمصة) فهل إزالة شعر الوجه اللحية والخدين والشارب بالنسبة للمرأة حرام خاصة إذا كان الشعر ليس بالكثيفٍ المؤذي أو المشوه للمنظر أرجو بهذا إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النمص يقول أهل العلم إنه هو نتف شعر الوجه وهو من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) وأما إذا خرج للمرأة عارضان أو شارب أو لحية وكان هذا ظاهراً بيناً فلها أن تزيله بشيء من المزيلات المعروفة لأنه من المعلوم أن المرأة لا يصلح أن يكون وجهها كوجه الرجل في الشعر فإن ذلك يشوهها من وجه وإذا كانت ذات زوج ينفر زوجها عنها.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز قلع الشعر الذي في الحاجب إذا كان متصلاً من على الأنف ومشوه للوجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إزالة هذا الشعر على سبيل النتف هذا حرامٌ لا يجوز لأن هذا نمص وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة) وأما إزالته بغير النتف كالقص والحلق فهذا لا بأس به وإن كان بعض العلماء يرى أنه حرامٌ وأنه من النمص والذي ينبغي لها أن تتركه أي أن لا تتعرض له بشيء إلا إذا ضرها بحيث ينزل من هذا الشعر شيءٌ على عينيها يؤذي عينيها أو يحول بينها وبين تمام النظر فلا بأس أن تقص عنها ما يؤذيها.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة أن تزيل الشعر الذي بين الحاجبين إذا كان يشوه منظرها أو تقوم بترقيق شكل الحواجب وتحسينها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة تقع على وجهين
الوجه الأول أن يكون ذلك بالنتف فهذا محرم وهو من الكبائر لأنه من النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله
الثاني أن يكون على سبيل القص والحف فهذا فيه خلاف بين أهل العلم هل يكون من النمص أم لا والأحوط تجنب ذلك وألا تفعله المرأة أما ما كان من الشعر غير معتاد بحيث ينبت في أماكن لم تجر العادة بها كأن يكون للمرأة شارب أو ينبت على خدها شعر أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس بإزالته لأنه خلاف المعتاد وهو مشوه للمرأة أما الحواجب فإن من المعتاد أن تكون رقيقة دقيقة وأن تكون كثيفة واسعة هذا أمر معتاد وما كان معتاداً فإنه لا يتعرض له لأن الناس لا يعدونه عيباً بل يعدون فواته جمالاً أو وجوده جمالاً وليس من الأمور التي تكون عيباً حتى يحتاج الإنسان إلى إزالته.
***(22/2)
السؤال: تقول هل إزالة الشعر الذي بين الحاجبين حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إزالة الشعر الذي بين الحاجبين جائزة إذا كان مشوهاً للخلقة بحيث يكون كثيراً جداً ولكن لا تجوز إزالته بالنتف لأن النتف من النمص وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة) وأما إذا كان خفيفاً معتاداً لا يؤذي ولا يشوه فإن الأولى تركه وعدم التعرض له.
***(22/2)
تقول علمت قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن الله النامصة والمتنمصة) فما رأيكم في التخفيف البسيط في الحاجبين حيث لا يغير من شكلهما حيث إنهما كثيفان أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النمص هو النتف أي نتف شعر الوجه الحاجبين والأهداب وما أشبه ذلك وأما التخفيف من الحاجبين فإن كانا غليظين غلظاً غير معتاد فلا حرج وإن كانا غليظين غلظاً معتاداً فالأولى إبقاؤهما على ما كان عليه ولا بأس يعني بالمقص أو الموس أو ما أشبه ذلك لا بالنتف لأن النتف نمص.
***(22/2)
السؤال: تقول تخفيف شعر الحاجب ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تخفيف شعر الحاجب إن كان بطريق النتف فهو حرام لأنه من النمص الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله، وإذا كان بطريق القص أو الحلق فهذا كرهه بعض أهل العلم، ومنعه بعضهم وجعله من النمص، وقال إن النمص ليس خاصاً بالنتف بل هو عام لكل تغيير في الشعر بما لم يأذن الله به، إذا كان في الوجه، ولكن الذي نرى أنه ينبغي للمرأة حتى وإن قلنا بجواز أو بكراهة تخفيفها بطريق القص أو الحلق أن لا تفعل ذلك إلا إذا كان الشعر كثيراً على الحواجب بحيث ينزل إلى العين فيؤثر على النظر فلا بأس بإزالة ما يؤذي منه.
***(22/2)
السؤال: تقول أيضاً ما حكم أخذ الزائد من الحواجب وليس القص، وإذا كان حراماً فهل أيضاً يعتبر حراماً إذا أخذت الفتاة الزائد من حواجبها في عقد قرانها أو ليلة الزفاف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخذ الزائد من الحواجب ينقسم إلى قسمين إما أن يكون منكراً عن طريق النتف فهذا لا يجوز، لأنه من النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلته، وإذا كان بطريق القص فقد قال بعض العلماء إنه من النمص أيضاً فيدخل في اللعنة أيضاً، وقال آخرون ليس من النمص فلا يدخل في اللعنة ولكنه مع هذا لا ينبغي إلا إذا كانت الحواجب كثيرة الشعر بحيث إنها تضفي على العين ظلمة وقصراً في النظر فهذا لا بأس أن تزيل ما يخشى منه هذا المحظور،.
***(22/2)
السؤال: ما حكم الإسلام في نتف الحواجب وإزالة شعر الحاجب ليس كله ولكن للتخفيف منه علماً أن شكل الوجه يبدو أفضل ولا أقصد بهذا تغيير خلق الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤالها إن توجيه السؤال إلى شخص يخطئ ويصيب بمثل هذه الصيغة ما حكم الإسلام فيه نظر ذلك لأن أي واحدٍ من الناس وإن كان عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند غيره لا يمكن أن نقول إن كل ما قاله فهو حكم الإسلام لأنه قد يخطئ وقد يصيب فإذا أخطأ مثلاً نسب خطأه إلى الإسلام لأنه مسئول عن حكم الإسلام في هذا الشيء لذلك أرى أن توجه الأسئلة إلى أهل العلم فيقال ما رأيكم في كذا أو ما حكم الإسلام في نظركم أو ما أشبه ذلك حتى نسلم مما أشرنا إليه في كونه يخطئ فينسب خطأه إلى الإسلام
ثم أقول في الإجابة على سؤالها إن نتف الحواجب محرم بل من كبائر الذنوب لأنه من النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله فقد (لعن النبي عليه الصلاة والسلام النامصة والمتنمصة) النامصة التي تنتف الحواجب من غيرها والمتنمصمة التي تطلب من غيرها أن تنتف حواجبها وكذلك لو أن المرأة فعلته بنفسها هي كانت نامصة متنمصمة فيجتمع في حقها الوصفان والعياذ بالله ولا فرق بين أن تقصد بذلك الزينة أو أن تكون ساخطة لخلقة الله عز وجل وقولها إنها لم تقصد تغيير خلق الله نقول هي وإن لم تقصد فقد حصل منها تغيير خلق الله عز وجل على وجه لم يأذن الله به وعلى هذا فإنني أحذر أخواتي من هذا العمل وأبين لهنّ أن الأمر عظيم لأنه يترتب عليه اللعنة وهي الطرد والإبعاد عن رحمة الله أما لو كثرت الحواجب بحيث كانت تمنع تمام النظر أو ربما تتدلى حتى تصل إلى العين أو تشتبك بالأهداب فإن قص ما طال منه لا بأس به.
***(22/2)
السؤال: ما حكم قص المرأة الشعر الزائد من الحاجبين إذا كان ينزل على العين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج عليها أن تأخذ الزائد من شعر الحاجب الذي ينزل على عينها لأن بقاءه يؤذيها في الحقيقة ينزل على الأجفان ويختلط بالأجفان أي بشعر الأجفان ويحصل بهذا إرباكٌ للعين وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله أخذ من حاجبيه فإذا طال شعر الحاجب وقصت الزائد الذي يتدلى إلى أجفانها وأهدابها فلا حرج.
***(22/2)
السؤال: تقول فتاة قامت بنتف حواجبها قبل علمها بعقوبة النمص ولما كبرت ندمت وتابت مع أنها نتفت وهي صغيرة لجهلها ما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحكم في ذلك أنه لا شيء عليها حين كانت جاهلة وقت فعل المعصية وهذه قاعدة عامة في جميع المعاصي أن الإنسان إذا فعلها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فإنه ليس عليه إثم ولا عقوبة ولا كفارة فيما فيه كفارة لقول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت ولقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ولقوله تعالى فيمن أكره على الكفر (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان الكفر وهو أعظم المعاصي لا يؤاخذ به الإنسان في حال الإكراه فما دونه من باب أولى ولأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه وردت أحاديث في قضايا متعددة بل جاء القرآن مع الأحاديث في قضايا متعددة تدل على أنه لا إثم ولا كفارة على غير المتعمد ومن ذلك قوله في جزاء الصيد إذا قتله محرم قال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ) فأوجب الله الجزاء على من قتله متعمداً وفي الصيام قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ولم تذكر أنهم أمروا بالقضاء ولو كان القضاء واجباً لأمروا به ولو أمروا به لنقل إلينا فالمهم أن نصوص الكتاب والسنة العامة والخاصة تدل على أن الإنسان إذا فعل المعصية جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه وهذه القاعدة التي دلت عليها الشريعة بالكتاب والسنة ينبغي للإنسان أن يتخذها أساساً في كل المعاصي التي يفعلها ولكن هذا لا يعني أن يفرط الإنسان في السؤال عن الحكم ويقول أنا لا أسأل لأجل أن أعمل كما يفعل بعض العامة يقول لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم هذا خطأ بل يجب على الإنسان أن يتعلم وأن يعرف أحكام دينه التي يحتاج إليها وكذلك أيضاً ينبغي أن يكون ذاكراً بما يلزمه في طاعاته حتى لا يسهو ويغفل بقدر المستطاع لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
***(22/2)
قص الشعر(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها وتستعمل ما يسمى بالقصة وكذلك عمل القصة على الجبين للبنات الصغار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن شعر رأس المرأة من جمالها ومما تحظى به عند زوجها وهذا أمر معروف لدى الناس حتى جاءت المدنية الحاضرة التي يعشق الناس فيها كل جديد وصاروا يتلقفون ما يرد إليهم من عادات وتقاليد منهم من يعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن رأى في ذلك متسعاً عمل بها وإن رأى منعاً تركها ومنهم من يتلقف هذه العادات والتقاليد على علاتها ولا يبالي أوافقت الكتاب والسنة أم خالفته ولا ريب أن المرأة لا يُشرع لها قص رأسها إلا في حج أو عمرة تقصر من أطرافه وأما التقصير منه في غير الحج والعمرة فإن العلماء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال منهم من يرى التحريم ويقولون بأنه مثلة ومنهم من يرى الكراهة وهذان القولان في مذهب الإمام أحمد ومنهم من يرى الإباحة وأنه لا بأس به وهذا القول مقيد بما إذا لم يصل الأمر إلى حد التشبه بالرجل بحيث تقص المرأة رأسها حتى يكون كهيئة رؤوس الرجال في هذه الحال لا يجوز لها أن تفعل لأن ذلك من التشبه بالرجال وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال) وبناءً على هذا القول فإن القصة التي تكون في مقدم الرأس وعلى الجبهة لا بأس بها ولكننا لا نرى للمرأة أن تفعل ذلك نرى أن الأولى ألا تفعل لأننا لا نحب أن نتلقف كلما جاءنا من غيرنا وهي أمور عادية بل إن بقاء الإنسان على عاداته يكون أقوى لشخصيته وأبعد عن الانزلاق في عادات قد تكون محرمة في شريعتنا ثم هو أدل على تمسك الإنسان بما عنده من عادات وتقاليد وهذا يؤدي إلى قوته أيضاً في التمسك بما عنده من الديانات عقيدة وعملاً وسلوكاً ومنهاجاً ولهذا نرى هؤلاء الذين ينزلقون وراء هذه العادات ويتابعونها نراهم غير أقوياء في التمسك بدينهم وربما يجرفهم التيار إلى أمور تتعلق بالدين والعبادة لهذا أرى أنه لا ينبغي للمرأة وإن قلنا بجواز ذلك لا ينبغي للمرأة أن تستعمل هذه القصة لأننا نخشى أن نكون وراء هذه الواردات إلينا وأما بالنسبة للقصة للصغيرة فإننا نرى ألا تُفعل أيضاً لأن الصغير إذا شب على شيء وألفه استساغه بعد كبره ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين وأن نضربهم عليها لعشر سنين مع أنهم لم يُكلفوا بعد من أجل أن يتمرنوا على فعل الطاعة ويألفوها حتى تسهل عليهم بعد الكبر وتكون محبوبة لديهم كذلك الأمور التي ليست بالمحمودة لا ينبغي أن يعود الصغار عليها وإن كانوا غير مكلفين وذلك لأنهم يألفونها عند الكبر ويستسيغونها.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة أن تقص شعرها من الأمام بما يسمى القصة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة لا شك أن رأسها جمال لها وستر وأن أكثر النساء ترغب أن يكون لها رأس ولهذا شرع لها في الحج والعمرة أن تقصر بقيد أنملة من كل ظفيرة واختلف العلماء رحمهم الله في جواز قص المرأة رأسها فمنهم من قال إنه مكروه ومنهم من قال إنه حرام ومنهم من قال إنه مباح أي حلال إلا أن تقصه على وجه يكون شبيهاً برأس الرجل فإنه يكون حراماًَ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) والذي أرى أن الأحسن والأولى ألا تقص المرأة شعر رأسها لأن تقبل ما يرد إلينا من عادات غيرنا وأخذها بدون فائدة أمر لا ينبغي أن يكون فإن هذا قد يحول المجتمع إلى عادات مجتمعات أخرى قد تبعدها عن العادات التي يقرها الشرع أما إذا قصته حتى يكون على شبه رأس الرجل فإنه لا شك أنه حرام لما ذكرنا بل إنه من كبائر الذنوب.
***(22/2)
السؤال: تقول هل قص الشعر من الأمام ومن الخلف حرام وهل ورد أدلةٌ تؤيد ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول المشروع أن المرأة تبقي رأسها على ما كان عليه ولا تخرج عن عادة أهل بلدها وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أنه يكره للمرأة قص رأسها إلا في حجٍ أو عمرة وحرمه بعض فقهاء الحنابلة حرموا قص المرأة شعر رأسها ولكن ليس في المسألة ما يدل على الكراهة أو على التحريم بل الأصل عدم ذلك فيجوز للمرأة أن تأخذ من شعر رأسها من قدام أو من الخلف على وجهٍ لا تصل به إلى حد التشبه برأس الرجل لأن الأصل الإباحة لكن مع ذلك أنا أكره للمرأة أن تفعل هذا الشيء لأن نظر المرأة وتقبلها لما يرد من العادات المتلقاة من غير بلادها هذا مما يفتح لها باب النظر إلى العادات المستوردة وربما تقع في عاداتٍ محرمة وهي لا تشعر فكل العادات الواردة إلى بلادنا في المظهر والملبس والمسكن إذا لم تكن من الأمور المحمودة التي دل الشرع على طلبها فإن الأولى البعد عنها وتجنبها نظراً إلى أن النفوس تتطلب المزيد من تقليد الغير لا سيما إذا شعر الإنسان بالنقص في نفسه وبكمال غيره فإنه حينئذٍ يقلد غيره وربما يقع في شرك التقليد الآثم الذي لا تبيحه شريعته دعنا من العادات ونحن في الحقيقة عندنا أشياء نتمسك بها يسميها بعضنا عاداتٍ وتقاليد ونحن ننكر عليهم هذه التسمية ونقول لقد ضللتم وما أنتم بالمهتدين فإن من عاداتنا ما هي من الأمور المشروعة التي لا تتحكم فيها العادات والتقاليد كمثل الحجاب مثلاً فلا يصح أن يسمى احتجاب المرأة عادةً أو تقليداً وإذا سمينا ذلك عادةً أو تقليداً فهو جنايةٌ على الشريعة لأننا حولنا الشريعة إلى عادات وتقاليد بل هي من الأمور الشرعية التي لا تتحكم فيها الأعراف ولا العادات ولا التقاليد والتي يلزم المسلم أياً كان وفي أي مكان يلزمه أن يلتزم بها وجوباً فيما يجب واستحباباً فيما يستحب.
***(22/2)
السؤال: تقول في رسالتها ما حكم قص شعر المرأة هل يباح قص شيء منه وما هو القدر المباح قصه من هذا الشعر وإذا كان لا يجوز فأرجو من فضيلتكم ذكر الدليل لنتمسك به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سبقت الإجابة على مثله ولا مانع من إعادة القول فيه فالعلماء رحمهم الله اختلفوا في قص المرأة شعر رأسها هل هو جائز أو مكروه أو محرم على ثلاثة أقوال فمنهم من قال إنه مباح وقال إن ذلك هو الأصل إلا بدليل يدل على المنع ما لم يكن قصه على وجه يصل به إلى مشابهة رأس الرجل فإنه في هذه الحال لا شك في تحريمه بل إنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) ومنهم من قال إنه مكروه لأن المرأة جمالها في رأسها ولهذا لم تؤمر بحلقه في حج ولا عمرة وإنما المشروع في حقها أن تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة فقط ومنهم من قال إنه محرم وعلل ذلك بأنه مثلة والمرأة جمالها في رأسها فإذا قصته صار ذلك مثلة في حقها والتحريم يحتاج إلى دليل بل والكراهة تحتاج إلى دليل أيضاً وإلا فالأصل في غير العبادات الحل كما قال بعضهم.
والأصل في الأشياء حل وامنع عبادة إلا بإذن الشارع
لكني أكره للمرأة أن تقص شعر رأسها لأنني لا أحب من نسائنا أن يتلقفن كل ما يرد علينا من العادات التي ليست فيها مصلحة ظاهرة تسوغ لنا مخالفة عاداتنا وإبقاء الإنسان على شخصيته وعاداته التي لا تخالف الشرع ولا تفوت مصلحة أولى من كونه تبعاً لغيره إمعة يقول ما يقول الناس ويفعل ما يفعل الناس من غير روية فالذي أراه لنسائنا أن يلتزمنّ بالعادات التي كنّ عليها ما لم تكن مخالفة للشرع أو يحدث عادات فيها مصلحة والتزامها لا يخل بالمروءة ولا بالدين فلا حرج من اتباعها حينئذٍ لأني لا أحارب كل جديد ولكن الجديد الذي لا مصلحة فيه والذي يقتضي أن تخرج نساؤنا عن عاداتهن بدون موجب لا أحب أن نتبعه.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم قص الشعر بالنسبة للمرأة رغبة في التجمل لزوجها وما هو حد القص للشعر بمعنى آخر ما المقدار المسموح به في قص شعر المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قص شعر المرأة أعني قص شعر رأسها كرهه بعض العلماء وحرمه بعض العلماء وأباحه بعض العلماء وما دام الأمر مختلف فيه فالرجوع إلى الكتاب والسنة ولا أعلم إلى ساعتي هذه ما يدل على تحريم قص شعر المرأة وعلى هذا فيكون الأصل فيه الإباحة وأن المرجع فيه للعادة ففيما سبق كانت النساء ترغب طول الرأس وتفتخر بطول الرأس ولا تقصه إلا عند الحاجة الشرعية أو الحسية وتغيرت الأحوال الآن فالقول بالتحريم ضعيف ولا وجه له والقول بالكراهة يحتاج إلى تأمل ونظر والقول بالإباحة أقرب إلى القواعد والأصول وقد روى مسلم في صحيحه (أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كن يقصصن رؤوسهن حتى تكون كالوفرة) لكن إذا قصته المرأة قصا بالغا حتى يكون كرأس الرجل فهذا حرام لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال) وكذلك لو قصته قصا يماثل رؤوس الكافرات والعاهرات فإن من تشبه بقوم فهو منهم أما إذا قصته قصا خفيفا لا يصل إلى حد يشبه شعور الرجال ولا يكون مشابها لرؤوس العاهرات والكافرات فلا بأس به.
***(22/2)
ماحكم قص شعر المرأة إذا وصل نصف الساق؟
افأجاب رحمه الله تعالى: والله ما أدري عن صحة هذا الخبر، أن يصل شعر رأس المرأة إلى نصف ساقها ولكن الله على كل شيء قدير إذا وصل إلى نصف الساق فلا حرج عليها أن تقصه إلى القدر المعتاد بين النساء على وجه لا تتأذى به، وأما إذا كان الرأس على الوجه المعتاد الذي ليس فيه أذية فإن أهل العلم ولاسيما الفقهاء الحنابلة رحمهم الله كرهوا قص شعر الرأس من الأمام أو الخلف، لكن إذا قصته على وجه يكون مشابهاً لرأس الرجل كان هذا القص حراماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال) فإذا قصت المرأة رأسها حتى يكون كرأس الرجل صارت متشبهة بالرجل سواء قصدت التشبه أو لم تقصد لأن ما حصل به التشبه لا يشترط فيه نية التشبه، إذ التشبه تحصل صورته ولو بلا قصد فإذا حصلت صورة التشبه كانت ممنوعاً ولا فرق في هذا بين التشبه بالكفار أو تشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة فإنه لا يشترط فيه نية التشبه ما دام وقع على الوجه المشبه، ولكن ينبغي أن نعرف ما هي حقيقة التشبه، حقيقة التشبه أن يقوم الإنسان بفعل شيء يختص به من تشبه به فيه، بأن يكون هذا الشيء من خصائص الكفار مثلاً، هذا الشيء من خصائص النساء، هذا الشيء من خصائص الرجال، فإذا كان هذا الشيء من خصائص الكفار فإنه لا يجوز للمسلم أن يفعله سواء بقصد أو بغير قصد، أي سواء كان بقصد التشبه أو بغير قصد التشبه، وكذلك إذا كان من خصائص الرجال فإنه لا يجوز للمرأة أن تفعله، وإذا كان من خصائص النساء فإنه لا يجوز للرجل أن يفعله.
***(22/2)
السؤال: ما حكم الشرع في قص شعر المرأة علماً بأن النية ليست التشبه بالأجنبيات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قص المرأة شعر رأسها إن كان على وجهٍ يشبه أن يكون كرأس الرجال فإن هذا حرامٌ ولا يجوز بل هو من كبائر الذنوب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجل والمتشبهين من الرجال بالنساء) وأما إن كان على وجه يخالف ما يكون عليه من شعر رؤوس الرجال فإن المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله أن ذلك مكروه وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك محتجاً بما يروى عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كن يقصصن رؤوسهن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون كالوفرة ولكن أجيب عن ذلك بأنهن يفعلن هذا من أجل أن يعلم عزوفهن عن الأزواج لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يحل لأحدٍ أن يتزوجهم كما قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) وقول السائل إنها لا تريد التشبه ينبغي أن يعلم أنه إذا حصلت المشابهة حيث لا تحل فإنه لا يشترط فيها القصد لأن المشابهة صورة شيءٍ على شيء فلا يشترط فيها القصد فإذا وقعت المشابهة على وجهٍ محرم فإنها ممنوعة سواءٌ قصد ذلك الفاعل أم لم يقصده وكثيرٌ من الناس يظنون أن المشابهة المحرمة لا تكون محرمةً إلا بالنية والقصد وهذا خطأ بل متى حصلت صورة المشابهة المحرمة كانت محرمة سواءٌ قصد الفاعل هذه المشابهة أم لم يقصدها.
***(22/2)
السؤال: تقول في السؤال ما حكم قص الشعر إذا لم يكن في القص تشبه بالرجال ولم يكن هناك سبب يجعل المرأة تضطر إلى قص شعرها مثل تساقط الشعر وغير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قص المرأة شعر رأسها في حج أو عمرة نسك من مناسك الحج والعمرة فتقصر من كل قرن قدر أنملة وهذا لا إشكال فيه وقص المرأة شعرها لحاجة لا إشكال في جوزاه أيضاً وقص المرأة رأسها لغير حاجة اختلف فيه أهل العلم فمنهم من قال إنه مكروه ومن أصحاب الإمام أحمد من حرمه ولكن لا دليل على هذين القولين والذي نراه في هذه المسألة أن الأفضل للمرأة إبقاء رأسها على ما كان وأن لها أن تقصه بشرط أن لا تقصه قصاً بالغاً بحيث يكون كشعر رأس الرجل وأن لا تقصه على وجه يشبه قص نساء الكفار.
أما دليل الشرط الأول أن لا يكون مشابهاً لرأس الرجل فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال)
وأما دليل الثاني فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تشبه بقوم فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وليعلم أن التشبه لا يكون بالقصد وإنما يكون بالصورة بمعنى أن الإنسان إذا فعل فعلاً يختص بالكفار وهو من ميزاتهم وخصائصهم فإنه يكون متشبهاً بهم سواء قصد بذلك التشبه أم لم يقصده وكثير من الناس يظن أن التشبه لا يكون تشبهاً إلا بالنية وهذا غلط لأن المقصود هو الظاهر وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار كما في الحديث الذي ذكرناه آنفاً قال العلماء ومن تشبه بهم في الظاهر أوشك أن يتشبه بهم في الباطن لا سيما إذا كان هذا التشبه بقصد تقليدهم الدال على تعظيم في النفس وعلى أنهم أهل لأن يكونوا أسوة فإن فاعل ذلك على خطر عظيم.
***(22/2)
السائل: المستمع يحي محمد عطية من الجمهورية العراقية ناحية القيارة يقول أكثر الناس بدأوا يطيلون شعورهم حتى لا يعرف الرجل من المرأة والبنت من الولد وبدأت المرأة تقص رأسها وإذا قيل الشعر الطويل حرام للرجال يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقص شعره حتى يعمل منه جديلة فهل هذا صحيح وهل تطويل الشعر حرام وهل قص الشعر للمرأة حرام أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن مسألتين الأولى بالنسبة لتطويل الرجال لشعورهم والثانية بالنسبة لتقصير المرأة من رأسها.
أما الأول فإن إطالة شعر الرأس لا بأس به فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه فهو على الأصل لا بأس به ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة فالمسألة إذن بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم فلا بأس به أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها كان يتخذ الشعر لأننا نري في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة هذا بالنسبة للمسألة الأولى من السؤال.
أما بالنسبة للمسألة الثانية وهي تقصير المرأة لشعر رأسها فإن ذلك لا يجوز إذا كان على وجه يشبه رؤوس الرجال أو على وجه يشبه رؤوس الكافرات أو البغايا أو ما أشبه ذلك ممن لا يجوز التشبه به وأما على خلاف ذلك فإن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال فمنهم من يرى تحريم قص المرأة من شعر رأسها مطلقاً في غير حج أو عمرة ومنهم من يرى الكراهة وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومنهم من يرى الإباحة بشرط ألا يؤدي ذلك إلى التشبه فيمن سبق الإشارة إليه.
***(22/2)
ما حكم حلق الرأس بالنسبة للمرأة حيث إن شعرها به قشور وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حلق الرأس للمرأة إذا كان لضرورة فلا بأس مثل أن يكون في رأسها جروح لا تتمكن من مداواتها إلا بحلق رأسها فهذا لا بأس به وأما بدون ضرورة فإن أهل العلم يقولون إنه حرام أن تحلق رأسها لأن ذلك من التشبه بالرجال وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال)
***(22/2)
تسريح الشعر(22/2)
السؤال: تقول السائلة ما حكم المشطة المائلة وهي جعل جزء من الشعر أكثر من الآخر وهل تدخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (مائلات مميلات) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أن المشطة المائلة داخلة في هذا الحديث أي في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مائلات مميلات) وعلى هذا فتكون المشطة المائلة محرمة ثم هي أيضا خلاف العدل فإن العدل أن تجعل الرأس مستويا يمينه وشماله ثم إنها وردت من عادات قوم قد يكون أصلها من غير المسلمين الذي نرى أنه يجب على المرأة أن تتجنب هذه المشطة وأن تمتشط على وجه العدل والاستقامة في تفريق الشعر.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة النشرة المائلة أم هي حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النشرة المائلة لا أتصورها لكن إذا كان المقصود فرق الرأس من جانبٍ واحد فإن هذا خلاف السنة أن يكون فرق الرأس من الوسط ليكون الشعر من الجانبين على السواء من جانب اليمين ومن جانب الشمال فهذا هو الذي ينبغي للمرأة أن تفعله أما فرقها من جانبٍ واحد فهذا لا ينبغي لا سيما إن كان يقتضي التشبه بغير المسلمات فإنه يكون حراماً.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم المستمعة من الرياض تقول فضيلة الشيخ ما الحكم في فرق مقدمة الشعر إذا كان في مقدمة الشعر كوي بالنار وذلك لتغطية الكوي بالنار وما تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (المائلات المميلات) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فرق الرأس من السنة أن يفرق الشعر من نصف الرأس بحيث يكون الجانب الأيمن منسدلاً إلى جانب الأيمن والجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن وكذلك القفا ينسدل إلى القفا هذا هو السنة وهذا هو الأصل وأما فرقه من جانب إلى آخر فهذا قد يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وقد عد بعض العلماء المشطة المائلة من هذا النوع فالحذر الحذر من التعرض لما فيه الوعيد بالنار أو حرمان دخول الجنة وأما الكية التي في وسط رأسها فلا بأس أن تغطيه بالشعر وألا يكون الفرق على نفس هذا الموضع.
***(22/2)
السؤال: تقول هل فرق الشعر من المنتصف أو الجنب اتباعا للموضة وإخراج خصلة من كل فرقة هل يعتبر من المائلات أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق لا يكون من أحد الجانبين بل هو من الوسط يفرق الرأس فيكون الشعر الأيمن في اليمين والشعر الأيسر في اليسار وأما الميل بالفرقة فقد ذكر بعض علمائنا رحمهم الله أن ذلك داخل في الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم أسياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) فبعض علمائنا رحمهم الله أدخل هذا أعني الفرقة المائلة أدخلها في الحديث.
***(22/2)
السؤال: المستمعة من القصيم تقول ما حكم جمع الشعر من الأمام في جهة معينة وذلك بأن تفرق المرأة شعرها من الأمام باتجاه مائل وهل يعد عمل هذه المرأة من المائلات المميلات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب على المرأة في تصلىح شعر رأسها وتحسينه أن تتجنب شيئين
الشيء الأول أن تتجنب قص شعر الرأس حتى يكون كشعر الرجل وذلك لأنها إذا قصت شعرها حتى يكون كشعر رأس الرجل صارت متشبهة بالرجال وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) .
ثانياً ألا تصلحه على وجه يشبه شعور نساء الكفار فإن ذلك حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) وبناء على هذا نقول إذا أصلحت المرأة شعر رأسها على وجه سالماً مما ذكر آنفا فإنه لا بأس به لكن قد ذهب كثير من العلماء إلى أن المشطة المائلة تدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون به الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات) وقالوا إن هذه المشطة المائلة تدخل في قول مائلات مميلات كذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى أن قص المرأة رأسها مكروه بكل حال وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وذهب آخرون إلى تحريم قص المرأة شعر رأسها إلا في حج أو عمرة.
***(22/2)
السؤال: المستمعة م ع ف من جمهورية اليمن الديمقراطية عدن تقول هل يجوز للمرأة أن تفرق شعرها بالجنب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنة في فرق الرأس أن يكون في الوسط لأن الشعر له اتجاهات إلى الأمام وإلى الخلف وإلى اليمين وإلى الشمال فالفرقة المشروعة أن تكون في وسط الرأس بحيث يكون اليمين على اليمين واليسار على اليسار وأما الفرقة من جانب واحد ففيها حيف وربما يكون فيها تشبه بغير المسلمين وربما يكون ذلك داخلاً في قول النبي عليه الصلاة والسلام (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) فالفرقة المائلة يخشى أن تكون داخلة في هذا الحديث في عموم قوله (المميلات) كما قاله بعض أهل العلم فالذي أنصح به أخواتنا النساء المؤمنات أن يتجنبنّ هذا وأن يجعلنا الفرقة في الوسط كما هو المشروع والسنة
***(22/2)
السؤال: تقول ما مدى صحة هذا الحديث وما المقصود به (لعن الله الواصلة والمستوصلة) وهل يقصد به الشعر المصنوع من الشعر الذي سقط أو الشعر المصنوع من الألفاف وغيرها من المصنوعات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواصلة هي التي تصل رأس غيرها والمستوصلة هي التي تطلب أن يفعل ذلك بها ووصل شعر الرأس بالشعر محرم بل هو من الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعله ووصل الشعر بغير شعر اختلف فيه أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تصل المرأة بشعرها شيئاً) وشيئاً هنا عامة تشمل الشعر وغيره وعلى هذا فالشعور المصنوعة التي تشبه الشعور التي خلقها الله عز وجل لا يجوز أن توصل بالشعور التي خلقها الله سبحانه وتعالى بل هي داخلة في هذا الحديث والحديث فيه الوعيد الشديد على من فعل ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن الواصلة والمستوصلة) واللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله وقد ذكر أهل العلم أن كل ذنب رتب الله تعالى عليه عقوبة اللعن فإنه يكون من الكبائر.
***(22/2)
السائلة تذكر أنها استعملت والدتها بعض الأدوية والعقاقير على رأسها مما أدى إلى تساقط معظم شعر الرأس وترى فيه بعض الخجل عندما تجلس مع النساء الأخريات وتذكر أن شخصاًُ فيه مثل ما فيها تساقط معظم شعر رأسه واستعمل علاجاً وشفي رأسه ونبت شعر غزير إلا أنه ذكر أن هذا العلاج بعد ما شفي عرف أن هذا العلاج يحتوي على شحم الخنزير وعلى شيء من دمه وهي تريد أن تعرف هل يجوز لها أن تستطب بهذا الطب كما أنها تحرجت من استعمال الباروكة لأنها ترى أنها محرمة على المرأة المسلمة وترجو الإفادة من فضيلتكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن في الحقيقة فقرتين:
الأولى استعمال الباروكة بمثل هذا الحال الذي وصفته حيث تساقط شعرها على وجه لا يرجى معه أن يعود نقول إن الباروكة في مثل هذه الحال لا بأس بها لأنها في الحقيقة ليست لإضافة تجميل ولكنها لإزالة عيب وعلى هذا فلا تكون من باب الوصل الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله فقد (لعن الواصلة والمستوصلة) والواصلة هي التي تصل شعرها بشيء لكن هذه المرأة في الحقيقة لا تشبه الواصلة لأنها لا تريد أن تضيف تجميلاً أو زيادة إلى شعرها الذي خلقه الله تبارك وتعالى لها وإنما تريد أن تزيل عيباً حدث وهذا لا بأس به لأنه من باب إزالة العيب لا إضافة التجميل وبين المسألتين فرق.
وأما بالنسبة لاستعمال هذا الدواء الذي فيه شحم الخنزير إذا ثبت أن فيه شحماً للخنزيز فهذا لا بأس به عند الحاجة لأن المحرم من الخنزير إنما هو أكله (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) وقال الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما حرم من الميتة أكلها) وأنه أذن في الانتفاع بجلدها بعد الدبغ وثبت عنه أيضا أنه قال صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لا هو حرام) يعني البيع لأنه أي البيع موضع الحديث والصحابة رضي الله عنهم أوردوا هذا لا لأجل أن يعرفوا حكم هذه الأشياء لكن لأجل أن يكون مبرراً للبيع قالوا هذه المنافع التي ينتفع بها الناس من شحوم الميتة ألا تبرر بيعها قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا هو حرام) وعلى هذا فاستعمال هذا الدواء في دهن الرأس به إذا صح أنه مفيد فإن الحاجة داعية إليه وعلى هذا فإذا استعملته فإنها عند الصلاة تغسله لأن شحم الخنزير نجس هذا إذا ثبت.
***(22/2)
السؤال: تقول إذا لبست باروكة وظهرت فيها أمام الأهل والأقارب وأمام الرجال المحرمين علي فقط مثل والدي وإخواني وأخوالي إلى آخره فهل يعتبر حرام إذا لبستها أمامهم ثم عند الوضوء والصلاة سأخلعها بالطبع فما رأيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الباروكة على نوعين أولاً أن يقصد به التجمل بحيث يكون للمرأة رأس وافر ويحصل به المقصود وليس فيه عيب على المرأة فلبسها لا يجوز لأن ذلك نوع من الوصل وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة)
والحالة الثانية أن لا يكون لها شعر إطلاقاً وتكون معيبةً بين النساء ولا يمكنها أن تخفي هذا العيب ولا يمكن إخفاؤه إلا بلبس الباروكة نرجوا ألا يكون بلبسها حينئذ بأس لأنها ليست للتجمل وإنما لدفع العيب والاحتياط ألا تلبسها وتختمر بما يغطي رأسها حتى لا يظهر عيبها والله أعلم.
***(22/2)
السؤال: أرى في هذه الأيام عند النساء لبس غطاء مرتفع عن الرأس يلبسنه وهو مثل الحبل فهل في هذا حرام علما بأن بعض الناس لا يحبون ذلك لأنه مصداقا لقول الرسول صلى لله علية وسلم (كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) فهل في هذا الغطاء شيء أفيدونا جزاك الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخشي أن يكون هذا الذي يوضع على الرأس داخلا فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) ثم إن وضعها على رأسها وخروجها إلى الأسواق يعد من التبرج والزينة لأنها تعتبر هذا زينة وهو تبرج لترفعها بهذه الزينة عن بنات جنسها فعلى المرأة أن تتقي الله عز وجل وألا تكون ألعوبة للهوى والشيطان وما يجيء إلينا من موضات من نساء قد يكن أخذن هذه الموضات من نساء غير مسلمات.
***(22/2)
السؤال: تقول إن شعرها طويل وإذا عكف ووضعت البكلة فيه ارتفعت منه العباية أمام الرجال فهل هذا يجوز علماً بأنني لم أعكفه حتى ألفت نظر الرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا عكفته حتى لفت نظر الرجال فلا شك أن هذا من التبرج ولا يجوز لأنه يحصل به الفتنة وأما إذا كان أقل من ذلك فلا بأس به ولكن الأولى بالمرأة أن تدع كل شيء يحتمل أن تكون به الفتنة.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم جدل الشعر جديلة واحدة أو ضفيرة واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم فيه بأساً إذا جدلتها جديلة واحدة لا أعلم في ذلك بأساً والأصل الحل ومن رأى شيئاً من السنة يمنع ذلك وجب اتباعه فيه.
***(22/2)
السؤال: ما حكم وضع شعر الرأس للمرأة ضفيرة واحدة على الظهر وهل يؤثر ذلك على الصلاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يؤثر على الصلاة وأما الاقتصار على ضفيرة واحدة فإن بعض العلماء كرهه وقال إنه لا ينبغي أن ينقص عن ثلاث ضفائر ولكن أنا ليس عندي علم في هذه المسألة.
***(22/2)
السؤال: ما حكم وضع المشابك أو المسكات وهي صغيرة الحجم توضع في هامة الرأس لتمسك الشعر هل تمنع من وصول الماء إلى الشعر أم يقتضي نزعها عند كل وضوء مع أن في ذلك بعض من المشقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن جوابين في الواقع:
أولا أن جمع الشعر على الرأس حتى يكون كالسنام أمر مذموم شرعا فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صنفان من أهل النار لم أراهما بعد رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس -يعني ظلما وعدوانا- ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وعليه فلا يجوز أن يعقد الرأس فوق الهامة لا بالمشابك ولا بغيرها هذا جواب ما يدل عليه السؤال من وجه.
ومن وجه آخر أنه لو فرض أن هذا التجميع من الخلف وهو ما يعرف عن النساء بالكعكة فإنه لا يضر لأن المسح لا يشترط فيه أن يصل الماء إلى جلدة الرأس بل يكفي مسح ظاهر الشعر سواء كان مجموعا أم باقياً على حاله.
***(22/2)
السؤال: المستمع ع. أ. ب. تقول يمتاز شعرها بتجعده لذلك تضطر أحياناً إلى إجراء بعض العمليات المتعارف عليها وهي اللف (جعل الشعر على شكل خصلات صغيرة وهو رطب ويلف على اسطوانات ثم بعد جفافه تزال هذه الاسطوانات فيكون الشعر بعد ذلك منسدلاً ويزول التجعد) أود معرفة فيما إذا كانت هذه العملية محرمة في كونها تغييراً لخلق الله مع العلم بأن الشعر يرجع إلى طبيعته عند تعريضه للماء أي يزول بمجرد الاستحمام كما أن عملية اللف تسغرق وقتاً حيث تبقى خصلات الشعر ملفوفة على هذه الاسطوانات إلى أن يجف الشعر وقد يأتي وقت الصلاة فأصلى وشعري على هذه الحالة فهل الصلاة صحيحة علماً بأن الشعر لا يكون منسدلاً بل كل خصلة منه تكون ملفوفة حول الاسطوانة الخاصة بها كما أن حجم الرأس يكون كبيراً بسبب وجود الاسطوانات كذلك عند الوضوء أعمد على تغطية رأسي بقطعة قماش فأمسح من فوقها حتى لا يتأثر ويفسد شعري بالماء وذلك بالاعتماد على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (من لم يطهره المسح فوق العمامة فلا طهره الله) توجيه فضيلة الشيخ حول هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه لا ينبغي للمرأة أن تضيع أوقاتها بمثل هذه الأمور التي لا تكتسب منها شيئاً اللهم إلا جمالاً موهوماً في مدة معينة ثم يزول وهي في هذا تخسر وقتاً كثيراً من وقتها وتخسر مالاً بحسب هذا الشيء التي جاءت به فنصيحتي لها أن تدع مثل هذه الأمور وأن تقبل على ما ينفعها في دينها ودنياه وأن لا تكلف نفسها مشقة هذه الأعمال ولكن لا أستطيع أن أقول إن هذا حرام ما دامت تقوم بالواجب عليها من مسح الرأس مباشرة بدون أن تضع عليه هذه المنديل وأما ما ذكرت عن عمر فلا أدري عنه ولكن عمر رضي الله عنه يتكلم عن العمامة. والعمامة لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته في وضوئه والمسح على العمامة من الأمور المشروعة الثابته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا المنديل الذي يوضع على الرأس لوقايته من الماء في حال استعمال هذه الأنبوبات فإنه ليس من باب العمائم بشيء.
***(22/2)
السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ السائل يقول عند تمشيط المرأة لشعرها فإنه يبقى بعد التمشيط شعر في المشط فهل يجوز لها أن تحرق هذا الشعر أم ماذا تفعل به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الشعر الذي يخرج من الرأس أو من لحية الرجل أو يكون من نتف الأباط أو حلق العانة كل هذا إذا ألقي في الزبالة مثلاً أو في أي مكان فإنه لا بأس بذلك لأنه بانفصاله عن الإنسان لم يبق له حرمة لكن بعض السلف يرى أن الإنسان يدفنه أي يدفن ما تساقط منه من شعر أو ظفر فإن فعل الإنسان فلا بأس وإن تركه في الزبالة أو في أي مكان فلا بأس.
***(22/2)
صبغ الشعر(22/2)
السؤال: هل قص الشعر أو صبغه إلى اللون الأحمر أو الأصفر حرام علما بأنني لا أقصد من ذلك التشبه بأحد وإنما أتزين لزوجي فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:هذه سألت عن قص الشعر وظاهر الحال أنها تريد قص شعر رأس المرأة فالجواب على ذلك أن نقول إذا قصت المرأة شعر رأسها قصا بالغا بحيث يكون كشعر رأس الرجل فإن ذلك حرام عليها بل هو من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال) وأما إذا كان قصا لا يصل إلى هذه الدرجة فإن كان قصا يشبه قص رؤوس النساء الكافرات فهو حرام أيضا لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) وإذا كان قصا لا يشبه هذا ولا هذا فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال القول الأول أنه حرام جزم به بعض أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله كصاحب المستوعب والثاني أنه مكروه والثالث أنه مباح والسلامة من القص أولى.
أما الصبغ فإن كان بصبغ خاص برؤوس نساء الكفار بحيث من رأى هذه المرأة الصابغة لم يظن إلا أنها امرأة كافرة فهذا حرام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من تشبه بقوم فهو منهم) وإن كان صبغا لا يختص بنساء الكفار فإن كان بالأسود فالظاهر أنه حرام إلا أن يكون لتغيير الشيب فهو حرام بلا شك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وإن كان بلون آخر لا يختص بنساء الكفار وليس بالأسود فالأصل الحل والإباحة حتى يقوم دليل التحريم فهنا أنبه على قاعدتين هامتين القاعدة الأولى أن الأصل في العبادات المنع وألا يتعبد أحد لله تعالى بشيء من عند نفسه إلا بدليل من الشرع أن هذا العمل مشروع والقاعدة الثانية أن الأصل فيما عدا العبادات الحل والإباحة فليس لأحد أن يحرم شيئا من عند نفسه إلا أن يقوم دليل التحريم وهاتان القاعدتان تنفعان في كثير من المسائل التي يقع فيها الاشتباه.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة إضافة الألوان لشعرها دون أي ضرورة غير التجميل والتجمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الأشياء غير العبادات الحل وعلى هذا فيجوز للمرأة أن تصبغ رأسها بما شاءت من الصبغ إلا إذا كان سواداً تخفي به شيبها فإن ذلك لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتغيير الشيب وقال (جنبوه السواد) أو إذا كانت هذه الأصباغ مما تختص به النساء الكافرات بحيث إذا شوهدت هذه المرأة قيل هذه امرأةٌ كافرة لأنه لا تصبغ هذا الصبغ إلا امرأةٌ كافرة فحينئذٍ يحرم على المرأة أن تصبغ به لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من تشبه بقومٍ فهو منهم) فإذا خلى هذا الصبغ من هذين العنصرين أعني السواد لإخفاء الشيب أو الصبغ الذي تختص به النساء الكافرات فإن الأصل الإباحة فلتصبغ المرأة بما شاءت.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم ما حكم صبغ الشعر بالنسبة للمرأة وما حكم صبغ الشعر الأسود بصبغة حمراء وهذه الصبغة ليست حناء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الأشياء غير العبادات الحل حتى يقوم دليل على التحريم لأن ما سكت الله عنه فهو عفو بناء على هذه القاعدة العظيمة يتبين جواب السؤال وأنه لا حرج على المرأة أن تصبغ رأسها بالأحمر أو بالأصفر أو بالأخضر إذا لم يكن في ذلك تشبه بالنساء الكافرات وأما العبادات فالأصل فيها المنع والحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
***(22/2)
السؤال: تقول سمعت من بعضهم بأن صبغ الشعر حرام أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صبغ الشعر الذي ابيض بالشيب بالسواد فإنه حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باجتنابه فقال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) أخرجه مسلم، وقد ورد في السنن الوعيد على ذلك فقال (يكون في آخر الزمان قوم يخضبون لحاهم بالسواد، لا يجدون ريح الجنة) على كل حال صبغ الشيب بالسواد حرام، وأما صبغه بغير السواد مثل أن يصبغه بلون أدهم بين الحمرة والسواد أو بلون أصفر فإن هذا لا بأس به بل هو مأمور به، وكذلك الأصباغ الأخرى التي تفعلها بعض النساء إلا أن تكون هذه الصبغة مما يختص به نساء الكفار، فإنها إذا كانت مما يختص به نساء الكفار كانت من التشبه بهن، وتشبه المسلمة بالكافرة محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) وهذا الحديث يدل على التحريم بل قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله إن أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز للفتاة أن تصبغ الشعر وهل حرم صبغ الشعر في الشريعة الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صبغ الشعر من الفتاة ومن غير الفتاة جائز إذا كان بغير السواد بل إنه مأمور به كتغيير الشيب وأما إذا كان بالسواد فإنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) والأمر يقتضي الوجوب ثم إنه محاولة لتغير خلق الله وقلب الأمر إلى خلاف ما قضاه وقدره لأن الرجل الذي شاب أو المرأة التي شابت إذا صبغت بالأسود معناها كأنها تقول أو كأنه يقول أنا أرد هذا الأمر الذي ظهر علامة على الشيب أرده إلى السواد لأبقى شاباً وهذا أشبه ما يكون بالفلج فلج الأسنان ونحوها الذي ورد فيه الوعيد فكون الإنسان يضاد الله تبارك في قضائه لأجل أن يعود الشعر الدال على الشيخوخة والكبر شعراً دالاً على الشبيبة فلهذا نقول يحرم أن يصبغ الشعر الأبيض بالسواد من رجل أو امرأة في الرأس أو في اللحية.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج تسأل وتقول هل تغيير لون الشعر بالأصباغ الكيماوية الموجودة بالأسواق حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تغيير لون الشعر من الأبيض إلى الأسود فإن هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتجنبه وقد ورد حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيه وعيد على من خضّب شيبه بالسواد وأما تغيير الشعر بألوان أخرى فإن ذلك لا بأس به لأن الأصل الاباحة حتى يقوم دليل على المنع اللهم إلا أن يكون في هذا مشابهة لنساء الكفار فإن ذلك لا يجوز لأن مشابهة الكفار حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) ثم إنها ذكرت في سؤالها بأنها كيماوية وبناء على هذا يجب مراجعة الأطباء في ذلك هل تؤثر هذه الأصباغ على شعر الرأس وجلدته بضرر فإنه لا يجوز استعمالها إذا ثبت هذا.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم الميش وهو صبغ شعر المرأة وهل يمنع وصول الماء مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صبغ شعر المرأة بأي صبغٍ كان لا بأس به بشرطين الشرط الأول ألا يكون صبغاً أسود لإخفاء الشيب والثاني أن لا يكون من الأصباغ الخاصة بنساء الكفار
وأما هل يمنع وصول الماء أو لا فإن كان له قشرة تكون على الشعر فإنه يمنع وصول الماء وإن لم يكن له قشرة فإنه لا يمنع وصول الماء.
***(22/2)
السؤال: تقول السائلة هل يجوز صبغ الشعر بالسواد وتقول وشعري أسود ولكني أريد أن أجعله أسود قاتم وما حكم الميش؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تغيير الشيب بالسواد فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه وتوعد عليه وأما صبغ الشيب بغير السواد من الألوان فلا بأس به ولا حرج فيه وأما صبغ الشعر الأسود ليزداد سواداً فأخشى أن يكون من جنس صبغ الأبيض ليكون أسود وربما يختلف عنه فلا ينال حكمه ولكن الاحتياط ألا تفعله المرأة أي ألا تصبغ بالسواد الذي يجعل شعرها أسود مما كان عليه رضاً بقضاء الله وقدره وهذا من السنن التي جاءت في خلق الله عز وجل فإن من النساء من يكون شعرها أسود قاتماً ومنهن من يكون دون ذلك ومنهن من يكون شعرها أصفر أو أشهب حسب طبيعته التي خلقها الله عليه.
***(22/2)
السؤال: يقول فضيلة الشيخ هل صبغ شعر الرأس باللون الأسود محرم أرجو إفادة بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صبغ الرأس بالأسود محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشيب (غيروه وجنبوه السواد) وقد ورد حديث إسناده حسن يتضمن الوعيد الشديد على من صبغ شعره بالأسود ولكن هناك بديل عنه وهو الأشقر الذي يكون بين السواد والحمرة فيصبغ شعر رأسه ولحيته بذلك ويستغني به عما حرمه الله عليه وربما يكون الشعر أطيب لوناً إذا كان بين الحمرة والسواد.
***(22/2)
السؤال: الأخت هدى ن. م. من المدينة المنورة تقول قرأت حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن صبغ الشعر بالسواد ما مدى صحته وهل هو عامٌ بالرجال والنساء أم هو خاصٌ بالرجال وما هي الحكمة من هذا النهي.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بتغيير الشيب وأمر بتجنيبه السواد وتوعد من يخضبون لحاهم بالسواد بأنهم لا يريحون رائحة الجنة وهذا يدل على أن الصبغ بالسواد من كبائر الذنوب فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل وأن يتجنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون ممن أطاع الله ورسوله وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) وقال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) ثم إن الحكمة في ذلك هو أن في صبغه بالسواد مضادة لحكمة الله تعالى التي خلق الخلق عليها فإنه إذا حول شعره الأبيض إلى السواد فكأنه يريد أن يرجع بشيخوخته إلى الشباب فيكون بذلك مضاداً للحكمة التي جعل الله تعالى الخلق عليها لكونهم إذا كبروا ابيض شعرهم بعد السواد ومن المعلوم أن مضادة الخلق أمرٌ لا ينبغي ولا يجوز للمرء أن يضاد الله في خلقه كما لا يجوز له أن يضاد الله في شرعه أما إزالة العيوب غير الطبيعية فهذه لا بأس بها مثل أن يكون للإنسان إصبعٌ زائدة فيجرى له عملية لقلعها إذا لم يكن هناك ضرر أو مثل أن يكون إحدى شفتيه فيها ثلم فيسوي عملية لسد هذا السلم وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به فإن ذلك من باب إزالة العيوب الطارئة.(22/2)
يافضيلة الشيخ: صبغ الشعر بالحمرة كالحناء ونحوه
فأجاب رحمه الله تعالى: صبغ الشعر بغير الأسود هذا لا بأس به ولهذا نقول إنه بدلاً من كونه يصبغ بالأسود يصبغ بصبغٍ يجعل الشعر بين السواد والحمرة يجعله أدهماً لا أسود خالصاً ولا أحمر خالصاً وبهذا يزول المحظور ويحصل الخير.(22/2)
يافضيلة الشيخ: العلة بالصبغ بالسواد ألا تكون موجودة في الصبغ بالحمرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تكون لأن الصبغ بالحمرة يتبين ما يكون أسود وما يكون شعر شباب فإن شعر الشباب ليس أحمراً إنما هو أسود وأظن عرفنا الآن أنه لا فرق بين الرجل والمرأة ولا المرأة التي تريد أن تتجمل لزوجها أو تريد أن تخفي شيبها عن زميلاتها لا يجوز بكل حال.
***(22/2)
السائل: يقول ما حكم إذا عملت الفتاة دواءً لشعرها ليجعله ناعماً كصبغ الشعر بالسواد أو غيره هل هو حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدواء الذي يجعل الشعر ناعما فلا أعلم فيه بأساً ولا حرج فيه وأما الذي تصبغ به المرأة بياض شعرها ليكون أسود فهذا لا يجوز وذلك لأنه ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) والأصل في الأمر الوجوب وقوله (جنبوه) هذا أمر الأصل أنه يجب علينا أن نجنبه السواد ولأن صبغه بالسواد في الحقيقة مناقض لحكمة الله سبحانه وتعالى فإن الله تعالى من حكمته أن الإنسان إذا بلغ سناً معيناً ظهر فيه الشيب فكونك تجعل هذا الشيب تحوله إلى أسود بحيث لا يتبين معنى ذلك أنك تضاد الله سبحانه وتعالى في حكمته في هذا الشيب، ومن المعلوم أن مضادة الله سبحانه وتعالى في أمره الكوني أو الشرعي لا يجوز للمسلم فالواجب على المسلم أن يتمشى فيما قدره الله تعالى وقضاه على حسب ما شرعه الله سبحانه وتعالى له والمشروع في هذا الأمر أن يصبغ الإنسان هذا البياض بلون غير أسود لون يكون بين السواد وبين الصفرة بحيث يكون أدهم لا يكون أسود خالصاً وبهذا يزول ما يريد الإنسان تجنبه وما يريد الإنسان ظهوره على شعره من البياض إلى لون لكنه ليس مما ورد النهي عنه وهو السواد.
***(22/2)
مسائل متفرقة في الشعر(22/2)
ما الحكم في إطالة شعر الرأس بالنسبة للرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في إطالة شعر الرأس بالنسب للرجال أنه من الأمور المباحة وليس من الأمور المسنونة فهو مباح أي يجوز للإنسان أن يبقى شعر رأسه ويجوز أن يحلقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض رأس وترك بعضه فنهى عن ذلك وقال (احلقه كله أو اتركه كله) وإذا كان إبقاء الشعر من الأمور المباحة فلينظر الإنسان ما عادة الناس في البلد الذي هو فيه إن كانت عادتهم أن يحلقوا الشعر فليحلق حتى لا يكون ذا شهرة فيهم وإن كان من عادتهم ألا يحلقوا فلا يحلق لئلا يكون شهرة فيهم وإن كان الناس لا يبالون في الإنسان سواء حلق أم أبقى فهو بالخيار إن شاء حلق وإن شاء أبقى ولا نرجح شيئاً على شيء.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز إطالة الشعر بالنسبة للرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أما إذا كان يخشى من ذلك الفتنة كما لو كان ذلك رأس شاب وسيم يخشى من الفتنة إذا أطال شعر رأسه فهنا نقول احلق رأسك ولا تطله وأما إذا كان عاديا ولا يترتب على هذا فتنة فالصواب أن السنة في ذلك أن يتبع الإنسان عرف بلده فإذا كان الناس اعتادوا أن يبقوا شعرهم أبقاه وإذا كانوا اعتادوا أن يحلقوه حلقه لأن هذا من العادات والعادات الأفضل فيها أن يتبع الإنسان عادة أهل بلده إذا لم تكن محرمة.
***(22/2)
السؤال: ما رأي فضيلتكم في إطالة شعر الرجل إلى منكبيه يقصد شعر الرأس أو أقل قليلا علما بأن بعض أولئك الشباب يحتجون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان شعره إلى شحمة أذنيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخذ الشعر أحيانا إلى منكبيه وأحيانا إلى شحمة أذنيه وأنه عليه الصلاة والسلام يرجله ويدهنه ويمشطه عليه الصلاة والسلام يمشطه فيما أظن لكن الترجيل ثابت ولكن اتخاذ الشعر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أمر محمود لأنه من عادة الناس ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلا في حج أو عمرة لأن هذا هو عادة الناس أما في عصرنا هذا فإن الناس لا يعتادون هذا بل الناس من علماء وعباد وغيرهم كانوا يحلقون رؤوسهم وحلق الرأس لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الغلام الذي حلق رأسه وترك بعضه قال (احلقه كله أو اتركه كله) وهؤلاء الذين يتخذون الشعر أعني شعر الرأس ويقولون إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعله تجد بعضهم مضيعا للصلوات مخالفا للسنة الصريحة تجده يبقي رأسه ويحلق لحيته أو تجده مسبلا أو تجده شاربا للدخان أو غير ذلك فلا يحملهم على هذا والله أعلم إلا أن اتخاذ الشعر صار زينة عند بعض الناس فاتخذوه ولا ينكر على هذا لكن الذي ينكر عليه أن يقول إنه فعله للسنة وهو قد ترك شيئا من الواجبات المهمة فنصيحتي للشباب أن لا يكون همهم تزيين أنفسهم وإصلاح أنفسهم بل يكن همهم إصلاح أخلاقهم وأديانهم عقيدة وقولا وعملا وألا يترفوا أنفسهم كثيرا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كان ينهى عن كثرة الإرفاه ويأمر بالاحتفاء أحيانا) ثم إن الرقة واللين إنما هي من شأن النساء ولهذا حرم على الرجل أن يلبس الحرير وأن يلبس الذهب وأبيح للنساء أن تلبس ذلك.
***(22/2)
السؤال: يقول قلتم إن توصيل الشعر وحف الحاجب وصبغه وصبغ الشعر حرام على المرأة فما حكم ذلك على الرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما توصيل الشعر للرجال فهو حرام كما هو للمرأة وحديث لعن النبي صلى الله عليه وسلم (الواصلة والمستوصلة) هذا التقييد إذ أن ذلك هو الغالب فإن الرجال لا يصلون ولكن إذا حصل ذلك منهم فإنهم مثل النساء في هذا الأمر وكذلك أيضاً النامصة والمتنمصة وهي التي تنتف شعر وجهها ومنه الحواجب فإن هذا أيضاً يكون للرجال وإنما لم يذكر الرجال لأن الرجل ليس من شأنه أن يعتني بالتجميل والتحلي وإنما ذلك من شأن النساء قال الله تبارك وتعالى (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) والرجل ينبغي له أن يعتني بمكارم الأخلاق ومعالي الآداب والرجولة والكرم والشهامة لا أن يجعل نفسه بمنزلة الأنثى ينتف حواجبه وينتف شعر خديه وشعر لحيته وما أشبه ذلك وأما بالنسبة لصبغ الشعر فهو أيضاً عام للرجال والنساء ولم ترد السنة بتخصيصه بالنساء كما وردت في الوصل والنمص فهو عام فلا يجوز للمرأة ولا للرجل أن يصبغ شعره الأبيض بسواد لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) فلما قال (جنبوه السواد) فهو أمر والأمر يكون للوجوب ثم إنه قد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام بإسناد حسنه بعضهم الوعيد على من صبغ بالسواد ولأن في الصبغ بالسواد معارضة لله سبحانه وتعالى فيما جعله من طبيعة البشر وخلقتهم فإن من طبيعة البشر أنه عند الكبر يبيض شعره فالذي يحاول تسويده معناه أنه معارض لله سبحانه وتعالى فيما اقتضت حكمته من هذه الخلقة ولا ينبغي للإنسان أن يعارض الله سبحانه وتعالى في هذا إلا حسب أمر الله سبحانه وإذا كان الله قد قد أمر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بتجنيب السواد فليتجنبه المرء ولكن من الممكن أن يغير هذا الشيء بلون بين السواد والحمرة يكون أدهم فإن ذلك ليس بسوادٍ ولا حرج فيه.
***(22/2)
الزينة للرجل(22/2)
السؤال: يقول عندنا بالسودان عادات إذا تزوج الرجل أول مرة وضع له خيطاً من الحرير في يده اليمنى وهلال من ذهب خارج الجيب إلى الأمام وقبل ثلاثة أيام من الزواج يوضع له مسحوق من ثمار الحنة على يديه وقدميه فهل هذه العادات صحيحة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العادات باطلة وليست بصحيحة ولا أصل لها ولا تأثير والتحلي بالذهب على الرجل محرم ولا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الذهب على ذكور أمته وثبت في الصحيح أنه رأى على رجل خاتماً من ذهب فأخذه وطرحه وقال (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيلقيها في يده) وعلى هذا فإنه لا يجوز أن يلبس هذا الهلال من الذهب لأنه ذهب ولا يجوز للرجل أما بالنسبة لهذا الخيط من الحرير فإنه لا يخلو بما يفعله به من اعتقاد باطل وهو أنهم يعتقدون أن هذا رباط بين الرجل وزوجته وهذا لا أثر له بل هو نوع من الشرك الأصغر لأن كل إنسان يجعل شيئاً سببا لشيء والشرع لم يجعله له وكذلك لم يكن سببا له عن طريق حسي معلوم فإن هذا نوع من الشرك الأصغر وأما التحني وضع الحنة باليد أو بالرجل فإن هذا من خصائص النساء وليس مما يتحلى به الرجل أو يتزين به.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم تخضيب الرجال بالحناء في مناسبات الزواج أرجو لهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يحرم على الرجل أن يختضب بالحناء في مناسبة الزواج أو غير مناسبة الزواج وذلك لأن الخضاب بالحناء من خصائص النساء فإذا فعله الرجل كان متشبها بالمرأة وتشبه الرجل بالمرأة من كبائر الذنوب كما أن تشبه المرأة بالرجل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ولأن هذا يؤدي إلى حالة نفسية يشعر بها المخضب ويشعر بها من شاهده حالة نفسية تكون كحالة المرأة بالنسبة للرجال أو الرجال بالنسبة للمرأة فيحصل بهذا فتنة كبيرة عظيمة وخلاصة الجواب أن خضاب الرجل بمناسبة الزواج أو غيره محرم بل من كبائر الذنوب لما فيه من المشابهة بالنساء.
***(22/2)
السؤال: يقول هل لبس خواتم الفضة محرم على الرجال أم مباح وإن كان يجوز ففي أي أصبع من الأصابع يضعها الرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التختم من حيث هو تختم اختلف فيه أهل العلم هل هو مباح أو سنة أو لا ينبغي إلا لذي سلطان ولكن إذا قلنا بالجواز وأنه لا بأس به فإنه يجوز للرجل أن يتختم بخاتم الفضة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه اتخذ خاتماً من ورق) وأما مكانه فإنه يكون باليمين أو باليسار ويكون في البنصر وهو الذي بين الخنصر وبين الوسطى.
***(22/2)
السؤال: يقول ما هي الحُلي التي يجوز للرجل أن يلبسها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا ينبغي للرجل أن يذهب إلى التحلي وأن يجعل نفسه بمنزلة المرأة ليس له هم إلا تحسين شكله فإن هذا من شؤون النساء قال الله تبارك وتعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) يعني كمن لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام والذي ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين هو المرأة والذي لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام هو الرجل فلا ينبغي للرجل أن ينزل نفسه منزلة الأنثى بحيث ينشيء نفسه في الحلية ولهذا حرم على الرجل لباس الذهب سواء كان قلادة أو سواراً أو خاتماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (حل لإناث أمتي حرام على ذكورها) وأبيح للمرأة من الذهب كل ما جرت به العادة سواء كان من الخواتم أو الأسورة أو القلادة أو الخروص أو غير ذلك مما جرت العادة بلبسه فأما ما لم تجر العادة بلبسه لكونه إسرافاً فإن الإسراف لا يجوز في اللباس ولا في الأكل والشرب ولا في غيرهما لقوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وأما لبس الرجل الخاتم من الفضة فإنه جائز ولا حرج فيه لأن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (اتخذ خاتماً من ورق) أي من فضة.
أما الخاتم من الحديد اختلف فيه أهل العلم فمنهم من كرهه ومنهم من أجازه وأظن أن بعضهم حرمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه من حلية أهل النار ومثل هذا الوصف يقتضي أن يكون حراماً لكن الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف لمخالفته لحديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يردها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا يدل على أن الخاتم من الحديد جائز فمن تنزه عنه أي عن خاتم الحديد فهو أولى وفي غيره من المعادن كفاية.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم استعمال الكحل في العيون بالنسبة للرجال بدون حاجة إليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإكتحال نوعان أحدهما اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال فهذا لا بأس به بل إنه مما ينبغي فعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه ولا سيما إذا كان بالإثمد الأصلى ومنها ما يقصد به الجمال والزينة فهذا مطلوب للنساء لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها وأما الرجال فالاكتحال لتقوية البصر كما سبق.
***(22/2)
السؤال: ما هو رأي فضيلتكم في الشباب المقلدين وهذه التقاليد ليست لنا ولا ناتجة عن تقاليدنا كتربية الشعر إلى ما لا نهاية وتطويل الثوب إلى أسفل الرجلين وتعليق السلاسل بأعناقهم أليس هذا حراماً وهل يقبل صلاة وصوم هؤلاء الشباب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التقليد في الأمور النافعة التي لم يرد الشرع بالنهي عنها هذا أمرٌ جائز وأما التقليد في الأمور الضارة أو التي منع الشرع منها من العادات فهذا أمرٌ لا يجوز فهؤلاء الذين يطيلون شعورهم إلى ما لا نهاية نقول لهم هذا خلاف العادة المتبعة في زمننا هذا واتخاذ شعر الرأس مختلف فيه هل هو من السنن المطلوب فعلها أو هو من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما اعتاده الناس في وقته والراجح عندي أن هذا من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما جرى فيه الناس في وقته فإذا كان من عادة الناس اتخاذ الشعر وتطويله فإنه يفعل وإذا كان من عادة الناس حلق الشعر أو تقصيره فإنه يفعل ولكن البلية كل البلية أن هؤلاء الذين يعفون شعور رؤوسهم لا يعفون شعور لحاهم ثم هم يزعمون أنهم يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم وهم في ذلك غير صادقين لكنهم يتبعون أهواءهم ويدل على عدم صدقهم في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام أنك تجدهم قد أضاعوا شيئاً من دينهم هو من الواجبات كإعفاء اللحية مثلاً فهم لا يعفون لحاهم وقد أمروا بإعفائها وفي تهاونهم في الصلوات الخمس وفي غيرها من الصلوات الأخرى مما يدلك على أن صنيعهم في إعفاء شعور رؤوسهم ليس المقصود به التقرب إلى الله ولا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي عادةٌ استحسنوها فأرادوها وفعلوها
وأما اتخاذ السلاسل فاتخاذ السلاسل محرم للتجمل بها لأن ذلك من شيم النساء وهو تشبهٌ بالمرأة وقد (لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء) ويزداد تحريماً وإثماً إذا كان من الذهب فإنه حرام على الرجل من الوجهين جميعاً من جهة أنه ذهب ومن جهة أنه تشبه بالمرأة ويزداد قبحاً إذا كان فيه صورة. صورة حيوان أو ملك وأعظم من ذلك وأخبث إذا كان فيه صليب فإن هذا حرامٌ حتى على المرأة أن تلبس حلياً فيه صورة سواءٌ كانت صورة إنسان أو حيوان طائر أو غير طائر أو كان فيه صورة صليب فلبس ما فيه صورة حرامٌ على الرجال وعلى النساء فلا يجوز لأيٍ منهما أن يلبس ما فيه صورة حيوان أو صورة صلىب.
***(22/2)
السؤال: يقول انتشر في منطقتنا أن بعض الشباب لا يغلقون أزرة ثيابهم ويقولون إن هذا الفعل من السنة ويستدلون بقول قرة بن شريك المزني كما هو عند أبي داود وغيره بأنه (أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو وقومه ليبايعوه ووجدوه مطلق الأزرار) السؤال هل هذا الحديث يدل على أن من السنة أن يجعل الرجل أزرة ثوبه مفتوحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) والفقه تصور الشيء على ما هو عليه وإلحاق الفروع بأصولها ليس مجرد العلم وهذا الحديث الذي ذكره السائل لا يدل على مشروعية فتح الجيب لا من قريبٍ ولا بعيد لأن هؤلاء القوم الذين وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قد فتح هل يعلمون أنه فتحه تعبداً وتسنناً أو أنه فتحه لغرضٍ من الأغراض إما لشدة حر أو لحرارة في الصدر أو ما أشبه ذلك ما ندري بل الذي يغلب على الظن أنه لم يفعله تسنناً لأنه لو كان هذا من السنة لم يجعل الزرار أصلاً فما فائدة الزرار لا يزر لكن دائماً الإنسان يكون له أزرة ويزرها لكن يفتحها في بعض الأحيان لسببٍ من الأسباب إما للتبرد وإما لكون الحرارة في صدره وهي ما يسمى بالحساسية عند الناس وإما لغير ذلك ولا يجوز لنا أن نأخذ من هذا الحديث وأمثاله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعله تعبداً لأن الأصل منع التعبد إلا بدليلٍ واضح لا يحتمل شيئاً آخر نصيحتي لإخواني هؤلاء وأمثالهم الذين لا يفكرون تفكيراً جيداً في الأمور أن يتقوا الله أولاً في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم وأن يتقوا الله في فهم الشريعة وفهم أدلتها وصرفها لما كان مراداً لله ورسوله ولذلك أنصح هؤلاء بأن يزروا ثيابهم إذا كان فيها أزرة وأن لا يتعبدوا لله بشيءٍ لم يعلم أنه مشروع ولهذا كان من القواعد المقررة عند جميع العلماء أن الأصل في العبادات الحظر إلا ما قام الدليل على أنه مشروع ومجرد كون قومٍ رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فتح أزرته لا يدل على المشروعية وكما قلنا لماذا وضع الأزرة إلا ليزرها ما وضعها زينة وتجملاً فقط ولا جمال فيها أيضاً إذا لم تزر الخلاصة أن هذا الفهم فهمٌ خاطئ وأنه لا يسن للإنسان أن يفتح أزرته تعبداً لله عز وجل أما إذا كان هناك سبب لحرٍ شديد أو غيره فهذا شيء طبيعي لا بد للإنسان أن يتبرد ويفتح أزرته ليبرد.
***(22/2)
السؤال: يقول سمعنا أن كلمة (سلك) تعني باللغة الإنجليزية حرير وهذا النوع منه معظم ثيابنا في المملكة فما الحكم في ارتداء هذه الثياب خصوصا أنها منتشرة بشكل كبير وبعضهم يتعللون بأن قيمة الثوب السلك قليلة جدا ولو كان من الحرير لكانت قيمته أكبر من ذلك بكثير فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان اللابس لهذه الثياب امرأة فهذا لا بأس به لأن الحرير مباح للنساء حرام على الرجال وأما إذا كان اللابس له ذكرا فإنه إن كان حريرا طبيعيا فهو حرام عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الحرير على ذكور أمته حتى قرن المستحلِّين له بالمستحلِّين للخمر والزنا في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه قال (ليكونن في أمتي أو من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وأما إذا كان غير طبيعي لكنه يسمى باسم الحرير فإن ذلك لا ينقله عن الإباحة بل هو مباح وإن سمي حريرا لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء ولهذا لو سمينا الأمور المحرمة بأسماء مباحة لم تكن مباحة فكذلك إذا سمينا الأشياء المباحة بأسماء محرمة لم تكن محرمة ولكن ينبغي أن يكون الإسم مطابقاً لمسماه حتى لا يحصل التباس عند العامة أو اشتباه في حكم هذا الشيء.(22/2)
يافضيلة الشيخ: لو فرضنا أن في هذه الثياب التي نلبسها نسبة من الحرير لكنها لا تصل إلى النصف مثلا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت النسبة قليلة فإن الحكم للأكثر فما دام الأكثر ظهورا هو الشيء المباح فإنه لا بأس به إلا أنه إذا كان الحرير مجتمعا فإنه لا يباح منه ما زاد على أربعة أصابع لو كان مثلا على فوق الجيب مجتمعا فإنه لا يباح أكثر من أربعة أصابع وكذلك لو كان مطرزا بخطوط وهذه الخطوط هي خطوط عريضة تبلغ أكثر من أربعة أصابع فإنه لا يحل.(22/2)
يافضيلة الشيخ: في حال الضرورة كمن به مرض جلدي هل يباح له ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في حال الضرورة لا بأس.
***(22/2)
تزين المرأة للمرأة(22/2)
السؤال: يقول إن زوجتي تلبس ملابس زينتها إذا أرادت أن تلبس لأحد أو يأتينا أحد رغم أني أنهاها عن ذلك ولكن بدون فائدة فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس للمرأة أن تتجمل وتتزين لنظيراتها من النساء إذا لم يخشَ من ذلك فتنة ولا ينبغي لك أنت أن تنهاها عن ذلك الأمر لأن هذا أمرٌ جبلت عليه النساء بل وحتى الرجال فإن الرجل يحب أن يظهر بمظهر الجمال في ثوبه فكذلك المرأة أما إن خشي الفتنة بذلك مثل أن يكون حولها من يشاهدها من الرجال أو يكون بعض النساء تنعتها لزوجها يعني المرأة تنعت هذه المرأة لزوجها أي لزوج المرأة الناعتة فهذا أيضاً محظور مثل أن تقول مثلاً لزوجها فلانة عليها كذا وعليها كذا وعليها كذا تنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها فأما إذا لم يكن فيه محظور فليس لك حقٌ في منعها من أن تتجمل بما جرت به العادة أمام صاحباتها.
***(22/2)
تزين الحائض(22/2)
السؤال: تقول سمعت بأن مشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض ولا قص الأظافر والغسل فهل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها ويجوز أن تغتسل من الجنابة مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم.
***(22/2)
التزين بالحناء(22/2)
السؤال: السائلة تقول يا فضيلة الشيخ هل تنقيش اليدين بالحناء والقيام بتشكيلها والزخرفة يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ذلك فيما جرت به العادة لأن المرأة يستحب لها أن تتجمل لزوجها بقدر ما تستطيع فإن تجملها لزوجها يستلزم عادة أن يميل إليها وأن يحبها وكذلك هي الأخرى إذا تجملت لزوجها وأحست بأن زوجها يحب ذلك فإن ذلك يزيد حبها لزوجها وكل شيء يوثق عرى الصلة والمحبة بين الزوجين فإنه مطلوب.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز وضع الطيب الذي يوضع على الحناء فيقلب الحناء إلى السواد أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن تضع المرأة شيئاً في الحناء يقلبه إلى أسود لأن ذلك لا بأس به إلا إذا كان هذا في شعر للشيب فإن الشيب لا يجوز أن يغير بالسواد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) فلا يجوز للمرء أن يغير شيبه بسواد سواء كان رجلاً أم امرأة وسواء كان كبير السن أم صغير السن في الحديث الذي أشرنا إليه (جنبوه السواد) ولأن في صبغه بالسواد مضادة لحكمة الله تبارك وتعالى فإن هذا الرجل كأنه يريد أن يضاد ما تدل عليه هذه الخلقة وهي بياض الشعر من الكبر فيريد أن يحول نفسه إلى أن يكون شاباً فيعاكس بذلك مقتضى الطبيعة أو يعارض بذلك مقتضى ما جعله الله تبارك وتعالى من طبيعة بني آدم.
***(22/2)
السؤال: امرأة تتخضب بالحناء وهي حائض ما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس، فالمرأة لها أن تختضب وهي حائض أو طاهر في الليل أو في النهار لكن قد اشتهر عند كثير من النساء أن الخضاب بالحناء واجب ولكن ذلك ليس بصحيح فإن كانت ذات زوج تحتاج إلى التجمل لزوجها فإنها تستعمله ومن لا تريد أن لا تستعمله فلا حرج عليها.
***(22/2)
سمعت أن بعض الناس يقولون إنه لا تجوز الصلاة إلا بالحناء فهل هذا صحيح كذلك يقولون من ماتت وليس في يديها حناء لم يصلَ عليها لأن يديها قد تشبهت بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح الحناء ليس من الأمور المفروضة ولا من الأمور الواجبة حتى يصل إلى هذه الدرجة فالمرأة إذا لم تستعمل الحناء لا يقال إنها أخطأت أو أثمت وكذلك أيضاً لا يقال إنها إذا ماتت لا يصلى عليها أو أن صلاتها لا تقبل بل هذا مما يسمعه العوام من أفواههم أو من أناسٍ يظنونهم علماء وليسوا بعلماء.
***(22/2)
السؤال: ما حكم تزين المرأة الحائض بالحناء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التزين بالحناء لا بأس به لاسيما للمرأة المتزوجة التي تتزين به لزوجها وأما غير المتزوجة فصحيح أنه مباح لها إلا أنها لا تبديه للناس لأنه من الزينة وفعل ذلك في وقت الحيض لا بأس به وقد كثر السؤال عنه من النساء هل يجوز للمرأة أن تحني رأسها أو يديها أو رجليها وهي حائض والجواب على ذلك أن هذا لا بأس به والحناء كما نعلم يعقبه أثر تلوين بالنسبة لموضعه واللون هذا لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة كما يتوهم فإذا غسلته المرأة أول مرة زالت أجرامه وبقيت آثاره الملونة وهذا لا بأس به.
***(22/2)
السؤال: ما حكم الحناء للحائض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع الحنة إذا كانت المرأة حائضاً الجواز أي أنه يجوز للمرأة أن تضع في يديها الحناء وفي رأسها ولو كانت حائضاً وما اشتهر عند عوام النساء أنه لا يجوز فإن هذا لا أصل له ولا أعلم أحد قال به.
***(22/2)
استعمال المواد الغذائية للتجميل(22/2)
السؤال: تقول السائلة بالنسبة لوضع الحناء والحليب والبصل والثوم وغيرها من المأكولات التي توضع على شعر الرأس هل في ذلك بأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها يعني لا بأس أن تستعمل المرأة المطعوم فيما ينفعها في شعرها أو وجهها لكن لا تستعمله في شيء نجس لعموم قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) .
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز استعمال بعض المواد الغذائية كالطحين والبيض والعسل واللبن ونحوها كعلاج لما قد يصيب الوجه من أمراض كالكلف ونحوه وإن لم يكن لمرض بل لمجرد تجميل البشرة فهل يجوز أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب من المعلوم أن هذه الأشياء من الأطعمة التي خلقها الله عز وجل لغذاء البدن ولكن إذا احتاج الإنسان إلى استعمالها في شيء آخر ليس بنجس كالعلاج فإن هذا لا بأس به لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فقوله تعالى (لكم) يشمل عموم الانتفاع إذا لم يكن ما يدل على التحريم وأما استعمالها للتجميل فهناك مواد أخرى يحسن التجميل بها سوى هذه فاستعمالها أولى وليعلم أن التجميل لا بأس به بل إن الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال ولكن الإسراف فيه حتى يكون أكبر هم الإنسان بحيث لا يهتم إلا به ويغفل كثيراً من مصالح دينه ودنياه من أجله هذا أمر لا ينبغي لأنه داخل في الإسراف والإسراف لا يحبه الله عز وجل.
***(22/2)
السؤال: تقول إذا وضعت المرأة في وجهها بعض الأطعمة لغرض إزالة البقع أو لصفاء البشرة مثل الليمون والطماطم والخيار فما حكم الشرع في هذا العمل في نظركم فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه لا بأس به لأن الله يقول (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وليس في استعمال هذه الأطعمة في الوجه تقليل لها أو تنجيس لها حتى يقال إنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بالعظام لأنه زاد إخواننا من الجن، ونص أهل العلم على تحريم الاستنجاء بالأطعمة ومسح الوجه بها ليس من هذا الباب، لأن الوجه أشرف أعضاء الإنسان فإذا استعملت هذه الأشياء في إزالة هذه البقع أو لزيادة التجميل فلا أعلم في هذا بأس والأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع لكن إن أمكن أن يكون ذلك بأدهان أخرى فهذا أحسن وأولى لأنه قد يقول قائل إن استعمال الأطعمة في هذا فيه شيء من السرف والتجاوز لأن الأطعمة للأكل وليست لمسح الوجوه والتزين والتجمل فإذا حصل عدول عنها إلى أشياء أخرى يحصل بها المقصود فهو أولى.
***(22/2)
الكريمات المبيضة للبشرة(22/2)
السؤال: ظهرت مؤخرا أدوية تجعل المرأة السمراء بيضاء فهل تعاطيها أو تعاطي مثل هذه الأدوية حرام من باب تغيير الخلقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو حرام ما دام يغير لون الجلد تغييرا مستقرا فإنه يشبه الوشم وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة) أما إذا كان لإزالة عيب كما لو كان في الجلد شامة سوداء مشوهه فاستعمل الإنسان ما يزيلها فإن هذا لا بأس به ولهذا يجب أن نعلم الفرق بين ما اتخذ للزينة والتجميل وما اتخذ لإزاله العيب فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للصحابي الذي قطع أنفه أن يركب عليه أنفا من ذهب لإزالة العيب الحاصل بقطع الأنف (ولعن الواشرة والمستوشرة) وهي التي تبرد أسنانها بالمبرد لتكون متفلجة أو نحو ذلك لكن لو فرض أن في صف الأسنان اختلاف بعضها بارز وبعضها داخل على وجه يشوه منظر الأسنان فلا بأس باتخاذ شيء يجعلها متراصة متساوية.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم استعمال المراهم والدهونات لتبييض البشرة أو لإزالة حب الشباب والتشوهات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول فلا أي لا تستعمل شيئاً يتغير به لون الجلد لأن هذا أشد من الوشم الذي لعنت فاعلته وأما إزالة حب الشباب وما شابهها فلا بأس لأن هذه معالجة مرض ومعالجة المرض لا بأس بها فهناك فرق بين ما يقصد به التجميل وبين ما يقصد به إزالة العيب فالأول ليس بجائز إذا كان على وجهٍ ثابت والثاني جائز.
***(22/2)
السؤال: ما حكم الكريمات المبيضة للبشرة هل فيها بأس بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان تبييضاً ثابتاً فإن هذا لا يجوز لأن هذا يشبه الوشم والوشر والتفليج وأما إذا كان يبيض الوجه في وقتٍ معين وإذا غسل زال فلا بأس به.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم كريم تقشير البشرة هذا الكريم يوجد في الأسواق فما حكم استخدام مثل هذه الكريمات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ما هذا الكريم هل هو يلين البشرة وينعمها بدون تغيير اللون هذا لا بأس به لأنه من جملة أدوات التجميل وأما إذا كان يغير البشرة من لونٍ إلى آخر فهذا محرم لأنه أشد من الوشم الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلته فقد (لعن الواشمة والمستوشمة) والوشم هو أن يغرز الجلد بلونٍ مخالفٍ للونه على وجه التطريز والوشي وأقبح من ذلك أن يكون الوشم على صورة حيوان هذا هو الجواب أنه إذا كان لتنعيم الجسم فلا بأس به وإذا كان لتغيير اللون فإنه محرم.
***(22/2)
مساحيق التجميل والمناكير(22/2)
السؤال: المستمعة ف م ع تقول هل يجوز للفتاة المحجبة أن تستعمل مساحيق التجميل في وجهها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المحجبة هي التي تحتجب عن الرجال غير المحارم فيما يجب عليها الاحتجاب فيه وذلك بتغطية الوجه وغيره من البدن مما يدعو النظر إليه إلى الفتنة هذا هو الحجاب الشرعي الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح كما قد بينت أدلته في كثير من الرسائل التي كتبها أهل العلم وإن كان مفهوم الحجاب عند كثير من الناس أنه تغطية جميع البدن ما عدا الوجه والكفين ولكن القول الراجح أن أولى وأول ما يجب حجبه عن الأنظار هو الوجه لأن الوجه محل الزينة والرغبة ومحط أنظار الرجال وقد دل على وجوب حجبه وستره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح وكتب في ذلك رسائل متعددة كثيرة في بيان ذلك ولا أحد يشك بأن المرأة يُرغب فيها إذا كان وجهها جميلاً ويعرض عنها إذا كان وجهها غير جميل وأن الخاطب أول ما يهتم به حيث طلب الجمال بجمال وجهها ولا أظن خاطباً يرسل أحداً ينظر إلى مخطوبته إذا لم يتمكن من النظر إليها لا أظنه يسأله عن شيء قبل أن يسأله عن وجهها لا أظنه يسأل كيف قدمها أو كيف شعرها أو ما أشبه ذلك ويكون له من الاهتمام بهذا كما يكون له من الاهتمام بالوجه وهذا أمر معلوم وعلى هذا فنقول إن المرأة لا يجوز لها أن تبدي وجهها لغير محارمها وزوجها سواء كانت متجملة بمساحيق وغيرها أم غير متجملة أما إبداء الوجه للمحارم فإنه لا بأس به ولكن ينبغي ألا تضع فيه ما يوجب الفتنة وتعلق القلب بها إلا إذا كان ذلك في كشفها لزوجها فإن المرأة مأمورة بأن تتزين للزوج وأن تفعل من الأساليب التي تجلب زوجها إليها ما يكون سبباً في ميله إليها ورغبته فيها لأن من أقوى أسباب السعادة بين الزوجين أن يجعل الله في قلوبهما المحبة والمودة بل إن هذا من أهم ما يكون بين الزوجين كما قال الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فوضع المرأة المساحيق وما يجمل الوجه بالنسبة لزوجها أمر مطلوب مرغوب فيه وأما بالنسبة لغيره ممن يجوز لهم النظر إلى وجهها فإن كان يخشى منه الفتنة فلا تضع شيئاً على وجهها وإن كان لا يخشى فالأمر في هذا واسع وليعلم أنه إذا كان من المساحيق ما يمنع وصول الماء إلى بشرة الوجه فإنه يجب إزالته عند الوضوء لأن الله تعالى قال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وإذا كان ثم حائل يمنع وصول الماء لم يكن الإنسان غاسلاً لوجهه ولهذا قال أهل العلم إن من شرط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة
***(22/2)
السؤال: المستمعة من مصر تقول في رسالتها فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة استخدام المساحيق والأصباغ المكياج أعني كزينة لزوجها نرجوا الإفادة بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تتجمل لزوجها بكل أنواع التجميلات غير المحرمة سواء كان ذلك في العين أو في الخدين أو في الشفاه أو في غير ذلك من مواضع التجمل والزينة إلا أنه لا يحل لها أن تصبغ شعرها بصبغ أسود إذا كان فيه بياض لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي التحريم ولأن في هذا نوعاً من المضادة للخلقة التي اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الإنسان عليها بعد الكبر وهي بياض الشعر فإذا سوده الإنسان فكأنما يريد أن يرجع بنفسه إلى الشباب ولكن بلغني أن المكياج يضر بالمرأة ببشرة وجهها وحينئذ فلا بد من أخذ أراء الأطباء في ذلك فإذا قالوا نعم إنه يضر بشرتها ولو في المستقبل ففي هذه الحال لا تستعمله.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز وضع المساحيق الملونة على الوجه وهل يعتبر من التغيير لخلق الله ومعروف أثرها في تجميل الوجه وهل يوجد نص من السنة أو من القرآن يخبر أن النسوة المسلمات الأول كنّ يضعنّ مساحيق ملونة على وجههنّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكحل في العينين كان معروفاً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولا ريب أنه يعطي العين جمالاً وزينة وأما تجميل الوجه والشفتين فالأصل فيه الحل حتى يقوم دليل على المنع فإذا تجملت المرأة أو بعبارة أصح إذا جملت وجهها بهذه المساحيق والأدهان فإن ذلك لا بأس به لأن مثل هذه الأمور إذا لم يرد بها منع عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل فيها الحل ولا نحتاج إلى طلب الدليل على حلها لأنه الأصل وما كان هو الأصل فإن المطالبة بالدليل لمن ادعى خلافه لا من ادعى الأصل ولهذا إذا تمسكنا بأصل وقال لنا قائل ما هو الدليل قلنا له الدليل عدم الدليل أي الدليل على هذا عدم الدليل على خروجه عن الأصل.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تضع مساحيق التجميل على وجهها.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك لا يضر الوجه ولو بعد حين وكانت محتاجة للتجمل كامرأة مع زوجها فلا بأس أما إذا كانت شابة ليس لها زوج فالأحسن أن لا تفعل هذا لأنه يخشى عليها من الفتنة ولهذا قال بعض أهل العلم إنه لا ينبغي للمرأة إذا لم تتزوج أن تستعمل الحنة التي تحني به يديها أو رأسها أو قدميها قالوا لأنها ليست بحاجة إلى هذا التزين إذ أنها لم تتزوج لكن الصحيح أنه جائز إلا أن الأولى تركه إلا لامرأة تحتاج إلى التجمل لزوجها فهذا حسن وبشرط أن لا يكون هناك ضرر على بشرة الوجه.
***(22/2)
السؤال: تقول بالنسبة للمكياج الذي تضعه المرأة على وجهها للتزين للزوج هل في ذلك بأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا بأس إذا كان لا يضر البشرة ولقد سمعت بأن المكياج وشبهه من المواد الكيماوية يؤثر على البشرة ولو بعد زمن طويل لا يُرى في القريب المنظور فلذلك يجب التحرز من مثل هذه التجميلات الكيماوية بالرجوع إلى أهل الخبرة في ذلك وهم الأطباء.
***(22/2)
السؤال: يقول ما الحكم فيما يسمى بمواد التجميل الحديثة التي تتجمل بها المرأة مما يوضع على الشفاه أو على الوجه أو في العين أو على الأظافر وذلك إن كان لزوجها فقط ولا يراها رجلٌ أجنبي حيث إنني سمعت أن بعض من لهم نصيبٌ من العلم لم يجوز استعمال هذه المواد حتى وإن كان للزوج فقط لأنه جعلها من قبيل التشبه بالكافرات فما هو القول الفصل في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن التجميل ينقسم إلى قسمين أحدهما تجميلٌ ثابت دائم هذا محرم مثل الوشر والوشم والنمص والوشر هو التفلج أي تفليج الأسنان بمنشار حتى تكون جميلة وأما الوشم فإنه يغرز الجلد ثم يوضع فيه من الداخل كحل أو نحو ذلك بالأصباغ وتبقى دائمة وأما النمص فهو نتف شعر الوجه كالحواجب ونحوها وكل هذا محرم ومن كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله أما إذا كان على وجه لا يدوم فإنه لا بأس به مثل أن تتجمل بالكحل وبالورس ونحو ذلك لكن بشرط ألا يؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات أو يكون ذلك من باب التبرج فتخرج به إلى الرجال الأجانب ونحو ذلك فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته.
***(22/2)
السؤال: ما حكم استعمال المرأة للمناكير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المناكير لا يجوز للمرأة إذا كانت تصلى أن تستعمله في أظافرها وذلك لأنه تمنع وصول الماء إلى البشرة ومن شروط الوضوء أن يُزيل المتوضئ ما يمنع وصول الماء إلى البشرة أي إلى ما يجب غسله وقياس ذلك على الخفين قياس مع الفارق لأن الخفين وردت بها السنة وهما مختصان بالرجل المحتاجة إلى التدفئة لأنها تباشر المشي والحفاء وأما هذا فإنه لمجرد الزينة ثم إن هذا أيضاً إذا وضع لا يكون موقتاً أما الخفان مؤقتة فالأصل وجوب غسل اليدين كاملة ولم يرد أنه يمسح على الحائل في اليدين فلا يجوز للإنسان أن يقيس هذا على مسألة الخفين أما إذا كانت لا تصلى كالحائض والنفساء فلا حرج عليها في ذلك.(22/2)
يافضيلة الشيخ: ما حكم صلاة المرأة التي تضع المناكير على يديها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يصح وضوئها لم تصح صلاتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فمادام الوضوء غير صحيح فالصلاة غير صحيحة أيضاً.(22/2)
يافضيلة الشيخ: هل تلزمها الإعادة في هذه الحال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن هذا لا يجوز فإنه يلزمها الإعادة وإذا كانت تجهل فإنه لا إعادة عليها بناءً على القاعدة المعروفة عند أهل العلم والتي دل عليها الكتاب والسنة وهو أن الجاهل لا يلزم بإعادة ما ترك من واجب ولا يأثم بفعل ما فعل من محظور لكن قد يكون هذا الجاهل مفرطاً لم يسأل ولم يبحث فنلزمه بالواجب من هذه الناحية حيث إنه ترك ما يجب عليه من التعلم أما إذا لم يحصل منه التفريط وإنما كان غافلاً غفلة نهائية ولا يعرف عن هذه الأمور ولا تحدثه نفسه بأنها حرام أو ما أشبه ذلك فإنه يرفع عنه ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته الذي كان لا يطمئن فيها لم يأمره بإعادة ما مضى من صلاته وكان لا يحسن غير ما كان يصنع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع فصل فإنك لم تصلِ) وإنما أمره بإعادة الصلاة الحاضرة لأن وقتها لم يخرج فهو مطالب بفعلها على وجه التمام.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم إطالة الأظافر بالنسبة للنساء هل يجوز ذلك.
فأجاب رحمه الله تعالى: إطالة الأظافر للنساء أو الرجال خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقد وقت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته في الأظافر والشارب والعانة والإبط ألا تترك فوق أربعين يوماً هذا صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذاً لا تطول الأظافر لا بالنسبة للنساء ولا بالنسبة للرجال بل لا تترك فوق أربعين يوماً.
***(22/2)
العدسات اللاصقة(22/2)
السؤال: السائلة ق س م تقول لقد انتشر بين أوساط النساء وخاصة طالبات الجامعة وضع العدسات اللاصقة في العين وهي عدسات طبية لضعف في النظر ولكن هذه العدسات تستخدم أحيانا بألوان فتكون لون أزرق أو أخضر أو عسلي بحيث يتغير لون العين الطبيعي علما بأن هناك من يستخدم هذه العدسات ملونة فقط للزينة والسؤال هل في العدسات الملونة تغيير لخلق الله أو تشبه بالكافرات نرجو منكم التوجيه.
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذه العدسات تغيير لخلق الله لأن هذه العدسة تزال ليست ثابتة كالوشم وإنما هي عبارة عن نظارة معينة ارتقى الطب حتى وصل إلى هذه الحال ولكن لابد من أمرين لابد من مراجعة الطبيب هل يمكن أن توضع في العين أو لا؟
والأمر الثاني لابد أن تكون هذه العدسة لا تنقل عين المرأة إلى مشابهة عين الحيوان كأن تكون هذه العدسة شبه عين الأرنب أو نحو ذلك لأن تشبه الإنسان بالحيوان تنزيل لنفسه من الأعلى إلى الأدنى.
***(22/2)
السؤال: ما حكم استعمال العدسات الملونة بغرض الزينة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها بشرطين أن لا يكون فيها ضرر على العين وألا تشبه عيون الحيوان.
***(22/2)
السؤال: يقول يا فضيلة الشيخ ظهر في هذا الزمن عدسات تلبس على العين عوضاً عن النظارات وقد ظهر نوعٌ منها يكون ملون بحيث إذا لبسه الإنسان تغير لون العين من لونها الطبيعي إلى لون العدسة فهل لبسها يجوز أم لا حيث إنها قد تكون من تغيير خلق الله أفيدوني بهذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه العدسات التي تلبس على العين لا بد فيها أولاً من مراجعة الأطباء هل لها أثرٌ على العين حاضرٌ أو مستقبل إن قالوا نعم إنها تؤثر على العين لكنه تأثيرٌ منتظر لا حاضر أو قد يكون حاضراً فإنه في هذه الحال يمنع من لبسها لأن الله سبحانه وتعالى نهى أن نفعل في أنفسنا ما يضرنا فقال الله تبارك وتعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وأما إذا قالوا إنها لا تضر العين وفي ظني أنهم لن يقولوا ذلك فإنه ينظر في هذه العدسات إن كانت تحكي عيون الحيوان كالتي تكون على شكل عيون القط أو الأرنب أو غيرهم من الحيوانات فإن ذلك لا يجوز لأن التشبه بالحيوان لم يأتِ في الكتاب والسنة إلا في مقام الذم قال الله تبارك وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شيءنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ) وقال الله تبارك وتعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) وقال (ليس لنا مثل السوء) وقال صلى الله عليه وسلم (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) أما إذا كانت لا تحكي عيون شيء من الحيوان فلا أرى بها بأساً لأن هذا ليس من تغيير خلق الله إذ أن هذه العدسات منفصلة بائنة عن العين ولا فرق بينها وبين النظارة المعتادة إلا أن هذه بارزة ظاهرة أعني النظارة المعتادة بخلاف العدسات التي تلصق بالعين.
***(22/2)
السؤال: ما حكم لبس العدسات الملونة للضرورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها لكن بشرط أن يكون ذلك بعد مراجعة الطبيب لئلا تتضرر العين من حيث لا تشعر المرأة وبشرط أيضا ألا تكون هذه العدسات على شكل عيون الحيوانات.
***(22/2)
تقول هذه السائلة نريد جواباً شافياً في حكم العدسات الملونة للزينة خاصة بأن النساء ابتلين بها فما حكم استعمال مثل هذه العدسات بالنسبة للنساء اللاتي يتزين لأزواجهن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانت عين المرأة مشوهة فلا حرج عليها أن تلبس عدسة تجعلها جميلة لأن هذا ليس من تغير خلق الله إذ أن هذه العدسة ليست ثابتة بل متى شاءت نزعتها ولا يمكن أن نلحقها بالوشم الذي لعن فاعله وأما إذا كانت العين سليمة لكن تريد زيادة الكمال فإننا نقول الأفضل ألا تفعل لما في ذلك من التعب وإضاعة المال في تحصيلها والتعب في تركيبها وإزالتها ولأنها ربما تضر العين ولهذا لابد من مراجعة الطبيب قبل اتخاذ أي خطوة في هذا السبيل وأما إذا كانت هذه العدسة على شكل عيون البهائم فهذه حرام لأن تشبه الإنسان بالحيوان معناه أنه أنزل مرتبته التي جعله الله فيها إلى مرتبة دون ولهذا لم يقع التشبيه بالحيوان إلا في مقام الذم قال الله تبارك وتعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شيءنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) فقال مثله كمثل الكلب ذماً وتقبيحاً وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) شبهه بالكلب تحذيراً وتقبيحاً وقال تعالى في بني اسرائيل بل في اليهود خاصة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً) فتجد أن تشبيه بني آدم بالحيوان إنما يكون في مقام الذم فإذا تشبه الإنسان بالحيوان في تركيب شيء في عينه فقد نَزَّلّ نفسه عن المرتبة التي جعله الله عليها والله تعالى يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
وعلى هذا فنقول في الجواب خلاصةً أولاً قبل كل شيء وقبل اتخاذ أي خطوة يسأل الطبيب هل هذا يضر العين أو لا إن كان يضرها فهو ممنوع لأنه لا يجوز للإنسان أن يتناول ما فيه ضرر بدنه لقول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فإذا قال الطبيب إن الضرر منتفٍ نظرنا هل المرأة محتاجة لذلك لكون نظرها قاصراً فتحتاج إلى تقويته أو لكون عينها مشوهة فتحتاج إلى تجميلها فهذا لا بأس به فإذا لم يكن هناك حاجة نظرنا هل هذه العدسة ليست مشابهة لأعين البهائم فلا بأس بها لكن تركها أحسن لأن بقاء الشيء على طبيعته أولى ولأن في ذلك إضاعة مال وإضاعة وقت بعمل تركيبها وتنزيلها أم أنها أي هذه العدسة تجعل العين شبيهة بعين البهائم كعين الأرنب وما أشبه ذلك فهذه حرام لأن التشبيه بالبهائم لم يقع في نصوص الكتاب والسنة إلا في مقام الذم.
***(22/2)
الرموش الصناعية(22/2)
السائلة أم معاذ من الرياض تقول ما حكم استعمال الرموش الصناعية للتجمل بها عند الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرموش الصناعية لا تجوز لأنها تشبه الوصل أي وصل شعر الرأس وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة) وهذه الرموش إذا كانت مما أتصوره الآن أن يوضع خيوط سوداء كالشعر على الرموش حتى تبدو وكأنها كثيرة تتجمل بها العين فإذا كان هكذا فهي من الوصل الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلته في رأسها أما إذا كانت الرموش بمعنى تلوين الشعر شعر الأجفان فإنه ليس بحرام.
***(22/2)
أسئلة متفرقة في الزينة(22/2)
السؤال: إنها فتاة في وجهها بقع سوداء صغيرة مثل حبة الخال وهذه كثيرة ما بين ست إلى ثمان نقاط متفرقة تقول ما حكم إزالة مثل هذه النقاط في مستشفى بواسطة الليزر أو أي طريقةٍ أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في إزالتها لأنها بهذه الكثرة التي ذكرتها تشوه الوجه بلا شك وتوجب أن ينفر الناس من مشاهدتها والقاعدة في هذا أن ما كان للتجميل فحرام وما كان لإزالة العيب فحلال دليل الأول (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن الواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة) فالوشم تلوين الجلد والوشر حك الأسنان بالمبرد ونحوه لأن هذا تجميل
ودليل الثاني وهو إزالة العيوب (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفاً من فضة ففعل فأنتن فأمره أن يتخذ بدل الفضة ذهباً) لأن هذا من إزالة العيب فخذي هذه القاعدة وانتفعي بها وعلى هذا فاللاتي يحاولن أن يقلبن سواد وجوههن إلى بياض محاولتهن حرام لأن هذا من باب تغيير خلق الله للتجميل فقط فإن قال قائل ماذا تقولون في تعديل الحول في العين هل هو من باب التحسين أم من باب إزالة العيب فالجواب أن هذا من باب إزالة العيب فيكون جائزاً وكذلك أيضاً لو كان في الأسنان نتوء واضح بارز يعد عيباً فلا بأس بتقويمها حتى تساوي صفوف الأسنان الأخرى.
***(22/2)
أحكام لباس المرأة(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ وردت عدة أحاديث عن لبس المرأة المسلمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تشابهت علينا أرجوا من فضيلة الشيخ أن يوضح كيفية لبس المرأة الملتزمة في الوقت الحالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أود أن أذكر قاعدة مفيدة في هذا الباب وهي أن الاصل في الألبسة الحل والإباحة حتى يقوم دليل على التحريم لقول الله تبارك وتعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) ولقول الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ َ) فهذه القاعدة يجب أن نبني عليها حكم ما يلبسه الرجال والنساء فنقول الأصل في ذلك الحل حتى يقوم دليل على تحريمه
ومما جاءت الأدلة بتحريمه أن تلبس المرأة لباساً يختص بالرجل أو يلبس الرجل لباساً يختص بالمرأة لأن هذا يكون من باب التشبه وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) هذا واحد.
ثانياً مما ورد تحريمه التشبه بالكافرات بمعنى أن يلبس الرجل لباس رجال يختص بالكفار لا يلبسه غيرهم أو تلبس المرأة لباساً يختص بالنساء الكافرات لا يلبسه غيرهن فإن هذا حرام ولا يجوز لأن التشبه بالكفار محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) ولأن التشبه بالقوم يؤدي إلى احترامهم في الظاهر وإلى اعتزازهم بتقاليدهم وما هم عليه قال أهل العلم ولأن التشبه بهم في الظاهر قد يؤدي إلى التشبه بهم في الباطن في العقيدة والأخلاق وبهذا يهلك المسلم وينسلخ من مقومات دينه الظاهرة والباطنة.
ثالثا مما يحرم لبسه أن يلبس الرجل ذهباً خواتم أو قلادة أو أسورة أو غير ذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّم الذهب على الرجال حتى إنه قال لرجل رأى عليه خاتم ذهب (يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده أو قال في أصبعه ثم نزعه النبي صلى الله عليه وسلم من أصبع الرجل وطرحه) وأما النساء فلهن أن يلبسن من الحلي ما جرت به العادة من ذهب أو فضة أو غيرهما بشرط ألا يشتمل على محرم
ومن الأشياء المحرمة وهو الرابع أن يلبس الإنسان ما فيه صورة من ثياب أو فنائل أو أخمرة أو سراويل أو غيرها وكذلك ما يفعله بعض النساء من لباس حلي من الذهب أو من غير الذهب على شكل حيوان ثعبان أو فراشة أو ما أشبه ذلك فإن هذا محرم وذلك لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة واصطحاب الإنسان للصورة في لباسه من أعظم ما يطرد الملائكة عن دخول البيت ولا فرق في هذا بين الصغار والكبار على القول الراجح وقد ذكر فقهاء الحنابلة قاعدة في هذا الباب مهمة وهي أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ.
ومن ذلك أي من اللباس المحرم أن يلبس الإنسان ما لا يستر عورته كما يفعله بعض الناس من الرجال حيث يلبسون ثياباً خفيفة تحتها سراويل لا تستر ما بين السرة والركبة ثم يصلون فيها فإن هذا من اللباس المحرم الذي لا يستر ولا يجزئ في الصلاة وكذلك بعض النساء يلبسن ثياباً قصيرة أو ضيقة أو خفيفة يرى من ورائها الجلد ويرى من ورائها من الضيق حجم البدن كأنما فصل الثوب عليه تفصيلاً لازقاً به فإن هذا حرام على المرأة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم أسياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)
والأفضل في لباس المرأة أن يكون ساتراً من رؤوس الأصابع في الكفين إلى القدمين والستر بالنسبة للكف قد يكون بثوب واسع طويل الكم وقد يكون باستعمال القفازين فإن لباس القفازين للنساء كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر ما تجتنبه المحرمة قال (ولا تلبس القفازين) وهذا يدل على أن من عادة النساء في ذلك الوقت لباس القفازين لأنه يستر الكف أما بالنسبة للباس الرأس فإن المرأة تلبس خماراً تستر به رأسها وتستر به وجهها أيضاً عن الرجال الأجانب لأنه لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها للرجال الأجانب لدلالة الكتاب والسنة على منع ذلك ودلالة النظر الصحيح السليم على أنه لا بد من ستر المرأة وجهها لما في كشفه من الفتنة التي قد تؤدي إلى الفاحشة الكبرى هذا ما يحضرني الآن منعه من اللباس وقد يكون هناك أشياء أخرى غابت عني الآن لكن القاعدة التي بينتها أولاً وهو أن الأصل في اللباس الحل حتى يقوم دليل على التحريم وذكرت في ذلك آيتين من كتاب الله وهما قول الله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) وقوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) وربما يضاف إلى ذلك آية ثالثة وهو قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
***(22/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ ما هي حد عورة المرأة مع المرأة وكذلك عورة الرجل بالنسبة للرجل.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن هذا الحديث الذي يطنطن به من يريد من النساء أن يلبسن ثياباً ليست ثياب حشمة ولا كاسيات هذا الحديث معناه أنه لا يحل للمرأة أن تنظر إلى عورة أختها لكن الأخت ماذا عليها من الثياب يجب أن يكون عليها ثياب ساترة حتى لا تدخل في الحديث الصحيح (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) قال أهل العلم كاسيات عاريات يعني عليها كسوة لكنها خفيفة لا تستر أو عليها كسوة لكنها قصيرة أو عليها كسوة لكنها ضيقة فعورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل هذا المعروف عند أهل العلم فلا يحل للمرأة أن تنظر من المرأة الأخرى ما بين السرة والركبة لكن على الثانية المنظورة أن تلبس الثياب التي يشرع لها لبسها وهي الثياب الساترة لأن ترك النساء يستعملن من الثياب ما شيءن ويقلن إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل غير صحيح.
***(22/2)
السؤال: وضحوا لنا ما هو حد الإسراف في الملبس إذا كان الزوج يريد من زوجته أن تتجمل ويشتري لها ملابس كثيرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حد الإسراف في كل شي مجاوزة الحد أي أن يجاوز الإنسان الحد الذي ينبغي أن يكون عليه سواء كان ذلك في اللباس أو في الأكل والشرب كما قال الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فالثياب التي يأتي بها الزوج إليك أخبريه بأنك لست في حاجة إليها فإن أصر إلا أن يأتي بها انظري إلى أجملها وتجملي به للزوج لأن من الأزواج من يرغب رغبة أكيدة في أن تتجمل له زوجته وإذا أكثر من الثياب فادخريها فلعله يأتي يوم من الدهر تحتاجين هذه الثياب أو يحتاجها أحد من الفقراء فتتصدقين بها عليهم.
***(22/2)
المستمع ع. ع. من العراق يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في تلك النساء السافرات المتبرجات ويقلن نحن نصلى ونصوم فهل عملهن مقبول اعتماداً على قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن إذا عصى الله عز وجل فإنه لا يخرج من الإيمان بمجرد المعصية وإنما يخرج من الإيمان بالكفر وعلى هذا فإذا عصى الله عز وجل فإن معصيته هذه لا تمنع قبول أعماله الصالحة بل أعماله الصالحة مقبولة ولو مع استمراره على هذه المعصية ولكن يجب عليه أي على المؤمن إذا عمل بالمعصية أن ينزع عنها ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ليتحقق بذلك إيمانه فإن من كمال الإيمان وتمام الإيمان ألا يصر الإنسان على معصية قال الله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) فعلى المؤمن إذا عمل بالمعصية أن يقلع عنها وأن يتوب إلى الله وأن يسأل الله العلم النافع الذي يتمكن به من معرفة الأمور على ما هي عليه.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم المستمع يقول في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال) كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ما معناه (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) وقد قرأت سير بعض الصحابة وتعلمت من زهدهم وورعهم رضي الله عنهم وأرضاهم وتقشفهم في المأكل والملبس مع غناهم وكثرة أموالهم حتى أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يلبس من الملابس التي تماثل ملابس صبيانه وغلمانه الذين يعملون عنده والسؤال هل في ذلك ما يعارض مفاهيم الحديثين السابقين وهل على الغني الموسر أن يكون مظهره مناسباً لحالته المادية أم أن عليه أن يلبس ويسكن ويأكل ما شاء في حدود الشرع الإسلامي بدون سرف ولا مخيلة وما معنى الأمر بالتحدث بالنعم في قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الأول (إن الله جميل يحب الجمال) قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الناس إن الرجل يحب أن يكون نعله حسناً وثوبه حسناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال) أي يحب التجمل في اللباس في النعال في الثوب في الغترة في المشلح لأن هذا من إظهار آثار نعمة الله وهو يوافق الحديث الذي ذكره وهو أن الله إذا أنعم على العبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه وأثر النعمة بحسب النعمة فنعمة المال أثرها أن يكثر الإنسان من التصدق ومن نفع الخلق وكذلك أن يلبس ما يليق به من الثياب حتى أن بعض العلماء قال إن الرجل الغني إذا لبس لباس الفقراء فإنه يعد من لباس الشهرة ولكن قد تدعو الحاجة أو قد تكون المصلحة في أن يلبس الإنسان لباس الفقراء إذا كان يعيش في وسط فقير وأحب أن يلبس مثلهم لئلا تنكسر قلوبهم فإنه في هذه الحال قد يثاب على هذه النية ويعطى الأجر على حسب نيته وأما قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فالمراد أن الإنسان يتحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه لإظهار فضل الله سبحانه وتعالى عليه وأن ما حصل من هذه النعمة ليس بحوله وبقوته ولكنه بنعمة الله ومنته والتحدث بالنعمة يكون بالقول وبالفعل فيكون بالقول مثل أن يقول للناس مثلاً في المناسبة إن الله تعالى قد أعطاني المال بعد أن كنت فقيراً وقد أعطاني الأولاد بعد كنت وحيداً وما أشبه ذلك وقد هداني الله بعد أن كنت على غير هدى والتحدث بالفعل أن يفعل ما يدل على هذه النعمة إذا كان عالماً يعلم الناس إذا كان غنياً ينفع الناس بماله إذا كان قوياً ينفع الناس بدفعه عنهم ما يؤذيهم بحسب الحال وأما ما ذكره عن بعض الصحابة في تقشفهم فهذا على سبيل التواضع لئلا يكون من حولهم منكسر القلب لأنه لا يستطيع أن يلبس مثل لباسهم أو أن يطعم مثل طعامهم والإنسان في هذه الأمور يراعي المصالح.
***(22/2)
السؤال: ماحكم لبس العباءة الخفيفة التي تبين لون الفستان الذي تحتها مع رفعها إلى فوق الساقين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا ينبني على الفستان الذي تحت هذه العباءة فإذا كان جميلاً فإنه لا يجوز لبس مثل هذه العباءة ولا رفعها لأنه يكشف ما تحتها من الثياب الجميلة وقد قال الله تبارك وتعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) فإذا كان الله تبارك وتعالى نهى أن تفعل المرأة ما يظهر به صوت ما تتجمل به فما بالك بما يظهر لون ما تتجمل به أما إذا كان الفستان الذي تحت العباءة ليس بجميل ولا يلفت النظر فإنه لا بأس أن تلبس عباءة خفيفة وأما رفعها فإنه يتضمن محظوراً آخر وهو أن رفع العباءة فوق العجيزة يبرز العجيزة ويظهرها فتحصل بذلك الفتنة منها والفتنة بها.
***(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ ما حكم لبس المرأة للقفازين والنقاب أثناء تأديتها للصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما لبسها القفازين فلا بأس إذا لم تكن محرمة وأما لبس النقاب فلا حاجة أن تلبس النقاب إذا لم يكن عندها رجال غير محارم فإنها تكشف وجهها ولا تنتقب أما إذا كان عندها رجال غير محارم فإنها تسدل على وجهها الخمار حتى لا يروها فإذا أرادت السجود كشفت عن وجهها من أجل أن تباشر جبهتها مكان سجودها.
***(22/2)
السائلة تقول في سؤالها ما حكم لبس القفازات للمرأة رغم عدم وجود زينة على الكف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للمرأة أن تلبس القفازات عند وجود الرجال غير المحارم مثل ما إذا خرجت إلى السوق فإن لم تفعل فلتستر يديها بطرف العباءة ولا تبرز اليدين للرجال ينظرون إليهما وذلك لأن هذا يجر الفتنة فكم من نفوس رديئة تعلقت بالمرأة حين يشاهد الرجل كفيها فيعجبانه فتحصل الفتنة.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجب على المرأة عند خروجها أن تلبس القفازين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليها أي على المرأة إذا خرجت من منزلها أن تلبس القفازين ولكن عليها أن تستر الكفين لا سيما إذا كان في إبرازهما فتنة بأن تكون كفاها جميلتين أو عليها خواتم أو ما أشبه ذلك وهذا أعني الستر يحصل بالقفازين تارة وتارة يكون بكم الثوب وتارة يكون بطرف العباءة وقد كان المعلوم من عادة نساء الصحابة رضي الله عنهم أن يلبسن القفازين ولكن لبس القفازين إذا أحرمت المرأة يكون حراما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم لبس القفازات والبرقع بالنسبة للمرأة الذي يوضع على الوجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للقفازات فإنها من عادات نساء الصحابة رضي الله عنهم وهو من كمال الستر والبعد عن الفتنة وأما النقاب فكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبسن النقاب لكن النساء في عهدنا توسعن فصرن لا يقتصرن على خرق يسير تنظر به المرأة وإنما توسعن حتى فتحن فتحة تُرى منها الحواجب وربما بعض الجبهة وربما الوجنة مع تجميل العيون بالكحل لما توسعن بذلك أمسكت عن الإفتاء بجوازه فنحن لا نفتي بجوازه بناء على ما يترتب عليه من الفتنة والاتساع
قد يقول قائل لماذا لا تفتي بجوازه ونساء الصحابة يفعلنه؟
فأقول يجوز أن نمنع المباح خوفا من الوقوع في المفاسد كما منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد منعه من مراجعتها مع أنها كانت تراجع في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر لكن لما تتابع الناس وتهاونوا في الطلاق الثلاث منع عمر رضي الله عنه من مراجعة الرجل زوجته مع أنه كان أصلا مباحاً له ذلك ولهذا أقول ينبغي لأهل العلم أن يكونوا علماء مربين لا علماء مخبرين فقط فتجد بعض الناس يعتمد على قول الفقهاء في مسألة ما دون أن ينظر في عواقبها وما ينتج عنها من مفاسد وهذا لا ينبغي بل ينبغي للإنسان أن ينظر ماذا يترتب على هذا القول أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لمعاذ (أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال الله ورسوله أعلم قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا فقال يا رسول الله أفلا أبشر الناس قل لا تبشرهم فيتكلوا) فمنعه من نشر هذا العلم العظيم المتعلق بالعقيدة خوفا من أن يتكل الناس ولا يعملوا ولا يقوموا بالعمل فكيف بمسألة دون ذلك بكثير يخشى أن يترتب عليها شر كثير لذلك أدعو إخواننا المفتين أن يكونوا علماء مربين وأن ينظروا ماذا ينتج عن الشيء المباح أما الشيء الواجب فلابد من إعلانه ونشره ولا يمكن لأحد أن يكتمه لكن شيء مباح يفتح للناس باب شر عظيم نذهب نخبر الناس به ما الفائدة هذه نقطة تفوت كثيرا من طلبة العلم وهي النظر للعواقب التي تنتج عن الفتوى بشيء لا توجبه الحاجة.
***(22/2)
السؤال: السائلة أم عبد الله من القصيم تقول أنني ألبس البرقع وأحياناً النقاب في التجمعات النسائية من حفلات وزواجات ونحو ذلك أو في النزهات البرية الخالية من وجود الرجال الأجانب أما عندما أكون بحضرة رجال أو في حال الخروج من المنزل والمرور بالرجال أو عند الذهاب إلى السوق فإنني أسدل على البرقع النقاب غطاء لستر العينين ماذا تنصحونني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنصح السائلة أم عبد الله بأن لا تشق على نفسها فإذا كانت في مجتمع نساء أو كانت في برية أو ليس عندها إلا محارمها فإنه لا حاجة للنقاب لجواز كشف الوجه في هذه الحال ولا ينبغي أن تلبس النقاب لأنها إذا لبست النقاب ظن بها سوء فيظن بها أنها متسترة لتأخذ أسرار الناس أو يظن بها أنها متشددة تدخل في دين الله ما ليس منه أما إذا خرجت إلى السوق أو كان حولها رجال ليسو من محارمها فنعم تسدل على وجهها الخمار إما كاملاً وإما أن تضع نظارة سوداء على عينها وتغطي بقية الوجه.
***(22/2)
السؤال: تقول هل لبس البراقع جائز أمام الرجال الأجانب من غير غطاء العين أم لا؟
الشيح: هذا المفهوم من كلامنا الأخير أنه جائز ولا بأس به وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تنتقب المرأة إذا أحرمت) فدل هذا على أن نقابها في غير الإحرام كان من عادتهن في ذلك الوقت فلا حرج على المرأة أن تنتقب في البلاد الأجنبية وتبرز عينيها أما في بلادها التي اعتاد نساؤها أن يسترن وجوههن بدون نقاب فالأولى أن لا تنتقب وأن تستر وجهها كاملاً كما هي عادة بلادها.
***(22/2)
السؤال: ما حكم الحمالات وهي تسمى السنتيانة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحمالات لا بأس بها لأنها نوع من التجمل فإذا كانت المرأة ذات زوج وأرادت أن تفعل هذا لزوجها فليس فيه بأس، أما إذا كانت لم تتزوج صغيرة فأنا لا أحب أن تفعل ذلك لأني لا أود من البنت الشابة التي لم تتزوج أن تجعل لها شغفاً بهذه الأمور وتهيئاً بما يكون سبباً لفتنتها أو الفتنة بها.
***(22/2)
السؤال: يقول في سؤال هل يجوز لبس ملابس مطبوع عليها بعض الصور مثل الأسماك والطيور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يلبس شيئاً فيه صورة سواء كان ثوباً أو سروالاً أو غترة أو طاقية أو فنيلة أو غير ذلك وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) وكذلك لا يحل أن تلبس المرأة حلياًَ على شكل صورة حيوان سواء كان ذلك الحيوان طيراً أم ثعباناً أم غيره للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً وهو أن (الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) .
***(22/2)
السؤال: يقال إن السحاب أو السستة التي يضعها النساء في ملابسهن في الخلف حرام وكذلك الملابس الضيقة وحمالة الصدر والحمرة التي توضع على الشفاه أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحاب الذي يكون من خلف جيب المرأة من خلف لا نرى فيه شيئاً ونرى أنه لا بأس به وأن الأصل في اللباس نوعاً وكيفية الأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه ولا شك أن المعتاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره إلى زماننا هذا أن المعتاد أن يكون الجيب من الأمام ولا يكون من الخلف ولكن كوننا نقول إذا خالف الإنسان هذه العادة يعتبر مرتكباً للحرام أو مرتكباً لمكروه هذا أمرٌ لا يمكن إلا بدليلٍ من الشرع فإذا جاء الدليل الشرعي على أن هذا من المكروه عملنا به وإلا فإن الأصل الإباحة.
أما الملابس الضيقة لا يجوز أن تلبسها المرأة إلا إذا كانت في بيتٍ ليس فيه سوى زوجها وذلك لأن الملابس الضيقة التي تصف حجم الجسم هي في الحقيقة تعتبر ساترة غير ساترة ساترةٌ من حيث الخفاء خفاء اللون لكن ليست ساترة من حيث الحجم فهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ثم ذكر نساءٌ كاسياتٌ عاريات) فهذه المرأة التي تلبس هذا الثوب الضيق الذي يبين مقاطع الجسم هي في الحقيقة ساترةٌ عارية فلا يجوز أن تلبس مثل هذا ما لم تكن في بيتٍ ليس فيه سوى زوجها
وأما الحمالات فلا بأس بها أن تضع المرأة شيئاً يجمل ثديها فإنه لا بأس به إلا أني أرى أنه لا ينبغي للمرأة الشابة التي لم تتزوج أن تلبسه لأنها حينئذٍ ينشأ في نفسها محبة الظهور والافتتان والفتن فلا ينبغي أن تفعل ثم المرأة المتزوجة التي تفعله لزوجها فلا بأس به هذا يعتبر من التجميل
وأما مسألة الحمرة في الشفاه فهي أيضاً من الأمور التي تتجمل بها المرأة كالحناء في اليد ونحوه فالأصل فيه الإباحة ولكني لا أعلم فيه شيئاً أستند فيه إلى القول بالإباحة إلا أن الأصل الإباحة فإن ورد شيء فيه التحريم فالله أعلم.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز لبس الثوب للنساء وموضوع الجيب فيه من الخلف على سحاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تلبس الثوب وموضوع الجيب فيه من الخلف لأن الأصل في مثل هذه الأمور الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه وإن كان المعتاد عند الناس وفيما سبق أنهم يجعلون جيوبهم من الإمام لكن ليس هذا من العبادة التي يجب الاتباع فيها ومادامت ليست من العبادات التي يجب فيها الاتباع فإن الأصل فيها الإباحة وليست أيضاً من خصائص لباس الكفار حتى نقول إن هذا من المشابهة لهم فيمنع من هذه الناحية فلا بأس أن تجعل المرأة جيبها من الخلف.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز وضع السحاب في ثوب المرأة أم هو حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحاب وضعه في ثوب المرأة لا بأس به سواءٌ كان ذلك من الخلف أم من الأمام وذلك لأن الأصل في الملابس الإباحة نوعاً وكيفية إلا ما ورد الشرع بتحريمه.
***(22/2)
السائل: تقول ما حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء مع أني لا أخرج بها إلى غير المحارم وكذلك لبس الملابس التي بها فتحات على الصدر أو من الخلف وبها سحاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس المرأة للملابس الضيقة إذا كان الضيق شديدا بحيث يصف مقاطع الجسم فهو حرام داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال معهم أسياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مكان كذا وكذا) أما إذا كان الضيق لا يصف حجم البدن فإنه لا بأس به وعلى هذا فالضيق على الوصف الأول محرم سواء كان بين النساء أو بين المحارم أو بين الأجانب وأما الضيق اليسير الذي لا يصف حجم البدن فإنه لا بأس به.
أما الفتحات التي تكون على الصدر فإنه إذا كان بين النساء فلا بأس لأن الجيب أحيانا يكون واسعا يبدو منه النحر وأما إذا كان مع رجال أو غير الزوج فلا ينبغي أن تفعله المرأة وهذا إذا كان الرجال من المحارم أما الأجانب فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها عنهم.
***(22/2)
السؤال: يقول يلبس البعض من النساء ملابس مشقوقة من الأسفل أو مفتوحة على الصدر أو تبين شيئا من الأذرع فما حكم ذلك وما حكم لباس الملابس المشقوقة من الأسفل إلى الركبة بالنسبة للنساء ويكون الثوب شفافا أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب أن نعلم أن المرأة مطلوب في حقها الستر والحياء وهي منهية عن التبرج وهو إظهار المحاسن من اللباس أو غير اللباس قال الله تبارك وتعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) وهذا يدل على ذم التبرج حيث أضافه الله تعالى إلى تبرج الجاهلية وكل ما أضيف إلى الجاهلية فهو جهل مذموم فينظر في هذه الألبسة إذا كانت تعد تبرجا يحصل بها الفتنة فإنه منهي عنها ولبسها محرم وأما إذا كان لا يحصل بها التبرج نظرنا إليها من جهة أخرى هل هذه الألبسة تشبه ما يلبسه الرجال من الأكوات وشبهها فتكون محرمة من هذه الناحية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ثم إني أسدي نصيحة إلى نسائنا وإلى أولياء أمورهن ألا يتلقفن كل جديد كلما جاءت موضة أسرعن إليها من حلي أو لباس ظاهر أو لباس باطن لأن في ذلك إثراء لمصانع قد تكون مصانع غير مسلمين وفي ذلك أيضا إنهاك لمالية الزوج إن كانت ذات زوج أو لماليتها إن لم تكن ذات زوج أو لمالية أبيها أو من تلزمه نفقتها ومن المعلوم أن التجار إذا رأوا النساء تنهمك في كل موضة جديدة أنهم سيغيرون الموضات بين كل وقت وآخر قريب منه حتى يكسبوا الربح وهذه مسألة اقتصادية عامة ينبغي النظر إليها بجد لا من جهة المسؤولين عن البلد عموما ولا من جهة المسؤولين عن النساء خصوصا كراعي البيت فإنه مسؤولٌ عن رعيته ثم إن في تلقف هذه الموضات كثرة خروج النساء للأسواق لتنظر ماذا حدث من جديد في هذه الموضات فيحصل كثرة دوران النساء في الأسواق وربما تعرضن للفتنة أو يعرضن غيرهن للفتنة ثم هناك مفسدة تضاف إلى ما سبق وهي أن هذه الموضات قد يكون تحصيلها سهلا على من أغناهن الله لكنه يكون صعبا على من ضيق الله عليهم الرزق فيحصل انكسار القلب إذا رأت المرأة زميلتها تلبس هذا اللباس وهي باقية على اللباس الأول فنصيحتي لأخواتي ولرعاتهن من الرجال أن يلاحظوا هذه المسألة والله الموفق.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم لبس البدلة بالنسبة للفتيات الصغار اللاتي في السنة الأولى من العمر إلى سن العاشرة وكذلك لبس الملابس الضيقة للفتيات الصغار والكبار جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما النساء الكبار فلباس البنطلون والألبسة الضيقة تدخلها في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٍ عارياتٍ مميلاتٍ مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) والعياذ بالله وأما البنطلون فيزيد أيضا أن فيه تشبهاً بالرجال ويزيد أيضاً أننا لا نأمن أن الذين يريدون لهذا البلد المحافظ على دينه أن ينسلخ من أخلاقه كما انسلخت بعض البلاد الأخرى لا نأمن هؤلاء أن يوردوا علينا بناطيل للنساء من جنس جلد المرأة ورقته ويكون هذا البنطلون ضيقاً حتى إذا لبسته المرأة صارت كأنها عارية تماماً لأننا نعلم أن أهل الشر يريدون إفساد أهل الخير بكل ما يستطيعون نسأل الله أن يكفينا شرهم ويجعل كيدهم في نحورهم فالبنطلون محرم فيما نرى من وجوه:
الوجه الأول أنه تشبه بالرجال
الوجه الثاني ضيقه
الوجه الثالث أنه ذريعة لمفسدةٍ عظيمة لا يعلم مداها إلا الله عز وجل
أما إلباس الصغيرات مثل هذه الألبسة فهو أهون لكن فيه مفسدة وهذه المفسدة أن المرأة إذا تعودت هذا اللباس وهي صغيرة نزع منها الحياء وصارت لا تبالي أن تتبين عورتها بالرؤية أو بالحجم فتعتاد هذا اللباس وفي النهاية تبقى عليه ولو بلغت.
***(22/2)
السؤال: تقول أنا فتاة جميع ملابسي فيها سحاب وقصيرة فهل هذا حرام كما يعتقد البعض وكذلك الأظافر الطويلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السحاب لا بأس به فإنه نوع من الأزارير والأصل في العادات والألبسة والأطعمة والمساكن الأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه ولا أعلم تحريماً للسحاب سواء كان من الأمام أو من الخلف وأما مسألة قصر الأكمام أو قصر الثياب فإنه إذا لم يكن في البيت رجل من غير محارمها فلا بأس به إلا إذا كانت هذه الثياب على شكل يختص بالكفار فإنه لا يجوز لأن ذلك من التشبه بهم وأما إذا كان في البيت من ليس من محارمها كأخي زوجها وعمه وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز لها أن تلبس ثيابا قصيرة تبدو منها سيقانها وأذرعتها وما أشبه ذلك. أما بالنسبة للأظافر فإن هذا خلاف السنة وخلاف الفطرة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من الفطرة تقليم الأظفار فمخالفة ذلك مخالفة للفطرة وإن كان المقصود به أن يتشبه الإنسان بغير المسلمين فإن هذا محرم عليه لأن من تشبه بقوم فهو منهم والسنة أن تقص الأظافر وقَّد وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فيها ألا تترك فوق أربعين أي فوق أربعين يوماً فالحد الأقصى أربعين يوماً وإلا فكلما طالت تؤخذ ولكنها لا يتجاوز بها أربعين يوماً.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم لبس الكم القصير عند النساء أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن المرأة تلتزم الحشمة وتلبس ثوبا فضفاضا واسعا وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن لباس نساء الصحابة في البيوت القميص الذي يستر ما بين كف اليد إلى كعب الرجل وهذا هو الذي يليق بالمرأة المسلمة أن تكون بعيدة عن التهتك الذي قد يؤدي إلى الفتنة وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم قال (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وإنني بهذه المناسبة أنصح أخواتي المسلمات عن تلقي كل موضة ترد من خارج هذه البلاد في اللباس فإنها إما جاءت من شعوب كافرة أو من شعوب استعمرها الكفار مدة طويلة وأثروا في عاداتها فنحن والحمد لله في هذه الجزيرة على أحسن ما يرام من اللباس فلنقتصر عليه ولنبتعد عن هذه الموضات ثم إن بعض الجاهلات من النساء كلما جاءت موضة اشترتها وتركت الأول ولو كان جديدا وأحذر النساء من مطالعة المجلات التي تعرض هذه الأزياء فإنها لا خير فيها يزينها الشيطان في قلب المرأة حتى تصنع مثل ذلك أو تستأجر من يصنع لها مثل ذلك وإذا رآها النساء تتابعن على هذه الموضة الجديدة.
***(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ هل لبس الأكمام القصيرة بالنسبة للمرأة أو ما يسمى بالغير ساتر أمام النساء هل هو حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن المرأة تلتزم بالحشمة والبعد عن التبرج وحَسَب التطور أن النساء إذا فتح لهن شيء من المباح تدرجن بذلك إلى المحرم فلو رخصنا لهن بإخراج الذراع أمام النساء لتدرجت الحال إلى إخراج العضد وربما إلى لباس يبدو منه الكتف وحصل بذلك التبرج المذموم فعلى المرأة أن تكون كما كان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستر إلى كفيها في اليدين وإلى كعبيها في الرجلين فقد ذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله أن هذا لباس نساء الصحابة رضي الله عنهم وكفى بهن أسوة وقدوة.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم ما رأيكم في الكم القصير بالنسبة للمرأة إذا كانت عند والدها وأخوتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن النساء يعتدن على اللباس الساتر من الكعب إلى الكف وذلك لأن المقام مقام عظيم والخطر خطر جسيم وإذا فتح للمرأة أن تقصر من أكمامها أو من ثيابها فإنها تتدرج من هذا المرخص فيه إلى أمر لا رخصة فيه كما رأينا ذلك في مسائل كثيرة حيث يفتح للناس الباب في أمر يهون فيه التوسع ثم لا تلبث إلا يسيراً حتى ترى أموراً منكرة مبنية على هذه الرخصة لكن إذا كانت المرأة في بيتها في شغل وقد فسرت عن أكمامها حتى بدت ذراعها وليس حولها إلا محارمها فإن هذا لا بأس به لأن الذراع بالنسبة إلى المحارم ليس بعورة.
***(22/2)
السؤال: تقول هل صحيح أن من تظهر ساعديها من النساء وهي في البيت يوم القيامة تحترق ساعداها مع العلم أننا قد فصلنا ملابسنا بعض الأكمام إلى المرفقين نرجوا توضيح الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما هذا الجزاء وهو أن الساعدين تحترقان يوم القيامة فلا أصل له وأما الحكم في إظهار الساعدين لغير ذوي المحارم والزوج فإن هذا محرم لا يجوز أن تخرج المرأة ذراعيها لغير زوجها ومحارمها وإن كان بعض أهل العلم يخالف في هذا ويقول ما جرت العادة به في هذا الأمر فلا بأس أن تخرجه المرأة ولكن في هذا نظراً لأننا لو اتبعنا الأعراف في مثل هذه المسألة لكنا نخضع لأعراف الأوربيين وغيرهم من الذين تتكشف نساؤهم بحجة أن هذا من العرف الذي لا تستقبحه النفوس ولا تراه عورةً فعلى المرأة أن تحتشم وأن تحتجب ما استطاعت وأن تستر ذراعيها إلا إذا كان البيت ليس فيه إلا زوجها ومحارمها فهذا لا بأس بإخراج الذراعين.
ولا بأس أن تبقى هذا الثياب المخيطة على هذا الوضع وتلبس للزوج والمحارم ويفصل ثيابا جديدة إذا كان في البيت من ليس محرماً لها كأخي زوجها وما أشبه.
***(22/2)
السؤال: ما حكم لبس الكم القصير بالنسبة للمرأة إذا كان يصل إلى المرفقين أو يعلو عنه قليلاً.
فأجاب رحمه الله تعالى: لبسها ذلك في البيت وعند النساء لا بأس به ولكن مع هذا أنصح النساء من متابعة الأزياء التي ترد إلى بلادنا والتي لا يريد بها موردوها النصح لهذه البلاد هذه البلاد ولله الحمد اعتادت على لباس الحشمة والتستر والبعد عن التهتك والتبرج بالزينة لكنها أعني بلادنا مغزوة محسودة على ما هي عليه من التمسك فأنصح النساء وأولياء أمورهن من أن ينسابوا وراء الأزياء الواردة التي تبعد المرأة عن لباس الحشمة وعن ما اعتادت عليه من الألبسة التي فيها البعد عن الفتنة.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز تطويل ثوب المرأة من تحت القدم بحوالي خمسة سم أفيدونا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تنزل ثوبها إلى أسفل من الكعب بل إن هذا هو المشروع في حقها من أجل أن تستر بذلك قدميها فإن ستر قدمي المرأة أمرٌ مشروع بل واجبٌ عند أكثر أهل العلم فالذي ينبغي للمرأة أن تستر قدميها إما بثوبٍ سابغ وإما بلباس شرابٍ أو كنادر أو شبهها.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز لبس الثوب للنساء وهو يسحب على الأرض أم لا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لها ذلك بل يشرع لها أن تلبس ما يغطي قدميها ولها أن تزيد إلى ذراع كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الثياب الرفيعة والتي تبدو منها القدمان وأطراف الساقين فإن هذا ليس من اللباس المأمور به بل هو من اللباس الذي يُنهى عنه.
***(22/2)
السؤال: تقول ما الحكم في لبس الكعب العالي مع العلم بأنه لا يصدر صوتاً مطلقاً فهي تلبسه في المناسبات فقط وما الحكم إذا أصدر الحذاء صوتاً خفيفاً غير ملفت للنظر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكعب العالي لبسه من التبرج بلا شك لأنه يرفع المرأة وهو مضرٌ لعقب الرجل لأنه يرفعه عن مستواه الطبيعي فهو مذمومٌ شرعاً وطباً ولهذا نهى عنه كثيرٌ من الأطباء من ناحية طبية فضلاً عن كونه مذموماً من الناحية الشرعية لأنه من التبرج فإن كان له صوت كان أقبح وأقبح وعلى المرأة أن تلبس النعل المعتاد الخاص بالنساء ولا يجوز لها أن تلبس النعال الخاصة بالرجال لأن ذلك من التشبه بالرجال وقد (لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهات من النساء بالرجال) .
***(22/2)
السؤال: تقول السائلة ما حكم لبس الحذاء ذو الكعب العالي سواءٌ كان عالياً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكعب إذا لم يكن عالياً ملفتاً للنظر فلا بأس به وإن كان عالياً ملفتاً للنظر فإن أقل أحواله أن يكون مكروهاً ولو قيل إنه محرمٌ لكان له وجه لأنه من التبرج بالزينة ثم إنه حسب كلام الأطباء أنه مضرٌ بالرِّجل لأن الله تعالى خلق الرجل متساوية فإذا كان الملبوس ذو كعبٍ عالٍ لزم أن يكون العقب مرتفعاً وحينئذٍ يختل توازن الأعصاب التي في القدم فتتضرر المرأة بذلك ولهذا نصيحتي لأخواتي أن يدعن هذا اللباس سواءٌ قلنا إنه مكروه أو حرام لما فيه من الضرر البدني على المرأة ثم إني أنصح أخواتي بعدم اتباع كل موضة كلما جاء شيء من الثياب أو السراويل أو الفنائل أو النعال أو الخفاف ذهبت المرأة تشتريه ولو كان الذي عندها صالحاً للاستعمال وهذا من نقص العقل والسفه وفيه إضاعةٌ للمال وفيه تعلق القلب بكل ما يأتي من جديد وليعلم أن أعداءنا قد يقصدون بتنويع هذه الأشياء إلهاء المسلمين عن شؤون دينهم ودنياهم التي هي أنفع من ذلك فيكون الإنسان ليس له هم إلا تلقف ما يأتي من موضات والاشتغال بتبديلها وتغييرها وربما الإنسان يكون قليل ذات اليد فيستدين لهذا الغرض هذا مع أن في ذلك إثراء لاقتصاد أعدائنا لأن كلما كثر بيعهم كثر مالهم فكنا نثري اقتصادهم ونضر اقتصادنا.
***(22/2)
السؤال: تقول إن البعض من الناس يقولون إنه لا يجوز الجلوس على السجادة لأن فيها رسم للكعبة ويجلس عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضا لا حرج فيه أي لا بأس أن تضع سجادة وتجلس عليها ولو كان فيها صورة الكعبة أو صورة حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الجالس لا يريد بهذا امتهان الكعبة ولا امتهان حجرة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وليست هذه حجرة قبر النبي حقيقة ولا الكعبة حقيقة.
***(22/2)
السؤال: تقول حدثونا عن ثوب الشهرة عن كيفيته وصفته حتى نتجنبه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثوب الشهرة ليس له كيفية معينة أو صفة معينة وإنما يراد بثوب الشهرة ما يشتهر به الإنسان أو يشار إليه بسببه فيكون متحدث الناس في المجالس فلان لبس كذا فلان لبس كذا وبناء على ذلك قد يكون الثوب الواحد شهرة في حق إنسان وليس شهرة في حق الآخر فلباس الشهرة إذن هوما يكون خارجا عن عادات الناس بحيث يشتهر لابسه وتلوكه الألسن وإنما جاء النهي عن لباس الشهرة لئلا يكون ذلك سببا لغيبة الإنسان وإثم الناس بغيبته.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة أن تلبس في ليلة زفافها لباس أبيض أو ما يسمى بالفستان الزفاف فيعتبر هذا تشبهاً بالنصارى علماً أن معظم نساء المسلمين في هذا الوقت يرتدين مثل ذلك في ليلة الزفاف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الثياب البيضاء للمرأة إذا لم تكن خياطتها على شكل خياطة لباس الرجل لا بأس به بشرط إلا تخرج به إلى الأسواق لأن خروجها به إلى الأسواق يعتبر من التبرج بالزينة وأما لبس ذلك عند الزواج فهو أيضاً لا بأس به إذا لم يكن فيه تشبه بالنصارى أو غيرهم من الكفار فإن كان فيه تشبه فإنه لا يجوز ويزول التشبه بتغير تفصيله إذا غير تفصيله حتى صار لا يشبه ثياب النصارى فإنه يزول التشبه بذلك وكذلك ذكر أهل العلم أنه إذا صار اللباس شائعاً بين المسلمين والكفار فإنه يزول التشبه بينهم حينئذ لأن المرء إذا لبسه لم يلبس لباساً مختصاًَ بغير المسلمين.
***(22/2)
السؤال: يقول هل لبس الثياب البيضاء وارد في السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الألوان في الثياب كلها جائزة ما عدا الأحمر الخالص فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه لكن اللباس الأبيض أفضل من غيره ولا بأس أن يعدل الإنسان عنه إلى لباس شيء ملون بلون آخر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس الحلة الحمراء يعني التي أعلامها أي الخطوط التي فيها حمر.
***(22/2)
السؤال: تقول فستان الزفاف الذي تلبسه المرأة عند زفافها هل يعتبر ثياب شهرة وهل هذا محرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا تحريماً لكن بشرط أن لا يكون في المحل رجال أما إذا كانت نساء فقد أصبح الثوب المذكور من الزينة التي تتزين بها المرأة في ليلة العرس ولا حرج فيها.
***(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ أسأل عن ثوب الزفاف وخاتم الخطوبة والتشريعة ما حكمهم في الشرع في نظركم بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثوب الزفاف جائز إذا لم يكن لفعل محرم وذلك لأن الأصل في اللباس عيناً وكما وكيفية الأصل فيه الحل فيلبس الإنسان ما شاء من عينة الثياب ويلبس الثياب على أي كيفية شاء هذا هو الأصل ما لم يوجد ما يخرج عن هذا الأصل مثل أن يلبس لباس على زي لا يفعله إلا الكفار فحينئذ لا يجوز للإنسان أن يلبس لباسا على زي لا يفعله إلا الكفار لأنه يقع حينئذ في التشبه بهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من تشبه بقوم فهو منهم) وكذلك لا يجوز للمرأة أن تلبس لباسا لا يلبسه إلا الرجال ولا يجوز للرجل أن يلبس لباسا لا يلبسه إلا النساء لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) وإذا خلا الزي عن محرم فالأصل فيه الحل وعلى هذا فلباس الزفاف الذي يلبسه النساء الآن وهو الأبيض الفضفاض الواسع لا بأس به ولا حرج فيه لأن هذا هو الأصل ولا نعلم أن في ذلك مشابهة للمشركين والكفار كما أن لا يشبه ثياب الرجل وأما الشرعة فالشرعة على نوعين:
النوع الأول أن يكون الزوج مع الزوجة على المنصة فهذه حرام ولا يحل فعلها ولا يحل للزوج أن يفعل ذلك ولا لأهل الزوجة أن يمكنوه من هذا الفعل فإن ظهور الرجال أمام النساء في هذه الحال فتنة عظيمة
أما النوع الثاني من الشرعة فهي أن تقوم الزوجة وحدها فقط على المنصة أمام النساء فهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأنه ليس فيه محظور وإن قدر أن فيه محظور فالحكم يدور مع علته فإنه يمنع لكن لا يتبين لنا أن في ذلك محظورا وعلى هذا فيكون قيام المرأة في المنصة أمام النساء لا بأس به والله الموفق
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيك بالنسبة لخاتم الخطوبة فضيلة الشيخ.
فأجاب رحمه الله تعالى: أما خاتم الخطوبة فالأصل أن الخواتيم جائزة لكن نظرا إلى أن هذا الخاتم يقال أنه تلقن من عادات النصارى فإذا ثبت هذا تجنبه أولى.
***(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ ما حكم ما يسمى بالتشريع للفتاة أثناء الحفل بين النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تشريع المرأة ليلة الزواج إذا كان على الوجه الذي لا يتضمن محظوراً فلا بأس به مثل أن يؤتى بالمرأة المتزوجة وعليها ثيابٌ لا تخالف الشرع وتجلس على منصة حتى يراها النساء وليس في النساء خليطٌ من الرجال وليس مع المرأة زوجها فإن هذا لا بأس به لأن الأصل في غير العبادات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه أما لو كانت المرأة هذه تأتي إلى النساء ومعها زوجها أو يكون في محفل النساء رجال فإن ذلك لا يجوز لأن هذا يتضمن محظوراً شرعياً ثم إنه من المؤسف أنه في بعض الأحيان أو من عادات بعض الناس أن يحضر الزوج مع الزوجة في هذه المحفل وربما يقبلها أمام النساء وربما يلقمها الحلوى وما أشبه ذلك ولا شك أن هذا سخافةٌ عقلاً ومحظورٌ شرعاً أما السخافة العقلية فلأنه كيف يليق بالإنسان عند أول ملاقاة زوجته أن يلاقيها أمام نساء يقبلها أو يلقمها الحلوى أو ما أشبه ذلك وهل هذا إلا سببٌ مثيرٌ لشهوة النساء لا شك في هذا وأما شرعاً فلأن الغالب أن النساء المحتفلات يكن كاشفات الوجوه بارزات أمام هذا الرجل وفي ليلة العرس ونشوة العرس يكن متجملات متطيبات فيحصل بهن الفتنة وربما يكون في ذلك ضرر على الزوجة نفسها فإن الزوج ربما يرى في هؤلاء المحتفلات من هي أجمل من زوجته وأبهى من زوجته فيتعلق قلبه بما رأى وتقل مكانة زوجته عنده وحينئذٍ تكون نكبة عليه وعلى الزوجة وعلى أهلها فالحذر الحذر من هذه العادة السيئة ويكفي إذا أرادوا أن تبرز المرأة وحدها أمام النساء كما جرت به العادة من قديم الزمان في بعض الجهات.
***(22/2)
الحجاب(22/2)
السؤال: زوجة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عام وعندها مجموعة من الأطفال وتحمد الله أنها متدينة وتلبس الحجاب الشرعي منذ شهرين بعد أن أصبحت تستمع إلى هذا البرنامج المفيد نورٌ على الدرب وعرفت من فضيلتكم أن الحجاب الشرعي واجب وكان السبب في لبس الحجاب هو إرشادكم الكريم جزاكم الله خيرا وهذا البرنامج الطيب وزوجها شجعها على لبس الحجاب ولكنها تواجه بعض الصعوبات والضغوطات من قبل الناس والجيران حيث يقولون إن هذا العمل قلة عقل والحجاب الشرعي غير واجب وجاء فقط لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم تقول حاولت أن أفهمهم أن لبس الحجاب واجب لكن دون جدوى وأنا أعاني من ذلك وأشعر أحياناً بأنني ضعفت أمامهم ووصلت معهم إلى طريقٍ مسدود إلى أن قالوا لي اتركي الحجاب وأنا حزينة لأنه لا يوجد فيهم إنسان يتكلم فيهم كلمة خير فهل من كلمة لهؤلاء الناس مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إني أهنئ هذه الأخت السائلة التي من الله عليها بالاهتداء في ارتداء الحجاب الشرعي الذي منه تغطية الوجه بل هو أهمه وأما ما يحصل لها من الأذية من قولهم إن هذا جنون فلا تتعجب من هذا فقد قيل عن الرسل عليهم الصلاة والسلام مثل هذا وأشد قال الله عز وجل (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) فلتصبر ولتحتسب ولتعلم أن كل شيءٍ أصابها بسبب تمسكها بدين الله فإن ذلك رفعةٌ في درجاتها وخيرٌ لها في الدنيا والآخرة ولا تكن كمن قال الله فيهم (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) أما أولئك القوم الذين ينهون عن المعروف فما أعظم خسارتهم وهم محادون لله ورسوله لأن كل من نهى عما أمر الله به ورسوله فهو محادٌ لله ورسوله
وأما قولهم إن هذا الحجاب خاصٌ بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول إذا كانت نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مأموراتٍ بالحجاب وهن أشد النساء عفة وأبعدهن عن الفتنة فمن دونهن من باب أولى وعلى هذا فالاستدلال بذلك صحيح على أننا لا نسلم أن هذا خاصٌ بنساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(22/2)
السؤال: يقول أنا شابٌ في مقتبل العمر وفقني الله بإكمال نصف ديني حيث صممت على الزواج وندمت على فوات ما مضى من عمري دون زواج وهاأناذا أستعد له وبعد أن خطبت الزوجة الصالحة إن شاء الله وذلك طبعاً بموافقة أبوي وكنت على نقاشٍ حادٍ مع والدتي الحبيبة وقد تعرضنا في حديثنا عن الحجاب فقلت لها يا أماه إنني أعتزم أن أحجب زوجتي عن إخواني فثارت أمي وغضبت مني وقالت لِمَ تفعلُ ذلك فأنت تعلم أن إخوانك طيبون ولا يعرفون الرذيلة وأخلاقهم عالية فإن الحجاب يجعلهم ويجعلنا جميعاً في حرج وإذا اجتمعنا في مكانٍ ما لا نستطيع الذهاب والقيام برحلات ونزهات مع بعضنا البعض فهي تقصد من ذلك أن الحجاب يضايق الجميع فنحن عائلة واحدة ويجب أن تكون العائلة مع بعض حاولت جاهداً أن أقنعها وبأن ذلك لا يجوز فلم أستطع وأرجو التوجيه لي ولوالدتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بعد فإننا نشكر الأخ على هذا الأدب الرفيع والخلق الفاضل ألا وهو التأدب بالآداب الإسلامية التي شرعها الله تبارك وتعالى لعباده فيما يتعلق بالنساء ونقول له إنما ذهبت إليه هو الصواب من أنه يجب على زوجتك أن تحتجب عن إخوانك وإن كانوا على مستوى رفيع من النزاهة والعفة فإن ذلك لا يضرهم شيئاً إذا احتجبت عنهم لأنها قائمةٌ بأمر الله ومن كمال عفتهم ودينهم أن يوافقوها على ما تريد وألا يجزعوا مما صنعت
ونصيحتنا لأمك هي أن تصبر على هذا الحكم الشرعي وأن تعلم أن العاقبة للمتقين لا بالنسبة لها ولا بالنسبة لك ولا بالنسبة لزوجتك ولا لإخوانك فإذا التزمت العائلة بشريعة الله تعالى في هذا الباب وغيره فإن ذلك خيرٌ لها وأسعد لها في دينها ودنياها
وبالنسبة للحجاب الإسلامي الذي أشرت إليه في آخر خطابك فالحجاب الإسلامي يشمل حجب الوجه والكفين أيضاً عن غير المحارم ولكن نظراً لأن المرأة في البيت محتاجةٌ إلى إبداء كفيها لأشغالها فإنه لا بأس أن تبرز كفيها في بيتها ولو كان عندها أخوة الزوج لأن ذلك لا يثير الشهوة غالباً ولا يسلم التحرز منه من المشقة المنافية للشرع أما بالنسبة للوجه فإنه لا يضرها إذا احتجبت ولا يشق عليها ذلك لا سيما إذا اعتادت فإن الذين يعتادون هذا لا يعبئون به ولا يرونه ضيقاً ولا حرجاً ولا سوء ظنٍ بمن يحتجبون عنه لهذا نقول قم بالواجب عليك بالنسبة لزوجتك وسيجعل الله لك العاقبة فإن من يتق الله تعالى يجعل له من أمره يسرا
***(22/2)
هل العباءة هي الزي الشرعي للمرأة وإن كان هو الزي الصحيح فأين الخمار الذي يغطي الصدر الذي تحدثت عنه الآية الكريمة (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) أرجو توضيح ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخمار موجود على الرأس ولا مانع من أن يكون على الرأس غطاءان أحدهما الخمار والثاني العباءة وهذا هو الذي جرت به العادة عند النساء في هذا البلد في قديم الزمان خمار وفوقه العباءة.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للبنت التي لم تتزوج بعد أن تكشف عن وجهها وكفيها أمام الناس أو في الشارع أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للبنت التي لم تتزوج ولا للمتزوجة أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب سواء في السوق أو في المسجد أو في الحج أو في العمرة أو في أي مكان أو في أي زمان وذلك لأن العورة محل فتنة وذريعة إلى التعلق بهذه المرأة ثم الاتصال بها ثم فعل الفاحشة والعياذ بالله ومعلوم أن ذرائع الشر يجب سدها ولهذا قال الله عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) فالنهي عن القربان نهي عن كل ذريعة ووسيلة تؤدي إليه فالنهي عن قربان الزنى نهي عن كل وسيلة أو ذريعة توصل إليه وعلى هذا فالواجب على المرأة إذا بلغت سنا تتعلق بها الرغبات الواجب عليها أن تستر وجهها وأن تصون نفسها عن مواقع الريب والفتنة وأن تتقي الله عز وجل في نفسها وفي غيرها أيضا فإن غيرها إذا رأى وجهها ولاسيما إن كانت جميلة فإنه سيتعلق قلبه بها ويفتتن بها نسأل الله السلامة.
***(22/2)
السؤال: أنا أدرس في جامعة في كلية الطب وهي كلية شاقة وتحتاج الدراسة إلى سبعة سنوات ومنذ سنوات أكرمني الله عز وجل وهداني إلى ارتداء الحجاب فأنا أقوم بارتداء بالطو أراعي فيه حسب ما أستطيع شروط الزي الإسلامي وأضع غطاء علي رأسي ولكن لا يستر وجهي ومشكلتي هي عدم استطاعتي ستر وجهي فوالدي يرفضان تماماً هذه الفكرة حيث إن عدد الفتيات التي أكرمهن الله بتغطية وجوههن في بلدنا قليل جداً وهي فئة ينظر إليها بعين الاستغراب والاحتقار وكنت قد وضعت في قلبي أني إن شاء الله تعالى أغطي وجهي عندما يوفقني المولى بالزواج من أخ ملتزم ولكن أخشى أن توافقني المنية قبل ذلك فإني فأرجو الإفادة في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على المرأة أن تبادر بالتزام أحكام الإسلام جميعها حسب استطاعتها لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ومن الآداب الإسلامية التي جاء بها الشرع تغطية المرأة وجهها ويديها لما في إبدائهما من الفتنة من المرأة وفي المرأة أيضاً وليس هذا محل سرد النصوص الدالة على وجوب ستر الوجه واليدين أو الكفين ولكني أقول لهذه المرأة إن الواجب أن تبادر بالتزام أحكام الإسلام غير مباليةٍ بأي شي يطرأ عليها من أجل ذلك ما لم يكن عليها في ذلك ضرر بحيث لا تستطيع أن تنفذ الحكم الشرعي وتكون داخلة ضمن قول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فحينئذ يسقط عنها ما تعجز عنه من الواجبات وأما كونها تنتظر حتى توفق بزوج ملتزم فإن هذا لا يجوز لأنها لا تدري هل يمكنها ذلك أو تموت قبل أن توفق بهذا الزوج الذي تترقبه فالواجب عليها المبادرة إلى فعل ما أوجبه الله سبحانه وتعالى من تغطية الوجه واليدين عن الرجال الأجانب. وإرضاء الوالدين في معصية الله تعالى لايجوز بل إرضاء الله تعالى فوق كل رضا فإذا كانت نساء البلدة لا يحتجبن فهذا ليس بعذر شرعي عند الله عز وجل أن تبقى هذه المرأة تابعة لنساء البلدة.
***(22/2)
بشير يوسف يقول رجل متزوج وله أبناء وزوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أننا ننصحه بأن يتقي الله عز وجل في أهله وأن يحمد الله عز وجل حيث يسر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمل الرجل المسئولية في أهله وقال (الرجل راعٍ في بيته ومسئول عن رعيته) فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم يكون سبباً للفتنة بها ومنها فليتق الله تعالى في نفسه وليتق الله في أهله وليحمد الله تعالى على نعمته أن يسر له مثل هذه المرأة الصالحة وأما بالنسبة إليك فإنه لا يحل لك أن تطيعيه في معصية الله أبداً لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
***(22/2)
السؤال: تقول أنا فتاة أبلغ من العمر الثامنة عشرة متحجة ومحافظة على صلواتي والحمد لله ولكن أريد أن أسأل عن الحجاب لأنني أعلم أن الفتاة المتحجبة حرام عليها أن يراها رجل أو شاب وهي سافرة والموضوع أنني كنت مرة في البيت بدون حجاب ودخل أخو زوجة أخي وهو شاب وأنا لا أدري أنه دخل ولم أقصد ذلك فسلمت عليه ثم دخلت وسترت نفسي لأنه مد يده إليّ ولم أعرف ماذا أفعل وتعرضت لهذا عدة مرات ولكن بدون قصد فهل عليّ إثم في هذا أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخو زوجة أخيك ليس محرماً لك ولا يحل له أن يدخل عليك البيت وليس عندك أحد فإن هذا من الخلوة المحرمة قال ابن عباس رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) والحمو أقارب الزوج وأنا أنصح هذا الرجل وأحذره من الدخول على امرأة ليس عندها محرم وإذا دخل بغير علمك فالإثم عليه لكن يجب عليك أن تقولي له اخرج حتى يأتي زوجي ولا يحل لك أن تسلمي عليه وتصافحيه لأن المصافحة للمرأة لمن ليس من محارمها حرام وهذا الأمر مع الأسف أعني مصافحة النساء لمن ليس من محارمهنّ يعتاده كثير من الناس ويتساهلون به وهذا حرام عليهم وليس على المرأة من بأس إذا مد الرجل يده إليها ليصافحها وهو ليس بمحرم ليس عليها من بأس أن تقول له إن هذا حرام لأن هذا من بيان الحق وبيان الشرع وليس على الرجل من بأس إذا مدت المرأة يدها إليه لتصافحه وهو ليس من محارمها أن يقول إن هذا حرام بل إن هذا من بيان الحق وبيان الحق واجب لاسيما إذا كان الناس يفعلون خلاف الحق فإن بيانه حينئذ يكون أمراًَ بمعروف ونهياً عن منكر وعليه فإني أنصحك وأحذرك من أن تعودي لمثل هذا أي تمكينه من الدخول عليك بدون وجود محرم لك أو من تمكينه أن يصافحك وأنت لست له بمحرم ولا فرق في المصافحة بين أن تكون من وراء حائل أو مباشرة الكل حرام.
***(22/2)
المستمعة من سوريا تقول بأنها فتاة تربت في بيت تكره فيه البنت منذ قديم الأزل مع أنني محافظة جدا وملتزمة باللباس الشرعي الجلباب ولكن النظرة للبنت في عائلتنا غير مريحة كما أن والدي دائما يسخر من النساء بقوله ناقصات عقل ودين مما جعلني أكره كوني خلقت فتاة ما رأي الشرع في نظركم في ذلك فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على العبد أن يصبر على ما يبتليه الله به من أفعاله جل وعلا أو من أفعال العباد فعليك الصبر والاحتساب على ما تسمعين أو تحسين به من الإيذاء من الأهل وإني أوجه نصيحة للأهل الذين يحتقرون البنت ولا يرون لها قيمة بأن يتقوا الله عز وجل في البنات وأن يشعروا بأنهن من بنات آدم وأن النساء شقائق الرجال ويجب عليهم أن ينظروا إلى المرأة النظرة اللائقة بها لا وكس ولا شطط وأما إهانة المرأة وازدراؤها واحتقارها والسخرية منها فإن هذا لا يحل ولا يجوز وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) .
***(22/2)
السؤال: أذهب في بعض الأحيان إلى منزل خالي وأنا متحجبة ولكن خالي يكره الحجاب كثيراً ويقول لي بأنك فتاة متأخرة فهل آثم إن خلعت الحجاب عن رأسي أمام خالي علماً بأنه ليس بأجنبي عني أم أبقى متحجبة ولكني أريد أن أخلع حجابي أمامه لأنه يستهزي من الحجاب ومن الشريعة أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخال من المحارم ولا يجب التحجب عنه ولا بأس في كشف ما يبدو غالباً للمحارم سواء كان خالاً أو عماً أوأخاً أو ابناً أو أباً وكل ما يظهر غالباً كالوجه والرأس واليد والذراع والساق والقدم فإنه لا بأس بكشفه للمحارم والذي ينبغي أن تكشفه لخالها ليتبين له أن هذا هوالشرع حتى لا يظن أن الشرع فيه من الشدة ما يجب التضييق على المسلمين.
وأما قوله إن هذا تأخر وما أشبه ذلك فإن هذه اللهجة يلهج بها كثير من أعداء الإسلام يقولون إن الإسلام تأخر وإنه يخنق أصحابه وإنه قيود وأغلال وما أشبه ذلك مما يثيره أعداء الإسلام في الإسلام لينفروا منه وليس هذا بغريب فإن الله تعالى يقول في سورة المطففين: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) فمن حكى الله عنهم , يقولون إنهم لضالون والمتأخرون يقولون إنهم رجعيون اختلف اللفظ واتفق المعنى فما قيل في الأول قيل في الثاني ولا غرابة أن يقال الإسلام قيود وأغلال وما أشبه ذلك وهذا لأنهم يضيقون به ذرعاً ولم يشرح الله صدورهم للإسلام ومن لم يشرح الله صدره للإسلام كمن قال الله تعالى (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) فمن لم يرد الله هدايته لا يعرف نور الإسلام ولا هدايته ولا يعرف ما في أوامره من الخير والمصالح العاجلة والآجلة ولا ما في نواهيه من الشر
الحاضر والآجل فيظن أن الخير هو البعد عن الإسلام وفي الحقيقة أن الخير هو التحرر من قيد النفس والدخول في حظيرة الإسلام.
***(22/2)
السؤال: تقول بأنها فتاة وضعت النقاب على وجهها مؤخرا إلا أنها واجهت معارضات من أقاربها وأهلها مع العلم تقول بأنني ذو جمال متوسط أحد أقاربي قد درس الشريعة قال لي بأن نقاب الوجه غير وارد في الدين الإسلامي وقال إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضعنه على وجوههن هل فعلا نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كن يضعن غطاء الوجه أم لا وجهونا في ضوء ذلك وهل إظهار العينين فيه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن بعض المجتمعات تنكر إنكارا عظيما تغطية الوجه وينكر النقاب أيضا ويلحق النساء الملتزمات من هؤلاء أذى كثيراً سواء من الأقارب أو من الأجانب ولكن على المرأة أن تصبر وتحتسب الأجر من الله وأن تعلم أنها ما أوذيت في الله إلا رفعها الله عز وجل ولا تكن كمن قال الله فيهم (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) (العنكبوت: من الآية10) بل تمضي على ما تقتضيه الشريعة من الحجاب
والحجاب نوعان نوع يغطى فيه الوجه كله ونوع آخر يغطى فيه الوجه وينقب للعينين ما تبصر به والنقاب معروف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر ما تنهى عنه المحرمة ذكر النقاب فقال (ولا تنتقب) وهذا يدل على أن من عادة النساء في ذلك الوقت أن ينتقبن لكن النقاب في قوم محافظين تغطي نساؤهم الوجه كاملا قد يكون به فتنة فإن النساء إذا رخص لهن في النقاب الذي تفتح فيه للعينين ما تبصر به يتوسعن في ذلك فيفتحن فتحة أكبر من فتحة العين وربما يتجاوزن إلى الحواجب وإلى الوجن وربما أبدلن النقاب باللثام فيحصل التوسع ولهذا نحن لا نفتي بجواز النقاب وإن كنا نرى جوازه نظرا لكونه ذريعة إلى ما لا تحمد عقباه وسد الذرائع وارد شرعا وواقع عملا فإن الله سبحانه وتعالى قال (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: من الآية108) فنهى عن سب آلهة المشركين مع أن سبها أمر مطلوب مشروع لكنه جل وعلا نهى عن سبها حتى يسب هؤلاء رب العالمين عدوا بغير علم وهذا دليل واضح على سد الذرائع وكذلك جاءت السنة بسد الذرائع كتحريم ربا الفضل خوفا من الوقوع في ربا النسيئة وجرى عليه عمل الخلفاء الراشدين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع من بيع أمهات الأولاد وهن الإماء اللاتي ولدن من أسيادهن خوفا من الوقوع في المحظور وهو التفريق بين المرأة وولدها ومنع من رجوع المطلق ثلاثا في مجلس واحد من الرجوع إلى زوجته مع أنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الرجل يرجع إلى زوجته إذا طلقها ثلاثا في مجلس واحد لكن هذه الصيغة من الطلاق محرمة ولما تكاثر الناس فيها رأى عمر رضي الله عنه أن يمنع من الرجوع سدا لباب التهاون في الطلاق الثلاث فنحن لا نفتي بجواز النقاب في عصرنا هذا حذرا من التوسع فيه لا لأنه غير جائز شرعاً ولا لأننا نرى أن كشف الوجه هو الصواب فنحن نعارض أشد المعارضة في كشف الوجه ونرى أنه لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها إلا ما دلت السنة على جوازه.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائلة س. ر. من القاهرة تقول أنا أخت لكم في الله في المرحلة الجامعية وكنت قد ارتديت الخمار منذ المرحلة المتوسطة والحمد لله ولقد علمت منذ سنوات مضت بأنه يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها وكنت أسعد كثيرا برؤية الأخوات المنقبات وأتمنى من الله أن يرزقني الحجاب الشرعي وأن أستر جميع بدني وأن ييسر لي ذلك ولكنني لم ألح في الطلب إلا بعد أن ذهبت إلى الجامعة ورأيت فيها من الصحوة الدينية وهنا بدأت في صراع مع نفسي ومع عائلتي فأنا أريد أن أرتدي الحجاب ولكن عائلتي ترفض فأرجو التوجيه نحو ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه نحو ذلك يرجع إلى جهتين:
الجهة الأولى أولئك القوم الذين يرفضون أن تحتجبي الاحتجاب الشرعي فأقول لهؤلاء اتقوا الله تعالى في أنفسكم واتقوا الله تعالى فيمن جعلكم الله أولياء عليهم والواجب على أولياء الأمور إذا رأوا من بناتهم الإتجاه الصحيح إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الواجب عليهم أن يحمدوا الله تعالى على هذا وأن يشجعوا بناتهم على ذلك وأن يروا أن هذا من أكبر النعم عليهم أما أن يقوموا ضد ذلك فإنهم والله آثمون خائنون للأمانة سوف يسألون عما صنعوا فإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فجعل الله وقاية أهلينا علينا كما أن وقاية أنفسنا علينا وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) وأقول لهؤلاء الأولياء إنكم آثمون على ما تفعلون بالنسبة لبناتكم اللاتي يردن الالتزام أما التوجيه الثاني فأقول لهذه المرأة وأشباهها من الملتزمات عليكن بالصبر اصبرن على شرع الله عز وجل واصبرن على الأذى في ذلك فإن الله تعالى قد يمتحن العبد بإيذائه في ذات الله عز وجل كما قال الله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) وقال تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) فأقول لهن اصبرن وارتدين الحجاب وانتقبن لأن النقاب خير من كشف الوجه كله بلا شك وعلى كل حال أقول لهن اصبرن. اصبرن. اصبرن والعاقبة للمتقين وقد وقع منا جواب عن سؤال حول النقاب والسؤال ورد علينا من سائل وقلنا إننا لا نفتي بجوازه وذلك لأننا رأينا أن بعض النساء هداهن الله لما استعملن النقاب توسعن فيه فنقبت المرأة لعينها وجفنها وحاجبها ووجنتها واتسع الخرق على الراقع فقلنا إننا لا نفتي بجوازه ولم نقل إننا نفتي بعدم جوازه لأنه ليس من حقنا أن نفتي بعدم جوازه مع أن ذلك كان من عادات نساء الصحابة ولكننا لا نفتي بالجواز أي أننا نمتنع في الفتوى خوفا من التوسع ولا حرج على الإنسان أن يمتنع من شيء خوفا من التوسع فيه لعمل محرم كما منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجوع إلى المرأة المطلقة ثلاثا لمّا رأى الناس قد تتايعوا في ذلك وكثر منهم الطلاق الثلاث فمنع من إرجاعهن كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان طلاق الثلاث واحدة فلما رأى عمر الناس قد تتايعوا فيه قال أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم) والحاصل أننا نوجه النصيحة إلى أولياء أمور هؤلاء النساء المتحجبات الطاهرات المؤمنات أن يتقوا الله تعالى فيهن وأقول اتقوا الله تعالى فيهن لا تحرموهن هذا الخير لا تمنعوهن من الحجاب الشرعي الذي تحتجب به المرأة كلها عن الرجال الأجانب وأقول للفتيات الطاهرات المحتجبات اصبرن على ذلك والله تعالى يثيبكن ويجعل العاقبة لكن (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) .
***(22/2)
السؤال: تقول أنا دائما أحاول الابتعاد والاحتجاب عن الرجال حتى ولو بالحجاب الشرعي الكامل ولكن أهلي وبعض الناس ينكرون علي ذلك ويقولون بأنك متزمتة فما رأي الشرع في نظركم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اصبري واحتسبي واثبتي على ما أنت عليه من الحجاب الشرعي ولا يضرك قول الناس أنت متزمتة أو متشددة أو ما أشبه ذلك فنسأل الله للجميع معرفة الحق واتباعه أما نصيحتي لأهلك ومن ينكرون عليك فأقول لهم اتقوا الله عز وجل احذروا غضبه لا تنكروا ما جعله الشرع معروفا ولا تنكروا على الشباب الذين بدؤوا والحمد لله يتبعون الطريق الصحيح سواء كانوا من الرجال أو كانوا من النساء وإننا لنسأل الله تعالى أن ينشأ في المسلمين أجيالا صالحة يحكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(22/2)
السؤال: لي زوجة تحافظ علي أمور العقيدة وتحافظ على الصلاة وتقوم بأعمال بيتها على أكمل وجه وتحافظ على نظافتها وتعلم أولادها أحكام الإسلام وتقوم بتربيتهم التربية الإسلامية وأنا راضي عنها إلا أنها لا تريد الالتزام بالخمار الشرعي وتخرج من البيت كاشفة عن وجهها وعن كفيها مع أنني تكلمت معها في ذلك كثيرا إلا أنها تصر على عملها ذلك ماذا يجب علي أن أعمل تجاهها أرشدوني جزاكم الله خيرا ونرجو منكم توجيه نصيحة لها ولمثيلاتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا أحمد الله سبحانه وتعالى أن يكون في نسائنا مثل هذه المرأة المحافظة على دينها وعلى حق زوجها ثانيا أقول لهذه الأخت إن كشفها لوجهها وكفيها يكون سببا في نقص إيمانها لأنه معصية والإيمان ينقص بالمعصية ثالثا أقول إن أمر زوجها بحجاب وجهها حق له وذلك لأنها إذا كشفت وجهها أمام الناس وأمام الرجال الأجانب ربما تكون امرأة جميلة تتعلق بها قلوب المشاهدين لها فيفسدونها عليه فله الحق أن يمنعها من كشف وجهها حتى وإن كانت ممن يرين أن كشف الوجه لا بأس به لأن هذا الأمر حق للزوج لما يخشى فيه من تعلق المرأة بأحد أو تعلق أحد بها وحينئذٍ تفسد عليه ثم إني أقول لهذه المرأة التي يصفها زوجها بما يقتضي أن تكون صالحة لا تثلمي هذا الكمال الذي منّ الله به عليك بمعصية الزوج الذي يأمرك بستر الوجه فإن ذلك حق له وليس لك أن تمتنعي منه حتى وإن كنت ممن يرين أن كشف الوجه جائز وليس معصية لله لكنه معصية لزوجك الذي له الحق في أن يمنعك من هذا كما أن للزوج أن يمنع زوجته نهائياً من الخروج إلى السوق وهذا أبلغ من كونه يأذن لها بالخروج ولكن بشرط الإلتزام بالحجاب.
***(22/2)
السؤال: تقول لي أخ لزوجي من أمه ويريد زوجي أن أجلس معهم وأنا أعرف بأن ذلك محرم ولكن زوجي لا يقتنع لذلك الرجاء منكم توجيه النصيحة له وإفتاءه في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لزوجك أن يسمح لكِ بالكشف عند أخيه من أمه لأنه ليس محرماً لك ولا يحل له من باب أولى أن يجبرك على الكشف له ولو أمرك بهذا فإنه لا يحل لك أن تطيعيه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإني أوجه النصيحة لهذا الزوج وأقول له اتق الله في نفسك واتق الله في أهلك فإن الإنسان يجب أن يكون عنده غيرة على محارمه بحيث لا يعرضها أي المحارم لمعصية الله عز وجل لاسيما فيما يتعلق بهذه الأمور وليُعلم أن أقارب الزوج لا يكون منهم محارم إلا أصوله وهم الأباء والأجداد وفروعه وهم الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات وإن نزلوا هؤلاء هم المحارم من أقارب الزوج وأما من عداهم كإخوانه وأعمامه وأخواله فإنهم ليسوا محارم لزوجته
***(22/2)
السؤال: يقول زوجة أخي تعيش معنا تأكل وتشرب معنا وتعمل كل شيء فهل يجوز لها أن تظهر أمامي بدون حجاب مع أنها تلبس الملابس الفضفاضة وترتدي المنديل على رأسها وأنا أعتبرها مثل أختي وليس لي عليها أي سلطة لإجبارها على لبس الحجاب فهل أنا آثم وأنا أعيش معهم في البيت أرشدوني لهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على زوجة أخيك أن تحتجب عنك احتجابا كاملا كما تحتجب عن رجل الشارع بل قد يكون احتجابها عنك أؤكد من احتجابها عن رجل الشارع لأن الفتنة التي قد تقع بينك وبينها أشد من الفتنة التي تقع بينها وبين رجل الشارع لأنك أنت معها في البيت فلا يحل لها أن تخرج إليك وهي كاشفة الوجه بل يجب عليها أن تستر وجهها أما ظهور كفيها وقدميها فأرجو ألا يكون في ذلك بأس لأن ذلك يشق عليها أن تسترهما.
***(22/2)
السؤال: تقول هذه السائلة يوجد في البيت أخو زوجي وهو متزوج أيضا وله أولاد ونحن نأكل سويا وسؤالي هل يجوز ذلك مع أننا والحمد لله نلبس الجلباب ولكن لا نلبس الشرابات لما في ذلك من الحرج حيث أن المطبخ نحتاج كثيرا للدخول عليه ويأتي إخوة زوجي لزيارة أهلهم فهل يجوز لنا أن نكشف عن وجوهنا مع العلم بأن زوجي أصغر الإخوان وسوف يظل يسكن مع أهلة دائما وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجه هذه السائلة أنه لا يجوز لها أن تكشف وجهها لإخوان زوجها لأن إخوان زوجها ومن كان في الشارع على حد سواء كلهم ليسوا من محارمها فلا يحل لها أن تكشف وجهها لإخوان زوجها أبدا ولا يحل لهم أن يجلسوا جميعا على مائدة واحدة لأن ذلك يستلزم كشف الأكف وكشف الوجوه ولكن يكونوا في حجرة واحدة لا بأس والنساء في جانب والرجال في جانب أما أن يكونوا جميعا على سماط واحد فإن ذلك لا يجوز وهذه العادات التي توجد من بعض الناس عادات سيئة مخالفة لهدي السلف الصالح فعلينا أن نقتدي بمن سبقنا بالإيمان لقول الله تبارك وتعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .
***(22/2)
السؤال: يقول إنه شاب يبلغ السابعة عشر من العمر يقول ولي بنات عمة في سن والدتي وهن قد امتنعن عن الحجاب عني بحجة أنهن كن يلاعبنني في صغري فأنا كأحد أبنائهن لا يستطعن أن يتحجبن عني فماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أوجه نصيحة إلى بنات عمه أن يتقين الله عز وجل وأن يحتجبن عن هذا الرجل فإنه بالنسبة إليهن كرجل الشارع فكما لا يحل لهن أن يكشفن وجوههن لرجل الشارع فإنه لا يحل لهن أن يكشفن وجوههن لابن عمهن هذا حتى وإن كن في حال صغره مربيات له وكأنهن والدات فالعبرة بما جاءت به الشريعة لا بما اعتاده الناس والعبرة بالهدى لا بالهوى هذه واحدة
أما بالنسبة له فعليه أن يغض بصره وألا يجلس إليهن لأنهن في هذه الحال عاصيات ولا يجوز الجلوس مع شخص عاصي إلا من أجل نصيحته وإذا كان هؤلاء النساء لا يمتثلن النصيحة ولا يرعينها ولا يلقين لها بالاً فإنه لا يجوز أن يحضر إليهن وهن كاشفات الوجوه لكن لو فرض أنهن في بيت يسكنه هو وأنه لابد أن يبقى في هذا البيت فعليه أن يغض البصر ما استطاع.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها أمام عم زوجها وهل يجوز لها الزواج منه إذا طلقها الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها أمام عم زوجها ولا أمام أخي زوجها إنما تكشف وجهها لأبي زوجها وجده من قبل الأب أو من قبل الأم ولابن زوجها من غيرها وأبناء أبنائه وأبناء بناته أما أقارب الزوج من غير الأصول والفروع الأصول هم الأجداد وإن علو من قبل الأب أو من قبل الأم والفروع وهم الأبناء وإن نزلوا من أبناء الأبناء أو أبناء البنات هؤلاء هم الذين تكشف لهم الزوجة أما أقارب الزوج سوى أصوله وفروعه فإنهم أجانب منها وبناء على ذلك لو أن الزوج مات عنها أو طلقها فإنه يجوز لأخيه وعمه أن يتزوجها.
***(22/2)
السؤال: تقول هناك من النساء من تتهاون في كشف الوجه أمام إخوة الزوج بحجة أنه ساكن معهم فما توجيه فضيلتكم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نوجه النصيحة لهؤلاء النساء أن يتقين الله عز وجل وألا يكشفن وجوههن لأقارب الزوج إلا المحارم كابن الزوج وأب الزوج وأما أقاربهما أقارب الزوج سوى هؤلاء الأبناء والأباء فإن الواجب عليها أن تستر وجهها عنهم كما تستر عن رجال السوق بل ستر هذا عنهم أوجب لأن هؤلاء أهل بيت يدخلون وربما ينزغ الشيطان بينهم فإذا كانت جميلة فهو يدخل عليها دخولا عاديا ربما يصيب منها ما يصيب من الفحشاء من غير أن يعلم به ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرايت الحمو قال الحمو الموت) يعني فاحذروه وتهاون بعض الناس بهذا غلط فالواجب تقوى الله عز وجل والالتزام بشريعته والبعد عن أسباب الفتن ولو خالف ذلك عادة الناس وما خالف العادة فإن الناس ينكرونه لأول مرة ثم لا يزالون يألفونه شيئا فشيئا فيزول المنكر.
***(22/2)
السؤال: يذكر السائل أنه يجلس في دكان والده للبيع ويأتيه بعض النساء ومنهن الشابات وينظر إليهن من غير قصد وإن كان يريد عدم النظر إليهن فإنما ينظر إليهن لكي يبيع عليهن فما حكم هذه النظرات التي تتفلت منه يقول أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تبارك وتعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) فعليه أن يغض بصره عن هذه النساء اللاتي يأتين إليه وله النظرة الأولى التي تحدث صدفة من غير قصدٍ منه ولكن لا يجوز أن يبقى على هذا النظر لأنه مهما كانت براءة نظرته فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فقد لا يكون عنده شهوةٌ في أول ما يقع نظره على المرأة ثم تحدث له الشهوة أثناء النظر وحينئذٍ يحصل البلاء والفتنة فربما يكثر معها الكلام من غير حاجة تلذذاً بكلامها واستئناساً به وهذا من الأمور المحرمة.
***(22/2)
يقول السائل ما حكم نظر الرجل للمرأة الأجنبية في حال التعامل في البيع والشراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النظر إلى المرأة الأجنبية محرم سواءٌ حال البيع والشراء أم في حالٍ أخرى لعموم الأدلة ولا ينبغي أن يتمادى الرجل في مخاطبتها عند البيع والشراء ولا أن تخضع المرأة بالقول حال بيعها وشرائها مع الرجل لأن الله تعالى قال (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) وأما ما تفعله بعض النساء من كثرة الكلام مع أصحاب الدكاكين والمباسط فهذا خلاف المشروع وفيه فتنة عظيمة وكذلك ما نشاهده من بعض الناس يأتي بأهله إلى الخياطين أو نحوهم ثم يبقى في السيارة ويطلق المرأة تخاطب الخياط أو صاحب الدكان ولا يسمع ما يجري بينهما وهذا في الحقيقة من فقد الغيرة في هذا الرجل وإلا فكيف يسمح لنفسه أن يبقى في السيارة والمرأة تخاطب صاحب الدكان من خياطٍ أو غيره وكان الأولى به إذا كان ولا بد من حضور المرأة أن يقف معها وهي تخاطب الرجل على أن هناك حالاً أكمل من هذا وهو أن تطلب المرأة ما تريد شراءه من ولي أمرها من زوجٍ أو غيره يذهب هو بنفسه بعد أن يأخذ المواصفات من المرأة إلى صاحب الدكان أو الخياط ويتفق معه على ما وصفته المرأة وتبقى هي في بيتها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن بيوت النساء خيرٌ لهن حتى من حضور المساجد فبيوتهن خيرٌ لهن أسأل الله تبارك وتعالى أن يجنبنا جميعاً أسباب الشر والفتنة إنه على كل شيء قدير.
***(22/2)
السؤال: تقول إنني امرأة ملتزمة بالشرع الإسلامي وأحمد الله على ذلك تقول ولكني أشكوا من ضعف البصر وعندما أخرج من المنزل أكون ساترة لجسمي بثوب فضفاض أسود ووجهي مغطى ولا يخرج من ذلك سوى العينين أي أنني منقبة فما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المرأة إذا خرجت إلى السوق أن تستر وجهها عن الرجال وذلك لأن ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم واجب قد دل عليه القرآن والسنة وهو الراجح من أقوال أهل العلم ولكن إذا دعت الحاجة إلى أن تفتح نقباً لعينيها فلا حرج بشرط أن لا يعدو ذلك سعة العين إلا أنه إذا خيف من توسع النساء في هذه المسألة فإنه يجب سد الذرائع الموصلة إلى المحرم وهذه قاعدة أصولية شرعية وهي أن الذرائع الموصلة إلى المحرم يجب منعها قال الله تبارك وتعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أنها حقيقة بالسب وذلك لئلا يكون ذريعة إلى سب الله عز وجل والله عز وجل منزه عن السب وهو أهل للثناء والمجد فإذا كانت المرأة كما ذكرت محتاجة إلى فتح نقب لعينيها فلا بأس به لكن بشرط ألا يكون ذلك ذريعة إلى المنكر بحيث يتوسع النساء في ذلك حتى يفتحن لجزء أكبر يشمل أسفل الجبهة وأعلى الخلد وربما يتوسعن في ذلك توسعاً كبيراً.
***(22/2)
السؤال: أختكم في الله مصابة بضعف في البصر وعندما أسافر ألبس اللثام وأنا من أسرةٍ ضعيفة وزوجي موظف ومرتبه بسيط ولا أقدر على إجراء عملية لوضع العدسات هل يجوز لي أن ألبس اللثام وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بدلاً من اللثام تلبس النقاب وهو الذي تستر به وجهها كله وتفتح لعينيها بقدر ما تبصر به فإن لباس النقاب كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المرأة إذا أحرمت أن تنتقب وإذا نهاها عن النقاب حال إحرامها دل ذلك على أن من عادتهن لبسه ولكن يجب أن لا يتخذ هذا ذريعةً إلى التوسع في لبس هذا النقاب حيث كانت بعض النساء الآن تلبس النقاب لكن لا على وجه النقاب الشرعي الذي كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أن النقاب في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما كان للحاجة ويتقدر بقدرها وكذلك الحاجة موجودة الآن ولا سيما لامرأةٍ كهذه السائلة لكن مع الأسف الشديد أن النساء إذا فتح لهن جب إبرة جعلنه ريعاً وهذا مشكل وما كان ذريعةً إلى المحرم فإنه يمنع منه كما منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجوع الرجل إلى زوجته إذا طلقها ثلاثاً مع أن الطلاق الثلاث كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فلما رأى عمر أن الناس تتايعوا في هذا الأمر وهلكوا به مع تحريمه رأى بثاقب فكره وحسن سياسته أن يمنع الناس من الرجوع إلى زوجاتهم مع أن الرجوع إلى زوجاتهم كان حلالاً وذلك درءاً للمفسدة وسداً للذريعة كما منع رضي الله عنه من بيع أمهات الأولاد وهي السرية التي أتت من سيدها بولد فإن بيعهن كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر ثم منع منه عمر رضي الله عنه لأنه رأى أن الناس يرتكبون بذلك إثماً حيث يبيع سريته ويبقي الولد عنده فيفرق بين المرأة وولدها فنهى عن ذلك مع أنه كان جائزاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر والمهم أن الشيء المباح قد يمنع منه إذا كان ذريعةً إلى شيء محرم ولا سيما إذا كان ذريعةٌ قريبة.
***(22/2)
السؤال: تقول ما هي الصفة الكاملة لحجاب المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصفة الكاملة لحجاب المرأة أن تغطي عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها جميع بدنها هذه هي الصفة الكاملة المتفق على أنها أبعد ما يكون عن الفتنة وأما بالنسبة للمحارم منها فإنها تبرز للمحارم ما يظهر منها عادة مثل الكفين والقدمين وأطراف الساقين وأطراف الذراعين وكذلك الرأس والوجه لأن هذا مما جرت به العادة.
***(22/2)
السؤال: يقول المرأة كلها عورة إلا وجهها يقول فمتى يجوز للمرأة الكشف عن وجهها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن القول بأن المرأة عورة إلا وجهها إنما يصح هذا في الصلاة إذا صلت المرأة الحرة البالغة فإنه يجب عليها أن تستر جميع بدنها ما عدا وجهها إلا إذا مر الرجال الأجانب الذين ليسوا محارم لها وهذا ما نعنيه بالأجانب إذا مروا قريباً منها فإنه يجب عليها ستر وجهها ولو كانت تصلى.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم كشف وجه المرأة وكفيها وهل على الزوج عقوبة إذا تركها كاشفة الوجه والكفين أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب لقول الله تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ) إلى آخر ولقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ولحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرج النساء إلى صلاة العيد حتى الحيض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين وسئل عليه الصلاة والسلام عن المرأة ليس لها جلباب فقال عليه الصلاة والسلام لتلبسها أختها من جلبابها ولأدلة أخرى مذكورة في الكتب المعنية في هذه المسألة ولأن إخراج المرأة وجهها فتنة يفتتن بها من في قلبه مرض وهي أشد فتنة من أن يسمع الإنسان خلخال امرأة مستور في لباسها وقد قال الله تعالى (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) فإذا كانت المرأة تنهى عن أن تضرب برجلها خوفاً من أن يعلم ما تخفي من زينتها فما بالك بإبداء الوجه أليس هذا أعظم فتنة وأشد خطراً والشريعة الإسلامية شريعة منتظمة لا تتناقض ولا يمكن أن تمنع شيئاً وتحل شيئاً أولى منه في الحكم والشريعة الإسلامية جاءت بمراعاة المصالح ودرء المفاسد ولا يرتاب عاقل أن المرأة لو أخرجت وجهها فإنه يترتب على ذلك مفاسد كثيرة منها فتنة المرأة لغيرها وفتنتها من غيرها من الرجال، والمرأة إذا أذن لها بأن تخرج الوجه فلن تخرجه هكذا بل سوف تدخل عليه من التحسينات في العين والشفتين والخدين ما يوجب الفتنة الكبرى من النظر إليها وما وراءها ثم لو فرض أنها تحاشت ذلك كله وأخرجت نصف الوجه فإن ذلك فتنة يفتتن به من في قلبه مرض ولهذا أذن الله للقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ففرق سبحانه وتعالى بين القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً لكبرهن وتحول وجوههن إلى وجوه لا تحصل بها الفتنة وبين غيرهن وإن الإنسان ليعجب إذا قال إنه يجب على المرأة أن تستر قدمها ولا يجب عليها أن تستر وجهها وكفيها فإنه على فرض أنه لم ترد النصوص من وجوب تغطية الوجه فإن من أقر بوجوب ستر القدم يلزمه بالقياس الأولوي أن يقول بوجوب ستر الوجه والكفين لأنهما أولى بالستر من ستر القدمين وهذا أمر إذا تأمله الإنسان وجد أنه لا يسوغ القول بجواز كشف الوجه مع منع تحريم كشف القدم لما في ذلك من التناقض الظاهر بقي أن يقال إن كشف الوجه تحتاج المرأة إليه للنظر في طريقها والجواب عن ذلك أن يقال إن الذين أجازوا كشف الوجه لم يقيدوا ذلك بالحاجة بل أجازوا لها أن تكشف وجهها ولو كانت جالسة في مكانها ثم إن الحاجة تزول باستعمال النقاب الذي كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة المحرمة (لا تنتقب المرأة) فإنه دليل على أن من عادتهن النقاب ومعلوم أن المرأة إذا تنقبت بأن فتحت لعينيها فتحتين بقدر الحاجة سترى الطريق ولكن يبقى النظر أيضاً في مسألة النقاب فإن النقاب وإن كان جائزاً في الأصل لكننا نرى أن بعض النساء والعياذ بالله توسعن به وصارت تجمل عينيها بالكحل الفاتن ثم تفتح نقاباً أوسع من عينها بحيث تظهر الحواجب وربما تظهر الجبهة أو بعضها وربما تظهر الوجنتان والنساء لقلة صبرهن ونقص دينهن لا يقفن على حد في هذه الأمور فلو قيل بمنع النقاب من باب سد الذرائع لكان له وجه لأن سد الذرائع مبدأ شرعي دل عليه الكتاب السنة ودلت عليه سيرة الخلفاء الراشدين ففي الكتاب يقول الله عز وجل (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين مع أنه مطلوب شرعاً سداً للذريعة التي هي سب الله عز وجل وفي السنة أحاديث كثيرة تدل على درء المفاسد ومنع الوسائل إليها والذرائع ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين (سئل عن بيع الرطب بالتمر أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم ونهى عن ذلك) وأما سيرة الخلفاء الراشدين في سد الذرائع فمنها إلزام عمر رضي الله عنه في الطلاق الثلاث إذا طلق الرجل زوجه ثلاثاً فإنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر يكون واحدة ثم إنه رأى الناس قد تعجلوا في هذا الأمر وكان لهم فيه أناة فألزمهم بالطلاق الثلاث ومنعهم من الرجوع إلى زوجاتهم من أجل أن ينتهوا عما استعجلوا فيه فنجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منعهم ما هو حق لهم وهو الرجوع إلى زوجاتهم من أجل سد الذريعة إلى الطلاق الثلاث الذي يستعجلون به ما فيه أناة لهم فإذا منعنا من النقاب فإننا لا نمنعه على أنه حرام شرعاً وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله ورسوله ولكن نمنعه لأنه ذريعة إلى ما يتحول إليه من الفتنة والزيادة عما أحل الله عز وجل
أما بالنسبة للزوج كما وقع في السؤال فعليه أن يمنع زوجته من كشف وجهها ما دام يرى أنه محرم أو أنه سبب للفتنة والزوج قد يغار من أن يتحدث الناس عن زوجته فيقول ما أجمل زوجة فلان أو ما أقبح زوجة فلان ولا يرضى أحد أن تكون زوجته محل للحديث في المجالس يتحدثون في قبحها إن كانت قبيحة في نظرهم أو عن جمالها إن كانت جميلة في نظرهم وهذه أيضاً من الحكم التي تكون في ستر الوجه أن الإنسان يسلم هو وأهله من أن يكون حديث المجالس.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز كشف الوجه للسفر في بلاد أجنبية بأمر زوجي أم لا.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن شريعة الله سبحانه وتعالى لا تختلف في بلاد الإسلام وفي بلاد الكفر وأنها واحدة في هذا وفي هذا وثانياً ينبغي للمسلم أن يكون له قوة وعزيمة وشخصية بارزة يفرض على غيره ما يقتضيه دينه وإذا كان هؤلاء الأجانب يأتون إلينا في ثيابهم وعلى حسب عاداتهم فلماذا لا نأتي إليهم نحن بثيابنا التي هي مقتضى شريعتنا ليس الحجاب من باب الأمور التقليدية التي تختلف في زمن دون زمن وفي بلاد دون بلاد ولكن الحجاب من الأمور الشرعية التي أوجبها الله سبحانه وتعالى في كتابه وكذلك دلت السنة على ذلك وعليه فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها في بلاد أجنبيه ولا في غيرها ولو أمرها زوجها بذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثالثاً نقول إنه ينبغي على الزوج أن يكون غيوراً على زوجته حريصاً على حفظها وصيانتها فكيف يتصور الإنسان أن زوجاً مسلماً يأمر زوجته بأن تكشف عن وجهها ويديها فتكون عرضة لتسلط الفجار عليها وملاحقتها والنظر إليها وربما يصير عند ذلك رمز وإشارة ثم ضحك وكلام كل هذا من الأمور التي نأسف أن تجري من هؤلاء الأزواج بأن يأمروا أزواجهم بكشف وجوههن في بلاد الأجانب ولا ريب أن الرجل كلما كان قوياً قوي الشخصية عازماً حازماً مطبقاً لدينه في جميع أرض الله لا شك أنه أهيب له وأشد احتراماً عند غير المسلمين وقد أخبرني من أثق به أنه سافر إلى بلاد أجنبية وكانت زوجته معه تحتجب ولكنها قد وضعت على وجهها نقاباً تفتح لعينيها وتنظر فكان يقول المسلمون إذا مررنا بهم في تلك البلاد يشكروننا والأجانب لا يؤذوننا بشيء أبداً فليت أن المسلمين صاروا مثل هذا الرجل الذي كان عنده قوة عزيمة وقوة إيمان بالله عز وجل.
***(22/2)
السؤال: تقول لقد فهمت من برنامجكم أن حجاب المرأة واجب عليها وهو مفروض في القرآن الكريم عندما نزلت سورة تحث الرسول صلى الله عليه وسلم وتأمره أن يأمر نساءه بالحجاب لكن العادة عندنا في قريتنا وفي كثير من قرى دول المسلمين لا يوجد حجاب شرعي للمرأة فيظهر وجهها لكل الناس فما حكم هذا الأمر علماً بأنني أستر كامل جسمي عدا وجهي وكفي وأتمنى من قلبي أن ألبس الحجاب الشرعي الكامل ولكن ذلك صعب جداً في قرية مثل قريتنا أرجو أن تفيدوني في هذا الموضوع وتوضحوا لي ولكافة المسلمين بشيء من التفصيل وخاصة فيما يتعلق في الحجاب الكامل أرجو بهذا إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يبدو أن هذه المرأة وفقها الله وجزاها خيراً تحاول أن تحتجب الحجاب الشرعي المتضمن لتغطية الوجه وما يحصل به الفتنة وعلى هذا فإني أقول لها إذا عزمت على هذا الأمر وصدقت الله عز وجل واتقت الله فإن الله سيجعل لها من أمرها يسرا وسيكف عنها أعداءها (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) ولكن ينبغي أن تؤتى البيوت من أبوابها ينبغي أن تتصل بنساء مثلها في الغيرة والحرص على الحجاب الشرعي حتى يخرجن متحجبات حجاباً شرعياً ومن المعلوم أنه إذا حصلت الكثرة فإن الكثرة كما يقولون تغلب الشجاعة وإذا حصلت كثرة بين النساء في لزوم الحجاب الشرعي فإن ذلك يهون ويسهل كما أن على أهل القرية من الوعاظ والدعاة إلى الله عز وجل وخطباء المساجد أن يبينوا للناس الحق في هذا الأمر وأن لا يخضعوا للعادات التي تخالف الشرع ومن المعلوم أن بعض أهل العلم السابقين يرون جواز كشف المرأة وجهها وكفيها ولكن هذا القول ضعيف ثم إن العمل به في هذه الأزمان يؤدي إلى ما هو أعظم من توسع النساء في هذا اللباس كما هو في الواقع فإن البلاد الإسلامية التي أفتى علماؤها بجواز كشف الوجه واليدين أصبح النساء فيها لا يكشفن الوجه واليدين فحسب بل يكشفن الوجه والرأس والرقبة واليدين والذارعين والقدمين وتوسع النساء في هذا فالذي ينبغي للإنسان العالم أن يكون حكيماً فيما يصدر عنه من الأحكام الشرعية وأن يتلافى كل ما فيه الخطر وخلاصة ما أقول أن تعزم هذه الأخت على الحجاب الشرعي وأن تدعو من يسر الله لها من النساء فإذا خرجن إلى السوق على هذا الوجه فإن ذلك سيكون له أثر كبير مع ما ينضم إليه ذلك من كلام الدعاة والوعاظ والخطباء.
***(22/2)
السؤال: يقول هل الخمار للمرأة واجب وإذا لم تلبسه هل عليها إثم أفيدونا أفادكم الله ونفع بعلمكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن عند المرأة إلا نساء أو محارم أو زوج فإنه لا يجب عليها لبس الخمار لأنه يجوز أن تكشف رأسها لهؤلاء وإذا كان عندها رجال أجانب أو أرادت أن تخرج إلى السوق وجب عليها لبس الخمار ولبس الخمار كان من عادة نساء الصحابة قال الله تعالى (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) وكان من عادتهنّ أيضاً لبس النقاب وهو أن تستر المرأة وجهها بغطاء وتنقب لعينيها من أجل النظر لكن بقدر الحاجة ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المرأة إذا أحرمت (لا تنتقب) فدل هذا على أن النقاب كان من عادتهن وهو كذلك لكن لو قال قائل هل نفتى بالنقاب في وقتنا الحاضر فالجواب أما إذا كنا في بلد محافظ كبلادنا في المملكة العربية السعودية فإننا لا نفتي بجوازه وإن كان جائزاً لأن النساء بدأنّ يتوسعنّ في هذا فلم تقتصر المرأة على نقاب بقدر الضرورة بل استعمله بعض النساء وتوسعنّ فيه وظهرت الأجفان والحواجب وأعلى الخدود وصارت المرأة مع ذلك تجمل عينيها بالكحل وأهدابها بالألوان الأخرى فلذلك رأيت من الحكمة ألا أفتي بالجواز لمثل شعبنا في المملكة العربية السعودية فإن قال لي قائل لماذا تمتنع عن الإفتاء به وهو موجود في عهد الصحابة قلت لأن الشيء المباح إذا تضمن مفسدة فإن من الحكمة منعه ودليل ذلك السياسة العمرية التي هي من أحسن السياسات بعد سياسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم سياسة أبي بكر فإنه رضي الله عنه وأعني به عمر بن الخطاب لما رأى الناس تتابعوا وهلكوا في جمع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة منعهم من المراجعة وقد كان الناس من خلافة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر يجعلون الطلاق الثلاث واحدة فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق ثلاثاً أو تابع ذلك فإنها واحدة ويقال للرجل راجع زوجتك إن شيءت لكن لما كثر هذا في الناس وكان هذا حراماً- لأنه لا يجوز للإنسان أن يتعدى حدود الله وطلاق السنة أن يطلقها واحدة- لما تجرأ الناس على هذا وكثر فيهم منعهم عمر من المراجعة مع أنها كانت حلالا لهم لكن منعهم ليكفهم عن فعل المحرم وهو الطلاق الثلاث وكذلك بيع أمهات الأولاد يعني الأمة يتسراها سيدها ثم تأتي منه بولد كان بيعها جائزاً في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد أبي بكر وأول خلافة عمر لكن لم يكن أحد يبيع المرأة السرية مفرقاً بينها وبين أولادها فلما تهاون الناس في هذا منعهم عمر من بيع أمهات الأولاد فأنا لا أفتي بجواز النقاب بالنسبة لشعب المملكة العربية السعودية خوفاً من التوسع الممنوع أما في البلاد الأخرى التي اعتاد النساء فيها أن يكشفن وجوههن فلا شك أن النقاب خير من كشف الوجه كله ويعتبر إفتائهن بالنقاب مرحلة إلى تغطية الوجه فيجب أن يعرف إخواننا في البلاد الأخرى التي ظن بعض الناس فيها أننا لا نفتي بجواز النقاب يعني أن النقاب ممنوع وكشف الوجه جائز ليعلم إخواننا هؤلاء أننا لا نريد هذا وأننا نقول النقاب في البلاد التي اعتادت النساء فيها أن يكشفن وجوههن خير من كشف الوجه كله لأن الأدلة عندنا تدل على تحريم كشف وجه المرأة لغير المحارم والزوج اللهم إلا القواعد من النساء اللآتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يكشفن وجوههن كما قال الله تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم تغطية المرأة لوجهها في الإسلام وكيفية خطبة المرأة التي تسفر وجهها وأرجو توضيح السبل المشروعة للخطبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها واجبة وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والنظر الصحيح ففي كتاب الله يقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحداهن ليس لها جلباب قال (لتلبسها أختها من جلبابها) ولا ريب أن السنة دالة على ذلك أيضاً ففي حديث فاطمة بنت قيس قال لها النبي عليه الصلاة والسلام (امكثي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد أنها تضع الثياب حتى تكون عارية بل تضعين ثيابك التي جرت العادة أن تلبسيها عند غير المحارم لأنه رجل أعمى ولاريب أن النظر يقتضي وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب لأن الوجه هو محط الفتنة والرغبة من الرجال ولهذا لا ينظر الرجل إلى المرأة إلا إلى وجهها ولا يعتبر في الجمال إلا وجهها والخاطب إذا خطب المرأة وكان يعتني بالجمال لم يسأل إلا عن الوجه لأن الوجه هو كل شيء فإذا كان هذا هو محط الفتنة والرغبة فإنه يجب ستره من باب أولى من ستر الرِجْلِ وإذا كان عند الذين قالوا إن الوجه يجوز كشفه -إذا كان كشف الرجل عندهم محرماً- فإن كشف الوجه من باب أولى لأن الفتنة الحاصلة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة الحاصلة في كشف الرِجْلِ - ويا سبحان الله - أن تكون الشريعة الإسلامية جاءت بتحريم بروز أصبع من أصابع الرجل ولم تأت بتحريم بروز العينين والشفتين والخدين والجبهة وملامح الوجه الذي هو محل الفتنة وإثارة الشهوة هذا شيء لا يمكن أن تأتي بمثله هذه الشريعة الحكيمة ولذلك كان القول المتعين عند التأمل هو وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب وأما بالنسبة للخاطب فله أن ينظر من المرأة ما يرغبه في نكاحها من الوجه والرأس والكفين والقدمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك الخاطب إذا خطب امرأة أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها وأما كيف يخطب الإنسان المرأة فإن الأفضل أن يكلم أوليائها ثم يطلب النظر إليها ولا بد أن يكون النظر بحضور وليها أو أحد من محارمها ولا يجوز أن ينظر إليها في محل خلوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وكذلك لا يحل له أن يتخاطب معها في الهاتف لأنها أجنبية منه حتى يعقد عليها والمخاطبة معها في الهاتف تؤدي إلى فتنة وإلى تحرك الشهوة وهذا أمر محذور شرعاً لكن إذا عقد عليها فلا حرج أن يتكلم معها في الهاتف وغيره.
***(22/2)
السؤال: أرجو بيان كيفية الحجاب وهل تغطية الوجه والكفين واجبة أم غير واجبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب هو أن تستر المرأة كل ما يكون كشفه سببا للفتنة ومنه الوجه فإنه أعظم ما تكون به الفتنة ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها والأدلة في هذا موجودة في كتب أهل العلم ولا شك أن هذا القول الذي دل عليه الكتاب والسنة هو القول الصواب ولا سيما في وقتنا هذا حيث إن الشر قد كثر والفتنة قد عظمت ولا سبيل إلى البعد عن الزنا وأسبابه إلا بتغطية الوجه وعلى هذا فالحجاب الشرعي أول ما يدخل فيه تغطية الوجه فيما نرى والعلم عند الله تعالى.
***(22/2)
السؤال: تقول ما هو السن المحدد للطفل لتحتجب عنه المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يحدد الله ذلك بسن بل قال في جملة من يجوز إظهارالزينة له (أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) فالعبرة في الطفل الذي لا يحتجب عنه أن لا يكون عنده علم في ما يتعلق بالنساء ولا اهتمام به وهذا يختلف باختلاف غرائز الأطفال ونموهم فقد يكون الطفل إذا بلغ تسع سنوات حصل له ما يحصل للرجال البالغين في ما يتعلق بالنساء وقد يبلغ أحد عشر سنة وهو لا يهتم بهذه الأمور ولا ينظر إليها ولم تطرأ له على بال ثم إن البيئة تؤثر فإذا كان الطفل عند قوم يتحدثون كثيرا عن النساء وعما هنالك نمت فيه هذه الغريزة بسرعة وبسبق وإذا كان عند قوم لا يتحدثون بمثل هذه الأمور ضعفت عنده هذه الغريزة ولم يهتم بها والحاصل أن ننظر للطفل إذا كان ينظر إلى المرأة الجميلة نظرة غير نظره إلى المرأة التي دونها أو علمنا أنه يتحسس أو يتلمس أشياء تدل على أن فيه الشهوة فإنه يجب التحجب عنه وإذا كان غافلاً عن هذه الأمور فإنه لا يجب لكنه لاشك أن الطفل إذا بلغ العاشرة فإن الغالب نمو الغريزة فيه.
***(22/2)
السؤال: ما حكم ارتداء الجلباب القصير والدليل عليه أرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجلباب القصير لا شك أنه لا يستر الستر الذي ينبغي وذلك لأن الثياب التي تحته سوف تبدو ظاهرة للناس وقد تكون الثياب التي تحته ثياباً جميلة فيعد إظهارها من التبرج وقد قال الله سبحانه وتعالى لنساء نبيه (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) وكل شيء يؤدي إلى الفتنة فإنه محظور شرعاً ولا يمكن أن يكون هناك دليل على كل مسألة بعينها ولكن الشرع قواعد وأحكام عامة فقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) مثلاً يفيد أن كل شيء يكون سبباً للزنا ولو لزنا العين والنظر والاستماع فإنه يتجنب لأن العين إذا رأت ونظرت فقد يتعلق القلب بالمنظورة ثم بعد هذا تحصل الفاحشة الكبرى فالحاصل أن الجلباب القصير سبب للفتنة وكل ما كان سبباً للفتنة فإنه منهي عنه.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم تبرج النساء وماذا يترتب عليه وكيف نجيب على من قال إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (المرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة) لا أصل له فالحديث (المرأة عورة إلا وجهها) بدون في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول إن تبرج المرأة محرم لأن الواجب في حقها التستر وعدم التعرض للفتنة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم سياط يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) والتبرج بلا شك ميل عن الحق وسبب لميل الناس عن الحق وللافتتان بهن فهو محرم ولكن هل إبداء الوجه والكفين من التبرج أو ليس منه هذا محل خلاف بين أهل العلم والصواب أنه من التبرج لأن من أبلغ أسباب وسائل الفتنة ظهور الوجه والكفين فإن تعلق النفس بالوجه أشد من تعلقها بأي عضو من الأعضاء وبأي جزء من الأجزاء وإذا كان أولئك الذين يبيحون كشف الوجه والكفين يمنعون من كشف القدمين والساقين فإننا نقول لهم إن إظهار الوجه والكفين أشد فتنة وجذباً إلى المرأة من إظهار الساقين ولهذا كان الصواب من أقوال أهل العلم الذي اختاره شيخ الإسلام بن تيمية وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز للمرأة إظهار وجهها وكفيها بل إنه هو المشهور عند المتأخرين من الشافعية كما في كتاب الإقناع لهم في حل ألفاظ أبي شجاع بل إن بعض الناس كابن رسلان حكى إجماع المسلمين على وجوب تغطية الوجه والكفين في هذه الأزمنة -يقول ذلك في زمانه- فكيف بزماننا الذي أصبح الناس فيه ضعاف الإيمان إلا من شاء الله سبحانه وتعالى ثم إن الأمر الآن لم يكن مقصوراً على الوجه والكفين عند هؤلاء الذين يبيحون لنسائهم أن يكشفن وجوههن وأكفهن بل تعدى الأمر إلى إظهار الرأس أو جزء منه وإظهار الرقبة وإظهار أعلى الصدر وإظهار بعض الذراعين وعجزوا عن ضبط النساء في هذا الأمر لهذا فالقول الصواب بلا ريب أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليس من محارمها.
إن أقوى ما احتج به هؤلاء قوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وما يروى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال لأسماء بنت أبي بكر (إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه وفي الحقيقة أنه لا دلالة لهم في ذلك أما الآية فإن قوله (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) مستثنى من قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) والزينة ليست هي الأعضاء أو الجسم بل الزينة هي الثياب كما في قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) فزينة الله سبحانه وتعالى هي ما رزقهم الله تعالى من هذه الألبسة التي يتزينون بها فيكون قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) المراد الثياب يعني لا يبدين الثياب الخفية التي جرت العادة بسترها لكونها جميلة وأما ما ظهر منها كالعباءة والرداء كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فلا حرج عليهن في ذلك وأما الحديث فإنه ضعيف لانقطاع سنده وضعف بعض رواته فلا يكون حجة في هذا الأمر.
***(22/2)
السؤال: تقول إنني شابة مسلمة دخل الإيمان في قلبي منذ صغري لأنني نشأت في عائلة محافظة ومتدينة أؤدي الصلوات في أوقاتها ولا أخطو خطوة واحدة إلا وضعت الله أمام عيني وأفكر كثيراً مع نفسي في يوم الحساب وأخاف من عقاب الله ومع ذلك لم ألبس الحجاب مع أنني دائماً أفكر بلبس الحجاب مستقبلاً فهل جزائي في الآخرة هو النار أرشدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن هذا السؤال تضمن مسألتين:
المسألة الأولى ما وصفت به نفسها من الاستقامة على دين الله عز وجل بكونها نشأت في بيئة صالحة وهذا الوصف الذي وصفت به نفسها إن كان الحامل لها على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى وأن تجعل من ذلك الإخبار وسيلة للاقتداء بها فهذا قصد حسن تؤجر عليه ولعلها تدخل في ضمن قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) وإن كان الحامل لها على ذلك تزكية النفس والإطراء والإدلال بعملها على ربها فهذا مقصود سيئ خطير ولا أظنها تريد ذلك إن شاء الله تعالى.
أما المسألة الثانية فهي تفريطها في الحجاب كما ذكرت عن نفسها وتسأل هل تعذب على ذلك بالنار في الآخرة والجواب على ذلك أن كل من عصى الله عز وجل بمعصية لا تكفرها الحسنات فإنه على خطر فإن كانت شركاً وكفراً يخرج عن الملة فإن العذاب محقق لمن أشرك بالله وكفر به قال تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وإن كان دون ذلك أي دون الكفر المخرج عن الملة وهو من المعاصي التي لا تكفرها الحسنات فإنه تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) والحجاب الذي يجب على المرأة أن تتخذه هو أن تستر جميع بدنها عن غير زوجها ومحارمها لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) والجلباب هو الملاءة أو الرداء الواسع الذي يشمل جميع البدن فأمر الله تعالى نبيه أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ حتى يسترن وجوههنّ ونحورهنَّ وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح والاعتبار والميزان على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها وليسوا من أزواجها ولا يشك عاقل أنه إذا وجب على المرأة أن تستر رأسها وأن تستر رجليها وأن لا تضرب برجليها حتى يعلم ما تخفي من زينتها من الخلخال ونحوه لا يشك عاقل أنه إذا كان هذا واجباً فإن وجوب ستر الوجه أوكد وأعظم وذلك أن الفتنة الحاصلة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة الحاصلة بنظر شعرة من شعر رأسها أو ظفر من ظفر رجليها وإذا تأمل العاقل المؤمن هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين له أنه لا يمكن أن تلزم المرأة بستر الرأس والعنق والذراع والساق والقدم ثم تبيح للمرأة أن تخرج كفيها وأن تخرج وجهها المملوء جمالاً وتحسيناً لأن ذلك خلاف الحكمة ومن تأمل ما وقع الناس فيه اليوم من التهاون في ستر الوجه الذي أدى إلى أن تتهاون المرأة بما وراءه حيث تكشف رأسها وعنقها ونحرها وذراعها وتمشي في الأسواق بدون مبالاة في بعض البلاد الإسلامية علم أن الحكمة تقتضي إلزام النساء بستر وجوههنّ فعليك أيتها المرأة عليك أيتها المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن تحتجبي الحجاب الواجب الذي لا تكون معه الفتنة بتغطية جميع البدن عن غير الأزواج والمحارم وأن تتقي الله تعالى في ذلك ما استطعت.
***(22/2)
تقول بحمد الله سبحانه وتعالى اقتنعت بشرعية الحجاب الساتر لكل البدن وقد التزمت بلبس ذلك الحجاب منذ سنوات وقد قرأت كثيراً من الكتب في الحجاب وبخاصة في كتب التفسير المختلفة وهي تتعرض لموضوع الحجاب في أثناء تفسير بعض السور مثل سورة النور والأحزاب ولكنني لا أدري كيف أوفق بين لبس المسلمات في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وفي عصر بني أمية وأهمية الحجاب الذي أكاد أراه فرضاً على جميع النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم أن عصر النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين أحدهما ما كان قبل الحجاب والنساء فيه كاشفات الوجوه ولا يجب عليهنّ التستر والثاني ما كان بعد الحجاب وهو ما بعد السنة السادسة فهذا التزم فيه النساء رضي الله عنهنّ الحجاب وصرن كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم يقول لبناته ونساء المؤمنين وأزواجه يقول (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) فصرن رضي الله عنهن يلبسن أكسية سوداًَ ولا يبدين إلا عيناً واحدة ينظرن بها الطريق وما زال الناس والحمد لله في بلادنا هذه على هذه الطريق التي هي مقتضى دلالة الكتاب والسنة والاعتبار والنظر الصحيح وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبقي على نساءنا ما منّ به عليهنّ من هذا الحجاب الساتر الذي هو مقتضى دلالة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح المطرد.
***(22/2)
هذا السائل مصري مقيم بالمملكة بريدة يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد كثر الكلام في موضوع الحجاب والنقاب واختلفت آراء المشايخ والفقهاء فمنهم من يرى أن كشف الوجه واليدين للمرأة حرام ومنهم من لا يرى ذلك إلا إذا خشيت الفتنة والغريب أن كل فريق استند إلى بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والفريق الذي يرى أن ذلك حرام استند لآيات الحجاب في سورة النور وغير ذلك والفريق الذي لا يرى أن ذلك حرام استند إلى أن الله عز وجل أمر المؤمنين بغض البصر وقالوا إن غض البصر لا يأتي إلا عند كشف المرأة عن وجهها فكيف يكون غض البصر والمرأة تغطي وجهها وكيف تغض المرأة من بصرها عن الرجال وهل تغطي وجهها فما رأيكم في هذا الموضوع وما ورأيكم حفظكم الله يا شيخ محمد في الاختلافات في مثل هذا الموضوع وغيره وماذا يجب علينا نحن المسلمين في مثل هذه الاختلافات ولا سيما وأن كل فريقٍ يستند على آياتٍ وأحاديث صحيحة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤالٌ مركزٌ جيد ويعجبني سياقه على هذا الوجه لأنه يدل على أن هذا الرجل السائل قد اعتنى في هذه المسألة ألا وهي مسألة كشف المرأة وجهها لغير المحارم والزوج ولاشك أن العلماء اختلفوا فيها وأن كل واحدٍ منهم أدلى بحججه ولكن لدينا ميزانٌ أمرنا الله تعالى به أي بالرجوع إليه وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين ما قال الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وبتأمل الإنسان للأدلة التي استدل بها كل واحدٍ من الطرفين يتبين له أن الأدلة تؤيد من قال بوجوب ستر الوجه عن الرجال غير المحارم والزوج وفي ذلك أدلة سقناها في رسالةٍ صغيرة لنا أسميناها الحجاب وبينا فيها الأدلة من الكتاب والسنة والاعتبار على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم والزوج وأجبنا عن أدلة القائلين بالجواز بجوابين أحدهما مجمل والثاني مفصل:
فأما المجمل فإننا ذكرنا أن النصوص الواردة والتي فيها ما يدل على جواز كشف الوجه لغير المحارم والزوج يمكن أن تُحمل على أحد أمرين إما على أنها قبل وجوب الحجاب وذلك لأن المسلمين كان لهم حالان الحال الأولى حالٌ قبل الحجاب وفيها كشف الوجه والكفين والحال الثانية حالٌ بعد الحجاب وفيها الأمر بستر الوجه والكفين وهذا جوابٌ مجمل ومن الجواب المجمل أن يكون هناك قضايا معينة فيها أسباب خاصة ظاهرها جواز كشف الوجه لغير المحارم والزوج.
وكذلك أجبنا عن أدلة القائلين بالجواز على وجه التفصيل فيحسن بالأخ السائل أن يرجع إلى هذه الرسالة وإلى غيرها أيضاً مما كتبه أهل العلم ولا سيما كتاب عودة الحجاب فإنه كتابٌ مطول وفيه ما يشفي العليل ويروي الغليل وإني أقول لهذا الأخ السائل إنه على فرض ألا يكون هناك دليلٌ على وجوب ستر الوجه عن الرجال غير المحارم أو الزوج أو أن الأدلة متكافئة أدلة وجوب الستر وأدلة جواز كشفه فإن الحال اليوم تقتضي إلزام النساء بستر الوجه وذلك لكثرة الفتن وضعف الدين فإنه كلما كثرت الفتن وضعف الدين فإنه يجب أن يجعل هناك روادع وزواجر تمنع من الوصول إلى ما تكون به الفتنة ولهذا أصلٌ في الشريعة فقد قال الله عز وجل (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) فنهى عن سب آلهة المشركين لأننا لو سببنا آلهتهم لسبوا إلهنا وهو الله عز وجل ونحن إذا سببنا آلهتهم فهي أهلٌ للسب ولكن إذا سبوا الله عز وجل فإنهم يسبون الله تعالى عَدْواً بغير علم فسد الله تعالى هذا الباب الذي يكون وسيلةً أو يكون ذريعةً إلى سب الله عز وجل مع أنه محمود أي أننا نؤمر بأن نسب آلهة المشركين وأن نبين بطلانها لكن إذا كان يفضي إلى سب من لا يستحق السب وهو الله عز وجل لكمال صفاته فإننا نمنع من سب آلهتهم ولهذا لما كثر شرب الخمر في المسلمين بعد كثرة الفتوح في زمن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة كيف يجعل عقوبته بعد أن كانت عقوبته نحوٌ من أربعين جلدة فأشاروا إليه أن يرفع هذه العقوبة إلى أخف الحدود إلى ثمانين جلدة وهو أخف الحدود وهو حد القذف فإن حد القذف ثمانون جلدة فأشار الصحابة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يرفع عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جلدة فرفعها فزاد في العقوبة نظراً لكثرة شربها من الناس ولما استهان الناس بأمر الطلاق الثلاث في مجلسٍ واحد وهو من اتخاذ آيات الله هزواً رأى عمر رضي الله عنه أن يلزم من طلق ثلاثاً بما ألزم به نفسه وأن يمنع من الرجوع إلى زوجته فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال (كان طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فلما تتايع الناس فيه قال عمر رضي الله عنه أرى الناس قد تتايعوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه) .
فعلى فرض أن النصوص في جواز كشف المرأة وجهها لغير المحارم والزوج أو عدمه متكافئة فإنه في هذا الزمان يجب أن يسار في الطريق الأحوط والأمثل لمنع الفتنة والشر والفساد وهو إلزام المرأة بالحجاب أي بستر وجهها ولا يخفى علينا جميعاً ما حصل للبلاد التي أستباح أهلها كشف الوجه والكفين من التهتك في ذلك حتى كشفت المرأة ذراعيها وعنقها وشيئاً من رأسها أو رأسها كله كما هو مشاهدٌ في البلاد الأخرى فالمرأة لن تقف أبداً على الحد الذي هو موضع الخلاف وهو كشف الوجه والكفين فقط بل ستهتك الستر فيما وراء ذلك لهذا نرى أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم والزوج ولنا في ذلك أدلة وكما قلت إنه لو فرض تكافؤ الأدلة في ذلك لكانت القواعد الشرعية تقتضي منع النساء كشف وجوههن في هذا العصر أما النقاب فالنقاب لا شك أنه جائز وأنه على عهد النبي عليه الصلاة والسلام ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرمة (لا تنتقب) وهذا يدل على أن النقاب كان معروفاً بينهم ولكن النقاب المعروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نقابٌ بقدر الحاجة أي أن المرأة لا تنتقب إلا بمقدار ما ترى الطريق فتفتح لعينيها فتحة تكون بقدر العين فقط لكن النقاب اليوم توسع فيه كثيرٌ من النساء وصارت المرأة تنتقب بنقابٍ واسع تخرج منه كل العين بل والحاجب وطرف الجبهة وطرف الخد وربما تتوسع النساء في ذلك إلى أكثر فلهذا نرى منعه من هذه السياسة وعدم التجاوز في حد النقاب المباح، ولسنا نرى منعه لأن الأدلة تدل على منعه بل الأدلة تدل على جوازه لكن الجائز إذا كان يفضي إلى شيء محرم لا يمكن انضباطه فإن من الحكمة منعه درءاً للمفسدة التي تترتب على القول بإباحته
وأما قول السائل إن الله تعالى أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم وهذا يدل على أن هناك شيئاً ينظر إليه فيقال إن هذه الآية إن لم تكن دليلاً عليه أي على قول من قال بجواز كشف الوجه فليست دليلاً له لأن أمر الله سبحانه تعالى بالغض من البصر لا يستلزم أن تكون المرأة كاشفة وجهها إذ أن الإنسان قد ينظر إلى المرأة من حيث حجم جسمها ولباقته وما أشبه ذلك ثم إنه قد يكون للرجل نظرةٌ أولى حينما يواجه المرأة وجهاً لوجه قبل أن تعلم به أو قبل أن يعلم بها ولهذا جاء في الحديث (لك النظرة الأولى وليس لك النظرة الثانية) فإذا صادف أن رجلاً واجهته امرأة وهي كاشفةٌ وجهها فإن الواجب عليه أن يغض البصر وهي يجب عليها في هذه الحال أن تستر وجهها.
وقوله ما هو موقف الإنسان من خلاف العلماء والجواب على ذلك أن نقول إذا كان الإنسان طالب علم يمكنه أن يجتهد وينظر في أدلة الفريقين فيحكم بما يرى أنه أقرب إلى الصواب فهذا هو الواجب عليه أما إذا كان الإنسان عامياً لا يستطيع ذلك فإن الواجب عليه أن يتبع من يظنه أقرب إلى الصواب في علمه وفي دينه وأمانته كما أن الإنسان لو اختلف عليه طبيبان وهو مريض بوصفة الدواء فإنه بمقتضى الفطرة سيأخذ بقول من يرى أنه أحذق وأقرب إلى الصواب وهكذا مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب إما لغزارة علمه وإما لثقته وأمانته ودينه فإن لم يعلم أيهما أرجح في ذلك فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير إن شاء أخذ بقول هذا وإن شاء أخذ بقول هذا وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أحوط أي بالأشد احتياطاً وإبراءً للذمة وقال بعض العلماء يأخذ بما هو أيسر لأن ذلك أوفق للشريعة إذ أن الدين الإسلامي يسر كما قال الله تبارك تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وكما قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الدين يسر) وكما قال وهو يبعث البعوث (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) أي أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك وليس عندك ترجيح فإنك تأخذ بالأيسر لهذه الأدلة ولأن الأصل براءة الذمة ولو ألزمنا الإنسان بالأشد للزم من ذلك إشغال ذمته والأصل عدم ذلك وهذا القول أرجح عندي أي أن العلماء إذا اختلفوا على قولين وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين فإنك تأخذ بالأيسر منهما وهذا أعني القول بالأخذ بالأيسر فيما يتعلق بنفس الإنسان أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة فإنه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه مثال هذا لو قدرنا أن الرجل ترجح عنده أن المرأة يجوز لها أن تكشف وجهها لغير المحارم والزوج لكن فئة أخرى لا ترى ذلك ونساؤها ملتزماتٍ محتجبات ففي هذه الحال لا يسمح لامرأته بأن تخرج كاشفة الوجه في مجتمعٍ أخذوا بالقول الثاني وهو وجوب ستر الوجه لما في ذلك من المفسدة على غيره لأن من عادة الناس أن يتبعوا ما هو أسهل سواءٌ كان صواباً أم كان غير صواب إلا من عصم الله وعلى هذا فنقول القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر ما لم يتضمن ذلك مفسدة فإن تضمن ذلك مفسدة فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط.
***(22/2)
السؤال: تقول بأنها فتاة مصابة بالصرع وتحمد الله تعالى على ما قدر لها وتقول لها عشر سنين تشكو من هذا المرض والآن تأخذ العلاج وهذا المرض يكون على هيئة تشنج ويحدث لها إغماء ثم تسقط على الأرض بعد ذلك تجد نفسها في الإسعاف مكشوفة الشعر والوجه أمام الأطباء فقلت لوالدتي لِمَ لمَْ تغطي شعري ووجهي فقالت أنت تنزعينها والسؤال هل علي إثم في عدم تستري أمام الأطباء وأنا في هذه الحالة من المرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول اسأل الله تعالى لها الشفاء العاجل وأن يثيبها ويأجرها على ما يصيبها من هذه المصيبة وليس عليها جناحٌ ولا حرج إذا كشفت وجهها حال الصرع لأنها تكشفه بدون قصد ولا إرادة وكذلك لو أن الأطباء احتاجوا إلى كشف وجهها للنظر والعلاج فلا حرج في هذا ولكن لا بد أن يكون معها محرم بحيث لا يخلو بها الطبيب أو يكون مع الطبيب رجلٌ آخر أو ممرضة أو ما أشبه ذلك المهم لا يجوز للأطباء أن يخلو واحدٌ منهم بالمرأة بدون محرم.
***(22/2)
السؤال: يقول ما هو الحجاب الشرعي للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب الشرعي أول شيء أن تغطي وجهها وذلك لأن الوجه أعظم ما تكون به الفتنة وهو مقصود الرجال من النساء ولهذا يهتم الإنسان بجمال الوجه أكثر من غيره بكثير تجده مثلا يسأل عن وجهها ولا يسأل عن قدميها عند إرادة خطبتها فهو أولى الأعضاء بالستر ولنا في هذا رسالة اسمها رسالة الحجاب مختصرة قد بينا فيها الأدلة من القرآن والسنة والنظر الصحيح على وجوب تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب وأجبنا عما استدل به القائلون بجواز كشف الوجه فما أحسن أن تراجع هذه الرسالة أو غيرها مما ألف في هذا الباب.
***(22/2)
السؤال: يقول ما الحكم في لباس المرأة الشرعي حيث إن هناك أخوات يتركن الوجه مكشوفاً ويقلن بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخلت عليه أسماء أعرض عنها وقال لها (المرأة إذا بلغت المحيض لا يظهر منها إلا الوجه والكفين) هل هذا الحديث صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح فيه انقطاع وهو حديث ضعيف سندا ومتنا أيضا فلا يجوز أن يكون حجة تثبت به أحكام شرعية مهمة كهذا الحكم وليس من المعقول أن تدخل عليه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بثياب رقيقة يرى من ورائها الجلد وهي مَنْ هي في دينها وعقلها والمدخول عليه هو مَنْ هو، هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول إن هذا الحديث باطلٌ متنا وضعيف سندا وليس بحجة.
***(22/2)
يقول إن عندنا في القرى نساء يشتغلن في المزارع وأرضنا صعبة المسالك مما يؤدي إلى أن المرأة تجبر على ترك تغطية الوجه فما رأيكم في ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن تكشف المرأة وجهها في فلاحتها ومزرعتها إذا لم يكن حولها أحد من الرجال غير المحارم فإن كان حولها رجل من غير المحارم فإنه يجب عليها أن تستر وجهها وبإمكانها إذا كان حولها طريق أو جادة يمر الناس به أن تصرف وجهها عن الجادة والطريق وتكون كاشفة له.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز أن تتخذ المرأة حجاباً بلونٍ غير الأسود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأنه يقول هل يجوز أن تلبس المرأة خماراً غير أسود فالجواب نعم لها أن تلبس خماراً غير أسود بشرط أن لا يكون هذا الخمار كغترة الرجل فإن كان مثل غترة الرجل كان حراماً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) أما إذا كان لونه أبيض ولكنه لا يلبس على كيفية لباس الرجل فهذا إذا اعتاده الناس في بلادهم لا بأس به وأما إذا كان غير معتادٍ عندهم فلا لأن لباس الشهرة منهيٌ عنه وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر أخواتنا المسلمات بأمرٍ هام ألا وهو ما اعتاده بعض النساء من تلقي الموضات الجديدة بالقبول والمتابعة ولو على حساب الآداب الشرعية فإن من النساء من فتنت بتلقي الموضات واستعمالها سواءٌ كان ذلك في اللباس الظاهر أو اللباس الباطن أو في المزينات وهذا غلطٌ عظيم والذي ينبغي للمرأة أن يكون لها اعتداد بنفسها وعاداتها وما ألفه الناس من قبل حتى لا تكون إمعة تقول ما يقول الناس وتفعل ما يفعل الناس لأنها إذا عودت نفسها المتابعة كان ذلك خطراً عليها ألا يكون لها شخصية ولا قيمة فليحذر النساء من تلقي الموضات الجديدة لا سيما التي تنافي الدين وتوجب التشبه بأعداء الله.
***(22/2)
السؤال: تقول إننا نلبس قفازات لليد لونها أسود عندما نكون خارجين من المنزل أو عندما نكون ذاهبين إلى المدرسة فما حكم لبس مثل هذه القفازات مع العلم أنها تجعل شكل اليد أجمل من شكلها الطبيعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن الذي أرى أن لبس المرأة القفازين من باب تكميل الحجاب والتستر عن الرجال وقلت قبلاً أرى ألا تلبسه المرأة لأنه يكون لباس شهرة ويوجب لفت النظر إليها أما الآن وقد كثر والحمد لله لمن يلبسه من النساء فإني أرى أن لبسه من تمام التستر وموجبات الحياء وقد كان نساء الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يلبسنّ ذلك أي يلبسنّ القفازين كما يدل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المحرمة (لا تنتقب ولا تلبس القفازين) فإن هذا يدل على أن من عادتهم لباس ذلك ولا شك أنه أستر لليد وأبعد عن الفتنة سواء كان أسود أو أحمر أو أخضر والسواد في رأيي هو اللون المناسب لأنه يكون الأقرب إلى موافقة لون العباءة والخمار فيكون أولى من الألوان الأخرى أولى من البياض ولون الحمرة والخضرة وما أشبه ذلك فلتسر نساؤنا بهذا وليحتجبن الحجاب الذي يبعدهنّ عن الفتنة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم على بلادنا هذه نعمة الإسلام والتمسك به وأن يحفظ علينا ديننا ويحفظنا به إنه جواد كريم.
***(22/2)
السؤال: تقول ما رأيكم في غطاء الوجه والكفين هل هو ضروري للمرأة وإذا لم تغطِ المرأة الوجه والكفين هل تحاسب على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح من أقوال العلماء الذي دل عليه الكتاب والسنة والنظر الصحيح أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها لأن ذلك هو الحشمة والبعد عن الفتنة ولهذا نرى أن البلاد التي تطبق ما دل عليه الكتاب والسنة والنظر الصحيح فتغطي المرأة وجهها نجد أن هذه البلاد أبعد البلاد عن الفتنة وأسلمها من الشر فنصيحتي لأخواتي المسلمات في كل مكان أن يتقين الله وأن يسترن الوجوه وأن يبعدن عن التبرج وعن الفتنة فإن المرأة مسئولة عن كل ما تكون سببا له من الشر والبلاء.
***(22/2)
يقول هل يجوز للفتاة أن تكشف وجهها للأعمى والقراءة عليه حيث إنه مدرس متوسط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن العلماء رحمهم الله اختلفوا في جواز نظر المرأة إلى الرجل فمنهم من قال إنه لا يجوز لعموم قوله تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) الآية ولحديث أم سلمة رضي الله عنها (أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم هي وحفصة فدخل ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتجبن منه فقالت إنه ضرير أعمى لا يبصرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما) ومن العلماء من قال إنه يجوز للمرأة أن تنظر للرجل بشرط ألا يكون نظرها بغرض شهوة ولا لتمتع وهذا القول هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس (اعتدي في بيت أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستر عائشة وهي تنظر للحبشة في المسجد وكذلك كان إذا خطب الرجال في يوم العيد نزل إلى النساء فخطبهنّ ولا شك أنه إذا كان يخطبهنّ سينظرن إليه وكان معه بلال رضي الله عنه وأما الآية التي استدل بها من منع نظر المرأة للرجل فإن الله تعالى يقول فيها (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِن) ومن للتبعيض والآية تحمل على ما إذا منعنا من النظر إلى الرجل بشهوة أو لتمتع فإنه في هذه الحال يجب عليها غض البصر ويبقى ما عدا ذلك على ما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأماحديث أم سلمة فإن في صحته نظراً لأن راويه عن أم سلمة وهو مولاها نبهان قال فيه ابن عبد البر إنه رجل مجهول وحديث تكون درجته هكذا لا يمكن أن يعارض الأحاديث الصحيحة الواضحة في جواز نظر المرأة إلى الرجل لكن يجب كما أسلفنا ألا يكون نظرها إليه نظر شهوة أو نظر تمتع فإن ذلك لا يجوز والله أعلم.
***(22/2)
ما حكم الحجاب عن المدرس الأعمى؟
فأجاب رحمه الله تعالى:لا يجب الحجاب عن المدرس الأعمى لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت قيس (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك عنده) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أذن لعائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد) فالمرأة يجوز لها النظر للرجل بشرط أن لا تنظر إليه بشهوة أو تمتعٍ بالنظر وتلذذٍ به ولا يلزمها أن تحتجب عنه وأما ما يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (أفعمياوان أنتما) فحديثٌ ضعيف لا تقوم به الحجة.
***(22/2)
تقول قرأت لفضيلتكم فتوى مضمونها بأنه يجوز إجراء عمليات التجميل إذا كانت لإزالة عيب ناتج عن حادث أو غيره، وسؤالي هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها للطبيب إذا كان العيب في الوجه ويحتاج لإجراء عملية لإصلاح هذا التشوه أرجو الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما ذكرته من كشف الوجه للطبيب الذي يزيل عيباً حصل فيه فإن هذا جائز لا بأس به لكن إذا وجدت امرأة تقوم بالعلاج فإنها أولى وإذا لم توجد فلا حرج أن يقوم بالعلاج رجل لكن بشرط أن لا يخلو بالمرأة في مكان وحدها وذلك لأن الخلوة بالمرأة محرم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر كما قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) فإذا كانت محتاجة إلى إزالة العيب الذي في وجهها وصار معها محرم يحضر إجراء العملية وتمتنع به الخلوة المحرمة فإن ذلك جائز لا بأس به ولكن الأفضل إذا وجد امرأة تقوم مقام الطبيب ألا تذهب إلى الرجل.
***(22/2)
ما الحكم إذا كشفت المرأة وجهها أثناء قراءة القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس على المرأة إذا كانت تقرأ القرآن أن تكشف وجهها ولا حرج عليها في ذلك إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها فإنه في هذه الحال يجب عليها أن تغطي وجهها وذلك لأن المرأة لا يحل لها أن تكشف وجهها إلا لزوجها ولمن كان من محارمها والمحارم هم الذين يحرم نكاحهم إياها بنسب أو سبب مباح فكل من تحرم عليه تحريماً مؤبداًً بنسب أو سبب مباح فهم من محارمها وهم آباؤها وإن علوا سواء كانوا من قبل الأب أو من قبل الأم وأبناؤها وإن نزلوا سواء كانوا أبناء أبناء أو أبناء بنات وإخوتها وأبناؤهم وإن نزلوا سواء كانوا إخوة من الأم أو إخوة من الأب أو إخوة أشقاء وسواء كانوا الأبناء الذين تفرعوا منهم من أبنائهم أو أبناء أبنائهم أو أبناء بناتهم والأعمام دون أبنائهم والأخوال دون أبنائهم وكذلك أبو زوجها من النسب وآباؤه وإن علوا سواء كانوا آباءه من قبل الأب أو من قبل الأم وكذلك أبناء زوجها وإن نزلوا سواء كانوا أبناء بناته أو أبناء أبنائه هؤلاء هم المحارم للزوجة وأما أبناء بني العم وأبناء الخال وأخو الزوج وأقاربه سوى آبائه وأبنائه فإنهم غير محارم للزوجة فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم.
وخلاصة الجواب أنه يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وهي كاشفة وجهها ولا حرج عليها في ذلك إلا إذا كان حولها رجال ليسوا بمحارم لها فيجب عليها ستر وجهها.
***(22/2)
ما هي حدود غض البصر وهل لي أن أنظر إلى أي رجل خاصة إذا دعت الظروف أن أتعامل مع رجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غض البصر يعني قصر البصر بحيث لا يمتد إلى ما لا يحل النظر إليه والمرأة لا حرج عليها إذا رأت الرجل لأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرجن إلى المسجد ويخرجن إلى الأسواق وينظرن إلى الرجال بالطبع لأن عليهن النقاب ولكن إذا كانت تنظر للرجل نظر تمتع أو نظر شهوة كان ذلك حراماً عليها فيجب عليها حينئذٍ أن تصرف نظرها وأما ما دعت الضرورة إليه فالضرورة لها شأنٌ آخر.
***(22/2)
السؤال: يقول ما المقصود بكلمة القواعد من النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى:المراد بالقواعد العجائز اللاتي قعدن عن الحركة لعدم قوتهن ونشاطهن (اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً) يعني اللاتي يئسن من أن يتقدم لهن أحد لكبر سنهن هؤلاء القواعد ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة يعني أن يضعن ثياب الخروج التي جرت العادة أن تخرج بها النساء بشرط ألا يتبرجن بزينة أي ألا يظهرن زينة جمال يكون بها فتنة وعلى هذا فإذا خرجت مثل هذه المرأة إلى السوق بثياب البيت التي ليست ثياب زينة فلا حرج عليها في ذلك إلا أنه ينبغي ألا تخرج لئلا يقتدى بها ولئلا تظن الشابة أن هذا الحكم عام لها وللقواعد وما كان يفضي إلى مفسدة فإنه ينبغي ألا يفعل وإن كان مباحا سدا للزريعة وفي هذه الآية دليل واضح على أن من سوى النساء القواعد فعليها جناح إذا وضعت ثوبها الذي اعتادت أن تخرج به إلى السوق وهو دليل على وجوب ستر الوجه لأن ستر الوجه من أعظم التبرج بالزينة فإن إظهار الوجه أشد فتنة من ثوب جميل بل وأشد فتنة من طيب يفوح فإن تعلق الرجل بالمرأة التي كشفت وجهها أشد من تعلقه بامراة عليها ثياب جميلة إذا لم يشاهد الوجه وبهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحة إلى بناتنا وأخواتنا بأن يتقين الله تعالى في أنفسهن وألا يخرجن إلى السوق متبرجات بزينة وألا يخرجن إلى السوق بريح طيب تظهر ويشمها الرجال وألا يكشفن وجوههن لأن الوجه أعظم زينة تجلب الفتنة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ويحمل المرأة على أن تدرج من القليل إلى الكثير ومن الصغير إلى الكبير فلتبقى النساء على عادتهن وعلى ما جبلهن الله عليه من الحياء وألا تغتر بمن هلك فإن الله تعالى يقول في كتابه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) (الأنعام: من الآية116) نسأل الله التوفيق والحماية من أسباب الشر والفتنة.
***(22/2)
الإسبال(22/2)
السؤال: ما حكم إسبال الثياب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم إسبال الثياب للنساء لا بأس به لأنه ستر لأقدامهنّ وأما إسبال الثياب للرجال فإنه محرم بل هو من كبائر الذنوب ويقع الإسبال على وجهين:
أحدهما أن يكون للخيلاء والفخر والتعاظم فهذا جزاؤه أن الله تعالى لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم كررها ثلاثاً فقال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) والمسبل هو الذي يرخي ثوبه حتى يصل إلى الأرض فهذه العقوبة كما ترى عقوبة عظيمة شديدة.
أما الوجه الثاني فأن يقع الإسبال لا على وجه الفخر والخيلاء فعقوبته أهون لقول النبي عليه الصلاة والسلام (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي أن ما نزل من الكعبين فإن صاحبه يعذب عليه بالنار فيكون العذاب على قدر النازل من الثوب عن الكعبين وهذه العقوبة أهون من العقوبة الأولى ومن ثم نقول إنه لا يمكن أن يقيد هذا الحديث المطلق بالحديث السابق وهو من جر ثوبه خيلاء ذلك لأن العقوبتين مختلفتان وإذا اختلفت العقوبتان امتنع حمل أحد الحديثين على الآخر لأنه يلزم منه تكذيب أحداهما بالآخر عقوبة هذا كذا وعقوبة هذا كذا مع أن العمل واحد وبهذا نعرف أن ما يتعلل به بعض الناس إذا نهيته عن إسبال ثوبه أو سرواله أو مشلحه قال أنا لم أفعله خيلاء فهذا التعلل الذي يتعلل به لا وجه له وذلك لأن العقوبتين مختلفتان فلا يحمل أحدهما على الآخر وقد نص علماء الأصول رحمهم الله على أنه إذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد وضربوا لذلك مثلاً بطهارة التيمم وطاهرة الوضوء فالله سبحانه وتعالى قال في الوضوء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) وقيد الغسل بالمرافق وقال في التيمم (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولم يقيدها بالمرافق فكان موضع التيمم الكفين فقط أما الوضوء فموضعه الكفان والذراع والمرفق ولم يحمل المطلق في التيمم على المقيد في الوضوء وذلك لاختلاف الحكم بين الطهارتين وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يعرفها وهي أنه لا يحمل المطلق على المقيد مع اختلاف الحكم.
***(22/2)
السؤال: يقول قرأت حديثاً فيما معناه بأن الله لا ينظر يوم القيامة إلى ثلاثة منهم المسبل إزاره، يقول بأنه لا يرتاح في لبس الثوب القصير وأيضاً لا أرتدي ثوباً طويلاً جداً بل إلى الكعبين فما هو حكم الشرع في نظركم في عمله هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث الذي أشار إليه هو ما رواه مسلم عن أبي ذر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالها ثلاثاً صلوات الله وسلامه عليه فقال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فأما المسبل فهو الذي يسبل ثوبه أو سرواله أو مشلحه والإسبال المحرم ما كان نازلاً عن الكعب أما الكعب فما فوقه فإن ذلك ليس بمحرم، وعلى هذا فإننا نقول لهذا السائل إذا كان ثوبك أو مشلحك أو سروالك أو إزارك إلى الكعب فما فوق فهذا جائز ولا حرج عليك فيه، لكن الحرج أن يكون نازلاً عن الكعب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أسفل من الكعبين ففي النار) فلا يحل لأحد أن ينزَّل سرواله أو إزاره أو ثوبه يعني القميص أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين فإن فعل فليصبر على نار جهنم بقدر ما نزل من هذا ونعود إلى حديث أبي ذر فنقول المنان المراد به من يمن بالصدقة بحيث إذا تصدق على شخص صار يمن عليه بها كلما جرى شيء قال أنا الذي تصدقت عليك أنا الذي فعلت وما أشبه ذلك، وأما المنفق سلعته بالحلف الكاذب فهو الذي يحلف على سلعته من أجل زيادة الثمن مثل أن يحلف بأنها سلعة جيدة وهي ليست كذلك أو يحلف بأنه اشتراها بكذا وهو اشتراها بأقل أو ما أشبه هذا من الأيمان التي تزيد في قيمة السلعة، فإن من حلف هذا اليمين ليزيد ثمن سلعته فإن الله تعالى لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم.
***(22/2)
السؤال: يقول السائل ما حكم الصلاة بالثوب الطويل هل تبطل الصلاة أم لا علما بأن كثيراً من الناس يصلون بثياب طويلة ويتجاهلون حكم لبس الثوب الطويل فيما أسفل الكعبين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقتضي الجواب عليه أن نتكلم على مسألتين:
المسألة الأولى إطالة الثوب أو السروال أو المشلح حتى ينزل عن الكعبين نقول هذه الإطالة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما أسفل من الكعبين ففي النار) ولا وعيد إلا على معصية من الكبائر ولا فرق بين أن ينزل عن الكعبين خيلاء وتيهاً أو رغبة بدون خيلاء وقد ظن بعض الناس أن هذا الوعيد لا يكون إلا إذا كان خيلاء وقال أنا لم أصنعه خيلاء ولكن رغبة في ذلك وهذا ظن خطأ فإن الوعيد في الخيلاء أشد وأعظم من الوعيد على من نزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه عن الكعبين لأن الوعيد على الخيلاء ألا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم كما ثبت في صحيح مسلم عن إبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فلما اختلف العقاب امتنع أن يلحق أحدهما بالآخر لأنه لو ألحق أحدهما بالآخر لزم من ذلك تكذيب أحد الخبرين بالثاني لأنه إذا كان العمل واحدا لم تختلف عقوبته على كل حال أقول لهؤلاء الذين ابتلوا بتنزيل ثيابهم أو سراويلهم أو مشالحهم إلى أسفل من الكعبين اتقوا الله في أنفسكم واعلموا أن ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق وأنكم إذا فعلتم أسبابه وموجباته فقد تعرضتم له وظلمتم أنفسكم
أما بالنسبة للصلاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله فيمن صلى في ثوب محرم عليه هل تصح صلاته أو لا تصح فمنهم من قال إن الصلاة صحيحة لأن النهي عن لبس الثوب المحرم عام لا يختص بالصلاة والنهي العام الذي يتناول ما إذا كان الإنسان في عبادة أو غير عبادة لا يبطل العبادة ولهذا لا تبطل الغيبة الصيام مع أنها محرمة في الصيام وغيره حيث إن تحريمها عام وأما إذا كان التحريم خاصا فإنه يبطل العبادة ولهذا بطل الصيام بالأكل والشرب لأن تحريمهما خاص بالصيام ومعلوم أن إنزال الثوب إلى ما تحت الكعب محرم في الصلاة وخارج الصلاة فتكون الصلاة في الثوب المحرم صحيحة لكن اللابس آثم بهذا اللبس فالذي ينزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين على خطر عظيم في صلاته حيث إن كثيراً من العلماء قال إن صلاته غير صحيحة.
***(22/2)
السؤال: يقول إذا كان الثوب والبنطلون طويلاً إلى أسفل الكعبين هل تصح الصلاة فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان البنطلون نازلاً عن الكعبين فإنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الإزار فإنه يكون في غيره وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يرفع بنطلونه وغيره من لباسه عما تحت كعبيه وإذا صلى به وهو نازل تحت الكعبين فقد اختلف أهل العلم في صحة صلاته فمنهم من يرى أن صلاته صحيحة لأن الرجل قد قام بالواجب وهو ستر العورة ومنهم من يرى أن صلاته ليست بصحيحة لأنه ستر عورته بثوب محرم وجعل هؤلاء من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً والإنسان على خطر إذا صلى في ثياب مسبلة فعليه أن يتقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه.
***(22/2)
السؤال: يقول هل هذا حديث فضيلة الشيخ (إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم لكنه ضعيف لا تقوم به حجة والمسبل إزاره وإن قبلت صلاته فهو آثم بل إثم كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توعد ما كان من أسفل من الكعبين بالنار فقال عليه الصلاة والسلام (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي ما كان أسفل من الكعبين فإنه في النار أي يعذب به صاحبه على قدر ما نزل من ثوبه والتعذيب هنا التعذيب الجزئي للمكان الذي وقعت فيه مخالفة وليس تعذيبا للبدن كله فالتعذيب المجزأ أمر واقع ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ويل للأعقاب من النار) لما رأى بعض أصحابه توضؤا وخففوا غسل الأقدام قال (ويل للأعقاب من النار) فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوعيد على ما حصلت فيه المخالفة فقط أما إذا جر ثوبه خيلاء فإن الأمر أشد وأعظم قال النبي عليه الصلاة والسلام (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال أبو ذر وهو راوي الحديث خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال (المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فالعقوبة في جر ثوب الخيلاء أشد وأعظم وعلى هذا فمن أسبل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين فهو آثم بكل حال ولكنه إن كان خيلاء فجره فعليه هذا الوعيد الشديد وقد تهاون بعض الناس في هذا الأمر فعلى إخواني الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما صنعوا وألا يبدلوا نعمة الله كفرا بها بل يشكروه على ما يسر لهم من اللباس ويستعملوه على الوجه الذي ليس فيه سخط الله عز وجل وقد جاء شاب من الأنصار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن جاء إليه يعوده فلما ولى هذا الشاب إذا إزاره قد نزل فقال له يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك فأمره عمر رضي الله عنه بأن يرفع ثوبه وبين له فائدتين عظيمتين فائدة دينية وهي التقوى وفائدة دنيوية وهي بقاء الثوب لئلا تأكله الأرض بحكه عليها.
***(22/2)
السؤال: يقول إذا أسبل الرجل ثوبه دون أن يكون قصده الكبر أو الخيلاء فهل يحرم عليه ذلك وهل يكون في الكم إسبال وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أسبل الرجل ثوبه فإنه على قسمين:
القسم الأول أن يسبله خيلاء حتى يصل إلى الأرض فهنا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) ويقول صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وهذه عقوبة عظيمة لأن الفاعل أتى مفسدتين المفسدة الأولى جر الثوب والمفسدة الثانية كونه ناشيءا عن خيلاء وكبرياء
أما القسم الثاني فأن يجره بغير الخيلاء وهذا قليل في الناس لكن قد يقع فجزاء هذا ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي أن الإنسان يعذب في النار على قدر ما نزل من ثوبه عن كعبيه وهذا العذاب كما جاء في الحديث عذاب جزئي وهو دون التعذيب بإعراض الله عنه وعدم تزكيته له كما جاء في القسم الأول وعلى هذا يكون تنزيل الثوب أو السروال أو المشلح عن الكعب من كبائر الذنوب لأنه إن كان عن خيلاء وجره على الأرض فعقوبته ألا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم وإن نزل عن الكعب لغير الخيلاء فعقوبته أن يعذب في النار بقدر ما نزل من ثوبه وهذا يشمل الثوب والسروال والمشلح وأما تطويل الأكمام في اليدين فإن من العلماء من قال إن فيه الخيلاء فإن بعض الناس قد يطيل أكمامه وقد يوسعها توسيعا أكثر مما يحتاج إليه فخرا وخيلاء وتطاولا فيناله من الوعيد مثل ما نزل ثوبه وعلى كل حال فإن تطويل الأكمام وتوسيعها أكثر مما يحتاج إليه قد يكون داخلا في الإسراف الذي نهي الله عنه قال تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .
***(22/2)
السؤال: يقول أنا شاب في العشرين من عمري محافظ على أداء الصلوات المكتوبة وعلى تلاوة القرآن الكريم وأوامر ربي عز وجل إلا أنني أعاني من أمر هو أن ثيابي التي ألبسها عادة ما تكون طويلة وأنا لا أقصد بذلك الكبر والخيلاء وحاولت مراراً أن أقصر من ثيابي لكنني أقول في نفسي ما دام أنني لم أقصد الكبر أو غير هذا فهذا إن شاء الله ليس فيه ذنب أرجو من فضيلتكم إجابة شافية عن هذا الموضوع وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى أن الرجل أثنى على نفسه بكونه قائماً بطاعة الله محباً لما يرضي الله عز وجل أرجو أن يكون هذا الثناء على نفسه من باب التحدث بنعم الله عز وجل لا من باب تزكية النفس وذلك أن الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين:
الحال الأولى أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه وهذا أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن تزكية نفوسهم فقال تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) .
الحال الثانية أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى وأن يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه وهذا قصد محمود لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) .
أما المسألة الثانية مما تضمنه السؤال فهو السؤال عن كونه يرخي ثوبه وينزله إلى أسفل من الكعبين وكان يمني نفسه بأنه لم يفعل ذلك من باب الكبر ولا من باب الخيلاء فيكون هذا مباحاً والجواب على ذلك أن عمله هذا محرم بل إن ظاهر النصوص أنه من كبائر الذنوب وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) وهذا الحديث مطلق لم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خيلاء أو بطراً ولا يمكن أن يحمل على المقيد بذلك لأن الحكم فيهما مختلف وقد ذكر أهل العلم أنه لا يحمل المطلق على المقيد إلا إذا كان الحكم فيهما واحداً ولتستمع إلى فرق الحكم بينهما فإن من جر ثوبه خيلاء عقوبته أن الله عز وجل لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالها ثلاثة فقال أبو ذر رضي الله عنه خابوا وخسروا من هم يا رسول الله فقال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن عقوبة المسبل أن الله تعالى لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وهذا الحديث مطلق لكنه مقيد بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خيلاء وقال لم ينظر الله إليه وهذه العقوبة بعض العقوبة التي دل عليها حديث أبي ذر فيحمل حديث أبي ذر المطلق على هذا الحديث المقيد إذاً عقوبة من جر ثوبه خيلاء أعظم من عقوبة من نزل إزاره عن كعبيه لأن من نزل إزاره عن كعبيه عقوبته أن يعذب بالنار ما قابل النازل من الإزار عن الكعبين وأما عقوبة من جر ثوبه خيلاء فهي أعظم وأكبر فإنها ألا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وبهذا الفرق علمنا أنه لا يمكن حمل المطلق على المقيد اتباعاً للقاعدة التي ذكرها الأصوليون والتي دل عليها كتاب الله عز وجل وإيضاح ذلك أن الله سبحانه وتعالى ذكر في آية الطهارة في الوضوء أن غسل اليدين يكون إلى المرافق فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فقيد غسل اليدين ببلوغ الغسل إلى المرافق وقال في التيمم (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولم يقيد الأيدي ببلوغ التيمم إلى المرافق ولا يحمل حكم التيمم على حكم الوضوء وذلك لاختلافهما في الحكم ففي الوضوء تتعلق الطهارة بأربعة أعضاء وفي التيمم بعضوين وفي الوضوء تكون الأعضاء بعضها مغسولاً وبعضها ممسوحاً وفي التيمم تكون ممسوحة وكذلك في طهارة التيمم تتفق الطهارتان الصغرى والكبرى وفي طهارة الماء تختلف الطهارتان الصغرى والكبرى وعليه فلا يحمل المطلق في حكم التيمم على المقيد في الوضوء ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم عمار بن ياسر كيفية التيمم ضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ولم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بالتيمم إلى المرافق فدل هذا أن القاعدة التي قررها الأصوليون قاعدة مستقرة دل عليها الكتاب والسنة فليتق الله تعالى المرء وليجتنب ما حرم الله عليه في لباسه فإن فعل ما حرم الله على المرء في لباسه من كفران النعم وقد أشار الله تبارك وتعالى حين ذكر أنه أنزل على عباده لباساً يواري سوآتهم وريشا أشار الله تبارك وتعالى إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي جانب التقوى في ذلك حيث قال (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) وتقوى الله عز وجل واجبة على كل مسلم كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ولقد عاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن عاده شاب من الأنصار وكان عليه ثوب يضرب على الأرض فلما ولى دعاه عمر رضي الله عنه فقال له يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك وفي لفظ وأنقى لثوبك فذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن في رفع الثوب فائدتين عظيمتين إحداهما تقوى الله عز وجل التي أعد الله سبحانه وتعالى للمتصفين بها جنة عرضها السموات والأرض كما قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) والفائدة الثانية أن ذلك أبقى للثوب فإن الثوب إذا انجر على الأرض أكلته وقطعت أسفله وأنقى له أيضاً فإن الثوب إذا انجر على التراب تلوث به
فإن قلت هل يمكن أن تكون العقوبة على جزء من البدن دون جميعه فالجواب نعم يمكن ذلك ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى تقصيراً من بعض الصحابة رضي الله عنهم في غسل أرجلهم نادى بأعلى صوته (ويل للأعقاب من النار) فجعل العقوبة في العضو الذي حصل فيه الخلل وهكذا نقول فيمن نزل ثوبه عن كعبيه إن عقوبته تكون في مقدار ما حصلت به المخالفة فيعذب بالنار ما كان أسفل من الكعبين وإني أوجه إلى السائل بارك الله فيه وإلى غيره ممن ابتلوا بهذه المسألة أعني مسألة الإسبال أوجه إليهم نصيحة بأن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي مجتمعهم وأن يذكروا بقلوبهم وعلى ألسنتهم أناساً لا يجدون ما يسترون به عوارتهم أو يتقون به الحر والبرد من الثياب حتى يكون ذلك داعياً إلى شكرهم نعمة الله سبحانه وتعالى والتزامهم بأحكام الله في هذه الثياب التي أنعم الله عليهم بوفرتها وكثرتها.
***(22/2)
السؤال: من اليمن باعثها المستمع يحي بن علي يقول في رسالته ما حكم الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في مسابقة الإمام وأيضاً مسبل إزاره خيلاء نرجو إفادة بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول في مسابقة الإمام فمسابقة الإمام محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول صورته صورة حمار أو يجعل رأسه رأس حمار) وهذا يدل على التحريم ثم إن السبق يختلف فإن كان السبق بتكبيرة الإحرام فإنه الصلاة لا تنعقد لأن الصلاة لا تنعقد إلا إذا كانت تكبيرة المأموم بعد انتهاء الإمام من تكبيرة الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر) وإن كان السبق بركن آخر ففيه تفصيل عند بعض أهل العلم والراجح عندي أنه لا تفصيل في ذلك وأن المأموم متى سبق الإمام بالركن أو إلى الركن فإن صلاته تبطل إذا كان عالماً بالنهي أما إذا كان جاهلاً فإنه معذور ولكن عليه أن يتعلم أحكام دينه حتى يعبد الله على بصيرة وكذلك لو نسي فسبق إمامه فإنه لا تبطل صلاته وعليه أن يرجع ليأتي بما سبق إمامه بعده وبهذه المناسبة أود أن أبين أن للمأموم مع إمامه أربع حالات متابعة وموافقة ومسابقة وتخلف فأما المتابعة فهي الحال الوحيدة التي دلت السنة على الحث عليها والأمر بها وهي أن يأتي الإنسان بأفعال الصلاة بعد إمامه بدون تأخر وقد دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد) .
والحال الثانية الموافقة بأن يأتي الإنسان بأفعال الصلاة مع إمامه لا يتقدم عنه ولا يتأخر وهذه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر أهل العلم أنه إذا كانت الموافقة في تكبيرة الإحرام فإن الصلاة لا تنعقد وعلى المأموم أن يعيدها بعد ذلك.
الحال الثالثة المسابقة وهي أن يأتي بأفعال الصلاة قبل إمامه فإن كان ذلك في تكبيرة الإحرام فصلاته لم تنعقد وإن كان في غيرها ففيها تفصيل عند أهل العلم بل فيها تفصيل على المشهور من مذهب الإمام أحمد والراجح أن الصلاة تبطل بذلك إذا كان الإنسان عالماً ذاكراً.
والحال الرابعة التخلف وهي خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم مثل أن يتخلف عن الإمام فلا يبادر بمتابعته فهذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا كبر فكبروا) ومعلوم أن المشروط يتبع الشرط ويليه فليكن تكبيرك تلو تكبيرة الإمام وركوعك تلو ركوع الإمام وسجودك تلو سجود الإمام وهكذا فلا تتخلف عنه لكن لو تخلف الإنسان لعذر مثل أن لا يسمع صوت الإمام أو يكون ساهياً ففي هذه الحال متى زال ذلك العذر تابع الإمام يعني أتى بما تخلف عن الإمام حتى يلحقه إلا أن يصل الإمام إلى الركن الذي أنت فيه فإنها تلغى الركعة التي حصل فيها التخلف وتقوم الركعة الثانية مقامها مثال ذلك لو كنت واقفاً مع الإمام أول ركعة ثم ركع الإمام وسجد وقام إلى الثانية وأنت لم تعلم به حتى وصل إلى القيام وأنت الآن قائم على أنها الركعة الأولى والإمام قام إليها على أنها الثانية فإنك تبقى معه وتكون الركعة الثانية للإمام ركعة أولى لك فإذا سلم أتيت بركعة بعده أما لو علمت به وهو ساجد بأن ركع ورفع وأنت لم تعلم ثم لما ركع للسجود سمعته فإنك تركع وترفع وتسجد وتتابع الإمام.
أما السؤال الثاني فهو مسبل إزاره وإسبال الإزار حرام ويقع إسبال الإزار على وجهين الوجه الأول أن يسبله بدون خيلاء فهذا عقوبته أن ما أسفل من الكعبين ففي النار هذه هي عقوبته والوجه الثاني أن يكون خيلاء فعقوبة هذا أن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه ولا يكلمه وله عذاب أليم كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم كررها ثلاث مرات فقال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا فقال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وأما من جر ثوبه لغير خيلاء فقد ثبت في الصحيح (أن ما أسفل من الكعبين ففي النار) ولا يجوز أن يحمل هذا على الأول لاختلاف العقوبتين وإذا اختلفت العقوبتان في عمل فإنه لا يمكن أن يحمل أحدهما عن الآخر للتناقض والتضاد لأن تلك العقوبة غير تلك وإذا كانت غيرها فإننا لا نحمل أحد الحديثين على الآخر، وذلك لأن العقوبتين مختلفتان فلا يحمل أحدهما على الآخر وقد ذكر أهل العلم أنه إذا اختلف الحكم فإنه لا يحمل أحد النصين على الآخر ومثلوا لذلك بقوله تعالى في التيمم (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولم يقيد الأيدي بالمرافق وفي آية الوضوء قال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) فلا تحمل آية التيمم على آية الوضوء وذلك لاختلاف الحكم بين الطهارتين فإن طهارة التيمم في عضوين فقط وطهارة الوضوء في أربعة أعضاء وطهارة التيمم لا يختلف فيها الحدث الأكبر والأصغر وطهارة الوضوء الماء يختلف فيها الحدث الأصغر والأكبر فهكذا هذان الحديثان (ما أسفل من الكعبين ففي النار) و (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) لا يحمل أحدهما على الآخر وقد دل على ذلك ما أخرجه مالك من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إزرة المؤمن إلى نصف ساقه وما أسفل من الكعبين ففي النار ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين من جر ثوبه خيلاء وبين ما نزل عن الكعبين.
***(22/2)
السؤال: يقول في حديث تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء ما المقصود بالخيلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قول السائل تحريم إسبال الثوب إلا لغير الخيلاء هذا غلط فإن إسبال الثوب محرم سواء كان لخيلاء أو لغير خيلاء لكن إن كان للخيلاء فإن وعيده شديد جدا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالوا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وهذا وعيد عظيم وأما الإسبال بدون خيلاء فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أسفل من الكعبين ففي النار) فهو يعذب بالنار عذابا جزئيا على قدر ما حصل منه من المعصية والفرق بين الوعيدين عظيم فيكون قول السائل إذا لم يكن خيلاء يكون غلطا بل نقول إنه إذا أسبل فقد أتى منكرا وكبيرة من كبائر الذنوب لكن تختلف العقوبة فيما إذا كان ذلك خيلاء أو غير خيلاء والخيلاء معناه التكبر والتعاظم أن الإنسان يفعل ذلك تكبرا وتعاظما وفخرا وما أشبه ذلك من المعاني.
(ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم وله عذابٌ عظيم قالها ثلاثاً وأبو ذر يقول خابوا وخسروا من هم يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكذب) وفي حديث ابن عمر (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فيكون حديث ابن عمر موافقاً لحديث أبي ذر ويكون المسبل أي خيلاء فإذا جر الإنسان ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ عظيم أما إذا صنعه لغير الخيلاء وإنما هو للعادة فإنما أسفل من الكعبين ففي النار لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) فيكون حراماً لكن ليست له العقوبة التي يعاقب بها من جر ثوبه خيلاء لأن هذا (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) يكون التعذيب بالنار على ما نزل من الكعبين فقط يكوى به ويعذب به في النار ولا تعجب أن يكون العذاب بالنار بجزءٍ من البدن فهذا ثابت في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة (ويلٌ للأعقاب من النار) في قومٍ توضؤوا وقصروا في غسل أرجلهم فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته (ويلٌ للأعقاب من النار، ويلٌ للأعقاب من النار) فهنا العقوبة على محل التقصير فقط وهي الأعقاب كذلك (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) العقوبة على ما حصل فيه التعدي وهو ما تحت الكعبين فقط على هذا نقول ما نزل عن الكعبين من الثياب فهو حرامٌ سواءٌ صنعه الإنسان خيلاء أو لعادةٍ بين الناس وهذه العادة يجب أن يبتعد عنها لأن العادة إذا خالفت الشرع فهي عادةٌ باطلة يجب على المرء أن يتجنبها.
وأما بالنسبة لصحة الصلاة فإن هذه المسألة مبنية على أصلٍ مختلفٍ فيه وهو هل من شرط صحة الصلاة أن يكون الساتر مباحاً أولا, فمن العلماء من قال إنه يشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً وأن الرجل إن صلى في ثوبٍ محرمٍ عليه بطلت صلاته وعلى هذا فإذا صلى في ثوبٍ خيلاء فصلاته باطلة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وفيه حديثٌ تكلم العلماء فيه من حيث الصحة ومن العلماء من يقول إنه لا يشترط في الساتر أن يكون مباحاً بل يحصل الستر بالثوب المحرم لأن حقيقة الستر حصلت وكون الثوب محرماً لا يمنع من الستر به وإنما يأثم الإنسان به وعلى هذا فتصح الصلاة بالثوب وإن كان خيلاء وعلى كل حال المسألة يجب على المسلم ألا يكون نظره من زاويةٍ واحدة هل تصح الصلاة أو لا تصح بل يجب أن ينظر من الناحيتين فنقول هذا ثوبٌ محرم والواجب على المسلم أن يتجنبه في صلاته وغير صلاته وهذا كما هو معروف بالنسبة للرجال أما النساء فالمشروع في حقهن أن يسترن أقدامهن بثيابهن.
***(22/2)
السؤال: يقول فضيلة الشيخ ما حكم الإسبال الذي عم بين الكثير من الناس وما هو ضابطه وهل هو مقيد بالخيلاء
فأجاب رحمه الله تعالى: الإسبال هو أن يكون الثوب أو السروال أو المشلح نازلاً عن الكعب في حق الرجال وهو محرم بل من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه مسلمٌ عن أبي ذرٍ رضي الله عنه (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) المسبل هو من نزل ثوبه من سروال أو إزار أو قميص أو مشلح عن الكعبين والمنان هو الذي يمن بما فعل من المعروف لغيره فتجده يمن عليه ويذكره بما فعل فيه من معروف، والمنان صيغة مبالغة تقتضي أنه كثير المن فيما يأتي به من معروف أما المنفق سلعته بالحلف الكاذب فهو الذي يحلف في بيعه وشرائه من أجل زيادة الثمن وهو كاذب بأن يقول والله قد اشتريتها بمائة وقد اشتراها بثمانين أو يصفها بصفةٍ ليست فيها من أجل أن يزيد الثمن الشاهد في هذا الحديث هو قوله المسبل وظاهر الحديث الإطلاق سواءٌ أسبل بخيلاء أم لا وإنما حددناه بالكعبين لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أما ما كان فوق الكعبين فلا يضر وقد يقال إن النازل عن الكعبين ينقسم إلى قسمين الأول أن يجر ثوبه خيلاء فهذا هو الذي فيه الوعيد الشديد أن الله لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم وعلى هذا فيكون حديث أبي ذر مقيداً يدل على أن المراد من فعل ذلك خيلاء وأما من نزل ثوبه عن كعبيه بلا خيلاء فإن عقوبته دون ذلك وهو أنه يعذب في النار بحسب ما نزل من ثوبه عن كعبيه وهذا عذابٌ جزئي ولا تستغرب أن يكون العذاب جزئياً فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال حين جعل بعض الصحابة يغسل رجليه دون عقبيه نادى بأعلى صوته (ويلٌ للأعقاب من النار) وخلاصة الجواب أن من أسبل ثوبه خيلاء فله هذا الوعيد الذي في حديث أبي ذر أن الله لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم وإذا كان غير خيلاء فإنه متوعد عليه بالنار لكنه وعيدٌ جزئي فيما حصلت فيه المخالفة فقط.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم نشاهد البعض من الناس يقصر ثوبه ويطيل السروال فما ترون في ذلك فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أنه لا حرج في ذلك ما دام السروال لم ينزل عن الكعبين إلا أن يكون هذا اللباس شهرة بحيث يشتهر به بين الناس بحيث يقال فلان يلبس على هذه الكيفية أو يقال إن فلاناً من الطائفة الفلانية يعني الذين يعتادون هذا اللباس فإنه في هذه الحال لا يفعل لأنه منهيٌ عن لباس الشهرة وأما إذا قصر الثوب ونزل السروال إلى أسفل الكعبين فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أسفل من الكعبين ففي النار) فلا يجوز للإنسان أن ينزل سرواله أو قميصه أو مشلحه عن الكعبين فإن فعل فقد عرض نفسه لهذه العقوبة أن يعذب ما نزل في النار والمراد بذلك أن يعذب من قدمه بمقدار ما نزل عن الكعبين.
فإن قال قائل كيف يكون التعذيب على جزء البدن قلنا يمكن هذا لا غرابة فيه ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يومٍ في سفر فأدركتهم صلاة العصر فجعلوا يتوضئون ويمسحون على أقدامهم وربما يغسلونها دون العقب فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته (ويلٌ للأعقاب من النار) فهنا جعل الوعيد على ما حصلت به المخالفة.
***(22/2)
السؤال: يقول السائل فضيلة الشيخ البعض من الناس يقومون بتقصير ثيابهم إلى ما فوق الكعب ولكن السراويل تبقى طويلة فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى:قبل أن أجيب على هذا السؤال أحب أن أذكر إخواني المسلمين بنعمة الله علينا بما أنزل علينا من اللباس قال الله تعال (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) فاللباس المواري للسوءات هو اللباس الضروري والريش هو اللباس الكمالي وكلاهما قد أنعم الله به علينا في هذه البلاد ولله الحمد والمنة نسأل الله تعالى أن يرزقنا شكر هذه النعمة حتى تدوم وتزيد يقول الله عز وجل (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً ولباس التقوى ذلك خير) لباس التقوى ذلك خير وهذا إشارة إلى أنه يجب علينا أن نستعمل هذا اللباس الذي أنزله الله علينا على وجه تحصل به تقوى الله عز وجل ومن ذلك أن نتجنب في لباسنا ما حرم علينا من تنزيل اللباس إلى ما تحت الكعب أي كعب الرجل فإن تنزيل اللباس إلى ما تحت كعب الرجل كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توعد على ذلك فإن جره الإنسان خيلاء فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم وإن نزل عن الكعب لغير خيلاء فإن ما أسفل من الكعبين ففي النار صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا فرق في هذا بين الثوب أو السروال أو المشلح كل ما يلبس لا يجوز للإنسان أن ينزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه أسفل من الكعبين هذا في الرجال أما النساء فإنهن مأمورات بأن ينزلن ثيابهن حتى تستر أقدامهن وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تنزل ثوبها إلى ذراع يكون وراءها من أجل أن تستر أقدامها عن الناظرين إذن الشرع الإسلامي يوجب على المرأة أن تنزل من الثياب ما يحرمه على الرجال لكن مع الأسف أن الأمر انقلب رأسا على عقب تجد طفلا وطفلة يمشيان في السوق الطفل ثوبه إلى كعبه والطفلة ثوبها إلى ما فوق الركبة يعني عكسنا الآداب الإسلامية تماما وهذا مما يخشى منه أن تنزل بنا عقوبة نحن لا نقول إن الصغيرة التي دون السبع لا يحل أن تكشف ساقها لكننا نقول تعويد البنت على هذا اللباس القصير يرفع عنها الحياء ويوجب لها أن تستمرئ هذا اللباس القصير وأن يكون هذا من دأبها إذا كبرت الآن تجد أن الحضارة عند بعض الناس أن يكون لباس المرأة قصيرا ولباس الرجل طويلا أليس هذا قلبا للحقائق الإسلامية أليس هذا مما يوجب الخوف على هذه الأمة أن تستمرئ المعاصي ولاسيما الكبائر في تنزيل ثياب الرجال تحت الكعبين ثم تستمرئ معصية أخرى ثم أخرى ثم أخرى حتى يخشى أن نقع جميعا في قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وإنني بهذه المناسبة وإن لم يكن لها ذكر في السؤال أود أن أحذر أخواتي المسلمات وأولياء أمورهن من التسرع والتسابق إلى أنواع هذه الألبسة التي ترد علينا من الخارج والتي توجد في المجلات الأجنبية التي ملأت محلات الخياطة حتى إذا وقفت المرأة على المحل عرض عليها من هذه الأزياء ما يخالف فطرتها ودينها وما يوجب أن تتشبه بأعداء الله الذين جاءت منهم هذه المجلات وتسمى عند النساء الفردة فأنا أحذر أخواتي المسلمات من النظر في هذه المجلات وأقول للمسئولين عنهن إنكم مسئولون عنهن أمام الله وإنه لا يحل لكم أن تمكنوهن من اقتناء هذه المجلات أو النظر فيها ثم أقول مرة ثانية إنكم مسؤولون عن أموالكم التي تبذلونها لهؤلاء النساء كلما جاءت موضة جديدة تركت الموضة الأولى ولو لم تكن لبستها إلى الموضة الجديدة فضاع المال بل حتى وإن كانت الأموال منهن من النساء فامنعوهن من هذا التصرف الذي أدنى ما نقول فيه إنه إسراف وقد قال الله تبارك وتعالى (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي أمتنا ورعاتها ورعيتها ذكورها وإناثها صغارها وكبارها إلى ما كان عليه نهج هذه الأمة في سلفها الصالح إنه على كل شيء قدير.
***(22/2)
لبس الساعة(22/2)
السؤال: يقول يوجد في الأسواق ساعات تحمل إشارة صلىب فهل استعمالها مباح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعرف أن الصلىب كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكسره ويزيله عليه الصلاة والسلام فإذا كان الصلىب مجسماً وجب كسره وإذا كان بالتلوين كما يوجد في بعض الساعات فإنه يطمس بأن يوضع عليه لون يزيل صورته حتى لا يبقى في الساعة شيء منه ولا ينبغي للإنسان أن يحمل في يده ما فيه شعار النصارى فإن هذا فيه من تعظيمهم ما هو ظاهر وفيه أيضاً من التشبه بهم
قد يقول قائل إن هذا الصلىب لا يقصد به التعظيم في وضعه في مثل الساعة وبعض الآلات وإنما هو شعار الشركة فنقول إن ظاهر الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فرق بين أن يوضع الصلىب من أجل تعظيمه والإشارة إلى كونه من شعائر النصارى وبين أن يكون لمجرد الدلالة على هذه الشركة أو هذا المصنع والمسلم يجب عليه أن يبتعد ابتعادا شديدا عما يكون من شعائر غير المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من تشبه بقوم فهو منهم) أما ما يظهر منه أنه لا يراد به الصلىب لا تعظيماً ولا لكونه شعاراً مثل بعض العلامات الحسابية أو بعض ما يظهر في الساعات الإلكترونية من علامة زائد فإن هذا لا بأس به ولا يعد من الصلبان في شيء.
***(22/2)
السؤال: يقول بالنسبة لاستعمال الساعة باليد اليمنى كموضة جديدة أتميز بها عن الآخرين هل هذا بدعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وضع الساعة باليد اليمنى أو اليسرى على حد سواء لأن الساعة أشبه ما تكون بالخاتم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يختتم بيده اليسرى ويده اليمنى لكن لو أن الإنسان وضعها باليمنى إشعاراً بأنه ملتزم أي ملتزم بالسنة فهذا ينهى عنه لأنه لم ترد السنة بوضع الساعة باليد اليمنى ووضعها باليد اليسرى هو الموافق لأكثر الناس وهو أسلم للساعة إذ أن اليد اليمنى هي يد العمل والحركة ولأنه غالبا أسهل للإطلاع عليها فإذا كان الإنسان يأكل مثلا وهي بيده اليمنى قد يكون من الصعب أن ينظر إليها ولكن من السهل أن ينظر إلى يده اليسرى وعلى كل حال فالأمر واسع إن شاء وضعها في اليمنى وإن شاء وضعها في اليسرى.
***(22/2)
السؤال: يسأل عن حكم الشرع في نظركم في لبس الساعة باليد اليمنى هل فيه حرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الساعة باليمين لا حرج فيه ولا أفضلية فيه فالإنسان مخير بين أن يلبس ساعته باليمين أو في الشمال وقد ثبت (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتختم باليمين تارة وباليسار تارة) ولبس الساعة من جنس التختم وعلى هذا فنقول من لبسها باليسار فلا شي عليه ومن لبسها باليمين فلا شي عليه ولا أفضلية لأحدهما على الأخر.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لبس الساعة باليمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى:لبس الساعة باليد اليمنى أو اليسرى على حدٍ سواء لأن أقرب ما يكون إليها الخاتم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان أحياناً يلبس الخاتم باليمين وأحياناً يلبسه باليسار فالساعة أقرب شيء إلى الخاتم فمن لبسها باليمين فهو على خير ومن لبسها باليسار فهو على خير ولكن أكثر الناس اليوم يلبسها باليسار لأن اليمين أكثر شغلاً من اليسار وإذا لبسها أي لبس الساعة باليمين فقد تعيقه عن الشغل وربما تتعرض لانكسار أو تخلخل فلهذا اختار أكثر الناس أن يلبسها في اليسار ولا حرج في هذا ولا فضل لليمين عن اليسار في هذه المسألة.
***(22/2)
التشبه في اللباس(22/2)
السؤال: يقول امرأة تخصص ثوباً للصلاة وهو من ثياب الرجال هل تجوز صلاتها وهل يدخل ذلك في باب التشبه بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال فإن لبسها إياه حرام سواء كان في حال الصلاة أو في غير حال الصلاة وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية ليست الخصوصية في اللون ولكنها في اللون والصفة ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل
وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً وهذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً ومنهم من لم يشترط ذلك وحجة القائلين باشتراطه أن ستر العورة من شروط الصلاة ولا بد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه فإذا لم يأذن الله فيه لم يكن ساتراً شرعاً لوقوع المخالفة وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم أن الستر قد حصل والإثم خارج عن نطاق الستر وليس خاصاً بالصلاة بتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها وعلى كل حال فالمصلى بثوب محرم عليه على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه.
***(22/2)
السؤال: تقول في بعض الأحيان تلبس المرأة قميص زوجها فهل يجوز ذلك أم أن ذلك يدخل ضمن التشبه بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا يدخل ضمن التشبه بالرجال فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثوب الرجل ولا يجوز للرجل أن يلبس ثوب المرأة لأن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم (لعن المتشبهين من الرجل بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) وأما ما كان مشتركا بينهما مثل بعض الفنائل التي يلبسها الرجال والنساء فإنه لا بأس به أي لا بأس أن يلبسه الرجال والنساء لأنه مشترك.
***(22/2)
السؤال: تقول عندما نشتري بعض الملابس للأولاد أو للبنات ويكبروا عنها فلا تعد تصلح لهم مع أنها صالحة للاستعمال فهل يجوز أن نلبس البنت ملابس الولد أو العكس نرجوا الإفادة بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تلبس البنت ملابس الولد ولا الولد ملابس البنت لأن هذا يتضمن تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشهين من الرجال بالنساء) وقد نص أهل العلم رحمهم الله أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ لبسه وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان فضل لباس لا يصلح لمن يلبسه فإن الأفضل أن يتصدق به إما على المحتاجين في بلده أو على المحتاجين في بلدٍ آخر يرسله إليهم ولا يجوز في هذه الحال أن يتلفه مع إمكان الانتفاع به لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإتلاف ما يصلح للاستعمال مع إمكان وجود من يستعمله إضاعةٌ للمال.
***(22/2)
ما رأي الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في ارتداء الملابس المستوردة من أوروبا أمام المحارم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الألبسة الواردة من أوروبا أو من غيرها من بلاد الكفر لا تخلو من حالين:
إما أن تكون من الألبسة الخاصة بالكفار التي لا يلبسها إلا الكفار فهذه يحرم على المسلم لبسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقومٍ فهو منهم) وأدنى أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي أن من تشبه فهو كافر ككفرهم لكن إذا كان التشبه ليس تشبهاً في العقيدة أو في العمل الذي يؤدي إلى الكفر فإنه يحرم فقط.
أما إذا كانت هذه الألبسة ليست خاصةً بالكفار بل يلبسها المسلمون وغيرهم فينظر فيها إن كانت مشتملة على محرم مثل أن يكون فيها صور حيوان أو كانت ضيقة بالنسبة للمرأة أو كانت قصيرة فإنها حرام وإلا فلا بأس بها وإنما قلنا بتحريم الضيقة والقصيرة لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد نساءٌ كاسياتٌ عاريات مائلاتٌ مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا يدل على تحريم اللباس الذي يكون كسوةً لا تستتر بها العورة إما لضيقها أو لقصرها كما قال بذلك أهل العلم أو لكونها شفافة يرى من ورائها.
***(22/2)
السؤال: تقول يا فضيلة الشيخ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ما معناه (من تشبه بقوم فهو منهم) السؤال يا فضيلة الشيخ بأن الأمر قد بلغ حدا كبيرا فألبستنا من الكفار غالبا ومتاع البيت أيضا فما العمل في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالتشبه أن يفعل الإنسان شيئا خاصا بالكفار بمعنى أن من رآه ظن أنه كافر لأن حليته ولباسه حلية الكافر ولباسه وليس كل فعل فعله الكفار يكون تشبها إذا فعلناه وليس كل الأطعمة التي يصنعها الكفار يكون تشبها إذا أكلناها المراد بالتشبه أن يفعل ما يختص به الكافر فمن تشبه بقوم فهو منهم ولهذا لما كان لبس الرجل للبنطلون تشبها بالكفار لأن المسلمين ما كانوا يلبسونه ثم شاع وانتشر وصار غير خاص بالكفار صار لبسه جائزا للرجال وأما النساء فمعلوم أنه لا يجوز لهن لبس البنطلون ولو عند الزوج لأن ذلك من باب التشبه بالرجال.
***(22/2)
يقول هل لبس المرأة البنطلون والفستان القصير أمام النساء حرام أم يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا شك أن البنطلون والفستان القصير لا يحصل به ستر العورة أما الأول فلأن البنطلون على قدر العضو كل عضو له قدر مقدر فيه ومعنى ذلك أنه يصف أعضاء البدن أي يصف أحجامها وهذا نوع من الكشف فهي في الحقيقة كاسية عارية وأما الفستان القصير فإنه كذلك لا يحصل به ستر العورة لكن إذا كان قصيرا بحيث لا يحصل منه كشف المرأة لجسمها إلا ما يجوز كشفه للمرأة فهذا لا بأس به أمام النساء لأن المرأة يجوز لها أن تنظر من المرأة إلى ما سوى ما بين السرة والركبة فإذا كان لا يظهر منه إلا ذلك فلا حرج فيه مع النساء.
***(22/2)
لبس الحرير(22/2)
السائل: يقول سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) أو كما قال فهل هناك فرقٌ بين الحرير الطبيعي والصناعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لباس الحرير للمرأة جائز لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحرير والذهب (أحل لإناث أمتي) وأما الذكر فإنه لا يجوز له لبس الحرير والحديث الذي أشار إليه السائل (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) يدل على أن لبس الحرير من كبائر الذنوب لأن الوعيد لا يقع إلا على كبيرة من الكبائر وهذا في الحرير الحقيقي الطبيعي أما الحرير الصناعي الذي ليس بطبيعي فإنه لا يحرم على الرجل ولكن ينبغي للإنسان أن لا يلبسه لأنه قد يشعر بميوعة وحب الترف وهذا قد يدخل في الإسراف أو قد يدخل فيما يكون به الفتنة فالبعد عنه أولى وإن كان جائزاً.
***(22/2)
السؤال: يقول اشتريت لباسا من نوع معين وبعد اللبس اتضح لي بأنها مصنوعة من الحرير هل أستمر في لبسها أم أتصدق بها أم أقوم ببيعها لأن الحرير محرم كما سمعت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تبين لك أن هذا اللباس الذي كنت تلبسه من الحرير الخالص الحرير الطبيعي فإنه لا يحل لك أن تلبسه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم على الرجال لباس الحرير والتحريم عام يشمل الصغار والكبار إلا ما استثني وليس عليك إثم فيما مضى حيث كنت تلبسه وأنت لا تعلم أنه من الحرير لقول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) أما إذا كان من الحرير الصناعي أو كان مخلوطا من الحرير والقطن أو من الحرير والصوف وغالبه من غير الحرير فلا حرج عليك في الاستمرار في لبسه.
وإنني بهذه المناسبة أحذر شبابنا في بلادنا وغير بلادنا من لبس الحرير فإن الحرير للنساء والرجل ينبغي أن يكون رجلَ قوة وخشونة وليس رجل ميوعة وليونة لأن الليونة إنما تكون للنساء لاستعدادهن للتجمل للرجال والرجل ليس أهلا لذلك فعلى المؤمن أن يشكر نعمة الله عليه وألا يجعلها سبباً في معاصيه فإن صرف النعمة فيما لا يرضي الله كفر للنعمة وكفر النعم يخشى منه زوالها قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار ِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) وقال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) الآيات في هذا المعنى كثيرة أي في التحذير من كفران النعمة وصرفها فيما لا يرضي الله عز وجل.
***(22/2)
السؤال: تقول أفيدكم بأني أرى بعض الناس يفرشون الديباج وتحتها مفروش بالزل ونريد أن نفرش بالديباج هل هذا يجوز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الديباج الذي أكثره حرير لا يجوز فرشه وإذا كان الحرير أقل من الموجود فيه مما نسج معه فإنه جائز ولكن الأولى أن لا يفعل لأن هذا قد يكون من الإسراف الذي لا يحبه الله عز وجل ولا فرق بين أن يكون هذا الافتراش بالديباج المحرم لا فرق بين أن يكون المفترش له رجلاً أم امرأة لأن القول الصحيح أن الديباج أو الحرير إنما يباح للنساء في ألبستهن فقط وأما في الفرش فإنه لا فرق بين المرأة والرجل في منعها من افتراش الحرير.
***(22/2)
لبس الخاتم(22/2)
السؤال: يقول ما حكم الإسلام في نظركم في لبس الرجل للذهب إن كان في حالة خطبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الرجل للذهب محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير (إنهما حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها) ورأى رجلاً عليه خاتم من ذهب فأخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده ورمى به وقال (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده) فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به فقال لا والله لا آخذ خاتماً رمى به النبي صلى الله عليه وسلم فتركه الرجل ترك خاتمه فلا يحل للرجل أن يلبس خاتماً من الذهب ولا إزاراً من الذهب ولا قلادة من الذهب سواء لبسه لبساً دائماً أو لبسه لمناسبة خطبة امرأة أو غير ذلك والرجل رجل برجولته لا بما يتحلى به وإنما التي تحتاج إلى التحلي هي المرأة كما قال الله تعالى (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) بعد قوله (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) يعني لا يستوي هذا وهذا فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يدعوا لبس الذهب سواء كان ذلك لمناسبة أو غير مناسبة ومن كان عنده شيء من ذلك فليبعه لمن يلبسه من النساء أو يهديه إلى أهله من زوجة أو قريبة.
***(22/2)
السؤال: تسأل عن وضع الدبلة عند الخطوبة حتى يعرف الشاب أو الشابة بأنهما مخطوبان وكذلك بعد الزواج، وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس خاتماً في يده كدبلة كما سمعت من البعض نرجوا الإفادة جزيتم خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدبلة لباسها على قسمين:
القسم الأول أن يكون مصحوباً بعقيدة مثل أن يعتقد كل من الزوجين أن بقاء الدبلة في أصبعه سبب لدوام الزوجية بينهما ومن هنا تجد الرجل يكتب اسم زوجته في الدبلة التي يلبسها والمرأة تكتب اسم زوجها في الدبلة التي تلبسها وهذا القسم لا شك أنه حرام ولا يجوز لأنه نوع من التولة وهي نوع من الشرك الأصغر وذلك أن هذا الزوج أو الزوجة اعتقدا في أمر من الأمور أنه سبب بدون دليل شرعي ولا واقع حسي وكل من أثبت سبباً من الأسباب بدون دليل شرعي ولا واقع حسي فقد فعل شركاً أصغر لأنه جعل ما لم بجعله الله سبباً سبباً.
أما القسم الثاني كأن يلبس الدبلة للإشعار بأنه خاطب أو بأنها مخطوبة أو بأنه قد دخل بزوجته وقد دخل بها زوجها وهذا عندي محل توقف لأن بعض أهل العلم قال إن هذه العادة مأخوذة عن النصارى وأن أصلها من شعارهم، ولا شك أن الاحتياط للمرء المسلم البعد عنها، لئلا يقع في قلبه أنه تابع لهؤلاء النصارى الذين سنوها أولاً فيهلك، وأما ما يرسل إلى المخطوبة عند الخطبة من أنواع الحلي فإن هذا لا بأس به لأنه عبارة عن هدية يقصد بها تحقيق رغبة الزوج لمخطوبته.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز لبس دبلة من الذهب الأبيض للرجال وذلك لغرض الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لبس الدبلة للزواج إن كانت من ذهب فهي حرام على الرجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه رأى رجلاًَ عليه خاتم من ذهب فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فطرحه فقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به قال والله لا آخذ خاتماًَ طرحه النبي صلى الله عليه وسلم)
وأما إذا كانت من فضة وتعبير السائل عنها بالذهب الأبيض إن كان يريد الفضة فهو خطأ وإن كان يريد الماس فالماس ليس بذهب بل الذهب هو الذهب المعروف الأحمر أقول إن كانت الدبلة من غير الذهب فإنه لا بأس بها من حيث هي بذاتها لكن إن صحبها عقيدة بأنها توجب بقاء المودة والمحبة بين الرجل وبين زوجته كانت حراماً لهذه العقيدة الفاسدة فإن وجود الدبلة لا يستلزم بقاء المودة بين الرجل وزوجته وكم من أناس لبسوا دبلاً فحصل بينهم وبين زوجاتهم الفراق والعداوة والبغضاء وكم من أناس لم يلبسوا ذلك وألقى الله بينهم المودة والمحبة ثم إنه قد قيل إن أصل هذه الدبلة مأخوذ من النصارى فإذا كان الأمر كذلك صار فيه محذور آخر وهو التشبه بأعداء الله النصارى.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تلبس الخاتم في الإصبع الأوسط أو السبابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أنه لا بأس إذا كان ذلك من عادة النساء أن يتحلين به وأما ما ورد من النهي في وضع الخاتم في السبابة فقد يقال إن هذا خاصٌ بالرجال وأما النساء فإن العادة في التجمل تبيح ذلك والله أعلم.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم لبس الخاتم في السبابة اليمنى واليسرى بالنسبة للرجل والمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخاتم يلبس في الخنصر وفي البنصر وفي الوسطى هذا هو الأكمل والأفضل سواءٌ بالنسبة للرجل أو للرجل والمرأة لكن لو جرت العادة بأن المرأة تتحلى بالخواتم في أصابعها الخمسة فلا حرج في ذلك.
***(22/2)
السؤال: التختم الجائز ما هو يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما مسألة التختم، فالتختم ليس بسنة مطلوبة بحيث يطلب من كل إنسان أن يتختم ولكنه إذا احتيج إليه فإن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلبسه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الملوك الذين كانوا في عهده لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً اتخذ الخاتم عليه الصلاة والسلام من أجل أن يختم به الكتب التي يرسلها إليهم، فمن كان محتاجاً إلى ذلك كالأمير والقاضي ونحوهما كان اتخاذه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يكن محتاجاً إلى ذلك فليس بسنة أن يلبسه.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز التختم بالحديد وإذا كان جائزاً فما هي الأحاديث الواردة في ذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التختم بالحديد اختلف فيه أهل العلم فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز إما مكروه كراهة تنزيه وإما مكروه كراهة تحريم واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم (سماه حلية أهل النار) وذهب آخرون إلى أنه مباح واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب منه أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا دليل على جواز التختم بالخاتم إذ أن الخاتم لا ينتفع به إلا بالتختم فلولا أنه جائز ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم (التمس ولو خاتماً من حديد) والأصل الحل إلا ما ثبت تحريمه والذي أرى في هذه المسألة أنه ينبغي للإنسان أن يتجنبه لأن الحديث الذي استدل به من قالوا بكراهة تنزيها أو تحريماً وإن كان بعضهم طعن فيه لكن يوجب للإنسان شبهة واجتناب الشبهات مما جاءت به الشريعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) .
***(22/2)
بارك الله فيكم ما حكم الشرع في نظركم في لبس الخاتم المنقوش عليه اسم الجلالة وما حكم لبس خاتم الحديد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المنقوش عليه لفظ الجلالة فإن كان ذلك لكون صاحبه نقش عليه اسمه وكان اسمه عبد الله فإن هذا لا بأس به وقد كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم مكتوباً عليه محمد رسول الله وأما إذا كتب لفظ الجلالة فقط فإن كتابة لفظ الجلالة فقط على الخاتم أو غيره لا معنى له ولا فائدة منه لأنه ليس كلاماً مركباً مفيداً وغالب من يكتبه على هذا الوجه إنما يقصد التبرك بهذا الاسم والتبرك باسم الله على هذا الوجه لا أصل له في الشرع فيكون إلى البدعة أقرب منه إلى الإباحة
وأما لبس خاتم الحديد فالصحيح أنه لا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يردها قال له (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا الحديث في الصحيحين وأما ما ورد (من أن الحديد لباس أهل النار) فقد قال بعض العلماء إنه حديث شاذ فلا يقبل.
***(22/2)
لبس الذهب(22/2)
السؤال: تقول ما حكم لبس المرأة خلخال الذهب في قدميها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تلبس من الذهب ما شاءت ما لم يصل إلى حد الإسراف سواء كان اللباس في القدمين أو في الذراعين أو في الأذنين أو على الرأس أو على النحر المهم أن المرأة يجوز لها أن تلبس من الذهب ما تريد ما لم يصل إلى حد الإسراف وكذلك لا تلبس من الذهب ما صنع على صورة حيوان كثعبان أو فراشة أو نحو ذلك فإنه لا يجوز لبس ما كان على صورة حيوان أو إنسان وكذلك لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان أو إنسان من الألبسة التي تلبس على البدن كالقميص والفنيلة وشبهها.
***(22/2)
السؤال: تقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تقول ما حكم ثقب الأذنين بالنسبة للمرأة لتضع فيه النساء الخلاخل من الذهب كما هي عادة النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لهذه السائلة وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته حكم ثقب الأذن جائز على القول الراجح ولا حرج فيه لأن ألمه وأذاه قليل ولا سيما إذا كان ذلك في أيام الصغر وما يحصل فيه من التجمل فيه كمال للمرأة لأن المرأة تكمل نفسها بالتحلي والتجمل كما قال الله تبارك وتعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) يعني أيكون من ينشأ بالحلية وهو في الخصام غير مبين كالكامل في نفسه الذي لا ينشأ في الحلية والذي هو بالخصام مبين يعني هل تكون المرأة كالرجل الجواب لا ليست المرأة كالرجل فالمرأة محتاجة إلى التزين والتجمل ومن ذلك ما تضعه في أذنها من الخروص ونحوها وعلى هذا فلا حرج أن تثقب شحمة أذنها لتعلق بها هذه الحلي.
***(22/2)
السؤال: تقول تخريق آذان البنت للتجميل أو لتعليق حلية من الذهب بها هل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا جائز ولا حرج فيه لأن المرأة محتاجة إلى تعليق الخروص وشبهها في أذنيها وهذا الثقب الذي يكون في شحمة الأذن لا يضرها بشيء.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز تركيب أسنان الذهب وإذا مات الميت هل تؤخذ هذه الأسنان الذهب التي في فمه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فإن أسنان الذهب لا يجوز تركيبها للرجال إلا لحاجة مثل أن تنقلع سنه ويحتاج إلى ربطها بشيء من الذهب أو تتغير بتكسر وغيره ويحتاج إلى تلبيسها ذهباً هذا بالنسبة للرجال
وأما بالنسبة للنساء فإذا اعتدن التجمل بتلبيس بعض الأسنان الذهب فإن هذا لا بأس به لأنه المرأة يجوز لها أن تتحلى بالذهب بما جرت به العادة فإذا كان من عادة النساء مثلاً أن يتحلين بالذهب في أسنانهن فإنه لا حرج في ذلك وفي تلك الحالين حال الحاجة للرجل وحال التجمل للمرأة إذا مات الميت فإن هذا الذهب يخلع منه لأن بقائه فيه إضاعة للمال والمال قد انتقل إلى الورثة بموت المورث ولكن إن خشي من ذلك مثلة بمعنى أننا لو خلعناه لانخلعت الأسنان الأخرى فإنه يبقى مع الميت وبقاؤه مع الميت إذا بلي يستخرج منه وإن سمح الورثة فلا حرج في ذلك لأنه مالهم وإذا تنازلوا عنه فلا حرج عليهم فيه.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز لي أن ألبس الذهب في الحفلات والمناسبات السعيدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تلبس الذهب في المناسبات والحفلات إذا لم يشاهدها أحد من الرجال الذين لا يحل لهم مشاهدتها يعني بأن لم يكن عندها إلا نساء أو رجال من محارمها.
***(22/2)
السائلة بركات من الجزائر تقول ما حكم لبس الذهب المحلق بالنسبة للمرأة وماذا تفعل المؤمنة إذا وقعت في حيرة من أمرها في ارتداء الذهب المحلق عند اختلاف العلماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسالة ما عليه جمهور العلماء حتى إن بعضهم حكى الإجماع عليه وهو جواز لبس النساء للذهب المحلق كالخواتم والأسورة وأنه لا بأس بذلك فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي حث النساء يوم العيد على الصدقة وقال (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فجعلت النساء تتصدق من خواتيمها وخرصها وأقراطها وما زالت النساء في عهود المسلمين إلى عهدنا هذا يلبسن الذهب المحلق وأجاب الجمهور عما ورد من التحريم في ذلك بأنه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على الجواز أو أنه كان حين قلة ذات اليد فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التوسع في ذلك أو أنه محمول على من أسرفت في استعمال المحلق من الذهب بأن تجعل على الإصبع خواتم تملأ الأصبع مثلاً أو على الذراع أسورة تملأ الذراع وما أشبه ذلك وعلى كل حال فنقول لهذه السائلة لا تتحيري إن الجمهور من أهل العلم من الأئمة وأتباعهم يقولون بجواز لبس الذهب المحلق للنساء وإذا تعارض عند الإنسان قولان أو فتويان من أهل العلم فليتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب في نظره لغزارة علمه وقوة إيمانه وتقواه لله عز وجل فإن لم يترجح عنده أحد من المختلفين فقيل إنه يخير بين أن يأخذ بقول هذا أو قول هذا وقيل بل يأخذ بقول أيسرهما قولاً لأن الأصل براءة الذمة من التزام الترك أو الفعل ولأن الأيسر أوفق للشريعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) ومن العلماء من قال يأخذ بالأشد لأنه أحوط وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقال (من اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) وقيل يأخذ بما تطمئن إليه نفسه ولو بدون مرجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) لكن الغالب أنه لا يتساوى عالمان مفتيان من كل وجه بل لابد أن يكون أحدهما أرجح من الآخر إما في علمه وإما في ورعه وتقواه لكن هذا قد لا يتسنى لكل واحد علمه فيبقى الإنسان متردداً وعليه فالذي أراه أقرب للصواب أن يأخذ بالأيسر لموافقته لروح الدين الإسلامي ولأن الأصل براءة الذمة.
***(22/2)
يقول متى يصبح الذهب محرماً على النساء يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهب ليس حراماً على النساء بل هو مما أحله الله لهن قال الله تعالى في كتابه (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) يعني المرأة وقال النبي عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير (حلٌ لإناث أمتي حرامٌ على ذكورها) فلها أن تلبس من الحلي ما شاءت إلا أن يكون محرماً بعينه أو بوصفه فالمحرم بعينه مثل أن يكون هذا الحلي على صورة حيوان ثعبان أو أسد أو غير ذلك فإن هذا لا يجوز لأن لبس الصورة أو ما فيه صورة محرم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) وإذا ابتليت المرأة بحليٍ على شكل صورة حيوان فإن بإمكانها أن تذهب به إلى الصاغة ليغيروا هذه الصورة إما بتصنيعه إلى وجهٍ آخر وإما بحك رأس هذه الصورة حتى تكون بلا رأس فإن الصورة إذا أزيل رأسها فهي حلال لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن جبريل قال له مر برأس تمثالك ليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة) أما الحلي المحرم لوصفه فهو أن يكون بالغاً إلى حد الإسراف فإنه إذا خرج إلى حد الإسراف صار محرماً لأن كل شيئ يخرج به الإنسان إلى حد الإسراف يكون محرماً لقوله تعالى في الأكل والشرب (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ونفي محبة الله للمسرفين يقتضي كراهة فعلهم وأنه لا يجوز لأنه عرضة إلى انتفاء محبة الله سبحانه وتعالى عن فاعل الإسراف هناك شيءٌ محرمٌ لكسبه من الحلي وهو أن يكون الحلي مسروقاً أو منهوباً أو ما أشبه ذلك فهو حرام فصار الأصل في حلي المرأة أنه يباح لها من الذهب ما شاءت إلا في الأحوال الثلاثة وهي ما كان محرماً لعينه أو لوصفه أو لكسبه فالمحرم لعينه كما أسلفنا هو ما كان على صورةٍ محرمة مثل أن يكون على صورة حيوان أو إنسان أو ما أشبه ذلك والمحرم لوصفه أن يكون بالغاً حد الإسراف والمحرم لكسبه أن يكون مكتسباً بطريقٍ محرم كالسرقة والنهب والغصب وما أشبه ذلك.
***(22/2)
ما حكم لبس أسنان الذهب بالنسبة للرجل وذلك للضرورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس أسنان الذهب للضرورة لا بأس به ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الرجل الذي ذهبت أنفه في القتال أن يتخذ أنفا من ذهب) فإذا انكسرت سن الإنسان واحتاج إلى أن يجعل بدلها قطعة من الذهب فلا بأس لكن لو جعل بدلها شيئا من السن الصناعي لكان أحسن وأقرب إلى تلائم الأسنان وعدم التشويه.
***(22/2)
يقول ما هي العلة في تحريم لبس الذهب على الرجال لأننا نعلم أن دين الإسلام لا يحرم على المسلم إلا كل شيء فيه مضرة عليه فما هي المضرة المترتبة على التحلي بالذهب للرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اعلم أيها السائل وليعلم كل من يستمع هذا البرنامج أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن هي قول الله ورسوله لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) فأي إنسان يسألنا عن إيجاب شيء أو تحريم شيء دل على حكمه الكتاب والسنة فإننا نقول العلة في ذلك قول الله تعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه العلة كافية لكل مؤمن ولهذا لما سئلت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) لأن النص من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام علة موجبة لكل مؤمن ولكن لا بأس أن يتطلب الإنسان الحكمة وأن يلتمس الحكمة من أحكام الله تعالى لأن ذلك يزيده طمأنينة ولأنه يتبين به سمو الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاث
ونقول بعد ذلك في الجواب على سؤال الأخ إنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث ووجه ذلك أن الذهب من أعلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية والرجل ليس مقصوداً لهذا الأمر أي ليس إنساناً يتكمل بغيره أو يكمل بغيره بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر لتتعلق به رغبته بخلاف المرأة فإن المرأة ناقصة تحتاج إلى تكميل لجمالها ولأنها محتاجة إلى التجمل بأعلى أنواع الحلي حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل قال الله تعالى في وصف المرأة (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) وبهذا يتبين حكمة الشرع في تحريم لباس الذهب على الرجال وبهذه المناسبة أوجه كلمة نصيحة إلى هؤلاء الذين ابتلوا من الرجال بالتحلي بالذهب فإنهم بذلك قد عصوا الله ورسوله وألحقوا أنفسهم لحاق الإناث وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلون بها كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وإذا شاءوا أن يتحلوا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل ذلك إلى حد السرف.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز لبس خاتم الذهب للرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يلبس شيئا من الذهب لا الخاتم ولا السلسلة ولا السوار ولا القلادة كل الذهب حرام على الرجال قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير (هما حل لإناث أمتي حرام على ذكورها) ورأى رجلا عليه خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم من يده وطرحه في الأرض أو رمى به في الأرض وقال (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده) فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيل للرجل (ألا تأخذ خاتمك) قال والله لا أخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عظم المخالفة في لبس الرجل لخاتم الذهب فإن قال قائل هذا رجل قد صُنع له خاتم من الذهب ماذا يصنع به نقول إن كان يصلح لامرأته أعطاها إياه وإن كان لا يصلح فليذهب به إلى الصائغ وليحوله إلى خاتم للنساء ويبيعه.
***(22/2)
السؤال: ويقول ما هي الحُلي التي يجوز للرجل أن يلبسها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا ينبغي للإنسان الرجل أن يذهب إلى التحلي وأن يجعل نفسه بمنزلة المرأة ليس له هم إلا تحسين شكله فإن هذا من شؤون النساء قال الله تبارك وتعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) يعني كمن لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام والذي ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين هو المرأة والذي لا ينشأ في الحلية وهو مبين في الخصام هو الرجل فلا ينبغي للرجل أن ينزل نفسه منزلة الأنثى بحيث ينشأ نفسه في الحلية ولهذا حرم على الرجل لباس الذهب سواء كان قلادة أو سواراً أو خاتماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (حل لإناث أمتي حرام على ذكورها) وأبيح للمرأة من الذهب كل ما جرت به العادة سواء كان من الخواتم أو الأسورة أو القلادة أو الخروص أو غير ذلك مما جرت العادة بلبسه فأما ما لم تجر العادة بلبسه لكونه إسرافاً فإن الإسراف لا يجوز في اللباس ولا في الأكل والشرب ولا في غيرهما لقوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .
وأما لبس الرجل الخاتم من الفضة فإنه جائز ولا حرج فيه لأن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه اتخذ خاتماً من ورق) أي من فضة.
أما الخاتم من الحديد فاختلف فيه أهل العلم فمنهم من كرهه ومنهم من أجازه وأظن أن بعضهم حرمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر أنه من حلية أهل النار) ومثل هذا الوصف يقتضي أن يكون حراماً لكن الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف لمخالفته لحديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يردها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا يدل على أن الخاتم من الحديد جائز فمن تنزه عنه أي عن خاتم الحديد فهو أولى وفي غيره من المعادن كفاية.
***(22/2)
السؤال: المستمع يقول تناقشت مع أحد الإخوة يقول بأن لبس الذهب للرجال حلال بحجة أن الرجل الغريب عن بلده يمكن أن يلبسه بثمن كفنه أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الذهب على الرجال حرام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) ولأنه رأى رجلاً وفي يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم من يده وطرحه في الأرض وقال (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيبقيها في يده أو قال فيضعها في يده) وأما قول السائل أنه يجعله في يده من أجل أن يكون كفنه لو مات فهذا رأي عجيب وغريب ولا يمكن أن تعارض به السنة النبوية الثابتة عن محمد صلى الله عليه وسلم ثم إنه ربما إذا مات وأراد أحد أن يجهزه يأخذ هذا الخاتم ويدعه يعني يسرقه منه بعد موته وعلى كل حال فإنها هذه علة عليلة علة ميتة لا أثر لها فلبس الذهب من الخواتم وغير الخواتم حرام على الرجال.
***(22/2)
السؤال: تقول المستمعة من العراق يملك أخي قلادة ذهبية لكنه لا يلبسها وإنما يحتفظ بها فقط في بعض الأحيان وبعض الأحيان يقوم بحملها في جيبه هل يصح عمله هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القلادة الذهبية لا بأس باقتنائها لكن بشرط أن لا يلبسها إن كان رجلاً ويجوز لبسها للمرأة وإذا كان الرجل لا يلبس القلادة من الذهب فأي فائدة لأخيكِ أن يحملها أو يضعها في جيبه أنا أخشى أنه يفعل ذلك من أجل أن يتبجح بها عند الناس حيث يخرجها أمامهم ويلعب بها في يده مثلاً وإلا فلا أظن عاقلاً يحمل قلادة في جيبه من الذهب دون أن يصنع بها شيئاً على كل حال إذا لم يلبسها ولم يخرجها مخرج الإعجاب والفخر فإن حمله إياها لا بأس به ولكني أقترح عليه أن يجعل هذه القلادة لزوجته إن كان متزوجاً أو لأحد من نسائه من أقاربه حتى يسلم من الإشكال الذي ورد عليّ الآن في كونه يحملها بدون أن يلبسها أو أن يخرجها في يده مخرج الإعجاب.
***(22/2)
السؤال: ما حكم لبس الذهب أو غيره المنقوش عليه لفظ الله أو محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس الذهب للرجال حرام بكل حال حتى وإن لم يكن عليه نقوش لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (حل لإناث أمتي حرام على ذكورها) أما بالنسبة للمرأة فالذهب حلال لها الخواتم والأسورة وغير ذلك لكن ما كتب عليه الله أو محمد فلا يلبس أما ما كتب عليه الله فلأنه تعبد لله تعالى بما لم يشرعه ولأن فيه امتهان لاسم الله عز وجل لأن المرأة ربما توضئ طفلها باليد التي فيها الخاتم وأما ما كتب عليه محمد فإنه يخشى أن يكون هذا من باب التبرك بهذا الاسم وهذا محرم إذ إن التبرك باسم الرسول صلى الله عليه وسلم المكتوب على ورقة أو على حديدة أو على غير ذلك من البدع فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يتباركون بمثل هذا أما لو كتبت المرأة اسمها على خاتمها لحاجة فلا بأس وأما ما يفعله بعض النساء من كتابة اسم الزوج على خاتمها وكتابة الزوج اسم امرأته على خاتمه فهذا بدعة بلا شك واتخاذ سبب لم يجعله الله تعالى سبباً لأنهم يزعمون إذا كتب اسم الزوج على خاتم المرأة أنه لا يطلقها وإذا كتب اسمه على خاتمها لم يطلقها هذا غلط لا أثر لهذا في الإمساك والطلاق.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز نقش الأسماء وكذلك الحروف سواء كانت بالعربي أم بالإنجليزي على الذهب هل في ذلك حرمة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتابة الأسماء على الذهب إذا كان تعني أن يكتب الاسم على الخاتم مثلاً لا بأس به وقد ثبت (أن نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان محمد رسول الله) فإذا نقش الاسم على الخاتم فلا بأس به اللهم إلا ما ذكر عن أهل الدبل الذين يكتبون أسماء زوجاتهم على خواتمهم وتكتب زوجاتهم أسمائهم على خواتمهنّ فإن هذا هو الذي ينهى عنه لأنه لا يخلو غالباً من اعتقاد فاسد حيث يظنون أن الرجل إذا كتب اسم زوجته على خاتمه وأن المرأة إذا كتبت اسم زوجها على خاتمها كان ذلك أدعى للارتباط بينهما وهذه عقيدة فاسدة باطلة.
***(22/2)
السؤال: ما حكم لبس لذهب الذي شكل الفراشة والموسى حيث إن إحدى المدرسات تقول إن هذا من الشرك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس قطع من الذهب إذا كان على صورة حيوان فإنه لا يجوز لأن لبس الصور محرم سواء كانت هذه الصور أحجاماً كما في قطع الذهب التي تشير إليها السائلات أو كان ألواناً كما يوجد في بعض الفنائل أو بعض القماش صور فراشة أو إنسان أو حيوان فهذا كله حرام لأن استعمال ما فيه الصورة أو استعمال الصورة محرم إلا صورةً في شيء يمتهن كالصور التي في الفرش وفي الوسائد وشبهها فإن الصحيح أن استعمالها جائزٌ ولا حرج فيه وأما قول المدرسة أن هذا من الشرك فليس من الشرك في شيء لكنه شيء محرم كما قلنا موسى الحلاقة هذا لا بأس به وإن كنت أكره من ناحية أنه يشير أو يرمز إلى موسى الحلاقة العانة أو ما أشبه ذلك وكل شيء يذكر بهذه الأمور فإنه لا ينبغي للمرأة أن تتجمل به.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول ما حكم استعمال أقلام الذهب أو الساعات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما لبس الساعات المذهبة للنساء فلا بأس به لأن ذلك من جملة الحلي بشرط أن لا تكلف المرأة نفسها بشراء هذه الساعات بحيث تكون قليلة ذات اليد فتستدين لشراء هذه الساعات أو تشتري هذه الساعات على حساب النفقة لأن ذلك من الإسراف وقد قال الله تعالى (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أما الرجل فلا يحل له أن يلبس الساعات المذهبة لعموم الحديث (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) وكذلك الأقلام لأن وضع الأقلام في الجيب نوع من التحلي ولذلك تجد بعض الناس يختار أنصع الأقلام وأحسنها شكلاً يضعه في جيبه والخلاصة أنه إذا كان ذلك أي إذا كان استعمال ذلك من الرجال فحرام وإن كان من النساء فحلال أما إذا كانت الساعة مطلية بالذهب لوناً فقط وليس له جرم فهذا لا بأس به ولكننا ننصح بعدم استعماله.
***(22/2)
لبس العمامة(22/2)
السؤال: يقول لبس العمامة هل هي من السنن المؤكدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس العمامة ليس من السنن لا المؤكدة ولا غير المؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبسها اتباعا للعادة التي كان الناس عليها في ذلك الزمن ولهذا لم يأت حرف واحد من السنة يأمر بها فهي من الأمور العادية التي إن اعتادها الناس فليلبسها الإنسان لئلا يخرج عن عادة الناس فيكون لباسه شهرة وإن لم يعتدها الناس فلا يلبسها هذا هو القول الراجح في العمامة.
***(22/2)
السؤال: هل يؤخذ من لبس الرسول صلى الله عليه وسلم للعمامة أن العمامة التي يعملها الطاعنون في السن هذه البيضاء التي تتخذ على الشماغ أن هذه من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي كونها من هدي الرسول أو ليست من هدية مبنية على هل التعمم عبادة أو عادة والذي يظهر أنه عادة وليس بعبادة وعلى هذا فيلبس الإنسان ما اعتاده الناس في بلده يكون هذا هو السنة أن يلبس الإنسان ما يعتاده الناس في بلده وليست العمامة من العبادة ويدل على هذا أننا لو قلنا إن العمامة من العبادة لقلنا أيضاً الرداء والإزار من العبادة وليدع الناس ثيابهم ويلبسوا أردية وأزراً وإن كان القميص قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس القميص لكن مع هذا يلبس كثيراً الرداء والإزار ومع هذا لو أن الرجل خرج في غير الإحرام بحج وعمرة بإزار ورداء في بلد لا يعتادون ذلك لعدوا هذا شذوذاً والصواب أن هذا أي لبس الرداء والإزار والعمامة من الأمور العادية إذا اعتادها الناس فالسنة ألا يخرج عما كان عليه الناس وإن كان لا يعتادونه فليلبس ما اعتاده الناس إذا لم يكن محرماً في الشرع.
***(22/2)
المرأة والتعليم(22/2)
السؤال: تقول أيهما أفضل بالنسبة للبنت أن تكمل تعليمها حتى الجامعة أو تكتفي بالمتوسطة وتجلس في رعاية أولادها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لها أولاد فإن الأفضل أن تقتصر على ما يحصل به الكفاية من قراءةٍ وكتابة وتتفرغ لأولادها وبيت زوجها.
***(22/2)
يقول السائل بالنسبة للمرأة عندما تقرأ القرآن مجوداً هل في ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في قراءة المرأة للقرآن مجوداً شيء من الإثم أو الحرج والمرأة كالرجل في الذكر والقراءة وإن كانت تختلف عنه في الأمور التي قد تحصل بها فتنة كرفع الصوت عند الرجال ونحو ذلك فإذا قرأت المرأة القرآن مجوداً فلا حرج عليها في ذلك اللهم إلا أن يكون حولها رجال وتقرأ بصوت مرتفع يخشى منه الفتنة فإنها لا تفعل.
***(22/2)
مستمعة تقول مجموعة من النساء لا نستطيع أن نحضر إلى المساجد لسماع الندوات فنضطر لشراء أشرطة المسجل لسماع هذه الندوات سؤالي هل ثواب السامع من الشريط هو نفس ثواب الجالس في المسجد مباشرة من تنزل الملائكة عليهم وإحاطتهم بالرحمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس الذين يستمعون إلى الأشرطة كالذين يحضرون إلى حلق الذكر ويشاركون الذاكرين في مجالسهم ولكن السامعين للأشرطة لهم أجر الانتفاع وطلب العلم الذي يحصلونه من هذه الأشرطة وكما قلت آنفاً ما أكثر ما حصل من الهدى والاستقامة بواسطة هذه الأشرطة والشريط كما نعلم خفيف المحمل سهل الاستفادة فالإنسان يمكن أن يستمع إليه وهو في شغله يمكن أن يستمع إليه في سيارته ماشياً في طريقه ومن أجل ذلك كان لهذه الأشرطة فضل كبير من الله سبحانه وتعالى علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذا التسهيل والتيسير.
***(22/2)
السؤال: ماحكم قراءة الكتب الدينية للحائض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول يجوز للمرأة الحائض أن تذكر الله وتهلله وتسبحه وتكبره وتقرأ ما شاءت من الكتب الدينية سواء كانت هذه الكتب من تفسير القرآن أو من الأحاديث النبوية أو من كتب الفقه أو غيرها فلا حرج عليها في ذلك
أما قراءة القرآن وهي حائض فقد اختلف فيها أهل العلم ولكن الراجح عندنا أنه لا يحرم عليها قراءة القرآن إذا احتاجت لذلك مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءة القرآن أمام الطالبات للتعليم أو تكون متعلمة تحتاج إلى قراءة القرآن للاختبار أو نحوه فهذا لا بأس به لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ليس في منع الحائض من قراءة القرآن سنةٌ صحيحةٌ صريحة والأصل براءة الذمة وجواز ذلك وهو مما تعم به البلوى ولوكان أمراً محرماً لكانت السنة في ذلك بينة واضحة لا تخفى على أحد ولهذا نقول اتباعاً للأحوط أن المرأة إذا احتاجت إلى قراءة القرآن وهي حائض فلا حرج عليها في ذلك وإلا فلها غنيةٌ بالتسبيح والتكبير والتهليل وقراءة الكتب الدينية كما في هذا السؤال.
***(22/2)
المرأة والاختلاط(22/2)
السؤال: يقول وسائل النقل في بلدنا جماعية ومختلطة وأحياناً يحدث ملامسة لبعض النساء دون قصد أو رغبة في ذلك ولكن نتيجة الزحام فهل نأثم على ذلك وما العمل ونحن لا نملك إلا هذه الوسيلة ولا غنى لنا عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المرء أن يبتعد عن ملامسة النساء يعني عن مزاحمتهن بحيث يتصل بدنه ببدنها ولو من وراء حائل فإن هذا داع للفتنة والإنسان ليس بمعصوم قد يرى من نفسه أنه يتحرز من هذا الأمر ولا يتأثر به ولكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فربما يحصل منه حركة تفسد عليه أمره فإذا اضطر الإنسان إلى ذلك اضطراراً لابد منه وحرص على أن لا يتأثر فأرجو أن لا يكون عليه بأس لكن في ظني أنه لا يمكن أن يضطر إلى ذلك اضطراراً لابد منه إذ من الممكن أن يطلب مكاناً لا يتصل بالمرأة حتى ولو كان واقفاً وبهذا يتخلص من هذا الأمر الذي يوجب الفتنة وعلى المرء أن يتقي الله ما استطاع وأن لا يتهاون بهذه الأمور كما أننا نرجو من القائمين على هذه الوسائل أي وسائل النقل أن يجعلوا مكاناً مخصصاً للنساء لا يتصل بهن الرجال.
***(22/2)
السؤال: ما حكم جلوس العائلة برجالها مع عائلات أخرى برجالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الجلوس المجرد مع المعارف فهذا لا بأس به لكن إن لزم منه تبرج أو كشف وجهه أو غيره مما لا يجوز كشفه للأجانب فإنه لا يجوز من هذه الناحية لما في ذلك من الفتنة أو ارتكاب المحرم في كشف الوجه وما يجب ستره لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز للمرأة كشف وجهها إلا لزوجها أو محارمها وأما من ليس محرماً لها ولا زوجاً فلا يجوز لها أن تكشف له وجهها بأدلة ليس هذا موضع ذكرها وقد كتبنا في ذلك رسالة طبعت مرتين.
***(22/2)
السائلة أم عبد الرحمن من البحرين تقول فضيلة الشيخ أعيش في عائلة يجتمع فيها الرجال والنساء الغير متحجبات ويحدث بينهم مزاح وضحك وما أشبه ذلك وعندما سألت عن ذلك قيل لي بأن ذلك لا يجوز ولا يجوز لي أيضاً الجلوس معهم وأن أشاركهم حتى على الوجبات غير أن ذلك يسبب لي المضايقات وأظل طول الوقت الذي هم فيه يجتمعون أقوم بالاختلاء في غرفتي وحيدة فبماذا تنصحونني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصيحة لك ولأمثالك ممن تجري عليه هذه القضية هو تقوى الله عز وجل بقدر المستطاع لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
ثانياً النصيحة لهؤلاء والموعظة بالتي هي أحسن لعل الله يهديهم على يد الإنسان.
ثالثاً أن يكون الإنسان مرناً واسع الصدر فيما يجري فيه الخلاف بين العلماء من غير دليلٍ قاطعٍ فاصل فإنه لا يلزم الإنسان بل ولا يجوز للإنسان أن يلزم الناس بما يرى وأن ينقلهم عما يرون فما دامت المسألة مسألة اجتهاد وليس فيها نصٌ قاطعٌ فاصل فإن لكلٍ من الناس اجتهاده فيترك الناس واجتهادهم وحسابهم على الله عز وجل فمثلاً هذه المرأة إذا كانت في بيئةٍ يرى أهلها أنه يجوز كشف وجه المرأة لغير المحارم والزوج فإنه لا يلزمها بأن تلزمهم بما ترى من وجوب الحجاب بل ولا يجوز لها أن تلزمهم بذلك لكن لها أن تناظرهم في هذه المسألة وأن تناقشهم في هذه المسألة حتى يصل الجميع إلى ما تقتضيه الأدلة الشرعية.
***(22/2)
السؤال: أحسن الله إليكم يقول شاب يسكن في بيت أهله ولكن هذا البيت فيه اختلاط ولا تستطيع زوجة هذا الشاب أن تتحجب بسبب الاختلاط هل يجوز أن يبني له بيتا بمفرده أم يعتبر ذلك من العقوق لتركه والديه مع إخوانه الذين يبلغ عددهم ثلاثة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يتضرر أو يتأذى ببقائه مع أهله في البيت فلا بأس أن ينفرد عنهم بسكن لكن مع قيامه ببر الوالدين والحضور إليهما صباحا ومساء والسؤال عنهما وعن أحوالهما وهل يحتاجان شيئا إذا كان عنده فضل مال ولا حرج عليه في هذا أما إذا كان لا يلحقه ضرر ولا أذية فالأولى أن يبقى عند والديه لأن ذلك أسر لهما وأجمع للشمل ومن الأذية أن يشاهد من إخوانه ما يخشى منه الفتنة بالنسبة لزوجته فإن الإنسان لا يمكنه أن يستقر في بيت يخشى على أهله من الفتنة.
***(22/2)
السؤال: تقول بأنها امرأة متزوجة تسكن في بيت أهل زوجها وفي البيت يوجد إخوان زوجي تقول وعندما أكون أعمل في داخل المطبخ مثلاً يأتي الإخوة إخوان زوجي ويدخلون في المطبخ ويأخذون ما يريدون ثم يخرجون وأكون متحجبة الحجاب الشرعي إلا اليدين أخرجهما لكي أستطيع العمل فهل عليّ إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك إثم في إخراج الكفين للعمل بحضور إخوان زوجك لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق التحرز منه وقد قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) اللهم إلا أن يصحب ذلك خوف من الفتنة مثل أن يكون إخوان الزوج ينظرون إلى كفيها نظرة مقصودة يخشى أن يكون فيها محذور ففي هذه الحال لا يجوز لها أن تكشف كفيها عند إخوان زوجها وأما دخول أحدهم عليها وهي في المطبخ فإن كان المطبخ شارعاً بمعنى أنه مفتوح وفي وسط الحاضرين الجالسين فإن هذا لا بأس به أما إذا كان المطبخ في ناحية من البيت وكان عليه باب فإنه لا يحل له أن يخلو بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) يعني أنه هو البلاء الذي يجب الفرار منه كما يحب المرء الفرار من الموت.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول أنا متزوج والحمد لله ولكن في بعض الأحيان تكون زوجتي خارج المنزل وعندما أحضر من السوق تناولني الطعام زوجة أخي التي معنا في حوش واحد هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إن كنت خالياً بزوجة أخيك ولم يكن في البيت سواكما فإن هذا حرام ولا يحل لك أن تخلو بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) وهذا غاية التحذير من الخلوة بالحمو، والحمو هو قريب الزوج وإنما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالموت لشدة التحذير منه لأن كل أحد يفر من الموت فكأنه قال فرَّ من الحمو كفرارك من الموت ونظير هذا قوله (فر من المجذوم فرارك من الأسد) والحاصل أن نقول إن كان هذا الذي تناوله زوجة أخيه القهوة والشاي أو الطعام في خلوة فإن ذلك حرام ولا يحل له أن يدخل البيت إلا ومعه أخوه إذا كان ليس في البيت إلا زوجة أخيه وأما إذا كان أخوه معه وقدمت القهوة أو الشاي أو الطعام لهما جميعا فهذا لا بأس به وقد جرت العادة بذلك ولا يحصل فيه شر اللهم إلا في قضية معينة بأن تكون امرأة الأخ شابة جميلة أو متجملة فهذه قد تحدث شهوة عند أخي زوجها وحينئذ يكون هذا حراما.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم تقول لي أخت متزوجة من رجل أبكم وأصم فهل يجوز لي أنا وأمي وأخواتي أن نجلس ونأكل من طعام واحد معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز هذا بشرط أن تحتجب المرأة عنه لأن الأصم الأبكم يرى فإذا كان يرى فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها إلا أن تكون من محارمه ثم إنه لا بد من ملاحظة وهي الأمن من الفتنة فإن كان يخشى من الفتنة لم تجز مجالسته والأكل معه ولو كان حال تغطية الوجه وأما الأعمى فإنه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عنده لأنه لا يبصر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة بنت قيس (اعتدي في بيت لابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) وكان عليه الصلاة والسلام (يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد) فدل هذا على أن نظر المرأة للرجال ليس بمحرم إلا أن يكون نظر تمتع سواء كان تمتع نظر أو تمتع شهوة فإنه يحرم عليها أن تنظر هذا النظر.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم في المرأة التي لم تحتجب وخاصة ونحن في الأرياف والاختلاط في البيت مع إخوان الزوج وكذلك الأقارب من العشيرة وهل يجوز لها أن تصافح أخا الزوج إذا عاد من سفره أو في مناسبة الأعياد وغيرها من المناسبات أفيدونا بهذا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المسلمين أن تكون مجتمعاتهم مجتمعات إسلامية يعني أن ينظروا ما كان عليه السلف الصالح من الهدي والأخلاق والآداب فيقوموا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا حثاً لأمته على اتباع هذا القرن الذي هو خير القرون وأما العادات الحادثة بعد فإنه يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما كان مخالفاً لكتاب الله أو سنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب طرحه والبعد عنه وما كان موافقاً أو غير مخالف فلا بأس به ثم إن العادات التي لا تخالف الشرع إذا وردت على عاداتنا وليس فيها خير ومصلحة زائدة على ما نحن عليه فإن الأولى بنا التمسك بما نحن عليه حتى نكون أمة لها شخصية وترتفع عن أحوال الجهال فهذه القرية التي أشار إليها السائل من كونهم لا يهتمون بهذا الأمر وإذا قدم أبناء العم من السفر صافحتهم بنت عمهم أو إذا أردوا أن يسافروا أو ما أشبه ذلك كل هذا من العادات القبيحة المخالفة للشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يصافح امرأة ليست من محارمه لأن في هذا خطراً وفتنة ودعوة إلى الفاحشة ولا يقول الإنسان أنا من الأقارب أنا مأمون وما أشبه ذلك وإن هذا هو الذي يجب الحذر منه ومن ثم سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمو يعني أقارب الزوج حين قال النبي عليه الصلاة والسلام (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) يعني أنه يجب الحذر منه كما يجب الحذر من الموت وذلك لأن الحمو الذي هو قريب الزوج إذا دخل بيت أخيه أو عمه أو قريبه لم يستنكره أحد ودخل وهو منشرح الصدر غير خائف فيكون في مثله الخطر والفتنة ولهذا حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام قال (الحمو الموت) .
***(22/2)
السؤال: السائل من اليمن من أبين يقول اختلاط الرجال بالنساء خصوصاًً في المناطق الريفية التي يعتبرون كأسرة واحده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هناك ثلاثة أمور، الأمر الأول السفر بالمرأة وحدها بدون محرم، والثاني الخلوة بالمرأة بغير محرم، والثالث الاختلاط في المجامع.
فأما الأول: وهو السفر سفر المرأة بلا محرم فإنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب الناس (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ولا فرق بين سفر العبادة وسفر العادة لعموم الحديث فلا يحل للمرأة أن تسافر للعمرة بلا محرم ولو كان معها نساء ولو كانت كبيرة السن ولو كانت ممن لا تتعلق بها أطماع الرجال لعموم الحديث ولا يحل لها أن تسافر لصلة رحم أو زيارة صديق أو ما أشبه ذلك ولا يحل لها أن تسافر سفر نزهة أو تجارة كل هذه الأسفار بجميع أنواعها لا يحل لها أن تقوم بها إلا بمحرم لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ولأن سفرها بدون محرم عرضة لتعلق الأطماع بها وربما تحتاج إلى شيء فلا تجد عندها محرم يعينها أو يكفيها المؤونة.
الثاني: الخلوة بالمرأة بلا محرم محرمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى وسلم (لا يخلون رجل بامرأة) وفي حديث آخر (ما خلى رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) وهذا يدل على التحذير البالغ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن شخصين ثالثهما الشيطان لا تؤمن عليهما الفتنة والزلة ولا فرق بين أن يكون الذي خلى بها قريب من غير المحارم أو غير قريب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) وهذه الجملة تفيد التحذير البالغ من خلوة الحمو الذي هو قريب الزوج بامرأته، وإن بعض الناس يتهاون في مثل هذا الأمر فتجد أخوين في بيت واحد ولأحدهما زوجة يخرج هذا الزوج إلى عمله ويبقي زوجته مع أخيه في البيت وهذا من أخطر الأمور وما أكثر المآسي التي نسمع بها من جراء ذلك ولا فرق في الخلوة بين أن تكون في منزل أو في سيارة ونحوها لأن العلة الموجودة في الخلوة في المنزل موجودة في الخلوة في السيارة والشريعة الإسلامية لا تفرق بين شيئين متماثلين أبداً وتهاون بعض الناس في هذا الأمر خطير جداً لأن بعض الناس يرسل ابنته الشابة مع السائق إلى المدرسة أو يرسل زوجته مع السائق إلى المدرسة وليس معهما أحد وهذا خطير جداً وكثيراً ما نسمع قضايا مزرية من جراء ذلك فعلى الإنسان أن يتقي ربه عز وجل وأن يحفظ محارمه وأن يكون فيه غيرة على أهله ونسائه
القسم الثالث الاختلاط العام فهذا إذا كان في السوق فمن المعلوم أن المسلمين تمشي نساؤهم في أسواقهم مع الرجال ولكن يجب هنا التحرز من المماسة والمقاربة بمعنى أنه يجب على المرأة وعلى الرجل أيضاً أن يبتعد أحدهما عن الآخر ويحسن جداً أن يكون معها محرم إذا نزلت إلى السوق لا سيما إذا كثر الفساد
هناك قسم رابع عام لكنه في الحقيقة فيه نوع من الخصوصية وهو الاختلاط في المدارس والجامعات والمعاهد وهذا أخطر من الاختلاط في الأسواق وذلك لأن الرجل والمرأة يجلسان مدة طويلة للاستماع إلى الدرس ويخرجان جميعاً إلى أسياب المدرسة أو المعهد أو الكلية فالخطر فيه أشد فنسأل الله أن يحمي شعوب المسلمين من كل سوء ومكروه.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم هل يجوز للمرأة أن تخدم ضيوف زوجها من الرجال بحضور زوجها وهل تجلس معهم كاشفةً للوجه إذا أمنت الفتنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز ذلك أي لا يجوز للمرأة أن تخدم الرجال مباشرةً ولو بحضور زوجها أو محرمها لأن هذا يؤدي إلى الفتنة بلا شك ولا يجوز لها أن تكشف وجهها وإن لم تباشر الخدمة مثل أن تأتي بالطعام أو بالقهوة تسلمها لزوجها أو وليها وتنصرف وهي في هذه الحال كاشفةٌ وجهها فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز لأن كشف المرأة وجهها للرجال الأجانب محرم كما دلت على ذلك آياتٌ من القرآن وأحاديثٌ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما يروى من حديث عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها وقال (إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه فإن هذا الحديث ضعيف سنداً ومنكرٌ متنا أما ضعفه سنداً فإن فيه رجالٌ ضعفاء ولأن خالد بن دريك الذي رواه عن عائشة لم يدرك عائشة فيكون فيه علتان من علل السند إحداهما انقطاع السند بين من رواه عن عائشة وبينها الثاني ضعف بعض رواته وأما المتن فوجه إنكاره أن أسماء بنت أبي بكر وهي المرأة العاقلة المؤمنة لا يمكن أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثيابٍ رقاق يكشفن ما ورائه حتى يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها فإنها أجل قدراً وأغزر علماً وديناً وأشد حياءً من أن تظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المظهر ومن المعلوم بأن المتن إذا خالف ما يعلم أنه على خلافه فإنه يدل على أنه متنٌ منكر وعلى هذا فإنه لا يجوز الاعتماد على هذا الحديث في جواز كشف الوجه والكفين.
***(22/2)
السؤال: تقول المستمعة من العادات التي أظن أنها سيئة في قريتنا وهي أن المرأة تجلس في منزلها مع الأجانب الذين يدخلون البيت سواء من أصدقاء زوجها أو والدها أو أبناء عمها أو أبناء خالها وكثير من الأجانب كالجار وزوج الأخت تقول ما الحكم في ذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أنه لا ينبغي للمرأة أن تختلط بالرجال ولو كانوا من أقاربها لأن ذلك سبب للفتنة وما أحسن أن يكون للرجال مجلس خاص وللنساء مجلس خاص بالعوائل حتى يكون الرجال على حدة والنساء على حدة وتبعد الفتنة التي تخشى من الاختلاط.
***(22/2)
المستمعة أم جويرية من دولة الكويت تقول تعودنا السفر بالطائرة وكما تعلمون إجراءات السفر للجوازات في المطار فكيف أتصرف إذا طلب مسئول التفتيش التأكد من شخصيتي كحاملة لهذا الجواز علماً بأنني كما أسلفت منقبة وهل يجوز للمنقبة أن تكشف وجهها أو يديها متى دعت الحاجة أمام أولاد العم أو الخال أو غير ذلك من المقربين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن كلمة دعت الحاجة كلمةٌ واسعة فما هي هذه الحاجة قد يظنها الإنسان أنها حاجة وليس بحاجة لكن أهل العلم ذكروا أنه يجوز للمرأة عند الحاجة أن تكشف وجهها لأن تحريم كشف الوجه من باب الوسائل فإذا دعت الحاجة إلى كشفه كان جائزاً ولكن لا بد أن تكون حاجةً حقيقية لا حاجةً وهمية.
***(22/2)
يقول عندما أذهب لوطني أثناء فترة الإجازة يحضر للسلام علي من النساء من ليس بمحرم لي سواء كن كبار في السن او شابات فما حكم مصافحتهن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذا أنه لا يجوز لك أن تصافح من ليست محرما لك سواء كانت شابة أم عجوزا لأن ذلك يؤدي إلى الفتنة وإذا كان النظر إلى الوجه محرما فالمصافحة أشد وأعظم ويجب عليك أن تنصح هؤلاء النساء إذا مددن أيدهن إليك وتقول إن هذا ليس بجائز والذي فهمته من هذا السؤال أن هؤلاء النسوة اللاتي يسلمن عليه يكن كاشفات الوجوه فإن كان الأمر كما فهمت فهذه أيضا بلية أخرى فعليه أن ينهاهن عن كشف الوجه أمامه لأن هذا من النهي عن المنكر وهو فرض وإذا كان فعله هذا اتباعا لمرضاة الله والتماسا لمرضاة الله عز وجل فإن الله تعالى سوف يرضى عنه ويرضي عنه الناس فإن من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس سخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عنه الناس ولا يضره إذا قال لهن بكلام لين إن هذا لا يجوز لا لي ولا لكن لا يضره هذا شيئا بل هذا مما يزيده هيبة واحتراماً بين ذويه من النساء.
***(22/2)
المستمعة سمية تقول نحن في المدرسة وتلقى المحاضرات والاحتفالات ودائماً نستفتح بالقرآن الكريم فقد يطلبوا مني أن افتتح لهم أنا بالقرآن علماً بأن القراءة تكون بمكبر الصوت ويوجد في الاحتفال أو المحاضرة عدد من الرجال فهل في هذا إثم وإذا قرأنا القرآن هل صوت المرأة عورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن عدة أسئلة:
أولاً افتتاح المحاضرات والندوات بالقرآن الكريم هل هذا من الأمور المشروعة لا أعلم في هذا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع أصحابه كثيراً حين يريد الغزو أو للأمور المهمة التي تهم المسلمين ولا أعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح هذه الاجتماعات بشيء من القرآن لكن لو كانت المحاضرة أو الندوة تشتمل على موضوع معين وأراد أحد أن يقرأ شيء من الآيات التي تتعلق بهذا الموضع ليكون بها افتتاح ذلك الموضوع فإن هذا لا بأس به وأما اتخاذ افتتاح المحاضرات أو الندوات بآيات من القرآن دائماً كأنها سنة مشروعة فهذا لا ينبغي.
المسألة الثانية في هذا السؤال كون المرأة تقرأ القرآن بمكبر الصوت فيسمعها الناس من قريب ومن بعيد حيث ينتهي مدى صوت هذا المكبر هذا أمر لا ينبغي لأن المرأة مأمورة بالتستر والاختفاء عن الرجال وكونها تعلن صوتها بمكبر الصوت ينافي ذلك.
وأما المسألة الثالثة في السؤال فهي هل صوت المرأة عورة والجواب أن صوت المرأة ليس عورة فإن النساء كنّ يأتين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يسألنه بحضرة الرجال ولم ينكر صلى الله عليه وسلم عليهن ذلك ولو كان صوتها عورة لأنكره النبي عليه الصلاة والسلام فصوت المرأة ليس بعورة لكن لا يجوز للرجل أن يتلذذ به سواء كان ذلك التلذذ تلذذ شهوة جنسية أو تلذذ استمتاع وراحة نفس وإنما يستمع إليها بقدر ما تدعو الحاجة إليه فقط إذا كانت أجنبية منه.
***(22/2)
المرأة والدعوة(22/2)
السؤال: سؤالها الثاني تقول كيف تدعو المرأة إلى الله إذا كان لديها علم وحماس وتريد أن تدعو إلى الله فما هي الطريقة التي تتبعها وما هي المجالات التي تستطيع أن تدعوا إلى الله فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة التي تتبعها هي ما أمر الله به في قوله (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وأما المجالات فهي مجامع النساء كالمدارس وغيرها تحضر إليهن وتدعوهن إلى الله عز وجل ولكل مقام مقال بإمكانها أن تعرف هل المقام يقتضي الترغيب أو الترهيب أو الجمع بينهما بحسب الحال فمجالات عملها إنما هو مجامع النساء فقط أما مجامع الرجال فإنه للرجال.
***(22/2)
السائل أحمد صالح من جدة يقول هل حديث (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله) إلى آخر الحديث يخص المرأة وخاصة أنها تصلى في البيت منفردة وليست في جماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الوارد فيمن صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين يعني بعد ارتفاعها قيد رمح فهو كأجر حجة وعمرة تامة تامة بعض العلماء لا يصححه ويرى أنه حديث ضعيف وعلى فرض أنه صحيح يراد به الرجال فقط وذلك لأن النساء لا يشرع في حقهن الجماعة فيكون خاصا فيمن تشرع في حقهم الجماعة وهم الرجال لكن لو جلست امرأة في مصلى بيتها تذكر الله عز وجل إلى أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح ثم تصلى ركعتين فيرجى لها الثواب على ما عملت ومن المعلوم أن الصباح والمساء كلاهما وقت للتسبيح وذكر الله عز وجل قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) .
***(22/2)
حكم الرقص(22/2)
السؤال: تقول هل الرقص جائز إذا كان بين النساء وإذا كان مصحوبا بالغناء الحلال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى الرقص من فتاة تفتن النساء برقصها وقد سمعنا أنه جرى أشياء منكرة إذا قامت الفتاة الشابة تتكسر وتتلوى راقصة وأن بعض النساء قد تقوم تعتنقها وتضمها وتقبلها وهذه فتنة أما المرأة الكبيرة العجوز التي لا يؤبه لها كثيرا فأرجو ألا حرج عليها إذا قامت ترقص.
***(22/2)
السؤال: تسأل عن حكم الرقص في الزواجات أمام النساء فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرقص مكروه حتى أمام النساء وقد بلغنا أشياء مزعجة حيث إن بعض النساء تكون رشيقة سريعة التثني فتوقع الفتنة والشهوة في قلوب بعض النساء الحاضرات حتى بلغني أن منهن من يقوم إلى هذه الراقصة ويحتضنها ويقبلها من النساء أنفسهم فلا نرى جواز الرقص في الحفلات لا في الزفاف ولا في غيره.
***(22/2)
خروج المرأة وسفرها(22/2)
السؤال: يقول في رسالته هل يجوز للمرأة أن تترك زوجها وأولادها الصغار وتذهب للعمل في دولة أخرى بعيدة عنهم وما هي المدة التي يسمح بها الإسلام لبعد الزوجة عن بعلها وهل هناك ضرر من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا يحل للمرأة أن تسافر إلا بإذن زوجها ولا يحل لها إذا أذن لها أن تسافر إلا بمحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) فكيف بسفرها ومغادرتها زوجها وترك أولادها عند الزوج يتعب فيهم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن تسافر المرأة بدون محرم) وللزوج أن يمنع زوجته من السفر سواء كان سفرها للعمل أم لغير العمل لأن الزوج مالك بل قد قال الله تعالى (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) سيدها يعني زوجها فله السيادة عليها وله أن يمنعها من السفر بل له أن يمنعها من مزاولة العمل حتى في البلد إلا إذا كان مشروطاً عليه عند العقد فإن المسلمين على شروطهم وعلى هذه المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن تكون مطيعة لزوجها غير مغضبة له حتى يكون الله عليها راضياً وبهذا يتبين الجواب عن قولها وكم مدة تبقى بعيدة عن زوجها فإنه ليس هناك مدة لابد أن تبقى مع زوجها فإن أذن لها في وقت من الأوقات وسافرت مع محرم ومع أمن الفتنة فالخيار بيده يأذن لها ما شاء.
***(22/2)
تقول هذه السائلة إنها تعمل هنا في المملكة وموفر لها السكن فهل عملي بعيداً عن زوجي وأولادي خطأ طبعاً أنا سافرت بموافقة زوجي من أجل مساعدة أولادي في شراء بيت لهم والقيام بتعليمهم فهل هذا المال حرام وهل سفري لوحدي حرام وأنا مقتنعة داخلياً بحديث الرسول ? بعدم سفر المرأة لوحدها وهل إذا سافر معي زوجي ورجع ثاني إلى مصر وتركني لعملي وحدي فهل إقامتي في سكني المُؤَمَّن حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما سفرها بلا محرم حرام وكونها تعتقد أنه حرام ثم تخالفه هذا أشد بلاء وأشد إثماً لأنها بمنزلة من يقول سمعنا وعصينا والواجب عليها أن تهيئ لزوجها مصاحبة معها في السفر والإقامة ولابد أن تجد لزوجها شغلاً في هذه البلاد وإن لم تجد فإنه يكون مرافقاً لها كما هو متبع في هذه البلاد والحمد لله أنه إذا احتيج إلى المرأة للتدريس فإنه لابد أن تأتي بمرافق لها إما زوج أو محرم.
***(22/2)
السؤال: تقول بالنسبة يا فضيلة الشيخ لسفر المرأة مع طفل عمره السابعة أو الثامنة في الطائرة هل يعتبر هذا الطفل محرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء رحمهم الله إنه يشترط في المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً لأن هذا هو الذي يمكنه صيانة المرأة وحمايتها والمدافعة عنها وهو الذي يوجب هيبتها عند الناس أما الطفل الصغير فإنه لا يغني المرأة شيئاً ولهذا لا يجوز للمرأة أن تسافر مع محرمٍ صغير بل عليها أن تختار محرماً بالغاً عاقلا كما قال ذلك أهل العلم رحمهم الله والعجب أن بعض النساء اليوم يتهاون بالسفر في الطائرة بحجة أن الطائرة مملوءة بالركاب وأن المسافة قريبة وأنها سوف تشيع من البلد الذي سافرت منه وتستقبل في البلد الذي توجهت إليه ولكن هذا تهاون وتساهل في حدود الله عز وجل وذلك لأن هذه المرأة سوف يودعها من يشيعها من المطار إذا دخلت صالة الاجتماع فإذا دخلت صالة الاجتماع فقد تتأخر الطائرة عن السفر في الموعد المحدد وربما تلغى الرحلة للأحوال الجوية أو لعطلٍ فني أو لما أشبه ذلك فمن الذي يردها إلى أهلها ثم إذا قدرنا أن الطائرة أقلعت فهل نضمن مائة بالمائة أن تهبط في المطار الذي قصدته ربما يعتريها خلل فني ترجع الطائرة من أثناء الطريق أو تذهب إلى مطارٍ أقرب من المطار الذي قصدته وربما تحدث أحوالاً جوية تمنع الطائرة من الهبوط في المطار الذي قصدته وإذا قدرنا أن هذا قد انتفى وأنها هبطت الطائرة في المطار المعين المقصود فهذا المحرم الذي كان بصدد أن يقابلها هل نحن نضمن أن تتم المقابلة مائة بالمائة ربما يصيب هذا المحرم مرض لا يستطيع معه الحضور إلى المطار ربما ينام ربما تتعطل السيارة في أثناء الطريق ربما يحصل زحام في الطريق وأشياء كثيرة يحتمل أن تقع وتمنع وصوله إلى المطار ثم إذا قدرنا أن كل هذا انتفى فمن الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون إلى جانبها رجلٌ غير مأمون فالمسألة خطيرة وإذا قدرنا أن مثل هذا لا يقع إلا واحد في العشرة يعني عشرة في المائة فإن الشرع له نظرٌ بعيد في حماية الأعراض واجتناب الأخطار لا سيما في مثل هذه الأمور التي تعتبر فتنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) (وأخبر أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا وفتنة الكفار في النساء وفتنة بعض المسلمين كذلك في النساء فالمسألة خطيرة وإنني أحذر أخواتي وأولياء أمورهن من التهاون بهذا الأمر العظيم وأقول وإن رخص بعض العلماء في مثل ذلك فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد (خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة قال فيها لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم فقام رجلٌ فقال يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة قال انطلق فحج مع امرأتك) هكذا أعلن ولم يستثن شيئاً فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم حدوث مثل هذه الوسائل في المواصلات السريعة التي أمنها كثير قلنا إن قدرنا أنه لم يعلم بذلك فإن الله تعالى قد علم به ولم ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم وحياً يستثني مثل هذه الحالات على أن قول الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلف ما لا تعلمون) توحي بأن هناك أشياء ستحدث لا نعلمها تركب وهذا هو الواقع فإذا كنا نحن نفهم هذا الفهم من كلام الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى منا فهماً وأشد.
***(22/2)
يقول ما الحكم الشرعي في سفر المرأة علماً بأنها سوف يكون معها محرم حتى المطار الذي سوف تسافر منه ثم ينتظرها محرم في المطار الذي سوف تصل إليه والمدة التي سوف تستغرقها في الطائرة بدون محرم مدتها ساعتان تقريباً فهل يحل لها السفر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تسافر بدون محرم لا في الطائرة ولا في السيارة ولا في السفينة لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) أو (إلا ومعها ذو محرم) وهذا النهي للتحريم لأن ذلك هو الأصل فيما نهى الله عنه ورسوله ويدل لذلك أيضاً أنه ورد هذا الحديث معناه (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر) فقوله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر صريح في التحريم وكونها تمضي إلى المطار بمحرم وينتظرها في المطار الذي تقدم إليه محرم هذا لا يبرر سفرها بدونه أي بدون المحرم لأنه من الجائز أن يكون للطائرة مانع يمنعها من الهبوط في المطار المنتظر هبوطها فيه فتطير إلى بلد آخر ومن الجائز أن يعرض لمحرمها المُسْتَقْبل عارض يمنعه من الخروج أو على الأقل من الوصول إلى المطار قبل هبوط الطائرة ومن الجائز أيضاً أن يُغرر بالمرأة عند نزولها من الطائرة فُيْذَهب بها إلى غير ما تريد كما وقع المهم أنه لا يجوز للمرأة في أي حال من الأحوال أن تسافر إلا ومعها ذو محرم لا في الطائرة ولا في السيارة ولا في السفينة.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم ما حكم من تسافر من بلدٍ إلى آخر بدون محرم فقط لموعدٍ في المستشفى فهي لا زوج لها وأولادها صغار والكبير يجلس عند أخواته للمحافظة عليهم فلا تستطيع وضع البنات عند أحدٍ من الناس بسبب الدراسة فترجو منكم الإجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما الذي ذهب بها أولاً إلى هذا المستشفى الذي ذهب بها أولاً إلى هذا المستشفى يذهب بها ثانياً إليه لكن قد يقال إنها نقلت من المستشفى الذي في بلدها إلى هذا المستشفى بدون الرجوع إلى محرم كما في طائرات الإخلاء الطبي فنقول إنه لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي محرم ولا بد أن يكون للمرأة في الغالب خالٌ أو عمٌ أو أخٌ أو ابن أخٍ أو ابن أخت أو ما أشبه ذلك مما يمكنها أن تطلب منه أن يسافر معها إذا كانت ترى أنه لا بد من بقاء ابنها الكبير مع أبنائها الصغار وبناتها الصغار.
***(22/2)
السؤال: تقول إنها طالبة في الكلية التي تبعد عن المنزل حوالي خمسة وعشرين كيلو أو ثلاثين كيلو تقول ولا أجد أحد من محارمي ليسافر معي وأخشى أن أكون عاصية لله بسفري هذا ولكنني أحرص على أن أتعلم وأحصل على شهادة جامعية تمكنني من نفع المسلمين وخدمتهم مثل أن أكون طبيبة أو معلمة فهل يجوز لي السفر خاصةً بأن وقت السفر يستغرق من ساعة ونصف إلى الساعتين أم أني أكون عاصية في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنها تكون عاصية إذا سافرت بلا محرم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسافر امرأةٌ إلا مع محرم) قال ذلك وهو يخطب الناس يعلمهم فقام رجلٌ وقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) ومعلومٌ أن تعلم المرأة لما ينفعها في دينها ودنياها أمرٌ مطلوب هذا إذا لم تكن الوسيلة إليه محرمة فإن كانت الوسيلة إليه محرمة حُرّم هذا الأمر لا لذاته بل لغيره فإما أن يذهب بها زوجها إن كانت متزوجة وإما أن تتزوج شخصاً ويكون محرماً لها وإما أن تكتفي بما تسمعه من المسجلات من هذه الدروس وتطلب أن يكون اختبارها اختبار منازل أي بانتساب.
***(22/2)
السؤال: بارك الله فيكم الشيح محمد الشيخ محمد نحن عندما نتحدث عن سفر المرأة يتعلل الكثير من الناس في سفر المرأة بلا محرم بقصر المدة بالطائرة ووجود الركاب بها فيقول إنها مأمونة الفتنة ما تعليقكم على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعليق على ذلك ليس المقصود الأمن وعدم الأمن بدليل أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يستفصل في الحديث (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) ولو كان المدار على الأمن لاستفصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا ثم إن الأمن ليس أكيدا في سفر الطائرة
أولاً: لأن الطائرة ربما تقلع في الموعد المقرر وربما تتأخر لأسباب فنية أو جوية فتبقى المرأة في المطار هائمة تائهة لأن محرمها قد رجع إلى بيته بناء على أنها دخلت الصالة أو أذن لهم بركوب الطائرة ثم تأخرت الطائرة وإذا قدر أن هذا المحظور زال وأن الطائرة أقلعت متجهة إلى محل هبوطها فلا يؤمن أن تهبط في غير المكان الذي قرر فيه الهبوط لأنه يجوز أنه قد يتغير الجو فلا يمكنها الهبوط في المكان المقرر ثم تذهب الطائرة إلى مكان آخر لتهبط فيه وحينئذٍ تبقى هذه المرأة هائمة تائهة أو تتعلق بمن لا تؤمن فتنته وإذا قدرنا أنها وصلت إلى المطار التي قرر هبوطها فيه فإن محرمها الذي سيستقبلها قد يعوقه عائق عن وصوله للمطار إما زحام في السيارات وإما عطل في سيارته وإما نوم وإما غير ذلك فلا يأتي في موعد هبوط الطائرة وتبقى هذه المرأة هائمة تائهة وإذا كان الحج ليس واجباً لمن ليس عندها محرم فالأمر والحمد لله واسع وليس فيه إثم ولا ينبغي للمرأة أن تتعب نفسياً من أجل هذا لأنها في هذه الحال غير مكلفة به فإذا كان الفقير العادم للمال ليس عليه زكاة وقلبه مطمئن بكونه لا يزكي فكذلك هذه المرأة التي ليس عندها محرم ينبغي أن يكون قلبها مطمئنا لعدم حجها.
***(22/2)
السؤال: تقول عندي خادمة غير مسلمة وغير كتابية في المنزل هل هذا حرام عليّ علماً بأنني آمرها بلبس الحجاب ويمتثلون لذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الخادم المسلم من ذكر أو أنثى خير من الخادم الكافر لقول الله تبارك وتعالى (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ولو أعْجَبَكُم) وقوله (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ولا ينبغي للإنسان أن يستقدم خادماً غير مسلم مع تمكنه من استقدام الخادم المسلم ثم إنه لابد فيما إذا كانت الخادم امرأة أن يكون لها محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ولكن من ابتلي بخادم غير مسلم من رجل أو امرأة فليعرض عليه الإسلام وليدعوه إليه وليرغبه فيه وليؤلفه عليه ولو بزيادة الراتب أو إعطاء دراهم زائدة على الراتب لأن ذلك من الدعوة إلى الله وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي بن أبي طالب (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) .
***(22/2)
من الجمهورية العربية اليمنية يقول السائل هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها من غير إذن زوجها ثم هل يجوز لها أن تخرج من غير حجاب حتى وإن كان لبيت أبيها ثم أيضاً هل يجوز لزوج أختها أن ينظر إليها وهي من غير حجاب فأفيدونا بارك الله فيكم من هم الأرحام ومن هم الذين لا يجوز الذهاب إليهم نرجوا التوضيح في هذه المسألة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أما خروج المرأة من بيت زوجها فإنه لا يجوز إلا بإذنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) فإذا منع النبي عليه الصلاة والسلام من الصيام وهو طاعة وقربة فإن منعها من الخروج من منزله بلا إذنه أولى والإذن قد تكون لفظيا بأن يأذن الرجل لزوجته لفظاً فيقول إذا شيءت أن تزوري أهلك فلا حرج وقد يكون عرفيا بحيث يدل العرف على الإذن بها كما لو كان من عادة هؤلاء القوم أن تخرج المرأة لقضاء الحوائج كشراء الخبز ونحوه فهذا إذن عرفي.
وأما كون المرأة تخرج بغير حجاب فإن هذا حرام أيضاً والواجب على المرأة إذا خرجت إلى السوق أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا كاشفة لوجهها لأن ذلك من الفتن العظيمة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منع المرأة من حضور المسجد إذا كانت متطيبة فقال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أصابت بخوراًَ فلا تشهد معنا العشاء) وإظهار المرأة وجهها في الأسواق من أعظم الفتن ومن أعظم المصائب التي حلت في مجتمعات بعض المسلمين فإن هذه الفتنة العظيمة لم تقتصر على إخراج الوجه فقط بل صار النساء يخرجن الرؤوس والرقاب والنحور والأذرع ولا يبالين بذلك حتى اتسع الخرق على الراقع وصار ضبط النساء متعذراً أو متعسراً غاية العسر
وأما كشف المرأة لزوج أختها أو لغيره من الرجال الأجانب غير المحارم فإنه حرام ولا صلة بينها وبين زوج أختها بخلاف أم الزوجة فإن أم الزوجة محرم لزوج ابنتها فيجوز لها أن تكشف له
والمحارم هم كل من تحرم عليه المرأة تحريماً مؤبداً لقرابة أو رضاع أو مصاهرة فأما المحرمات بالقرابة فهنّ سبع ذكرهن الله تعالى في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) وأما المحرمات بالرضاع فقد قال الله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فالأم من الرضاعة والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت كلهن محارم لأنهنّ يحرمنّ من النسب وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وأما المحرمات من المصاهرة فهن أربع زوجات الآباء وإن علوا وزوجات الأبناء وإن نزلوا وأم الزوجة وإن علت وبنتها وإن نزلت قال الله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) وقال الله تعالى في جملة المحرمات (وأمهات نسائكم وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فهؤلاء الأربع محرمات بالمصاهرة ويحرمن بمجرد العقد إلا بنات الزوجة وإن نزلنّ فلا يحرمن إلا إذا جامع أمهاتهنّ لقوله تعالى (وربائبكم اللآتي في حجوركم من نسائكم اللآتي دخلتم بهنّ فإن لم تكون دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم) فهؤلاء سبع من النسب وسبع من الرضاع وأربع من الصهر كلهنّ محارم لأنهنّ محرمات إلى الأبد لنسب ورضاع ومصاهرة.
***(22/2)
السؤال: ما الحكم في المرأة التي تخرج من بيت زوجها بدون إذنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً هذا السؤال نوجه فيه نصيحةً قبل أن نجيب عليه وهو أننا ننصح جميع أخواتنا المؤمنات أن لا يخرجن من بيوتهن إلا في حاجةٍ لا بد من الخروج فيها لأن بيتها أصون لها وأبعد لها عن الفتنة وأسلم لدينها وخلقها وأحفظ لزوجها فلا ينبغي للمرأة أن تخرج إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك ثم إذا خرجت يجب أن لا تخرج متبرجةً بثيابٍ جميلة أو نعالٍ رفيعة أو رائحةٍ طيبة أو ما أشبه ذلك بل تخرج تفلةً متبذلة لابسةً ثياباً لا تجذب النظر ولا تجلب الفتنة
ثم نقول في الجواب على السؤال ثانياً إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها بلا إذنه ولا لزيارة أقاربها فإذا كان يمنعها من الخروج فإنه لا يجوز لها أن تخرج إلا بإذنه وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه) والصيام عبادة فكذلك الخروج من باب أولى فلا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها حتى يأذن ويرضى بذلك ويجب على الزوج أن لا يأذن لها في الخروج في حالٍ تكون فيها فاتنة بثيابها أو رائحتها أو ما أشبه ذلك وأن يراعي هذا الطلب الذي تقدمت به للخروج هل هو خروجٌ لحاجة أو لا فإن كان لحاجة فليأذن لها بالشروط التي أشرنا إليها وإن كان لغير حاجة فليمنعها والله الموفق.
***(22/2)
تقول السائلة أنا امرأة متزوجة منذ ما يقارب سنة والآن هي عند أهلها لظروفها المرضية وقامت بأداء العمرة في شهر رمضان والحج في العام الماضي ولم تأخذ إذن الزوج ولم تستسمح منه مع العلم بأنها حاولت أن تخبره لكنه لم يكن موجوداً ولم تعرف مكانه فهل تأثم بذلك وهل العمرة والحج صحيح تقول مع العلم بأنه لا يوجد بيني وبين زوجي خلاف ولكنني أخبرت والده وأهله بذهابي مع والدي.
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحج والعمرة فصحيحان لأنهما فرض والفرض لا يملك الزوج أن يمنع زوجته منه إذا تمت الشروط وأما كونها آثمة أو غير آثمة فإذا علمت أن زوجها يرضى بذلك فلا إثم عليها.
***(22/2)
السؤال: ما حكم خروج المرأة للدروس والمحاضرات بدون محرم إذا كان المكان بعيداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن تخرج المرأة وحدها للدروس سواء كانت تدرس أو تتعلم أو للمحاضرات إذا أمنت على نفسها وأما ركوبها مع السائق وحده فحرام لا شك فيه لأن هذا خلوة واضحة وخلوة خطيرة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) وقال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وأخبر أنه (لا يخلوا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) والخلوة بالسيارة خطيرة جدا لأن السائق يتحدث إليها ويضحك إليها وربما يركبها إلى جنبه فيغمزها عند الكلام فالأمر خطير جدا جدا فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تركب وحدها مع السائق حتى لو كان في وسط البلد.(22/2)
فضيلة الشيخ: هل من كلمة للنساء اللاتي يعتبرن المنزل سجناً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الكلمة أن أقول للمرأة الذي جعل البيت سجنا إن صح التعبير هو الله عز وجل قال الله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النساء (بيوتهن خير لهن) والمرأة في بيتها طليقة تذهب إلى كل ناحية من البيت وتعمل حوائج البيت وتعمل لنفسها فأين الحبس أين السجن نعم هو سجن على من تريد أن تخرج وأن تكون كالرجل ومن المعلوم أن الله تعالى جعل للرجال خصائص وللنساء خصائص وميز بين الرجال والنساء خلقة وخلقا وعقلاً ودينا حسب ما تقتضيه حدود الله عز وجل ونقول إن المرأة التي تقول إن بقاء المرأة في بيتها سجن أقول إنها معترضة على قول الله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) كيف نجعل ما أمر الله به سجنا لكنه كما قلت سجن على من تريد التبذل والالتحاق بالرجال وإلا فإن سرور البقاء في البيت هو السرور وهو الحياء وهو الحشمة وهو البعد عن الفتنة وهو البعد عن خروج المرأة للرجال لأن المرأة إذا خرجت ورأت هؤلاء الرجال هذا شاب جميل وهذا كهل جميل وهذا لابس ثيابا جميلة وما أشبه ذلك تفتتن بالرجال كما أن الرجال يفتتنون بالنساء فعلى النساء أن يتقين الله وأن يرجعن إلى ما قال ربهن وخالقهن وإلى ما قاله رسول رب العالمين إليهن وإلى غيرهن وليعلمن أنهن سيلاقين الله عز وجل وسيسألهن ماذا أجبتم المرسلين وهن لا يدرين متى يلاقين الله قد تصبح المرأة في بيتها وقصرها وتمسي في قبرها أو تمسى في بيتها وتصبح في قبرها ألا فليتقِ الله هؤلاء النسوة وليدعن الدعايات الغربية المفسدة فإن هؤلاء الغربيين لما أكلوا لحوم الفساد جعلوا العصب والعظام لنا نتلقف هذه العصب والعظام بعد أن سلب فائدتها هؤلاء الغربيون وهم الآن يئنون ويتمنون أن تعود المرأة بل أن تكون المرأة كالمرأة المسلمة في بيتها وحيائها وبعدها عن مواطن الفتن لكن أنى لهم ذلك أنى لهم التناوش من مكان بعيد أفيجدر بنا ونحن مسلمون لنا ديننا ولنا كياننا ولنا آدابنا ولنا أخلاقنا أن نلهث وراءهم تابعين لهم في المفاسد سبحان الله العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله.(22/2)
فضيلة الشيخ: الذين ينادون بخروج المرأة ويقولون بأنها طاقة معطلة كيف نرد عليهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول الحقيقة أنهم إذا قالوا هذا الكلام هم الآن يريدون أن يعطلوها فالمرأة شأنها وعملها في بيتها فهي إذا خرجت للسوق تعطل البيت وإذا تعطل البيت هذا هو تعطيل الطاقة لو أن المرأة في بيتها والرجل في دكانه استغنى كل إنسان بما عنده وحصلت الراحة للرجل وللمرأة أيضا وسبحان الله أين حنان الأمومة أن تذهب المرأة إلى عملها وتترك أطفالها الصغار من بنات وبنين يربيهم امرأة قد تكون ناقصة الدين ناقصة العقل ناقصة المروءة لا تعرف خصائص المجتمع فيتربى هؤلاء الأطفال على ما تربيهم عليه هذه الخادمة فيتغير المجتمع كله وربما تكون الخادمة غير مسلمة فتربيهم على خصال الكفر نسأل الله تعالى أن يصلح شعبنا وأن يصلح ولاة أمورنا وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتحثهم عليه وتبين لهم الشر وتحذرهم منه إنه على كل شيء قدير اللهم ولى علينا خيارنا واكفنا شر أشرارنا.
***(22/2)
السؤال: يقلن نحن مجموعة من الشابات المسلمات الحائرات من جنسيات مختلفة نعمل بإحدى الدول الخليجية معلمات وطبيبات والدولة توفر لنا سكن جماعي للمعلمات العازبات علماً بأن السفر من وإلى الدولة هذه بالطائرة فهل نعتبر مخالفات لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً فوق ثلاث ليال من غير ذي محرم) وهل المال الذي نجمعه يعتبر مالاً حراماً وما حكم الشرع في سفرنا وإقامتنا من غير محرم لمدة عام في جماعة من النسوة المسلمات نرجوا منكم التوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول (لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم) ولم يقيده بثلاث والتقييد اختلف مقداره في بعضها (يومٌ وليلة) وفي بعضها (ثلاثة أيام) ولهذا اعتبر العلماء رحمهم الله أن السفر مطلق فكل ما يسمى سفراً فإنه لا يجوز للمرأة أن تقوم به إلا مع ذي محرم لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وفي حديث ابن عباس الذي ذكرته قال فقال رجلٌ يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدع الغزو وأن يخرج مع امرأته يحج معها وهذا دليلٌ على تأكد المحرم وفي هذا الحديث لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أي لم يقل له هل مع زوجتك نساء هل هي آمنة أو غير آمنة هل هي شابة أم عجوز كل ذلك لم يكن فدل على أن الأمر عام وأن الحكم لا يختص بحالٍ دون حال وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم أما ما ذكر في السؤال من أنهن نساءٌ من أجناسٍ شتى حضرن إلى بعض الدول الخليجية للتعليم والطب وغير ذلك فإن هذا الأمر كما قلنا في صدر السؤال إنهن حائرات فأنا أيضاً حائرٌ فيه ولا أفتي فيه بشيء والله أعلم.
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول ما حكم السفر بالطائرة بدون محرم علما بأن محرمي ودعني في المطار الأول ثم استقبلني المحرم الثاني لي في المطار الثاني وذلك لأن سفري كان ضروريا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى جواز السفر أعني سفر المرأة بلا محرم لا في الطيارة ولا في السيارة لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فإن قال قائل إن الطائرة لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلنا نعم هي غير معروفة لكنها معلومة عند الله عز وجل ولو كان الحكم يختلف لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا إما تصريحا أو إشارة فلما لم يستثن شيئاً من ذلك علمنا بأن سفر المرأة بلا محرَم مُحرَّم بالطائرة وغيرها وأما قول بعضهم إن الطائرة بمنزلة الأسواق التي يجتمع فيها الرجال والنساء بدون محرم فجوابه أن يقال السوق ليس بسفر والحكم الشرعي معلق بالسفر فما دام ركوب الطائرة من بلد إلى بلد يسمى سفرا فهي مسافرة
وأما تعلل بعضهم بأنها في الطائرة آمنة لكون محرمها يشيعها حتى تركب والآخر يستقبلها إذا وصلت فهذا ليس بصحيح أي ليس تعللاً صحيحاً:
أولاً: أن المحرم المشيع الغالب أنه لا يصل معها إلى باب الطائرة وأنها تبقى في صالة الانتظار ثم تركب مع الناس
ثانيا: أنه على فرض أنه وصل بها إلى باب الطائرة وركبت أمام عينه فإن الطائرة قد يعتريها ما يمنعها من الإقلاع إما لخلل فني أو لتغير جوي أو لأي سبب وهذا يقع فإذا قيل للركاب تفرقوا فمن الذي يؤويها وإذا قدر أنها قامت وأقلعت في الوقت المحدد فهل استمرار سيرها مضمون إلى المطار الذي قصدته؟ قد يحدث في الجو في أثناء طيرانها ما يمنع هبوطها في المطار الذي قصدته وقد يكون فيها خلل فني كتعذر نزول الكفرات مما يجعلها تذهب يمينا وشمالا إلى مطارات أخرى فإذا ذهبت إلى مطارات أخرى وهبطت في المطار فمن الذي ينتظرها هناك
ثم إذا سلمنا وفرضنا أنها وصلت إلى المطار المقصود بسلام فمحرمها الذي يقابلها هل نحن نضمن أن يأتي في الوقت المحدد؟ لا نضمن ذلك في الواقع قد يعتريه نوم أو مرض أو خلل في سيارته أو زحام في الطريق أو ما أشبه ذلك من الموانع فلا يأتي في الوقت المحدد وتبقى إذا نزلت المطار أين تذهب؟ فيحصل بذلك شر وهذه المسائل وإن كانت نادرة وبالألف مرة واحدة أو بعشرة آلاف مرة واحدة لكن ما الذي يمنعنا أن نقول لا تركب الطائرة إلا بمحرم امتثالا لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) ونسلم من هذه التقديرات كلها فنصيحتي لأخواتي ولإخواني المسلمين أيضا أن يتقوا الله عز وجل وأن يمنعوا نساءهم من السفر إلا بمحرم والحمد لله الأمر متيسر حتى لو كان لمحرمها شغل يمكنه أن يركب بهذه الطائرة ويؤديها إلى أهلها أو إلى المكان الذي تريده ثم يرجع بطائرة أخرى أو يكون المحرم الثاني مستقبلاً لهما يأخذها معه وهذا يرجع بطائرته.
***(22/2)
السؤال: تقول بأنها تعمل في التدريس في قرية تبعد عن مدينتها حوالي خمسة عشر كيلو وتقول ليس عندي من يوصلني إلى المدرسة فأذهب أنا وبعض المدرسات مع أخي إحداهنّ هل يعتبر هذا يا فضيلة الشيخ من السفر الحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن هذا ليس من السفر لأنه ليس سفراً فيما اعتاده الناس إذ أن هذه المرأة تذهب إلى مكان عملها وترجع في يومها ومثل هذا في عصرنا لا يتأهب له أهبة السفر ولا يعدونه الناس سفراً فلا يشيعون المسافر ولا يودعونه ولا يستقبلونه ويحيونه تحية القادم وعلى هذا فيجوز لها أن تذهب مع زملايتها إلى المدرسة فتدرس وترجع في يومها في مثل هذه المسافة القصيرة أما أن تذهب وحدها مع السائق وهو ليس من محارمها فهذا حرام ولا يحل لها ذلك سواء كان هذا داخل البلد أو خارجه لأن ذلك من الخلوة ولأنه سبب للفتنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة) وحذر من أسباب الفتن والوقوع فيها في عدة أحاديث ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم (من سمع بالدجال فلينأ عنه) أي فليبعد خوفاً من فتنة الدجال فكل أسباب الفتن يجب على المرء الحذر منها والبعد عنها ولقد مر بنا فيما يتساءل الناس عنه من الفتن والشر في ركوب المرأة وحدها مع رجل ليس من محارمها مر علينا شيء ليس هذا موضع ذكره ولكني أحذر إخواني السامعين من التهاون بهذا الأمر لأنه خطير للغاية والله الموفق
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز لي فضيلة الشيخ أن أركب مع زوج أختي في سيارته ويقوم بتوصيلي إلى البيت إذا أتيت عند أختي مع العلم أن زوج أختي يقوم بسؤالي ويتكلم معي فهل يجوز لي أن أركب معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان معكما أحد كزوجة الأخ مثلاً أو أي شخص آخر وكان هذا الأخ مأموناً فلا بأس وأما إذا كان وحده فإن هذا خلوة وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم) .
***(22/2)
السؤال: تقول لو خرجت المرأة للعمل بدون محرم وتركت أولادها عند أمها برضا زوجها لضرورة الحياة وهي محجبة ومحافظة على أمور دينها محافظة على غياب زوجها فهل هي آثمة في حق أولادها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فإن خروج المرأة عن أولادها وبيت زوجها إلى العمل هذا أمر خطير جداً لأن المرأة ليست بحاجة إليه أي إلى التكسب بالعمل إذ أن زوجها مأمور بالإنفاق عليها لقول الله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) وهو الزوج (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع في عرفة (لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ولقوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) ولم يقل الله من قُدر عليه رزقه فلتكن زوجته معه تكتسب فالإسلام نظام مُتَكامل يُحِّمل كل إنسان ما يليق بحاله فعلى الزوج النفقة وعلى الأم الرعاية في البيت فإذا كانت هذه المرأة تريد أن تكون من الطراز الأول فإن عليها أن تعود إلى بيتها وتكون مربية لأولادها حتى لا تحرم أولادها شفقة الأمومة فإن الجدة وإن كانت ذات شفقة لكن شفقة الأم أقوى وكذلك لا تحرم نفسها من أولادها يرونها بينهم ويشتكون إليها وزوجها هو الذي يكتسب وينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها هذا ما أشير به عليها أن تعود إلى البيت وأن ترعى أولادها وزوجها كما قال الله سبحانه وتعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) ولكن إن أبت إلا أن تعمل فلا حرج عليها أن تعمل في حقل نسائي لا في حقل الرجال لأنها مهما بلغت من العفة والصيانة والاحتجاب فإنها لن تسلم من الفتنة إما منها أو بها فلهذا لا نرى جواز عملها مع الرجال في أي عمل من الأعمال بل إذا كان ولابد فإنها تشتغل في حقل النساء كمدارس البنات وما أشبهها وأما إن كان أولادها يُضطرَون إليها بحيث تكون الجدة عاجزة عن القيام بما يجب نحوهم فإنه لا يجوز لها إطلاقاً أن تخرج حتى ولا إلى العمل في حقل نسائي لأنها تكون قد أضاعت أمانتها في هذه الحال حتى لو وفرت الخادمة لأن الخادمة لا يكون عندها العطف والحنو والإشفاق الذي يكون عند الأم ثم إذا وفرت خادمة فالخادمة ستحتاج إلى أجرة وإلى نفقة وقد تكون أجرة الخادمة أقل من أجرة اكتساب هذه المرأة في عملها وهو الغالب وقد تكون مثلها وقد تكون أكثر وإن كان الغالب أن أجرة الخادمة أقل فهي تريد أن تكتسب لتوفر لنفسها شيئا ولكن مع ذلك لا نرى لها هذا لأن الخادمة بلا شك مهما كانت من الدين والأمانة لن تقوم بما تقوم به الأم أو الجدة أو المرأة القريبة.
***(22/2)
السؤال: تقول أسأل عن المرأة التي تعمل ولديها سائق ومعها عاملات تقوم بتوزيعهن على المدارس ثم بعد ذلك تذهب مع السائق إلى المنزل داخل المدينة هل هذا حرام أم جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان معها نساء فليس بحرام إذا كان السائق مأموناً وأما إذا خلت به وحدها فإن ذلك حرامٌ عليها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن يخلو رجلٌ بامرأة) ولا فرق بين أن تكون المسافة بعيدة أو قصيرة في البلد وأما السفر بلا محرم فحرام ولو كان معها نساء.
***(22/2)
السؤال: تقول هل المرأة محرمٌ لمرأة أخرى مع رجل أجنبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة لا تكون محرما للمرأة لكن تزول بها الخلوة وعلى هذا فإذا سافرت امرأة مع رجل ليس من محارمها ومعها امرأة فإن ذلك حرام على المرأتين جميعا إلا إذا كان الرجل محرما لإحداهما فإنه لا يحرم على المرأة التي كان محرماً لها أن تسافر معه لكنه حرام على المرأة الأخرى هذا بالنسبة للسفر لأنه لا يجوز لامرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم.
وتهاون بعض الناس في هذه المسألة اليوم مما يؤسف له فإن بعض الناس صار يتهاون فتسافر المرأة بلا محرم ولا سيما في الطائرات تجد المرأة تحضر إلى المطار وتركب الطائرة وليس معها محرم، ولا أدري ما جواب هذه المرأة يوم القيامة إذا وقفت بين يدي الله عز وجل وسألها ماذا أجابت الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) أظن أنه لا جواب لها لأن كل واحد يعلم أن السفر في الطائرة سفر وإذا كان سفرا فما الذي أحل لها أن تسافر بلا محرم يقول بعض الناس نُحضِر المرأة إلى المطار الذي تقلع منه الطائرة وندخلها في قاعة الانتظار وربما نمشي معها إلى أن تدخل الطائرة ويتلقاها محرمها حين تهبط الطائرة في المطار المقصود فيقال إن الفتنة غير مأمونة حتى في هذه الصورة لأنه من الجائز أن تقلع الطائرة من المطار ثم يحصل خلل فني أو تغير جوي يوجب أن تهبط الطائرة في مطار غير المقصود أولاً وحينئذ أين المحرم؟ وإذا قدرنا أنه لم يحصل ذلك وأن الطائرة اتجهت إلى المطار الذي تقصده وهبطت فيه فهل من المتيقن أن يوجد المحرم الذي كان يريد أن يتلقاها؟ الجواب لا قد يحدث له مرض أو نوم أو زحام سيارات أو غير ذلك فالمسألة هذه خطيرة خطيرة جدا، خلاصة ما أقول إن أي امرأة تريد سفرا فيجب أن يكون معها محرم بالغ عاقل أما الخلوة في البلد فلا يجوز للمرأة أن تخلو بالسائق في السيارة ولو إلى مدى قصير لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) ولكن إذا كان مع المرأة امرأة أخرى وكان السائق أمينا فهنا لا خلوة فلا حرج أن تركب في السيارة هي والمرأة ما دام أن ركوبها ليس سفرا وحينئذ نقول زالت الخلوة بالمرأة المصاحبة ولا نقول إن المرأة المصاحبة كانت محرما بل نقول إن الممنوع في البلد أن يخلو الرجل بالمرأة بخلاف السفر فإن السفر الممنوع أن تسافر المرأة بلا محرم وبين المسألتين فرق واضح.
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالأجنبي هو من ليس محرماً للمرأة ولو كان من أهل البلد وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (لا يخلون رجلٌ بامرأة) وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو يعني أقارب الزوج قال الحمو الموت) وهذا غاية ما يكون من التنفير عن خلوة الحمو الذي هو قريب الزوج بالمرأة.
***(22/2)
السؤال: تقول لدينا سائق وأنا دائما أركب معه ويقوم بتوصيلي إلى أي مكان أطلبه وعند ركوبي معه فإنني أستمع دوما إلى إذاعة القرآن الكريم وإلى الأشرطة النافعة وفي بعض الأحيان آخذ معي شخص أو أحد أولاد إخوتي فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تركب مع السائق وحدها إذا لم يكن من محارمها لأن ذلك خلوة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النهي عن خلوة الرجل بالمرأة وأخبر (أنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) أعوذ بالله وركوب السيارة وحدها مع السائق خلوة بلا شك ولا يبرر ذلك أن تقول المرأة أن المسافة قصيرة من بيت إلى بيت فقط ولا يبرر ذلك أن تقول إن السائق أمين لأن الشيطان إذا كان ثالث الرجل والمرأة فلا أمانة إلا أن يشاء الله ولا يبرر ذلك أن تقول إنها تستمع إلى إذاعة القرآن أو إلى أشرطة دينية لأن كونها تستمع إلى إذاعة القرآن أو إلى أشرطة دينية وهي تعصي الله تناقض لأن حق المستمع إلى القرآن أو إلى الأشرطة الدينية أن يمتثل أمر الله ورسوله وأن يجتنب ما نهى الله ورسوله.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في ذهاب المرأة للكشف عند طبيب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دعت الحاجة إلى كشف طبيب رجل على امرأة مريضة فلا حرج في هذا لكن بشرط أن ينظر منها ما يحتاج إلى النظر فقط بدون زيادة وشرط ثانٍ أن يكون معها محرم لئلا يخلو الطبيب بها وشرط ثالث أن يكون الطبيب مأموناً معروفاً بالعفة فإن كان معروفاً بخلاف ذلك فلا. الشرط الرابع وهو الأصل أن تكون محتاجة إلى ذلك إذاً فالشروط أربعة أن تكون محتاجة لذلك وأن لا ينظر منها إلا ما يحتاج إلى النظر إليه وألا يخلو بها وأن يكون مأموناً.
***(22/2)
السؤال: تقول ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب للنساء رجل نظراً لما عرف عنه من مهارة في تخصصه أم يجب أن تكون امرأة نرجوا الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هناك طبيبة امرأة فلا تتعدها إلى غيرها من الرجال وأما إذا لم يكن طبيبة حاذقة وخشيت أن تلعب بها هذه الطبيبة وذهبت إلى طبيب حاذق فلا بأس لكن بشرط أن يكون معها محرم لأنه لا يجوز للإنسان أن يخلو بامرأة لا طبيب ولا غيره.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز أن يكشف الطبيب الرجل على المرأة على بعض أعضاء جسدها أو العورة مع العلم أن هذا المرض غير خطير ويمكن أن تكشف عليها امرأة من الطبيبات الموجودات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يمكن أن تعالج المرأة امرأة أخرى فإنه لا يجوز أن تذهب إلى الطبيب ليعالجها لا سيما في المسائل التي تكون من العورة وذلك لأن كشف العورة لمن لا يحل كشفها له لا يجوز إلا عند الحاجة وإذا كان ثمت امرأة يمكن أن تعالج هذه المرأة فإنه لا حاجة حينئذ إلى الرجل ولا يجوز للرجل أيضاً أن يستقبل من النساء من يعالجهن في حال لا يجوز له ذلك إذا كان يوجد غيره من النساء من يقوم بهذه المهمة فالتحريم يكون من جهة المريض ومن جهة الطبيب المرأة المريضة إذا وجدت امرأة تقوم باللازم فإنها لا تذهب إلى الرجال والرجل الطبيب إذا جاءت إليه امرأة وفي المستشفى امرأة تقوم بالواجب فإنه لا يجوز له استقبال النساء في هذه الحال وأما إذا لم يكن هناك امرأة فإنه يجوز للرجل أن يعالج المريضة ويجوز للمريضة أن تذهب إلى الرجل لأن هذا حاجة.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تذهب للطبيب وذلك للمعالجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا احتاجت إلى هذا فلا بأس لكن بشرط أن يكون الطبيب مأمونا وأن لا يخلو بها فإن لم يكن مأمونا فلا تذهب إليه وإن خلا بها فلا تذهب إليه.
***(22/2)
هل يجوز الذهاب إلى دكتور مختص في الأمراض التناسلية مع أخت أو أم أو يجب أن يكون معي زوجي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى طبيب يكشف عليها ما لا يجوز إظهاره للرجال إلا إذا كان هناك ضرورة بأن لا توجد أنثى تقوم مقامه فإذا كانت ضرورة فلا بد من شرط آخر وهو ألا يخلو بها في مكان الكشف عليها أو عمليتها بل لابد أن يكون معها محرم من زوج أو غيره أو يكون هناك أنثى أو أنثيان معها بشرط أن يكون الطبيب مأمونا وذلك أن الخلوة بالمرأة غير ذات المحرم محرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة) (وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)
***(22/2)
السؤال: ذهاب المرأة للطبيب للعلاج ما حكمه يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا احتاجت إلى العلاج ولم يوجد إلا ذكَر يعالجها فلا بأس أن يعالجها الذكر لكنه لا يخلو بها بل لابد أن يكون عندها محرم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) .
***(22/2)
السؤال: أعرض عليكم ما ذهب إليه بعض من الناس من التحاق بناتهم بوظيفة مدرسة بغير المدينة التي تقيم بها حيث يرون أنهم قد احتاطوا مع من يثقون بهم من أصحاب سيارات الأجرة بالإضافة إلى وجود مرافقة معه إما أخته من الرضاع أو شقيقته أو زوجته يعني أخت السائق أو شقيقته ويخشون أيضاً أنهم لو منعوهن قد يحصل لهنّ ردة فعل كما يرون أن بعض طلبة العلم وهم قدوة قد سمحوا لبناتهم في مثل ذلك فهل يستنتج من مثل ذلك أن المسافات التي من ستين كيلو فما دون جائز فيها سفر المرأة دون أن يكون معها محرم رجل أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة بدون محرم فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر امرأةٌ إلا ومعها ذو محرم) وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم سواءٌ كان سفرها لطاعة أو تعليم علم أو غيرهما والمحرم معروفٌ من هو ولا فرق بين أن تكون وحدها أو مع نساء ولا فرق بين أن تؤمن الفتنة أو لا تؤمن لإطلاق الحديث وعمومه فلا يحل للمرأة أن تسافر بدون محرم ولكن يبقى النظر هل ذهاب النساء إلى القرى المجاورة لبلادهن ورجوعهن في نفس اليوم هل يعتبر ذلك سفراً أم لا نقول في ذلك إذا اعتبرنا أن الحديث مطلق ولم يقدره النبي صلى الله عليه وسلم بمدة معينة إلا في أحاديث اختلفت فيها تقدير المدة وحملها أهل العلم على أن المراد بهذا الاختلاف اعتبار حال السائل لأجل أن لا يحصل بينها اضطرابٌ واختلاف ويبقى الحديث مطلقاً أي عاماً في كل سفر حتى في قليل السفر وكثيره إلا أننا نقول إن ذهاب المرأة للتدريس ورجوعها في يومها لا يعتبر سفراً فإنه كما لو ذهب الرجل لوظيفته في قريةٍ مجاورةٍ لبلده ورجع من يومه فإنه لا يعد بذلك مسافراً وعليه فهؤلاء المدرسات اللاتي يخرجن إلى القرى المجاورة إذا كان معهن نساء كما هو في نفس السؤال وقد أمنت الفتنة وسيرجعن في يومهن فإن هذا لا يعتبر سفراً وعليه فلا بأس من ذلك لا بأس أن يذهبن إلى القرى المجاورة بدون محرم إذا كن يرجعن في نفس اليوم لأن ذلك لا يعتبر سفراً ولا يتأهب له الإنسان أهبة السفر ولا يقول الناس إنه مسافر.
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول سمعت أنه يجوز للمرأة أن تعمل في البيع والشراء فهل هذا جائز مع التزامي بالحجاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تتعامل المرأة بالبيع والشراء والتأجير والإيجار بشرط ألا يترتب على ذلك محظور شرعي ومازال المسلمون يعملون ذلك فهاهي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها جاءتها بريرة تستعينها على مكاتبتها ثم اشترتها عائشة من أهلها وكذلك الناس الآن في الأسواق تأتي المرأة وتشتري من صاحب الدكان فيبيع عليها وكذلك قد تكون المرأة لها عقار تؤجره المهم أن بيع المرأة وشرائها لا بأس به لكن بشرط ألا يترتب عليه محظور شرعي فإن ترتب عليه محظور شرعي بحيث تختلط بالرجال اختلاطا محرما فإن ذلك لا يجوز
***(22/2)
تقول السائلة هل خروج المرأة إلى العمل حلال أم حرام علماً بأنني قد خرجت إلى العمل بعد التخرج ولكن كثيراً ما أحاسب نفسي على خروجي هذا وأقول هل ربي عز وجل راضي عني أم لا أفيدوني وانصحوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خروج المرأة من بيتها للحاجة لا بأس به ولاسيما إذا كان خروجها لدفع حاجة غيرها مثل أن تخرج إلى المدرسة لتعلم نساء المسلمين فإنها تكون في هذه الحال مثابةً على خروجها لأنها خرجت لقضاء حاجة غيرها وتحصيل مصلحته ولكن يجب إذا خرجت من بيتها ألا تخرج متبرجةً متطيبةً وأن تكون متحجبةً الحجاب الشرعي وهو تغطية الوجه وما يحصل بكشفه الفتنة وألا تختلط بالرجال لأن الاختلاط بالرجال سببٌ للفتنة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لأنه أبعد عن الاختلاط من الرجال والدنو منهم وهذه إشارة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أنه كلما بعدت المرأة عن مخالطة الرجال كان خيراً لها فلتخرجي أيتها المرأة من بيتك للعمل في المدرسة وكذلك لأعمالٍ أخرى إذا احتجت الخروج ولم يكن في ذلك اختلاط ولا تبرج أو تطيب.
***(22/2)
السؤال: يقول ما هو مجال العمل المباح الذي يمكن للمرأة المسلمة أن تعمل فيه بدون المخالفة لتعاليم دينها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المجال العملي للمرأة أن تعمل فيما تختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملاً إدارياً أو فنياً وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك وأما العمل في مجالات يختص بها الرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم لها الاختلاط بالرجال وهي فتنةٌ عظيمة يجب الحذر منها ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه أنه قال (ما تركت بعدي فتنةٌ أضر على الرجال من النساء وإن بني إسرائيل فتنوا بالنساء) فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال.
***(22/2)
السؤال: المستمعة تقول ما رأيكم يا شيخ محمد في خروج المرأة إلى السوق لقضاء حاجتها وتكون في حجاب ساتر لا يظهر منها شيء ولا تذهب في أوقات ازدحام الرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في هذا أنه لا بأس أن تخرج المرأة إلى السوق للحاجة وهي متحجبة غير متبرجة بزينة ولا متطيبة وتكون بعيدة عن مواقع الفتنة ثم ترجع إلى بيتها من حين قضاء حاجتها.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول ما حكم ذهاب المرأة للسوق وماذا تنصحون النساء يا فضيلة الشيخ اللاتي يكثرن الذهاب إلى الأسواق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أنصح به أخواتنا المسلمات ألا يكثرن الذهاب إلى الأسواق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (بيوتهن خير لهن) قاله وهو يتحدث عن مجيء المرأة إلى الصلاة في المساجد قال (بيوتهن خير لهن) وإذا كان هذا فيمن تأتي إلى الصلاة فكيف بمن تخرج للأسواق بلا حاجة فإنها ربما تعرض نفسها للفتن أن تفتتن هي أو يفتتن بها فنصيحتي لأخواتي المسلمات أن يلزمن البيوت ما استطعن إلى ذلك سبيلا ولا أدب أحسن من تأديب الله تعالى لأمهات المؤمنين رضي الله عنهم حيث قال لهن (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وبناء على ذلك نقول إن احتاجت المرأة للخروج إلى السوق فلتخرج لكن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا كاشفة عن وجهها أو ما يجب ستره بل ولا ماشية مشية الرجال ولا ضاحكة في الأسواق ولا رافعة للصوت ولا خاضعة بالقول المهم لابد من شروط وأما ما يقع من بعض النساء من الخروج بلا حاجة أو الخروج متطيبة أو متبرجة أو ماشية مشية الرجل أو ضاحكة مع زميلتها أو رافعة صوتها أو خاضعة بالقول في مخاطبة الرجال كل هذا من الأمور المحرمة ولا يغرك أيتها المرأة المسلمة الدعاية الباطلة من أعدائك الذين يريدون أن تكوني كالرجل في هذه الأمور فإن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجال والنساء في الخلقة في العقل في الذكاء في التصرف حتى إن الله تعالى قال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وقال عز وجل (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ثم قال (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فلم يجعل المرأة مساوية للرجل لكن أعداؤك وأعداء الأخلاق وأعداء الإسلام يريدون منك أن تقومي مقام الرجال وأن تشاركي الرجال في أعمالهم وأن تخالطيهم لأن هؤلاء فسدوا فأرادوا إفساد غيرهم ولهذا هم الآن يئنون تحت وطأة هذا الخلق ويتمنون بكل طاقتهم أن يتحولوا إلى أخلاق الإسلام في هذا لكن أنى لهم ذلك وقد انفرط السلك بأيديهم وبعدت الشقة ثم إنهم يعلمون أو لا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإياك إياك أيتها الأخت المسلمة أن تنخدعي بمثل هذه الدعاية الباطلة وكوني كما أراد الله أن تكوني (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وإذا كان الله تعالى يخاطب أعف نساء العالمين في عصر هو خير العصور وفي قوم هم خير الناس فما بالك بحال الناس اليوم مع هذه الفتن العظيمة أقول إذا كان الله يخاطب نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الخطاب فإن نساء اليوم يتوجه إليهن الخطاب بهذا أكثر وأكثر لكثرة الفتن وسوء الحال أسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من مكائد أعدائهم وأن يجعل كيد أعدائهم في نحورهم وأن لا يقيم لهم قائمة في صد الناس عن سبيل الله وعن دين الله.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة أن تذهب إلى الأسواق لوحدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ليعلم أن خروج المرأة إلى الأسواق غير مرغوب فيه وأن بقائها في بيتها خير لها ولكن إذا احتاجت إلى الخروج إلى السواق لحاجة لا يقضيها إلا هي فإنها تخرج ولا حرج عليها أن تخرج بلا محرم لأن هذا ليس سفرا ولا خلوة وفي حال خروجها الذي تحتاج إليه يجب أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة وأن يكون عليها الوقار في مشيتها وغض الصوت في مخاطبتها للرجال الذين تحتاج إلى مخاطبتهم كأصحاب الدكاكين الذين تحتاج إلى الشراء منهم وما أشبه ذلك وأما ما يفعله بعض النساء نسأل الله لنا ولهم الهداية من الخروج متطيبات وفي لباس جميل لا تغطيه إلا عباءة ربما تكشفها وربما تكون خفيفة يرى من ورائها الثياب قال الله تبارك وتعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهن أعف النساء وأطهر النساء قال لهن (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ففي قوله (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ) دليل على أن النهي عن التبرج والأمر بالقرار في البيوت من أجل حفظ المرأة عن الرجس والدناءة والفاحشة وبيوتهن خيرن لهن.
***(22/2)
يقول السائل إذا خرجت المرأة مع زوجها أو محرمها إلى السوق متحشمة وذلك لقضاء بعض حاجتها التي لا يمكن قضاؤها إلا بوجودها فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أي في خروج المرأة مع زوجها لشراء حاجاتها من السوق وهي متحجبة متحشمة أنه لا بأس به ولا حرج وعليه أن يلاحظها في أثناء السير وفي أثناء الوقوف عند الدكاكين والمحلات ليكون حافظاً لها وصائناًً لها.
***(22/2)
تقول السائلة ما الحكم إذا تبخرت المرأة وخرجت من بيتها هل الحالة في ذلك مثل حالتها إذا خرجت متعطرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا بقيت رائحة البخور فلا فرق بين البخور وبين الدهون أما إذا لم تظهر كما هو الغالب أن البخور لا يظهر إلا لمن دنى جداً من الإنسان وشم لباسه فهو لا شك أدنى من الدهن ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء) ولم يقل فلا تخرج من بيتها فالمهم أنه إن كانت رائحة البخور فائحة تشم إذا مرت من عند الرجال فحرام عليها وإلا فلا.
***(22/2)
السؤال: ما حكم جلوس المرأة في الطريق سواء في الليل أو في النهار ومع محرم لها أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جلوس المرأة في الطريق إذا كان يؤمن عليها الفتنة ومعها محرمها فلا بأس بذلك ولا حرج وأما إذا كانت لا تؤمن الفتنة ويخشى من العدوان عليها فإنه لا يجوز لها أن تتعرض للفتن والعدوان ثم إن المرأة عليها إذا خرجت إلى الأسواق وإلى الطرقات أن لا تخرج متبرجة بزينة ولا متطيبة بل تخرج على وجه لا يحصل به الفتنة لا في لباسها ولا في رائحتها ولا في هيئة مشيتها أيضاً فإن التعرض للفتنة خطر على المرأة وعلى المجتمع كله والله عز وجل يقول لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم وهنّ أطهر النساء (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) وإذا كان هذا الخطاب موجهاً إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم فإن غيرهنّ من باب أولى.
***(22/2)
السؤال: المستمع يقول النساء في القرية عند خروجهنّ للمزارع أو خارج البيوت فإنهنّ يلبسنّ أحسن الملابس ويتعطرنّ وفي بيوتهنّ مع أزواجهنّ نجدهنّ لا يبدين الاهتمام بهذا وإذا حاولنا أن ننصحهنّ فلا يستمعنّ القول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خروج المرأة إلى السوق متطيبة متبرجة بالثياب الجميلة الفاتنة خروج محرم لا يحل لما في ذلك من الفتنة بها ومنها وعلى وليها أن يمنعها من الخروج على هذا الوصف سواء كان زوجها أم أباها أم أخاها لأن هذا تبرج وقد قال الله تعالى (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) ونصيحتي لهنّ أي لهؤلاء النساء اللاتي يخرجنّ إلى السوق بهذه الملابس وهذه الأطياب أن يتقين الله في أنفسهنّ وفي أمتهنّ فإنهنّ إذا خرجن إلى السوق بهذه الملابس افتتن الناس بهنّ وصرن كلام الناس فالواجب عليهنّ أن يتقين الله سبحانه وتعالى وألا يخرجنّ متطيبات ولا متجملات.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة إذا خرجت لصلاة التراويح أن تتبخر فقط بالبخور دون العطور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة إذا خرجت إلى السوق لصلاة أو غيرها أن تتطيب لا ببخور ولا بدهن ولا غيرهما وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء) وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أمر يفعله بعض النساء اللآتي يحضرن إلى المسجد في ليالي رمضان يحضرن معهنّ مبخرة وعوداً ويتبخرنّ بها وهن في المسجد فتعلق الرائحة بهنّ فإذا خرجنّ إلى السوق وجد فيهنّ أثر الطيب وهذا خلاف المشروع في حقهنّ نعم لا بأس أن تأتي المرأة بالمبخرة وتبخر المسجد فقط بدون أن يتبخر النساء بها وأما أن يتبخر النساء بها فلا.
***(22/2)
السؤال: يقول إذا وجدت المرأة في الطريق الذي يكون فيه رجال كثر ورقة بها لفظ الجلالة فهل تنحني لأخذها أم تتركها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تنحني لأخذها ولا حرج إلا إذا كان هناك زحام فهنا لا تنحني لأنها لو انحنت صار في ذلك فتنة.
***(22/2)
السؤال: تقول أنا فتاة أذهب إلى حفلات الزفاف للتقابل مع الصديقات والأقرباء الذين لا نراهم إلا في هذه الحفلات وأشعرك يا فضيلة الشيخ بأنني فتاة متمسكة بديني وسنة نبي محمد صلى الله عليه وسلم وأريد أن أسألكم هل هذا حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا حلال لا بأس به وإن كان لزوم البيت أفضل وأحسن لكن ليست المرأة ممنوعة من الخروج في مثل هذه الحال بشرط أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا سافرة كاشفة عن وجهها وبشرط أيضاً أن لا تشتمل الحفلة التي ذهبت إليها على منكر أو اختلاط برجال أو نحو ذلك من المحرم فإن كان كذلك فإنه لا يجوز لها أن تذهب.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول من كان عنده شغالة وأراد أن يرسلها إلى مكان ما فهل يكفي أن يصطحب معه الأولاد الصغار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني يقول في سؤاله هذا بالمعنى هل تزول الخلوة إذا اصطحب الصغار مع الخادمة وجوابه أني لا أرى أن الخلوة تزول مع الصغار الذين لا يدركون شيئاً لأنه لو حصل مغازلة أو مهامسة أو إشارة لن يفقهوا شيئاً فلا يكفي هذا ولكن يصطحب مع الخادمة أم الأولاد الصغار وبهذا تزول الخلوة.
***(22/2)
السؤال: هذه سائلة تذكر بأنها فتاة ملتزمة بدينها وتحمد الله على ذلك تقول مشكلتي بأن أهلي يرفضون خروجي من البيت أبدا بحجة أن خروج البنت عيب ولا يجوز وعندما أتكلم مع صديقاتي على الهاتف ويوجهن لي دعوة للزيارة لا أعرف ماذا أفعل أرشدوني بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن عدم خروج المرأة من بيتها هو الأفضل والأولى ولا سيما في الأوقات التي يكثر فيها تجول الشباب في الأسواق وكون أهلك لا يرضون أن تخرجي قد يكون هذا من السياسة التي يرون أنه من مصلحتك فأرى أن تطيعيهم في ذلك وألا تخرجي لكن إذا احتجت إلى الخروج فاطلبي من الوالد أو من أحد الأخوان أن يذهب معك حتى يزول ما في نفوس الأهل من التردد والشك.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للزوج أن يمنع الزوجة من صلة أرحامها لأن صلة الرحم واجبة والقطيعة من كبائر الذنوب ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إلا إذا كانت صلتها لأقاربها تتضمن ضرراً على زوجها مثل أن يكون الأقارب أهل شر وفساد ونميمة فيفسدوا بين المرأة وزوجها فحينئذٍ له أن يمنعها منهم أي من زيارتهم وصلتهم ويمكن أن يقال الصلة ليست خاصة بالزيارة ربما تصلهم بالهدايا أو غيرها مما يؤلف قلوبهم ويوجب المحبة على كل حال ليس للزوج أن يمنع امرأته من صلة رحمها الصلة المعروفة إلا إذا كان صلتها لأقاربها يتضمن ضررا عليها أو عليه فله أن يمنع ذلك.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز الخلوة بالمرأة حال القراءة عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجوز الخلوة بالمرأة حال القراءة عليها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) فلابد أن يكون معها ذو محرم عند القراءة عليها.
***(22/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة المسلمة أن تحضر مجالس العلم والدروس الفقهية في المساجد علماً بأنها تخرج إليها متسترة وبالزي الشرعي وأيهما أفضل حضورها لمثل هذه المجالس أم بقاؤها في المنزل علما بأننا الآن نخرج للتعليم في الجامعات والمدارس بناء على رغبة أبائنا وأمهاتنا ومع العلم أيضاً بأن الاستفادة من هذه المجالس أكبر من الاستفادة من القراءة في المنازل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تحضر مجالس العلم سواء كانت هذه العلوم من علوم الفقه العملي أو من علوم الفقه العقدي المتصل بالعقيدة والتوحيد فإنه يجوز لها أن تحضر هذه المجالس بشرط أن لا تكون متطيبة ولا متبرجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء) ولا بد أن تكون بعيدة عن الرجال لا تختلط بهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) وذلك لأن أولها أقرب إلى الرجال من آخرها فصار آخرها خيراً من أولها.
***(22/2)
السؤال: يقول من عادة النساء في قريتنا الجلوس في الشوارع وفي معظم أوقات النهار وخاصة بعد العصر وعلى شكل جماعات فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل وهل من نصيحة لهنّ بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خروج المرأة من بيتها لغير حاجة أمر لا ينبغي لأن الله تعالى قال لنساء النبي صلى الله عليه وسلم (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) فالمشروع في حق المرأة وهي ربة البيت أن تبقى في بيتها لإصلاح شؤونها والقيام بمصالح أولادها إن كانت ذات أولاد هذا هو المشروع ولا تخرج من البيت إلا لمصلحة شرعية أو حاجة فأما أن تخرج إلى الأسواق للتفرج والتنزه والتمشي فذلك أمر غير محبوب ويخشى أن تقع به الفتنة منها أو بها فنصيحتي لهؤلاء النساء أن يلزمنّ بيوتهنّ وألا يخرجنّ إلى الأسواق إلا لحاجة أو لمصلحة دينية أو دنيوية لا محظور فيها وإذا خرجن فليخرجن محتشمات متسترات ساترات الوجوه والرؤوس والكفين والقدمين ولا حرج عليها أن تتنقب لترى طريقها بشرط أن يكون النقاب بقدر الضرورة لا تخرج منه إلا العين فقط وبشرط ألا تكون مكتحلة ولا يجوز أن تخرج إلى الأسواق متطيبة لما في ذلك من الفتنة فإذا خرجت المرأة محتشمة لمصلحة دينية أو دنيوية لا محذور فيها أو لحاجة فلا بأس في ذلك بالشروط التي أشرت إليها كما أنه يجب أن يراعي ولاة الأمور مسألة الاختلاط اختلاط النساء بالرجال فإن الاختلاط من أكثر دواعي الفتنة والفتنة يجب سد كل ذريعة توصل إليها.
***(22/2)
مصافحة المرأة(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز لابن العم أن يصافح بنت عمه باليد أو بنت خاله أو بنت خالته أو أحد من الأقارب من النساء إذا كانوا غائبين عنه مدة طويلة سواء كانوا متزوجين أو غير متزوجين نريد الإفادة بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه لا يجوز لأحد أن يصافح امرأة ليست زوجته ولا من محارمه فابن العم لا يجوز له أن يصافح ابنة عمه وابن الخال لا يجوز له أن يصافح ابنة عمته وكذلك أخو الزوج لا يجوز أن يصافح زوجة أخيه والقاعدة العامة في هذا أنه لا يحل لرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه وليست زوجة له سواء كان ذلك مباشرة أو كان ذلك من وراء حائل ولا عبرة بما اعتاده بعض الناس في ذلك لأن الشرع حاكم على العادة وليست العادة حاكمة على الشرع والواجب على المرء أن يتقي الله عز وجل في هذا الأمر وألا ينساق وراء العادات المخالفة للشريعة قد يتعلل بعض الناس بكونه يخجل أن تمد المرأة إليه يدها ثم يكف يده عنها أو يقول لها كفي يدك فإن هذا لا يجوز وجوابنا على هذا أن نقول إن هذا الخجل ليس في محله فإن الله لا يستحيي من الحق والاستحياء من الحق جبن وخور والواجب عليك أيها المؤمن أن تقول الحق ولو كان مراً كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) وأنت إذا امتنعت من هذا وبينت أنه حرام وامتنع الثاني من ذلك وبين أنه حرام وامتنع الثالث والرابع اشتهر هذا بين الناس وتركوا تلك العادة الذميمة وهي أن الرجل يصافح المرأة لكونها قريبته أو من جيرانه أو ما أشبه ذلك.
***(22/2)
يقول هذا السائل تقوم أحيانا زوجة عمي وزوجة خالي بالسلام علي مصافحة وتقبيلاً فهل هذا محرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا محرم ولا يحل لامرأة أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها سواء كان أخ الزوج أو عم الزوج أو خال الزوج ولا يحل لها أن تصافحه ولو من وراء حائل ولا يحل لها أن تقبله وهذا أشد وأعظم وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أياكم والدخول على النساء) أي يحذر من الدخول على النساء يعني غير المحارم قالوا يا رسول الله أرايت الحمو يعني أقارب الزوج قال (الحمو الموت) يعني فاحذروه وإنما حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحمو لأن الحمو إذا دخل على بيت قريبه لا يستنكر ولا يستغرب فيدخل البيت بدون حياء ولا خجل ويكون خاليا بالمرأة وخلو الرجل بالمرأة محرم حذر منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبر أنه (ما من رجل خلا بامرأة - يعني ليست محرما له - إلا كان ثالثهما الشيطان) .
***(22/2)
يقول السائل هل مصافحة امرأة مثل زوجة الخال يبطل الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصافحة المرأة غير ذات المحرم حرام فلا يحل لأحد أن يصافح امرأة ليست ذات محرم منه سواء كانت امرأة أخيه أو امرأة عمه أو امرأة خاله فإن هذا كله حرام وسواء صافحها من وراء حائل أو بدون حائل أما الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء مصافحة المرأة مطلقا ما لم يكن لشهوة وينزل منه مذي أو مني وحينئذ نقول إنه لا يمكن مصافحة المرأة لشهوة إلا أن تكون زوجته وبهذا الكلام الذي ذكرته يتبين أن مصافحة النساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم حرام بكل حال وهي مصافحة من ليست ذات محرم من الإنسان كامرأة أخيه وامرأة عمه وامرأة خاله وما أشبه ذلك
وقسم تجوز مصافحتهن بدون شهوة وهن ذوات المحارم كأخته وعمته وخالته وأمه وبنته فهؤلاء تجوز مصافحتهن بشرط أن لا يكون هناك شهوة وتلذذ بالمصافحة
القسم الثالث من تجوز مصافحتهن بشهوة وبغير شهوة وهن الزوجات فإنه يجوز للإنسان أن يصافح زوجته بشهوة أو بغير شهوة وكل هذه الأقسام لا تنقض الوضوء إلا إذا نزل منه شيء مذي أو مني فإنه ينتقض وضوءه بما نزل وإذا كان منيا فإنه يجب عليه الغسل.
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول ما حكم إلقاء المرأة السلام على الرجل الذي تتعامل معه سواء في بيع أو شراء أو أي معاملة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أحب هذا أن تلقي المرأة السلام على شخص بينها وبينه معاملة لكن نعم على شخص من معارفها كأخي زوجها مثلاً أو ابن عمها أو ما أشبه ذلك إذا أمنت الفتنة لا بأس أما رجل أجنبي ليس بينها وبينه علاقة إلا المعاملة فأخشى أن يكون في ذلك تحريك للكامن في النفوس فترك السلام أولى تدخل وتقول يا فلان كم هذه السلعة كم هذه السلعة.
***(22/2)
السائلة تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ ما حكم مصافحة الرجال الأجانب مع لبس قفازين في اليدين عند المصافحة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصافحة النساء غير المحارم محرمة سواء كانت من وراء حائل كالقفازين أو بدون حائل لكنها بدون حائل أشد وأخطر فلا يحل للمرآة ان تصافح رجلا غير محرم لها أما المحارم فلا بأس من مصافحتهم بشرط أن تؤمن الفتنة أيضا لأن المحظور هو الوقوع في الفتنة فإذا تحققت الفتنة في مصافحة المحارم وجب الكف عنها ولا تتعجب إذا قلنا بأنه يشترط في مصافحة المحارم ألا تخشى الفتنة لأن من المحارم من تكون محرميته بعيدة بعض الشي أو تكون محرميته بغير القرابة إما للمصاهرة أو للرضاع فيقل الاحترام في قلب الرجل ويدور الشيطان في مخيلته وحينئذ ربما تقع الفتنة إذا صافح المرأة التي من محارمه لذلك يجب أن يلاحظ هذا القيد وهو أن مصافحة المحارم جائزة في الأصل ما لم تخشَ الفتنة فإن خشيت الفتنة وجب الكف عنها وإني أضيف إلى جواب هذا السائل أنه يوجد عند بعض الناس تساهل في هذا الأمر فتجد المرأة تصافح بني عمها أو بني أخوالها أو تصافح جيرانها أو ما أشبه ذلك مما هو عادات عندهم والواجب على المؤمن أن يحكم الشرع لا العادة لأن الشرع هو الحاكم وهو الذي يجب علينا الرجوع إليه قال الله تبارك وتعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وقال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وقال الله تبارك وتعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وعلى هذا فالواجب العدول عن هذه العادات المخالفة للشرع والإنسان إذا ترك ما اعتاده وألفه طاعة لله ورسوله واتباعا لرضا الله ورسوله فإنه يجد بذلك حلاوة الإيمان ويطمئن قلبه وينشرح صدره للإسلام (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) .
***(22/2)
السؤال: تقول إذا كان أحد الأقارب لي من الرجال لا يصلى وهو ليس لي بمحرم وأنا لا أكلمه ولا أحادثه وإنما إذا دخلت إلى منزلهم وشاهدته سلمت بقولي السلام عليكم فأنا لا أجالسه ولا أحادثه وأستحي منه حتى أنني لا أقول له كيف الحال وكيف حال الأولاد فهل علي إثم إذا لم أنصح مثل هذا بالمحافظة على الصلاة لأنني كما قلت لكم بأنني أستحي منه وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المسلمين عموماً التناصح بينهم لكن مناصحة المرأة للرجل يخشى منها الفتنة ولو فتح الباب لادعت الناصحة التي ليس عندها قوةٌ في دينها في مخاطبة الرجال أنها تريد النصح لكن مثل هذا الرجل الذي ذكرت أنه من معارفها لكنه ليس بمحرمٍ لها وأنها تزور بيتهم وأنه تسلم إذا دخلت أرجو ألا يكون في نصحها إياه فتنة فإذا تمكنت من نصحه بالمشافهة مع انتفاء الفتنة والمحظور فهذا حسن وإن رأت أن تكتب له كتاباً وتقول مثلاً في إمضائها من ناصح أو فاعل خير فتذكره بالله عز وجل وتخوفه مما هو عليه من ترك الصلاة فهذا أحسن وأطيب وأما بالنسبة لتارك الصلاة بالكلية فإنه يهجر ولا يجوز السلام عليه ولا الذهاب إليه إلا على سبيل المناصحة وذلك لأن تارك الصلاة والعياذ بالله مرتد عن الإسلام والمرتد لا حرمة له.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز للمرأة أن تصافح الرجل الذي قدم من سفر بعيد وهو من قرابتها كابن العم أو ابن الخال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصافحة المرأة لرجل من غير محارمها حرام ولا تحل لأي مناسبة كانت سواء كان ذلك من أجل قدومه من الغَيْبَةِ أو بمناسبة العيد أو بأي مناسبة كانت لا يحل للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه كما دلت على ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما في ذلك من الفتنة العظيمة في مصافحة الرجل للمرأة التي ليست من محارمه، وقد كان بعض الناس يتهاون في هذا فتجده يصافح المرأة التي هي أجنبية منه لأنها ابنة عمه أو ابنةَ خاله أو ما أشبه ذلك وهذا حرام عليهم، ولا يجوز لهم أن يقوموا بهذا العمل، قد يقولون إن هذا من عاداتنا وإننا اعتدنا هذا ولا نرى فيه بأساً فنقول العمدة لكل مسلم هي الشرع سواء وافقته العادة أم خالفته، لقول الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) فلا خيار للمرء المؤمن في دين الله أبداً بل الواجب عليه أن يسلم ويستسلم كما قال الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فتأمل هذه الآية الكريمة حيث أقسم الله تعالى قسماً مؤكداً بربوبيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يؤمنون أي من أرسل إليهم من وقته إلى يوم القيامة حتى يحكموك فيما شجر بينهم فيجعلوك الحكم فيما حصل بينهم من النزاع والاختلاف ثم بعد ذلك لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ولا تضيق صدورهم بالحكم الذي حكمت به ثم يسلموا تسليماً أي ينقادوا انقياداً تاماً ليس فيه توان ولا فتور، فعلى كل مسلم أن يتجنب ما حرمه الله ورسوله وإن كانوا قد اعتادوا أن يفعلوه لأن العادة لا تحكم على الشرع، وإنما الشرع هو الذي يحكم على العادة.
***(22/2)
السؤال: يقول من التقاليد عندنا إكرام الضيف فهل يجوز للمرأة أن تقوم بإكرام الضيف والزوج غائب علماً بأنها من أهل البادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إكرام الضيف ينبغي أن لا نقول إنه من العادات بل نقول إنه من العبادات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، فإكرام الضيف عبادة تقرب الإنسان من ربه وتكون سبباً لصلاحه بإذن الله، ولا يجوز للمرأة أن تقدم الضيافة للضيف فإذا جاء الضيف وزوجها غير حاضر فلتعتذر ولتقل يا جماعة إن زوجي ليس بحاضر فانتظروا حتى يأتي ويقوم بما يجب لكم من ضيافة.
***(22/2)
السائل: يقول في بعض البوادي يحضر النساء مجالس الرجال ويسلمن عليهم ويصافحنهم ويقولون هذه عادة نرجو التوجيه وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسائل مصافحة النساء وكشف وجوههن وما أشبه ذلك ليس أمر اعادياً أو تقريبياً وإنما هو منكر شرعي ونحن ننكر على الذين يقولون هذه عاداتنا وتقاليدنا يجعلون الحجاب وبعد المرأة عن الرجل يجعلونها من العادات والتقاليد هذا كذب وليس بصحيح وهو أمر له خطورته لأنه يؤدي إلى أن يغير هذا الحكم الشرعي في يوم من الأيام ويقال إن العادة اختلفت والتقاليد انتفت ونحن نريد أن ندخل منهجا جديداً وعادة جديدة ثم يغيرون حكم الله بسبب ما وصفوا هذا الحكم الشرعي بما ليس وصفا له حيث جعلوه من العادات والتقاليد والواجب على من يتكلم بهذه الأمور الواجب عليهم أن يتكلموا عليه بالمعني الصحيح ويقولوا هذا من الدين الذي لا يمكن تغيره ولا يمكن للعادات أن تغيره وعلى هذا ما اعتاده البادية في هذا الأمر من سلام النساء على الرجال الأجانب وكشف وجوههن أمامهم فإنه عمل يجب النهي عنه ويجب أن يبين أن هذا أمر لا يجوز وأن المرأة في البادية والمرأة في القرية وفي المدينة على حد سواء حكم الله تعالى في النساء سواء في البادية وفي المدن وفي القرى وفي البلاد الأجنبية وفي البلاد الأهلية كله سواء لا يجوز أن يغير حكم الله في هذا الأمر من أجل العادات والتقاليد ونحن ننكر جدا على من يصف هذه الأمور بأنها عادة أو تقليد بل نقول هي دين وشريعة إلاهية من الله عز وجل والله تعالى بين هذا في كتابه غاية البيان كما في سورة النور وسورة الأحزاب وكما في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز للمرأة أن تصافح الرجل الأجنبي منها اللهم إلا إذا كان من المعارف الذين يدخلون عليها كثيراً ويأتي إليهم كثيراً فإنها تصافحه لكن من وراء حائل أما مباشرةً فلا وذلك أن المس أشد من النظر فإن تحرك الشهوة وقرب الفتنة بالمس أعظم وأشد أثراً من النظر ولهذا ذكر أهل العلم أن المرأة لا تصافح إلا من كان من محارمها أو زوج لها.
***(22/2)
السؤال: تقول هل مصافحة الرجال غير المحارم تجوز علماً بأن عندنا رجال يقفون احتراماً للمرأة ويصافحونها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تمد يدها إلى رجال ليسوا من محارمها لتصافحهم ولا يجوز للرجل أيضاً أن يمد يده إلى امرأة ليست من محارمه ليصافحها لأن مس الإنسان لبشرة امرأة ليست من محارمه حرام لأنه مثل النظر أو أشد في إثارة الفتنة ولكن إذا كانت المرأة من معارفه وصافحها من وراء حائل فهذا لا بأس به لأن ذلك ليس فيه مماسة ولا مباشرة ولا يثير الشهوة غالباً ولكن إن خافا من ثوران الشهوة أو تحركها فإنه لا يجوز له أن يصافحها ولو من وراء حائل والخلاصة أن مصافحة الرجل لمحارمه لا بأس بها ومصافحة الرجل لغير محارمه ولو من معارفه حرام إلا إذا كانت من وراء حائل وأمنت الفتنة بذلك فلا حرج فيها.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز التسليم على الأجنبية بلمس يدها وهل التسليم ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالأجنبية من سوى زوجته ومحارمه يعني التي ليست زوجة له ولا من محارمه والسلام عليها بالمصافحة مباشرة لا يجوز وذلك لأن النظر إليها لا يجوز والمصافحة أشد وأبلغ في إثارة النفس والتعلق بها ولهذا يحرم على المرء أن يصافح من ليست من محارمه ولا زوجة له بيده مباشرة وأما من وراء حائل فإنه لا بأس به إذا أمنت الفتنة ولكن مع ذلك ما ينبغي أن يفعل إلا لمن كان بينه وبينها معرفة كمن كان معها في البيت من امرأة أخيه ونحوها بشرط ألا يكون في ذلك فتنة وأن تكون المصافحة من وراء حائل وأن تكون متحجبة عنه فهذا لا بأس به.
***(22/2)
السؤال: هل يجوز لمس المرأة الأجنبية حال القراءة عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أيضا مس المرأة الأجنبية حال القراءة عليها لأنه لا داعي لذلك ثم لو فرض أنها دعت الحاجة إلى هذا كما لو كان المرض في عضو معين كاليد والقدم وأراد أن يضع يده على هذا الموضع من الألم ويقول أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر أقول إن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس بشرط أن يأمن الإنسان نفسه فإن خاف من ثوران الشهوة أو التمتع باللمس فإن ذلك حرام عليه ثم إن المواضع في البدن تختلف بعضها مسه فتنة ولا شك وبعضها دون ذلك ويختلف أيضا وضع اليد على موضع الألم بينما إذا كان هناك حائل أو كانت المماسة مباشرة وعلى كل حال فإني أحذر إخواني القراء من أن يضعوا أيديهم على أي موضع من بدن المرأة لا مباشرة ولا من وراء حائل وإذا أراد الله في قراءتهم خيرا حصل بدون لمس.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز لزوجها أن يصافح زوجة أبيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا. لا يجوز لزوجها أن يصافح زوجة أبيها فمعلوم أن زوجة أبيها غير أمها أما لو صافح أمها فلا بأس لأن أم الزوجة محرم للزوج.
***(22/2)
المرأة والحمل وتنظيم النسل(22/2)
تقول المستمعة في رسالتها إنها متزوجة وعندها ثلاثة أولاد والحمد لله وتقول إن عندها ضعف في الجسم وعندما تحمل تمرض مرضاً شديداً وعندما تضع الطفل تفقد الوعي هل يجوز لها أن تتناول حبوب منع الحمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حبوب منع الحمل هي فيما ذكر لنا ضارة على الرحم قد تسبب القرحة فيه ثم إن محاولة منع الحمل في الأصل جائزة لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعزلون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينهوا عن ذلك ولكن هي خلاف الأولى لأن تكثير الأولاد أمرٌ مشروعٌ ومطلوب ولكن مع هذا الضرر الذي أشارت إليه السائلة نقول إنه لا بأس أن تتناول هذه الحبوب إذا أذن بذلك زوجها وإذا تحسنت حالها وصارت بحالٍ تشعر بأنه لا يصيبها هذا الأذى فإنها تمسك عنه.
***(22/2)
تقول السائلة بأنها امرأة ذات عيال عددهم سبعة تقول وهي تأخذ في هذه الفترة مانع للحمل كي تستريح فترة ولكن الزوج يصر على عدم أخذ هذه الحبوب وقد مكثت آخذها دون علمه هل يجوز لي ذلك مع أنه يحب الإنجاب كثيراًً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا مع هذا الزوج الذي يحب الإنجاب كثيراً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث على المرأة الودود الولود وكلما كثرت الأمة الإسلامية كان ذلك أعز لها وأوفى بحاجاتها وما يتوهمه بعض الناس من أن كثرة النسل تؤدي إلى ضيق الرزق وهمٌ باطل لا يصدر ممن يؤمن بقول الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) فأنا أشكر لزوج هذه المرأة الذي يحب كثرة الإنجاب وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثاله وأقول لهذه المرأة إنه لا يحل لها أن تأخذ مانع الحمل بدون إذن الزوج ورضاه وعليها أن تتقي الله عز وجل وأن تقلع عن أخذ هذه الحبوب محبةً لما يحبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كثرة الأولاد وطاعةً لزوجها وزوجها له حق في الإنجاب كما أنها هي أيضاً لها حقٌ في الإنجاب ولهذا لو أراد الزوج أن يعزل عن زوجته حتى لا تحمل كان ذلك حراماً عليه إلا بإذنها يعني مثلاً لو أراد الزوج من زوجته أن لا تحمل وصار يعزل عنها أي إذا أراد أن ينزل نزعه وأنزل في الخارج فإن ذلك لا يحل له إلا إذا وافقت الزوجة على ذلك وسبب هذا أن الزوجة لها حقٌ في الأولاد فلا يحل للزوج أن يحول بينها وبين هذا الحق بغير رضاها ثم إنه بهذه المناسبة أحذر النساء من أن يتعاملن هذه المعاملة التي هي ظلم في حق الزوج ثم على فرض أن الزوج رضي بذلك فإني أنصح الزوج والزوجة عن هذا العمل وأقول إن كثرة الأولاد من النعم التي تستحق الشكر لله عز وجل كما أظهر الله ذلك في قوله في بني إسرائيل (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وكما ذكر شعيبٌ قومه بذلك فقال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) فأنصح كلاً من الزوجين أن يحرصوا على كثرة الإنجاب لأن ذلك خير لهما وخير للأمة الإسلامية وكلما كثرت الأمة الإسلامية كان ذلك أعز لها وأكرم.
***(22/2)
السؤال: تقول السائلة هل يجوز لي أن أؤخر الحمل لفترةٍ مؤقتة علماً بأنني لا أنجب إلا بقيصرية وكم في رأيكم تجلس المرأة من سنة في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا رأيي أن المرأة تلد كل عام ولا حرج في ذلك فمن استعان بالله أعانه الله ومن توكل على الله فهو حسبه وكافيه وكون المرأة تريد أن لا يشق عليها شيء في الحمل ولا في الوضع هذا شيء لا يمكن ولتعلم المرأة أن ما يصيبها من أذىً أو ألم في حال الحمل أو عند الوضع أو في الحضانة بعد ذلك فإنما هو رفعةٌ في درجاتها وكفارةٌ لسيئاتها إذا احتسبت هذا على الله سبحانه وتعالى وأرى أنه كلما كثر الأولاد فهو خيرٌ وأفضل لأن هذا هو مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد حث صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تزوج الودود الولود الودود كثيرة المودة للزوج والولود كثيرة الولادة فلا ينبغي أن نعدل عن شيء يحبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
***(22/2)
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم في عملية تنظيم النسل وتحديده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن التفكير في تنظيم النسل وتحديده أصله من فكرة معادية للإسلام مضادة لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حث صلى الله عليه وسلم على تزوج الودود الولود وأخبر أنه يكاثر الأنبياء بنا يوم القيامة ولا شك أن كثرة النسل من نعمة الله عز وجل، كما امتن الله بها على بني إسرائيل في قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) ، وذكّرها شعيب قومه في قوله (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) فالذي ينبغي للإنسان أن يكثر النسل ما استطاع، نعم لو حصل على الأنثى ضرر لتتابع الحمل عليها لكون جسمها لا يتحمل ذلك فلها أن تفعل ما يقلل الحمل لديها دفعاً لضررها الذي يحصل لها بالحمل، وأما مع استقامة الحال وسلامة البنية فإنه لا شك أنه كلما كثر النسل فهو أفضل وأولى.
وأما تنظيم النسل فالواقع أن التنظيم ليس بيد الإنسان بل هو بيد الله عز وجل كما قال الله تعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) ولو قدرنا أن بإمكان الإنسان أن ينظم حمله في البداية، أو أن ينظم نسله في البداية لو قدرنا ذلك، فإنه لا يمكنه أن ينظمه في النهاية لأنه من الجائز أن يقدر أن يكون أولاده في كل سنتين ولد، ولكن يموت الأولاد قبل أن تأتي السنتان أو بعد أن تمضي سنتان وقد يموتون قبل أربع سنوات وهكذا، فتنظيم النسل في الواقع وإن قدرنا أنه يمكن في الابتداء فإنه لا يمكن في الانتهاء ولهذا نرى أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم من كثرة الولادة، وأما تحديده بحيث يقطع النسل على عدد معين لا يزيد عليه فإنه حرام كما صرح بذلك بعض أهل العلم لأن ذلك يؤدي إلى قطع النسل في الواقع، فإنه إذا حدده ثم قُدّر فناء هؤلاء الأولاد الذين قد حدد النسل بهم انقطع نسل الرجل نهائياً فنصيحتي لكل من الرجال والنساء أن يحرصوا على كثرة الأولاد تحقيقاً لمباهاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته.
***(22/2)
السؤال: يقول هل صحيح أن كل امرأة تلد تسقط عنها ذنوبها كلها لما تلاقيه أثناء الولادة من آلام ومتاعب ففيها تمحيص لذنوبها؟
الشيح: هذا ليس بصحيح ولكن المرأة كغيرها من بني آدم إذا أصابها شيء فصبرت واحتسبت الأجر فإنها تؤجر على هذه الآلام والمصائب حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام مثل بما دون ذلك مثل بالشوكة يشاكها فإنه يكفر بها عنه واعلم أن المصائب التي تصيب المرء إذا صبر واحتسب الأجر من الله كان مثاباً على ما حصل منه من صبر واحتساب وكان أصل المصيبة تكفيراًً لذنوبه فالمصائب مكفرة على كل حال فإن قارنها الصبر كان مثاباً عليها الإنسان من أجل هذا الصبر الذي حصل منه عليها فالمرأة عند الولادة لا شك أنها تتألم وأنها تتأذى وهذا الألم يكفر به عنها فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله كان مع التكفير زيادة في ثوابها وحسناتها.
***(22/2)
السؤال: يسأل عن حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في تحديد النسل لفترة مؤقتة دون حاجة ماسة لذلك إلا أن المرأة تريد فقط أن ترتاح من عناء الحمل السنوي، ويسأل عن مقولة أعداء الإسلام عن الانفجار السكاني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا السؤال سؤال مهم وذلك أن أعداء المسلمين لبسوا على المسلمين فيما يتعلق بكثرة النسل وأوهموهم أن كثرة النسل يحصل بها ضائقة اقتصادية وأزمات على الحكومة وعلى الأفراد ومن المعلوم أن هذا أعني الضائقة الاقتصادية والأزمات تسبب الفوضى والتفاوت بين الناس بعضهم البعض فهم يصورون كثرة النسل بصورة مخيفة مروعة ويتوهم ضعاف النفوس والإيمان أن هذا أمر حقيقي ولو كان عند الإنسان قوة إيمان وتوكل لعلم أن الله سبحانه وتعالى لن يخلق مخلوقاً إلا وقد تكفل برزقه كما قال الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) ، وقال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) ، وقال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فإذا علم المؤمن أن كثرة النسل سبب لكثرة الرزق لأن الأمة إذا كثرت كان ذلك عزاً لها وكان ذلك سبباً لاكتفائها بذاتها عن غيرها، ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بتكثيرهم قال تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وذكر شعيب قومه بذلك فقال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تزوجوا الودود الولود) والولود كثيرة الولادة، وكلما كثرت الأمة الإسلامية كان ذلك عزاً لها وكان ذلك سبباً لهيبتها بين الأمم وكان ذلك سبباً لاكتفائها بذاتها عن غيرها كما هو ظاهر ومعلوم، وبناء على ذلك فالذي ينبغي للإنسان أن يحرص على كثرة الأولاد أخاطب بذلك الرجل والمرأة ولا ينبغي لهما أن يحاولا قلة الولد، وأما ما ذكره السائل من تنظيم النسل في الحقيقة إن هذا وارد أن ينظم الإنسان نسله وتكون ولادة المرأة بين سنة وأخرى أي سنة للولادة وسنة لعدم الولادة، ولكن الحقيقة أن هذا الأمر ليس إلى الإنسان وقد ينظم الإنسان هذا التنظيم ولكن لا يحصل المراد به، ربما يتأخر الحمل في السنة التي يريد أن يكون فيها حمل، وربما يموت الأولاد الذين كانوا عنده فإذا مات الأولاد ولم يشأ الله عز وجل أن تنجب المرأة بعد ذلك بقيت لا أولاد لها، نعم لو فرض أن المرأة غير قادرة على ذلك أي أنها لا تستطيع أن تحمل كل سنة إلا بمشقة غير معتادة فهذا وجه يبرر لها أن تنظم حملها، ومع ذلك لا يكون هذا إلا بإذن الزوج فلو منع الزوج من ذلك فالحق له كما أن الزوج لو طلب منها أن تستعمل ما يمنع الحمل فليس عليها قبول ذلك، فكل واحد من الزوجين له حق في الولد، ولهذا قال أهل العلم يحرم أن يعزل الرجل عن زوجته الحرة إلا بإذنها يعني لها حقاً في الولد وكذلك القول الراجح إذا تبين الزوج عقيماً فللزوجة حق الفصل لأن لها حقاً في ولد، وأما ما ذكره السائل من قول أعداء الإسلام الانفجار السكاني أو التضخم السكاني أو ما أشبه ذلك فإن هذا كما أشرت إليه في أول الجواب من تهويل الأمر من أعداء الإسلام على المسلم والواجب على المسلم أن لا يغتر بهؤلاء وتهويلاتهم وأن يعلم أنهم أعداء كما وصفهم الله بذلك بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) والكافر عدو للمسلم مهما كان في أي زمان وفي أي مكان ولهذا يجب على المؤمن أن يعلم أنه أي الكافر لو فعل شيئاً فيه مصلحة للمسلمين فإنه سوف يكسب من وراء ذلك لنفسه ما هو أكثر وأكثر من المصالح.
***(22/2)
المستمعة تقول بإنها امرأة متزوجة وقد أنجبت ولداً ثم حملت بعده مباشرة فالآن تريد أن ترتاج بعد الثاني لأنها أصيبت بفقر الدم في الأول والثاني فهل يجوز لها استخدام المانع من الحمل أو اللولب علماً بأن زوجها يمنعها من استعمال أي مانع فأرجو النصح له لعله ينتفع بالنصيحة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن كثرة الولادة مما يزيد الأمة قوة ويحصل به مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (تزوجوا الودود الولود) ولا شك أيضاً أن المرأة إذا حملت يلحقها الضعف لقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) ولا شك أيضاً أن المرأة إذا حملت فإنها تحمل الولد كرهاً وتضعه كرهاً كما قال الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) ولا شك أن المرأة إذا حملت يلحقها التعب والإعياء وإذا كان هذا أمراً مألوفاً ومعتاداً فإنه لا ينبغي للمرأة أن تتضجر منه وأن تتهرب منه باستعمال ما يمنع الحمل بل عليها أن تصبر وتحتسب الأجر من الله وهي إذا صبرت واحتسبت الأجر من الله ولم تخنع لما يحصل لها من الضعف فإن الله تعالى يقويها على ماحملت ويعينها حتى يكون هذا الحمل خفيفاً عليها نعم لو فرض أن هناك أموراً عارضة غير معتادة تحصل للمرأة عند الحمل فحينئذٍ ينظر في الأمر وما ذكرت السائلة من أنها أصيبت من فقر الدم فهذا أمر طبيعي إذ أن المرأة إذا حملت فإنه ينصرف جزء كبير من دمها إلى الحمل ولكن إن كان هذا الذي أصابها من فقر الدم أمراًً زائد على المعتاد ولم تتمكن من السلامة منه بأخذ المقويات ففي هذا الحال ينبغي لزوجها أن يراعيها وأن يرخص لها في استعمال ما يمنع الحمل ولكنني أحذرها وغيرها من النساء من استعمال العقاقير والحبوب لأن هذه مضرة على المدى الطويل وقد حدثني من أثق به من الأطباء أنها سبب لفساد الرحم ولتشويه الأجنة ولأمور أخرى تتعلق بالدم والأعصاب لكن هناك وسائل تقي من الحمل غير هذه الحبوب أما تعاطي هذه الحبوب والعقاقير فإنني أنصح بالابتعاد عنها كثيراً وخلاصة الجواب أنه يجب على المرأة أن تصبر على ما أصابها من الضعف والتعب والإعياء في حال الحمل ولها في ذلك أجر عند الله عز وجل وتكفير لسيئاتها وعلى الزوج إذا رأى أن المرأة تتأثر تأثراً غير معتاد في حملها أن يأذن لها في استعمال ما يمنع الحمل أو هو بنفسه يستعمل ما يمنع الحمل رأفة بها ورحمة بها حتى تنشط وتقوى على ذلك.
***(22/2)
السؤال: تقول هل يجوز للمرأة التي تخاف على نفسها من الحمل والإنجاب أن تمنع الحمل بعملية ربطٍ أو ما شابه ذلك مع العلم بأن السن سبعة وأربعين عام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بد فيه من شرطين الشرط الأول موافقة الزوج على ذلك.
والشرط الثاني أن يلحقها ضرر في الحمل غير معتاد فحينئذٍ لا بأس أن تربط الرحم إلى أجلٍ مسمى وأما إذا لم يأذن الزوج فلا يجوز أن تربط الرحم ولا أن تأخذ ما يمنع من الحمل لأن للزوج حقاً في الولد وكذلك إذا كان لا يضرها إلا الضرر المعتاد للحوامل فهذا أمرٌ لا بد منه فلا تربط الرحم من أجل ذلك ولا تأكل ما يمنع الحمل من أجل ذلك.
***(22/2)
السؤال: هل علي إثم في تناول حبوب منع العادة وذلك لكي لا يفوتني صيام أيام مثل ليلة النصف من شعبان وليلة التروية وعرفات وغيرها أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إستعمال هذه الحبوب فإنه حسب ما بلغني ضار ولا ينبغي للإنسان أن يتناول ما كان ضاراً لقول الله تعالى (لا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) وإذا تبين أنه لا يضر بمشورة الطبيب فلا بأس أن تأكل المرأة شيئا من هذه الحبوب من أجل ألا تمنعها الحيضة من الصيام ولكن السائلة ذكرت صوم يوم النصف من شعبان وهذا لا أصل له ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام ولا ليلته بالقيام فالأفضل أن تكون ليلة النصف من شعبان ويومه كسائر الليالي والأيام ويوم التروية هو اليوم الثامن وهو كباقي أيام العشر ليس له مزية خاصة وإنما المزية ليوم عرفة لغير الحاج حيث ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) .
***(22/2)
السؤال: يقول في رسالته بأنه شاب مقيم في مدينة أبها ومتزوج وله ثلاثة من الأبناء والحمد لله ولكن وباختصار يقول قررت أنا وزوجتي أن نمتنع عن الإنجاب حتى نتمكن من تربية أولادنا التربية الإسلامية الصحيحة فما هو الحل في نظركم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحل غير صحيح أعني إيقاف الإنجاب لأنه مخالف لما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) ولأن الإنسان لا يدري وربما يموت هؤلاء الأبناء الذين عنده فيبقى بدون ذرية والتعليل بأن ذلك من أجل السيطرة على تربيتهم وربما يقوم على القيام بنفقتهم تعليل عليل في الواقع لأن الصلاح بيد الله عز وجل والتربية سبب لا شك وكم من إنسان ليس عنده إلا ولد وعجز عن تربيته وكم من إنسان عنده عشرة من الولد وقام بتربيتهم وأصلحهم الله على يده ولا شك أن الذي يقول إنهم إذا كثروا لا يستطيع السيطرة عليهم أنه أساء الظن بالله عز وجل وربما يعاقب على هذا الظن بل المؤمن الحازم يفعل الأسباب الشرعية ويسأل الله المعونة والتوفيق وإذا علم الله منه صدق النية أصلح الله له أموره فأقول للأخ السائل لا تفعل لا توقف الإنجاب لا توقف الإنجاب أكثر من الأولاد ما استطعت فرزقهم على الله وصلاحهم على الله وأنت كلما ازددت تربية ازددت أجرا فإذا كان لديك ثلاثة وأدبتهم وأحسنت تربيتهم أجرت على ثلاثة فقط لكن لو كانوا عشرة أجرت على عشرة ولا تدري أيضا ربما هؤلاء العشرة يجعل الله منهم علماء ومجاهدين فينفعون الأمة الإسلامية ويكون ذلك من أثار إحسانك أكثر من الأولاد أكثر من الأولاد أكثر الله أموالك وأوسع لك في رزقك.
***(22/2)
السؤال: يقول في سؤاله نحن نعلم من القرآن الكريم أن تمام الرضاعة حولين كاملين فهل هذا دليل على جواز استعمال وسيلة منع الحمل خلال فترة الرضاعة لأننا نعلم أنه إذا حدث حمل أثناء الرضاعة يجف لبن الأم وبذلك يحرم الرضيع من أول حقوقه أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الآية الكريمة التي أشار إليها هي قوله تعالى (الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) وهذه الآية لا تدل على أنه ينبغي استعمال حبوب الحمل في هذه المدة وذلك لأن استعمال حبوب الحمل خلاف ما ينبغي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتزوج الودود الولود ولا شك أن كثرة الأمة عزٌ لها وقوة ومنعة ولهذا امتن الله به على بني إسرائيل في قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وذكر قومه شعيب به حين قال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) فالذي ينبغي للأمة الإسلامية أن تكثر من أسباب كثرة النسل ما أمكنها ذلك وإذا قدر أن المرأة حملت في أثناء الرضاع ثم نقص اللبن فإن الله تعالى سيجعل لهذا الطفل جهة أخرى يرضع منها قال الله تعالى (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) والله عز وجل لا يحرم عباده رزقه لقوله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) .
***(22/2)
السؤال: هل في استعمال حبوب منع الحمل من أجل إتمام الرضاعة إثم أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للمرأة ولزوجها أن يحرصا على كثرة النسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تزوجوا الودود الولود) أي كثيرة الولادة ولأن كثرة الأمة عز لها ونصر ورفعة وفيه استغناء ذاتي عن الغير ولأن الإنسان ربما يحتاج إلى أولاده في المستقبل إذا كبروا وكلما كانوا أكثر كان أعز لها يقول الشاعر:
وليست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
أما ما يتوهمه بعض النساء من أنه إذا كثر الأولاد كثر التعب وشقت التربية وضاق الرزق فهذا وهم لا حقيقة له لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وكلما ولد للإنسان ولد فتح الله له باب الرزق لولا الولد ما حصل له ذلك لأن رزق الولد على الله وكم من إنسان رزق برزق أولاده وأما التربية فصحيح أنه كلما كثر الأولاد تتابعوا فسوف يكون العناء أشد وأشق لكن مع الصبر والاحتساب يكثر الأجر والثواب ثم إن الهداية بيد الله عز وجل قد يكون طفل واحد يتعب أبوه وأمه في تربيته ولا يحصلون على ما يريدون وقد يكون عشرة أطفال وتكون تربيتهم سهلة ويحصل الوالدان على ما يريدان من حسن الأخلاق والتوفيق بيد الله ومتى استعان الإنسان بربه واعتمد عليه وتوكل عليه وفعل ما دل عليه الشرع فليبشر بالخير.
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول زوجان اتفقا على أن يؤجلا إنجاب الأولاد لمدة سنة أو أكثر وذلك لأن الزوجة تود أن تكمل تعليمها فهل عليهما شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل للزوجين أن يكثرا الإنجاب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تزوجوا الودود الولود) أي كثيرة الولادة وإنما حث على تزوج كثيرة الولادة من أجل كثرة الأولاد وكثرة الأولاد عز للأمة كما قال الله تعالى عن شعيب (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) قاله لقومه وقال الله تعالى ممتناً على بني إسرائيل (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) فكل ما كثر الأولاد فهو أفضل للرجل وللمرأة فإن دعت الحاجة إلى تقليل الأولاد لكون المرأة ضعيفة في الجسم لا تتحمل فلا حرج أن يتفق الزوجان على تأجيل الحمل لمدة معينة ودليل ذلك حديث جابر أنهم كانوا أي الصحابة يعزلون في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل القرآن بالنهي عن ذلك وأما قطع النسل بالكلية كاستئصال الرحم مثلاً فإنه لا يجوز إلا إذا كان هناك ضرورة بأن حدث في الرحم أورام تؤدي إلى الهلاك مثلاً فلا بأس باستئصاله حينئذ.
***(22/2)
السؤال: إنني رجل متزوج ولدي ستة أطفال ولله الحمد بنين وبنات وعند الولادة الأخيرة لزوجتي تعسرت في الولادة مما اضطرني للذهاب بها إلى المستشفى وعمل لها عملية قيصرية وقد تمت العملية بنجاح ولله الحمد وفي خلال العملية عرض علي الطبيب الذي عمل العلمية بأن يربط الرحم لأجل أن لا تلد بعد ذلك لأن في الحمل مشقة عليها وقد وافقت على ذلك والآن أنا في حيرة من أمري أرجو إفادتي هل يلحقني إثم من جراء ذلك وما العمل الآن وما مدى جواز ذلك من عدمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قد سبق من على هذا المنبر أنه ينبغي للأمة السعي في إكثار أفرادها لما في ذلك من القوة وإتاحة الفرص للأعمال المتنوعة ومثل هذا العمل الذي عملت وهو خياطة الرحم حتى لا ينفذ إليه الماء فتحمل هذا إذا ثبت أنه يلحق بالأم ضرر يخشى عليها منه فهذا لا بأس به أما مجرد المشقة والضعف فهذا أمرٌ لا بد منه كما قال الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) وقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) هذا أمرٌ لا بد منه في الحمل لا بد من المشقة ولا بد من التعب عند الحمل وأثناء الولادة وبعد ذلك ولا يجوز أن تعمل عملية توجب عدم الحمل مطلقاً لمجرد المشقة من الحمل أو عند الوضع ولكن إذا ثبت أن في ذلك ضرراً على الأم ويخشى عليها منه فهذا لا بأس به إذا رضيت الأم بذلك.
***(22/2)
السؤال: يقول هل يجوز تحديد الإنجاب في الحياة الزوجية أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يجوز ذلك بل المشروع أن يكثر الإنسان من الأولاد لما في ذلك من تكثير الأمة الإسلامية وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ولما في ذلك من الخير والصلاح فقد يكون هولاء الأولاد صالحين ينفعون والديهم في دينهم ودنياهم , ثم إن تحديد النسل في الواقع ليس إلى الإنسان فقد يحدد الإنسان نسله بأربعة أو خمسة ثم يموت هولاء أو يموت بعضهم فيبقي عقيماً أو مقلاً من الأولاد وعلى كل حال فتحديد النسل لا يجوز أما تنظيمه بمعنى أنه بدلاً من أن تنجب المرأة في السنتين مرتين ويريد أن تنجب في السنتين مرة واحدة لمصلحة شرعية فهذا لا بأس به.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول زوجتي كانت حامل في الشهرين الأولين ولم نكن نريد أن تحمل فذهبت للمستشفى وأجهضت الجنين وكان لا يزال قطعة صغيرة من اللحم لم يتبين منه أي شيء فهل علينا شيء أم أن علينا صيام لأنني سألت فقالوا لي لا شيء عليكم لأنه لم يتبين هذا الجنين بعد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أحب أن أقول للأخ السائل ولمن يسمع إن تكثير النسل من مراد الشرع وإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تكثير النسل فقال (تزوجوا الودود الولود) فحث على تزوج المرأة الودود التي تتودد إلى الزوج لأن توددها إلى الزوج يستلزم غالبا الاتصال بها ومجامعتها والمجامعة يكون بها كثرة النسل ولهذا أعقب هذا الوصف الودود بالولود أي كثيرة الولادة فلا ينبغي أن نحاول تقليل الولادة مع كون الرسول عليه الصلاة والسلام يحب منا أن تكثر أولادنا أما بالنسبة للجواب على السؤال الخاص فأقول إن الإجهاض في غير وقته اختلف العلماء في جوازه فمنهم من منعه مطلقا وقال إن الله تعالى جعل هذه النطفة في قرار مكين فلا ينتهك هذا قرار إلا لسبب شرعي ومنهم من أجاز إسقاط النطفة أي إسقاط الجنين قبل أربعين يوما ومنهم من أجازه قبل أن يخلق لأنه لا يعلم إذا كان علقة أيكون طفلا أم لا ومنهم من أجازه إلى أن تنفخ فيه الروح فإذا نفخت فيه الروح فقد اتفقوا على منع إجهاضه إلا إذا كان ذلك عند الولادة وتعذرت الولادة الطبيعية وأجهض بولادة عملية فلا بأس والذي أرى أنه لا يجوز متى تحققنا أنه حمل أنه لا يجوز إجهاضه إلا لسبب شرعي مثل أن يتبين أن هذا الجنين مشوه تشويها لا يعيش معه وإيذاء نفسي له ولأهله فحينئذٍ يجهض لدعاء الحاجة أو الضرورة إلى ذلك وكذلك إذا خيف على أمه منه إذا ترعرع في بطنها وكبر فإنه لا بأس بإجهاضه حينئذٍ وهذا مقيد بما إذا لم تنفخ فيه الروح والروح تنفخ فيه إذا تم له أربعة أشهر فإذا نفخت فيه الروح فإنه يحرم إجهاضه مطلقا حتى لو قرر الأطباء أنه إن لم يجهض ماتت أمه فإنه لا يجوز إجهاضه حتى ولو ماتت أمه ببقائه وذلك لأنه لا يجوز لنا أن نقتل نفساً لاستبقاء نفسٍ أخرى فإن قال قائل إذا أبقيناه وماتت الأم فسيموت هو أيضا فيحصل بذلك قتل نفسين وإذا أخرجناه فربما تنجو الأم فالجواب أنه إذا أبقيناه وماتت الأم بسببه ومات هو بعد موت أمه فإن موت أمه ليس منا بل من الله عز وجل فهو الذي قضى عليها بالموت بسبب هذا الحمل أما إذا أجهضنا الجنين الذي كان حيا ومات بالإجهاض فإن إماتته من فعلنا ولا يحل لنا ذلك.
***(22/2)
السؤال: السائلة من السويد تقول ما حكم تعاطي الحبوب المنشطة لأجل الحمل علماً بأنني متزوجة من فترة طويلة وليس لدي أطفال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر يرجع إلى استشارة الطبيب في هذا فإذا قال إن تناول هذه الحبوب المنشطة للحمل لا تضر فإنه ينبغي استعمالها تحصيلا للحمل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم) .
***(22/2)
السؤال: السائلة تقول هل يوجد علاج لمرض العقم وهل يمكن أن ينجب العقيم إذا دعا الله عز وجل مع العلم بأن الأطباء قد قالوا له بأنه لن ينجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قضاء الله عز وجل لا مغير له كما قال الله تعالى (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) وقد بين الله سبحانه وتعالى أن له ملك السماوات والأرض وأنه يفعل ما يشاء فقد قال الله تبارك وتعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذكور أو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فهذه أربعة أصناف الأول أن يهب الله تعالى للرجل الذكور فلا يأتيه إناث والثاني أن يهب له إناثا فلا يأتيه ذكور والثالث أن يزوجهم أي يصنفهم ذكورا وإناثاً فيكون للإنسان ذكور وإناث والرابع أن يجعل من يشاء عقيما لا يأتيه ذكور ولا إناث هكذا قسم الله تبارك وتعالى الخلق فمن قضى الله عليه أن يكون عقيما لا يمكن أن يكون ذا ولادة ومن قضى الله عليه أن تتأخر ولادته أي إنجابه فهذا ربما ينجب بالدعاء أو بالعقاقير والأدوية.
***(22/2)
السؤال: السائلة أم مجاهد من الرياض تقول فضيلة الشيخ تقوم بعض النساء باستخدام حبوب منع الحمل لسنوات طويلة تصل إلى سن اليأس وذلك لسبب قوي لأن زوجها وهو إنسان مقتدر وغني لا يصرف عليها وعلى أبنائها وبناتها حيث إنه متزوج من ثلاث نساء ولا يعدل بينهم ولديه منهن إحدى عشر بنتا وستة أبناء فلا يهتم بتربيتهم ولا الاهتمام بهم ولا يهتم بالصرف عليهم في المأكل والمشرب والملبس والمسكن فهل يجوز استخدام حبوب منع الحمل والحالة هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإفتاء أقول إنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجاته وأولاده من بنين وبنات إذا كان قادرا على هذا وليعلم أنه إذا أنفق ماله قياما بالواجب واجب النفقة في حياته سلم من غائلة المال ومن إثم المال وإن لم يفعل فسوف ينفق من بعده قهرا عليه فيبوء بالإثم والعياذ بالله ويجمع لهؤلاء القوم الذين شح عليهم في حياته فعليه أن يتقي الله وأن يقوم بالواجب من الإنفاق على الزوجات الثلاث وعلى أولادهن من بنين وبنات فإن لم يفعل فلكل واحدة أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي أولادها كما أفتى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة حين شكت إليه زوجها أنه شحيح لا يعطيها ما يكفيها وأولادها فإذن لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أولادها.
أما الإفتاء فأقول لا تستعمل حبوب منع الحمل من أجل قلة الأولاد أي ليقل أولادها فإن أولادها رزقهم عند الله عز وجل وكلما كثر الأولاد انفتح للرزق أبوابا قال الله تبارك وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) وقال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) وقال في الآية الثانية (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ولكن كثرة الرزق بكثرة الأولاد لها شرط مهم وهو تقوى الله وصحة التوكل عليه لقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ولقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) فأقول لهذه السائلة لا تستعملي حبوب منع الحمل واستعيني بالله وتوكلي عليه واعلمي أن رزق أولادك ليس إليك بل إلى من خلقهم جل وعلا.
***(22/2)
السؤال: هل أخذ وسيلة لمنع الحمل لفترة معينة وهي فترة رضاعة حتى لا يؤثر الحمل الجديد بحرمانه من إكمال الرضاعة هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب أن نعلم أن الحمل لا يؤثر على الرضيع ثانيا لو أرادت المرأة أن تمنع الحمل وقت الإرضاع لمشقة الحمل عليها فلا حرج أن تستعمل ما يمنع الحيض أو ما يمنع الحمل لكن بإذن الزوج لأن الزوج له حق في الأولاد.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول ما الحكم الشرعي في تحديد النسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن تحديد النسل أمرٌ لا ينبغي لأن الذي ينبغي في الأمة الإسلامية تكثير النسل وزيادته فإن كثرة النسل وزيادته من نعمة الله عز وجل كما قال الله تعالى عن شعيب حين قال لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) فيبين شعيبٌ عليه الصلاة والسلام أن تكثير الله لهم من نعمة الله عليهم وكذلك امتن الله به على بني إسرائيل حيث قال (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) فالأمة لا شك أنها تقوى بكثرة أفرادها تزداد كما أن في ذلك أيضاً تكثيراً للنسل واتباعا لهدي الشريعة والعمل بها وهذا مما يفخر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حرج فيما إذا كان الإنسان يرى أنه لا بد من تنظيم النسل إذا كانت الزوجة لا تتحمل الحمل تباعاً فإنه لا حرج أن ينظم النسل بمعنى أن يجعل كل سنةٍ ونصف أو كل سنتين حسب حال المرأة وظروفها وأعني بالظروف الظروف الجسمية وأما التربية وما أشبهها فهذه إلى الله والله تعالى يعين الإنسان على قدر مئونته على قدر كلفته فكلما كثر الأولاد زاد الله للإنسان نشاطاً في تربيتهم إذا كان قصده حسناً والمهم أن تحديد النسل لا يجوز وأما تنظيمه لا حرج فيه إذا دعت الحاجة إليه.
***(22/2)
السؤال: يقول إذا كانت المرأة متزوجة من رجل عقيم لا ينجب أطفالا فهل يجوز نقل ماء رجل آخر إليها بواسطة الحقن أو كما يسمى بالأنبوب وما الحكم لو كان الأمر بالعكس لو كان الرجل منجبا لكن المرأة نفسها عقيمة فهل يجوز الاحتفاظ بماء زوجها في جو مشبه تماما بجو رحم المرأة إلى حين نمو الجنين وهذا ما حصل أن أجري في بعض مستشفيات العالم ونجحت هذه الطريقة فما هو الحكم الشرعي في الحالتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحالة الأولى وهي إذا كان الزوج لا ينجب فاتخذت زوجته ماء من شخص آخر وحقنته في رحمها لأجل الولادة فإن هذا عمل محرم ولا يحل وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (لا يحل لرجل أن يسقي ماءه زرع غيره) وإذا كان نكاح المرأة في عدتها محرم خوفا من اختلاط الأنساب فإن هذا من باب أولى وأحوط فلا يجوز لامرأة بأي حال من الأحوال أن تلقح نفسها بماء غير ماء زوجها وإذا فعلت ذلك فإن الأولاد أولاد لها وليس أولاد لزوجها لأنه لا يلحقون به وهم من غير مائه
وأما الحالة الثانية وهي ما إذا كانت المرأة هي التي لا تنجب فحقن الزوج ماءه في شيء حتى ينمو ثم بعد ذلك يحقن في رحم المرأة فإن هذا لا بأس به إذا كانت العملية ناجحة وعلم هذا عند الأطباء لأن هذا لا يعدو أن يكون الرجل قد أنزل خارج الفرج ثم بعد ذلك لقح به الفرج والزوج هو زوجها والماء ماء زوجها ولا حرج في ذلك وقد نص الفقهاء على مثل هذه الحال.
***(22/2)
السؤال: هذا المستمع يقول أنا رجل متزوج وقد تركت بلدي وزوجتي وسافرت خارج البلد للعمل وقد مكثت حوالي تسعة أشهر غائباً وقد كانت زوجتي حاملاً فوضعت مولودها في سبعة أشهر وعشرة أيام فقط مما جعل الشك يساورني في أمرها وقد فكرت في فراقها ولكني لم أستطع نظراً لرغبتي الشديدة وهي كذلك لاستمرار العلاقة الزوجية بيننا ولكن هذا الشك يقلقني دائما فأرجو إفادتي هل يمكن أن تضع الحامل مولودها في سبعة أشهر وما هي أقل مدة الحمل الممكنة وأكثرها وبماذا تنصحوني أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصحك بأن تبقى على زوجتك أي مع هذه المرأة ونطمئنك بأن ولادتها في سبعة أشهر ليس فيها شك فإن أقل مدة الحمل التي يمكن أن يعيش فيها ست أشهر لأن الله تعالى يقول (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن) فإذا أسقطنا عامين من الفصال من ثلاثين شهراً بقيت ستة أشهر للحمل وهذه أقل مدة الحمل التي يمكن أن يعيش فيها إذا خرج فابنك الآن والحمد لله ليس فيه شك وينبغي أن تزيل عن نفسك هذه الوساوس إزالة مطلقة أما أكثر مدة الحمل فإنه لا حد له على القول الراجح وإن كان بعض أهل العلم يحدها بأربع سنوات وبعضهم بأكثر ولكن ما دام الحمل متيقناً في بطن هذه المرأة فإنها حامل به إلى أن تضعه.
***(22/2)
المرأة والمحرم(22/2)
السؤال: السائل ص. ع من القصيم البكيرية يقول الرجل عندما يمر بحادث سيارة هل يتقدم لينقذ المصابين في الحادث وإذا كان من بينهم نساء هل يجوز حمل هؤلاء النساء في سيارته مع عدم وجود محرم لهن أم ماذا يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه يجب على المرء المسلم إذا رأى أخاه المسلم في أمرٍ يخشى منه الهلاك يجب عليه أن يسعى لانقاذه بكل وسيلة حتى إنه لو كان صائماً صيام الفرض في رمضان وحصل شيء يخشى منه الهلاك على أخيه المسلم واضطر إلى أن يفطر لانقاذه فإنه يفطر لانقاذه وعلى هذا فإذا مررت بحادث سيارة ورأيت الناس في حال يخشى عليهم من التلف أو من تضاعف الضرر فإنه يجب عليك انقاذهم بقدر ما تستطيع وفي هذه الحال لا بأس أن تحمل النساء وإن لم يكن معهن محارم لأن هذه ضرورة.
***(22/2)
السؤال: السائل محمد حامد يقول هل أم الزوجة المطلقة تكون محرماً للرجل المطلِّق ويجوز أن يصافحها وأن يسافر معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أم الزوجة يكون زوج ابنتها محرماً لها سواءٌ بقيت الزوجة معه أو ماتت أو طلقت لأن أم الزوجة محرمةٌ على زوج ابنتها تحريماً مؤبداً فيجوز أن يسافر بها أي بأم زوجته وأن يصافحها وأن تكشف له لأنها من محارمه كذلك بنت الزوجة إذا كان قد دخل بالأم فإنها تكون محرماً للزوج محرمةً عليه على وجه التأبيد حتى لو طلق أمها وسواءٌ كانت بنتها من زوجٍ قبله أو من زوجٍ بعده لقول الله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) يعني المحرمات (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) كذلك زوجة الابن محرمة على أبيه تحريماً مؤبداً فتكون زوجة الابن من محارم أبيه ولو طلقها الابن وكذلك ابن الزوج يكون من محارم زوجة أبيه ولو طلقها أبوه.
***(22/2)
السؤال: من جدة السائل ع. ع. ع. يقول هل يجوز للزوجة أن تظهر على ابن أخي وابن أختي أو أن تكشف وجهها لابن أخي وابن أختي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها إلا لمحارمها ومعلومٌ أن أخا الزوج ليس من محارمها إلا أن يكون بينها وبينه رضاع فهذا شيء آخر وكذلك ابن عمها وابن خالها ليسوا من محارمها فلا يجوز لها أن تكشف وجهها عندهم حتى لو فرض أن هذه عادتهم فالواجب ترك هذه العادة لأن الشرع مقدمٌ على العادة.
***(22/2)
السؤال: السائل يقول إن له خالات كبار في السن قد تصل أعمارهن إلى الخمسين والستين يقول هل يجوز لهن الكشف على والدي وهل هن من القواعد من النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لهن أن يكشفن لوالدك لأنه لا محرمية بينه وبينهن لكن هو ذكر عمات وخالات، الخالات أخوات أمه لا علاقة بينهن وبين أبيه والعمات أخوات أبيه فيكشفن له لأنه أخوهن وأما أنهن من القواعد فالمرأة إذا بلغت الخمسين قد تكون من القواعد وقد لا تكون حسب حالها وصحتها والضابط ما ذكره الله عز وجل في قوله (اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً) يعني إنها بلغت من السن مبلغاً صارت فيه هزيلة وزال ماء وجهها وصارت لا ترجو أن يتزوجها أحد هذه هي التي ليس عليها جناحٌ أن تكشف وجهها وكفيها لغير المحارم.
***(22/2)
_____ كتاب العلم _____(/)
كتاب العلم - فضله - آدابه - مراحله - - كتب تعليم المرأة - منكراته(23/1)
ع. ب. العتيبي يقول في رسالته: ما هو العلم الذي نصت عليه الأحاديث وورد في آيات القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلم الذي وردت الشريعة بالثناء على أهله والترغيب فيه إنما هو العلم بأحكام شريعة الله عز وجل، وقبل ذلك العلم بالله عز وجل: بأسمائه وصفاته، وما له من الصفات العليا والأفعال الحميدة المبنية على الحكمة والرحمة، ولهذا قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . أي: العلماء به تبارك وتعالى، وبما له من العظمة التي تقتضي الخشية منه، وليست كما يفهمه بعض العامة وأشباههم من أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بالكون الذين أحاطوا بشيء من علمه، وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، فإن من الناس من علم شيئاً من الكون مما علَّمه الله ومع ذلك فإنه من أشد الناس استكباراً وأبعدهم عن خشية الله تبارك وتعالى، وإنما المراد بالعلماء العلماء بالله وما له من العظمة والكبرياء اللذين بهما تكون الخشية لله سبحانه وتعالى.وخلاصة الجواب: أن العلم الذي ورد في الكتاب والسنة فضله والترغيب فيه إنما هو العلم بالله تبارك وتعالى، وبأحكامه الشرعية التي تعبد عباده بها، وأما العلم بما أودع الله تعالى في الكون من الأسرار والحكم فإنه داخل في العلم بالله سبحانه وتعالى.
***(23/2)
أثابكم الله يا شيخ محمد المستمعة عواطف من جدة أرسلت بهذه الرسالة تقول فيها: إنني أرى ولله الحمد شباب اليوم وخاصة بأنهم التزموا بطاعة الله،ولكن نراهم يميلون إلى مذاكرة الحديث والتفسير والتوحيد والفقه فقط، ويهملون المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم، ويقولون: فقط يريدون الدين ولا يهمهم باقي المواد، يريد الآخرة،نعم ولله الحمد نحن لا نمنعهم من ذكر الله، ولكن الله عز وجل أمرنا بالعلم وحثنا عليه. نريد من فضيلتكم نبذة بسيطة عن فضل العلم، وأيضاً تقول: وبصراحة نرى تطوعهم فيه تشديد جداً جداً،نرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن ما ذكرته السائلة- من- أن العلم لا يقتصر على العلوم الشرعية كعلم التفسير والحديث والتوحيد والفقه وما يتعلق بذلك-صحيح-، لكن العلم المحمود على كل حال هو هذه العلوم، هي التي أمر الله بها،وهي التي فيها الفضل، وهي التي قال الله تعالى فيها: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) . وقال فيها (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) .وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . أما العلوم الأخرى التي تتعلق بالدنيا فهي من العلوم المباحة التي إن اتخذها الإنسان وسيلة إلى خير كانت خيراً، وإن اتخذها وسيلة إلى شر كانت شراً،فهي لا تحمد لذاتها ولا تذم لذاتها، بل هي بحسب ما توصل إليه وهناك علوم أخرى،علوم ضارة إما في العقيدة وإما في الأخلاق وإما في السلوك، فهذه محرمة وممنوعة بكل حال فالعلوم ثلاثة أقسام: محمودة بكل حال، ومذمومة بكل حال، ومباحة يتعلق الذم فيها أو المدح بحسب ما تكون وسيلة له، والنصوص الواردة في فضل العلم والحث عليه تتعلق بالقسم الأول فقط وهو المحمود بكل حال. وإذا كانت العلوم التي تتعلق بالدنيا نافعة للخلق،ولم تشغل عما هو أهم منها،كان طلبها محموداً؛ لما توصل إليه من النفع العام أو الخاص، ولا ينبغي لنا أن نحتقرها حتى لا نجعل لها قيمة في حال تكون مفيدة للخلق. وأما قولها: إنها ترى هؤلاء يتشددون في الدين تشدداً عظيماً، فالتشديد والتيسير أمر نسبي، قد يرى الإنسان الشيء شديداً وهو في نظر غيره يسير، وقد يرى الإنسان الشيء يسيراً وهو في نظر غيره شديد، والمرجع في ذلك إلى السنة المطهرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، المبنية على كتاب الله عز وجل فإن كان ما يقومون به من أعمال موافقاً للكتاب والسنة فليس بتشديد،بل هو اليسر والسهولة،وإن كان بعض المتهاونين المفرطين يرونه تشديداً فلا عبرة بما يرونه، فإنه إذا وافق الكتاب والسنة فهو يسير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر) ، لكن قد يستنكر بعض المفرطين شيئاً من شريعة الإسلام، ويظن أن القيام به تشديد، فيصف المتمسكين به بالتشدد في دينهم، ونحن لا ننكر أنه يوجد فئة من الناس تتنطع في دينها وتزيد فيه، وتعنف على من خالفها في بعض الأمور التي يسوغ فيها الاجتهاد ويسع الأمة فيها الخلاف، وهؤلاء لا عبرة بهم؛لأنهم مُفرِطون،والذين يتساهلون ويرون أن التمسك بالشريعة تشديد لا عبرة بهم أيضاً؛ لأنهم مُفرِّطون، والدين بين الغالي فيه والجافي عنه.
***(23/2)
السائلة ع. ع. ف. من السودان أبو سليم تقول: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر، فجلس في حلقة العلم، فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر، أو ماذا يقولون؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلاً على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن كان صحيحاً لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته، ولا أظنه يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان، والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه. وأما الذكر فإن الاجتماع أيضاً على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية: يجتمعون جميعاً ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو يجتمعون على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا، مثل أن يقرأ واحد والآخرون ينصتون له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه.
***(23/2)
بارك الله فيكم تسأل عن معنى وصحة الحديث الذي ما معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على الجاهل يوم القيامة كفضلي على سائر الناس) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أن هذا الحديث ضعيف، ولكن لا شك أن العالم لا يساويه الجاهل بأي حال من الأحوال؛ لقول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) .وقوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) . أما أن يفضله بهذا المقدار المعين فإن الحديث في ظني ضعيف ولم أكن أحرره. والله أعلم.(23/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا السائل ع. ع يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ ما نصيحتكم لطالب علم اجتهد في إصلاح نيته واجتهد في الإخلاص، ولكنه لم يقدر، وهو خائف من أن تصدق عليه الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد لمن كانت نيته ليست خالصة لله، ويوشك أن يترك طلب العلم. وجهونا في ضوء هذا السؤال مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم، وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها،حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله،حيث قال تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون،والآخرون يقاتلون في سبيل الله. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقهه في دينه فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم أولاً: امتثال أمر الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى قال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِله إِلاَّ اللَّهُ) . قال البخاري رحمه الله: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
ثانياً: أن ينوي بتعلمه حفظ شريعة الله،فإن الشريعة تحفظ في الصدور، وتحفظ في الكتاب المسطور.
ثالثاً: أن ينوي بتعلمه حماية شريعة الله من أعدائها؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، فلينوِ بطلب العلم حماية هذه الشريعة العظيمة.
رابعاً: أن ينوي بذلك المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحد، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به، بل ينبغي أن نقول الذي يهاجم به أعداء الله، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله، والناس يختلفون في هذا الشيء: فمن الناس من يحاج في العقيدة،فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة، وهلم جرًّا. كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله، لا في وضوئه ولا صلاته ولا صدقته ولا صيامه ولا حجه. وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه، فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها. فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها نفعاً، ولهذا تجد الشيطان حريصاً على أن يصد الإنسان عن العلم، فيأتيه مرة بأنه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا: إنه عالم، فيستحسر ويقول: مالي وللرياء؟ أو يقول له: انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله،لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا،لم يرح رائحة الجنة) . ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم. ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يمضي لسبيله، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه، وكلما ما أحس بما يثبطه عن العلم بأي وسيلة فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،وليقل: اللهم أعني، وما أشبه ذلك. وأقول لهذا الطالب: امض لسبيلك، اطلب العلم، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ولا عن طلب العلم، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ولكن تصحيح النية، أمر سهل فامض أيها الشاب في سبيلك، واستعن بالله عز وجل، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
***(23/2)
السائلة أم هشام من جدة تقول معلمة تدرس القرآن الكريم، وسبب تدريسها هو ترشيح الإدارة المدرسية لها لشدة حاجة المدرسة للمعلمات، وأخرى تدرس من أجل المال، فليس لديهن النية التي يقرأن ويسمعن عنها من ابتغاء وجه الله عز وجل، فهل تثابان على هذه النية أم عليهما وزر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمتنع أن يريد الإنسان بتعليم القرآن ما يحصل له من مكافأة وما يرشح له من عمل، مع إخلاص النية لله تعالى، فتكون النية مركبة من هذا، ومن هذا وقد قال الله تعالى في الحج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) يعني:بالتجارة. فأشير على هاتين المرأتين أن تجعلا الأصل هو منفعة الدارسات وتعليمهن كتاب الله عز وجل، وهذا لا يفوت عليهما المكافأة، ولا القيام بما رشحتا له.
***(23/2)
حدثونا عن أهمية العلم الشرعي بالنسبة لطالب العلم، وما هي الطريقة المثلى لطالب العلم الشرعي، وماذا يجب عليه في حفظ القرآن الكريم،وكيف نستطيع أن نفهم العقيدة الإسلامية، خاصة إذا كان الشخص وحيداً وليس لديه ما يساعده على ذلك في مسألة الصفات والأسماء لله عز وجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طلب العلم الشرعي فرض على كل مسلم، لكنه على قسمين: الأول: فرض عين، والثاني: فرض كفاية. أما فرض العين:فيجب على كل مسلم أن يتعلم من شرع الله ما يحتاج إلى فهمه، فمثلاً إذا كان عنده مال يجب عليه أن يتعلم ماهي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ وما مقدار الزكاة الواجبة؟ وما شروطها؟ ومن المستحقون لها؟ ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة إذا كان تاجراً فعليه أن يتعلم من أحكام تجارته ما يستعين به على تطبيق التجارة على القواعد الشرعية، وإذا كان ناظراً على الأوقاف فيجب عليه أن يتعلم من أحكام الأوقاف ما يستعين به على أداء مهمته، وهلم جرًّا.
أما فرض الكفاية فهو ما عدا ذلك من العلوم الشرعية، فإن على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها بتعلم أحكامه، وعلى هذا فكل طالب علم يعتبر أنه قائم بفرض كفاية يثاب على طلبه ثواب الفريضة، وهذه بشرى سارة لطلاب العلم أن يكونوا حال طلبهم قائمين بفريضة من فرائض الله عز وجل، ومن المعلوم أن القيام بالفرائض أحب إلى الله تعالى من القيام بالنوافل، كما ثبت في الحديث الصحيح القدسي أن الله تبارك وتعالى قال: (ما تقرب إلي عبدي بشي أحب إلي مما افترضت عليه) . وأما كيفية الطلب: فيبدأ الإنسان بما هو أهم، وأهم شيء هو علم كتاب الله عز وجل وفهمه؛ لقول الله تبارك وتعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمُ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ) .أي: إنه وبخهم عز وجل لعدم تدبرهم كلام الله عز وجل وقال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) . وقال الله تبارك وتعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) . والتدبر يعني تفهم المعنى، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. ثم بعد ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته، ثم ما كتبه أهل العلم مما استنبطوه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم خير القرون بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أقرب الناس إلى فهم كتاب الله وفهم سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وليبدأ في المتون بالمختصرات قبل المطولات؛لأن طلب العلم كالسلم إلى السقف،يبدأ فيه الإنسان من أول درجة، ثم يصعد درجة درجة حتى يبلغ الغاية، وقولي حتى يبلغ الغاية ليس معناه أن الإنسان يمكن أن يحيط بكل شي علماً هذا لا يمكن: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) حتى ينتهي العلم إلى الله عز وجل، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم، ويبدأ بالمختصرات قبل المطولات. وخير ما نراه في باب الأسماء والصفات من الكتب المختصرة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنها عقيدة مختصرة سهلة جامعة نافعة، أكثر ما جاء به في صفات الله من القرآن الكريم وأما كيف تستعمل هذه الأدلة؟ فإن الطريق الصحيح والمنهج السليم فيها أن يجريها الإنسان على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، فيجريها على ما يدل عليه ظاهرها، لكن من غير تمثيل ولا تكييف فإذا قرأ قول الله تعالى يخاطب إبليس: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) آمن بأن لله يدين اثنتين حقيقة لا مجازاً، لكن لا يجوز أن يقول: كيفيتهما كذا وكذا، ولا أن يقول: إنهما مثل أيدي المخلوقين، يعني: لا يمثل ولا يكيف. وكذلك إذا قرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن) فيثبت لله عز وجل أصابع حقيقية، ولكن لا يمثل ولا يكيف،فلا يقول إن أصابع الله عز وجل كأصابع المخلوق، ولا يكيف صفة معينة يقدرها في ذهنه لهذه الأصابع ودليل هذا أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا في القرآن باللغة العربية، فما دل عليه اللفظ بمقتضى اللغة العربية فهو ثابت؛ لقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقوله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بلسانٍ عربي مبين) فبين الله تعالى أنه أنزل القرآن وصيره باللغة العربية من أجل أن نعقله ونفهمه، وهذه هي القاعدة في إرسال الله تعالى الرسل: يرسلهم الله تعالى بلغة أقوامهم ليبينوا لهم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . فنجري آيات الصفات على ما تقتضيه اللغة العربية، لكننا لا نمثل ولا نكيف: أما عدم التمثيل فلأن الله تعالى نهانا أن نضرب له المثل، فقال: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وأخبرنا عز وجل أنه لا مثل له، فقال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ، وقال تعالى: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) . وبهذه الآيات يتبين أنه لا يحل لنا أن نمثل بصفات الله عز وجل وأما امتناع التكييف بأن نقول: كيفية يده كذا،كيفية أصابعه كذا،فلقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) ، ولقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ومن المعلوم أن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها، فإذا حاولنا أن نكيف صرنا ممن افترى على الله كذباً،هذه هي القاعدة في باب أسماء الله وصفاته. فلو قال لك قائل: المراد باليدين النعمة أو القدرة، فبكل سهولة أنت قل: هذا باطل؛ لأن هذا خلاف مدلولهما في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية، ولا نقبل هذا التحريف إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال السلف. وإذا قال لك قائل: المراد باستواء الله على العرش استيلاؤه عليه. فقل: هذا باطل؛ لأن الاستواء على الشيء لا يعني الاستيلاء عليه في اللغة العربية،والقرآن نزل باللغة العربية، ومعنى الاستواء على الشيء في اللغة العلو عليه علوًّا خاصًّا،ليس العلو المطلق العام الشامل. وإذا قال لك قائل: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) أي: يبقى ثواب الله. فقل: هذا باطل؛ لأن الله وصف الوجه بالجلال والإكرام فقال: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) وذو صفة الوجه، ومعلوم أن الثواب لا يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام، وسر على هذا المنهج تسلم من البدع الضالة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع، قال: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . والعجب أن هولاء المحرفين الذين يقولون: المراد باليد النعمة أو القدرة، والمراد بالوجه الثواب،والمراد بالاستواء الاستيلاء، يدعون أنهم فعلوا ذلك تنزيهاً لله عما لا يليق به، وفي الحقيقة أنهم بفعلهم هذا وصفوا الله بما لا يليق به، فقد أخبر عن شيء هو في نظرهم غير صحيح،فيكون في كلام الله إما الكذب وإما التلبيس والتعمية على الخلق،الله عز وجل يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) . ويقول عز وجل: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فالله عز وجل قد بين لنا في القرآن كل شيئ، ولا سيما ما يتعلق بأسمائه وصفاته،فقد بينه الله تعالى بيانًا كافيًا شافيًا لا يحتاج إلى أقيسة هؤلاء التي يدعونها عقلية وهي خيالات وهمية. ثم إني أنصح من أراد طلب العلم أن يختار شيخًا له موثوقا في علمه وموثوقًا في دينه، سليم العقيدة سليم المنهج مستقيم الاتجاه؛ لأن التلميذ سيكون نسخة من أستاذه، فإن وفق الله له أستاذًا سليمًا مستقيمًا صار على نهجه، وإن كانت الأخرى فسينحرف كما انحرف أستاذه. فإذا قدر أنه لا يستطيع الوصول إلى مثل هذا الأستاذ الموصوف بما ذكرنا، فقد اتسع الأمر ولله الحمد في الآونة الأخيرة، وصارت أصوات العلماء تصل إلى أقصى الدنيا عبر الشريط، فيمكنه أن يقرأ على الأستاذ بما يسمعه من الشريط، ويقيد ما يشكل عليه من الكلام ويراجع به الأستاذ المتكلم، إما عن طريق الهاتف أو عن طريق الفاكس أو عن طريق المكاتبة، كل شيء متيسر ولله الحمد، ومعلوم أن تلقي العلم عن الشيخ أقرب إلى التحصيل، وأسرع وأسلم من الزلل، ولهذا نجد الذين يعتمدون على مجرد قراءة الكتب يحصل منهم الخطأ الكثير، ولا يصلون إلى الغاية من العلم إلا بعد زمن طويل، لكن عند الضرورة لا بأس أن تستند إلى الكتب وإلى الأشرطة وما أشبه ذلك، بشرط أن تكون هذه الأشرطة والكتب عن مأمون في علمه ودينه ومنهجه.
***(23/2)
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ هذه الرسالة وصلت من ليبيا المستمع مفتاح موسى يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما هي الطريقة المثلى التي يمكن بها لطالب العلم دراسة الفقه الإسلامي؟ وهل من الممكن الاعتماد على الكتب ودراستها دون استشارة وطلب الشرح من الفقهاء والعلماء؟ أرجو التوضيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. طلب العلم له طريقان: الطريق الأول: تلقي العلم من المشايخ، والطريق الثاني: مراجعة الكتب. لكن الطريق الأولى يجب أن يكون الشيخ الذي يتلقى منه العلم شيخاً مأموناً في علمه، ومأموناً في دينه، في العقيدة وفي العمل؛ لأن بعض المشايخ يدعي المشيخة وينصب نفسه معلماً ومفتياً، وهو جاهل لا يعرف من العلم إلا الشيء اليسير، فيضل الناس بغير علم لكن إذا كان الرجل معروفاً بالاستقامة والعلم والدين والأمانة،وسلامة العقيدة وسلامة الفكر فهذا يتلقى منه العلم. وطريق التلقي عن العلماء أسهل من طريق قراءة الكتب؛لأن العالم كالمجهز للطعام يعطيك الطعام مطبوخاً منتهياً، فيكون تلقي العلم من طريقه أقصر، ولأن العالم إذا تلقيت من عنده علمك كيف تتلقى العلم؟ كيف تستنبط الأحكام من الأدلة؟ كيف الترجيح بين أقوال العلماء؟ وما أشبه ذلك. أما التلقي من الكتب فهذا يصار إليه عند الضرورة، إذا لم يجد الإنسان عالماً في بلده يثق به علماً وديناً وخلقاً وفكراً، فحينئذٍ ليس له طريق إلا التلقي من الكتب، ولكن التلقي من الكتب طريقٌ طويل يحتاج إلى جهدٍ كبير، ويحتاج إلى تأنٍّ ويحتاج إلى نظر، ويحتاج أيضاً إلى مطالعة كتب الفقهاء عموماً؛ لأنك لو اقتصرت على مطالعة كتب فقهٍ معين فربما يكون عند الفقهاء الآخرين من الأدلة ما ليس عند هذا، فالطريق طويل ولهذا أطلق بعض الناس أن من كان دليله كتابه،كان خطؤه أكثر من صوابه. ولكن هذا ليس على إطلاقه: فإن من العلماء من تلقوا العلم من الكتب، ويسر الله لهم الأمر، وبرعوا في العلم وصاروا أئمةً فيه. أما كيف يتلقى العلم فنقول: ينظر إلى أقرب المذاهب إلى الحق فيأخذ به ويتفقه عليه، ولكن لا يعني ذلك أن لا يأخذ بما دل عليه الدليل من المذاهب الأخرى، بل يأخذ بالدليل ولو كان خلاف المذهب الذي اعتنقه، ولست بذلك أدعو إلى التقليد، ولكني أدعو إلى أن يكون للإنسان طريقٌ معين يصل إلى الفقه منه، ولا يجعل العمدة كلام العلماء، بل العمدة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وهذا لا يضر أن أتفقه مثلاً على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وعلى قواعد هذا المذهب،وإذا تبين لي الصواب،في مذهبٍ آخر أخذت بالصواب كما هي طريق شيخ الإسلام ابن تيمية، وطريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب،وغيرهما من العلماء المحققين البارزين،وهذا لا يعني أن لا أتفقه على الكتاب والسنة، أنا أتفقه على الكتاب والسنة. لكن أجعل لي شيئاً أعبر منه إلى الكتاب والسنة وعلى هذا فنقول:إذا اخترت مثلاً مذهب الإمام أحمد بن حنبل ففيه كتبٌ مختصرة وكتب متوسطة وكتب مطولة، فاحفظ أولاً الكتب المختصرة في هذا المذهب، ثم إن كان لديك عالم تتلقى العلم منه فاقرأ هذا الكتاب عليه بعد أن تحفظه، وهو يبين لك معانيه ويشرحه لك، وإذا كان عنده سعة علم بين لك الراجح والمرجوح، وبين لك مآخذ العلماء،وحصلت على خيرٍ كثير، ولكن لا تخلِ نفسك من كتب الحديث: احفظ من كتب الحديث ما تيسر، فإن تيسر لك أن تحفظ بلوغ المرام من أدلة الأحكام فهذا حسنٌ جداً، وإن لم يتيسر فعمدة الأحكام، حتى يكون لك نصيب من الأدلة تعتمد عليه، وهذا كله بعد حفظ كتاب الله عز وجل وتفهم معانيه؛لأنه هو الأصل، فصار هذا الترتيب الذي ذكرته هو من أحسن ما يتمشى عليه طالب العلم فيما أرى. والله الموفق.
***(23/2)
يقول فضيلة الشيخ أرجو إيضاح المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ وكذلك إيضاح الكتب التي يبدأ فيها طالب العلم جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنهج الصحيح لطالب العلم مبتدئاً -كان أو راغبًا أو منتهياً- هو أن يسير في عقيدته وأقواله وأفعاله وأخلاقه على ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ثمرة العلم هو العمل به، والعلم إذا لم يعمل به من أعطاه الله إياه صار وبالاً عليه؛ لأنه بالعلم قامت عليه الحجة، وتبينت له المحجة فإذا عاند وخالف صار علمه حجة عليه ووبالاً عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) . وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي أن يظهر أثر علمه عليه: في الوقار والسمت الحسن والخلق الجميل،حتى يكون محترماً بين الناس معظماً فيهم؛ لأن كلمة المحترم المعظم تزن ألف كلمة من المستهان به، إن قبلت الكلمة من المستهان به، وعلى طالب العلم أن يبلغ ما علمه من شريعة الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بلغوا عني ولو آية) . فالعلماء ورثة الأنبياء، والوارث يجب أن يكون على هدي الموروث؛ لأن الوارث يحل محل الموروث فيما ترك، فكما أن المال إذا مات صاحبه انتقل المال نفسه إلى ورثته، كذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا ماتوا انتقل ميراثهم وهو العلم إلى من بعدهم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، وعلينا أن نسلك ما سلكه الرسل عليهم الصلاة والسلام في هداية الخلق ودعوتهم إلى الحق، فطالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه مسؤولية في نشر علمه ودعوة الخلق إلى الحق، وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي، عليه ألا يقع في قلبه حسد لأحد، فإن الحسد من أخلاق اليهود،وهو خلق ذميم، وأول ما يتضرر به صاحبه؛ لأنه كلما رأى نعمة الله على أحد احترق قلبه وضاقت نفسه، ولم ير نعمة الله عليه في شيء، بل ربما يتدرج به الحسد إلى أن يشعر بنفسه أن الله قد ظلمه،حيث أعطى فلاناً ما لم يعطه، وقد أنكر الله هذا على أولئك الحسدة في قوله: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) . وليعلم الحاسد -من طالب العلم وطالب المال وطالب الولد- أن حسده لا يمكن أن يمنع فضل الله على المحسود، وليسترشد بما أرشد الله إليه في قوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) . فإذا رأى من فاقه علمًا ودينًا وولدًا ومالًا فليعلم أن ذلك من فضل الله، وليسأل الله من فضله، الذي أعطى هذا فليعطك، وأما كونك تحسده وتكره ما أنعم الله به عليه فهذا خطأ في التصور، وسفه في العقل، وضلال في الدين.
أما الكتب التي أنصح بها طالب العلم: فأولها كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أكد الله عز وجل أنه يسره للذكر، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) . فليتجه الإنسان طالب العلم إلى القرآن الكريم حفظًا وتلاوة، وتدبرًا وفهماً، وعملاً بما دل عليه، حتى ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة،وليحرص على مراجعة كتب المفسرين الموثوقين في علمهم وأمانتهم؛ لأن مشارب المفسرين في القرآن الكريم مختلفة، ومنها ما هو ضلال، فيحاول من كان هذا مشربه إلا أن يُحرِّف نصوص القرآن إلى ما يعتقده،مثال ذلك: قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . وقد ذكر الله تعالى استواءه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم وكلها بلفظ استوى على العرش، والاستواء على الشيء معلوم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم،كما قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) . وفي اللغة العربية: الاستواء إذا تعدى بعلى فإن معناه العلو على الشيء، كما قال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) . فاستواء الله على عرشه علوه عليه على وجه يختص به ويليق به جل وعلا، ولكننا لا نعلم كيفيته؛لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى. ولهذا لما سأل رجل الإمام مالكاً رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً من شدة ما نزل عليه من هذا السؤال،ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وقال: ما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به فأخرج من المسجد النبوي؛ لأنه سأل عن شيء لا يسعه إلا السكوت عنه، فإن الصحابة لم يسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أحرص منا على معرفة صفات الله عز وجل، وأشد منا تعظيماً لله، وأشد منا حبًّا للعلم، وعندهم من إذا سألوه فهو أجدر بالإجابة منا، وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسألوه. يوجد من المفسرين من يفسر (استوى على العرش) أي: استولى عليه ومَلَكه وقَهَره بقوة السلطان والسيطرة، ولا شك أن هذا معنى باطل، مخالف لما تقتضيه دلالة القرآن الكريم ولما كان عليه السلف الصالح وأئمة المسلمين، فمثل هذا التفسير يجب أن يحترز الإنسان منه وألا يغتر؛ به لأن هذا التفسير قد يصاغ بأسلوب بياني يملك شعور الإنسان، حتى يصدق به مع كونه تحريفًا لكتاب الله. والأمثلة على هذا كثيرة منهم من يحاول صرف الآيات الكريمة إلى معتقده، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه الفقهي، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه النحوي فيقول: هذا شاذ وهذا غير قياسي وما أشبه ذلك. الخلاصة أني أقول: أهم كتاب يعتني به طالب العلم كتاب الله عز وجل، لكن ليكن تلقيه لمعاني كتاب الله عز وجل من الكتب الموثوقة في التفسير التي قام بتأليفها علماء موثوقون في علمهم وفي دينهم وفي أمانتهم، ثم بعد ذلك ما صح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويبتدئ بالمختصرات مثل كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، ثم بلوغ المرام للحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم المنتقى من أخبار المصطفى للمجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعد هذا المختصرات الفقهية كزاد المستقنع في الفقه الحنبلي، وما يشابهه من المختصرات الفقهية في المذاهب الأخرى، ولكن لا نجعل هذه الكتب الفقهية التي ألفها علماء دليلًا يحتج به؛ لأن كلام العلماء رحمهم الله مهما بلغوا في العلم يحتاج أن يحتج له، وليس دليلًا يحتج به، فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها، لكنها لا شك أنها مما يستأنس به ويستشهد به فإذا تمكن الإنسان من هذه الكتب الفقهية، ويسر الله له شيخًا يبين له معناها، ويبين الراجح من المرجوح، فإنه يحصل على خير كثير. وإنني أحث طلبة العلم على الاعتناء بالأصول والقواعد؛ لأنها هي العلم حقيقة، أما أفراد المسائل فهي- وإن كانت علمًا- لكنها لا تعطي الإنسان ملكة يستطيع بها أن يعرف الراجح من المرجوح والصحيح من الضعيف، وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثال هذا السائل في جامعاتنا.
***(23/2)
يقول السائل: ما هي المراحل التي ينبغي على طالب العلم أن يسير عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراحل التي ينبغي لطالب العلم أن يسير عليها في تحصيل العلم أن يبدأ أولًا بكتاب الله عز وجل، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليسلك في ذلك أخصر ما يكون ما دام في ابتداء الطلب، ثم إذا ترعرع في الطلب واشتد ساعده بدأ يترقى إلى الكتب الكبيرة التي فيها ذكر الآراء والمناقشة فيها، وليكن مرجعه في ذلك شيخه الذي يدرس عليه، فالشيخ هو الذي يوجه التلميذ فيما يقرأ وفيما لا يقرأ.
***(23/2)
يقول السائل: طالب العلم هل يبدأ بحفظ القرآن الكريم أم بقراءة كتب العلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا والله، يبدأ بحفظ القرآن حفظ القرآن، لا شيء قبله مما يحفظه الإنسان؛ لأن القرآن كلام الله، وتلاوته عبادة،وتدبره عبادة، والعمل بما يدل عليه عبادة، وتصديق خبره عبادة، فهو أفضل الكتب المنزلة من الله عز وجل، وأفضل من الكتب المؤلفة من الناس ولا سواء، فليبدأ الإنسان بحفظ القرآن الكريم،ثم بما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله، فإنه كتاب مختصر جداً في الأحكام،ثم بما تيسر له من كتب أهل العلم في العقيدة وغيرها.
***(23/2)
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ السائل أبو عبد الله سعيد يذكر في رسالته ويقول: يبلغ من العمر الثامنة والعشرين، وقبل هذا الوقت يقول: كنت مسرفاً على نفسي، ولكن هداني الله عز وجل والحمد لله، وأريد أن أتعلم العلم الشرعي وأتفقه في الدين، فهل فات الوقت بالنسبة لسني؟ وكيف السبيل لتحصيل ذلك العلم؟ خاصة وأنا أعمل هنا تقريبًا في اليوم كله؟ فأرجو من فضيلة الشيخ أن يضع جدولًا لمن هم في مثل حالتي، وجزاكم الله خيرًا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول الحمد لله الذي هداه وأسأل الله لي وله الثبات على الحق أما فيما يتعلق بسنه فإنه لم يفت الأوان والحمد لله الإنسان لا يفوت أوانه واستعتابه وتوبته إلا إذا حضره الموت، ومادام في زمن الإمهال فإنه لا يفوته شيء. أما فيما يتعلق بطلبه العلم الشرعي مع كونه مشغولًا كل اليوم: فبإمكانه أن يستحضر رسائل أو أشرطة يستمع إليها من أهل العلم الموثوقين في علمهم وأمانتهم، ويحصل على ما تيسر.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذا يقول في سؤاله: تعلم العلم الشرعي هل يقتصر على المواد الشرعية فقط، أم يدخل بذلك بعض العلوم؟ أرجو منكم الإفادة في سؤالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلوم الشرعية داخلة في العلم الشرعي، وتعلمها تعلم شرعي لا إشكال في هذا، أما بقية العلوم فينظر: إن كانت تُعين على العلم الشرعي فإنها من العلوم النافعة التي ينتفع بها الإنسان في التقوي على معرفة العلوم الشرعية، مثل علم النحو والبلاغة، وإن كانت لا تساعد على العلوم الشرعية نظرنا: إن كانت نافعة في الدنيا فهي من الأمور المباحة إن كان النفع لا يتعدى للغير، وهي من الأمور المطلوبة إن كان النفع يتعدى إلى الغير وإن كانت ضارة فهي محرمة، وإن كانت لا ضارة ولا نافعة فهي من اللغو الذي ينبغي للعاقل أن يتجنبه.
***(23/2)
أيهما أفضل: الدراسة لكي ينال الشخص الشهادة، أم التعليم الديني فقط وحفظ القرآن ودروس العقيدة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يمكن للإنسان أن يجمع بين هذا وهذا، فيقرأ في المدارس والمعاهد والكليات النظامية، ويقرأ على المشايخ في المساجد ويحفظ القرآن ولا منافاة، وفي الوقت الحاضر أرى أنه لابد من أن ينال الإنسان الشهادة؛ لأن الوظائف الآن أصبح ميزانها تلك الشهادات، ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى منزلة ينفع بها المسلمين النفع المطلوب إلا بالشهادات، حتى يتمكن من أن يكون مدرسًا في المعاهد والمدارس والجامعات، ويتمكن أن يكون قاضيًا من القضاة،ويتمكن أن يكون عضوًا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المجالات الآن أصبحت مبنية على الشهادة،والإنسان إذا طلب العلم لينال الشهادة لهذا الغرض- أي: لينفع المسلمين بما يحصل له من الوظائف- فإن هذه النية لا تقدح في الإخلاص؛ لأنه اتخذ هذه الشهادة وسيلة وذريعة لنيل أمر مقصود شرعاً.
***(23/2)
جزاكم الله خيرًا هل توجد فلسفة في الشريعة الإسلامية؟ وما هو الرد على من يدعي ذلك؟ وهل يجوز أن يدرس الطالب مثل هذا ويتعمق فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفلسفة بحث يوناني مستقل، يتعمق فيه أصحابه حتى يؤول بهم إلى تحكيم العقل ورد ما جاء في الكتاب والسنة، والفلسفة على هذا الوجه منكرة لا يجوز الخوض فيها ولا الدخول فيها، وأما الفلسفة بمعنى الحكمة فهذه موجودة في الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكمة قال الله تبارك وتعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) . لكنه لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية: إنها فلسفة؛ لأن هذه الكلمة يونانية، بل نقول عن الحكمة الشرعية: إنها حكمة، وما من شيء في الشرع إلا معلل بالحكمة، لكن من الحكم ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه؛ لأن عقولنا قاصرة،وأعظم حكمة في الأحكام أن يكون الحكم ثابتاً بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نؤمن بأن كل حكم ثبت في الكتاب والسنة فإنه حكمة، وامتثاله حكمة؛ لأن في امتثاله طاعة الله ورسوله وحصول الثواب والأجر. وعلى هذا فلو سألنا سائل عن حكمة شيء من الشرائع فإنه يكفيه إذا كان مؤمنًا أن يقال: هكذا قال الله ورسوله؛ لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) . وقد كان هذا هو المنهج الذي يسير عليه الصحابة رضي الله عنهم، فقد (سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فلماذا مع أن الصوم فرض والصلاة فرض،والصلاة أوكد من الصوم، ومع ذلك لا تقضى؟ والصوم يقضى فأجابت عائشة رضي الله عنها:بأن ذلك كان يصيبهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمرن بقضاء الصوم ولا يؤمرن بقضاء الصلاة) وهذا يعني أن الحكمة هي حكم الله ورسوله.
***(23/2)
يقول السائل: كيف يعلم الأب أبناءه التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعلمهم التوحيد كما يعلمهم غيره من أمور الدين، ومن أحسن ما يكون في هذا الباب كتاب ثلاثة الأصول لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، إذا حفظوه عن ظهر قلب وشرح لهم معناها على الوجه المناسب لأفهامهم وعقولهم صار في هذا خير كثير؛ لأنها مبنية على السؤال والجواب وبعبارة واضحة سهلة ليس فيها تعقيد، ثم يريهم من آيات الله ليطبق ما ذكر في هذا الكتاب الصغير: الشمس يقول: من الذي جاء بها؟ القمر، النجوم، الليل، النهار، ويقول لهم: الشمس من الذي جاء بها؟ الله. القمر؟ الله. الليل؟ الله. النهار؟ الله. كلها جاء بها الله عز وجل، حتى يسقي بذلك شجرة الفطرة؛ لأن الإنسان بنفسه مفطور على توحيد الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) . وكذلك يعلمهم الوضوء، كيف يتوضؤون بالفعل، يقول: الوضوء هكذا ويتوضأ أمامهم، وكذلك الصلاة، مع الاستعانة بالله تعالى، وسؤاله عز وجل الهداية لهم، وأن يتجنب أمامهم كل قول مخالف للأخلاق أو كل فعل محرم، فلا يعودهم الكذب ولا الخيانة ولا سفاسف الأخلاق، حتى وإن كان مبتلىً، بها كما لو كان مبتلىً بشرب الدخان فلا يشربه أمامهم؛ لأنهم يتعودون ذلك ويهون عليهم. وليعلم أن كل صاحب بيت مسؤول عن أهل بيته؛ لقوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: من الآية6) . ولا يكون وقايتنا إياهم النار إلا إذا عودناهم على الأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكد ذلك في قوله: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) .وليعلم الأب أن صلاحهم مصلحة له في الدنيا والآخرة، فإن أقرب الناس إلى آبائهم وأمهاتهم هم الأولاد الصالحون من ذكور وإناث. (وإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعاً على ما حملنا من الأمانة والمسؤولية.
***(23/2)
يقول يا فضيلة الشيخ في هذا السؤال: هل يجب أن نتعلم الدين كله؟ وما هو الذي يجب أن نتعلمه من الدين؟ وهل صلاة الكسوف والخسوف وصلاة العيد وغيرها من الصلوات يجب أن نتعلمها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على الإنسان أن يتعلم كل ما يحتاجه من العلم: فإذا أراد أن يصلى مثلاً يجب أن يتعلم كيف يصلى، وإذا أراد أن يتوضأ يجب أن يتعلم كيف يتوضأ، لكن هذا التعلم يحصل بمشاهدة الناس وما يفعلون إذا كانوا من أهل العلم، ومن ثم نعرف أن من فوائد صلاة الجماعة أن يتعلم الجاهل من العالم. وأما ما لا يحتاجه الإنسان فإنه لا يلزمه أن يتعلمه، فلا نقول للفقير: يجب أن تتعلم أحكام الزكاة- أي: أحكام زكاة الأموال- ولا نقول لمن لا يستطيع الحج: يلزمه أن يتعلم كيف يؤدي الحج، لكن العلم على سبيل العموم فرض كفاية، بمعنى: أنه يجب على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها في جميع أحكامه، حتى لا تتلاعب به أيدي العابثين وتنطلق به ألسن المحرفين. أما صلاة الكسوف والخسوف فإنها سنة، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة، والغالب أن هذه الصلاة تفعل في المساجد ويتبع الناس فيها إمامهم، فما فعل الإمام يفعلونه. وليعلم أن الكسوف والخسوف معناهما واحد، لكن الغالب أن الخسوف يكون في كسوف القمر، وأن الكسوف يكون في خسوف الشمس، وإلا فمعناهما واحد. بقي أن يقال: متى تشرع صلاة الكسوف؟ والجواب على هذا: أنها تشرع إذا كسفت الشمس أو القمر بانحجاب بعض أجسامهما، وهذا قد يكون كلياً وقد يكون جزئياً، فتسن حينئذٍ الصلاة، فينادى لها: الصلاة جامعة، ويجتمع الناس إليها في المساجد، والأفضل أن تكون في الجوامع، أي: في المساجد التي تقام فيها الجمعة،حتى يكثر الجمع وتحصل الرهبة والخوف من الله عز وجل، ويصلىها الإمام ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجودان، ويطيل القراءة فيها جداً: فالقيام الأول الذي قبل الركوع الأول يكون طويلاً جداً، ثم يركع ركوعاً طويلاً جداً، ثم يرفع فيعيد القراءة: الفاتحة وما بعدها، ثم يركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع ويحمد ويطيل بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين بقدر السجود، ثم يسجد للثانية كالأولى يطيلها، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقرأ ويطيل، ولكنه دون الأول، ويركع ويطيل ولكنه دون الأول، ويرفع ويطيل ويقرأ، ثم يركع ركوعاً طويلاً ولكنه دون الأول، ثم يرفع ويطيل القيام بقدر الركوع، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر الركوع، ثم يجلس بين السجدتين ويطيل الجلوس بقدر السجود، ثم يسجد ويطيل السجود بقدر السجدة الأولى، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. وينبغي للإمام بعد ذلك أن يخطب للناس خطبة بليغة يعظهم فيها، إن تيسر له أن يخطب بما خطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا هو الأكمل، وإلا قال من عنده كلاماً يعظ الناس ويهز قلوبهم ويخوفهم بالله عز وجل، وإذا كان الإمام لا يستطيع أن يخطب وفي القوم من يستطيع ذلك طلب منه أن يقوم ويعظ الناس، وهذه الخطبة قيل: إنها خطبة الراتبة، يعني: أنها خطبة مشروعة كخطبة العيد بعد الصلاة، وقال بعض أهل العلم: بل هي من الخطب العارضة، والأقرب أنها من الخطب الراتبة، وذلك لأن الكسوف لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرة واحدة وخطب، ولو أنه وقع مرة أخرى ولم يخطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقلنا: إنها عارضة، لكن لما خطب فالأصل أنها مشروعة، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن المقام يقتضي ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده.(23/2)
السائل عزوزي من الجزائر يقول في سؤالٍ له في هذه الرسالة ما هي الأمور الشرعية التي يجب على المؤمن أن يتعلمها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور الشرعية التي يجب على الإنسان أن يتعلمها كل ما أوجب الله عليه من طهارةٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحج وبرٍ للوالدين وصلةٍ للأرحام، وغير ذلك مما يتعلق بأمور دينه، فيجب على الإنسان أن يتعلم أمور دينه قبل كل شيئ قال الله تبارك وتعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .قال البخاري رحمه الله: فبدأ الله تعالى بالعلم. قبل العمل فمثلاً إذا أراد أن يتطهر الإنسان ويتوضأ للصلاة فلا بد أن يعرف كيف يتوضأ، يجب عليه أن يعرف كيف يتوضأ، وإذا أراد أن يصلى، يجب عليه أن يعرف كيف يصلى وماذا عليه لو أخل بكذا أو كذا، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة، وهذا معنى قول الإنسان: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: دلنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم الذي يوصلنا إليك يا ربنا. أما مالا يحتاج إليه من الأمور: فلا يلزمه تعلمه إلا أن يكون فرض كفايةٍ عليه، يعني مثلاً تعلم المعاملات، تعلم البيع الصحيح والإجارة الصحيحة والرهن الصحيح والوقف الصحيح ليس بواجب على كل أحد، بل يجب على من أراد أن يتعامل بهذا، وأما غيره فلا يجب عليه إلا إذا قدرنا أنه ليس في العالم من يعرف هذا، فإنه يكون فرض كفاية ولم يقم به أحد، فيجب على الإنسان.
***(23/2)
حفظكم الله السائل يقول: ما هي المسائل التي يجب تعلمها والعمل بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن يتعلم الإنسان كل ما يحتاج إليه في دينه بدون حصر، فعلى الإنسان أن يتعلم كيف يتوضأ؟ كيف يصلى؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يزكي إذا كان عنده مال؟ فكل ما يحتاج الإنسان إلى معرفته في الدين فإنه يجب عليه أن يتعلمه، هذه هي القاعدة،وهي واضحة. وأما ما لا يحتاج إليه فطلب العلم فرض كفاية، إذا اشتغل الإنسان به قام بفرض كفاية، وإن اكتفى بغيره من أهل العلم فذمته بريئة.
***(23/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع حامد إبراهيم: ما هي العلوم التي تعلمها فرض كفاية؟ وهل هناك علم يجب على المسلمين معرفته جميعاً أو أن يعرفوه جميعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حفظ الشريعة واجب على المسلمين عموماً، فلا بد أن يكون في المسلمين من يقوم بحفظ الشريعة. وأما الفرض على الأعيان فإنه يختلف: فقد يجب على شخص من العلوم ما لا يجب على شخص آخر، فمثلاً من كان عنده مال وجب عليه أن يتعلم من أحكام الزكاة ما يستعين به على براءة ذمته، ولكن هذا لا يجب على من ليس عنده مال، من كان يشتغل بالبيع والشراء وجب عليه أن يتعلم من أحكام البيع والشراء ما يصحح معاملاته، ومن ليس مشتغلاً بالبيع والشراء فإنه لا يجب عليه ذلك. فالمهم أن حفظ الشريعة بطلب العلم فرض كفاية على عموم المسلمين، وأما الفرض العيني فهذا يختلف باختلاف الناس، فقد يجب على شخص ما لا يجب على الآخر، كما سبق التمثيل به.
***(23/2)
هذه السائلة تذكر بأنها شابة معاقة وتقول: قد انتهيت من المرحلة المتوسطة، وأرغب في العلم الشرعي بأسرع وقت، لذلك فإنني أفكر بترك الدراسة، وذلك لسببين: الأول: طلب العلم الشرعي، والثاني: لشدة إعاقتي، حتى لدرجة أنني أتعب تعباً شديداً في الذهاب إلى المدرسة، وإنني في حيرة من أمري: فالبعض من إخواني يقولون: اتركي الدراسة لترتاحي وتريحي غيرك، والبعض يقول: أكملي لكي تدخلي كلية الشريعة وتحصلى على العلم الشرعي الذي تريدينه فما مشورتكم يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن مشورتي أن تتفرغي لطلب العلم الشرعي، وهو حاصل والحمد لله اليوم بالاستماع إلى الأشرطة من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، دون أن تكلفي نفسك وتكلفي غيرك، هذا ما أراه. فاستعيني بالله عز وجل، واحرصي على مراجعة العلوم الشرعية من أفواه العلماء بواسطة الهاتف، أو باستماع الأشرطة، أو الرسائل والكتب المفيدة. ونسأل الله تعالى أن يثيبك ويأجرك على ما أصابك، وأن يجعل ذلك رفعة في درجاتك وتكفيراً لسيئاتك.
***(23/2)
هذه مستمعة من الحدود الشمالية رمزت لاسمها بـ د. ف. ش. ح رفحة تقول: مجموعة من النساء لا نستطيع أن نحضر إلى المساجد لسماع الندوات، فنضطر لشراء أشرطة المسجل لسماع هذه الندوات. سؤالي: هل ثواب السامع من الشريط هو نفس ثواب الجالس في المسجد مباشرة، من تنزل الملائكة عليهم وإحاطتهم بالرحمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا، ليس الذين يستمعون إلى الأشرطة كالذين يحضرون إلى حلق الذكر ويشاركون الذاكرين في مجالسهم، ولكن السامعين للأشرطة لهم أجر الانتفاع وطلب العلم الذي يحصلونه من هذه الأشرطة، وكما قلت آنفاً: ما أكثر ما حصل من الهدى والاستقامة بواسطة هذه الأشرطة، والشريط- كما نعلم- خفيف المحمل سهل الاستفادة، فالإنسان يمكن أن يستمع إليه وهو في شغله، يمكن أن يستمع إليه في سيارته ماشياً في طريقه، ومن أجل ذلك كان لهذه الأشرطة فضل كبير من الله سبحانه وتعالى علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذا التسهيل والتيسير.
***(23/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع أبو عبد الله بأنه يسكن مع والده، ويعمل في مدينة مجاورة ويتردد عليها يومياً، وأحياناً يقول: أفكر في السكن قرب عملي، ولأجل أن أحضر حلقات العلم في ذلك البلد. أرجو توجيه النصح لي وجزاكم الله خيرًا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يشق عليه التردد إلى والديه في بلدهما فلا حرج عليه أن يتخذ مسكناً في البلد الذي يعمل فيه، ولكن إذا كان الوالدان مضطرين إلى وجوده عندهما فإنه يجب عليه أن يحاول الانتقال إلى البلد الذي فيه الوالدان، وإذا علم الله من نيته أنه يريد دفع ضرورة الوالدين بالانتقال فإن الله سييسر له الأمر؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) . وإذا لم يمكن هذا فليعرض على والديه الانتقال إلى البلد الذي يعمل فيها؛ ليكون سكناهما معه، فيقوم بالوظيفة وبواجب والديه بدون تعب.
***(23/2)
حفظكم الله في الحديث يا فضيلة الشيخ: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به) . هل يدخل في ذلك العلم علوم الدنيا كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، أم هو مقيد بالشرعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل علمٍ يثاب عليه العبد ثم يعلمه الآخرين فإن المتعلمين منه يثابون عليه، وإذا أثيبوا عليه ناله من أجرٍ بعد موته ما يستحق،وأما ما لا ثواب في تعلمه فليس فيه أصلاً ثواب حتى نقول: إنه يستمر، فمثلاً علم التفسير والتوحيد والفقه وأصوله والعربية كل هذه علوم يثاب الإنسان عليها، فإذا علمها أحداً من الناس أثيب هذا المتعلم، فنال المعلم من ثوابه ما يستحقه.
***(23/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل كمال الدين من السودان ومقيم بالمملكة يقول: إنسانٌ يرغب في طلب العلم الشرعي، ولكنه كثير الشرود والفكر والتفكير والنسيان، ولا يحفظ بسهولة إلا بعد فترة تستمر كثيراً من الوقت، مع العلم بأنه يقضي وقته في الأشياء النافعة مثل الاستماع إلى الأشرطة الشرعية وإذاعة القرآن الكريم والمحاضرات، فبماذا توجهون مثل هذا مأجورين؟ بأي شيء يبدأ بالكتب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول للأخ: لا ييأس من رحمة الله، وليثابر على طلب العلم، والشرود الذي يحصل له قد يرده الله عز وجل، وأنصحه أولاً أن يبدأ بكتاب الله عز وجل: يحفظه ثم يتدبره؛ ليعرف معانيه ثم يعمل به. ثانياً بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وهي مشهورة متداولة بأيدي الناس، ثم بكتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ثم بالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية،الأول كتاب التوحيد فيما يتعلق بالعبادة، والثاني فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته والإيمان باليوم الآخر وغير ذلك، ثم بما عليه أهل بلده من الفقه، وليختر من العلماء من كان أوسع علماً وأتقى لله عز وجل؛ لأن من الناس من هو واسع العلم لكنه ضعيف التقوى، ومنهم من هو قوي التقوى ضعيف العلم، ليختر كثير العلم قوي التقوى بقدر المستطاع.
***(23/2)
حفظكم الله تحدثتم مأجورين عن فضل التفقه في الدين، فكيف يتفقه الشاب في دينه ويطلب العلم الشرعي الموثوق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يتفقه في دينه على أيدي العلماء الموثوقين علماً وأمانة، فليلزم هؤلاء وليستمسك بغرزهم وليقتد بهم، ولا يلتفت يميناً وشمالا، ً حتى إذا كبر وبلغ درجةً من العلم يمكنه أن يفهم النصوص بنفسه، ويحمل مجملها على مبينها، ومطلقها على مقيدها وما أشبه ذلك، حينئذٍ يتصرف هو بنفسه بالأدلة على حسب ما آتاه الله من العلم.
***(23/2)
جزاكم الله خيراً هل لطالب العلم أن يتخذ شيخًا معيناً يراجع معه، أو يتخذ أكثر من شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن يتخذ شيخًا واحدًا ما دام في بداية الطلب؛ لأن المشايخ ربما تختلف آراؤهم في مسألة ما،وإذا كان هو صغيراً في ابتداء الطلب فإن ذلك يشوش عليه، فليتخذ شيخًا واحدًا فيما يريد قراءته عليه، ومن الممكن أن يتخذ شيخًا آخر لكن في فن آخر، مثلا: له شيخ في النحو، وله شيخ في الفقه، وله شيخ في العقيدة، وله شيخ في التوحيد، وما أشبه ذلك أما أن يتخذ شيخين في الفقه فلا أشير به،لا يتخذ شيخين في العقيدة، أما النحو فأمره سهل، حتى لو اتخذ شيخين واختلفا عليه ما يهم، لكن المهم مثل المسائل العملية الدينية، لا يتخذ شيخين في فن واحد؛ لئلا تختلف أقوالهما فيبقى متذبذباً. ومن ثم أقول لطالب العلم المبتدئ: لا يراجع كتب الخلاف، يعني لا يراجع مثلًا المغني أو المجموع للنووي، أو غيرهما مما يذكر فيه الخلاف ما دام في ابتداء الطلب؛ لأن الأمور تلتبس عليه ويبقى متذبذباً، وتختلط المعلومات فما دام في ابتداء طلبه فليلزم شيخاً واحداً وكتابا واحدا ولا يتخذ أكثر من شيخ في فن واحد.(23/2)
من الجزائر السائل شرف الدين يقول في هذا السؤال: ما هي أحسن وسيلة لتلقي العلم النافع جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوسائل مختلفة،وهي كثيرة والحمد لله في وقتنا الحاضر، فمن الوسائل أن تتلقى العلم على شيخ مأمون في علمه ودينه، وهذه أحسن الوسائل وأقوى الوسائل وأقرب الوسائل إلى تحصيل العلم، ومنها أن تتلقى العلم من الكتب المؤلفة التي ألفها علماء مأمونون موثوقون في علمهم ودينهم، الثالث أن تستمع إلى الأشرطة المنشورة من العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم. هذه ثلاث طرق يمكن أن يحصل بها العلم، وأهم شيئ هو الاجتهاد والمثابرة وحسن القصد، فإن ذلك من أسباب حصول العلم.
***(23/2)
بارك الله فيكم تقصدون فضيلة الشيخ الوسائل الموصلة للعلم الشرعي من أشرطة وإذاعة القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم، قصدي من أشرطة بالنسبة للدروس التي تلقى عندهم في بلدهم لا في الإذاعة، أما الإذاعة فأمرها متيسر والحمد لله لكل أحد.
***(23/2)
يقول: الكتب الدينية غالية مثل تفسير ابن كثير والصحيحين، فكيف للشباب أن يتفقهوا في دينهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة كونها غالية هذا أمر نسبي في الحقيقة يختلف باختلاف أهل البلدان وباختلاف حال الشخص، ولكن هي موجودة ولله الحمد في المكاتب، فبإمكان الشاب الحريص أن يذهب إلى أي مكتبة ويجد بغيته هذه، وإذا لم يكن عنده مكتبة في بلده فإنه إن كان يستطيع أن يشتري فليشتر، وإلا فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ليشتري بها هذه الكتب التي يحتاجها في دينه.
***(23/2)
المستمعة من الأردن عائشة تقول: ما هو علاج النسيان؟ سواء كان للقرآن الكريم، أو لغيره من العلوم الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: علاج النسيان التعاهد، يعني: تعاهد الإنسان ما حفظ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتعاهد القرآن وقال: (تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . فليتعاهد الإنسان ما حفظ، بأن يقرأه دائماً حتى لا ينساه، والنسيان غريزة،غريزة بمعنى أن بعض الناس يكون مجبولاً على عدم النسيان، يكون مجبولاً على سرعة الحفظ وبطء النسيان، ومن الناس من يكون سريع الحفظ سريع النسيان، ومنهم من يكون بطيئ الحفظ سريع النسيان،فيختلفون، فالأقسام أربعة بالنسبة لسرعة الحفظ والنسيان. ويكون النسيان أيضاً بسبب غير غريزي، ومن ذلك المعاصي، فإن المعاصي سبب للنسيان، قال الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) . ويذكر أن الشافعي رحمة الله عليه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
وإذا كان هذا هو السبب- أعني: المعاصي- فإن دواء ذلك أن يتوب الإنسان من المعصية، وأن يقبل على الله، وأن يكون مهتماً بأموره التي يلزمه الاهتمام بها، سواء كانت خاصة به أم عامة، أما أن يشغل نفسه بما لا فائدة فيه فإن ذلك من اللغو، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . وهذا التشاغل بما لا فائدة فيه هو من أسباب النسيان أيضا؛ ً لأن المعلومات والتذكرات تتراكم على الإنسان، فينسي بعضها بعضاً.(23/2)
بارك الله فيكم هذا الشاذلي السيد جمهورية مصر العربية محافظة قنا يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أحفظ القرآن، لكنني لا أعرف ما هي الطريقة التي أحفظ بها القرآن الكريم جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة التي يحفظ الإنسان بها القرآن تختلف باختلاف حال الإنسان،وباختلاف حال المدرس الذي يسمع إليه، فلها طرق، منها: أن يحفظ الإنسان كل خمس آيات على حدة، ولا ينتقل إلى ما بعدها إلا إذا أتقنها تماما. ً ومنها: أن يحفظ صفحة كاملة ثم يعيدها، والمهم أن يسلك الإنسان في حفظ القرآن ما يناسبه، لكن يتعاهد القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . وتعاهد القرآن قد يكون في قراءة الإنسان لنفسه وحده، وقد يكون بمشاركة أحد زملائه، يتحافظ عليه، يمسك الزميل المصحف بيده وذاك يقرأ، ثم يأتي العكس. والمهم أن هذه مسائل ليس فيها نص يؤخذ به، وإنما أوكلت إلى حال الإنسان.
***(23/2)
في نظركم يا شيخ محمد ما هي الطريقة المثلى لمن أراد أن يحفظ القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه تختلف بعض الناس يسهل عليه أن يحفظ القرآن على وجه كبير، يحفظ الصفحة كاملة، يرددها حتى يحفظ. وبعض الناس يحب أن يحفظ شيئاً يسيراً: أربعة أسطر أوخمسة أسطر، ثم ينتقل إلى أسطر أخرى، وكل على حسب مزاجه. ثم إنه ينبغي أن يتحفظ القرآن وهو على نوع من فراغ البطن؛ لأن حفظ القرآن على الشبع ربما يصعب حفظه ويسرع نسيانه.
***(23/2)
يقول: إنني أحرص دائماً على قراءة القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنني قليل الحفظ، فما هي الطريقة التي تنصحونني بها كي أحفظ كتاب الله؟ أرشدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أسباب الحفظ أولا: ً أن يبادر الإنسان به في حال صغره؛ لأن الحفظ في الصغر -كما قيل- كالنقش على الحجر والإنسان الآن الكبير يتذكر أشياء مرت عليه في صغره ولا يتذكر أشياء مرت عليه عن قرب، فهذا أول سبب يكون به الحفظ.
ثانياً: المتابعة والدراسة وتعاهد ما حفظ، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعهد القرآن، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنه أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) .
ثالثاً: أن يكون دائماً مرتبطاً نفسياً بما حفظه، بحيث لا يغيب عن ذهنه، وبحيث يعرف ويشعر نفسه بأنه ملزم بهذا الذي حفظه من العلم، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أهل العلم. رابعا: ً أن يكون على جانب كبير من الإيمان بالله عز وجل وتقوى الله سبحانه وتعالى، فإن هذا من أكبر أسباب الحفظ، يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) . ومن الحكم المأثورة: قيدوا العلم بالعمل، فالعمل بالعلم من أسباب حفظه وربطه، فإذا كان الإنسان كثير المعاصي فإن المعاصي توجب النسيان، قال الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) . فالمعاصي سبب كبير من أسباب النسيان، كما أن الطاعات والإيمان سبب كبير من أسباب الحفظ، ومما يؤثر عن الشافعي رحمه الله أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
ومن عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم.
***(23/2)
بارك الله فيكم تقول: أريد أن أحفظ من كتاب الله ما يتيسر، وأريد منكم توجيهي إلى الطريقة الصحيحة (حتى يكون) حفظي كاملاً لا أنساه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أفضل الطرق لبقاء حفظ الإنسان للقرآن ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: تعاهد القرآن، تعاهد قراءته، يقرؤه الإنسان كل يوم في الصباح والمساء؛ وفي الليل لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . ومنها أن يدعو الله سبحانه وتعالى بإمساك القرآن عليه حتى لا يتفلّت منه، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
***(23/2)
أحسن الله إليكم يا فضيلة الشيخ الأخت السائلة من منطقة عسير تقول: أريد أن أحفظ القرآن في المدرسة الخاصة بتحفيظ القرآن، لكن ظروفي لا تسمح لي بذلك، أريد منكم حفظكم الله الطريقة الصحيحة لحفظه في المنزل، وهل إذا حفظت القرآن بدون تجويد أو فهمٍ لمعانيه هل فيه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريق إلى ذلك أن الإنسان يحفظ خمس آيات حتى يتقنها، ثم خمس آيات حتى يتقنها، ثم خمس آيات حتى يتقنها، فإذا أتم جزءًا كاملاً عاد فتعاهد ما حفظه حتى يعلم أنه لم ينسه، ثم يأخذ في الجزء الثاني كما أخذ في الجزء الأول، حتى ينتهي من القرآن، ولا يشترط أن يكون بالتجويد ولا أن يعرف معناه، التجويد ما هو إلا تحسينٌ للفظ وليس بواجب، والمعنى يمكنه بعد أن يكمل الحفظ ويكبر أن يقرأ من التفاسير المأمونة الموثوقة ما ينتفع به.
***(23/2)
ما هي أفضل طريقة ترونها لحفظ القرآن الكريم؟ وهل يجوز أن أقرأ جزءاً معيناً مثل الجزء السادس والعشرين لكي أحفظ ذلك وأترك باقي القرآن؟ أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم أن تحفظه وأنت صغير السن؛ لأن صغير السن يسهل عليه الحفظ وليس فيما بعد، ففي حفظ القرآن حال الصغر فائدتان: الفائدة الاولى: سهولة الحفظ، والفائدة الثانية: رسوخ المحفوظ في القلب بحيث لا ينساه، هذا بالنسبة للسن الذي ينبغي أن يحفظ القران فية. أما الوقت فأحسن ما يكون في أول النهار، إذا صلىت الفجر أن تقرأ القرآن فيه لتحفظه. وأما كيفية الحفظ فالناس يختلفون: فمن الناس من يقرأ خمسة أسطر مثلًا فيحفظها، ثم يعيدها مرة بعد أخرى حتى ترسخ في قلبه، ثم ينتقل إلى خمسة أسطر أخرى، وهكذا، وكلما أنهى خمسة أسطر حفظ ما بعدها، ومن الناس من يقرأ صفحة كاملة ويكررها ثم يحفظها، ومن الناس من يأخذ أكثر من هذا.المهم أن هذا -أعني كيفية الحفظ- يرجع الى شخص الانسان وهو يعرف من نفسه ما هو أهون عليه. ويجوز أن تقتصر على حفظ جزء معين في وسط القرآن ولا حرج عليك، لكن احرص على أن تبدأ من أول القرآن حتى تكمله.
***(23/2)
هذا أخوكم في الله ع ع الرياض يقول: فضيلة الشيخ أنا أتعلم القرآن من الأشرطة، والذي أتعلمه بعد صلاة العصر أتلوه بعد صلاة الفجر، هل هذا العمل جائز؟ أم لا؟ أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل جائز، أعني أنك تستمع القرآن من الأشرطة في العصر ثم تعيده بعد صلاة الفجر، وإذا شيءت أن تتبع طريقة أخرى فلا بأس؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والناس يختلفون في التحفظ، أي: تحفظ القرآن أو غيره من الكلام، فما ترى أنه أيسر لك وأقرب إلى الحفظ فافعله.
***(23/2)
جزاكم الله خيرًا السائل م ع ج يقول فضيلة الشيخ كيف يستطيع الشخص أن يوفق بين حفظ كتاب الله وبين حضور الدروس العلمية اليومية؟ لأنه يصعب عليه أن يوازن بينها، وأن يوفق بينها، إلى جانب أعماله وأعمال الأهل، والسائل من عنيزة رمز لاسمه بـ م ع ج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يعود إلى قدرة الإنسان الذاتية، والناس يختلفون: فمن الناس من يستطيع أن يقوم بهذه الأعمال، ومنهم من لا يستطيع أن يقوم إلا بعمل واحد، ومنهم من يستطيع أن يقوم بعملين أو ثلاثة. على كل حال ينظر الإنسان إلى نفسه، فإذا تزاحمت فإن القيام بحفظ كتاب الله عز وجل أولى من حضور الدروس، ولكن إذا كان أحد الدروس مهماً وجديراً بالعناية به فليحاول أن يحضر إليه حتى لا يفوته، أما حاجة الأهل: فحاجة الأهل إذا لم يكن أحد يقضيها فإن قضاءها من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لسعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في في امرأتك) أي: في فمها، مع أن ما يجعله في فم امرأته من الواجب عليه، إذ إن نفقة الزوجة واجبة، ومع ذلك كان له بها أجر، فإذا قام الإنسان على أهل بيته محتسباً أجره عند الله عز وجل آجره الله على ذلك.
***(23/2)
من مصر مستمع رمز لاسمه بـ ع. م. أ. يقول في هذا السؤال: زوجة لم أدخل بها بعد تقوم بتحفيظ القرآن الكريم في أحد المساجد للطرق الصوفية بدون أجر، هل هذا العمل حلال؟ وهل هذا العمل فيه موالاة للطرق الصوفية ونقاط تأتي إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة تدرس القرآن الكريم دراسةً صحيحة ليس فيها بدعة، فلا حرج عليها أن تدرس في هذا المسجد الذي ينتابه أهل التصوف، وإن كان الأفضل أن تذهب إلى مسجدٍ آخر؛ لئلا يساء الظن بها، ولئلا يكون بهذا إعزازٌ لموقف هؤلاء المتصوفة. وأما إذا كان يخشى على الصبيان المتعلمين، يخشى عليهم من أن يغتروا بعمل هؤلاء المتصوفة، فإنه لا يحل لها أن تدرس في هذا المسجد، وكذلك إذا كان من المعروف عند الناس أن كل من يدرس في هذا المسجد منتسبٌ لأهل التصوف، فإنه لا يجوز أن تدرس في هذا المسجد.
يافضيلة الشيخ: وهل هذا العمل يضر بعقد الزوجية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا يضر بعقد الزوجية؛ لأنه عملٌ مباح كما أسلفت، إلا في المسائل التي استثنيناها، وحتى في المسائل التي استثنيناها لا يخل بعقد الزوجية.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج رمضان حسين علي من العراق محافظة التأمين يقول في السؤال: إنه كثير النسيان، حيث إنني عندما أحفظ سورة من القرآن الكريم بعد يوم أو يومين أنساها، أو أنسى جملة أو كلمة، وغالباً ما أتخطى هذه الكلمة إلى الكلمة التي بعدها، فبماذا تنصحونني مأجورين لكي لا أنسى هذه السور المباركات؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ننصحك به ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعاهد القرآن وكثرة تلاوته وتذكره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . فأكثر من تلاوة القرآن، وأعرض عن المشاغل التي تشغل ذهنك وتوجب نسيانك، ثم احرص أيضاً على أن يكون تذكرك للكتاب الله مقروناً بالاستعانة بالله عز وجل؛ لأن الاستعانة مقرونةٌ بالعبادة كما قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . وقال تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) . فإذا استعنت بالله، وفوضت الأمر إلى الله، وحرصت على تعاهد القرآن، وصار هو شغلك الشاغل، فأبشر بأنك لن تنساه إن شاء الله تعالى.
***(23/2)
للمجند حسين شهاب الحمد من الجيش العربي السوري سؤال يقول فيه: أسأل سماحتكم الكريمة من طرف قراءة القرآن الكريم؛ لأني أحاول اتقان قراءة القرآن الكريم، بل يصعب علي ترميز القراءة، يحدث معي التأتأة في القرآن الكريم، وليس لدي أحد من الناس يعلمني الترميز، فهل أتابع في قراءتي للقرآن أم غير جائزة؟ وكل عامٍ وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: وعليكم السلام القرآن الكريم يقرؤه الإنسان بقدر ما يستطيع، كغيره من الطاعات: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . ويقرأ الإنسان بقدر استطاعته، إذا كان عنده معرفة بالحروف وإقامة لها بقدر المستطاع، وفي هذه الحال إذا كان يشق عليه فإنه له أجران: أجر التلاوة، وأجر المشقة: (فالماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران) كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنقول لهذا الأخ: استمر في قراءتك ما دمت تعرف أن تقرأ، وبقدر ما تستطيع أقم الحروف، وبقدر ما تستطيع لاحظ الرموز والمواقف الصحيحة، وليس عليك شيءٌ وراء ذلك.
***(23/2)
أيضاً يقول:عندي أخ كلامه متقطع، هل يمكن أن أعلمه قراءة القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم، يجوز أن تعلمه وإن كان يتقطع كلامه؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
***(23/2)
في رسالة هذه السائلة تقول: فضيلة الشيخ ما هي خير الكتب التي يجب على المسلم أن يقتنيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خير الكتب التي يجب على المسلم أن يقتنيها كتاب الله عز وجل، وينبغي العناية به وتدبر معناه والوصول إلى المراد به، وذلك بمراجعة كتب التفسير المؤلفة من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم، كتفسير ابن كثير رحمه الله، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتفسير الشيخ أبي بكر الجزائري، وغيرهم من العلماء المشهود لهم بالعلم والأمانة. وكذلك بتلقي معاني القرآن من أفواه المشايخ الموثوقين في علمهم وأمانتهم، إما بطريق مباشر، وإما عن طريق استماع الأشرطة المسجلة لهم؛ لأن القرآن الكريم نزل للتلاوة والتبرك بتلاوته وحصول الثواب والأجر بها، وللتدبر أيضاً، وللاتعاظ به ثالثاً، كما قال عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . لذا أحث إخواني المسلمين على تدبر كتاب الله عز وجل وتفهم معناه، ثم العمل بمقتضى ذلك: بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام، فيتبع ما أمر الله به في كتابه، ويترك ما نهى الله عنه في كتابه. ثم بعد هذا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، ومن المعلوم أن السنة واسعة الإحاطة بها صعبة، لكن هناك كتب مؤلفة، منها ما يقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط: كعمدة الأحكام، ومنها ما يذكر ما في الصحيحين وغيرهما، لكنه يذكر درجة الحديث من صحة وضعف وحسن: كبلوغ المرام. ثم بعد ذلك يقتني ما يتعلق بالتوحيد والعقيدة الصحيحة، مثل: كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية. ثم ما يتيسر من كتب الفقه، وفي مذهب الإمام أحمد من خير ما يقتنى الروض المربع شرح زاد المستقنع، وكذلك الزاد نفسه، وما حصل من شروح وتعليقات على هذا الكتاب المختصر المبارك. أما في النحو: فليبدأ الإنسان بالأيسر فالأيسر، كالأجرومية مثلا، ً ثم بعض العلماء يقول: بعد الأجرومية قطر الندى ثم ألفية ابن مالك، وأرى أنه لا حاجة إلى أن يدرس قطر الندى والألفية، بل يقتصر على أحدهما وفيه كفاية.
***(23/2)
المستمع أحمد مصري يعمل بمنطقة حائل يقول ما هي الكتب التي تفقه المسلم في أصول دينه وتوضح له الأحكام الشرعية الصحيحة؟ علماً أنني سمعت في برنامجكم أن بعض الكتب غير مستندة إلى صحة فيما تشتمل عليه، فأرجو إرشادي إلى أهم تلك الكتب الصحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أهم الكتب كتاب الله عز وجل، تقرؤه وتتعلم معناه، إما من خلال التفاسير الموثوقة، وإما على أحد من أهل العلم، ثم تتذكر بما في القرآن من مواعظ وأحكام؛ لقول الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) وبعد ذلك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الكتب المؤلفة فيها: كتاب منتقى الأخبار وكتاب بلوغ المرام، تدرسهما وتراجع شروحهما، وتسأل عما أشكل عليك فيهما أهل العلم الموثوقين بعلمهم ودينهم. ثم ما تيسر لك من كتب الفقه على حسب توجيه من يكون عندك من أهل العلم في بلدك، وإذا حصل للإنسان نية صحيحة في طلب العلم فإن الله تعالى ييسر له طريقه، وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
***(23/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع هاني محمد من الأردن عمان يقول: ما هي الكتب الشرعية التي تنصحون بها طالب العلم المتوسط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أقول: لا كتاب أفضل من كتاب الله سبحانه وتعالى، فالذي أحث إخواني عليه هو أن يعتنوا بالقرآن حفظاً وفهماً وعملاً، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيهن من العلم والعمل، يتعلمون العلم والعمل جميعاً ثم بعد ذلك الاعتناء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، ومعلوم أن الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، وطالب العلم المبتدئ أو المتوسط لا يمكنه الإحاطة بها، لكن هناك كتب مصنفة في هذا الباب يمكن الرجوع إليها، مثل كتاب عمدة الأحكام لعبد الغني النابلسي، ومثل كتاب الأربعين النووية للنووي رحمه الله، وغير ذلك من الكتب المختصرة، ثم بعد هذا يرتقي إلى الكتب المطولة نوعاً ما، كبلوغ المرام، والمنتقى من أخبار المصطفى، ثم بعد هذا يزداد بقراءة كتب الأحاديث المصنفة كصحيح البخاري وصحيح مسلم. أما في الفقه فينظر إلى أخصر كتاب ألف في ذلك، يقرؤه لينتفع به ويطبقه على ما عرفه من الأدلة، حتى يكون جامعاً بين المسائل والدلائل. أما في النحو فيأخذ بالكتب المختصرة أولا، ً مثل كتاب الأجرومية، فإنه كتاب مختصر مبارك مفيد، مقسم تقسيماً يحيط به المبتدئ، ولا سيما إذا يسر الله له من يقربه بالشرح، ثم بعد هذا أنصحه بأن يحفظ ألفية ابن مالك رحمه الله، وأن يتفهم معناها لأنها ألفية مباركة فيها خير كثير. ثم إني أنصح أيضاً أن يلازم شيخاً يثق به في علمه ودينه وأخلاقه؛ لأن تلقي العلم على المشايخ أقرب إلى الإحاطة بالعلم وإلى معرفة الصواب، وأخصرلطالب العلم؛ لأن طالب العلم الذي يقرأ من الكتب إذا لم يكرس جهوده ليلاً ونهاراً فإنه لا يحصل شيئاً، ثم إن الكتب أيضاً متنوعة: منها ما هو ملتزم بالصحيح، أو ملتزم بترجيح ما ينبغي ترجيحه، ومنها ما هو متعصب للمذهب الذي هو عليه، حتى أن بعض المؤلفين- عفا الله عنا وعنهم- أحياناً يلوون أعناق النصوص لتكون مطابقة لما يذهبون إليه، لذلك أرى أن يعتني الإنسان بالشيخ الذي يدرس عليه في علمه ودينه وخلقه.
***(23/2)
نرجو منكم نصيحة فضيلة الشيخ في الكتب الشرعية المفيدة والصحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، طبعاً بعد الدستور الخالد القرآن الكريم للاستفادة منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الكتب التي يستفيد منها طالب العلم تختلف باختلاف حال الطالب: إذا كان طالب العلم يريد أن يتمكن من العلم ويكون ناهلاً للعلم فإنه ينصح له بقراءة كتب معينة، وإذا كان طالب علم للمراجعة والمطالعة والاستفادة فقط فإنه ينصح له بكتب معينة أخرى. فطالب العلم الذي يريد أن يكون من أهل العلم ينبغي له أن يقرأ في فنون العلم ما يتمكن منه، حتى يكون عنده إلمام عام في جميع العلوم، فمنها يقرأ في النحو، ويقرأ في البلاغة، ويقرأ في الحديث- أعني: مصطلح الحديث- ويقرأ أصول الفقه، ويقرأ في الفقه، ويقرأ في متون الحديث، ويكون هذا بتوجيه من الشيخ الذي يقرأ عليه. وأنا أنصح طالب العلم أن يكون طلبه للعلم على يد شيخ راسخ في العلم؛ لأن طلب العلم على الشيخ الراسخ يستفيد منه الطالب فوائد، منها: أنه أخصر له في الوصول إلى العلم؛ لأن شيخه يعطيه العلم ناضجاً ميسراً، فيكون ذلك أسهل له في الوصول إلى العلم، لكن لو كان يقرأ من الكتب تعب تعباً عظيماً في مراجعة الكتب، وربما تشوش عليه هذه الكتب التي يقرؤها، حيث إن آراء العلماء ليست متفقة في كل شيء. ومنها: أنه إذا قرأ على شيخ فإن الشيخ يبين له كيف يرجح الأقوال بعضها على بعض، وكيف يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها، فيسهل له الخوض في معارك العلم، ويستطيع الطالب بناء على هذا التوجيه من شيخه أن يناظر في مسائل العلم، وأن يجادل بالحق للحق.
ثالثاً: أنه إذا طلب العلم على الشيخ صار هذا أكثر اتزاناً له؛ لأنه إذا طلبه من الكتب فربما يكون لديه اندفاع كبير في بعض الآراء، فيحصل بهذا زلل، وربما يصل إلى درجة الإعجاب بالنفس واحتقار الغير.
رابعاً: أنه إذا قرأ العلم على شيخ أو إذا أخذ العلم من الشيخ فإنه يستفيد من أخلاق هذا الشيخ؛ لأن الشيخ سيكون إذا منَّ الله عليه متخلقاً بما يقتضيه علمه الذي وهبه الله، فيستفيد من هذا الشيخ، ويكتسب أخلاقاً فاضلة ومعاملات طيبة، بالنسبة لزملائه وبالنسبة لعامة الناس. فالذي أنصح به إخواني طلبة العلم المبتدئين أن يكون تلقيهم للعلم على يد المشايخ الذين أدركوا من العلم والتجارب ما لم يدركوه، وحينئذٍ يأخذ بما يوجهه إليه شيخه من الكتب التي يريد أن يتعلم منها، أما إذا كان لا يريد أن يحبس نفسه لطلب العلم، وإنما يريد الاستفادة من المطالعة، فمن أحسن الكتب: زاد المعاد لابن القيم رحمه الله؛ لأنه كتاب جامع بين الفقه المبني على الدليل وبين التاريخ الذي تعرف به حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكتسب الإنسان من هذا الكتاب: الأحكام الفقهية، ومعرفة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وربما يمر به أيضاً مسائل أخرى تتعلق بالتوحيد وبالتفسير وغيرها، فالكتاب كتاب نافع جامع صالح لمن أراد المطالعة للاستفادة العامة.
***(23/2)
المستمع أيضاً يقول: فضيلة الشيخ ما هي الكتب التي تنصحون بقراءتها لطالب العلم الشرعي أن يبدأ بها في كلٍ من العقيدة والفقه والحديث والسيرة؟ مع العلم بأنني أميل إلى المذهب الحنبلي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يعتنوا أولاً بكتاب الله عز وجل، بفهمه والعناية بتفسيره، وتلقي ذلك من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم. ومن الكتب: كتب التفسير الموثوقة: تفسير ابن كثير، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وغيرها من التفاسير التي يوثق بمؤلفيها في عقيدتهم وعلمهم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آياتٍ من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ولأن ارتباط الإنسان بكلام الله عز وجل ارتباطٌ بالله سبحانه وتعالى، فإن القرآن كلام الله لفظه ومعناه، ولأن الإنسان إذا كان لا يفهم القرآن إلا قراءةً فقط فهو أمي وإن كان يقرأ القرآن، قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) . أي: إلا قراءة، فوصفهم بأنهم أميون، ولكن لا يعني ذلك ألاّ نهتم بقراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن عبادة، وقارئ القرآن له في كل حرفٍ عشر حسنات، قارئ القرآن له في كل حرف عشر حسنات، فهذا أول ما ينبغي للمسلم أن يبتدئ به، وهو: فهم كتاب الله عز وجل. ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبدأ بالكتب المختصرة مثل: عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، فإنها أحاديث مختصرة من الصحيحين، وغالب ما يحتاج إليه الإنسان من الأحكام موجودٌ فيه، وكذلك الأربعون النووية للنووي رحمه الله، وتتمتها لابن رجب رحمه الله، ثم يرتقي إلى بلوغ المرام، ثم إلى المنتقى، وهكذا يبدأ شيئاً فشيئاً، أما في كتب العقيدة: فمن أحسن ما كتب وأجمعه وأنفعه العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها زبدة عقيدة أهل السنة والجماعة وأما في الفقه: فمن أحسن الكتب المؤلفة زاد المستقنع في اختصار المقنع، على المذهب الحنبلي.(23/2)
المستمع خ. ص. ع. من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته: ما هي الكتب النافعة التي ترشدونني في قراءتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنفع كتاب نرشدك إلى قراءته كتاب الله عز وجل، بأن تقرأه وتتدبره، وتطالع تفاسير أهل العلم الموثوقين، حتى يتبين لك القرآن معنى كما حفظته لفظاً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، يتعلمون القرآن والعلم والعمل جميعاً رضي الله عنهم.ثم بعد ذلك ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والكتب المصنفة من الأحاديث الصحيحة كثيرة، كصحيحي البخاري ومسلم وما نقل منهما، ثم ما كتبه أهل العلم الموثوق بهم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، فإن كتبهما نافعة جداً لطالب العلم، وكم انتفعنا وغيرنا بها انتفاعاً كثيراً، إذ إنها مبنية على الدليل الأثري والنظري، فتفيد الإنسان فائدة كبرى، وإذا كنت في بلد فشاور أهل العلم الموثوق بهم عما يرون من الكتب التي ينصحونك بقراءتها، لكن هذا ما نراه. والله أعلم.
***(23/2)
المستمع يستشيركم يا فضيلة الشيخ ويقول: ماهو أفضل كتاب للحفظ في علم الحديث، وأفضل شرح له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقصد السائل- فيما يظهر- كتاب الحديث في الأحكام، فمن أفضل الكتب العمدة، عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، فإنها عمدة لأنه انتقاها رحمه الله مما اتفق عليه البخاري ومسلم، ولها شروحٌ متعددة، من أنفعها لطالب العلم شرح ابن دقيق العيد، وأما للمبتدئين فلها شروحٌ متعددة من المعاصرين، معروفة بأيدي الطلبة.
يافضيلة الشيخ: في الفقه يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وفي الفقه أيضاً كتاب زاد المستقنع في اختصار المقنع، لموسى الحجاوي، وشرحه الروض المربع لمنصور البهوتي رحمه الله، فإنه كتابٌ مختصر مفيد، هذا لمن أراد التفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
يافضيلة الشيخ: وفي النحو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في النحو الأجرومية للمبتدئين، ثم الألفية لمن أخذ حظاً وافراً من النحو، ويا حبذا لو أن الطالب حفظ هذه المتون المختصرة، حتى ينتفع بها حبن يحتاج إليها في المستقبل.
***(23/2)
بارك الله فيكم المستمع عودة في سؤاله يقول: أرجو إفادتي بالكتب المفيدة بعد كتاب الله عز وجل، وهو في القائمة الأولى الواردة فيها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب الحديث التي ننصح فيها هي الكتب الصحيحة المعتمدة عند أهل العلم، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، أو الكتب التي تجمع الأحاديث الصحيحة وتبينها، مثل بلوغ المرام من أدلة الأحكام، وعمدة الأحكام، وهما كتابان نافعان للمؤمن؛ لأنهما مصنفان على الأبواب الفقهية، وكذلك من الكتب المفيدة رياض الصالحين، وهو مشهورٌ معروف عند الناس، فإن فيه أحاديث كثيرة تشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
***(23/2)
يقول: فضيلة الشيخ الكتب الدينية التي ترشدونني باقتنائها والاستفادة منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن ما رأيت من الكتب كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله، فإنه كتاب يعتبر كتاب فقه وسيرة وطب، ومن الكتب المفيدة أيضاً كتاب رياض الصالحين للنووي رحمه الله، ومن الكتب المفيدة تفسير القرآن لابن كثير، والمراد التفسير الكامل دون المختصر، والكتب في هذا كثيرة، يمكنك أن تسترشد أيضاً بمن عندك من أهل العلم ليدلوك على ما لم يحضرنا الآن.
***(23/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ بماذا توجهون المستمعين من كتب التفسير في قراءتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير في الواقع كثيرة ومتشعبة، والعلماء رحمهم الله كل يأخذ بجهة من جهات القرآن الكريم: فمنهم من يغلب عليه تفسير المعاني بقطع النظر عن الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك، ومنهم من يغلب عليه مسائل الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك، ومنهم من يغلب عليه استنباطات من الآيات العلمية والعملية، فهم يختلفون، لكن من خير ما يكون من التفاسير- فيما أعلم- تفسير ابن كثير رحمه الله، فإنه تفسير جيد سلفي، لكن يؤخذ عليه أنه يسوق بعض الإسرائيليات في بعض الأحيان ولا يتعقبها، وهذا قليل عنده. ومن التفاسير الجياد تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر بن سعدي رحمه الله، فإنه تفسير سلفي سهل المأخذ، ينتفع به حتى العامي. ومن التفاسير الجياد تفسير القرطبي رحمه الله، ومنها تفسير محمد الأمين الشنقيطي الجكني، لا سيما في آخر القرآن الذي أدركه. ومن التفاسير الجياد في البلاغة والعربية تفسير الزمخشري، لكن احذره في العقيدة فإنه ليس بشيء. ومن التفاسير الجياد تفسير ابن جرير الطبري لكنه لا ينتفع به إلا الراقي في العلم وهناك تفاسير أخرى لا نعرفها إلا بالنقل عنها، لكن الإنسان يجب عليه أنه إذا لم يفهم الآية من التفاسير أن يسأل عنها أهل العلم، حتى لا يفسر القرآن بغير مراد الله تعالى به.
***(23/2)
هذا السائل من الدمام يقول ما هي كتب التفسير التي تنصحونني بقراءتها، وخصوصاً لطلبة العلم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير الحقيقة تختلف مشاربها فتفسير ابن كثير من أحسن التفاسير، لكنه رحمه الله لا يعتني كثيراً باللغة العربية، يعني: بالبلاغة وأوجه الإعراب وما أشبه ذلك. وتفسير ابن جرير- وهو أصل تفسير ابن كثير- أيضاً مطول، وفي الآثار الواردة فيه ما هو غثٌّ وسمين، فيحتاج إلى طالب علم يكون له معرفة بالرجال والأسانيد. وهناك كتب تفسير جيدة،لكن منهجها في العقيدة غير سليم،كتفسير الزمخشري،فهو جيد من حيث البلاغة واللغة، لكنه ليس بسليم من حيث العقيدة، وفيه كلمات تمر بالإنسان لا يعرف مغزاها، لكنها إذا وقرت في قلبه فربما يتبين له مغزاها فيما بعد، ويكون قد استسلم لها فيضل، ولذلك أرى أن طالب العلم يأخذ تفسير ابن كثير ما دام في أول الطلب، أو تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، أو تفسير أبي بكر الجزائري، وهذا ما اطلعت عليه وقد يكون فيه تفاسير أخرى مثلها أو أحسن، منها لكن هذا ما اطلعت عليه، ثم إذا وفقه الله إلى علمٍ واسع وملكةٍ قوية يدرك بها ما لا يدركه في أيام الطلب فليراجع كل ما تيسر من التفاسير.
***(23/2)
حفظكم الله وسدد خطاكم، طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في التفسير ما هي أشهر كتب التفسير التي يقتنيها طالب العلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن يقتني تفسير ابن كثير رحمه الله، وتفسير شيخنا عبد الرحمن بن سعدي؛ لأنهما خير ما اطلعت عليه من كتب التفاسير، وهناك تفاسير أخرى لطالب العلم الراقي، كتفسير القرطبي وتفسير الشوكاني.
***(23/2)
ما رأيكم يا شيخ في تفسير البغوي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير البغوي جيد ولا بأس به، لكن أحث إخواني السامعين على مراجعة مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، تكلم عن التفاسير التي مرت به كلاماً جيدا، ً فلتراجع.
***(23/2)
بارك الله فيكم يقول: يا فضيلة الشيخ محمد ما هو أفضل كتاب للحفظ في علم العقيدة؟ وأفضل شرح له وعدة شروح أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن ما كتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها رسالةٌ مختصرة مفيدة جداً، فيها قواعد عظيمة من القواعد التي ينتفع بها الإنسان في كل مسألة من مسائل العقيدة،ومنها أيضاً شرح العقيدة الطحاوية، فإنه كتابٌ جيد مفيد ينتفع به طالب العلم، ومنها الصواعق المرسلة ومختصره لابن القيم رحمه الله.
***(23/2)
جزاكم الله خيراً السائلة أ, ع تقول أنا أقوم بدراسة الفقه، فما هي الكتب التي تنصحونني بدراستها والقراءة فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أحسن ما رأيت من الكتب في فقه الحنابلة الروض المربع شرح زاد المستقنع، ففيه خير كثير وفيه علم كثير، ولكني أنصح السائلة وغيرها ممن يطلب العلم بأن يكون طلبهم العلم على يد شيخ؛ لأن ذلك أسلم من الخطر وأقرب لحصول العلم، فإن الشيخ يقرب المعلومات إلى الطالب: بشرح المشكل، وبيان المجمل، والجمع بين الأدلة، فيقل الخطأ، وأما من اعتمد على نفسه في طلب العلم وعلى الكتب التي يقرؤها، فإنه يخطئ كثيراً، ولا ينال العلم الصحيح إلا بجهدٍ جهيد وعمل شاق، ولهذا يقال: من كان دليله كتابه غلب خطؤه صوابه، وهذه الجملة وإن لم تكن صحيحة على وجه الإطلاق لكنها في الغالب: أن من كان دليله كتابه غلب خطؤه صوابه.
***(23/2)
هذا السائل يقول: أريد أن يكون لي علم شرعي وأن أتفقه في الدين، وجهوني نحو أفضل الكتب المعينة في هذا المجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أحسن الكتب بل هو أحسن الكتب كتاب الله عز وجل، فإن فيه الهدى والنور والشفاء لما في الصدور، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما كتبه أهل العلم. ويختلف هذا باختلاف الناس:فالطالب الصغير المبتدئ تذكر له الأشياء المختصرة المفيدة، والطالب المتوسط يرتقي شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى الغاية والنهاية التي يمكن أن يصل إليها البشر ثم إني أشير على طالب العلم أن يختار له من العلماء الأمناء في دينهم وعلمهم واتجاههم ومنهجهم من يتتلمذ على يديه، فإن القراءة على المشايخ أقرب إلى الصواب، وأسرع في إدراك العلم؛ لأن الشيخ يقدم لطلابه شيئاً قد نضج وتم اختياره من قبل هذا الشيخ، وقد توفرت ولله الحمد وسائل الإعلام الآن من مسموعة ومقروءة، فالأشرطة متوفرة والكتب كذلك متوفرة كثيرة، نسأل الله التوفيق لما فيه الخير والصواب.
***(23/2)
يقول: أرشدوني إلى بعض أسماء الكتب القيمة في الفقه والعبادات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أحسن شيء في هذا ما ألفه العلماء من كتب الحديث، كبلوغ المرام ومنتقى الأخبار ونحوهما، ثم ما اشتمل على الفقه والحديث، مثل زاد المعاد لابن القيم، فإنه كتاب قيم: فيه التاريخ النبوي، وفيه الفوائد والحكم التي تتضمنها غزوات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو كتاب جيد لا ينبغي لطالب علم أن تفوته مطالعته.
***(23/2)
مارأيكم في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفقه على المذاهب الأربعة، الذي أُشير به على إخواني- إذا كانوا يحبون الاطلاع على أقوال العلماء، ولديهم قدرة على معرفة الراجح من المرجوح أن لا يراجعوا إلا الكتب التي تذكر الأقوال وأدلتها، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، مثل: المغني لابن قدامة، والمجموع شرح المهذب للنووي رحمه الله، وما أشبهها من الكتب التي إذا ذكرت أقوال العلماء ذكرت الأدلة وبينت الراجح، أما مجرد أقوال: هذا مذهب فلان، وهذا مذهب فلان، فهو قليل الفائدة بلا شك، يعني: أن الفائدة منه هي أن يطلع الإنسان على أقوال فقط، دون أن يعرف الراجح من المرجوح، فاشتغاله بما هو أحسن أولى وأحرى.
***(23/2)
يقول السائل: ما رأي فضيلتكم في مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أنها من خير ما كتب؛ لأنها من عالم فقيه ناصح، وإنني أحث أخي هذا السائل وغيره ممن يستمع، أحثه على اقتناء كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك تلميذه ابن القيم؛ لما فيها من الخير والبركة والعلم الغزير الذي لا تجده في غيرها، ولما فيها من قوة الاستنباط، استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، فهي كتب لم يخرج مثلها فيما أعلم، فعليك يا طالب العلم بها.
***(23/2)
يقول: ما رأيكم يا فضيلة الشيخ في تفسير مختصر ابن كثير، وفقه السنة، ورياض الصالحين، والكبائر، وقصص الأنبياء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولا: إن الرجوع إلى الأصول خير، لكن إذا دعت الحاجة إلى الرجوع إلى المختصرات- لضيق الوقت، أو لغير ذلك من الأسباب- فلا بأس، وإلا فإن الرجوع إلى الأمهات أفضل وأحسن. وأما ما عدده من الكتب: بعد ذلك فإنه من المعلوم أنه لا يكاد كتاب يسلم من شيء يطغى به القلم، أو يزل به الفهم، والإنسان غير معصوم، وما أحسن كلمة قالها عبد الرحمن بن رجب رحمه الله -أحد أحفاد شيخ الإسلام ابن تيمية في العلم، وهو تلميذ ابن القيم، وابن القيم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال في كتابه القواعد الفقهية يأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه. فإنها كلمة جيدة: المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، وغالب هذه الكتب التي ذكرها السائل لم أستوعبها قراءة أو مطالعة، فلا يمكنني أن أحكم على كل واحد منها بعينه ولكن من طالع هذه الكتب أو غيرها، وأشكل عليه مسألة من المسائل، فعليه أن يراجع أهل العلم في ذلك.
***(23/2)
ما رأي فضيلتكم حفظكم الله في كتاب الروح وحادي الأرواح لابن القيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنهما كتابان عظيمان مفيدان، فيهما عبر وفيهما أحكام فقهية، فهما من خير المؤلفات وابن القيم رحمه الله- كما هو معلومٌ للجميع- رجلٌ واسع الاطلاع، سهل العبارة سلسها، وأنا أنصح إخواني طلبة العلم بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الذي هو تلميذه وتربى على يده علماً وعملاً ودعوة، وقد أوصى بهما شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي؛ لأنه رحمه الله انتفع بكتب الشيخين انتفاعاً كبيراً، ونحن انتفعنا بها والحمد لله، فنشير على كل طالب علم أن يقرأها لينتفع بها.
***(23/2)
السائل أبو عبد الله يقول: ما رأيكم في كتاب الروح لابن القيم؟ وهل القصص التي ذكرها عن أهل القبور صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكتاب فيه مباحث قيمة وجيدة، ومن قرأها عرف أنها من كلام ابن القيم رحمه الله، وفيه هذه القصص التي ذكرها من المنامات عن بعض الأموات فالله أعلم بصحتها، لكن كأنه رحمه الله تهاون في نقلها لأنها ترقق القلب، وتوجب للإنسان أن يخاف من عذاب القبر، وأن يرغب في نعيم القبر، فالقصص حسنة والله أعلم بصحتها.
***(23/2)
يستفسر عن مجموعة من الكتب يقول: حادي الأرواح والروح لابن القيم ما رأيكم فيهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكتابان حادي الأرواح والروح لابن القيم رحمه الله فهما كتابان نافعان فيهما خير كثير، وإن كانا لا يخلوان من الشيء الذي يكون سبباً للتردد في صحته، لكنهما بلا شك مفيدان عظيمان.
***(23/2)
المستمع أيضاً يقول: ما رأيكم فضيلة الشيخ في هذه الكتب: كتاب الأذكار، وكتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وأيضاً كتاب رياض الصالحين، وكتاب خزينة الأسرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما كتاب الأذكار ورياض الصالحين فهما للنووي رحمه الله، ولا شك أن فيهما فائدةً عظيمة كبيرة، لكن لا يخلوان من بعض الأحاديث الضعيفة، ولا سيما كتاب الأذكار، إلا أن أهل العلم قد بينوا ذلك ولله الحمد، ولكنها أحاديث قليلة جداً، وأرى أن يقرأ بهما الإنسان لما فيهما من الفوائد الكثيرة، وأرى أن يسأل عن الأحاديث التي يستنكرها، يسأل عنها أهل العلم بالحديث. وأما الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي فهو لابن القيم أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله، وهو كتابٌ جيد فيه مواعظ عظيمة، لكن في آخره أشياء يظهر أن المؤلف رحمه الله كتبها لأن هذا الكتاب كان لشخصٍ معين ابتلي ببلية، فرأى المؤلف رحمه الله أن من المناسب ما ذكره في آخر الكتاب. وأما كتاب خزينة الأسرار فلا أدري عنه، ولم أطلع عليه.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع زاهر محمد سعيد من جدة يقول في سؤاله: أنا والحمد لله يوجد عندي كتب شرعية كثيرة، من ضمنها كتاب رياض الصالحين، وفقه السنة ذو المجلدات الثلاثة للسيد سابق، وحيث إن عندي وقت فراغ كبيراً أريد أن أقضيه في شيء يفيدني، فأردت أن أتفقه في الدين، وأنا محتار في أي الكتابين أبدأ؟ هل أبدأ بكتاب رياض الصالحين أم بكتاب فقه السنة؟ نرجو إفادة بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن تبدأ بكتاب رياض الصالحين؛ لأن فيه آداباً عظيمة قل أن توجد في غيره، وهو أيضاً في نفس الوقت مشتمل على فقه كثير من العبادات والمعاملات، فابدأ به أولاً، ثم بعد هذا تبدأ فيما تراه من الكتب النافعة المفيدة، ومن الكتب المفيدة زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية رحمه الله، فإنه كتاب جامع بين السيرة النبوية والفقه، ومن المعلوم لنا جميعاً أن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أمر مهم مطلوب؛ لأن به يُعرف كثيرٌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يزداد الإيمان والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصيحتي لك وللمستمع أنت تقرأ بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يجب الحذر من المقولات الضعيفة التي ألصقت بالسيرة وليست منها، ومن خير ما هو مؤلف في السيرة وفيه تمحيص جيد كتاب البداية والنهاية لابن كثير، فإنه جيد ومفيد.
***(23/2)
المستمع علي أحمد الزهراني بلاد زهران له سؤال، يستشيركم فضيلة الشيخ في رياض الصالحين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال أود أن أذكر إخوتي المستمعين ومنهم السائل أن أهم ما ينبغي الاعتناء، به بل يجب الاعتناء به، كتاب الله عز وجل، حيث كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فالاعتناء بكتاب الله عز وجل أمرٌ واجب، وتدبر معناه هو الحكمة من إنزاله، والتذكر به حكمةٌ أخرى تتفرع عن تدبره قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . كثيرٌ من الناس يعتني بالكتب الحديثية وبالسنة، ولا شك أن هذا خير، ولكن تجده مهملاً القرآن الكريم، لا يعرف معناه ولا يتدبره، ولا يطلع على ما كتبه أهل العلم في تفسيره، وهذا نقص، فالذي ينبغي للإنسان في ترتيب تعلمه أن يبدأ قبل كل شيء بفهم كتاب الله عز وجل، ثم يثني بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كتبه أهل العلم فيها من المؤلفات. وبعد هذا نرجع إلى الجواب على السائل فنقول: إن هذا الكتاب الذي أشار إليه- وهو: رياض الصالحين- كتابٌ قيمٌ نافع، به آياتٌ يصدر بها المؤلف رحمه الله الأبواب في كثيرٍ من أبواب الكتاب، وفيه أحاديث صحيحة وحسنة، ويندر فيه جداً أن توجد أحاديث ضعيفة، لكن الكتاب مفيدٌ لطالب العلم ومفيدٌ للعامة.
***(23/2)
ما أفضل الكتب المؤلفة في السيرة النبوية يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السيرة النبوية ألفت فيها كتبٌ كثيرة، لكن بعضها ليس له سند، ولكنها اشتهرت بين الناس ثم كتبت في الكتب، ومن أحسن ما رأيت- وأنا لم أرَ شيئاً كثيراً من كتب التاريخ والسيرة- (البداية والنهاية) لابن كثير رحمه الله، وإذا أشكل عليك شيء منها، يعني: إذا قرأت وأشكل عليك شيء فابحث عنه بحثاً خاصاً، مثل أن تروى قصة واقعة منسوبة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لغيره من الصحابة، فابحث عنها وعن سندها حتى يتبين لك، المهم أن من خير ما قرأت وأفيده في هذا الموضوع كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله.
***(23/2)
هذه المستمعة من الرياض تقول: فضيلة الشيخ الكتب التي تنصحوننا بقراءتها في مجال الزهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء أحسن من كتاب الله عز وجل في باب الزهد، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والزهد له مفهومان: مفهوم شرعي، ومفهوم عرفي. فالمفهوم الشرعي: أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وليس المراد به أن يترك الإنسان الدنيا كلها ويتقشف، ويكون في بيته لا يعرف ولا يُعرف، بل أن يترك ما لا ينفعه في الآخرة، ولو عمل أعمالاً دنيوية، ولو خالط الناس، ولو ماشاهم. وأما الزهد العرفي: فهو التقشف، وكون الإنسان لا يتمتع بما أحل الله له وإن كان نافعاً له في الآخرة، وكونه يقتصد على نفسه وينزوي في بيته، وهذا الزهد ليس مشروعا، ً ولا يؤجر الإنسان عليه؛ لأنه قد يضيع فيه واجبات كثيرة، وقد يحرم نفسه من مباحات كثيرة لغير سبب، والإنسان الذي يحرم نفسه من المباحات التي أباحها الله بلا سبب شرعي يعد مذموماً لا ممدوحاً. لهذا ينبغي أن نقول لهذه السائلة ولغيرها: يجب أن نعرف معنى الزهد أولاً حتى نبحث عن الكتب التي تعين على الزهد أو التي تبين الزهد، فالزهد قاعدته -كما أشرت إليه -ترك ما لا ينفع في الآخرة، فممارسة شيء من أمور الدنيا هو نافع في الآخرة لا يخرج به الإنسان عن الزهد، والانطواء على النفس وعدم الاختلاط مع الناس وكون الإنسان يتقشف ويمتنع مما أحل الله له، ليس هذا بالزهد المحمود، بل هو من الزهد المذموم.
***(23/2)
بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها: عندنا الكثير من كتب التصوف، فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في التصوف -كغيره مما ابتدع في الإسلام- ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) .فالتصوف المخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة وضلالة يجب على المسلم أن يبتعد عنها، وأن يأخذ طريق سيره إلى الله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها، إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة، وهي: معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها، ومن المعلوم أن النظر في كتب الصوفية وغيرها من البدع من أجل أن يعرف الإنسان ما عندهم حتى يرد عليهم، من المعلوم أن هذا أمر مرغوب فيه إذا أمن الإنسان على نفسه من أن ينحرف من هذه الكتب.
***(23/2)
السائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئاً لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو أن يتلو الإنسان قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي. ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر ورداً آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مائة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء، بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيراً في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور، فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست بصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها، بل ولا أن يفعلها تعبدا؛ ً لله لأنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) . والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيراً من الكتب، ولا سيما كتب الأذكار والأوراد الذي أنصحها به أن تتحرز كثيراً؛ لأنه كتب في الأذكار البدعية والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيراً في المسلمين، ورواجها قد يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع، وفي الكتب الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، في الكتب الصحيحة ما يغني عن ذلك، فالرجوع إليها هو الواجب، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية، فطرحها والتحذير منها هو الواجب على المسلمين، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات. والله أسأل أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، إنه جواد كريم.
***(23/2)
ما رأيكم في كتب يوم القيامة وأهوالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يغلب على ظني أن مثل هذه الكتب المتعلقة بالفتن وأهوال القيامة فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها قد تكون موضوعة، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يكون منها على حذر، وأن لا يعتمد عليها إلا بعد مراجعة أهل العلم، وإذا قدر أنه ليس عنده أحدٌ من أهل العلم يسأله فإن الحق له منارٌ بيّن، فإذا مر به شيئ من الأحاديث يستنكره أو تشمئز منه نفسه فليتوقف فيه، وليسأل عنه بخصوصه، وهو غير ملزم بأن يؤمن بما لا يتيقن أنه مما يجب الإيمان به، فليتوقف حتى يسأل أهل العلم عن ذلك.
***(23/2)
السؤال يقول: وجدنا كتباً مؤلفة في الطب للشيخ جلال الدين السيوطي، فهل كان عالماً بالطب إلى جانب التفسير حسب ما تعلمون؟ أم أنه اسم على اسم؟ أو هي منسوبة إليه فقط؟ فإن كنتم قد اطلعتم على شيئ منها فما رأيكم فيما اشتملت عليه، وخاصة تلك الرموز والطلاسم التي لا تعرف؟ والأحرف الأبجدية العربية والأرقام، وهذه دواء للجنون وبعض الأمراض الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أعرف عن السيوطي أنه عالم بالطب، وإن كنت قد قرأت له قديماً كتاباً يشتمل على عدة علوم منها بحوث في الطب. أما ما ذكره السائل من هذا الكتاب الذي فيه الطلاسم باللغة العبرية والعربية وغيرها، والحروف وما أشبهها: فهذا لا أعرف عنه شيئاً، ولكن يجب أن يعلم أنه لا يجوز الاستشفاء بأمر لا يعرف معناه، فهذه الحروف التي لا يدرى ما هي، وهي عبارة عن طلاسم معقدات وأشياء لا تعلم، لا يجوز لأحد أن يتداوى بها ولا يستشفي بها، وإنما يستشفى بالكتابة المعروفة التي لا تنافي ما جاءت به الشريعة.
***(23/2)
هذه أختكم في الله خ م س من الخرج تقول في سؤالها: لقد داومت على قراءة درة الناصحين في الوعظ والإرشاد وتأثرت به، ولكنني أحس أن فيها أشياء مكذوبة وتأكدت من ذلك، فما رأيكم في هذا الكتاب يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا الكتاب وفي غيره من كتب الوعظ أن يقرأها الإنسان بتحفظ شديد؛ لأن كثيراً من المؤلفين في الوعظ يأتون بأحاديث لا زمام لها ولا قيود لها ولا أصل لها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي أحاديث موضوعة أحياناً، وضعيفة جداً أحياناً، يأتون بها من أجل ترقيق القلوب وتخويفها، وهذا خطأ عظيم، فإن فيما صح من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث الوعظ كفاية، والقرآن العظيم أعظم ما توعظ به القلوب، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فلا واعظ أعظم من القرآن الكريم ومما صح من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا عرف الإنسان حال هذه الكتب المؤلفة في الوعظ، وأن فيها أحاديث موضوعة أو ضعيفة جداً، فليحترز من هذه الأحاديث، ولا حرج عليه أن ينتفع بها وبما فيها من كلمات الوعظ التي يكتبها الكاتبون، ولكن بالنسبة للأحاديث ليكن منها على حذر، وليسأل عنها أهل العلم، وإذا بين له حال الحديث فليكتب على هامش الكتاب: هذا الحديث ضعيف أو موضوع أو ما أشبه ذلك؛ لينتفع به من يطالع الكتاب بعده.(23/2)
بارك الله فيكم نستشيركم فضيلة الشيخ محمد بالكتب التالية: مروج الذهب للمسعودي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مروج الذهب للمسعودي كغيره من كتب التاريخ يكون فيه الضعيف والصحيح، ويحتاج إلى أن يحترز الإنسان منه فيما إذا ورد على سمعه أو على بصره ما يستنكر، فإنه يجب عليه أن يتوقف فيه ويبحث عنه ويحققه.
فضيلة الشيخ: المأثورات والدعاء المستجاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتاب الدعاء المستجاب فيه أشياء بدعية لا صحة لها، فلا أشير أن يقرأه إلا شخص طالب علم يعرف ما فيه من البدع حتى يتجنبها، وفيه أشياء مفيدة.
فضيلة الشيخ: العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كتاب جيد ينبغي للإنسان قراءته.
***(23/2)
ما رأي فضيلتكم في كتاب الروض الفائق وتنبيه الغافلين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الروض الفائق لا أعرفه، وأما تنبيه الغافلين فهو كتاب وعظ، وغالب كتب المواعظ يكون فيها الضعيف وربما الموضوع، ويكون فيها حكايات غير صحيحة يريد المؤلفون بها أن يرققوا القلوب وأن يبكوا العيون، ولكن هذا ليس بطريقٍ سديد؛ لأن فيما جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المواعظ كفاية، ولا ينبغي أن يوعظ الناس بأشياء غير صحيحة، سواء نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسبت إلى قومٍ صالحين، قد يكونون أخطؤوا فيما ذهبوا إليه من الأقوال أو الأعمال، والكتاب فيه أشياء لا بأس، بها ومع ذلك فإني لا أنصح أن يقرأه إلا شخص عنده علم وفهم وتمييز بين الصحيح والضعيف والموقوف.(23/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا مستمع للبرنامج بعث برسالةٍ يسأل عن كتاب تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين، تأليف الفقيه الزاهد الشيخ نصرالدين محمد بن إبراهيم السمرقندي، يقول: أسأل عن هذا الكتاب والأحاديث التي وردت فيه هل هي صحيحة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الكتاب كغيره من كتب الوعظ فيها أحاديث صحيحة، وفيها أحاديث حسنة، وفيها أحاديث ضعيفة، وفيها أحاديث موضوعة، ولهذا لا ينبغي قراءته إلا لطالب علم يميز بين مايُقبل من الأحاديث التي فيه وما لا يقبل؛ ليكون على بصيرة من أمره، ولئلا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو ما لا تصح نسبته إليه، فإن (من حدث عن رسول الله بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (من كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . فنصيحتي لمن ليس عنده علم بالأحاديث ألا يقرأ في هذا الكتاب، ومن عنده علم يميز بين الصحيح المقبول وغير المقبول ورأى في قراءته مصلحة فليفعل، وإن رأى أنه يصّده عن قراءة ما هو أنفع له فلا يُذهِب وقته بقراءته.
***(23/2)
بارك الله فيكم المستمع عطية من المدينة المنورة يقول: قرأت كتاباً عن عقوبة أهل الكبائر لمؤلفه أبي الليث السمرقندي، من ضمن ما قرأته الأربع الصفحات الأخيرة من الكتاب، وهو موضوع مواصفات الجنة وأهوال يوم القيامة، مما جعلني أبكي من شدة ما سمعت، ولا أستطيع شرح ما قرأته لأنه طويل، ولكن ربما مر عليكم هذا الكتاب يا فضيلة الشيخ وقرأتموه، فما رأيكم في هذا الكتاب؟ وهل ما ورد فيه صحيح؟ أفيدونا أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب فيه الكثير من الأشياء التي لا تصح، ولهذا لا أنصح إخواني بقراءته، إلا رجلاً كان عنده علم شرعي يميز الصحيح من الضعيف والسقيم من السليم فلا بأس، وفي هذه الحال يحسن إذا قرأه أن يعلق على الضعيف منه وعلى السقيم، ويبين ضعفه وسَقمه، حتى لا يغتر الناس به، وهكذا نقول في أي كتاب يكون فيه الصحيح والضعيف: لا ننصح أحداً بقراءته، إلا رجلاً كان عنده علم سابق علم شرعي، فلا حرج أن يقرأه، ولكن ينبغي أن يعلق على الضعيف والسقيم حتى لا يغتر الناس به. ولست بقولي هذا أتحجر على الناس أن لا يقرؤوا الكتب، ولكني أقول لإخواني المسلمين: إن في الكتب المعتمدة الصحيحة ما فيه الكفاية والاستغناء عن هذه الكتب التي تشتمل على هذه الأشياء الضعيفة، وليعلم أن كثيراً من كتب الوعظ تشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة، وذلك استناداً إلى قولٍ ذهب إليه بعض أهل العلم، وهو: التساهل في الأحاديث الضعيفة في باب الفضائل أو الزواجر؛ نظراً إلى أنها إذا كانت في الفضائل تزيد الإنسان رغبة في الخير، وإذا كانت في أداء واجب تزيده رهبة من الشر. ومع ذلك فإن هؤلاء الذين يرخصون بالأحاديث الضعيفة من أهل العلم يشترطون لها شروطاًَ، وهي: ألا يكون الضعف شديداً، وألا يعتقد الإنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها،وأن يكون لها أصل ثابت في الشرع. مثال ذلك لو ورد حديث فيه التخويف من الزنى وهو حديث ضعيف، فعند هؤلاء العلماء لا بأس من ذكره، بشرط ألا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وذلك لأن الزنى ثبت تحريمه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة،فذكر هذا الوعيد فيه يزيد الإنسان نفوراً، منه والنفور من الزنى أمر مطلوب في الشرع، ثم إن ثبت هذا العقاب للزاني فإنه يكون قد فعل هذه الفاحشة على بصيرة، وإن لم يثبت فإنه لم يزدد إلا نفوراً من هذا الفعل المحرم وذلك لا يضره. كذلك لو جاء حديث ضعيف يرغب في صلاة الجماعة، فإن أجر صلاة الجماعة ثابت بالسنة الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والأمر بصلاة الجماعة ثابت في كتاب. الله والله الموفق.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذا عايش أحمد محسن من اليمن الشمالي يستشيركم في بدائع الزهور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الكتاب رأيت فيه أشياء كثيرة غير صحيحة، ولا أرى أن يقتنيه الإنسان، ولا أن يجعله بين أيدي أهله؛ لما فيه من الأشياء المنكرة.
***(23/2)
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا السائل من العراق حمادة عيسى محافظة نينوى يسأل عن كتاب عنوانه بدائع الزهور، يقول: هل ما جاء في هذا الكتاب صحيح أم فيه شيء من المبالغة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور، هذا الكتاب فيه شيء من المبالغات الكثيرة والكذب، وعلى الإنسان أن يتجنبه وأن يبعده عن بيته، حتى لا يغتر أولاده بما يقرؤونه فيه. وإني أنصح هذا السائل وغيره من إخواني المسلمين أن يتحروا فيما يراجعونه من الكتب الأخبارية، بل أن يتحروا فيما يقرؤونه من الكتب الأخبارية والأحكامية، وأن لا يأخذوا بكل ما يرونه، وليشاوروا أهل العلم في هذه الكتب حتى لا ينخدعوا بما فيها من باطل وضعيف؛ لأن الأمر خطير جداً، لو أن كل إنسان وجد كتاباً أخبارياً أو حكمياً أخذ بما فيه من غير أن يميّز بين الضعيف والقوي والحق والباطل لضل في ذلك ضلالاً بعيداً، وما دام العلماء والحمد لله موجودين فإنه من المتيسر أن يتصل بهم ويسألهم عن الكتاب قبل أن يقرأه.
***(23/2)
السائلة حنان ع. ع. من الدوحة قطر تقول: لقد تعود الناس عندنا إذا توفي أحد أفراد العائلة يجتمع الناس للعزاء في الثلاثة الأيام الأولى، ويقرؤون في هذه الفترة القرآن الكريم، ويكملون ما يستطيعون من ختمات للقرآن، يتجمعون بعدها ويقرأ أحد الشيوخ أو إحدى النسوة دعاء ختم القرآن، يأخذونه من كتاب اسمه دعاء ختم القرآن من تأليف أحمد بن محمد البراك، ويقول هذا المؤلف: إنه كتب هذا الكتاب في الهند وداعاً لشهر رمضان؛ لينتفع به المسلمون، وفيه دعاء أول السنة وآخرها، ودعاء ليلة النصف من شعبان، واستوقفتني هذه الجملة؛ لعلمي بضعف الأحاديث الواردة في تخصيص ليلة النصف من شعبان، ثم يذكر في الكتاب كجزء من الدعاء سورة الفاتحة وآيات من سورة البقرة وآل عمران وسور أخرى، ومن الكلام الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: أسلم. قال: من شهد يا محمد أن ما تقول صدق؟ فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة من شاطئ الوادي الأيمن، فجاءت إليه وهي تشق الأرض شقاً، فاستشهدها رسول الله وقال لها: يا شجرة من أنا؟ قالت: أنت رسول الله حقاً. فغادرت إلى مكانها معلنة له بالرسالة نطقاً. وقول آخر عن رسول الله أنه أجار البعير، وضمن الغزالة، وكلّمه الضب، وخاطبه الثعبان، واخضرّ العود اليابس في كفه.ويكرر هذا الدعاء بعدد الختمات التي تمت للقرآن، فيسألون الله فيه أن يكون ثوابه صدقة للميت، فهل تجوز القراءة للميت؟ وما مدى صحة ما ورد في هذا الكتاب؟ أفيدونا بما تعلمون حول هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي أشارت إليه السائلة لم يكن عندي منه شيء ولا أعلم به. ولكن ما ذكر من اجتماع أهل الميت للعزاء ثلاثة أيام، وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الميت، فإن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كره أهل العلم أن يجتمع الناس للعزاء في بيوتهم أو في مكان خاص، والغالب أنه إذا حصل مثل هذا الاجتماع- ولا سيما اجتماع النساء، الغالب أنه- لابد أن يكون مصحوباً بنياحة أو ندب،وكلاهما محرم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة) . وعلى هذا فالواجب على المسلمين التخلي عن هذه البدع، وأن ينظروا إلى طريقة من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويتمشوا على طريقتهم، ولاشك أن الصحابة رضي الله عنهم قد أصيبوا بالأموات كغيرهم من الناس، ولم يكن يحدث منهم ذلك،وغاية ما ورد في هذا أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم) . وأما إهداء القرآن إلى الميت، أو قراءة القرآن للميت: فإن أهل العلم اختلفوا هل يصل ثوابها إليه أم لا؟ والصحيح أنه يصل ثوابها إليه، ولكن استئجار من يقرأ القرآن له هذا هو الذي يكون حراماً؛ لأن قراءة القرآن قربة، والقربة لا يصح أخذ الأجرة عليها، فلو استأجروا شخصاً يقرأ القرآن للميت فإن عقد الإجارة محرم، والقارئ لا يملك الأجرة بذلك، وليس له ثواب من قراءته؛ لأنه أراد بها غير وجه الله، والميت لا ينتفع بها حينئذٍ؛ لأنها ليست مقبولة يترتب عليها الأجر والثواب، وحينئذٍ يكون أهل الميت الذين بذلوا هذه الدراهم خاسرين، وقد فات الميت ما يرجونه من الثواب. وأما ما ذكره من الآيات التي أشار إليها، الآيات التي تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، وأعظمها هذا القرآن العظيم الذي لا يزال معجزة حتى يأتي أمر الله عز وجل، وقد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الكونية الأرضية والأفقية شيء كثير، من أراد أن يراجعه فليرجع إلى ما ذكره أهل العلم في ذلك، مثل البداية والنهاية لابن كثير، ومثل ما ختم شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الجواب الصحيح به، فإن فيه مقنعاً وكفاية.
***(23/2)
بارك الله فيكم المستمع سعد الدوسري من وادي الدواسر يقول: عندي كتب فقه وتفسير كثيرة، وبعضها أو أكثرها لم أقم بقراءته، فهل أنا آثمٌ إذا لم أستفد منها؟ وماذا أعمل بها؟ علماً أن عندي العزم إن شاء الله إذا فرغت سأقوم بالقراءة، وأيضاً أنا أعيرها لغيري عند طلب أحدٍ من الناس لذلك، هل صحيح أن زكاة الكتب الإعارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب على هذا: إنه لا بأس أن يقتني الإنسان الكتب التي يرجو بها النفع حاضراً أو مستقبلاً؛ لأن الكتب إن أردت أن تكون مالاً فهي مال، وإن أردت أن تكون علماً وتثقيفاً فهي علم وتثقيف، وإن أردت أن تكون غنيمةً لورثتك من بعدك لمن شاء الله هدايتهم إلى قراءتها فهي كذلك، وهي- أي: الكتب- من خير ما يقتنيه الإنسان في حياته، سواءٌ كان ينتفع بها مباشرة وفي الوقت الحاضر، أو لا ينتفع بها مباشرة، لا ينتفع بها إلا في المستقبل، فليس عليه في ذلك حرج إطلاقا. ً وكون هذا الرجل يعير ما عنده من الكتب لمن طلب الإعارة لينتفع بها هو خيرٌ له، أي: إن ذلك خير وإحسانٌ إلى عباد الله، وقد قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) . ويرجى أن يناله من الأجر بقدر ما ينتفع بها هذا المستعير من العمل الصالح الذي يستنير بها فيه. وأما قول السائل: هل صحيحٌ أن زكاة الكتب عاريتها؟ فنقول: الكتب المقتناة للانتفاع ليس فيها زكاة، لا نقود ولا إعارة؛ لأن كل شيئٍ يقتنيه الإنسان لنفسه من غير الذهب والفضة ليس فيه زكاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) . ولكن لا شك أن إعارة الكتب من أفضل الإعارات؛ لما فيها من النفع للمستعير، وللمعير أيضاً.
***(23/2)
المستمعة من ليبيا تقول: إذا سأل سائل عن أمر في أمور الشرع فهل أجيبه بما أعرف مما قرأته من الكتب الشرعية أو ما سمعته من الأشرطة الدينية أو ما سمعته من هذا البرنامج، أو أقول له: لا أعلم أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب إذا سألك أحدهم عن مسألة وأنت تعلمين حكمها من الكتب الموثوق بمؤلفيها، أو الأشرطة الموثوق بقارئها، أو من هذا البرنامج نور على الدرب أن تخبريه بالحكم الشرعي لأنك لما علمت هذا الحكم عن الطريق التي أشرنا إليها كان واجباً عليك أن تخبريه بالحكم الشرعي إذا سألك، وإلا كنت داخلة في الذين يكتمون العلم، ولكن يحسن أن تقولي: قال فلان في نور على الدرب كذا، قال فلان في الشريط الفلاني كذا، قال فلان في الكتاب الفلاني كذا، حتى تخرجي من العهدة.
***(23/2)
المستمعة أختكم في الله من المملكة تقول: هل يجب على من يحفظ حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبلغه الناس وإن لم يسألوه عن الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) . فإذا احتاج الناس إلى بيان الحديث وتبليغه وجب على من علم به أن يبلغه، لكن بشرط أن يعلم أن هذا الحديث حجة؛لكونه صحيحاً أو حسناً، وأما الأحاديث الضعيفة فإنه يجب على الإنسان أن يبينها للناس حتى لا يغتروا بها. كذلك إذا سئل الإنسان عن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يبلغه، فيجب تبليغ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالين: إذا اقتضت الحال ذلك، والثاني إذا سئلت عنه. أما إذا لم تسأل عنه، ولم تقتض الحال ذلك، فإن تبليغه سنة وليس بواجب.ولكن ليحذر الإنسان أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يعلم أنه صحيح أو حسن يحتج به،فإن كثيراً من الإخوة ولاسيما الوعاظ يأتون بأحاديث لا زمام لها، أحاديث ضعيفة بل قد تكون أحاديث موضوعة، يعتقدون أن في ذلك نفعاً للناس وزجراً عن معصية الله عز وجل، ولكن هذا وإن كان قد يجدي بالنسبة لموعظة الناس وتخويفهم من المخالفات وترغيبهم في الموافقات، لكن فيه ضرراً عظيما، ً وهو: التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث كذب أو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . فليحذر الإخوة من أن ينسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم تثبت نسبته إليه.
***(23/2)
بارك الله فيكم من أم البراء من الرياض تقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ لأنها طالبة للعلم الشرعي ترجو من فضيلتكم النصح في هذا السؤال، تقول: رغم إحساسي أني لم أبلغ العلم الكافي في التبليغ في الدعوة إلى الله وذلك لحيائي، فهل يكفي تبليغ القليل منه؟ أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من آتاه الله علماً أن ينشره بين الناس كلما ما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن العلم أمانة يجب على المرء أن يؤديها إلى أهلها المستحقين لها، مثل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بلغوا عني ولو آية) . والواجبات التي تجب على العبد تكون بحسب الاستطاعة، فعلى هذه السائلة أن تبلغ من شريعة الله ما علمته بحسب استطاعتها لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لتبدأ بالأقرب فالأقرب؛ لقول الله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) . ولأن الأقرب أحق بالبر من الأبعد، فلتبدأ به، ولتكن حكيمة في أداء العلم: في الأسلوب،وفي الحال، وفي الوقت، وفي المكان، فإن ذلك مما يكون به الخير، قال الله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ) .
***(23/2)
أحسن الله إليكم هذه سائلة للبرنامج أرسلت بهذا السؤال تقول: فضيلة الشيخ أثابك الله تذكر بأنها مدرسة، وتريد أن تترك التدريس لتتفرغ لعبادة الله عز وجل، تقول: فهل في عملي هذا خطأ؟ وإذا لم يكن خطأ فما الحكم جزاكم الله خيراً إذا لم يوافق والدي على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن تبقى في التدريس؛لأن التدريس نشر للعلم، وعبادة متعدية ونفعها يتعدى إلى الغير، بخلاف العبادة الخاصة، اللهم إلا أن يكون لها أولاد وزوج، وهي مشغولة بهم وإذا ذهبت إلى التدريس أضاعت حق الله فيهم، أو اضطرت زوجها إلى أن يأتي بخادم، فهنا نقول: بقاؤها في بيتها أفضل.
***(23/2)
هذا المستمع أبو محمد من العين الإمارات يقول: إذا كان الشخص لديه علم شرعي وهو متخرج من إحدى الكليات الشرعية، ويقوم بالتدريس للصف الثانوي، ويطلب منه مثلاً من جماعة المسجد أو طلبة العلم أن يلقي كلمة أو محاضرة في المسجد أو في مناسبة، لكنه يمتنع ويصر على عدم المشاركة في أي درس في المسجد أو في قاعة أو في غيرها، هل يؤاخذ على ذلك؟ ويعتذر ويقول: يكفي أنني أدرس المواد الشرعية في الثانوية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان إذا أعطاه الله علماً أن يحرص على بث العلم الذي أعطاه الله بكل وسيلة، لا سيما إذا كان علماً شرعياً يهدي الله به على يديه من شاء من عباده، ومن المعلوم أن الإنسان إذا سئل عن علم وجبت عليه الإجابة ما لم يخش ضرراً على نفسه؛ لأن الله تعالى قال: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . فالواجب على هذا الأخ الإمام إذا سئل عن علم أن يبينه، والأفضل إذا طلب منه أن يعطي درساً بالمسجد أن يستجيب لذلك، لما فيه من الخير والمصلحة له ولأهل القرية.
***(23/2)
جزاكم الله خيراً شيخ محمد تكثر الأسئلة المتعلقة بالعقيدة، فما الواجب على طلبة العلم والعلماء في تصحيح المفاهيم في دعاء الأموات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على أهل العلم من شيوخ وطلاب أن يبينوا للناس أن هذا منكر وشرك، وأنه لا فائدة من هؤلاء الذين يدعونهم، وأن الضرر والنفع كله بيد الله عز وجل، وأن لا يخضعوا -أعني: العلماء وطلبة العلم- للواقع، بل الواجب أن يقوموا لله مثنى وفرادى، وأن يعلموا أن ذلك لا يزيدهم هواناً وذلاً، بل لا يزيدهم إلا قوة وعزة. وكثير من الناس- هدانا الله وإياهم- يقولون: هؤلاء مضوا على ذلك ومضى عليه آباؤهم ولا يمكن التغيير، وهذا تصور خاطئ، فإن هذا الذي حصل كالذي حصل من الأمم السابقة الذين أتتهم الرسل، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، فالواجب على إخواننا العلماء وطلبة العلم أن يتقوا الله تعالى، وأن يقوموا بنشر دينه وتوحيده، ثم إن اهتدى الخلق فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فقد أدوا ما عليهم، وأبرؤوا ذممهم والهداية بيد الله عز وجل، كما قال تعالى لرسوله محمدِ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . وقال له: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) .
***(23/2)
فضيلة الشيخ السائلة أم عبد الرحمن تقول هل يجوز للعالم الدارس للعقيدة أن يفتي في الفقه والعكس صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لأحد أن يفتي بشيء لا يعلمه، سواء كان عالماً في شيء آخر أو لا؛ لقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ولقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) . وإذا كان له اختصاص في العقيدة لكن عنده علم من الفقه فأفتى في الفقه بما يعلم فلا بأس، وكذلك العكس لو كان عنده اختصاص في علم الفقه وأفتى في العقيدة بما يعلم فلا بأس، فالممنوع هو أن يفتي الإنسان بغير علم، سواء كان في ضمن تخصصه أو في أمر خارج عن تخصصه.
***(23/2)
المستمع محمد أمن القصيم يقول: هل صحيح أن للعلم زكاة؟ وهي بذله للناس وتعليمه إياهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على العالم أن يبين علمه للناس إذا احتاجوا إليه، سواء بالإجابة على أسئلتهم، أو ببيان العلم إذا احتاج الناس إليه وإن لم يسألوا؛ لقول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . وهذا الواجب يسميه بعض العامة زكاة، فزكاة العلم التعليم، وزكاة المال الصدقة، وزكاة الجاه الشفاعة، وما أشبه ذلك من العبارة التي يقولها العامة، ولكن نحن نقول: سواء سميتموه زكاة أم لم تسموه يجب على أهل العلم أن يبينوا العلم للناس؛ لئلا يكونوا من الذين أوتوا العلم فكتموه نسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب الواسع الذي يغنينا به عن خلقه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***(23/2)
فضيلة الشيخ تدريس العقيدة أمرٌ مهم، فماذا يجب على طلاب العلم والدعاة إلى الله حيال ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن الناس عندهم جهل كثير في العقيدة وغير العقيدة، لكن الحمد لله بشرى فالناس عندهم إقبال الآن على العلم، وبعضهم عنده إقبالٌ زائد يغالي حتى في العقيدة، يتكلم في أشياء ما تكلم فيها السلف يريد إثباتها، لكن على طلبة العلم أن يكلموا الناس بحسب الحال: فمثلاً إذا رأينا أهل قريةٍ انحرفوا في العقيدة نركز على العقيدة ونبحث فيها بحثاً قوياً، وإذا رأينا آخرين فرطوا في صلاة الجماعة تكلمنا في الجماعة، بأن تكون الدعوة والإلحاح فيها على حسب ما تقتضيه الحال، قال الله عز وجل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . فمثلاً إذا رأينا أناساً يقيمون الصلاة كما ينبغي وعندهم تفريطٌ في الزكاة، فهل نركز على الصلاة لأنها أهم من الزكاة؟ أو نركز على الزكاة لأنهم مفرطون فيها؟ الجواب: الثاني، ما نذهب نتكلم في الصلاة وهم قد أقاموها كما ينبغي، فلكل حالٍ مقال، والحكيم يفعل ما يرى الناس في ضرورةٍ إليه، سواءٌ في العقيدة أو في أعمال الجوارح.
***(23/2)
أحسن الله إليكم شيخ محمد قد يتساءل بعض العامة عن عبارة: وهذا معلوم بالضرورة من الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعبير العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين، يعني: أن الدين الإسلامي جاء به ضرورة لابد أن يأتي به، فمثلاً وجوب الصلوات الخمس معلوم بالضرورة من الدين، تحريم الخمر بعد أن حرمت كذلك، فالشيء الذي لا يمكن لأحد من المسلمين جهله هو المعلوم بالضرورة من الدين.
***(23/2)
بارك الله فيكم م ع ص له هذا السؤال يقول: المعلم الذي يعطي الطلاب جوائز ومكافآت تشجيعية هل يؤجر على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أعطى المعلم أو المدرس تلاميذه جوائز تشجيعية حتى يرغبهم في الدرس وينشطهم عليه ويتسابقوا عليه فإنه يؤجر على هذا، وهو من الإنفاق على العلم الذي فيه الفضل لمن فعله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الغزو: (من قتل قتيلاً فله سلبه) . وهذا لا شك طريق من طرق التشجيع، فإذا فعل المدرس أو المعلم هذا من أجل تشجيع الطلاب فإنه يؤجر على هذا، وهو يعود التلاميذ التنافس والوصول إلى الخير.
***(23/2)
أحسن الله إليكم سائل من الأفلاج يقول: يا فضيلة الشيخ حفظكم الله كثيراً ما أجد إحراجاً من قبل طلابي في أسئلةٍ كثيرة، فما حكم الإجابة على أسئلتهم إذا كانت خارج المنهج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على أسئلةٍ خارج المنهج يعني خارج المقرر لا تلزمك وأنت في الفصل، بل يقال للطالب: لا تسأل إلا عن المقرر فقط؛ لأن السؤال عن غير المقرر تشاغل بما لا يجب عما يجب، أما إذا كان خارج الفصل يعني خارج الحصة فأجبهم بما تعلم، وتوقف عما لا تعلم، وإذا كان السؤال مما لا يليق فانصح الطالب عن سؤاله، ووجهه إلى ما هو خير.
***(23/2)
جزاكم الله خيراً، تذكر هذه السائلة بأنها تعمل مُدرِّسة، وتسمع كثيراً من زميلاتها في المدرسة بأنهن قرب الامتحان يضعن مراجعة للمنهج الذي يقمن بتدريسه للطالبات، وتكون أسئلة الاختبارات من صميم تلك المراجعة، فهل هذا العمل جائز يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمدرسة أن تشير إلى موضع أسئلة الامتحان، سواء بتدريس المواضع التي تريد أن تأخذ منها الأسئلة، أو بالإشارة إلى ذلك، مثل أن تقول: هذا مهم أو هذا غير مهم، المهم أنه لا يجوز أن تشير لا تصريحاً ولا تلميحاً إلى مواضع الأسئلة، وهي مؤتمنة على هذا، وليس الشأن أن نكدس طلبة أو طالبات أخذن الشهادة، الشأن أن يكون الطالب نجح عن جدارة.
يافضيلة الشيخ: تقول بعض المعلمات -هداهن الله- يحددن الاختبار، مثلاً مادة التعبير والإملاء تكون عشرة مواضيع، فتقوم المعلمة بتحديد ثلاثة مواضيع فقط للاختبار، هل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كالأول.
***(23/2)
أحسن الله إليكم هل مساعدة طلاب العلم في حل ما استشكل عليهم من واجبات، أو مساعدتهم وإعانتهم في عمل أبحاث؛ لمجرد إعانتهم في إكمال مشوارهم، وتشجيعاً لهم، وأحياناً لضيق الوقت هل يعتبر هذا من التعاون على البر والتقوى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى الأنظمة: فإذا كان النظام أن الطالب إذا أعطي بحثاً يسمح له بأن يستعين بمن يعينه من العلماء فلا بأس، وأما إذا كان المقصود أن الطالب نفسه هو الذي يبحث ويفتش في الكتب ويتعب فإنه لا يجوز أن يستعين بأحد؛ لأن استعانته بالعالم يعني أنه يريد أن تكون الطبخة غير ناضجة، وهذا لا شك أنه غلط، أما لو اضطر إلى مراجعة العالم؛ لكونه بحث وبحث وناظر وناقش مع إخوانه وزملائه ولكن لم يصلوا إلى نتيجة، فسألوا من هو أعلم منهم عن هذا، فأرجو أن لا يكون في هذا بأس.
***(23/2)
رسالة من جدة طالب من جامعة الملك عبد العزيز يقول في سؤال له: هل لنا أن نسأل عن أمور لم تحدث، مع فرض بعيد جداً لحدوثها؟ نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان طالب العلم وغير طالب العلم أن لا يسأل عن أمور بعيدة الوقوع؛ لأن ذلك من المعاياة والإعجاز وإضاعة الوقت، وإنما يسأل عن أمور واقعة أو قريبة الوقوع، هذا بالنسبة للسائل. أما بالنسبة لمن يبحث أو يكتب فلا حرج عليه أن يأتي بأمور لإيضاح القاعدة أو الضابط، وإن كانت نادرة الوقوع، وهذا طريق من طرق تعليم العلم، وأما السؤال فلا ينبغي أن يسأل إلا عن شيء واقع أو شيء قريب الوقوع. وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه إخواني طلبة العلم الذين بدؤوا في طلب العلم والنقاش والبحث،أوجههم فيما يتعلق بصفات الله تعالى أن لا يكثروا السؤال، بل ألا يسألوا عن شيء سكت عنه الصحابة والتابعون وأئمة الأمة؛ لأننا في غنى عن هذا، ولأن الإنسان إذا دخل في هذه الأمور فيما يتعلق بصفات الله فإنه يقع في متاهات عظيمة يخشى عليه إما من التمثيل أو التعطيل، ولهذا أنكر الإمام مالك رحمه الله وغيره من الأئمة على من سأل في صفات الله عما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم، فقد سئل رحمه الله عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) . كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق من شدة وقع السؤال عليه، ثم رفع رأسه وقال للسائل: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وإنما كان السؤال عنه- يعني: عن كيفية الاستواء -بدعة لأن ذلك لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم أحرص منا على العلم، وأشد منا تعظيماً لله عز وجل، ولم يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمته، مع أنه أحرص الناس على البلاغ، لكن كيفية صفات الله وحقيقتها أمر مجهول لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولو كان هذا من الأمور التي تلزم الإنسان في دينه، أو تكون من مكملات دينه لبينه الله عز وجل، وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا أمر فوق عقولنا لا يمكننا إدراكه، ولهذا أحذر مرة أخرى إخواني من الغوص في هذه المسائل والتكلف والتنطع، وأن يبقوا النصوص على ما هي عليه في معانيها الظاهرة البينة، وأن لا يسألوا عن شيء لم يسأل عنه السلف الصالح. أما مسائل الأحكام فهي أهون، فله البحث والمناقشة، ولهم أن يفرعوا على الضوابط والقواعد من الأمثلة ما قد يكون بعيد الوقوع. والله الموفق.
***(23/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ سؤال للمستمعة م. س. جامعة الإمام تقول: هل يجوز لطلبة العلم الشرعي التغيب عن بعض المحاضرات بحجة الاستذكار للاختبار في مادةٍ أخرى، خاصة إذا كان الطالب يقصر في البداية، وإذا بدأت الاختبارات الفصلىة يتغيب عن المحاضرات للمذاكرة؟ وهل من نصيحة لطالب العلم وتوصية بإعطاء العلم حقه؟ أرجو منكم إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة الجواز وعدم الجواز لا أستطيع أن أفتي فيها بشيء، فالإنسان طبيب نفسه،ولا أدري لو كان يخصم على الإنسان إذا تغيب هل يتغيب أو لا؟ وأما النصيحة: فنصيحتي لكل إنسان دخل في جامعةٍ يطلب فيها العلم الشرعي وما يسانده من العلوم الأخرى أن يخلص لله تعالى في طلب العلم: بأن ينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره من المسلمين، بأن ينوي بذلك حفظ شريعة الله وحمايتها من أعدائها، وأن يذود عنها بقدر المستطاع بمقاله وقلمه، حتى يؤدي ما يجب عليه. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: (العلم لا يعدله شيءٌ لمن صلحت نيته. قالوا: وكيف ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: ينوي بذلك رفع الجهل عن نفسه وعن غيره) . وقال رحمه الله: (تذاكر ليلةٍ أحب إلي من إحيائها) . وهذا يدل على فضيلة طلب العلم، لكن بشرط الإخلاص، ولو لم يكن من فضل العلم إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل العلماء شهداء على ألوهيته -وتوحيده في قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) - لكفى. والعلماء ورثة الأنبياء، ورثةٌ في العلم وورثةٌ في العمل وورثةٌ في الأخلاق وورثةٌ في الدعوة إلى الله عز وجل، فليعط الإنسان هذا الإرث حقه، وليقم بواجبه حتى يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم.
***(23/2)
هذه السائلة عائشة من جمهورية مصر العربية بور سعيد تقول: كيف تكون المرأة داعية لدين الله؟ وما هي الأسباب المعينة على ذلك؟ وما الكتب التي أبدأ بها في تحصيل طلب العلم الشرعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون المرأة داعية كالرجل تماماً إذا كان لديها علم بشريعة الله، فإن لم يكن لديها علم فلا يحل لها أن تتكلم بلا علم؛ لقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . ولقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) . ولقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
ثانياً: أن يكون لديها قدرة على التكلم بما علمت.
ثالثاً: أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض؛ لأنه قد يقوم شخص معارضٌ لما تدعو إليه، ويكون لديه فصاحة وبيان، فيغلب بفصاحته وبيانه على هذه الداعية؛ لضعف دفاعها وقوة باطله، فلا بد أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض. وأما ما تبدأ به: فخير ما يبدأ به طالب العلم كتاب الله عز وجل، أن يحفظه ويتدبر معانيه، ويدعو الناس إلى دين الله تعالى به. ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن السنة تبين القرآن وتوضحه وتفسره، وهي شقيقة القرآن في وجوب العمل بها. ثم بكتب العقيدة والتوحيد، لا سيما إذا كان في بلدٍ يكثر فيه الشرك والعقيدة الباطلة. ثم بما كتبه أهل العلم من الفقه، حسبما يتيسر لها، والأحسن أن تسأل عن كل مسألةٍ بعينها، أي تسأل أهل العلم؛ ليكون ذلك أدق في الجواب.
***(23/2)
في آخر أسئلتها تقول: هذه السائلة ما هي الكتب العلمية التي تنصحونني بقراءتها لمن أرادت أن تكون طالبة علم؟ وهل يكتفى بقراءتها فقط أم بحفظها؟ وكيف تستطيع المرأة أن تكون طالبة علم، نظراً لعدم دراستها على يد مشايخ أو طالبات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال قد ورد مثله في حلقة سابقة،وبينا أن أهم كتاب تجب العناية به وتفهم معناه والعمل به هو كتاب الله عز وجل، ثم ما صح من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كتب التوحيد والعقائد، ثم يقرأ كتب الفقه وما أُلِّفَ في ذلك. وأمَّا هل يمكن للمرأة أن تتعلم العلم بمراجعة هذه الكتب، أم لا بد من مدرسٍ خاصٍّ فنقول: الحمد لله الآن الأشرطة ملأت الدنيا من مجالس أهل العلم الموثوق بعلمهم وأمانتهم، فبإمكانها أن تتعامل مع أحد التسجيلات، بأن يؤمن لها ما تريد الاستماع إليه من مجالس العلماء.
***(23/2)
تقول السائلة: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تحضر مجالس العلم والدروس الفقهية في المساجد؟ علماً بأنها تخرج إليها متسترة وبالزي الشرعي. وأيهما أفضل: حضورها لمثل هذه المجالس، أم بقاؤها في المنزل؟ علماً بأننا الآن نخرج للتعليم في الجامعات والمدارس بناء على رغبة آبائنا وأمهاتنا، ومع العلم أيضاً بأن الاستفادة من هذه المجالس أكبر من الاستفادة من القراءة في المنازل. أرجو إفادة حول هذا السؤال بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تحضر مجالس العلم، سواء كانت هذه العلوم من علوم الفقه العملي، أو من علوم الفقه العقدي المتصل بالعقيدة والتوحيد، فإنه يجوز لها أن تحضر هذه المجالس، بشرط أن لا تكون متطيبة ولا متبرجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء) . ولا بد أن تكون بعيدة عن الرجال لا تختلط بهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) . وذلك لأن أولها أقرب إلى الرجال من آخرها، فصار آخرها خيراً من أولها.
***(23/2)
فتاةٌ أرادت الالتحاق بتحفيظ القرآن فمنعتها والدتها، فهل لها طاعتها أم الذهاب؟ أيهما أفضل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طاعة الوالدة أفضل، لا سيما أنها إذا خرجت ستخرج إلى الطرقات، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال في النساء اللاتي يصلىن مع الرجال: (بيوتهن خيرٌ لهن) فهذه مثلها، لكن إذا كان امتناعها يفوت خيراً كثيراً فلتقنع والدتها بالذهاب، فإذا أذنت لها تذهب.
***(23/2)
ما حكم خروج المرأة إلى الندوات والمحاضرات باستمرار؟ كأن تحضر في وقت العصر حلقات تحفيظ القرآن وفي فترة ما بعد العشاء تحضر الندوات لبعض العلماء؟ فهل هذا الفعل يجوز إذا كان برضا وليها؟ وهل في ذلك مشابهة للرجال بكثرة الخروج؟ وهل يخالف الآية الكريمة: (وقرن في بيوتكن) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تخرج إلى حلقات تحفيظ القرآن النسائية لتحفيظ القرآن فإن هذا من الخير، وكذلك أيضاً لا حرج عليها أن تحضر الندوات إذا كانت تنتفع بذلك، حتى لو تكررت المحاضرات والندوات كل ليلة، فلا حرج عليها إذا أمنت الفتنة ووافقها وليها على ذلك، وهذا لا يخالف الآية الكريمة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) ؛ لأن المرأة لم تخرج من بيتها إلا لمصلحة فوق بقائها في بيتها. على أن الأمر والحمد لله في الوقت الحاضر يمكن تداركه بالنسبة للندوات والمحاضرات بالأشرطة التي تسجل فيها تلك الندوات والمحاضرات، ولكن ربما يكون بعض المحاضرين لا يرغب أن تسجل محاضراته، وحينئذ يكون لابد من حضور المحاضرة لمن أراد أن يستمع إليها.
***(23/2)
رسالة وصلت من السائلة أم عمار من اليمن تقول في هذا السؤال: نحن فتاتان، ولكن ما نعانيه أن الوالد لا يسمح لنا بالذهاب إلى بعض الدروس التي تقام بالمسجد، حيث يتم فيه تعليم المرأة، فما توجيهكم في ذلك فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أن الوالد- وفقه الله- ينبغي له أن ينظر المصلحة في ذهابكما إلى الدروس في المساجد وعدم الذهاب، فإن كان يرى أن المصلحة بقاؤكما في البيت فليمنعكما من هذا، وإن رأى أن المصلحة في حضوركما الدرس، وأنه لا مفسدة في ذلك تقاوم المصلحة، فإن الذي أشير به عليه ألا يمنعكما؛ لأن نساء الصحابة كن يحضرن المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويحصل لهن من سماع المواعظ ما يحصل. لكن نحن في زمن كثر فيه الشر والفساد والسفه، فلعلَّ الوالد منعكما من الذهاب إلى المساجد لاستماع الدروس خوفاً من الشر والفساد، ثم إن الله سبحانه وتعالى فتح علينا في هذا العصر فتحاً مبيناً، وذلك بتسجيل ما يلقى من الدروس، وبإمكانكما أن تحصلا على هذه المسجلات فتنتفعا بها، ويغنيكما هذا عن الذهاب إلى المسجد مباشرة.
***(23/2)
هل يجوز لي أن أقرأ كتباً مثلاً فقه السنة أو غيرها من الكتب الدينية وأنا حائض أم لا؟ أفيدونا يا فضيلة الشيخ سدد الله خطاكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول يجوز للمرأة الحائض أن تذكر الله وتهلله وتسبحه وتكبره، وتقرأ ما شاءت من الكتب الدينية، سواء كانت هذه الكتب من تفسير القرآن أو من الأحاديث النبوية أو من كتب الفقه أو غيرها، فلا حرج عليها في ذلك. أما قراءة القرآن وهي حائض فقد اختلف فيها أهل العلم، ولكن الراجح عندنا أنه لا يحرم عليها قراءة القرآن إذا احتاجت لذلك، مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءة القرآن أمام الطالبات للتعليم، أو تكون متعلمة تحتاج إلى قراءة القرآن للاختبار أو نحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس في منع الحائض من قراءة القرآن سنةٌ صحيحةٌ صريحة، والأصل براءة الذمة وجواز ذلك، وهذا لعموم البلوى، لو كان أمراً محرماً لكانت السنة في ذلك بينة واضحة لا تخفى على أحد، ولهذا نقول اتباعاً للأحوط: إن المرأة إذا احتاجت إلى قراءة القرآن وهي حائض فلا حرج عليها في ذلك، وإلا فلها غنيةٌ بالتسبيح والتكبير والتهليل وقراءة الكتب الدينية، كما في هذا السؤال.
***(23/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة أم عبد الله دياب من الدمام تقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تحضر محاضرات نافعة للتعلم في المسجد إذا أمنت التلويث وتوضأت للتخفيف من الحدث؟ علماً بأن مدة الحيض تتفاوت من امرأةٍ إلى أخرى، ولربما فاتها خير كثير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تمكث في المسجد وهي حائض، سواءٌ لاستماع درسٍ أو غيره، وفي عصرنا هذا لا حاجة إلى أن تمكث في المسجد؛ لأن مكبر الصوت والحمد لله يعبر عن كلام المتكلم إلى مدىً بعيد، فلتجلس عند الباب، عند باب المسجد وتستمع إلى ما شاءت، وأما دخول المسجد والمكث فيه فهذا حرامٌ على الحائض.
***(23/2)
المستمع طالب من إحدى الدول العربية يقول: يدرسنا مدرس حالق للحية ويلبس خاتماً من ذهب، ومقصر في بعض الأمور، ومع ذلك يدرسنا المواد الشرعية. فهل يجوز لي أن أحضر هذه الدروس في المدرسة؟ أرجو الإجابة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا الجواب تكون من شقين: إنني أوجه نصيحة إلى هذا المدرس أن يتقي الله في نفسه، وأن يتقي الله فيمن يأخذون العلم عنه؛ لأن حلقه لحيته حرام، ولباسه خاتم الذهب حرام، والتقصير في الواجبات حرام، فالواجب عليه أن لا يكون من العلماء الذين لم ينتفعوا بعلمهم، الواجب عليه أن يتقي الله فيمن يتلقون العلم عنه؛ لأن الذين يتلقون العلم عنه سوف يحذون حذوه إلا أن يشاء الله، سوف يفقهون العلم ولكنهم يعصون الله على بصيرة -والعياذ بالله- إلا أن يشاء ربك، فعلى هذا المعلم أن يحاسب نفسه، وأن يعلم أنه مسؤول أمام الله عز وجل عما صنع. أما الشق الثاني فهو أخذ العلم عن هذا: فلا بأس بأخذ العلم عنه وإن كان يعمل هذه المعاصي، إلا إذا كان هجره وعدم أخذ العلم عنه يؤدي إلى صلاحه واستقامته ورجوعه إلى الله، وردع أمثاله عن مثل هذا العمل، فحينئذ يهجر ويقاطع ولا يحضر درسه، ولكني أقول: قبل هذه المعاملة ينبغي للطلبة أن يوجهوا النصيحة إليه، وإذا كانوا لا يتمكنون من ذلك فليستعينوا بأهل الخير في بلادهم في توجيه النصح إليه، وإذا لم ينفع فيه ذلك فليرفعوا شأنه أو يرفعوا أمره إلى إدارة المدرسة أو المعهد أو الجامعة التي يدرس فيها، ويخوفوا هذه الجهة من الله عز وجل، ويقولوا لها: كيف يكون هذا الرجل مدرساً لنا في العلوم الدينية وهو رجل لا يدين لله تعالى في هذا وفي هذا؟ والواجب على إدارة المدرسة أو المعهد أو الكلية أو إدارة الجامعة، الواجب عليها ألا تجعل مثل هؤلاء المدرسين يدرسون أبناء المسلمين، تنصحهم وتدلهم على الخير، فإن اهتدوا فلهم ولغيرهم، وإن لم يهتدوا فالواجب إبعادهم عن حقل التدريس.
***(23/2)
هذه رسالة أيضاً تتعلق بالرسالة الماضية بعث بها يقول: أنا الطالب سعد سعود ش، في الحقيقة الرسالة طويلة جداً لكن لعل اختصارها يكون أجدر، يقول: إنه هو وزملاؤه نشتكي إليكم أستاذنا الذي يدخل علينا في الصف ويقول لنا: السلام على القرود، وإذا ثرنا عليه جاء لنا بقصة إفرويد وقال: هذا أصلكم وأصلى، ولا مناص لنا من هذا الأصل، علماً أن أستاذنا تبدو عليه الغطرسة وطول الملابس وطول الشعر أيضاً والأظافر الطويلة، فما موقفنا من هذا الأستاذ وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: إقرار هذا الرجل على نفسه بأنه من القرود مقبول، وأما دعواه على غيره أنهم قرود فهي مرفوضة، وقد تقرر بيان أن اعتقاد كون أصل الآدمي قرداً كفر بالله عز وجل؛ لأنه تكذيب للقرآن الكريم ولما أجمع عليه المسلمون، بل ولِما أجمع عليه الناس اليوم، فإنه قد تبين أن هذه النظرية نظرية فاسدة باطلة، وأنه لا حقيقة لها. وأما كون هذا الأستاذ يبقى أستاذاً في هذه المدرسة فإنه لا يجوز إقراره أستاذاً، ويجب على مدير المدرسة أن يرفع به إلى من فوقه حتى يُبعد ويُنحى عن حقل التدريس، ويجب مراقبته أيضاً في خارج المدرسة حتى لا يُضِل الناس، وإذا استقام على الحق فذلك هو المطلوب، وهو من رحمة الله به وبالناس، وإلا وجب أن يُجرى عليه ما يمنع إفساده ولو بالقتل.
فضيلة الشيخ: إذاً يجوز قتله في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يندفع ضرره إلا بذلك، وهذا ضرر عظيم؛ لأنه تكذيب للقرآن الكريم، فإذا لم يندفع إلا بهذا، وصار هذا الرجل داعية إلى هذا الإلحاد والكفر، فإنه يجب قتله؛ لأنه مرتد، والمرتد يجب قتله.
***(23/2)
سؤاله يقول: بعض المحدثين إذا قرأ على الجماعة في المسجد أو غيره إذا انتهى من القراءة قال: والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد إلى آخره، أو يقول: بالله التوفيق، أو يقول: صدق الرسول الكريم إلى آخره، ما حكم هذا القول؛ وما حكم قول: صدق الله العظيم لمن انتهى من قراءة القرآن؟ وهذه تقال بكثرة، وجزاكم الله عنا أحسن الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول فختام الدرس بقوله: والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فإن اعتقد الإنسان أن ذلك من السنن المقربة إلى الله فهذا ليس بصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم مع أصحابه ويحدثهم ويخطب فيهم، ولم يكن يختم ذلك فيما نعلم بمثل هذا، فتركه أولى. وأما ختم القرآن بقوله: صدق الله العظيم، فكذلك أيضاً إذا اتخذها الإنسان سنة راتبة كلما قرأ قال: صدق الله العظيم فإن هذا من البدع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يختم قراءته بقول: صدق الله العظيم، ومن المعلوم أن صدق الله العظيم ثناء على الله تعالى بالصدق، فهو عبادة، والعبادة لا تكون مشروعة إلا حيث شرعها النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى هذا فنقول: لا ينبغي للقارئ أن يختم قراءة القرآن بقول: صدق الله العظيم.
***(23/2)
يسأل أيضاً ويقول: ما حكم الإسلام في تشريح جثث الموتى من أجل الدراسة عليها، كما هو معمول به في كليات الطب الموجودة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الميت المسلم لا يجوز تشريحه، وذلك لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، كما ورد في حديث رواه أبو داود بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً) . وهذا يدل على تحريم التعرض له بتشريح أو تكسير أو نحوه. أما من لا حرمة له فإنه محل نظر، قد نقول: إنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل، قال: (لا تمثلوا) . وقد نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يقصد به التمثيل، وإنما يقصد به مصلحة، وفرق بين أن نقصد التمثيل والتشفي، وبين أن نقصد مصلحة بدون قصد التشفي. والله أعلم.
***(23/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل يقول: هل يجوز لمدرس مادة العلوم أن يقوم بشرح المادة الدراسية في المرحلة المتوسطة باستخدام مجسمات صغيرة ومتوسطة لحيوانات وطيور مصنوعة من البلاستيك القوي أشبه ما تكون بالتماثيل، أو استخدام مجسمات لجسم الإنسان بالكامل بما فيه الرأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حرام عليه لا يجوز؛ لأنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن بإمكانه أن يصف الحيوان بالمقال، أو أن يجزِّئه أجزاء فيجعل الرأس وحده والبدن وحده واليدين والرجلين وحدها، وليس هناك ضرورة إلى أن يأتي بصور مجسمة. وأخشى أن ينزع الله البركة من علمه إذا هو أتى بهذه الصور؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وأرجو من إخواننا أن لا يتهاونوا بالصور، (فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى بيته ذات يوم فوجد فيه الصور، فلم يدخل عليه الصلاة والسلام حتى أزيلت) واستعملت على وجه مباح.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذه المستمعة ت. ف. ب من العراق كركوك تقول: أنا طالبة في الجامعة، وذات يوم كان عندنا درس عن تحنيط الحيوانات، فكنا نقوم بإجراء تجارب على بعض الحيوانات كالأرانب والذئاب والحمام ونحوها، فنحضرها حية ثم نقوم بقتلها، وهنا المشكلة الثانية، فإننا نقتلها بإحدى الوسائل التالية: إما بحجزها في مكان خالٍ من الهواء حتى تموت، أو بقتلها بواسطة المخدر، ونحو ذلك من الوسائل غير الذبح الشرعي، ولا نستطيع رفض العمل هذا، فهو عبارة عن مادة دراسية يترتب عليها النجاح أو عدمه. فما الحكم الشرعي أولا: ً في التحنيط بغرض التعلم، أو للاحتفاظ بالحيوانات المحنطة للزينة. وثانياً: ما الحكم في قتل الحيوانات بالوسائل السابقة الذكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحنيط الحيوان من أجل التعلم والحصول على علم ينفع العباد هذا لا بأس به، وذلك بأن الله عز وجل خلق لنا ما في الأرض جميعاً، ثم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) . ولكن يجب أن تتخذ أسهل الوسائل للوصول إلى هذا الغرض في قتل هذا الحيوان المحنط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) . وإذا خدرت بمخدر من أجل إجراء العملية عليها في حال حياتها فإن هذا لا بأس به أيضاً؛ لأن هذا فيه مصلحة للمتعلمين، ولا فيه كبير مضرة على هذا الحيوان، إذ إنه عند التخدير لا يتألم للتشريح فلا بأس بها. وأما حبسها في محل بحيث لا يصل إليها الهواء فإن في نفسي من هذا شيئاً؛ لأن هذا تعذيب شديد عليها، ولا أدري هل الحاجة ملحة إلى هذه العملية أم غير ملحة؟ وأما بالنسبة لتحنيط هذه الحيوانات للزينة فلا أراه جائزاً، وذلك لأنها خلقت لينتفع بها بالأكل، أما بالزينة فإنها فيها شيء من السرف ومن إضاعة المال بغير فائدة، فلا أرى أن تحنط لهذا الغرض؛ لأن بذل المال فيها إضاعة له.
***(23/2)
يقول: جميع المدارس بمحافظتي وهي محافظة إدلب مدارسها مختلطة شباب وفتيات، وهن سفور فوق العادة وخاصة في مدرستي، ولا يمكن بل ولا يستطيع المرء إلا أن يتحدث معهن من خلال الدروس. والمطلوب: ما حكم الشرع في ذلك أفيدونا جزاكم الله ألف خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يجب عليك أيها الأخ أن تطلب مدرسةً ليس فيها هذا الاختلاط الذي وصفت حال أهله؛ لأن ذلك فتنة عظيمة، ولا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للفتن، فإن الرجل قد يثق من نفسه قبل أن يقع في الفتنة،قد يقول: أنا حافظٌ لنفسي، وأنا لا أميل إلى هذا الشيء، وأنا أكرهه. ولكن إذا وقع في الحبائل أمسكته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع بالدجال أن ينأى عنه) . أن يبعد عنه، وقال: (إن الرجل يأتي وهو يرى أنه مؤمن، ولكنه يضل بما يقذف به من الشبهات) . فعلى كل حال نقول: أيها الأخ يجب عليك أن تتطلب مدرسةً ليس هذا وضعها، فإن لم تجد مدرسةً إلا بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة، فإنك تقرأ تدرس، وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة، بحيث تغض بصرك وتحفظ لسانك، ولا تتكلم مع النساء ولا تمر إليهن.
***(23/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع طه سوداني يقول: هل يجوز للرجل الوقوف أمام النساء لنشر العلم والدين؟ وهل يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة من أجل إرشادها إلى الطريق المستقيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة إذا لم يكن محرماً لها، ولو للتعليم، ولو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) . وإذا خلا الرجل بالمرأة كان الشيطان ثالثاً لهما، ووسوس لهما الوساوس التي قد تؤدي إلى الفاحشة والعياذ بالل. وأما وقوف الرجل أمام النساء جمعاً بلا محذور شرعي من أجل تعليمهن: فإن هذا لا بأس به، لكن بشرط أن يأمن الإنسان على نفسه، وأن يكون مأموناً، ولكن في مثل هذه الحال إذا كانت المسألة بصفة رسمية فإنه يوضع حاجز بين هذا الرجل وبين النساء،حتى تكون النساء في سعة، وحتى لا يفتتن أحد من النساء بهذا الرجل، وأقول: إنه لا ينبغي أيضاً أن يقوم بتدريس النساء رجال إلا عند الضرورة، أما إذا لم يكن هناك ضرورة فإن الذي يقوم بتدريس النساء يكون امرأة، وكذلك الذي يقوم بتدريس الرجال يكون رجلاً؛ لأن الشارع يرمي إلى بعد النساء عن الرجال وعن الاختلاط بهم، ألم تر إلى المرأة إذا صلت في المسجد مع الجماعة فإنه يجب عليها أن تكون وحدها خارجة عن صفوف الرجال، ولا تكون صفاً مع الرجل، كما جرت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) . وهذا كله يدل على أن الشارع يرمي إلى بعد الرجال عن النساء وعدم الاختلاط بهن.
***(23/2)
المستمعة سامية من البحرين تقول: ما حكم قيام التلميذات في الصف للمعلمة احتراماً عند دخولها الفصل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القيام للمعلمة أو المعلم عند دخول الفصل احتراماً وتعظيماً لا ينبغي؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو أحق الناس بالاحترام والتعظيم، لكن يقال: إنهم يفعلون ذلك من أجل الانتباه والاستعداد للمعلم، وما يلقيه من العلم فإذا كان هذا هو المقصود فأرجو أن لا يكون به بأس.
***(23/2)
_____ فتاوى متفرقات _____(/)
أعمال القلوب(24/1)
أحسن الله إليكم كيف يكون إخلاص العمل لله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص العمل هو أن العبادة لا يراد بها إلا وجه الله والدار الآخرة لا يراد بها الدنيا يعني لا يصلى الإنسان لأجل أن يمدح ويقال ما أقومه للصلاة ما أكثر صلاته وما أشبه ذلك بحيث يجعل عمله خالصاً لله عز وجل يريد به الثواب من عنده وبعض الناس ربما يجتهد في العبادة ليقال إن فلاناً كثير الصلاة أو إن فلان كثير العمرة أو إن فلاناً كثير الحج أو إن فلاناً كثير الصدقات وهذا يخل بالإخلاص قال الله عز (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والله لو تأمل الإنسان هذه الآية لاتعظ كثيراً فأنت ما خلقت إلا للعبادة وليس وجودك في هذه الدنيا لتعمر الدنيا ولتبني القصور ولتركب السيارات الفخمة ولترفه جسدك وإنماخلقت للعبادة ومن خلق للعبادة ينبغي أن يجعل عمله كله عبادة ولهذا كان الموفقون الكيسون يجعلون عاداتهم عبادة والغافلون يجعلون عباداتهم عادة فأنت تجد الموفق وأسأل الله أن يجعلني ومن سمع منهم إن أكل يأكل امتثالاً لأمر الله لأن الله أمر به (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) ويقصد بالأكل حفظ بدنه وهو مأمور بحفظ بدنه وإن أكل يريد الاستعانه به على طاعة الله فيكون طعامه الذي يتلذذ به أكلاً وشرباً يكون عبادة وإن لبس ينوي بذلك ستر عورته وسوأته عن الناس ثم يتذكر بهذا أنه كما يحب أن يستر عورته الحسية عن الناس فليستر عورته المعنوية بالتوبة إلى الله ولهذا لما قال الله عز وجل (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) وهذا اللباس الضروري (وَرِيشاً) وهذا لباس الجمال قال (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ) لباس التقوى ذلك خير فإذا نوى واستحضر بقلبه عند اللباس هذا المعنى صار اللباس عبادة وهكذا العادات يستطيع المؤمن الموفق الكيس أن يجعل عاداته عبادات.
وأما الغافل فعباداته عادات اعتاد إنه إذا أذن في المسجد يصلى واعتاد أنه إذا جاء رمضان صام واعتاد أنه إذا جاء وقت الزكاة تصدق وهو في غفلة ولهذا فالنية لها مدخل عظيم في العبادات ففي الوضوء مثلاً أكثرنا إذا جاء وقت الصلاة أو أراد أن يصلى نافله قام وتوضأ وصلى لكن هل منا من يستحضر أنه إذا كان يصلى يمتثل أمر الله في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هل يستحضر أنه يطبق قول الله عز وجل (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) عند غسل وجهه فالذي ينبغي لنا أن نستحضر هذا ونخلص لله عز وجل فينوي المسلم في قلبه أغسل وجهي امتثالاً لأمر الله وأغسل يدي امتثالاً لأمر الله وأمسح رأسي امتثالاً لأمر الله وأغسل رجلي امتثالاً لأمر الله ثم يستحضر أيضاً معنىً آخر أنني أفعل هذا اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكأني أشاهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ على هذه الكيفية حينئذٍ نحقق في هذا الاستحضار الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والحقيقة أن الإنسان إذا عرف قدره وقدر حياته استطاع بمعونة الله عز وجل أن يقلب عاداته عبادات وأن يكمل عباداته باستحضار هذه النيات ويكون حقق قول الله عز وجل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أسأل الله تعالى أن يمن علي وعليكم وعلى من سمع بهذه النية الطيبة.
***(24/2)
هذه رسالة من أختكم في الله من حريملاء أج س تقول إذا قام الإنسان ببعض أعمال التطوع كصلاة الضحى أو قيام الليل أو غيرها من العبادات وحاول أن يراه أهل البيت ليس رياء ولكن رجاء التقليد له أو الاقتداء به فيكون قدوة لهم فهل يجوز هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في معاملة الإنسان ربه وتعبده له إن يكون ذلك سراً بينه وبين ربه لأنه إنما يتعبد لله رجاء ثواب الله عز وجل والنجاة من عقابه وهذا لا يحتاج إلى أن يراه أحد من البشر لأن البشر لا يحققون له شيئاً من ذلك إلا حسبما تقضيه الشريعة كالدعاء للإنسان مثلاً هذا هو الأصل في العبادات لكن قد يكون إظهار العبادة أمراً مشروعاً مرغباً فيه لما يترتب عليه من المصالح فانظر إلى الصلاة مثلاً وهي أجل العبادات البدنية يشرع أن تكون جماعة في المساجد معلنة ظاهرة لما في ذلك من الخير الكثير المترتب على إعلانها والاجتماع عليها في المساجد ولهذا إذا عورضت المصلحة هذه بما هو أصلح كان الأفضل عدم صلاتها في المساجد فالنساء مثلاً لا يشرع لهن أن يصلىن جماعة في المساجد وإن كان يباح لهنّ أن يحضرن جماعة الرجال في المساجد أما الرجال فوجوب الجماعة عليهم في المساجد ظاهر وذلك لأن مصلحة إظهار الجماعة في المساجد بالنسبة للرجال عارضها مشروعية القرار في البيوت وعدم البروز بالنسبة للنساء فكان بيوتهن خير لهن ولهذا نقول إن المشروع في حق المرأة ألا تشهد الجماعة مع الرجال إلا في صلاة العيد خاصة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يخرجن حتى أنه (أمر العواتق وذوات الخدور أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى) إذاً الأصل في العبادة أن تكون سراً بين الإنسان وبين ربه لأنه سبحانه وتعالى هو الذي يثيبه عليها ويعاقب الإنسان على معصيته لكن إذا كان فيها مصلحة فإنها تراعى هذه المصلحة وبناء على هذه القاعدة يتبين الجواب عن سؤال المرأة التي تسأل عن إخفاء التطوع في بيتها عن أهلها هل هو أفضل أو إظهار التطوع لا رياء ولا سمعة ولكن من أجل أن يقتدي بها أهل البيت؟ فنقول إن إظهار التطوع في هذه الحال بهذه النية أفضل من إخفاءه لأن الناس ينشط بعضهم بعضا فإذا رأت المرأة أن إظهار تطوعها في الصلاة أو قراءة القرآن أو الصدقة أو ما أشبه ذلك ينتج عنه خير باقتداء غيرها بها فإن إظهاره حينئذ يكون خيراً وهكذا الرجل ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون سراً وعلانية ولم يجعل المدح خاصاً بالذين ينفقون سراً وذلك لأن السر قد يكون أولى والإعلان قد يكون أولى بحسب ما يترتب على ذلك من المصالح
وخلاصة الجواب أن المرأة إذا أظهرت التطوع بالصلاة أو القراءة أو الصيام أو الصدقة من أجل أن يقتدي بها أهل البيت فإن ذلك لا بأس به بل هو خير.
***(24/2)
كيف يكون حال الإنسان عندما يريد أن يعمل شيئاً من الطاعات هل يكون في قلبه أنه يريد نيل رضا الله عز وجل أم الفوز بالجنة والنجاة من النار أم إبراء الذمة وهل عليه أن يتذكر الإخلاص عندما يريد فعل أي شيء أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إرادة الإخلاص فلا بد منها أن يريد بعبادته وجه الله لا سواه وأما هل يريد إبراء الذمة أو النجاة من العذاب أو حصول الثواب أو رضا رب العباد فإنه ينوي كل هذا وهو إذا نوى هذه كلها فلا منافاة بينها يمكن أن ينويها كلها فينوي رضا الله وينوي فضل الله وينوي النجاة من عقاب الله وينوي إبراء الذمة ولقد قال الله تبارك وتعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) فجمعوا بين الأمرين بين نية ابتغاء فضل الله تبارك وتعالى بثوابه والوصول إلى دار كرامته ونية رضوان الله سبحانه وتعالى.
***(24/2)
ما أفضل وسيلة يرشد إليها فضيلتكم لتحصيل الإخلاص والبعد عن كل ما ينقص من ثواب الأعمال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوسيلة التي تنجي من هذا هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والاستعانة به على طاعته وألا يلتفت الإنسان إلى هذه الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه فإن الشيطان يلقيها ليفسد عليه عبادته وإرادته فلينبذها وراء ظهره ولا يلتفت إليها وربما يجد صعوبة في تصحيح النية ولكن إذا استمر وصبر فالعاقبة للمتقين ولقد قال بعض السلف (ماجاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص) لكنه نجح فإذا استمر الإنسان في عمله واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم واستعان به على طاعة الله وصبر وصابر فإن الله تعالى ينجيه قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
***(24/2)
من ليبيا السائل محمد صالح يقول كيف السبيل لكي تكون أعمالنا خالصة لوجه تعالى دون كبرياء أو رياء أو مفاخرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السبيل إلى ذلك أن يكون الإنسان متعبداً لله يرجو ثواب الله لا يرجو أحداً من الناس أن يمدحه أو يعامله معاملةً طيبة.
ثانياً أن يعلم أن العباد لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ولن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه وحينئذٍ لا يبالي بهم سواءٌ علموا بعبادته أم لم يعلموا وسواءٌ أثنوا عليه أم لم يثنوا عليه ولكن قد يوسوس الشيطان للإنسان إذا أراد أن يفعل عبادة فيقول له إنك تفعلها رياءً فيتركها وهذا من تلاعب الشيطان به فالواجب إذا أحس بهذا أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويستمر في عبادته وبانتهاج هذا المسلك يزول عنه ما يجد في النفس من خوف الرياء.
***(24/2)
كيف يتقي المسلم عذاب القبر وعذاب النار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتقي ذلك بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى والعمل الصالح هو الذي جمع شرطين أولهما الإخلاص لله عز وجل بألا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة لا يقصد بذلك رياء ولا سمعة ولا مدحاً عند الناس ولا شيئاً من الدنيا ولا يأتي بشيء مبتدع من عنده في دين فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له موافقاً لشريعته ودليل ذلك هو قوله تعالى في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومن أسباب الوقاية من عذاب القبر أن يستنزه من البول ويتطهر منه طهارة كاملة لأنه ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير - أي في أمر شاق بل هو أمر سهل - فقال أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ومن أسباب الوقاية من عذاب القبر أن يكثر الإنسان من الاستعاذة بالله من عذاب القبر ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا تشهدنا في الصلاة أن نستعيذ بالله من أربع نقول (أعوذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) .
***(24/2)
مستمع رمز لاسمه بـ ع ح ط يقول ما هي الأمور التي تعين الشخص على أن يحظى بالقبول من الناس.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب أنه يكون هم الإنسان رضا الله عز وجل وأن يكون مقبولا عند الله ووجيها عند الله فإن هذا المقصد الأسمى بالدرجة الأولى والإنسان إذا كان عند الله بهذه المنزلة كان عند عباد الله بهذه المنزلة فإن (من التمس رضا الله عز وجل بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس وكفاه الله مؤنتهم) وفي الحديث (إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل أني أحب فلانا فأحبه فينادى جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه أهل الأرض) .
فرضا الناس يكون تابعا لرضا الله عز وجل فإذا رضي الله عنك وجعلك وجيها عنده صرت مرضيا عنك عند الناس ووجيها نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإخواننا من المقبولين عنده الوجهاء إنه جواد كريم
***(24/2)
المستمعة هـ. م.هـ تقول ما هي حقيقة الزهد في نظر الإسلام وكيف يكون باستطاعتي أن أعيش حياة الزهد بحيث أكون بعيدة عن التنطع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال أهل العلم إن الزهد هو ترك ما لا ينفع في الآخرة بحيث يترك الإنسان المباحات إذا لم تنفعه في الآخرة ومما يعين على الزهد أن يتأمل الإنسان في هذه الحياة الدنيا وأنها دار ممر وليست دار مقر وأنها لم تبق لأحد من قبلك وما لم يبق لأحد من قبلك لن يبقى لك قال الله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ) يعني لن يخلد أحد في هذه الدنيا وكذلك يعلم أن هذه الدنيا دار تنغيص وكدر فما سر بها الإنسان يوماً إلا ساءه الأمر في اليوم الثاني فإذا علم حقيقة الدنيا فإنه بعقله وإيمانه سوف يزهد بها ولا يؤثرها على الآخرة قال الله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) .
***(24/2)
بارك الله فيكم المستمعة تقول حدثونا عن العباد والزهاد الذين أعرضوا عن الحياة الدينا وزينتها وأقبلوا على الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والحياة الحقيقية الدائمة التي فيها السعادة والطمأنينة في الدارين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن العباد والزهاد ليس كما يتصوره كثير من الناس بأنهم الذين أعرضوا عن الدنيا كلها وانزووا في زاوية بعيدين عن الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر لكن العباد هم الذين قاموا بعبادة الله على حسب ما تقتضيه الشريعة والزهاد هم الذين تركوا ما لا ينفعهم في الآخرة فما ينفعهم في الآخرة يفعلونه ولو كان في أمور الدنيا ولهذا لما اجتمع نفر من الصحابة فقال بعضهم أنا لا أتزوج النساء وقال الآخر أنا لا أكل اللحم وقال آخر أنا أقوم ولا أنام وقال رابع أنا أصوم ولا أفطر وبخهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال عليه الصلاة والسلام (أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) فالزهد حقيقته أن يدع الإنسان ما لا ينفعه في الآخرة لا أن يدع أمور الدنيا كلها والعبادة أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما يوافق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هؤلاء هم العباد وأما أولئك الذين ينزوون في أماكن ولا يعرفون الناس ولا يعرفهم الناس ولا ينالون شيئاً مما أباح الله لهم من الطيبات فإن هؤلاء إلى الذم أقرب منهم إلى المدح لأن الله تعالى يقول (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فالحاصل أن العباد والزهاد هم أولاً العباد الذين يقومون بعبادة الله على ما تقتضيه الشريعة الظاهرة والزهاد هم الذين يزهدون فيما لا ينفعهم في الآخرة لا في أمور الدنيا كلها وقد يكون من أمور الدنيا ما ينفع الإنسان في الآخرة كالمال مثلاً المال قد يكون ينفع الإنسان في الآخرة ونعم المال الصالح عند الرجل الصالح وما أكثر الذين نفعوا المسلمين بأموالهم واسوا الفقراء وأصلحوا الطرق وأعانوا في الجهاد وطبعوا الكتب النافعة وحصل في أموالهم خير كثير وهم يشتغلون بالمال.
***(24/2)
كيف تكون محاسبة النفس للمسلم وما صفة المحاسبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: محاسبة الإنسان نفسه هو أن يتأمل ماذا فعل وماذا ترك وماذا قال وماذا سكت عنه حتى يحاسب نفسه فيقول مثلاً لم تقولي الحق في موضع كذا وكذا ولم تفعلي المعروف في موطن كذا وكذا ويقول فعلت المنكر في موضع كذا قلت الزور في موضع كذا وكذا وهكذا يحاسب نفسه عما فعلت وعما تركت من أجل أن يقيم المعوج ويزيل ما فيه الشر هذا هو معنى المحاسبة.
***(24/2)
هذا المستمع م. م من الرياض يقول فضيلة الشيخ ما هي الأسباب المعينة على المحافظة على الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من الأسباب المعينة على قوة الإيمان كثرة الطاعات وأهمها الواجبات ثم النوافل لقول الله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) وكلما ازداد الإنسان طاعة لله ازداد إيمانا وتقوى قال الله تبارك وتعالى (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) وقال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) فالحرص على كثرة القرآن والذكر والصلاة والصدقات وغيرها من القربات كل هذا يزيد الإنسان إيمانا وقوة وحبا للخير
وأما المعاصي فهي أسباب الشر والفساد كما قال تعالى (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) قال العلماء لا تفسدوها بالمعاصي والمعصية وكلما فعل الإنسان معصية نقص إيمانه وبعد من ربه عز وجل قال الله تبارك وتعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) ومن أسباب زيادة الإيمان أن يطالع الإنسان في سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام فإن فيها تربية للقلب والعقل والفكر وفيها زيادة الإيمان ومحبة للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه وتربي الإنسان تربية تامة على غرار ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
***(24/2)
ما هي التقوى وحدثونا عن مراتبها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التقوى أن يتخذ الإنسان الوقاية من عذاب الله وذلك بأن يقوم بأوامر الله عز وجل عن علمٍ وبصيرة وأن يترك ما نهى الله عنه عن علمٍ وبصيرة وأما مراتبها فإنها تختلف باختلاف ما فعل الإنسان من المأمورات وما ترك من المنهيات فكلما كان الإنسان أقوم في فعل الطاعة كان أتقى لله عز وجل وكلما كان أبعد عن محارم الله كان أتقى لله عز وجل ولهذا كان أتقى الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام (إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) لأنه صلى الله عليه سلم أقوم الناس بأمر الله وأبعدهم عن محارم الله.
***(24/2)
ما هي الدوافع للتمسك بدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدوافع هي الهداية من الله عز وجل فإن من يهده الله فلا مضل له وكذلك التأمل والنظر فيما يترتب على طاعة الله عز وجل من ثواب عاجل وآجل والنظر والتأمل فيما يترتب على مخالفة أمر الله ورسوله من عقاب عاجل أو آجل فكل هذا يحفز المرء إلى فعل المأمور وترك المحظور مع الاستعانة بالله عز وجل والبعد عن رفاق السوء فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من مرافقة أهل السوء حيث مثل جليس السوء بنافخ الكير وقال إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة وكم من إنسان هم أن يستقيم ولكنه بقي مع الرفقة غير المستقيمة فعجز فإذا ابتعد عنهم كان ذلك من أسباب الهداية.
***(24/2)
هذا السائل من السودان أبو أسامة يقول ما هي أسباب قسوة القلب والعلاج في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسباب قسوة القلب الإعراض عن الله عز وجل والبعد عن تلاوة القرآن واشتغال الإنسان بالدنيا وأن تكون الدنيا أكبر همه ولا يهتم بأمور دينه لأن طاعة الله تعالى توجب لين القلب ورقته ورجوعه إلى الله تبارك وتعالى ودواء ذلك بالإقبال على الله والإنابة إليه وكثرة ذكره وكثرة قراءة القرآن وكثرة الطاعات بحسب المستطاع نسأل الله لنا ولإخواننا أن يلين قلوبنا لذكره وأن يعمرها بطاعته إن الله على كل شيء قدير.
***(24/2)
سائلة رمزت لاسمها ب ع س ل تقول مشكلتي يا فضيلة الشيخ هي أن قلبي قاسي حتى أنه من شدة القسوة إذا توفي شخص من أقاربي لا أبكي ولا تدمع عيناي إلا بعد المحاولات فهل هذه القسوة تمنع قبول صلاتي وصيامي وغير ذلك من الأعمال وهل هذا من نقص إيماني وهل إذا تصدقت على الفقراء تزيل هذه القسوة من قلبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بعض الناس عندهم قسوة القلب وليس قلبه لينا فتجده لا يخشع وإن أصيب بأعظم المصائب نسأل الله العافية قلبه متحجر كالحجارة أو أشد قسوة ومن أسباب لين القلب قراءة القرآن الكريم فإنه يلين القلب إذا قرأه الإنسان بتدبر وتمعن بدليل قول الله تعالى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) هذا وهو جبل حصى ويقول بن عبد القوي رحمه الله في داليته المشهورة
وحافظ على درس القرآن فإنه يلين قلبا قاسيا مثل جلمد
ومما يلين القلب قراءة السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم فإن قراءة السيرة لها تأثير عجيب على القلب لأنه يتذكر الإنسان وكأنه مع الصحابة فيلين قلبه ومن أسباب لين القلب رحمة الأطفال والتلطف معهم فإن ذلك يلين القلب وله تأثير عجيب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ومن أسباب لين القلب سماع المواعظ والقصائد التي تحي القلب ولذلك تجد الرجل إذا سمع قصيدة مؤثرة يخشع قلبه وتدمع عينه ومن أسباب لين القلب حضور القلب في الصلاة فإن ذلك من أسباب الخشوع ولين القلب نسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا لذكره وأن يعيذنا من قسوة القلب.
***(24/2)
بارك الله فيكم هذه المستمعة وفاء من تعز اليمن تقول ماذا يفعل المؤمن إذا كان قلبه لا يخشع عند ذكر الله أو في الصلاة
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القلب لا يخشع عند ذكر الله أو في الصلاة فهذا دليلٌ على أن القلب فيه مرض فعلى الإنسان أن يعالج هذا المرض بكثرة الإنابة إلى الله عز وجل ودعائه سبحانه وتعالى وصدق النية في طلب الوصول إلى مرضاته والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إذا أراد الشيطان أن يحول بينه وبين عبادته وإذا رغب إلى الله عز وجل في أن يلين قلبه لذكره وما نزل من الحق ودعا الله عز وجل بصدق وإخلاص فإن الله سبحانه وتعالى قريبٌ مجيب يجيب دعوته ويحصل مطلوبه ومن أكبر الأسباب لاستقامة القلب وسلامته كثرة قراءة القرآن فإنه يلين القلوب ويزيدها ثباتاً خصوصاً إذا قرأه الإنسان بتدبر وقرأه وهو يشعر أنه يقرأ كلام الله عز وجل وقرأه وهو يصدق بأخباره وقرأه وهو يلتزم بفعل أوامره وترك نواهيه فإنه يرجى أن يحصل على خيرٍ كثير.
***(24/2)
هذه المستمعة أختكم في الله هـ. م. غ. من حائل السعودية تقول أحب يا فضيلة الشيخ أن أستقيم على طريق الله والتقرب منه سبحانه وتعالى وأرجو من فضيلتكم إرشادي إلى بعض الطاعات المستحبة والتي تقربني من الله عز وجل وتزرع في قلبي محبته وتقواه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العبادات المستحبة كثيرة منها النوافل في الصلوات كالرواتب الاثنتي عشرة ركعة وهي ركعتان قبل الفجر وأربع ركعات قبل الظهر بسلامين وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد صلاة العشاء ومنها التهجد في الليل بصلاة الليل وهي مثنى مثنى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله رجل فقال ما تقول في صلاة الليل قال (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى) ومنها صلاة الضحى يصلى الإنسان ركعتين في الضحى ويزيد ما شاء الله هذه أيضاً من النوافل ومن النوافل أيضاً النوافل في الصدقة كالإحسان إلى اليتيم والقريب وما أشبه ذلك وأما الصوم صوم النفل فهو كثير كصوم يومي الاثنين والخميس وستة أيام من شوال وعشر ذي الحجة واليوم التاسع والعاشر من شهر محرم وغير ذلك والحج أيضاً كذلك فيه نوافل كالطواف بالبيت في غير طواف النسك وكتكرار العمرة والحج بقدر المستطاع هذا كله من النوافل وقد ثبت في صحيح البخاري أن الله سبحانه وتعالى قال (وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) .
***(24/2)
يقول هذا السائل ما العلاج المناسب لانشراح الصدر حيث أنني أعيش في ضيق شديد وجهوني مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج المناسب كثرة ذكر الله عز وجل قال الله تعالى (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: من الآية28) ومن العلاج ألا يهتم الإنسان بأمور الدنيا وألا يكون له هم إلا الآخرة ومن العلاج أن يكون الإنسان باذلاً لمعروفه سواء ببذل المال أو ببذل المنافع وبذل البدن يساعد إخوانه أو ببذل الجاه فإن هذا يوجب انشراح الصدر وليكثر أيضاً من هذا الدعاء ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري.
***(24/2)
السائلة غادة الغامدي تقول ما حكم الحب في الله وكيف يكون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحب في الله من أوثق عرى الإيمان فهو من الأمور المطلوبة التي يثاب عليها العبد حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المتحابين في الله تعالى ممن يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله فقال صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) فالحب في الله من أوثق عرى الإيمان وسببه أن الرجل يرى شخصا متعبدا لله تعالى قائما بطاعة الله مصلحا ما استطاع لعباد الله فيحبه على ذلك لأن أسباب المحبة كثيرة فمن أسباب المحبة القرابة والصداقة والغنى والفقر وربما يكون أيضا من أسباب المحبة المشاركة في العصيان والفسوق فيما يجري بين أهل الفسق والعصيان والمحبة في الله هي أعلاه وأفضله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (من أحب قوما فهو منهم) .
***(24/2)
السؤال: المستمعة أم نزار تقول أحيانا أقرأ القران وأجد أن صوتي حسن وترتيلي جيد هل يعتبر هذا من العجب الذي يبطل العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من العجب الذي يبطل العمل بل إن هذا من نعم الله التي يفرح بها الإنسان أن الله تعالى يعطيه صوتا جميلا وأداء حسنا لأن بعض الناس قد يحرم هذا أو هذا أو الجميع وبعض الناس يكون صوته رديئا وأداؤه كذلك ومن الناس من يكون على جانب قوي من الأداء وحسن الصوت وهذا لا شك أنه من نعمة الله على العبد فليشكر الله سبحانه وتعالى على هذا ولا يكون هذا من باب العجب إذا رأى نفسه أنه على هذا المستوى الطيب.
***(24/2)
كيف يضمن المسلم لنفسه النجاة من الخلود في النار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن لأحد أن يضمن لنفسه ذلك لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء لكن المؤمن يرجو الرحمة والنجاة من النار بما قام به من عبادة الله وحده لا شريك له وامتثال أمر الله واجتناب نهي الله كما قال الله تبارك وتعالي (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) فالإنسان إذا قام بما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه مخلصا لله في ذلك متبعا لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه يرجو أن ينجيه الله بذلك من النار ويدخله الجنة وينبغي له في هذه الحال أن يحسن الظن بالله وألا يكون آيساً من رحمة الله عز وجل لكن مع ذلك كل إنسان يخاف ألا يكون قبل عمله لأن الإنسان بشر قد يكون في قلبه من الإعجاب بعمله ما يهدم عمله وقد يكون في قلبه شيء من الرياء وقد يكون في عمله شيء من البدعة فالضمان غير حاصل على سبيل التعيين لكن على سبيل العموم نقول قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
***(24/2)
بارك الله فيكم السائل من الإمارات أسامة خالد يقول فضيلة الشيخ ما هو الورع وما هو الزهد وكيف يكون المسلم ورعاً زاهداً كالسلف الصالح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزهد وصفٌ أعلى من الورع والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة فالزاهد لا يفعل إلا ما هو نافعٌ له في آخرته والورع يفعل ما هو نافع وما ليس بنافع لكن لا يفعل ما هو ضار وذلك أن الأمور لها أحوالٌ ثلاثة إما أن تكون نافعة أو تكون ضارة أو لا نافعة ولا ضارة يتفق الزاهد والورع في تجنب الضار كلٌ منهما لا يفعل الضار ويختلفان فيما ليس فيه نفعٌ ولا ضرر فالزاهد يتجنبه والورع يأتي به الزاهد يتجنبه لأنه يريد أن يكون كل شيء يقوم به في هذه الدنيا له فيه خير فهو مغتنمٌ لوقته حريصٌ على ألا يفوت من الوقت ولو شيئاً يسيراً إلا وقد عمره بطاعة الله التي تنفعه يوم القيامة والورع لا دون ذلك يفعل المباحات ويذهب وقته بدون فائدة لكنه لا يفعل المحرم يجتنب المحرم ويقوم بالواجب وبناءً على ذلك يكون الزهد أعلى مرتبةً من الورع على أنه ربما يطلق أحدهما على الآخر ربما يقال فلان زاهد يعني ورعاً أو ورع يعني زاهداً لكن عندما نقول ورع وزهد فهذا هو الفرق بينهما.
***(24/2)
نصائح وتوجيهات(24/2)
السائل يقول لدي أخ لا يصلى وقد أمرته ونصحته بالصلاة وبينت له أن من ترك الصلاة يكون كافراً ولكن لم يقبل نصيحتي وهو معنا يأكل ويشرب ويسكن فما الحكم في هذه الحالة هل نكون مداهنين له أم لا أفيدونا وجهونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجهكم إلى النصيحة لمرة أخرى فإن هداه الله عز وجل وصلى فهذا هو المطلوب وهو من نعمة الله عليه وعليكم وإن تكن الأخرى وأبى أن يصلى فهو كافر مرتد يجب هجره والبعد عنه وإبعاده عن البيت إذا كان البيت ليس ملكا له فإن كان ملكه وجب الخروج عنه لأن تارك الصلاة كافر مرتد يجب هجره والبعد عنه وإبعاده فإن قال قائل نخشى إذا أبعدناه أن يزداد شره قلنا لا شر أعظم من الكفر فهو والعياذ بالله كافر وماذا يرجى منه إذا بقي على كفره في البيت أما إذا كان الإنسان يرجو رجاء حقيقيا بعلامات وقرائن تدل على أنه يميل إلى التوبة فهنا نقول ما دام فيه أمل ولو قليلا أن يهديه الله فإنه يبقى في البيت ويكرر له النصح.
***(24/2)
من مصر السائلة ج م هـ تقول أعيش مع عائلة تتكون من ثلاثين شخصا ما بين رجال ونساء وأطفال جميعهم لا يصلون إلا الجمعة فبماذا تنصحونهم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنصحهم بأن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة افترضها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج وهو فوق السماوات فقبل صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبلغ أمته بذلك وأحذرهم من التهاون بشيء منها لأن الله تعالى قال في كتابه (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) وأنصحهم إذا أدوا الصلاة أن يؤدوها بطمأنينة وألا ينقروها نقر الغراب (فإن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل لأن الرجل كان لا يطمئن فعاد الرجل فصلى كما صلى ثم رجع فسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل حتى قال الرجل والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه وقال له إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تطمئن قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن قاعدا أو جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) وأقول لهم إن الإسلام لا يتجزأ فهم إذا كانوا يصلون الجمعة ولا يصلون غيرها هل هم لا يقرون بوجوب غيرها إن كان الأمر كذلك فهم كفرة لأن جحد فريضة الصلوات الخمس كفر بالله عز وجل وإن قالوا غيرها واجب لكنهم يتهاونون بها فإنهم على خطر عظيم كما تفيده النصوص من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(24/2)
يقول هذا السائل في سؤاله الثاني والأخير لي مجموعة من الأصدقاء يتهاونون في أداء الصلاة وأيضاً يتحدثون فيما حرم الله من الكلام فهل يجوز لي أن أقاطعهم علماً بأنني عندما ألتقي بهم أقوم بتذكيرهم بالله عز وجل وأسعى لنصحهم فبماذا تنصحونني يا فضيلة الشيخ مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصحك بأنه إذا كان يفيد بقاؤك في صحبتهم وتجد منهم إقبالاً على النصيحة وامتثالاً لما توجههم إليهم فلا حرج أن تبقى معهم لأن في ذلك انتفاعاً لك ولهم أما لهم فظاهر وأما لك فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعلي بن أبي طالب (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) وأما إذا كنت لا تجد فيهم إقبالاً ولا قبولاً للنصيحة فإياك وإياهم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذر من جليس السوء وأخبر أنه كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة أو خبيثة ثم إنه يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) .
***(24/2)
المستمعة من العراق محافظة بابل أ. ف. ي. د. تقول في رسالتها الثانية يزورنا في البيت من الأقارب من لا يصلون ولا يؤدون الواجبات ويشركون بالله والعياذ بالله ومنهم من يقول لي إنا ندعو الأولياء والصالحين وعجزت عن نصحهم فهل يجوز مجالستهم وهم عندما أتحدث عن الدين يضحكون مني ويسخرون ويستهزؤون ويقولون لي هذه عابدة أتركوها وعندما يقولون هذا أتضايق كثيراً وأقول يسامحهم الله وعندما أقول لوالدتي يا أماه لا تشركي بالله لا تعرني أي اهتمام وإذا استمعت إلى برنامجكم نور على الدرب تقول أمي بأنك لن تدخلي الجنة على عملك هذا وإذا استمريت على سماع هذا البرنامج أو غيره من البرامج الدينية فسوف تصابين بالجنون وأقول لها أنني لست مجنونة ولكن الله هداني ماذا أفعل لكي أرضي الله سبحانه وتعالى ثم أرضي أمي والناس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا أولاً نوجهها إلى هؤلاء الجماعة الذين وصفتهم بأنهم لا يصلون وبأنهم يشركون بالله ويسخرون من الدين ومن يتمسك به فإن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يعلموا أن دين الله حق وهو الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم وأن أركانه شهادة أن لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذا الكفر والشرك البالغ غايته وعليك أيضاً أن تحرصي على مناصحتهم ما أمكن ولا تيئسي من صلاحهم فإن الله سبحانه وتعالى مقلب القلوب فربما مع كثرة البيان والنصح والإرشاد يهديهم الله عز وجل وإذا تعذر إصلاحهم فإن الواجب هجرهم والبعد عنهم وعدم الجلوس إليهم لأنهم حينئذ مرتدين عن دين الإسلام والعياذ بالله وأما قول بعضهم لك إنك إذا استمعت إلى برنامج نور على الدرب أو غيره من الكلمات النافعة تصابين بالجنون فإن هذا خطأ منهم خطأ عظيم وهو كقول المكذبين للرسل إنهم أي الرسل مجانين وكهان وشعراء وما أشبه ذلك من الكلمات المشوهة التي يقصد بها التنفير عن الحق وأهل الحق فاستمري أنت على هداية الله عز وجل وعلى الاستماع لكل ما ينفع وعلى القيام بطاعة الله سبحانه وتعالى واعلمي أن العاقبة للمتقين.
***(24/2)
الرسالة التي نوهنا عن مرسلها رفعت علي محمد السيد من جمهورية مصر العربية يقول فيها نريد منكم وصية للوصول إلي الطريق الأصلح والأصوب في مجتمعنا الذي مُلِيء بالانحرافات حيث يوجد معنا في بلدنا مصر النصارى والصلىبين وتوجد المتبرجات وغير ذلك مما عَدَّده ولا نريد الإطالة به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإرشاد في ذلك هو أن يعيش الإنسان بين هؤلاء عيشة الحذر الخائف ويحرص بقدر ما يستطيع على أن يفعل هو ما شرعه الله ورسوله له من العبادات يحرص على السيرة الجميلة في مجتمعه ويدعو إلى سبيل الله تعالى بالحكمة الموعظة الحسنة ما استطاع فإذا رأى شُحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فليحرص على نجاة نفسه وليدع عنه أمر العامة وهذا أعني تقوى الله عز وجل هو ما وصى به الله تعالى جميع الخلق (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) والمؤمن العاقل يعرف كيف يسير وكيف يتخلص مع هؤلاء القوم الذين أشار إلى سلوكهم السائل.
***(24/2)
هذه الرسالة وصلتنا من مواطن مصري يقول أنا سائق مصري محتار في تصرف زوجة كفيلي حيث أنها تأخذ حاجات من المنزل وتأمرني أنا السائق أن أنزل بها إلى السوق ثم تدخل بعض الدكاكين ثم تدخل إلى المكاتب الداخلية وتتصل بالتلفونات ساعة ونصف أو أكثر أو تستخدم تلفون الشارع ويقول إنها تهدده بالطرد وبإلصاق التهم به فهل يخبر زوجها بذلك لأنه لا يرضى هذا التصرف منها وهو رجلٌ مسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة الأمر أن هذا التصرف الذي أشرت إليه إذا كان حقاً فإنه تصرفٌ سيء ولا يرضاه أحدٌ من المسلمين ونحن نشكرك على هذه الغيرة على صاحبك الذي أنت عنده بل وعلى هذه الغيرة على زوجته أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا يا رسول الله هذا الظالم فكيف نصر المظلوم فقال أن تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) فأنت ناصحُ لكفيلك ولزوجته أيضاً وعليك في هذه الحال إذا لم يفد معها النصح أن تخبر زوجها بذلك لتخرج من المسئولية وأنت إذا أخبرته بذلك فلن يضيرك شيئاً إن شاء الله لأن الله تكفل بأن من اتقى الله تعالى جعل له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.
***(24/2)
ما حكم من يأمر أبناءه بالصلاة من سن التمييز حتى يبلغوا سن الخامسة عشرة وبعد ذلك لا يستجيب هؤلاء الأبناء لآبائهم فبماذا توجهون الآباء نحو هذه المسئولية في المحافظة على الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إني أظن أن من اتقى الله عز وجل واتبع هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإرشاده في أمر أولاده من ذكور وإناث بالصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر وسأل الله لهم الهداية لا أظن أن الله عز وجل يخيبه في أولاده وأنهم سيستقيمون لكن المشكل أن بعض الناس يهمل هذه الأمانة ولا يبالي بها صلى أولاده أم لم يصلوا صلحوا أم فسدوا استقاموا أم جاروا ثم إذا كبروا عوقب بعقوقهم إياه لأنه لم يتق الله فيهم فلم يتقوا الله فيه فلا أظن أن أحدا اتقى الله في أولاده وسلك سبيل الشريعة في توجيههم إلا أن الله سبحانه وتعالى يهدي أولاده.
***(24/2)
السائلة من الجزائر بعثت بهذا السؤال تذكر بأنها عصبية وكثيرة القلق ولا تستطيع الصبر على أتفه الأمور بل تقول ربما لا أملك مثقال ذرة من الصبر وكثيرة الشكوى من المرض مع علمي بأن هذا ليس في مصلحتي وأعلم بأن الشكوى تكون لله عز وجل فما نصيحتكم لي يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لها ولأمثالها أن يكثروا من ذكر الله عز وجل فإن بذكر الله تطمئن القلوب وأن يبعدوا عن الأوهام والتخيلات وألا ييئسوا من روح الله ولا يقنطوا من رحمة الله وأن يحاولوا أن تكون صدورهم دائما منشرحة وأن يتناسوا ما يحصل لهم من نكبات فإن مثل هذه الأمور كلها سبب في زوال القلق ومن أهم ذلك أيضا أن يعلم أن ما أصابه فإنه بقضاء الله وقدره وأن لله تعالى أن يفعل في خلقه ما شاء لأنه عز وجل لا يفعل شيئا إلا لحكمة عظيمة.
***(24/2)
عبد الله محمد من القصيم يقول بعض الناس يتصدون للفتوى وليس عندهم علم شرعي يؤهلهم لذلك فما نصيحتكم لمثل هؤلاء.
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لهؤلاء أن يقرؤا قول الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقول الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وقوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فكل إنسان يفتي بغير علم فإنه ظالم لنفسه وظالم لإخوانه ولا يوفق للصواب لأن الله قال (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فعلى هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم وأن لا يتعجلو فإن كان الله أراد بهم خيرا ألهمهم رشدهم ورزقهم العلم وصاروا أئمة يقتدى بهم في الفتوى فلينتظروا وليصبروا أما بالنسبة للمستفتين فإننا نحذرهم من الاستفتاء لأمثال هؤلاء ونقول العلماء الموثوق بعلمهم وأماناتهم والحمد لله موجودون إما في البلاد نفسها وإما في بلد آخر يمكنهم الاتصال عليهم بالهاتف ويحصل المقصود إن شاء الله.
***(24/2)
ما هي الأسباب المعينة على أداء الصلوات في أوقاتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكبر الأسباب وأعظمها هو الإيمان بالله عز وجل والخوف من عقابه فمتى كان الإنسان مؤمنا بالله فإنه لا يمكن أن يضيع الصلاة ويؤخرها عن وقتها وإذا كان عند الإنسان تقوى من الله وخوف منه فإنه لا يمكن أن يؤخر الصلاة عن أوقاتها فأهم شيء العقيدة والإيمان وتقوى الله عز وجل وإذا كان إهمال الصلاة لأسباب معينة فإن مما يعين على إقامتها أن يدع هذه الأسباب مثل أن يكون سبب تركه لصلاة الفجر طول سهره فإنه يجب عليه أن يدع طول السهر حتى يتمكن من صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة وإذا كان أسباب التهاون في الصلاة البيع والشراء وجب عليه الكف عن البيع والشراء إذا حان وقت الصلاة فيصلىها مع الجماعة وهلم جرا.
***(24/2)
المستمعة تقول الكثير من الناس يشكون من الملل من كثرة الفراغ فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الملل قاتل للنفس وإفساد للبدن وجلب للهموم والغموم، ومن أكبر أسبابه ما يتسابق الناس عليه اليوم من جلب الخادمات في البيوت حتى أصبحت الربات في بيوتهم ليس لها شغل في البيت فتجد المرأة دائماً في هم تجلس في إحدى زوايا البيت ليس لها إلا الهم أو أن تخرج إلى الأسواق أو إلى الجيران فتتعبهم ولو سلم الناس من هؤلاء الخدم وصارت المرأة هي التي تخدم في بيتها كما هو شأن نساء الصحابة في عهد الصحابة وكما هو شأن الناس إلى يومنا هذا لكان هذا خيراً وأولى وفيه حفاظ المرء على ماله وحفاظه أيضاً على عرضه وحفاظ أهله من الخواء الفكري والبدني وبهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين عن جلب الخدم إلا للضرورة القصوى التي لا يمكن دفعها إلا بذلك، أما إذا كان الحامل على هذا زيادة الترف والتنعم فإن هذا يجر بلاءً كثيراً وتحصل به المفاسد إلا أن يشاء الله ولا سيما إذا جاؤا بامرأة كافرة فإن ذلك أقبح لأن المرأة الكافرة ربما يكون هناك أطفالاً يغترون بها وربما يكون هناك أطفالاً بلغوا سن التمييز فيتساءلون لماذا هذه لا تصلى ولا تتوضأ ولا تصوم، ويحصل في نفوسهم تهوين الدين والعمل به ولا سيما إذا لم يكن معها محرم فإن الخطر يكون أعظم وأكبر والمهم أن هذه المشكلة في الواقع لا يمكن حلها إلا أن يتقلص الطلب على هؤلاء الخدم ويرجع الناس إلى حالهم الأولى إلا عند الضرورة القصوى التي لا بد من وجود الخادم فيها.
***(24/2)
السائلة تقول في سؤالها الثاني بعض الأحيان يحس الفرد بقلة في إيمانه وبأنه بدأ بالابتعاد عن الطاعات بماذا يوجه مثل هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الإنسان لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة في إيمانه وحضور قلبه بل الإنسان ساعة وساعة ولهذا أمرنا بالطاعات في أوقات مختلفة من صلاة الفجر ومن صلاة الظهر ومن صلاة العصر ومن صلاة المغرب ومن صلاة العشاء ثم التهجد كل هذا من أجل إحياء ذكر الله عز وجل في قلوبنا لأن الإنسان لا بد أن تصيبه فترة يكسل فيها عن طاعة الله عز وجل ولهذ قال النبي صلى الله عليه وسلم (ساعة وساعة) يعني ساعة للعبادة وساعة للأنس بالأهل والاجتماع إليهم والتحدث إليهم وما أشبه ذلك ولكن على الإنسان أن يلاحظ قلبه دائما وأن يحرص على تطهيره من الشك والشرك والغل والحقد على المسلمين وغير ذلك مما يضر القلب.
***(24/2)
السائلة تذكر بأنها متزوجة من إنسان طيب جداً ويقدرني ولي منه ثلاثة أولاد ولكنه لا يصلى في المسجد ولكنه يواظب على الصلاة في البيت سواء كان مشغولاً أم لا وأُلِحُّ عليه أن يصلى في المسجد مع الجماعة فيوافق أحياناً ويرفض أكثر الأوقات ولكنه يواظب على الصلاة في البيت فماذا يجب علي أن أفعل تجاهه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على هذه المرأة السائلة أكثر مما صنعت مع زوجها وهو النصيحة لكن ينبغي لها أن تكرر النصيحة له على وجه لا يحصل به ملل لأن مِنْ حقه عليها أن تناصحه.
***(24/2)
المستمع محمد الحسن من جمهورية مصر العربية كفر أبو حماد الشرقية ومقيم بالطائف يقول يوجد عندنا عادة غير محمودة وهي يا فضيلة الشيخ إذا حدث خصامٌ بين الرجل وأخيه المسلم لا يكلمه لفترةٍ طويلة وإذا قابله في طريقٍ يرجع من طريقٍ آخر ولا يلقي عليه السلام وإذا ذهب إلى المسجد للصلاة فوجد الرجل الذي يخاصمه يصلى إماماً لا ينوي الصلاة خلفه بل يترك المسجد ويخرج فما نصيحتكم لمثل هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهؤلاء الذين تصل بهم الحال إثر الخصومات إلى ما ذكره السائل من الهجر والقطيعة والبغضاء والكراهية نصيحتنا لهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن هذا من نزغات الشيطان (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) وكذلك في غيرهما فعلى العبد أن يتقي الله عز وجل وأن لا يهجر أخاه المؤمن لعداوةٍ شخصية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) نعم للإنسان أن يهجر أخاه ثلاثة أيامٍ فأقل من أجل إعطاء النفس شيئاً من الحرية في معاملة هذا الذي أساء إليه أما ما زاد على ثلاث فإنه لا يحل هجره إلا لسببٍ شرعي مثل أن يكون هذا الرجل معلناً بالمعاصي والفسوق فيهجر لعله يتوب إلى الله ويرجع إذا رأى أن المسلمين قد هجروه
والواجب على العبد أن يصبر على طاعة الله وأن يصبر عن محارم الله وأن يضغط على نفسه في إقامة شرع الله عز وجل حتى لو قالت له نفسه لا تصل خلف هذا ولا تلق السلام عليه ولا تكلمه وإذا وجدته في طريق فانصرف إلى طريقٍ آخر وما أشبه ذلك فليعص نفسه وليقم بما أوجب الله عليه وإذا علم الله منه حسن النية وقصد الحق فإن الله تعالى يعينه على ذلك ويخفف عليه الأمر.
***(24/2)
السائلة أف ب من محافظة القريات تقول نرجو من فضيلة الشيخ أن يلقي كلمة موجزة يحث فيها الشباب على الزواج من فتيات بلدهم ولا يخرجون عن ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنني أحث الشباب على الزواج لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وأحثهم على ما حثهم عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتزوجوا ذات الدين والخلق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قال تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) وقال عليه الصلاة السلام (تزوجوا الودود الولود) لأن الودود أي كثيرة التودد يحصل منها من المعاشرة الطيبة ما لا يحصل من غيرها والودود أيضا تحمل زوجها على مواقعتها فيكثر الأولاد وأحث أبناءنا على أن يتزوجوا من بنات أبناء جنسنا من البلد لأنهم أقرب إلى الانضباط وإلى معرفة مقصود الزوج وإلى معرفة العادات وإلى قلة المؤونة لست أريد بقلة المؤونة قلة المهر لأن الغالب أن نساء البلد أكثر مهراً من نساء البلاد الأخرى لكن ما يترتب على النكاح فيما بعد من نساء البلاد الأخرى يكون كثيرا ومثقلا تجدها تحتاج إلى السفر في السنة مرة على الأقل وتحتاج إلى مؤونة السفر وتحتاج إلى أن يسافر بها الإنسان بنفسه أو يستجلب لها محرما من بلدها وتحتاج إلى هدايا لأهلها وأقاربها فمؤنتها كثيرة ثم إنه إذا قدر الله تعالى انفصال بينها وبين زوجها حصل من المشاكل إذا كان بينهما أولاد ما لا يستطيع الإنسان التخلص منه ثم إن عاداتها وما كانت عليه في بلادها في الغالب تخالف ما كانت عليه العادات هنا فيحصل بذلك تعسف وتأسف لأنها إما أن تغلب الزوج في عاداتها وإما أن يغلبها في عاداتها وحينئذ يكون التعسف في الغالب أو التأسف مع المجاملة ومن تأمل ما حصل ويحصل عرف الواقع ثم إن لدينا في بلادنا نساءً كثيرات بقينا بلا تزوج فهل نجلب بنات الناس من الخارج وندع بناتنا للهم والغم والفتنة هذا غير لائق قد يقول الشاب المهور في نسائنا كثيرة فنقول نعم لكن ليس الحل أن نجلب بنات البلاد الأخرى إلى بلادنا الحل أن نحاول بقدر المستطاع القضاء على هذه الظاهرة وهي كثرة المهور وذلك باجتماع الشرفاء والوجهاء في البلاد على تحديد شيء معين للمصلحة ونقول هذا المهر المقرر للشابة البكر وهذا المهر مقرر للكبيرة الثيب ثم إذا تزوج الرجل فليعط امرأته ما شاء ولا أحد يمنعه أو تعطيه هي ما شاءت من مهرها إذا كانت رشيدة ولا أحد يمنعها وإذا لم يجد اجتماع الكبراء والشرفاء فلا مانع عندي من أن يتدخل ولاة الأمور في هذا ويحلوا المشكلة بأي حل يريدونه وهو لا يخرج عن نطاق الشرع لأن الواقع أن هذه مشكلة يحصل بها الشر والفساد فلذلك أدعو إخواننا المسلمين إلى الجدية في إيجاد حل لهذه المشكلة على المستوى القبلي أو البلدي أو المستوى الحكومي حتى تنحل هذه المشكلة ويتزوج شبابنا من شاباتنا ونكون أسرة واحدة.
***(24/2)
هذه رسالة وردتنا من الأخ حمد البسام من الرياض يقول أنا دائماً أسرح وأفكر دائماً حتى في الصلاة وقراءة القرآن أحياناً وفي بعض المرات تمضي نصف خطبة الجمعة وأنا أفكر ولا أدري ماذا قال الإمام في الخطبة وأنا لا أدري ماذا أفعل هل علي إثم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن الواجب على من حضر الجمعة أن يستمع إلى خطبة الإمام ولا يجوز له أن يتشاغل عن استماعها بكلام ولا غيره وهذه الوسواس والهواجيس والتفكيرات التي تحدث لك في هذه الحال هي من الشيطان ليصدك عن ذكر الله فإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) والواجب عليك أن تحاول بقدر ما تستطيع التخلص من هذا الأمر حتى تُقبل على عبادتك وأنت مستريح غير مشوش وتستمع إلى الخطبة وتنتفع بها ولا تكن كالذين قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً) بل استمع وانتبه وتأمل وتفكر في معاني ما يقوله الخطيب حتى تنتفع من هذه الخطبة الأسبوعية التي أوجبها الله تعالى وأوجب السعي إليها.
***(24/2)
هذه السائلة غادة الغامدي تذكر بأنها طالبة في المرحلة الثانوية وقد أعجبت بمدرسة تتصف بالالتزام والخلق ولكن المشكلة أن بعض الصديقات يسيئون إلى هذا المدرسة بقول أوفعل لأن هذه المعلمة تنصحهم وترشدهم وتمنعهم من اللبس المخالف للسنة في المدرسة فيقومون بالإساءة لها والضحك عليها ماذا أفعل فقد قمت ونصحت الطالبات ولكن لا فائدة فأرجو توجيه كلمة يا فضيلة الشيخ محمد للطالبات وللمعلمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الطالبات فنصيحتي لهن أن يتقين الله تعالى وأن يحترمن حقوق المسلم وأن لا يسخرن بمن يلتزم بدين الله ويأمر بالالتزام بل إن من يلتزم بدين الله ويأمر بالالتزام جدير بأن يكرم ويحترم لأنه قام بطاعة الله وأما بالنسبة للمعلمة فعليها الصبر والاحتساب وأن تعلم أن كل من تمسك بدين الله فسيجد له أعداء قال الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) والمتبعون للأنبياء لابد أن يكون لهم عدو من المجرمين فعليها أن تصبر وتحتسب وإذا وصل الأمر إلى حد لا يطاق فإن لها الحق أن ترفع الأمر إلى إدارة المدرسة وإدارة المدرسة يجب عليها أن تؤدب مثل هؤلاء الطالبات لظهور عدوانهن.
***(24/2)
زوجتي تحلف أيماناً كاذبة وتسب أم الزوج وإخوانه ما نصيحتكم لهذه الزوجة.
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لهذه الزوجة أن تكون حسنة الآداب مع أم زوجها لأن ذلك مما يزيد زوجها رضاً عنها ومما يزيد الزوج إحساناً في عشرتها وهي مأجورة على ذلك وإذا ساءت العشرة بين الزوجة وأم الزوج أو أبي الزوج أو أقارب الزوج فالغالب أنها تسوء العشرة بين المرأة وزوجها أيضاً فتكون حياتهما نكداً وربما يحدث بين الزوجين أولاد فيسوؤهم أن يروا أمهم وأباهم على هذه الحال فنصيحتي للزوجة أن تصبر وتحتسب وتحسن إلى أم زوجها وأبيه ومن يعز عليه من الأقارب كما أني أنصح أيضاً بعض الأزواج الذين يريدون من زوجاتهم أن يكن خدماً لأمهاتهم فإن هذا غلط محض فالزوجة ليست خادمة لأم الزوج ولا لأبي الزوج وخدمتها لأم الزوج وأبي الزوج معروف منها وإحسان ليس مفروضاَ عليها أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلى العرف فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه وما لم يجرِ به العرف لم يجب عليها ولا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب عليها إذا لم تقم بذلك وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته فإن الله تعالى فوقه وهو العلي الكبير عز وجل قال الله تعالى (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) .
***(24/2)
المستمعة فائزة محمد من ليبيا تقول البعض من الناس يعملون أشياء تخالف الشرع ويقومون بالنفاق أو الهمز أو اللمز وعندما أقول لهم بأن هذا حرام وأن الله سبحانه وتعالى سيحاسب على ذلك يقولون يوم الجحيم ربنا رحيم فماذا تقولون أنتم لمثل لهؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لمثل هؤلاء الذين يعملون السيئات ويتكلون على مغفرة الله ورحمته إنهم على خطر عظيم فإن الله تعالى يقول في كتابه (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) ويقول جل وعلا (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) فهذا الاتكال الذي يحصل من بعض الناس المفرطين المهملين لاشك أنه من إيهام الشيطان ووحي الشيطان وما يدري هذا الرجل أتكون هذه المعاصي التي هي في نفسه سهلة بريداً لمعاصي أكبر منها ثم للكفر بالله عز وجل ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه (إنكم تعملون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر وإنها يعني عند الصحابة لمن الموبقات) وقال أهل العلم الإصرار على الصغيرة كبيرة والكبائر لا تغفر إلا بتوبة مع أن الهمز واللمز إذا كان بالنسبة للمؤمنين فقد توعد الله عليه بالويل فقال (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) فالواجب على المؤمن أن يتقي الله عز وجل وليعلم أن الله شديد العقاب وأنه غفور رحيم ففي جانب المعاصي يجب أن ينظر من زاوية العقاب حتى يرتدع عن المعصية وفي جانب الأوامر إذا قام بها وحصل شيء من التقصير ينظر من زاوية المغفرة والرحمة وبهذا السير على هذا النحو يتحقق أن يكون سيره على الوجه المطلوب أي بين الخوف والرجاء فإن الإنسان إذا سار إلى الله عز وجل مغلباً جانب الرجاء فقد يغلب عليه الأمن من مكر الله وإذا سار إلى الله مغلبا جانب الخوف فقد يغلب عليه القنوط من رحمة الله وإذا سار إلى الله بين الخوف والرجاء فقد سار بجناحين متساويين فيخاف عند الهم بالمعصية ويرجو عند فعل الطاعة قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا فإن أيهما غلب هلك صاحبه وقال بعض أهل العلم الأولى أن يغلب جانب الرجاء لقوله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي) وقال آخرون ينبغي أن يغلب جانب الخوف حتى يعصمه ذلك من فعل الذنوب وقال بعض العلماء يغلب في حال المرض جانب الرجاء حتى يلقى الله عز وجل وهو يحسن الظن به وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف حتى يحمله ذلك على ترك المحرمات وفعل الواجبات وقال آخرون يغلب عند فعل الطاعة جانب الرجاء وأن الله تعالى يقبلها منه كما يسر له فعلها وعند الهم بالمعصية يغلب جانب الخوف حتى يردعه خوفه عن فعل هذه المعصية وهذا الأخير هو أقرب الأقوال أن يكون الإنسان عند فعل الطاعة مغلبا لجانب الرجاء وأن الذي يسرها له سيمن عليها بقبولها وعند الهم بالمعصية يغلب جانب الخوف ليمنعه ذلك عن فعل هذه المعصية والإنسان في الحقيقة له أحوال أحيانا يجد نفسه منشرحا مقبلا على الله مغلبا جانب الرجاء وأحيانا بالعكس يكون خاملا ساكنا فيغلب جانب الخوف والإنسان كما يقول بعض الناس طبيب نفسه المهم أن لا يصل إلى درجة يقنط من رحمة الله ولا إلى درجة يأمن فيها مكر الله.
***(24/2)
المستمع م. ج من الرياض يقول هناك أشخاص يعملون أشياء محرمة في الإسلام فماذا يترتب علي نحوهم هل أقوم بنصحهم وأكتفي بذلك أم ماذا علي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تقوم بنصحهم وإرشادهم وتخويفهم من الله عز وجل وإذا كنت تخشى أن لا يثقوا بقولك فاستعن على ذلك بأقوال أهل العلم الذين يثق بهم هؤلاء وأعطهم شيئاً من كتبهم إن كان لهم كتب أو أجوبتهم أو أشرطتهم حتى يقتنعوا بهذا فإن لم تتمكن من ذلك أو تمكنت وفعلت ولكن لم يستفيدوا شيئا فحينئذ يجب عليك أن ترفع أمرهم إلى من له السلطة عليهم بحيث يلزمهم بما يجب عليهم في حق الله سبحانه وتعالى وليعلم أن من أهم حقوق الجيران بعضهم على بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) وإذا كان قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) فالواجب علينا أن نحرص على هداية جارنا لأن هدايته غذاء للروح وخير له في دينه ودنياه ولا يقول أحد أخشى إن نصحته أن يزعل علي أو يهجرني فإن هذا من تخويف الشيطان بل انصحه ومره بالمعروف وانهه عن المنكر لأن هذا هو الواجب عليك والواجب عليه قبول الحق من أي نفر كان فإن لم يقبل برئت ذمة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وصار الإثم على من خالف.
***(24/2)
المستمع رمز لاسمه بـ ك ع يقول فضيلة الشيخ لي ولد متزوج وله طفل ويسكن معي في الدار إلا أنه يعاقر الخمر والعياذ بالله يوميا ويسبب المشاكل للعائلة إضافة إلى تلفظه بكلمات نابية وبالكفر والعياذ بالله وبالرغم من نصحي له بترك الخمر والسير مع العائلة السيرة الحسنة التي يرضاها الله عز وجل إلا أنه لم ينتصح فهل يحق لي أن أطرده من البيت لأنه ولد عاق وكيف أتصرف معه بحيث لا يغضب الله علي أو أتحمل الإثم لأنني رجل حاج إلى بيت الله الحرام وأخاف العقاب فأرجو نصحنا وتوجيهنا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنني أقدم النصيحة أولاً لهذا الابن الذي ابتلي بهذه البلية وهي معاقرة شرب الخمر وأقول له إن شرب الخمر من كبائر الذنوب وإن الخمر مفتاح كل شر وهي محرمة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وثبت عن النبي صلى الله علية وسلم أنه (لعن شارب الخمر) وثبت عنه أنه قال (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وجاء عنه صلى الله عليه وسلم (أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) والنصوص في ذلك كثيرة ومعلومة لكثير من الناس فالواجب على هذا الابن المبتلى بهذه البلية أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يقلع عنها وأن يبتعد عن شاربيها وأن لا تكون له على بال حتى يمن الله عليه بالهداية والله عز وجل إذا علم من عبده صدق النية في التوبة الخالصة فإن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه وييسر له التوبة ويسهلها عليه.
أما النصيحة الثانية فهي لك أنت أيها الأخ السائل ولأهل بيتك أن تشكروا الله سبحانه وتعالى على نعمته حيث عافاكم مما ابتلى به هذا الشخص وأن تحاولوا نصحه مهما أمكن فإن تيسر وهداه الله فهذا لكم وله وإن لم يفعل فلا حرج عليكم في إخراجه من البيت بل قد يكون من الواجب أن تخرجوه من البيت لئلا يسري خبثه إلى من في البيت ولئلا يحصل منه ما لا تحمد عقباه من العدوان على أمه أو على أخواته أو عليك أنت أيها السائل أو غير ذلك المهم أنه إذا لم ينته عما كان عليه من هذه الخبائث فإن الواجب عليكم أن تخرجوه من البيت ولعلكم بإخراجه تكونوا سببا لهدايته إذا رأى الأمر أنه قد ضاق عليه وأنه أصبح طريدا مبعدا عن أهله فربما يرجع إلى الله عز وجل ويتوب إلى الله ولا أرى أن تبقوه في البيت إطلاقاً.
***(24/2)
هذه السائلة من ليبيا أرسلت في الحقيقة برسالة مطولة تقول إنها فتاة تبلغ من العمر الثالثة والعشرون ملتزمة وتحمد الله على ذلك ولكن المشكلة في أن أباها يتعاطى الخمر والمسكرات فترة طويلة وذلك سرا ولكن بحكم عملي في البيت تعرفت على ذلك فما الواجب علي علما بأنني لا أستطيع المواجهة والنصح في مثل هذه الأمور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذه المرأة أن تزجي النصيحة لأبيها بأي وسيلة لأن من بر الوالد أن يسجي ولده له النصيحة ألم تر أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال لأبيه (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) وناصحه وكذلك نحن يجب علينا أن ننصح أمهاتنا وآبائنا بأي وسيلة فإذا كانت هذه السائلة لا تستطيع مواجهة أبيها فإن الواجب عليها أن تكتب له كتابا بدون توقيع تذكره بالله عز وجل وتبين له النصوص الدالة على تحريم الخمر والوعيد الشديد على شاربها فلعل الله سبحانه وتعالى أن ينقذه من ذلك ولا ينبغي لها أن تيأس من صلاح والدها فكم من إنسان كان فاسداً فأصلحه الله تعالى بأدنى سبب والله سبحانه وتعالى مقلب القلوب يقلبها كيف يشاء نسأل الله لأبيها الهداية ونسأل الله لها الإعانة.
***(24/2)
هذه مستمعة للبرنامج تقول في هذا السؤال بأنها فتاة ملتزمة وتحمد الله على ذلك منذ ما يقارب من سنة ولكن قلبي في تغير مستمر وتقلب فأحيانا أشعر بقوة في إيماني وإقبال على الصلاة بخشوع وحب للخير وأحيانا تقل هذه القوة وأشعر بقسوة في قلبي فلا أبقى على حال واحدة لدرجة أني بدأت أشعر بالخوف على ديني وأخشى أن أعود كما كنت وأشعر بأن إيماني بدأ يقل تدرجيا وجهوني يا فضيلة الشيخ بما يقوي إيماني وادعو لي بالهداية والثبات على الحق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسأل الله لنا ولها الهداية والثبات على الحق والإنسان بشر يتغير بحسب ما يرد على قلبه وما ينظر إليه بعينه ويسمع به بأذنه ولكن على المؤمن أن يسأل الله تعالى الثبات دائما وأن يفعل الأسباب التي يثبت بها إيمانه من كثرة مراقبة الله عز وجل وذكره بالقلب واللسان والجوارح وقراءة القرآن بتدبر وتفكر فإن قراءة القرآن على هذا الوجه تلين القلب وتزيده إيمانا وكذلك يكثر من مخالطة أهل الخير والصلاح الذين يعينونه إذا ضعف ويذكروه إذا نسى والمهم أن يسأل الله تعالى الثبات دائما مثل أن يقول (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) وما أشبه ذلك من الأدعية وسيجد الخير إن شاء الله تعالى ولكن لا يتقاعس ولا ييئس من رحمة الله ولا ينظر إلى ما وراءه مما كان عليه من معصية الله عز وجل بل ينظر إلى ما أمامه من الطاعة والخير والثواب الجزيل لمن أطاع الله.
***(24/2)
هذا المستمع عيسى عبد اللطيف من بقيق يقول في سؤاله الكثير من الزوجات هداهن الله لا يردن من أزواجهن أن يتزوجوا عليهن فأريد بذلك نصيحة لهن من قبل الإذاعة في برنامج نور على الدرب جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة في ذلك أن نقول:
أولاً للأزواج لا ينبغي أن تتزوج بأكثر من واحدة إلا إذا كان الإنسان عنده قدرة في المال وقدرة في البدن وقدرة في العدل فإن لم يكن عنده قدرة في المال فإنه ربما يكون الزواج الثاني سبب لتكاثر الديون عليه وشغل الناس إياه بالمطالبة وإذا لم يكن عنده قدرة في البدن فإنه ربما لا يقوم بحق الزوجة الثانية أو الزوجتين جميعاً وإذا لم يكن عنده القدرة على العدل فقد قال الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) فإذا كان عند الإنسان قدرة في المال والبدن والعدل فالأفضل في حقه التعدد بأن يتزوج أكثر من واحدة لما في ذلك من المصالح الكثيرة التي تترتب على هذا كتحصين فرج المرأة الثانية وتكثير النسل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وإزالة ما في نفس الإنسان من الرغبة في التزوج بأخرى أما بالنسبة للمرأة السابقة فنصيحتي لها ألا تحول بين الإنسان وبين ما شرع الله له بل ينبغي لها إذا رأت من زوجها الرغبة في هذا وأنه قادر بماله وبدنه ومستطيع للعدل أن تكون مشجعة له على ذلك لما في هذا من المصالح التي أشرنا إليها وأن تعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان معه عدة زوجات وأن تعلم أنه ربما يكون في ذلك خير لها فالمرأة الثانية قد تعينها على شؤونها وتقضي بعض الحقوق التي لزوجها مما تكون الأولى مقصرة فيه في بعض الأحيان والمهم إن نصيحتي للنساء ألا يغرن الغيرة العظيمة إذا تزوج الزوج عليهنّ بل يصبرن ويحتسبن الأجر من الله ولو تكلفن وهذه الكلفة أو التعب يكون في أول الزواج ثم بعد ذلك تكون المسألة طبيعية.
***(24/2)
المستمع يقول إنه يعمل مع رجل يصر على ارتكاب بعض المخالفات ولا يعبأ بالنصيحة وقد أحضرت له بعض الكتب الشرعية عله يستنير بها ولكن دون جدوى فهل أترك العمل معه رغم ندرة العمل عندنا أم أن نصحي وإرشادي له قد يجعله يتراجع عن معاصيه نرجو النصيحة والإرشاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصيحة في هذا الشأن يمكن أن نوجهها إليك وإليه أما بالنسبة لك فالواجب عليك أن تتابع النصيحة ما دمت ترجو أن يكون لها أثر في إصلاح هذا الرجل ولا تمل ولا تسأم ولا تيأس فإن الباب قد لا ينفتح في أول محاولة وينفتح في المحاولة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو أكثر واسأل الله له الهداية فإن دعاءك لأخيك في ظهر الغيب حريٌ بالإجابة لأن الملك يقول آمين ولك بمثله واهده بالتي هي أحسن فإن أبى وأصر على ما هو عليه من المعصية فإن كان يفعل المعصية بحضورك لأن طبيعة العمل تقتضي أن تكون حاضراً وهو يعمل المعصية فلا يجوز لك أن تبقى في هذا العمل لأن الجلوس مع أهل المعاصي معصية ومشاركةٌ لهم في الإثم كما قال الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إن قعدتم معهم فأنتم إذاً مثلهم أما إذا كانت المعاصي التي يعملها خارج العمل التي أنت مشاركٌ له فيه فإنه لا يضيرك أن تبقى في عملك لأنك لم تشاهد المعاصي التي يفعلها ولم ترضَ بها هذا بالنسبة للنصيحة لك أما نصيحتى له فإنني أقول عليه أن يتقي الله في نفسه وأن يتوب إلى الله عز وجل لأن الله عز وجل أوجب التوبة على عباده من جميع الذنوب قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة إلى الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام (توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله تعالى في اليوم مائة مرة) فالواجب عليه أن يقلع من الذنب ويندم عليه ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل حتى تكون توبته نصوحة لئلا يفجأه الموت وهو مقيمٌ على معصيته فلا تنفعه التوبة حينئذٍ لقول الله تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) فالإنسان لا يدري متى يفجأه الموت فنصيحتي له ولكل مذنب مشفقٍ على نفسه أن يتوب إلى الله ويقلع عن ذنبه قبل أن لا يكون له مناص منه.
***(24/2)
في رمضان يكثر القراء لكتاب الله عز وجل وهذا طيب وأجره كبير وعظيم ولكن بعد رمضان قد يهجر القرآن حتى يأتي رمضان الآخر ويبقى على الرفوف فماذا تنصحوننا وتنصحون المسلمين في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصح إخواننا المسلمين ولا سيما حفظة القرآن أن يتعاهدوا القرآن بالتلاوة لينالوا الأجر ويكونوا على ارتباط بكلام الله عز وجل وأن لا يدعوا وقتاً من أوقاتهم إلا ولهم فيه خير من قولٍ أو عمل وأحث إخواني حفاظ القرآن على تعاهده لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فقال (تعاهدوا القرآن والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فينبغي لحفظة القرآن أن لا يهملوه لأن إهماله والإعراض عنه حتى ينسى قد يكون فيه إثمٌ كبير وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الشباب يتهيب من حفظ القرآن ويقول أنا لا أحفظه أخشى أن أنساه فأكون على إثم وهذا لا شك من وساوس الشيطان وتثبيطه عن الخير فأنت يا أخي ما دمت في زمن الشباب فاحفظ القرآن وتعاهدوه واستعن بالله عليه واحرص على ثباته في قلبك وإذا نسيت آيةً مع الاجتهاد فلا إثم عليك إطلاقاً فقد ثبت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى ذات ليلة وقرأ ونسي آيةً من القرآن فذكره بها أبي بن كعبٍ بعد الصلاة فقال هلا كنت ذكرتنيها) (ومر برجلٍ يقرأ القرآن فقال يرحم الله فلاناً فقد ذكرني آيةً كنت نسيتها) فالحاصل أن الإنسان إذا اجتهد وحفظ القرآن وتعاهده ثم نسي منه ما نسي فلا إثم عليه بلاشك فعليك أيها الشاب أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تستعين بالله عز وجل على حفظ كتابه سبحانه وتعالى وأن تبدأ بحفظ القرآن وأن تحفظ أوقاتك من إضاعتها بلا فائدة وفي بلادنا ولله الحمد حلقات كثيرة من حلق تعليم القرآن حفظاً ونظراً فنسأل الله تعالى أن يعم بها جميع بلاد الإسلام وأن يحفظ بها عباده المؤمنين.
***(24/2)
المستمعة أ. س. أم جويرية من دولة الكويت تقول بأنها فتاة منقبة تحمد الله على ذلك ولكن والدتي ترفض الخروج معي لزيارة الأهل والأقارب لأنها تعتقد بأنني مصدر إحراج لها وهي غير راضية عن تصرفاتي بلبس النقاب وعدم مصافحة الرجال وأمور الالتزام الأخرى فكيف أتصرف معها وبماذا ترشدونني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا من وجهين الوجه الأول بالنسبة لأمك فإنني أنصحها بأن تدع هذا الأمر وهو مضايقتك من أجل التزامك وأقول لها إن الواجب عليها أن تحرص على معونتك على البر والتقوى وأن تحمد الله عز وجل أن جعل من ذريتها ذريةً صالحة وكل إنسان بلا شك يفرح إذا كان أولاده صالحين من بنين أو بنات والولد الصالح ذكرٌ أو أنثى هو الذي ينتفع به والده بعد مماته لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولدٌ صالح يدعو له) ولا يحل لها أبداً أن تضايقك على فعل المعروف وترك المنكر.
أما الوجه الثاني فهو بالنسبة لك فأنت التزمي حدود الله ولا يهمك أحد لا أمك أو غيرها فأنت إذا فعلتي ما يرضي الله فلا يهمك أن يسخط عليك جميع الناس حتى أمك ومن سخط عليك بسبب طاعة الله فليسخط ولا تهتمي به أبداً وأما كونها تأبى أن تخرج معك وترى إن ذلك إحراجٌ لها فهذا من قلة بصيرتها فإنه ليس في النقاب ولا في الامتناع من مصافحة غير المحارم إحراجٌ أبداً بل هو من نعمة الله وينبغي للإنسان أن يفرح به وأن يحمد الله الذي أعانه على فعله لأن ذلك من طاعة الله عز وجل.
***(24/2)
المستمع ع. ع. ص. من صنعاء باليمن يقول بأنه شابٌ مسلم ويحمد الله على هذه النعمة وعمري لا يتجاوز السابعة والعشرين أصبت منذ أحد عشر عاماً بمرض وذهبت إلى عدة مستشفيات في اليمن على أمل الشفاء ولكن دون جدوى وفوضت أمري إلى البارئ عز وجل فهو القادر على شفائي وتفريج كربتي وليس للمؤمن إلا ما كتب الله له ثم يقول والدي يلح علي بالزواج ولكنني أرفض خوفاً من تطور المرض خاصةً وله هذه المدة الطويلة فهل في رفضي هذا معصية لوالدي نرجو التوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن كلام هذا السائل كلامٌ طيب في كونه أثنى على ربه لهدايته إلى الإسلام وفوض أمره إلى الله لما أصابه من المرض وهكذا ينبغي للمؤمن إذا من الله عليه بالهداية والاستقامة أن يحمد الله على ذلك ويسأله الثبات عليها حتى يلقى ربه عز وجل وهكذا ينبغي للمؤمن إذا أصيب بمصيبة أن يفوض أمره إلى الله ولكن لا يدع الأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً في إزالة هذه المصيبة وأما إلحاح والده عليه بالزواج وامتناعه عن ذلك فالذي أرى أن لا يمتنع من الزواج ما دام مرضه لا يخشى منه أن يتعدى إلى الزوجة فإن الذي أرى أن يتزوج فلعله أن يكون في زواجه خير وشفاءٌ من هذا المرض فإن بعض الأشياء قد لا يخطر بالبال أنها مفيدة مجدية ومع ذلك تكون مفيدةً مجدية بإذن الله فنصيحتي له أن يتزوج امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وطاعةً لوالده الذي كان يلح عليه في الزواج إلا إذا كان فيه مرض يخشى منه أن ينتقل إلى الزوجة فيكون جانياً عليها فهذا له أن يمتنع ولكن ينبغي أن يبين لوالده السبب حتى يطمئن والده ويرضى.
***(24/2)
السائلة تستفسر عن موانع الدعاء تقول لقد دعوت الله أن يرزقني بالزوج الصالح ولكن للأسف من يتقدم لي غير ذلك وقد تقدم لي أحد الأشخاص الذي يبدو عليهم الصلاح إلا أنه كان متزوجا فرفضته لأنني لا أقبل نفسيا أن أكون الزوجة الثانية وأن تكون سعادتي على حساب تعاسة الآخرين فهل آثم في رفضه كما أنها تقول يراودني شعور بأنني سأظل بلا زواج طول عمري ومهما دعوت فلن يستجاب لي هل هذا الشعور هو تحقيق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (قلب المؤمن دليله) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول لها ولغيرها إن الله سبحانه وتعالى قد يمنع إجابة دعوة الشخص لخير يريده لهذا الشخص فلا يستعجل الإنسان بل يلح في الدعاء والإنسان إذا دعا ربه فلن يخيب لأمور أولا أن الدعاء عبادة يؤجر عليها ويثاب عليها.
ثانيا أن الله تعالى إما أن يجيب دعوته أو يدخرها له يوم القيامة أو يصرف عنه من السوء ما يقابل ما دعا به أو أكثر ومع ذلك نقول ألح بالدعاء فإنك إنما تدعو غنيا كريماً جوادا ولا تيأس ولهذا جاء في الحديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا كيف يعجل يا رسول الله قال يدعو ويدعو ويدعو فيقول لم يجب لي أو كلمة نحوها فيستحسر عن الدعاء) فهذه المرأة نقول لا تيأسي من رحمة الله كرري الدعاء وأما كونها يتقدم لها رجل ذو دين ولكن معه زوجة أخرى فتمتنع من الإجابة من أجل الزوجة الأخرى فلا أرى لها ذلك ما دام الرجل صالحا ذا خلق ودين فلتجبه وقولها لا أحب أن تكون سعادتي بشقاء الآخرين هذا غلط فإن الآخرين لا ينبغي لهم أن يشقوا بذلك فلا ينبغي للمرأة أن تغلبها الغيرة بحيث تشقى إذا تزوج زوجها لأن تعدد الزوجات مما ينبغي أن يفعله العبد إذا كان ذا قدرة مالية وبدنية وآمنا من الجور والميل فإن في كثرة النساء كثرة الأولاد وكثرة الأمة وتحصين فروج كثير من النساء الباقيات في البيوت وهو من نعمة الله عز وجل
ولولا أن الحكمة في تعدد الزوجات ما شرعه الله عز وجل ولا أذن فيه نعم إذا كان الإنسان قليل المال أو ضعيف البدن أو خائفا ألا يعدل فهنا نقول الأفضل أن تقتصر على ما عندك وتسأل الله التوفيق.
***(24/2)
هذه رسالة وصلت من إحدى الأخوات المستمعات تعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة والرسالة طويلة وسأقوم إن شاء الله تعالى باختصارها تقول أريد أن أستشيركم في أمر يخصني وأفراد أسرتي من البنات ألا وهو أني وأخواتي البنات كتب علينا أن نظل بلا زواج لأننا قد تخطينا سن الزواج إلى ما بعده بكثير جداً جداً إن لم يكن اقتربنا من سن اليأس بالفعل هذا مع العلم ولله الحمد والله على ما أقول شهيد أننا على درجة من الأخلاق وقد حصلنا على شهادات جامعية جميعنا ولكن هذا هو نصيبنا والحمد لله نسأل الله سبحانه وتعالى الصبر والإيمان والتقوى ولكن الناحية المادية هي التي لا تشجع أحداً بأن يتزوجنا لأن ظروف الزواج وخاصة في بلدنا تقوم على المشاركة بين الزوجين باعتبار ما سيكون في المستقبل والآن وبعد أن تعديت سن الزواج وفقني الله عز وجل للعمل في الإمارات العربية المتحدة إلا أنني سمعت في برنامجكم المفضل نور على الدرب عن حرمانية هذا السفر اتباعاً لسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقررت بمشيئة الله أن أقدم استقالتي للرجوع إلى بلدي مرة أخرى لأنه ليس هناك لدي من تسمح ظروفه بالسفر معي والآن أسألكم يا فضيلة الشيخ كيف نقي أنفسنا شر الألم الذي قدر لنا وكيف نحمي أنفسنا من كثرة الأسئلة التي توجه إلينا من الناس جميعاً عن السبب في عدم زواجنا فلقد أصبح اختلاطنا بالناس أمر محال بسبب هذا الأمر وأنا أعلم أن الصبر والصلاة والاستعانة بالله جل شأنه هو السبيل ولكن لاشك في أن في هذا الأمر مشقة على النفس أرجو نصيحتي وتوجيهي نيابة عن أخواتي وأسأل الله لي ولهنّ الخير بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصيحة التي أوجهها إلى مثل هؤلاء النساء اللاتي تأخرن عن الزواج هي كما أشارت إليه السائلة أن يلجأن إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع إليه بأن يهيئ لهنّ من يرضى دينه وخلقه وإذا صدق الإنسان العزيمة في التوجه إلى الله واللجوء إليه وأتى بآداب الدعاء وتخلى عن موانع الإجابة فإن الله تعالى يقول (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فرتب سبحانه وتعالى الإجابة على الدعاء بعد أن يستجيب المرء لله ويؤمن به فلا أرى شيئاً أقوى من اللجوء إلى الله عز وجل ودعائه والتضرع إليه وانتظار الفرج وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) وأسأل الله تعالى لهن ولأمثالهن أن ييسر لهن الأمر وأن يهيئ لهن الرجال الصالحين الذين يعينوهنّ على صلاح الدين والدنيا.
يافضيلة الشيخ المستمعة تقول هل عدم زواجنا هذا بما يسببه لنا من ألم فيه تكفير لذنوبنا وهل هذا الحرمان ينطبق على حالنا أم هو نصيب ومكتوب فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا الذي حصل نصيب ومكتوب فإن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة وكتب على العبد أجله وعمله ورزقه وشقي أم سعيد وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) ومع كونه مكتوباً مقدراً من الله عز وجل فإن الله تعالى يثيب المرء عليه إذا صبر واحتسب فإذا صبر الإنسان واحتسب على المصيبة كان في ذلك تكفير لسيئاته ورفعة لدرجاته وتكثير لثوابه قال الله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) وقال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
يافضيلة الشيخ: تقول هل والدنا الفاضل يمكن أن يسأل عن ذلك الأمر يوم الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: والدكم لا يسأل عن ذلك يوم الدين إلا إذا كان سبب التأخير منه مثل أن يأتي الخطاب الذين يرضى دينهم وخلقهم ثم يردهم نظراً لما يحصل منكم من مادة له بهذه الوظائف فإذا كان الأمر كذلك أي أنه يرد الخطاب من أجل مصلحة مادية تعود عليه فلا شك أنه آثم بذلك وأنه لم يقم بواجب الأمانة فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره من هذا العمل وأن يبادر بتزوجيكنّ من حين أن يأتي الخاطب الذي يرضى دينه وخلقه.
***(24/2)
أنا شاب في السادسة والعشرين من العمر تزوجت فتاة مسلمة والحمد لله لكن مشكلتي هي أن والدي وأمي لم يوافقوا على ذلك الزواج أما أنا فقد تزوجتها بموافقة أهلها ورضاها وبعد مدة قصيرة من الزواج بدأت مشاكل بين زوجتي وأهلي أمي وأبي وإخواني فهم يريدون من زوجتي الشغل خارج البيت في المزرعة ومعهم كثير من إخواني وأنا غير موجود معهم فأنا موظف والمشكلة أن جميع من في البيت ما عدا أنا وزوجتي يحبون صوفية هذا الزمان الذين تكثر فيهم البدع والخرافات ومن هذه البدع أنهم يذهبون إلى السيد ويعملون أوراق على شكل مربعات ويكتبون فيها أشكالاً وألواناً لا نعرف ما هي هذه الكتابة وليست من القرآن ويحرقونها في النار والكثير من البدع وأنا أنصح لهم ولا يفيد ذلك وجوابهم في ذلك أنهم يقولون أنت البارحة صرت في الدنيا وأنت اليوم تعلمنا بديننا والحقيقة أنني لم أستطع أنا وزوجتي أن نعيش في هذا البيت من كثرة المشاكل وهم يلحون علي أن أطلق زوجتي وأنا لا أقبل بذلك مما جعلني أترك هذا البيت وأسكن في بيت ثاني مع العلم أنهم لن يقبلوا أن أعيش معهم أو أن أرجع إليهم أبداً وإذا رجعت فإنهم يهددوني فماذا أعمل أرجو من فضيلتكم تفصيل ذلك ونصيحتكم جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا أولاً لأهلك ننصحهم أن يكفوا عما هم عليه من هذه الخرافات البدعية التي ما أنزل بها من سلطان والتي لا تزيدهم من الله تعالى ألا بعداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وحذر صلى الله عليه وسلم من البدع وقال (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وإذا كانوا صادقين في إرادتهم لله عز وجل والدار الآخرة فليتبعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فإن بذلك السعادة في الدنيا والآخرة قال الله تبارك وتعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهم إذا رجعوا إلى خالص السنة وصفائها عرفوا أن ما هم عليه ضلال وخطأ وانشرحت صدورهم للإسلام واطمأنت قلوبهم به وعرفوا قدر الحياة التي قال الله تعالى عنها (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وأما بالنسبة لك فإنني أوصيك بتقوى الله عز وجل أنت وزوجتك وأن تستقيم على أمر الله سبحانه وتعالى وما صنعته من انفرادك عنهم في البيت أنت وزوجتك فإنه موافق للصواب فلتبق مع زوجتك في هذا البيت بعيداً عن البدع والخرافات ولتصل والديك وأقاربك بما يجب عليك ولتحرص على نصيحتهم دائماً وتبين لهم الحق ولا تيئس فإن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى وكم من إنسان كان بعيداً عن الحق وبكثرة النصح والإرشاد والتوجيه بالأدلة المنقولة والمعقولة حصل له الخير والفلاح
***(24/2)
السؤال: السائل يقول أنا أعمل بالمملكة العربية السعودية وأسكن مع أخوة لي مصريين وكلنا والحمد لله على خلق ونحافظ على جميع أنواع العبادات ولكن يا فضيلة الشيخ يوجد بيننا رجل لا يصلى الفرض إلا لوحده منفرداً ولا يصلى إلا يوم الجمعة مع الجماعة ولقد نصحناه كثيراً بالصلاة معنا في الجماعة لكنه لم يمتثل لأي نصيحة أو توعية من إخوانه وكذلك إذا دخل علينا المنزل لا يقول السلام عليكم ورحمة الله أو السلام عليكم ويقول لن أقول لأحد السلام عليكم أنا حر أقول ما أشاء بمزاجي فوجهونا في ضوء ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نوجه الأخ المسئول عنه بالتوبة إلى الله عز وجل والقيام بما أوجب الله عليه من صلاة الجماعة وكذلك ننصحه بأن يسلم على إخوانه إذا دخل عليهم لأن هذا من حقهم عليه قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (حق المسلم على المسلم ست وذكر منها إذا لقيته فسلم عليه) أما بالنسبة لهؤلاء فإن عليهم النصيحة لهذا الأخ الذي تخلف عن الجماعة ولا يصلى إلا يوم الجمعة وهو أيضا لا يسلم عليهم ويهددونه بأنه إذا لم يستقم طردوه من صحبتهم ولا حرج عليهم أن يطردوه من صحبتهم إذا أصر على ما هو عليه من المنكر اللهم إلا أن يخافوا أنه لو ذهب عنهم لارتكب إثماً أشد من الإثم الذي هو عليه فيما بينهم فهنا يتوجه أن يقال يبقى عندهم ويناصحونه لعل الله يهديه.
***(24/2)
رسالة بعثت بها السائلة أم فيصل أختكم في الله من الرياض كتبت بأسلوبها الخاص وهي رسالة مطولة فهمت من هذه الرسالة شيخ محمد حفظكم الله بأن بينها وبين زوجها مشاكل حيث تذكر أنها تعاني من مرض نفسي وبأنها لا تستطيع أن تقوم برعاية زوجها الرعاية الكاملة الأسرية فما هو السبيل لبناء الحياة الأسرية السعيدة في مثل هذه الحالة وإذا كان التفاهم من جانب واحد وهو الزوج وأما والزوجة فمقصرة فبماذا تنصحونها وتطلب منكم أن تدعو لها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنصحها بأن تصبر وتحتسب وتحاول بقدر ما تستطيع أن تصلح العشرة بينها وبين زوجها وهي مع دعاء الله تعالى والاستعانة به وحسن النية ستنال مقصودها فإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً ولا تتعجل بطلب الفراق وأما دعاؤنا لها فإني أسأل الله تعالى أن يصلح حالها مع زوجها ولكني أخبرها وأخبر غيرها أيضا أن دعاء الإنسان لنفسه أفضل من طلبه من غيره فكونه هو الذي يدعو الله تعالى خير له من أن يقول يا فلان ادع الله لي لأن الله تعالى يقول (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ومنة الله عليك خير من أن يمن عليك رجل مثلك أو امرأة مثل المرأة ولا شك أن من طلب السؤال من غيره سيناله شيء من الذل والتذلل لهذا المطلوب فكونك لا تطلب أحدا وتبقى عزيز النفس خير من أن تطلب شخصا يدعو لك فوصيتي لهذه المرأة ولغيرها أن يدعو ربهم عز وجل وألا يلتفتوا إلى غيرهم وأن يدعو الله وهم موقنون بالإجابة غير مستبعدين لها وليكرروا السؤال والدعاء فإن الله تعالى يحب الملحين بالدعاء وليعلموا أن الله تعالى قد يمنع عنهم ما دعوه به لمصلحتهم حتى يكرروا الدعاء ويخلصوا اللجوء إلى الله عز وجل والدعاء نفسه عبادة يقرب إلى الله وانتظار الفرج من الله تعالى عبادة يوجب تعلق قلب العبد بربه عز وجل وكم من إنسان ازداد إيمانا بتأخر إجابته وازداد لجوءا وافتقارا إلى الله حين تأخرت إجابة الطلب ولا ينبغي للسائل أن يستحسر ويتعجل فيقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي بل يلح ويلح مرارا وتكرارا فإنه ليس بخائب إطلاقا لأن الله تعالى إما أن يستجيب له وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم مما هو فيه وإما أن يدخر ذلك له أجرا وثوابا يوم القيامة.
***(24/2)
بعض الناس يجعل من يوم الجمعة موعدا لرحلاته ونزهاته هل لكم توجيه في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إني أوجه النصيحة لهؤلاء القوم الذين يجعلون يوم الجمعة محلا أو وقتاً للرحلات والبعد عن صلاة الجمعة أن يتقوا الله عز وجل وأن يحمدوا الله تعالى على نعمه وعلى ما نحن فيه من رخاء ورغد وأمن وأن يشكروا الله عز وجل ثم الحكومة التي جعلت للناس متسعا في الإجازة الأسبوعية حيث أضافت إلى يوم الجمعة يوم الخميس وبالإمكان أن يجعل الإنسان يوم الخميس هو يوم رحلاته ويجعل يوم الجمعة هو يوم شراء حاجاته الأسبوعية لأن بعض الناس يقول إني في يوم الخميس أتفرغ لشراء الحاجات الأسبوعية فنقول اجعل يوم الجمعة هو يوم التفرغ لشراء الحاجات الأسبوعية واجعل يوم الخميس يوم رحلات أما أن تجعل ذلك يوم الجمعة وتواظب على هذا وكل جمعة تخرج من بلدك وتترك صلاة الجمعة فهذا يفوتك خيراً كثيراً وربما تقع في إثم.
***(24/2)
المستمع ع ح ط يقول في هذا السؤال ما هو توجيه فضيلتكم لمن أصر على عدم قبول الحق لأن المتحدث يصغره بالسن أولأن السامع في قلبه شيء على نفس المتحدث أرجو النصح والتوجيه في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي في هذا إذا كان هذا المصر على المعصية سواء كانت فعل محرم أو ترك واجب وكان أخوه أو صاحبه يصغره في السن ويعلم أنه لن يقبل منه نصيحتي للمنصوح أن يقبل النصيحة من أي شخص كان فالحق هو مراد المؤمن وهو ضالة المؤمن أينما وجده أخذه أما بالنسبة للناصح فإذا كان يعلم أو يغلب على ظنه أن هذا سوف يحتقر النصيحة ولا يقبلها فيطلب ذلك ممن هو أكبر منه حتى يقوم بالنصيحة لهذا الرجل المصر على المعصية.
***(24/2)
ما الطريقة المثلى لنصح الجار الذي يتخلف عن الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة المثلى لنصح الجار أن تذهب إليه في البيت أو تدعوه إلى بيتك أو ترافقه في السوق وتتلطف معه وتخاطبه بالتي هي أحسن وتقول له أنت جاري ولك حق علي وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجار خيرا ولك حق علي أن أساعدك في كل ما فيه منفعتك في الدين والدنيا وتأتي له بالأسلوب الذي تراه مناسبا ثم تنتقل بعد ذلك وتقول إن من خير ما أهدي إليك أن أنصحك بالمحافظة على الصلوات لأن الصلاة عمود الدين وتذكر له من فضلها وتحذره من إضاعتها ثم تقول ومن إقامتها والمحافظة عليها أن تصلىها مع الجماعة ثم تذكر له فضل الجماعة وتحذره من التخلف عنها وفي ظني أن الإنسان إذا نصح بطريق طيب لين فإنه سيؤثر قوله بلا شك إذا كان مخلصا لله تعالى في نصيحته غير شامت ولا منتقد فإن كلمة الحق إذا خرجت من قلب ناصح أثرت تأثيرا بليغا إما في الحاضر وإما في المستقبل ألا ترى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لما أحضر إليه السحرة في مجمع عظيم قال لهم موسى (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى) قال الله تعالى (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) يعني حل بينهم النزاع في الحال لأن الفاء في قوله (فَتَنَازَعُوا) تدل على الترتيب والتعقيب وعلى السببية أيضا إذا دخلت على الجمل فإنها تفيد السببية فانظر كيف أثرت هذه الكلمة في أولئك السحرة تنازعوا أمرهم بينهم وإذا حل التنازع في أمة أو طائفة فإن مآلها الفشل والخذلان قال الله تعالى (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) هذا ما أراه في نصيحة جارك حول تهاونه بصلاة الجماعة فإن أفاد فيه ذلك فهذا هو المطلوب وإن لم يفد فإن عليك أن ترفع الأمر إلى الجهات المسئولة وبذلك تبرأ ذمتك.
***(24/2)
أبو معاذ من الرياض كتب رسالة مضمونها عندما يتقدم شاب لخطبة فتاة يقوم أهل العروسة بالسؤال عن العريس وذلك عن طريق جيران العريس وزملائه في العمل عن دينه وأخلاق ذلك العريس فنجد البعض يخفون الحقيقة عن أهل العروسة فنجدهم يثنون على العريس ويصفونه بأوصاف ليست في الحقيقة موجودة فيه لدرجة أنهم يجعلونه من المحافظين على الصلوات في المسجد مع الجماعة وهو في الحقيقة قد لا يعرف طريق المسجد ولم يركع لله ركعة واحدة وغير ذلك من ارتكاب بعض الآثام وما خفي كان أعظم وكم من ضحية ذهبت في مثل هذه القضية يقول السائل وهذا ما حصل لإحدى الأخوات الملتزمات نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحداً ولكن بعد الزواج اكتشفت حقيقة هذا الزوج ومدى الغش والكذب الذي وقع لها من قبل هؤلاء الناس مما اضطرها إلى طلب الطلاق فأرجو توضيح حكم الشرع في نظركم في فعل هؤلاء وما نصيحتكم لهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نبين حكم اللفظ الذي قال عريس وعروسة الواقع أنهما ليس عروسين ولكنهما خاطبٌ ومخطوبة فينبغي للإنسان إذا تلفظ بالكلمات أن تكون كلماته محررة منقحة
أما ما يتعلق بوصف بعض الناس للخطيب بأنه ذو خلق ودين وهو برئٌ من ذلك أو ناقصٌ في ذلك فهذا والله عين الغش وهو مخالفٌ للدين لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (الدين النصيحة) كررها ثلاث مرات (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) قالوا لمن يا رسول الله قال (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وهؤلاء الذين يمدحون الخاطب وهم كاذبون والله ما نصحوا لعامة المسلمين بل غشوا وخدعوا ثم إن هؤلاء المساكين يظنون أنهم محسنون إلى الخطيب وهم أساؤا إليه حيث غشوا به الناس ثم هو سوف يتنكد فيما بعد إذا عرف أنه ليس ذا خلق ودين سوف يكون هناك نكد بينه وبين الزوجة وبين أهله وأهلها ويرجع الزواج جحيماً والعياذ بالله ونصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يبينوا الحقيقة ولو كان ابنهم حتى لو كان ابنهم وخطب من أناس وهم يعرفون من ابنهم أنه ذو كسلٍ في العبادة وذو سوءٍ في الخلق فيجب أن يبينوا ويقولوا والله ولدنا قليل الصلاة مع الجماعة وسيئ الخلق قريب الغضب بطئ الإفاقة من الغضب فإن شيءتم زوجوه وإلا اتركوه هذا هو الواجب قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) وهذا الذي ذكر السائل من وقوع بعض الملتزمات في مشاكل من أجل هذا الغش أمرٌ واقع وكثيراً ما نسأل عنه وفي هذه الحال ينبغي عند العقد أن يقال نشترط عليه أن يكون مستقيماً في دينه وخلقه فإن لم يكن مستقيماً فلنا الفسخ حتى يرتاحوا فإذا لم يكن مستقيماً فلهم الفسخ لأن استقامة الدين والخلق من الأمور المطلوبة كما في الحديث (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ومفهوم الحديث إذا لم نرضَ دينه وخلقه فلا نزوجه فأقول إذا خفنا أن نقع في مثل هذه الحال وهو كثير نقول بشرط أن يكون مستقيم الخلق والدين فإن لم يكن كذلك فللمرأة الفسخ ويكون هذا شرطاً صحيحاً مقصوداً قصداً شرعياً إذا لم يكن مستقيم الدين والخلق بسم الله فسخت نكاحي منه وتسلم منه.
***(24/2)
التوبة(24/2)
بارك الله فيكم، المستمع خالد سليمان الواصل يسأل ويقول ما هي شروط التوبة النصوح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوبة النصوح من الذنوب واجبة فإن كان الذنب فعل محرم وجب الإقلاع عنه، وإن كان ترك واجب وجب تداركه بفعله إن كان مما يمكن فعله، أو بفعل بدله إن كان له بدل وإن لم يكن له بدل ولم يمكن فعله كفت التوبة، وللتوبة شروط خمسة:
الشرط الأول أن يكون الحامل لها الإخلاص لله عز وجل لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا جاهاً ولا تزلفاً لمخلوق ولا غير ذلك من أمور الدنيا، بل لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة.
الشرط الثاني أن يكون عنده شيء من الندم على ما فعل بحيث لا يكون الفعل وعدمه سواء عنده بل يشعر بنفسه أنه متألم ونادم على ما وقع منه من الذنب، لأن هذا الندم والألم هو الذي يحمله على أن يتوب إلى الله ويرجع إليه وهو الذي يدل على صدق توبته.
الشرط الثالث أن يقلع عن الذنب في الحال بقدر استطاعته فإن كان الذنب ترك واجب وجب عليه فعله إن كان مما يمكن فعله أو فعل بدله إن كان له بدل وإلا كفى الندم على ما أهمل من الواجب، وإن كان فعل محرم وهو لا يزال متلبساً به وجب عليه الإقلاع عنه فوراً ومن ذلك إذا كان الذنب اعتداءً على غيره فإنه يجب عليه إن كان الاعتداء بأخذ مال أن يرد المال إلى صاحبه وإن كان بمظلمة أن يتحلله منها إلا أن بعض أهل العلم قال إذا كان العدوان بالغيبة وصاحبه لم يعلم أنه اغتابه فإنه يكفي أن يستغفر له وأن يثنى عليه ثناءً يقابل ما حصل منه من غيبة، ولكن لابد أن يكون هذا الثناء مطابقاً للواقع.
الشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود في المستقبل إلى هذا الذنب الذي تاب منه، فأما إن تاب من الذنب ولكنه في نيته إذا سنحت له فرصة أن يعود إليه فهذه توبة عاجز وليست توبة نصوحاً بل لا بد أن يعقد العزم على ألا يعود إلى الذنب الذي تاب منه.
الشرط الخامس أن تكون التوبة في وقت قبولها، فإن كانت بعد وقت قبولها لم تنفع صاحبها، ووقت القبول هو أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل حضور أجل التائب فإن طلعت الشمس من مغربها قبل التوبة فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها) ، وإذا حضر الأجل فإنها لا تنفع التوبة ولا تقبل لقول الله تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) وعلى هذا فيجب على المؤمن أن يبادر بالتوبة لأنه لا يدري متى يفجأه الأجل وكم من إنسان خرج من بيته ولم يرجع إليه، وكم من إنسان نام على فراشه ولم يقم منه، وكم من إنسان جلس على الأكل ولم يتمه، فالموت ليس له وقت معلوم للبشر حتى يُمْهِلَ في التوبة فالواجب على كل مؤمن أن يبادر بالتوبة قبل أن يفوت وقت قبولها، قال الله تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
***(24/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذه السائلة من ليبيا تقول بأنها أخطأت مرة ثم تابت ودعت الله كثيرا أن يغفر لها ولكن لديها شعور دائما بالذنب فبماذا تنصحونها يا فضيلة الشيخ مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن هذه المرأة التائبة كونها تشعر دائما بذنبها يدل على أن توبتها صادقة لكثرة الندم معها على ما فعلت من معاصي ولكني أقول لها ابشري فإن حال الإنسان بعد التوبة قد تكون أكمل من حاله قبل فعل المعصية لأنه يحصل له بالتوبة الإنابة إلى الله والانطراح بين يديه والتبرأ من الحول والقوة والتبرأ من الإعجاب بالنفس واستصغار النفس واحتقارها أمام عظمة الله وكل هذه معان جليلة ترقى بالإنسان إلى درجة أكمل مما كان عليه قبل التوبة لأن مثل هذه الأمور مفقودة من قبل وعلى هذا فلتبشر بالخير ولتنتهي عما حصل من المعصية فإنها قد غفرت وزالت وانمحى أثرها ولتتذكر ما جرى لآدم عليه الصلاة والسلام حيث نهاه الله أن يأكل من الشجرة ولكنه خالف وعصى قال الله تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) فلم يحصل الاجتباء إلا بعد أن تاب من المعصية فاجتباه الله وتاب عليه وهداه هداية علم وهداية توفيق وهذا يدل على ما أسلفنا وهو أن الإنسان بعد التوبة النصوح قد تكون حاله أكمل مما كانت عليه قبل فعل المعصية وإنني بهذه المناسبة أود أن أقول إن للتوبة شروطا لابد منها وهي خمسة
الأول الإخلاص لله عز وجل بالتوبة بحيث لا يحمله على التوبة رجاء شيء من الدنيا أو خوف شيء في الدنيا بل يكون الحامل له على التوبة رجاء ما عند الله من الثواب للتائبين والتخلص من أوضار هذا الذنب الذي قام به.
الشرط الثاني أن يندم على ما حصل من الذنب ويتحسر ويود أنه لم يفعله.
الشرط الثالث أن يقلع عن المعصية فإن كان الذنب ترك واجب استدركه وفعله إن كان ممكناً وإن كان الذنب فعل معصية أقلع عنها في الحال ومن ذلك ما إذا كانت المعصية حقا لآدمي فإن الواجب عليه أن يبادر بالتخلص من هذا الحق إن كان مالاً يرده إلى صاحبه إن كان حيا معلوما عنده وإن كان ميتا رده إلى ورثته وإن جهله أو نسيه تصدق به عنه
والشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود في المستقبل يعني يكون لديه عزم على ألا يعود إلى هذه المعصية في المستقبل وليس الشرط ألا يعود إلى المعصية في المستقبل الشرط أن يعزم ألا يعود ثم إن سولت له نفسه فعاد فإن توبته الأولى تبقى على صحتها ويحتاج إلى توبة جديدة للذنب الجديد
الشرط الخامس أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة بأن تكون قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها فإن كانت بعد حضور الأجل فإنها لا تقبل لقول الله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها) ويشهد لذلك قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) وإنني أحث إخواني الذين لا يزالون على الذنب أن يبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان وأن يعلموا أن عظم الذنب لا يمنع التوبة فقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) .
***(24/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع إلى البرنامج عبد الواسع اليماني يقول في هذا السؤال بأنه إنسان متزوج وقبل وفاة والدي كنت لا أصلى الصلوات الخمسة وكنت أيضا أعمل المعاصي ثم بعد وفاة والدي هداني الله إلى الطريق المستقيم وأصبحت أصلى وأعمل الخير وأحافظ على الواجبات فما الواجب علي لأكفر عن ذنوبي الماضية وأريح ضميري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان إذا تاب إلى الله توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل توبته ويعفو عن سيئاته مهما عظمت قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) وقال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فإذا تاب الإنسان من ذنبه مهما عظم فإن الله يتوب عليه ولكن ليعلم أن للتوبة شروطا لا بد من تحققها وهي
أولا الإخلاص لله عز وجل بأن ينوي بتوبته الرجوع إلى ربه من معصيته إلى طاعته ولا ينوي التزلف إلى البشر أو التقرب إليهم أو الجاه أو المال أو ما أشبه ذلك بل تكون توبته خالصة لله وحده طلبا للنجاة من عقابه والوصول إلى ثوابه
الثاني الندم على ما مضى منه من التقصير في واجب أو انتهاك محرم وقد يشكل هذا الشرط على بعض الناس لأن الندم انفعال نفسي فكيف يمكن للإنسان أن يتصف به والجواب على ذلك أن نقول المراد بالندم أثره أي أن يظهر عليه الأسى والحزن على ما مضى من ذنبه فهذا هو الندم
الثالث أن يقلع عنه في الحال أي عن الذنب في الحال فلا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار عليه لأن التوبة من ذنب مع الإصرار عليه من الاستهزاء بالله عز وجل ومثال ذلك لو قال أنا أتوب إلى الله عز وجل من غيبة الناس ولكنه ما يزال يغتابهم فكيف نقول أن هذا توبته صحيحة لو قال أنا أتوب إلى الله من أكل الربا ولكنه لا يزال يأكل الربا فهذا لم يتب لو قال أتوب إلى الله من ظلم الناس وهو لا يزال مستوليا على أموالهم بغير حق وما أشبه ذلك فإن توبته لا تصح مهما فعل لأنه لم يقلع عن الذنب
الشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب في المستقبل يعني بأن تكون توبته قاطعة للذنب لن يعود إليه فإن قال أتوب إلى الله وأقلع عن الذنب وندم عليه ولكن في نيته أن يعود إليه في وقت ما أو في حال ما فإن توبته لا تصح لابد أن يعزم ألا يعود فإن قال قائل عزم ألا يعود لكن غلبته نفسه فعاد هل تبطل توبته الأولى فالجواب لا تبطل توبته الأولى لأنها تحققت التوبة بعزمه ألا يعود وهذا هو الشرط وليس الشرط ألا يعود بل العزم على أن لا يعود وبينهما فرق ظاهر فإذا تاب إلى الله من ذنب توبة نصوحاً ثم عاد إليه فإن توبته الأولى لا تبطل لكن يجب عليه أن يجدد توبته من فعل الذنب مرة أخرى
الشرط الخامس لقبول التوبة أن تكون في وقت قبولها لأنها يأتي على الإنسان نفسه زمان لا تقبل فيه التوبة فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تقبل التوبة لقول الله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيراْ) وذلك وقت طلوع الشمس من مغربها فإن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم ولكن لا ينفع نفس إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً وكذلك التوبة فإنها لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها وإذا حضر الأجل لم تقبل التوبة لقول الله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) فإذا عاين الإنسان ملك الموت فإنها لا تقبل توبته لأن هذه توبة ليست عن رغبة بل توبة المضطر فلا ينفع ولهذا لما أدرك فرعون الغرق (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فقيل له (أَالآنَ) يعني أالآن تتوب (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة) فأنجاه الله ببدنه وأظهره من أجل أن يكون آية على موته وهلاكه لبني إسرائيل الذين أرعبهم حتى يتيقنوا أنه مات فالمهم أنك مهما عملت من ذنب إذا تبت إلى الله تعالى توبة نصوحاً فإن الله يتوب عليك بل إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
***(24/2)
أبو سعد من الجمهورية العراقية محافظة واسط يقول في رسالته لقد كنت في شبابي أعمل أعمالاً لا يرضاها الله والآن أنا تبت فماذا أفعل لأكسب رضا الله وما هي شروط التوبة الخالصة أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمت ذكرت أنك تبت من هذه الأعمال التي كنت تعملها في حال صغرك وهي لا ترضي الله ورسوله فأبشرفإن (التوبة تجب ما قبلها) قال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التوبة تهدم ما قبلها) والتوبة النصوح هي التي جمعت شروطاً خمسة
الشرط الأول أن تكون خالصة لله بأن لا يحمل الإنسان عليها رياء ولا سمعة ولا مدارة لأحد ولا مداهنة في دين الله وإنما يتوب إلى الله تعالى وحده خالصاً من قلبه فإن فقد هذا الشرط لم تقبل التوبة لأن جميع الأعمال الصالحة من شروطها الأساسية أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى.
الشرط الثاني أن يندم على ما مضى من فعله بحيث يتأسف ويحزن لما حصل منه لأن هذا دليل على صحة توبته وانكسار قلبه أمام الله عز وجل وأنه حقيقة راجع إلى الله.
الشرط الثالث أن يقلع عن ذنبه إن كان متلبساً به فإذا كانت توبته من حق آدمي فلا بد أن يؤدي هذا الحق إلى صاحبه كما لو كان قد ظلم أحداً من الناس بأخذ ماله بسرقة أو غش أو غير ذلك فإنه لا تصح التوبة حتى يؤدي ذلك الحق إلى صاحبه وكذلك لو كان قد ظلمه بغيبة وتكلم في عرضه أمام الناس فإنها لا تصح توبته حتى يستحله من تلك الغيبة إلا أنه إذا كان لم يعلم أنه قد اغتابه فإن من أهل العلم من يقول في هذه الحال لا يحتاج إلى أن يستحله بل يثني عليه في الأماكن التي كان يغتابه فيها بما هو موصوف به من صفات المدح ويستغفر الله له ويغني ذلك عن استحلاله وإذا كانت التوبة من حق من حقوق الله مثل أن يكون عليه واجب لله تعالى كزكاة أو كفارة فإن التوبة من ذلك أن يبادر بفعل هذا الشيء الذي وجب عليه لله.
الشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود في المستقبل فإن تاب ولكن من نيته أنه إذا حصلت له الفرصة عاد إلى الذنب فإن التوبة هنا ليست بصحيحة لأنها ليست رجوعاً حقاً إلى الله سبحانه وتعالى.
الشرط الخامس أن تكون التوبة في أوانها أي في الوقت الذي تقبل فيه فإن لم تكن في أوانها فإنها لا تقبل والوقت الذي تنقطع به التوبة ولا تقبل نوعان وقت عام ووقت خاص فالوقت العام هو طلوع الشمس من مغربها فإن الشمس إذا طلعت من مغربها لم تقبل توبة تائب لقول الله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها فإنه لا توبة بعده وأما الخاص فهو حضور الأجل فمن حضر أجله فإن توبته لا تقبل لقول الله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) فمن لم يتب إلا بعد معاينة الموت وغرغرته بروحه فإنها لا تقبل توبته فإذا تحققت هذه الشروط الخمسة صارت التوبة نصوحاًَ مقبولة وإذا قبلها الله عز وجل فإنها تعم كل ذنب تاب منه واختلف أهل العلم رحمهم الله هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره فقال بعضهم إن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على غيره مثل أن يتوب الإنسان من شرب الدخان مثلاً لكنه مصر على حلق لحيته فقال بعض أهل العلم إن توبته من شرب الدخان لا تقبل لأنه مصر على معصية الله في حلق لحيته وقال بعض أهل العلم إنها تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره وهذا القول هو الراجح ولكن من تاب من ذنب مع الإصرار على غيره لا يستحق الوصف المطلق للتائب فلا يدخل في التوابين توبة مطلقة ولا يستحق المدح الذي يمدح به التوابون وإنما يمدح مدحاً خاصاً مقيداً بتوبته من هذا الذنب المعين.
***(24/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع ع. ن. ف. ح من قطر بعث برسالة يقول فيها بأنه يقترب الآن من الثلاثين من العمر يقول وقد عشت في مطلع شبابي وحتى قبيل الزواج ارتكب الكثير من المخالفات وأنا الآن قد تبت إلى الله توبة نصوحا ونادم على ما صدر مني من أفعال وأقوال لا ترضي الله جل وعلا فهل علي كفارة يا فضيلة الشيخ على ما مضى أم أن التوبة النصوح تكفي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوبة النصوح تكفي وتهدم ما كان قبلها من المعاصي بل من الكفر أيضاً لقول الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ولقوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أعلى أنواع المعاصي في حقه تعالى وفي حق بني آدم في النفوس وفي حق بني آدم في الأعراض فذكر الشرك وذكر قتل النفس بغير حق وذكر الزنا فالشرك جرم في حق الله وقتل النفس جرم في أنفس الخلق والزنا جرم في أعراضهم ومع ذلك قال (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فأبشر أيها السائل ما دمت تبت إلى الله توبة نصوحاً فإن الله تعالى سيغفر لك ما سبق من ذنبك مهما عظم، ولكن التوبة لابد فيها من شروط خمسة
الشرط الأول أن تكون خالصة لله بألا يحمله عليها شيء من أمور الدنيا لا يبتغي بها الإنسان تقرباً إلى أحد من الناس ولا رياء ولا سمعة وإنما يحمله عليها خوف الله ورجاؤه، خوف الله تعالى من معصيته ورجاؤه بتوبته.
الشرط الثاني أن يندم على ما وقع منه من المعصية بمعنى أنه يتأثر ويحزن مما حصل ويتمنى أن لم يكن،
والشرط الثالث أن يقلع عن المعصية التي تاب منها فلو قال بلسانه إنه تائب ولكنه باق ومصر على المعصية كانت توبته هباء منثوراً بل هي إلى الهزء بالله أقرب منها إلى الجد فلو قال أنا تبت إلى الله من الغيبة ولم يزل يغتاب الناس فأين التوبة؟ لو قال تبت إلى الله من أكل المال بالباطل وهو لا يزال مصراً عليه فأين التوبة؟ لو قال تبت إلى الله من النظر إلى المحرم وهو مصراً عليه فأين التوبة؟ لابد أن يقلع عن المعصية ومن ذلك رد الحقوق إلى أهلها فلو قال أنا تائب من ظلم الناس ولكن حقوق الناس في ذمته فإنه لم يتب.
الشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود إلى المعصية في المستقبل، فلو قال أنا تائب وندم على ما مضى وأقلع عن الذنب لكن في قلبه أنه لو حصلت له الفرصة لعاد إلى الذنب لم يكن تائب حقيقة بل لابد أن يعزم على ألا يعود ويجب أن نتفطن لكلمة يعزم على ألا يعود فإنه لا يشترط ألا يعود فلو كان حين التوبة عازم على ألا يعود ولكن سولت له نفسه أن يعود فإن التوبة الأولى لا تبطل لكنه يحتاج إلى توبة جديدة لعوده إلى الذنب.
الشرط الخامس أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه وذلك بأن تكون قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها فإن وقعت التوبة بعد حلول الأجل لم تقبل وإن وقعت التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل أيضاً، ودليل ذلك قوله تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) ولهذا لم يقبل الله توبة فرعون حين أدركه الغرق وقال (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فقيل له (أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) يعني بروحه وذلك بحضور أجله، وإن وقعت التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل أيضاً لقوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن التوبة تنقطع إذا طلعت الشمس من مغربها، والشمس الآن تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فإذا إذن الله لها أن ترجع من حيث جاءت رجعت فخرجت من المغرب وهذا في آخر الزمان فإذا رآها الناس آمنوا أجمعون ولكن (لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) وخلاصة شروط التوبة أنها خمسة الإخلاص لله والندم على ما حصل من الذنب والإقلاع عنه والعزم على ألا يعود وأن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
***(24/2)
المستمع حسن سعيد سوداني ومقيم بالعراق يقول في رسالته ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين بحالة غضب هل عليه كفارة وما شرط التوبة من هذا العمل حيث أنني سمعت أهل العلم يقولون بأنك خرجت عن الإسلام بقولك هذا وأيضاً يقولون بأن زوجتك حرمت عليك أفيدونا بهذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم فيمن سب الدين الدين الإسلامي أنه يكفر فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه وقد حكى الله تعالى عن قوم استهزؤا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون إنما كنا نخوض ونلعب فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه لقول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فإذا تاب الإنسان من أي ردة توبة نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة فإن الله تعالى يقبل توبته وشروط التوبة الخمسة هي:
أولاً الإخلاص لله بتوبته بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة أو خوفاً من المخلوق أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله تعالى فيها.
والشرط الثاني أن يندم على ما فعل من الذنب بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى ويراه أمراً كبيراً يوجب عليه أن يتخلص منه.
الشرط الثالث أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن وإن كان ذنبه بفعل محرم أقلع عنه وابتعد عنه ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها.
الشرط الرابع العزم على ألا يعود في المستقبل بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها.
والشرط الخامس أن تكون التوبة في وقت القبول فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل وفوات وقت القبول عام وخاص أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل لقول الله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) وأما الخاص فهو حضور الأجل فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) أقول إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب نقول له إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ما تقول ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له ولا يحكم عليك بالردة لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به يقول الله تعالى في الأيمان (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ويقول تعالى في آية أخرى (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول ولا يعلم ماذا خرج منه فإنه لا حكم لكلامه ولا يحكم بردته حينئذ وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه بل هي باقية في عصمته ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب فليحكم الضبط على نفسه وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا كان قائماً فليجلس وإذا كان جالساً فليضطجع وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ فإن هذه الأمور تذهب عنه غضبه وما أكثر الذين ندموا ندماً عظمياً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان.
***(24/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا الشاب من مصر يقول بأنه ارتكب بعض المعاصي فتاب إلى الله توبةً نصوحاً فهل لي من توبة من ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أروي قصة (رواها لنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ كان فيمن سبق قتل تسعة وتسعين نفساً بغير حق ثم ذهب إلى راهب يعني عابد من العباد فقال له إنه قتل تسعة وتسعين نفساً بغير حق فهل لي من توبة قال الراهب ليس لك توبة لأن الراهب استعظم الأمر أن يكون قتل تسعة وتسعين نفساً ثم يتوب قال ليس لك من توبة فلم يعجبه هذا الجواب فقتل الراهب فأتم به المائة فصار مائة نفس قتلهم بغير حق ثم دل على عالم فسأله وقال إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة قال له ومن يحول بينك وبين التوبة باب التوبة مفتوح ولكن أنت في دارٍ يعني في بلدٍ أهلها أهل سوء لكن اذهب إلى القرية الفلانية أو قال البلد الفلاني يعني فإن فيها قوماً صالحين فذهب وفي أثناء الطريق جاءه الموت فنزلت إليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب واختصموا أيهم يقبض روحه نسأل الله تعالى أن يتولى قبض أرواحنا ملائكة الرحمة تنازعوا فبعث الله إليهم من يحكم بينهم وقال قيسوا ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب فهو من أهلها فقاسوا ما بينهما فكان أقرب إلى قرية أهل الصلاح فقبضته ملائكة الرحمة) هذا وهو ممن كان قبلنا ممن كانت عليهم الآصار والأغلال وهذه الأمة ولله الحمد رفع عنها بنبيها صلى الله عليه وسلم الآصار والأغلال وقال تعالى في كتابه (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهؤلاء قومٌ أشركوا وقتلوا النفس بغير حق وزنوا فانتهكوا حق الله الذي هو أعظم الحقوق وانتهكوا دماء النفوس المحرمة وانتهكوا الأعراض ومع ذلك يقول الله عز وجل فيهم (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) حتى المنافقون إذا تابوا تاب الله عليهم لقوله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) فنقول لهذا الأخ السائل إذا تبت إلى الله من أي ذنب فإن الله يتوب عليك مهما عظم الذنب وربما تكون بعد التوبة أحسن حالاً منك قبل التوبة ولكن إذا كان الذنب يتعلق بآدمي فابرأ منه فإذا كان مالاً فرده إليه وإن كان مظلمة عرض كما لو اغتبته في المجالس فاستحله إن كان علم أنك اغتبته أو خشيت أن يعلم وإن لم يعلم بالغيبة ولا تخشى أن يعلم فاستغفر له وأثني عليه بما هو فيه من الخير والخصال الحميدة في المواطن التي كنت اغتبته فيها ونسأل الله لنا ولكم التوبة.
***(24/2)
رجلٌ ترك الصلاة لعدة سنوات أثناء دراسته في الخارج وترك الصيام لمدة ثلاث سنوات وعندما عاد إلى بلده تاب فهل يقضي الصلاة والصيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه قضاء الصلاة والصيام فيما مضى ولكن عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يكثر من الطاعات كالصلاة والذكر والصدقات والصيام والحج والعمرة فإن الحسنات يذهبن السيئات وهذه قاعدة ينبغي على الإنسان أن يعتبرها كل عبادة مؤقتة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي فإنه لا يقضيها لأنه لو قضاها لم تصح منه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ عليه ومن المعلوم أنه من أخر العبادة المؤقتة عن وقتها ثم فعلها بعد خروج وقتها فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً وحينئذٍ لا فائدة له من فعل العبادة بل عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويرجع إليه ويتوب الله على من تاب.
***(24/2)
أحسن الله إليكم السائل من جدة ع ع د يقول شخص نوى أن يفعل معصية ونوى في نفس الوقت بأنه إذا انتهى من فعل هذه المعصية أن يتوب إلى الله هل تقبل هذه التوبة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فعل المعصية بهذه النية فإن هذه النية لا تنفعه ولا تخفف عنه من عقوبة المعصية لكن إذا فعل المعصية ثم تاب توبة نصوحاً قبلها الله عز وجل لقول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
***(24/2)
هذا السائل بدر من المجمعة يقول بأنه فتى يبلغ من العمر الثالثة والعشرين يقول كنت لا أصلى ولكن الآن أحرص على الصلاة في مواقيتها والحمد لله والتزمت في كل شيء وأحافظ على السنن الرواتب ولكنني أشرب الدخان وحاولت كثيرا أن أقطع هذه العادة فلم أستطع بماذا توجهونني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول الحمد لله الذي هداه حتى صار يصلى فهو في الحقيقة أسلم بعد رده فعليه أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة، أما ما يتعلق بشرب الدخان فهناك وسائل تعينه على ترك الدخان:
منها أن يترك الدخان شيئا فشيئا فيقلل من شربه أولا حتى يزول ما في جسمه من آثار هذا الدخان.
ثانيا أن يستعمل بعض العقاقير بمشورة الطبيب التي تحجبه عن الرغبة في شرب الدخان.
ثالثا أن يبتعد عن مجالسة أهل الدخان لأن الإنسان إذا جالسهم فإنه قد يشتاق إلى شرب الدخان مع زملائه الذين جلس إليهم.
رابعا أن يحرص على صحبة الرفقة الطيبة لأنه إذا صحبهم فسوف يمتنع عن الدخان ما دام معهم وهذا مما يعينه على تركه.
خامسا وهو من أقواها أن يكون لديه عزيمة قوية يدع بها الدخان ولقد كان رجلاً مسافرا مع أحد الطيبين وكان هذا يشرب الدخان فلما أخرج البكت من أجل أن يشرب الدخان قال له الرجل الطيب يا فلان نحن ما سافرنا لنكتسب إثما ونحن إذا شاركناك في الجلوس وأنت تشرب الدخان صرنا آثمين كإثمك فإما أن تدع هذا الدخان وإما أن نترك السفر فما كان من هذا الشارب للدخان إلا أن انفعل ثم أخذ علبة البكت وقطعها ومزقها ورمى بها يقول شارب الدخان فما عدت إليه بعد ذلك لأنه عزم وصمم وقال ما هذا الشراب الذي يمنعني أن يصاحبني الطيبون فانتقد نفسه وصار ذلك من أسباب ترك الدخان هذا مع معونة الله عز وجل وتوفيقه.
***(24/2)
السائل خالد أأ يقول في هذا السؤال تخرجت من الثانوية ولكنني قد غشيت في بعض المواد الإنجليزية وأنا الآن علي مشارف الجامعة ماذا يلزمني في ذلك هل يلزم التوبة في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يلزم عليك التوبة إلى الله عز وجل وألا تعود لمثل هذا وذلك لأن الغش في الامتحان في أي مادة يعتبر غشا كما هو لفظه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (مَنْ غش فليس منا) فعليك أن تتوب إلى الله وادخل الجامعة الآن مع التوبة واستمر في مجانبة الغش وإذا قدر لك شهادة جامعية بدون غش فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
***(24/2)
أفيدكم أنني في بداية شبابي كنت على الطريق غير الإسلامي حيث كنت لا أبالي بالعبادات أحيانا أصلى وأصوم وأحيانا لا أصلى ولا أصوم وكنت لا أكترث للمحرمات ولمدة خمسة عشر عاما تقريبا إلا أنني الآن استقمت وحافظت على العبادات وقد تبت إلى الله توبة نصوحاً لله عز وجل عمّا كنت عليه وأنا نادم أشد الندم وأرجو من الله أن يتقبل توبتي وسؤالي يا فضيلة الشيخ ماذا علي من ناحية الصلاة والصوم التي لم أقم بتأديتها في أوقاتها علما بأنني لا أحصي تلك الأيام لطول المدة وهل التوبة تكفي تكفيرا لذنبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا أهنئك بتوبة الله عليك وتوفيقك للتوبة وأسأل الله تعالى أن يثبتك على ذلك وأن يمن علينا جميعا بالتوبة النصوح التي يمحو الله بها ما سلف من ذنوبنا وأن يعصمنا في مستقبل عمرنا ثانيا أبشرك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (التوبة تهدم ما قبلها والإسلام يهدم ما قبله) وتوبتك هدمت ما سلف من ذنوبك وليس عليك قضاء ما فات ولكن اسأل الله الثبات على طاعته إلى أن تلقاه واحرص بقدر ما تستطيع أن تدعو إخوانك الذين كانوا مثلك إلى ما من الله به عليك من التوبة والتزام الصراط المستقيم (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وهذا من شكر نعمة الله عليك أن تدعو إخوانك الذين أسرفوا على أنفسهم إلى التوبة النصوح والاستقامة على دين الله.
***(24/2)
هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ م م يقول في هذا السؤال سمعنا بأن تارك الصلاة جميع ما يقوم به لا يؤجر عليه ولكن إذا هداه الله عز وجل للصلاة هل يحتسب له ما كان يقوم به من عمل طيب في الوقت الذي كان لا يصلى فيه أم يبدأ ثواب الأعمال من تاريخ التزامه بالصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تاب الإنسان من كفره سواء كان كفره بترك الصلاة أو بالاستهزاء بدين الله أو بسب الله أو بسب رسوله صلى الله عليه وسلم أو بسب شريعة من شرائع الله فإنه يغفر له ما قد سلف لقول الله تبارك وتعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ولأن الردة تهدم ما قبلها والتوبة تهدم ما قبلها يقول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويقول تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فإذا تاب غفر الله له ما سبق من ذنبه وعاد إليه ما عمل من الأعمال الصالحة قبل ردته لأن الله تعالى اشترط في حبوط العمل فيمن ارتد أن يموت على الردة فقال (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) بل إنما عمله من خير حال ردته يكتب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسلمت على ما أسلفت من خير) .
***(24/2)
هذا السائل يقول يعتريني أحيانا شعور بالذنب وتأنيب الضمير والإحساس بالنقص وأستحضر الأخطاء التي وقعت فيها ولو لم تكن برغبتي والأشياء الصغيرة التي مضى عليها سنوات كثيرة فهل هذا من وساوس الشيطان وما الحل والعلاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل والعلاج هو التوبة إلى الله عز وجل فكلما تذكر الإنسان الذنب أحدث لنفسه توبة ولكن لا يجوز له أن يسيء الظن بالله فيظن أن الله لا يتوب عليه لأن من تاب توبة نصوحا تتم فيها الشروط تاب الله عليه ولا بد قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ولكن التوبة لها شروط:
الشرط الأول أن تكون خالصة لله.
الشرط الثاني أن يندم الإنسان على ما فعل من الذنب.
الشرط الثالث أن يقلع عن الذنب في الحال.
الشرط الرابع أن يعزم على ألا يعود.
الشرط الخامس أن تكون في زمن تقبل فيه التوبة أما الإخلاص فضده الشرك فإذا تاب الإنسان للخلق لا لله فتوبته غير مقبولة لقول الله تعالى في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) وأما الندم فلأن الإنسان إذا لم يكن منه ندم صارت السيئة وعدمها سواء عنده وهذا يعني أنه غير مبال ولا مكترث فلا بد أن يكون هناك ندم وجزع في النفس على ما فعل من الذنب إما ترك واجب أو فعل محرم وأما الإقلاع فمعلوم أنه لا توبة مع الإصرار يقول أتوب إلى الله من الربا وهو يتعامل بالربا كيف يكون هذا ويقول أتوب إلى الله من الغيبة وهو يغتاب الناس فالتوبة الرجوع من معصية الله إلى طاعته فمن لم يقلع عن الذنب فليس بتائب ولهذا يجب على من عنده مظالم للناس إذا تاب إلى الله أن يرد المظالم إلى أهلها فلو سرق إنسان من شخص سرقة وتاب إلى الله فلا بد أن يرد السرقة إلى صاحبها وإلا لم تصح توبته ولعل قائلا يقول مشكلة إن رددتها إلى صاحبها أفتضح وربما يقول صاحبها أن السرقة أكثر من ذلك فيقال يستطيع أن يتحيل على هذا بأن يكتب مثلا كتاب ولا يذكر اسمه ويرسله إلى صاحب السرقة مع المسروق أو قيمته إن تعذر ويقول في الكتاب هذه لك من شخص اعتدى فيها وتاب إلى الله ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا وأما أن يقول أخاف أن أفتضح أو أخاف أن يدعي صاحب المال أن المال أكثر فهذا لا يعفيهم من رده.
***(24/2)
رسالة من سوريا بعث بها أمجد أ. أ. يقول توفي والدي وهو غير راضٍ عني وأنا في الخامسة عشرة من عمري لأنني كنت في طريق الشيطان والمخالفات والمعصية وعندما بلغت العشرين عدت إلى الله وإلى ديني وإلى صلواتي وتغيرت حالتي وأخذ الندم مني ما أخذ بسبب عدم رضا والدي عني والآن أنا شاب عدت إلى الله وأعيش مع والدتي التي لم يبقَ لي في الدنيا سواها لم يمر يومٌ إلا وأبكي بحرقة على تفريطي عندما أقرأ عن بر الوالدين ولكن ما يطمأنني أنني عشت مع كتاب الله رفيقي الوحيد في هذه الدنيا استأنس بتلاوته تعبداً لله عز وجل فيهدأ قلبي وتسكن جوارحي ويذهب عني الحزن والغم وأتذكر والدي الذي توفي وهو غير راضٍ عني لكن عزائي الوحيد في هذه الدنيا بأنني كرست جهدي في محبة والدتي والمشاركة في أعمال الخير والدعوة إلى الله عسى ربي أن يتوب علي فهل من نصيحة يا فضيلة الشيخ تطمئنني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقال إن التمر لا يستبضع إلى هجر وحال الرجل الذي التي سمعناها حالٌ طيبة لا يستطيع الناصح مهما بلغ من النصح أن يوصل المنصوح إلى مثل هذه الحال التي ذكرها عن نفسه وأبشره بأنها حالٌ طيبة أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمحو بها ما سلف من ذنوبه وآثامه وتقصيره في حق والده وأقول له إنك قد قرأت قول الله عز وجل (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) وأرجو أن يكون هذا الوصف منطبقاً عليه أنه أناب إلى الله وأسلم له وأسأل الله لي وله الثبات على دينه إلى الممات أقول هنيئاً له بما من الله عليه من هذا الرجوع إلى ربه عز وجل والاستقامة على دينه وبره بوالدته وحبه للخير وأسأل الله أن يزيده من فضله ويحقق لي وله ولإخواني السامعين والمسلمين جميعاً ما نرجوه من نصرٍ وعزٍ في الدنيا ومن كرامةٍ في الآخرة إنه على كل شيء قدير.
***(24/2)
المستمع رمز لاسمه بـ ن. م. ع. يقول إذا تاب الإنسان ورجع إلى ربه حيث كان لا يصلى هل يلزمه النطق بالشهادتين والاغتسال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تاب الإنسان الذي كان لا يصلى إلى الله عز وجل وعاد إلى صلاته فإنه يكون مسلماً بصلاته لأن من كفر بالشيء صار مسلماً بفعله وهو سوف يقول في نفس الصلاة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأما الاغتسال فهو مبنيٌ على وجوب الاغتسال إذا أسلم الكافر فمن قال إن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل قال إن هذا إذا عاد إلى صلاته وجب عليه الغسل ومن قال بعدم وجوب الغسل على من أسلم قال إنه لا يجب على هذا أن يغتسل ولكن لا شك أن الأفضل له أن يغتسل خروجاً من الخلاف وإبراءً للذمة.
***(24/2)
هذه المستمعة أم نزار تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ بالنسبة للتائب هل يلزمه التشهد والاغتسال للدخول في دين الله من جديد
فأجاب رحمه الله تعالى: أما التائب من الكفر فإنه يغتسل إما وجوبا على رأي كثير من العلماء وإما استحبابا على رأي آخرين وأما التائب من المعصية التي دون الكفر فلا يشرع له أن يغتسل لأنه لم يخرج من الإسلام بل العاصي مسلم ولو عظمت معصيته إذا لم توصله معصيته إلى حد الكفر هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن كبائر الذنوب مهما عظمت إذا لم تصل إلى حد يخرج الإنسان من الملة فإنه لا يكفر بها الإنسان ثم إن مات وقد تاب منها فإن الله يتوب على من تاب كما قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وإن مات قبل التوبة فهو داخل في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له
***(24/2)
هذا مستمع رمز لاسمه بـ ج. ع. م. يقول بأنه شاب في الثانوية ولم أكن أصلى وإذا أمرت بالصلاة من الأهل فأنا أصلى بغير وضوء لوجود غشاوة على قلبي والحمد لله لقد اهتديت لله سبحانه وتعالى وأصبحت من أصحاب المساجد بحمد من الله وإن شاء الله لن أغير منهجي هذا إلى اليوم المكتوب وحقيقة سبب هدايتي لله سبحانه وتعالى عندما سمعت خبر موت في حادث حصل لأحد الأقارب الأعزاء فاهتديت إلى الله فكانت عبرة لي بحمد من الله والحقيقة إنني خائف إن كان الله سبحانه وتعالى سوف يقبل عودتي للهداية لهذا السبب أو العبرة التي مرت عليّ أم لا وما الواجب عليّ في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوبة إلى الله سبحانه وتعالى مقبولة بأي سبب كانت فمن تاب تاب الله عليه والحوادث والمصائب تكون أحياناً خيراً يتعظ بها الإنسان ويتوجه إلى الله عز وجل ويلين قلبه والله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء سببا وعليه فإن توبة السائل مقبولة إن شاء الله تعالى وما تركه من العبادات في أيام سفهه فلا قضاء عليه فيها ولكن ندعوه إلى أن يكثر من التطوع والأعمال الصالحة والاستغفار والذكر ونسأل الله لنا ولهم الثبات وحسن الخاتمة والعاقبة.
***(24/2)
كيف تمحو الحسنةُ السيئةَ هل تذهب السيئة وتبقى الحسنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا قال الله عز وجل (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) فعلى هذا إذا فعل الإنسان حسنة بعد سيئة فإنها تذهبها وتمحوها محواً ولا سيما إذا كانت الحسنة هي التوبة من ذلك الذنب فإن التوبة تجب ما قبلها قال الله تبارك وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
***(24/2)
ما حكم من تاب من إحدى الكبائر وعاهد الله على كتابه وأمام بيته الكعبة المشرفة أن لا يعود إلى تلك المعصية ثم خانته نفسه وضحك عليه إبليس اللعين وعاد إلى تلك المعصية ثم تذكر وندم وتأسف فما حكمه وهل عليه كفارة وهل له توبة أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت نفسه خانته ثم تذكر وندم فإنه يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويستغفر من هذا الذنب ويكفر كفارة يمين لأنه لم يف بالنذر الذي عاهد الله عليه فعليه كفارة يمين مع التوبة والاستغفار.
***(24/2)
هذه رسالة وردتنا من المرسل ح خ ق ن من الظهران يقول في رسالته أولاً من عمل عملاً لا يرضي وجه الله ثم تاب ثم عاد إلى هذا العمل مراراً وتكراراً فهل له من توبة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم له توبة لعموم قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فهذا الرجل إذا تاب من هذا الذنب توبة نصوحاً تاب الله عليه ثم إن دعته نفسه فيما بعد ذلك إلى مقارفة هذا الذنب ففعله ثم تاب منه توبة نصوحاً مخلصاً فإن الله يتوب عليه وهكذا كلما فعل ذنباً ثم تاب منه توبة نصوحاً صادقة ثم غلبته نفسه فيما بعد على فعله ثم أعاد التوبة فإنه يكون على آخر أحواله إن كان آخر أحواله التوبة النصوح فإنه كمن لا ذنب له وإن كان آخر أحواله أنه مصر على هذا الذنب فإن له حكم المصرين عليه.
***(24/2)
المستمع أ. ب. ع. مصري يقول في رسالته لقد ارتكبت ذنباًَ ثم توجهت بالتوبة إلى الله عن هذا الذنب وقضيت عنه كفارة ثم ارتكبت الذنب مرة أخرى وقضيت الكفارة عن هذا الذنب مرة أخرى وحتى الآن وأنا تائب عن هذا الذنب ما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أذنب الإنسان ذنباً ثم تاب إلى الله توبةً نصوحاً مستوفية لشروط التوبة الخمسة وهي أن تكون توبته خالصة لله عز وجل وأن يندم على ما حصل منه من الذنب وأن يقلع عنه في الحال وأن يعزم على ألا يعود في المستقبل وأن تكون التوبة في وقت تقبل فيه بأن تكون قبل حلول الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها فإذا تاب هذه التوبة فإن الله تعالى يتوب عليه ثم إن عاد إلى الذنب مرة أخرى وتاب فإن الله تعالى يتوب عليه وهكذا كلما تاب تاب الله عليه وما دامت حاله الآن على الاستقامة والتوبة فإنه يرجى له الخير في المستقبل ونسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليه بالتوبة النصوح.
***(24/2)
أغضبت والدتي عدة مرات حتى إنني تطاولت عليها بالسب والشتم والكلام غير اللائق لأسباب تافهة ظناً مني بأنها تحب أخي الأكبر أكثر مني بمعاملتها السيئة لي وأنا أعلم بأن غضبها من غضب الله ورضاها من رضا الله والآن هي تكلمني وراضية عني فماذا أفعل لأكفر عما فعلت أرشدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن إغضابك لوالدتك وكلامك عليها ذلك الكلام السيئ محرم ولا يجوز لأن الله تعالى يقول (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم (من أحق الناس بحسن صحبتي يا رسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك) وهذا دليل على أن إحسان الصحبة للأم أوجب وأوكد من الأب ومع ذلك فإن كلاً من الأم والأب له حق يجب على الإنسان أن يقوم به وإذا حصلت من أحد إساءة لأبويه أو أحدهما فإن طريق الخلاص من مثل ذلك أن يستحلهما وإذا استحلهما وعفوا عنه ورضيا فإن التوبة تجب ما قبلها ولا يعاقب على ما صدر منه إذا علم الله تعالى من نيته صدق التوبة والإخلاص فيها.
***(24/2)
المستمع أبو محمد من القطيف يقول لقد نويت أن أصوم لله شهرين متتابعين تكفيراً عما ارتكبته في حياتي وحينما علم بذلك بعض زملائي سألوني إن كنت قد ارتكبت عملاً يوجب كفارة صيام شهرين متتابعين فقلت لهم لا فقالوا ليس عليك شيء لو لم تكمل الصيام بل لا يجوز لك ذلك فامتثلت كلامهم وقطعت الصيام فهل كلامهم هذا صحيح وماذا يجب علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلامهم صحيح والإنسان لا يمكن أن يفعل من العبادات إلا ما أذن الله فيه ولم يأمر الله تعالى عباده أن يصوموا شهرين متتابعين احتياطاً عما قد يكون وقع منهم من الذنوب ولكن الإنسان مأمور بأن يكثر من التوبة والاستغفار فإن النبي عليه الصلاة والسلام حث على ذلك حيث قال (يا أيها الناس توبوا إلي ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة) هذا وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأما قطعك الصيام حين أخبروك فهذا حق وهو من كمال الإيمان أن يقف الإنسان عند الحق متى تبين له فقد أحسن من انتهى إلى ما سمع والذي أنصحك وسائر إخواني المسلمين ألا يتعبدوا لله تعالى بشيء حتى يعلموا أنه من شريعة الله ليعبدوا الله تعالى على بصيرة فالشرع ليس إلينا وإنما هو إلى الله ورسوله ولهذا عاب الله تعالى وأنكر على من اتخذوا شركاء معه يشرعون للعباد فقال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) .
***(24/2)
سؤال الأخ من الجمهورية العراقية من مدينة كركوك عما يعانيه المسلمون الآن من الذل والهوان فهل يمكن أن نقول المسلم الذليل تطلب منه التوبة عن ذلته وهل تعتبر الذلة أيضاً معصية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذل أثر من آثار المعاصي وعقوبة وليست هي المعصية بل المعاصي من فعل العبد والذلة من قضاء الله وقدره عليه بسبب معاصيه ويمكن أن يتوبوا من المعاصي فتعود إليهم العزة لأن الله يقول سبحانه وتعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) والإيمان وصف فوق وصف مطلق الإسلام (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) فالآن هذه الآية التي كانت في الأعراب في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم تنطبق اليوم على كثير من المسلمين حاضرتهم وباديتهم يقولون آمنا ولكن في الحقيقة نقول لهم قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وذلك لكثرة المعاصي والمخالفات التي تنقص من إيمانهم فنحن نقول يمكن أن تعود العزة إلى المسلمين اليوم إذا كانوا مؤمنين ورجعوا إلى دينهم حقاً فإن الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين.
***(24/2)
أحسن الله إليك هل صحيح بأن دعاء سيد الاستغفار ينوب عن الاستغفار سائر اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سيد الاستغفار أن تقول (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) هذا سيد الاستغفار وهو أفضله ولكن ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله ومن استغفار الله فإن هذا دأب الصالحين ودأب عباد الرحمن قال الله عز وجل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) .
***(24/2)
ورد حديث فيه (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له ذنبه ولو كان فاراً من الزحف) هل معنى ذلك أنه يدخل في الحديث الكبائر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرار من الزحف من كبائر الذنوب قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ *ومَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وعده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الموبقات أي من المهلكات وذلك لما يترتب عليه من إذلال المؤمنين وإعزاز الكافرين أما إذلال المؤمنين فمن المعلوم أنه إذا ذهب واحد من الصف انكسرت قلوبهم وصار فيهم ذل وأما إعزاز الكافرين فإن الكافرين يقولون هذا أول الهزيمة شدوا عليهم فيبقون على مجابهة المسلمين ولهذا كان من كبائر الذنوب.
***(24/2)
يقول السائل إبراهيم أبو حامد ما هي فوائد الاستغفار الدينية والدنيوية وهل هناك كتاب مؤلف في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فوائد الاستغفار أن الإنسان إذا استغفر ربه بصدق وإخلاص وحسن ظن بالله عز وجل فإن الله تعالى يغفر ذنبه كما قال الله تبارك وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وإذا غفر الله له ذنبه واتقى الله سبحانه وتعالى كان من فوائد ذلك أن الله تعالى يجعل له من أمره يسرا ويرزقه من حيث لا يحتسب كما قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ من أمره يسرا) وقال (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) .
***(24/2)
هل صحيح بأن كل شخص يقول كلمة استغفر الله يغفر له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان استغفر الله بنية خالصة وصدق في طلب المغفرة وتمت شروط التوبة في حقه فإن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه بل يحب ذلك منه كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن فرح الله بتوبة عبده كفرح الإنسان بوجود ناقته التي ضلت عنه وعليها طعامه وشرابه فالتمسها فلم يجدها فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطام ناقته متعلقاً بالشجرة فأخذ بخطام الناقة وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) ولا أحد يقدر قدر هذا الفرح إلا من أصيب بمثل هذه المصيبة فالله تعالى يحب من عبده أن يتوب ويحب من عبده أن يستغفر وقد أمر الله تعالى بالاستغفار في كتابه في عدة آيات والاستغفار هو طلب والمغفرة والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه لأنها مأخوذة من المغفر الذي يغطي به الإنسان رأسه في القتال يتقي به السهام ففيه ستر ووقاية وهكذا المغفرة فيها ستر للذنوب ووقاية من عقوباتها فإذا استغفر الإنسان ربه بصدق وإخلاص مع مراعاة شروط التوبة فإن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه ويتوب الله على من تاب.
***(24/2)
أحسن الله إليكم السائل الذي رمز لاسمه خ. ف. م. ع يقول إذا اغتاب شخص ما بعض الناس وذمهم وقام بعمل صدقة لهم جارية عمّا تحدث عنهم من ذكر سيئ هل يكفي هذا؟ وهل يوفي هذا من حقوقهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقوق التي تجب على الإنسان لغيره نوعان حقوق مالية وحقوق عرضية أما الحقوق المالية فلا بد أن نردها إلى أصحابها مهما كان الأمر فلو أن شخصاً جحد حقاً لآخر وليس به بينة للمدعي ثم تاب إلى الله وجب عليه أن يرد الحق إلى صاحبه على أي حال كان وأما الحقوق العرضية من سب وقدح ونحوه فلابد أيضا من استحلال صاحبها إذا علم أن هذا صدر منه لأنه إن لم يفعل بقي في نفس صاحبه شيء فلابد أن يستحله ويتخذ واسطة بينه وبينه إذا خاف أنه إذا ذهب إليه يستحله لم يفعل وتكون الواسطة واسطة خير وأما إذا كان لم يعلم بما انتهكه من عرضه يعني لم يعلم أنه اغتابه أو أنه ذمه في شيء فإنه لا يحتاج إلى أن يخبره ولكن يثني عليه في المجالس التي كان اغتابه فيها ويستغفر الله له وهذا يكفي إن شاء الله.
***(24/2)
أحسن الله إليكم ما رأيكم يا فضيلة الشيخ بالشخص الذي تصدق عن كل من اغتابه بعد أن تاب إلى الله من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تاب الإنسان من الغيبة توبة نصوحاً فإن من تمام توبته أن يستحل الشخص الذي وقعت منه الغيبة عليه إن كان يعلم أنه قد بلغه أنه قد اغتابه أما إذا كان لم يعلم فيكفي أن يستغفر له وأن يذكر محاسنه في المكان الذي كان يغتابه فيه لأن الرجل إذا أحسن إلى من اغتابه بالثناء عليه بما هو أهله فالحسنات يذهبن السيئات.
***(24/2)
إذا اغتاب شخص شخصاً آخر ولم يستطع التحلل منه فهل يكفي الاستغفار والدعاء له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح فيمن اغتاب أحداً من الناس أنه لا يمكن أن يكون منه في حل حتى يستحله شخصياً إذا كان هذا الذي أغتيب قد علم بالغيبة فإن كان لم يعلم بذلك فإنه يكفي أن يستغفر له ويذكره بالخير في المجالس التي اغتابه فيها وذلك لأن الغيبة من كبائر الذنوب وهي ذكرك أخاك بما يكره لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الغيبة (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الغيبة من كبائر الذنوب التي لا تغفر إلا بتوبة فلا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا الحج بل لا بد فيها من توبة وليعلم أن الغيبة من كبائر الذنوب لعامة المسلمين فإذا كانت لخاصتهم كاغتياب العلماء أو ولاة الأمور كانت أشد وأشد إثماً وذلك لأن اغتياب العلماء ليس اغتياباً لهم شخصياً ولكنه اغتياب لهم شخصياً وتقليل لقيمتهم العلمية وهم هداة الأمة فإذا قلّت قيمتهم العلمية قلّ اهتداء الناس بهم وكان ذلك إضعاف لمصدر من مصادر الشريعة وهم العلماء وأقول لمصدر من مصادر الشريعة لأننا لا نعلم الشريعة إلا عن طريق أهل العلم فإنهم هم ورثة الأنبياء فإذا قلنا قولاً يقلل من شأنهم ثم قلت قيمتهم بين الناس قل قبول الناس لقولهم وانجرحت الشريعة بسبب ذلك وأما اغتياب ولاة الأمور ففيه أيضاً تقليل لهيبتهم وإضعاف لامتثال الناس أمرهم وسبب للتمرد عليهم فكانت غيبتهم أعظم من غيبة عامة الناس وأشد خطراً وأكبر إثماً فلذلك أحذر إخواني المسلمين من غيبة العلماء وغيرهم من ولاة الأمور ولست بذلك أقول كفوا عن مساويهم ولا أن هؤلاء العلماء أو الأمراء معصومون بل هم يخطئون كغيرهم ولكن الطريق السليم أن نتصل بالعلماء الذين بلغنا أو رأينا منهم ما يجب التنبيه عليه فنذكر لهم ما أخطئوا فيه وهم بخطئهم قد يكونوا معذورين إما بتأويل أو بجهل في الواقع أو لغير ذلك من الأعذار فإذا اتصلنا بهم وبينا لهم ما نرى إنه خطأ وناقشناهم فيه فقد يكون الصواب معهم ونكون نحن مخطئين وقد يكون الصواب معنا وحينئذٍ يلزمهم أن يرجعوا إلى الصواب والخلاصة أن الغيبة من كبائر الذنوب لأي واحد من المسلمين وأنها تتعاظم ويكبر إثمها فيما إذا كانت للعلماء أو ولاة الأمور فنسأل الله تعالى أن يحمي ألسنتنا مما يغضبه ونسأل الله تعالى أن يكفنا عن مساوئ غيرنا ويكف غيرنا عن مساوينا وإن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً واجتنبه.
***(24/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع سعود من بريده يقول فضيلة الشيخ اغتبت أحد الأشخاص في مجلس من المجالس نظرا لأنه أساء إليّ ثم ذهبت إليه لأستسمحه عن هذه الغيبة فقدمت له عذري وقلت له أعتذر منك فقد اغتبتك وأرجو أن تسامحني ولكنه قال أذهب الله لا يحلك فما حكم الشرع في عملي هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن الواجب على الإنسان إذا تاب من مظلمة لأخيه عليه أن يؤدي إليه مظلمته في الدنيا قبل أن تأخذ من أعماله الصالحة في يوم القيامة إن كانت مالا فليؤده إليه وإن كانت عرضا فليستحل منه وإذا بذل ما يستطيع من طلب إحلاله منه فأبى من له حق فإنه مع التوبة الصادقة النصوح يقضي الله عز وجل عنه ما تحمله لأخيه والذي أشير به على إخواني المسلمين أن الإنسان إذا جاءهم معتذرا من عدوان اعتدى عليهم به فليقبلوا عذره ليقبل الله أعذارهم منهم يوم القيامة فإن من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وكيف يتحمل الإنسان أن يأتيه أخوه معتذرا نادما يطلب منه أن يحلله ثم يقول لا حللك الله هذا شيء ينبغي أن لا يوجد في مجتمع مسلم يود لأخيه ما يود لنفسه فها هنا أمران الأمر الأول نصيحة هذا الذي اغتاب غيره بأن يحرص غاية الحرص على أن يحلله في الدنيا فإن بذل كلما يستطيع ولم يحصل هذا فإننا نرجو من الله عز وجل أن يتحمل عنه وأما بالنسبة للذي جاء إليه أخوه يعتذر منه فإننا نحثه على قبول عذره فإن ذلك مما يزيل العداوة والبغضاء ويصفي القلوب ويدني بعضها من بعض وإذا عفا عن عباد الله عفا الله عنه.
***(24/2)
المستمع عوض عبد الوهاب يقول في رسالته كيف يتخلص الشخص من حقوق العباد سواء كان مالاً أو غير ذلك ولم يستطع الوفاء به.
فأجاب رحمه الله تعالى: حقوق العباد إما مالية وإما بدنية فإن كانت تتعلق ببدن الشخص فالتخلص منها ألا يمانع الإنسان من له الحق في أخذها فإذا وجب عليه قصاص في جرح أو في عضو من الأعضاء فالتخلص من ذلك أن يمكن من له الحق من الأخذ بالقصاص وأما إذا كانت مالية فإن التخلص من ذلك أن يؤدي الحق إلى صاحبه فيؤدي المال إليه إن كان موجوداً أو إلى ورثته إن كان معدوماً فإن لم يكن له ورثه أدى ذلك إلى بيت المال وبهذا يتخلص منه أما إذا عجز عن أداء الحقوق إلى أهلها فإنه قد ثبت في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) فإذا كان هذا الإنسان حريصاً على الأداء ساعياً فيه ما أمكن ولكنه عجز وكان من نيته أن يؤدي فإن الله تعالى يؤدي عنه الحق لمن له الحق بمنه وكرمه وتبقى ذمة هذا العاجز بريئة وأما من أخذ أموال الناس لا يريد أداءها وإنما يريد إتلافها عليهم وأكلها بالباطل فإن الله تعالى يتلفه بالنقوص في أمواله وربما يتلفه أيضاً بالأخذ من حسناته كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (من تعدون المفلس فيكم قالوا من لا درهم عنده ولا متاع قال المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ثم يأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار) وعلى المرء أن يتخلص من حقوق العباد ما دام في زمن المهلة وأن يؤديها إليهم وألا يماطل بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) .
***(24/2)
المستمع من السودان يقول في سؤاله الثاني نسي عندي أحد الأخوة من السعوديين مبلغاً من المال قدره خمسمائة ريال نتيجة خطأ حسابي ولا أعرف مكانه وهو لا يعرف هذا الخطأ وأريد أن أتخلص من هذا المبلغ إبراءً لذمتي هل يجوز لي أن أتصدق بهذا المبلغ بالريال السعودي أم بالعملة السودانية على بعض الفقراء والمحتاجين من أقاربي وجيراني أم أن هناك طريقة أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تبحث عن هذا الرجل فإذا يئست منه فلك أن تتصدق بالخمسمائة ريال على الفقراء هنا أو في السودان وسواءٌ تصدقت بها بالنقد السعودي أو تصدقت بها بالجنيه السوداني المهم أنه يجب عليك أولاً أن تبحث عنه فإذا يئست فتصدق به وهكذا نقول في كل مالٍ مجهولٍ صاحبه إذا بقي عندك ويئست منه فلك أن تتصدق به عنه ثم إن قدم يوماً من الدهر فخيره قل له إن المال الذي لك تصدقت به بناءً على أني لا أتمكن من الاتصال بك والآن أنت بالخيار إن شيءت أجزت ما فعلته ويكون الأجر لك وإن شيءت أعطيتك مالك ويكون الأجر لي.
***(24/2)
هذا المستمع رمز لاسمه بـ س. س. أبو عبد الله السعودية جدة يقول فضيلة الشيخ كيف يتحلل الإنسان من مظالم الناس سواءٌ كانت أموال أو غيبة أو نميمة وإذا كانت أموالاً ولا يعرف كيف يردها فماذا يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتحلل الإنسان من حقوق الناس بأحد أمرين إما بالوفاء وإما بالإبراء أما الوفاء فإذا كانت أموالاً يردها إلى أصحابها إن كان يعلمهم وإن كان قد نسيهم فليتذكر وإن كان يجهل محلهم فليبحث فإذا تعذر العثور عليهم فليتصدق بها عنهم يكون لهم أجرها وله هو أجر التوبة وإن كان أصحابها قد ماتوا وخلفوا ورثة فإنه يبحث عن ورثتهم ويسلم إليهم المال لأن المال انتقل إلى الورثة بعد موت المورث فإن جهل الورثة ولم يعلم عنهم شيئاً ولم يتمكن من العثور عليهم فعل ما سبق يتصدق به عنهم لأنه انتقل إليهم وإذا كان الحق عرضاً بأن يكون قد تكلم في عرضه وسبه فإنه يتحلل منه بأن يطلب منه العفو فيقول إني أرجو أن تعفو عما قلت فيك فقد قلت كذا وكذا وينبغي من المظلوم الذي طلب منه العفو أن يعفو لأن هذا أخاه جاء يعتذر إليه فينبغي أن يقبل عذره (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وكما قال الله تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) وقال تعالى (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وإن كان هذا المظلوم في عرضه لم يعلم بأنك قد اغتبته فمن أهل العلم من يقول اذهب إليه وأخبره واطلب منه العفو ومنهم من يقول لا تخبره ما دام لم يعلم ولكن استغفر له وأثني عليه بالصفات التي هو متصفٌ بها وهي حميدة في الأماكن التي اغتبته فيها فإن الحسنات يذهبن السيئات وإن كان حقوقاً أخرى فعلى هذا الباب تذهب إليه وتستحله وإذا حللك فإن هذا من تمام توبتك فإن قدر أنك قد اغتبت شخصاً قد مات ولا تتمكن من الاستحلال من الغيبة فإن الله إذا علم من قلبك صدق النية فهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين ربما يتحمل عنك هذه المظلمة ويأجر صاحبها ويثيبه عليها.
***(24/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع أ. أ. ف. مقيم بالمدينة المنورة بعث بهذا السؤال يقول كنت أعمل موظفا في إحدى الشركات وكانت توكل إلي أحيانا مهمة الصرف للعمال رواتبهم ولكني كنت لا أقوم بها على الوجه الأكمل وذلك لأنني كنت آخذ جزءاً يسيرا من راتب كل واحد منهم بحجة أنه لا يوجد لدي صرف وسرت على هذه الطريقة لمدة عام وقد تركت العمل بها منذ أربعة أعوام وندمت ندما شديدا على ما فعلت خصوصا لما علمت أن حق العباد لا تكفي فيه التوبة بل لابد من إرجاعه إلى أصحابه وأصحابه يتعذر علي معرفتهم الآن خصوصا وأن عهدي بهم قد طال وكذلك يتعذر علي معرفة نصيب كل واحد منهم على وجه التحديد فماذا أفعل أفيدوني أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما قاله السائل بأن التوبة لا تتم فيما يتعلق بحق العباد إلا بأداء الحق إليهم أو استحلالهم منه هذا صحيح والطريق إلى التخلص من حق هؤلاء الذين ظلمتهم به أن ترجع إلى السجلات في الوقت الذي كنت تعمل هنالك فإذا رجعت عرفت الموظفين الذين تصرف لهم ثم تتصل بهم وتستحلهم مما صنعت فإن أحلوك فذاك وإن لم يحلوك فإنك تتفق معهم على مصالحه وأي مصالحة تتفقون عليها فإن ذلك جائز فإن تعذر عليك هذا الأمر وصار أمرا غير ممكن فإنك تتصدق بما يغلب على ظنك أنك أخذته منهم تنوي بذلك الخلاص منه لا التقرب به إلى الله لأن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما لا يحل لا يكون قربة للفاعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) .
***(24/2)
هذه الرسالة وردتنا من مكة يقول مرسلها م ب ش أني حصلت على ثوب شخص في بيته وأخذت منه فلوس عدة مرات كثيرة ولا أدري والله ما عدد الفلوس التي أخذتها ويوم كبرت تبت إلى الله وسمعت حديث يشدد فيمن أخذ مثل هذه النقود أفيدونا والله يحفظكم ويرعاكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما فعلت وأن تتصل بصاحب هذه النقود وتصطلح معه على ما تتفقان عليه مما تدفعه له عما أخذت فأنت ابحث عن الرجل هذا واتفق معه على أي شيء تتفقان قليلاً كان أم كثيراً يحصل به المقصود وبراءة الذمة.
***(24/2)
السائل م م ح من المنطقة الشرقية يقول الذنوب التي بين العبد وبين خالقه يغفرها الله ولكن الذنب الذي علي لشخص آخر يجب أن أذهب إليه وأن أطلب منه العفو والسماح ولكنني لا أستطيع أن أتوجه إليه ولا أستطيع أن أواجه هذا الشخص مهما كانت الأسباب لأنني أنا في منتهى الإحراج منه وسمعتي عنده طيبة وقد ظلمته وسببت إليه بعض الإشكال ماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تستحل من ظلمته في عرضه أو ماله أو بدنه في الدنيا قبل الآخرة لأنك إن لم تستحله في الدنيا فسوف يأخذ من حسناتك يوم القيامة بقدر مظلمتك إياه إن كانت المظلمة كبيرة أخذ من حسناتك الكثيرة وإن كانت صغيرة بقدرها فلابد أن تستحله لكن إذا كنت لا تستطيع مواجهته فإنه يمكنك أن تكتب إليه رسالة بغير قلمك بل بالمطبعة وتقول رجل نادم حزين على ما صنع إليك من الإساءة في عرضك أو مالك أو ما أشبه ذلك يطلبك العذر ولك من الله الأجر وهو بنفسه إذا ورد إليه مثل هذا الخطاب فالذي ينبغي له أن يعفو ويعذر لقول الله تبارك وتعالى (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ولقوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهذا الرجل النادم لاشك أن العفو عنه إصلاح فإذا عفى عنه فإن أجره على الله وكون أجره على الله أعظم من كونه أجره يؤخذ من حسنات الظالم ثم يَرِدُ سؤال هل يجب أن أعين ما ظلمته فيه أم يكفى أن يحللني عن المظالم مطلقا الذي يظهر لي إذا كانت المظلمة قد بلغته فلابد أن يعين وأما إذا لم تكن بلغته فإنه لا حرج أن يطلب منه العفو على سبيل الإطلاق.
***(24/2)
إنسان سرق من إنسان آخر حاجة بسيطة أيام جهله وعدم معرفته بالأمور وعواقبها وهذا الشيء قد لا يساوي عشرين ريال، وضاع هذا الشيء الذي سرق، فلما كبر وعقل وأرشد هذا السائل ندم على فعله هذا وهو يعرف صاحبه، ولكن يستحي منه أن يصرح له بالأمر فماذا يفعل هل يتصدق بقيمتها بعد أن يقومها ويعرف كم تساوى أو ماذا يفعل افتنا أثابكم الله تعالى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يعلم صاحبها فالواجب عليه أن يستحله بأي طريقة لأن هذا حق معصوم معين فيجب إيصاله إليه، وأما الحياء فلا ينبغي أن يستحي الإنسان من الحق، فإن الحياء من الحق خور وجبن وضعف في النفس، فالواجب عليه أن يخبر صاحبه إن طلب رد عوض ما سرق فليعطه، أو طلب مثله وأمكن أن يوجد له مثل فليرسل له مثله، وليس في ذلك شيء إطلاقاً، وأنا سمعت قبل أيام عن شخص محترم كان قد أخذ شيئاًَ زهيداً من آخر وقت صباه، فجمع الله بينهما على غير ميعاد فقال له إنني أطلب منك أن تحللني عن شيء أخذته منك في زمن الصبا وسمى له الذي أخذ، فضحك صاحبه، وقال هذا شيء أنت مسامح فيه، فلعل صاحبنا هذا يكون مثله.
***(24/2)
هذه الرسالة وردتنا من تبوك يقول سؤالي هو أني سرقت حوالي خمسة كفرات سيارة وبعد الصلاة ندمت على ما فعلت ولأني ما ينفعني الندم تمنيت أن يدي تقطعت أرشدوني والله يجيركم ويثيبكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكفرات التي سرقتها إن كنت تعلم صاحبها وجب عليك ردها إليه بأي وسيلة وإذا كان صاحبها قد مات وجب عليك أن تردها إلى ورثته وإذا لم يكن له ورثة فإنك تردها إلي بيت المال أو تصرفها في المصالح العامة إذا لم يكن هناك من يتقبلها من جهة الدولة وإذا كنت لا تعلم صاحبها سرقتها من سيارة لا تدري من هي له فإنه يجب عليك أن تصدق بقيمتها لأن المجهول كالمعدوم فلما تعذر علم هذا الشخص الذي سرقت منه هذه الكفرات فإنك تتصدق بها عنه أي بقيمتها والله تبارك وتعالى يعلمه ويصل إليه ذلك وأنت تبرأ بها من ذمتك.
***(24/2)
بارك الله فيكم السائل ع. ح. ب. من السودان يقول إذا جمع شخص أموالاً كثيرة من تجارة في أشياء محرمة ثم تاب إلى الله فهل يجوز له أن يحج من ذلك من المال أو يتصدق منه أو يتزوج منه أو يبني منه مسجداً لله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل من اكتسب كسباً على وجه محرم فإن هذا الكسب لا يحل له ويجب عليه التخلص منه وذلك بأن يرده إلى أصحابه إن كان ظلماً محضاً لم يأخذ عنه عوضاً وإلا فإنه يتصدق به تخلصاً منه أو يبني به مسجداً أو ما أشبه ذلك من طرق الخير ولكن لا بنية التقرب إلى الله لأن ذلك لا يفيده فإن من تقرب إلى الله بكسب محرم لم يقبله الله منه لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ولا تبرأ ذمته منه أيضاً لأنه لم يرد الخلاص بهذه الصدقة منه ولكن على من اكتسب مالاً محرماً وتاب إلى الله أن يبذله فيما يرضي الله سبحانه وتعالى تخلصاً منه لا تقرب به وبهذا تبرأ ذمته.
***(24/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج لم يذكر الاسم هنا يقول في سؤاله الأول هناك شخص كان عليه دين وبعد مدة ليست بالقصيرة نسي هذا الشخص هل سدد هذا الدين لمستحقيه أم لا فماذا يفعل هذا الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على الإنسان دين وشك في تسديده فالأصل بقاؤه حتى يتيقن أنه قد سدده ولكن الوصول إلى اليقين في هذه المسألة سهل يتصل بأصحاب الدين الذين لهم الحق ويسألهم هل قضاهم أم لا وحينئذٍ يعمل بما يجيبونه به ولكن ربما يتيقن أن عليه ديناً لشخص ولكن نسي هذا الشخص ونسي أن يكون قضاه ففي هذه الحالة يُخرج هذا الدين صدقة للفقراء أو مساهمة في بناء مسجد أو في غير ذلك من وجوه الخير ثم إن قدر أن صاحب الدين أتى إليه يخبره فيقول له إن الدين الذي لك علي قد صرفته في كذا وكذا لأني أيست من العثور عليك فإن شيءت فهو ماضٍ والأجر لك وإن لم تشأ فأنا أعطيك هذا الدين ويكون الأجر لي.
***(24/2)
هذا المستمع رمز لاسمه بـ م. ص. س يقول فضيلة الشيخ بأنه متزوج ومعه عدد من الأطفال وكان غير مهتدي إلى الطريق المستقيم فقد لعبت الميسر وشربت الخمر وأسرفت علي نفسي وعلي أولادي وبعد ذلك هداني الله إلى الطريق المستقيم وقراءة القران والصلاة والصوم بعد أن كنت لا أصوم رمضان أفيدوني جزاكم الله خيرا هل من كفارة عما بدر مني في الأيام السالفة أرجو الإفادة من فضيلة الشيخ مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا سؤال عظيم مهم وفيه ما ذكره السائل من المنكرات العظيمة كالخمر والميسر وما أشار السائل إلى عظمه من الذنوب ولكني أقول إن باب التوبة لم يزل مفتوحاً ولله الحمد فقد فتح الله بابه للتائبين في كل وقت يبسط جل وعلا يده في الليل ليتوب مسيء النهار وبالنهار ليتوب مسيء الليل وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابة أنه يغفر الذنوب جميعا لمن تاب فقال الله تعالى وتبارك (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال الله تعالي (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فذكر الله في هذه الآية الشرك وقتل النفس بغير الحق والزنا فالشرك عدوان على الله وقتل النفس عدوان على النفوس والزنا عدوان على الأعراض ومع ذلك بين أن من تاب من هذه الذنوب العظيمة فإن الله سبحانه وتعالى يبدل سيئاته حسنات وقال تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) وإذا كان الكافر إذا انتهى عن كفره وتاب إلى الله منه غفر الله له ما سلف فكذلك العاصي إذا انتهى عن معصيته وتاب منها غفر الله له ما قد سلف ولكن الحقوق المتعلقة بالعباد كغصب الأموال وأخذها بغير حق يجب على التائب أن يردها إلى أصحابها فإن كانوا قد ماتوا ردها إلى ورثتهم فإن جهلهم فإنه يتصدق بها عنهم وتصل إليهم وتبرأ بها ذمته هذا إن لم يكن أخذ هذه الأموال بمعاوضة وعقد بمعاملة مع أصحابها فإذا كان أخذ هذه الأموال بعقد ومعاملة ومعاوضة مع أصحابها فإنه لا يردها إليهم مثل الميسر الذي ذكره السائل إنه كان يأخذه فإن هذا بعقد صادر عن رضا من الآخر فلا يلزمه إن يعيد إليه ما أخذه منه ولكن يتصدق به تخلصا منه ولا يرده إلي صاحبه لأنه لو رده إلى صاحبه لجمع له بين العوض والمعوض أو لو رده إلى صاحبه لرده إليه وهو راض بخروجه منه على وجه محرم نعم لو فرض أن صاحبه جاهل بأن الميسر حرام فهنا نقول رده على صاحبه لأنه أعطاه إياك معذورا وخلاصة القول إن من تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه لكن إذا كان الذنب متعلق بحقوق الآدميين التي يجب ردها إليهم فإنه لا تتم التوبة إلا برد هذه الحقوق إلى أهلها.
***(24/2)
هذا السائل يقول بأنه سرق من بيت أحد الأصدقاء قميصاً ولكنني أستحي جداً أن أرده علماً بأنني نادم أشد الندم على فعلتي فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن ترد القميص إلى صاحبه فإن كان قد تلف وجب عليك رد مثله فإن لم يكن له مثل بأن كان مثله قد هجر وتركه الناس وجب عليك رد قيمته ولكن يقع الإنسان في حرج في مثل هذا كيف يرد ما سرقه على صاحبه إن قال هذا مالٌ قد سرقته منك وقع في إشكال فربما يأخذه إلى الجهات المسئولة وربما يدعي أن ماله أكثر من ذلك وما أشبه هذا فماذا يصنع فالجواب يعطي من يثق به هذا المسروق سواءٌ كان مالاً أو دراهم ويقول يا فلان اذهب بها إلى فلان يعني صاحبها وقل له هذه من شخص أعطانيها لك وكفى وإن كانت دراهم يمكن أن يجعلها الإنسان في ظرف ويرسلها في البريد وما أشبه ذلك فإذا وصلت إلى صاحبها بنية أنها أداءٌ لما في ذمته لهذا الرجل فإنها تجزئ.
***(24/2)
إذا كان الإنسان لصاً وعاش على اللصوصية ثم تاب هل يجب عليه رد كل شيء فعله وثانياً إذا اكتسب إنسان مالاً غير حلال ثم تاب فما حكم هذا المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن الإنسان إذا تاب من اللصوصية فإن من تمام توبته أن يرد الأموال إلى أهلها إن كانوا أحياءً أو إلى ورثتهم إن كانوا أمواتاً ولا تتم توبته إلا بذلك وإن كان يجهلهم مثل أن يكون قد نسيهم أو تغيرت محلاتهم ولا يدري أين ذهبوا فإنه يتصدق بذلك لا تقرباً إلى الله لأنها لا تقربه إلى الله فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ولكن يتصدق به للتخلص منه وإبراء ذمته من تبعته فيتصدق به بنية أنه لصاحبه الذي أخذه منه والله سبحانه وتعالى عليم بذلك يعلم صاحبه وينفعه به وأما ما أخذه من أهله من أهل الأموال بطريق محرم فهذا ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون برضا الدافع والثاني أن يكون بغير رضاه فما أخذه برضا الدافع فإنه إن تقاضى الدافع عوضاً عنه فلا يرده إليه لأنه إذا رده إليه جمع له بين العوض والمعوض وإن لم يأخذ الدافع عوضاً عنه رده عليه مثال الأول رجل استعمل كاهناً في كهانة فتكهن له والكهانة حرام (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ولهذا كان كسبه خبيثاً حراماً لكن لنفرض أن الأمر وقع فتكهن له وأعطاه حلوانه يعني أجرته ثم تاب هذا الكاهن فإنه لا يرد هذا الحلوان إلى الذي أعطاه إياه لأن الذي أعطاه إياه قد أخذ عوضه حيث تكهن له الكاهن ولكنه أي الكاهن يتصدق بهذا العوض الذي أخذه على وجهٍ محرم ولا يرده إلى صاحبه وأما إذا كان أخذه برضى صاحبه ولم يعوضه عنه فإنه يرده إليه مثل أن يتوسط لشخص بأمرٍ واجبٍ عليه أن يتوسط فيه كدفع ظلمٍ عنه فهذا واجبٌ على كل مسلم أن يعين أخاه بدفع الظلم عنه فإذا لم يفعل إلا بعوضٍ يأخذه كان هذا العوض حراماً عليه فإذا تاب وجب عليه أن يرد العوض إلى صاحبه الذي سلمه له وذلك لأنه في مقابلة أمرٍ واجبٍ على الفاعل وما كان واجباً عليه فإنه لا يجوز أن يأخذ عنه عوضاً هذا إذا كان برضى الدافع وهو يعلمه ففيه هذا التقسيم إن كان قد أخذ عوضاً عنه فلا يرده عليه وإلا رده عليه أما إذا كان المكتسب بغير رضاً من الدافع مثل أن يدعي على شخصٍ ما ليس له ثم يأتي ببينة كاذبة ويحكم له على هذا المدعى عليه فيأخذه فهذا يجب عليه إذا تاب إلى الله أن يرده إلى صاحبه بكل حال وكذلك إذا غصب من أحدٍ شيئاً والغصب غير السرقة لأن السرقة يأخذ من حرزه خفية والغصب يأخذه عياناً جهراً بالقوة كذلك لو غصب من أحدٍ شيئاً وتاب إلى الله فعليه أن يرد هذا المغصوب إلى صاحبه لأنه بغير رضاً منه.
***(24/2)
السائلة تقول بأنني كنت أقوم بإعطاء الدروس الخصوصية نظراً لأنني مدرسة وكنت لا أعتقد أنها حرام لأن معظم المدرسين يفعلون ذلك أما الآن فقد تأكدت بأنها لا تجوز وندمت على ذلك ولكن هل المال الذي جمع من هذه الدروس حرام أم لا وما السبيل إلى التوبة وهل تكفي لتطهير المال وإن كان حراماً فكيف أتصرف فيه خاصة بأن هذا المال وضعت عليه راتبي من الرواتب السابقة طول المدة فكيف لي التخلص من ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن هذا العمل المحرم ليس محرماً شرعاً في حد ذاته لكنه محرم لنهي ولاة الأمور عنه وهذا العوض الذي أخذته السائلة قد أدت مقابله إلى المتعلمين فهي أعطت عوضاً وأخذت عوضاً وإذا تبين لها الأمر ثم تابت فما اكتسبته حلال ولا يلزمها أن تتصدق به لقول الله تبارك وتعالى في المعاملين بالربا (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) فلتهنأ بهذا المال الذي اكتسبته ولتعلم أنه لا شبهة فيه ولا إثم عليها فيه.
***(24/2)
بارك الله فيكم هذا السائل سوداني رمز لاسمه بـ أ. أ. م. يقول فضيلة الشيخ إذا أخذ الإنسان من أخيه حق بغير علمه وأراد أن يرده له وخاف من الفتنة ماذا يعمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السائل يقول إذا أخذ من أخيه حقاً ولعله أراد إذا أخذ من أخيه شيئاً ثم منّ الله عليه فتاب فإن الواجب عليه أن يرده إليه بأي وسيلة وليسلك الوسيلة التي ليس فيها ضرر مثال ذلك لو سرق منه مائة درهم مثلاً ثم تاب وأراد أن يردها إليه من المعلوم إنه لو قال إني سرقت منك هذه الدراهم وإني تبت إلى الله وأردها عليك إنه ربما يحصل في هذا شر وربما يقول المسروق منه إنك سرقت أكثر من ذلك فيحصل خصومة ونزاع فحينئذٍ يمكن أن يجعلها في ظرف ويرسلها مع صديقٍ مأمون ويقول لهذا الصديق أعطها فلان وقل له إن هذه من شخص كان أخذها منك سابقاً ومن الله عليه فتاب وهذه هي وحينئذٍ لو قال له صاحب المال أخبرني من هذا الشخص فإنه لا يلزمه أن يخبره به وله أن يتأول إذا ألجأه إلى أن يخبره به فيقول والله لا أعرفه وينوي بقوله والله لا أعرفه يعني والله لا أعرفه على حالٍ معينة غير الحال التي هو عليها فبذلك تبرأ ذمة الآخذ ويحصل لهذا الواسطة خيرٌ وأجرٌ كثير.
***(24/2)
بارك الله فيكم السائل من السودان يقول عندما كان شاباً كانوا يخرجون مع بعض الشباب إلى البر ويسرقون ما يجدون من ماعز أو بقر ويقومون بذبح هذا الذي سرقوه ويأكلونه والحمد لله تبنا إلى الله وهدانا إلى الطريق المستقيم مع العلم بأن أصحاب هذه المواشي موجودون الآن وإذا صارحناهم قد تحصل مشاكل لا حد لها وبعضهم قد مات ماذا نفعل يا فضيلة الشيخ أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليكم وأنتم تعرفون من هي له هذه البقر والغنم أن تؤدوا المظالم إلى أهلها فإن لم تفعلوا فسوف يأخذون هذه المظالم من أعمالكم يوم القيامة وبذلك تكونون مفلسين فقد حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم أصحابه قال (من تعدون المفلس فيكم قالوا من لا درهم عنده ولا متاع قال إن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن لم يبق من حسناته شيء أخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار) والمشاكل التي قد تحدث فيما لو صارحتموهم بأنكم سرقتم يمكن تلافيها بأن تعطوا قيمة هذا المسروق من تثقون به من الناس فيسلمها لهم فإن هذا الذي تثقون به إذا كان من معارفهم فلن يتهموه بأنه هو الذي سرق وفي هذه الحال أقول إنكم تعطونهم القيمة لأن الرجوع إلى القيمة هنا قد يكون من الضرورة وإلا فإن الواجب على من أتلف حيوانا لشخص أن يرد عليه مثل هذا الحيوان لأن الحيوان من الأشياء المثلية على القول الراجح من أقوال أهل العلم وإذا لم تجدون من تثقون به من معارفهم الذين يؤدون إليهم حقهم فبإمكانكم أن ترسلوا هذا بالشيك أو بجنيه سوداني في البريد فإن خفتم أن يطلعوا على ذلك بواسطة اسمكم على الشيك تعين أن ترسلوه بالجنيه السوداني أما إذا كان صاحب البقر أو الغنم غير معلوم عندكم فإنكم تتصدقون بقيمة ذلك تخلصا مما في ذممكم ليكون أجره لصاحب البقر والغنم.
***(24/2)
البائع الذي يخطئ في الحساب قد يعطي للزبون بالزيادة وبالأقل وبدون قصد هل يدفع الخسارة ويأخذ الزيادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على البائع إذا علم أن المشتري أعطاه أكثر مما له يجب عليه أن يرده إليه إن علمه فإن كان قد مات رده إلى ورثته فإن لم يعلمه وأيس من رجوعه فإنه يتصدق به عنه وأما إذا تبين أن المشتري أعطاه أنقص مما له فله أن يبحث عن هذا المشتري ويطالبه بالناقص لكن هل يقبل أو لا يقبل هذا أمر يرجع على المحكمة.
***(24/2)
هذه السائلة امرأة تقول مرضت ثم نامت في المستشفي لعدة أيام وعند خروجها أخذت معها ما يقارب من أربعين كوبا زجاجيا وأشياء أخرى معها ولم تكن تعلم بحكم عملها هذا وانتقلت من منطقتها إلى منطقة أخرى ماذا يجب عليها هل تقوم بإرجاع ذلك أم تتصدق بثمنها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرجو ألا يكون على هذه المرأة إثم فيما أخذت من الأكواب الزجاجية حيث ظنت أن أخذها لا بأس به لكن يجب عليها أن تردها إلى المستشفى سواء انتقلت عن البلد الذي كانت فيه أم بقيت فيه لأن هذا حق لآدمي وحق الآدمي لابد من إيصاله إليه أو استئذانه منه وعلى هذا فيجب عليها أن ترد هذه الكؤوس التي أخذتها إلى المستشفى الذي أخذتها منه.
***(24/2)
هذا السائل يقول في إحدى الحلقات كانت لكم إجابة على أحد السائلين بأن الرجل الذي أكل مال غيره بغير وجه حق إذا تاب توبة نصوحاً عليه أن يرد المال لصاحبه ولكن إذا كان هذا المال من المال العام فكيف يفعل أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا المال الذي أخذه على غير وجه شرعي من المال العام فليرده إلى من أخذه منه مثلا أخذه من وزارة يرده للوزارة أخذه من مدرسة يرده إلى مدير المدرسة أو قائدها أو ما أشبه ذلك لكن لو أخذ مالا من شخص ثم تاب وكان هذا الرجل المأخوذ منه مجهولا لا يدري أين مكانه ولا يعلم عن أصله ولا نسبه فهنا يتصدق به عنه ثم إذا قدر أنه جاء يوماً من الدهر فليخبره بأنه تصدق به عنه فإن أجاز الصدقة به فثوابه له وإن قال لا أعطني مالي فليعطه ماله وتكون الصدقة للتائب الذي أخذه من قبل.
***(24/2)
هل التوبة تكفر الربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوبة تكفر كل شيء وتهدم ما قبلها من الربا وغيره لكن الربا يقول الله تعالى فيه (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) يعني إذا تاب الإنسان من معاملة ربوية والمطلوب لم يوفه بعد فإنه ليس له إلا رأس ماله فقط مثال ذلك رجل أعطى شخصاً ألف ريال على أن يكون ألفاً ومائتين بعد سنة فهذا ربا فإذا منّ الله عليه وتاب فلا يأخذ من صاحبه إلا ألف ريال فقط لقوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) .
***(24/2)
هذا سائل من جمهورية مصر العربية ممدوح يقول تبت إلى الله وعندي مال اكتسبته من الحرام ويستحيل عليّ أن أرده لأهله فماذا أفعل به وإذا تصدقت به فما هو موقف المتصدق عليه إذا كان يعلم إن هذا المال حرام جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المال الذي اكتسبه من حرام إذا كان مأخوذا من صاحبه قهرا كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أشبه ذلك وهو يعلم صاحبه فلا بد أن يوصله إلى صاحبه بأي حال من الأحوال مهما كانت النتيجة لأن هذا حق مسلم خاص معلوم صاحبه فعليه أن يوصله إليه بأي وسيلة إما عن طريق شخص موثوق وإما عن طريق البريد وإما بأي وسيلة ولابد من هذا وأما إذا كان صاحبه غير معلوم بأن يكون هذا الرجل أخذ أموالا من أناس كثيرين لكن لا يدري من هم فحينئذٍ يتصدق به تخلصا منه عن أصحابه وهم عند الله تعالى معلومون أما بالنسبة للمتصدق عليه فهو حلال له ولا حرج عليه فيه لأنه كصاحبه الذي تصدق به عليه لا يعلم مالكه فهو له حلال هذا إذا كان أخذه بغير رضا صاحبه أما لو أخذه برضا صاحبه كما لو كانت معاملات ربويه أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تعقد بإذن صاحبها وهي حرام شرعا فإنه لا يردها على صاحبها ولكن يتصدق بها تخلصا منها ولا ينويها عن صاحبها أيضا بل ينوي التخلص فقط وهي حلال لمن تصدق بها عليه.
فضيلة الشيخ: يقول هل يجوز أن أتصدق من هذا المال على أهلي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يتصدق به على أهله لأنه إذا تصدق به على أهله فكأنه ملكه.
***(24/2)
الدعاء(24/2)
السائل يقول حدثونا عن فضل الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء هو سؤال الله عز وجل وهو من العبادة لقول الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وهو في الحقيقة من أسباب معرفة الإنسان قدر نفسه وقدر ربه لأنه لا يسأل ربه إلا وهو يعتقد أنه بحاجةٍ إلى الله وأن الله تعالى عالمٌ بحاله وأنه غني وأنه كريم وقد يتأكد الدعاء في مواطن منها آخر الليل لأنه (ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) وكذلك بين الأذان والإقامة وكذلك في حال السجود فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وكذلك عند دخول الإمام يوم الجمعة ما بين مجيئه إلى أن تقضى الصلاة فإن هذا موطن إجابة فيدعو الإنسان بعد فراغ المؤذن من الأذان وإذا شرع الخطيب في الخطبة سكت ويدعو بين الخطبتين ويدعو في صلاة الجمعة كل هذه مواطن إجابة وكذلك يدعو إذا فرغ المؤذن من الأذان وصلى على النبي صلى الله عليه على آله وسلم ودعا لنفسه فإنه حريٌ بالإجابة بل هذا أوسع فإن كل ما بين الأذان والإقامة وقت إجابة للدعاء.
***(24/2)
هذا مستمع يسأل عن موانع الإجابة في الدعاء وعن أوقات إجابة الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن الدعاء نفسه عبادة وأنه يحصل به القربى إلى الله عز وجل لقول الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولأن الإنسان إذا دعا ربه فإنه معترف لنفسه بالقصور ولربه بالكمال ولهذا توجه إليه سبحانه وتعالى بالدعاء وهذا تعظيم لله عز وجل وتعظيم الله تعالى عبادة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء عبادة وإذا كان كذلك فإن الإنسان يحصل له التقرب إلى الله تعالى بمجرد دعائه، ثم إنه إذا دعا حصل له مع العبادة إما ما دعا به يعني يحصل له مقصوده الذي دعا الله أن يحصله، وإما أن يصرف عنه من الشر ما هو أعظم من النفع الحاصل بمطلوبه، ومن ذلك أن يكون هذا المطلوب لو حصل للإنسان لكان له به فتنة، وإما أن يدخر الله له أجره عنده يوم القيامة فكل من دعا الله سبحانه وتعالى فإنه لا يخيب أبداً ولكن الدعاء له شروط بل له آداب منها أن يعتقد الإنسان حين الدعاء أنه في ضرورة إلى ربه وفي افتقار إليه وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، ومنها أن يعتقد كمال ربه عز وجل وكمال رحمته وإحسانه وفضله وقدرته ومنها أن يكون مؤمِّلاً وراجياً للإجابة، لا يدعو وهو شاك هل يحصل هذا الشيء أو لا يحصل بل يدعو وهو موقن بالإجابة ومنها ألا يعتدي في دعائه وذلك بأن يسأل الله سبحانه وتعالى ما لا يمكنه شرعاً أو قدراً فإن سأل الله ما لا يمكن قدراً فهذا لا يجوز وهو نوع من السخرية بالله عز وجل، وكذلك لو سأل الله ما لا يمكن شرعاً فإنه طعن في الدعاء ونوع من السخرية بالله عز وجل، ومن الآداب ألا يدعو بما لا يحل شرعاً فلا يدعو بإثم ولا بقطيعة رحم، ومن الآداب أيضاً ألا يكون مطعمه وملبسه من الحرام أي أن يكون مطعمه وملبسه ومسكنه حلالاً فإن الحرام يمنع إجابة الدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله لهذا الرجل الذي كان مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام وهذه المسألة الأخيرة أعني اجتناب الحرام قد تكون عزيزة نادرة في كثير من الناس فمن الذي يسلم من أكل الحرام كثير من الناس يأكل أموال الناس بالباطل بالكذب بالغش بالتمويه والتزوير أو ينقص من واجب وظيفته أو غير ذلك من الأسباب الكثيرة التي توقع الإنسان في الحرام، هذه الستة كلها من آداب الدعاء ينبغي للإنسان أن يراعيها وأن يحرص عليها، أما أوقات الإجابة والأحوال التي ترجى فيها الإجابة فمنها الثلث الأخير من الليل فقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى (ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) ومنها ما بين الأذان والإقامة فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد ومن الدعاء بين الآذان والإقامة أن تدعو الله في السنة التي تكون قبل الصلاة فإن السنة التي تكون قبل الصلاة فيها دعاء في السجود وفيها دعاء بين السجدتين وفيها دعاء في التشهد ومن الأحوال التي ترجى فيها الإجابة أن يكون الإنسان ساجداً فإن الدعاء في السجود أقرب ما يكون للإجابة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي حري أن يستجاب لكم، وقال النبي عليه الصلاة والسلام (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) فينبغي للإنسان بعد أن يؤدي الذكر الواجب في السجود وهو قوله (سبحان ربي الأعلى) ويكمل ذلك بما ورد مثل (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) (وسبوح قدوس رب الملائكة والروح) أن يكثر من الدعاء في حال سجوده لأنه أقرب إلى الإجابة، لكن إذا كان إمام فلا ينبغي له أن يطيل إطالة تشق على المؤمنين وتخرج عن السنة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها وكذلك إذا كان مأموماً لا يتأخر عن الإمام في حال السجود من أجل أن يطيل الدعاء.
يافضيلة الشيخ: وماذا عن ليلة القدر ويوم عرفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه أيضاً من أوقات الإجابة عشية عرفة وليلة القدر وهي خير من ألف شهر وهي كغيرها من الليالي بالنسبة للإجابة أي أن آخر الليل فيها وقت إجابة وهي خير من ألف شهر بالدعاء فيها وفي بالبركة التي تحصل بها كما قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) .
***(24/2)
ما هي أوقات إجابة الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوقات الإجابة وأحوال الإجابة وأمكنة الإجابة كل هذه ينبغي للإنسان أن يتحراها فمن أوقات الإجابة الثلث الأخير من الليل لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر) وكذلك الدعاء بين الأذان والإقامة فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردُّ، وأما الأحوال فمن الأحوال التي ترجى بها الإجابة حال المضطر فإن المضطر إذا دعا الله استجاب له لقول الله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ) ومن ذلك أيضاً إذا كان مظلوماً فإن المظلوم مستجاب الدعوة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن (إياك وكرائم أموالهم يعني أخذها في الزكاة واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ومن الأحوال التي ترجى فيها الإجابة إذا كان الإنسان ساجداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن يستجاب لكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وأما الأمكنة فإن المساجد ترجى فيها الإجابة أكثر مما ترجى في الأماكن الأخرى، ومن الأماكن التي ترجى فيها الإجابة الطواف بالبيت وقد كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في طوافه بين الركن اليماني والحجر الأسود (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .
***(24/2)
ما هي موانع إجابة الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: موانع إجابة الدعاء لا يمكن حصرها في الحقيقة لأن هناك موانع خفية وهي ما يقوم بالقلب من استبعاد الإجابة وما أشبه ذلك ولكن من الموانع الحسية أن يكون الدعاء مشتملاً على ظلم مثل أن يدعو على شخص وهو غير ظالم له أو يدعو بقطيعة رحم أو يكون ممن يأكل الحرام فإن أكل الحرام من أقوى موانع الإجابة قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله طيب لا يقبل إلا طيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله دعاء آكل الحرام المتغذي به اللابس له مع أنه قد أتى بأسباب إجابة الدعاء فأكل الحرام من أقوى موانع الاجابة سواء كان هذا الحرام حصل بالغش أو الكذب أو الربا أو الظلم أو غير ذلك.
***(24/2)
في سؤاله الثاني يقول المواضع التي يستجاب فيها الدعاء ما هي وما هي الأماكن كذلك وما هي آداب الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء آخر الليل وفي الجمعة ساعة لا يوفقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلى إلا أعطاه الله إياه وفي عشية يوم عرفة أي في آخر النهار وفيما بين الأذان والاقامة ومن الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء أن يكون الإنسان ساجداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) ومع ذلك ينبغي للإنسان أن يكون ملحاً على الله عز وجل في كل وقت في الدعاء لعله يصادف نفحة من نفحات الله سبحانه وتعالى يسعد بها في الدنيا والآخرة وأما آداب الدعاء فكثيرة من أهمها بل هو أهمها الإخلاص لله عز وجل بأن يوقن الإنسان في قلبه حال الدعاء أنه يدعو إلهاً قريباً مجيباً ومنها اجتناب الحرام في الأكل لأن أكل الحرام والتغذي به من الأسباب التي تمنع إجابة الدعاء كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) (وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين) فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب لهذا الرجل الذي مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام ومن آداب الدعاء أن يرفع الإنسان يديه إلا في المواضع التي دلت السنة على أنه لا رفع ومن آداب الدعاء أن يدعو الإنسان ربه وهو على جانب كبير من الأمل بأن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه نسأل الله أن يوفقنا وإخواننا والمسلمين لما فيه الخير وأن يستجيب دعاءنا بما ينفعنا.
***(24/2)
تقول السائلة سمعت مرة من أستاذ التربية الدينية أن من أكل لقمة واحدة من حرام فإن الله لا يستجيب لدعائه أربعين نهاراً فهل هذا صحيح أرجو إفادتنا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم صحة هذا الحديث ولكن له أصل وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام قال النبي صلى الله عليه وسلم (فأنى يستجاب لذلك) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان مطعمه حرام وملبسه حرام وغذاؤه حرام فإنه يبعد أن الله يستجيب دعاءه وهذا يدل على أنه يجب الحذر من أكل الطعام الحرام والتغذي به ولباسه لأنه حري أن تمنع بسببه إجابة الدعاء.
***(24/2)
المستمع يحي قاسم يقول ما هي الأعمال التي إذا عملها الإنسان قبل أو بعد الدعاء كانت الإجابة مؤكدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أهم شيء لتحقيق إجابة الدعاء الإخلاص لله عز وجل يعني يدعو الإنسان ربه ويشعر بأنه مفتقر إليه سبحانه وتعالى ومن المهم اجتناب أكل الحرام لأن أكل الحرام مانع من موانع إجابة الدعاء لما ثبت في الحديث الصحيح (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً) وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يا رب وملبسه حرام ومطعمه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فإذا صدق الإنسان في اللجوء لله عز وجل والافتقار إليه وأخلص لله واجتنب أكل الحرام فإنه حري أن يجاب وليعلم أن الله عز وجل إذا لم يجب العبد في دعائه فإن الله تعالى يدخر ذلك له يوم القيامة أو يصرف عنه من السوء ما هو أعظم من ذلك والداعي لربه على خير على كل تقدير فليدعو ربه وليؤمل الإجابة ولا ييئس من رحمة الله.
***(24/2)
السائلة منى إبراهيم تقول ما الحكمة في أن دعاء المسافر مستجاب وهل هذا حديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السفر من أسباب إجابة الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (فأنى يستجاب لذلك) يعني بعيدٌ أن الله تعالى يستجيب لهذا الداعي لكونه متغذياً بالحرام مطعمه أو ملبسه وكذلك تغذيته بالحرام فإنه بعيدٌ أن يستجيب الله دعاءه فقوله يطيل السفر يدل على أن إطالة السفر من أسباب إجابة الدعاء والحكمة في ذلك أن المسافر يكون متفرغ القلب ليس عنده ما يشغله كما يشغله في المدن والقرى ثم إن المسافر في الغالب يدعو دعاء مضطر ملتجئ إلى الله عز وجل لأنه في سفر ولا سيما إذا كان السفر سفر خوفٍ وقلق فإن الداعي سوف يكون إلحاحه بالدعاء وإقباله على الله أكبر مما لو كان على خلاف ذلك وهذا من أسباب إجابة الدعاء.
***(24/2)
ما هي الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء له أوقاتٌ وأحوال تكون أقرب إلى الإجابة أما الأوقات فمنها ثلث الليل الآخر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) ومنها ما بين الأذان والإقامة فإن ما بين الآذان والإقامة لا يرد الدعاء ومنها ساعة الجمعة وهي ما بين دخول الإمام إلى أن تقضى الصلاة أو آخر ساعةٍ بعد العصر فإن هذه الساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلى يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه أما الأحوال التي ترجى فيها الإجابة فهي أحوال السجود فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ومنها حال الضرورة فإن الله سبحانه وتعالى يجيب المضطر إذا دعاه ومعلومٌ أن المضطر يدعو بإخلاص وافتقار واعتقاد أن الله قادرٌ على رفع هذه الضرورة ولهذا يستجيب للمضطر ولو كان كافرا كما قال الله تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآية ومنها إذا كان الإنسان مظلوماً فإن دعوة المظلوم لا ترد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) هذه مواضع وأحوال مما ترجى فيه إجابة الدعوة.
***(24/2)
ما شروط الدعاء المستجاب وحدثونا عن آدابه وما رأي فضيلة الشيخ لمن ينشرح صدره ويبتسم أثناء الدعاء إيماناً بالله ويقيناً بالإجابة واستحضاراً لعظمة الاتصال برب العالمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أهم شروط الدعاء الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الإنسان بدعائه لله عز وجل مستشعراً فقره إلى ربه وغنى ربه عنه مستشعراً قرب الله تبارك وتعالى عند الدعاء وإجابة الله تعالى للدعاء قال الله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ومن آداب الدعاء أن يرفع يديه عند الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل (يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب) ومن آداب الدعاء أن يلح الإنسان في الدعاء ويكرر حتى وإن تخلفت الإجابة في أول مرة أو ثاني مرة فليكرر فإن الله تعالى قد يمنع الإجابة عن العبد في أول مرة من أجل أن يزداد في دعاء ربه وافتقاره إليه وأيضاً يكون امتحاناً للعبد هل يستمر في دعائه لله أو يستحسر فيمتنع فألح أيها الأخ المسلم على ربك في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء ولا يحل لإنسان أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم لأن هذا من الاعتداء في الدعاء والاعتداء في الدعاء محرم فلو دعا على شخص بشيء لا يستحقه هذا الشخص فقد اعتدى في دعائه فلا يحل له وللدعاء آداب كثيرة معروفة ويرجع في ذلك إلى الكتب المؤلفة في هذا الباب.
***(24/2)
السائلة إلهام أختكم في الله من الأحساء لها مجموعة من الأسئلة تقول في السؤال الأول من أسباب إجابة الدعاء أن يفتتح بالحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله فهل الأفضل القيام بذلك عند الدعاء بعد التشهد في الصلاة وفي السجود أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة كلها حمد وثناء فالإنسان من حين أن يدخل فيها يقول (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) ثم يقرأ الفاتحة أو يقول (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ودعاء الله ثناء عليه لأنه اعتراف من العبد بالقصور واعتراف منه بكمال الله عز وجل ورحمته وعلمه فالصلاة كلها ثناء في التشهد الأخير الذي هو محل الدعاء فيه ثناء على الله وصلاة على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو يبتدئ التشهد بالتحيات لله والصلوات والطيبات وهذا ثناء على الله ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج بعد ذلك إلى صيغة معينة في الحمد والثناء على الله أو في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل إذا فرغ من قوله (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) دعا بما أراد.
***(24/2)