الأخت ف. ن. ت. من حائل تقول بعد وفاة والدنا ترك لنا مزرعة في مدينة حائل اتفقنا على بيعها نحن الورثة وفعلاً قمنا ببيعها وتقاسمنا وأخذ كلٌ ما يخصه من الإرث حسب الشريعة الإسلامية السمحاء ولكنه ترك أيضاً مسكناً عبارةً عن فيلا من دورين بمدينة الرياض اشتراها قبل وفاته بعدة أشهر بمبلغٍ يساوي قيمة المزرعة التي قمنا ببيعها بعد وفاته وقد كتب ورقةً بحيث تكون الفيلا وقفاً بيد أخي الأكبر ويد أخي من الزوجة الثانية ولهما حرية التصرف بها بعد أخذ قيمة الضحايا منها وصدقةٍ وغيرها والتي لا تكلف إلا مبلغاً يسيرا وقد كتب أيضاً في حالة احتياج أحدٍ من أولاده لهذه الفيلا فلا يحرم منها ولكن للأسف الآن لها ما يقارب ثمانية سنوات وهي تؤجر بمبلغ ثمانين ألف ريال وكل واحدٍ منهما يأخذ سنوياً أربعين ألفاً ولا نرى منها شيئاً أبداً نحن بقية الأولاد والبنات ولا يقومون بالصدقة ما عدا قيامهما كل سنة بالأضحية بعدد أربعة ضحايا فقط وقد طلبنا منهما إعطاءنا من تلك الأجرة أو بيعها وتقسيم قيمتها على الجميع وبعد أخذ الثلث منها لعمل شيء خيريٍ له في الدنيا والآخرة ولكنهما امتنعا وقالا ليس لكم أي شيء في هذه الفيلا وجعلاها كأنها موهوبةً لهما من والدنا فهل يجوز لهما هذا التصرف وما هي الطريقة السليمة والأصلح لمثل هذا مع العلم أن البنات متزوجات.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الجواب هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بعينه لأن كل مسألةٍ يكون فيها حكومة أي خصومة بين طرفين فإن هذا المنبر ليس منبر حلٍ لمشكلتهم لأن مشكلتهم تحل عن طريق القضاء في المحاكم الشرعية ولكن نحن نقول بصفةٍ عامة إنه لا يجوز للإنسان أن يوقف شيئاً من ماله على بعض أولاده لأن هذا من الجور وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فلا يجوز مثلاً أن يقول هذا وقف على ابني فلان وفلان أو بنتي فلانة وما أشبه ذلك لأن هذا تخصيصٌ لبعض أولاده بهذا الوقف وهو محرمٌ عليه سواءٌ كان ذلك بعد وفاته أو كان ذلك في حياته وأما ما يقفه الإنسان فإن كان وصية بحيث أوصى بوقفه بعد موته فإنه يعتبر من الثلث بمعنى إنه إن زاد على ثلث ما خلف فإنه لا ينفذ ما زاد عن الثلث إلا بإجازة الورثة المرشدين وأما إذا وقفه في حياته وهو صحيحٌ شحيح فإنه لا بأس أن يكون كله وقفاً ولا خيار للورثة فيه إلا أنه كما قلت لا يجوز أن يخصص به بعض أولاده دون البعض وهذا المسألة أعني مسألة تخصيص الأولاد من الأمور التي يتهاون بها بعض الناس مع أنها من الجور والإثم العظيم فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل فكما أنه يحب أن يكونوا له في البر سواء فيجب أن يكونوا أيضاً في بره هو سواءً.
***(16/2)
ما حكم أخذ راتب الولد والاستفادة منه لوالديه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأب فله أن يأخذ من مال ولده ما شاء بشرط أن لا يتضرر الولد بهذا فللوالد أن يأخذ من راتب ولده ما لا يتضرر به الابن وأما الوالدة فليس لها أن تأخذ من مال ولدها إلا ما أعطاها والذي ينبغي للوالدين أن يدعوا الأولاد ورواتبهم إلا عند الحاجة أو إذا رأوا من تصرفات الابن ما ينبغي أن يؤخذ منه المال وفي هذه الحال يكتب المال المأخوذ على أنه لصاحبه لا للأب أو الأم ويكون محفوظاً له إذا رشد وعرف قدر المال.
***(16/2)
إذا أخذت من مالك لأرض قطعة الأرض على أن أزرعها بدون مقابل إلا أنه أخذ مني مبلغاً كرهن في حالة تسليمه أرضه يعيد لي ذلك المبلغ دون أن يشاركني فيما أحصد منها فهل هذا جائز شرعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو جائز شرعاً أن يمنحك أرضاً تزرع عليها ويكون الزرع لك فهذا محسن إليك بهذه المنحة وأما أخذه رهناً من أجل أن تعيدها عليه فهو أيضاً لا بأس به على القول الراجح لأن هذا توثيق له وإن كان في الواقع ليس في ذمتك دين له لكن في يدك عين وهي هذه الأرض وعندي أنه لا يحتاج إلى هذا الرهن يكفي بدلاً عنه أن يكتب وثيقة بينكما لأن هذه الأرض منحة لك لمدة سنة أو سنتين حسب ما يريد أن يمنحها لك وأما الرهن فلا داعي له حين إذن إنما لو فعل فلا بأس به.
***(16/2)
خليل فرج من مكة المكرمة يقول في السؤال إن لي إخواناً من الأم ولديهما ورشة من والدهما هل يحق للأخ الذي من الأم أن يأخذ منها شيئاً هذا إذا أُعطي من قبل الإخوان أم لا يأخذ منها شيئاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الورشة إذا كانت للأب ولكنه أعطاها الولدين من أجل العمل فيها فقط فإنه لا يحل لأخيهما ولا لغيره أن يأخذ منها شيء لأنها ليست ملكاً لهما وأما إذا كان والدهما قد أعطاهما هذه الورشة على سبيل التمليك وأنها ملك لهما وهما ممن يجوز تصرفه وتبرعه فتبرعا بشيء منها لأخيهما من أمهما أو لغيره من الناس فإن هذا لا بأس به لأنهما مالكان جائزا التصرف والتبرع.
***(16/2)
مات رجل وله أولاد وبنات وترك أرضاً وعندما قسموا الأرض سمح البنات لأخيهن الأكبر بنصيبهن ولهن إخوان غيره فما الحكم في هذا وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه لا بأس به لأنه لا يجب على الأخ أن يعدل في العطية بين إخوته وإنما الواجب العدل في العطية إذا كانت من الوالد لولده وأما من الأخ لأخيه فلا حرج،يجوز أن تعطي أحد إخوانها وتحرم الآخر وأن تعطي أحدهم أكثر من الآخر لعدم وجوب المساواة.
***(16/2)
هل يحق لمن وهب هبة أن يرجع فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى:: إذا وهب هبة وقبضها الموهوب له فإنه لا يحل للواهب أن يرجع فيها ولو رجع لم يُمِكِّنْ من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه العائد في هبته بأقبح تشبيه إلا أنه استثنى من ذلك مسألة واحدة وهي الوالد إذا وهب ولده الذكور أو الإناث شيئا فإن له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون حيلة مثل أن يهب ولديه الاثنين كل واحد مائة ثم يرجع في هبة أحدهما من أجل أن يفضل الثاني عليه فإن الحيلة على المحرم حرام ولا تنفع والخلاصة أن من وهب هبة وأقبضها للموهوب له، فإنه لا يحل له أن يرجع فيها إلا الأب فيما يعطي ولده ويشترط في رجوع الأب فيما يعطي ولده ألا يكون ذلك على سبيل الحيلة فإن كان على سبيل الحيلة كان حراما.
***(16/2)
من محافظة الحسكة من عمودة من سوريا الأخ وليد محمد يقول فيها إن أحد أقاربه قال عن بنت عمي بأن لها علاقة مع شخص ولكنها كانت بهتاناً هل إذا قاطعت هذا الإنسان أكون قاطع رحم مع العلم أن الذي قال عن بنت عمي هذا البهتان هو ابن خالي ثم إنه قبل أن يقول بهذا البهتان كنت قد أهديته مصحفاً صغيراً وكتاباً علمياً ومع العلم أيضاً أن هذا الإنسان لا يصلى ولا يصوم إلى آخره وعندما حدث ذلك أخذته منه ولا أتكلم معه منذ ذلك اليوم ما حكم إرجاع الهدية من المهدي وأخذها من المهدى إليه وخاصة في مثل هذا الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مجرد معصية القريب لا تسوِّغ لقريبه أن يقطع رحمه بل قد قال الله تعالى في الوالدين (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) وكذلك القريب لا تنقطع صلته بمعصيته لكن هذا السائل ذكر أن ابن خاله ارتد عن الإسلام والعياذ بالله لعدم صلاته وصيامه والمرتد لا يجوز إبقاؤه على قيد الحياة إلا أن يعود إلى الإسلام وعلى هذا فمقاطعته لا بأس بها لأنه لا حق له في الوجود فضلاً عن أن يوصل بالموجود ولكن مع هذا نرى أن من الواجب عليك معاجلة هذا الداء الذي هو مهلك له بأن تذهب إليه وتدعوه إلى الله عز وجل وتنصحه بالنصيحة الواجبة أما عودك في هديتك فإنه لا يجوز لك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيه) وهذا القريب الذي أهديت له ما أهديت ملك ما أهديته بالقبول والقبض فصار من جملة ماله فإذا رجع إلى الإسلام فملكه باقٍٍ على ماله وإذا بقي مرتداً وقتل على ارتداده فإن ماله يكون لبيت مال المسلمين وعلى كل حال حرام عليك أن ترجع في هديتك في مثل هذا الحال.
***(16/2)
الوصايا(16/2)
لماذا منع الإسلام الوصية للوارث.
فأجاب رحمه الله تعالى: منع الإسلام الوصية للوارث لأنه تعدٍّ لحدود الله عز وجل فإن الله تعالى حدد الفرائض والمواريث بحدودٍ قال فيها (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فإذا كان للإنسان بنت وأخت شقيقة مثلاً فمن المعلوم أن للبنت النصف فرضاً وللأخت الشقيقة الباقي تعصيباً فلو أوصى للبنت في مثل هذه الحال بثلث ماله مثلاً لكان معنى ذلك أن البنت ستأخذ الثلثين والأخت ستأخذ الثلث فقط وهذا تعدٍ لحدود الله وكذلك لو كان له ابنان فإن من المعلوم أن المال بينهما نصفين فلو أوصى لأحدهما بالثلث مثلاً صار المال بينهما أثلاثاً وهذا من تعدي حدود الله لذلك كانت حراماً لأنها لو أجيزت ما كان لتحديد المواريث فائدةٌ لكان الناس يتلاعبون فكلٌ يوصي لمن شاء فيزداد بذلك نصيبه من التركة ويحرِم من شاء فينقص نصيبه.
***(16/2)
المستمع رمز لاسمه ش. ع. م. المينيا جمهورية مصر العربية يقول هل تصح الوصية لوارث وهل تجوز الوصية مشفاهة أمام محامي وبعض الورثة الموصى إليهم نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوصية للوارث وصية باطلة غير صحيحة ولا يجوز تنفيذها ولبقية الورثة الذين لم يوصَ لهم أن يبطلوا هذه الوصية ودليل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له ففي القرآن الكريم لما ذكر ميراث الأصول والفروع قال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) فأفاد قوله فريضةً من الله أنه يجب التمشي بمقتضى هذا التقسيم الذي تولاه الله تعالى بنفسه وقال سبحانه وتعالى في آيات المواريث الزوجين والإخوة من الأم قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فبين الله تعالى أن هذه الفرائض حدود الله عز وجل وتوعد من تعدى هذه الحدود وقال تعالى في آية الحواشي الأخوة الأشقاء أو لأب قال في آخرها (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) وهذا يدل على أن من خالف هذه القسمة فهو ضلال وأما السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) لكن يوصي الإنسان لأقاربه الذين لا يرثون لقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) فبين الله تعالى أنه فرض الوصية للوالدين والأقربين وأن ذلك حق وأنه من علامات التقوى ولكن خرج من هذه الوصية من كان وارثاً من الوالدين أو الأقربين فإنه لا يوصى لهم وبقي من سواهم على حكم هذه الآية الكريمة والوصية لمن لا يرث من الأقارب أفضل من الوصية في أعمالٍ أخرى لأن بعض أهل العلم قال في هذه الآية الكريمة إنه إنها لم تنسخ وإنما هي مخصصة فقط وأن حكمها باقٍ على الوجوب في الأقارب والوالدين غير الوارثين ويمكن ويتصور أن يكون الوالدان غير وارثين فيما لو وجد مانعٌ من موانع الإرث بين الولد والوالد أو الوالدة المهم أن الورثة لا تجوز الوصية إليهم أبداً وأما غير الورثة من الأقارب فالوصية إليهم مستحبة بل واجبة على قول بعض أهل العلم استناداً إلى الآية الكريمة.
***(16/2)
لماذا منعت الوصية بأكثر من الثلث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال فإذا أوصى بزائدٍ على الثلث صار في ذلك هضماً لحقوقهم ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلثي ماله قال (لا) قال فالشطر قال (لا) قال فالثلث قال النبي صلى الله عليه وسلم (الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس) فبين الرسول عليه الصلاة والسلام بل أشار في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث ولهذا لو أوصى بزائدٍ عن الثلث وأذن الورثة في هذا فلا بأس به.
***(16/2)
إذا أوصت المرأة بنصف أموالها أن تنفق في سبيل الله فهل تأثم في ذلك مع العلم بأن وارثيها ليسوا بحاجة إلى أموالها أي أنهم ليسوا بفقراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للرجل ولا للمرأة أن يوصي بأكثر من الثلث وذلك لأنه ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص من مرض كان به فقال له (يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال أتصدق بالشطر أي بالنصف قال لا قال أتصدق بالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من إن تذرهم عالة يتكففون الناس) ولهذا يحرم على الإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث فلو قُدِّرَ أنه فعل إما جهلاً وإما تهاوناً وتساهلاً فإن للورثة من بعده أن يأخذوا ما زاد على الثلث ولا ينفذوا إلا الثلث فقط وعلى هذا فنقول لهذه المرأة إياك أن توصي بأكثر من الثلث أوصي بالثلث وفيه خير ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) فالذي يحب أن يتصدق، يتصدق وهو صحيح شحيح قبل أن يُمْرَضْ وقبل أن يموت ويسلم من التبعة من وجه وتطمئن نفسه إلى أنه وُضِعَ المال فيما يريده لأنه ربما يوصي بشيء ويتهاون الورثة بهذا ولا يؤدونه كما يريد الموصي.
***(16/2)
ش م من العراق الموصل تقول كنت أقوم بخدمة والدي في صحته ومرضه أكثر من أي أحد في العائلة وأثناء مرض وفاته قال له أحد إخوتي إن زوجتك ستخرجنا من الدار إذا توفيت لا سمح الله ولما اشتد به المرض أوصى بثلث الدار لي بموجب سند مصدق من قبل الجهات الرسمية ومؤيداً بتقرير طبي يؤكد بأن يؤكد بأنه بكامل قواه العقلية يذكر في الوصية بأنه يوصي بثلث داره بمحض إرادته ورغبته إلى ابنته التي هي السائلة لقاء خدمتها وأتعابها واهتمامها به ولم يكره أحد على ذلك وبعد وفاة والدي بفترة تزوجت بموافقة إخوتي وبعد زواجي أخذ بعض إخوتي وزوجة والدي يطلبون مني التنازل عن الوصية وعدم تنفيذها قائلين لي لو كنت متزوجة قبل وفاة والدك لما أوصى لك بما أوصاه ولما تزوجت الآن فلا يحق لك ذلك وإذا نفذت الوصية فإن والدك يحاسب أمام الله ويعذب نتيجة وصيته هذه وأنت تفقدين أجرك على خدمته أفيدوني رجاءً هل عمل والدي مخالف للشرع وإذا نفذت الوصية فهل يحاسبه الله على وصيته هذه ويأثم على ذلك أفيدونا جزاكم الله خيراً وأثابكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وصية الرجل لأحد من الورثة محرمة لأن الله سبحانه وتعالى فرض المواريث وبيَّنها وقال (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ) في ميراث الأصول والفروع وقال في ميراث في الأزواج والإخوة من الأم (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال في إرث الإخوة والأخوات في آخر سورة النساء (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فهذه الوصية وصية أبيك لك في مقابل خدمته وصيه جائرة لا يجوز تنفيذها ولكن إذا كان الورثة قد وافقوا بعد موت والدك عليها فإنها تعتبر نافذة بسبب إجابتهم لها وحينئذٍ لا يحق لهم الرجوع بعد ذلك ومطالبتك بأن تردي هذه الوصية ولكن أنت إذا رأيت من المصلحة أن تتنازلي دفعاً لما قد يحصل من الحرج والبغضاء بينك وبين إخوتك فإن هذا من الأفضل والأطيب.
***(16/2)
هـ ي من العراق محافظة نينوى تقول توفي شخص وترك خمسة أولاد وثلاث بنات منهم ابن وبنت من زوجة أخرى وقد ترك للجميع ميراثاً وترك لهذين الابن والبنت من زوجة أخرى وقد ترك للجميع ميراثاً وترك لهذين الابن والبنت قدراً باسمهم يعادل ثلث المال علماً بأن عمرهما لا يتجاوز الخمس سنين وترك هذا المال وديعة عند ابن أخيه فقام أحد أولاد المتوفى الكبار ونقض الوصية المتروكة مع هذا المال بحجة أنه يعرف حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه (لا وصية لوارث) وقد سألوا أحد العلماء عندهم فقال يجب أن يبقى المال عند المودع حتى يبلغ الصغار وسألوا آخر فقال يجب أن يضم هذا الثلث إلى جميع الميراث وتوزع على جميع الورثة فما هو الحكم الشرعي في هذا وماذا يفهم من الحديث الشريف (لا وصية لوارث) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الوصية غير صحيحة وهي باطلة لأن الله سبحانه وتعالى قسم الميراث وقال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) هكذا ختم آية ميراث الأصول والفروع ومنه هذه المسألة التي ذكرها السائل فالله تعالى قد فرض للأولاد ميراثهم فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم أكد ذلك في قوله (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فهذه الوصية التي أوصى بها الأب لابنيه الصغيرين دون بقية أولاده هي وصية باطلة محرمة نعم إن ثبت أن هذا المال قد حصل لهذين الابنين بطريق آخر غير طريق الأب كما لو كانا قد ورثاه أو أهدى لهما بالذات إذا ثبت هذا فهو لهما وليس وصية من قبل أبيهما لكن إذا كان وصية من قبل الأب يستحقانه من مال الأب المتروك فإنها وصية باطلة ولبقية الورثة الحق في إبطال هذه الوصية ورد هذا المال إلى التركة ليقسم بينهم على كتاب الله تعالى ولكني أرى أن من الأحسن أن ينفذ وصية والدهما لا سيما أن أخويهما هذين صغيران فهما محل الرحمة لأنهما إذا كانا صغيرين فهما يتيمان والله تعالى قد أوصى باليتامى خيراً فرأيي أن بقية الورثة ينبغي لهم أن يمضوا هذه الوصية ليكون في ذلك بر للوالد حيث وافقوا مراده ولأن ذلك إحسان إلى هؤلاء اليتامى.
***(16/2)
السائل حامد عبدوش تاجر في السودان يقول هناك رجلٌ له أرض واسعة وفي الأرض جنينة فيها نخيل وثمار وعنده ذرية رجال ونساء ولما كبر وتقدم عمره ترك وصية وقال إن أرضي وجميع ما فيها هي وقف لأولادي الذكور ولذريتهم أما بناتي فلا حق لهن في الوقف ولا يرثون وفعلاً هذا الرجل توفي ونفذ ابنه هذه الوصية وحرم البنات وذريتهن فهل يصح هذا الوقف وهل يأثم هذا الرجل نرجو التكرم بالإجابة على هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح من أقول أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يخص أحداً من ورثته بشيء من الوصية وان هذه الوصية باطلة وأنه يجب أن تردّ في الميراث ويرثها الورثة على حسب ما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وذلك لأن الله سبحانه وتعالى تولى بنفسه قسمة الميراث بين مستحقيه وأخبر أنه تعالى فرض ذلك فريضة وأنه لا يعلم أحد منا أيهم أقرب لنا نفعا وفي الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) .
***(16/2)
المستمعة اعتدال تقول أنا سيدة مصرية ومتزوجة منذ ثلاثين سنة وما زلت مع زوجي ولي بنت وولد البنت تزوجت والولد سيتزوج إن شاء الله ولي منزل بثلاثة أدوار بست شقق وأنا سيدة مؤمنة بالله لم أترك الصلاة فرضاً واحداً وأعبد الله بجميع ما أمرني الله به من عبادة ولي موضوع أرجو أن تفيدوني فيه أريد أن أكتب المنزل لابنتي وابني وأحرم زوجي من الميراث فسألت بعض الناس فمنهم من قال ربما تموتين قبل زوجك فسيرث ويمكن سيتزوج من بعدي والتي سيتزوجها سترث فيه وأصبح واحدة غريبة ستأخذ الحصة التي كان أولادك سيأخذونها والبعض قال حرام بعد وفاتك سيطرد من المنزل والذي سيتسبب في طردهم الغرباء وهو زوج ابنتك وزوجة ابنك أرجو الإفادة بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لي ملاحظات على ما جاء في سؤال هذه المرأة منها أنها قالت أنا سيدة وكررت هذا مرتين وكلمة سيدة أصبحت الآن وصفاً عاماً لكل امرأة حتى وإن كانت لا تستحق من السيادة شيئاً وأصبحت عرفاً مرادفة لكلمة امرأة وهذا فيما أظن متلقى من غير المسلمين لأن عبارات المسلمين التي أخذت من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها التعبير عن المرأة بسيدة وإنما حدث هذا أخيراً فالذي أرى أن تسمى المرأة بالمرأة أو بالأنثى أو بالفتاة أو بالعجوز إذا كانت كبيرة وما أشبه ذلك وأما أن ينقل لفظ السيدة الدال على السؤدد والشرف والوجاهة فيسمى به كل امرأة فإنه أمر لا ينبغي ومن الملاحظات أنها وصفت نفسها بوصف يدل على التزكية حيث قالت إنها امرأة تطيع الله في كل ما أمر به والله عز وجل يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) وأما الجواب عن سؤالها وهي أنها تريد أن تكتب منزلها لأولادها دون زوجها فإن كان هذا الكتاب وصية أي أنها تريد أن توصي بهذا المنزل لأولادها بعد موتها فإن ذلك حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا وصية لوارث) وفرض الله سبحانه وتعالى المواريث وقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا أوصى شخص لأحد ورثته بزائد على ميراثه فقد تعدى حدود الله أما إذا كتبت المنزل لأولادها في حياتها بأن وهبته لهم في حياتها دون زوجها فإن هذا لا بأس به إذا كانت حين الهبة صحيحة غير مريضة مرض الموت المخوف فإن هبتها لأولادها منزلها دون زوجها هبة صحيحة.
***(16/2)
المستمع صالح صلاح مصلح من صنعاء الجمهورية العربية اليمنية يقول أنا رجل متزوج ولله الحمد وعندي مال وليس لي إلا بنت واحدة فقط ولي أخ وأخت من أبي وبنتي حالتها المادية ميسورة وتريدني أن أسجل كل ما يخصها من التركة لعمها الذي هو أخي وأختي كذلك تريد نفس الشيء تسجيل ما يخصها لأخيها مع العلم بأنني متزوج بامرأة غير أم البنت ولم تنجب شيئاً ولكنهم يكرهونها وأنا لا أريد أن أفرط في نصيبها وفي نفس الوقت أخشى لو سجلتها لأخي أن يخرجني أنا وزوجتي من البيت فأرجو إرشادي إلى العمل الأصلح بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل الأصلح أن تبقي مالك بيدك ولا تكتبه لأحد لأنك لا تدري ماذا يعرض لك في حياتك وأنت إذا قدر الله عليك فمت ورث الورثة من مالك بقدر ما جاء في شريعة الله سبحانه وتعالى ثم إنك كيف تكتبه لهؤلاء باسم أنهم ورثتك مع أنك لا تدري فقد يموتون قبلك وتكون أنت الوارث لهم فالمهم أننا ننصحك بأن تمسك عليك مالك ولا تكتبه لأحد ودعه في يدك تتصرف فيه كما شيءت في الحدود الشرعية وإذا قدر الله على أحد منكم أن يموت ورثه الآخر بحسب ما حدده الله ورسوله.
***(16/2)
راشد الناصر من الرياض حريملاء يقول كان لي أخ وأتى إليّ بقصد الزيارة لأني كنت أشتغل في مدينة غير التي نحن فيها وعائلتنا وأعطيته مبلغاً من المال على سبيل المساعدة ولم أكن أقصد أنها قرضة ولم أطالبه بها في يوم من الأيام وهو كان يعرف ذلك وأخذ المال وعاد إلي بلدتنا حيث يقوم هو وأهلنا واستعان بهذا المبلغ على زواجه وعاشت زوجته معه مدة من الزمن وفيما بعد نشزت الزوجة بعد أن حصل بينهما خلاف وبعد ذلك كتب أخي وصية ومن ضمنها ذلك المبلغ كدين عليه لي وأشهد على ذلك شهوداً وعاش بعد ذلك مدة من الزمن ثم توفاه الله ولما عدت بعد وفاة أخي أبلغت بالوصية وطالبتني زوجته بإبراز حصتها من التركة وطالبتها بالوصية التي أوصى بها لي أخي وهو المبلغ الذي سبق وأن أعطيته على سبيل الإحسان وفعلاً قامت بتسليم نصيبها من الوصية من الدين الذي أوصى به أخي واستوفيته منها واقتسمت حصتها من التركة بعد ذلك فهل يجوز لي هذا التصرف مع أنني أخشى أن يكون الدافع لأخي لكتاب هذه الوصية هو الإضرار بزوجته الناشز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادمت قد بذلت مالك السابق على أنه مساعدة ومعاونة لأخيك وهو قبضه على هذا الوجه فإنه لا شي لك عليه في ذمته وعلى هذا فالوصية به لاغية لأنه لا حق لك عليه وما ذكرت من خوف الإضرار بهذه المرأة التي نشزت عنه وأتعبته فهو وارد والذي أرى أن ترد ما أخذت من المرأة إليها إبراء لذمتك وإبراء لما يخاف من وصية أخيك عليه وهذا أولى وأحوط والذي يظهر أن حالك والحمد لله ميسورة وأنك لست في حاجة إلى هذا بل ولو كنت في حاجة إلى هذا فإني أرى أن ترد إلى المرأة ما أخذت منها.
***(16/2)
ما رأيكم فيمن يوصي إذا مات أن يدفن في المكان الفلاني هل تنفذ هذه الوصية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لابدّ أن يسأل لمذا اختار هذا المكان فلعله اختاره إلى جنب ضريح مكذوب أو إلى جنب ضريح يشرك به مع الله أو غير ذلك من الأسباب المحرمة فهذا لايجوز تنفيذ وصيته ويدفن مع المسلمين إن كان مسلماً أما إذا كان أوصى بغير هذا الغرض بل أوصى بأن ينقل إلى بلده الذي هوعائشٌ فيه فهذا لاحرج في أن تنفذ وصيته إذا لم يكن في ذلك إتلاف للمال فإن كان في ذلك إتلاف للمال بحيث لاينقل إلا بدراهم كثيرة فإنها لاتنفذ وصيته حينئذٍ وأرض الله تعالى واحدة مادامت الأرض أرض مسلمين.
***(16/2)
المستمع خالد بكر محمد يقول إنه يريد أن يحج ومحمل عدة وصايا يقول إنه قد طلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة والمدينة مثل حجر أو ماء أو قليل تراب أو ما شابه ذلك فكيف أصنع وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الوصايا التي أشار إليها أن يأتي إلى من أوصوه بتراب أو ماء أو أحجار من الحرم لا يلزمه أن يفي بها وله أن يردها عليهم ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر لكان ذلك أولى وأجدر إذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم كان ذلك أولى وأجدر وأحسن.
***(16/2)
امرأة أوصت عند وفاتها بجميع ذهبها بأنه للمسجد وللماء البارد مع العلم بأن الماء البارد متوفر في هذا المسجد حيث يوجد هناك برادات هل يجوز بيع هذا الذهب وشراء مكيفات للمسجد مع العلم بأن الورثة لا يمانعون من تنفيذ هذه الوصية بكاملها وليس بالثلث حسب الشرع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا وافق الورثة على تنفيذ هذه الوصية فتنفذ كما قالت المرأة فإذا قدر أن المسجد مستغنٍ عن تبريد الماء بما فيه من البرادات فتصرف إلى مسجدٍ آخر يشترى له بذلك برادات لأن شرب الماء أفضل من المكيف ولكن لنحرص على أن يكون البديل مثل المسجد الأول مثل المسجد الأول بكثرة الناس وانتفاعهم بالماء.
***(16/2)
خلوي غازي محمد المطيري من السر يقول توفيت زوجتي وكانت أوصت بثلث مالها لولدها حين يبلغ سن الرشد وقد حفظت ذلك الثلث إلى أن بلغ ولدها سن الرشد فدفعته ولكنه سيئ التصرف فيه ولا يعمل لتنميته وزيادته بل يصرف منه حتى يتناقص ودون عمل على زيادته وأنا أسأل أولاً هل مثل هذه الوصية صحيحة أم لا وهل أترك ولدها يتصرف كيف يشاء في هذا الثلث أم أسترده منه حتى أعلم منه حسن التصرف أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه وصية صحيحة ولكنها قالت في وصيتها أنه يكون في يدك حتى يبلغ ابنها سن الرشد ومعنى بلوغ ابنها سن الرشد أن يكون رشيداً فلا يحل لك أن تسلمه إليه حتى تعلمه أنه قد صار رشيداً في تصرفه ومادام الأمر قد وقع فإنه لابد أنه أن تُبلغ الأمر إلى المحكمة التي في بلدكم حتى تقوم بما يجب نحو هذا الموضوع.
***(16/2)
يقول السائل اشترى ثلاثة أشقاء منزلاً بمالهم وكتب أحدهم وصية يقول فيها إذا توفيت وانتقلت إلى رحمة الله فإنني أترك التركة لإخواني الأشقاء ولا نصيب لزوجتي في هذا الميراث ما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل محرم لأنه يتضمن الوصية لبعض الورثة وحرمان بعضهم وهو من تعدي حدود الله عز وجل فإن الله تعالى جعل للزوجة نصيبها إن كان لزوجها أولاد فلها الثمن وإن لم يكن لها أولاد فلها الربع وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) هذه الوصية وصية جائرة والموصي آثم وعليه أن يمزقها إن كان حيا وعلى ورثته أن يقسموا ماله على فريضة الله عز وجل فيعطوا الزوجة نصيبها كاملا ويعطي هؤلاء نصيبهم كاملا.
***(16/2)
خليفة جاسم الجمهورية العربية السورية عين العقبة يقول في رسالته هل يجوز للمسلم أن ينفذ وصيته قبل مماته وهل يجوز نقل زكاة المال من بلد إلى بلد ثانٍ في نفس البلاد أفيدونا مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا نفذ الإنسان ثلث ماله في حياته فإن ذلك لا يعد وصية بل هو تبرع والإنسان ما دام حياً صحيحاً فله أن يتبرع بما شاء من ماله ولا حجر عليه إذا لم يتعلق بماله حق لأحد من الناس كما لو كان مديناً وكان تبرعه يضر بالغرماء وما أشبه ذلك والمهم أن ما ينفذه الإنسان في حياته لا يعد وصية بل هو تبرع نفذه لكن إذا كان هذا التنفيذ في مرض موته المخوف وما ألحق به فإنه يعتبر من الثلث فأقل لغير وارث لأن العطية في هذه الحال حكمها حكم الوصية في أنه لا يجوز أن يتبرع بزائد على الثلث ولا لأحد من الورثة بشيء وأما نقل الزكاة من بلد إلى آخر فإن الصحيح جوازها لاسيما إذا كان في ذلك مصلحة كما لو نقلها من بلد إلى بلد أهله أحوج أو نقلها من بلد إلى بلد لأن له فيها أقارب مستحقين للزكاة فإنه جائز ولا بأس به.
***(16/2)
توفي رجلٌ دون أن يكتب وصيته نظراً لأنه كان أمياً لا يعرف القراءة أو الكتابة ولكنه دائماً يوصي شفوياً لأولاده وزوجته بما يملك في فترة حياته ويقسم ذلك بينهم فهل تقبل هذه الوصية بشهادة الأبناء أم أنه كان يجب عليه أن يملي وصيته في يوم وفاته أو أثناء موته أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن الوصية لا تصح لأحدٍ من الورثة إلا أن يوصي لكل وارثٍ بمقدار حقه فهذا من باب التأكيد وليس وصية مستقلة فإذا وقع مثل هذه الوصية التي ذكرت في السؤال أوصى شفوياً بدون أن تكتب وبدون أن يشهد عليها واعترف الورثة بها بعد موته فإنهم ينفذونها لأنهم يقرون على أنفسهم والمقر على نفسه مأخوذٌ بإقراره مؤاخذٌ بإقراره إذا كان أهلاً للإقرار وعلى هذا فمن علم منهم أي من الورثة بالوصية فإنه ينفذها إلا إذا زادت على الثلث فإن ما زاد على الثلث يرجع إلى اختيار الورثة فإن شاؤوا نفذوه وإن شاؤوا منعوه.
***(16/2)
ع ب الطويلة تقول في هذا السؤال أم لديها بنت معاقة وليس لهذه البنت مصدر مالي فأوصت لها الأم بجزء من مالها تحصل عليه بعد وفاة الأم فهل الأم ظلمت بقية الأبناء والبنات بهذه الوصية فضيلة الشيخ
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأم إذا أوصت لهذه البنت بشيء من مالها فإن وصيتها حرام وباطلة فإن أجازها الورثة فيما بعد نفذت وإن لم يجيزوها فإنها لا تنفذ والبنت المعاقة وليها الله عز وجل فنحن علينا أن نتقي الله تعالى فيما أمرنا به وهي وأمر هذه البنت المعاقة يكون إلى الله سبحانه وتعالى لكن لو أوصت أولادها الذكور والإناث أن يرحموا هذه البنت المعاقة وأن يحرصوا عليها وأن لا يجعلوا عليها قاصرا في النفقة فهذا عمل طيب تثاب عليه ويثاب عليه أولادها من بنين أو بنات إذا نفذوا هذه الوصية.
***(16/2)
من الكويت ن. ع. تقول في هذا السؤال أصاب جدي مرض السرطان وبعد أن استفحل المرض فيه سافر مع خالي إلى لندن إلى العلاج وفي سفره قال جدي لأحد أقاربنا إنه يوصي بثلث ماله لخالي وعند ما رجع إلى الكويت لم يذكر شيئاً عن هذه الوصية حتى توفي بعد خمسة عشرة يوماً وتحولت القضية إلى المحكمة للنظر فيها حيث قامت والدتي جدتي وخالاتي بالموافقة على إعطاء الثلث لخالي أمام القاضي إلا أن خالي قال إن البيت الذي يعتبر سكناً لجدي وأبناء جدي من ضمن الثلث وسؤالي هل تصح هذه الوصية وماذا على الورثة أن يفعلوه وهل يعتبر البيت الذي نسكن فيه أي الورثة من ضمن الوصية نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في هذا الجواب هي أنه ما دامت المسألة رفعت إلى المحكمة فلتتم المحكمة ما يتعلق بهذه القضية من جميع النواحي فإذا أحب الورثة ألا يرفعوا الأمر إلى المحكمة مرة أخرى وأرادوا الصلح بينهم فلا حرج عليهم في الصلح فيما يتفقون عليه إذا كانوا بالغين رشيدين وإذا لم يتصالحوا فإن وصية جدك من أمك لخالك وصية غير صحيحة إلا ما أجاز الورثة منها لأنه أعني خالك من الورثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) فعليه نقول إن البيت الذي يسكنه الورثة أو بعضهم تحت أمر الورثة إذا لم يكن صلح فإن أجازوا الوصية لشريكهم في الإرث وهم بالغون رشيدون نفذت هذه الوصية في هذا البيت وأعطي الموصى له ثلثه وإن لم يجيزوها فالأمر إليهم وخلاصة الجواب أني أقول إن المحكمة كما بدأت القضية فلتتمها فإن لم يحصل فالصلح حسب ما يتفقون عليه إذا كانوا بالغين رشيدين فإن لم يصطلحوا على شيء فإن الوصية لوارث لا تصح إلا بإجازة بقية الورثة فإذا لم يُجز الورثة دخول البيت في الوصية فلا حرج عليه ويكون البيت مشتركاً بينهم شركة إرث.
***(16/2)
المستمع من السودان عبد الحكيم يقول رجلٌ له خمسةٌ من الأولاد منهم ولدٌ كبير في السن وأما الباقين فهم أطفال في المدارس الابن يعمل موظفاً ويقوم بمساعدة والده في تربية إخوانه قام الوالد بتسجيل التركة باسم هذا الولد الكبير لأنه يساعده في تربية الأطفال والدهم ما زال على قيد الحياة فهل له الحق في هذا التخصيص نرجو التوجيه والنصح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أنه لا يجوز لهذا الوالد أن يكتب التركة باسم ولده الأكبر لأن هذا يتضمن وصيةً لوارث وقد حدد الله عز وجل للورثة نصيبهم بعد موت مورثهم وقال في آيةٍ من آيات المواريث (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيما) وقال في الآية الثانية بعد ذكر المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال في الآية الثالثة بعد ذكر مواريث الإخوة الأشقاء أو لأب (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) وعلى هذا فلا يحل لهذا الوالد أن يكتب تركته باسم ولده الأكبر بل ولا يحل له أن يخصص ولده في حياته بشيءٍ دون إخوته لأن بشير بن سعد رضي الله عنه نحل ابنه النعمان بن البشير نحلة فقالت له أم النعمان لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب بشير بن سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وقال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وعلى هذا فلا يجوز لهذا الوالد أن يخصص ولده الأكبر بشيء لا في حياته ولا بعد مماته نعم لو فرض أن ولده الأكبر تفرغ للعمل معه في تجارته فله أن يجعل له أجرة شهرية على حسب أجرة المثل وله أن يشركه معه في الربح فيعطيه نصف الربح أو ثلث الربح أو ما أشبه ذلك بالنسبة لما جرت العادة بمثله أما بالنسبة لهذا الابن الأكبر الذي أعان والده في تربية إخوانه فإن له أجراً عند الله عز وجل أجراً من وجهين من جهة البر بوالده ومن جهة صلة الرحم بإخوانه وهذا خيرٌ من الدنيا وما فيها وإنني بهذه المناسبة أود أن أشير إلى مسألةٍ نبهت عليها من هذا المنبر كثيراً وهي أنه بعض الناس يكون له أولاد صغارٌ وكبار فيبلغ الأولاد الكبار سن الزواج فيزوجهم الأب ثم يكتب وصية للأولاد الصغار الذين لم يبلغوا سن الزواج في حياته فيكتب لهم وصية بقدر المهر الذي أعطاه المتزوج لكل واحد وهذا لا يجوز وذلك لأن الزواج من جملة الإنفاق فيعطى كل واحدٍ من الأولاد ما يحتاجه وإذا كان هؤلاء الأولاد الصغار لم يحتاجوا ذلك في حياة والدهم فإنه لا يحل له أن يوصي لهم بشيء فإن فعل فقد أوصى لوارث وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا وصية لوارث) .
***(16/2)
أحمد وداعة علي مقيم بمنطقة الباحة يقول سألت أحد العلماء عن مدى جواز تخصيص زوجتي بنصيب من تركتي فقال لي إن كنت أريد ذلك بقصد مكافأتها على خدمتها وعشرتها الطويلة فلا حرج في ذلك ولكن إذا أرت ذلك بقصد الإضرار بباقي الورثة فإن هذا لا يجوز وفي تقديري مع ضعف علمي أن المرأة نصيبها معروف حسب ما قرره الشرع وقول هذا يتعارض في نظري مع ما ورد في الكتاب والسنة فما رأيكم في ذلك وإن كان كلام العالم صحيحاً فهل يمكن أن نقيس على ذلك أنه يمكن أن أخص أحد أولادي بنصيب من التركة بين أخوته بدعوى أنه وقف معي مواقف جيدة دون أخوته وخدمني أكثر منهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على السؤال أحب أن أحذر من أن يتكلم الإنسان بغير علم فيما شرعه الله تعالى لأن المتكلم حينما يقول معبراً عن الله ورسوله فعليه أن يحترز وأن يتحرى الصواب بقدر ما أمكن قبل أن يتكلم والجرأة على الفتيا ليست بالأمر الهين فإن الإنسان سوف يسأل وربما يساهل الإنسان في فتيا من الإفتاءات فضل بها كثير من الناس وقد قال الله تعالى في محكم كتابه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال جل ذكره (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة بأن يقول من استفتى ولا علم عنده يقول لا أعلم فيما لا يعلمه لأن ذلك أبرأ لذمته وأعز له وأرفع له عند الله عز وجل فإن من قال فيما لا يعلم إنه لا يعلم فقد تواضع ومن تواضع لله رفعه وبهذا يثق الناس من علمه واستفتائه لأنه إذا عرفوا أنه يقول فيما لا يعلم لا أعلم وثقوا منه وعرفوا أنه لا يقدم على الفتوى إلا عن علم وما أفتى به في هذه المسألة من أنه يجوز أن توصي لزوجتك بشيء من مالك نظراً لمعاملتها الطيبة معك فإنها فتوى معارضة لما دل عليه الكتاب والسنة فإن الله تعالى فرض لزوجة من مالك بعد موتك شيئاً محدوداً (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) وقد قال الله تعالى في آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) الحد الذي حده الله للزوجة بعد موت زوجها من ماله إما الربع وإما الثمن لا زيادة على ذلك وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام إن الله أعطى كل ذي حقاً حقه فلا وصية لوارث وعلى هذا فإذا كنت تريد أن تبرّ امرأتك بشي نظراً لمعاملتها الطيبة معك فبإمكانك أن تبرها في حال صحتك فتعطيها ما تكافئها به من مالك أما بعد موتك فإن الأمر محدود مقدر من قبل الشرع لا يجوز أن يتعدى فيه الإنسان وأما بالنسبة لما ذكرت أنه يمكن أن يقاس علي الوصية لأحد من أولادك بشيء حيث كان يبرك أكثر من إخوانه فإن هذا كما عرفت من بطلان الأصل وإذا بطل الأصل بطل الفرع أي أنه إذا بطل المقيس عليه بطل المقاس على أن الأولاد يختصون بخصيصة أخرى ولو أنه إذا كان هذا الولد البار له إخوة فإنه لا يجوز أن تعطيه شيئاً زائداً على إخوانه ولو كان ذلك في حياتك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان بن بشير قال له عليه الصلاة والسلام (أكل ولدك نحلت مثل ذلك) قال (لا) قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام حيث أعطى بشيرٌ ابنَه النعمانَ هل النعمان يبره أكثر من غيره لا فإذن لا يجوز للوالد أن ينحل أحداً من أولاده دون الآخرين ولو كان أبر منهم وبر هذا البار أجره على الله عز وجل والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي لزوجته بأكثر من ميراثها نظراً لقيامها بواجبها نحوه ولا يجوز لأحد أن يخص أحداً من أولاده بشي دون إخوته نظراً لكونه أبر منهم بل يجب عليه العدل بين أولاده والعدل هو أن يؤتي كل إنسان ما يحتاجه وليس معناه أن يسوي بينهم فإذا أعطى هذا عشرة أعطى الآخر عشرة مثلاً لا قد يحتاج هذا الإنسان حاجة تبلغ ألفاً والثاني يحتاج حاجة تبلغ مائة فإذا أعطى كل واحد منهما حاجته فقد عدل بينهما وإن كان هذا تبلغ حاجته ألفاً والثاني تبلغ مائة والمهم أنه القيام بالواجب مثل الأولاد عدل ولو كان واجب أحدهم يتطلب أكثر من الآخر.
فضيلة الشيخ: هذا في حال الحياة أما بعد الموت فكل ذلك يدخل تحت عموم (لا وصية لوارث) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم
***(16/2)
عبد الله بن سليمان الخريف من الرياض يقول إن شخصاً توفي ولم يكن له ذرية فأوصى أن البيت ضحية له ولوالديه وأنه قال ملعون بائعه وشاريه إلى أنْ يَرثَ الله الأرض ومن عليها والبيت الآن طايح منذ سنين أي أنه خرابة لا يساوي شيء وأن المتوفى له أخُُ كبير في السن فماذا يعمل لكي يبرئ ذمته من هذه الوصية وهي موجودة معه الآن وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً وصيته ببيته كاملاً وله وارث محرمًُُ عليه ذلك الفعل وهذا أخوه وارث له إذا لم يكن وارث أولى منه في الميراث وإذا حصلت منه هذه القضية بأن أوصى الإنسان بجميع ما يملك وله ورثة فإن للورثة الخيار بين أن يجُيبوا هذه الوصية وبين أن يمنعوا ما زاد على الثلث منها وعليه فإنه إذا لم يكن أخوه قد أقر تلك الوصية فإن له أن يمنع منها ما زاد على الثلث أما إذا كان قد أقرها فإن الوصية تنفذ كما قال الموصي ولكن إذا تعطلت منافع البيت فإن الواجب على الوصي الذي له النظر على هذا البيت الواجب عليه أن يبيعه ويستبدله بما يكون له نفع وريع حتى تنفذ الوصية على المطلوب.
***(16/2)
من قطر يقول رجلٌ أوصى بثلث ماله وقفاً فضاعت الوصية وقسمت التركة وبعد فترةٍ من الزمن عثر على الوصية فما الحكم في ذلك مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن يؤخذ ثلث نصيب كل وارث ثم ينفذ به الوقف على مقتضى هذه الوصية هذا إذا كان قد أوصى بوقف ثلث ماله أو أوصى بثلث ماله يصرف للفقراء أو ما أشبه ذلك أما إذا كانت الوقفية وقفاً ناجزاً وكانت في حال الصحة فإنه ينفذ الوقف كله فإذا كان عقاراً مثلاً رفعت أيدي الورثة عن هذا العقار لأنه تبين أنه وقف وكذلك إن كانت أرضاً أوقفها لتكون مسجداً مثلاً فإن الأرض تنزع من أيدي الورثة وتصرف حيث شرطها الواقف وحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الوصية وبين الوقف الناجز فالوصية لا تثبت إلا بعد الموت فلو أوصى بوقف بيته مثلاً فإن الوصية لا تنفذ إلا بعد موته ولا تكون إلا في الثلث فأقل ولا تكون لأحدٍٍ من الورثة وللموصي أن يرجع فيها ويبطلها وله أن ينقص منها وله أن يزيد لكن بعد الموت لا ينفذ إلا ما كان بقدر الثلث فأقل أما الوقف الناجز فإنه ينفذ من حينه ولا يملك الموقف أن يتصرف فيه ولا يمكن للموقف أن يرجع فيه أيضاً وينفذ ولو كان يستوعب جميع المال إلا أن يكون في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا مقدار الثلث فقط أعني مقدار ثلث التركة.
***(16/2)
أحمد سعد قائد من آل حيدري يمني مقيم بجدة يقول توفي والدي يرحمه الله وكان قد أوصى في حياته أن يؤدى عنه الحج وخصص قطعة أرض من أملاكه لمن يحج عنه وبعد أن بلغنا سن الرشد أنا وأخي قدمنا إلى هنا في المملكة إلى عمل واتفقنا مع شخص أن يحج عن والدنا مقابل مبلغ ألفي ريال ولم ندفع إليه قطعة الأرض التي جعلها والدي لمن يحج عنه فهل الحج صحيح وهل علينا شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأب الذي أوصى بهذه القطعة للحج بها عنه يجب صرفها جميعا في الحج إذا كانت من الثلث فأقل وإن كانت أكثر من الثلث فما زاد عن الثلث فأنتم فيه بالخيار لكن إذا علمتم أن مقصود والدكم هو الحج فقط أي أن المقصود أن يؤتى له بحجة وأنه عين هذه الأرض من أجل التوثق فإنه لا حرج عليكم أن تعطوا دراهم يحج بها دراهم يحج بها وتبقى هذه الأرض لكم فالمهم أن هذا يرجع إلى ما تعلمونه من نية أبيكم إن كنتم تعلمون أن من نية أبيكم أن تصرف هذه الأرض كلها بالحج عنه فعلى ما سمعتم تنفق كلها في الحج عنه ولو كانت عدة حجات إذا كانت لا تزيد عن الثلث وما زاد على الثلث فأنتم فيه بالخيار وإذا كنتم تعلمون أن والدكم يريد الحج ولو مرَّة لكن عين هذه الأرض من أجل التوثقة فإنه لا حرج عليكم أن تقيموا من يحج عنه بدراهم وأن تبقوا هذه الأرض لكم.
فضيلة الشيخ: والحج الذي أدي لعله صحيح إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم الحج الذي أدي صحيح بكل حال لكن يبقى إن كان الوالد يريد أن تصرف كل الأرض في الحج عنه فإذا كان ما بذلوه من ألفي ريال أقل من قيمة الأرض يصرفون لحجة أخرى ثم أخرى حتى تستكمل قيمة الأرض
***(16/2)
_____ الفرائض _____(/)
كتاب الفرائض(17/1)
كيف يصنع بالمال الذي يخلفه الكافر بعد موته إذا كان له أولاد مسلمون وفيهم أيضاً من لا يصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان هذا الكافر له أقارب كفار فإنه يعطى إياهم مثال ذلك يهودي أو نصراني له أولاد مسلمون فمات هذا اليهودي أو النصراني فإننا لا نورث أولاده من ماله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يرث المسلم الكافر) لكن نبحث عن أقاربه من اليهود إن كان يهودياً أو من النصارى إن كان نصرانياً ونورثه إياه حسب الترتيب الشرعي أما المرتد والعياذ بالله كرجلٍ مات وهو لا يصلى وأصله مسلم فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يرثه أقاربه المسلمون أو يكون ميراثه لبيت المال فمن العلماء من قال يرثه أقاربه المسلمون لأن ارتداده خروجٌ عن الدين الذي يجب عليه أن يبقى عليه فيرثه أقاربه المسلمون وقال بعض أهل العلم إنه لا يرثه أقاربه المسلمون لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر) وعلى هذا يكون ميراثه لبيت المال يجعل في بيت المال ويصرف في المصالح العامة.
***(17/2)
المستمع من جمهورية مصر يقول الوارث الذي لا يصلى بانتظام كأن يصلى الجمعة ورمضان هل يرث أم يحرم مطلقاً أم يحبس له نصيبه حتى يتوب إلى الله وينتظم في صلاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مبنيٌ على اختلاف العلماء في تارك الصلاة فمن قال إن تارك الصلاة كافرٌ مرتد فإنه لا يرث من قريبه المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) ومن قال إنه لا يكفر فإن تركه الصلاة لا يمنعه من ميراثه من قريبه المسلم ولكن الصحيح أن تارك الصلاة يكفر كفراً مخرجاً عن الملة وأنه يكون مرتداً إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام فإن تاب ورجع إلى الإسلام قبل موت مورثه ورث منه وإلا فلا ولكن هل يكفر الإنسان إذا ترك صلاةً أو صلاتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو لا بد من الترك المطلق الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلى أبداً وأما من يصلى أحياناً فإنه لا يكفر لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ولم يقل ترك صلاةٍ قال ترك الصلاة وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق وكذلك قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها أي الصلاة فقد كفر) وبناءً على هذا نقول إن الذي يصلى أحياناً ويدع أحياناً ليس بكافر وحينئذٍ يرث من قريبه المسلم.
***(17/2)
يقول إذا مات من لم يصل وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهل يرثه ورثته من بعده وإن إن كانوا صالحين وهل ميراثهم حلال وهل تجوز الصلاة عليه وهل تتبع جنازته أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات من لا يصلى فإنه مات كافراً كفراً مخرجاً عن الملة ولا فرق بينه وبين عابد الصنم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي رواه مسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) فهذا كافر وإن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لأن هذه الشهادة كذَّبها فعلهُ فالمنافقون يقولون لا إله إلا الله ويقولون للرسول عليه الصلاة والسلام نشهد إنك لرسول الله ومع ذلك فقد كذبهم الله تعالى في هذا لأنهم لم ينقادوا لأمر الله ورسوله ولم يطمئنوا لذلك إذن فمن مات وهو لا يصلى حرم تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين وحرم الدعاء له بالرحمة والمغفرة لأنه من أهل النار ولا يجوز لأحد أن يدعو بالمغفرة والرحمة لمن مات على الكفر وكذلك لا يحل لأحد من أقاربه المسلمين أن يرثه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه أسامة ابن زيد (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) إذن ماذا نصنع به نحمله إلى خارج البلد ونحفر له حفرة ونغمسه فيها بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة وهذه المسألة مشكلة عظيمة لأنها قد توجد من بعض الناس وأهلوهم يعرفون ذلك أنه لا يصلى وأنه مات وهو لم يصل ولم يعلموا منه أنه آمن بالله وتاب ومع ذلك يغسلونه ويكفنون ويأتون به إلى المسلمين ليصلوا عليه وهذا حرام عليهم لا يجوز لهم لأنهم بذلك قد خانوا المؤمنين فإن المؤمنين لو علموا أنه لا يصلى ما صلوا عليه وهؤلاء قدموه للمؤمنين يصلون عليه فأنا أنصح إخواننا المسلمين أن ينتبهوا إلى هذه المسألة العظيمة كما أنني أدعو أولئك المتهاونين بالصلاة أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وأن يصلوا حتى يكونوا من المسلمين فإنه فإن العهد الذي بيننا وبين المشركين الصلاة فمن تركها فهو كافر كما جاء ذلك في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) .
***(17/2)
طارق يقول ما حكم المال الموروث إذا كان مختلطاُ بالربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المال الموروث حلالٌ للوارث وإن كان المورث قد اكتسبه من حرام إلا إذا علمنا أن هذا المال الموروث مالٌ لآخرين بحيث نعرف أن هذا المال مسروقٌ من فلان أو مغتصبٌ منه فحينئذٍ لا يحل لنا بل يجب رده على صاحبه إبراءً لذمة الميت واتقاءً لأخذ المال بالباطل أما إذا كان حراماً بكسبه كالأموال التي اكتسبها الميت بالربا فهي حلالٌ للورثة وإثمها على الميت لأنا لا نعلم أن الناس إذا مات ميتهم يسألوا كيف ملك هذا المال وبأي طريقٍ ملكه.
***(17/2)
إذا مات أبٌ وابنٌ في حادثةٍ ما ولم يعرف أيهما السابق بالوفاة فما الحكم في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه الحال أنه لا توارث بينهما لأن من شرط التوارث العلم بحياة الوارث بعد موت مورثه فإن الله جعل المواريث باللام الدالة على الملك فقال (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وقال (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وقال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) إلى غير ذلك واللام للتمليك ومن المعلوم أنه لا ملك إلا في حال الحياة فالميت لا يملك ومن هنا نأخذ أنه لا بد من العلم ببقاء الوارث بعد موت مورثه فإذا جهلنا الحال فقد فات هذا الشرط وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط الصحيح في هذه المسألة أنه لا توارث بينهما فلا يرث الابن من أبيه شيئاً ولا يرث الأب من ابنه شيئاً.
***(17/2)
عبد الله شافي مسعد الحارثي من بيشة يقول شخصٌ منقطعٌ من الذرية والقرابة وله أملاكٌ وأراضٍ زراعية وهو كبير السن فقد قارب عمره مائة وثلاثين عاماً وقد فقد بصره وذاكرته وكأنه في عهد الطفولة وهو الآن أقرب إلى الموت من الحياة وليس هناك من يهتم به أو يعتني به ولي أبناء عمٍ يدعون أنهم ورثةٌ له طمعاً في الدنيا ونسوا الآخرة وقد سئلوا كيف يرثونه فقالوا إن المزرعة بجوار المزرعة مع العلم أنني أنا أخوهم ابن عمهم أنكر ذلك وأنا أكبرهم بعشرين عاماً وقد سألت كبار رجال القبيلة فقالوا إنه لا يتصل بنا ولا جده بجدنا يتصل بنا بصلة قرابة فما هو الحكم في تركة هذا الشخص وفي ادعاء هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم فيمن يستحق تركة هذا الرجل لا يمكن أن يثبت حتى يموت ويتبين من يرثه فما يدريك لعل هؤلاء الأصحاء الأشداء الأقوياء لعلهم يموتون قبله فما دام فيه عرقٌ من حياة فإنه لا يحكم بمن يرثه حتى يتوفاه الله عز وجل فإن توفاه الله عز وجل فإنه من المعلوم عند أهل العلم أنه يشترط لثبوت الإرث العلم بالجهة المقتضية للإرث وهو كيف يتصل هذا الرجل الذي ادعى أنه وارثٌ لهذا الميت كيف يتصل به وبأي جهة يكون استحقاقه للإرث وهذه المسألة ترجع إلى قاضي المحكمة حين يتوفى هذا الرجل كبير السن.
***(17/2)
من الشنيان بن زاحم البلادي من قرية النويبة ضواحي رابغ يقول توفي والدي منذ عشرين سنة وخلف أرضاً زراعية وعقب ولدين وثلاث بنات، والأرض المذكورة دخلت عليهم من صداق الكبيرة من بناته على موجب ما ذكر، والآن الأرض المذكورة هل هي ميراث لأولاده جميعاً ذكوراً وإناثاً أم تختص بإحداهما، علماً بأن البنت التي الأرض من صداقها أعطت والدها في قيد الحياة الأرض المذكورة فقالت إنها مال من أموالك، أرجو الإفادة بعد العطاء من البنت لأبيها ولكم جزيل الشكر وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة، أو البنت التي أعطت والدها الأرض التي من صداقها تكون الأرض المذكورة ملكاً لوالدها فلما مات الوالد تعود إلى ورثته حسب الميراث الشرعي ويرثها أولاده وزوجاته وأمه وأبوه إذا كانا موجودين، ويكون نصيب البنت التي أعطت هذه الأرض من هذه الأرض مثل نصيب أختها لأن الأرض صارت ميراثاً.
***(17/2)
أبو عبد الله من القصيم يقول توفي رجل وخلّف مزرعة كبيرة وكل عام تدر هذه المزرعة أموالاً طائلة فيقومون بتقسيمها حسب الإرث الشرعي للذكر مثل حظ الانثيين هل عملهم صحيح هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل صحيح وذلك أن الميت إذا مات فإن المال ينتقل من بعده إلى ورثته ولكن يقدم الدين أولاً ثم الوصية من الثلث فأقل لغير الوارث ثم الإرث فإذا لم يكن في هذه المزرعة دين فإن محصولها يكون للورثة والوصية فإن لم يكن وصية فمحصولها للورثة فقط يرثونها حسب الميراث الشرعي العصبة منهم للذكر مثل حظ الانثيين وأصحاب الفروض لهم ما فرض الله لهم.
***(17/2)
رجل عليه ديون كثيرة وعليه نذر أيهما الذي يقدم الأول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توفي الإنسان وعليه ديون لله عز وجل من نذر أو كفارة أو زكاة وديون للآدميين فإن القول الراجح في هذه المسألة هو المحاصَّة بين الديون التي لله عز وجل والتي للآدميين وكيفية المحاصة أن نحصي ما عليه من الدين ثم ننسب ما خلفه من المال إليه فإذا قدر أن نسبة ما خلفه من المال إلى الديون النصف أعطينا كل ذي دين نصف دينه وإذا كانت النسبة الربع أعطينا كل ذي دين ربع دينه وإذا كانت النسبة بين الثلثين أعطينا كل ذي دين ثلثي دينه وهكذا.
***(17/2)
ف. م. تقول نحن خمسة أخوة أربع بنات وابنٌ واحد توفي والدنا وترك لنا إرثاً يدر علينا ريعاً سنوياً فيقوم أخونا بتقسيمه إلى ستة أقسام فيأخذ لنفسه قسمين ويعطينا كل واحدةٍ قسماً واحداً على أساس للذكر مثل حظ الأنثيين فهل فعله هذا صحيح أم أن هناك تقسيماً آخر يجب أن يتبعه في كل عام وما العمل لو أردنا تقسيم كامل التركة بيننا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التركة تقسم بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين بالنص والإجماع فإن الله تعالى يقول (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وهذا أمرٌ مجمعٌ عليه فتصرف أخيكم تصرفٌ صحيح فأنتن أربع وهو واحد لكنه عن سهمين فتكون الأسهم التي يقسم عليها المال بينكم ستة أسهم له سهمان ولكل واحدةٍ منكن سهمٌ وتصرفه صحيح ولا إشكال فيه.
فضيلة الشيخ: إنما في حال تقسيم كامل التركة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما نقول إننا نقسم لهم كامل التركة حتى ننظر هل معهم وارثٌ أم لا إذا لم يكن وارثٌ سواهم فلهم جميع التركة وإن كان معهم صاحب فرض يعطى فرضه أولاً ثم يقسم الباقي على هؤلاء لأنهم عصبة.
***(17/2)
ب. ع. من الرياض تقول توفي شخص وترك لديه مزرعة وعنده أبناء وبنات وأخذ الابن الأكبر المزرعة يعمل بها فهو ليس لديه عمل وهو يقتات من هذه المزرعة ومتعلق بها جداً وقد نصحه الإخوة في بيعها وتوزيع التركة على الأبناء والبنات لكنه رفض البيع مع أنه يعطي منتوجات المزرعة من تمور وعنب وغيرها إليهم فما الحكم في ذلك وما نصيحتكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لهذا الأخ أن يمنع بقية إخوانه من إرثهم بحجة أنه يهوى أن يكون فلاحاً وإذا كان يريد أن يكون فلاحاً فليقوم هذه الفلاحة بما تساويه وليعطي كل وارث نصيبه إذا كان يملك أن يعطيهم ذلك أما إذا كان فقيراً فإنه يلزمه أن يوافق الورثة في طلب بيعها وأخذ كل واحد نصيبه ولا يحل له أن يمنعهم لأن هذا استيلاء على مال غيره بغير حق وهو في هذه الحال بمنزلة الغاصب هذا بالنسبة للأخ الذي استولى على هذا البستان أما بالنسبة للإخوان فإني أشير عليهم إذا لم يكونوا في حاجة إلى هذا البستان أن يبقوا أخاهم فيه لما في ذلك من صلة الرحم والإحسان إليه ويكون لهم نصيب من ثمره زائد على ما يستحقونه بسهمهم الأصلى فيكون أخوهم شريكاً لهم وفي نفس الوقت ساقياً أو مزارعاً وقد قال الله عز وجل (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) .
***(17/2)
نحن ورثة والدنا متوفى قبل ست سنوات وبيننا قصار بعضهم لم يبلغ من العمر إلا تسع سنوات وهم من امرأةٍ غير أمنا ونحن خمسة من أم متوفاة وستة من أم لا زالت على قيد الحياة والذي أريد أن أسأل عنه هو هل يجوز أن نتنازل لأحد إخواننا الكبار بقطعة أرض يعمر فيها سكناً له علماً بأن والدي لم يقسم بيننا قبل وفاته أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الورثة كلهم بالغين مرشدين فلا بأس أن يتنازلوا عن قطعة أرض لأحد إخوانهم وأما إذا كان فيهم قصار فلا يجوز أن يتنازل أحدٌ فيما يختص بهؤلاء الصغار أي أن نصيبهم من التركة يجب أن لا يؤخذ منه شيء أما لو تنازل أحد الكبار المرشدين عن نصيبه لأخيه فهذا لا بأس به.
***(17/2)
المستمع من خميس مشيط ع. ف. يقول أنا وكيل شرعي وأبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً وسبق أن أتاني أحد إخواني الذي أقل مني سناً يطلب مبلغ خمسة آلاف لقوله أنه أنفقها على سيارة كانت من ضمن ما ورثه من والدي وقد أجبت أنني لا أملك هذه النقود وبعد جدالٍ كاد أن يكون فيه شيء من الاشتباك تنازلت له عن السيارة المشار إليها وكتبت له على نفسي بأنني سأدفع للورثة ما يطلبونه مقابل تلك السيارة التي أخذها ظلماً وعدوانا فما حكم الشرع في نظركم في ذلك أفيدوني بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لك أن تتنازل عن السيارة المشتركة بينك وبين بقية الورثة إلا بموافقة الورثة وهذا الأخ الذي ألجأك إلى ذلك لا يحل له شيء من هذه السيارة لأنه ألجأك إلى ذلك ولأن حق شركائكم باقٍ فيها والواجب الآن رد السيارة أو استرضاء الجميع فإذا رضي الجميع وهم بالغون رشيدون فلا حرج وإلا فلهم الحق في أن يردوا هذه السيارة إلى المال المشترك وكلٌ يأخذ نصيبه منها
***(17/2)
أحد الإخوة المستمعين من الرياض يقول يا فضيلة الشيخ شخصٌ توفي وترك من بعده مبلغاً من المال وأراضي وعمارات وله ثلاثة إخوان وأخت وزوجة وليس له ولد أو بنت ترغب زوجته في بناء مسجد على إحدى أراضيه من أمواله مع العلم بأنه توفي ولم يوصِ بعمل أي شيء أبداً السؤال كيف يتم ذلك وهل على الورثة التنازل عن حصتهم من المال والأرض لكي يتم بناء المسجد مع العلم بأن تكلفة المسجد لا يمكن تحديدها إلا بعد انتهاء البناء وهل يجب موافقة جميع الورثة على هذا الشيء جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات الإنسان انتقل ماله إلى الورثة وإذا لم يوصي بشيء فليس له حق في المال المنتقل إلى الورثة وبناءً على ذلك لا يمكن أن يُبنى على شيءٍ من أراضيه مسجد من تركته إلا بعد موافقة الورثة الرشيدين كلهم فإذا وافقوا وكلهم رشيدون فلا بأس أن يقتطع جزءٌ من أراضيه ويبنى على هذا الجزء مسجد من تركته وإلا فإن جميع الأملاك من العقارات والأموال والنقود كلها للورثة.
***(17/2)
هل يجوز للمرأة أن تتصدق بنصيبها من ميراث الزوج على إخوان الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تتصدق الزوجة بنصيبها من زوجها على إخوان زوجها إن كانوا فقراء وإن كانوا أغنياء فيكون ذلك هدية وتبرعا.
***(17/2)
س. ج. من سوريا يقول أنا رجل ولي مجموعة أخوات وتوفي والدي وترك لنا أرضاً وأردت أن أعطي أخواتي نصيبهن من هذه الأرض ولكن جميعهن رفضن ذلك وقلن نحن نسامحك بذلك ولا نريد شيئاً ولكنني أجبرتهن على أن يأخذن مبلغا من المال لقاء هذا التسامح وتراضينا على هذا الأساس فما هو رأيكم بذلك يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأرض التي تركها أبوكم هي ملك لكم تتصرفون بها كما شيءتم فإذا تنازلت أخوات هذا الرجل عن نصيبهن من هذه الأرض فالأمر إليهن يكون تنازلهن صحيحا فإن قبل أخوهن ذلك فالأمر واضح وإن لم يقبل إلا بالمعاوضة فالأمر إليه إن شاء ألا يقبل إلا بمعاوضة فله ذلك وإن قبل بدون معاوضة واعترف بجميلهن وشكرهن على هذا فهو كافٍ والذي أرى أن ينظر إلى الحال إن كان غنيا وكان في أخواته شيء من الحاجة فالأولى ألا يقبل إلا بعوض وأن يقنعهن بذلك وإن كان أخواته لسن في حاجة أو كان هو ليس واسع الغنى فالأولى أن يقبل بلا عوض.
***(17/2)
يوجد لدي أخت توفي لها ابنة وكان لدى هذه الابنة مجموعة من الذهب تساوي ما يقارب قيمته مبلغاً من المال فماذا عليها أن تفعل بهذا الذهب هل تقوم ببيعه أم ماذا تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذهب يكون ميراثاً فإذا كانت بنت لها وارث قسم بين الورثة على ما جاء في كتاب الله فإذا كانت البنت هذه لها أم ولها أب ولها إخوان اثنان فأكثر فللأم السدس والباقي للأب ولا شيء للإخوان وإن كان لها أب وليس لها إخوان فللأم الثلث والباقي للأب المهم أن هذا الذهب الذي تركته البنت المتوفاة يكون ميراثاً حسب ما جاء في القرآن والسنة.
***(17/2)
ع ع ي من تعز يقول هناك امرأة قريبة لي كانت تسكن في بيتنا وعندها أملاك ورثتها عن والدها ووالدتها وزوجها وأولادها المتوفين وقد أمرتني أن أبحث لها عن موضعين يكون ريعهما وقفاً لإعادة بناء مسجد قديم مهدم وقد عينت الموقعين وحينما أرادت الذهاب لمشاهدتهما والتوقيع على المستندات الخاصة بذلك حصل لها حادث سيارة توفيت على إثره فهل يلزم ورثتها الوفاء بهذا الوقف ففيهم من يعارض ذلك وأشدهم معارضة زوج ابنتها فهل يملك ذلك وهل يلزم موافقتهم على إتمام الوقف أم يؤخذ من تركتها رغماً عنهم وإن لم يكن لدي شهود على إيقافها آن ذاك أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما ذكره السائل أنه لم يتم الوقف حتى الآن وأن الوقف يتوقف على مشاهدتها للمكان وعلى تنفيذها له وهذا الأمر لم يحصل وعليه فإن ذلك يكون ملكاً للورثة إن كان قد تم شراؤه وإن لم يتم شراؤه فإن الأمر فيه واضح ولكن ينبغي للورثة في مثل هذه الحال أن يوافقوا على ما نوته هذه الميتة التي ورثوا المال من قبلها لأجل أن يكون النفع لها بعد مماتها فيما نوته من التقرب إلى الله تعالى بمالها أما إذا كانت المرأة هذه قد وكلته بالشراء والتوقيف فاشتراه ووقفه وتوقف الأمر على مشاهدتها للاطمئنان فقط فإن الوقف حين إذن يكون نافذاً ولا حق لأحد في المعارضة فيه لأنه قد تم بواسطة التوكيل لهذا الوكيل المفوض والذي أمضى ما وكل فيه إلا أنه أراد أن تطمئن هذه الموقفة على المكان الذي عينه ونفذ فيه الوقف.
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن المضي في إثبات الوقف كان يترتب على زيارتها تلك فوافق الورثة جميعهم ما عدا زوج هذه البنت هل يملك الحق في المعارضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زوج البنت لا يملك الحق في المعارضة وذلك لأنه لا حق له في هذا المال وإنما الحق لزوجته لأنها ابنة المتوفاة وزوجته أيضاً لا يلزمها طاعته في هذا الأمر أي لو قال لها لا تنفذي هذا فإنه لا يلزمها طاعته فيه لأن الزوجة حرة في مالها وليس محجوراً عليها فيه بل هي تتصرف فيه كما شاءت إذا كانت رشيدة وإذا لم يثبت ما ذكر ببينة أي ما ذكره السائل من أن هذه المرأة وكلته على الحصول على أرض توقفها إذا لم يثبت هذا ببينة فإنه لابد من تصديق الورثة لدعوى هذا الوكيل فإن لم يصدقوه لم يثبت شيء.
***(17/2)
يقول رجلٌ أوصى بثلث ماله وقفاً فضاعت الوصية وقسمت التركة وبعد فترةٍ من الزمن عثر على الوصية فما الحكم في ذلك مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن يؤخذ ثلث نصيب كل وارث ثم ينفذ به الوقف على مقتضى هذه الوصية هذا إذا كان قد أوصى بوقف ثلث ماله أو أوصى بثلث ماله يصرف للفقراء أو ما أشبه ذلك أما إذا كانت الوقفية وقفاً ناجزاً وكانت في حال الصحة فإنه ينفذ الوقف كله فإذا كان عقاراً مثلاً رفعت أيدي الورثة عن هذا العقار لأنه تبين أنه وقف وكذلك إن كانت أرضاً أوقفها لتكون مسجداً مثلاً فإن الأرض تنزع من أيدي الورثة وتصرف حيث شرطها الواقف وحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الوصية وبين الوقف الناجز فالوصية لا تثبت إلا بعد الموت فلو أوصى بوقف بيته مثلاً فإن الوصية لا تنفذ إلا بعد موته ولا تكون إلا في الثلث فأقل ولا تكون لأحدٍٍ من الورثة وللموصي أن يرجع فيها ويبطلها وله أن ينقص منها وله أن يزيد لكن بعد الموت لا ينفذ إلا ما كان بقدر الثلث فأقل أما الوقف الناجز فإنه ينفذ من حينه ولا يملك الموقف أن يتصرف فيه ولا يمكن للموقف أن يرجع فيه أيضاً وينفذ ولو كان يستوعب جميع المال إلا أن يكون في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا مقدار الثلث فقط أعني مقدار ثلث التركة.
***(17/2)
يقول السائل ماحكم الشرع في الورثة الذين يرثون المال الفاسد والذي جمع بطريقةٍ غير شرعية وهل يحل لهم هذا المال ويحق امتلاكه وكيف يزكى هذا المال والذي طال عليه الأمد بدون زكاة أرجو توضيح ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المال الذي خلفه من يكتسبه بطريقٍ محرم إن كان محرماً لعينه كما لو كان يسرق أموال الناس أو يأخذها منهم قهراً فإن الواجب على الورثة أن يردوا هذه الأموال إلى أهلها لأن مالكها مأثوم وأما إذا كان عن طريق الاكتساب وبذل الأموال بالتراضي ولكنه على وجهٍ محرم فإنه لا يلزم الورثة إخراج شيء منه يكون لهم الغنم وعلى كاسبه الإثم وأما الزكاة الواجبة في هذا المال إذا علموا أن مالكه لا يزكيه فإن أهل العلم اختلفوا في هذه فمنهم من يقول إنها تؤدى من ماله لأنها من حق الفقراء وحق الفقراء لا يسقط بتفريطه وإهماله أي بتفريط من عليه الزكاة وإهماله ومن العلماء من قال لا يؤدى عنه لأنه ترك الواجب عليه هو بنفسه ولا ينفعه إذا قضاه عنه غيره ولكن الأحوط إخراج الزكاة إذا علمنا أن الموروث لا يزكي ولكن هذه الزكاة لا تبرأ بها ذمة الميت إذا كان قد صمم وعزم أن لا يزكي لأن ذلك لا ينفعه ولكنها من أجل تعلق حق المستحقين بها تخرج وهذا هو رأي جمهور أهل العلم.
***(17/2)
كثير من الناس لا يعطون النساء نصيبهن من الإرث فهل من نصيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أظن أن هذا يقع لا سيما في البلاد الإسلامية العريقة في الإسلام لأن هذا أمر معلوم بالضرورة من الدين قال الله تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وهذا أمر لا يخفى فلا يحل لأحد أن يمنع النساء من الإرث ومن فعل ذلك فهو ظالم معتدٍ متعدٍ لحدود الله عز وجل ولما ذكر الله سبحانه وتعالى الآية الثانية من آيات المواريث من سورة النساء قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) ثم هم مع تعديهم لحدود الله ظالمون لأنفسهم إذ أنهم اكتسبوا بذلك إثما وأكلوا سحتا وللنساء أن يطالبن بحقوقهن حتى ولو كان الذي منعهن من أقرب الناس إليهم لأنهن إذا طلبن بذلك فقد طلبن بحق.
***(17/2)
راضي الحربي يقول ما الحكم في أن بعض الناس إذا مات الميت قام الذين خلفه بأخذ ماله كله ويعطون الأبناء من هذا المال ولا يعطون البنات بحجة أن البنات لا يطالبن بهذا المال أرجو التوجيه في هذا الأمر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا محرم بل من كبائر الذنوب والعياذ بالله لأن الله تعالى لما ذكر الميراث ميراث الزوجين والإخوة من الأم وهم أبعد من الفروع والأصول قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فبين أن هذه حدود الله وأن من تعدى حدود الله وعصى الله ورسوله يدخله نارا خالدا فيها فعلى المؤمن أن يعطي كل ذي حق حقه من الإرث سواء كانوا رجالا أو نساء فإذا مات الإنسان عن ولدين وبنت وجب أن تعطي البنت خمس المال وأربعة أخماس للابنين لكل واحد خمسان لقول الله تعالى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وهذه العادات والتقاليد عادات باطلة جاهلية لا يحل لأحد أن يقدمها على شريعة الله أبدا والواجب أن يعطى كل ذي حق حقه وأن ترفع القضية إلى القاضي حتى يحكم فيها بشريعة الله فتزول هذه العادة الجاهلية الجائرة الباطلة.
***(17/2)
السائل يقول هناك في بلدي قوانين تتيح للبنت أن ترث من أبيها أو أمها كما يرث الذكر وهذا الإرث يسمى إرث الأراضي حيث يشمل كل ما هو خارج المدن من أراضٍ زراعية فهل هذا جائز في شرع الله تعالى وإن قلت يجب أن تأخذي كما أمر الله للذكر مثل حظ الأنثيين تجد ذريعة بأن القوانين أعطتني هذا الحق فما رأي سماحتكم في هذا الإرث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن هذا القانون قانون باطل لأنه مخالف لشريعة الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ولا يجوز للمسلم أن يعمل به ولا يحل للمرأة أن تطالب به لأن حق المرأة في الميراث إذا كانت من البنات أو بنات الابن أو الأخوات الشقيقات أو أخوات الأب نصف حق الرجل قال الله تبارك وتعالى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال تعالى (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) والأخت لا تساوي أخاها إلا إذا كان أخوين من أم كما قال تعالى (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) وإني أنصح كل مؤمن بالله واليوم الآخر إذا كانت القوانين تمكنه من حق ليس مستحقاً له شرعاً أنصحه أن يرفض هذا القانون وأن لا يعمل به لأنه باطل والأخذ بمقتضاه أكل للمال بالباطل فلا يحل.
***(17/2)
ي يقول عند تقسم الإرث في بلادنا يجعلون للأنثى نصيباً معادلاً لنصيب الذكر في الأموال النقدية والممتلكات التي تكون ضمن حدود البلديات أما الأراضي الزراعية فيجعلون معها نصف نصيب الذكر فما الحكم الشرعي في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم الشرعي ما ذكره الله في قوله (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) والمرأة لا تستحق من الميراث كما يستحق الرجل والواجب على ولاة الأمور أن يتلزموا بأحكام الله تعالى سواء بالميراث أو في غيره لأننا نحن عباد لله عز وجل يجب علينا أن نطبق كل ما أمر به وألا نعارض ذلك بما تمليه علينا أهواؤنا وعقولنا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.
***(17/2)
من هم العصبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العصبة كل من يرث بلا تقدير وذلك لأن الورثة ينقسمون إلى قسمين قسم قدّر لهم نصيبهم كالزوجين والأبوين والبنات وبنات الابن والأخوات الشقيقات والأخوات لأب والأخوات لأم وقسم لم يقدر لهم النصيب فمن قدر لهم النصيب فهم أصحاب الفروض ومن لم يقدر لهم النصيب فهم عصبة فالعاصب هو الذي يرث بلا تقدير وحكمه أنه إذا انفرد أخذ جميع المال وإن كان معه صاحب فرض أخذ ما بقي بعد فرضه وإن استغرقت الفروض التركة سقط مثال ذلك الأخ الشقيق إذا هلك هالك عن أخ شقيق لا وارث له سواه فالمال كله له وإذا هلك هالك عن بنت وأخ شقيق فللبنت النصف والباقي للأخ الشقيق وإذا هلك هالك عن زوج وأخت شقيقة وأخ لأب كان للزوج النصف وللأخت الشقيقة النصف ولا شيء للأخ لأب هذا هو العاصب فالعاصب إذاً من يرث بلا تقدير وليعلم أنه لا يرث أحد من الحواشي إذا كان أنثى إلا الأخوات لأب أو لأم أو لأب وأم فإذا هلك هالك عن عم وعمة فالمال للعم ولا شيء للعمة وإذا هلك هالك عن ابن أخ وأخته التي هي بنت الأخ فلا شيء لبنت الأخ مع أخيها لأنه لا يرث مع الحواشي من الإناث إلا الأخوات فقط.
***(17/2)
الابن إذا تزوج واستقل في بيته لوحده عن أبيه هل له نصيب في الميراث بعد وفاة الأب علماً بأن الأب له مجموعة من الأبناء يرجو الافادة بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) والأولاد كلمة تشمل الذكر والانثى فكل واحد من الأبناء فإنه يرث من أبيه وكل واحدة من البنات فإنها ترث من أبيها إلا إذا وجد مانع من موانع الإرث وانفراد الابن عن أبيه في بيت ليس من موانع الإرث لأن موانع الإرث ثلاثة
الأول اختلاف الدين بأن يكون الميت على ملة ومن بعده على ملة أخرى فإذا كان الأب كافراً والابن مسلماً فلا توارث بينهما لما ثبت في الصحيح من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) .
الثاني القتل إذا تعمد قتل مورثه فإنه لا يرث منه لأنه لو ورث منه لكان فتح باب لمن أراد أن يتعجل الميراث من شخص فيذهب ويقتله فسد هذا الباب أما إذا كان القتل خطأً يقيناً فإن القول الصحيح أن ذلك لا يمنع الميراث لكن لا يرث القاتل من الدية شيئاً لأن الدية غرم عليه ولو ورثناه منها لكان في ذلك إسقاط لها أو لبعضها
المانع الثالث من موانع الإرث الرق أي إذا كان الوارث رقيقاً فإنه ممنوع من الإرث ولو وجد سبب استحقاقه الإرث وذلك لأن المملوك يعود ملكه لسيده قال النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) فهذه الموانع الثلاثة تمنع من قام به سبب الإرث من إرثه وأما ما ذكره السائل من انفراده من أبيه فإن ذلك ليس مانعاً من الميراث فإذا مات أبوه فإن ماله يوزع بين أولاده البنات والبنين للذكر مثل حظ الانثيين بعد أخذ أصحاب الفروض الذين يرثون معهم فروضهم.
***(17/2)
أ. ع. م. من السودان ومقيم بالعراق يقول في رسالته خطب شخص ما فتاة بكراً وتم عقد الزواج وقبل الدخول بها توفي هذا الرجل وخلف ورآه تركة وليس له أولاد ولا أقرباء ولا أحد من الورثة غير هذه الزوجة التي عقد عليها هل ترثه وهو لم يدخل بها أفيدونا مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نعم ترثه وذلك لعموم قوله تعالى (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) فالزوجة تكون زوجة بمجرد العقد الصحيح فإذا تم العقد الصحيح ومات زوجها عنه ورثته ولزمتها عدة الوفاة وإن لم يدخل بها ولها المهر كاملاً وما زاد على ميراثها من تركته فإنه يكون لأولى رجل ذكر وفي هذه المسألة التي سأل عنها السائل إذا لم يوجد لهذا الميت أو حيث لم يوجد لهذا الميت أحد من الورثة لا أصحاب الفروض ولا العصبة فإنما زاد على نصيب المرأة يكون في بيت المال لأن بيت المال جهة يؤول إليها كل مالٍ ليس له مالك معين.
***(17/2)
ج. م. ع. يقول عقد رجل على امرأة عقد النكاح ومات الرجل قبل الزواج فضيلة الشيخ هل على المرأة في هذه الحال العدة وهل ترث نرجو إجابة حول هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا عقد الرجل على امرأة ثم مات قبل أن يدخل بها فإنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لعموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ويثبت لها الميراث فترث من زوجها الربع إن لم يكن له زوجة أخرى ولا ولد وترث منه الثمن إن كان له ولد وإن كان له زوجة أخرى شاركتها في الثمن ويثبت لها المهر كاملاً أي الصداق الذي فرضه لها يثبت لها ذلك كاملاً هكذا قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق وهذا بخلاف المرأة التي طلقها زوجها قبل الدخول والخلوة فإنه لا عدة عليها ولا يجب لها إلا نصف المهر فقط قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) ولقوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) .
***(17/2)
المستمع الذي رمز لاسمه بمستمع للبرنامج يقول في رسالته شاب يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً ويحمل الصفات الخلقية للذكر ولكن في تصرفاته وحديثه وملابسه يتشبه بالنساء إلى جانب نفوره من الجلوس مع الرجال وحبه للحديث والجلوس مع النساء وكأنه أنثى مثلهنّ هل يرث بصفته رجلاً أم أنثى أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشخص ممن لا يختلف إرثه بالذكورة والأنوثة فلا إشكال في أمره مثل أن يكون أخاً للميت من أمه فإن الإخوة من الأم لا يفرق بين ذكورهم وإناثهم في الإرث إذ أن الذكر والأنثى سواء لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) أما إذا كان هذا الشخص ممن يختلف إرثه بالذكورة والأنوثة كالإخوة الأشقاء أو لأب فإنه إذا لم يكن فيه إلا علامات الذكورة الخلقية كما هو ظاهر من السؤال فإنه يرث ميراث ذكر وإن كان في أخلاقه يميل إلى النساء وكذلك في تصرفاته ويلزم هذا الرجل بأن يتحلى بحلا الرجال فلا يجوز له أن يلبس لباس النساء كالذهب أو الثياب الخاصة بهنّ وما أشبه ذلك لأن موقفنا من مثل هذه الأمور أن نحكم بما يظهر لنا من العلامات الحسية وعلى هذا فيكون هذا الشخص حكمه حكم الرجال وليس هذا من باب الخنثى المشكل فإن الخنثى المشكل تكون علاماته الظاهرة الحسية علامة للجنسين مثل أن يكون له فرج أنثى وذكر رجل وأحكامه عند أهل العلم معروفة وليس هذا موضع بسطها.
***(17/2)
إذا كان أحد الورثة خنثى هل يعطى مثل نصيب الذكر أم مثل نصيب الأنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان من الورثة الذين لا يختلف إرثهم بالذكورة والأنوثة فإنه يعطى نصيب ذكر أو أنثى لأنه لا يختلف كالأخ من الأم إذا كان خنثى فإن نصيبه السدس سواء كان ذكراً أم أنثى وكما لو هلك هالك عن بنت وأخ شقيق خنثى فإن البنت لها النصف وللخنثى ما تبقى سواءً كان ذكراً أم خنثى أما إذا كان يختلف في الذكورة والأنوثة فإنه يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى كما لو مات ميت عن ابن ذكر وعن ابن خنثى فإنه يعطى أي الخنثى نصف ميراث الأنثى ونصف ميراث الذكر.
فضيلة الشيخ: على هذا يأخذ نصيباً أكثر من نصيب الأنثى وأقل من نصيب الذكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر من نصيب الأنثى وأقل من نصيب الذكر. مثال ما ذكرنا مثلاً ابن ذكر وابن خنثى يكون لو كان ذكراً له النصف وللابن النصف ولو كان أنثى فله الثلث وللابن الثلثان فيعطى ما بين النصف والثلث.
***(17/2)
أحمد محمد العفري من دولة جيبوتي يقول تتم القسمة حسبما أرشد إليه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وللذكر مثل حظ الأنثيين ولكن كيف العمل إذا كان من بين الورثة الجنس الثالث الذي هو الخنثى الذي لا يعلم هل هو ذكرٌ أم أنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان حال الخنثى من ورثةٍ لا يختلف ذكرهم وأنثاهم فالأمر فيه واضح مثل الأخوة من الأم فإن الذكر والأنثى سواء وعلى هذا فلا إشكال في هذه المسألة أما إذا كان هذا الخنثى من جنسٍ يختلف فيه الإرث بين الذكورة والأنوثة فإن كان يرجى اتضاحه فإنه يعطى كل وارثٍ اليقين إن طلب القسمة ويوقف الباقي حتى ينظر ما يؤول إليه حال هذا الخنثى وإن كان لا يرجى اتضاحه فإنه يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فكما أن هذا الشخص فيه جانبٌ من الأنوثة وفيه جانبٌ من الذكورة فإنه يعطى نصف هذا ونصف هذا وأما كيف يقسم فإن هذا أمرٌ معروف عند أهل العلم.
***(17/2)
من المخواة، ومرسلها عبيد أحمد لاحق الغامدي يقول في رسالته إذا مات رجل وترك أولاداً وزوجةً وأبوه حي هل زوجته تلحق في مال زوجها أم والده ينفيها لأن التصرف لوالده في ماله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة الزوجة لها ما كتب الله لها، وهو الثمن، مادام الميت له أولاد، فلها الثمن ولأبيه السدس والباقي لأولاده، والباقي لأولاده فإن كانوا إناثاً أخذن فرضهن ورد الباقي تعصيباً للأب، وإن كانوا ذكوراً أخذوا الباقي كله للذكر مثل حظ الأنثيين.
***(17/2)
أحمد فارع علي محمد يقول في رسالته شابٌ توفي والده قبل وفاة جده وللجد ابنة وزوجة وابن ابن فالمعروف أن للزوجة الثمن ولكن كم يكون نصيب ابنته وابن ابنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المفهوم من هذه المسألة أن الأب توفي ولم يرد السائل أن يسأل عن كيفية توزيع تركة الأب ثم توفي الجد عن زوجة وابنة وابن ابنٍ ولعل ابن الابن هو هذا الابن الذي هو الشاب فللزوجة كما قال السائل الثمن لوجود البنت وكذلك لوجود ابن الابن ويكون للبنت النصف ويكون لابن الابن الباقي فالمسألة من ثمانية للزوجة الثمن واحد وللبنت النصف أربعة والباقي ثلاثة تكون لابن الابن.
***(17/2)
عبد الله مصباح يغمور من الأردن الزرقاء يقول إذا مات الرجل عن امرأة حامل وبنتين وولدين كيف تقسم التركة للورثة؟
الشيح: تقسم التركة إذا يكن مع هؤلاء غيرهم فإن للزوجة الثمن ويوقف في الحمل إرث ابنين ويقسم الباقي بين الابنين هذين وبين من ذكر من الورثة وهما ابنان وبنتان للذكر مثل حظ الأنثيين ثم إذا وضعت المرأة حملها ينظر إن كان ما وقِّف زائداً على نصيب الحمل رد إلى أهله وإن كان ما قسم بأن كان الحمل ثلاثة من الذكور مثلاً فإنه يؤخذ من نصيب هؤلاء ما تبقى للحمل.
***(17/2)
السائل يوسف الدالي من السودان جوبا يقول كيف تكون قسمة ميراث المرأة إن تركت ولداً مع زوجها وقسمة ميراث الرجل إن لم يترك ولداً مع زوجته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصورة الأولى إذا ماتت المرأة عن زوجها مع ولد لها والولد في اللغة يشمل الذكر والأنثى فإن زوجها في هذه الحال يكون له الربع أي ربع مالها لقول تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وأما الصورة الثانية وهي إذا مات الزوج عن زوجته وليس له ولد فإن لزوجته الربع حتى لو كانت الزوجة معها ضرات يعني أن الزوج له أكثر من زوجة فمات عنهن ولم يكن له ولد فإن لهن الربع لقوله تعالى (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) هذه هي قسمة المال في هذه الصورة.
***(17/2)
امرأة تقول توفي زوجها وخلَّف بعده امرأتين وخمس بنات وواحدة من البنات توفيت وخلف بعده إرثاً وله أخ شقيق من أمه وأبيه أفيدونا ما مقدار الذي يأخذه الزوجتان والذي يأخذه الأخ والذي يأخذه البنات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة الفرضية تضمنت في الحقيقة مسألتين لأن فيها مناسخة وقد سبق أن قلنا من على هذا المنبر إن المسائل الفرضية لا ينبغي أن تعرض على هذا البرنامج لأنها تحتاج إلى تفصيل أحياناً والتفصيل هذا ربما يضيع المستمع لكثرته وهذا هو الذي أرجحه أن المسائل الفرضية تعرض على طلبة العلم في بلادهم أو يكتب بها كتابٌ خاص إلى أحد العلماء ويجيب عليها وبالنسبة للمسألة الأولى وهو موت الأول عن امرأتين وخمس بنات وأخ شقيق مسألته من أربعة وعشرين سهماً للمرأتين الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين وللبنات الخمس الثلثان ستة عشر من أربعة وعشرين وللأخ الشقيق الباقي خمسة من أربعة وعشرين نصيب البنت الثانية المتوفية ما ندري هل إحدى المرأتين أمٌ لها أم لا هذه واحدة لأنه ليس في السؤال بيان ذلك ثانياً لا ندري هل هذه البنت أختٌ للبنات الأربع الباقيات من الأب أو شقيقة ولكن على كل حال سواءٌ كانت شقيقة أم من الأب فالفرض واحد فنقول إذا كانت إحدى المرأتين أماً لهذه البنت فإن لها السدس فرضاً وأما أخواتها سواءٌ كانت أخوات من الأب أو أخوات شقيقات فلهنّ الثلثان أي ثلثا نصيب البنت يبقى الباقي يكون لعمها الشقيق فصار الآن المشكلة في السدس إن كانت إحدى المرأتين أماً لها فإنه يكون لهذه الأم وإن لم تكن أماً لها فإنه يعود إلى العم فيكون لأخواتها الأربعة الثلثان ولعمها الباقي الثلث فصار الآن قسم مال البنت الأخيرة كالآتي يقسم من ستة أسهم لأخواتها الأربع الثلثان أربعة أسهم ويبقى سهمان إن كانت إحدى المرأتين أماً لها أخذت سهماً من هذين السهمين والسهم السادس يكون للعم وإن لم تكن أماً لها وليس لها أم فإن السهمين يكونان جميعاً للعم والله الموفق.(17/2)
مساعد سالم حسين يمني مقيم بالرياض يقول كان لي جد وقد توفي عن والدي وأخوين لوالدي وأختين له أي عن ثلاثة أبناء وبنتين والبنتان متزوجتان وترك أرضاً زراعية تصل إلى حوالي ستين فداناً وقد اقتسمها أبناء المتوفى والدي وإخواته ولم يعطوا أختيهم شيئاً بحجة أنهما متزوجتان فهل صحيح أن الزواج يسقط حق البنت في الإرث وإذا لم يكن كذلك فماذا عليهم أن يفعلوا الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزواج لا يسقط حق البنت من الإرث فلها حق الإرث سواء كانت متزوجة أم لا والواجب على أبيك وعميك في هذه الحال أن يعطوا أختيهم نصيبهما من الإرث ومن المعلوم أن الأولاد كما ذكر الله سبحانه وتعالى إرثهم يكون للذكر مثل حظ الانثيين فيكون لكل من أبيك وعميك سهمان ولكل أخت من الأختين سهم واحد.
***(17/2)
نحن خمسة أخوة أشقاء وقد توفي أحدنا وخلف طفلين ووالدنا وقت وفاته كان حياً ثم توفي والدنا بعد ذلك وترك مالاً فهل لطفلي الأخ المتوفى نصيب من التركة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة يكون والدكم قد مات عنكم أنتم الأربعة وعن أبناء ابنه الخامس وأبناء الابن لا يرثون مع ذكر
من الفروع أعلى منهم أي أن أبناء الابن لا يرثون مع أعمامهم شيئاً وعلى هذا فيكون ميراث والدكم لكم فقط دون أولاد ابنه المتوفى.
***(17/2)
توفي شخص عن والده ووالدته وابنتين وترك مالاً فهل يرثه والده ووالدته وكيف نقسم تركته بين الورثة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات ميت عن أمه وأبيه وبناته فإن الكل يرث ويكون التقسيم كالآتي للبنات الثلثان وللأم السدس وللأب السدس.
فضيلة الشيخ: إلى كم ينقسم المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من ستة أسهم يكون للبنات أربعة أسهم وللأم سهم وللأب سهم.
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن الزوجة موجودة هو لم يوضح هذا في رسالته لكن ربما كان سهواً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فرضنا أن الزوجة موجودة فإنه تقسم المسألة من سبعة وعشرين سهماً يكون للبنات ستة عشر سهماً وللأم أربعة أسهم وللأب أربعة أسهم وللزوجة ثلاثة أسهم.
فضيلة الشيخ: نعم لها الثمن الزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لها الثمن عائلاً كل من هؤلاء الورثة نصيبهم عائل لأن الفروض زادت عن المسألة وإذا زادت عن المسألة فإنها تعول.
فضيلة الشيخ: الأصل من أربعة وعشرين المسألة من الأصل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.
***(17/2)
محمد عودت إسماعيل مصري يعمل بالرياض المستشفى المركزي يقول لنا أخٌ توفي قبل والده وترك ابناً وبنتاً فهل لهم نصيبٌ فيما تركه جدهم مع أعمامهم أم ليس لهم شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لهم نصيبٌ مع وجود أعمامهم لأن أبناء البنين إذا وجد ذكرٌ فوقهم فإنه لا يرثون شيئا فإن القاعدة في إرث الفروع أنه إذا وجد ذكرٌ أعلى حجب من تحته من ذكورٍ أو إناث فعلى هذا فليس لأولاد الابن مع أعمامهم شيء من ميراث جدهم.
***(17/2)
انشراح يوسف جمهورية مصر العربية تقول لقد توفي جدي لأبي وترك أربعة أبناء منهم والدي وأربع بنات وكانت كل تركته بيد ابنه الأكبر من أموالٍ نقديةٍ وأراضٍ زراعيةٍ ومواش وقد توفي والدي فقام كل واحدٍ من أعمامي بأخذ نصيبه من أخي الأكبر إلا أبي لم يسلموا إليّ نصيبه فأنا ابنته الوحيدة فليس لي أخوة ولا أخوات فهل لي الحق في مطالبته بحق أبي من جدي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هو أن لك الحق في أن تطالبي بنصيبك من أبيك الذي ورثه من جدك لأنك مستحقةٌ بما تستحقين منه ولكن اعلمي أن ليس لك من أبيك إلا نصف المال والباقي يكون لأولى رجل ذكر وأولى العصبة في هذه المسألة التي ذكرتِ هم أعمامك لأن أباك يكون قد مات عن بنت وعن ثلاثة أخوة وفي هذه الحال يكون للبنت النصف وللإخوة الثلاثة الباقي إذا كانوا على قيد الحياة وإذا كان أحدهم هو الباقي صار الباقي له وحده دون أبناء أخويه وإن ماتوا كلهم قام أبناؤهم مقامهم أما بنات الإخوة فإنه ليس لهن حقٌ من التعصيب.
***(17/2)
إذا توفيت امرأة ولها مال وليس بعدها وارث وأقرب شخص إليها هو من قامت بإرضاعه رجلا كان أو امرأة فهل هو أحق بتركتها أم تؤول إلى بيت المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليست الصلة بالرضاع من أسباب الإرث فأخوها من رضاع وأبوها من رضاع ليس له إرث ولا ولاية ولا نفقة ولا شيء من حقوق القرابات لكن لا شك أنه له شيء من الحقوق التي ينبغي أن يكرم بها وأما الإرث فلا حق له في الإرث وذلك لأن أسباب الإرث ثلاثة القرابة والزوجية والولاء وليس الرضاع من أسبابها وعلى هذا فالمرأة المذكورة في السؤال يكون ميراثها لبيت المال يصرف إلى بيت المال ولا يستحقه هذا الأخ من الرضاع.
***(17/2)
ب. م. ع. من القصيم البكيرية يقول توفي والدي وترك بعض المال النقدي إلى جانب قطعة أرض وشقة سكنية وقد خلف ورثته هم زوجته وثلاثة أبناء وبنت وثلاثة أخوة وأربع أخوات فكيف نقسم التركة بينهم وما نصيب كل منهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإخوة والأخوات ليس لهم من الميراث شيء لأنهم يسقطون بالأبناء وأما الأبناء والبنت والزوجة فلهم الميراث للزوجة الثمن والباقي للأبناء والبنات يكون الباقي من إرث الزوجة سبعة أسهم من ثمانية لكل ولد سهمان وللبنت سهم وعلى هذا فتقسم المسألة أو تقسم التركة على ثمانية أسهم سهم للزوجة وهو الثمن فرضاً والباقي سبعة أسهم للأبناء الثلاثة والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون لكل ابن سهمان فهم ثلاثة هذه ستة أسهم وللبنت سهم واحد هذه سبعة أسهم بالإضافة إلى سهم المرأة الثمن هذه ثمانية أسهم.
***(17/2)
فرج الحربي من جدة يقول والدي توفي وترك ميراثاً مع وصية بثلث مما يملك صدقة عنه لله وبعد وفاة الوالد وقبل تقسيم الميراث توفيت الوالدة تاركة وصية بثلث من ميراثها صدقة لله تعالى وبقي من الورثة أربع بنات وابنان ولم يتفقوا على كيفية قسمة الميراث مع الوفاء بوصيتي الأب والأم فكيف العمل في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تركة والدكم فإنها يؤخذ منها الثلث أولاً من أجل صرفه إلى الوصية ثم يقسم الباقي فتأخذ والدتكم وهي زوجته إن كانت باقية في ذمته حتى مات تأخذ الثمن والباقي يكون بينكم للذكر مثل حظ الأنثيين يكون لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم واحد وأما بالنسبة لتركة والدتكم فإنها ينزع منها الثلث أولاً من أجل صرفه فيما أوصت فيه ثم يقسم الباقي وهو الثلثان بينكم أيها الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
***(17/2)
شخصٌ له بنات وولد واحد ومات الولد هل لأولاد العم العصبة حقٌ في الميراث
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام الأب موجوداً فليس لأحدٍ الحق في التعصيب أبداً إلا أن يكون الأبناء فالأبناء مقدمون على الآباء في التعصيب لأن جهات العصبة خمس الأبوة ثم البنوة ثم الأخوة ثم العمومة ثم الولاء لا حق لأحد ممن مع من فوقه في الجهة بالتعصيب فلو مات شخصٌ عن أبيه وابنه كان لأبيه السدس والتعصيب لابنه وإذا مات عن أبيه وجده كان للأب المال كله بالتعصيب ولو مات عن أبيه وعمه كان المال للأب دون العم وهكذا المهم إذا كان هذا السائل يسأل عن كون بني العم يرثون مع الأب فهذا لا وجه لسؤاله لأنه لا يمكن أن يرث لا العم ولا أبناؤه ولا الأخ وأبناؤه مع وجود الأب.
***(17/2)
هل الأولاد يحجبون الأعمام وإذا مات الابن وترك أولدين ذكوراً هل يرثون من جدهم الذي هو والد الابن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأولاد الذكور يحجبون الأعمام وأما الأولاد إذا كانوا إناثا فلهن فرضهن والباقي يكون لأولى العصبة فإن كان الأعمام هم أولى العصبة استحقوا باقي المال بالتعصيب كما لو هلك هالك عن ابنتين وعن عمين مثلا فإنه في هذه الحال يكون للبنتين الثلثان والباقي للعمين إذا كان العمان أشقاء لأب ولكن لو هلك عن ابنتين وعن أخوين شقيقين وعن عمين شقيقين صار للبنتين الثلثان وللأخوين الشقيقين الباقي ولا شيء للعمين وذلك لأن الإخوة الأشقاء يحجبون الأعمام وإذا مات الجد عن ابنين لابنه فهل يرث ابن ابنه منه أو لا هذا فيه تفصيل إن كان فوقهم من الأبناء من يحجبهم فلا إرث لهم وإن كان الذي فوقهم من الأولاد لا يحجبونهم فلهم التعصيب مثال ذلك لو هلك هذا الجد عن ابن وعن ابني ابنه فالمال للابن ولا شيء لابني الابن لأن الابن يحجبهم ولو هلك الجد عن بنت وعن ابن الابن صار للبنت النصف والباقي لابني الابن ولو هلك الجد وليس له ابن ولا بنت فإن ميراثه يكون لأبناء ابنه فالمسألة هذه يحتاج إلى أن يحصر الورثة على وجه بين واضح حتى يكون المستفتى على بصيرة من المسألة وجوابها
***(17/2)
يقول السائل والدي متوفى وكذلك الوالدة ولي أخٌ واحد فقط ولكنه توفي منذ سنوات وله أبناء ذكور أما أنا لم أنجب ذكوراً ولكن لدي أربع بنات فقط ولم يكن عندي أولاد هل أبناء أخي يرثون مع أولادي البنات بعد وفاتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً إن هذا الرجل عجيبٌ منه هذا الشيء لا يدري لعل أولاد أخيه يموتون قبله فيرثهم هو لأنه عمهم لكن على فرض أنه مات قبلهم وليس وراءه إلا بنات فإن البنات يأخذن فرضهن وهو الثلثان والباقي للعصبة فإذا كان عمه موجوداً فلعمه وإن لم يكن موجوداً وكان أقرب عصبةٍ إليه أبناء عمه فإنهم لهم الباقي بالتعصيب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر) .
***(17/2)
صالح حمزة أبو مجاهد من السودان يقول توفيت امرأة وتركت زوجاً وأماً وأختاً شقيقة وأربع أخوات لأب فما ميراث كل منهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسالة أن امرأة ماتت عن زوج وأم وأخت شقيقة وأربع أخوات لأب فنقول إن المسألة تكون من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس واحد وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة وللأخوات لأب السدس تكملة الثلثين واحد وتعول إلى ثمانية ثلاثة للزوج وواحد للأم وثلاثة للأخت الشقيقة وواحد للأخوات من الأب وعلى هذا تقسم التركة على ما عالت عليه المسألة إلى ثمانية أقسام وتوزع كما سمعت.
***(17/2)
زائد غرم الله الشهري من النماص يقول لي والدة وقد ورثت نصيبها من بعد أبيها المتوفى فأعطته لأخيها الشقيق علماً أن لها ثمانية أولاد بين ذكور وإناث فهل تجوز مثل هذه الهبة شرعاً وما مقدار نصيب أولادها من إرثها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة كما قال السائل ورثت من أبيها ثم أعطت أخاها جميع ما ورثته من أخيها وأحد أبنائها يسأل هل هذه العطية جائزة فنقول إذا كانت هذه العطية في حال صحتها فإنها جائزة فلها أن تتصرف في مالها بما شاءت غير أنها لا تفضل أحداً من أولادها على أحد أما أن تعطي أخاها أو أحداً من أقاربها سوى أولادها فلها الحق في ذلك ولا أحد يمنعها منه وأما سؤاله ما نصيبه من إرثها فإن أراد ما نصيبه من إرثها من أبيها فليس لهم حق فيه مادامت الأم على قيد الحياة وإذا ماتت فإن إرثها يقسم على حسب ما تقتضيه الشريعة في وقت موتها ولا يمكن الحكم عليه الآن أما إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراث التي ورثته من أبيها في مرض موتها المخوف أو ما في حكمه فإنه لا ليس لها أن تتصرف فيما زاد على الثلث فإن كان إرثها من أبيها أكثر من ثلث مالها فإنه يتوقف على إجازة الورثة وأما إذا كان أقل من ثلث مالها عند موتها فإن عطيتها تامة.
***(17/2)
تزوجت امرأة بكراً ودفعت مهراً ومقداره ستون ألف ريال لوالدها ودخلت بها الدخول الشرعي ومكثت معي لمدة سنة زمان وانتقلت إلى رحمة الله وما أنجبت شيئاً من الذرية وخلفت من التركة حليّاً من الفضة والآن والدها يطالبني بتسليم الحلي المذكور له لذا أرجو من الله ثم من فضيلتكم الإفتاء عن موضوعي وهل يستحقه والدها دوني أنا الزوج أو لا ولكم الأجر والثواب وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: امرأتك هذه لما ماتت ولم تنجب أولاداً صار لك نصف ما تركت لقول الله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) فعلى هذا يكون لك نصف ما خلفت من الحلي وغيره حتى من الدراهم وحتى من العقارات إن كان لها عقار وحتى من الثياب كل ما خلفت من ملك فإن لك نصفه بنص القرآن وإجماع أهل العلم أما أبوها فإن له ما فرض الله له الباقي إلا أن يكون لها أم فإن الأم في هذه الحال تشارك الأب فيما بقي بعد فرض الزوج فيفرض للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وللأب الباقي فعليه إذا كان لها أمٌ وأب تقسم المسألة من ستة أسهم للزوج ثلاثة النصف وللأم ثلث الباقي واحد وللأب الباقي اثنان.
***(17/2)
_____ العتق _____(/)
باب العتق(18/1)
رجل كان رقيقاً وأعتقه سيده ثم تزوج وأنجب أطفالاً هل الأولاد في حكم الأرقاء أم أحرار لوجه الله تعالى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولاد أحرار واعلم أن الأولاد في الحرية والرق يتبعون الأم فإذا تزوج الرقيق بحرة فإن أولاده أحرار لأنهم يتبعون الأم ولو قدر أن حراً تزوج بأمة وهو ممن يجوز له تزوج الإماء فولدت منه فإن أولادها أرقاء لمالكها ما لم يشترط الزوج أنهم أحرار.(18/2)
_____ النكاح _____(/)
حكم الزواج(19/1)
السائل طلعت أأ القاهرة يقول إذا أخر الشاب الزواج إلى ما بعد الثلاثين وهو قادر هل عليه شيء لأنه يريد أن يبني مستقبله وينتهي من تعليمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه شيء وهو أنه لم يسترشد بإرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) فأمر الشباب أن يتزوجوا وبين فائدته والقول بأنه يلهي عن الدراسة وعن بناء المستقبل قول باطل وكم من أناس لم يستريحوا في دراستهم إلا بعد أن تزوجوا وجدوا الراحة وكفاية المئونة والكف عن النظر إلى ما يحرم النظر إليه من النساء والصور وما أشبه ذلك فنصيحتي للشباب عموما أن يتزوجوا مبكرين امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم واستحصالا للرزق لأن المتزوج يريد العفاف يعينه الله عز وجل كما جاء في الحديث (ثلاثة حق على الله عونهم -وذكر منهم- الرجل يتزوج يريد العفاف) .
***(19/2)
حفظكم الله هذا السائل أ. أ. يقول الشخص الذي يؤخر الزواج بحجة أنه يريد أن يؤسس نفسه ويبني مستقبله وقد بلغ من العمر أربعين هل يأثم مع أنه قادر مادياً وجسمياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله فيمن كان قادراً على الزواج وفيه استعدادٌ له من حيث الغنى والشهوة الجنسية هل يجب عليه الزواج أم لا يجب والذين قالوا لا يجب قالوا إنه سنة مؤكدة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ونصيحتي لهذا الرجل الذي بلغ الأربعين من عمره ولم يتزوج مع قدرته بدنياً ومالياً أن يتزوج امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأسياً بالرسل الكرام فإنهم لهم أزواج كما قال الله عز وجل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً) .
***(19/2)
هل تأخير الزواج للرجل فيه إثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تأخير الزواج للرجل إذا كان قادرا قدرة مالية وبدنية مخالف لتوجيه الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) واختلف العلماء رحمهم الله في الشاب الذي له شهوة وقدرة على النكاح هل يأثم في تأخيره أو لا يأثم فمنهم من قال إنه يأثم لأن الأمر فيه للوجوب وتأخير الواجب محرم ومنهم من قال إنه لا يأثم لأن الأمر فيه للإرشاد إلا أن يخاف الزنا بتركه فحينئذٍ يجب عليه درءاً لهذه المفسدة وعلى كل حال فإن نصيحتي لإخواني الذين أعطاهم الله عز وجل المال وعندهم شهوة أن يتزوجوا إن كانوا لم يتزوجوا أول مرة فليتزوجوا وليبادروا وإن كان عندهم زوجات وكانوا محتاجين إلى زوجات أخرى فإنهم يتزوجون وقد أباح الله لهم أن يتزوجوا أربعا والنبي عليه الصلاة والسلام حث على كثرة الأولاد في الأمة الإسلامية وقال (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) فلا شك أن تعدد الزوجات سبب لكثرة الأولاد وصح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال خير هذه الأمة أكثرها نساء ولكن التعدد جائز أو محمود ومشروع بشرط أن يكون الإنسان قادراً على العدل قدرة بدنية وقدرة مالية فإن خاف أن لا يعدل فقد قال الله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) .
***(19/2)
بارك الله فيكم شيخ محمد يعلل بعض الشباب عزوفهم عن الزواج بالانقطاع إلى الله والتبتل إليه ما تعليقكم على هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعليقنا على هذا بأن هذه العلة عليلة بل هي ميتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد التبتل على من أراده من أصحابه وقال (أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وليعلم هذا أن النكاح من العبادة بل هو من أفضل العبادات حتى صرح أهل العلم رحمهم الله بأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة وصرح كثير من أهل العلم بوجوبه أي النكاح ولا شك أن ثواب الواجب أكثر من ثواب المستحب والواجب أحب إلى الله عز وجل من النافلة كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) ففي هذا الحديث دليلٌ واضح على أن الله تعالى يحب الفرض أكثر مما يحب النفل والنظر شاهدٌ بذلك فإنه لمحبة الله له جعله واجباً على العباد لا بد لهم من فعله وهذا يدل على تأكده عند الله سبحانه وتعالى فننصح هذا الرجل أو هؤلاء الشباب الذين يعللون بهذه العلة العليلة بل الميتة ننصحهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يتزوجوا امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واتباعاً لسنته صلى الله عليه وسلم ولسنة إخوانه من المرسلين عليهم الصلاة والسلام ومن أجل أن يكثروا الأمة الإسلامية وينفع الله بهم.
***(19/2)
يقول الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول إنه شاب في العشرين من العمر يعبد الله حقاً ولم أفعل مطلقاً شيئاًَ يغضب الله عز وجل قلبي مطمئن بالإيمان والحمد لله تراودني دائماً فكرة عدم الزواج أي لا أريد أن أتزوج خشية أن تلهيني الدنيا ومتاعها الزائل عن ذكر الله وعبادته العبادة الصالحة فهل هناك حرج إذا أفنيت عمري بدون زواج ما رأي الشرع في نظركم يا شيخ محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فأولاً نقول إن تحدث الإنسان عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله عز وجل إن كان لغرض صحيح بأن يقصد بذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه أو يقصد بهذا أن يقتدي الناس به فهذا لا حرج فيه وإن كان تحدثه عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله يقصد به تزكية نفسه وإظهار عبادته للناس فليس على خير لأن الله تعالى يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) والذي أرجوه أن يكون هذا السائل إنما تحدث عن نفسه بما يقوم به من عبادة الله على سبيل الإخبار والتحدث بنعمة الله لا مرآة للناس ولا قصداً لمدحهم وسؤاله عن ترك الزواج خوفاً من أن يفتتن بالدنيا جوابه أن نقول إن الزواج من عبادة الله عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) وهو على الأقل مستحب وقد يكون واجباً إذا قصد الإنسان بتركه التبتل والانقطاع ولهذا لما اجتمع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته في السر كأنهم تقالوها وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وطمعوا أن يقوموا بما هو أشق من العبادة فقال بعضهم أصوم ولا أفطر وقال الثاني أقوم ولا أنام وقال الثالث لا أتزوج النساء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن التبتل) وهو الانقطاع عن الزواج فأشير على هذا السائل إن كان لديه قدرة واستطاعة أن يتزوج وأبشره بأن الزواج من عبادة الله حتى صرح أهل العلم بأن الزواج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة وعلى هذا فإني أحثه على أن يتزوج ليحصن فرجه وفرج امرأته ولعل الله أن يجعل بينهما ولداً صالحاً ينفع الله به الناس وينفع به والديه.
***(19/2)
السائل عوض الحلوم مصري مقيم بجدة يقول نرجو من فضيلتكم نبذة عن الزواج وخاصةً ما يتعلق بناحية المهور مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزواج واجبٌ على كل قادرٍ عليه يخشى من تركه الفتنة لأن تجنب الفتنة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولهذا صرح الفقهاء رحمهم الله بقولهم يجب النكاح على من يخاف زناً بتركه وأما من لا يخاف على نفسه الزنا وهو ذو شهوةٍ وقادر فإنه يسن له بتأكد أن يتزوج ولو قيل بالوجوب في هذه الحال لكان له وجه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر به بقوله (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) وينبغي أن يختار من النساء ذات الخلق والدين لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهذه الجملة تربت يداك تعني الحث البالغ على أن يختار الإنسان ذات الدين لأن ذات الدين تكون سبباً لصلاحه أو لقوة إيمانه وازدياد صلاحه ومما ينبغي للإنسان أن يتعلمه من أحكام النكاح حقوق الزوجية وهي مجملةٌ مجموعة في قول الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقوله (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فالواجب على الزوج أن يعامل زوجته بما يحب أن تعامله به من القيام بحقها وجلب المودة بينه وبينها وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في ضابط المعاشرة (لا يفرك مؤمن مؤمنة) أي لا يكرهها ولا يبغضها (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وأوصى بالنساء خيراً وقال (إنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإذا ذهبت تقيمها كسرتها وإذا استمتعت بها استمتعت بها على عوج) ولينظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسيرته مع أهله حيث كان خير الناس لأهله عليه الصلاة والسلام وقال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وليعلم أن سعادة الزوجية لا تأتي بالعنف وفرض السيطرة واعتقاد أنه سلطانٌ عالي المنزلة وأن المرأة عنده في منزلة أدنى جندي فإن هذا من الخطأ ولكن ينظر إليها على أنها زوجته وقرينته وأم أولاده وراعية بيته فيحترمها كما يحب أن تحترمه كما أن على الزوجة أيضاً أن تعرف حق الزوج وأن له حقاً عظيماً عليها وأن تحاول جاهدةً لفعل ما يحصل به رضاه وسروره حتى تحصل الألفة بينهما والمودة والمحبة.
***(19/2)
رسالة وصلت من المستمعة من مكة المكرمة تقول في رسالتها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تقول بأنها فتاة في السادسة عشر من عمرها تقول لا أحب أحد أن يفرض سيطرته عليّ وأنا لا أحب أن أكون مأمورة عند أي شخص كان وأنا كل شيء بالنسبة لأهلي حيث لا أطلب شيء ألا ويأتي إلي وحينما وجدت هذا خرجت من ذهني فكرة الزواج تقدم لخطبتها شاب وهي في الخامسة عشر من عمرها ولكنها رفضته بحجة أنها لا تريد وتريد أن تكمل دراستها وأنا مكرمة عند أهلي وأنا لا أرفض الزواج لأنني قبيحة بل العكس وأنا لا أعرف من الطهي مطلقاً ولا أحب أن أدخل المطبخ لأنني لا أريده سؤالي هل يحق لي أن أرفض الزواج نهائياً مع العلم أنني أحب ديني وأحب الله كما أنني أحب نبيه عليه الصلاة والسلام هل هذا الرفض فيه مخالفة للشرع أم ماذا أرجو من الشيخ محمد إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي للمرأة أن ترفض الزواج بمثل هذه الأعذار التي ذكرتها السائلة بل تتزوج وربما تكون حالها بعد الزواج خيراً من حالها قبل الزواج كما هو الشائع المعلوم والمرأة إذا تزوجت حصل في زواجها خير كثير من إحصان فرجها ونيل متعتها وربما ترزق أولاداً صالحين ينفعونها في حياتها وبعد مماتها ثم هي أيضاً تحصن فرج زوجها ويحصل بهذا النكاح الاجتماع والتآلف بين الأسرتين أسرة الزوج وأسرة الزوجة وقد جعل الله سبحانه وتعالى الصهر قسيماً للنسب وقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) وما أكثر الناس الذين تقاربوا وحصل بينهم صلات كثيرة بسبب المصاهرة فالذي أشير به على هذه المرأة أن تتزوج وأن لا تجعل من مثل هذه الأعذار عائقاً دون زواجها وستجد إن شاء الله تعالى خيراً كثيراً في تزوجها ثم إن كونها تعود نفسها ألا تكون مأمورة ولا يحال بينها وبين مطلوبها هذا خطأ بل الناس بعضهم لبعض يأمر بعضهم بعضاً ويعين بعضهم بعضاً ويمنع بعضهم بعضاً فالإنسان ينبغي له أن يصبر وأن يتكيف مع الحياة كيفما كانت إلا في الأمور التي فيها معصية الله ورسوله فإن هذا لا يمكن لأحد أن يرضى به.
***(19/2)
هل من كلمة توجيهية للشباب في سرعة الزواج وتحصينهم فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا كلمة أحسن من كلمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وإنني أنصح الشباب في سرعة التزوج لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه أسباب الفتن والمغريات ولذلك تجد كثيراً من الشباب يعاني من مشقة العزوبة ولولا ما عنده من الإيمان بالله عز وجل لذهب يتصيد الفاحشة ثم إني أقول إن كان الشاب عنده مال يكفيه لزواجه فهذا هو المطلوب أن يتزوج به وإن لم يكن عنده مال وجب على أبيه أن يزوجه إذا كان قادراً على ذلك كما يجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوةً وسكنا ولا يحل لأحد أغناه الله وبلغ أبناؤه سن النكاح وطلبوا منه ذلك إما بأقوالهم الصريحة وإما بأفعالهم الدالة على طلب النكاح لا يحل له أن يمتنع بل يجب عليه أن يزوجهم فإن لم يفعل فهو آثم ولا يبارك الله له في ماله يقول بعض الجهال من الآباء لأبنائهم إذا طلبوا منه النكاح يقول المثل السائر الجائر "ما يحك ظهرك غير ظفرك" وأنت بنفسك حصل ما تتزوج به وإلا فلا أزوجك فهذا حرام عليهم ما داموا قادرين والأبناء عاجزين.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع من العراق يقول عمري في التاسعة والعشرين لم أتزوج بعد وأنوي الزواج عن قريب إن شاء الله ولكن لم أؤدِ فريضة الحج فهل فريضة الحج أهم من الزواج لأن المبلغ الذي بحوزتي لا يمكنني من الحج والزواج معاً في الوقت الحاضر فأيهما أؤخر أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج ويشق عليه تركه فإنه يقدم على الحج لأن الزواج في هذه الحال يكون من الضروريات وقد قال الله عز وجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) والإنسان الذي يكون محتاجاً إلى الزواج يشق عليه تركه وليس عنده من النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج ليس مستطيعاً إلى البيت سبيلاً فيكون الحج غير واجبٍ عليه فيقدم النكاح أي الزواج على الحج وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده أنه لا يكلفهم من العبادات ما يشق عليهم حتى وإن كان من أركان الإسلام كالحج ولهذا إذا عجز الإنسان عن الصوم عجزاً مستمراً كالمريض الذي لا يرجى برؤه والكبير فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً وفي الصلاة يصلى قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب فإن تمكن من الحركة أومأ بالركوع والسجود وإن لم يتمكن صلى بقلبه.
***(19/2)
هذه رسالة وردتنا من المستمع من الجمهورية العراقية من البصرة يقول هل يجوز للفتى الشاب أن يحج إلى بيت الله الحرام قبل الزواج أم لا بد من زواجه ثم بعد ذلك الحج وما هي الشروط الواجبة عليه أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للشاب أن يحج قبل أن يتزوج ولا حرج عليه في ذلك لكن إذا كان محتاجاً إلى الزواج ويخاف العنت والمشقة في تركه فإنه يقدمه على الحج لأن الله تبارك وتعالى اشترط في وجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعاً وكفاية الإنسان نفسه بالزواج من الأمور الضرورية فإذا كان الرجل أو الشاب لا يهمه إذا حج وأخر الزواج فإنه يحج ويتزوج بعد وأما إذا كان يشق عليه تأخير الزواج فإنه يقدم الزواج على الحج.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل يقول هل يجوز للشاب الفقير الذي لا يملك مئونة وتكليف الزواج هل يجوز له أن يتلقى المساعدات من أهل البر والخير لكي يستعين بها بنية الزواج أم أن هذا يدخل من باب السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن سأل فمن باب السؤال إن ذهب إلى الناس يستجديهم ويقول أعطوني لأتزوج فهذا من باب السؤال المذموم لأن الله يقول (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم) لم يقل ومن لم يستطع فليستعن بإخوانه أما إذا كان يريد أن يسأل من نَصَبَ نفسه لإعانة المتزوجين فهذا لا بأس به لأن هذا السؤال معناه الإخبار عن حاله فقط ثم إن الموجه إليه السؤال ممن نصب نفسه لمساعدة المتزوجين فلا بأس ولا يعد هذا من المسألة المذمومة وكذلك أيضاً لا حرج أن يتقبل التبرعات ممن علم بحاله فإن هذا لا حرج فيه لأنه لم يقع عن سؤال بل إن له أن يتقبل الزكوات لأن صرف الزكاة للفقير الذي يريد أن يتزوج ويعف نفسه جائز.
***(19/2)
السائل من السودان يقول يا فضيلة الشيخ إذا لم يوافق والدي على زواجي لأسبابٍ غير مقنعة كضيق العيش ومصاريف البيت في المستقبل وكثرة الأولاد فهل يجوز مخالفته في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز مخالفته إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج لأن الزواج من ضروريات الحياة التي يحصن الإنسان بها فرجه ويغض بها بصره فإذا منعه والده أن يتزوج وقال لا تتزوج لأن هذا يوجب كثرة النفقة عليك وانشغالك بأهلك وأولادك فلا يطعه ولا يجوز للأب أن يمنع ابنه من التزوج وليتق الله ربه وليتذكر نفسه حينما كان شاباً لو أراد أحدٌ أن يمنعه من الزواج ماذا يقول فإنه لن يرضى بذلك أبداً.
***(19/2)
أثابكم الله فضيلة الشيخ المستمع م. ي. م. م. يقول أنا رجل في الخامسة والثلاثين من العمر وقد تزوجت امرأة تبلغ من العمر الخامسة عشرة وقد تزوجتها وأنا في الثامنة والعشرين علماً بأن هذه المرأة قد سبق لها الزواج من شخص آخر ولم تبق معه سوى ثلاثة أشهر فقط ولم تنجب له أي ولد وقد تزوجتها من بعد طلاقها منه مباشرة وما تزال تعيش معي مدة سبع سنوات وقد أنجبت لي من الأطفال خمسة منهم ثلاث بنات وولدان علماً بأن حياتي معها سعيدة جداً وبعيدة عن المشاكل وعلماً بأن هذه المرأة دينة ولكن المشكلة بأن أقاربي وزملائي قد أعابوا عليّ مثل هذا وهزأوني بالكلام بقولهم بأنني تزوجت امرأة ثيب ويقولون لي بأن زواجي ما زال في ذمتي فأرجو من فضيلتكم نصحي بما ترونه بارك الله فيكم وهل يصح لي بأن أتزوج عليها امرأة أخرى أي امرأة شابة وأتركها أو أتزوج عليها وتبقى معي أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نفيدك بأن زواجك بهذه المرأة التي قد تزوجت من قبلك لا بأس به ولا لوم عليك فيه وهؤلاء الذين يلومونك أو يعيبون عليك هم الذين يلامون ويعابون وليس لهم التعرض أو التدخل بين الرجل وزوجته وما أشبههم بمن قال الله فيهم (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) ونصيحتي لك أن تبقى مع زوجتك ما دمتما في سعادة وبينكما أولاد وأن لا تطمح إلى زوجة أخرى لهذا السبب الذي عابك فيه من عابك من الجهال والنبي عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق وأتقاهم لله وأشدهم عبادة له كان أول من تزوج به امرأة ثيباً وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بل إن جميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن ثيبات سوى عائشة رضي الله عنها فلا لوم ولا عيب على الإنسان إذا تزوج امرأة كانت ثيباً من زوج قبله وما دمت في سعادة مع أهلك فاستمسك بهم ولا تطمح لغيرهم وأما تزوج الرجل على امرأته من حيث هو زواج فليس به بأس فالإنسان له أن يتزوج بواحدة أو باثنتين أو بثلاث أو بأربع ولكن كونه يتزوج من أجل لوم هؤلاء الجاهلين فلا وجه له وقبل أن أختم الجواب على هذا السؤال أود أن أنبه على كلمة جاءت في سؤاله وهي قوله وقد تزوجتها بعد طلاقها منه مباشرة فإن ظاهر هذه العبارة أنه تزوجها قبل أن تعتد من زوجها الأول فإن كان ذلك هو الواقع فإنه يجب عليه الآن أن يعيد عقد النكاح لأن نكاح المعتدة باطل بالنص والإجماع قال الله تعالى (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) وقد أجمع العلماء رحمهم الله على فساد نكاح المعتدة من الغير وإن كانت هذه العبارة يراد بها بعد طلاقها منه مباشرة يعني وانتهاء عدتها فالنكاح صحيح ولا إشكال فيه فأرجو أن ينتبه الأخ السائل لهذه المسألة وإذا فرض أن الاحتمال الأول هو الواقع وأنه تزوجها بعد الطلاق مباشرة قبل انقضاء العدة فإنه يجب إعادة العقد كما قلت وأولاده الذين جاؤوا من هذه المرأة أولاد شرعيون لأن هؤلاء الأولاد جاؤوا بوطء شبهة وقد ذكر أهل العلم أن الأولاد يلحقون الواطيء بشبهة سواء كانت شبهة عقد أم شبهة اعتقاد.
***(19/2)
فتحي محمد مؤمن من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته ما هي الطريقة الشرعية التي لا تتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف في تبادل الحب بين فتاةٍ وفتى أو شابةٍ وشاب أفيدونا أفادكم الله وجعلكم من الصالحين الأبرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة الشرعية في ذلك أن الإنسان إذا وقع في قلبه محبة امرأة ليست مع زوج هو أن يخطبها من أهلها ثم يتزوجها بالنكاح الصحيح وبذلك يكون قد مشى على الطريق السليم الشرعي وفي هذه الحال لا يجوز أن يتصل بها على وجه الانفراد قبل عقد النكاح ولا يجوز أيضاً أن يبادلها رسائل الحب والتملق والتلذذ بالمكاتبة والمخاطبة وما أشبه ذلك لأن المشروع أن ينظر إليها فقط لما يدعوه إلى نكاحها إذا كان يحتاج إلى ذلك النظر وأما المراسلات والمكاتبات والمكالمات في الهواتف وما أشبه هذا فهذا لا يجوز لأنه يحصل به فتنة وربما لا يتيسر الوصول إليها بالنكاح الشرعي فيتعلق قلبه بها وقلبها به مع عدم وصول كلٍ منهما إلى الآخر.
فضيلة الشيخ: طيب بالنسبة للنظر إلى المخطوبة هل يجوز البقاء معها وتناول شيء من الأكل يعني الزوج الخاطب والمخطوبة أو تناول شيء من المشروبات كالقهوة والشاي وبعض العصيرات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز إلا أن ينظر فقط إلى ما يدعوه إلى التقدم إليها وبشرط أن لا يكون نظره بشهوةٍ وتلذذ وأن لا يكون مع خلوة وبشرط أيضاً أن يغلب على ظنه الإجابة فإذا كان لا يغلب على ظنه الإجابة فإن ذلك لا فائدة منه.
فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة للمشروب أو المطعوم عموماً لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لأن هذا يفضي إلى الجلوس معها والتحدث إليها وهذا لا يجوز له إلا مع مباحةٍ له من الزوجة أو من ذوات المحارم التي يجوز له أن ينظر إليهم.
***(19/2)
الاستمناء باليد(19/2)
ما حكم طلب النكاح باليد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا أن الإنسان يحاول إخراج منيه بيده لأن ذلك من العدوان قال الله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) يعني من طلب وراء الأزواج وملك اليمين فإنه عادٍ متجاوزٌ للحد ثم إن فيه ضرراً جسمياً كما هو معروفٌ عند الأطباء لأنه يهدم هذه الغريزة هدماً بالغاً حتى إنهم قالوا إن المرة الواحدة منه تعادل في هدم البدن اثنتي عشرة مرةً بالجماع الطبيعي فعلى هذا فالواجب على المؤمن أن يصبر ويحتسب ويكبح شهوته بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فإذا كان الإنسان قوي الشهوة ويخشى على نفسه من الزنا إن لم يخففها بإخراج هذه المادة فإنه يصوم كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يستطع النكاح وإذا كان لا يستطيع أن يصوم فإنه يصبر ويحتسب وكلما ثارت عليه الشهوة يحاول أن يتشاغل بأمرٍ أخر يلهيه عنها حتى ييسر الله له فإن الله سبحانه وعد المستعففين بالغنى (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) .
***(19/2)
اختيار الزوج أوالزوجة(19/2)
المستمع م م يقول عزم أخي على الزواج من إمراة لكن من عائلة بيننا وبينهم خلافات فحاولنا أن نثنيه عن عزمه بالقول له بأنها ليست جميلة وأنها ليست على دين حتى غير رأيه في الزواج وتزوج بأخرى وفي الحقيقة ما ذكرناه فيها ليس صحيحاً فهل علينا إثم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يختار ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) فأهم شيء في المرأة أن تكون صالحة في دينها مستقيمة في أخلاقها فإن هذه هي أهم الأوصاف التي تطلب لها المرأة وينبغي لمن أراد أن يتزوج امراة أن يتشاور مع أهله ومع إخوانه قبل أن يقدم فإذا اتفق الرأي على امرأة فهذا هو المطلوب وإن اختلف الرأي فلا شك أن المقدم قول الخاطب لأنه هو الذي سوف يتلقى هذه المرأة بخيرها وشرها ولا يحل لأهله أن يعارضوه فيما يريد لأن ذلك حيلولة بين الإنسان وبينما هو حق له فإذا رأوا أن هذا الخاطب مصر على أن يتزوج بهذه المرأة التي أعجبته فإنه لا يحل أن يمنعوه منها على أي حال كان وهؤلاء القوم الذين حاولوا منع صاحبهم بالكذب على المرأة ووصفها بأنها غير جميلة وغير صالحة في دينها هؤلاء آثمون لأنهم قالوا في المرأة ما ليس فيها وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الغيبة (إنها ذكرك أخاك بما يكره قالوا يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) وهم بإمكانهم أن يثنوا عزم صاحبهم بوسائل أخرى غير القدح في هذه المرأة فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يستغفروا للمرأة التي وصفوها بما ليس فيها من صفات العيب ولعل الله أن يتوب عليهم ولكنني أكرر مرة أخرى أنه لا يحل لأحد أن يحول بين الإنسان وبين من يريده من النساء ويمنعوه من خطبتها سواء كان الأب أو الأم أو الأخ أو العم أو أي إنسان نعم لو فرض أن الرجل اختار من ليس لها دين أصلا كما لو عرف بأنها امرأة لا تصلى أبدا فإنه لا يحل له أن يخطبها ولأهله أن يمنعوه منها لأن التي لا تصلى لا يحل للمسلم أن يتزوجها فإن المسلم لا يتزوج الكافرة أبدا إلا أهل الكتاب فإن الله أباح لنا نساءهم وأباح لنا ذبائحهم فقال تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) أقول وأكرر إنه لا يجوز للإنسان أن يحول بين الرجل وبين مخطوبته إذا كان يرغبها نعم إذا رأى أن من المصلحة أن لا يتزوجها فليحاول إقناعه وأما إذا أصر على أن يخطب هذه المرأة فإنه لا يحل لأحد منعه منها إلا لسبب شرعي.
***(19/2)
يقول السائل إنني قد فكرت في الزواج من ابنة عمي التي تعمل بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وفعلاً كلمت أخاها الأكبر في هذا الموضوع ولكن عائلتي لا توافق على هذا الزواج بسبب وجود خلافات ومشاكل قديمة فهل أترك عائلتي وأتزوجها أم أتركها وما حكم الدين في ذلك وهل هو حرام علي أم حلال لو تزوجتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تزوجك منها حلال ولا بأس به لأنه ليس لك مانع شرعي ولكن ينبغي أن تحاول الإصلاح بينك وبين عائلتك ما أمكن فإذا لم يمكن الإصلاح بينكم وبينهم فإني أرى أن النساء سواها كثير وأن تتزوج بامرأة تلائم أهلك ويحصل فيها الخير الكثير ولكن إذا لم تجد من على رغبتك إلا هذه المرأة فلا حرج عليك أن تتزوجها ثم بعد ذلك تحاول إرضاء عائلتك.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل أخوكم في الله ع م م فضيلة الشيخ أنا شاب مسلم والحمد لله في السابعة عشر من العمر أدرس في المرحلة الثانوية والحمد لله أصلى وأدرس القرآن جدي إمام مسجد ولي ابنة عم تدرس في مدرسة الشريعة الإسلامية ويريد جدي أن يزوجني ابنة عمي وأنا أريدها لدينها ولكن أبي وأمي عندهم بعض التحفظ فهل أخطبها رغم أنني أعلم بأنني لا أستطيع أن أجد مثل خلقها ودينها وهل تصح الخطبة لمدة ثلاث سنوات حتى أتمكن من شق طريقي بنفسي لتحصيل المال الكافي أرجو الإفادة أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن تمضي في خطبة هذه المرأة ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها وأن تقنع والديك بذلك فان أصرا على كراهية خطبتك إياها فامضي في خطبتها ولا تهتم بمعارضتهما إلا أن يذكرا سببا شرعيا يوجب العدول عن خطبتها لأن مثل هذه الأمور مسائل شخصية تتعلق بالإنسان نفسه لكن ذكر في السؤال أن الجد هو الذي يريد أن يزوجه فان كان عمه موجودا فإن الجد لا يمكن أن يزوج مع وجود الأب الأدنى إلا إن وكله الأب الأدنى وإن كان الأب الأدنى ميتا أو ليس أهلا للتزويج فليزوجها الجد.
***(19/2)
أبو عبد الله من القصيم يقول تقدم أحد الشباب المستقيمين لخطبة فتاة ولكن الأب رفض بحجة أن هذا المتقدم في مرحلة الدراسة الأخيرة ويخشى أن يعين في قرية بعيدة عنهم فتكون البنت وحيدة في بيتها فهل تصرفه هذا صحيح نرجو الإفادة والتوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا خطب الرجل امرأة وكان ذا دين وخلق مرضي فإن المشروع أن يجاب ويزوج والعذر الذي قاله أبو المخطوبة في السؤال عذر لا يمنع من تزويجها ولا يحل لأبيها إذا كانت راغبة في هذا الخاطب أن يمنعها من أجل هذا العذر لأنه ليس عذراً شرعياً وهو آثم بمنعه هذا الخاطب لأن ولي المرأة أمين يجب عليه أن يتصرف فيما هو مصلحة لها وأما إحتمال أن يعين في بلدة تكون البنت فيها وحيدة فهذا من الممكن أن يندفع بأن يشترط على الزوج أن لا يسكنها في مكان نائي تنفرد به وإذا اشترط على الزوج هذا الشرط والتزم به كان التزاماً صحيحاً ويجب على الزوج أن يوفي به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن حق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ومع ذلك فإني أرى ألا يشترط هذا الشرط ولو كان خائفاً منه لأن المرأة إذا تزوجت كان أولى الناس بها زوجها وإذا كانت العلاقة حسنة فإنه سوف يفعل كل ما فيه مصلحتها وأنسها وسرورها.
***(19/2)
أم محمد من تبوك تذكر بأنها فتاة متدينة وتحمد الله وقد تقدم لخطبتها شاب متدين وفقيه ومتمكن من معرفة الأمور الشرعية وأحكامه تقول وقد خطبني من أبي ولكنه رفض وقال يجب أن يكون من العائلة وقال إنه ليس من العائلة وقد قرأت في أحد الكتب حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ما هي الفتنة في هذا الحديث وهل على والدي ذنب في رفضه لهذا الشاب جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج جوابه إلى مقدمة ونصيحة نوجهها إلى أولياء الأمور في تزويج النساء إنه من المعلوم أن ولي المرأة يجب عليه أداء الأمانة بحيث لا يزوجها مَنْ لا يرضى دينه حتى وإن رغبته المرأة لأن المرأة قاصرة في عقلها وتفكيرها ولهذا لا يصح أن تكون أميرة إمرةً عامة على الرجال والنساء وإن كان يصح أن تكون ولية لأمور النساء في حقل النساء كمديرة المدرسة ونحوها فقد تختار لنفسها من لا يرضى دينه لإعجابها بصورته أو لإعجابها بفصاحته أو تملقه أو ما أشبه ذلك وفي هذه الحال لوليها أن يمنعها من نكاحها بهذا الخاطب وكما أن له منعها من التزويج بمن لا يرضى دينه فإنه يحرم عليه منعها من أن تتزوج بمن رضيته وهو ذو خلق ودين لان الأمر إليها في ذلك والولي ما هو إلا متول لأمرها لئلا تغتر وتختار من لا ينبغي أن تتزوج به ولكنه ليس له السيطرة التامة عليها بحيث يمنعها عمن شاء ويزوجها بمن شاء فيجب على ولي أمر المرأة إذا خطبها من يرضى دينه وخلقه ورضيته أن يُزَوجها ولا يحل له منعها فإن منع فهو آثم بل قد قال العلماء إذا تكرر منعه فإنه يكون فاسقا تسقط وِلايته وتنتقل الولاية إلى من بعده وعلى هذا فإذا منع الأب من تزويج ابنته بشخص رضيته ويُرضى دينه وخلقه فلعمها أن يزوجها ولو كره أبوها ولأخيها أن يزوجها ولو كره أبوه والأخ مقدم على العم لكن الأخ قد لا يتقدم بتزويجها خوفا من أبيه فيزوجها في هذه الحالة العم وإذا قدر أن العم امتنع زوجها ابن العم وإذا امتنعت العائلة احتراما لأبيها زوجها القاضي وهذا وإن كان ممتنعا عادة وعرفا فإننا نبين أنه حق للمرأة سواء فعلته أم لم تفعله لكننا نحذر أولياء الأمور من أن يمنعوا من ولاهم الله عليهن من تزويجهن بكفء يرضينه هذا ما أحب أن ينتبه له أولياء الأمور في تزويج النساء أما هذه القضية الخاصة فنقول لهذه المرأة إذا امتنع والدك من أن يزوجك بمن ترتضيه خلقا ودينا وأَبَى أن يزوجك إلا من العائلة فإنه لا يجب عليك طاعته بل لك الحق أن تطلبي من ولي بعده أن يزوجك فان امتنع الأولياء اتباعا للعادات والتقاليد فاطلبي ذلك من القاضي وعلى القاضي أن يزوجك إلا أن يرى أو يخاف مفسدة عظمى في تزويجك فالأمر إليه وأما معنى الحديث (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه أو قال فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فالفتنة هي إما في المال وإما في العرض والفساد الكبير ما يترتب على هذه الفتنة من الشر وانتشار الزنا وغير ذلك وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لمن منع تزويج موليته بمن يرضى دينه وخلقه.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة أختكم في الله صالحة ع ع تذكر بأنها فتاة مخطوبة لولد عمها ولكن عمي أبو الولد غير موافق لزواج ابنه مني ولكن ابنه مصر على ذلك فهل يجوز له أن يعصي والده رغم أن والده يحلف ويقول إنها تحرم عليك فهل يجوز لها هي أن توافق على الزواج من هذا الولد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولاً أني أوجه نصيحة لهذا العم الذي يحاول منع ابنه من أن يتزوج بامرأة يرغبها إنه ليس له الحق في أن يمنع ابنه مما يريد إلا أن يرى مانعا شرعيا يقتضي أن يمنعه فهذا فيه نظر آخر وقد يسلط بعض الناس على أبنائه فيلزمهم أن يتزوجوا من بنات أخيه أو من بنات قبيلته ويحول بينه وبين من يرغب من النساء الأخريات وهذا خطأ وغلط فكما أنه ليس من حقه أن يجبره على أكل طعام معين لا يشتهيه فليس من حقه أن يضطره إلى أن يتزوج من امرأة لا يريد الزواج منها وليتصور هذا العم أنه هو الذي يريد أن يتزوج وأبوه يمنعه من أن يتزوج من يريدها كيف تكون حاله وكيف تكون نفسه كما أن بعض الآباء أو الأمهات يحاول إجبار ابنه أن يطلق امرأته وهو يريدها فإن هذا حرام عليهم وهم في ذلك متشبهون بمن قال الله عنهم (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) ولا يلزم الابن طاعة أبيه أو أمه إذا أمره أن يطلق امرأته إلا أن يكون هناك سبب شرعي فهذا ينظر فيه وقد سأل رجل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذه المسألة فذكر أن أباه يقول له طلق امرأتك فقال أحمد لا تطلقها قال أرأيت حديث عمر أنه أمر ابنه أن يطلق امرأته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها فقال له الإمام أحمد هل أبوك عمر مشيرا رحمه الله إلى الفرق بين أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمر غيره لأن عمر لا يمكن أن يأمر ابنه أن يطلق امرأته إلا لسبب شرعي أما غيره فقد يكون كذلك وقد يكون بينه وبين امرأة ابنه شيء في النفوس وقد يكون ذلك غيرة إذا رأى ابنه يحبها المهم أنه لا يلزم الإنسان أن يطلق امرأته إذا أمره أبوه أو أمه بطلاقها إلا أن يكون هناك سبب شرعي فينظر فيه كما أنه لا يلزمه أن يطيع والده أو أمه في أن يتزوج امرأة وهو لا يريد الزواج منها وكذلك أيضا ليس له الحق أن يمنعه من أن يتزوج امرأة يريدها إلا أن يكون هناك سبب شرعي فينظر فيه وبناء على هذا فإني أقول للسائل تزوج هذه المرأة التي تريدها وإن منعك أبوك منها لأنه لا حق له في ذلك.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع رمز لاسمه بـ ذ. ي. سوداني مقيم بالعراق يقول هل يجوز لي أن أزوج ابنتي لرجل مسلم لكنه يرتكب بعض المعاصي الكبيرة كشرب الخمر والزنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تزوج ابنتك برجل زان حتى تظهر توبته من الزنا وتستقيم حاله لقول الله تعالى (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ومعنى الآية الكريمة أنه يحرم على المؤمنين أن يزوجوا الزاني أو أن يتزوجوا الزانية فإن فعلوا ذلك كانوا إما زناة وإما مشركين ووجه هذا أن الرجل إذا تزوج الزانية فإما أن يرفض كون الزواج بها حرام ولا يعترف به وحينئذٍ يكون مشركاً لأنه أحل ما حرم الله وإما أن يؤمن بأن الزواج بها حرام ولكن لم يتمكن من التحكم في نفسه حتى عصى الله عز وجل بفعل ذلك فيكون زانياً لأن النكاح ليس بصحيح هذا هو معنى الآية البين الظاهر الواضح الذي لا يحتاج إلى تكلف أو تأويل وأما إذا كان الخاطب عفيفاً عن الزنا ولكنه يشرب الخمر فإننا لا ننصحه بتزويجها إياه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وشارب الخمر لا يرضى دينه لأنه فاسق حتى يتوب من شرب الخمر ويقلع ولكن لو زوجها به مع رضاها به فإن النكاح صحيح بخلاف ما إذا زوجها برجل زان لم تظهر توبته.
***(19/2)
هذه فتاة تقول من الرياض أنا فتاة ملتزمة تقدم لي رجل وهو يصلى ولكنه يشرب الشيشة وهي محتارة فتستفتيكم في ذلك وتستشيركم فهل توافق على ذلك الزوج مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا خطبت المرأة وخطبها رجلٌ كفء فإنه يزوج ولا يمنع ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير) أو قال (فسادٌ عريض) ولا يحل لأحد أن يمنع ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له ولايةٌ عليه من النساء لا يحل له أن يمنعها من خاطبٍ كفء رضيته لأن هذا خلاف الأمانة وفي هذه الحال لو فرض أنه منعها من كفؤ رضيته فإن الولاية تنتقل منه إلى من بعده فإذا منعها أبوها مثلاً والخاطب كفؤٌ في دينه وخلقه وهي راضيةٌ به زوجها أخوها ولا بأس عليه في هذه الحال أن يزوج أخته مع منع أبيه من تزويجها وذلك لأن أباه معتدٍ في هذا المنع فأسقط حقه بنفسه وإذا قدر أن الإخوة أبوا أن يزوجوها كراهة أن يخالفوا أباهم فإن الولاية تنتقل إلى العم الذي هو أخو الأب فله أن يزوج هذه المرأة التي رضيت بالكفء الذي خطبها ومنعه أبوها وإخوتها وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر منعه من تزويج الخاطب إذا كان كفأً ورضيت به المرأة يكون بذلك فاسقاً وتسقط ولايته ولا يمكن من مباشرة كل عملٍ تشترط فيه العدالة فالمسألة خطيرة وبعض الناس لا يرحمون الخلق ولا يخافون الخالق فتجده يجعل ابنته بمنزلة السلعة لا يزوجها إلا من يعطيه الأكثر من المال وإذا خطبها الكفء ذو الخلق والدين ورضيت به أبى أن يزوجه لأنه ينتظر من يزيده من المال ومن الناس من يمنع الكفء إذا خطب ابنته ورضيته لأنه يريد أن يزوجها ابن أخيه أو أن يزوجها رجلاً من قبيلته وهذا أيضاً حرام ولا يحل فعلى الأولياء أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله فيمن ولاهم الله عليه من النساء وأن يعلموا أنهم سيحاسبون على ذلك يوم القيامة حين لا يجدون مناصاً من سوء معاملتهم ولقد حكى لي بعض الناس أن فتاةً لم تتزوج مرضت فلما حضرها الموت أشهدت من حولها من النساء بوصيةٍ إلى أبيها تقول كلاماً معناه أن أباها قد منعها من الخطاب الأكفاء وأن بينها وبينه موقفاً عند الله يوم القيامة وهذا أمرٌ خطير يجب على المرء أن يتقي الله تعالى فيه وما أدري هذا الولي لو أنه اختار امرأةً ليتزوجها فحيل بينه وبينها ما أدري ما موقفه هل يرضى بذلك إن الجواب بالنفي أنه لا يرضى أن يحول أحدٌ بينه وبين مخطوبته فإذا كان كذلك فلماذا يرضى أن يحول بين ابنته وخاطبها الذي هو كفؤٌ في دينه وخلقه وبالنسبة لسلامة الدين التي تجب مراعاتها أن لا يكون الإنسان مصراً على معصية تتعدى إلى الغير كالإصرار على شرب الدخان فإن شرب الدخان محرم والإصرار عليه معصية بل فعله ولو مرةً واحدة معصية والإصرار عليه يرتقي بصاحبه إلى أن يكون كبيرة فإذا خطب المرأة رجلٌ يصر على معصية من أي نوعٍ كانت من المعاصي التي تتعدى للزوجة فإن من الخير أن لا تقبل خطبته وأن تسأل الله تعالى أن ييسر لها زوجا صالحاً أما إذا كانت المعصية لا تتعدى فهي أهون مثل أن يكون الإنسان معروفاً بالغيبة فإن الغيبة كما يعلم الجميع ليست متعدية إذ بالإمكان أن يكون هذا الزوج يغتاب الناس في غير حضرة زوجته وهذا أهون من كونه يفعل المعصية أمامها ولا يمكن أن يتخلى عنها إذا كانت الزوجة أمامه وخلاصة القول إننا ننصح المرأة بأن لا تختار في النكاح إلا رجلاً صاحب دين وخلق لأن صاحب الدين إن أمسكها أمسكها بمعروف وإن فارقها فارقها بإحسان وأن لا تتعجل المرأة بقبول الخاطب حتى يبحث عنه من جميع الجوانب ولست أريد أن أقول لا تتزوج المرأة إلا من كان لا يفعل شيئاًً من الذنوب أبداً لأن هذا متعذر لكن سددوا وقاربوا.
***(19/2)
بارك الله فيكم من السودان جعفر محمد يقول إذا كانت هناك شابة موافقة على الزواج من شابٍ شاربٍ للخمر والعياذ بالله هل يجوز لوالديها أن يمنعاها عن ذلك إذا هي وافقت على ذلك فأرجو لهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رضيت البنت شخصاً ليس بكفءٍ في دينه فإنه يجب على ولي أمرها أن يمنعها منه ولا يجوز أن يوافقها لأنه ولي يجب عليه فعل الأصلح وهذا من الحكمة في أن النكاح لا يصح إلا بولي لئلا تختار البنت من ليس بكفءٍ لها في دينه ولكنه خدعها حتى وافقت عليه وجواب السؤال ينبني على هذه القاعدة فإذا رضيت هذه البنت هذا الخاطب الذي يشرب الخمر فإنه يجب على والدها الذي هو وليها الأول أو على وليها الآخر إذا لم يكن لها وليٌ أولى منه أن يمنعها من التزوج به لأنه ولي وشرب الخمر والعياذ بالله من كبائر الذنوب لأن الخمر محرمٌ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وهي أعني الخمر أم الخبائث وكم من معصية كبيرة ترتبت على شرب الخمر لهذا نقول إنه يجب على أولياء المرأة إذا اختارت رجلاً معروفاً بشرب الخمر أن يمنعوها من النكاح به.
***(19/2)
هذه السائلة ن أمن القصيم تقول أرشدوني وفقكم الله في مسألتي وهو أنه تقدم لخطبتها شاب عمره اثنين وثلاثين سنة وبعد السؤال عنه تبين لها الآتي شاب محافظ على الصلوات الخمس وخاصة صلاة الفجر وعندما سألنا عنه إمام المسجد قال هذا دأبه منذ ثلاث سنوات وليس منذ الخطبة لكم ثانيا تقول إنه كان على قول بعض الناس صاحب سفر تقول وأقر أحد الشباب من أصدقائه بأنه قد شرب معهم المسكر في تلك السفريات وقد أقر هو بسفهه وطيشه في السابق لكنه حلف أنه لم يشرب المسكر في حياته أبدا ثالثا تبين أنه يتولى رعاية أمه وإخوته الذين هم أكبر منه سنا وأصغر منه رابعا تقول بأنه الآن يدخن السيجار وأن أخلاقه طيبة جدا مع جيرانه وعامة الناس أسأل الشيخ أن يرشدني قبل أن يتقدم لي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا إذا كانت هذه المرأة صغيرة السن والخطاب عليها كثير فلا أرى أن تتزوج به مادام صاحب سفريات ويشرب الدخان وأما إذا كانت قد كبر بها السن وصار الخطاب قليلين فهنا تسأل هل الرجل تاب عن السفريات وعن شربه الخمر إذا قالوا نعم فالدخان تشترط عليه إما أن يقلع عنه فإن عاد فلها الفسخ وإن تعذر هذا تشترط عليه ألا يشرب أمامها وأمام أولادها منه فإن فعل فلها الفسخ.
***(19/2)
السائل رمز لأسمه ب م م ط يقول أسأل عن فتاة أريد أن أتزوجها هذه الفتاة في السابق كانت ترتكب بعض الأخطاء وأنا كنت كذلك ولكن والحمد لله رب العالمين بعد أن من الله علينا بالهداية بدأت أنصحها فاهتدت واستقامت على الطريق المستقيم وأصبحت بإذن الله من العابدات الصالحات وصارت تصوم من كل شهر ثلاثة أيام وتتهجد وتصلى الضحى وأنا كذلك والحمد لله فأنا أريد الزواج من هذه الفتاة وهي كذلك فأستشيركم وآخذ رأيكم في هذا الموضوع هل تصلح هذه الفتاة أن تصبح زوجة لي أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا الرجل الذي كان يتصل بهذه المرأة كل هذا الاتصال وهي ليست زوجة له قد أخطأ خطأ عظيما لأن كلامه معها لابد أن يكون كلاما طويلا وفي فترات متعددة ومثل هذا العمل أعتبره عملا خطأ حتى وإن قصد الإنسان به الإصلاح ذلك لأن مثل هذه المكالمة والمخاطبة الطويلة قد تكون سببا لفتنة وشر كبير فعليه أن يتوب إلى الله تعالى من هذا العمل وألا يعود لمثله وأما نكاحه إياها فإنني لا أفتيه بشيء نظرا لأننا لو أفتيناه بشيء حول هذا الموضوع لكان فتح باب لغيره أن يفعل مثل فعله فأقول عليك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر الله عز وجل مما جرى بينك وبين هذه المرأة من المخاطبات التي لا أظنها تكون قصيرة ولا قليلة.
***(19/2)
يقول ما حكم الشرع في تزويج التائب من الذنوب وهل من كلمة في هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نقول إن الإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل من ذنبه مهما عظم فإن الله يتوب عليه لعموم قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الآيات وتزويج التائب وهو الذي وقع السؤال عنه لا بأس به بل قد يشجع على تزويج التائب تأليفا له وتثبيتا لتوبته والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولكن لا ينبغي أن لا نتسرع إذا رأينا هذا الخاطب قد تاب من المعصية حتى ننظر ونسبر حاله ونعرف أن توبته نصوح وأنها خالصة لله لأن من الناس من يخطب من عدة أناس فإذا رأى أنه لم يجب وكان يرى في نفسه إخلالا بواجب أو انتهاك لمحرم ذهب يتصنع التوبة ويقوم بالواجب ويدع المحرم فإذا زوج عاد إلى ذلك فأقول إن الرجل الذي كان معروفا بالانهماك في المعاصي إذا تاب فإن الله يتوب عليه لا شك في هذا إذا تمت شروط التوبة التي أشرنا إليها في أول هذا اللقاء لكن ينبغي لنا نحن أن ننتظر وأن نسبره وأن نتتبع أحواله والصدق بيّن والتمويه بيّن فإذا تبين لنا صدقه فإننا نزوجه ولا بأس في ذلك.
***(19/2)
بارك الله فيكم التحري عن الخاطب فضيلة الشيخ ما رأيكم فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد أن يسأل عن الخاطب قبل أن يجيبوه لا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه الخداع فإن الواجب التحري تحرياً كاملاً بحيث يسأل عن دين الرجل قبل كل شيء عن صلواته عن سلوكه ثم عن أخلاقه وعن طبائعه وسجاياه ثم عما يريد أن يسألوا عنه من الأمور الأخرى التي تعتبر فرعاً عن هذين الأمرين ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ولا بد من التحري غاية التحري فإن كثيراً من النساء يشكوا بأنهن تزوجن برجال يعتقدن فيهم الصلاح فيتبين أنهم ليس عندهم صلاح حتى أن بعض النساء تشتكي من أن الزوج الذي تزوج بها لا يصلى وبعض النساء تشتكي بأنه لا يصلى الصلاة في وقتها وبعضهن تشكي بأنه لا يصلى مع الجماعة بعضهن تشتكي بأنه مغرم بالغزل مع النساء بعضهن تشتكي بإنه مغرم بالأغاني وما أشبه ذلك فالواجب التحري قبل الإجابة وإذا قدر أنهم يجيبونه في يوم فليتأخروا يومين أو ثلاثة أو عشر حتى يتأكدوا تماماً من أن هذا الرجل كفء وإذا تبين أنه كفء فليتوكلوا على الله ويزوجوه.
***(19/2)
بارك الله لكم فضيلة الشيخ التحري عن الشخص الخاطب ما رأيكم فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التحري عن الشخص الخاطب واجب وجوباً مؤكداً لا سيما في هذا الوقت الذي التبس فيه الطيب بالخبيث وكثر فيه التزوير والوصف الكاذب وكثر فيه شهادة الزور فإنه قد يوجد من الخطّاب من يتظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق وهو على خلاف ذلك وقد يزوّرُ زيادة على مظهره يزور على المخطوبة وأهلها بأنه مستقيم وذو خلق وقد يؤيد من أهله على ما زور وقد يأتي شاهد آخر من غير الأهل فيشهد له بالصلاح والاستقامة فإذا حصل العقد تبين أن الأمر على خلاف ذلك في دينه وخلقه ولهذا أرى أنه يجب التحري وجوباً مؤكداً وأن يكون التحري بدقة ولا يضر إذا تأخرت الاجابة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهراً ليكون الإنسان على بصيرة فإذا تبين أن الخاطب على الوصف المرغوب فيه وأنه ممن يرضى دينه وخلقه فليزوج ولا يجوز لأحد أن يعترض رغبة المخطوبة في مثل هذا الرجل بأي حجة كانت لأننا نسمع أن بعض الأولياء يمنع تزويج موليته لمن يرضى دينه وخلقه وهي قد رضت به بحجج واهية مثل أن يقول إنه ليس من قبيلتنا أو يقول إنه ليس معه شهادة والمرأة معها شهادة أو يقول إنه ليس في وظيفة مع أن أمره قائم إلى غير ذلك من التعليلات الباردة الباطلة ومن الناس من يمنع تزويج موليته لأنها تدرِّس وتدر عليه من راتبها فيجعلها مغّلاً له ويمنع من تزويجها لهذا الغرض. المهم أني أنصح مثل هؤلاء الأولياء وأقول لهم اتقوا الله فيمن ولاكم الله إياه لا تمنعوا النساء من التزوج ممن يرضين دينه وخلقه من أجل أغراضكم الشخصية أو عاداتكم المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك كما أني أيضاً أنصحهم مرة أخرى في عكس هذا الأمر وهو أن يزوجوها من لا ترغب فإن ذلك حرام عليهم والنكاح لايصح على القول الراجح حتى ولو كان المكلِفُ الأب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وقال في الأيم (لا تنكح حتى تستأمر) بل في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم (والبكر يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب فلا يجوز إجبار المرأة على تزوج من لا تريد زواجه مهما كانت الأسباب ولا حرج على الأب فيما لو قدر أنها لم ترد الزواج مطلقاً لا حرج على الأب وغيره من الأولياء إذا لم يزوجوها في هذه الحال حتى لو بقيت طول حياتها وذلك لأن هذا باختيارها فهم لم يمنعوها.
***(19/2)
شاب يبلغ من العمر الثانية والعشرين يصلى والحمد لله ويقول أنا أخاف الله عز وجل وأريد أن أتزوج من امرأة تصلى إلا أن والدها لا يصلى فما حكم الشرع في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الرجل أن يتزوج من هذه المرأة التي أبوها لا يصلى إذا كانت هي صالحة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لصلاح أبيها وكل امرىء ونفسه فإذا كانت هذه المرأة صالحة فليتزوجها على بركة الله ولعل قربه من هذه العائلة يكون سببا في نصيحة والدها وإرشاده وتوجيهه إلى الحق ويكون هذا الزوج مباركا على هذه العائلة كما يحصل ذلك في كثير من الأحيان.
***(19/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول المستمع أأ أمن القصيم بريدة هل ترى يا فضيلة الشيخ أن نزوج الشاب المحافظ على الصلاة لكن عنده تقصير في بعض الواجبات لعله يتحسن بعد الزواج أم ننتظر حتى يستقيم أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) فالواجب على ولي المرأة إذا تقدم إليها شخص خاطب أن يبحث عن دينه وعن خلقه كما أن الزوج إذا طلب زواج امرأة فإنه يسأل عن دينها وخلقها فكذلك يجب أن يبحث عن دين الخاطب وعن خلقه وأن يتحرى في ذلك غاية التحري لأن وقتنا فيه إضاعة للأمانة كثيرا فكم من شخص سأل عن خاطب فأثني عليه خيرا فإذا حصل عقد النكاح تبين أن الرجل ليس فيه خير ولهذا فالواجب التثبت والعبرة بما يكون عليه الإنسان في الوقت الحاضر أما المستقبل فإن الإنسان قد يتغير إلى أسوء وقد يتغير إلى أحسن وقد يتماسك فيبقي على حاله ولسنا نحن المخاطبين عن المستقبل وإنما نخاطب في الوقت الحاضر وقد يكون الإنسان سيئا في دينه وخلقه ثم يمن الله عليه بالاستقامة فننظر إلى حاله حين تقدمه إلى خطبة هذه المرأة ثم أننا لا حاجة إلى أن ننتظر حتى تصلح حاله إذا كان الآن على حال لا ترضى على وجه الإطلاق لأن الرجال سواه كثير وقد يتقدم إليها خير منه في دينه وخلقه وقد يحسن حاله وقد يحسن هذا الرجل الخاطب حاله أمامنا ظاهرا حتى يتمكن من بغيته ثم يرجع بعد ذلك إلى ما كان عليه والمهم أن الواجب على ولي المرأة إذا تقدم إليها خاطب أن يبحث عن دينه وخلقه وإذا كان مرضيا فليزوجه وإذا كان غير مرضي فلا يزوجه وسيسوق الله إلى موليته من يرضى دينه وخلقه إذا علم الله من نية الولي أنه إنما منعها هذا الخاطب من أجل أن يتقدم إليها من هو مرضي في دينه وخلقه فإن الله تعالى يوفر له ذلك.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة تقول يا فضيلة الشيخ بأنها فتاة تبلغ من العمر السادسة والعشرين لم تتزوج بعد تقول لأنني أنتظر مجيء شاب ملتزم ولو يكبرني بالعمر قليلاً إلا أنه لم يأتِ لخطبتي إلا شاب مفرط أو رجل ملتزم ولكنه كبير في السن وفارق كبير فأرشدوني ماذا أفعل فضيلة الشيخ محمد هل أتزوج شاب مفرط لعل الله يهديه أم أتزوج رجل ملتزم ولو كان كبيراً في السن أفيدوني بالأصح مع الدعاء لي بأن يرزقني الله زوجاً صالحاً يحب الله ويحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه إذا كان الخطاب عليها كثيرين وهو خلاف ما ذكر في السؤال فلتصبر وعمرها الآن لم يفت كثيراً وأما إذا كان الخطاب عليها قليلين كما هو سؤالها فأرى أن تتزوج الرجل الكبير صاحب الدين لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) فجعل المدار على الدين والخلق وأما الشاب الذي ليس على الوجه المرضي في دينه فلا أرى أن تتزوج به ما دام قد خطبها من هو كفءٌ في خلقه ودينه وكثيرٌ من الناس من النساء وأولياء أمورهن يغرهم الأمل في تزويج من هو ضعيفٌ في دينه فيقولون لعل الله يهديه إذا تزوج ولكن هذا الأمل ضعيف. ضعيف. ضعيف والإنسان غير مخاطب بما هو مستقبل لأنه على غير علمٍ به الإنسان مخاطبٌ بما هو بينه حاضر ومنظور فإذا كان هذا الرجل الخاطب ليس مستقيما في دينه فكيف يزوج على أمل أن يهديه الله ربما يبقى على ضلاله ويضل هذه المرأة الصالحة لأن الرجل له الكلمة على زوجته أو لا يضرها ولا تنفعه هي فيبقيان في مشاكل دائماً ونسأل الله الهداية للجميع ثم إني أحث أولياء الأمور والنساء على عدم التعجل في القبول بل يصبرون حتى يبحثوا عن الخاطب من جميع الجوانب وذلك لأن الوقت الحاضر ضعف فيه أداء الأمانة لا بالنسبة للزوج الذي يُخفي كثيراً من حاله ولا بالنسبة لمن يسألون عن الزوج فإن بعض الناس تغلبهم العاطفة فلا يتكلمون بالحق الذي يعلمونه من حال الزوج فالتريث خيرٌ من التعجل وإذا قدر أن نقبل بعد أسبوع فلنؤخر أسبوعاً آخر كما أحث أيضاً الأولياء والبنات على قبول من يعلم فيه الخير والصلاح في دينه وخلقه بدون النظر إلى أمورٌ أخرى لأن المدار كله على الخلق والدين فمتى كان الخاطب ذا خلق ودين فإن قبول خطبته خير وامتثالٌ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون في ذلك جمعٌ بين مصلحتين الخير العاجل للمرأة وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(19/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول لدي صديقة ملتزمة أحسبها كذلك ولا أزكي على الله أحداً ولكنها متشددة في اختيار الزوج فهي تريد زوجاً ذا دين وخلق وقد تقدم لخطبتها خمسة أشخاص ورفضتهم جميعاً رغم أنهم يحافظون على الصلاة ولكنها تقول جربت الزواج برجلٍ آخر ليس ذا دين فلم أستمر معه العيش أو فلم تستمر معه هذه العشرة سوى شهور قليلة فلا أريد أن أقع في نفس الخطأ مرةً أخرى فلن أتزوج إلا بملتزم أو لن أتزوج أبداً فهل عليها إثمٌ لفعلها هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها إثم ما دامت تختار من هو أفضل وأدوم عشرة وأقوم طريقة وما ذكرت من أنها تزوجت شخصاً ذا دين ولكن لم تدم العشرة بينهما فإني أقول إن القلوب بيد الله عز وجل وكم من إنسان أحب شخصاً ثم كره أو كره شخصاً ثم أحبه ولهذا يقال أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما لعله يكون حبيبك يوماً ما نعم يوجد بعض الناس نسأل الله العافية يتسلط على النساء وإن كان ذا دين لكنه يستعبد المرأة استعباداً بالغاً ويكلفها ما لا يلزمها بحجة أنه زوجها والزوج سيد وأنها امرأته والمرأة أسيرة ولكن هذا غلط فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ويقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فبعض الناس لا يكتفي بدرجة على المرأة بل يأخذ جميع الدرجات ولا يجعل للمرأة حظا كما أن بعض النساء تتطاول على الزوج ولا تعطيه حقه وإن أعطته حقه أعطته إياه وهي متبرمة أو متثاقلة فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بما أمرهما الله به من المعاشرة بالمعروف ومتى اتقى الزوجان ربهما في ذلك فإن العشرة ستبقى وتدوم والخلاصة أنه ليس على هذه المرأة التي امتنعت من التزوج حرج إذا كانت تنتظر من تميل نفسها إليه.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ يقول هذا السائل هل يأثم الإنسان إذا بحث عن زوجة لا تلد وعنده زوجة وأولاد قبلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤالٌ غريب أن الإنسان يطلب من لا تلد وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (تزوجوا الودود الولود) يعني المعروفة بكثرة الولادة منها إن كان قد تزوجت من قبل وعرف منها كثرة الأولاد أو من أقاربها اللاتي عرفن بكثرة الأولاد ولكن مع ذلك لا أرى مانعاً أن يختار الإنسان امرأةً عقيماً للاستمتاع بها وغير ذلك من مصالحه التي يريد.
***(19/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل أبو عبد الله يقول رجل في نيته أن يتزوج امرأة أخرى ولكنه يقول سأبحث عن امرأة عقيم لأنني عندي زوجة وتنجب أولاد ولله الحمد وأنا من الناس الذين لا يحبون كثرة الأولاد نرجو التوجيه والنصح في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه والنصح في هذا هو أن تعدد الزوجات أفضل من الاقتصار على واحدة إذا كان عند الإنسان قدرة مالية وقدرة بدنية وقدرة على العدل بين النساء فإن لم يكن له قدرة مالية فلا ينبغي أن يرهق نفسه بالديون من أجل أن يتزوج وإذا لم يكن عنده قدرة بدنية بأن كان ضعيف الشهوة أو عديمها فلا ينبغي أيضا أن يتزوج بأكثر من واحدة لئلا يخل بما تريده الزوجة الجديدة وإذا لم يكن قادراً على العدل فإنه لا يتزوج بأكثر من واحدة لقول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فإذا تمت الشروط الثلاثة القدرة المالية والقدرة البدنية والأمن من الجور والحيف فإن تعدد الزوجات أفضل لما فيه من كثرة تحصين النساء ومن كثرة الأولاد المرجوة بتعدد الزوجات ومن كثرة الأمة الإسلامية ولهذا رغب النبي صلى الله عليه وسلم أن تكثر أمته ورغب في تزوج الودود الولود وقال (إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) هذا الحديث أو معناه وقول السائل إنه يرغب أن يتزوج امرأة عقيما لأنه لا يحب كثرة الأولاد تمنيت أن لا أسمع هذا في سؤاله لو قال أحب أن أتزوج امرأة عقيما لكسر شهوتي وتجنب الفوضى التي تكون في الأولاد وما أشبه ذلك مما قد يكون عذرا لعذرناه في ذلك لكن كونه يقول لا أحب كثرة الأولاد مع كون النبي صلى الله عليه وسلم يرغب ذلك أرجو الله أن يسامحه عن هذه الكلمة وأرجو أن لا تكون صادرة من قلبه وأقول له إذا كانت قد تمت في حقك الشروط الثلاثة التي ذكرتها فتزوج وأنت راغب كثرة الأولاد وما أحسن أن يأتيك في السنة الواحدة أربعة أولاد من كل زوجة إذا تزوجت أربعا فإن ذلك من أسباب الرزق لأن الله تعالى قال في كتابه (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فخاطب الفقراء الذين يقتلون أولادهم من أجل الفقر وبدأ بذكر رزق الآباء قبل الأولاد فقال نحن نرزقكم وإياهم مع أنهم كانوا معدمين حين قتلهم لأولادهم ولكن الذي جعلهم معدمين قادر على أن يجعلهم موسرين بل إن الواقع والشاهد يدل على أن كثرة الأولاد سبب لكثرة الرزق إذا اعتمد الإنسان على الله عز وجل وتوكل عليه في رزق أولاده ولكن الذي يضر الناس ويضيق عليهم سوء قصدهم ونيتهم حيث يظنون أنهم أي الأولاد كلما كثروا ضاق الرزق ولم يتذكروا قول الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) وأخيرا أقول للسائل تزوج أخرى ثم ثالثة ثم رابعة مادامت الشروط الثلاثة متوافرة فيك ولكن بنية طيبة واسأل الله تعالى كثرة الأولاد وصلاحهم وأن يكونوا قادة للأمة في العلم والتوجيه وأن يكونوا دافعين عن دين الإسلام وعن بلاد الإسلام.
***(19/2)
أريد الزواج من أرملة شفقة عليها لأنها أرملة ومسكينة ولكن الناس نصحوني عنها وقالوا لا تتزوجها لأنهم يرون أن فيها شيئاً يعيبها فهل أقدم على الزواج منها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة فيها ما يعيبها في خلقها أو دينها فلا نشير عليه أن يقدم على زواجها وإذا كان هذا الذي يعيبها لا يتعلق بخلقٍ ولا دين فإنه لا بأس من زواجها ولكن ينبغي أن ينظر إليها قبل حتى يتبين له الأمر لأنه ربما يتصور العيب الذي ذكر له قليلاً يجده أكبر مما يتصور فهذا هو التفصيل في هذه المسألة إذا كان العيب عائداً إلى الخلق والدين فلا يتزوج بها ولا يقربها وإذا كان عائداً إلى أمرٍ آخر فإنه لا بأس من الإقدام على زواجها ولكن ينبغي أن ينظر إليها قبل.
***(19/2)
يقول سمعت أن الزواج من الأباعد أفضل من الزواج من الأقارب لمستقبل الأولاد من حيث الذكاء وحسن الخلقة ونحو ذلك فهل هذه القاعدة صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القاعدة ذكرها بعض أهل العلم وأشار إلى ما ذكرت من أن للوراثة تأثيراً ولا ريب أن للوراثة تأثيراً في خلق الإنسان وفي خلقته ولهذا (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود يُعرض بعِرض هذه المرأة كيف يكون الولد أسود وأبواه كل منهما أبيض فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم قال فأنا لها ذلك فقال الرجل لعله نزعه عرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ابنك هذا لعله نزعه عرق) فدل هذا على أن للوراثة تأثيراً ولا ريب في هذا ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالمرجع في خطبة المرأة إلى الدين فكلما كانت أدين وكلما كانت أجمل فإنها أولى سواء كانت قريبة أم بعيدة وذلك لأن الدينة تحفظه في ماله وفي ولده وفي بيته والجميلة تسد حاجته وتغض بصره ولا يلتفت معها إلى أحد.
***(19/2)
مجموعة من الأخوات يقلن في هذا السؤال يسمع عنا كثيراً من الشباب الصالحين وعن التزامنا فيرغبون في الزواج منا ولكن بعد ذلك يتراجعون عن خطبتنا وذلك عندما يعرفون ابتعاد والدنا وإخواننا عن طريق الحق فما ذنبنا نحن في ذلك ولهذا نرجو من فضيلتكم توجيه كلمة للمسلمين تجاه هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الذي ينبغي للخاطب الذي يريد خطبة امرأة أن ينظر إليها نفسها لا إلى أهلها وأوليائها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) ولم يقل صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لدين أهلها وأوليائها ومن المعلوم أن الله عز وجل يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وأنه قد يخرج من القوم الفاسقين من هم من أعدل الناس وأقوم الناس بدين الله بل قد يخرج من الكافرين من هم مؤمنون بالله ورسوله وهاهم الرجال الذين أسلموا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ممن كان آباؤهم من المشركين أسلموا وحسن إسلامهم وصار فيهم مصلحةً عظيمة للإسلام والمسلمين فأنصح أخواني من الذين يريدون الزواج من امرأةٍ صالحة أن لا يهتموا بأهلها وأوليائها فإن صلاحهم لأنفسهم وفسادهم على أنفسهم المهم أن تكون المرأة التي يريد الزواج بها صالحة فإذا كانت صالحة فليقدم على خطبتها وليستعن بالله عز وجل ولكن هنا عقبةٌ قد تعترض وهو أن بعض الأولياء إذا تقدم إليهم رجلٌ صالح يريد المرأة وتريده أبوا أن يزوجوها لأنهم يريدون أن يزوجوها من كان على شاكلتهم من الفسق وفي هذه الحال نقول لهم أي لهؤلاء الأولياء إن هذا حرامٌ عليكم وإنكم آثمون ومعتدون ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ولأن الزواج حقٌ للمرأة نفسها ليس لأوليائها فيه حق هي التي تريد أن تتزوج هي التي تريد أن تكون أن تخالط هذا الزوج وليس إياكم فعليكم أن تتقوا الله عز وجل وأن لا تمنعوهن من تقدم إليهم من الأكفاء في دينه وخلقه وإذا قدر أن الولي الأقرب امتنع أن يزوجها خاطباً كفؤاً لها في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل منه إلى من يليه من الأولياء فإن أبوا أن يزوجوا كما هو معروف عند الناس لا يحب أحدٌ أن يتقدم على من هو أولى منه لتزويج ابنته أو ما أشبه ذلك إن قال الأخ مثلاً لن أزوج أختي مع وجود أبي وقال العم لن أزوج ابنة أخي مع وجود أخي وما أشبه ذلك فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي وعلى الحاكم الشرعي أن يزوجها من خطبها ممن تريده وهو كفؤٌ في دينه وخلقه لكن ينبغي للحاكم الشرعي قبل أن يتقدم بتزويجها أن يخاطب أولى أوليائها بالتزويج ويقول له زوجها وإن أبى فليخاطب من يليه حتى إذا لم يقدم أحدٌ على تزويجها فإنه يجب عليه أي على القاضي الحاكم الشرعي أن يزوجها ولا يمكن أن تترك هؤلاء النساء الطيبات المؤمنات بدون زواج بسبب احتكار أوليائهن وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعين كل من يريد الخير وأن يعين كل من يريد الإصلاح على ما أراد وأن يكفينا جميعاً شر أشرارنا.
***(19/2)
نكاح من لا يصلى أو فعل مكفراً(19/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائلات من ليبيا ط. ج. م. ف. يقلن في هذا السؤال هل تطلب المرأة الطلاق من زوجها إذا ترك الصلاة بعد الزواج أم أنها تستمر في نصحه مدةً طويلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ترك الزوج الصلاة بعد العقد فلتنصحه زوجته فإن تاب في مدةٍ أقصاها انقضاء العدة فلا حرج ويبقى النكاح وإن حاضت ثلاث مرات بعد أن ترك الصلاة فإن النكاح ينفسخ ويجب عليها أن تفارقه وذلك لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافرٌ مرتد عن الإسلام وأنه إن تزوج في هذه الحال فالنكاح غير صحيح وتجب إعادته إذا تاب ورجع إلى دين الله وإن ترك الصلاة بعد أن عقد له الزواج فإن كان لم يدخل بالزوجة حتى الآن ينفسخ النكاح فوراً وإن كان قد دخل بها انتظر إلى أن تحيض ثلاث مراتٍ من حين تركه للصلاة ثم بعد ذلك ينفسخ العقد بل يتبين انفساخه منذ أن ترك الصلاة وذلك لأن الأدلة الشرعية تدل على كفر تارك الصلاة منها قوله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ومفهوم الآية الكريمة إذا لم يقيموا الصلاة فإنهم ليسوا إخواناً لنا في الدين والأخوة في الدين لا تنتفي إلا بالكفر المحض ومن الأدلة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وقوله صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ومن الأدلة على ذلك قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة بل إن عبد الله بن شقيق التابعي المشهور رحمه الله قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة وهذا حكاية إجماعٍ من الصحابة أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ إلا الصلاة ولأن المعنى يقتضي ذلك فالرجل المحافظ على ترك الصلاة مع علمه بأهميتها ومع ما ورد فيها من الآيات والأحاديث ثواباً لمن فعلها وعقاباً لمن تركها يدل على أن الرجل ليس في قلبه إيمانٌ إطلاقاً إذ لو كان في قلبه إيمان لردعه هذا الذي في قلبه عن تركها تركاً نهائياً.
***(19/2)
السائلة أم حسين من العراق بغداد تقول هي امرأة مؤمنة وتحاول جهدها أن تنفذ أمر الله في كل شيء وتطلب رضاه ولكن قبل عدة سنوات كان زوجها يشرب الخمر ولا يصلى بل كان يكفر بصلاتها وصومها وحاولت أن ترشده إلى الطريق الصحيح فلم تستطع إلا بالتضرع إلى الله والتوسل إليه في إبعاده عن الخمر فاستجاب الله تعالى دعاءها وترك الخمر وقد سمعت في هذا البرنامج أن الله حرم المؤمنات على الكافرين لأن زوجها لم يكن يصلى فقد وضعته بين أمرين إما الفراق برغم ما عنده من أولاد وبنات متزوجات وغير متزوجات وأطفال وإما أن يتوب إلى الله تعالى ويصلى له ويؤمن به وقد أطاع أمر الله بالصلاة والحمد لله ولكنها في حيرة وفي تفكير دائم هل في ما فات من استمرارها في العيش مع زوجها عندما كان كافراً فيه ذنب عليها وماذا عليها أن تفعل لكي تكفر عن ذنبها إذا كان كذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة من أخطر المسائل في عصرنا هذا وأهمها وأجدرها بالعناية وقد تقدم لنا في غير ما حلقة في هذا البرنامج بأن تارك الصلاة يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة بدلالة الكتاب والسنة والآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم وبينا أن أدلة القائلين بعدم كفره ليس فيها ما يدل على ما استدلوا به عليها لأنها إما نصوص عامة خصصت بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة وإما أنها أحاديث قيدت بوصف لا يمكن أن يدع الإنسان معه الصلاة وإما أنها أحاديث كانت في حال يعذر فيها الإنسان بترك الصلاة وإما أنه لا دلالة فيها أصلاً على ما ذكروه وعلى كل حال الذي أراه في هذه المسألة التي سألت عنه المرأة أنه لابد من إعادة عقد النكاح مادام حين عقد النكاح عليها وهو على الوصف التي ذكرت لا يصلى بل يكفر بالصلاة لابد من أن يعاد العقد مرة أخرى وبهذا تنحل المشكلة وفي ظني أن إعادة العقد أمر يسير على الزوج وعلى الزوجة أيضاً لأنه ليس فيه أكثر من يحضر الولي وهو أبوها إن كان موجوداً أو أحد أبنائها إن كان بالغاً عاقلاً ولم يكن أبوها موجوداً ويتم العقد بالشهود وبمهر يتفقان عليه والله أعلم.
***(19/2)
هذا سؤال من المستمعة هـ. هـ. من الأردن أربد تقول قدر الله لها وتزوجت من رجلٍ اكتشفت بعد الزواج بأنه لا يصلى وأنه لا يتقي الله في أقواله ولا أفعاله وصار لها معه سنة ونصف وأنجبت منه ولداً ذكراً وتلبيةً لرغبة والده ووالدته الذين يتظاهرون بالكلام المعسول وفعلهم فعل الأشرار فقد امتنعت عن الذهاب إلى بيت أهلها علماً أنه لا يبعد عنها سوى بمئة مترٍ تقريباً فقد قال زوجها لها اختاري بيني أنا أو أهلك فأصبحت حائرةً فما ذنب أهلها حتى تقاطعهم وتنحرم منهم بدون ذنبٍ فتقول أرشدوني هل أقاطع أهلي وأبقى عند هذا الزوج الفاسق أم أترك زوجي وطفلي وأذهب إلى بيت أهلي دون رجعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الزوج الذي وصفتيه بأنه زوج ليس زوجاً لك وذلك لأنك تزوجتيه وتبين بعد ذلك أنه كان لا يصلى وكل إنسانٍ لا يصلى إذا عقد على امرأةٍ فإن نكاحه لا يصح ولا تزاوج بينهما فعلى هذا يعتبر النكاح باطلاً من أصله ذلك لأن الله يقول (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقال تعالى (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) فنكاحك باطلٌ وهو ليس زوجاً لك وليس له عليك طاعة ويجب عليك أن تفارقيه وترجعي إلى أهلك ثم إن هداه الله إلى الإسلام وآمن بالله ورسوله وأقام الصلاة فإنه يعقد لك عليه عقداً جديداً وتبقين معه إن شاء الله تعالى في سعادةٍ وأمان وإنني أنصح هذا الرجل بأن يتقي الله عز وجل وأن يعلم أن الإسلام ليس مجرد النطق بقول لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فإن مجرد النطق بذلك لا يكفي إذا كان الإنسان يرتكب أمراً مكفراً سواءٌ كان هذا الأمر المكفر عملياً أي من أعمال الجوارح أو من أعمال القلوب فعليه أن يتوب إلى الله وأن يؤمن به ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويقوم بشرائع الإسلام وشعائره ثم يتزوج هذه المرأة من جديد والله الموفق.
***(19/2)
تذكر بأنها امرأة احتارت في أمرها بأنها متزوجة من زوج لا يصلى تقول ولي منه خمسة أطفال ولقد بذلت جميع ما في وسعي من أجل إصلاحه وإرشاده ولكن دون جدوى وأنا أعيش معه في بيت والدته ووالدته امرأة عجوز تعاني من مرض مزمن ولها عندي مكانة عظيمة هي كذلك تخاف علي وتخشى علي وأخشى إن تركت زوجي الذي هو ابنها أن يصيبها مكروه علما بأنه متزوج من امرأة أخرى مثله لا تصلى فهل يجوز لي البقاء معه بشرط أن لا أمكنه من نفسي بغية تربية أولادي تربية صحيحة وحتى لا يفسد علي أبنائي علما بأنني سأبذل كل ما في وسعي من أجل نصحه وتوجيهه وجهونا فضيلة الشيخ مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه إذا كان لا يصلى أبدا لا في البيت ولا في المسجد ولا في يوم دون يوم فأنه كافر بالله العظيم لا يحل لك أن تبقي معه لحظة واحدة بل عليك أن تنفصلى منه ولا حرج أن تبقي في البيت ما دامت والدته فيه ولك منه أولاد لكن ابقي في البيت وأنت أجنبية منه هو منك بمنزلة رجل الشارع لا يحل له منك شي ولعل الله عز وجل أن يمن عليه بالتوبة والهداية والرجوع إلى الله وإذا كان الأمر كذلك فالنكاح باق على ما هو عليه أما بقاؤك زوجة له مع كونه لا يصلى فهذا لا يحل بأي حال من الأحوال.
***(19/2)
المستمعة أم بشار العراق محافظة الأنبار تقول زوجي تارك للصلاة ومعلوم أن تارك الصلاة كافر إلا أنني أحبه كثيراً ولي منه أولاد ونعيش سعداء وكثيراً ما رجوته بالعودة إلى الصلاة فيقول بعدين ربي يهدني ما حكم الشرع في نظركم في الارتباط مع هذا الرجل أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم الشرع في نظرنا في الإقامة مع هذا الزوج التارك للصلاة والذي ذكرت السائلة أن عندها علماً من أن تارك الصلاة كافر حكم الشرع في نظرنا أنه لا يجوز البقاء مع هذا الزوج الذي تعتقد زوجته أنه كافر لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فبين الله تعالى في الآية الكريمة أن المؤمنات حرام على الكفار كما أن الكفار حرام عليهنّ وعلى هذا فيجب عليها أن تفارق هذا الزوج فوراً وألا تعاشره ولا تجتمع معه في فراش ولا غيره لأنها محرمة عليه وأما حبها إياه وعيشتها معه عيشة حميدة فإنها إذا علمت أنها حرام عليه وأنه أجنبي منها ما دام مصراً على ترك صلاته فإن حبها هذا سيزول لأن المؤمن محبة الله عنده فوق كل محبة وشرع الله تعالى عنده فوق كل شيء وأما الأولاد فإنه ليس له ولاية عليهم ما دام على هذه الحال لأن من شرط الولاية على الأولاد أن يكون الولي مسلماً وهذا ليس بمسلم ولكنني أضم صوتي إلى صوت هذه السائلة بتوجيه النصح إلى هذا الرجل بأن يرجع إلى رشده ويعود إلى دينه ويقلع عن كفره وردته ويقوم بأداء الصلاة وإقامتها على الوجه الأكمل مع الإكثار من العمل الصالح ولو صدق الله في نيته وعزيمته ليسر الله له الأمر كما قال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) إنني أوجه النصيحة إلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله حتى تبقى زوجته معه ويبقى أولاده تحت ولايته وإلا فإنه لا حظ له في زوجته ولا في الولاية على أولاده.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائلة س. م. أ. الزهراني تقول اسأل فضيلة الشيخ عن المرأة التي زوجها لا يصلى وهي متمسكة بالصلاة مع العلم بأنها بذلت مجهوداً كبيراً في إقناعه ولكن دون جدوى ليصلى ولديها أطفالٌ منه فماذا تعمل مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليها بعد أن بذلت ما تستطيع من نصح هذا الرجل الواجب عليها أن تفارقه وأن تذهب بأولادها إلى أهلها لأن الزوج الذي لا يصلى كافرٌ مرتد خارجٌ عن الإسلام ومعلومٌ ان المرأة المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع قال الله تبارك وتعالى في المهاجرات (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فلتذهب هي وأولادها إلى أهلها وسوف يجعل الله لها فرجاً ومخرجا ما دامت خرجت لله فإنها سوف تجد ما يغنيها عن هذا الزوج وربما إذا خرجت يهتدي هذا الزوج ويحاسب نفسه ويقول كيف أجعل نفسي سبباً في تمزق عائلتي ولا يحل لها أن تبقى مع هذا الزوج طرفة عين ما دام لا يصلى.
***(19/2)
يقول الإخوان زوجنا أختنا الكبيرة من شخص ونحن لا نعلم أنه لا يصلى وله ثلاثة أطفال ماذا نفعل يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنتم قد زوجتم هذا الرجل بأختكم وهو لا يصلى ولكنكم تجهلون هذا الأمر فإنكم معذورون والأولاد الذين جاؤوا بهذا العقد أولاد شرعيون ينسبون إلى أبيهم كما هم منسوبون إلى أمهم ولكن حلُّ هذه المشكلة الآن أن يفرَّق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد له عليها حتى يسلم ويرجع إلى الإسلام بإقامة الصلاة فإذا أقام الصلاة فحينئذٍ نعقد له عقداً جديداً ولا يجوز أن تبقى هذه الزوجة معه بناءً على هذا العقد لأن هذا العقد باطل لمخالفتة لقول الله تعالى في المهاجرات (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وما أيسر الأمر عليه إذا كان يريد أهله ويريد أولاده فإنه ليس بينه وبين هذا إلا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر نفسه ويقيم الصلاة وإني أنصح هذا الرجل بأن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعلم أنه إنما خلق في هذه الدنيا لعبادة الله وأن يعلم أن الخسارة فادحة إذا مات على هذه الحال فإنه إذا مات على هذه الحال سوف يخلد في نار جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أنصحه بأن يصدق النية ويعقد العزم على الصلاة ولينظر هل يضره ذلك شيئاً هل يمنعه ذلك من حوائجه الدنيوية هل يحول ذلك بينه وبين متعه التي أباحها الله له كل ذلك لم يكن بل إنه يعينه على مهامه وأموره كما قال الله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) وأسأل الله تعالى أن تبلغه هذه النصيحة وأن يوفق لقبولها فخلاصة الجواب أنه يجب أن يفرق بين هذا الرجل وبين زوجته وبين من عقد له عليها وإن كان له منها أولاد هذه واحدة. ثانياً إن أولاده هؤلاء أولاد شرعيون يلحقون به وينسبون إليه كما هم منسوبون إلى أمهم وذلك لأنهم حصلوا من وطء شبهة حيث لم يُعلم أن تزويج من لا يصلى تزويج باطل ثالثاً أنه إذا عاد إلى الإسلام وأقام الصلاة فإنه يعقد له من جديد رابعاً النصيحة الأكيدة التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن تبلغ منه مبلغ النفع حتى يصلح له أمر دينه ودنياه.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائلة إسراء محمد من العراق محافظة أربيل تقول أنا فتاة متزوجة حديثاً ومشكلتي هي زوجي فهو إنسان بعيد عن الإسلام بتصرفاته وأفعاله فهو لا يصلى ولا يصوم بل ويمنعني من الصيام حتى رمضان ويمنعني من فعل كل خير علماً أنني أعمل مدرسة لأساهم معه في تكاليف المعيشة لكنه يلح علي أن أترك العمل مع حاجتنا الماسة لما أحصل عليه من رواتب وسبب إلحاحه علي هو الشك الذي يراوده فيّ فهو يشك في تصرفاتي رغم أنني متمسكة بالدين إلى أبعد حد فلا أخرج إلا محجبة رغم قلة المتمسكين بالحجاب عندنا لكنه مع ذلك لا يثق بي وقد ترك هو عمله أيضاً ليبقى إلى جانبي بالبيت يراقبني في كل حركة أقوم بها علماً أنه يصرف على إخوة له يتامى ومع ذلك ترك العمل وجلس في البيت فما هو الحل الذي ترونه يرضي الله عني فأبغض الحلال إلى الله الطلاق ولكن ماذا يمكن لي أن أفعله كي أغير من سلوك هذا الرجل الذي لا يعرف الله ولا دينه أرشدوني أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة إليك لا يجوز لك البقاء مع هذا الزوج لأنه بتركه الصلاة كان كافراً والكافر لا يحل للمسلمة أن تبقى معه قال الله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فالنكاح بينك وبينه منفسخ لا نكاح بينكما إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب ويرجع إلى الإسلام فحين إذن تبقى الزوجية وأما بالنسبة للزوج فإن تصرفه في الحقيقة تصرف خاطئ وعندي أن فيه نوعاً من المرض وهو مرض الشك والوسواس الذي قد يعتري بعض الناس في أمور عباداتهم ومعاملاتهم مع غيرهم وهذا المرض لا شيء أحسن من إدامة ذكر الله سبحانه وتعالى وقراءة القرآن واللجوء إلى الله سبحانه والتوكل عليه والاعتماد عليه في القضاء على هذا الوسواس الذي حصل لزوجك والمهم أنه بالنسبة إليك يجب عليك أن تفارقي هذا الزوج وأن لا تبقي معه لأنه كافر وأنت مؤمنة وأما بالنسبة للزوج فإننا ننصحه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يحرص على الأذكار النافعة التي تطرد هذه الوساوس من قلبه ونسأل الله له الهداية والتوفيق.
***(19/2)
هذه الرسالة من المستمعة خالدة شكر الجوادي من العراق نينوى تقول إنها امرأة متزوجة منذ تسع سنين وقد كانت متزوجة من رجل وأنجبت منه طفلاً وقد حصل بينهم طلاق بسبب سوء سلوكه الديني فهو مدمن على شرب الخمر تارك للصلاة مستهين بالقرآن وأهله وبعد طلاقها تزوجت من رجل آخر وبقي طفلها مع أبيه ولم تستطع البعد عن طفلها فلم يدم زواجها الثاني كثيراً بل طلقها الآخر تقديراً لظروفها وما إن سمع زوجها الأول بذلك حتى أخذ يتردد على دارهم بطفله ويعرض لهم رغبته في استردادها وكان أهلها يمانعون من عودتها لما يعلمون من سوء سلوكه ولكن والدها اشترط عليه أن يقلع عن شرب الخمر وأن يستقيم في كل أمور دينه ووعده بذلك وهي أيضاً وافقت طمعاً في بقائها بجانب طفلها وفعلاً عادت إليه ولكن طبائعه لم تتغير بل ازداد سوءاً وأصبح يجمع من حوله قرنائه ويناديهم في منزله يمارسون كل أنواع الشر والفسوق من شرب ورقص وغير ذلك حتى مع نسائهم وكان دائماً يكلفها بعمل الأكل والشراب لهم حتى أصبح منزلها وكأنه دار ضيافة مع قلة دخله مما جعل الديون تتراكم علي وجعلها تهمل نفسها وأطفالها وتشتغل لخدمة الضيوف جلساء السوء وكثيراً ما يردد كلمة الطلاق عليها إذا رفضت فعل شيء وربما يحلف ولا يبالي وهذا قليل من كثير مما يفعله ويمارسه مع جلسائه فما هو نصيحتكم لي مع هذا الرجل أن أفعله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نبدأ بنصيحة هذا الرجل ونحذره من هذه المعاصي العظيمة بل من الكفر لأنه بتركه للصلاة صار مرتداً كافراً لا تحل له زوجته حتى يتوب إلي الله عز وجل ويقوم بالصلاة ونريد أن نبين له أن العقوبة والعياذ بالله قد عجلت له بتراكم هذه الديون عليه وضيق الأمور عليه ونبين له أنه لو اتقى الله عز وجل لعجل له فرجاً ومخرجاً قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وباب التوبة مفتوح وكل ذنب إن الله يغفره بالتوبة لقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أما بالنسبة لهذه الزوجة فإن والدها أخطأ في تزويجها إياه بمجرد أن وعده بأنه سيتوب ليس من حقه أن يزوجها إياه حتى يعلم توبته باستقامته ولهذا وعدهم فأخلفهم ولم يفِ بالوعد وكم من وعود ماطل بها أصحابها وخالفوها إذا لم يكن عندهم تقوى لله عز وجل والحل لهذه المشكلة التي وقعت الآن أن يفرق بينه وبين هذه الزوجة لأنها لا تحل له مادام تاركاً للصلاة وأما أولادها فليس له عليهم حضانة لأن من شرط الحضانة أن يكون الحاضن أميناً على محضونه ومن كانت هذه حاله فإنه ليس بأمين عليه فلا يحل أن يبقى أولاده عنده بل الواجب أن يكونوا عند أمهم تقوم برعايتهم وصيانتهم وما يلزم لهم.
***(19/2)
تقول بأنها متزوجة منذ سبع وثلاثين سنة من زوج يعمل بإحدى الدول العربية ولديها منه أولاد وعندما تزوجته كان لا يصلى إطلاقاً وكان مدمن خمر والعياذ بالله وكان مبتلى بالتدخين وكثيراً من المعاصي وكان يتهاون في الصيام والآن أصبح يصلى ويؤدي الصلوات في المسجد ما عدا صلاة الصبح فيؤديها في البيت بعد فوات الوقت عمداً ونصحته أن يشهد الصبح في المسجد مع الجماعة لكنه لم يقبل النصيحة مع أن المسجد جوار المنزل أما من ناحية المسكر والتدخين فما زال مصراً عليها ولم يقبل النصحية ووجهته كثيراً ولكن بدون فائدة وواجهت منه الكثير من المشاكل والمعاملة السيئة ولا يحترمها ولا يحترم أهل هذه الزوجة تقول كيف أتعامل مع هذا الزوج يا فضيلة الشيخ وهو يتعامل معي بالسيئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صح ما ذكرته من أنها تزوجته وهو لا يصلى فالواجب عليها الآن مفارقته حتى يجدد العقد إن أرادت أن تبقى معه وذلك لأن العقد عليها وهو لا يصلى عقدٌ لكافرٍ على مسلمة وعقد النكاح لكافرٍ على مسلمة عقدٌ محرم لا تحل به المرأة قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) هذا هو الواجب أن تفارقه الآن فوراً من حين أن تسمع كلامي هذا ثم إن شاءت أن يكون لها زوجاً فليجدد العقد وإن لم تشأ فلا حرج عليها وتحل لغيره مع أني أوجه النصحية لهذا الرجل الذي بدأ يصلى ودخل في الإسلام بصلاته أن يدع هذه المحرمات التي ذكرتها المرأة إن كانت صادقة من شرب المسكرات والدخان وما أشبه ذلك.
***(19/2)
جزاكم الله خيراً السائل يقول أسأل عن الزوجة التي تصوم رمضان ولكنها لا تصلى وتعتذر بالأعمال المنزلية وتربية الأولاد علماً بأنني آمرها بالصلاة عدة مرات وتعتذر عن ذلك هل أقوم بتطليقها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تصوم ولا تصلى فأخبرها أنه لا صيام لها ولا صدقة لها ولا حج لها ولا يحل لها أن تقدم مكة لأنها كافرة وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) (التوبة: من الآية28) ولقوله تبارك وتعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) واحتجاجها هذا احتجاج باطل مردود عليها فإن الصلاة لا تستغرق شيئاً كثيراً من وقتها إذا صلت كما يصلى الناس وتوضأت كما يتوضأ الناس لكن هذا الذي اعتذرت به من وحي الشيطان ومن الجدال بالباطل وإذا بقيت لا تصلى فإنها لا تحل لك لأنها مرتدة كافرة ولا يحل لك أن تستمتع منها بشيء ويجب عليك أن تفارقها وليس لها حضانة في أولادها لأنه لا حضانة لكافر على مسلم ولهذا بلغها ما أقول لعل الله أن يفتح عليها فتعود إلى دينها فإن أبت فلا خير لك فيها ولا يحل لك أن تستمتع بها كما أسلفنا.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول أنا متزوج من امرأة ولي منها أربع بنات ولكنها لا تصلى علماً أنها تصوم رمضان وحينما طلبت منها أن تصلى أفادت بأنها لا تعرف الصلاة ولا تعرف القراءة وأرجو الإفادة كيف يكون موقفي معها فأنا أنوي إحضارها لتأدية فريضة الحج فهل يصح ذلك أم لا وماذا عليّ أن أفعله نحوها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرت أن زوجتك لا تصلى ولكنها تصوم وأنك إذا أمرتها بالصلاة تقول إنها لا تعرف القراءة فالواجب عليك حينئذٍ أن تعلمها القراءة إذا لم يقم أحد بتعليمها ثم تعلمها كيف تصلى وما دام عذرها الجهل فإن من كان عذره الجهل يزول بالتعلم فعلمها وأرشدها إلى ذلك ثم إن أصرت على ترك الصلاة بعد العلم فإنها تكون كافرة والعياذ بالله وينفسخ نكاحها ولا يحل لها أن تأتي إلى مكة ولكن تصلى الآن وإن لم تحسن القراءة فإنها تذكر الله وتسبحه وتكبره ثم تستمر في صلاتها ويكون هذا الذكر بدل عن القراءة حتى تتعلم ما يجب منها.
فضيلة الشيخ: وما مضى من أيام ليس عليها فيه قضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما مضى من أيام ليس عليها قضاء في ذلك ولكن يجب على زوجها الآن أن يبادر بإصلاح حالها.
***(19/2)
المستمع عبد الله عبد الرحمن عبد الحق من مصر يسأل ويقول تزوجت بامرأة مسلمة تصوم لكنها لم تتعلم الصلاة وبعد الزواج علمتها الوضوء والصلاة وأصبحت تصلى ومضى على الزواج ثلاث وعشرين سنة فهل عدم صلاتها قبل الزواج يضر بالعلاقة الزوجية وعقد الزواج أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن عدم صلاتها يظهر لي من السؤال أنه كان عن جهل وليس عن تهاون وتكاسل ومثل هذه لا يحكم بكفرها فيكون عقد النكاح صحيحاً لا شبهة فيه ويدل لكون المرأة لم تدع الصلاة تكاسلاً وتهاوناً أنها لما علمها زوجها بها قامت تصلى على الوجه الذي علمها زوجها وعليه فإن نكاحك صحيح لا شبهة فيه وعلاقتك الزوجية معها علاقة صحيحة.
***(19/2)
جزاكم الله خيرا السائل كتب هذه الرسالة عبد الرزاق حسين يقول في هذا السؤال رجل نصح زوجته بالمواظبة على الصلاة فلم تمتثل فهل يمسكها أم يطلقها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الرجال قوامون على النساء كم قال الله عز وجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ومن المعلوم أن الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته فالواجب عليه أن يلزمها بالصلاة وأن يؤدبها على تركها فإن استقامت فهذا المطلوب وإن لم تستقيم وكانت لا تصلى أبدا فإنها كافرة والعياذ بالله لا تحل له لأن الكافر لا يحل للمسلم سواء ذكر أو أنثى بمعنى أن الكافرة لا تحل للمسلم وأن المسلمة لا تحل للكافر لقول الله تبارك تعالى وتبارك (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وحينئذ يجب عليه فراقها إذا عجز عن إلزامها بالصلاة ولكني أقول إذا كان هذا الأمر واقعاً حقاً فإني أوجه نصيحة لهذه الزوجة وأقول لها اتقي الله في نفسك وفي زوجك وفي أولادك إن كان لك أولاد منه اتقي الله عز وجل وارجعي إلى الرشد والهداية أقيمي الصلاة وآتي الزكاة كما أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك نسأل الله الجميع الهداية والتوفيق.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة يا فضيلة الشيخ تقول نحن نعلم أن طاعة الزوج واجبة على كل امرأة متزوجة إتباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أيما امرأةٍ ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) فهل هذا ينطبق على الزوج الذي يحافظ على صلاته والذي يهمل الصلاة كأن يصلى فرض ويترك عشرة فروض أرجو النصح والتوجيه في ذلك مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الزوج القائم بحقوق الله وحقوق الزوجية له حقٌ أعظم من الزوج المتهاون بذلك وللزوجة أن تقابل زوجها بما يعاملها به بمعنى أنه إذا أساء عشرتها فلها أن تسيء عشرتها معه بقدر ما أساء عشرته معها لقول الله تبارك وتعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ولقوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) لكن لا شك أن المصلحة في الصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل وترك المراغمة فإن هذا قد يؤدي إلى أن تكون الحال أحسن قال الله تعالى (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أما بالنسبة لتفريطه في حق الله عز وجل فهذا أمرٌ له شأنٌ آخر وعلى المرأة أن تنصح زوجها وأن تخاطبه بما تحصل به المصلحة والفائدة بدون توبيخٍ أو تأنيب أو ما أشبه ذلك لأن الزوج يرى أن له على زوجته درجة فإذا كلمته على سبيل التأنيب أو التوبيخ فقد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل الحق فعلى المرأة أن تستعمل كل أسلوبٍ تحصل به المصلحة وتزول به المفسدة أما إذا كان لا يصلى أبداً ثم نصحته ولكنه لم يقبل فحينئذٍ يجب عليها أن تفارقه لأنه يكون مرتداً ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تبقى تحت سلطان المرتد.
***(19/2)
السائلة أختكم أم عمار تقول بأنها فتاة متزوجة مشكلتها مع زوجها بأنه لا يؤدي الصلاة مع الجماعة ويفعل بعض الأشياء التي لا ترضي الله عز وجل تقول عملت على نصحه مراراً وتكراراً لكنه لا يقبل النصيحة مني وإذا قمت بنصحه قال لي جزاك الله خيرا وسكت ولم أجد منه تغييراً والسؤال هل يجوز البقاء مع مثل هذا الزوج تقول وقد صبرت لعله يعود إلى الله ويفتح على قلبه ولكنني لم أجد نتيجة مع أن لي أطفالاً ولا أريد أن يضيع هؤلاء الأطفال فهل أنا آثمة إن بقيت معه على هذه الحال مع أنني أدعو الله دائما بالصلاح والهداية له جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام الرجل لم يفعل ما يكفر به فالأولى أن تبقى معه وتناصحه حفاظا على الأولاد الصغار الذين معهم وأما إذا كان لا يصلى أبدا فهنا يجب عليها أن تفر منه فرارها من الأسد ويجب على الحاكم إذا ثبت عنده أن هذا الرجل لا يصلى أبدا أن يفرق بينهما وذلك لأن الذي لا يصلى كافر كفرا مخرجا عن الملة لا يحل له البقاء مع امرأة مؤمنة فإن قال قائل إن هذا يستلزم أن نفرق بين كثير من الأزواج وزوجاتهم قلنا هذا ليس بلازم لأننا نقول للزوج ارجع إلى الله تب إلى الله أسلم صلى وإذا فعلت ذلك فالزوجة زوجتك فإذا أبى إلا أن يدع الصلاة فهو الذي تسبب لنفسه في هذا الإحراج والواجب اتباع الشرع رضي من رضي وسخط من سخط والخلاصة أنه ما دام هذا الزوج الذي وصفته المرأة ما دام غير تارك للصلاة تركاً مطلقاً فإنها تبقى معه وتناصحه لعل الله يهديه أما إذا كان لا يصلى فإنه يجب التفريق بينهما على أي حال كان ما لم يرجع إلى الإسلام بالصلاة.
***(19/2)
حفظكم الله الأخت من اليمن تذكر بأنها فتاة ملتزمة تقدم لها شاب يريد الزواج منها وهو لا يصلى فوافقت على الزواج منه حيث إنها تقول بأنها سوف تصلح من أموره وستجعله شاب يصلى ويلتزم بأمور دينه فهل رأيها صحيح يا فضيلة الشيخ وهل يجوز لها أن توافق على هذا الزوج وترجو منكم النصح والتوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيها غير صحيح بل باطل لأن من لا يصلى كافر مرتد لا يجوز لأحد أن يزوجه حتى لو قدر أن أحدا يقول لعله يصلح في المستقبل نقول المستقبل علمه عند الله وقد يؤثر هو على زوجته المستقيمة فتنحرف فعلى كل حال نحن ليس لنا إلا ما بين أيدينا فإذا كان الرجل لا يصلى فإنه لا يحل لأحد أن يزوجه ابنته وحينئذٍ نقول لهذه المرأة لا تتزوجي هذا الرجل مهما كان ولا تقدري أنك ستصلحيه فيما بعد لأنه ليس لنا إلا ما بين أيدينا والمستقبل عند الله ثم إن هذا الاحتمال يرد عليه احتمال آخر وهو أنه قد يؤدي إلى انحراف المرأة المستقيمة وهنا تنبيه صغير وهو أني أحب أن يعبر الناس عن الرجل المستقيم على الدين بمستقيم لا بملتزم لأن هذا هو الذي جاء في القرآن كما قال عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) لم يقل ثم التزموا فالتعبير عن التدين بمستقيم هو المطابق للقرآن أحسن من كلمة الملتزم على أن الملتزم عند الفقهاء لها معنى آخر غير الاستقامة على الدين كما هو معروف في أحكام أهل الذمة وغير ذلك المهم أنني أحب أن يبدل الناس كلمة ملتزم بكلمة مستقيم لأنها هي اللفظة التي جاء بها القرآن.
***(19/2)
أحسن الله إليكم هذه أخت سائلة تقول يا فضيلة الشيخ أجبرني والدي على الزواج من ابن أخيه فرفضت هذا الزواج بحجة أن هذا الولد لا يصلى أبداً وأنا إنسانةٌ ملتزمة أريد شخص يعينني على ديني فقال أنا برئٌ منك إلى يوم الدين وقد أعطيت ابن أخي كلمة وإذا لم تتزوجيه فأنت عاقة عاقة وجهوني ماذا أعمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تبقي على ما أنتِ عليه من الامتناع عن التزوج بهذا الرجل الذي لا يصلى لأن الذي لا يصلى كافر ولا يحل لأحدٍ أن يزوج ابنته من لا يصلى أبداً لأن الكافر لا تحل له المسلمة قال الله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وإني أنصح هذا الوالد والدك أن يتقي الله عز وجل وأن لا يخون الأمانة وأن يعلم أنه مسئول عن ابنته إذا أجبرها على أن تتزوج بهذا أو بغيره حتى لو أنه خطبها رجلٌ من أكمل الناس ديناً وخلقاً وعقلاً وأكثرهم مالاً وأبت فليس له أن يجبرها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وقال (البكر يستأذنها أبوها) وأنصح الوالد أيضاً والدك إذا كان ما ذكرتِ عنه حقاً أن ينصح ابن أخيه على الصلاة ويحثه عليها ويخوفه من الله عز وجل فأرى أن تبقي على امتناعك وإذا غضب أبوك أو زعل أو قال أنت عاقة فلا يهم أنت لستِ بعاقة بل هو القاطع للرحم إذا أراد أن يجبرك على من لا تريدين فكيف وهو يريد أن يجبرك على رجلٍ كافر - نسأل الله العافية - ثم إني أنا أوجه النصيحة إلى هذا الخاطب أن يتقي الله عز وجل في نفسه وأن يصلى وأن يدخل في الإسلام من حيث خرج منه المسألة خطيرة والأدلة على كفر تارك الصلاة واضحة في القرآن والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم حتى إن بعض الأئمة كإسحاق بن راهويه نقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمعة مها ب. ع. من سوريا تقول في رسالتها لقد سمعت يا فضيلة الشيخ من برنامجكم بأنه لا يجوز للمصلىة الزواج من غير المصلى وفي عائلتنا لا يجوز للفتاة أن تتزوج إلا من أبناء عمومتها ولكن لا تجد صفات الرجل المستقيم المؤمن الذي يقوم بكافة العبادات المطلوبة بل يشرب الخمر والعياذ بالله مع العلم بأن الكثير من الفتيات عندنا يقمن بكافة العبادات المطلوبة فهل ترفض الزواج من ابن عمها وتبقى على ما هي عليه أم ترضخ لذلك على أمل أن تغيره في المستقبل أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول إنه لا يحل للمرأة المسلمة أن تتزوج برجلٍ لا يصلى لأن الرجل الذي لا يصلى كافرٌ كفراً مخرجٌ عن الملة ولقد ذكرنا في عدة حلقات دليل ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح ولا حاجة لإعادة هذه الأدلة لإمكان السامع أن يعود إليها في حلقات سابقة وإذا كان تارك الصلاة كافراً مرتداً خارجاً عن الإسلام فإنه لا يحل للمرأة المسلمة أن تتزوج به لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وهذه العادة التي أشارت إليها السائلة في قبيلتها أنهم لا يزوجون إلا من كان منهم عادةٌ غير سليمة بل هي مخالفة لما تقتضيه النصوص الشرعية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فمتى وجد الرجل الطيب المرضي في خلقه ودينه فإنه إذا خطب لا يرد لهذا الحديث الذي ذكرناه وأما إذا خطب المرأة من ليس كفئاً لها في دينه بحيث يكون متهاوناً في الصلاة أو شارباً للخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي العظيمة فإن لها الحق في أن ترده ولا تقبل النكاح به والحاصل أن الخاطب ينقسم إلى قسمين قسم لا يصلى فهذا كافر لا يجوز تزويج المسلمة به بأي حال من الأحوال ورجلٌ فاسق منهمك في المعاصي والكبائر فهذا أيضاً لها الحق في أن ترفض الزواج منه وأما قول السائلة إنها تتزوج به لعل الله يهديه فالمستقبل ليس إلينا فإنه قد يهتدي وقد لا يهتدي وربما يكون سبباً في ضلال هذه المرأة الصالحة ونحن معنيون بما بين أيدينا وأما المستقبل فلا يعلمه إلا الله عز وجل وكم من امرأة منتها الأماني مثل هذه الأمنية ولكنها باءت بالفشل ولم يستقم الزوج بل كان سبباً للنكد مع الزوجة الصالحة.
***(19/2)
فضيلة الشيخ هل يجوز للعالم أن يعقد للرجل الذي لا يصلى وإذا عقد له فهل عليه إثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرجل الذي لا يصلى كافر مرتد عن الإسلام فإن ترك الصلاة كفر بدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أما الكتاب فقد قال الله تبارك وتعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فاشترط الله تعالى لثبوت أخوتهم في الدين ثلاثة شروط التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وما ترتب على شرط سواء كان شرطا مفردا أو مرتبا فإنه يثبت بثبوته وينتفي بانتفائه ومعلوم أن المشركين إذا لم يتوبوا من الشرك فإنهم مشركون وليسوا إخوانا لنا في الدين وكذلك إذا لم يقيموا الصلاة فإنهم مشركون وليسوا إخوة لنا في الدين وكذلك إذا لم يؤتوا الزكاة فإنهم مشركون وليسوا إخوة لنا في الدين هذا ظاهر الآية ولكن إيتاء الزكاة قد دلت السنة أن مانعها لا يكفر كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فكونه يعذب على منع الزكاة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار يدل على أنه لا يكفر لأنه لو كفر لم يكن له سبيل إلى الجنة أما تارك الصلاة فإن ظاهر الآية أنه يكون كافرا مشركا وهو مؤيد بالسنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وقال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فهذان دليلان أحدهما من القرآن والثاني من السنة على كفر تارك الصلاة أما أقوال الصحابة فقد نقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر وممن نقله عبد الله بن شقيق التابعي المشهور حيث قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ونقله الإمام إسحاق بن راهوية ونقله ابن حزم رحمه الله عن بضعة عشر صحابيا وقال إنه لا يعلم له مخالفا فهذه ثلاثة أدلة القرآن والسنة وأقوال الصحابة، الدليل الرابع النظر الصحيح فإنه لا يمكن لإنسان في قلبه إيمان بالله ورسوله واليوم الآخر أن يحافظ على ترك الصلاة التي هي عمود الدين وهي أهم أعمال البدن لأن من حافظ على تركها مع عظمها ومنزلتها في الدين فليس في قلبه إيمان حتى وإن قال إنه مؤمن نقول إن الإيمان لو كان حقيقة في قلبك ما تركت الصلاة أبدا وقد تشبث من لا يرون كفر تارك الصلاة بأدلة منها ما هو ضعيف لا تقوم به حجة بانفراده فضلا عن أن يكون له معارض أصح ومنها ما لا دلالة فيه إطلاقا ومنها ما هو عام مخصوص بأدلة كفر تارك الصلاة ومنها ما صاحبه معذور حيث لا يعلم من الإسلام إلا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ومنها ما قيد بقيد يمتنع معه ترك الصلاة كحديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فإن من ابتغى بذلك وجه الله لا يمكن أن يدع الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ولنا في هذا رسالة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة من أحب أن يطلع عليها فليفعل لأن من تأمل الأدلة بعلم وعدل تبين له ذلك وعلى هذا فلا يحل لإنسان أن يعقد النكاح لرجل لا يصلى على امرأة مسلمة لأن الكافر لا يحل له أن يتزوج المسلمة بأي حال من الأحوال قال الله تبارك وتعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقال الله تبارك وتعالى (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) فلا يحل لولي المرأة من أب أو أخ أو عم أو غيرهم بأن يزوجها بمن لا يصلى مهما كانت أخلاقه مع الناس ومهما كان ماله فإن كفره يمنع أن يتزوج امرأة مسلمة والمأذون في النكاح الذي يكتب العقود لا يحل له أن يعقد النكاح لشخص لا يصلى على امرأة مسلمة متى علم ذلك.
فضيلة الشيخ: إذاً حفظكم الله يعني عاقد الأنكحة لا بد أن يتحرى من هذا المتقدم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه ذلك لأن الأصل أنه مسلم وأنه يصلى لكن إذا كان يعلم أنه لا يصلى فإنه لا يحل له أن يتمم العقد ويجب عليه أن ينصح أولياء المرأة من أن يزوجوا هذا الرجل.
***(19/2)
المستمع من جيزان يقول إنه يرغب الزواج من فتاة ارتضاها لنفسه لكن الوالد يقول غير موافق ويرغب بتزويجي من فتاة من أقربائه علماً بأنها لا تصلى ماذا عساي أن أفعل أرشدوني وأنصحوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا وإرشادنا للأخ السائل أن نقول أولاً إنه لا يحل للوالد أن يمنع ابنه من التزوج بامرأة يرتضيها لنفسه وأن يجبره على التزوج بامرأة لا يريدها ولكنها من أقارب الوالد وذلك لأن هذه الأمور من الأمور الخاصة بالإنسان نفسه والتي لا يملك نفسه فيها فلا يجوز أن يجبر على ما لا يريد وأن يمنع مما يريد هذا بالنسبة لأب هذا السائل أوجه النصيحة إليه بأن يدع ابنه على ما يريد أما بالنسبة للابن فإنه لا يلزمه طاعة والده في هذه الحال أي لا يلزمه أن يطيع والده في أن يتزوج امرأة لا يريدها وأن يدع امرأة يريدها فله أن يتزوج المرأة التي يريدها ولو كره والده إذا لم تكن هذه المرأة ذات خلل في دينها أو خلقها ولا سيما أن السائل يقول إن هذه المرأة التي يريد أبوه أن يتزوجها لا تصلى فإن المرأة التي لا تصلى لا يحل لأي مسلم أن يتزوج بها حتى تعود إلى الإسلام لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة فكما أنه لا يجوزلنا أن نزوج امرأة برجل لا يصلى فكذلك لا يجوز أن يتزوج إنسان بامرأة لا تصلى وخلاصة الجواب أنه لا يجوز للأب أن يكره ابنه أن يتزوج بامرأة لا يريدها أو أن يمنعه من التزوج بامرأة يريدها إذا كانت ذات خلق ودين ولا يلزم الإبن أن يطيع والده في ذلك وله أن يتزوج من يريد أو من يرغب في زواجها ولا يعد ذلك عقوقاً لوالده.
***(19/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ هذه أختكم في الله ن ج م تقول فضيلة الشيخ حفظكم الله امرأة تسأل وتقول بأنها كانت جاهلة وللأسف أنها فعلت الكثير من الكبائر ثم ندمت واستغفرت الله عز وجل ودعت الله عز وجل أن يرزقها بزوج صالح وبعد سنة تقريباً تزوجت من رجل صالح وبقيت معه سنوات ورزقهم الله بالولد وهذه المرأة بقيت تتذكر تلك الذنوب التقصير في حق الله عز وجل وتابت إلى الله والحمد لله والآن هي محتارة هل عقد الزواج صحيح أم لا وإذا كان غير صحيح هل يجدد هذا العقد مع أنها تقول أنا أحب زوجي ولا أستطيع فراقه.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة لم تفعل ما تخرج به من الإسلام وإنما هي معاصي وكبائر فعقد النكاح صحيح ولا يحتاج إلى تجديد عقد وتوبتها مما صنعت من المعاصي إذا كانت تامة الشروط فإنه لا أثر للمعاصي عليها لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وقد قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ) وقال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التوبة تَجبُّ ما قبلها ولكن لابد للتوبة من شروط خمسة:
الشرط الأول أن تكون خالصة لله بأن لا يحمل المرء على التوبة إلا قصد رضوان الله عز وجل والعفو عنه لا يقصد بالتوبة رياءً ولا سمعة ولا شيئاً من أمور الدنيا.
الشرط الثاني أن يندم على ما فعل من الذنوب وأن يتأثر نفسياً بذلك وأن يتمنى بقلبه أنه لم يفعل هذا الذنب.
الشرط الثالث أن يقلع عن الذنب فإن كان الذنب ترك واجب فليأت بالواجب إذا كان مما يشرع قضاؤه وإن كان فعل محرم فليقلع عن هذا المحرم ويدخل في ذلك ما إذا كان في حق آدمي فليوصل الحق إلى أهله.
الشرط الرابع أن يعزم على أن لا يعود إلى الذنب مرة أخرى وليس الشرط أن لا يعود بل أن يعزم أن لا يعود فإذا عزم أن لا يعود ثم عاد فيما بعد لم تنتقض التوبة الأولى ولكن عليه أن يجدد التوبة للعود.
الشرط الخامس أن تكون التوبة في زمن قبولها لأن التوبة يأتي زمن لا تقبل فيه وذلك فيما إذا حضر الموت فإنه إذا حضر الموت لا تقبل التوبة لقوله الله تبارك وتعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) ولما أدرك فرعون الغرق (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فقيل له (أَالآنَ) يعني الآن تتوب (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ) وكذلك لا تقبل التوبة إذا طلعت الشمس من مغربها لقول الله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) وقد فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بأنه طلوع الشمس من مغربها وفي قولنا يشترط أن تكون التوبة قبل حلول الأجل دليل واضح على أنه يجب على الإنسان أن يبادر بالتوبة لأنه ما من إنسان يعلم أنه يموت في وقت معين ولا في مكان معين لقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فالإنسان لا يدري متى يأتيه الموت كم من إنسان مات وهو يحدث أصحابه وكم من إنسان مات وهو نائم على فراشه وكم من إنسان مات وهو آخذ بطارة السيارة وكم من إنسان مات وهو يمشي في الشارع وهذا يوجب أن يبادر الإنسان بالتوبة قبل أن لا ينفعه الندم أسأل الله أن يتوب علينا جميعا وأن يوفقنا للتوبة النصوح.
***(19/2)
يقول الله عز وجل (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) إلى آخر الآية فنجد في هذه الآية أن الله عز وجل يمنع المؤمنين والمؤمنات من التزوج من المشركين والمشركات فإذا كان اليوم نجد بعض من المسلمين يعمل عمل المشركين وينطق بالشهادة مثلاً منهم من يدعوا غير الله ويستعين بغير الله ويذبح لغير الله فهل يجوز الزواج من أبناءهم وبناتهم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال جيد ومفيد نقول إن هؤلاء المشركين الذين يدعون غير الله وينذرون لغير الله ويسجدون لغيره ويستغيثون بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله هؤلاء مشركون ولا يجوز لأحد أن يتزوج منهم إذا كانوا على هذا الوصف ولا أن يُزوج أحداً منهم استدلالاً بالآية الكريمة (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) وهذا مع الأسف موجود بكثرة في بعض البلاد الإسلامية من غير أن يتفطن له أحد وجزى الله الأخ السائل خيراً على هذا السؤال لأنه ينتبه به كثير من الناس ويلتحق بالمشركين المرتدون بغير الشرك كمن لا يصلى مثلاً فإن من لا يصلى كافر لأدلة سبق لنا الكلام فيها مراراً في هذا البرنامج وإذا كان كافراً فإنه لا يجوز أن يزوج حتى يعود إلى الإسلام بالصلاة وكذلك أيضاً لا يجوز للمؤمن أن يتزوج امرأة لا تصلى لأنها كافرة وقد قال الله تعالى في الكفار (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) كما أن الإنسان المتزوج بمسلمة وهو مسلم إذا إرتد عن الإسلام وترك الصلاة فإن نكاحه من زوجته ينفسخ ولا تحل له ويجب التفريق بينه وبينها ويجب أيضاً على ولاة الأمور قتل هذا المرتد الذي ترك الصلاة إلا أن يتوب ويأتي بالصلاة ولا فرق بين من يتركها تهاوناً وكسلاً أو يتركها جاحداً لوجوبها لأن جحد الوجوب كفر ولو صلى الإنسان وبعض الناس يظنون أن قول أهل العلم إن تارك الصلاة يكفر أنه إذا تركها جحداً لوجوبها وليس الأمر كذلك فالقائلون بتكفير تارك الصلاة يقولون بتكفيره لتركها لا لجحده لوجوبها ويقولون أيضاً هم وغيرهم إن من جحد وجوب الفرائض الخمس فهو كافر ولو صلاها إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام لا يدري عن حكمها فهذا يُعَّرف ولا يكفر بمجرد جحده لأنه جاهل.
***(19/2)
أحسن الله إليك هذا عبد الله آدم عبد الله يقول ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ سب الدين وهل تطلق الزوجة من زوجها إذا سب الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا سب دين الإسلام فهو كافر لأن سب دين الإسلام سبٌ لله ورسوله ولكتابه وقد قال الله تبارك وتعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) واختلف العلماء رحمهم الله فيمن سب الله ورسوله هل تقبل توبته أم يقتل بكل حال والصحيح أن توبته تقبل لكن من سب الله وتاب قبلنا توبته ولم نقتله لقول الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ) وأما من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نقبل توبته إذا تاب ولكن نقتله لحق الرسول صلى الله عليه وسلم إنما في هذه الحال نقتله على أنه مسلم فنغسله ونكفنه ونصلى عليه وندفنه مع المسلمين فإن قال قائل كيف تقولون لا نقتل من سب الله إذا تاب ونقتل من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن المعلوم أن حق الله أعظم من حق الرسول وحرمة الله أعظم من حرمة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالجواب أن الله تعالى أخبرنا عن نفسه أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهو حقه عز وجل وقد عفا عنه أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإننا لا نعلم أيعفو عمن سبه أو لا وقد سبه أناس في حياته وعفا عنهم ولكن بعد موته لا ندري أيعفو أم لا فنقتله أخذاً لثأر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(19/2)
المستمع محسن عبد القادر رزق من جمهورية مصر العربية يقول لو قطع أحد الزوجين الصلاة بعد عقد القران أكثر من ثلاثة أيام هل يبطل العقد ثانية ولو تكرر من أحدهما أو كلاهما قطع الصلاة أكثر من ثلاثة أيام ثلاث مرات ولو تكاسلاً فما الحكم في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال مهم جداً لأن حاجة الناس إلى معرفته من أهم ما يكون وهو مبني على القول بكفر تارك الصلاة وهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم فذهب بعضهم إلى أن ترك الصلاة لا يوجب الكفر وإنما هو فسق من جملة الفسوق ثم اختلف هؤلاء القائلون بذلك فمنهم من قال إنه يدعى إلى الصلاة فإن صلى وإلا قتل حداً ومنهم من قال إنه لا يقتل بل يعزر وذهب بعض أهل العلم إلى أن تارك الصلاة يكفر كفراً أكبر مخرج عن الملة.
والميزان عندما يختلف أهل العلم في حكم مسألة من المسائل هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وبين الله سبحانه وتعالى لنا كيف يكون ذلك التحاكم فقال (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ولا عبرة بقول الأكثر إذا كان قد دل الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على رجحان قول الأقل لأن قوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ) يشمل ما إذا كان المتنازعان مستويي الطرفين أو كان أحدهما أقل أو أكثر وإذا رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجدنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة أما كتاب الله فاستمع إليه حيث يقول سبحانه وتعالى (فَإِنْ تَابُوا) يعني المشركين من الشرك (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) هذه الآية تدل على أن من لم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس أخاً لنا في الدين كما أنه إذا لم يتب من الشرك فليس أخاً لنا في الدين وذلك أن الله رتب الأخوة في الدين على شرط متكون من ثلاث صفات وهي التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن المعلوم أن ما توقف على شرط فإنه لا يتحقق إلا بوجود ذلك الشرط فالأخوة في الدين لا تتحقق إلا باجتماع هذه الأوصاف الثلاثة فلو أنهم تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين ولو تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسو إخوة لنا في الدين هذا ما تدل عليه هذه الآية الكريمة المكونة من شرط وجزاء ولا يمكن أن تنتفي الأخوة الدينية إلا بالخروج من الدين. فالأخوة الإيمانية لا يمكن أن تنتفي بمجرد المعاصي ولو عظمت وليستمع السائل إلى قوله تعالى في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) ومن المعلوم أن قتل المؤمن من أكبر الذنوب حتى إن الله قال فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وإذا كان هذا الذنب العظيم لا يخرج من الإيمان دل هذا على أن الذنوب لا تخرج من الإيمان وأنه لا يخرج من الأخوة الإيمانية إلا ما كان كفراً.
كذلك استمع إلى قول الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ومعلوم أن قتال المؤمن لأخيه من كبائر الذنوب حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام جعله كفراً فقال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن هذا ليس كفراً مخرجاً عن الملة لثبوت الأخوة الإيمانية معه ولو كان مخرجاً من الملة ما ثبتت الأخوة الإيمانية معه. إذن فالمعاصي لا تخرج الإنسان من الأخوة الإيمانية ولا يخرجه من الأخوة الإيمانية إلا الكفر وإذا رجعنا إلى آية براءة التي استدللنا بها على كفر تارك الصلاة وجدنا أنها تدل على من لم يصل فقد انتفت منه الأخوة الإيمانية فيكون حينئذٍ كافراً كفراً مخرجاً عن الملة.
فإن قال قائل الآية فيها (وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وهذا يدل على أن من لم يزك فهو كافر أيضاً قلنا نعم وقد قال بذلك بعض أهل العلم بأن من لم يزك ولو بخلاً فإنه يكون كافراً ولكن الأدلة تدل على أن هذا قول مرجوح وأن من لم يزك فقد تعرض لعقوبة عظيمة ولكنه لا يخرج من الإيمان ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كل ما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وحقها هو الزكاة كما تفيده الرواية الأخرى وإذا كان هذا المانع للزكاة يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار دل على أنه لا يكفر لأنه لو كفر كفراً مخرجاً عن الملة لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم الآية الكريمة ومن القواعد المقررة في أصول الفقه أن المنطوق مقدم على المفهوم.
وأما الأدلة من السنة على كفر تارك الصلاة فما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر والشرك وبين المؤمنين والكافرين والحد الفاصل إذا تجاوزه الإنسان فقد خرج من الدائرة الأولى إلى الدائرة الثانية وعلى هذا فإن من لم يصل فقد خرج من الإيمان إلى الكفر وخرج من المسلمين إلى الكافرين.
وأما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنه قد نقل إجماعهم الإمام إسحاق بن راهويه، وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وكان من التابعين قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة وهذا نقل لإجماعهم.
وكما دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنه قد دل عليه العقل والنظر فإن أي إنسان يؤمن بما لهذه الصلاة من الأهمية والعناية لا يمكن أن يحافظ على تركها وفي قلبه شيء من الإيمان فالصلاة كما هو معلوم فرضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بدون واسطة من الله جل وعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان يصل إليه بشر وفي أفضل ليلة للرسول صلى الله عليه وسلم وفرضها الله على عباده خمسين صلاة في اليوم والليلة حتى خففها عنهم بفضله وكرمه فصارت خمس صلوات بالفعل وخمسين في الميزان وهذا يدل على عناية الله بها وأنها متميزة عن باقي الأعمال بميزات عظيمة فما أجدرها وأحراها بأن يكون تركها كفراً بالله عز وجل ولا يمكن أن يكون في قلب إنسان عرف أهمية الصلاة ومنزلتها أن يدعها ويحافظ على تركها.
وإذا كان قد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على كفر تاركها فإنني قد تأملت أدلة من قالوا بعدم التكفير فوجدتها لا تخلو من أحوال أربع إما أنه لا دلالة فيها بوجه من الوجوه وإما أنها مقيدة بمعنى لا يمكن معه ترك الصلاة وإما أنها وردت في حال يعذر فيها بترك الصلاة وإما أنها عامة خصصت بأدلة كفر تارك الصلاة وحينئذ فيتعين القول بكفر تارك الصلاة ومن العجب أنهم أجابوا عن الأدلة الدالة على كفر تاركها بأن حملوها على أن من تركها جحداً وهذا الحمل لا شك أنه ضعيف لأنهم إذا حملوها على من تركها جحداً فقد ألغوا الوصف الذي اعتبره الشرع وهو الترك وأتوا بوصف لم يعتبره الشارع. فإن الشارع لم يقل من جحدها بل قال من تركها والنبي عليه السلام أعلم الناس بما يقول وأفصحهم فيما ينطق به وأنصحهم فيما يريد عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يريد مَنْ جحدها ثم يعبر عن ذلك بالترك لما علم من الفرق العظيم بين الجحد وبين الترك ثم نقول مجرد الجحد كفر ولو صلى فإن الإنسان لو جحد فرضية الصلوات الخمس وهو يصلىها ويحافظ عليها كان كافراً وحينئذ يكون قوله عليه الصلاة والسلام (من تركها) لا قيمة له إطلاقاً إذا حملناه على الجحد ثم نقول أيضاً حجد الصلاة موجب للكفر بلا شك لكن جحد الزكاة أيضاً موجب للكفر وجحد الصيام موجب للكفر وجحد الحج - أي فرضيته - موجب للكفر فهلا قال النبي عليه الصلاة والسلام فمن ترك الزكاة ومن ترك الصيام ومن ترك الحج إذن فحمل الترك هنا على الجحود لا شك أنه ضعيف مردود ويجب أن تبقى الأدلة على ما وردت عليه وبناء على ذلك نقول إذا تزوج الرجل الذي لا يصلى امرأة مسلمة فإن نكاحه باطل وقد أجمع المسلمون على أن المسلمة لا تحل لكافر كما دل على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقد اشتبه على بعض الناس هذه المسألة حتى ظنوا أنها من جنس "الكافرين إذا أسلما فإنه لا يجب إعادة نكاحهما" وهذا ليس كذلك فإن الكافرين الأصل بقاء نكاحهما على ما كان عليه وكلاهما كافر وأما هذا فهو بين كافر ومسلمة أو بين مسلم وكافرة إذا كان الزوج يصلى وهي لا تصلى فبينهما فرق عظيم والمرتد ليس كالكافر الأصلى كما هو معلوم عند أهل العلم وعلى هذا فلا يصح القياس بل هو من الشبهة التي قد تعرض لبعض الناس فنقول إذا تزوج الرجل الذي لا يصلى بامرأة تصلى فإن النكاح باطل لا يصح فإن هداه الله تعالى إلى الإسلام وصلى وجب إعادة عقد النكاح من جديد أما إذا طرأ عليه ترك الصلاة بعد النكاح مثل أن يتزوجها وهو يصلى وهي تصلى ثم بعد ذلك والعياذ بالله ترك الصلاة فإن النكاح ينفسخ ويبقى الأمر موقوفاً إلى انقضاء عدتها فإن عاد إلى الصلاة قبل أن تنقضي العدة فهي زوجته وإن بقي تاركاً للصلاة حتى انقضت عدتها فإنه يتبين انفساخ النكاح من حين ترك صلاته ولها أن تتزوج بغيره فإن بقيت على عدم الزواج تنتظر لعل الله يهديه فيصلى ثم صلى بعد ذلك فلها أن ترجع إليه ولو بعد انتهاء العدة على القول الصحيح الراجح.
أما ما ذكره السائل من كونه ترك الصلاة ثلاثة أيام أو نحوه فإنه لا يكفر بهذا لأن ظاهر الأدلة أن من تركها تركاً مطلقاً وأما كونه يصلى يوماً ويدع يوماً أو يصلى صلاة ويدع صلاة مع إقراره بفرضيتها فإنه لا يكفر بذلك وعلى هذا فلا ينفسخ النكاح ولكن يجب أن يؤمر هذا بالصلاة ويؤدب على تركها حتى يستقيم ويصلى جميع الصلوات.
فضيلة الشيخ: إن كان الزوجان وقت عقد النكاح كلاهما لا يصلىان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوجان كلاهما لا يصلىان وقت العقد فإن العقد لا يصح أيضاً وقد ذكر أهل العلم أن المرتد لا يصح أن يتزوج بمرتدة وعلى هذا فيكون نكاحهما جميعاً باطل.
فضيلة الشيخ: ألا يقاس في مثل هذه الحالة على نكاح الكفار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يقاس في مثل هذه الحالة على نكاح الكفار لأن حكم الكافر الأصلى غير حكم الكافر المرتد إذ أن الكافر المرتد كان مطالباً بالتزام أحكام الإسلام فيجب أن يطبق النكاح على ما تقضيه الشريعة من أن يكون في حال يصح منه ذلك بخلاف الكافر الأصلى.
فضيلة الشيخ: عندما يجوز تجديد العقد بين الزوجين في مثل هذه الحالة ألا يؤثر على شرعية الأولاد والعشرة الماضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوج حين تزوجها في حال لا يصح منه نكاحها وهو يعتقد أن النكاح صحيح فإن الأولاد الذين خلقوا من مائه يعتبرون أولاداً شرعيين لأن أكثر ما يقال فيهم أنهم من وطء شبهة، ووطء الشبهة يلحق به النسب كما ذكره أهل العلم وحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية إجماعاً.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة من علي عبده من جهورية مصر العربية يقول أنا شاب مصري أعمل بالمملكة متزوج منذ عامين ولي ابنة ووالد زوجتي لا يصلى لكنه غير منكر بأن الصلاة فرض من فروض الإسلام مع أن زوجته متدينة وملتزمة بقواعد الدين الإسلامي وآدابه وبالطبع فقد كان والدها وكيلاً لها أثناء الزواج فهل يكون هذا الزواج صحيحاً والعقد صحيحاً وإذا لم يكن الزواج صحيحاً فماذا أفعل أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صحة الزواج بعقد هذا الولي الذي لا يصلى تنبني على اختلاف أهل العلم في تارك الصلاة فمن قال إن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وإن كان مقراً بوجوبها فإنه يرى أن العقد في هذه الحال لا يصح وأنه يجب عليك أن تعيد العقد على زوجتك من جديد لأن الكافر لا يصح أن يكون ولياً للمسلمة، ومن رأى أن تارك الصلاة مع إقراره بوجوبها لا يكفر كفراً مخرجاً عن الملة فإن هذا العقد عنده صحيح إلا عند من يرى أنه يشترط في الولي العدالة فإن العقد أيضاًَ ليس بصحيح لأن هذا الولي ليس بعدل بل هو فاسق من أفسق الفاسقين والعياذ بالله والقول الراجح في هذه المسألة أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً كافر كفراً مخرجاً عن الملة وذلك لدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح على كفره.
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى اشترط لكون المشركين إخوة لنا في الدين ثلاثة شروط التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإذا تخلفت هذه الشروط أو واحد منها لم تتحقق الأخوة في الدين والأخوة في الدين لا تنتفي إلا بما يخرج عن الملة فالمعاصي لا تخرج الإنسان من الأخوة في دين الله ودليل ذلك أن من أعظم المعاصي قتل نفس المؤمن وقد سمى الله تعالى القاتل أخاً للمقتول في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) وقوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وقتال المؤمن لأخيه من أعظم المعاصي والفسوق إذن فمن لم يصل فليس بأخ لنا في دين الله فيكون كافراً وأما قوله تعالى (وَآتُوا الزَّكَاةَ) فهذا الشرط الثالث قد دلت السنة على أنه لا يكفر من تخلف هذا الشرط في حقه فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر عقوبة مانع الزكاة قال (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وكونه يرى إلى سبيله الجنة يدل على أنه لا يكفر.
ومن أدلة السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) .
وأما أقوال الصحابة فقد قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وأما النظر الصحيح فلأن من عرف قدر الصلاة في الإسلام وعناية الله تعالى بها وأهميتها لا يمكن أن يدعها تركاً مطلقاً ومعه شيء من الإيمان فالقول الراجح هو أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً لا يصلىها أبداً كافر كفراً مخرجاً عن الملة وإن كان يعتقد وجوبها وعلى هذا فإني أنصحك أن تعيد عقد النكاح الذي عقده لك هذا الرجل الذي لا يصلى حتى تكون على بينة من أمرك وتطمئن نفسك.
***(19/2)
المستمع محمد أمين من الأردن أربْد يقول أسأل فضيلتكم عن صحة عقد الزواج أولاً عندما تكون المخطوبة لا تصلى مع التزامها بالحجاب والآداب وبعد الزواج أصبحت تصلى مع العلم أن الخاطب يصلى، ثانياً عندما يكون الخاطب لا يصلى والمخطوبة تصلى. ثالثاً عندما يكون كلا الزوجين لا يصلىان. رابعاً عندما يكون ولي أمر الزوجة لا يصلى وأخيراً ما هي شروط شاهد العقد وفي حالة أنهم لم يصلوا ما الحكم في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأمور أربعة كلها تتعلق بعقد النكاح الأمر الأول إذا كانت المخطوبة لا تصلى ولكنها ملتزمة بالحجاب وغيره من شرائع الإسلام وكان الخاطب يصلى وبعد أن تم العقد تابت المخطوبة وقامت بالصلاة والجواب على هذا الأمر أن العقد في هذه الحال ليس بصحيح لأن المرأة التي لا تصلى كافرة كفراً مخرجاً عن الملة على القول الراجح والكافرة كفراً مخرجاً عن الملة لا يحل للمسلم أن يتزوجها فإن فعل فالنكاح باطل لاتحل به المرأة ولا تترتب عليه أحكام النكاح لقول الله تعالى في المهاجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وعلاج ذلك أن يعاد العقد مرة أخرى بعد أن تصلى حتى يكون العقد من مسلم على مسلمة.
وهكذا الأمر الثاني الذي ذكره السائل وهو إذا كان الخاطب لا يصلى والمخطوبة تصلى ثم تم العقد وصار الخاطب يصلى فإننا نقول إن العقد لا يصح لأنه عقد من غير مسلم على مسلمة وعقد غير المسلم على المسلمة غير صحيح وعلاج ذلك أن يعاد العقد مرة أخرى بعد أن يلتزم الخاطب بالصلاة.
الأمر الثالث إذا كان كل من الزوجين لا يصلى أي أن كل واحد منهما مرتد عن الإسلام ثم عُقِدَ لهما النكاح فهذا محل توقف عندي لأنني إذا رجعت إلى كلام الفقهاء رحمهم الله وقولهم إن المرتد لا يصح نكاحه سواء كان رجلاً أم امرأة فإن هذا يقتضي أن نكاح المرتدين غير منعقد لكونه وقع من غير أهل للعقد وهذا هو ظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله وإذا نظرت إلى أن الكافرين الأصلىين يصح النكاح بينهما وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أنكحة الكفار ولم يبطل منها شيئاً مع أنها وجدت في حال كفر الزوج والزوجة أقول إذا نظرت إلى ذلك أوجب لي أن أقول إن العقد بينهما صحيح والاحتياط في مثل هذه الحال أن يعاد العقد فإن ذلك أبرأ للذمة وأبعد عن الشبهة.
وأما الأمر الرابع وهو عندما يكون ولي أمر المرأة لا يصلى فإن النكاح أيضاً لا يصح وذلك لأن هذا الولي الذي لا يصلى كافر ولا ولاية لكافر على مسلمة وعلاج ذلك أن يقال للولي إما أن تعود إلى الإسلام وتلتزم بالصلاة وتقوم بها وإما أن يزوجها ولي آخر وهو من كان أقرب فأقرب.
وأما الأمر الخامس وهي شروط شاهدي العقد فيشترط في شاهدي العقد في النكاح ما يشترط في الشهادات الأخرى من كون الشاهدين ممن نرضى من الشهداء.
***(19/2)
مستمع رمز لاسمه بـ م. ج. ع. مقيم في الأردن للعمل يقول إذا تزوج رجل من فتاة تاركة للصلاة فلا بد أن يكونوا محافظين على الصلاة حتى يكون زواجهم على سنة الله ورسوله وسؤالي هنا بالنسبة لتجديد عقد الزواج هل هو العقد الكتابي الذي كتبه المأذون بالتاريخ القديم الذي تم تسجيله بسجلات الأحوال الشخصية بالسجل المدني أم عقد النكاح الذي يدور بين الزوج وولي الأمر والشهود ويكون بدون عقد كتابي خطي ويبقى العقد القديم كما هو أفيدونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقول فيه السائل إن هذا العقد الذي تم من مسلم على امرأة لا تصلى أو من شخص لا يصلى على امرأة تصلى عقد غير صحيح وصدق في أنه عقد غير صحيح ذلك لأنه بين مسلم وكافر والعقد بين مسلم وكافر غير صحيح إلا إذا كانت الزوجة من أهل الكتاب والرجل مسلم وإنما قلنا بين مسلم وكافر لأن تارك الصلاة كافر كفراً مخرج عن الملة على القول الراجح من أقوال أهل العلم بدلالة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والنظر الصحيح.
أما من كتاب الله فقد قال الله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وجه الدلالة من الآية أن الله جعل الأخوة في الدين مشروطة بشروط ثلاثة أن يتوبوا من الشرك وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة ومن المعلوم أن ما علق على شروط فإنه لايتم إلا بوجودها وعلى هذا فالأخوة في الدين تنتفي إذا انتفى واحد من هذه الشروط والأخوة في الدين تثبت مع المعاصي ولو كانت كبيرة ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص الذي لا يثبت إلا بقتل العمد (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) والقتل العمد من كبائر الذنوب قال الله تعالى فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع هذا فالأخوة بين القاتل والمقتول ثابتة بنص هذه الآية وقال الله تعالى في الطائفة التي تصلح بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا قال الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مع أن قتال المؤمنين بعضهم بعضاً من كبائر الذنوب بل قد أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر فقال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فلنرجع إلى الآية التي ذكرنا أنها دليل على كفر تارك الصلاة لنبين وجه دلالتها قال الله تعالى (فَإِنْ تَابُوا) أي من الشرك (وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) أي أتوا بها قائمة على الوجه المطلوب منهم (وَآتَوْا الزَّكَاةَ) أعطوها لمستحقيها فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فليسوا إخوة لنا في دين الله ويعني ذلك أنهم كافرون وإلا لكانوا إخوة لنا وإن عملوا معصية فإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا وإن تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في ظاهر الآية الكريمة ولكن قد دلت السنة على أن من ترك الزكاة تهاوناً وبخلاً فإنه لا يكفر ولكنه يعذب بعذاب عظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا الحديث يدل على أنه ليس بكافر لأن الكافر ليس له سبيل إلى الجنة فتبقى الآية دالة على أنه إن بقوا على كفرهم وشركهم فهم الكفار وإن لم يقيموا الصلاة فإنهم كفار.
وأما من السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله وقال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أصحاب السنن من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر ومن المعلوم أن الحد يفصل بين المحدودين وأن المحدودين لا يدخل أحدهما في الآخر بل كل منهما منفرد بنفسه وهذا يدل على أنه لا إيمان مع تارك الصلاة.
وأما أقوال الصحابة فقد قال عمر رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة والحظ النصيب و (لا) هنا نافية للجنس فنفيها عام وشامل وإذا لم يكن للإنسان حظ في الإسلام لا قليل ولا كثير كان ذلك دليلاً على كفره لأنه لو كان فيه إيمان لكان له حظ من الإسلام بقدره وكذلك روي عن غير عمر من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على كفر تارك الصلاة بل قد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ونقل إجماع الصحابة عليه إسحاق بن راهويه أحد الأئمة المشهورين.
وكما أن هذا مقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح فإنه لا يمكن لإنسان في قلبه أدنى حبة خردل من إيمان عَرَفَ عظم الصلاة وقدرها عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المسلمين عموماً وما يترتب على فعلها من الثواب وعلى تركها من العقاب لا يمكن لمن عرف ذلك وفي قلبه أدنى حبة خردل من إيمان أن يحافظ على تركها ويدعها لا يصلىها لا ليلاً ولا نهاراً لا في المسجد ولا في غيره وإذا كان هذا مقتضى الأدلة الأربعة التي أشرنا إليها الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح وهي أدلة سالمة من المعارض المقاوم لأن الأدلة المعارضة لها لا تخلو من أربع أحوال أما ألا يكون فيها دليلاً أصلاً على أن تارك الصلاة لا يكفر وأما أن تكون مقيدة بوصف يمتنع معه ترك الصلاة وأما تكون مقيدة بحال يعذر فيها بترك الصلاة وأما أن تكون عامة مخصوصة بأدلة كفر تارك الصلاة فهي إذاًَ أدلة غير مقاومة للأدلة المقتضية لكفر تارك الصلاة ومتى وجد الدليل قائماً وسالماً عن المعارض المقاوم وجب الأخذ به ومسألة التكفير بالفعل أو الترك مسألة لا يحكم فيها إلا الله ورسوله إذ أن التكفير حكم من أحكام الشريعة ليس للعباد فيه مدخل وإنما يقول به العباد بمقتضى فهمهم وعلمهم من نصوص الكتاب والسنة فإذا تبينت النصوص وجب علينا أن نقول بمقتضاها ولا يسوغ لنا أن نخالفها للوم لائم أو محاباة أحد من الناس بل علينا أن نقول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة ونحن لو قلنا بذلك فسوف يقوم الناس على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبناء على ما سبق فإذا تزوج رجل لا يصلى بامرأة مسلمة فإن الزواج غير صحيح وإذا تزوج رجل مسلم بامرأة لا تصلى فإن النكاح أيضاً غير صحيح ويجب إعادة العقد إذا تاب من ترك الصلاة ودخل في دين الله سواء أعيد العقد بمقتضى النظام المتبع وبأن يكون إعادته على يد مأذون معترف به أو أعيد العقد بحضور الولي والشهود وإن لم يكن عن طريق المأذون المهم أن يعاد العقد على وجه شرعي صحيح.
***(19/2)
رسالة طويلة جداً من الحائرة التي تطلب أن يهديها الله إلى سواء السبيل س. م. س. من مصر تقول في رسالتها أعمل معلمة وأنا متدينة ولله الحمد وأرتدي الحجاب الشرعي منذ فترة طويلة وألتزم بتعاليم الإسلام من أقوال وأعمال وأحفظ كثيراً من القرآن الكريم اضطرتني الظروف للزواج من رجل لا يصلى ولا يصوم ولا يزكي جاءتني إعارة إلى إحدى الدول العربية فذهبت وأعمل في هذه الدولة في مدرسة بنات فقط والذين يقومون بالتدريس في هذه المدرسة معلمات فقط فأرجو عرض رسالتي هذه على فضيلة الشيخ وهي هل عملي كمعلمة حرام وإذا كان حراماً فمن الذي سيعلم البنات ويخرج الطبيبات والأمهات المثقفات المتدينات علماً بأنني ناجحة جداً ولله الحمد في عملي ومخلصة لله تعالى فيه وأؤديه على أكمل وجه وأغرس في نفوس طالباتي تعاليم الإسلام الحنيف ثانياً إعارتي بدون محرم حرام لأنني أعرف أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تخرج المرأة في سفر ثلاث ليال إلا مع ذي محرم) علماً بأننا نقيم في سكن مستقل وفي مدرسة بنات فقط ولا نختلط بالرجال وأنا أراقب الله عز وجل وليس لي عمل إلا التدريس والصلاة وقراءة القرآن وقد قبلت الإعارة لأبني بيتاً مستقلاً وأقيم فيه بعيداً عن زوجي الذي لا يصلى لأنه ليس لي رزق إلا عملي سمعت في برنامجكم نور على الدرب أن زواجي من هذا الرجل باطل لأنه يعتبر كافراً وأنا متزوجة منذ سبع سنين ومعي طفلة منه وعندما علمت بذلك طلبت منه الطلاق وحاولت معه الخلاص بكل السبل ولكنه يرفض تماماً أن يطلقني فماذا أفعل وعقده عليّ يعتبر باطلاً وقد عاشرني تقريباً سبع سنين. نقطة أخيرة تقول فلوس الإعارة تعتبر حرام أم حلال علماً بأنني أحلل هذه النقود التي أحصل عليها بقيامي بعملي على أتم وجه وما يرضي الله أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال كما قرأت سؤال طويل لكنه يتلخص في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى زواجها من هذا الرجل الذي كان لا يصلى ولا يصوم ولا يزكي.
والثانية سفرها بلا محرم.
والثالثة جواز أخذ المرتب على الإعارة.
أما الأول وهو تزوجها بهذا الرجل الذي لا يصلى ولا يزكي ولا يصوم فإنه كما ذكرت زواج باطل لأنه - أي الرجل المذكور - لا يصلى ومن لا يصلى فهو كافر مرتد عن الإسلام والكافر المرتد عن الإسلام لا يحل أن يزوج بمسلمة لقوله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) وبناء على ذلك فإنه يجب عليها الخلاص منه بكل وسيلة حتى وإن تغيبت عنه وتركته إلا أن يهديه الله عز وجل للإسلام ويصلى فإن هداه الله وصلى فإن العقد يعاد من جديد لأن العقد الأول غير صحيح.
أما النقطة الثانية وهي سفرها بلا محرم فإن ذلك أيضاً لا يجوز لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإنني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال انطلق فحج مع امرأتك) فليكن معها أحد من محارمها من أخ أو عم أو خال أوأب إن كان.
وأما النقطة الثالثة وهي أخذها المرتب فإنه لا بأس به ولا حرج عليها في ذلك لاسيما وأنها تذكر عن نفسها أنها قائمة بالعمل على الوجه المطلوب الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذه السائل ع ع من جمهورية مصر العربية يقول السائل لي بعض الأقارب لا يهتمون بالصلاة وذلك لجهلهم لأنهم لا يعرفون فضل هذه الصلاة ولي مجموعة من الأخوات من النساء تزوجن من هؤلاء الرجال الذين لا يصلون فما حكم الإسلام في هذا الزواج وأخواتي اللاتي تزوجن من هؤلاء الرجال الذين لا يصلون إلا قليلا لأنهم يقولون يجهلون ذلك ماذا علينا تجاه هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانوا لا يصلون إلا قليلا فيعني هذا أنهم يصلون ويخلون وهذا لا يؤدي إلى الكفر لأنهم لم يتركوا الصلاة أصلا إنما يتهاونون في بعض الأوقات فليسوا كفاراً وحينئذ يكون نكاحهم صحيحا أما إذا كانوا لا يصلون أبداً فنرجع ذلك إلى القضاة في بلدهم، وأنصح هؤلاء الرجال بأن يقوموا لله عز وجل وأن يعبدوه وأن يعلموا أن الصلاة عمود الدين فإذا كان البناء لا يقوم إلا بأعمدة فالإسلام لا يقوم إلا بالصلاة وأقول لهم إن الذي لا يصلى أبداً قد قام الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس الصحيح والنظر الصحيح على أنهم كفار ولنا في هذا رسالة مختصرة مفيدة لو رجعوا إليها لعل الله يفتح عليهم وحتى لو قلنا إنه ليس بكافر فهو أعظم من الزنا والسرقة وشرب الخمر ومعلوم أنهم يربأون بأنفسهم أن يشربوا الخمر أو يزنوا أو يسرقوا إلا من شاء الله منهم فإذا كانوا يربأون بأنفسهم عن فعل هذه الفواحش فليربأوا بأنفسهم عن ترك الصلاة والحقيقة أن الذي يوجب التهاون في الصلاة هو أن الإنسان لا يشعر بروح الصلاة لا يشعر بأنه واقف بين يدي الله عز وجل الذي هو أحب شيء إليه لا يشعر بأنه يناجي الله حيث إنه إذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى عليّ عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فالانسان لا يشعر بهذا أي لا يشعر بأن الله يراه قائماً وراكعاً وساجداً وقاعداً لو كنا نشعر بهذا لكانت الصلاة قرة أعيننا كما كانت قرة عين الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك كانت الصلاة أثقل شيء على كثير من الناس وليعلم الإنسان أنه إذا ثقلت عليه الصلاة فإن فيه شبهاً بالمنافقين إن لم يكن منافقاً قال النبي صلى الله عليه وسلم (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) وهذا يدل على أن الصلاة ثقيلة على المنافقين لكن هاتان الصلاتان أثقل شيء عليهم ويدل على ثقلها عليهم أي على المنافقين قول الله تعالى (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) ولم يكونوا كسالى إلا لأنها ثقيلة عليهم فليحذر الأخوة المسلمون من إضاعة الصلاة وليتوبوا إلى الله وليحسنوا صلاتهم أسأل الله أن يعينني وإياهم على إحسانها وإقامتها على الوجه الذي يرضى به عنا.
***(19/2)
المستمع أحمد مسعد صالح مهندس مصري يعمل بالعراق يقول رجل مسلم بالاسم لا يصلى ولا يؤتي الزكاة ويفطر الكثير من رمضان وزوجته مسلمة تلتزم بكافة أمور الدين الحنيف فما الحكم في صحة زواجهما وهل تنطبق عليهم الآية من سورة الممتحنة (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فهمنا من هذا السؤال أن هذين الزوجين أحدهما وهو الزوج الذكر مسلم بالاسم حيث كان يقول إنه مسلم لكنه لا يصلى ولا يؤتي الزكاة ولا يصوم إلا بعض الشهر أما زوجته فإنها مسلمة ملتزمة هذا الذي حدث للزوج من عدم إقامة الصلاة وعدم إيتاء الزكاة وعدم صيام رمضان إلا بعضه لا يخلو إما أن يكون قبل العقد أو بعد العقد فإن كان قبل العقد فإنه ينبني على القول بكفر تارك الصلاة فإن قلنا بأنه يكفر فإن عقده على المسلمة عقد باطل لا تحل له به وذلك لأن الكافر لا يحل له أن يتزوج امرأة مسلمة بإجماع المسلمين لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وهذا موضع لا خلاف فيه بين المسلمين في أن الكافر سواء كان أصلىا أم مرتدا لا يحل له أن يتزوج امرأة مسلمة وأن عقده عليها باطل ولا إشكال فيه والقول بأن تارك الصلاة يكفر ولو كان مقراً بوجوبها هو القول الراجح الذي يدل عليه القرآن والسنة وحكي إجماع الصحابة رضي الله عنهم عليه وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأحد قولي الشافعي أما إذا كان الزوج قد تزوجها وهو مسلم معتدل ثم حدث له ترك الصلاة والزكاة وبعض صيام رمضان فإن قلنا بكفره وهو الصحيح فإن نكاحه ينفسخ بدون طلاق فإن تاب ورجع إلى الإسلام وصلى قبل انقضاء العدة إذا كانت قد وجبت عليها العدة لكونه قد دخل بها فإنها زوجته وإن انتهت العدة قبل أن يتوب ويصلى فإنه لا حق له عليها ولا سلطان له عليها لكن اختلف العلماء هل انقضاء العدة يتبين به انفساخ النكاح ولا رجوع له عليها إلا بعقد أو أن انقضاء العدة يكون به زوال سلطان الزوج عنها وأنه لو أسلم بعد فله أن يأخذها بالنكاح الأول على خلاف بين أهل العلم وليس هذا موضع مناقشته وذكر الأدلة أما إذا عقد عليها وهو مستقيم ولكنه قبل أن يدخل عليها صار تاركا للصلاة والزكاة وبعض الصيام فإنه بمجرد تركه للصلاة يفسخ النكاح لأن هذا قبل الدخول وليس فيه عدة والحاصل أن هذا الزوج الذي ترك الصلاة لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى أن يكون ذلك قبل العقد فلا يصح العقد ولا تحل به الزوجة.
الحال الثانية أن يكون بعد العقد وقبل الدخول أو الخلوة التي توجب العدة فهذا ينفسخ النكاح بمجرد تركه للصلاة.
الحال الثالثة أن يكون بعد الدخول أو الخلوة الموجبة للعدة فهذا يتوقف الأمر على انقضاء العدة إن تاب وصلى قبل انقضائها فهي زوجته وإن لم يفعل فإذا انقضت العدة فقد تبين فسخه منذ حصلت الردة والعياذ بالله وحينئذ إما أن لا يكون له عدة عليها وإما أن يكون له رجعة إذا أسلم وأحب ذلك على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة وكل هذا الذي رجحناه بناء على ما نراه من أن تارك الصلاة يكفر كفراً مخرجاً عن الملة وقد تأملت هذه المسألة تأملا كثيراً وراجعت فيها ما تيسر من الكتب وبحثت فلم يتبن لي إلا أن القول بكفره هو القول الراجح وأن أدلة من قال بعدم كفره لا تخلو من أربعة أقسام إما أن يكون لا دليل فيها أصلا أو أنها مقيدة بمعنى يستحيل معه ترك الصلاة أو أنها مقيدة بحال يعذر فيها بترك الصلاة أو أنها عمومات تكون مخصصة بأدلة كفر تارك الصلاة.
فضيلة الشيخ: السؤال الثاني بقول لو افترضنا أن هذه السيدة كانت لا تعرف الحكم وعاشرت هذا المحكوم علية بالردة وهو رجل حاد الطبع سريع الغضب كثير المشاكل لدرجة أنه يفقد شعوره أثناء غضبه فيسب الله ويكفر بكل شيء والعياذ بالله ويحلف عليها أيماناً بالطلاق وبلا شعور فهل تقع عليها أيمان الطلاق علما بأننا لو حصرناها لوجدنها تزيد عن العشر مرات في فترات متباعدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: متى قلنا بكفره أي بكفر تارك الصلاة فإن الواجب على المرأة أن تذهب عنه وألا تبقى معه لأن النكاح قد انفسخ وإذا كان قد انفسخ فكيف يحل لها أن تبقى مع زوج انفسخ نكاحها منه ولا حاجة إلى أن نفرض أنه يطلق وأنه يفعل ويفعل ما دمنا حكمنا بكفره فالأمر فيه واضح وهذا موضع ليس فيه التباس ولا اشتباه فإذا تبين للإنسان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم وقول الصحابة أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجاً عن الملة فلا وجه للتوقف في فسخ النكاح لنكاحه زوجته.
***(19/2)
أحكام الخطبة(19/2)
جزاكم الله خيرا تقول السائلة في هذا السؤال جرت العادة عندنا أن يأتي الخاطب ويرى المخطوبة قبل الاتفاق على أي شيء دون خلوة فإن أعجبته اتفق مع أهلها وإلا تركها والسؤال يبقى ماذا يباح له أن يرى منها في هذه الحالة وإذا طلب رؤيتها عدة مرات قبل عقد النكاح فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخاطب يسن له أن يرى مخطوبته لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك ولأنه أحرى إلى أن يسعد الزوجان في حياتهما فيرى منها كل ما يدعوه إلى الإقدام على خطبتها والاستمرار فيها كالوجه والرأس والكفين والقدمين والرقبة لأن هذا كله مما يدعوه إلى الاستمرار في خطبتها ولها هي أيضا أن تنظر إليه ما ظهر منه كوجهه وكفيه وقدميه ورقبته ورأسه إذا لم يكن عليه ساتر لأن كلا الطرفين يحتاج إلى نظر الآخر لكن بشرط أن لا يكون خلوة وأن لا يكون شهوة وأن ينظر إليها نظر المستام إلى سلعته التي يسومها وإذا طلب أن ينظر إليها مرة أخرى فله ذلك إذا لم يكن استقصى في النظرة الأولى.
***(19/2)
المستمعة رمزت لاسمها بـ هـ ن تقول في رسالتها اختلفت الآراء في الأجزاء التي تظهرها المخطوبة أمام خطيبها ومن هذه الآراء أنها تظهر وجهها وكفيها وعنقها فقط فما الحكم يا فضيلة الشيخ فيما لو أظهرت المخطوبة شعرها لمن أراد خطبتها وما هو الأفضل في نظركم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المخطوبة أن تظهر من زينتها ما يدعو للرغبة في زواجها فتظهر الشعر والوجه والكفين والقدمين ولكن لا تتجمل لهذا الخاطب لأنها لم تكن زوجة له بعد ولأنها إذا تجملت أو زينت وجهها بشيء من الزينة ثم حصل النكاح وبدت للمرء غير ما هي عليه عند رؤيته إياها في الخطبة فإن رغبته فيها قد تهبط هبوطاً يخشى منه الانفصال لاسيما وأن نظر الخاطب غير نظر الزوج الذي تملك ووثق من حصولها فلهذا أقول إنه يجوز للرجل إذا خطب امرأة أن ينظر الإنسان إلى ما يدعوه إلى الرغبة في نكاحها من الوجه والكفين والرأس والشعر والقدمين ولكن بشرط ألا يكون ذلك في خلوة بينه وبينها لا بد أن يحضرها محرم لها لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا يخلونّ رجل بامرأة ألا مع ذي محرم) .
***(19/2)
المستمعة نهلة م ح من الجمهورية من جمهورية مصر العربية تقول هل يجوز للخاطب أن يكرر زيارته إلى أهل الخطيبة ويجوز أن تجلس معه بالحجاب ماعدا الوجه والكفين وبوجود المحرم معهما أم ليس للخاطب إلا زيارة واحدة فقط ينظر فيها إلى المرأة بوجود أهلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الخاطب لا ينبغي أن يكرر الذهاب إلى أهل الزوجة والتحدث إليها ولكن ينظر إليها حتى يتبين له الأمر فإذا لم يتبين له الأمر في أول مرة وأراد أن يعود فلا حرج ويكرر ذلك حتى يتبين له الأمر أما بعد أن يتبين له الأمر ويقدم أو ويعزم على الخطبة فإنه لا حاجة إلى أن يزورهم وأما قول السائل محتجبة سوى الوجه والكفين فنحن نقول لها ولغيرها إن الحجاب هو حجاب الوجه فإن الوجه هو الذي يجب على المرأة أن تستره لأنه محل الفتنة ومحل تعلق الرجل بالمرأة والإنسان إذا رأى أن وجه المرأة جميل وبقية بدنها دون ذلك وهو ممن يريد الجمال لأقدم على خطبتها ولو رأى أن وجهها غير جميل ولو كان جسمها من أقوم الأجسام والأبدان وهو ممن يريد الجمال فإنه لن يقدم عليها فمحل الرغبة والرهبة هو الوجه وهو الذي يجب على المرأة أن تستره لأنه محل الفتنة وكون بعض أهل العلم يرخص في ذلك هو من الآراء المرجوحة والصواب الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه يجب على المرأة أن تحجب وجهها عن غير زوجها ومحارمها.
***(19/2)
المستمع من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز للخطيب أن يرى خطيبته أثناء فترة الخطبة علماً بأن الأخت المخطوبة منتقبة أرجو الإفادة بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أنه يجوز للخاطب أن ينظر من مخطوبته كل ما يدعوه إلى نكاحها مما يظهر غالباً كالوجه والكفين والقدمين والرأس ونحو ذلك لأنه إذا نظر إلى مخطوبته وتزوجها عن اقتناع كان ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تدوم العلاقة وتحل الإلفة والمحبة ولكن يشترط لهذا شروط أولاً ألا يخلو بها في مكان واحد فإن خلوة الرجل بالمرأة التي ليست من محارمه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) ثانياً يشترط ألا يكون نظره إليها نظر شهوة وتلذذ وإنما هو نظر استطلاع ليقدم أو يحجم فإن كان عن لذة وتمتع فإنه لا يجوز لأنها ليست من حلائله اللاتي يجوز له أن يتمتع بالنظر إليهنّ ويتلذذ ثالثاً أن يغلب على ظنه إجابة خطبته فإن كان يغلب على ظنه أن لا يجاب فإنه لا داعي إلى النظر في هذه الحال لعدم إجابته.
***(19/2)
فهد العتيبي من الرياض يقول فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سمعت كثيراً من الأقوال والآراء عن رؤية الخطيب لمخطوبته البعض يقول بأنه جائز والبعض يتحرج لذلك لوجود ولي الأمر والبعض يعتمد على رؤية إحدى القريبات فهل يجوز رؤية الخطيب لمخطوبته قبل عقد زواجها أرجو إرشادي إلى حكم ذلك حفظكم الله وجزاكم الله خير الجزاء والسلام عليكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الجواب على هذا السؤال أن نقول نعم يجوز للخاطب أن يرى مخطوبته لكن بشروط الشرط الأول أن يحتاج إلى رؤيتها فإن لم يكن حاجة فالأصل منع نظر الرجل إلى امرأة أجنبية منه لقوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) ثانيا أن يكون عازما على الخطبة فإن كان مترددا فلا ينظر لكن إذا عزم فينظر ثم إما أن يقدم وإما أن يحجم ثالثا أن يكون النظر بلا خلوة أي يشترط أن يكون معه أحد من محارمها إما أبوها أو أخوها أو عمها أو خالها وذلك لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وقال صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت) الرابع أن يغلب على ظنه إجابتها وإجابة أهلها فإن كان لا يغلب على ظنه ذلك فإن النظر هنا لا فائدة منه إذ أنه لا يجاب إلى نكاح هذه المرأة سواء نظر إليها أم لم ينظر إليها اشترط بعض العلماء ألا تتحرك شهوته عند النظر وأن يكون قصده مجرد الاستعلام فقط وإذا تحركت شهوته وجب عليه الكف عن النظر وذلك لأن المرأة قبل أن يعقد عليها ليست محلاً للتلذذ بالنظر إليها فيجب عليه الكف ثم إنه يجب في هذا الحال أن تخرج المرأة إلى الخاطب على وجه معتاد أي لا تخرج متجملة بالثياب ولا محسنة وجهها بأنواع المحاسن وذلك لأنها لم تكن إلى الآن زوجة له ثم إنها إذا أتت إليه على وجه متجمل لابسة أحسن ثيابها فإن الإنسان قد يقدم على نكاحها نظرا لأنها بهرته في أول مرة ثم إذا رجعنا إلى الحقائق في ما بعد وجدنا أن الأمر على خلاف ما واجهها به أول مرة.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل هل يجوز للرجل أن يجالس خطيبته وأن يخرج معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخطيبة بالنسبة للخاطب امرأة أجنبية منه لا تحل له وهي معه كغيره من الرجال فلا يجوز أن يجلس وحده معها ولا أن يخاطبها في الهاتف ولا أن يتكلم معها بأي شيء حتى يعقد عليها لأنها كما قلت امرأةٌ أجنبيةٌ منه هو وغيره معها سواء وقد يتهاون بعض الناس في هذه المسألة أعني في مخاطبة خطيبته وربما يخرج معها وحدها وهذا حرام ولا يحل وإذا كان يريد هذا فليعجل بالعقد ولو تأخر الدخول وهو إذا عقد عليها صارت زوجته يجوز أن يخاطبها في الهاتف ويجوز أن يخرج بها وحدها إلى خارج البلد ويجوز أن يذهب إليها في بيت أهلها وأن يخلو بها ولا حرج في هذا كله لكننا لا ننصح أن يحصل بينهما جماع في هذه الحال أعني إذا عقد عليها ولم يحصل الدخول المعلن لا ننصح أن يكون بينهما جماع لأنه لو كان بينهما جماعٌ ثم حصل خلافٌ بينهما وطلقها وبانت حاملاً حصل في هذا إشكال أو ربما تتهم المرأة وكذلك لو مات عنها بعد أن عقد عليها وجامعها قبل الدخول المعلن ثم حملت قد تتهم لكن له أن يباشرها بكل شيء إلا الجماع لأننا نخشى منه هذا الذي ذكرناه.
فضيلة الشيخ: جزاكم الله خيرا ما هو اللباس الذي تظهر به المرأة المسلمة أمام خطيبها والتي عقد عليها وهل يجوز أن تلبس لباس زينة أمامه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما التي عقد عليها فلها أن تلبس لباس الزينة أمام زوجها وأن تتطيب أما بالنسبة للمخطوبة قبل العقد فإن المخطوبة قبل العقد أجنبية من الرجل كالمرأة التي لم يخطبها لكن من أجل المصلحة العظيمة أذن الشرع للخاطب أن يرى من المرأة ما يدعوه إلى نكاحها والرغبة العظيمة من أجل المصلحة العظيمة التي تترتب على ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما) أي أن يؤلف بينهما وتحصل المحبة والاجتماع فينظر إلى الوجه وإلى الشعر وإلى الكفين وإلى القدمين ولكن لا تخرج إليه خالية به بل لابد أن يكون عندها محرم ولا تخرج إليه متجملة بل تخرج بثيابها العادية ولا تخرج إليه متطيبة لأنها أجنبية منه ولا تخرج إليه متزينة بكحل أو غيره لأنها حتى الآن ليست بزوجة له فهي أجنبية منه ثم إنها لو تزينت له بمكياج أو محمر أو كحل أو غيره لرآها لأول وهلة وكأنها من أجمل النساء ثم عند الدخول تتغير نظرته إليها فيكون عنده رد فعل والخلاصة أن الإنسان إذا عقد على امرأة فهي زوجته تخرج إليه متجملة ويخرج بها ويستمتع بها إلا في الجماع ففيه التفصيل الذي ذكرناه آنفاً وأما إذا كانت مجردة خطبة فإنه لا ينظر إلا إلى ما يظهر غالباً وما يدعوه إلى التقدم إلى نكاحها وهو الوجه والرأس والكفان والقدمان ولا تخرج إليه متبرجة ولا متطيبة ولا يخلو بها.
***(19/2)
يقول السائل هل يجوز أن يخطب الرجل امرأة وتبقى على خطبته أكثر من سنتين أو ثلاث وأن ينظر إليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النظر للمخطوبة إنما هو للحاجة فقط فإذا نظر إليها أول مرة واكتفى بهذه النظرة فأعجبته أو لم تعجبه فليعمل بذلك ولا حاجة إلى تكرار النظر لأن الإنسان قد عرف هل يُقْدِمْ أم يُحْجِمْ وأما كونه يكرر النظر بلا حاجة فإنه لا يجوز له ذلك لأنها أجنبية منه وكونه يبقى سنة أو سنتين قبل أن يعقد هذا أمر يرجع إليه وإلى أهل الزوجة والذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن لا يعقد النكاح إلا إذا قرب الدخول إذ لا حاجة إلى عقد النكاح في زمن كثير بين العقد وبين زمن الدخول وربما تسول له نفسه في هذه الحال أن يجامع المرأة التي عقد له عليها وهذا وإن كان جائزا شرعا لكنه يخشى من عواقبه إذ أن المرأة قد تحمل قبل الدخول المعلن فتلحقها التهمة.
***(19/2)
هل يجوز الانفراد بالخطيبة علما بأننا ملتزمين والحمد لله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) لكن الحمد لله عندما نجلس مع بعضنا البعض معنا الأسرة سواء من أسرتي أو أسرتها ولم نفكر في شيء بل في جلستنا وحديثنا معها أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المخطوبة كغير المخطوبة في النظر إليها والتحدث إليها والجلوس معها أي أن ذلك حرام على الإنسان إلا النظر بلا خلوة إذا أراد خطبتها وإذا كان الرجل يريد أن يستمتع بالجلوس إلى مخطوبته والتحدث إليها فليعقد النكاح فإنه إذا عقد على امرأة حل له أن يتكلم معها وأن يخلو بها وأن يتمتع بالنظر إليها وحل له كل شيء يحل للزوج من زوجته وأما أن ينفرد بالمخطوبة ويقول أنا ملتزم وهي ملتزمة فإن هذا من غرور الشيطان وخداعه لأن الإنسان مهما بلغ في العفة لا يخلو من مصاحبة الشيطان إذا خلا بالمرأة لا سيما وأنها مخطوبته وأنه يعتقد أنها بعد أيام قلائل تحل له فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وخلاصة القول أنه يحرم على الخاطب أن يتحدث مع مخطوبته في الهاتف أو يخلو بها في مكان أو يحملها في سيارته وحده أو تجلس معه ومع أهله وهي كاشفة الوجه.
***(19/2)
بارك الله فيكم هل يجوز للمخطوبة أن تصافح خطيبها وتجلس معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لها أن تصافح خطيبها لأنه أجنبية منه ولا يجوز أن يخلو بها لأنها أجنبية منه ولا يجوز أن يحادثها عبر الهاتف لأنها أجنبية منه وإنما رخص له أن ينظر إليها لدعاء الحاجة إلى ذلك فإن الإنسان إذا نظر إلى مخطوبته ونظرت إليه فهو أقرب أن يجمع الله بينهما.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل محمد عثمان من ليبيا يقول فضيلة الشيخ هل يجوز لي أن ألتقى وأحادث خطيبتي علماً بأنه حتى الآن لم يتم عقد القران أفيدوني مأجورين؟
الشيخ الخطيبة يعني المخطوبة أجنبيةٌ من الخاطب لا فرق بينها وبين من لم تكن خطيبة حتى يعقد عليها وعلى هذا فلا يجوز للخاطب أن يتحدث مع المخطوبة أو أن يتصل بها إلا بالقدر الذي أباحه الشرع والذي أباحه الشرع هو أنه إذا عزم على خطبة امرأة فإنه ينظر إليها إلى وجهها كفيها قدميها رأسها ولكن بدون أن يتحدث معها اللهم إلا بقدر الضرورة كما لو كان عند النظر إليها بحضور وليها يتحدث معها مثلاً بقدر الضرورة مثل أن يقول مثلاً هل تشترطين كذا أو تشترطين كذا وما أشبه ذلك أما محادثتها في الهاتف حتى إن بعضهم ليحدثها الساعة والساعتين فإن هذا حرام ولا يحل يقول بعض الخاطبين إنني أحدثها من أجل أن أفهم عن حالها وأفهمها عن حالي فيقال ما دمت قد أقدمت على الخطبة فإنك لم تقدم إلا وقد عرفت الشيء الكثير من حالها ولم تقبل هي إلا وقد عرفت الشيء الكثير عن حالك فلا حاجة إلى المكالمة بالهاتف والغالب أن المكالمة بالهاتف للخطيبة لا تخلو من شهوةٍ أو تمتع بشهوة يعني شهوة جنسية أو تمتع يعني تلذذ بمخاطبتها أو مكالمتها وهي لا تحل له الآن حتى يتمتع بمخاطبتها أو يتلذذ.
***(19/2)
أحسن الله إليكم تسأل عن حكم التسليم على والد الخطيب أيام الخطوبة وذلك في الوجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضا لا يجوز لا يجوز أن تكشف المرأة لأب الخطيب لأنه ليس محرما لها إلا بعد العقد أما كشفها للخطيب فلا بأس تكشف للخطيب لكن بدون خلوة وبدون شهوة وتلذذ بالنظر إليها وإنما تكشف له للاستطلاع فقط فإن رغب ورغبت تم العقد بينهما وإلا فكل في بيت أبيه.
***(19/2)
المستمع رمز لاسمه بالأحرف ح. ف. ع. مصري مقيم بالمملكة يقول لي قريبة تسكن بجوارنا مع أهلها وكنت أزورهم بحكم قرابتي لهم وكانوا يلاحظون أن هناك رغبة عندي لخطبة هذه الفتاة بعد نهاية دراستي الجامعية وهي كانت تعرف ذلك ولكن بعد نهاية دراستي دخلت الجيش لأداء الخدمة العسكرية فكانت فترات انقطاعي عن زيارتهم تطول وفي إحدى المرات التي كنت غائباً فيها تقدم أحد أقربائي لخطبة هذه الفتاة ونظراً لغيابي فقد وافقت على الخطوبة وما أن علمت بما حدث حتى أرسلت لها أحد الأقارب سراً لكي يوضح لها موقفي وأن غيابي كان لعذر خارج عن إرادتي فما كانت منها إلا أن رفضت هذا الشخص الذي تقدم لخطبتها وكان الرفض قبل عمل أي شيء وفي هذا الوقت لم أكن أؤدي الصلاة وكذلك كانت قراءتي الدينية محدودة ومعرفتي بالأحكام الفقهية ضحلة المهم بعد أن فسخت خطوبتها ذهب قريبي هذا وخطب فتاة أخرى وكتب كتابه عليها أما أنا فقد هداني الله إلى الصراط المستقيم وبدأت أصلى واقرأ باهتمام في كتب الفقه والحديث إلى أن قرأت حديثاً لرسول صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن خطبة الأخ على أخيه وهنا بدأت أحس بالندم على ما فعلت عن جهل وبسبب وسوسة الشيطان أيضاً وأنا أجتهد في العبادة وأدعو الله بقبول توبتي وأن يغفر لي ما فعلت فسؤالي هو أنني سافرت إلى المملكة بعد هذا الموضوع مباشرة والفتاة مازالت تنتظرني حتى أرجع وأخطبها لكني ما أدري ما هو الصواب من ناحية الشرع حتى لا أخطئ مرة أخرى فهل أخطبها أم لا وهل هناك ذنب علي فيما فعلت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادمت قد تبت إلى الله عز وجل وأنت حين أخبرتها بأنك تريدها بعد أن خطبها الأول حتى رفضت الزواج به فإنه لا شيء عليك نظراً لكونك جاهلاً بهذا الحكم وحق الرجل الخاطب الآن انتفى برده وهو أيضاً قد من الله عليه فتزوج فاستمر الآن على هذه المرأة واعقد النكاح عليها ولا حرج في ذلك ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك.
***(19/2)
المستمعة س. و. م. من السودان تقول خطبني من أبي وخالي شابٌ ذو خلقٍ ودين ومحافظ على شريعة الله ولكن قبل أن تتم المشورة بين الأهل سافر هذا الشاب ولم يحضر ولقد مضت ثلاثة سنوات بقيت خلالها مخطوبة له وبعد ذلك تقدم شابٌ آخر ذو خلقٍ ودين وأخبرني أنا شخصياً ولم يخبر أبي ولا أهلي حيث قال لي أريد أن أعرف رأيك أولاً ثم أتقدم إلى أبيك أنا الآن حائرة هل أنتظر الذي خطبني من أبي أم أوافق على من تقدم لي أنا أرجو أن توجهوني وفق الشريعة الإسلامية السمحاء وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل الصحيح لهذه المسألة أن تقبلي بخطبة هذا الخاطب الجديد لأن بقائك في انتظار رجل قد ذهب منذ ثلاثة سنوات لا وجه له فلك أن تختاري هذا الخاطب الجديد وليتقدم إلى ولي أمرك بالخطبة ونسأل الله أن يقدر لنا ولكم ما فيه الخير والصلاح.
***(19/2)
السائل أنس حسين يقول لدي استفسار عن الشخص الذي يخطب على خطبة أخيه إذا كان يعلم أن هذا الأخ المسلم يريد أن يخطب تلك الفتاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لم يتقدم إلى أهل الفتاة بخطبة فلا بأس أن يسبقه هذا ويخطب وأما إذا كان قد خطب فإنه لا يجوز أن يتقدم أحد إلى خطبتها بعد خطبة الأول إلا إذا رد أو أذن أو ترك. إذا رد يعني رده أهل المرأة وعلم أنه قد رد أو أذن بأن يذهب من يريد الخطبة إلى الخاطب الأول ويقول بلغني أنك خطبت فلانة فأرجو أن تتنازل لي أو يترك يعني يعلم أنه عدل عن خطبتها بحيث تزوج غيرها بعد أن خطب لأن بعض الناس يخطب من جماعة ويتأخرون في الرد عليه فيتزوج ويدعهم فإذا علمنا أن الرجل ترك خطيبته فإن لغيره أن يخطبها.
***(19/2)
فضيلة الشيخ وردنا من سعيد شبيت المحمد من الخبر يقول رأيت في منامي أني قد خطبت امرأة وانعقد الزواج وحصل الجماع، ورأيت في المنام أني اغتسلت وتطهرت وصلىت سنة الوضوء، وأريد أن أسال عما يلي أولاً هل يلزمني خطبة هذه المرأة حيث أنها لم تتزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمك أن تخطب هذه المرأة ولعل أسباب رؤياك هذه أنك تفكر فيها، وعلى كل حال، لا يجب عليك أن تخطبها، إن شيءت فاخطبها وإن شيءت فلا.
***(19/2)
المستمع إسماعيل المصري يقول حيث أنني وعدت جماعة بأن أتزوج منهم ولم تسمح لي الظروف أن أتزوج منهم فهل هناك حرج أم لا أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا خطب رجل من جماعة أو وعدهم بأن يتزوج منهم ثم بدا أن لا يفعل فلا حرج عليه في العدول عنهم وهذا هو السر في أن الإنسان ينبغي له قبل أن يخطب المرأة أن ينظر إليها وتنظر إليه فإنه أحرى أن يؤدم بينهما فإذا نظر إليها ولم تعجبه فله أن يدعها لكن إن رأى أن يجبر قلبها وقلوب أهلها بشيء من المال فهو حسن وليس ذلك بواجب عليه ولا أعلم فيه سنة لكن أقوله من عند نفسي أنه إذا رأى جبر خواطرهم ولا سيما إذا كانوا فقراء بشيء من المال فهو حسن لأنه من الإحسان والله يحب المحسنين.
***(19/2)
جزاك الله خير المستمع من السودان يقول في هذا السؤال خطبت لي والدتي فتاة لكي أتزوجها وقد رفضت هذه المخطوبة لبعض الأسباب الخاصة بنفسي ولكن والدتي أصرت وزعلت مني وأنا صممت وحلفت بأن لا أتزوج هذه الفتاة لأسباب خاصة فهل أكون بهذا عاقاً لوالدتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تكن عاقاً لوالدتك إذا لم تطعها في نكاح امرأةٍ لا ترغبها لأن هذا من الأمور الخاصة فكما أنها لو عينت لك طعاماً معيناً تأكله وأنت لا تشتهيه ثم عصيتها لذلك فلا إثم عليك ولا تعد عاقاً ثم أني أنصح هذه الأم وما شابهها بأن لا تجبر ابنها على مالا يحب لأن العاقبة ستكون وخيمة إلا أن يشاء الله وهذه الأمور لا ينبغي لأحد أن يتدخل فيها كل إنسان بصيرة على نفسه فقد يرى من المصلحة ما لا يراه الثاني ومثل ذلك أيضاً لو أن أمه أكرهته على أن يطلق زوجته لغير سبب شرعي وهو يحب زوجته فعصى والدته في طلاقها فإنه لا إثم عليه ولا يعد عاقاً بل الأم هي التي تكون آثمةً بذلك حيث تحاول الفراق بين الزوجين بغير سبب شرعي ولهذا لما سأل الإمام أحمد رجل فقال له: يا أبا عبد الله إن أبي أمرني أن أطلق زوجتي وأنا راغب فيها قال لا تطلقها قال أليس ابن عمر طلق زوجته بأمر عمر فقال له الإمام أحمد وهل أبوك عمر يعني أن عمر إنما أمر ابنه أن يطلق لسبب شرعي وأما أبوك فقد يكون لهوى في نفسه أو لسوء عشرته بينه وبين زوجتك أو لكونه حسدها لأنك أحببتها وعلى كل حال فلا يلزم الولد طاعة أبويه في طلاق زوجته إلا أن يكون هناك سبب شرعي يقتضي الفراق فهنا يطيعهما من أجل هذا السبب الشرعي.
***(19/2)
شاب يقول في هذا السؤال أنه خطب فتاة وعقد عليها وهو خطبها بدبلة وليس بعقد شرعي فما رأيكم بهذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن العبرة بالعقد فإذا عقد عليها عقدا شرعيا كان نكاحه صحيحا وذلك أن يكون العقد بولي وأن يحضره شاهدان عدلان وأن تعين الزوجة عند العقد وأن ترضى بذلك فيقول الولي للخاطب زوجتك بنتي فلانة ويقول الخاطب قبلت هذا النكاح وبذلك يتم النكاح ويكون عقدا صحيحا أما الدبلة فهذه إن كان يصحبها اعتقاد بأن المرأة إذا لبست الخاتم المكتوب عليه اسم زوجها كان ذلك سببا لبقائها معه فإن هذا عقيدة فاسدة باطلة ولا يجوز للإنسان أن يحمل هذا الفكر السيئ وإذا كان مجرد خاتم معهود لكن الزوج لا يتولى إلباسه المخطوبة فلا بأس بذلك.
***(19/2)
أحكام العقد وآدابه(19/2)
يقول يقوم بعض مأذوني الأنكحة بعقد نكاح جماعي بأن يعقد لعدة أشخاص بقراءة وخطبة واحدة فهل يصح مثل هذا العقد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح مثل هذا العقد أو مثل هذه العقود فإذا اجتمع جماعة عند مأذون واحد ليعقد لهم النكاح وقرأ الخطبة المشروعة وهي: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم يقرأ ثلاث آيات وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) ثم يقول يبدأ بالأول فيقول قل ويشير إلى الزوج قل زوجتك بنتي أو أختي أو الذي عقد النكاح له فلانة ويقول الزوج قبلت ثم للثاني ثم للثالث وهكذا على أنه لو عقد النكاح بدون خطبة أصلاً فإنه لا بأس بذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوج الرجل المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له بها حاجة فطلبها أحد الصحابة رضي الله عنهم والقصة مشهورة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (زوجتكها بما معك من القرآن) ولم يخطب عليه الصلاة والسلام هذه الخطبة فهذه الخطبة إنما تقال على سبيل الاستحباب فقط وليس على سبيل الوجوب وإذا اجتمع عدة عقود في خطبة واحدة فلا بأس بذلك.
فضيلة الشيخ: قراءة الفاتحة عند عقد الزواج حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد فيقول قرأت فاتحتي على فلانة هل هذا مشروع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بمشروع بل هذا بدعة وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع فإن قرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع وقد رأينا كثيراً من الناس يقرؤون الفاتحة في كل المناسبات حتى أننا سمعنا من يقول اقرأوا الفاتحة على الميت وعلى كذا وعلى كذا وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها.
***(19/2)
جزاكم الله خيرا يقول عند عقد النكاح يقرءون سورة الكوثر فهل هذا أيضاً من السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس من السنة. السنة في خطبة النكاح أن يقرأ خطبة ابن مسعود رضي الله عنه وهي مشهورة معروفة وإن تركها فلا بأس لكن الأفضل أن يقرأها.
***(19/2)
يسأل أيضا عن حكم قراءة الفاتحة أثناء عقد الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بسنة وإنما يسن أن يخطب بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) ولا يقرأ سوى هذا.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع حامد بن إبراهيم يقول هل يجوز عقد النكاح في المساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تعقد الأنكحة في المساجد إذا لم يكن في هذا ضرر على المسجد أو على أهل المسجد فإن كان عليهم ضرر فإنه لا يجوز وإنما تعقد في أماكن مخصوصة لها إن كان لها أماكن مخصوصة في المحكمة مثلاً وإلا ففي البيوت.
***(19/2)
المستمعة التي رمزت لاسمها بـ: ع. م. ج. جدة تقول في رسالتها أنا فتاة كتب كتابي منذ فترة على شاب وقد صادف ذلك اليوم أن كانت الدورة الشهرية معي أرجو منكم يا فضيلة الشيخ إفادة إذا كانت هذه الملكة صحيحة أم لا وهل يتحتم علي إعادتها في حالة عدم صلاحيتها أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال إن عقد النكاح على المرأة وهي حائض عقد جائز صحيح ولا بأس به وذلك لأن الأصل في العقود الحل والصحة إلا ما قام الدليل على تحريمه وفساده ولم يقم دليل على تحريم النكاح في حال الحيض وإذا كان كذلك فإن العقد المذكور يكون صحيحاً ولا بأس به وهنا يجب أن نعرف الفرق بين عقد النكاح وبين الطلاق فالطلاق لا يحل في حال الحيض بل هو حرام وقد (تغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها وأن يدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق) وذلك لقول الله عز وجل (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فلا يحل للرجل أن يطلق زوجته وهي حائض ولا أن يطلقها في طهر جامعها فيه إلا أن يتبين حملها فإذا تبين حملها فله أن يطلقها متى شاء ويقع الطلاق ومن الغريب أنه قد اشتهر عند العامة أن طلاق الحامل لا يقع وهذا ليس بصحيح فطلاق الحامل واقع وهو أوسع ما يكون من الطلاق ولهذا يحل للإنسان أن يطلق الحامل وإن كان قد جامعها قريباً بخلاف غير الحامل فإنه إذا جامعها يجب عليه أن ينتظر حتى تحيض ثم تطهر أو يتبين حملها وقد قال الله عز وجل في سورة الطلاق (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وهذا دليل واضح على أن طلاق الحامل واقع وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) وإذا تبين أن عقد النكاح على المرأة وهي حائض عقد حائز صحيح فإني أرى ألا يدخل عليها حتى تطهر وذلك لأنه إذا دخل عليها قبل أن تطهر فإنه يخشى أن يقع في المحظور وهو وطء الحائض لأنه قد لا يملك نفسه ولا سيما إذا كان شاباً فلينتظر حتى تطهر فيدخل على أهله وهو في حال يتمكن فيها من أن يستمتع بها في الفرج.
***(19/2)
السائل رجلٌ يبلغ من العمر خمسة وثلاثين سنة لديه ثلاثة أولاد طلق أمهم على إثر حبه لامرأة أخرى متزوجة ولديها خمسة أطفال وقد أحبته هي الأخرى وهي لا تزال في عقد زوجها أبي أطفالها مما جعل زوجها يطلقها بعد أن عرف حبها لغيره لقد طُلِقت تاركةً أطفالها الخمسة لأبيهم وبعد العدة تزوجت من عشيقها وهي الآن تعيش معه ومع طفليها الجديدان منه وللعلم فقد تعرض هذان العاشقان لملامة الناس بما فيهم الأقارب نرجو الإفادة عن هذه العلاقة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أنه لا يجوز للإنسان أن يحدث علاقة مع امرأةٍ متزوجةٍ من غيره وإذا كان الرجل لا يجوز أن يخطب امرأةً في عدة غيره فكيف بمن ذهب إلى امرأةٍ لا تزال موجودةً عند زوجها بدون طلاق فإن هذا والعياذ بالله من المحرمات ومن عظائم الأمور أن يخبب الإنسان المرأة على زوجها حتى تحاول الفكاك منه كما وقع لهذه المرأة وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا الفعل وأن لا يعود لمثله وأن يحذر أما بعد أن طلقها زوجها الأول ونكحت هذا نكاحاًً شرعياً صحيحاً فإنه لا يلزمه طلاقها في هذه الحال ومع هذا لو أن أحداً من القضاة فرق بينهما نكالاً له حيث اعتدى على حق زوجها الأول لكان له وجه لا سيما وأن بعض أهل العلم يقول إن من خطب امرأةً في عدتها فإنها تحرم عليه نكالاً له ويمنع من نكاحه إياها فهذا أشد وأعظم فلو أن أحداً من القضاة حكم بالفراق بينه وبين زوجته ما عنفت عليه ذلك ولرأيتُهُ مصيباً إذا رأى أن المصلحة تقتضي هذا.
***(19/2)
المستمع شكيوي عياد سليمان من الأردن يقول ماحكم الشريعة الإسلامية في إنسان تزوج من فتاة وقبل الزواج بشهر تقريباً اجتمع بها وكانت في هذه الحالة قبل زواجها إنسانة خاطئة وكذلك هو الآخر فأرجو معرفة حكم الشريعة الإسلامية وهل يجوز أو يصح زواجهم أم لا ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان اتصاله بها قبل الدخول وبعد العقد يعني قبل إجراء حفل الزواج لكنه بعد العقد فهذا لا بأس به لأنها زوجته حيث عقد عليها وإن كانت مخطوبة وإلى الآن لم يتم العقد فإن هذا حرامٌ عليه وهو زنا لأنها أجنبيةٌ منه حتى يتم عليها العقد وفي هذه الحال يجب عليهما جميعاً أن يتوبا إلى الله فإذا تابا إلى الله ورجعا عما فعلا حلت له ولكن في هذه الحال لو تزوجها يجب أن يستبرئها بحيضة بمعنى أن لا يجامعها حتى تحيض لأنه يحتمل أن تحمل من الجماع الأول السابق على عقد النكاح وهذا الولد الذي أتى من الجماع الأول السابق على عقد النكاح يعتبر ولد زنا لا يلحق والده لأنه ليس على عقدٍ شرعي اللهم إلا أن يكون لهذا الواطئ أو لهذا الرجل شبهة ويعتقد أنه يطؤها على وجهٍ حلال فإنه يكون حينئذٍ مولودا من وطئ شبهة وينسب إلى أبيه.
***(19/2)
وليمة العرس(19/2)
هذه المستمعة تقول هل ضرب الدفوف حلال في العرس وهل يجوز للرجال سماعه وهل جواز الغناء في العرس خاص للنساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ضرب الدف في العرس للنساء جائز بل إنه سنة وكذلك الغناء على هذا الدف لكن بشرط أن يكون غناءً نزيهاً ليس من الأغاني الماجنة التي تدعو إلى الفجور وتحمل المعاني السيئة بل يكون غناءً يتضمن التحية للحاضرين والدعاء بالبركة للمتزوجين وما أشبه ذلك من الأشياء النافعة وفي هذه الحال ينبغي أن يكون النساء في مكان خاص منفرد وأقصد بمنفرد أي بعيد عن الرجال لئلا يسمع الرجال أصواتهن فإنه قد يحصل في سماع أصواتهن فتنة لا سيما والناس في نشوة الفرح بالزواج وهذا الفرح ربما يكون مثيراً للشهوة عند سماع أصوات النساء فالنفوس متهيئة لمثل هذه الحال فلذلك يفرد النساء في مكانٍ بعيد حتى لايسمع الرجال أصواتهن وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألةٍ مزعجة وهي أن بعض الناس يضعون في قصور الأفراح أو في بيوتهن أيام الزواج مكبرات الصوت على الجدران فتسمع الأصوات من بعيد ويحصل إزعاج الناس الذين حولهم وإيذاؤهم وهذا عمل محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة رضي الله عنهم ولما كانوا يصلون ويرفعون أصواتهم بقراءة القرآن فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال (لا يجهر بعضكم على بعضٍ في القراءة أو قال في القرآن وفي روايةٍ أخرى لا يؤذين بعضكم بعضاً) فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن إيذاء الناس بعضهم بعضاً برفع الصوت في قراءة القرآن فما بالك برفع الصوت في مثل هذه المناسبة.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمعة التي أرسلت بهذا السؤال تقول يا فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في الأعراس التي يستعمل فيها الدف مصحوبا بالغناء من قبل من يقمن بالضرب على الدف فهل يعتبر هذا من الغناء المحرم مع العلم أن لا يصاحبه استعمال لآلالت الموسيقى وإذا كان كذلك فما حكم حضور مثل هذه الأعراس فقد أصبح هذا الأمر شيئا أساسيا في غالب الأعراس ولا يمكن تغيره فهل يقاطع الإنسان الأقارب ولا يحضر لهذه الأعراس من أجل ذلك وجهونا مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الغناء في العرس وضرب الدف مشروع ولكن يجب أن يكون الغناء نزيهاً بعيداً عن ما ينبغي تركه من الألفاظ الدنيئة والكلمات البذيئة فإذا كان غناء نزيهاً مصحوباً بضرب الدف فقط فإنه مما أمر به من أجل إعلان النكاح فإعلان النكاح أمر مطلوب وأما إذا كانت الكلمات بذيئة أو كان موضوع الغناء سيئاً فإن الواجب تركه ولا يجوز حضوره سواء كان من الأقارب أم من الأصحاب أم من الأباعد غير الأصحاب فإن خاف الإنسان من قطيعة رحم فإنه ينصحهم عن هذا الغناء المعين ويقول أنا ما عندي مانع من الحضور إذا تركتم هذا الغناء فإن أصروا إلا أن يقوموا به فإنه يذهب ويحضر فإذا شرعوا في الغناء خرج.
***(19/2)
جزاكم الله خيرا هل يجوز استعمال الطبل والدف في الأعراس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدف فقد جاءت به السنة لأن فيه إظهار النكاح والتمييز بين النكاح والسفاح لأن السفاح غالبا يكون خفاءاً من غير أن يعلم به أحد فالدف يكون فيه الإعلان والوضوح والشهرة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح لأن إعلانه فيه مصالح كثيرة منها التمييز بين النكاح والسفاح ومنها إظهار هذه الشعيرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال (يا معشر الشباب مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ومنها إبعاد التهمة فيما لو حملت المرأة وأتت بولد فإنه إذا كان النكاح خفية قد يتهمها من يتهمها من الناس لكن إذا أعلن زالت التهمة ومنها أنه ربما يكون بين الرجل والمرأة محرمية تحرم النكاح كرضاع ونحوه فإذا اشتهر وأعلن صار من عنده شهادة بذلك يدلي بها وتنتفي المفسدة ومنها أن في إعلانه تسابق إليه فإن الناس يجر بعضهم بعضا فإذا أعلن الشاب أنه تزوج أدى ذلك إلى تسابق الشباب الآخرين إلى النكاح والحاصل أن في إعلانه مصالح كثيرة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح
***(19/2)
صفية من الجزائر تقول في هذا السؤال ما المقصود بالدف الذي يعنيه كثير من الناس وبأنه يعلن به عن النكاح وهل الزغاريد التي ترددها النساء في الأفراح وعند نجاح الأولاد جائزة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدف الذي يسمح به في الأعراس وفي مناسبة قدوم الغائب وفي أيام الأعياد هو الذي ليس له إلا وجه واحد فقط وأما ذو الوجهين فيسمى طبلا ولا يجوز ومن المعلوم أن الدف من آلة اللهو والأصل في آلة اللهو التحريم فلا يخرج عن هذا الأصل إلا ما جاءت به السنة وما جاءت به السنة يجب أن يتقيد الإنسان به فإذا جاز الدف لم يجز ما هو أعلى منه في الطرب واللهو كالطبل والطنبور والموسيقى والرباب والعود وهذا على سبيل التمثيل.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة أسأل عن حكم ما يسمى بالطقاقات في حفلات الزواج وإذا كانت الزوجة مجبرةً على قبول ذلك ماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطقاقات يعني الضاربات بالدف أو بالطبل أو ما أشبه ذلك فالضاربات بالدف لا حرج عليهن ليلة الزفاف بل هذا من الأمور المطلوبة إذا خلا من محظور وأما الضاربات بالطبل أو نحوه فإنه لا يجوز حضورهن لأن السنة إنما وردت في الضرب على الدف والدف هو الذي له وجهٌ واحد والطبل هو الذي له وجهان وينبغي كذلك أن ننظر إلى الأغاني التي تغنيها هذه الطقاقات فإن كانت أغاني نزيهة بريئة بعيدة عن أغاني السفهاء فلا بأس وإن كانت أغاني رديئة بذيئة هابطة فلا يجوز حضورها اللهم إلا إذا كان حضور المرأة سبباً في منع هذه الأشياء بأن تكون المرأة ذات كلمة مقبولة إما بسبب السلطة أو بسبب القيادة الشرعية فحينئذٍ تحضر لتزيل المنكر وأما إن كانت لا تقدر على إزالة المنكر فإن حضورها حرام والحاصل أن حضور هذه الطقاقات حرامٌ في الأمور التالية أولاً إذا كن يضربن بالطبل أو نحوه ثانياً إذا كانت الأغنية التي يغنينها هابطة بذيئة رديئة فإنه لا يجوز الثالث إذا كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء فإنه لا يجوز أيضاً الرابع إذا كان النساء يأتين بثيابٍ عارية محرمٌ لبسها فإنه لا يجوز إلا إذا كان حضور المرأة سبباً في منع هذا المحرم فإنه يجب أن تحضر ليزول ذلك المحرم وإذا كانت المرأة لا تدري دعيت إلى العرس وهي لا تدري فلتجب إن شاءت ثم إن رأت منكراً وقدرت على تغييره غيرته وإن لم تقدر على تغييره وجب عليها القيام والرجوع إلى بيتها.
***(19/2)
اعتماد الصايغ تسأل تقول بعد التحية إن تلبية الدعوة أو الوليمة واجبة ولكن بشرط عدم وجود منكر من المطربات، وإنك تعرف أن أكثر دعوات الزفاف الآن بالمطربات ولا نستطيع تغيير هذا المنكر، فأخبرني أفادك الله هل ألبي الدعوة مع علمي بوجود مطربة أم أمتنع عن الذهاب وكيف لا أذهب وقد أمرنا الله بالإجابة حتى لو كانت صائمة تطوعاً تفطر من أجل الذهاب إلى تلك الوليمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائلة إن الإجابة للوليمة واجبة ليس على إطلاقه ولكنها الوليمة إن كانت من الزوج فالإجابة إليها واجبة، وكذلك لو كانت مشتركة بين الزوج وأهل المرأة فالإجابة إليها واجبة، لأن الزوج هو المأمور بالوليمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف (أولم ولو بشاة) ، وإذا كانت الوليمة من أهل الزوجة فقط، والزوج سيعد وليمة إذا ارتحلت الزوجة إليه فإنه لا يجب إجابة أهل المرأة، وإنما إجابتهم سنة، وعلى الاحتمالين سواء كانت من قبل الزوج أو من قبل أهل الزوجة أو من قبلهما جميعاً وهو الاحتمال الثالث فإن الإجابة مشروطة بأن لا يكون هناك منكر لا يقدر على تغييره، فإن كان ثمة منكر يقدر على تغييره وجب عليه الحضور ليغير هذا المنكر وليتمم إجابة الدعوة، وإن كان لا يقدر على تغييره حرم عليه أن يلبي الدعوة، يبقى النظر في هذه المغنيات إذا كن يغنين بصوت منخفض وبدف مباح ولا يسمعهن رجال، وإنما هن بين النساء فقط فهذا لا بأس به فإن هذا مما جرى به الشرع أن تغني النساء وتدف، لكن بشرط ألا يكون فيه محظور وليس بمعصية فلها أن تجيب وأن تشهد هذا الحفل، وأما إذا كان فريق المغنيات ينشدن ثم تغني مغنية بكبر الصوت وبموسيقى محرمة وتتغنج وترقص وتتلوى فهذا لا يجوز، لأنه منكر ويجب المنع منه فحضوره رضا بالمنكر فحينئذ لا تحضر، وأما قولها في السؤال أنه حتى إذا صامت تطوعاً فإنها تفطر لتجيب الدعوة، الصائمة تطوعاً لا تفطر تجيب الدعوة ولا تفطر، إلا إذا كان في إفطارها جبر لقلب الداعي فحينئذٍ تفطر، وأما إذا كان الداعي يقتنع من الإجابة بالحضور ويعذرها إذا أخبرته بأنها صائمة فإنها لا تفطر بل تبقى على صيامها.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يا فضيلة الشيخ يقول هذا السائل ما حكم حضور مناسبات الزواج المختلطة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حضور حفلات الزواج التي فيها منكر من الإختلاط أو موسيقى أو غناء محرم ينقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول أن يحضر ولا ينكر وهذا حرام وهو مشارك لأهل الدار في إثمهم لقول الله تبارك وتعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) القسم الثاني أن يحضر وينهى عن المنكر ويكون لنهيه تأثير بتركه فالحضور هنا واجب لأنه إجابة للدعوة من وجه وإزالة للمنكر من وجه آخر القسم الثالث أن يحضر ولا يرضى بفعلهم ويتكره له فهذا يجب عليه أن يعالج القضاء على هذا المنكر فإن تم له ذلك وإلا وجبت عليه المغادرة.
***(19/2)
السائل إدريس علي يقول عندنا عادة في بلدتنا في السودان عندما يتزوج الإنسان يجمع له نقود من الأقارب وغير الأقارب تسجل على الورق وعندما يتزوج الآخر يزاد له في المبلغ الذي دفعه، ما حكم الشرع في هذه الزيادة، وهل يكون هذا المبلغ في ذمة الإنسان إذا مات قبل الدفع لصاحبه أو المشاركة في أفراحه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل من التعاون بين الإخوة فإذا كان الإخوة أو القبيلة أو أهل الحي إذا تزوج عندهم أحد جمعوا له دراهم وقيدوا من يتبرع ثم إذا حصلت مثل هذه المناسبة لأحد المتبرعين أعطي ما يحتاج إليه وهو زائد على ما بذل بلا شك نقول إن هذا لا بأس به ولا حرج لأن هذا من باب التعاون وهذه الدراهم التي أخرجها الإنسان تبقى لهذه المصلحة فلو مات فإنه لا يعود إليه ما بذله أولاً حتى وإن لم يكن استفاد من هذه الجمعية لأن الناس إذا أخرجوا هذه الدراهم فإنما يخرجونها على أنها خرجت من ملكهم وبقيت لهذه المصلحة المعينة فهي لا مالك لها فليس فيها زكاة ولا تعود إلى أصحابها إذا ماتوا بل تبقى لهذه المصلحة ما شاء الله.
***(19/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل هل يجوز ذبح الماعز في العقيقة أم لا يجوز وهل يجوز ذلك أيضاً في العرس أي في الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما سؤالهم عن ذبح الماعز في العقيقة فوجيه لأنه قد يظن الظان أنه لا يجزئ إلا الشاة من الضأن وليس كذلك بل يجزئ الواحدة من الضأن والماعز والأفضل من الضأن وأن تكون سمينة كثيرة اللحم وهي عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة تذبح في اليوم السابع قال أهل العلم فإن فات ففي اليوم الرابع عشر فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين ثم لا تعتبر الأسابيع بعد ذلك يعني بعد الحادي والعشرين يذبحها في أي يوم والماعز تقوم مقام الشاة والبعير والبقرة تقوم مقام الشاة لكن لا شرك فيها بمعنى لا يمكن أن يجمع سبع عقائق في بعير أو بقرة يعني لابد أن تكون نفسا مستقلة وأما السؤال الثاني عن ذبح الماعز في العرس فلا وجه له لأن المقصود في العرس إقامة الوليمة سواء بالدجاج أو بالماعز أو بالضأن أو بالبقر أو بالغنم.
***(19/2)
هذه السائلة تقول يا فضيلة الشيخ هل تلبى دعوة من يتعامل بالربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تجاب دعوة من يتعامل بالربا إلا أن يكون في عدم الإجابة مصلحة بحيث يرتدع هذا المتعامل إذا رأى أن الناس لا يجيبون دعوته فحينئذ يجب الامتناع عن إجابة الدعوة وأما إذا لم يكن في الامتناع عن إجابة دعوته مصلحة فإنه تجاب دعوته ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاب دعوة اليهود وهو سيد المتورعين صلوات الله وسلامه عليه واليهود قد عرف عنهم أنهم يأخذون الربا ويأكلون السحت ومع هذا أجابهم لأن ماكان محرماً لكسبه حرام على الكاسب فقط إلا أن يكون عين مال محرمة فتكون حراما على غيره أيضا هذه هي القاعدة التي تجتمع بها الأدلة ومعنى كونه محرم لعينه أن يسرق سارق مال شخص ثم يهديه إلى شخص آخر فلا يجوز للشخص الذي أهدي إليه وهو يعلم أنه مسروق أن يقبل الهدية لأن هذا هو عين المال المحرم بخلاف ما كان محرما لكسبه فإن أثمه على الكاسب وإذا وصل لغيره بطريق مباح كان مباحا.
***(19/2)
تعيين الزوجين(19/2)
أحسن الله إليكم السائل عبد الرحمن عبادي مصري مقيم في مدينة بريدة يقول أنا متزوج من بنت خالي وتزوجتها باسم غير اسمها في عقد الزواج فتزوجتها على اسم أختها المتوفاة لأن زوجتي غير مكتوبة في سجل المواليد ولا نعرف سنها بالتحديد فما حكم هذا العقد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل عمل لا ينبغي لما فيه من الكذب فإنه سمى هذه المرأة باسم لأختها فهو كاذب في ذلك أما من جهة العقد فإنه صحيح لأنه وقع على معينة معلومة بين الولي وبين الزوج والمعقود عليها ولكننا ننصح إخواننا هؤلاء وغيرهم ننصحهم ونحذرهم من الوصول إلى أغراضهم عن طريق الكذب والخداع فإن ذلك من علامات المنافقين فإن المنافقين هم الذين إذا حدثوا كذبوا وإذا عاهدوا غدروا نسأل الله السلامة ونوصي الأخ بأن يذهب إلى مأذون الأنكحة ويعدل الاسم باسم المرأة الحقيقي.
***(19/2)
المستمع عبيد العواد العبيد سوري مقيم في عمان يقول أنا متزوج من ابنة عمي منذ خمس أو ست سنوات ولكن في وقت عقد القران عقدت عليها باسم غير اسمها فما الحكم في هذا وإن كان الاسم المستعار يوافق اسم أخت لها فما الحكم أيضاً فهل عقدي عليها صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أنصحك أنت وغيرك الابتعاد عن مثل هذه الأعمال المشينة التي لا تليق بالمؤمن وذلك بأن يكذب وأن يجعل الأمور في قالب غير الحقيقة لما في ذلك من الخطورة العظيمة لا سيما في مثل الزواج وأما بالنسبة لهذا العقد فإذا كانت الزوجة معلومة بعينها لك وللولي وللشهود ولكن حصل الكذب في الاسم فقط فإن النكاح يكون صحيحاً لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ وأما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإن العقد ينظر فيه وعلى هذا فإذا كان معلوماً لديك ولدى وليها ولدى الشهود بأن التي عقدت عليها هي فلانة المعينة المعلومة ولكن سمِّيت بغير اسمها فإن النكاح صحيح وعليك أن تتوب إلى الله وأن تعدل الاسم بما يطابق الواقع.
***(19/2)
شروط النكاح - الرضا(19/2)
بارك الله فيكم السائل ع. ج. سوداني يقول تم عقد قراني بابنة عمي بدون استشارتي وبدون أي سابق علم وتم ذلك بواسطة والدي فتقبلت الزواج إرضاء لوالدي ما حكم الزواج وهل هو مستوفي للشروط مع العلم بأنني أقيم في مكان والعقد حصل في مكان آخر جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقد صحيح عند بعض العلماء إذا أجزته ووافقت عليه وغير صحيح عند آخرين وعلى هذا فنرى أن من الاحتياط أن تعيد العقد قبل أن تدخل على المرأة التي عقد أبوك عليها لك.
***(19/2)
المرسل ع م ل يسأل يقول أنا شاب في سن الزواج ولدي ابنة خالة أي أن والدتها أخت والدتي وأنا وهذه الفتاة نعيش في منزل واحد منذ الطفولة حتى الآن وأصرت والدتي على زواجي من هذه الفتاة فهل هذا جائز أم لا أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول هذا الأخ إن له ابنة خالة يعيش معها منذ الصغر وإن والدته أصرت على أن يتزوج بها فهل هذا جائز نقول إذا كان سؤالك هل هذا جائز يعني بالنسبة لأمك أي هل يجوز للأم أن تصر على أن تتزوج بهذه البنت وأنت لا تريدها فإن جواب هذا أن نقول لا ينبغي للأم أن تفعل هذا وأن تصر على أن يتزوج ابنها بامرأة لا يريدها لأن ذلك ليس من مصلحة الجميع فإن الإنسان إذا تزوج بمن لا يشتهي فالغالب أن لا يتم بينهما الاجتماع المطلوب.
أما إذا كان السؤال هل هذا جائز بالنسبة لك يعني يجوز أن تتزوج امرأة أنت وإياها منذ الصغر فنقول لا بأس أن تتزوجها وإن كنت وإياها منذ الصغر في البيت جميعاً لأن ذلك لا يوجب الحرمة بينكما ولكن إذا كنت لست في محبة لها وإنما تريد أن تتزوجها على سبيل المجاملة فإننا ننصح بأن تعدل الوالدة عن الإصرار على الزواج بها حتى تتزوج امرأة تكون مقبلاً عليها أكثر من إقبالك على هذه وإذا أصرت وأبت إلا ذلك واستعنت بالله عز وجل وتزوجت بها مطيعاً لوالدتك قاصداً البر بها فنرجو أن يكون لك الخير إن شاء الله.
***(19/2)
عبد الله علي الحشاشي من بلدة نحش يقول عندنا رجل متولي على حريم أيتام وهو متوليهم من يومهم أطفال حتى الآن وقد زوج واحدة من البنتين أخوه وواحدة يجبرها على ولده والهدف من ذلك هوأن الحريم هؤلاء معهم رزق كثير أفيدوني جزاكم الله خيراً هل هو حق أم باطل ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من حق أي ولي من الأولياء أن يجبر موليته على النكاح حتى الأب نفسه لا يحق له أن يجبر ابنته على الزواج بمن لا تريد الزواج به ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تنكح البكر حتى تستأذن) ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بين الأب وغيره ولا بين البكر وغيرها , بل في صحيح مسلم قال (والبكر يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص علي الأب فدل ذلك على أنه لا بد من استئذان الرجل لمن يريد أن يزوجها من مولياته سوءاً كان أباً أم أخاً أم عماً أم ابناً لابد من أن يستأذن في ذلك وعلى هذا فهذا الرجل الذي كان ولياً على هؤلاء الأيتام ويظهر أنه أجنبي أيضاً لا يجوز له أن يجبر واحدةً منهن على أن تتزوج ابنه لأن ذلك محرم عليه بل لا يزوج امرأة منهن إلا بعد رضاها واستئذانها استئذاناً شرعياً يتبين لها به أوصاف الزوج وحياته ولا يكفى أيضاً أن نقول أريد أن أزوجك فلاناً وهى لا تدري عن هذا الرجل الذي يريد أن يزوجها منه حتى يبن قبيلته ويبين حاله ويبن أخلاقه ويبين كل ما تحتاج المرأة إلى بيانه.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذه مستمعة رمزت لاسمها بـ م. ع. ح. من الأردن بعثت برسالة تقول فيها تقدم شخصان لخطبة فتاة رضيت البنت والأم بواحد ورضي الأب بالآخر وحصل خلافٌ بينهما فمن المقدم في القبول أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المقدم في القبول المرأة الزوجة فإذا عينت الزوجة المرأة المخطوبة شخصاً وعين أبوها أو أمها شخصاً آخر فإن القول قول المخطوبة لأنها هي التي سوف تعاشر الزوج وتبقى معه حياتها وتنجب منه الأولاد نعم لو فرض أنها اختارت من ليس كفأً في دينه أو خلقه فحينئذٍ لا يؤخذ بتعيينها وإذا أبت أن تتزوج الآخرين المرضيين في دينهم وخلقهم إلا هذا الرجل الذي رضيته وهو ليس بكفء فإنها تمنع منه وتبقى وإن كانت بغير زوج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير) وكذلك لو اختلف الأب والأم في الخاطبين فاختارت الأم واحداً واختار الأب واحداً فإنه يرجع إلى البنت المخطوبة في هذا الأمر.
***(19/2)
يقول ما حكم الإسلام في نظركم في تزويج فتاة من شاب لا تريد الزواج منه أو العكس شاب من فتاة وإذا تم مثل هذا الزواج هل هذا الزواج صحيح أم لا وهل هناك أدلة على التحريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزواج من أشرف العقود وأعظمها خطراً وأبلغها أثراً لما يترتب عليه من المحرمية والتوارث والأنساب وغير ذلك من الأمور الهامة في المجتمع ولهذا يجب التحري فيه بدقة بالغة ومن أهم ما يجب التحري فيه أن يصدر النكاح عن رضا من الزوج أو الزوجة فلا يجوز أن تجبر الزوجة على نكاح من لا تريد سواء كانت ثيباً أم بكراً وسواء كان العاقد أباها أم غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر وسئل عن كيفية استئذان البكر أو عن كيفية أذن البكر فقال إذنها أن تسكت) وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم قال (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب وهذا دليل ظاهر على أنه ليس لأحد ولو كان أباً أن يجبر موليته على النكاح بمن لا ترضاه حتى وإن كان هذا الخاطب ممن يرضى دينه وخلقه لأنها هي أعلم بنفسها لكن لا ينبغي لها أن ترد الخاطب إذا كان ذا دين وخلق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال عريض) ولكن إذا اختارت من ليس بكفء في دينه فإن لوليها أن يمنع النكاح ولا حرج عليه في المنع حينئذٍ حتى لو بقيت بدون زوج وهي لم ترض ألا بزوج لا يرضى دينه فإن لأبيها أن يمنعها لمفهوم قول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وإذا زوجت بمن لم ترض به فإن النكاح يكون موقوفاً على إجازتها فإن أجازت فالنكاح بحاله وإلا وجب التفريق بينهما لأن النكاح لم يصح فإن قلت كيف يمكن أن تكون رافضة ثم تجيز ذلك قلت نعم يمكن أن تكون رافضة بالأول فإذا رأت العقد قد تم رضيت وأجازت ولكننا لا نعني بذلك أنه يجوز أن يقدم وليها على أن يزوجها وهي كارهة بل ذلك حرام عليه وكذلك بالنسبة في الزوج فإنه لا يجوز أن يجبر على النكاح بمن لا يريدها بل ولا أن يضغط عليه ويضيق عليه فإن ذلك سبب لما لا تحمد عقباه وقد بلغنا أن بعض الناس يجبر ابنه على أن يتزوج ابنة أخيه أي ابنة أخي الأب وهي بنت عم الابن فيتزوجها الابن وهو كاره للزواج فيقع بعد ذلك ما لا تحمد عقباه بأن يمسكها الابن على مضض وتعب نفسي أو يطلقها فيكون الضرر الحاصل بالطلاق بعد النكاح أشد من الضرر الحاصل بعدم النكاح وقد قالت العامة مثلاً التحويل من أسفل الدرجة أحسن من التحويل من أعلى الدرجة.
***(19/2)
يقول هل يجوز بأن يزوج الأب ابنته بدون رضاها، وما ضرر ذلك بالنسبة للأسرة وما رأي الإسلام فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يزوج ابنته بدون رضاها، هذا هو ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وهذا عام في كل من أراد أن يزوج بكراً، بل في ذلك نص خاص في الأب حيث قال صلى الله عليه وسلم (والبكر يستأمرها أبوها) فهو نص صريح في أنه لابد من رضا المرأة في التزويج هذا هو ما يقتضيه الشرع.
أما بالنسبة لضرره على الأسرة فضرره كبير لأنه أولاً تزويج على غير الوجه الشرعي، وثانياً يحصل فيه من التنافر بين الرجل وزوجته ما يوجب العداوة والبغضاء بين القبيلتين قبيلة المرأة وقبيلة الرجل فيحصل بذلك الخصومة والنزاع كذلك ربما يحصل الجفاء من المرأة أو من الرجل للآخر فيحتاجون مع ذلك إلى بذل مال للخلاص ويكون المال كثيراً يصعب على أولياء المرأة فينضرون بذلك، على كل حال ليس هذا موضع تقصي الأضرار التي تحصل بمخالفة الشرع في تزويج البنت ممن لا ترضاه، ولكن لو أن البنت رضيت رجلاً ليس كفأً في دينه فلأوليائها أن يمنعوها منه، يعني لو قالت أنا أريد هذا الشاب أو هذا الرجل شاباً كان أو كبيراً ولكنه في دينه ليس مرضياً فإنه يجب على أوليائها أن يمنعوها منه، وليس عليهم في ذلك إثم، حتى لو ماتت وهي لم تتزوج وأصرت على ألا تتزوج إلا بهذا الرجل الذي عينته فإنه ليس عليهم في ذلك إثم لاسيما فيمن لا يصلى، لأن من لا يصلى على القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة القرآنية والنبوية كافر كفراً مخرجاً عن الإسلام والكافر لا يحل له أن يتزوج مسلمة وهذه مسألة أرجو أن تكون على بال كثير من الناس ممن يتهاونون بهذا الأمر، أعني بترك الصلاة سواء من التاركين أو من الناس الذين يعلمون بهؤلاء التاركين لأن أمرها عظيم وجرمها كبير.
فضيلة الشيخ: قلتم قد يطلب الزوج في الفدية مثلاً مالاً لا تطيقه هذه الأسرة، هل للزوج أن يطلب غير ما دفعه لهذه الأسرة صداقاً لهذه المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء وهو هل يجوز للزوج أن يطلب من زوجته أكثر مما أعطاها، منهم من يرى أنه يجوز لعموم قوله تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وما هذه اسم موصول والأسماء الموصولة للعموم فيشمل كل ما افتدت به، ومنهم من يقول لا يجوز بأكثر مما أعطاها لأن ذلك ظلم لاسيما وهو قد استحل فرجها واستمتع بها فكيف يأخذ عليها مالاً أكثر مما أعطاها وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لثابت بن قيس (أقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فدل هذا على أنه لا ينبغي للرجل أن يأخذ أكثر مما أعطاها، والمشهور من مذهب الحنابلة أنه يكره بأكثر مما أعطاها، ولكن هذا أيضاً مقيد بما إذا كانت هي السبب في الفراق، أما إذا كان هو السبب بحيث أساء عشرتها ومنعها حقوقها لكي تفتدي فهذا لا يجوز، لا يجوز بكل حال لا بقليل ولا بكثير.
***(19/2)
يقول بعض أولياء أمور الأبناء والبنات لا يحرصون كثيراً عند زواج أبنائهم وبناتهم على تحري الأفضل ديناً وخلقاً بل يجعلون همهم الوحيد هو المال والجاه وهذا ما يسبب الكثير من المشاكل بعد الزواج فهل يجوز للفتى أو الفتاة إذا تحقق من عدم صلاح الطرف الثاني له أن يرفض الزواج وإن أرغم فهل يصح الزواج بالإكراه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي في الزواج أن يُختار صاحب الدين على غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين) فحث النبي عليه الصلاة والسلام على التزوج بصاحبة الدين (فاظفر بذات الدين) وأمر أن يزوج صاحب الخلق والدين (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه) فدل ذلك على مراعاة الدين من الطرفين من جهة الزوجة ومن جهة الزوج وهذا هو الذي ينبغي أن يراعى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه - أي صاحب الدين - إن رضي بالمرأة عاشرها بإحسان وإن لم يرض بها فارقها بالمعروف بخلاف من لم يكن صاحب دين فإنه يتعب زوجته تعباً كثيراً وربما لا يطلقها بل يضارُّها وكذلك العكس صاحبة الدين تكون حماية لزوجها وحفظاً وصيانة كما قال الله تعالى (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) ومن لم تكن ذات دين فإنها تتعبه ربما تفسد عليه أمر دينه وربما تفسد أولاده أيضاً لأنها هي المدرسة الأولى بالنسبة لتربية الأولاد وعلى هذا فالعاقل المؤمن يراعي في التزويج بمن كان ذا دين وخلق حتى يكون ذلك أقرب إلى السعادة وإلى الحياة الزوجية الحميدة أما مراعاة المال والجاه والشرف فإنها وإن كانت تراعى بلا شك وتقصد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها) ولكن هي دون الدين بكثير وبمراحل وربما يتزوج الإنسان امرأة أكمل منه في الحسب والنسب والشرف وتكون وبالاً عليه تترفع عليه وتعتقد نفسها هي السيدة لا هو وحينئذ يتعب معها تعباً كثيراً وكذلك الأمر بالعكس قد يكون الزوج ذا حسب ونسب وشرف وجاه فتتعب الزوجة معه ويتعب أهلها وكأن هذا الرجل الذي تزوج ابنتهم كأنه سيدٌ عليهم وملكٌ عليهم لسبب ما يراه لنفسه من الشرف والجاه فالمهم أن نقول إن مراعاة الدين من الجانبين هي التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي ينبغي أن تكون مناطاً للرفض أو القبول.
فضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة في نفس السؤال يقول هل للابن أو البنت الرفض وهل يصح العقد مع رفضهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم للبنت أن ترفض من لا تريد الزواج به حتى ولو كان أبوها هو الذي يريد أن يزوجها على القول الراجح ولا يحل أن تجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد سواء كان المجبر أباها أم غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) وفي صحيح مسلم قال (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب وأما تجويز بعض أهل العلم للأب أن يزوج ابنته بدون رضاها فإنه قول ضعيف ولا دليل عليه لا من أثر ولا من نظر وأما الاستدلال بتزويج أبي بكر رضي الله عنه لابنته عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا قياس بعيد لأننا لا نجد رجلاً كأبي بكر رضي الله عنه في الثقة والأمانة في تزويج ابنته ولا نجد زوجاً كرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إننا نعلم علم اليقين أن عائشة رضي الله عنها سترضى به ولهذا لما أمر الله نبيه أن يخير زوجاته بالبقاء معه أو بتسريحهن بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وخيرها وقال لها (ليس عليك أن تستأمري أبويك - أي ليس عليك بأس أن تشاوريهم - فقالت يا رسول الله أفي هذا أستأمر أبوي إني أختار الله ورسوله) الذي يقيس الأباء في هذا الزمان على أبي بكر رضي الله عنه في تزويجه عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قاس قياساً ليس بصحيح لأن القياس لابد فيه من تساوي الأصل والفرع في العلة والتساوي هنا ممتنع فإكراه بعض الآباء لبناتهم على أن يتزوجن بمن لا يردن هذا محرم عليهم والنكاح ليس بصحيح ويجب التفريق بين المرأة وبين زوجها ولكن أهل العلم يقولون إن المرأة إذا ادعت أنها مكرهة بعد أن دخل الزوج عليها فإن قولها لا يقبل ولا ينفسخ النكاح من أجل دعواها هذه لأن تمكينها من الدخول يدل على أنها راضية اللهم إلا أن تكون بينة على أنها أدخلت عليه قهراً فإنه يبقى الحكم والخيار لها وأما بالنسبة للولد فليس للأب ولا لغيره أن يجبره على أن يتزوج بامرأة لا يريدها ومن نظر في واقع الأمر وجد أن الزواج مع الإكراه والإلزام عواقبه وخيمة فإن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يلزمون أولادهم الذكور بأن يتزوجوا فلانة إما لقرابتها أو لصداقة بينهم وبين أبيها أو ما أشبه ذلك فيلزمون الولد أن يزوجها وهو لا يريدها وليس بإجبار ولكن تلزيم يخجل الولد من مخالفته وحينئذ تبقى النتيجة وخيمة فالذي أرى وأنصح به أن يبقى الزوج والزوجة أو الخاطب والمخطوبة أن يبقيا أحراراً في اختيار من يريدون نعم لو اختارت البنت رجلاً ليس بكفء في دينه فلأبيها أن يمنعها فلا حرج عليه ولا أثم عليه حتى لو ماتت قبل أن تتزوج وهي لا تريد إلا هذا النوع من الناس فإنه ليس عليه إثم ولا حرج لأنه إنما منعها من أجل عدم الكفاءة.
***(19/2)
المستمع ط. م. ر. من الرياض يقول يوجد في عائلتنا عادة وهي أنه عندما يريد أحد الشباب الزواج من قريبته يتم الاتفاق بينه وبين أبي الزوجة وجميع من يهمهم الأمر خفية وحتى إذا جاء يوم الزواج أخبروا الزوجة وقبل ذلك لا يكون لديهم علم ولا يؤخذ رأي المرأة في هذا الأمر وذلك لأن هذه قاعدة عندنا وهي أن البنت لا تؤخذ مشورتها في الزواج فهل هذا العمل صحيح من قبل الشرع علماً بأن هذا لا يكون إلا بين الأقارب بعضهم البعض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن العادات لا تحكم على الشريعة بل الشريعة هي الحاكمة على العادات فإذا كانت العادة على خلاف الشرع فإن الواجب ترك هذه العادة والتمسك بما دلت عليه الشريعة وهذه العادة التي أشار إليها السائل بأن الرجل إذا أراد أن يخطب المرأة فإنه يتكلم مع أوليائها سراً وهي لا تعلم عن ذلك إلا قرب الزواج بدون أن يؤخذ رضاها هذه العادة مخالفةٌ للشريعة وبناءً على القاعدة التي أشرنا إليها آنفاً تكون عادةً باطلة لا يجوز البقاء عليها فإنه لا يجوز لإنسان أن يزوج ابنته أو امرأةً ممن له ولايةً عليها إلا برضاها سواءٌ كانت بكراً أم ثيباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال أن تسكت) ولا فرق في هذا بين الأب وغيره حتى الأب لا يجوز أن يزوج ابنته ولو كانت بكراً إلا برضاها ويجب إذا عرض الزوج على المرأة المخطوبة يجب أن يبين حاله على وجهٍ تقع به المعرفة وتقدم المخطوبة على القبول عن بصيرة ولا يكفي أن يقال إن فلان خطبك وإنا نريد أن نزوجك منه حتى يبين لها حال هذا الرجل إلا إذا فوضت وليها فقالت إذا استشارها قالت أنت أعلم إذا رأيت أنه صالحٌ وكفء فأنا موافقة ففي هذه الحال لا يحتاج إلى أن يشرح لها حال هذا الخاطب.
***(19/2)
فهد الضبعان من مدينة حائل بالمملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال ما حكم تزويج البنت وهي لا تعلم وهل يتطلب منّا أن نأخذ مشورتها نرجو إفادة مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: تزويج البنت وهي لا تعلم محرم ولا يصح العقد إلا أن تجيزه بعد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الأيم حتى تستأمر قالوا يا رسول وكيف أذنها أي البكر قال أن تسكت) فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تزويج البنت البكر حتى تستأذن وهذا الحديث عام يشمل الأب وغيره بل قد ثبت في صحيح مسلم النص على الأب وعلى البكر وأنه يجب على أبيها أن يستأذنها وهذا هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تزوج البكر ولو كان وليها أباها حتى تستأذن وإذا استؤذنت فإنه يجب أن تخبر بالزوج على وجه تقع به المعرفة ولا يكفي أن يقال إنه قد خطبك رجل فهل نزوجك بل لا بد أن يبين الأمر ويقال خطبك فلان بن فلان وظيفته كذا وعمله كذا ويبين لها من دينه وخلقه ما تحصل به المعرفة اللهم إلا إذا علم أبوها أنها ستوفض أمرها إليه فحينئذ يقول إنك خطبت وأننا نريد أن نزوجك فالمهم أنه لا يجوز لأحد أن يزوج امرأة بدون علمها وإذنها سواء كانت بكراً أم ثيباً وسواء كان الولي أباها أم غيره هذا ما دلت عليه السنة وهو دليل أثري ويدل عليه أيضاً النظر والقياس فإن المرأة ستكون مع الزوج مدى الحياة إذا لم يحصل فراق والزوج شريكها في حياتها فكيف تزوج بدون إذنها وبدون علمها أو تزوج وهي كارهة وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يبيع من مالها ما يساوي فلساً إلا برضاها فكيف يمكن أن يقال إنه يزوجها من شخص لا تريده أو من شخص قبل أن تستأذن في تزويجها إياه وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يؤجر شيئاً من عقارتها إلا بإذنها فيكف يزوجها ويجعل الزوج يستبيح منافعها التي أباحاها الله له بدون علمها أو بعلمها مع إكراهها إن من تأمل مصادر الشريعة ومواردها يعلم أن الشريعة لا تأتي بمثل هذا أي لا تأتي بإجبار البنت أو بعبارة أخرى لا تأتي بإجبار المرأة على أن تزوج من شخص لا تريده وتمنع إجبار المرأة على بيع شيء من مالها أو تأجير شيء من عقارها وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني أولياء النساء من محظورين عظيمين في التزويج.
أحداهما إجبار المرأة على أن تزوج بمن لا تريد فإن هذا كما سمعتم محرم شرعاً والنكاح لا يصح اللهم إلا أن تجيزه بعد.
والمحظور الثاني منع المرأة من تزويجها كفأً ارتضته فإن بعض الأولياء يتحكم في مولياته من النساء ولا يزوجها إلا من يريده هو لا من تريده هي فتجده تخطب منه موليته ابنته أو أخته أو أي امرأة له عليها ولاية ثم يمانع ولا يزوج بل ولا يرجع إلى المرأة في مشورتها في ذلك يرد الخاطب وهي لا تعلم وما أكثر شكاية النساء من مثل هؤلاء الأولياء الذين تخطب منهم بناتهم أو أخواتهم أو من لهم عليهنّ ولاية ثم لا يزوجهن مع أن الخاطب كفء في دينه وخلقه وهؤلاء ارتكبوا محظورين المحظور الأول عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكون فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال عريض) والمحظور الثاني ظلم المرأة بمنعها من الزواج أو من هو أهل لتزويجها فإن المرأة عندها من الغريزة وحب النكاح مثل ما عند الرجل ولا أدري عن هذا الولي لو أن أحداً منعه من الزواج مع شدة رغبته فيه هل يرى أنه ظالم له أو يرى أن ذلك من حقه الجواب سيرى أنه ظالم له وأنه لا يحق له بل ولا يحل له أن يمنعه من الزواج مع شدة رغبته فيه لمجرد هوى شخصي فكيف لا يرضى ذلك لنفسه ثم يرضاه لهؤلاء النساء اللاتي جعله الله وليّاً عليهنّ فليحذر أولئك الأولياء من هذا المحظور العظيم معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وظلم هؤلاء النساء القاصرات نعم لو فرض أن المرأة اختارت من ليس كفأ في دينه فلوليها أن يمنعها في هذه الحال وأن يرد الخاطب لأن المرأة قاصرة وقد تختار شخصاً غير مرضي في دينه ويحصل بعد ذلك من المفاسد ما يحصل ومن أجل هذا جعل الشارع المرأة لا تزوج نفسها بل لا بد من ولي يزوجها لأنها قاصرة المهم أنني أحذر من أولئك الأولياء الذين يمنعون تزويج من ولاهم الله عليهن بمن هو كفء لهنّ في دينه وخلقه لما في ذلك من المحظورين اللذين أشرنا إليهما ولقد حدثت أن امرأة حضرها الموت وكان وليها يمنع من تزويجها ويرد كل من طلبها وكان عندها نساء حين حضرها الموت فقالت لهنّ أخبرن أبي أنه مني في حرج لأنه منعني من أن أتزوج بمن هو أهل للتزويج وماتت بعد ذلك وهذا أمر عظيم يجب على الإنسان أن يتنبه له وأن يخشى الله عز وجل فيمن ولاه الله عليهنّ من النساء.
***(19/2)
أحسن الله إليكم تذكر هذه السائلة بأنها فتاة تبلغ من العمر الثانية والعشرين ولم تتزوج تقول لأنني أريد رجل صالحاً يحفظ علي ديني ويساعدني على طاعة الله عز وجل ولكن والدي أجبرني على الموافقة على رجلٍ يصلى والحمد لله لكنني غير راضية عليه وغير مرتاحة إلى الآن علماً بأنه لم يعقد علي وأنا في ضيقٍ شديد وحيلتي قليلة وقد رفضت هذا الرجل لأن فيه بعض المعاصي وأخاف على نفسي أن أكون عوناً له على ذلك وأنا مع أهلي يا فضيلة الشيخ متمسكة على ديني كالقابضة على الجمر لأن أهلي هداهم الله يجاهرون ببعض المعاصي وحاولت إقناعهم لكن دون جدوى وكان لي أمل أن أتزوج من رجلٍ صالح يعينني على الخير وعلى أمور ديني ويفرج عني كربتي بعد الله عز وجل ولكني فقدت الأمل ووالدي متسرع لا يتفاهم بصدرٍ رحب وقلت له زوج إحدى أخواتي قال كلام الناس لا تزوج الصغرى قبل الكبرى والله المستعان رغم أنني صلىت صلاة الاستخارة عدة مرات لكن حالي لم يتغير أرجو النصح والإرشاد التام بما فيه الخير والفائدة لأنني أقتنع بكلام ورأي فضيلة الشيخ محمد العثيمين حفظه الله وهو نعم المربي والموجه والمرشد أطال الله في عمره على طاعة الله وأسأل المولى الكريم أن يرزقه الجنة والمسلمين وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أشكر السائلة على هذا الدعاء وعلى حسن ظنها بي وأرجو الله تبارك وتعالى أن أكون عند حسن ظن إخواني بي ثم إني أهنئها على كونها تتحرى الرجل الصالح الذي يعينها على دينها ويحفظ كرامتها وأقول أبشري بالخير والله سبحانه وتعالى لن يخيب سائله وراجيه أبداً فعليها بالإلحاح على الله عز وجل تبارك وتعالى وهو يحب الملحين بالدعاء أن تلح على ربها تبارك وتعالى أن يرزقها عاجلاً غير آجل زوجاً صالحاً ذا خلقٍ ودين ولتنتظر الفرج من الله عز وجل وأما بالنسبة لإلزام والدها أن تتزوج بهذا الخاطب فلها أن ترفض لأن الأمر أمرها والذي سيعاني من الزوج هي وليس أباها والمرأة إذا أجبرت على التزوج من شخص فالنكاح غير صحيح سواء كان المجبر أباها أم غيره لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وقال عليه الصلاة والسلام (البكر يستأذنها أبوها) أو قال (يستأمرها أبوها) فنص على البكر وعلى الأب ثم كيف يمكن للإنسان أن يجبر ابنته على أن تتزوج بشخص لا ترضاه وهو لا يملك أن يجبرها على بيع بيضةٍ من مالها هذا لا يمكن أن تأتي به الشريعة والحمد لله لم تأتِ به الشريعة وإن كان بعض العلماء يرى أن للأب أن يجبرها لكنه قولٌ ضعيف وما دامت هذه المرأة قد استخارت مرتين ولم ينشرح صدرها لهذا الخاطب فلترفضه وإنها إذا رفضته لا يجوز لأبيها أن يزوجها أبداً فإن زوجها وهي مكرهة فقد سلط عليها رجلاً ليس بزوجٍ لها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن تزوج البكر حتى تستأذن) وقال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود فكيف إذا كان عليه نهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا فليتق الله امرؤٌ زوج واحدة من بناته مع الإكراه وليعلم أنه سلط عليها من ليس بزوجٍ شرعاً وبيننا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله فهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلن بالنهي عن تزويج البكر حتى تستأذن وينص على البكر وعلى الأب فمن المشرع بعده ومن المعلوم أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاعةٌ لله ومعصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم معصيةٌ لله فليتق الله هؤلاء الآباء ثم إن من البلاء أن بعض الناس لا يراعي مصلحة البنت أو الأخت أو من له ولايةٌ عليها إنما يراعي مصلحته الشخصية فقط أو يراعي عصبيةً بائدة كالذي يقول لبنته والله لا تفرحين بالزوج إلا من ابن عمك مثلاً سبحان الله هل البنت أو الأخت أو من له ولاية عليها هل هي قطعةٌ من ماله يبيعها على من شاء ألا فليتقوا الله وليعلموا أن هؤلاء البنات اللاتي أجبرن على الزواج بغير إذنهن أنهن سيكنَّ خصم هؤلاء الذين زوجوهن يوم القيامة.
***(19/2)
هذه رسالة وردت من الأخت هـ. ع. من المملكة العربية السعودية تقول أولاً إنني فتاة أبلغ من العمر السادسة عشرة وزوجني والدي بزوج لا أعرفه ولا أعرف عنه أي شيء، إن والدي جبرني عليه وعشت مع هذا الزوج خمسة أشهر فقط، أنا لا أحبه أبداً، إنه يضربني، وفي يوم ضربني ضرباً شديداً وطلق بالثلاث ست مرات، وعدت إلى أهلي، وأنا الآن عندهم من حوالي عشرة شهور وهو تاركني إلا أنني حزينة معذبة في أشد العذاب، والدي منعني من إكمال دراستي بدون سبب، وهذا الزوج يقول لن أطلقها إلا بعد خمس سنوات أو أكثر، والدي يقول لن أكلمه ظفرة، إن أخذك يأخذك أو يتركك، ماذا أفعل أرجوكم إنني في هم، ووالدي جبرني عليه، وأخذ حتى مال الزواج كله، إن والدي صعب علينا ونخاف منه ولا أقدر أكلمه عن أي شيء أبداً، ماذا أفعل أرجوكم الحل، وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور، الأمر الأول عقد الزواج لك على رجل لا تعرفينه ولم ترضي به، وهذا حرام على أبيك أن يزوجك إلا بعد إذنك في الزواج من شخص يبين لك جميع ما تتعلق به الرغبات من وصفه خلقة وخلقاً وديناً وكسباً وجمالاً، على كل حال لا يجوز للأب ولا لغيره أن يزوج أحداً ممن له ولاية عليه إلا بعد أخذ إذنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر) وفي رواية صحيحة في مسلم (والبكر يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب، والصحيح من أقوال أهل العلم أن النكاح إذا زوجك والدك بمن لا ترضين أن النكاح غير صحيح، ولكن إن أجزتيه فهو صحيح وإلا فلك الفسخ، بل على الأصح لك إبطال العقد ومنع نفوذه، هذه واحدة.
الأمر الثاني مما يتعلق بهذا السؤال معاملة زوجك لك، إذا كان ما قلتي صحيحاً فإن هذه المعاملة معاملة سيئة وهي خلاف قول الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهذه المعاملة تبيح لك أن تطلبي فراقه والخلاص منه، ولا يحل له هو في هذه الحال أن يعضلك حقك لتفتدي منه بما أعطاك من مهر أو بدونه أو بأكثر منه، بل الواجب عليه وعلى كل زوج أن يعاشر زوجته بالمعروف في الإنفاق وفي المنام وفي الخطاب وفي كل الأحوال لقول الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) .
الأمر الثالث بالنسبة لوالدك فإن الواجب عليه في هذه الحال، إذا صح ما قلتي عن زوجك، الواجب عليه أن يدافع عن حقك، وأنت من أحق الناس ببره، وهو أولى الناس بالدفاع عنك، وأنت في هذا الحال لا شك مظلومة، فعلى والدك أن يدفع الظلم عنك، لأن ذلك من البر والصلة، ولا يجوز له أن يسكت على هذا الأمر، وكل أمر فإنه يمكن حله، إما بطريق المصالحة وأن يبعث حكمان من أهلك ومن أهله، وينظرا في الموضوع ويفرقا بينكما إذا لم يمكن الجمع، وإما إذا لم تمكن هذه الطريقة فبأي طريقة أخرى يمكن بها حل هذه المشكلة، وآخر الطب الكي كما يقال، آخر الأمر عرضها على المحكمة الشرعية لتقضي فيها ما يقرره الشرع.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لتطليقها ست مرات بالثلاث هي ذكرت ذلك وأنه أمسكها وقال لن أطلقها إلا بعد خمس سنوات أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التطليق يحتاج إلى بحث عن حال الزوج فقد يكون في حال غضب شديد لا يدري ما يقول، وقد يكون له أحوال أخرى تمنعه من تصور ما يقول، فلا نستطيع أن نحكم على هذا إلا بعد العلم الذي يمكننا منه أن نحكم عليه، لكن فيما لو وقع أن رجلاً طلق غير هذه القضية ست مرات فإن المعروف عند أهل العلم أن طلاقه يكون بائناً بثلاث طلقات والباقي زيادة، ومن العلماء من يقول إنه لا طلاق إلا بعد رجعة، وأن الطلاق مهما كرر ولم يتخلله رجعة فإنه ليس بشيء، فالعمل على الطلقة الأولى لأن الله تعالى يقول (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) والطلاق بعد الطلاق ليس طلاقاً للعدة ولكنه طلاق في العدة، وفرق بين الطلاق للعدة والطلاق في العدة، ثم إن حديث ابن عباس رضى الله عنهما كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة عمومه يقتضي أنه لا فرق بين الطلاق المكرر جملة والطلاق الذي وقع بلفظة واحدة ووصف بالثلاث أي أن لا فرق بين أن يقال أنت طالق ثلاثاً أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فإن ظاهر الحديث أنه لا فرق بينهما خصوصاً وأن أهل العلم الذين يقولون بوقوع الطلاق الثلاث البائن من جملة ما أجابوا به عن هذا الحديث أن ذلك في غير المدخول بها، قالوا لأنها تبين بالطلقة الأولى فتقع الطلقتان الثانية والثالثة على غير زوجة فلا تحسبان على المطلق مما يدل على أن هذا الحكم الذي دل عليه الحديث يشمل ما إذا كان الطلاق مكرراً بجملة أو بجملة واحدة موصوفاً بالثلاث.
فضيلة الشيخ: لكن هل تغير الحكم بعد عمر رضى الله عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بعد سنتين من خلافة عمر كثر الطلاق بالثلاث، والطلاق الثلاث كما هو معروف من اتخاذ آيات الله هزواً، سواء قلنا إنه استعجال للبينونة كما هو مناط الحكم عند أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه، أو قلنا إنه مخالف لقوله تعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) لأن تكرار الطلاق على المطلقة طلاق في العدة لا للعدة، فهو من اتخاذ آيات الله هزواً، فرأى عمر رضى الله عنه أن يلزم الناس بما يقتضيه لفظهم عقوبة لهم، لا تشريعاً، لأن الشرع انتهى بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه قال رضى الله عنه أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم وهذا دليل على أنه فعل ذلك اجتهاداً وعقوبة ً لأجل أن لا يتعجل الناس في هذا الأمر.
***(19/2)
المستمع ع. ط. أ. هـ. من المدينة المنورة يقول لي أخت من الأب وقد زوجها أبي من رجل بدون رضاها وبدون أخذ إذنها وهي تبلغ إحدى وعشرين سنة ووقت عقد النكاح شهد شهود زوراً بأنها موافقة ووقعت والدتها بدلاً عنها على وثيقة العقد وهكذا تم الزواج وهي لا تزال رافضة هذا الزوج مهما كانت الأسباب فما الحكم في هذا العقد وفي شهادة الشهود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأخت لك إن كانت بكراً وأجبرها أبوها على الزواج بهذا الرجل فقد ذهب بعض أهل العلم إلى صحة النكاح ورأوا أن للأب أن يجبر ابنته على الزواج بمن لا تريد إذا كان كفأً ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفأً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح البكر حتى تستأذن) وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء بل قد ورد في صحيح مسلم (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً والمحرم لا يكون صحيحاً نافذاً لأن إنفاذه وتصحيحه مضاد لما ورد فيه من النهي وما نهى الشرع عنه فإنه يريد من الأمة ألا تتلبس به أو تفعله ونحن إذا صححناه فمعناه أننا تلبسنا به وفعلناه وجعلناه بمنزلة العقود التي أباحها الشارع وهذا أمر نهى الشرع وعلى هذا القول الراجح يكون تزويج والدك ابنته هذه بمن لا تريد يكون تزويجاً فاسداً والعقد فاسد فيجب النظر في ذلك من قبل المحكمة أما بالنسبة لشاهد الزور فإن هذا والعياذ بالله قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (ألا أخبركم بأكبر الكبائر - فذكرها - وكان متكأً فجلس ثم قال ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا ليته سكت) فهؤلاء المزورون عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يقولوا كلمة الحق وأن يبينوا للحاكم الشرعي أنهم قد شهدوا زوراً وأنهم راجعون في شهادتهم هذه وكذلك الأم حيث وقعت عن ابنتها كذباً فإنها آثمة بذلك وعليها أن تتوب إلى الله عز وجل وألا تعود لمثل هذا.
***
شروط النكاح - الولي في النكاح(19/2)
يقول السائل يا فضيلة الشيخ هربت بنت بكر عمرها حوالي عشرين سنة من بيت أهلها وتزوجت بدون علم والدها وعندما علم الوالد لم يكن موافقاً بهذا وبعدما أنجبت حدث صلح بينهما وبين أهلها فما حكم الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزواج غير صحيح لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا نكاح إلا بولي) والواجب عليها مفارقة زوجها الآن وعقد النكاح من جديد.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا سائل يقول يا فضيلة الشيخ هل للمرأة أن تزوج نفسها من رجلٍ صالح إذا كان والدها سيئ الخلق ولا يريد لها الخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لها أن تزوج نفسها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا نكاح إلا بولي) وعلى وليها أن يزوجها إذا كان الخاطب كفأً في دينه وخلقه ورضيته فإن امتنع انتقلت الولاية إلى من يليه من الأولياء فإذا امتنع الأب من تزويج ابنته خاطباً كفأً في دينه وخلقه وقد رضيته انتقلت الولاية إلى أبنائها إن كان لها أبناء فإن لم يكن لها أبناء فلإخوانها الأشقاء أو لأب فإن لم يكن لها إخوان فلأعمامها الأشقاء أو لأب فإن لم يكن لها فإلى المعتق إن كانت رقيقة فأعتقت فإن لم يكن فإلى الحاكم وهو القاضي وكذلك إن كانوا موجودين وأبوا أن يزوجوا فإنها تنتقل إلى الحاكم.
***(19/2)
يقول هل يجوز للمرأة البكر أن تزوج نفسها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة البكر ولا غير البكر أن تزوج نفسها بل لابد لها من ولي والولي هو الذكر من عصباتها فقط فإن لم يوجد فالسلطان ولي من لا ولي له، السلطان ذو السلطة العليا في الدولة أو من ينيبه السلطان في هذه الأمور فيقوم مقامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لانكاح إلا بولي) ومما يشهد لهذا الحديث قوله تعالى (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) فقال (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ) فجعل أمر الأيامى موكول إلينا ولو كانت الأيم وهي التي تأيمت من زوجها السابق يمكن أن تُزِوج نفسها ما وجُِه الخطاب إلى أوليائها فالمهم أنه لابد من ولي يتولى عقد النكاح للمرأة.
***(19/2)
يقول هل يجوز للبنت البكر التي ليس لها ولي أو كان وليها غائبا أن تنكح نفسها أم لا وهل في هذا الحكم فرق بين البكر والثيب مطلقة كانت أو أرملة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تنكح نفسها ولا غيرها أيضاً سواء كانت بكراً أم ثيباً وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل عقد النكاح بيد غير المرأة فقال (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) في الرجال فأضاف النكاح إلى الزوج نفسه أما في النساء فقال (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) فجعل الانكاح بيد غير المرأة وقال سبحانه وتعالى (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي) فهذا الدليل من الأثر على أنه لابد للمرأة من ولي ينكحها أما من حيث النظر فإن المرأة ناقصة العقل والدين فهي قاصرة في تفكيرها وهي أيضاً ضعيفة في دينها أقول هذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) ولقوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ولولا نقصان المرأة ما كان الرجل قواماً عليها بل صريح الآية (ولا تتمنوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فإذا كانت المرأة بهذا الوصف بدلالات الكتاب والسنة من نقصان العقل والدين فإنها بحاجة إلى ولي مرشد يعرف الكفء ويعرف مصالح النكاح ويعرف من تكون المرأة عنده حتى يقدم على تزويجها أو يحجم لهذا لابد من ولي للمرأة يزوجها بالشروط المعروفة عند أهل العلم ولا تزوج المرأة نفسها سواء كانت بكراً أم ثيباً لكن هنالك مسألة يجب التنبه لها وهو أنه لابد من إذن المرأة ورضاها سواء كانت بكراً أم ثيباً وسواء كان المزوج أباها أم غيره فإن القول الراجح إنه لا يجوز للإنسان أن يزوج ابنته ولا غيرها حتى ترضى بذلك الزوج وتأذن لكن إن كانت بكراً فإذنها يكتفى فيه بالسكوت وإن صرحت بالرضا فهو أكمل لكن السكوت كافٍ وإن كانت ثيباً فلا بد أن تصرح بالرضا فتقول رضيت بهذا الزوج ويجب على الولي أباً كان أم غيره أن يعين الزوج الخاطب للمرأة تعييناً تحصل به المعرفة فلا يقول أتحبين أن أزوجك من فلان حتى يبين لها حال هذا الرجل وأوصاف الرجل فإنه كما أن الرجل يريد من المرأة ما يريد من الجمال واستقامة الحال فكذلك المرأة تريد من الرجل ما يريده الرجل منها من الجمال واستقامة الحال فلابد أن يبين الرجل للمرأة المستأذنة على وجه تقع به المعرفة أما الإجمال فإنه لا يحصل به المقصود نعم لو أن المرأة وثقت تمام الثقة من وليها واكتفت بما رآه وقالت له مثلاً هل أنت مقتنع بهذا الزوج من حيث الدين والخلق لكان هذا يكفي إذا وثقت به ورضيت بما رضي به لها.
***(19/2)
بارك الله فيكم تقول فضيلة الشيخ امرأة مطلقة تبلغ من العمر أربعين عاماً زوجت نفسها من شخصٍ بإيجابٍ وقبول بدون ولي أمرٍ أو شهود فهل هذا الزواج يعتبر صحيحاً أم لا وبماذا تنصحوننا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن هذا الزواج ليس بصحيح لخلوه عن الولي وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا نكاح إلا بولي) لكن بعض العلماء يرى أن المرأة الحرة الرشيدة البالغة تزوج نفسها فإذا كانت هذه المرأة في قومٍ يرون هذا الرأي فإن نكاحها صحيح بناءً على أن العامي مذهبه مذهب علماء بلده وأما إذا كانت في بلدٍ لا يرى أهله صحة النكاح بلا ولي فإنه يجب عليها أن تفارق زوجها وأن تجدد العقد وما مضى فإنه مغفورٌ عنه لكونه وقع بشبهة وما حصل من أولاد في هذه الفترة فهم أولادٌ لها وللرجل.
***(19/2)
هل الأخ من الأم يحق له إذا تقدم للفتاة شاب أن يتولى تزويجها أم الذي يتولاها إخوانها من الأب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يتولى تزويج المرأة هم أولياؤها وليس لأخوتها من الأم ولاية في عقد النكاح إلا إن وكلهما من له الولاية من العصبة وذلك لأن ولاية النكاح للعصبة فقط والإخوة من الأم ليسوا عصبة.
***(19/2)
يقول في حالات الزواج قد يحدث اتفاق الفتاة والشاب على الزواج مع رفض والدي الفتاة فيذهبان إلى القاضي فيزوجهما من عنده مع وجود الولي ولكن بسبب رفضه فإنه لا يرجع إليه لأخذ موافقته فما حكم مثل هذا الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رفض الولي أن يزوج المرأة التي هو ولي عليها من خطبها فإنه ينظر إذا كان هذا الخاطب كفأً في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعدهم لا إلى القاضي فمثلا إذا كان لها أب وأخ فرفض الأب أن يزوج والخاطب كفؤ في دينه وخلقه فإن لأخيها الشقيق أو الذي من الأب أن يزوجها فإذا لم يكن لها أخ فعمها وهكذا الأولى فالأولى من عصبتها فإن لم يكن لها عصبة فإنه يزوجها القاضي حينئذ لأن القاضي ولي من لا ولي له أما مع وجود ولي غير ممتنع من تزويج كفء فإنه لا يجوز أن يتولى تزويجها القاضي.
فضيلة الشيخ: كيف نحكم الآن إذا كان انعقد الزواج بهذه الصفة بعد رفض الوالدين عقده القاضي دون الرجوع إلى غيرهما من الأولياء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقضي بهذا بأن القاضي هو المسؤول عن هذا الأمر ولا نستطيع أن نعترض شيئا حكم به قاض من قضاة المسلمين.
***(19/2)
المستمع عبد الله محمد النهاري يمني مقيم بالرياض يقول لي أخوةٌ ذكور أصغر مني سناً ولي أختٌ في سن الزواج وفي حالة غيابي عن البلد لطلب الرزق تقدم خاطبٌ لأختي فوافقه أخي الأصغر مني وعقد له عليها بدون إذني أو أخذ مشورتي فهل يجوز له ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز له ذلك إذا كان بالغاً عاقلاً رشيداً يعرف الكفء من غيره ووافقت أختك على ذلك ما دام أخاً لها مساوياً لك لكونه شقيقاً وأنت شقيق أو لأبٍ وأنت لأب أما إذا كنت أنت الشقيق وهو الذي لأب فإن الحق لك دونه فأنت الولي شرعاً وأما إذا كان هو الشقيق وأنت الذي لأب فالحق له دونك لكن إذا تساويتما كلكما شقيق لهذه البنت أوكلكما أخٌ لأب لهذه البنت فإن أي واحد منكما يتولى زواجها فعقده صحيح إذا كان بالغاً عاقلاً رشيداً ورضيت به المرأة ولا حرج عليه في ذلك أيضاً.
فضيلة الشيخ: يعني ليس الحق للأكبر في السن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ليس له أولوية لكنه من باب المروءة ينبغي أن يشاور لأنه في الغالب يكون أعرف وأدرى بالناس وبأحوال الناس في الغالب وإلا فقد يكون الأصغر خيراً منه.
فضيلة الشيخ: ولكن إذا عرف أو اشتهر أن هذا الأخ الأصغر أنه سيء التصرف قد لا يختار لها زوجاً صالحاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى كونه فاقد العدالة فإذا كان فاقد العدالة وكان ظاهراً أنه ليس بعدل فإنه لا يصح أن يكون ولياً وحينئذٍ يجب أن ينظر في هذا من قبل المحكمة.
***(19/2)
المستمع يقول إذا تزوجت بنت ووالدها مغترب هل يصح للعاقد أن يحل محل والدها ويتكلم بدلاً عنه في العقد رغم وجود إخوانها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لانكاح إلا بولي بدلالة الكتاب والسنة والاعتبار على ذلك أما الكتاب فقد دل عليه قوله تعالى (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) وقوله (وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) وقوله (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) فإن هذه الآيات تدل على أن الذي يتولى عقد المرأة غيرها وهو وليها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي) فهذه دلالة الكتاب والسنة أما الاعتبار فإن من المعلوم أن المرأة ناقصة العقل قوية العاطفة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكنّ) فإذا كانت ناقصة العقل قوية العاطفة قريبة النظر فإنها قد تخدع فيخطبها من ليس أهلاً لها وحينئذ تحل الندامة والشقاء محل السعادة والفرح والسرور فكان من حكمة الشرع أن منع من تزوج المرأة بلا ولي.
وأولى الناس بتزويج المرأة أبوها وإن علا ثم ابنها وإن نزل ثم أخوها الشقيق ثم أخوها لأب ثم ابن أخيها الشقيق ثم ابن أخيها لأب ثم عمها الشقيق ثم عمها لأب ثم ابن عمها الشقيق ثم ابن عمها لأب ثم الولاء إذا كانت عتيقة أو لها أو عليها ولاء لأحد ثم السلطان وهو ذو السلطة العليا في الدولة أو من ينيبه ولا ولاية لأحد من أقاربها من جهة الأم فلا ولاية لأب الأم ولا ولاية للأخ من الأم ولا ولاية للخال ونحوهم وبناء على ذلك يتبين الجواب على سؤال السائل فإن هذا السائل يذكر أن هذه المرأة لها أب لكنه ليس حاضراً ولها إخوة وأن العاقد وهو المأذون هو الذي زوجها فالنكاح في هذه الحال نكاح فاسد غير صحيح لأنه مخالف لما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتبار الصحيح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) والواجب أن ينتظر الزوج الآن ويمتنع حتى يعاد عقد النكاح على وجه صحيح فيزوجها أبوها إن أمكن فإن لم يمكن فإنه يزوجها أولى الناس بها على حسب الترتيب الذي ذكرناه سابقاً والله المستعان.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمعة ن م ص من القصيم تقول فضيلة الشيخ هل تسقط الولاية من الوالد إلى الابن إذا كان الوالد لا يحرص على اختيار الزوج الصالح لابنته بحيث أنه عندما يأتي خاطب لا يهتم في ذلك ولا يسأل عنه أو أنه يشوه صورة ابنته عند الخاطب لكي يصده عن الزواج أفيدوني في ذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الولي على المرأة من أب أو أخ أو عم مسئول عن ولايته أمام الله عز وجل يجب عليه أداء الأمانة فإذا تقدم لموليته شخص ذو خلق ودين ورضيت المرأة بذلك فعليه أن يزوجه ولا يحل عليه أن يتأخر لأن ذلك خلاف الأمانة بل هو خيانة قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فالواجب على المرء الذي ولاه الله على امرأة إذا تقدم لها خاطب كفء في دينه وخلقه أن يزوجه إذا رضيت وليعلم إن المرأة تحس بما يحس به هو من الشهوة فما أدري لو أن أحداً منعه من أن يتزوج وهو شاب ذو شهوة ما أدري هل يرى أنه ظالم له أم غير ظالم أعتقد أنه سيقول أنه ظالم لي فإذا كان يقول ذلك بالنسبة لمن منعه من أن يتزوج فكيف يعامل به هذه المسكينة التي لا تملك أن تزوج نفسها ولا يمكن أن يقدم على تزويجها أحد من أقاربها والولي الأقرب موجود لقد ظلت فتيات عوانس وبلغن سناً كبيراً لم يحصل لهن الزواج بسبب هؤلاء الأولياء الظلمة والعياذ بالله ولقد حُدّثت عن امرأة شابة كان أبوها يمنعها أي يمنع من تزويجها وتأثرت بذلك ومرضت المرأة وبينما هي على فراش الموت قد احتضرت قالت للنساء حولها أبلغن أبي السلام وقلن له إن بيني وبينه موقفاً بين يدي الله يوم القيامة يعني وستطالبه يوم القيامة على ما فعل حيث منعها الرجال وربما كان مرضها وموتها بسبب القهر لهذا نقول من منع موليته أن يزوجها كفأً قد رضيته فللزوجة أن تطالب عند القاضي والقاضي يجب عليه إجابة طلبها ليزوجها هذا الكفء الذي رضيته أن يوكل أقرب الناس إليها بعد وليها الذي امتنع أو يعمل ما يرى أنه موافق للشرع ولكن قد لا تتمكن المرأة من ذلك حياء أو خوفاً من مخالفة العادة أو ما أشبه ذلك وحينئذٍ لا يبقى إلا سطوة شديد العقاب رب العالمين عز وجل فليخف هذا الولي من الله وليتق ربه وإني أقول كما قال العلماء رحمهم الله إن الولي إذا تكرر رده الخطاب فإنه يكون فاسقاً تنتفي عنه العدالة ولا يتولى أي عمل تشترط فيه العدالة وتنتقل الولاية منه إلى من كان بعده من الأولياء.
***(19/2)
السائل من المدينة المنورة يقول كلنا أسلمنا في بلدنا فبعضنا كان نصرانيا ومنا من كان لا يعرف دينا فكيف يكون الزواج أي عقد النكاح إذا كان والد المرأة غير مسلم وكذلك الوالدة نرجو منكم التوجيه في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا أرغب أن يكون التعبير عن المدينة بالمدينة النبوية لأن هذا هو المعهود في عرف سلف هذه الأمة وبه تتميز عن غيرها حيث إنها تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما المنورة فإن كل بلاد دخلها الدين الإسلامي فهي مُنَوَّرَةٌ به لكن النبوية أخص من المنورة فلو عبر عنها أي عن المدينة المنورة بالمدينة النبوية لكان هذا أحسن.
أما فيما يتعلق من الزواج بامرأة مسلمة أبوها غير مسلم فإن الواجب أن يكون الولي مسلما إذا كانت المرأة مسلمة فيُطلب غير الأب لتزويجها كعم أو أخ أو ما أشبه ذلك فإن تعذر هذا فإن وليها القاضي الشرعي الذي يحكم بشريعة الله إذا لم يوجد في عصبتها من هو مسلم فإن خيفت الفتنة فلا بأس أن يعقد أبوها عقدا صوريا لا يستباح به الفرج ويُعْقَد عقد صحيح على حسب ما ذكرنا أولا عقدا يستباح به الفرج.
***(19/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ من سوريا رمزت لاسمها بـ م م س تقول هل لأبي أن يزوجني وهو إنسان مرابي وقبل ذلك هو غير مسلم أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان أبو المرأة أو غيره من أوليائها ليس بمسلم وهي مسلمة فإنه لا يملك تزويجها ولا ولاية له عليها لأن الله تعالى قال في كتابه (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أما إذا كان فاسقاً بالمعاصي والكبائر التي لا تخرجه من الإسلام فإنه يكون ولياً عليها على أحد الأقوال فإن من العلماء من قال يشترط في الولي أن يكون عدلا ظاهراً وباطناً ومنهم من قال أنه يشترط أن يكون عدلاً ظاهراً لا باطناً بمعنى أنه لو كانت معاصيه خفية فإنه يكون ولياً لأننا نحكم بالظاهر وبعضهم يقول لا تشترط فيه العدالة ظاهراً ولا باطناً ما دام مسلماً لأن الولي قريب والقريب في الغالب وإن كان عنده معاصي فانه لا يمكن أن يتصرف تصرفا يضر بقريبته.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول زوجتي لها أخوان الأكبر منهما أخوها من أبيها والثاني أخوها من أمها وأبيها فأيهما يعتبر الولي الشرعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الولي الشرعي هو أخوها من أمها وأبيها لأنه أقوى صلة بها من أخيها من أبيها حيث كان في حقه سببان من أسباب القرابة وهم الأمومة والأبوة وأما الثاني فليس فيه إلا سبب واحد لكن إذا قدر أن أخاها من أبيها وأمها ليس أهلا للولاية إما لسفهه أو لنقص عقله أو عناده في طلب ما ينفع هذه الأخت فإن ولايته تسقط إلى من كان أولى بها من إخوانها.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع أحمد صالح زيد يمني مقيم بحفر الباطن يقول تقدم رجل لخطبة فتاة من عمها نظراً لوفاة والدها علماً أن لها أخاً مغترباً عن البلد وقد طلبت الفتاة من عمها أن يتولى أمرها في إنهاء العقد دون أخذ موافقة من أخيها المسافر وفعلاً تم كل شيء ولما علم أخوها بذلك بعد عودته من السفر رفض تزويجها وأنكر صحة العقد فهل هو على حق في ذلك أم أن العقد صحيح وإن لم تؤخذ موافقته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الأخ الشقيق أو لأب أولى من العم بتولي تزويج أخته إذا كان أهلاً لذلك حسب الشروط التي ذكرها أهل العلم ولا يصح أن يزوج العم ابنة أخيه مع وجود أخيها وإن كان مراجعته وما جرى من هذه القصة التي وقع السؤال عنها فإنه أمر وقع ولا يمكن رفعه إلا بالوصول إلى الحاكم الشرعي فيجب على هذه المرأة أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي حتى ينظر هل يصح هذا العقد أو لا يصح.
***(19/2)
بعض الآباء والأمهات الذين يمنعون بناتهم من الزواج ويقولون إنهن غير قادرات على تحمل أعباء الحياة وأنهم صغيرات توجيهكم لهم يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كن صغاراً صح يعني لها عشر سنوات مثلا لكن من الرجال من يمنع ابنته من الزواج ولها عشرون سنة وخمس وعشرون سنة ويخطبها من هو كفء في دينه وخلقه وماله ومع ذلك يمتنع وهذا الرجل قال العلماء إذا كرر المنع ثلاث مرات صار فاسقاً لا تصح ولايته بل ولا يصح أن يكون إماما في الناس على رأي بعض العلماء ولا تقبل شهادته لأنه فاسق وأما إذا منع مرة واحدة فإنها تسقط ولايته بمعنى أن نعدل عنه إلى ولي آخر يليه فيزوج سواء رضي الأب أم لم يرض مثال ذلك رجل له بنت لها عشرون سنة خطبها كفء في دينه وخلقه وماله وجميع أحواله فأبى أن يزوجها وهي تقول زوجني يا أبي وهو يقول لا فيزوجها أخوها فإن أبى أخوها أن يزوجها خوفاً من أبيه يزوجها عمها فإن أبى عمها أن يزوجها خوفاً من أخيه يزوجها ابن العم فإن أبت القرابة كلها أن تزوجها زوجها القاضي ولابد ولا تبقى النساء عوانس من أجل تعنت هؤلاء الأولياء الذين لا يتقون الله ولا يخافون الله وقد حدثني من أثق به أن رجلا كان يمنع بناته من النكاح فمرضت إحداهن إما من القهر أو مرض الله أعلم بسببه ولما حضرتها الوفاة وعندها النساء قالت بلغوا أبي سلامي وقولوا له إني أنا خصمه يوم القيامة حرمني شبابي وحرمني أولادي فأنا خصمه يوم القيامة والله إنها كلمة عظيمة وكل إنسان هذا مصيره إذا منع ابنته أن يزوجها من هو كفء في ماله وخلقه ودينه وهي تريده فهو آثم وكما قلت إن العلماء يقولون إذا تكرر منعه ثلاثة مرات من ثلاثة خطاب أكفاء صار فاسقاً ليس له ولاية ولا تقبل له شهادة ولا يكون إماماً في المسلمين في الجماعة هكذا يقول بعض العلماء فالمسألة خطيرة ثم ما يدريه لعل هذه المرأة البنت يحملها الشيطان يوماً من الأيام وتقضي شهوتها بغير ما أحل الله.
***(19/2)
يقول تقدم شاب صالح لخطبة فتاة والفتاة وأهلها كلهم مقتنعون بهذا الشاب من حيث الخلق والصلاح والتمسك بالإسلام ولكن أخو الفتاة الكبير وهو ولي أمرها لأن والدها متوفى اشترط على الشاب أمراً مادياً وقدر الله أنه لم يتمكن من تحقيقه والفتاة وكل أهلها بما فيهم إخوانها من الآخرين وهم بالغون أيضاً موافقون على الزواج فهل يحق لإخوان الفتاة الآخرين أن يتولوا تزوجيها بدون موافقة أخيها الكبير مع العلم أن هذا الأخ هو أيضاً مقتنع بالخاطب من جميع النواحي ولكن موافقته متوقفة على هذا الشرط المادي البحت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تقدم رجل إلى امرأة يخطبها وكان كفأً في دينه وخلقه ورضيت به ورضي إخوتها فإنها تزوج به ومن عارض منهم فإنه لا يلتفت إلى معارضته حتى ولو كان هو الولي الخاص فإن ليس له الحق في أن يمنعها من أن تتزوج بكفء ولها في هذه الحال أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي من أجل أن يوكل من يزوجها من أوليائها وأما إذا كانوا إخوة وكلهم إخوة أشقاء فإن كل واحد منهم ولي بنفسه لا يحتاج إلى توكيل ولا الذهاب إلى الحاكم فإذا امتنع أخوها الكبير من أن يزوجها إلا بهذا الشرط المادي البحت فإن لبقية إخوانها البالغين الذين تمت فيهم شروط الولاية لكل واحد منهم أن يزوجها وعلى فهذا فيقال للكبير إن زوجتها فإننا نحترمك ونجعل الأمر إليك وإن لم تزوجها فإن أحدنا يتولى تزويجها وفي هذه الحال. إذا تولى تزويجها أحدهم فإن النكاح يكون صحيحاً لأن ولايتهم على أختهم سواء حيث إن كلاً منهم أخ شقيق وإني بهذه المناسبة أنصح هذا الأخ الكبير إذا كان ما ذكر عنه صدقاً أنصحه فأقول له اتق الله عز وجل لا تمنع هذه المرأة من كفئها الذي خطبها وهي راضية به من أجل حطام الدنيا ولعاع الدنيا بل إنك إذا اشترطت شيئاً لنفسك فإنه لا يحل لك وكل ما اشترطه فإنه يكون للزوجة لأنه صداقها وقد قال الله تبارك وتعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فجعل الصداق لهن وجعل التصرف فيه لهنّ وليس لك حق فيه فاتق الله يا أخي في نفسك وفيمن ولاك الله عليه واعلم أن ولايتك هذه أنت وإخوانك فيها على حد سواء فإن كل واحد منكم أخ شقيق فإن زوجتها فأنت مشكور على ذلك وإن لم تزوجها فإن لهم شرعاً أن يزوجوها ولكن كونك تتولى تزويجها وتسلم العائلة من المشاكل هذا هو الخير لك ولإخوانك وأختك.
***(19/2)
السائلة تقول إنها متزوجة هي منذ سنتين ونصف أو أكثر ولها بنت تسأل عما إذا كان زواجها بدون أبيها فيه إثم أو معصية للوالد مع العلم أنه إلى الآن لا يعرف أنها متزوجة وأن لها طفلة وطريقة الزواج تقول إن لها أختاً في الله من الأخوات اللاتي تذهب معهن إلى دروس الدين ولها عم من أكبر رجال الدين عندهم فكتب إلى رئيس المحاكم رسالة بأن يكون القاضي ولياً وذلك بعد أن بعثت المحكمة عدة مرات لأبيها وكان جوابه لا يقتنع وتم عقد الزواج ولم تتكلم بشيء في الجلسة لأنها لا تعرف كيف يتم الزواج ولأنها لا تعرف عن الحياة الاجتماعية كثيراً ولكن القاضي جعلها تضع يدها في يد زوجها وتقول له زوجتك نفسي بنفسي على مهر كذا وذكر جميع ما كتب في العقد فقال لها زوجها وأنا قبلت فهل هذه الطريقة صحيحة ومرضية لله عز وجل وهي تقول إنها قبلت بالزواج لأنها لا تحب العمل وتريد زوجاً يصونها ويحفظها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادام هذا النكاح تم عقده بحضور القاضي ورأى القاضي أنك تزوجين نفسك فإنه لا داعي إلى السؤال عنه وأنا لا أجيب عن مسألة انتهت بواسطة أحد من أهل العلم لأنها فتوى أو حكم انتهى أمده وإنما يسأل عن المسائل التي لم يتقدم فيها فتوى أو حكم وأنا لا أحب لأحد أن يكون وقافاً عند باب كل عالم يسأله عما حصل أو عما جرى عليه ولو كان قد استفتى عنه لأنه يحصل بذلك بلبلة وتشتيت لفكره وشك في أمره وإنما عليه إذا أراد أن يستفتي أو يتحاكم إلى أحد أن يختار من يرى أنه أقرب إلى الحق من غيره لعلمه وأمانته وصلاحه ويكتفي بما يفتيه به أو يحكم به.
***(19/2)
السائلة ع. س. ع. من الأردن عين الباشا تقول إنها فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها وهي أكبر أخواتها لها ثلاث أخوات أصغر منها وأخوان أصغر من أخواتها تقول إن مشكلتي أن والدي قد طلق والدتي منذ أربع عشرة سنة ووضعنا منذ ذلك الحين في مدرسة للأيتام وكان لا يزورنا ولا يصرف علينا وعندما تطلب منه مديرة المدرسة مصروفاً لنا لأننا لسنا أيتاماً فهو حي ولكنه يقول لها دعيهم يشحدون في الشوارع فكانت أمي تعطينا مصروفاً وتدعمنا بكل ما نحتاج إليه مع العلم أنها متزوجة منذ عشر سنين ونحن الآن كبرنا وأنهينا تعليمنا الجامعي وفي هذه السن لابد من أن يتقدم لنا أناس للزواج فنرسلهم إلى والدنا فيقول أنا ليس لي بنات للزواج ولا أريد أن أزوج أحداً وأود أن أقول لكم بأننا لا نزور والدنا لأنه أولاً لا يصلى وثانياً لما لقينا منه من سوء المعاملة طيلة حياتنا ولإنكاره لنا أبوته فهل هذا الموقف الذي اتخذناه من أبينا مرضٍ لله عز وجل أم علينا إثم في ذلك وما الحكم فيما عمله أيضاً فينا وفي صرفه طالب الزواج عنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن مسألتين المسألة الأولى بالنسبة للأب والمسألة الثانية بالنسبة لكن:
أما بالنسبة لأبيكن فإن كان حاله كما وصفتي لا يصلى فإنه لا ولاية له عليكم لأنه بترك الصلاة صار كافراً والكافر لا ولاية له على المسلم فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً وبإمكانكن أن تتصلن بإخوانكن إن كانوا قد بلغوا وصاروا من أهل الرشد لمعرفة الكفء ومصالح النكاح وهم الذين يزوجونكن فإن لم يكن إخوانكن قد بلغوا فأعمامكن ثم الأقرب فالأقرب من العصبات وليس لأبيكن مادام على هذه الحال التي ذكرت في السؤال ليس له ولاية عليكن بل ولايته ساقطة.
أما المسألة الثانية بالنسبة لأبيكن فإني أنصحه إن كان على ما قلت بأن يتوب إلى الله عز وجل وأن يقوم بالواجب نحوكن من الرعاية والأمانة وتزويجكن من تقدم للخطبة وهو أهل للتزويج بأن يرضى دينه وخلقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ونسأل الله لنا وله الهدايا ونسأل الله لنا ولكن الإعانة.
***(19/2)
أحسن الله إليكم الأخت ع. م. خ. ض. من إحدى القرى تقول باسمي وباسم جميع فتيات قريتنا هذه نرفع هذه الشكوى مما نعانيه في قريتنا هذه من ظلمٍ وقهر وذلك بسبب العادة المتفق عليها بين أهل هذه القرية وهي عدم تزويج البنات إلا من أهل قريتهم هذه ولا يلزم ذلك الحجر الشباب فلهم الحرية أن يتزوجوا من غير قريتهم مما سبب كثرة العوانس وتعدد الزوجات لكبار السن الذين قد يصل عمر أحدهم إلى سبعين سنة بينما يتزوج فتاةً يقل عمرها عن عشرين سنة ومما زاد الأمر سوءً ما قام به شيخ القبيلة من تحديدٍ للمهر وتيسيرٍ له وكل ذلك أدى إلى عدم احترام الزوجة وتقديرها وحفظ حقوقها فهي تتعرض للإهانة والطرد والطلاق وتبديلها بغيرها لأدنى سبب فلا يجد الرجل صعوبةً في تعدد الزوجات حتى أصبح هذا الأمر مجال تفاخرٍ بين الرجال بأنه قد تزوج كذا وطلق كذا من النساء إضافةً إلى عدم مراعاة العدالة بينهن وهذه الحالة قد سببت الكثير من المشاكل بين الفتيات وآبائهن فهن يرفضن الزواج ويفضلن البقاء عوانس على أن يتزوجن ممن هم في سن آبائهن وربما أكبر مع عدم احترامٍ وعدلٍ وتقدير وغالباً ما يترملن وهن في مقتبل العمر فلو كان الأمر هذا يعم الفتيات والشباب لكان الأمر سهلاً ولكن أن يكون هذا الحجر خاصاً بالبنات فقط فهذا عين الظلم فنحن نطلب منكم بذل النصيحة إلى هؤلاء الآباء أن يتقوا الله في بناتهم ولا يظلموهن فإنه أمانةٌ في أعناقهم ولعل الله أن يهديهم ويقلعوا عن هذه العادة السيئة التي ما أنزل الله بها من سلطان وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤالٌ مهم وهو يتضمن أمرين الأمر الأول النصيحة لهؤلاء الآباء والمشايخ بهذه القبيلة فنحن نحذرهم من غضب الله وسطوته ومن دعاء هؤلاء النساء عليهن فإنهن مظلومات وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل وقد بعثه إلى اليمن وأمره بأخذ الزكاة من أموالهم قال (إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) فهؤلاء النساء اللاتي ظلمن قد يدعون على هؤلاء الرجال بدعوةٍ تستجاب فتحيط بهؤلاء الرجال والعياذ بالله ثم إن هذا ليس من العدل أن تمنع الزوجة ممن هو كفءٌ لها في دينه وخلقه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن لا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عظيم) وأيضاً فإن هذه المسألة تسبب المفاسد الكثيرة فإن الفتاة إذا لم تتزوج في سن مبكرة فقد يؤدي بها الأمر إلى الفساد فساد الأخلاق والزنا والعياذ بالله وهذا أمر من أعظم المفاسد أما بالنسبة لهذه القضية المعينة في هذه القبيلة فأرى أن يرفع الأمر لولاة الأمور فولاة الأمور هم الذين عليهم التنفيذ وأن يلزموا هؤلاء بالسير على ما جاءت به الشريعة من أن المرأة تزوج من كان كفءً في دينه وخلقه.
***(19/2)
فتاة نشأت في أسرة مسلمة بالاسم وأفعالهم تخالف الإسلام فالأم متبرجة ولا تصلى والأب كذلك لا يصلى والأخ يأتي بأصدقائه الغرباء ويحاول إجبار أخته على الجلوس معهم وتقديم المشروبات لهم وهم يلعبون الميسر إلى غير ذلك فعرضت هذه الفتاة نفسها على شاب صالح ليتزوجها بعد ما تحجبت واستقامت وطلبت منه أن ينقذها من هذه البيئة الفاسدة وتقدم لطلبها وزواجها وهو كفء لها فرفضوا رفضاً تاماً فعرض موضوعه هذا على المأذون الشرعي فوافق على عقد قرانه عليها وفعلاً عقد له عليها بدون علم أهلها وشهد على ذلك صديقان للشاب بعد أن سمعا منه ومن الفتاة بأحوال أهلها وطبيعتهم ورفضهم الزواج وتم الزواج رغماً عن أهلها ومضت سنين وتغيرت الأحوال وأصيبت أمها بأمراض فأشفقت الفتاة وزوجها على الأم والأسرة وتبدل الكره حبا وعصيان الأسرة إلى الطاعة وبدءوا يصلحون أنفسهم ويرجعون إلى الله فما حكم الشرع في هذه الزيجة وهل على الشاب إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الزواج الذي عقد بواسطة المأذون الشرعي يظهر أن المأذون الشرعي لم يقدم على العقد إلا وقد استوفى شروطه الشرعية وعلى هذا فلا أستطيع أن أقول إن هذا العقد فاسد ولكن على سبيل العموم إذا قدر أن الأولياء الذين هم أولى الناس بتزويج المرأة ليسوا أهلاً للولاية فإن الولاية تنتقل إلى من بعدهم من العصبات فإذا قدر أن أب المرأة لا يصلى لا في المسجد ولا في بيته فإن الولاية تنتقل إلى إخوتها الأشقاء أو لأب فإن لم يكن لها إخوة انتقلت إلى أعمامها فإن لم يكن لها أعمام فإلى أبناء عمها وهكذا على ترتيب العصبات كما هو معروف عند أهل العلم أما في هذه المسألة الخاصة التي سأل عنها الأخ فأني لا أستطيع أن أفتي فيها بشيء لأنها جرت على يد شخص معتبر شرعا وحكماً ولكني في ختام جوابي هذا أهنئ أهل هذه المرأة الذين منَّ الله عليهم بالرجوع إلى الإسلام والتوبة من الأثام وأسال الله تعالى أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يهب لنا من رحمته أنه هو الوهاب.
***(19/2)
أربع أخوات يسكن في بيت ملتزم مع والدهنّ يقلن في هذه الرسالة طالما ما تردد علينا الأزواج من الشباب الملتزم والدي يشكو من مرض نفسي هل للقاضي يا فضيلة الشيخ أن يقوم بعقد الزواج لنا نرجو التوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا منع الولي من تزويج امرأة لخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقارب العصبة الأولى فالأولى فإن أبو أن يزوجوا كما هو الغالب لأن كل واحد من هؤلاء يقول أنا في عافية لما أتقدم على أبيها مثلاً إن أبو فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ويجب على الحاكم الشرعي إذا وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا من تزويجها وكان الخاطب كفأً في دينه وفي خلقه يجب عليه أن يزوجها لأن له ولاية عامة فإذا لم تحصل الولاية الخاصة فإنه لابد أن يزوج بالولاية العامة وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه يكون بذلك فاسقاً وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماماً في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير وواقع من بعض الناس كما أشرنا إليه آنفاً كونه يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج وهذا أمر واقع ولكن يجب عليها أي على البنت أن تقارن بين المصالح والمفاسد أيهما أشد مفسدة أن تبقى بدون زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وعلى هواه فإذا كبرت وبرد طلبها للنكاح ذهب يزوجها أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها لاشك أن الثاني أولى أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها تتقدم بحق لها ولأن في تقدمها إلى القاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها أيضاً فإن غيرها يقدم كما أقدمت ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهم بمنعهن من تزويج الأكفاء ففي ذلك أيضاً ثلاث مصالح مصلحة للمرأة حتى لا تبقى أرملة ومصلحة لغيرها تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم إلى القاضي ليتقدمنّ الثالث منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهم من النساء على مزاجهم وعلى ما يريدون وفيه أيضاً من المصلحة إقامة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وأيضاً مصلحة خامسة وهي إعفاف الرجال المتقدمين لهن وكذلك حصول العفة للنساء حتى لاتكون فتنة وفساد كبير كما ذكر في الحديث.
***(19/2)
المستمع إبراهيم عبد الله من الرياض يقول فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول ما رأيكم يا شيخ محمد في من كان عنده فتاة ويتقدم لها الخطاب ولكنه يقوم برفضهم واحداً تلو الآخر حتى بلغت سن الثلاثين عاماً وحرمها من زهرة شبابها ما رأيكم في هذه القضية مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على السائل السلام ورحمة الله وبركاته رأينا في هذا الرجل الذي يتقدم إلى موليته خطاب كثيرون ولكنه يردهم حتى بلغت سن الثلاثين أنه أخطأ في هذا التصرف فإنه يجب عليه إذا تقدم إلى موليته خاطب كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها ولا يحل له أن يمنعها من ذلك فإن فعل هذا فإنه يكون بذلك فاسق وتسقط ولايته وتكون لغيره من الأولياء الأولى فالأولى حتى ولو كان أباها أو أخاها الشقيق فإن ليس له الحق في أن يمنعها لأن ذلك خلاف الأمانة التي حمله الله تعالى إياها وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه قال (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وقال الله تبارك وتعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يبادر بإنكاحها أول كفء يخطبها وعليه أيضا أن يستحلها مما فعل معها في عدم تزويجها من خطبها من الأكفاء.
فإن لم يفعل فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده من الأولياء الأولى فالأولى.
***(19/2)
السائلة أع من الرياض تقول فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن يفرق بين بناته في أمر الزواج حيث كان يرد كل خاطب للبنت الكبرى بحجة إكمال الدراسة ولا يخبرها بذلك ولا يهمه في ذلك صلاح الخاطب أو دينه أو أي شيء إنما أهم شيء عنده أن يرده دون السؤال عنه ولكن بعد مرور سنوات عرف أن تصرفه هذا خاطئ وعدل عنه لكن مع البنت الصغرى حيث أصبح لا يفرط في أي خاطب لها حتى يسأل عنه ويخبرها بذلك وبالتالي تزوجت الصغرى والكبرى لم تتزوج هل يحق للبنت الكبرى أن تصارح والدها بذلك وأن تناقشه وأن تسأله لماذا يفرق بينها وبين أختها أرجو من فضيلة الشيخ محمد التفصيل في هذا الأمر وأرجو منكم النصح لكل أب بأن يتقي الله عز وجل في بناته وخاصة الابنة الكبرى ولا يجعلها ضحية تجاربه جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج إلى أن أوجه نصيحة إلى أولياء أمور النساء فأقول عليهم أن يتقوا الله وأن يعلموا أنهن أمانة عندهم وأنهم مسئولون عن هذه الأمانة وأنه لا يجوز لهم التفريق بأي سبب من الأسباب إلا أن يكون سبباً شرعياً لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) فعلى أولياء أمور النساء إذا خطبن أن يسألوا أولاً عن الزوج فإن كان مستقيماً في دينه وخلقه عرضه على المخطوبة وبين لها من صفاته فإذا وافقت وأذنت أجابه وإذنها إن كانت بكراً بالتصريح أو السكوت وإن كانت ثيباً فبالتصريح فقط فإذا قال للبكر إن فلاناً يخطبك وفيه كذا وكذا كذا وذكر من صفاته وأحواله فسكتت فهذا إذن وإن صرحت وقالت نعم زوجني به هذا إذن وإن ردت فهذا رد ولا يجوز أن يجبرها سواء كان أباها أم غيره لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) أما إذا سأل عن الخاطب وأثنوا عليه شراً في دينه أو في خلقه فليرده ولا حاجة أن يستشير المرأة في ذلك لأنه ليس أهلا للقبول بل لو فرض أنه غير مرضي في دينه وقبلت به المرأة وألحت فلوليها أن يمنعها من التزوج به ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال وفساد عريض) ولا يحل لولي الأمر أن يمنع الخطاب الأكفاء لغرض دنيوي مثل أن يلتمس من الخطاب من يعطيه أكثر أو يمنع الخطاب لأنه يحتاج إلى بنته في خدمته في البيت أو يمنع الخطاب لأنه يحتاج إلى راتب ابنته يأخذه أو شيئا منه ولا يمنع الخطاب لعلاقة شخصية سيئة بينه وبين الخاطب لا يحل له أن يمنع الخطاب إلا لسوء في دينهم أو أخلاقهم أما لغرض سوى ذلك فلا وكثير من الأولياء نسأل الله العافية والسلامة قد خانوا أماناتهم فليس همهم إلا المال فمن يعطيهم أكثر فهو صاحبهم وإن لم يكن أهلا لأن يزوج ومن لا يعطيهم فليس صاحبهم وإن كان من أحسن خلق الله خلقا وأقومهم دينا وهذا غلط كبير أما الإجابة على سؤال السائلة فإني أقول إن أباها أخطأ في منعها من الزواج في أول الأمر لكنه رجع وعرف أن تصرفه خاطئ والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل لكنه أخطأ من وجه آخر حيث قدم تزويج الصغيرة قبل الكبيرة عمدا بمعنى أنه عدل الخطاب عن الكبيرة إلى الصغيرة أما لو كان الخطاب لا يخطبون إلا الصغيرة فله أن يزوجها ولو كان ذلك قبل تزويج الكبيرة والناس في هذه المسألة على ثلاثة أقسام
قسم لا يمكن أن يزوج الصغيرة قبل الكبيرة ويرى أن هذا عيب وإساءة للكبيرة مع أن الخطاب إنما يخطبون الصغيرة ولم يخطب منهم أحد الكبيرة وهذا غلط وهضم حق للصغيرة.
القسم الثاني مثل حال هذا الرجل يريد أن يزوج الصغيرة قبل الكبيرة وهذا أيضا جناية
القسم الثالث من يتق الله عز وجل ويزوج من خطبت سواء كانت الصغيرة أم الكبيرة وهذا هو الذي أدى الأمانة وأبرأ ذمته من المسئولية (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وأخيرا أكرر النصيحة لأولياء أمور النساء أن يتقوا الله عز وجل فيهن وأن يراقبوا الله وألا يمنعوا الخطاب الأكفاء من تزويجهم بمن ولاهم الله عليهن وأسأل الله للجميع التوفيق لما يحب ويرضى.
فضيلة الشيخ: تقول هذه السائلة هل لها أن تناقش والدها وتصارحه فيما مضى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لها الحق في مناقشة أبيها فيما مضى وفيما يستقبل المرأة تريد من الرجال ما يريد الرجال من النساء فلها أن تناقش والدها.
***(19/2)
هذه فتاة تذكر بأنها في العشرين من العمر تقدم لخطبتها مجموعة من الخطاب وتقول لكن الوالد هداه الله أصر على تزويج أختي الكبرى فيقول ليس من عادتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى وجهونا لعله أن يستمع إلى هذا البرنامج مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للوالد ولا لغير الوالد أن يمنع من ولاه الله عليها مِن إجابة مَنْ خطبها وهو كفء في دينه وخلقه بحجة أنه لا يزوج الصغرى قبل الكبرى فإن هذه الحجة لا تنفعه عند الله عز وجل لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال وفساد عريض) ومن المعلوم أن الأب أو من دونه من الأولياء إذا منع ابنته من أن تتزوج بشخص خطبها وهو كفء في دينه وخلقه بحجة أن العادة عندهم أن لا تتزوج الصغرى قبل الكبرى من المعلوم أن هذه الحجة لا تنفع عند الله عز وجل فالواجب عليه أن يتقي الله وأن يزوج من خطب ابنته وهو كف في دينه وخلقه سواء كانت هي الصغرى أو الكبرى وربما يكون تزويج الصغرى فتح باب لتزويج الكبرى هذا ما أريد توجيهه إلى الأب ومن دونه من الأولياء فليتقوا الله في أنفسهم وفي من ولاهم الله عليهم أما بالنسبة للتي منعت من أن تتزوج بكفء لها في دينه وخلقه فعليها أن تصبر وتحتسب وإذا كان لها مجال في أن يزوجها من دون أبيها من الأولياء حتى لو وصلت إلى القاضي بدون شر وفتنة فلتفعل حتى تنكسر هذه العادة السيئة التي اعتادتها هذه القبيلة أو أهل هذه البلدة.
***(19/2)
المحارم(19/2)
المستمع عبد الله يقول من هم المحارم للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المحارم للمرأة هو زوجها وكل رجل تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح هؤلاء هم المحارم فأما من تحرم عليه تحريماً غير مؤبد فليس بمحرم لها مثل أخت الزوجة وعمتها وخالتها فإن أخت الزوجة وعمتها وخالتها يحرمنّ على الرجل ما دامت الزوجة في عصمته فالتحريم غير مؤبد فلا يكن محارم له وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن ينظر إلى أخت زوجته ولا إلى عمة زوجته ولا إلى خالة زوجته لأنهنّ من غير المحارم وقولنا بنسب أي بقرابة والمحرمات بالقرابة سبع مذكورات في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) وقولنا أو سبب مباح يدخل فيه المحرمات بالرضاعة والمحرمات بالمصاهرة فالمحرمات بالرضاعة كالمحرمات بالنسب سواء بسواء لقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فيحرم على الرجل أمه من الرضاع وبنته من الرضاع وأخته من الرضاع وعمته من الرضاع وخالته من الرضاع وبنت أخيه من الرضاع وبنت أخته من الرضاع سبع كما يحرم عليه بالنسب سبع لقوله عليه الصلاة والسلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وأما المحرمات بالمصاهرة فإنهنّ أربع أم الزوجة وبنتها وزوجة الابن وزوجة الأب فأما زوجة الأب وزوجة الابن وأم الزوجة فيكنّ محارم بمجرد العقد وأما بنات الزوجة فلا يكن محارم إلا بعد الدخول بالزوجة أي بعد وطئها وبناء على ذلك فلو أن رجلاً تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يجامعها وكان لها بنت من غيره فله أن يتزوج هذه البنت بعد أن تنتهي عدة أمها التي طلقها ولو كان لهذه الزوجة أم لم يحل له أن يتزوج أمها بل هي من محارمه لأن أم الزوجة لا يشترط لكونها محرمة أن يدخل بالزوجة بخلاف بنت الزوجة.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل من هم المحارم وغير المحارم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المحارم من الرجال كل من لا يحل الزواج به على وجه مؤبد والذين لا يحل الزواج بهم على وجه مؤبد مذكرون في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) فهؤلاء لا يحل لك التزوج بهم وكذلك نظيرهن من الرضاعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فالأب من الرضاع محرم لبنته من الرضاع وهكذا يقال فيما بقي من السبع في النسب وكذلك من المحرمات للأبد ما ذكره الله تعالى في قوله (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) فابن الزوج محرم لزوجة أبيه وإن علا وكذلك أيضا قال (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فأب الزوج محرم لزوجة ابنه وإن نزل وقال تعالى (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) فزوج الأم محرم لبناتها من غيره بشرط أن يكون قد دخل بها أي قد جامعها وقال الله تبارك وتعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) فزوج البنت محرم لأمهاتها وجداتها وإن علون فهؤلاء سبع في النسب وسبع في الرضاع وأربع في المصاهرة فهن ثماني عشرة امرأة وأما ما يحل التزوج بها فإنها ليست بمحرم.
***(19/2)
هذا السائل محمد القحطاني من أبها يقول ما المقصود بكلمة القواعد من النساء أي ما صفة القواعد نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالقواعد العجائز اللاتي قعدن عن الحركة لعدم قوتهن ونشاطهن (اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً) يعني اللاتي يئسن من أن يتقدم لهن أحد لكبر سنهن هؤلاء القواعد ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة يعني أن يضعن ثياب الخروج التي جرت العادة أن تخرج بها النساء بشرط ألا يتبرجن بزينة أي ألا يظهرن زينة جمال يكون بها فتنة وعلى هذا فإذا خرجت مثل هذه المرأة إلى السوق بثياب البيت التي ليست ثياب زينة فلا حرج عليها في ذلك إلا أنه ينبغي ألا تخرج لئلا يقتدى بها ولئلا تظن الشابة أن هذا الحكم عام لها وللقواعد وما كان يفضي إلى مفسدة فإنه ينبغي ألا يفعل وإن كان مباحاً سداً للزريعة وفي هذه الآية دليل واضح على أن من سوى النساء القواعد فعليها جناح إذا وضعت ثوبها الذي اعتادت أن تخرج به إلى السوق وهو دليل على وجوب ستر الوجه لأن ستر الوجه من أعظم التبرج بالزينة فإن إظهار الوجه أشد فتنة من ثوب جميل بل وأشد فتنة من طيب يفوح فإن تعلق الرجل بالمرأة التي كشفت وجهها أشد من تعلقه بامراة عليها ثياب جميلة إذا لم يشاهد الوجه وبهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحة إلى بناتنا وأخواتنا بأن يتقين الله تعالى في أنفسهن وألا يخرجن إلى السوق متبرجات بزينة وألا يخرجن إلى السوق بريح تظهر رائحته أي بريح طيب تظهر ويشمها الرجال وألا يكشفن وجوههن لأن الوجه أعظم زينة يجلب الفتنة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ويحمل المرأة على أن تتدرج من القليل إلى الكثير ومن الصغير إلى الكبير فلتبقى النساء على عادتهن وعلى ما جبلهن الله عليه من الحياء وألا تغتر بمن هلك فإن الله تعالى يقول في كتابه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ) (الأنعام: من الآية116) نسأل الله التوفيق والحماية من أسباب الشر والفتنة.
***(19/2)
السائل ماجد من الأحساء يقول أم زوجتي تحتجب عني وحاولت إقناعها بأن سلامي عليها جائز فأخبرتني زوجتي أي ابنتها بأنها تستحي وكثيرة الحياء والآن لي ما يقارب من عامين لا تكلمني إلا بالهاتف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال لا شك أن أم الزوجة من المحارم وأن لها أن تكشف وجهها وكفيها وتخاطب زوج ابنتها ولكن إذا كانت تستحي فلا حرج عليها في ذلك لأن ترك الأشياء المباحة خجلا أو حياء أو لأن النفس تعاف ذلك لا بأس به فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب مع أنه حلال لأنه لم يكن في أرض قومه فصار يعافه صلوات الله وسلامه عليه.
***(19/2)
من اليمن المستمع عبد المحسن يقول في بلادنا زوجة العم لا تحتجب من أخي زوجها ولا من والد أخي زوجها فما حكم الشرع في نظركم في ذلك وبماذا تنصحون هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ننصح هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أهليهم وأن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله حتى يعبدوا الله على بصيرة وعلى بينةٍ من أمرهم وأن يعلموا أن العادات لا تحكم على الشرع وإنما الشرع هو الذي يحكم على العادات ومعلومٌ أن أخا الزوج وعم الزوج وخال الزوج ليس محرماً لزوجته فعلى الزوجة أن تستر وجهها عن أخي زوجها وعمه وخاله وأما أبو الزوج وجد الزوج من قبل الأب أو من قبل الأم فإنهم محارم لزوجة ابنهم لقول الله تعالى في جملة المحرمات (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) والأبناء هنا يشمل أبناء الصلب وأبناء البطن أي يشمل الابن وابن الابن ويشمل ابن البنت وإن نزلوا فعلى هذا الجد من قبل الأم أومن قبل الأب محرمٌ لزوجة ابن بنته وابن ابنه وأما العم والخال والأخ للزوج فليس محرماً وكذلك زوج الأخت ليس محرماً لأختها.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمعة خيرية م. م. من حائل تقول في هذا السؤال تزوجت من رجلٍ وأنجبت منه ولدين ثم توفي ثم تزوجت من بعده من رجلٍ آخر اهتم بولدي وأحسن تربيتهما حتى بلغا سن الرشد وتزوجا فهل يصح لزوجتي ولدي أن تكشفا عن وجهيهما لزوجي الذي قام على تربيتهما أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لزوجتي الولدين أن يكشفا لزوج أمهما لأن هذا الرجل ليس أباً لهما نعم لو كان أباً لهما لكان لزوجات الأبناء أن يكشفن لآباء أزواجهن وعلى هذا فلا يحل لزوجات ابنيها أن يكشفا الحجاب عن زوجها هذا لأنه ليس محرمٌ لهما.
***(19/2)
المستمعة للبرنامج تقول في هذا السؤال تقول أنها فتاة متزوجة ولزوجها أم وقد تزوجت من رجلٍ غير أبيه وتقول بأنها تكشف وجهها له وتقبله فهل هذا حرام نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تكشف إلا لأب زوجها وجده وأما زوج أم زوجها أعني التي ذكرت فإنه لا يجوز لها أن تكشف له لأنها ليست من محارمه وإذا لم يجز لها أن تكشف له فإنها لا يجوز لها أن تقبله من باب أولى وبهذه المناسبة أود أن أقول إن المحرمات بالمصاهرة أربع وهن زوجات الأبناء وإن نزلوا وزوجات الآباء وإن علوا وأمهات الزوجات وهذه الثلاث يثبت التحريم فيهن بمجرد العقد وأما بنات الزوجة فهن محارم للزوج بشرط أن يكون قد دخل بأمهن أي جامعها إذن فأصول الزوج وفروعه محارم للزوجة بمجرد العقد وأصول الزوجة وهن أمهاتها محارم للزوج بمجرد العقد وأما فروع الزوجة وهن بناتها فلسن محارم إلا إذا كان قد وطئ أمهن في العقد.
***(19/2)
مستمع من بلاد زهران على أحمد يقول في هذا السؤال هل تعتبر زوجة خالي من المحارم أم من الأجانب وهل يجوز لي أن أسافر معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زوجة خالك ليست من محارمك وهي من الأجانب وأنا أعطي هنا قاعدة وهي أن كل قريبٍ زوجته ليست بمحرم إلا الأب وإن علا والابن وإن نزل فإن زوجة الأب وإن علا محرمٌ لك لقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) وزوجة ابنك وإن نزل محرمٌ لك أيضاً لقوله تعالى في جملة المحرمات (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وما عدا الأصول والفروع من الأقارب فإن زوجاتهم لسن محارم لأقاربهم اللهم إلا أن يكون هناك سببٌ آخر كرضاع وهذا شيء لا يتعلق بالمصاهرة.
***(19/2)
هذا مستمع يقول ماذا عن مصافحة الخالة باليد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصافحة الخالة وغيرها من المحارم كالعمة وبنت الأخ وبنت الأخت ومن باب أولى البنت والأم مصافحة كل هؤلاء جائزة ولا حرج فيها إذا أمنت الفتنة وهي مأمونة غالباً وكذا نظيرهنّّ من الرضاع تجوز مصافحتهن مع أمن الفتنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أما مصافحة النساء الآتي لسن محارم للإنسان فإنه لا يحل لهن أن يصافحهن سواء مباشرة أو من وراء حائل كبنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت الخالة وأخت الزوجة وما أشبه ذلك كل هؤلاء لا يحل للإنسان أن يصافحهنّ وما جرت به العادة عند بعض الناس من مصافحة أمثال هؤلاء فهو حرام والواجب تحكيم الشرع لا العادة فيما جاء به الشرع.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل أيضاً أبو أحمد يقول جدة زوجتي هل تكشف عني الغطاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم جدة الزوجة كأم الزوجة تماماً ولهذا ينبغي أن نعرف قاعدة مفيدة وهي أن الرجل إذا عقد على امرأة ودخل بها أي جامعها فإن أمهاتها وجداتها محارم له وكذلك بناتها وبنات أبنائها وبنات بناتها سواءٌ كن من زوجٍ قبله أو من زوجٍ بعده يكن محارم له أما بالنسبة للزوجة فإن أبا الزوج وأجداده يكونون محارم لها وكذلك أبناؤه وأبناء أبنائه وأبناء بناته يكونون محارم للزوجة فصارت الزوجة محرماً لجميع آباء الزوج وأجداده ومحرماً لجميع أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وصار الزوج أيضاً محرماً لجميع أمهات الزوجة وجداتها وبناتها وبنات أبنائها وبنات بناتها إلا أن الأخير وهن بنات الزوجة وبنات بناتها وبنات أبنائها لا يحرمن إلا إذا جامع الزوجة أما الثلاثة الأولون وهم آباء الزوج وأبناء الزوج وأمهات الزوجة فإن التحريم يثبت بهن بمجرد الدخول.
***(19/2)
بارك الله فيكم تقول هل يجوز للرجل أن يتزوج أخت زوجته التي طلقها قبل أن تكمل عدتها أم أنه لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يتزوج أخت زوجته التي طلقها حتى تنتهي العدة لأنها أي المطلقة إن كانت رجعية فهي في حكم الزوجة إلا فيما استثني وإن كانت غير رجعية فإن علائق نكاحها مع زوجها الذي طلقها قد بقي شيءٌ منها فلا يجوز أن يتزوج عليها أختها ولكن يجب أن نعلم الفرق بين الرجعية وبين غير الرجعية فالرجعية من يملك زوجها إرجاعها بلا عقد وغير الرجعية من لا يملك إرجاعها إلا بعقد ثم إن كانت بائنةً منه بطلاق ثلاث لم يملك إرجاعها إلا بعقدٍ بعد أن تنكح زوجاً غيره ويطأها الزوج الثاني ثم يفارقها وتنقضي عدتها فتحل للزوج الأول بعقدٍ جديد ولكن يجب أن يكون نكاح الثاني لها نكاح رغبة لا نكاح تحليل فإن نكاح التحليل باطل ولا يحلها لزوجها الأول مثال ذلك رجلٌ طلق زوجته ثلاث مرات فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها ويفارقها فرآه أحد أصدقائه نادماً فأراد أن يحسن إليه بزعمه فتزوج امرأته التي طلقها ثلاث مرات بنية أنه إذا جامعها طلقها لتحل للزوج الأول ثم جامعها ثم طلقها ففي هذه الحال لا تحل للزوج الأول لأن نكاح الثاني لها نكاحٌ فاسد حيث قصد به التحليل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (لعن المحلل والمحلل له) وخلاصة الجواب أن نقول لا يحل للرجل أن يتزوج أخت زوجته إذا طلقها حتى تنتهي عدتها فإذا قال قائلٌ وهل يحرم على الإنسان أن يجمع بين زوجته وبين امرأةٍ أخرى سوى أختها قلنا نعم لا يجمع بينها وبين عمتها ولا بينها وبين خالتها وأما أمها وجداتها أي أم زوجته وجداتها فإنهن حرامٌ عليه على التأبيد لا يحللن له ولو طلق البنت وكذلك بنات الزوجة وبنات بناتها وبنات أبنائها لا يحللن للزوج إذا كان قد دخل بزوجته التي هي أمهن أو جدتهن ومعنى قولنا دخل بها أي جامعها لأن ذرية المرأة أعني ذرية الزوجة حرامٌ على الزوج إذا كان قد جامع أمهن فإن عقد عليها ولم يجامعها ثم طلقها وتزوجت بآخر فإن بناتها من الزوج الآخر حلالٌ له لأن الله تعالى قال (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) قال هذا في سياق المحرمات إلى الأبد (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) .
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل محمد القحطاني من أبها يقول ما حكم الكشف على أم زوجة أبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أم زوجة أبيك لا يحل لها أن تكشف لك لأنه ليس بينك وبينها علاقة ولهذا لو قدر أن تتزوجها أنت فلا حرج عليك في هذا.
***(19/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل عبد العزيز الحميدي يقول ما حكم كشف المرأة لزوج جدتها أم والدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليها أن تكشف وجهها لزوج جدتها وذلك أن الإنسان إذا تزوج امرأة صار محرما لأبنائها وبناتها ومن تفرع منهم يعني صار محرما لفرعها إلى يوم القيامة سواءا كانت المرأة من بنات الأبناء أو من بنات البنات.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل الفائز سعد يقول في هذا السؤال هل زوجة جدي من محارمي وللعلم بأنها طالق منه أو مطلقة منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زوجة الجد من محارم ابن الابن أو ابن البنت وفي هذا الصدد نود أن نبين قاعدة مهمة في هذا الباب فنقول إذا تزوج الإنسان امرأة صار أبوه وأجداده من قبل الأب أو من قبل الأم محارم لهذه الزوجة سواء بقيت مع زوجها أو طلقها أو مات عنها وكذلك أبناء الزوج وأبناء أبنائه وأبناء بناته كلهم محارم لهذه الزوجة فصار أصول الزوج وهم آباؤه وأجداده محارم وفروع الزوج وهم أبناؤه وأبناء بناته محارم لهذه الزوجة أما جانب الزوجة فإن الرجل إذا تزوج امرأة صارت أُمها وجداتها من محارمه أي صار محرما لأمها وجداتها سواء بقيت الزوجة معه أم لم تبق وأما بناتها أي بنات الزوجة وبنات بناتها وبنات أبنائها فالزوج محرم لهن إن كان قد دخل بها أي قد جامعها فأما لو عقد عليها ثم طلقها بدون أن يجامعها فإن بناتها وبنات أبنائها وبنات بناتها لا يكون محرما لهن وهذا معلوم من قول الله تبارك وتعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) .
***(19/2)
هل أم الزوجة محرمة دائماً أم مؤقتة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أم الزوجة محرمة على زوج ابنتها تحريما مؤبداً بمجرد العقد فلو عقد شخص على امرأة عقداً شرعياً صحيحاً ثم طلقها في مكانه فإن أمها تكون محرمة عليه ويكون هو محرماً لهذه الأم لقول الله تبارك وتعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وجدة الزوجة مثل أمها أي أنها حرام على زوج ابنة بنتها.
***(19/2)
السائل مصباح محمد أحمد من السودان الكربة يقول إذا تزوج رجل من امرأة ولها بنت من رجل قبله ولكن هذه البنت لم تعش مع زوج أمها بل بعيدة عنهم إلى أن توفيت أمها وهي في سن الزواج فهل يجوز لزوج أمها أن يتزوجها لأنها لم تكن في حجره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البنت التي من زوجته من زوج سابق إذا كان قد دخل بالأم أي قد جامعها فإنها لا تحل له سواء كانت في حجره أم لم تكن هذا هو قول جمهور أهل العلم أن بنت الزوجة إذا كان قد دخل بأمها فإنها حرام على الزوج تحريماً مؤبداً سواء كانت في حجره أم لم تكن. وعلى هذا فهذه البنت التي ذكرها السائل لا يحل له أن يتزوجها بعد أمها وهذا القول أعني قول الجمهور هو القول الصحيح لأن الله تعالى يقول (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فذكر الله تعالى وصفين وصفاً للربيبة ووصفاً للأم أما الربيبة قال (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) وأما الأم فقال (مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ثم ذكر الله تعالى حكم ما اختل فيه الشرط الثاني وسكت عما اختل فيه الشرط الأول فقال: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) فدل ذلك على أن القيد الأول في الربائب ليس بمعتبر إذ لو كان معتبراً لذكر الله تعالى حكم ما تخلف فيه هذا القيد كما ذكر حكم ما تخلف فيه القيد الثاني وعليه فيكون قوله (اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) قيداً أغلبياً والقيد الأغلبي ليس لمفهومه حكم.
***(19/2)
السائل موسى الضويمي المالكي من بني مالك يقول رجل تزوج بامرأتين إحداهما أنجبت له ولداً والأخرى أنجبت بنتاً وبعد مدة طلق التي أنجبت له البنت وبعد انتهاء عدتها تزوجت من رجل آخر وأنجبت له بنتاً وعندما كبرت هذه البنت تزوجها ابن زوجها الأول الذي هو أخو أختها من الأب فهل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز له أن يتزوج هذه البنت لأنه ليس بينه وبينها محرمية فإن البنت الثانية كانت ربيبة أبيه أي بنت زوجته يجوز للإنسان أن يتزوج بنتاً ويتزوج أبوه أمها.
***(19/2)
أحسن الله إليكم ما حكم خروج زوجة الأب على زوج ابنته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لزوجة الأب أن تخرج على زوج ابنته من غيرها لأنه لا محرمية بينهما فهي منه أجنبية.
***(19/2)
أحسن الله إليكم السائل من القصيم بريده م. م. ع يقول يذكر بأنه شاب خطب إحدى قريباته وتم عقد القران وتم تأجيل الزواج سنة حتى تتخرج هذه الزوجة من الدراسة والسؤال يقول إذا زرت أهل زوجتي أسلم على والدتها بمعنى أقبل رأسها مثل ما هو متعارف عليه أم أنتظر إلى ما بعد الدخلة مع العلم بأن والدتها لا تقرب لي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا عقد الإنسان على المرأة صارت أمها من محارمه وإن لم يدخل وعلى هذا فنقول للأخ السائل لا بأس أن تزور أهل زوجتك وأن تجلس إلى أمها بانفراد وأن تصافحها وتقبل رأسها وجبهتها لأنك أنت من محارمها الآن كما قال الله تبارك وتعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) .
***(19/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل عبد العزيز الحميدي له هذا السؤال يقول ما حكم كشف المرأة لزوج جدتها أم والدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليها أن تكشف وجهها لزوج جدتها وذلك أن الإنسان إذا تزوج امرأة صار محرما لأبنائها وبناتها ومن تفرع منهم يعني صار محرما لفرعها إلى يوم القيامة سواءا كانت المرأة من بنات الأبناء أو من بنات البنات.
***(19/2)
تقول الأخت من الرياض في حارة الصالحية هل يجوز أن تكشف أمي وجهها عند زوجي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تكشف وجهها عند زوجك لأن الإنسان إذا تزوج امرأة صارت أمها وجدتها من قبل أبيها أو أمها صارت محرماً له يجوز لها أن تكشف له وأن يخلو بها وأن يسافر بها.
***(19/2)
يقول جدي لأمي هل زوجاته الأخريات غير جدتي لأمي من المحارم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم جدك لأمك زوجاته من محارمك لأنهن من زوجات آبائك فإن أبا الأم من أصولك وإذا كان من أصولك فإنه قد سبق قبل قليل أن المرأة يكون فروع زوجها يكونون من محارمها فأنت إذن من فروع زوجها فتكون محرماً لهن.
***(19/2)
سؤاله الذي بعد هذا يقول هل الزوجة الثانية والثالثة والرابعة لأبي زوجتي يعتبرن من محارمي يجوز لي ولهن الكشف والمصافحة أم المحرمية خاصة لأم الزوجة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تزوج إنسان امرأة وعقد عليها صارت أم الزوجة وأم أمها وأم أم أمها وإن علت من محارمه يجوز لها أن تكشف له ويجوز أن يصافحها لأن القاعدة في هذه المسألة أن الرجل إذا عقد على امرأة صار محرماً لكل أمهاتها وإن علون وصار محرماً لبناتها إن دخل بها كما أن آباء الرجل يكونون محارم لزوجته. آبائه وإن علوا وأبناءه وإن نزلوا يكونون أيضاً محارم لزوجته فهنا أربعة أنواع أصول الزوج وفروعه يكونون محارم للزوجة بمجرد العقد وإن لم يدخل بها وأصول الزوجة يكن محارم للزوج بمجرد العقد وإن لم يدخل بها وفروع الزوجة يكن محارم للزوج بشرط أن يدخل بها أي أن يجامعها لقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) ولقوله تعالى في آيات التحريم (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) .
أما زوجات أبي الزوجة غير أمها فإنه لا يحل للزوج أن يصافحهن ولا يحل لهن أن يكشفن وجوههن عنده وذلك لأنهن لسن بمحارم له.
***(19/2)
شكر الله لكم المستمع سالم علي من جمهورية اليمن الديمقراطية يقول إذا مرضت امرأة واحتاجت إلى الدم وأخذ لها من شخص أجنبي لها دم ثم عافاها الله تعالى ثم رغب ذلك الشخص بالتزوج بها هل يجوز هذا نرجو إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يتزوج بامرأة أخذ لها من دمه لأن هذا الدم ليس لبناً حتى نقول إنه يحرم والمحرم إنما هو اللبن بشرط أن يكون قبل الفطام في الحولين وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فيكون هذا الطفل ابناً للمرضعة وابناً لمن اللبن له كزوجها وسيدها إن كانت أمة وأخاً لأولاد هذه المرأة التي أرضعته وأخاً لمن نسب لبنها إليه من زوج أو سيد وإن لم يكن أولاد هذا الزوج أو السيد من المرضعة ولهذا لو أن امرأة أرضعت طفلاً ولها أولاد من زوج سابق كان الطفل أخ لأولادها من الزوج السابق من الأم وإذا كان زوجها الذي نسب لبنها إليه إذا كان له أولاد من غيرها صار هذا الطفل أخاً لأولاد زوجها من أبيهم وإذا كان هي لها أولاد من زوجها الذي نسب لبنها إليه كان هذا الطفل أخاً لهم من الأم والأب.
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من أسئلة هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ هل يعتبر أعمام وأخوال الأب أو الأم من المحارم لي وهل يجوز كشف الوجه أمامهم والسلام عليهم ومصافحتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أعمام الأب أو الأم أعمامٌ لذريتهم وكذلك الأخوال فمثلاً إذا كان هذا الرجل عماً لهذه الأم صار عماً لبناتها أو عماً لهذا الأب صار عماً لأبنائه وبناته فكل من كان عماً لأبيك أو لأجدادك فهو عمٌ لك وكل من كان خالاً لأبيك أو أجدادك فهو خالٌ لك.
***(19/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ رجل تزوج امرأة وأنجبت له أولاداً ويريد أن يتزوج ببنت أخت زوجته هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بنت الأخت تكون الأخت خالة لها وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) فلا يحل له أن يتزوج ببنت أخت زوجته ما دامت زوجته في عصمته أما إذا فارقها فماتت وتزوج بنت أختها فلا بأس.
***(19/2)
يقول السائل إذا تزوج رجلٌ امرأتين وأنجب أطفالاً من كلتيهما وبعد فترة اكتشف بشهادةٍ من بعض ذويهم أنهما أختان من الرضاعة فماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الحالة إذا ثبت أن زوجتيه كانتا أختين من الرضاعة فإن نكاح الثانية منهما باطل فالأخيرة يكون نكاحها باطلاً ويجب عليه أن يفارقها وليس معنى قولنا يفارقها أنه فراقٌ بطلاقٍ أو فسخ بل إنه يجب أن يفارقها لأن النكاح قد تبين فساده بل تبين بطلانه وأما الأولاد الذين ولدوا له في هذه المدة فهم أولادٌ له شرعيون لأنه في الواقع وطأها بشبهة.
***(19/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة آلاء تقول ما حكم كشف الوجه على أخي الزوج وإذا طلب الزوج ذلك من زوجته وأصر على زوجته أن تكشف وجهها لأخيه ماذا تفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها لأخي زوجها أو عمه أو خاله أو ما أشبه ذلك لأن هؤلاء ليسوا من محارمها والمرأة لا يجوز أن تكشف وجهها لغير الزوج والمحارم وتقول إذا أصر زوجها على أن تكشف وجهها فماذا تصنع نقول لها أن تعصيه بل يجب عليها أن تعصيه في هذا الحال لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وأنا أجبت عن هذه الفقرة من هذا السؤال مع أني أستبعد أن يقول قائل لامرأته اكشفي وجهك للناس لأن كل إنسان فيه غيرة لا يمكن أن يسمح لزوجته أن تكشف وجهها لأحد من الناس لأنه يريد أن تكون هذه الزوجة كما قال (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) محجوبة عن الناس لا يتمتع برؤيتها إلا هو ولكن سبحان الله بعض الناس غيرته ميتة ليس عنده غيرة ثم إن كشفها لأخيه هذا خطر عظيم إذا أعجبت هذه المرأة أخاه فهل يأمن أن يقع بينهما ما لا يرضاه الله ورسوله لا يؤمن ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء) وهذا تحذير (قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو يعني أقارب الزوج قال الحمو الموت) يعني هو البلاء هو الذي يخشى منه هو الخطر فنصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله في نفسه وأن لا تموت غيرته وأن يمنع زوجته أن تكشف لأحد من الناس إلا إذا كان من محارمها وفيما يتعلق بالزوج ليس من أقاربه أحد محارم لزوجته إلا أبوه وأبناؤه. أب وجد وإن علا وابنه وابن ابنه وابن ابنته وإن نزل أما غير الأصول والفروع من الأقارب فإنهم ليسوا من محارم الزوجة.
***(19/2)
سائلة تقول إذا سلمت امرأة على زوج أختها هل هذا يصح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح أن تسلم المرأة على زوج أختها بشرط أن تكون متحجبة وغير متبرجة وبشرط ألا تصافحه بيدها لأن ذلك محرم فلا يجوز أن تكشف وجهها ولا يديها لغير محارمها وأما مجرد السلام فيجوز أن تسلم على زوج أختها وعلى أخي زوجها إذا لم يكن هناك خلوة.
***(19/2)
تقول هل يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام إخوة زوجها أو زوج أختها لوجود محارم الزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير المحارم سواء كان هذا من إخوة زوجها أو من أزواج أخواتها لأنهم أجانب منها وأما المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة فإنها تكشف لهم ما يجوز كشفه كما هو مقرر في كتب الفقه
***(19/2)
الرسالة بين يدينا وردتنا من الأخ م م ص الثبيتي في منطقة العلا يقول أخي متزوج من أحد أفراد القرية فإذا أردت سفراً أو أتيت من السفر فهل يصح لي مصافحة زوجة أخي أم مقابلتها أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب على هذا السؤال إن كانت زوجة أخيك من محارمك في رضاع أو نسب فإنه لا حرج عليك في مقابلتها والسلام عليها لأن المحرم يجوز له أن ينظر إلى ما يظهر غالباً من ذوات محرمه وأما إذا كانت هذه الزوجة زوجة أخيك ليست محرماً لك بنسب ولا رضاع فإنه لا يجوز لك أن تصافحها ولا أن تنظر إلى وجهها اللهم إلا إذا صافحتها من وراء حائل كما لو وضعت على يدها شيئاً يحول بين مسك لبشرتها ومسها لبشرتك فهذا لا بأس به لابد أيضاً أن يكون هذا بلا خلوة فإنه لا يجوز لك أن تخلو بامرأة أخيك إذا لم تكن من محارمك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة فقال في حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين وهو يخطب الناس (لا يخلون رجل بامرأة) وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الحمو وهو قريب الزوج هل يجوز أن يخلو بالمرأة فقال (الحمو الموت) يعني بذلك أنه يجب عليك التحرز منه والفرار من الخلوة به كما تفر من الموت وهذا دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخلو بامرأة ولو كانت زوجة لأحد من أقاربه وهذه المشكلة مشكلة اجتماعية في الحقيقة لأن كثيراً من الناس يكون له زوجة وعنده في البيت أخ له وليس هناك والدة أو أخوات يكن مع زوجة أخيه وفي هذه الحال إذا لم يكن في البيت سوى زوجة أخيه لا يجوز أن يخلو بها في البيت إذا خرج أخوه لعمله أو سافر بل نقول في هذه الحال الحل في إحدى طريقين أما أن الأخ يذهب بزوجته إلى أهلها مادام غائباً عن البيت وإذا رجع إلى البيت أتى بها من أهلها معه وإما أن يجعل البيت قسمين قسم مثلاً القهوة ومصالحها يكون بها الأخ إذا لم يكن في البيت ويجعل بين هذا القسم وبين القسم الثاني الذي هو قسم النساء باب محكم يكون مفتاحه مع زوج المرأة وإذا خرج زوج المرأة أغلق هذا الباب حتى لا يدخل أخوه على امرأته ولا تدخل هي على أخيه فإذا قال قائل مثلاً إن هذا يمكن ألا يفيد لأن المرأة يمكن أن تخرج من باب السور وتدخل على أخيه من جهة أخرى نقول هذا أمر مستبعد ولا يمكن التحرز منه بأي حال من الأحوال حتى لو أن المرأة راحت ذهبت إلى أهلها قد تأتي إلى البيت وتتصل بأخيه ولكن هذا أمر بعيد جداً لأن الأخ يبعد أن يخون أخاه حتى مع تحفظ أخيه منه والإنسان إذا فعل الأسباب الشرعية التي تبعد عن المحظور فإن الله تبارك وتعالى يعينه ويبعد المحظور عنه.
***(19/2)
السائلة رقية أحمد من جدة تقول إنها امرأة متزوجة من رجل ولكنها لم تنجب له أولاداً ويريد أن يتزوج بأخرى وقد اختارت له ابنة ابنة أختها فهل يجوز أن يتزوجها وتجتمع مع خالة أمها عند رجل واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يجمع بين امرأتين إحداهما خالة للأخرى أو عمة لها أو أخت لها أما الأختان فقد قال الله تعالى في جملة المحرمات (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) وأما المرأة وعمتها والمرأة وخالتها فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) والقاعدة في ذلك على ما ذكره أهل العلم أن كل امرأتين يحرم التناكح بينهما فإنه يحرم الجمع بينهما يعني لو قدر أن هذه ذكر لم يحل له أن يتزوج بهذه فإنه يحرم الجمع بينهما فالمرأة وعمتها لا يمكن أن يقع التناكح بينهما لو كان أحدهما ذكراً وكذلك المرأة وخالتها وكذلك الأختان وأما الجمع بين المرأة وبنت خالتها والمرأة وبنت عمتها فإن هذا لا بأس لأن الإنسان يجوز أن يتزوج بنت خالته ويجوز أن يتزوج بنت عمته فهاتان المرأتان لو قدر أنَّ إحداهما ذكر جاز أن يتزوج بالأخرى وعليه فيجوز الجمع بين المرأة وبنت عمتها أو بين المرأة وبنت عمها وبين المرأة وبنت خالتها وبين المرأة وبنت خالها.
فضيلة الشيخ: على هذا تكون هذه الصورة التي ذكرتها السائلة غير جائز الجمع فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وكذلك أيضاً بنت بنت الأخت لا يجوز أن يجمع بينها وبين خالتها وذلك أن خالة المرأة خالة لكل من تفرع منها وعمة المرأة عمةلكل من تفرع منها أي من هذه المرأة.
***(19/2)
يقول هل يجوز للمؤمن أن يتزوج أخت زوجته مع أنها راضيةٌ بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمسلم أن يتزوج أخت زوجته ولا عمتها ولا خالتها لقول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) إلى قوله (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) وحتى لو رضيت بذلك فإنه لا يجوز الجمع بينهما وكذلك لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) حتى ولو رضي الجميع بذلك.
***(19/2)
سائلة تقول رجل متزوج من امرأة وله منها ثلاثة أولاد وقد تزوج عليها بأخرى هي ابنة أختها وعاشت معه إلى أن أنجبت له ثلاثة أبناء وبنتاً واحدة ولكننا سمعنا في هذا البرنامج أنه لا يجوز الجمع بين المرأة وخالتها فما الحكم في زواجهم هذا وماذا عليهم أن يفعلوا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زواجهم هذا غير صحيح بل هو باطل والواجب أن يفرق بينه وبين هذه الزوجة الأخيرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها وقد ذكر الله تعالى الجمع بين الأختين في جملة المحرمات فقال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) والسنة بينت أيضاً أن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها محرم فالواجب التفريق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد عليها هذا العقد المحرم ولا يثبت بهذا العقد شيء من أحكام النكاح اللهم إلا أن تأتي بأولاد منه في حال الجهل فإن هؤلاء الأولاد يلحق نسبهم بأبيهم فيكونون أولاداً لأبيهم وأمهم.
فضيلة الشيخ: لو أراد أن يستبقيها ويطلق الأولى يصح هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يريد هذه الثانية فإن النكاح الأول من الزوجة الثانية لا يمكن أن يبنى عليه بل إذا طلق الأولى وانتهت عدتها فإنه يعقد على الثانية عقداً جديداً لأن النكاح الأول من الزوجة الثانية ليس بصحيح.
***(19/2)
يقول السائل لو زنا رجل بامرأة محصنة أو غير محصنة وولدت المرأة بنتاً من هذا الزاني فهل يجوز للزاني أن ينكح هذه البنت أم لا أفيدونا جزاكم الله خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله ينبغي أن يعلم المسلمون أن الزنا من كبائر الذنوب وأنه فاحشة من الفواحش وأن الله تبارك وتعالى جعل له في الدنيا عقوبة رادعةً وفي نفس الوقت مكفرة هذه العقوبة أنه إذا كان الزاني غير محصن وهو الذي لم يتزوج فإنه يجب أن يجلد مائة جلدة وينفى عن البلد لمدة سنة وإن كان قد تزوج وحصل منه استمتاع كامل بزوجته فإن زناه بعد ذلك يوجب عليه الرجم بالحجارة حتى يموت وهذا دليل على قبح هذا العمل وقد وصفه الله تعالى بأنه فاحشة وأنه سبيل سوء قال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) ولكن إذا أبتلي المرء بهذا الشيء ودعته نفسه إليه وأصيب به فإنه يجب عليه أن يندم ويقلع ويستغفر الله عز وجل ويعزم على أن لا يعود ثم إن خُلِقَ من مائه حمل فإن هذا الماء ماء فاسد لأنه من سفاح والحمل لا يلتحق به ولا ينسب إليه شرعاً ولكنه مع ذلك لا يحل أن يتزوج إذا كانت بنتاً خُلقَتِ من مائه وذلك لأنه إذا كان الرضاع وهو تغذي الطفل باللبن الناشيء عن حمل من رجل إذا كان هذا الرضاع يؤثر في تحريم الرضيعة بحيث تحرم على صاحب اللبن وتوضيح ذلك أنه لو ارتضعت طفلة من زوجة رجل فإن هذه الطفلة إذا ارتضعت الرضاعة المعتبرة شرعاً تكون بنتاً له من الرضاع لا يجوز أن يتزوجها لأنها تغذت من لبن نشأ من حمل لهذا الزوج فكيف إذا كانت هي قد خلقت من مائه فإنها تكون أولى بالتحريم ولهذا نقول إنّ هذه الطفلة التي خلقت من ماء الزاني لا تُعتبر بنتاً له شرعاً ولكنه لا يحل له أن يتزوجها ولا أن يتزوج أحداً من فروعها لأنها خلقت من مائه.
***(19/2)
إذا كانت الخادمة تربي طفلاً صغيراً معوقاً وهي مسلمة منذ صغره وتعود عليها هذا الطفل مدة كبيرة تقوم بتغسيله وتأكيله والعناية به لمدة ما يقارب من عشر سنوات فهل يكون لها محرم ويجوز أن تسلم عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة غير متزوجة فما أحسن أن يزوجوه بها حتى تتمكن من كل شيء يصلح به أمر هذا الرجل ولعل الله سبحانه وتعالى أن يقدر بينهما ولدا ينفعهما جميعا أما إذا كانت مزوجة فإنه لا يمكن أن يتزوج بها والذي أرى أن يطلبوا خادمة غير متزوجة فيزوجوه بها فيحصل بذلك مصلحة الخدمة ومصلحة المتعة إذا كان يريدها.
***(19/2)
بارك الله فيكم، المستمعة من منطقة الرياض تقول أصيب والدها بمرض شديد أقعده عن الحركة وأعجزه عن القيام بشؤونه الخاصة تقول وفي معظم الحالات كانت تقوم بفك وتركيب هذا الجهاز مما يضطرها إلى النظر إلى عورة والدها تقول والآن وقد توفي والدها رحمه الله فما زالت تشعر بالخوف من الله والقلق كلما تذكرت ذلك أرجو من فضيلتكم إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، أقول إن الأصل تحريم نظر المرأة إلى عورة الرجل سواء كان من محارمها أم غير محارمها إلا إذا كان زوجاً لها فإن الزوجين يجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى عورة الأخر ويمسها لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) وأما غير الزوجين فلا يجوز لأحد أن ينظر الى عورة أحد أو يمسها وبناء على ذلك نقول لهذه المرأة التي ذكرت أنها تنظر إلى عورة أبيها وتمسها نقول لها إن هذا عمل لا يجوز ما دام يمكن أن تقوم به زوجة الأب، فإذا لم يكن للأب زوجة أو كان له زوجة لا تستطيع القيام بهذا فلا حرج على ابنته أن تقوم بهذا العمل لأن ذلك حاجة بل قد يكون ضرورة لأن انحباس البول مضر على الإنسان وربما يؤدي إلى الهلاك ومثل هذا يباح فلتطمئن إذا لم يكن لأبيها من يقوم بهذه العملية دونها فلتطمئن فإنه ليس عليها إثم في ذلك ولا حرج ولتتناسى هذا نهائياً، أما إذا كان له زوجة يمكن أن تقوم بهذا العمل ولكن حصل التهاون والتراخي فإن هذا عمل لا يجوز ولكن ما من عمل إلا وله توبة فإن الله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
فالحاصل أن نقول لهذه المرأة إن كانت مباشرتك لهذا العمل للضرورة بحيث لا يوجد لأبيك زوجة فإن هذا عمل جائز وليس فيه شيء وأعرضي عنه ولا يهمنكِ وإن كان له زوجة لكن حصل تراخي وتهاون فإن هذا إثم ولكن لكل ذنب توبة والتائب من الذنب كمن لم يفعل الذنب.
***(19/2)
السائلة من جمهورية مصر العربية تقول في هذا السؤال لعدم وجود زوجي لأنه مسافر أقوم أنا بتغسيل والد زوجي وبعض الناس يقولون أن هذا حرام لأنني أرى عورته فهل هذا حرام مع العلم بأنه رجل كبير في السن ولا يستطيع أن يخدم نفسه جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان محتاجاً إلى تغسيلك إياه فلا بأس لأن هذه حاجة والنظر إلى العورة تبيحها الحاجة وإن كان غير محتاج فلا يحل لك النظر إلى عورته لأنه من المحارم والمحارم تنظر المرأة إليهم إلى الوجه وإلى الرأس وإلى الذراعين وإلى الساقين وما أشبه ذلك ولكن ينبغي للزوج أن يحرص على العناية بأبيه لأن ذلك من بره وله في ذلك أجر عند الله عز وجل ودوام الحال من المحال ولا يدري متى يجيب والده داعي الله عز وجل لفراق الدنيا فالذي ننصح به هذا الزوج أن يعتني بوالده مادام على قيد الحياة وليصبر وليحتسب فإن الله تعالى قال في كتابه العزيز (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) .
***(19/2)
أحسن الله إليكم سائل يقول هل يجوز جلوس الزوجة مع أخي الزوج في وسط عائلي والمرأة يعني متحجبة الحجاب الشرعي.
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم لا بأس لكن لا تكون مما يلي أخي الزوج تكون في جهة أخرى وأحسن ما يكون في هذه الحال في العوائل أن يكون الرجال في أعلى المجلس والنساء في أدنى المجلس حتى يبتعد بعضهم عن بعض.
***(19/2)
سائلة تقول بأنها منقبة بالزي الإسلامي ولكن تحت الاضطرار أكشف عن وجهي أمام أخوين لزوجي معنا في المنزل مع العلم بأنني أعلم بأن ذلك لا يجوز وأنا أقيم في غرفة داخل المنزل ويصعب علي أن أغطي وجهي طول الوقت فانصحوني فضيلة الشيخ ماذا أفعل جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ننصحك أن تغطي وجهك عن أخوي زوجك لأن كشفك الوجه أمام أخوي الزوج فتنة وقد يكون الفتنة بأخوي الزوج المقيمين معكم في البيت أشد من الفتنة التي تحصل من الرجال الأجانب وقول السائلة إنها لا تستطيع أن تكشف وجهها طول المدة قول فيه مبالغة لأن المرأة ليست طول المدة عند أخوي زوجها ربما لا تجلس معهم إلا ساعة من نهار فلتصبر على تغطية الوجه أمامهما ولتحتسب ولتصبِّر نفسها إذا دعتها إلى الكشف.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع م. ع. ع. من المدينة المنورة يقول من المعروف في الشريعة أن ابنة العم تحتجب عن ابن عمها ولكن هل يعني ذلك مقاطعته من الكلام والسلام والاختباء عنه أم أنها تقابله وتسلم عليه وهي متحجبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ابنة العم ليست من محارم ابن عمها ولهذا يجوز أن يتزوج بها فهي أجنبية منه وهو أجنبي منها ولكن من المعروف أن العوائل يزور بعضهم بعضاً في البيوت فإذا زار ابن العم بيت عمه وفيه نساء فلا حرج أن يسلم عليهن بشرط أن لا يكون هناك خلوة ولا كشف حجاب وبشرط ألا تخضع المرأة بالقول لأن الله تعالى قال لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم وهن أطهر النساء قال (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ومن الخضوع بالقول أن يكون بينهما ممازحة أو مضاحكة أو ما أشبه ذلك وقد بلغني أنه يوجد عند بعض العائلات عادة لا يقرها الشرع وهي أن الإنسان إذا دخل بيت عمه وفيه بنات عمه فإنه يسلم عليهن ويصافحهن وهذا لا يجوز حرام لأن المصافحة لا شك أنها فتنة وقد وردت أحاديث في التحذير منها.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمعة مريم يوسف الحقيقة تقول بأنها امراة متزوجة تبلغ من العمر الثانية والثلاثين تقول وقد توفيت والدتي يوم ولادتي فربتني عمتي من ذلك اليوم وتكفل بي زوجها ورباني مثل ابنته وتكفل بمعيشتي وهما لم يرزقا بالأولاد حينها مما منعهما من إرضاعي وقد عشت مع زوج عمتي كأنه والدي ما يقارب من ثمانية عشرة عاما ثم تزوجت وأصبحت لا أقابله إلا بالعباءة ولبس ساتر فهو كوالدي وكذلك ابنه الصغير الذي بلغ الآن خمسة عشر عاما ربيته كأخ صغير حتى كبر وأن الآن حائرة ولا أدري ما حكم ذلك برغم أنني أستر جسمي ولا أكشف لهما إلا وجهي ويدي وآعاملهما كالوالد وكالأخ لي وهما كذلك مع العلم أن والدي هذا تجاوز الستين من عمره فما حكم كشف وجهي لهما مع وجود عمتي وأولادي وزوجته فأنا يعلم الله أحبهما وأنظر إليهما كأب وأخ حقيقي ولا أناديه إلا بأبي فله الفضل بعد الله عز وجل علي فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا الرجل أحسن إليك وأن له حقا عليك بالمكافأة فإن لم تجدي ما تكافئينه به فبالدعاء حتى تري أنك قد كافأتيه ولكن كل هذا لا يحل شيئا مما حرمه الله عز وجل فلا يحل لكِ أن تكشفي وجهكِ عنده لأنه أجنبي منك فهو كغيره من الناس الذين ليسوا بمحارم لكن له حق الدعاء والإكرام والمكافأة وكذلك ابنه وكغيره من أبناء الناس ليس بينك وبينه رحم حتى تكشفي عنده بل الواجب عليك ستر ما يجب ستره عند الرجال سواهما ونرجوا من الله عز وجل أن يثيب هذا الرجل الثواب الجزيل بمنه وكرمه لقيامه بما قام به نحوك.
***(19/2)
هل يجوز للمرأة أن تصافح جد زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تصافح جد زوجها سواء من قبل أمه أو من قبل أبيه لأنه محرم لها.
***(19/2)
السائل أبو الحسن يقول هل يجوز أن أسلم على زوجات أعمامي علما أن لهن أولاد وبنات أيضا مع الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السلام عليهن باللفظ فلا بأس يعني لو جاء الإنسان إلى بيت عمه أو خاله ودخل البيت وسلم فيه على هؤلاء النساء فلا حرج ولكن يجب عليهن تغطية وجوههن وما يلزم تغطيته مما يحصل به فتنة ولا يجوز له أن يسلم عليهن مصافحة أو تقبيلاً لأنهن لسن من محارمه وأما زوجات أبيه وجده وأبي جده فلا بأس وكذلك زوجات ابنه أو ابن ابنه أو ابن بنته كل هؤلاء يحل له أن يسلم عليهن مصافحة وتقبيلا على الرأس أو الجبهة إن أمن من الفتنة فإذا قال قائل ما هي الفتنة قلنا الفتنة أن يتمتع ويتلذذ بذلك أو أن تثور شهوته بذلك فإذا كان الأمر هكذا فإنه يجب عليه البعد عن ما أبيح له.
***(19/2)
يقول ما حكم الدخول على بنت عمي أو بنت خالي سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدخول على بنت العم سواء كانت متزوجة أم غير متزوجة إن كان مع خلوة ليس عندها أحد فهذا حرام ولا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة) متفق عليه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وإن كان معه أحد وأمنت الفتنة ودخل عليها وهى متحجبة غير متبرجة بزينة فلا حرج في ذلك.
***(19/2)
المستمع صلاح إبراهيم الخزرجى من العراق بيالا يقول لي عم توفيت زوجته بعد أن خلف منها ولدا فتزوج بأخرى وقد توفي عمي فتزوجت زوجته أي زوجة عمي فخلفت منها ولدا فكان ابن عمي الذي من زوجته الأولى تزوج بامرأة غريبة ليست لها علاقة بنا فخلف بنتا أي ابنه ابن عمي فهل يجوز لابني أن يتزوج ابنة ابن عمي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لابنك أن يتزوج ابنة ابن عمك وذلك لأنه لا محرمية بينهما فإن زوجة العم ليس هي أم والد البنت حتى نقول إنه يكون بينهما حرم ولا حرج في ذلك.
***(19/2)
السائلة تقول هل التقبيل جائز بين الأقارب أو نكتفي بتقبيل الرأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان بين رجال أو نساء بمعنى أن الرجل يقبل الرجل والمرأة تقبل المرأة فهذا لا بأس به ما لم يكن هناك محظور شرعي وأما بين الرجال والنساء فلا ينبغي للإنسان أن يقبل امرأة ولو كانت من محارمه إلا على الجبهة والرأس ويستثنى من ذلك الزوجة فالأمر فيها واضح.
***(19/2)
نكاح الكتابيات(19/2)
المستمع من الجزائر عثمان يقول هل يجوز للمسلم أن يتزوج بفتاة من أهل الكتاب وإن كان الجواب بنعم فما هي الشروط التي تتوفر في الإنسان المسلم وفي الفتاة حتى يتم هذا الزواج وفي الأخير أتقدم لكم بالشكر الجزيل على ما تقدمونه من خدمة للإسلام والمسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأة من أهل الكتاب لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) والشروط التي يجب أن تتوفر في نكاح المسلم الكتابية هي الشروط التي يجب أن تتوفر في نكاح المسلم المسلمة وأما قول من قال إنه يشترط ألا يقدر على نكاح مسلمة فقوله ضعيف لأن الله لم يشترط في نكاح نساء أهل الكتاب ذلك الشرط ولكن قوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يدل على أن الأولى للمسلم أن يبدأ بنكاح المؤمنات أولاً فإذا لم يتيسر له نَكَح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فنبدأ بما بدأ الله به.
***(19/2)
هل عقد النكاح من الكتابية صحيح أم باطل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عقد النكاح من الكتابية صحيح إذا تمت شروطه لأن الله تعالى أباح لنا أن نتزوج الكتابيات قال الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)) والكتابية التي تدين بدين اليهودية أو بدين النصرانية.
***(19/2)
بارك الله فيكم من ليبيا سائل يقول فضيلة الشيخ ما حكم زواج الرجل المسلم بزوجة نصرانية مع علمه أنها رفضت أن تدخل في الإسلام فأرجو من فضيلة الشيخ جزاه الله خيراً إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للرجل المسلم أن يتزوج امرأةً نصرانية لقول الله تبارك وتعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)) وفي هذه الحال ينبغي له بعد العقد عليها والدخول بها أن يعرض عليها الإسلام وأن يرغبها فيه فلعل الله أن يهديها إلى الإسلام فينال الزوج بذلك ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين بعثه في خيبر وقال (انفذ على رسلك ثم انزل بساحتهم وادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) وبهذه المناسبة أنبه إلى هذه الكلمة حمر النعم وأنها تقرأ بسكون الميم حمْر النعم وكثيرٌ ممن نسمع من الأخوان يقرؤها بضم الميم ويقول من حُمُر النعم والحُمُر ليست جمع حمراء بل الحُمُر جمع حمار والفرق واضحٌ جداً فعلى القارئ أن يراعي هذه المسألة وأن يقرأها حمْر النعم بسكون الميم جمع حمراء ثم إنه إذا تزوج هذه المرأة النصرانية فإنه إذا مات لا ترثه وإذا ماتت لا يرثها وكذلك لو مات أحد أولادها فإنها لا ترثه ولو ماتت هي لا يرثها أحدٌ من أولادها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) ويكون ميراثها لورثتها الذين يوافقونها في دينها.
***(19/2)
جزاكم الله خيراً السائلة تقول ما رأيكم في رجلٍ مسلم تزوج بامرأةٍ كتابية ولم تسلم هل يجوز مثل هذا الزواج أم لا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمسلم أن يتزوج امرأةً كتابية لقول الله تبارك وتعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ولكن في هذه الحال ينبغي له بإلحاح أن يعرض عليها الإسلام ويبين لها محاسنه ويدعوها إليه فربما يهديها الله عز وجل على يديه فيكون له أجرٌ عظيم.
***(19/2)
إعلان النكاح(19/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع أخوكم في الله عبد الله ناصر من جدة يقول فضيلة الشيخ ما هي الطريقة المثلى لأن يشهر الرجل زواجه ابتعاداً عن الباطل نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطريقة المثلى لذلك أولاً لابد أن يكون بشهود لأن هذا من إشاعته
وثانياً أن يعلن بالدعوة يدعو إليه الأصحاب والأقارب والجيران
وثالثاً أن تدف الناس ليلة الدخول بالدفوف ويغنين بالأغاني لكن بشرط أن لا تكون الأغاني ماجنة أو مثيرة أو فيها مبالغة أو نحو ذلك مما هو محرم
ورابعاً بالوليمة على العرس لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها فقال لعبد الرحمن بن عوف (أولم ولو بشاة) ومن الطرق الحديثة عندنا أسراب السيارات التي تسير في موكب الزفاف ومنها أيضاً الأنوار التي توقد في بيت الدخول ولكن هنا أنبه إلى أمر يفعله بعض الناس في موكب حفل الزواج وهو أنهم يضربون بواري السيارات بحيث يزعجون الناس في البيوت وفي الأسواق وهذا لا داعي له في الواقع بل هو شيء مزعج ولا ينبغي للإنسان أن يتخذ ما يزعج إخوانه المسلمين.
***(19/2)
من م , ع , م أريد أن أتزوج بزوجة ثانيه فهل يجوز لي أن أتزوج في الخفاء ولا أخبر زوجتي بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن تتزوج ولا تخبر زوجتك بذلك لكن لابد أن يكون النكاح ظاهراً معلناً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك قال (أعلنوا النكاح) وأنت إذا فعلت ما أمر الله به ورسوله من إعلان النكاح فإن الله تعالى سوف يرضي عنك زوجتك إذا علمت.
***(19/2)
الشروط في النكاح(19/2)
السائل حسين أ. من مكة المكرمة يقول في هذا السؤال أعرض عليكم فضيلة الشيخ مشكلتي مع زوجتي فقد تزوجت بعد وفاة الوالد رحمه الله بسنتين وترك الوالد أمانةً في عنقي وهم أمي وأخوتي الصغار القصر وأنا المعيل الوحيد بعد الله عز وجل لهم تقدمت لخطبة زوجتي بشرط أن لا أستقل ببيتٍ مستقلٍ لها لظروفي الخاصة كما ذكرت ووافق أهل زوجتي على شرطي وتم الزواج وبعد ستة أشهر من الزواج بدأت زوجتي تخلق المشاكل لأجل بيتٍ مستقلٍ لها وهي تعلم جيداً أني لا أستطيع لظروفي ولدخلي المحدود حيث إنني أعمل براتب قدره ألف ريال شهرياً وخيرتني بين أمي وبينها وذهبت إلى بيت أهلها دون أي اعتبارٍ بمشاعري ورزقني الله منها بولد وحرموني من زيارته وأنا أحاول أن أعيدها إلى بيتي بشتى الطرق ولكن دون جدوى والآن أنا محتار يا فضيلة الشيخ هل أختار أمي التي ربتني أم هذه الزوجة أم ولدي أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام بينكما الشرط عند العقد أن لا تجعل لها بيتاً مستقلاً فأمركم إلى القاضي والقاضي هو الذي يحكم بينكما أسأل الله الهداية للجميع وينبغي لك أن تعرف ما هي المشاكل التي حصلت بين أمك وزوجتك وتحاول حلها بقدر الاستطاعة لأنها قد تكون مسألة سهلة يسيرة ولكن الشيطان ينزغ بين الناس فأرى قبل الوصول إلى التحاكم أرى أن تنظر في المشكلة إذا أمكن حلها فهذا أحسن وإذا لم يمكن فليس هناك إلا التحاكم إلى القاضي ونسأل الله للجميع التوفيق.
***(19/2)
من ن. س. ع. من اليمن الشمالية تقول تعاهدت مع زوجي ألا يتزوج أحد منا إلا أن زوجها تزوج غيرها وطلقها فهل تفي بالعهد أو تتزوج مثل ما تزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا الشرط أي لا يجوز للزوج أن يشترط على زوجته ألا تتزوج أحدا بعده وذلك لأنه منافٍ للشرع فإن الذي لا يحل نسائه من بعده هو النبي صلى الله عليه وسلم خاصة والمرأة إذا فارقها زوجها سواء فرقة حياة أو فرقة موت فإنها تكون حينئذٍ حرة تتزوج من شاءت واشتراط ألا تتزوج بعده اشتراط باطل لا يوفى به وكذلك بالنسبة للزوج إذا اشترطت عليه ألا يتزوج أحدا بعدها فإنه شرط باطل فإن الزوج حر له أن يتزوج ما شاء حتى ولو كانت الزوجة معه إلا إذا اشترط عليه عند العقد ألا يتزوج عليها فإن هذا الشرط صحيح على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وإذا تزوج عليها في هذه الحال وقد شرط عليه عند العقد ألا يتزوج فإن لها الخيار بين فسخ النكاح والبقاء معه
***(19/2)
يقول لقد من الله علي فضيلة الشيخ بإكمال نصف ديني قبل حوالي خمسة أشهر وقد اشترط علي عند العقد أن أسكنها في شقة منفصلة عن أهلي بالرغم من وجود منزل والدي وهو كبير به حولي أربعة عشرة غرفة وليس في البيت سوى والدي ووالدتي وأخوين وخادمة وقد وافقت على الشرط وكذلك اشترط عليّ مؤخر المهر وقدره ما يقارب من أربعين ألف وقد تكلف حوالي ثمانين ألف ريال ما بين تأثيث الشقة وحفلة الزفاف وقيمة الذهب والمهر المهم بعد هذه الفترة تمنيت لو أنني لم أوافق على شرط السكن فبدأت بمصارحة زوجتي برغبتي في السكن مع أهلي وقد رفضت ذلك على الرغم من سعة البيت وكبره وقد حاولت بالترغيب أحياناً وبالترهيب كذلك ولكن بدون جدوى وعللت ذلك خوفها من المشاكل وأصرت على عدم السكن معهم مع العلم أن والدي قد يحتاجني لأنه رجل كبير ظهرت عليه أمراض الشيخوخة وأنا أكبر إخواني وكذلك والدتي تعاني من أمراض وقد أجريت لها عمليات وكل هذا لم يشفع لدى زوجتي بالتنازل عن شرطها والموافقة بالسكن معهم مع العلم بأنني كلما قمت بزيارة أهلها يقولون لي وكأنهم يمنون علي نحن والحمد لله لم نقصر معك ولم نطلب منك مثل كثير من الناس ويرون بأنني قد قصرت عليهم في مهرها وكسوتها ويقولون بأنهم سهلوا مهمة الزواج بها بعدم كثرة الطلبات وكل ذلك بقصد أنني أزداد حباً لهم ولابنتهم وبالفعل حدث العكس فصار في قلبي كره لهم ولابنتهم وكلما تذكرت الشقة وتكاليف الزواج والمؤخر أقول في نفسي هل هذا صحيح لم يكثروا عليّ سامحهم الله المهم يا فضيلة الشيخ في ختام هذه الرسالة بأنني مصمم على الانتقال وهي ترفض فماذا أصنع يا فضيلة الشيخ محمد هل أطلقها أو أقوم بهجرها وهل هناك وسيلة شرعية للتنازل من شرطها أفيدوني وانصحوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والأمر بالوفاء بالعقد يتضمن الأمر في وفاء أصله ووفاء وصفه وهو ما شرط فيه ويقول جلا وعلا (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) وكذلك جاء عنه صلى لله عليه وسلم أنه قال (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وثبت عنه أنه قال (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه أن الشرط الذي لا يخالف كتاب الله صحيح وبهذه النصوص يتبين أنه يجب على أخي السائل أن يوفي بالشرط الذي اشترط عليه عند العقد وهو أن يسكن زوجته في محل منفرد عن أهله وألا يحاول إسقاط هذا الشرط بالتهديد لأن المحاولة بالتهديد لإسقاط الشرط مخالفة لأمر الله عز وجل بالوفاء بالعقود وبالعهود ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (أن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) فأنت إن تمكنت أن تبقيها في مكانها على الشرط الذي جرى بينكما فهذا هو المطلوب وأرى أن تبقى كذلك وتنتظر لأن المدة التي فاتت من الزواج مدة يسيرة فلتصبر ولتنتظر حتى يطول الأمد بينكما فربما تتيسر الأمور في المستقبل وإن لم تتمكن من ذلك فلا حرج عليك أن تطلقها في هذه الحال إذا كان لا يمكنك البقاء معها في بيتها ولكن تعلم أن الطلاق ليس بالأمر السهل لأن الطلاق كسر للمرأة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كسرها طلاقها) ولأن الإنسان قد يطلق المرأة وهو يؤمل أن يجد من هي خير منها ولا يجد وربما يحصل له امرأة تكون أكثر مشاكل من هذه المرأة وأخيراً أكرر لأخي السائل أن يصبر وينتظر وبإمكانه أن يفي بهذا الشرط ويبقى مع زوجته ويبر والديه لأنه لا تعارض بين هذا وهذا فالوقت واسع يكون عند أهله وعند زوجته ونسأل الله لنا وله التيسير أو يأخذ شقة قريبة فربما تهون الأمر.
***(19/2)
المرسل مبروك فرج يقول تزوجت امرأة بعد رجل سابق وهذه المرأة معها طفل من الرجل السابق وقد كان مقدار مهرها أربعون ألف ريال سلمتها كاملة وعند كتابة العقد شرط والدها نفقة ابنها ثم تزوجتُ تلك المرأة وبعد مضي أربعة سنوات لم أتفق أنا والزوجة فطلقتها والآن والدها يطالب بالنفقة فهل النفقة واجبة علي بعد طلاق الزوجة لابنها مع العلم أن مدة النفقة هي ثمانية سنوات أرجو الإجابة ولكم خالص شكري وتقديري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال لا يحق لنا في هذا البرنامج أن نجيب عليه لأنه بين طرفين أحدهما لم يحضر ولم يقدم السؤال فيكون جواب هذا لدى المحكمة ونحن في هذا البرنامج لا نتعرض للمسائل التي تقع بين الناس كمخاصمة بينهم ولكن نذكر كلاماً عاماً وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) وكذلك أيضاً في الحديث المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) ومادام والد الزوجة اشترط عليك الإنفاق على ابنها لمدة ثمانية سنوات فالشرط هذا من الشروط المعلومة بالعرف المحددة بالأجل المسمى التي التزم بها المرء على نفسه وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وحيث إن الجواب في صالح خصمك فإني أرى أننا في حل من الإجابة عليه فعليك أن تنفق على هذا الطفل حتى تتم المدة التي بينك وبين جده لما أشرنا إليه من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) والحديث المشهور (المسلمين على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فعليك أن تفي بهذا الشرط ولو طلقت امرأتك.
فضيلة الشيخ: ألا يذهب هذا الشرط إذا ذهب سببه وهو بقاء المرأة في عصمة الرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من شرطه لأن هذا الشرط أصبح من المهر والمهر لو فرض أن الإنسان التزم بأربعين ألفاً كما قال الأخ تحل في خلال ستة عشر سنة مثلاً ثم طلقها قبل تمام ستة عشر سنة أفيسقط ما بقي من المهر لا يسقط إذن هذا لا يسقط لفراق المرأة.
***(19/2)
نكاح الشغار(19/2)
يقول ما الحكمة من تحريم الشغار وجهونا بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من تحريم الشغار أنه ظلم للمرأة وأنه يفتح باب المحاباة لمن أراد أن يزوجه ويدع مراعاة حسن الخلق والدين لأنه يريد أن يشبع رغبته في نكاح المرأة الأخرى وهذا شيء مشاهد فإنه لو أُحل الشغار لم يزوج أحد ابنته إلا من يوافق على أن يزوجه ابنته وهلم جرا.
***(19/2)
يقول لي صديق أراد أن يتزوج من إحدى الفتيات وعندما تقدم لخطبتها اشترط أهلها أن تكون أخته بديلة لها يتزوجها أحدهم فهل يجوز لو وافق على تزويج أحدهم أخته ويدفع لهم مهراً زيادة أم لا يجوز ذلك مادام مشروطاً هذا الزواج بذاك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز أن يمتنع أحد من تزويج موليته إلا إذا زوجه الخاطب موليته فإن هذا محرم ولا يجوز وهو من نكاح الشغار الذي (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه) وذلك لأن المرأة أمانة بيد وليها فإذا فتح الباب للأولياء في هذا صارت النساء لعباً بأيدي أوليائهن يزوجها من يحقق له رغبته ولو كان غير كفء ويمنعها ممن لا يحقق له رغبته وإن كان كفأً وهذا خلاف الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها إلى أهلها وهو من الخيانة التي نهى الله عنها قال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل فضيلة الشيخ مع ارتفاع المهور انتشر الزواج بالبدل دون مهر وحدث أن أحد المتزوجين توفي فقام الثاني يطالب بالمهر فما موقف الشرع من القضية أولا وأخيرا أرجو توضيح ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن نكاح البدل محرم وباطل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن الشغار) أي عن نكاح الشغار وقال (لا شغار في الإسلام) فهو عادة جاهلية محضة وهى محرمة وليست النساء سلعا تباع وتشترى حسب هوى البائع والمشتري وعلى هذا فأنا أحيل هؤلاء إلى المحاكم الشرعية هناك لتحكم بينهم بما تقتضيه الشريعة.
***(19/2)
هذا المستمع رمز لاسمه بـ ب. محمد من العراق محافظة نينوى يسأل عن زواج البدل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زواج البدل الذي يسمى في الشرع الشغار محرم ولا يصلح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الشغار) وقال (لا شغار في الإسلام) ، والشغار هو أن يزوج الإنسان موليته شخصاً على أن يزوجه هذا الشخص موليته مثل أن يقول شخص لآخر أنا أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، فهذا لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه ولأنه يؤدي إلى مفاسد، فإن هذا الرجل جعل ابنته بمنزلة السلعة التي يتوصل بها إلى مقصوده ولأنه ربما يزوجها من ليس كفأً لها من أجل مصلحة نفسه فإن قال قائل لا يمكن أن يزوجها من ليس بكفء إلا برضاها لأن المرأة لا يجوز إجبارها على النكاح ولو كانت بكراً ولو كان المجبر أباها والجواب عن ذلك أن يقال إنها ربما تأذن وتوافق لا حباً في هذا الرجل الذي يريد زواجها ولكن من أجل مصلحة أبيها فتكون موافقتها عن غير اقتناع ورضا فإن كان هذا الأمر قد وقع، فالواجب على الزوجين أن يتوقفا عن الاستمتاع بالنساء حتى تصل المسألة إلى المحكمة والحاكم يحكم بما يراه في هذه المسألة ويسير على بصيرة.
***(19/2)
لي أخت وأخ ولنا أقارب فقام أبي خطب بنت أحد الأقارب لأخي وكذلك خطب أهل البنت أختي لأخي البنت واتفق الآباء أن تكون واحدة بواحدة دون أن يدفع أحدهم أي شي وأن يجهز كل واحد ابنته وأجبرت أختي على ذلك وتم الزواج وحاولت أن أقف دون ذلك ولكن لم أتمكن فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقد الذي أشار إليه الأخ قد جمع بين محظورين
أحدهما أنه من الشغار الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه (لا شغار في الإسلام) وذلك لأنه كل واحد منهما زوج مواليته الآخر على أن يزوجه الآخر موليته وهذا هو الشغار الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وأنه ليس بينهما مهرً
أما المحظور الثاني فهو إكراه البنت على النكاح وهذا حرام ولا يجوز ولا يصح النكاح مع الإكراه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الأيم حتى تستأمر وسئل عن إذن البكر فقال أن تسكت -وفي رواية- إذنها صماتها) وفي رواية لمسلم (البكر يستأمرها أبوها) فنص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على البكر ونص على الأب وفي هذا دليل على ضعف قول من يقول من أهل العلم إن البكر يجوز لأبيها أن يجبرها على النكاح فإن هذا الحديث نص صريح واضح في البكر وفي الأب (البكر يستأمرها أبوها) ولهذا لا يجوز للمسلم أن يجبر ابنته على النكاح سواء كانت بكراً أم ثيباً وفي هذه الحال إذا كان يعرض عليها الذين يخطبون ولكنها لا تقبل في هذه الحال لا إثم عليه حتى ولو ماتت وهي لم تتزوج فلا إثم عليه إذا كانت هي التي لا تريد أن تتزوج إنما الإثم إذا رغبت أن تتزوج بشخص كفء في دينه وخلقه ثم يأتي الأب ويمنع من ذلك فإن هذا حرام عليه ولا يجوز وقد ذكر أهل العلم أنه إذا تكرر منه هذا الشيء أصبح فاسقاً لا ولاية له على ابنته وتنتقل الولاية إلى أولى الناس بتزويجها بعده وعلى كل حال هذا السؤال الذي سأله الأخ العقدان فيه غير صحيحين إذا كان الأمر على ما ذكره الأخ السائل والذي أرى في هذه المسالة أنه يجب رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتنظر في الأمر في تحقيق ذلك وفي ما يجب نحو هذين العقدين إبقاءً أو فسخاً.
***(19/2)
يقول هناك رجلٌ له أخت وقد زوجها من رجلٍ له أختٌ أيضاً في سن الزواج وقد أخذ من زوجها نصف مهرها ثم تقدم هو للزواج من أخته فتزوجها ودفع إليه نصف المهر فهل يدخل هذا في الشغار أم لا إذا حصل أن غضبت إحداهما وفارقت المنزل فإن الأخرى تفعل مثلها ولو بدون سبب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يدخل في الشغار ما دام أنه لم يخطب أخت زوج أخته إلا بعد أن تم العقد فإنه لا يدخل في الشغار لكنه فيه تصرفٌ سيء من هذا الأخ حيث أخذ نصف مهر أخته لأنه لا يحل له أن يأخذ من مهر أخته شيئاً إلا إذا طابت نفسها بذلك ورضيت وهي بالغة عاقلة رشيدة فلها أن تعطيه ما شاءت أما أن يأخذه بغير إذنها وبغير رضاها ليتزوج به من بنت هذا الرجل فإنه محرمٌ عليه ولا يصح ولا يجوز له فعل هذا أما بالنسبة للنكاح فالعقد صحيح لأنه ليس من باب نكاح الشغار وأما كون كل واحدةٍ من الزوجتين إذا غضبت الأخرى غضبت هي بدون سبب وخرجت من بيت زوجها فإن هذا حرام عليها أن تفعله لأن الواجب عليها لزوجها أن تعاشره بالمعروف وأن لا تنظر إلى معاشرة الزوجة الأخرى لأخيها فيجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في معاملة غيره ممن يجب له الحق وأن يقوم به على الوجه الأكمل.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل جمال محمد عبد الحميد البسنجي من الأردن يقول قبل ثلاثة عشر عام تزوج أخي امرأة في حين تزوج أخو هذه المرأة أختي وكان لكل منهما مهر استلمته بيدها ومن ثم كل واحدة تنازلت عن مهرها وبعد حوالي ثمانية سنوات بدأت المشاكل تدب في عائلة زوج أختي حيث كانت عائلتهم كبيرة وفيها عدد لا بأس به من النساء وكذلك حدث بين أخي وزوجته مشاكل وكانت المشاكل تحدث وتحل لا تطول بها المدة ولكن قبل حوالي أربعة سنوات عندما أشدت الأمور وساءت العلاقة بين أختي وزوجها جاء بعض النسوة من أقارب زوج أختي فعرضن عليها فكرة عمل الحجاب لعله يحسن العلاقة بينها وبين زوجها ووافقت على ذلك وعملت الحجاب وبعد فترة من عمل الحجاب حدث نزاع بسيط بين أختي وزوجها وقد رأى معها الحجاب فأخذه منها وقال لها اذهبي إلى بيت والدك وفعلاً حدث ذلك وجاءت إلى البيت ولبثت عندنا حوالي ثلاثة أشهر لم يأت شخص واحد من أجل محاولة الإصلاح بعدها جاء أخي فقال لزوجته اذهبي إلى بيت والدك الآن أصبحت كل واحدة في بيت أهلها عدد الأطفال في البيتين حوالي أربعة عشر فرداً وبعد ذلك بدأت الجاهات من أجل حل القضية وأخيراً قررت الجاهة أن تعيد كل واحدة إلى زوجها ووافق الطرفان على ذلك ولكن زوج أختي قال بالحرف الواحد تعود ولكن ليس على أنها زوجة أي تعود فقط لتعتني بأولادها وقد وافق أهلي على ذلك حيث قالوا إنها لحظة غضب وتزول ولكن الرجل نفذ ما قال حيث بعد ذلك تزوج امرأة أخرى وترك أختي ولم يكلمها منذ أربعة سنوات إلى الآن وبقيت أختي هناك عندهم لا يكلمها أحد من العائلة وزوجها مع زوجته الأخرى في بيت منفصل فأولاً هل عقد الزواج صحيح بذلك الشكل وما حكم عمل الحجاب الذي عملت والذي يبدو أنه أعطى نتيجة عكسية وهل بقاء أختي على مثل هذه الحالة جائز شرعاً أم أنها تعتبر عند أجانب وتعتبر طالقا وما هي توجيهاتكم ونصائحكم لنا لحل هذه القضية ونحن خائفون إذا أقدمنا على أي أمر أن نغضب به الله سبحانه وتعالى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مطول وفيه فقرات لا داعي لذكرها كعدد الأسر وما أشبه ذلك والذي أنصح به إخواني المقدمين للسؤال أن يجعلوا الأسئلة مركزة مختصرة حتى يمكن استيعاب فهمها ثم الإجابة عليها ولكن من توفيق هذا السائل أنه حصر السؤال في النقاط التالية
أولاً هل عقد النكاحين صحيحان والجواب على ذلك أن العقدين صحيحان إذا لم يكن هناك شرط فإن كان هناك شرط بأن قال أحدهما للآخر لا أزوجك حتى تزوجني فإن هذا من نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا سمي لامرأتين مهر كامل وكان كل من الزوجين كفأً للمرأة ورضي كل من الزوجتين هل يكون نكاحه في هذه حالة صحيحاً أم يكون باطلاً على قولين من أهل العلم والذي يظهر من ظاهر صياغة السؤال أنه ليس بينهم شرط وعلى هذا يكون النكاحان صحيحين
وأما الفقرة الثانية وهو وضع الحجاب المسمى في عرف كثير الناس بالخط فإن عمل هذا الحجاب محرم ولا يجوز لأن ذلك لم ترد به السنة فإن كان من أدعية محرمة فإنه لاشك في تحريمه وإن كان من القرآن ففي تحريمه نزاع بين أهل العلم والراجح أنه لا يجوز وذلك لأن الاستشفاء بالقرآن على وجه لم ترد به السنة ليس بصحيح إذ أن مثل هذه الأمور موقوف على الشرع فما ورد به الشرع فهو جائز وما لم يرد به فالأصل أنه ممنوع لأن إثبات سبب لم يرد به الشرع ولم يشهد به الواقع نوع من الشرك وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يعلق شيئاً في عنقه يستشفي به من المرض أو يدفع به سوءاً لأن ذلك لم يرد والأصل المنع في هذه الأمور. وأما الفقرة الثالثة وهي بقاء أختك عند زوجها الذي قال لترجع إلى بيتها على إنها ليست لي زوجة ولكن تكون عند أولادها هذا يوجه إلى نية الزوج إذا كان نيته بها الطلاق فإنها تكون طالقاً وبقاؤها في هذا البيت عند أولادها إذا كانوا قد بلغوا وعقلوا لا بأس به لأنها تكون امرأة عندها محارمها وإن لم يكونوا بالغين عاقلين فإنه كذلك لا بأس به مادام السكنة مأمونة ولا يخلوا بها أحد من غير محارمها.
***(19/2)
يقول حصل عندنا زواج بين رجل من أقاربي وشخص آخر ولكن يشكك في صحته فقد حصل أن اتفق هذا الرجل مع شخص آخر على أن يتزوج ابنته وهو يزوج أخته لابن ذلك الرجل واشترط كل واحد منهما أن يدفع للآخر ما يلزم للفتاة من ملابس أو حلي حسب ما يحدده هو فهل مثل هذا النكاح صحيح أم يدخل في الشغار المحرم فإن كان كذلك فماذا عليهم أن يفعلوا الآن وإن لم يكن من قبيل الشغار فما هو الشغار إذن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصورة التي ذكرتها لا شك أنها من الشغار لأنه لم يبدو فيها من المهر إلا ملابس المرأة وحليها وهذا ليس مهرا معتادا في وقتنا هذا فالمهر في وقتنا هذا لا يقتصر على الحلي والملابس للمرأة فتكون معه نقود وعلى هذا فقد زوج كل منهما الآخر بمهر أقل من مهر المثل وهذا شغار بلا شك وذلك لأنه أصبح المهر في شيئين من المال ومن الأبضاع فكأن كل واحدة صار مهرها هذا المال الذي بذل لها وبضع الأخرى وهذا محرم ولا يجوز وفي هذا قال الله عز وجل في القرآن (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) فجعل الله سبحانه وتعالى المهر مالا فقط (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) وهذان الرجلان كان المهر بينهما مالاً وبضعاً فعلى هذا فهو حرام ويكون داخلاً في الشغار أما لو بذل كل منهما للمرأة مهر مثلها وكان كل منهما كفأً لمن تزوج بها ورضت كل منهما به فهذا أحله بعض أهله العلم وقال إنه لا يدخل في الشغار وذهب بعض أهل العلم إلى أنه من الشغار ولا ريب أن المنع منه أولى لأن الناس في زمننا هذا قلت أمانتهم وصار الواحد منهم لا يهمه مصلحة موليته وإنما يهمه مصلحة نفسه فالذي ينبغي أن نمنع هذا مطلقا سداً للزريعة ودفعا للفساد.
***(19/2)
المستمع ع. ع. ع. من جمهورية مصر العربية يعمل بالمملكة يقول تزوجت بزوجتي عن طريق المبادلة وجاء ذلك لعدة مضايقات من أحد الجيران الأقارب فعندما جاء الشاب ليخطب أختي أراد أن يصرفه عنها أحد الجيران الأقارب لأنني لم أخطب ابنتهم وجاء خطيب أختي وقال بأن والدي ووالدتي لم يوافقا على زواجي من ابنتكم إلا أن تتزوج أنت أختي فشاورت بعض الزملاء في العمل وقالوا لي هذا شيء حسن ولم ينهني أحد ويعرفني بأن هذا محرم وبعد الزواج حصل منه مشاكل بسبب البدل لا حصر لها فاعترفت بخطئي ولقد رزقت أربعة أولاد والأمور قد استقرت ولكني سألت رجلاً متفقهاً في الدين وقال لي بأن زواجك ليس من الإسلام والإسلام يبطله ويسمى زواجك الشغار ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابد أن تعقد عقداً من جديد وتعطي مهراً لزوجتك قبل أن تلازمها علماً بأننا عقدنا العقد الأول بمقدم وبمؤخر ولم أعطيها من المقدم شيئاً إلا أنني جهزت بيتي وشقتي وهو جهز بيته وشقته فهل ذلك العقد باطلاً ولابد من تجديده أو ماذا علينا أن نفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا العقد الذي ذكرت هو على خلاف نكاح الشغار لأن نكاح الشغار يقول لا أزوجك ابنتي حتى تزوجني ابنتك وأما سؤالك فإنه يقول لا أتزوج ابنتك أو أختك حتى تتزوج أختي فهو على العكس من نكاح الشغار ومع هذا فإننا نقول إذا كان إذا وقع ذلك على سبيل المبادلة بمعنى أن كل واحدة من المرأتين تكون مهراً للأخرى فإن ذلك لا يجوز لأن الله تعالى اشترط للحل أن يبذل المال فقال الله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) وأنت والرجل الآخر لم تبتغيا بأموالكما بل كل واحد منكما جعل المرأة مهراً للأخرى وهذا حرام ولا يصح أما إذا سميتما مهراً فإن بعض أهل العلم يقول في نكاح الشغار إنه إذا سمي لهما مهر كامل ورضيت كل امرأة بالرجل الذي تزوجها فإن النكاح حينئذ يكون صحيحاً والذي أفتيكم به أن ترجعوا في هذا إلى المحكمة لديكم فإن أقرت النكاح الأول فعلى ما تراه المحكمة وإن لم تقره ورأى الحاكم الشرعي أنه لابد من إعادة النكاح فليعد النكاح.
فضيلة الشيخ: هو يقول عقدنا العقد بمقدم وبمؤخر ولكنه لم يدفع شيئاً من المقدم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو ظاهره أن المهر قد سمي لكل من الزوجتين لكن لم يسلم فيبقى في ذمة الزوج ولكن يبقى النظر هل نكاح الشغار هو أن يتزوج كل منهما بدون مهر أو بمهر قليل يتحيلون به وأنه إذا تزوج كل منهما بالمهر كاملاً ورضيت الزوجتان فليس بشغار وهذا موضع نزاع بين أهل العلم وحيث إنه موضع نزاع فالذي أفتي به ما سبق أن يرجعوا في ذلك إلى المحكمة.
***(19/2)
المستمع من العراق يقول ما رأي الشرع في نظركم في زواج الشغار وهل الحديث الذي يقول (لا شغار في الإسلام) صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في نكاح الشغار أنه حرام لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما في حديث ابن عمر وكما في الحديث الذي أشار إليه السائل حيث قال (لا شغار في الإسلام) والشغار أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته بدون مهر أو يسمى لهما مهر قليل على سبيل الحيلة وإنما كان الشغار محرماً باطلاً لأن الله تعالى قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) فجعل الله تعالى حل المرأة مشروطاً بدفع المال وهكذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن نكاح الشغار) .
***(19/2)
بارك الله فيكم ح. م. جمهورية مصر العربية محافظة مطروح يقول أنه تزوج من ابنة عمه بدل أخته وعند الزواج أخذ ابن عمي أختي قبل زواجي وفي ذلك دفع مهر تحليل الزواج خمسة جنيهات مصرية فهل يحل ذلك أم لا هذا برضا الطرفين نرجو الافادة فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا وقع اتفاقاً بمعنى أنه وقع بدون شرط أي أن الرجل زوج أخته من الرجل ثم إن الثاني زوج اخته به فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه.
أما إذا وقع بشرط بأن قال لا أزوجك أختي إلا إذا زوجتني أختك فهذا إن كان بلا مهر فهو حرام لأنه من الشغار الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال (لا شغار في الإسلام) ولأن المهر يجب أن يكون مالاً لا بضعاً لقول الله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) .
أما إذا كان هناك مهر وكان هذا المهر مهر المثل ورضيت الزوجتان كل منهما بزوجها وكان كل منهما كفأ للزوجة فإن هذا العقد صحيح عند كثير من أهل العلم لأنه لا محذور فيه فالمهر كامل والرضا حاصل والكفاءة ثابتة لكنه يخشى منه ما يقع كثيراً في هذه الحال وهو إنه إذا ساءت العشرة بين إحدى الزوجتين وزوجها حاول الزوج الذي ساءت عشرته بينه وبين زوجته أن يفسد ما بين الزوج الآخر وزوجته وهذا محذور يجب أن يتنبه له الإنسان حتى وإن كان النكاح صحيحاً.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع ويقول فضيلة الشيخ لقد تزوجت من امرأة وكان زواجي بطريقة محرمة فيما سمعت وهو زواج الشغار حيث إن والدي قال لي سنزوج أختك للرجل الفلاني ويزوجنا هو أخته مع التفريق في المهر فما حكم الشرع في هذا الزواج المترتب عليه وما المترتب عليه أرجو الافادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الذي وقع بدون شرط فإنه ليس من نكاح الشغار يعني أنه إذا كان أبوك حين خطب لك بنت الرجل أعطاه ثم إن الرجل بعد ذلك خطب أختك من أبيك فأعطاه فإن هذا ليس بشغار وعلى هذا فيكون النكاح صحيحاً بالنسبة لك وبالنسبة للذي تزوج أختك ولا حرج عليكما في هذا والشغار أن يزوج الإنسان موليته على أن يزوجه الآخر موليته وليس بينهما مهر.
***(19/2)
المستمع من الطائف ب ع ج ج يقول شخصان تزوجا بطريقة الشراط حيث اشترطا ألا يزوج أحدهما الثاني إلا عن طريق البدل مع صداق ضئيل ومتفاوت حيث إن أحدهما هو والدي وعمره ما يقارب من سبعين سنة وقد قمت بنصحه وبينت له أن هذا الزواج ضار ومحرم ولكنه أصر على ذلك مع العلم بأن أهل الخير وضحوا للجميع أن هذا الزواج محرم ولكن دون جدوى وصارت المسألة عندهم عادات أب وأجداد فنرجوا النصح والتوجيه في مثل هذا
فأجاب رحمه الله تعالى: نكاح الشغار منهي عنه نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والشغار أن يزوج الإنسان موليته شخصاً بشرط أن يزوجه ذلك الشخص موليته فيقول زوجتك بنتي بشرط أن تزوجني ابنتك أو يقع بينهما اتفاق على ذلك من قبل بأن يزوجه ابنته ليزوجه الآخر ابنته لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولأن هذا يضيع الأمانة فيزوج الولي من يزوجه ولو كان غير كفء للمرأة ويمتنع عن تزويج الكفء لأنه لم يزوجه ابنته مثلا لهذا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه فأما إذا كان بينها الصداق المعروف الذي يبذل لمثل هذه المرأة وكان كل من الزوجين كفأً للأخرى وكان برضاهما أي برضى البنتين فإن ذلك لأباس به عند كثير من أهل العلم لأن الشروط فيه متوفرة وليس فيه نقص ولا غضاضة على الزوجتين لا بالمال ولا بالنفس فيكون جائزا أما بالنسبة للمسألة الخاصة التي ذكرها السائل فإنه إذا بين الحق لوالده برئ من ذلك لكن ينبغي له أن يلح عليه في النصيحة وأن يطلب منه استفتاء أهل العلم في هذا الشي حتى يكون على بصيرة من أمره
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول السائل من جدة ما حكم زواج الشغار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زواج الشغار هو أن يزوج الإنسان ابنته لشخص على أن يزوجه الشخص ابنته فيكون هناك تبادل بين الزوجتين وهو حرام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه والغالب فيه إضاعة الأمانة وأن الولي لا ينظر إلا لمصلحة نفسه لا لمصلحة البنت ولذلك حرمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واختلف العلماء فيما إذا جعل مهر لكل امرأة فمنهم من قال لا يصح النكاح ولا فرق بين أن يكون هناك مهر أم لا ومنهم من قال إذا كان هناك مهر بقدر مهر المثل وكان كل واحد من الرجلين كفأً لمخطوبته ورضيت كل واحدة من المرأتين فإن النكاح يكون صحيحا وهذا هو الصحيح أنه إذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة بأن كان المهر مهر مثلها وكان كل من الرجلين كفأً للمرأة التي أراد تزوجها ورضيت كل واحدة منهما بالرجل فإن النكاح يكون صحيحا لكن لا ينبغي والبعد عنه أولى لئلا ينفتح الباب ويكون هم كل واحد أن يسعى لمصلحة نفسه لا لمصلحة ابنته.
***(19/2)
السائل أبو عبد الرحمن من جيزان يقول فضيلة الشيخ ما الحكم فيمن يرغب في الزواج من امرأة تقرب له كابنة الخال أو ابنة العم وهي كذلك وكذلك ابن الخال أو ابن العم يرغب في الزواج من أخت المتقدم وهي كذلك ترغب في الزواج منه المهم أن جميع الأطراف متراضية إن شاء الله فما هو الحكم الشرعي إذا تم الزواج على هذه الحالة يرجو بهذا إفادة ويقول في آخر السؤال إذا كان هذا الزواج يدخل في حكم الشغار الذي حرمه الإسلام فما هي الطريقة الشرعية المثلى التي يجب أن نسير عليها حتى يكون هذا الزواج شرعياً وصحيحاً والحالة ما ذكر مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الزواج الذي سأل عنه السائل ليس من باب الشغار لأن باب الشغار أن يشترط عليه أن يزوجه موليته فيقول أزوجك أختي بشرط أن تزوجني أختك أما إذا وقع هذا من غير شرط فلا بأس بذلك وليس من باب الشغار في شيء.
***(19/2)
نكاح التحليل(19/2)
السائل نصر الدين رحمة الله البدوي من السودان يقول رجل طلق امرأته ثلاث طلقات وتزوجها رجل آخر بإيعاز من زوجها الأول فهل يحل للزوج الأول أن يتزوجها بعد أن يطلقها الثاني لغرض الإصلاح وما حكم نكاح الثاني بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة "التحليل" المرأة إذا طلقها زوجها ثلاث مرات لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بشرط أن يكون هذا النكاح على الوجه الشرعي ليس فيه ما يبطله وبشرط أن يحصل من الزوج الثاني جماع للزوجة وهذا الذي وقع نكاح تحليل لأن الزوج الثاني إنما تزوجها من أجل أن يحلها للزوج الأول وهو كما يروى في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (تيس مستعار) فعقده على هذه المرأة غير صحيح وإذا كان غير صحيح فإنه لا يعتد به شرعاً وعلى هذا فإنها لا تحل لزوجها الأول لأن الله عز وجل يقول (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا) فقوله سبحانه وتعالى (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) يعني نكاحاً صحيحاً لأن العقد لا يسمى نكاحاً إذا كان غير صحيح لأن غير الصحيح لا أثر له ولا حكم له فعلى هذا نقول إن نكاح الزوج الثاني لهذه المرأة لا يصح ولا تحل للزوج الأول لأن النكاح نكاح تحليل وأما قول السائل لقصد الإصلاح فهذا من تزيين الشيطان أن يزين للإنسان سوء عمله فيظن ما كان فساداً وإفساداً صلاحاً وإصلاحاً وهذا والله ليس بإصلاح لأنه وقوع في ما نهى الله عنه وما نهى الله عنه ليس بإصلاح فإن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) ومثل هذا الرجل قد اتخذ آيات الله هزواً حيث عقد هذا العقد الصوري من أجل أن يحلل أو على الأصح من أجل أن ترجع الزوجة المطلقة إلى زوجها الأول نسأل الله السلامة والعافية.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل محمد الطيب سوداني مقيم بالدمام يقول رجلٌ طلق زوجته ثلاث طلقات ثم تزوجها رجلٌ وجلس معها سبعة أشهر فهل تحل لزوجها الأول وجزاكم الله خيرا
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تزوجها الزوج الثاني نكاح رغبة لا نكاح تحليل وجامعها ثم رغب عنها وطلقها أو مات عنها حلت للزوج الأول وتعود على الزوج الأول بطلاقٍ ثلاث يعني أنه يبتدئ الطلاق من جديد لقول الله تبارك وتعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى قوله (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي الزوج الثاني (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) أي على الزوج الأول والزوجة (أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) وترجع على طلاقٍ ثلاث يعني أن الزوج الثاني هدم الطلاق السابق من الزوج الأول فيكون للزوج الأول بعد أن رجعت عليه ثلاث طلقاتٍ كأنه تزوجها من جديد.
بخلاف ما إذا طلقها زوجها مرتين ثم تزوجت بزوجٍ آخر وجامعها ثم طلقها أو مات عنها ثم عادت إلى الزوج الأول يعني تزوجها الزوج الأول فإنها ترجع إليه على ما بقي من طلاقها أي أنه لا يبقى له إلا طلقةٌ واحدة فإن طلقها حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ووجه الفرق بينهما أن النكاح في المسألة الثانية أعني نكاح الزوج الثاني في المسألة الثانية لم يؤثر شيئاً بخلاف نكاح الزوج الثاني في المسألة الأولى فإنه أثر شيئاً وهو حلها للزوج الأول فهدم الطلاق السابق
***(19/2)
رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من المملكة الأردنية الهاشمية الزرقاء يقول في رسالته ما رأي الشرع في نظركم في زواج التحليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ينبغي أن نبين للسامعين ما هو زواج التحليل زواج التحليل أن يعمد رجل إلى امرأة طلقها زوجها ثلاث تطليقات أي طلقها ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة فهذه المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها الطلقة الأخيرة من ثلاث تطليقات إلا إذا نكحها زوج آخر نكاح رغبة وجامعها ثم فارقها بموت أو طلاق فإنها تحل لزوجها الأول لقول الله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) فإن طقلها أي الثالثة (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فيعمد رجل من الناس إلى امرأة طلقها زوجها ثلاثة مرات فيتزوجها بنية أنه متى حللها للأول طلقها أي متى جامعها طلقها فتعتد منه ثم ينكحها زوجها الأول وهذا الطلاق طلاق فاسد فقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له) وسمى المحلل (التيس المستعار) لأنه كالتيس يستعيره صاحب الغنم لمدة معينة ثم يرده إلى مالكه هذا الرجل كأنه تيس طلب منه إضراب هذه المرأة ثم مغادرتها هذا هو نكاح التحليل ويقع على صورتين
الصورة الأولى أن يشترط ذلك في العقد فيقال للزوج نزوجك ابنتنا بشرط أن تجامعها ثم تطلقها
والصورة الثانية أن يقع بدون شرط ولكن بنية والنية قد تكون من الزوج وقد تكون من الزوجة وأوليائها فإذا كانت من الزوج فإن الزوج هو الذي بيده الفرقة فلا تحل له الزوجة في هذا العقد لأنه لم ينو به المقصود من النكاح وهو البقاء مع الزوجة والألفة والمودة وطلب العفة والأولاد وغير ذلك من مصالح النكاح فتكون نيته مخالفة للمقصود الأساسي من النكاح فلا يكون النكاح صحيحاً في حقه وأما نية المرأة أو أوليائها فهذا محل خلاف بين العلماء ولم يتحرر عندي الآن أي القولين أصح وربما نحرره فيما بعد ويأتي له دور آخر أو سؤال آخر إن شاء الله تعالى والخلاصة أن نكاح التحليل نكاح محرم ونكاح لا يفيد الزوج الأول لأنه غير صحيح
***(19/2)
يقول رجل طلق زوجته ثلاث طلقات ثم اتفق مع شخص آخر ليتزوجها مدة أربعة أشهر أو خمسة ثم يطلقها ليسترجعها زوجها الأول الذي ندم على طلاقها ورغب في استرجاعها وقد حصل ذلك ثم استرجعها الأول فعلاً بعقد جديد فهل هذا النكاح صحيح أم باطل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا والعياذ بالله من الحيل المحرمة التي يتوصل بها الإنسان إلى تحليل ما حرم الله ومعلوم أن تحليل ما حرم الله بالحيل لا يزيد الأمر إلا شدة لأنه مخادعة لله ورسوله واستهزاء بحكم الله فإن من السخرية أن يحرم الله عليك شيئاً ثم تلف وتدور حتى تتوصل إلى هذا الشيء إن الله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ولن يلتبس عليه خداعك وحكم هذه القضية أن المواطأة على هذا الأمر محرمة وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له) ونكاح المحلل حرام وباطل وبهذا لا تحل للزوج الأول فيكون رجوع الزوج الأول إليها بعقد باطل لا تحل له والواجب على الزوج الأول الآن أن يتخلى عنها وأن يفارقها لا فراق طلاق لأن الطلاق لا يقع إلا إذا صح النكاح والنكاح غير صحيح لكنه فراق مباينة لأنها حتى الآن لا تحل له إذ إن هذا النكاح الذي وقع به التحليل نكاح غير مقصود وهو نكاح تلاعب بأحكام الله ونسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية.
فضيلة الشيخ: له بعد هذا الفراق إذا تزوجها زوج آخر زواج رغبة أن يسترجعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تزوجها زوج آخر نكاحاً صحيحاً فلا حرج أن يرجعها الزوج الأول.
فضيلة الشيخ: لو فرض وحصل خلال هذه المعاشرة المحرمة ذرية فهل يكونون ذريته شرعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يظن أن هذا عمل جائز وأنه لا بأس به فإن أولاده يكونون له وذلك لأنه يعتبر قد وطأها بشبهة عقد حيث ظن أن هذا العقد صحيح.
***(19/2)
يقول أنا تزوجت امرأة وقد طلقت هذه الزوجة ثلاث طلقات وحرمت علي وأنا لا أزال أرغب هذه الزوجة فقال لي الشرع لا تحل لك هذا الزوجة إلا إذا كان حللت لك من شخص آخر وفعلاً حُللِت وقال الشخص الذي هو المحلل لا أطلق هذه المرأة ترغبون الشرع هذا الشرع ولم يحكم علي الشرع بالطلاق وبقيت معه زوجة له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أولاً إن كلمة المحلل غير واردة أي لا يجوز التحيل على محارم الله بالتحليل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المحلل والمحلل له) ووصف المحلل (بالتيس المستعار) وهذا الزوج الثاني الذي تزوجها بنية التحليل للزوج الأول نكاحه باطل فيجب التفريق بينه وبينها شرعاً ثم لا تحل للزوج الأول بهذا التفريق لأن النكاح نكاح تحريم ونكاح التحريم لا يحلل شيئاً وهذه مسألة أقولها لفائدة العامة كل تحيل على محرم فإنه لا يقلبه مباحاً وكل تحيل على واجب فإنه لا يسقط وجوبه فهذا التحيل على المحرم وهو عودة الزوجة إلى مطلقها ثلاثاً بهذه الصورة التي ليست بمقصوده هذا التحيل لا يحلل المحرم وهو رجوع المرأة إلى زوجها الأول وعلى هذا فلا تحل للزوج الأول ويجب التفريق بينها وبين زوجها الثاني مادام نكحها بنية التحليل.
***(19/2)
نكاح المتعة(19/2)
يسأل عن معنى زواج المتعة وحكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زواج المتعة أن يتزوج الإنسان المرأة إلى أجل فيقول مثلاً زوجني ابنتك لمدة أسبوع لمدة شهر لمدة سنة وما أشبه ذلك وهذا النوع من النكاح كان حلالاً ثم حرمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ووجه ذلك أن النكاح إنما يراد به البقاء والاستمرار والعيش مع الزوجة في سعادة وأما نكاح المتعة فأشبه ما يكون به الاستتار على الزنا لأنه إنما يتزوجها لهذه المدة المعينة فيقضي وطره منها ثم بعد انتهاء المدة ينفسخ النكاح رضي بذلك أم لم يرضَ لأنه نكاحٌ مؤقت وبمقتضى هذا العقد ينفسخ بانتهاء أجله ومن أجل ذلك حرمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يتزوج عقداً بنكاح متعة.
***(19/2)
أبو بلال عبد الهادي من العراق يقول في رسالته ما حكم الشرع في نظركم في زواج المتعة وهل له شروط أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زواج المتعة كان مباحاً ثم حرم وهو أن يتزوج الإنسان المرأة إلى أجل بأن يقول تزوجتها لمدة شهر أو تزوجتها لمدة سنة أو ما أشبه ذلك وهو عقد باطل محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه حرمه وقال (إنه حرام إلى يوم القيامة) وهذا يدل على أن تحريمه باطل مستمر إذ لا يمكن أن يرد نسخ التحريم بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنه حرام إلى يوم القيامة) لأنه لو ورد نسخ لهذا التحريم بالإباحة لزم منه كذب خبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أمر محال وعلى هذا فمن تزوج نكاح متعة فإن عليه أن يعيد العقد من جديد بنية النكاح المؤبد إن كان راغباً في هذه المرأة ولكن لا بد أن يستبرئها قبل العقد عليها إلا أن يكون قد تزوجها نكاح متعة يعتقد أنه حلال فإنه لا حاجة إلى استبرائها ولكن يجب عليه إعادة العقد أما إذا لم يكن له رغبة فيها فإن الواجب عليه إطلاق سراحها لأن نكاح المتعة محرم لا يجوز الإقرار عليه.
***(19/2)
الزواج بنية الطلاق(19/2)
يقول لي صديق حميم وهو أراد أن يكمل دراسته في أمريكا وعند سفره نصحته بأن يخاف الله ويتقيه في السراء والضراء وأن يبتعد عن كل المحرمات وخاصة ارتكاب الزنا وفوجئت بأنه يعتزم أن يتزوج إذا دعا الأمر من فتيات أمريكا لكي يحصن نفسه من الزنا ومن ثم بعد انقضاء مدة دراسته وهي قرابة ثلاث سنوات سوف يطلقها ويعود إلى بلاده أعزب كما كان فنصحته أن لا يفعل ذلك لأنه يعتبر زواج متعة لا أدري هل هذا صحيح أم أخطأت في حكمي أرجو أن تفيدوني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ننصح به صديقك هذا أن لا يتزوج لأن الزواج له عُلق وله كُلف وله توابع تتبعه فربما تحمل منه هذه المرأة فتأتي بأولاد يكونون عبئاً عليه ويلزمونه بأن تبقى معه هذه الزوجة لأنه لا يمكن أن يطلقها في هذه الحال فالذي ننصح به صديقك وغيره ممن يذهبون إلى البلاد الأخرى للدراسة أن يصبروا وأن يستعففوا فمن يستعفف يعفه الله ولكن إذا كانوا لا يصبرون وتزوجوا ممن يجوز لهم التزوج بهن فإن هذا لا حرج عليهم لكن إن اشترطوا في العقد أنه متى سافر طلقها فهذا بلا شكٍ نكاح متعة ولا يجوز نكاح المتعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمه وما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما حرمه الله تبارك وتعالى لقوله تعالى (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وقوله (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقوله (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) وأما إذا تزوج ممن يصح تزوجه بها في البلاد التي سافر إليها ولم يشترط ذلك في العقد أي لم يشترط أنه متى سافر طلقها فإن هذا ليس بنكاح متعة فيحل له ذلك.
فضيلة الشيخ: لكن إذا كان ناوٍ في قلبه ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد نوى ذلك في قلبه فقد اختلف العلماء فهل يكون نكاح متعة أو لا يكون نكاح متعة فالظاهر أنه ليس نكاح متعة كما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لأن النية ليست بشرطٍ ملزم فقد ينوي هذا ثم يرغب أن يبقيها وقد يتزوجها بلا نية ثم يتركها فالنية لا تؤثر هنا لأنه كما أشرنا إليه قريباً النية لا تلزم بخلاف الشرط ونكاح المتعة إنما يكون بشرط مؤقتٍ بأجلٍ معين.
***(19/2)
السائل أنور عبد الهادي محمد عراقي يدرس بالباكستان يقول لقد قرأت في كتاب فقه السنة لسيد سابق حول موضوع الزواج بنية الطلاق بعده وقد ذكر المؤلف أن المذاهب الأربعة قد أباحوا هذا النوع من الزواج وحرمه الإمام الأوزاعي لأن الإمام الأوزاعي اعتبره كزواج المتعة فما هو الحكم الصحيح في هذا فإن كان جائزاً فإني أريد أن أتزوج لأحصن نفسي من الوقوع في الحرام حتى تنتهي مدة دراستي ثم أطلقها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الزواج بنية الطلاق محرم وأنه داخل في نكاح المتعة وذلك لأن النية معتبرة في التأثير في الحكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولأن الرجل لو تزوج المطلقة ثلاثاً بنية أنه يحللها للأول ثم يطلقها كان هذا النكاح باطلاً ومحرماً ولم تحل للزوج الأول كما لو شرط ذلك في نفس العقد وعلى هذا فتكون نية الطلاق كنية التحليل أي كما أن النية في التحليل مؤثرة فكذلك نية الطلاق مؤثرة أيضاً وقال بعض أهل العلم إن نية الطلاق ليست كشرطه لأن شرط الطلاق معناه أنه إذا تمت المدة ألزم به وكذلك المتعة إذا شرط على الإنسان أنه يتزوجها إلى أجل مسمى فإن معناه أو مقتضى هذا العقد أنه إذا تم الأجل المسمى انفسخ النكاح تلقائياً فليست النية كالشرط وهذا الفرق بيِّن ظاهر لأن الشرط إذا تم الأجل انفسخ النكاح تلقائياً وإذا كان قد شرط عليه الطلاق فإنه يلزمه عند تمام المدة وهذا الفرق لاشك أنه مؤثر في الحكم ولكن عندي أن هذا حرام من وجه آخر أي أن الإنسان إذا تزوج بنيته أنه يطلقها إذا غادر البلد حرام من جهة أنه غش وخداع للزوجة وأهلها فإن الزوجة وأهلها لو علموا أن هذا الرجل إنما تزوجها بنية الطلاق إذا أراد السفر ما زوجوه في الغالب فيكون في ذلك خداع وغش لهم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من غش فليس منا) فالحاصل أن العلماء رحمهم الله اختلفوا فيما إذا تزوج الغريب بنية أنه متى أراد الرجوع إلى وطنه طلقها بدون شرط فذهب قوم من أهل العلم وهو مشهور من مذهب الإمام أحمد أن هذا النكاح فاسد وأنه نكاح متعة وعللوا ذلك بأن نية الطلاق كشرطه قياساً على التحليل الذي تكون نيته كشرطه وقال آخرون من أهل العلم إن النية لا تؤثر لأن الفرق بين النية والشرط هو أن الشرط إذا تم الأجل ألزم بالطلاق إن كان المشروط هو الطلاق أو انفسخ النكاح إن كان مؤجلاً إلى هذه المدة وهذا الفرق ظاهر يؤثر في الحكم ولكنه عندي أنه غش إذا نواه بدون أن يبينه للزوجة وأهلها لأنهم لو علموا بنيته هذه ما زوجوه في الغالب وحينئذ إما أن يعلمهم أو يكتم عنهم فإن أعلمهم فهو نكاح متعة وإن كتمه كان غشاً وخداعاً فلا ينبغي للمؤمن أن يعمل هذا العمل.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول ما هو حكم الزواج بنية الطلاق عند الرجوع إلى بلده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال إن الزواج بنية الطلاق نكاح متعة لأن المتزوج نوى مدةً معينة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولأن الزوج المحلل الذي يتزوج امرأة طلقها زوجها ثلاثاً بنية أن يطلقها إذا تزوجها وإن لم يشترطه في العقد يل نوى الطلاق فقط يكون محللاً ولا تحل به الزوجة للزوج الأول فأثرت النية هنا في صحة العقد فكذلك نية الطلاق إذا رجع إلى بلده وقال آخرون إن هذا ليس بنكاح متعة لأن نكاح المتعة يشترط فيها شرط أن يطلقها في مدة كذا وكذا أو أن النكاح مدته كذا وكذا بخلاف ما لونوى الطلاق فقط ولهذا إذا تمت المدة في نكاح المتعة انفسخ النكاح بدون فسخ وحجر ونيت الطلاق ليست كذلك إذ من الممكن أن يرغب في بقاء الزوجة عنده ولو كان قد تزوجها بنية الطلاق لكن عندي فيه محظورٌ غير هذا وهو أنه غشٌ للزوجة وأهلها فإنهم ربما لو كانوا يعلمون أنه لن ينكحها نكاح رغبةٍ وبقاء لم يزوجوه أي لو ظنوا أنه إنما تزوجها ما دام في هذا البلد ثم يتركها إذا سافر لم يزوجوه فالنكاح بنية الطلاق محرمٌ من هذه الناحية لا من ناحية كونه نكاح متعة وعلى هذا فيكون حراماً ولكن العقد صحيح لأن هذا التحريم لا يعود إلى ذات العقد.
***(19/2)
العيوب في النكاح(19/2)
بعثت بهذه الرسالة الأخت ح ح م من الرياض حارة الصالحية تقول تحية طيبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد أنا امرأة دام زواجي حوالي ثلاث سنوات ولم أنجب خلالها أطفالاً هل أطلب من زوجي الطلاق وأتزوج من غيره لكي أنجب أم نذهب إلى طبيب حتى يكشف علينا وهل هناك أمل في الشفاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحق لكِ أيها السائلة أن تطلبي الطلاق من زوجك حتى يتبين الأمر لأنه قد يكون العقم منك وقد يكون العقم منه فإذا ثبت بطريق صحيح أن العقم منه فحينئذ لك أن تطلبي الفراق والفسخ على القول الراجح من أقوال أهل العلم وعند بعض العلماء لا يحق لك طلب الفسخ إلا إذا كان ذلك بشرط عند عقد النكاح مثل أن تكون قد اشترطت عند العقد أنه إن تبين أنه عقيم فلك الفسخ ولكن الصواب أنه إذا ثبت عقمه فإن لك أن تطلبي الفسخ منه لأن لك حقاً في الولد وأنت تريدين الأولاد كما أنه هو أيضاً يريد الأولاد وهو لو تبين أن العقم منك لطلقك فكذلك أنت إذا تبين أن العقم منه فلك أن تطلبي منه أن يطلقك أو يفسخ نكاحك لأن هذا هو العدل وقد ذكر أهل العلم أن الرجل لا يجوز له أن يعزل عن امرأته إلا بإذنها وعللوا ذلك بأن لها حقاً في الأولاد فإذا كان العزل لا يجوز إلا بإذن المرأة لأن لها حقاً في الأولاد فكذلك يجوز لها أن تطلب فسخ النكاح إذا تبين أنه عقيم
***(19/2)
هذا سؤال من المستمع ص. ع. ح. مصري يعمل بالرياض يقول قدر الله تعالى علي بمرض البهاق ولطف بي إذا جعل أغلب ظهوره على الجلد في أماكن خفية من جسدي وبدأ هذا المرض في الظهور في سن العشرين وقد سعيت في العلاج ولكن لم يأذن الله لي بعد بالشفاء لحكمة يعلمها سبحانه وبعدها بخمسة عشرة سنة تقدمت للخطبة وكان في ذات الوقت ظاهراً على يدي اليمنى ثلاثة بقع ملحوظة بالإضافة إلى غيرها في أجزاء خفية من سائر جسدي وأثناء مدة الخطبة التي دامت ستة أشهر لم أشأ أن أصارح خطيبتي عن شي من هذا المرض ولا أهلها خشية العدول عن قبولي واعتبرت أن ظهوره باليد اليمنى وظهوره ورؤيتهم لذلك طوال فترة الخطبة يدلهم على احتمال وجوده في أجزاء أخرى من جسدي وتم الزواج على ذلك ولكن لما انتقلت إلى بيت الزوجية ورأت زوجتي ما بجسدي من المرض ساءها ذلك وتمردت تمرداً شديداً واعتبرت أني أنا مخادع لها بسبب عدم الإفصاح ولازمها الشعور بأنها باءت بالحسرة والخسران في عقد هذا الزواج وأشهد أنني قابلت تمردها حين ذاك بالقسوة والشدة أحياناً وبالضرب أحياناً أخرى ولكنها لم تطلب مني الانفصال وبعد مرور سنوات من العيش معي على مضض اعتادت بعدها ما قدره الله لي واستسلمت للأمر الواقع والآن أنجبت ثلاثة أولاد ومر على زواجنا ثلاثة عشرة سنة ولكن كثيراً ما يلازمني الندم الشديد على أن الزواج تم على هذه الصورة لدرجة أنني وددت لو أنها طلبت مني الانفصال حتى لا أكون ظالماً لها فهل كنت ظالماً لها بعدم المصارحة لما في جسدي رغم ظهور المرض نفسه على يدي أثناء فترة الخطبة وهل زواجي بهذا الشكل صحيح أم يجب علي شيء آخر أفعله الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أن عدم تصريحك لها بما حصل لك من المرض أو بما كان خفياً من المرض لا ريب أنه خداع وأنه غش والبقع التي ترى في يدك اليمنى لا تعد بينة ظاهرة تدل على هذا المرض أو إنها صغيرة خفية لا تدل على المرض أو أنها في صورة يظن أنها أثر احتراق أو ما أشبه ذلك الحاصل أن تمام النصح أنك بينت لها ولأهلها ما خفي عليهم في هذا الأمر وما عاملتها به بعد ذلك فإنك آثم به ولكن الحق لها هي وحدها وليس لك الآن إلا أن تطلب منها السماح عما مضى من إخفاء ما فيك من هذا العيب وعما حصل منك من القسوة عليها فإذا عفت عن ذلك وسمحت ونرجوا أن تعفو عن ذلك وتسمح فإن ذلك خير كثير ندعو لله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وقال تعالى في وصف أهل الجنة (وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ) فالعفو مع الإصلاح خير وفيه ثواب عظيم عند الله سبحانه وتعالى ونصيحتي لك أن تتحلل من زوجتك وأن تطلب منها السماح ونصيحتي لها أن تعفو عنك لأنها أم أولادك والحياة بينكما شركة الآن ونسأل الله تعالى أن يتوب على الجميع.
***(19/2)
الصداق(19/2)
من الباحة المستمع أحمد طالب في المعهد يقول شاب لم يستطع الزواج نظراً لغلاء المهور فبماذا تنصحونه مع أنه يطلب العلم الشرعي وهل من نصيحة للأباء وأولياء أمور البنات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنصح هذا الشاب بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشباب وأمرهم بأن يصبروا وأن يستعففوا ليغنيهم الله عز وجل كما قال الله تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وفي الحديث (ثلاثة حق على الله عونهم) وذكر منهم (المتزوج يريد العفاف) أما نصيحتنا لأولياء الأمور فإننا نذكرهم الله عز وجل فيمن ولاهم الله عليهم من النساء نذكرهم أن يتقوا الله تعالى فيهن نذكرهم أن يزوجوهن من يرضى دينه وخلقه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) نذكرهم بأن المقصود بالنكاح ليس جمع المال لا للزوجة ولا لأهلها المقصود بالنكاح هو إعفاف كل من الزوجين لتحصين الفرج وغض البصر المقصود بالنكاح أن يجعل الله بينهما أي بين الزوجين ولدا صالحا ينتفع بحياته وينفع والديه في حياتهما وبعد مماتهما المقصود بالنكاح دفع أسباب الشر والفتنة والفساد المقصود بالنكاح خير كثير لا يتسع المقام لذكره وليس المقصود بالنكاح تحصيل المال فتحصيل المال يكون بالبيع والشراء والاستئجار والتأجير وما أشبه ذلك فليتق الله الأولياء في أنفسهم وفيمن ولاهم الله عليه ويا حبذا لو كل قبيلة من القبائل اجتمعت وقدرت المهر المناسب الذي يحصل به الكفاية من غير شطط ولا مشقة وليعلم أن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة وأنه كلما تغالى الناس في المهور صعبت الأمور لأن الرجل إذا بذل مائة ألف في صداق وهو غير ميسور الحال فسوف يستدين ويستقرض ويثقل كاهله بالديون ثم لو حصل بينه وبين الزوجة نزاع صعب عليه أن يطلقها ويفارقها إلا إذا رد إليه ماله وماله ربما يكون قد فني وتبعثر ويشق على أهل الزوجة وعلى الزوجة أن يستعيدوه فيحصل بذلك الضرر العظيم فأقول لو اجتمعت كل قبيلة اجتمع منها شرفاؤها وكبراؤها وقدروا من المهور ما تحصل به الكفاية وألزموا من يتخلف عن التزويج بغير سبب شرعي لكان في هذا خير كبير.
***(19/2)
المستمع محمد عوض الزهراني الرياض يقول فضيلة الشيخ حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أبعث إليكم هذه الرسالة طالباً من فضيلتكم التكرم بإلقاء نصيحة لبعض الآباء هداهم الله والذين يطلبون على بناتهم مهراً لا يقدر عليه الشباب وإنني واثق أن كثيراً من الشباب والشابات قد حرموا من الزواج والسبب هو أهل البنت وطمعهم عندما يتقدم أحد لطلب بناتهم أرجو منكم نصح هؤلاء بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وعلى السائل السلام ورحمة الله وبركاته إن نصيحة هؤلاء الآباء الذين يجعلون بناتهم سلعاًَ يتجرون بها متوفرة ولله الحمد في خطباء المساجد وفي كلمات الوعاظ فيما أظن ولكن لا مانع من أن أضم صوتي إلى أصواتهم فأقول إن الله سبحانه وتعالى جعل الولاية للرجال على النساء وجعل الرجال قوامين عليهم لما في الرجال من القوة العقلية والبدنية والنظر البعيد ومعرفة الأمور وغير ذلك مما فضل الله به الرجال كما قال الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) وقال سبحانه وتعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ومن ثم جعل الله للرجال الولاية على النساء في عقد النكاح فلا يصح نكاح إلا بولي ولكن هذا الولي يجب عليه أن يتقي الله عز وجل وأن يؤدي الأمانة فيمن ولاه الله عليها من النساء سواء كانت ابنته أو أخته أو أي امرأة كانت ممن له ولاية عليها ولا يحل له أن يخون هذه الأمانة فيجبرها على الزواج بمن لا تريد ولا أن يخون هذه الأمانة فيمنعها من الزواج ممن تريد وهو كفء في دينه وخلقه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) ويجب على الولي أن يكون أول مراعاة له مصلحة المرأة لأنه إذا كان الله عز وجل يقول (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فكيف بنفس الشخص فلا يجوز لنا أن نتصرف إلا بما هو أحسن له ومنع النساء من الزواج من بعض الأولياء أهل الجشع والطمع الذين فقدت فيهم كمال الرحمة والشفقة هذا المنع منع محرم لأنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) ولأنه جناية وعدوان على المرأة إذا خطبها من هو كفء لها فمنعها منه وهي تريده وما أدري لو أن أحداً منع هؤلاء الأولياء من النكاح بمن يريدون وهم في حاجة إليه أفلا يرون أن ذلك جناية عليهم وإذا كانوا يرون ذلك جناية عليهم فلماذا لا يرونه جناية على النساء اللاتي ولاهم الله عليهنّ فعليهم أن يتقوا الله عز وجل وإنني أقول لا يحل للرجل سواء كان أباً أو غير أب أن يشترط لنفسه شيئاً من المهر لا قليلاً ولا كثيراً فالمهر كله للزوجة قال الله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فأضاف الصداق إلى النساء وجعل التصرف فيه إليهن (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فإذا كان الصداق للمرأة وهي صاحبة التصرف فيه فإنه لا يحل للرجل أعني لوليها سواء كان أباً أم غير أب أن يشترط منه شيئاً لنفسه لكن إذا تم العقد وملكت الزوجة الصداق فلأبيها أن يتملك منه ما شاء بشروط جواز التملك التي ذكرها أهل العلم ومنها أن لا يلحقها ضرر بذلك وأما غير الأب فليس له أن يتملك من مهرها شيئاً إلا ما رضيت به بشرط أن تكون رشيدة أي بالغة عاقلة تحسن التصرف في مالها وتأذن له بأخذ شيء منه وأقول ذلك حتى ينتهي هؤلاء الجشعون الطامعون عن أخذ شيء من مهور النساء وفي ظني والعلم عند الله أنه إذا علم الولي أنه لا حق له في المهر وأنه إذا أخذ منه قرشاً واحداً على غير الوجه الشرعي فهو آثم وأكله إياه حرام في علمي أنه إذا كان الأمر كذلك سهل على الولي أن يجيب الخاطب إذا كان كفأً ورضيت المرأة وأما ما يقع لبعض هؤلاء الأولياء أهل الجشع والطمع الذين نزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة من اشتراطهم جزءاً كبيراً من المهر لأنفسهم فإن ذلك حرام عليهم ولا يحل لهم ونرجو الله سبحانه وتعالى أن ييسر حلاً لهذه المشكلة المعضلة والذي أرى في توجيه العامة أنه ينبغي أن يبدأ وجهاء البلدان وأعيانهم وأشرافهم بالنكاح بمهور قليلة ويعلنوا ذلك ومن المعلوم أن العامة تبع لرؤسائهم ووجهائهم وأعيانهم وإذا بدأ به الأعيان ونشر وقيل أن فلاناً تزوج فلانة من أهل الشرف والحسب وأن مهرها كان كذا وكذا مهراً قليلاً مستطاعاً لأكثر الناس فإن المسألة ستحل أو فإن هذا يكون من أسباب حلها.
***(19/2)
إبراهيم عبد الله يقول ما هو توجيهكم يا فضيلة الشيخ للأباء بالنسبة لغلاء المهور حتى يكون الشباب مستطيعاً للزواج نرجو بهذا إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أنا أوجه إخواني الشباب وأولياء الأمور أن يتقوا الله سبحانه وتعالى أن يتقوا الله في ترك المغالاة في المهور فإن المغالاة في المهور قد تؤدي إلى شيء يكرهه الزوج قد تؤدي إلى أن يتعثر النكاح دونه فيلجأ إلى شيء محرم وقد تؤدي إلى أن يستدين الإنسان ديونا تثقل كاهله وغلاء المهور يؤدي إلى تعلق الرجل بالزوجة وإن كان كارها لها فتكون حياتهما حياة سوء وغلاء المهور خلاف ما حث عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) وقد (زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلا على نعلين) وقال لرجل آخر (التمس ولو خاتما من حديد) ولو كانت المغالاة في المهور تقوى لله أو مكرمة عند الله لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنصيحتي للجميع أن يخففوا المهور بقدر المستطاع والنكاح في الحقيقة ليس من أجل زيادة المهر أو تحصيل المهر وإنما النكاح من أجل أن تكون المرأة عند رجل صالح يحصن فرجها ويحصل به الحياة السعيدة والمعونة على البر والتقوى وتحصين الفرج وكف النظر وغير ذلك.
***(19/2)
يقول السائل هل يجب تحديد المهر وتسويته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب تحديد المهر ولا تسويته بل كل إنسان يعطي من المهر ما يستطيع.
***(19/2)
السائل ح س م من آل خالد بني مالك في الجنوب يذكر أنهم عندهم اتفاق على المهر في الزواج وهناك بعض الجشعين أو من يريدون الطمع في الآخرين يتحايلون على أخذ أكثر من المتفق عليه يقول ما حكم الفلوس التي يأخذها بدون إظهار يعني بدون أن يعلم أنها مأخوذة هل هي حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فإن الجواب على هذا السؤال أن نقول إن السنة في المهر أن يكون قليلاً وأن يكون بحسب حال الزوج لما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) وفي قصة المرأة التي وهبت نفسها لرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن له بها حاجة فطلبها أحد الصحابة رضي الله عنهم فطلب منه النبي عليه الصلاة والسلام صداقها حتى قال له (التمس ولو خاتماً من حديد فلم يجد فقال زوجتكها بما معك من القرآن) دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يكون المهر بقدر حاله وألا يكلف نفسه ما لا تتحمله ويدخل أيضاً إما بالقياس أو بالعموم (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) وتكليف الناس هذه المهور الباهظة هذا مخالف للشرع وفيه مفاسد ليس هذا موضع ذكرها وقد كُتب عنها كثير في الكتب وفي الصحف واتفاق قبيلة أو طائفة من الناس أو أهل بلدة من الناس على تحديد المهر هذا أمر جيد وحسن إذا كان هذا الحد موافقاً للشرع ولكن ليس ذلك بلازم بل هو من الأمور التي تقتضيها المروءة والشرف ألا يخرج الإنسان عما كان عليه قبيلته أو طائفته أو أهل بلده لا سيما إذا كان ذلك باتفاق معه هو فإن الوفاء بمثل هذا الأمر من الأمور المستحسنة الطيبة ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يتيسر له أن يتزوج بهذا الأمر المتفق عليه وأظهر أنه تزوج به مع أنه أعطى الزوجة شيئاً سراً فلا نرى في ذلك بأساً.
فضيلة الشيخ: لكن هناك من يتعلل أو يحتج بحديث المرأة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تحدث في المهور فردت عليه أو من هذا القبيل فقال أصابت امرأة وأخطأ عمر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث تكلم فيه بعض العلماء من جهة صحته عن عمر وطعن فيه وعلى تقدير ثبوته فإن المنع لا من جهة أنهم اتفقوا عليه ولكن من جهة أنهم ألزموا به وفرق بين الأمر الذي يتفق عليه الجميع وبين الأمر الذي يلزمون به فإلزام الناس بمهر معين هذا قد يكون محل نظر وتجب العناية به وتحقيقه من الناحية الشرعية ولكن إذا اتفق الناس على التحديد فهذا أمر وقع باختيارهم ولم يلزمهم به أحد والتزامه كما قلت من الأمور التي هي من المروءة والشرف وعدم مخالفة القبيلة وأهل البلد والطائفة.
***(19/2)
يقول يا فضيلة الشيخ نحن من سكان إحدى القرى ولسكان هذه القرية عادات وتقاليد لا زالت موجودة حتى الآن وهي أنه عندما يقدم شخص على الزواج يطلب منه ولي المرأة مبلغاً في حدود مائة ألف ريال أو سبعين ألف ريال تكون له وليس لابنته وتعطى الأم من عشرين إلى خمسين ألف ريال هذا إلى جانب أموال الذهب وتحدد بحوالي ستين إلى ثمانين ألف ريال والأقمشة والمواد الغذائية والأغنام يعني يتكلف الزواج حوالي مائتين إلى ثلاثمائة ألف ريال ونحن لا نرضى بهذا الحال وإذا نصحناهم قالوا هذا لا بد من أن نبيض وجوهنا أمام الناس بكثرة الجهاز ونود منكم يا فضيلة الشيخ أن تقدموا النصح مشكورين لهؤلاء الناس وتوجهوهم إلى الطريق الصحيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا شك أن المغالاة في مهور النساء خلاف السنة وأن السنة في المهور تخفيفها وكلما كان النكاح أيسر مؤونة كان أعظم بركة والمغالاة في مهور النساء نهى عنها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رضي الله عنه (يا أيها الناس لا تغلو في صُدُق النساء -يعني مهورهن- فإنه لو كان ذلك مكرمة أو تقوى لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا شك أن تخفيف المهر من أسباب العشرة الطيبة وذلك لأن الزوج إذا كان المهر كثيراً كان كلما تذكره صارت المرأة مكروهة عنده وندم على ماصنع من المغالاة في المهر وأما إذا كان المهر يسيراً فإنه لن يتجرع مرارة هذا المهر ولا شك أيضاً أنه إذا كان المهر كثيراً فإن هذا من أسباب الإضرار بالزوجة لأن الرجل إذا أصدقها مهراً كثيراً ولم تكن العشرة بينهما جيدة فإنه سوف يبقيها على هذه العشرة السيئة ولا تكاد تنفك منه لأنه قد خسر عليها مالاً كثيراً فتجده يمسكها مع الإضرار بها ومع سوء المعاشرة لكثرة المهر الذي بذله في الحصول عليها لكن لو كان المهر يسيراً ولم تكن العشرة بينهم جيدة فإنه يسهل عليه إذا لم يمكن إصلاح الحال أن يفارقها ويتزوج أخرى لذلك أنصح هؤلاء الذين ذكرهم السائل وأمثالهم عن المغالاة في المهور وكثرتها وأقول لهم إن الإنسان ليس يزوج الدراهم إنما يزوج الرجال وكثرة الدراهم لا تفيده في النكاح شيئاً من قوة المحبة أو عشرة حسنة بل قد تكون بالعكس وأنصح أيضاً هؤلاء وأمثالهم عن عدم أخذ شيء من مهر المرأة لأن المهر حق الزوجة وليس حقاً لأبيها ولا أمها لقوله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فأضاف الله سبحانه وتعالى المهر إلى المرأة نفسها وبين أنها هي التي تتصرف فيها لقوله (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) نعم لو فرض أنه بعد أن تم العقد وسلم المهر أهدت البنت إلى أبيها أو أمها أو أختها أو خالها أو خالتها أو عمتها شيئاًَ فهذا لا بأس به وأما أن يشرط ذلك على الزوج عند القبول فإن هذا لا يجوز.
فضيلة الشيخ: قولهم " نريد أن نبيض وجوهنا أمام الناس" هذه العبارة أيضاً نريد التعليق عليها؟ !
فأجاب رحمه الله تعالى: وهذه العبارة قولهم نريد أن نبيض وجوهنا عند الناس هي في الحقيقة تنم عن ضعف الشخصية وعدم مجابهة الناس بما هو أفضل والذي ينبغي للإنسان أن يبيض وجهه باتباع ما هو أفضل وأنفع للخلق ولو أن الناس تجاروا في هذه الأمور لكانت لا منتهى لها ولا غاية لها وتبيض الوجه حقيقة هو أن يقوم الإنسان بما تقتضيه السنة من تخفيف المهر حتى يقتدي الناس به ومن المعلوم لكل أحد أن هؤلاء الذين يبذلون مهوراً كثيرة لا يريدون ذلك ولكنهم شبه مكرهين عليها فلو أن رؤساء القبائل أو البلد قاموا بتخفيف المهور لبيضوا وجوههم وكان ذلك لهم مثوبة عند الله عز وجل وسنوا سنة حسنة يتبعهم الناس عليها فأرى أن أوجه الأمر والنصيحة إلى كبراء القوم من رؤساء القبائل والعشائر وكذلك أهل المدن بأن يتولى الكبراء منهم والشرفاء هذا الأمر فيخففوا من المهور حتى يكونوا قدوة صالحة يتبعهم الناس فيها ومن دل على خير فهو كفاعله ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
***(19/2)
السائلة ن ع خيبر تذكر أنها فتاة تبلغ من العمر الثانية والعشرين متزوجه منذ أربع سنوات تقول مشكلتي هي بعد مضي سبع شهور من زواجي حدث خلاف بيني وبين زوجي طلب مني الذهاب معه فرفضت إلا بعد أن أكمل دراستي في نفس المنطقة التي أعيش فيها وبعد ذلك ذهب إلى المنطقة التي يعيش فيها علما بأنه متزوج من امرأة قبلي تعيش معه وله أولاد كبار في السن ومضى الآن أربع سنوات دون أن يتصل بنا فأخبرنا أحد الأقارب بأنه لا يريدني بل أنه يريد أن يرجع حقه ومقدار مبلغ المهر مائة ألف ريال وقال لن يرسل ورقة الطلاق حتى يسترد المبلغ المذكور فضيلة الشيخ إذا اشتكيت عند المحكمة فهل نرجع له من حقه شيء أم ماذا علما بأنه إذا طلب مني الآن الذهاب معه فسوف أذهب فبماذا توجهونني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يؤسفني جدا أن تذكر المرأة أن مهرها كان مائة ألف فإن هذا من الزيادة الكبيرة التي توجب المشاكل بين الزوجين وذلك أن المبالغة والمغالاة في الصداق خلاف السنة فإن السنة تخفيف الصداق وكلما خف الصداق كان أبرك للنكاح فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة والمغالاة في المهور تسبب مشاكل كثيرة منها أنه تضر الزوج وربما يحتاج إلى الاستدانة من الغير وتتراكم الديون عليه وإذا قدر أنه حصل بينه وبين الزوجة أو أهلها مشاكل صعب عليهم استخراجها من هذا الزوج واستنقاذها منه لأن الزوج قد بذل شيئا كثيرا ولا يمكن أن يترك المرأة التي بذل في الحصول عليها شيئا كثيرا إلا بإعادة هذا الشيء الكثير إليه كما في هذا المثال ولو أن الناس اقتصروا على الشيء اليسير الذي يحصل به تكلفة المرأة وتهيئتها لزوجها وما يتصل بذلك من وليمة ونحوها في حدود عشرين ألفا وهذا بالنسبة لزماننا الآن حين كثر المال بأيدينا أما لو كانت الأخرى وقلت الأموال بين الناس فإن العشرين تعتبر كثيرة ومغالاة لكني أقول باعتبار حالنا الآن المادية حيث إنها ولله الحمد حال مرتفعة أو متوسطة أما لو حصل على الناس ضيق فإنه ينبغي أن تنزل المهور حسب ما يطيقه الناس ومن أجل كون أهل الزوجة يريدون المال تعطل كثير من النساء الآن عن النكاح وتعطل كثير من الشباب وصار بعض الشباب الآن يحاول أن يتزوج من الخارج وفي هذا من المشاكل ما لا يعلمه إلا الله عز وجل والحاصل أننا ننصح إخواننا المسلمين عدم المغالاة في المهور ونقول إن السنة تخفيف المهر وهو من أسباب بركة النكاح ومن أسباب سهولة الانفصال إذا حصل بينهما مشاكل أما هذه القضية التي ذكرتها المرأة فليس لي عليها جواب لأن أمرها يعود إلى المحكمة.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائل سيد رجب خليفة من جمهورية العراق الشركة البرازيلية يقول نحن جميعاً نؤمن بأن الزواج واجب على الشاب القادر المستطيع من جميع النواحي امتثالاً لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لكي يحصن المرء نفسه ولكننا الآن وفي هذا الزمان قد نحرم من الاستمتاع بهذا الحق الشرعي لما أحيط به من عقبات وعثرات جعلت منه أمراً عسيراً إن لم يكن مستحيلاً وذلك مثل غلاء المهور وتكاليف الزفاف والإسراف والتبذير وغير ذلك من الأمور التي جعلت كأنها مفروضة والإسلام منها براء فأرجوا منكم التكرم بإسداء نصيحة إلى أولياء أمور الفتيات بعدم المغالاة في الشروط وبتيسير أمر الزواج وتسهيله وبالاقتصاد في الولائم جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره الأخ من العقبات في النكاح هو أمر واقع كغلاء المهور والإسراف في الولائم والهدايا للزوجة وأقاربها وما أشبه ذلك وهناك عقبات أخرى وهي أن بعض الناس والعياذ بالله يجعل ابنته بمنزلة السلعة يبيعها فأي إنسان أعطاه أكثر وافقه على تزويجه إياها ولو كان غير كفء لها في دينه وخلقه ومن الأولياء من يكون منتفعاً من موليته حيث تدر عليه رزقاً من راتبها فيخشى إذا زوجها أن يحرم من ذلك الراتب إلى غير ذلك من الأمور التي يرثى لها ويؤسف لها أن تقع من شخص يؤمن بالله واليوم الآخر والواجب على أولياء الأمور أن يتقوا الله عز وجل فيمن ولاهم الله عليه وأن يعلموا أنه ليس لهم حق في المهر فالمهر للمرأة لأن الله أضافه إليها في قوله (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ) أي مهورهن (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) وليس لأبيها ولا لغيره حق فيها فلا يحل لا للأب ولا لغيره أن يشترط لنفسه شيئاً منه ولكن للأب إذا تم العقد وملكت الزوجة الصداق له أن يتملك منه لأن الأب له حق التملك من مال ولده إذا لم يكن في ذلك ضرر على الابن ولم يكن هذا الشي متعلقاً بحاجة الابن ثم إني أرى أن حل هذه المشكلة إنما يكون من باتفاق من أعيان البلد ووجهائه وكبرائه ويكون هؤلاء أول الناس تنفيذاً لهذا الأمر لأن الناس تبع لأعيانهم وشرفائهم ووجهائهم فإذا قام الأكابر في البلاد بهذا الأمر ورأى العامة أنهم قد نفذوه فعلاً فإنه سوف يهون ولو بالتدريج والشيء لا يمكن أن ينخفض طفرة كما أنه لا يعدو طفرة ولكن يكون بالتدريج والله المستعان.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع ش أمن سوريا يقول هل يحق للأب أن يأخذ من مهر ابنته ولو كانت غير راضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يحق للأب أن يأخذ من مهر ابنته بعد أن تملكه ولو كانت غير راضية إلا إذّا كان هذا يضرها بحيث تكون محتاجة له لا تقوم حاجتها ومصالحها إلا به فإنه لا يحل له أن يأخذ منه شيئاً لأن حاجة النفس مقدمة على حاجة الغير وأما إذا كان يشترط لنفسه شيئاً من المهر عند عقد النكاح أو عند خطبتها فيقول للخاطب أزوجك بشرط أن توفيني كذا وكذا من المهر فإن ذلك حرام عليه ولا يحل له لأن هذا يفضي إلى أن تكون البنات عند آبائهن بمنزلة السلعة يبعيها حيث كانت القيمة أرفع وأغلى وهذا يؤدي إلى خيانة الأمانة كما هو الواقع في كثير من الناس تجد الرجل لا يهتم بالخاطب الصالح في دينه وخلقه وإنما يهتم بالخاطب الذي يقتطع له من مهر ابنته أكثر من غيره وهذه المسألة يجب على أولياء الأمور أن ينتبهوا لها وأن يعلموا أنه لا يحل لهم أن يشترطوا لأنفسهم شيئاً من المهر لا الأب ولا الأخ ولا العم ولا غيرهم من أولياء ولو اشترطوا شيئا لأنفسهم فإنه يكون للمرأة المتزوجة لأنه عوض عن بضعها والاستمتاع بها فلا يكون لأحد سلطة عليه
***(19/2)
المستمع ع س ع ش من اليمن الديمقراطية حضرموت يقول عندنا عادة عندما يتزوج الشخص يشترط عليه شرط أن يدفع مبلغاً من النقود مثلاً عشرين ألف شلن أو أكثر غير المهر الذي يشترط عليه عند العقد وهذا المبلغ يأخذه والد الزوجة ومن يقوم بالعقد عنده دون أن تعطى الزوجة منه شيئاً فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال هو أن المهر أو الصداق أو الجهاز أو ما أشبه ذلك من العبارات الدالة على العوض الذي تعطاه المرأة في مقابل نكاحها هذا مما يكون ملكاً للزوجة لقوله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ولا يحل لأحد أن يشترط لنفسه منه شيئاً لا الأب ولا غيره ولكن إذا تم العقد وأراد الزوج أن يكرم أحداً من أقارب الزوجة بهدية فلا حرج وكذلك أيضاً إذا تم العقد واستلمت المرأة مهرها وأراد أبوها أن يتملك منه شيئاً فلا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (يقول أنت ومالك لأبيك) وأما جعل هذا شرطاً عند العقد بحيث يعرف أن لأبيها أو لأخيها أو من يتولى عقدها شيئاً مما جعل لها فإن ذلك حرام.
***(19/2)
المستمع أخوكم في الله م. س. ع. من اليمن الجنوبي حضرموت يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ عندنا في البادية يؤجل الدخول بعد انتهاء الزواج وأيضاً ما يتم العقد إلا بعد تسليم الفنون وهو عبارة عن ملبس من الثياب يوزع على أقارب الفتاة مثل الخال والعم والخالة والعمة وغيرهم والآن عوض بدل من الملبس بالفلوس وبعد العقد يقوم الزوج والزوجة بتوزيع الفنون المذكورة أعلاه على الأقارب ويعطيهم الأقارب تقريباً ما يعادل هذه القيمة تقريباً من الغنم فما حكم هذا العمل أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى في هذا العمل بأساً لأنه لا يشتمل على شيء محرم وإنما هي عادات والأصل في العادات الإباحة إلا ما دل الشرع على تحريمه وأما تأخير الدخول على المرأة بعد العقد فهو راجعٌ إلى الزوجين إن شاءا أجلا الدخول وإن شاءا عجلاه وإذا لم يذكرا تأجيلاً ولا تعجيلاً فإنه يرجع في ذلك إلى العرف ولا حرج أن يتعجلا الدخول وإن كانا قد أجلاه إذا كان برضاهما فمثلاً لو اشترط على الزوج بعد العقد أن لا يدخل عليها إلا بعد ستة أشهر مثلاً ثم اتفق الطرفان على أن يدخل عليها في أول شهر فلا حرج لأن الأمر راجعٌ إليهما والذي أحب وأفضل أن يلي الدخول العقد بمعنى أن يكون العقد والدخول في زمنٍ قريب لأن ذلك أحسن وأولى وأبعد عن المشاكل فيما لو حصل طلاقٌ أو فراقٌ بموت أو نحو ذلك.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع من جدة يقول فضيلة الشيخ لقد سبق ووعدت ابن صديقي بأن أزوجه ابنتي بلا مهر فهذا الشاب أعرفه فهو على مستوى رفيع من الخلق والدين ولكن تبين لي أن المهر من حق الزوجة بعد أن ذكر لي صديقي ذلك فماذا أفعل هل أدفع لابنتي من جيبي مهراً علماً بأنني سأقوم بكافة متطلبات الزواج أفيدونا يا فضيلة الشيخ مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما سمعت أن المهر حقٌ للزوجة لقول الله تبارك وتعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ولقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) وإذا كنت وعدت ابن صديقك أن تزوجه بلا مهر فأنت زوجه وقل له اعطني من المهر ما تيسر ولو ريالاً واحداً والباقي تكمله أنت لابنتك وتكون بذلك مأجوراً على وفائك الوعد من وجه ومأجوراً من وجهٍ آخر إذا كان هذا الشاب مستقيماً ولا يجد ما يدفعه مهراً كاملاً لابنتك ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك للخير وأن يرزقهما إن قدر الله اجتماعهما الذرية الطيبة.
***(19/2)
أحسن الله إليكم هذا أخونا السائل ف م س أبو عبد العزيز من الرياض يقول فضيلة الشيخ حفظكم الله كما تعلمون من عادة الناس عند الزواج أن يقدم الزوج مبلغاً معيناً لأهل الزوجة دون أن يقول بأنه المهر ولكن ذلك متعارف بينهم على هذا فيقدم مثلاً ثلاثين ألف ريال ليشتروا بها الحاجيات وعند كتابة العقد ينص على أن المهر ألف ريال فقط السؤال يا فضيلة الشيخ هل هذا التصرف جائز ثم إن بعض الآباء يعمد إلى أخذ المبلغ الزائد عن المهر المسمى ويحرم البنت منه بدعوى أن المهر هو المسمى في العقد فقط ولا يخفى على فضيلتكم حاجة الناس هذه الأيام للمبلغ فمثلاً الألف ريال لا يمكن أن يوفر للمرأة حاجيات العرس نظراً لاختلاف الزمن والظروف هل تصرف هذا الأب جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التصرف ليس بجائز لأنه خلاف الواقع فالمهر ما دفعه الزوج لقاء الاستمتاع بالزوجة وهو حق للزوجة
لقول الله تبارك وتعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فجعل المهور للنساء وجعل التصرف في المهور للنساء ولا حق لأحد في مهر المرأة ولو كان أباها ولا يجوز للمأذون الشرعي إذا كان يعلم أن الواقع أن المهر ثلاثون ألفاً أن يكتب المهر ألف ريال لأنه يترتب عليه أشياء منها لو طلقها قبل الدخول وقلنا إن عليه نصف المهر هل يمكن أن يقال إن هذا الزوج ليس له إلا خمسمائة ريال لا يمكن أن يقال هذا والمسألة خطيرة والواجب أن يجعل المهر هو ما دفعه الزوج لقاء تزوجه بهذه المرأة لكن تسميته وتعينه في العقد أفضل وليس بواجب فلو كتب المأذون المهر قد اتفقا عليه واستلمته المرأة كفى لكن الأفضل أن يذكر من أجل إذا حصل اختلاف يوجب تنصف المهر أو رجوعه كله إلى الزوج وإذا المسألة منضبطة ومحدودة.
***(19/2)
أحسن الله إليكم السائل جمال أحمد يقول فضيلة الشيخ الصداق المسمى بين الزوجين أي المهر المؤخر هل تستحقه الزوجة بعد وفاة الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم رحمهم الله أن الصداق المؤجل إن عين له أجل معين فإنه لا يحل حتى تتم المدة سواءٌ بقي الزوج أو مات إلا أنه إذا مات الزوج فإنه فلا بد من توثيق الدين برهن أو كفيلٍ مالي وأما إذا كان غير مؤجل لزمنٍ معين فإنه يحل بالفراق من الزوج أو الزوجة فإذا تزوج امرأة على صداقٍ مؤجل ولكن لم يحدد الأجل ثم مات عنها حل ذلك المؤجل وأعطيت من التركة على أنه قضاء دين على ميت ولو ماتت هي فإنه يحل أيضاً المؤجل إذا لم يعين له أجل ويدخل في تركتها وحينئذٍ يرثها الزوج ومن معه من أصحاب الميراث.
***(19/2)
المستمع ع. م. س. من البحرين يقول جرت العادة في بعض البلاد الإسلامية أن يشترط للمرأة عند خطيبها مهران معجل ومؤجل وغالباً ما يكون المؤجل مبلغاً كبيراً مما يجعل المرأة بعد الزواج تسيطر على الرجل خوفاً من هذا المهر المؤجل الذي يدفعه الزوج عند الطلاق فما الحكم الشرعي في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم الشرعي في هذا أن نقول إن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على منعه وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقال سبحانه وتعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) فكلما اتفق عليه الطرفان المتعاملان فإنه صحيح يجب تنفيذه حسب ما اشترطاه ما لم يكن مخالفاً للشرع وتأجيل بعض المهر سواء كان كثيراً
أو قليلاً أمر لا بأس به لأنه لا يتضمن ضرراً ولا محظوراً والرجل قد التزم بذلك على نفسه وهو يعلم أن المتبقي من المهر كثير وإذا كان الرجل مبغضاً لزوجته فإنه لا يعيش معها ولو كان الباقي كثيراً بل سيفارقها ويؤدي ما يجب عليه من المهر أما إذا كان يحبها فالأمر ظاهر والخلاصة أنه يجوز أن يكون بعض المهر مؤجلاً وبعضه معجلاً ولا فرق بين أن يكون المؤجل أكثر أو أقل.
***(19/2)
من جمهورية السودان محمد أحمد بابكر عاودي يقول أنا كنت تزوجت وقد اتفقنا معاًعلى الصداق مائة جنية وأنا دفعت خمسمائة جنية الباقي خمسمائة جنية ثم حصل بيني وبينها طلاق وهي متى طلبت مني الطلاق ويقول إنها سابتني وكنت حين ذاك زعلان والحمد لله الآن تراجعت وهي الآن توفت إلى رحمة الله والآن أنا أسأل هل لها علي حق أم لم يكن لها علي حق ومن أدفع له حقها إن كان علّي حق وهو المهر المؤجل الذي ذكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لم يسلم المهر لها في حياتها فإنه يسلمه بعد وفاتها ويكون لورثتها من بعد الوصية والدين وهو أيضاً من جملة الورثة فإن له نصفه إن لم يكن لها ولد وربعه إن كان لها ولد ويقسم الباقي على ورثتها وذلك من بعد الوصية والدين كما هو في القرآن الكريم.
***(19/2)
إذا وقع التخاصم بين الزوج والزوجة وانتهى بهم ذلك إلى الطلاق فهل يجوز أن يردوا من الزوجة للزوج شيئا مما أعطاها من المهر.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طلق الرجل زوجته فليس له حق من المهر إن كان قد خلا بها أو جامعها وإن طلقها قبل ذلك أي قبل أن يحصل جماع أو خلوة فإن له نصف المهر لقول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ) ولكن لكل من الزوج والزوجة أن يعفو عن الآخر ويتسامح معه ولا سيما إذا اقتضت الحاجة ذلك فمثلا إذا طلق الرجل بعد الدخول أي بعد الجماع أو بعد الخلوة فليس له حق في المهر لكن لو أن المرأة وافقت على أن يعطى شيئا من المهر تطييباً لقلبه فلا حرج وكذلك لو أن الرجل طلق قبل الدخول والخلوة وعفا عن نصفه فلا حرج.
***(19/2)
خطب رجل امرأة ودفع المهر لكن حصل نزاع في شرط من الشروط فتنازل الرجل وانصرف عن الزواج من هذه المرأة ولكن أهل المرأة لم يردوا عليه إلا نصف المهر فهل هم آثمون بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحق له في هذا فإذا طلقها قبل الخلوة بها وقبل الدخول فله نصف المهر ثم إن عفا عنه فهو على خير وأجر وإن طالب به فهو له قال الله تبارك وتعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ) فإذا عفون رد على الزوج المهر كله وإذا عفا الزوج بقي المهر كله للزوجة فالأمر إليه وإلى زوجته.
***(19/2)
بارك الله فيكم محمد ضامر وأحمد هادي حسين من اليمن لواء الحديدة يقولان في السؤال تقدم رجل لخطبة فتاة ووافق أهلها ودفع شيئاً مقدماً من المهر ثم توفيت الفتاة قبل عقده عليها فهل له الحق في استرداد ما دفعه من مقدم المهر ولو فرض أنها ماتت بعد العقد وقبل دخوله بها فهل له أيضاً أن يسترد ما دفعه وهل له الحق في الإرث منها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يشتمل على صورتين الصورة الأولى أنه خطب فتاة ودفع إليها ما دفع من المهر وماتت قبل أن يعقد عليها ففي هذا الحال لا يرث منها شيئاً وله الحق في استرداد جميع ما دفع لأنه لم يحصل العقد
أما الصورة الثانية رجل عقد على امرأة ودفع إليها المهر ثم توفيت قبل أن يدخل بها ففي هذه الحال يكون مهره لها كاملاً داخلاً في تركتها ولكنه له الميراث يرث من تركتها ما يستحقه منها وإن كان لها أولاد من زوج قبله يكون له الربع وإن لم يكن لها أولاد فله النصف.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول بأنه صومالي الجنسية متزوج من صومالية في عام 1983 م يقول وكنا قد اتفقنا على صداق وقدره خمسة عشر من الإبل ولي منها الآن أولاد وأريد أن أعطيها صداقها لأنه دين علي علماً بأنها لم تطلبه مني ولكن لا يوجد عندي إبل فهل يمكن أن أعطيها ما يعادل ثمنها نقوداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصداق الذي فرضته لزوجتك هو حق لها وإذا كان حقاً لها فالمرجع في ذلك إليها فلو اسقطته عنك سقط إذا كانت رشيدة ولو أسقطت عنك بعضه سقط ولو اتفقت معها على عوض يكون بدلاً عن الإبل التي وجبت في ذمتك صح هذا الاتفاق فالحق بينكما فأي شيء اتفقتما عليه جاز.
***(19/2)
بارك الله فيكم مستمعة أ. س. أم جويرية من دولة الكويت تقول في سؤالها فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في العروس إذا نذرت أن تدفع جزءاً من مهرها إلى المجاهدين الأفغان علماً بأن ذلك يتم بموافقة الزوج أم أن المهر لأغراض الزوج ولا يصح إرساله للمجاهدين في سبيل الله نرجو التوجيه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المهر وهو الصداق الذي تعطاه المرأة في الزواج ملكٌ للمرأة تتصرف فيه كما شاءت لقول الله تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فدلت هذه الآية الكريمة أن المهر ملكٌ للزوجة وأنها هي التي تملك التصرف فيه أما ملكٌ للزوجة فلقوله (آتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ) وأما كونه هي التي تتصرف فيه فلقوله (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) وعلى هذا فللزوجة أن تتصدق بمهرها أن تبني به مسجداً أو ترسله للمجاهدين الأفغان أو تصرفه في أي وجهٍ أرادت إذا كان ذلك الوجه حلالاً ولا اعتراض لأحدٍ عليها لا زوجها ولا أبوها ولا غيرهما.
***(19/2)
هل يحق للزوجة التصرف في مهرها الذهب دون مشورة الزوج.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الزوجة تملك مهرها ملكاً تاما إلا أن يطلقها زوجها قبل الدخول والخلوة فلا يرجع إليه إلا نصفه كما ذكرته آنفا وإذا كانت تملك مهرها ملكاً تاما وأرادت أن تبيعه أو أن تبيع شيئا منه فلا اعتراض لزوجها عليها نعم لو أنها باعت الذهب الذي تتجمل به لزوجها وصارت تطالبه بأن يشترى لها بدله فإن هذا لا ينبغي لما في ذلك من إرهاق الزوج وربما يكون الزوج قليل ذات اليد فيذهب فيستدين إرضاءً لزوجته.
***(19/2)
السائل م م م يقول فضيلة الشيخ ما حكم من تزوج من فلوس حرام وسكن في منزل من فلوس حرام وحتى الآن لم تنجب الزوجة منه أطفال فما الحكم في هذا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أولاً أن يطيب الإنسان مأكله ومشربه وتغذيته لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تستجاب دعوة هذا لأن مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام هذا ما أنصح به إخواني أن يبتعدوا عن أكل الحرام سواء كان عن طريق الربا أو كان عن طريق الميسر وأشياء كثيرة من هذا النوع يقع فيها الناس وهم يشعرون أو لا يشعرون ولكن يتهاونون هذا ما أنصح به أولاً أن يطيب الإنسان مطعمه وملبسه ومسكنه
أما ثانياً فهو الإجابة على هذا السؤال نقول أما بالنسبة للنكاح فصحيح وبالنسبة لشراء البيت فصحيح ومعنى صحيح أن العقد ليس بباطل وكذلك ما يأكله ويشربه يعني عقد البيع على مأكول ومشروب صحيح لكنه آثم آثم فبالنسبة للزوجة هي حلال له لا نقول الزوجة حرام عليه لأنها بعقد صحيح بالنسبة للبيت أيضاً يجوز له أن يسكن فيه لكن يجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من ذلك فإن كان ذا قدرة تصدق بالمال الذي اكتسبه عن حرام إذا كان حين اكتسابه يعلم أنه حرام أما إذا كان جاهلاً فقد قال الله تعالى (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) أسأل الله تعالى أن يعينه على التوبة النصوح من أكل الحرام.
***(19/2)
يقول تزوجت عند عمي أخو والدي وقد طرح علي مهراً كثيراً وطرحوا عليه مصاغ ذهب للزوجة وقد قدمت المهر كله والبعض من الذهب وبقي بعض الذهب وطَلَبتْ زوجتي من عمي التنازل عن الباقي فرفض ذلك إلا أن أقوم بدفع النصاب كاملاً وإني عاجز في نفس الوقت أن أدفع وطلبت منه مهلة حتى أقوم بدفع ذلك قال عمي لا يمكن أن أعطيك زوجتك حتى تدفع لها ما يلزم فصممت أن أتغيب لمدة سنة ونصف حتى أجمع قيمة الذهب مع العلم أني موظف بعيداً عنهم وأنني قد سمعت في حديث سابق في برنامج نور على الدرب الهجر للمرأة حرام لمدة أكثر من ستة شهور وهل يكون الإثم في هذا الموضوع علي أم يكون الإثم على والد البنت أفيدوني عن ذلك جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أن لا نتعرض لهذا السؤال لأنه مادام مع طرف ثالث فلا نحب أن نتعرض له والمهر مادام حالاً لم يُذكر فيه تأجيل بعض المصوغ فإنه يجب عليك تسليمه وقد ذكر أهل العلم أن للمرأة أن تمنع نفسها حتى تقبض صداقها الحال وإذا كان ذلك من حقها فليس عليها إثم إذا امتنعت حتى تعطيها كمال المهر أما بالنسبة لك فأنت معذور في هذه الغيبة لأنك في الحقيقة تريد أن تأتي بما يلزمك لزوجتك حيث لا يمكنك أن تحصله وأنت مقيم ولكن مع هذا الجواب الذي أجبنا به فإنه إذا لم يكن اقتناع فإن المرجع إلى المحكمة الشرعية.
فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة لهذا الموقف من أبي البنت لابن أخيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الموقف في الحقيقة لا ينبغي مادام الرجل قد زَوّج ابن أخيه من أجل أوصافه التي دعته إلى تزويج بنته به فإنه لا ينبغي أن يكون المال عقبة تحول بينه وبين زوجته ولاشك أن الأمر وأقولها وأرجو أن يكون لها مسمع منه لاشك أنه لو ترك الأمر على ما هو عليه وجعل الزوج يدخل بزوجته لكان أفضل للجميع ثم إني أقول للعم أيضاً مقالة يجب عليه الحذر منها وهي أن المهر حق للزوجة فلو أن الزوجة في هذه الحال أسقطت ما يلزم زوجها من بقية المهر ما كان للأب أن يمنعها من زوجها بل لو أسقطت جميع المهر وهي ممن يصح تبرعها لكان أبوها لا خيار له في ذلك والأمر إليها ولهذا يقول الله عز وجل (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) يعني مهورهن فأضاف المهور إليهن لا إلى غيرهن (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فجعل أيضاً طيب النفس راجعاً إلى الزوجة فليس للأب حق في أن يمنع زوج ابنته من دخوله بها من أجل المهر إلا إذا كانت الزوجة هي التي قالت ذلك فالحق لها.
***(19/2)
التعدد والقسم بين الزوجات(19/2)
بارك الله فيكم المستمع محمد العلي يقول فضيلة الشيخ أسأل عن التعدد في الإسلام وهل الأفضل للرجل أن يعدد أم يكتفي بزوجة واحدة نرجوا بهذا التفصيل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعدد الزوجات في الإسلام أفضل من الاقتصار على واحدة وذلك لما يحصل فيه من مصالح النكاح فبدلا من أن تكون هذه المصالح محصورة في واحدة تكون مبثوثة في ثلاث معها وفي التعدد كثرة الأولاد وقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تزوج الودود الولود وأخبر أنه مكاثر بنا الأنبياء يوم القيامة فلكما كثرت الأمة كان فيها تحقيق مباهاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنبياء في يوم القيامة وكان في ذلك أيضا عز ونصر وهيبة في قلوب الأعداء ولهذا ذكر شعيب قومه بذلك فقال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) ومنَّ الله به على بني إسرائيل فقال جلَّ وعلا (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وما يتوهم بعض الناس اليوم من أن كثرة الأولاد تسبب الحرج وضيق العيش كل هذا من وحي الشيطان وفيه سوء ظن بالرب عز وجل وعلى هذا فالتعدد أعني تعدد الزوجات أفضل من الاقتصار على واحدة لكن بشروط ثلاثة
الأول أن يكون عند الإنسان قدرة مالية.
والثانية أن يكون عنده قدرة بدنية.
والثالث أن يكون عنده قدرة في العدل بين الزوجتين فأكثر لقول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) ثم ليحذر الزوج من الجور على إحدى زوجاته فإن من الناس من يجور بين الزوجات فإذا تزوج جديدة على قديمة أساء إلى القديمة وهجرها ولم تكن عنده شيئا أو قد يكون الأمر بالعكس إذا تزوج جديدة لم يرغب فيها وعاد إلى زوجته الأولى وصار يفضلها على الجديدة وكل هذا من كبائر الذنوب وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) نسأل الله العافية.
***(19/2)
في قول الله تعالى في كتابه العزيز (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) ما هي الأمور الواجب اتخاذها في العدل بين الزوجات وهل هناك أمور يجوز فيها تجاوز العدل بينهن برضاهن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الزوج إذا كان له زوجات متعددات أن يقسم بينهن بالسوية فلا يفضل صغيرة على كبيرة ولا جميلة على غير جميلة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) والعدل واجب في كل ما يستطيع لكن هناك أشياء لا يستطيعها وهي مسألة المودة فإن المودة لا يستطيع الإنسان التحكم فيها بل هي في القلب إنما يستطيع الإنسان أن يقسم بين الزوجات ويعدل في الأمر الظاهر كالمبيت والنفقة وما أشبه ذلك أي.
***(19/2)
يقول كيف يتحقق العدل بين الزوجات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتحقق العدل بين الزوجات بأن لا تعامل إحداهن معاملة تختلف عن الأخرى فيما أنت تملكه وتستطيعه فلا تعطي مثلاً هذه عشرة والأخرى عشرين أو هذه ثوباً جميلاً والأخرى ثوباً وسطاً أو تعطي هذه حلياً والأخرى لا تعطيها أو تلين الجانب لهذه والأخرى لا تلينه لها فكل شيء تستطيع أن تقوم به من العدل فإن ميلك إلى إحداهن يعتبر جوراً وظلماً وتعتبر معرضاً نفسك للعقوبة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما لا يدخل تحت وسعك من محبة القلب والميل القلبي وما ينتج عن ذلك من معاشرة حال الجماع ونحوه فهذا أمر ليس بوسعك وقد قال الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(19/2)
يقول السائل بعض النساء يتضجرن من ذكر التعدد في المجالس بل وتتغير تصرفاتهن عند ذكر التعدد فما نصيحتكم لهؤلاء النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تعني بالتعدد تعدد الزوجات والمرأة بطبيعتها تكره التعدد ويحدث لها من الغيرة ما يصل إلى حد الجنون تقريبا وهي غير ملومة بذلك لأن هذه طبيعة المرأة لكن المرأة العاقلة لا تغلب جانب العاطفة والغيرة على جانب الحكمة والشريعة فالشرع أباح للرجل أن يعدد بشرط أن يأمن نفسه من الجور وأن يكون قادرا على العدل قال الله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) يعني ألا تجوروا فأوجب الله الإيثار على الواحدة إذا خاف الإنسان ألا يعدل والمرأة لا شك أنها إذا سمعت أن زوجها يريد أن يتزوج تتغير على زوجها ولكن ينبغي أن توطد نفسها وتطمئنها وتعلم أن هذا النفور والغيرة التي حصلت ستزول إذا حصل الزواج كما هو مجرب لكن على الزوج أن يتقي الله عز وجل في إقامة العدل بين الزوجة الأولى والثانية لأن بعض الأزواج إذا رغب في الثانية مال عن الأولى ونسي ما كان بينهما من الحياة السعيدة قبل ذلك فيميل إلى الثانية أكثر ومن كان كذلك فليستعد لهذه العقوبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) والعياذ بالله يشهده العالم كلهم يشهدونه وشقه مائل لأنه مال عن العدل فجوزي بمثل ذنبه نسأل الله العافية.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع عيسى عبد اللطيف من بقيق يقول الكثير من الزوجات هداهن الله لا يردن من أزواجهن أن يتزوجوا عليهن أريد بذلك نصيحة لهن من قبل الإذاعة في برنامج نور على الدرب جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة في ذلك أن نقول أولاً للأزواج لا ينبغي أن تتزوج بأكثر من واحدة إلا إذا كان الإنسان عنده قدرة في المال وقدرة في البدن وقدرة في العدل فإن لم يكن عنده قدرة في المال فإنه ربما يكون الزواج الثاني سبب لتكاثر الديون عليه وشغل الناس إياه بالمطالبة وإذا لم يكن عنده قدرة في البدن فإنه ربما لا يقوم بحق الزوجة الثانية أو الزوجتين جميعاً وإذا لم يكن له القدرة على العدل فقد قال الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) فإذا كان عند الإنسان قدرة في المال والبدن والعدل فالأفضل في حقه التعدد أن يتزوج أكثر من واحدة لما في ذلك من المصالح الكثيرة التي تترتب على هذا كتحصين فرج المرأة الثانية وتكثير النسل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وإزالة ما في نفس الإنسان من الرغبة في التزوج بأخرى أما بالنسبة للمرأة السابقة فنصيحتي لها ألا تحول بين الإنسان وبين ما شرع الله له بل ينبغي لها إذا رأت من زوجها الرغبة في هذا وأنه قادر بماله وبدنه وفي العدل أن تكون مشجعة له على ذلك لما في هذا من المصالح التي أشرنا إليها وأن تعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان معه زوجات متعددة وأن تعلم أنه ربما يكون في ذلك خير لها تكون المرأة الثانية تعينها على شؤونها وتقضي بعض الحقوق التي لزوجها مما تكون الأولى مقصرة فيه في بعض الأحيان والمهم أن نصيحتي للنساء ألا يغرن الغيرة العظيمة إذا تزوج الزوج عليهنّ بل يصبرن ويحتسبن الأجر من الله ولو تكلفن وهذه الكلفة أو التعب يكون في أول الزواج ثم بعد ذلك تكون المسألة طبيعية.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل فضيلة الشيخ يقول شخصٌ لديه زوجة وتزوج بزوجةٍ أخرى وطلبت الأولى أن يعطيها من الحلي مثلما يعطي الزوجة الثانية فهل يلزمه ذلك أم لا مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه أن يعطي الأولى مثلما ما أعطى الثانية فيما جرت العادة به أن تعطى المرأة المتزوجة أما إذا أعطاها أكثر مما تعطاه المرأة المتزوجة فإنه يلزمه أن يعطي الزوجة الأولى مثلما أعطاها بقدر الزائد مثال ذلك إذا كان من العادة أن الرجل إذا تزوج امرأةً أعطاها من الحلي ما قيمته عشرة آلاف ريال ففي هذه الحال لا يعطي الزوجة الأولى شيئاً وأما إذا أعطاها من الحلي ما قيمته أحد عشر ريال فإنه يلزمه أن يعطي الزوجة الأولى ألفاً لأن هذا الألف زائد على ما جرت به العادة مما تعطاه المرأة المتزوجة والقول الصحيح في العدل بين الزوجات أنه يجب على الزوج أن يعدل بينهن في كل ما يمكنه العدل فيه سواءٌ من الهدايا أو النفقات بل وحتى الجماع إن قدر يجب عليه أن يعدل فيها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) إلا أن ترضى الزوجة الأخرى بإسقاط حقها من العدل فلا حرج عليه حينئذ أن يفضل الأخرى على التي أسقطت حقها بقدر ما أسقطت ودليل ذلك أن سودة بنت زمعة إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة فإذا رضيت الزوجة الأخرى أن يفضل ضرتها عليها بنفقة أو هدية أو غير ذلك فالحق لها ولا حرج على الزوج في هذا أن يقبل تنازل هذه المرأة عن حقها لكنه لا يحل له أن يضيق عليها حتى تتنازل لأن تنازلها هذا يكون كرهاً ولا يحل لإنسان أن يُكره على إسقاط حقه.
***(19/2)
أحمد مكي من السودان يقول بأنه متزوج من امرأتين ويسأل عند سفره في منزل إحداهن وعند رجوعه هل يعود للتي كان عندها أثناء سفره أم الأخرى يرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العدل أن يعود إلى من كانت الليلة عندها حين سفره فمثلاً إذا كانت الليلة التي سافر بها عند زينب وكان قد بات عند عائشة في الليلة السابقة ولم يبيت عند زينب فإنه إذا رجع تكون بيتوتته عند زينب هذا هو العدل وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الجور في معاملة الزوجات فقال (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) بل منع الله تعالى من التعدد إذا خاف الإنسان الجور فقال عز وجل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) .
***(19/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم إذا قال الرجل للزوجة الأولى ليس لك ليلة ترضين وإلا سوف أطلقك ورضخت مكرهة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فلا حرج إذا لم يكن له رغبة فيها وقال لها إن شيءتِ بقيت عندي بدون قسم أو أطلقك فلا بأس وقد وهبت سودة بنت زمعة رضي الله عنها أم المؤمنين يومها لعائشة رضي الله عنها لأنها لها غرضٌ في ذلك فهذه المرأة أيضاً التي رضيت بأن تسقط حقها من القسم وفضلت إسقاط حقها من القسم على طلاقها ليس عليها حرج ولا على زوجها حرج.
***(19/2)
أنا متزوجة شاب جامعي وقد جاءني منه أولاد وبنات وقد تزوج علي امرأة أخرى يؤثرها علي وأريد أن أعرف ما يلي هل الزوج إذا طلب مني الحل وحللته بلساني مخافةً منه هل تبرأ ذمته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الزوج صاحب الزوجتين أن يعدل بينهما بقدر ما يستطيع من القول والفعل والزمن في الاستمتاع وغير ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) ولكن الشيء الذي لا يمكن استطاعته كالمحبة والمودة وما يتبع ذلك فإنه لا يؤاخذ به الإنسان لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) فإذا كان هذا الرجل الذي أشارت إليه المرأة يميل مع زوجته الأخرى فإن ذلك حرامٌ عليه ولا يجوز له وإذا حللته بلسانها دون قلبها فإنه لا يبرأ به إلا في الدنيا يبرأ به في الدنيا ولكن قد يكون له عذرٌ عند الله يوم القيامة إذا مال إلى الأخرى وهي قد حللته لأنه لا يعلم ما في قلبها فإذا كان لا يعلم ما في قلبها فلا يكلف ما لم يعلم فهو قد يقول أنت حللتيني فأنا لا أعلم ما في قلبك فأنا مأذونٌ لي من قبلك بأن أميل مع الأخرى وحينئذٍ يكون معذوراً عند الله ولكن مع هذا ينبغي للمرأة أن تكون صريحةً حتى يكون زوجها على بينةٍ وبصيرة فإما أن يطيق العدل بينهما وإما أن يعجز وحينئذٍ يخيرها إما أن تبقى على ما هي عليه وإما أن يفارقها.
فضيلة الشيخ: إذا قال الزوج إذا أردتي البقاء مع أولادك وإلا اذهبي لأهلك وليس لك مني شيءٌ فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا خيرها هكذا فقد أبرأ ذمته ولهذا سودة بنت زمعة رضي الله عنها إحدى أمهات المؤمنين لما خافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها لتبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم فصار النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة فهذا الرجل إذا خيرها وقال أنا لا أستطيع أن أقوم بالعدل بينكما فإما أن تسمحي لي وتبرئيني وإما طلقتك أو أذنت لك في الذهاب إلى أهلك أو ما أشبه ذلك فإذا حصل هذا الأمر فقد أبرأ ذمته.
***(19/2)
أم عبد الله من المدينة النبوية تقول إنها شابة تزوجت منذ عشر سنوات ولم ترزق بأبناء وزوجها والحمد لله يعاملها معاملة حسنة ولكنه يريد الزواج بأخرى وأنا لست موافقة والسؤال هل آثم على منعه من الزواج بأخرى وهل أكون آثمة إذا طلبت الانفصال عن زوجي إذا تزوج بأخرى وجهوني في ضوء سؤالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: للزوج أن يتزوج من النساء ما شاء كما قال تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) فله أن يتزوج إلى أربع ولا يحل للمرآة أن تمنعه من التزوج بأخرى لأن الحق في التعدد للزوج وليس للزوجة إلا إذا كانت قد اشترطت على زوجها حين عقد النكاح أن لا يتزوج عليها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلام (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) وأما بدون شرط فإنه لا يحل لها أن تمنع زوجها ولا يجب عليه هو أن يمتنع إذا طلبت منه ألا يتزوج بل له أن يتزوج رضيت أم كرهت وإذا تزوج فليس من حقها أن تطلب طلاق الأخرى ولا يحل لها أن تطلب طلاق نفسها أيضا ولا يلزمه هو أن يطلقها إذا طلبت لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن مَنْ سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) .
***(19/2)
يقول إذا كان الإنسان يريد أن يتزوج زوجةً أخرى فهل يشترط أن يستأذن امرأته الأولى وما الحكم لو تزوج بدون علمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أعتقد أنه لو استأذن منها لأبت أن يتزوج ولكن ليس من شرط النكاح أن يستأذن الزوجة الأولى بل حتى لو استأذنها وأبت فله الحق أن يتزوج ولكن مع هذا أرى أنه ينبغي أن يشاورها ويقنعها حتى تقتنع بذلك وتطمئن ويبين العلة التي من أجلها يريد أن يتزوج فإذا جاءتها الزوجة الجديدة جاءتها وهي على اطمئنانٍ بها وعلى علمٍ بها وعلى رضا بها وحينئذٍ يمكن أن تعيش الزوجتان عيشةً حميدة بدون تنافرٍ ولا تباغض فمن أجل مراعاة هذه الفوائد ينبغي أن يستأذنها ويخبرها وأما أن يكون ذلك واجباً فليس بواجب.
***(19/2)
السائل ع ع أس يقول هل يجوز للمسلم أن يجمع بين زوجتيه في فراش واحد في ليلة واحدة وماذا يترتب على من فعل ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلماء رحمهم الله ذكروا أن مثل هذا الفعل يكره وأنه لا ينبغي أن يفعل لأنه يُحدث غيرة بين الزوجتين ولا يمكنه أن يقوم بالعدل بينهما في هذه الحال لأنه إن استدبر واحدةً استقبل الأخرى وإن استقبل الأخرى استدبر الثانية وبهذا يفوت العدل الواجب وقد يكون ذلك سبباً يمنع كمال الاستمتاع بالزوجتين أو إحداهما فلهذا كره العلماء رحمهم الله أن يجمع الرجل بين زوجتيه في فراش واحد
***(19/2)
تقول هل يعاقب الرجل إذا لم يعدل بين زوجاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا لم يعدل الرجل بين زوجاته فيما يجب فيه العدل فإنه يأثم بلا شك بل عدم عدله من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله وعليه وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) أما ما لا يمكن فيه العدل كالمحبة فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فلو كان الرجل يحب زوجة أكثر من الأخرى فليس عليه في ذلك شيء لأن ذلك مما لا يمكن الإنسان معالجته إذ أن المحبة والبغضاء بيد الله سبحانه وتعالى ليس للإنسان فيها سلطة، نعم للإنسان أن يفعل الأسباب التي توجب المحبة أو توجب الكراهة وهذا أمر ممكن وبيده فمثلا إذا كان يريد إلقاء المحبة بينه وبين آخر أهدى إليه هدية لأن الهدية تذهب السخيمة وتوجب المودة وكذلك أيضا من أسباب المودة أن يقوم بحق أخيه إذا كان صاحباً له بالمودة والموالاة وغير ذلك مما يكون سببا في المحبة.
***(19/2)
السائل أبو عبد الرحمن يقول والدي متزوج من اثنتين والمشكلة هي أن والدي لا يعدل بين زوجاته فإحدى الزوجات تكون لها الحظوة والإنفاق وغير ذلك بعكس زوجته الأخرى فبماذا توجهونه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجه نصيحة إلى هذا الزوج الذي من الله تعالى عليه بالقدرة على الجمع بين امرأتين وأقول له إن العدل عليه واجب في كل ما يستطيع من النفقة والمبيت وغير ذلك كل ما يستطيع يجب عليه أن يعدل بين زوجاته فيه فإن لم يفعل فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) لكن هنالك أشياء لا يتمكن الإنسان من العدل فيها وهي المحبة فإن الإنسان لا يستطيع أن يضع محبة شخص في قلبه أو بغض شخص في قلبه لكن هنالك مؤثرات توجب المحبة أو توجب البغضاء فعلى الرجل الجامع بين زوجتين أو أكثر أن يعدل بينهما فيما يمكن العدل فيه من المعاملة الظاهرة كالمبيت والإنفاق والبشاشة وما أشبه ذلك وقد رخص الله عز وجل للإنسان أن يتزوج أكثر من واحدة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) فأوجب الله الاقتصار على واحدة إذا خاف الإنسان ألا يعدل لئلا يقع في الإثم هذا بالنسبة للزوج أوصيه أن يتقي الله عز وجل وأن يعدل بين الزوجات ما استطاع أما بالنسبة للزوجة المتضررة المظلومة فأشير عليها بالصبر والاحتساب وأخبرها أنها بالصبر واحتساب الأجر من الله تعالى تكون مثابة على ذلك وأبشرها بأن دوام الحال من المحال وأنها مع تقوى الله عز وجل والصبر ربما يسخر الله لها زوجها فيعود ويعدل بينها وبين الزوجة الأخرى ثم إني أيضا أشير على الزوجتين الضرتين أشير عليهما بالتآخي والتآلف وألا تعتدي إحداهما على الأخرى بسبها عند زوجها أو التعريض بها أو ما أشبه ذلك ولتعلم أن هذا من سعادتها إذا بقيت طيبة النفس طيبة الخاطر مع ضرتها ومن المعلوم أن المعاشرة بالمعروف بين الناس أمر مطلوب للشرع فكيف بين الضرتين وكيف بين الزوج وزوجاته والله الموفق.
***(19/2)
تقول زوجي متزوج من امرأة أخرى من مصر وأنجبت له ولد يسافر كل بعد شهر إليها وهو يفضلها علي ويقول إنها أحسن منك وألطف منك وهو متزوجها زواج عرفي ويقول لي أنا آتي بها إلى هنا وهي الأولى وأنت الأخرى هل أتركه وأترك أولادي وأسيب البيت له ولزوجته أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل كما وصفت قد تزوج هذه المرأة بزواج عرفي لا ينطبق على الحدود الشرعية فإن زواجه بها محرم وغير صحيح ويجب عليه مفارقتها
وأما إذا كان زواجه بها على مقتضى قواعد الشريعة فإن زواجه بها صحيح وكونه يفضلها عليك ويمدحها أمامك ويخجلك هذا مضرته عليه هو لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فليحذر هذا وأمثاله ممن يفضلون بعض الزوجات على بعض من هذا الوعيد وأما أنت فالأولى بك أن تصبري وتحتسبي الأجر على الله من أجل الحفاظ على أولادك وصيانتهم وتربيتهم لأنك إذا ذهبت فربما يتسلط الزوج بالمطالبة بإبقائهم عنده وحينئذ تحصل مشاكل ومرافعات وأمور لا تنبغي فأنت اصبري واحتسبي وما تدرين فلعل العاقبة تكون لك والله الموفق.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائلة تذكر بأنها امرأة متزوجة برجلٍ متزوج وهي الزوجة الثانية وهو يقسم بيننا لكل واحدة يوم ولكنه دائماً وبعد صلاة الفجر يذهب وينام عند الأولى في أيام العطل والجمع وحتى قبل أن يذهب للعمل سواء كان ذلك اليوم لها أو لي ويقول بأن العدل في المبيت والنفقة وسؤالها تقول هل في نومه الضحى عند الأولى في يومي يعتبر من المبيت ومن حقي أم أن المبيت يقتصر على النوم ليلاً وفي النهار له أن ينام في أي مكان أما بالنسبة للنفقة فإنه لا يحدد مصروفاً خاصاً بنا ويقول اطلبوا ما تحتاجونه وسآتي به إن شاء الله فهل يعتبر هذا من العدل نرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال النبي عليه الصلاة والسلام (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا يدل على أن الميل إلى إحدى الزوجتين من كبائر الذنوب لأنه لا وعيد إلا على كبيرة وعلى هذا فعلى الرجل أن يتقي الله عز وجل في نسائه وأن يعدل بينهم بكل ما يملك وأما ما لا يملكه كميل القلب إلى إحداهما أو زيادة محبتها على الأخرى وما أشبه ذلك فإنه لا حيلة له فيه وإلى هذا يشير قول الله تعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) وأما ما ذكر في السؤال من كونه يذهب إلى الأولى وينام عندها في النهار دون الأخرى فهذا من الميل الذي يمكنه أن يقومه ويعدّله فلا يجوز له أن يميل إلى إحداهما هذا الميل ولكن ينبغي للمرأة الأخرى أن تتسامح مع الزوج لأن تسامحها معه أدعى إلى قوة محبته لها أيضاً وكلما تسامحت المرأة وصبرت واحتسبت ولم تنازع الزوج كان ذلك أدوم لبقائها معه وأعظم أجراً عند الله سبحانه وتعالى فأشير على هذه المرأة أن تصبر على ما يحصل من زوجها من جفاء أو من ميل وأن تحتسب بذلك الأجر وهي مأجورةٌ على صبرها على ذلك وصبرها مما يكفر الله به من سيئاتها فلنا الآن نظران
النظر الأول بالنسبة للزوج نقول له يجب عليك أن تعدل بين زوجتيك في كل ما تملكه أي في كل ما تستطيعه من عدل
والنظر الثاني بالنسبة للزوجة التي ترى أنها مهضومة أوصيها بالصبر واحتساب الأجر وأقول إن ذلك مما تنال به الأجر عند الله عز وجل والعاقبة للمتقين وعدم نزاع الزوج أدوم لمحبته وربما يعطف الله قلبه حتى يعدل بين الزوجتين بما يجب عليه العدل فيه.
***(19/2)
بارك الله فيكم تقول توفي رجل وترك زوجةً وأولاداً وبعد وفاته علمت الزوجة والأسرة بأنه كان متزوجاً بامرأة أخرى منذ عدة سنوات دون علم الزوجة الأولى والأولاد فهل يأثم المتوفى على إخفاء خبر زواجه على أهله أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأثم المتوفى على إخفاء تزوجه بالمرأة لكن يجب إعلان النكاح لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فإذا كان النكاح معلناً كما لو كان نكاحاً في قرية أخرى وأعلن في القرية فإنه يكفي وإن أخفى ذلك على أهله وعلى زوجته الأولى وأما التواصي بكتمان النكاح الآخر فإنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قال بعض العلماء إنه يبطل النكاح إذا أوصى بكتمانه ولكن الصحيح أنه لا يبطل وإنما يكون ذلك خلاف السنة.
***(19/2)
يقول إنه شاب مسلم له عم متزوج من امرأتين ولكن الزوجة الأخرى يقول مسيطرة عليه سيطرة كاملة لدرجة أنه لم يعاشر الزوجات الأخريات معاشرة كاملة يقول نصحناه ولكن لم يفد ويقول لنا إنه عرض عليهن الطلاق فرفضن وهن الآن على ذمته ويقول إنه برئ من ذمتهن فما حكم الشرع في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الرجل الذي لديه زوجات متعددات أن يعدل بينهن بما يستطيع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا وعيد شديد على من لم يعدل بين الزوجات ولكن العدل واجبٌ فيما يتمكن الإنسان من العدل فيه أما ما لا يتمكن من العدل فيه كالمحبة فهذا أمره إلى الله ولا يكلف الإنسان به لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعدل بين الزوجات في القسم ما كان في العادة إمكان العدل فيه وخيرهن بين البقاء بلا قسم وبين الطلاق فاخترن البقاء بلا قسم فله ذلك لأن الأمر راجعٌ إليهن وقد اخترن أن يبقين بلا قسم ولهذا وهبت سودة بنت زمعة يومها لعائشة رضي الله عنهما فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وإذا رأى الزوج أن بقية الزوجات يردن المحاقة معه وإقامة العدل وكان ذلك شاقاً عليه فله أن يطلقهن إذا لم يخترن البقاء معه على الوجه الذي يريد لأن الأمر في الطلاق للزوج حيث جعله الله له لا للمرأة.
***(19/2)
السائلة تذكر بأنها امرأة لا ترغب في زوجها فمشاكلها دائمة معه وكثيرة تقول ولكنني لا أريد أن أطلب الطلاق لأن لدي عدد ليس بالقليل من الأطفال ما شاء الله ولا أريد أن أنجب منه أطفالاً آخرين يتعبوننا في عدم الاستقرار وكثرة المشاكل وتنازلت له عن حقي في اليوم والليلة والأمور الخاصة بيننا هو متزوج من أخرى ولكنه يقول أنا أريد حقوقي بماذا تنصحونني وهل يحق لي أن أمنعه من نفسي لعدم رغبتي فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة أن تمتنع إذا دعاها زوجها فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الرجل إذا دعا امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح) والواجب عليها أن تجيب دعوته وإن لم يكن فيها تلك الرغبة وأما طلب الطلاق فما فعلت فهو حسن يعني كونها تصبر على سوء معاملته وتحتسب الأجر على الله من أجل أن بينهم أولاد عملٌ تشكر عليه الحقيقة ونحن نشكرها ونسأل الله أن يثبتها وعلى الرجل أن يعدل بين زوجاته في كل ما يمكنه العدل فيه من النفقة والجلوس عند المرأة والانبساط وانشراح الصدر وبسط الوجه بقدر ما يستطيع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) نسأل الله العافية.
***(19/2)
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ن. ج. ر. من الباحة يقول إنني متزوج من زوجتين واحدة تطيعني وتقوم بواجبي وتحب والدي وأقاربي وأولادي الذين ليسوا منها أما الأخرى فهي لا تطيعني ولاتسمع كلامي ولا تحب أولادي الذين من غيرها ولا تحب أيضاً أقاربي هل يجوز لي يا فضيلة الشيخ أن أهجرها وأتجنبها علماً أن لي منها أولاد أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الزوجة التي تطيعك وتكرم أقاربك وأولادك من غيرها هي مأجورة ومشكورة على هذا العمل الجليل وأما الزوجة الأخرى التي بخلاف ذلك لا تطيعك ولا تحب أولادك من غيرها ولا تحب أقاربك هذه آثمة إذا لم يكن لنشوزها سبب وعليها أن تتوب إلى الله عز وجل وأن تعاشر زوجها بالمعروف فإن لم تفعل فهي ناشز وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فلك في هذه الحال أي في حال نشوزها بلا سبب لك أن تهجرها في المضجع حتى تستقيم وتقوم بواجبها الذي أوجب الله عليها لكن في الكلام لا تهجرها لأن لا يحل لأحد من المؤمنين أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلك أن تهجرها في الكلام في حدود ثلاثة أيام وأما في المضجع فلك أن تهجرها ما شيءت حتى تقوم بما يجب عليها لك.
***(19/2)
من ليبيا أخوكم في الله ع. د. ب. أرجو من فضيلة الشيخ محمد العثيمين أن يبين لنا ما حق الزوجة لزوجها أو حق الزوج على زوجته أرجو منكم التوضيح حول هذا كاملاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حق الزوج على زوجته وحق الزوجة على زوجها أجمله الله عز وجل في قوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وفي قوله عز وجل (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فحق كل واحد على الآخر ما جرى به العرف والأعراف تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة لكن هناك أمور تكون على الزوج على كل حال وأمور تكون على الزوجة على كل حال فمن الأمور التي تكون على الزوج على كل حال القيام بنفقتها من طعام وشراب وكسوة وسكن لقول النبي عليه الصلاة والسلام وهو يخطب الناس في حجة الوداع يوم عرفة أكبر مجمع اجتمع فيه المسلمون حول نبيهم صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام (لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فلا يحل للرجل أن يقصر في شيء من ذلك على امرأته بل يجب عليه أن يقوم بهذا على وجه التمام اللهم إلا أن تكون المرأة ناشزة بمعنى أنها عاصية لزوجها فيما يجب عليها طاعته فيه فله أن يمنع عنها ما يجب لها ومتى وجب عليه القيام بالنفقة وامتنع منها فلزوجته أن تأخذ من ماله بقدر نفقتها بالمعروف وإن لم يعلم بهذا لأن هند بنت عتبة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها مع زوجها أبي سفيان وقالت إنه رجل شحيح لا يعطيني مايكفيني وولدي فقال النبي عليه الصلاة والسلام (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) أما حق الزوج على زوجته على كل حال هو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع في خطبته يوم عرفة حين قال (ولكم عليهن ألا يؤطئن فرشكم أحداً تكرهونه) فلا يحل للمرأة أن تمكن أحداً من دخول بيت زوجها وهو يكره أن يدخل حتى ولو كان أقرب قريب لها لأن البيت بيته والحق حقه ويجب عليها كذلك أن تطيعه فيما هو من حقه فإذا دعاها إلى الفراش وجب عليها أن تطيعه ما لم يكن في ذلك ضرر عليها أو تفويت فريضة من فرائض الله فإن لم تفعل فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (أن من دعى امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيئ لعنتها الملائكة حتى تصبح) أما الحقوق المطلقة الموكولة إلى العرف فإن هذه تختلف باختلاف الأعراف ومنها مثلاً هل يجب على المرأة أن تخدم زوجها في شيءون البيت كالطبخ والغسيل وما أشبه ذلك فنقول هذا يرجع إلى العرف فإذا كان من عادة الناس أن المرأة تقوم بهذه الأعمال وجب عليها أن تقوم بهذه الأعمال وإذا لم يكن العرف جارياً بهذا وإن الذي يقوم بهذا غير الزوجة فإنه لا يلزم الزوجة أن تقوم به وقد كان الصحابة رضي الله عنهم تقوم نساؤهم بمثل هذا كما شكت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم ما تجده من الرحى من التعب لأنها كانت تطحن الحب لطعام البيت وكما كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه امرأة الزبير بن العوام تحمل النوى من المدينة إلى بستانه خارج المدينة فهذا الذي لم يعين الشارع فيه من يقوم به بين الزوجين يكون على حسب العرف لقوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وعندنا هنا في المملكة العربية السعودية أن المرأة تقوم بمثل هذه الأمور أعني الطبخ وغسيل البيت وما أشبهها ما زال الناس يعملون هكذا ولكن مع هذا لو تغير العرف واطرد وصار الذي يقوم بهذه الأمور غير الزوجة فإنه يحكم بما يقتضيه العرف.
***(19/2)
يقول أسأل عن حق الزوج على الزوجة وحق الزوجة على الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأعلن النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته عام حجة الوداع أن على الزوج لزوجته رزقها وكسوتها بالمعروف فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بالحق الذي لصاحبه عليه على وجه نقي لا تكره فيه ولا تململ ولا مماطلة حتى تتم العشرة بينهما على الوجه المطلوب وتحصل السعادة الزوجية ومن المعلوم أن الزوجين إذا رزقا أولادا فإن أخلاقهما تنعكس على أولادهما إذا كانت أخلاقا فاضلة طيبة اكتسب الأولاد منها أخلاقا فاضلة طيبة وإذا كان الأمر بالعكس كان الأمر بالعكس فمن حقوق الوالدين على أولادهما بذل المعروف كالإنفاق والخدمة والجاه وغير ذلك مما ينتفع به الوالدان
حق الزوجة الكسوة والنفقة بالمعروف بدون شح ولا مماطلة
حق الزوج على زوجته أن تطيعه فيما أمرها به ما لم يكن ذلك في معصية الله عز وجل وكذلك حق الوالد على الولد أن يطيعه في غير معصية الله عز وجل وفي غير ما يضر الولد ولهذا لو أمر الوالد ابنه أن يطلق امراته فإنه لا يلزم الابن طاعته إلا إذا كان أمره بذلك لسبب شرعي فعليه أن يطلق كما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك.
***(19/2)
أم عبد الله ع أمن جمهورية مصر العربية ومقيمة بجدة تقول فضيلة الشيخ زوجي يغضب لأبسط الأسباب ويهجرها وعندما تتحدث معه لا يجاوبها وبذلك تقول يضيق صدري وأترك له الغرفة ساعات قليلة وأرجع إليه خوفا من غضب ربي عليّ ولكن لا أعرف أنام وأستغل ذلك في قيام الليل وقراءة القرآن وكذلك لم أترك الواجبات عسى زوجي أن يغفر لي فهل علي إثم في ترك الغرفة وهل تقع علي اللعنة لعنة الملائكة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الواجب على الزوجة أن تصبر على أذى زوجها والواجب على الزوج ألا يعتدي عليها في حقها وأن يؤدي حقها وأن يعاشرها كما يحب أن تعاشره لأن الله تبارك وتعالى قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فإذا أساء إليها بعدم المعاشرة الواجبة فلها أن ترد عليه بالمثل لقوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) لكني أنا أرى أن تهادنه وأن تصبر على أذاه وأن تطيعه فيما يأمر به أو يدعو إليه والفرج قريب
***(19/2)
يقول إنني تزوجت من فتاة لم أرها إلا بعد أن كتبت عقد الزواج وكانت رغبتي فيها عظيمة لما لمسته من أهلها (والديها) من المحافظة على تعاليم ديننا الحنيف والتقيد بالشريعة قولاً وعملاً وبعد سنة كاملة من كَتْب عقد الزواج دخلت بها الدخول الشرعي واعترض حياتنا الزوجية منذ اللحظة الأولى مشكلة وهي أنني قد شككت فيها لأنه لم أر ما يظهر أنها بكر أو من هذا القبيل فقلت في نفسي لعل ذلك شيء طبيعي ولمست بعد ذلك أشياء كثيرة جعلتنى أعيد موقفي أولاً أنها بعد أن كانت متحجبة وتلبس اللباس الشرعي أصبحت بعد الزواج تخرج سافرة وعندما عرضت ذلك على والديها تبدل موقفهم ليقولوا هي حرة وثانياً جاء رمضان ورأيت أنها كانت تقوم إلى السحور وفي النهار صادفتها داخل المنزل مراراً تأكل وتشرب وتدخن وعندما سألتها عن ذلك كانت تقول أنا مريضة ولكن ذلك لم يكن صحيحاً ثالثاً في أيام الخطوبة كنت ألاحظ على والديها أنهم يأمران جميع أفراد العائلة بالصلاة ومن ضمنهم هي وعندما تزوجنا كنت أقوم إلى الصلاة وهي جالسة وعندما أمرتها بالصلاة كانت تقول أنت تصلى لنفسك فما عليك من الآخرين رابعاً لاحظت أنها كانت تميل إلى زيادة الكلام مع الرجال في الحياة العامة وأحياناً تتصنع الضحك معهم أمامي وعندما كنت أحاول إصلاح ما كانت تعمله لا تطيعني وأذكرأنها إحدى المرات شتمتني وتحملت كل هذا مدة خمسين يوماً بعدها عرضت ما تقدم على ولي أمرها لعل وعسى أن يساعدني في إصلاح الوضع إلا أنه جانب الصواب حيث لم يستطع الإجابة وأحال الأمر إلي زوجته أم زوجتي والتي راحت تقلب كل الكلام على أساس أن ابنتها شريفة وأنني كاذب يقول ذهبت إلى المحكمة من هذا القبيل لكني أحببت أن أطلع على ما تقولونه في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إني أنصح هذا الأخ السائل ومن شابهه أنصحهم ألا يلقوا مثل هذه المسائل الدقيقة على مسمع عام من الناس كتوجيهها إلى برنامج نور على الدرب أو نحو ذلك بل ينظروا إلى عالم يثقون به في بلدهم أو غير بلدهم ثم يذهب إليه بصفة خاصة ويستشيره في الأمر فيشير عليه الذي قصده بما يراه أنفع وبما يراه أصلح ولكننا لنا توجيه عام لا يتعلق بهذا السؤال وهو أنه يكثر السؤال عن الرجل يدخل بأهله لأول مرة فلا يُرى فيهم ما يرى في الأبكار أحياناً وهذا السؤال نقول في الجواب عليه إن هذا لا ينبغي أن يكون موجباً للشك في المرأة وفي نزاهة المرأة أولاً لأن هذه العملية أعني الجماع قد تكون برفق وسهولة فلا يرى فيه ما يرى في المرأة التي تكون بكراً وثانياً أن زوال البكارة من المرأة لا يعني أنها كانت فاسدة إذ قد يكون زوال بكارتها لسبب غير الجماع كعادتها هي أو سقوطها أو قفزتها أو ما أشبه ذلك وليس مع ذلك أنني أفتح باباً للفتيات بالعبث ولكنني أريد أن أزيل شبهة تقع للزوج في مثل هذه الحال وكثير من الناس قد بلغهم ما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً جاءه فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود يُعَرّض بامرأته بأنه هو وزوجته ليسا بأسودين فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من إبل) قال نعم قال (فما ألوانها) قال حمر قال (هل فيها من أورق) قال نعم فسأله النبي عليه الصلاة والسلام (ما شأن هذا الجمل الأورق ومن أين أتى) فقال الرجل لعله نزعه عرق فقال (غلامك هذا لعله نزعه عرق) فدل ذلك على أن الشبه لا ينبغي أن تحوم حول المرء في أهله إلا إذا رأى قرائن قوية بينة فهذا له حكم آخر.
المسألة الثانية إذا حاول الرجل إصلاح زوجته ولا سيما فيما يتعلق بالصلاة فلم يتمكن وسلك شتى الطرق فلم يتمكن فقد جعل الله له منها فرجاً ومخرجاً بالطلاق وإذا طلق من أجل هذا الغرض فإن الله تعالى سيعوضه عنها خيراً لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه أما من تركت الصلاة ولم يتمكن من إقامتها ومن إقامة هذه الصلاة فإنه يجب عليها المفارقة لأنها بذلك تكون كافرة والكافر لا يجوز للمؤمن أن يبقى معه على زواج.
***(19/2)
السائلة تقول إن زوجها يسبها ولم أرد عليه طول حياتي يقول يا ساحرة ويتلفظ بألفاظ قبيحة جدا ولا أستطيع أن اذكرها لبشاعتها وفظاعتها فهل يجوز لي الجلوس معه أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجلوس مع هذا الزوج والصبر على أذاه خير وفيه أجر وإذا كان الله تعالى قد قال للرجال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) فكذلك نقول للنساء عاشرن أزواجكن بالمعروف فان كرهتموهم فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ونصيحتي لهذه الزوجة أن تصبر وتحتسب الأجر على الله عز وجل ومن صبر ظفر ومن احتسب الأجر أجر ولعل الله أن يبدل حال زوجها بحال أحسن من هذا
أما بالنسبة لزوجها فإنني أقول له اتق الله يا أخي اتق الله في نفسك أد الحقوق إلى أهلها عاشر زوجتك بالمعروف قدر أن أحدا تزوج ابنتك وعاملها بهذه المعاملة فهل ترضى وإذا كنت لا ترضى فكيف ترضى من نفسك أن تفعل ذلك ببنت الناس على المرء أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه على المرء أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به حتى يتحقق له الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
***(19/2)
أحسن الله إليكم السائل يقول ما حكم هجر الزوجة فوق ثلاثة أيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أولاً أن نعلم أنه من الواجب الذي تكون به السعادة الزوجية أن تكون العشرة بين الزوجين على أحسن ما يرام لقول الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لا يستطيل عليها ولا تقصر في حقه
ثانياً فإن لم يمكن فقد قال الله تبارك وتعالى (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (النساء: من الآية34) والهجر في المضاجع إلى أن تستقيم ليس له حد فإن لم يمكن وخيف الشقاق بينهما وجب على الحاكم أن يقيم حكمين يعرفان الأمور يعرفان أحوال الزوجين ويعرفان المصلحة في التفريق أو الجمع ويتقيان الله عز وجل وينظران في الأمر أمر الزوج والزوجة وإن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما فإن لم يمكن بعد الحكمين فتعاد المحاكمة ثانية حتى يحصل ما فيه الإصلاح من فراق أو تأليف ولكن إذا كانت المرأة تكره الزوج ولا تطيقه فحينئذ يتدخل الحاكم ويقول لها هل تردين عليه المهر الذي أخذ إذا قالت نعم طلب من الزوج أن يطلقها على مهرها كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زوجة ثابت بن قيس بن شماس فإنها رضي الله عنها نشزت عن زوجها وكرهته وأتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقولي نشزت يعني فيما يظهر وقد تكون لم تنشز لكن لما حصل ذلك في قلبها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين مستقيم الدين مستقيم الخلق لكني أكره الكفر في الإسلام يعني كفران الزوج فقال لها (أتردين حديقته عليه) قالت نعم فأمره أن يأخذ الحديقة ويطلقها يعني يفارقها ففعل لكن اختلف العلماء هل قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجها ثابت طلقها أمر إلزام أو أمر إرشاد فمنهم من ذهب إلى أنه أمر إلزام وقال إذا لم تستقم الحال فما الفائدة من البقاء والزوج ضمن له ما دفع لها فلم يبق عليه ضرر والزوجة لو عادت إليه لا تزيد الحال إلا سوءاً وهذا لا أستطيع أن أقول إنه هو الصواب ولا أن أمر الإرشاد هو الصواب أقول الأمر دائر بين الإرشاد وبين الوجوب ويرجع في هذا إلى نظر الحاكم في القضية قد يرى أن من الأفضل أن يطلق على الزوج إذا أبى أن يطلق وقد يرى أن من الأنفع أن تبقى الزوجة.
***(19/2)
المستمع أحمد المصري مقيم في الرياض يقول هل الذي يبغض زوجته أي لا يحبها هل يكون آثماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المحبة والبغضاء شيء يلقيه الله سبحانه وتعالى في قلب العبد وقد لا يملك الإنسان أن يتصرف في نفسه في هذا الأمر أعني أنه قد لا يملك أن يجعل حبيبه بغيضاًَ وبغيضه حبيباً ولكن للمحبة أسباب وللبغضاء وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن كل شيء يكون سبباً للعداوة والبغضاء وأمر بما يجب من المودة والألفة وعليه فإن على الرجل ولاسيما بالنسبة لزوجته أن يحرص غاية الحرص على فعل الأسباب التي تجلب المودة والمحبة بينهما ومنها أن يذكر محاسنها ويتغاضى عن مساوئها كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وهكذا يتعامل مع الزوجة وهي كذلك تتعامل معه حتى تتمكن المحبة من قلبيهما فتحصل الألفة والمحبة ومسألة الزوجة ليست كغيرها فإن انفصال الزوجين بعضهما عن بعض له خطره لاسيما إذا كان بينهما أولاد.
***(19/2)
السائلة التي رمزت لاسمه بـ ن د ق تقول أنا سائلة أعاني من مشاكل اجتماعية كثيرة بسبب عناد زوجي وإنكار حقي وسوء أهله حيث إن زوجي يجبرني على الإقامة معهم وله ميل كبير إلى أهله فكل شيء لأهله ولا يحق لي المناقشة في أي أمر من الأمور والسؤال ماذا يجب علي في هذه المشكلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تصبري وتحتسبي الأجر من الله عز وجل فإن الله تعالى مع الصابرين وقد قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) فإذا كنت متقية لله قائمة بحق الله وحق الزوج على الوجه المطلوب وصبرت على جفاء الزوج وجفاء أهله فاعلمي أن العاقبة لك فاصبري واحتسبي وفي ظني أنك إذا صبرت واحتسبتي إن لم أقل في يقيني فسوف يعطف الله قلب زوجك وأهله على النظر إليك نظر رحمة لكن إذا أبيت إلا أن يكون حقك وافيا وكنت دائماً تلقين باللوم على الزوج فستبقى الأمور كما هي أو تزيد فنصيحتي لك أن تصبري وأن تحتسبي الأجر على الله عز وجل وأن تؤمني بأن العاقبة للمتقين.
***(19/2)
من الأردن عمان السائل الذي رمز لاسمه أ. م. يقول ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك فالعشرة متبادلة قال الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) . فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائلة م م تقول فضيلة الشيخ رجل يكره زوجته وهي تقوم بجميع الواجب وتلبي له الحاجات لكنه يكرهها ولا يقوم بالواجب الذي عليه تجاه هذه الزوجة ماذا تفعل أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكراهة والمحبة ليست باختيار الإنسان شيء يلقيه الله عز وجل في قلب العبد وأما القيام بالواجب وترك القيام بالواجب فهذا شيء باختيار العبد فنقول كون الزوج يكرهها لا علاج له إلا سؤال الله عز وجل أن يهديه ويلقي في قلبه محبتها وكونه لا يقوم بالواجب هذا هو الذي يمكن علاجه فالواجب على الزوج أن يقوم بما يجب لزوجته من المعاشرة بالمعروف من الكسوة والإنفاق قليله وكثيره دقيقه وجليله والسكنى ولا عذر له في ترك شيء منه
وأما بالنسبة للزوجة فيجب عليها أيضا أن تعاشر زوجها بالمعروف وألا تتكره عند بذل ما يجب عليها له وألا تماطل بذلك ولكن إذا كان زوجها لا يقوم بواجبها فأول ما يتخذ الإصلاح بينهما بأن يؤتى بالرجل والمرأة ويذكرا بالله عز وجل ويخوفا منه ويطلب منهما أن يقوم كل واحد منهما بما يجب لصاحبه فإن حسنت الحال فهذا هو المطلوب وإن لم تحسن فليس إلا الفراق لأن امرأة ثابت ابن قيس بن شماس رضي الله عنه جاءت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت يا رسول الله ثابت ما أعتب عليه في خلق ولا دين وفي لفظ ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام تعني أكره أن أبقى معه وأنا لا أقوم بحقه فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أتردين حديقته) قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجها ثابت (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) ففعل فإذا كانت الحال غير مستقرة بين الزوجين ولا يزيد بقاؤهما على النكاح إلا تعقيدا وشدة في الكراهة فلا أحسن من الفراق وفي الغالب أو أحيانا بعد الفراق يلقي الله المحبة في قلب كل واحد فتجدهما يحاولان الرجوع.
***(19/2)
تقول السائلة يا فضيلة الشيخ أسأل عن هذه الأفعال التي تصدر من زوج لزوجته أولا يسبها ويشتمها بسبب وبدون سبب ثانيا يقوم بهجرها منذ تسعة أشهر وزيادة على ذلك لا ينام في غرفته وعندما سألته عن السبب قال بأنه عازم على الطلاق ولكن ليس الآن لا ينفق عليها تقول في حين أنه ينفق على أخواته وهن عاملات ومتزوجات تقول أيضا هذه الزوجة تصلى وتصوم وتقرأ القرآن وتقوم بتربية الأولاد على الوجه الأكمل وهذا الزوج في بيتها يتهاون في أوقات الصلاة ولا يصلى في الجامع وهو قريب من المنزل ولا يقرأ القرآن ولا يستمع إليها أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال من شقين:
الشق الأول بالنسبة لهذا الزوج إن كان ما ذكرت السائلة عنه صحيحا فلاشك أنه أخطأ في تصرفه مع أهله وأن الواجب عليه أن يعاشر أهله بالمعروف كما قال الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وقال الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فإذا كان هذا الزوج لا يرضى أن تخل امرأته بشيء من المعاشرة الحسنة فكيف يرضى أن يخل هو بشيء من المعاشرة الحسنة بالنسبة لزوجته وليعلم أن أي حق يضيعه من حقوقها فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبه عليه وإذا كان يرى من نفسه أنه أعلى من الزوجة فإن الله تعالى فوق الجميع فالواجب عليه أن يراعي الله سبحانه وتعالى وأن يتقي الله في نفسه أولا ثم في زوجته ثانيا
أما الشق الثاني فهو بالنسبة لهذه الزوجة آمرها بأن تصبر وتحتسب الأجر من الله وتنتظر الفرج فإن دوام الحال من المحال وسيجعل الله بعد عسر يسرا ولتصبر على أذى الزوج من أجل الاحتفاظ بالبقاء معه من شأن الأولاد لأنه لو حصلت الفرقة ضاع الأولاد وصاروا بين أم وأب متباعدين فتضيع مصالحهما بسبب هذا الفراق وإني أقول لها إن الله سبحانه تعالى قال (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقال عز وجل (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أسأل الله تعالى أن يعين الجميع على ذكره وشكره وحسن عبادته
***(19/2)
تقول السائلة زوجها ملتزم وإذا ارتكبت الزوجة خطأ بسيطا سبها وسب أهلها ودعا عليها وعلى أطفالها معاملة الزوجة في ضوء الكتاب والسنة كيف تكون يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم أن الالتزام هو التزام الإنسان بشريعة الله في معاملة الخالق ومعاملة المخلوق وكثير من الناس يفهمون أن الالتزام هو التزام الإنسان بطاعة الله أي بمعاملته لربه عز وجل وهذا نقص في الفهم فلو وجدنا رجلا ملتزما في معاملة الله محافظا على الصلوات كثير الصدقات يصوم ويحج لكنه يسيء العشرة مع أهله فإن هذا ناقص الالتزام بلا شك وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) فالزوج الذي ذكرته هذه المرأة ليس ملتزما تمام الالتزام لأن كونه يسبها ويسب أهلها أباها وأمها لأدنى سبب لا يدل على الالتزام في هذه المعاملة الخاصة وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء وقال في خطبة حجة الوداع في يوم عرفة في أكبر اجتماع به صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فوصيتي لهذا الأخ أن يتقي الله في أهله في زوجته في أولاده لأنه مسئول عنهم.
***(19/2)
الأخت س م من جدة في رسالتها تشكو من زوجها الذي تزوجها منذ ما يقارب خمس وثلاثين سنة وقد أنجبت له الأولاد والبنات ولكنه بعد هذه العشرة الطويلة تنكر لها وأصبح يعاملها معاملة سيئة وهجرها من الكلام والمجالسة ومن كل شيء وقد حاولت أن تكسب رضاه ولكنه يرفض كل تودد منها وتقرب إليه ويصر على رفضه لها وعدم تلبيته لطلباتها فهي تسأل عن الحكم فيما لو تركته وذهبت إلى أهلها علماً بأنه تزوجها وهي يتيمة وبدون رضاها أيضاً ولكنها صبرت عليه وعاشت معه رغم كل ذلك السنين الطويلة وترجو أيضاً إسداء نصيحة إلى هذا الزوج وأمثاله لعل الله أن يهديه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصيحة لهذا الزوج أن يتذكر قول الله عز وجل (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وعليه إذا كان قد هجرها لسبب يظنه مبيحاً للهجر أن يحاول إصلاح الأمر ببيان السبب لها من أجل معالجته وأما أن يكف عنها هكذا فليس هذا من العشرة بالمعروف أما بالنسبة لها فإنه يجب عليها أن تصبر على ما حصل من زوجها وأن تتقي الله سبحانه وتعالى في أولادها والذي أرى لها أن تبقى في بيت الزوج صابرة محتسبة للأجر حتى لا يتفرق الأولاد وتتشتت العائلة ولكل شيء غاية ونهاية ودوام الحال كما قيل من المحال.
***(19/2)
للأخت ف. ع. م. من العراق بغداد تقول إنها امرأة تزوجت من رجل كان متزوجاً قبلها بأخرى وقد أنجبت له تسعة أولاد أكبرهم فتاة متزوجة وقد توفيت زوجته الأولى فتزوج بها وكانت بمثابة الأم لأولاده الموجودين في البيت إلا أنها لم تلق من زوجها وأولاده إلا كل شقاء وأذى حتى من ابنته المتزوجة فهي تخرج من بيت زوجها بدون إذنه وتأتي لتحدث المشاكل والخلافات في بيت أبيها مع زوجته ويحدث كل ذلك على مرأى ومسمع من أبيهم الذي لا يحاول منعهم أو ردعهم بل على العكس يقف إلى جانبهم ظلماً حتى واجباته المنزلية ولوازم البيت لا يقوم بشيء بل هي التي تشتري كل ما يحتاجه البيت من مالها الخاص إلى أن باعت ما كانت تملكه من حلي مع أن هذا من واجباته وليت ذلك قوبل بالعرفان والشكر بل حصل العكس تماماً وقد طلبت منه الطلاق فرفض أن يطلقها فلا هو عاشرها بإحسان ولا فارقها بإحسان فما رأيكم في هذا وبماذا تنصحون هذا الزوج نحو زوجته وأولاده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ننصح به هذا الزوج وأولاده أن يتقوا الله عز وجل في هذه المرأة إذا كان ما تقوله حقاً وأن يعاشر هذا الرجل زوجته بالمعروف لقوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19) ولقوله (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكونه لا يعاشرها إلا بمثل هذه العشرة التي قالتها أمر منكر هو به آثم عند الله عز وجل وسوف تأخذ ذلك من حسناته يوم القيامة في يوم هو أشد ما يكون فيه حاجة إلى الحسنات
وأما ما يتعلق بالزوجة وماذا يجب عليها في هذه الحال فأقول إني آمرها بأن تصبر وتحتسب وتعظ الزوج بما يخوفه ويرقق قلبه فإن لم يجد شيئاً فإن الله يقول (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فلتطلب تكوين جماعة من أهل الخير يتدخلون في الموضوع ويصلحون بينهما على ما يرونه من جمع أو تفريق بعوض أو بدون عوض.
***(19/2)
فضيلة الشيخ السائلة ن ف تقول بأنها متزوجة من رجل كبير في السن أنجبت منه أولاداً ولكنه لا يعتني بها ولا يجلس معها كثيرا إنما يذهب إلى زوجته الثانية وأيضا هو لا يعطيها المصروف الكافي فهل يجوز لها أن تهجره علماً بأنه يصلى ويصوم نرجو فضيلة الشيخ الإجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ينبغي لها أن توجه له النصيحة وتذكره بالله عز وجل وتبين له أن الجور خطره عظيم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم قال (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وتبين أنها لن تسمح في حقها الواجب عليه فلعله يعتذر إذا ذكر بالله وذكر أن المرأة لا تسمح بإهدار حقها
ومع ذلك فإنني أقول لهذه المرأة اصبري عليه واحتسبي الأجر على الله عز وجل وقومي بواجبك فإن قيامك بواجب الزوج من تقوى الله عز وجل وقد قال الله تعالى وتبارك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ومقابلة العدوان بالعدوان والتقصير بالتقصير قد لا تزيد الأمر إلا شدة فأخشى إن قابلت هذه المرأة زوجها بمثل ما يعاملها به من الجور والظلم أن يقع بينهما الانفصال الكامل فيضجر منها ثم يطلقها بعد ذلك وفي هذه الحال تتفرق العائلة ويتمزق الشمل وهذا أمر خلاف ما يرمي إليه الشرع من الائتلاف والاتفاق.
***(19/2)
بارك الله فيكم السائلة أم عبد الرحمن تقول أرجو من فضيلة الشيخ التكرم بإجابتي مأجورين تذكر بأنها متزوجة منذ عشرين عاما وخلال عشرة سنوات تقول التزم زوجي فتغيرت معاملته معي ومع أبنائي فمنعني من زيارة الجيران والأقارب والأهل ويستدل لذلك بقوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) وامتثلت لرأيه ولكن لم نجد في مقابل ذلك ما يعوضنا عنه من معاملةٍ حسنة ومن خروج في نزهاتٍ بريئة وزيارات للأهل والأقارب وبتلك المعاملة القاسية كرهته أنا وأطفالي فما نصيحتكم لي ولهذا الأب الذي يقول بأنني أرشدكم إلى الصواب فهل هذا صواب يا فضيلة الشيخ أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لهذا الزوج إذا صح ما نسبته هذه الزوجة إليه أقول له بارك الله له في التزامه وسدد خطاه وثبته على التزام شريعة الله وأقول له أيضاً إن من الالتزام أن يكون الإنسان لأهله خيراً وأن ييسر لهم الأمور وأن لا يشد عليهم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة وكان صلى الله عليه وسلم يأذن لها أن تقف خلفه وتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ولا شك أن إعطاء الأهل على الوجه الذي تطيب به نفوسهم على الوجه الذي لا يتنافي مع الشريعة لا شك أنه من الخير فأشير على أخي هذا الملتزم أن يكون ليناً سهلاً مع أهله وأن لا يمنعهم من شيء قد يكون في ذلك حساسية لا سيما إذا منع الزوجة من زيارة أهلها وأقاربها فإن ذلك منعٌ لها من صلة الرحم التي هي من واجبات الدين وإذا كان يخشى عليها من الفتنة إذا ذهبت فليذهب معها إلى هذا المكان وليبقى فيه ما شاء الله ثم يرجع بها وأما أن يمنعها منعاً باتاً فإن هذا ليس بصحيح وليس من المعاشرة الحسنة التي أمر الله بها وأما استدلاله بقوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) فالآية لا شك أنها صحيحة ثابتة ولكن المراد بذلك أن لا تكثر المرأة الخروج والبروز وإلا فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خيرٌ لهن) فنهى أن نمنع النساء من الذهاب إلى المساجد وما زالت النساء في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يخرجن إلى الأسواق ولكنهن يخرجن على وجهٍ ليس فيه تبرج ولا فتنة فلا تخرج المرأة متطيبة ولا متبرجةً بزينة
أما بالنسبة للمرأة فأشير عليها بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج من الله فلعل الله تعالى يهدي زوجها إلى ما فيه الخير والصلاح لها وله
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول في هذا السؤال أسأل عن الحكم في امرأة تسب زوجها وأقارب زوجها عندما تغضب ما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فتنتفخ أوداجه ويحمر وجهه وعيونه وربما يضيع فلا يحسن أن يتصرف بالقول أو بالفعل ولهذا كان القول الراجح أن من طلق عن غضب لا يملك به نفسه فإن طلاقه لا يقع وهكذا هذه الزوجة التي تسب زوجها وأقاربه في ظني أنه لا يحملها على ذلك إلا الغضب الذي يثيره زوجها وإلا فلا يعقل أن امرأة في هدوء ورضا مع الزوج تقوم تسبه وتسب أقاربه أمه وأباه وأخته وأخاه هذا بعيد لكن يظهر أن الزوج أغضبها حتى صارت تسبه وتسب أقاربه وبهذه المناسبة أحذر الأزواج من التطاول على الزوجات بغير حق لأن الله تعالى حذر من ذلك فقال (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء: من الآية34) فهو أعلى منك أيها الزوج الذي علوت على زوجتك وأكبر منك وأعظم منك فاحذره لكن بعض الناس والعياذ بالله يجعل الزوجة كأنها خادم بل أسوأ حالا من الخادم فيشتمها عند كل مناسبة ويضيق عليها عند كل مناسبة ولا يعتبرها إنسانة مثله مع أن النبي صلى الله عايه وسلم أرشد الأزواج إلى طريق مثلى فقال صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة) لا يفرك يعني يبغض مؤمن مؤمنة (إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر) يعني أنك أيها الزوج إذا كرهت من زوجتك خلقا فانظر إلى أخلاقها الأخرى إذا كرهت منها أنها أبطأت في إصلاح الشاي أو أساءت طبخ الغداء فانظر إلى الأيام الكثيرة التي أحسنت فيها في طبخها وصنع الشاي وما أشبه ذلك فالواجب على الأزواج الذكور أن يتقوا الله عز وجل في أزواجهم وأن يقوموا بحقهم كما أن على المرأة أيضا أن تقوم بحق زوجها الذي أوجبه الله عليها (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: من الآية228) .
***(19/2)
أختكم في الله ف. ن. تذكر بأنها امرأة في الثلاثين من عمرها ومتزوجة من رجلٍ في الثمانين ومرض هذا الرجل وأدخل المستشفى وخرج منه وقد أصيب بمرضٍ في الذاكرة وأصبح كثير النسيان وحتى الصلاة لم يعد يتذكرها ويكثر علينا من الأسئلة ويقوم بترديدها أيضاً كثيراً وأحياناً قد أغضب فلا أرد عليه أو أرد بغضب وصوتي قوي وأنا أخاف جداً أن يكون علي إثم في ذلك مع أنني أعامله جيداً وأرعاه وأرد على الأسئلة الكثيرة المملة فما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ وما هي نصيحتكم لي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) ورحمة الله تعالى قريبٌ من المحسنين وزوجك الآن قد بلغ حالاً يحتاج معها إلى الرحمة والرأفة فإذا قمت برحمته والرأفة به فإنك تستحقين بذلك رحمة الله عز وجل وإذا صبرتي على ما يحصل منه من أذى قولي أو فعلي ارتقيت إلى منزلة الصابرين الذين قال الله فيهم (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فنصيحتي لك أن تتمي إحسانك ومعروفك بتحمل الصادر منه ومتى ذاق الإنسان حلاوة الصبر مع كونه مراً استساغه دائماً وقد قيل في الصبر:
الصبر مثل اسمه مرٌ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
فاصبري واحتسبي الأجر من الله عز وجل ودوام الحال من المحال وأسأل الله تعالى أن يمد في عمر زوجك وفي عمرك على طاعة الله وأن يرزقنا جميعاً الصبر والاحتساب والرحمة بمن يستحقون الرحمة إنه على كل شيء قدير وأنا أشكرك على ما تقومين به حسب قولك من الرأفة به والإحسان إليه والقيام بحقه وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يعينك على إتمام ذلك بالصبر على ما يحصل منه والله المستعان.
***(19/2)
السائل أبو المهند يونس من العراق محافظة نينوى يقول لي والد يعيش معي في البيت ومع أطفالي وزوجتي وأنا غير موجود في البيت بسبب واجباتي الوظيفية خارج محافظتي وأرجع إلى البيت كل شهر أو كل عشرين يوماً مدة أسبوع تقريباً وكلما رجعت إلى بيتي وجدت أنه قد سبب لي مشاكل مع زوجتي وأطفالي فهو يعتدي عليهم بالضرب والشتم غالباً بدون سبب وقد نصحته بالكف عن هذه الأعمال التي لا يرضى بها الدين الإسلامي ولكنه لا يأخذ بكلامي فهو متعصب كثيراً ولا يؤدي واجباته الدينية حسب الأصول مع العلم أنه شيخ في الخامسة والستين من العمر وصحته جيدة وقد بدأت زوجتي تشكو منه كثيرا وحتى أطفالي لا يريدون رؤيته بسبب القسوة والمعاملة الغير إنسانية التي يعاملهم بها فهل أترك الزوجة والأربعة أطفال وأختار والدي أم أترك الوالد وأعيش مع أطفالي وزوجتي فأنى لاأستطيع الجمع بين الأمرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نجيب على هذا السؤال من ناحيتين الناحية الأولى بالنسبة للأب فإننا ننصحه بترك هذا العمل الذي نسب إليه إذا صح ونقول له اتق الله تعالى في نفسك وفي ابنك وفي أحفادك وفي زوجة ابنك فإنك مسئول عن كل عمل ينتج من تصرفك
أما الناحية الثانية فهو من ناحية هذا الابن الذي ابتلي بهذه المحنة
نقول له إذا لم يكن الصبر ممكناً على هذه الحال فإنه لا حرج عليه أن ينفرد بزوجته وأولاده في مكان ولكنه لا يقطع الصلة بينه وبين أبيه وإذا كانت حاله تتحمل أن يجعل عند أبيه رجلاً يخدمه فهذا حسن وجيد إنما لا يجعل زوجته وأبناءه فريسة لهذه المشكلة بل يجمع بين ذلك أي بين إحسان العيش لأولاده مع مراعاة والده.
***(19/2)
المستمعة أم هيفاء العراق بغداد تقول في رسالتها أنا متزوجة ولي بنت واحدة عمرها اثنتا عشرة سنة والدتي امرأة كبيرة في السن وأخواتي لم يعتنوا بها وتريد البقاء عندي وزوجي لم يقبل أن تبقى عندي وهي تريد أن تسكن عندي لأنها ترتاح معي وزوجي لا يوافق ماذا أعمل هل أترك زوجي وابنتي وأتفرغ لرعايتها أم ماذا علماً بأن إخوتي قد تزوجوا أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن البيت الذي تعيشين فيه مع زوجك هو بيت لزوجك وأن له أن يمنع من شاء وأن يأذن لمن شاء في دخوله وسكناه فإذا كان زوجك يمنع من أن تأتي أمك عندك في بيته فإن له الحق في ذلك ولكني أنصحه بأن يكون مرناً وأن يأذن لأن تعيش أمك عندك في البيت لما في ذلك من الإحسان إلى أمك والإحسان إليك وقد ندب الله تعالى إلى الإحسان وأخبر أنه يحب المحسنين فقال (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فأملي أن ينظر زوجك إلى أمك وإليك أيضاً بعين العطف والرحمة وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فإذا كان عيش والدتك عندك أطيب من عيشها عند أحد سواك فالذي ينبغي أن يأذن الزوج بسكانها في بيته.
***(19/2)
المستمع محمد سليمان الشمري يقول عقدت على فتاةٍ من أسرةٍ كريمةٍ بعقد نكاحٍ شرعي وبعد أن مضى شهرٌ على حدوث العقد رفضتني الفتاة مدعيةً أنها لا تريدني علماً أنها كانت موافقةً على الزواج مني وقد بذلت قصارى جهدي لكي أعرف السبب ولكن دون جدوى وقد تشاورت مع أهلها في الموضوع فقالوا نحن لا نستطيع إجبارها عليك وسوف نعيد لك ما دفعت حسب المكتوب بالعقد علماً أنني قد خسرت مبلغ ثلاثين ألف ريال في يوم عقد النكاح وعندي شهود على ذلك وأنا لا زلت أرغب في الزواج منها فأرجو إفادتي هل من حقها الرفض بعد أن عقدت عليها أم ليس لها ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من حقها الرفض بعد العقد عليها لأن النكاح لزم بالعقد ما دام على الشروط الشرعية المرعية ولكن إذا رأيت أن من المصلحة موافقتها على الطلاق فإن الأفضل أن تطلقها إحساناً إليها لئلا تحبس حريتها ولأنه ربما يحصل بينكم بعد الدخول أو بعد إنجاب الأولاد ما يكون مكروهاً وتضطر بعد ذلك إلى طلاقها بعد أن تعلقت بها نفسك أكثر وبعد أن حصل الأولاد بينكما فالذي أرى أنه إذا كانت مصرة على المفارقة أرى أن الأفضل لك والأولى حالاً ومستقبلاً أن تطلقها وأن تأخذ ما أنفقت عليها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لامرأة ثابت بن قيس وقد كرهته قال (أتردين عليه حديقته) قالت نعم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يطلقها لأن الأمر في هذه الحال لا يستقيم بين الزوجين وقد حصلت الكراهة الشديدة من المرأة للزوج فدفعاً لضرر في المستقبل ينبغي إجابتها إلى الطلاق كي تطلقها وتأخذ ما أعطيتها كاملاً.
***(19/2)
أم نشوى من المنطقة الشرقية تقول هي امرأة متزوجة من رجل من أقاربها يكبرها في السن وقد أنجبت منه الأبناء والبنات وهو يصلى ويصوم ولكنه أحياناً يرتكب بعض المحرمات التي تنسيه دينه وأهله فيترك كل شيء إضافة إلى سوء عشرته معهم في البيت وسوء أخلاقه فلا تعرف منه الكلمة الطيبة ولا السلام عندما يدخل البيت ولو كان غائباً عنه مدة أسبوع وقد جعلتها هذه الأمور تكرهه كثيراً وتتمنى أن يفارقها إلى الأبد أو يفارق الحياة وقد أخذ ابنها الأكبر يقلد أباه في فعل بعض المحرمات ولذلك فهي تكرهه أيضاً لتقليده أباه في فعل الحرام وعدم خوفه من الله فتدعو عليه بالموت لذلك فهي تسأل أولاً عن حكم الاستمرار في الحياة مع هذا الزوج وثانياً عن حكم الدعاء على الولد وهل في ذلك تفريق بين الأولاد في المعاملة لأن من أولادها من تحبهم وتعطف عليهم وثالثاً تريد أن تعمل عملية تمنع أن تحمل من هذا الرجل الخبيث كما تصفه فهي تكره أن تنجب منه زيادة خوفاً أن يسلكوا مسلكه ورابعاً إن هي فارقته فمع من يكون الأولاد فهي تخشى عليهم إن بقوا مع والدهم عليهم أن يؤثر عليهم ويفسد أخلاقهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال نوجه نصيحة إلى هذا الرجل إن كان ما قالته زوجته فيه صدقاً أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يرجع عما وصفته به زوجته حتى تستقر له الحياة وتطيب له فإن الله عز وجل وعد وعداً مؤكداً بأن من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن أن يحييه حياة طيبة قال الله عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وإذا رجع إلى الله عز وجل وتاب إليه وأناب وحافظ على ما أوجب الله عليه سيجد لذة وطعماً للإيمان وانشراحاً لشعائر الإسلام وتطيب له الحياة ويكون كأنه ولد من حينه
ثم إن ما سألت عنه هذه المرأة من محاولة فراق زوجها أرى ألا تفارقه مادام لم يخرج عن الإسلام بذنوبه ولكن تصبر وتحتسب من أجل الأولاد وعدم تفرقهم وعليها أن تكرر النصيحة لزوجها فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهديه على يديها
وأما الدعاء على ولدها بالموت فهذا خطأ ولا ينبغي للإنسان إذا رأى ضالاً يدعو عليه بالموت بل الذي ينبغي أن يحاول النصيحة معه بقدر الإمكان ويسأل الله عز وجل له الهداية فإن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى والقلوب بين أصبعين من أصابعه سبحانه وبحمده يقلبها كيف يشاء وكم من شيء أيس الإنسان من تصوره فيسر الله تعالى حصوله فلا تستبعدي أيتها المرأة أن يهدي الله سبحانه ولدك ادعي له بالهداية وكرري له النصح والله على كل شي قدير
وأما محاولتها أن تمتنع من الإنجاب منه فهذه نظرية خاطئة وذلك لأن الإنجاب أمر محبوب في الشريعة وكل ما كثرت الأمة كان ذلك أفضل وأكثر هيبة لها ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة حيث قال سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وقال شعيب لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بتزوج الودود الولود لتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة والأمة كلما كثرت قويت مادياً ومعنوياً كما هو ظاهر وهو على العكس من تصور بعض الظانين بالله ظن السوء الذين يظنون أن الكثرة توجب ضيق المعيشة وهؤلاء أساءوا الظن بالله عز وجل وخالفوا الواقع وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال سبحانه وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) وأما الأمم التي ضاقت عليهم العيشة بكثرتهم إنما أتوا من حيث قلة اعتمادهم على الله عز وجل وتوكلهم عليه ولو أنهم توكلوا على الله وصدقوا بوعده ما ضاقت عليه المعيشة
وأما سؤالها الرابع عن أولادها ماذا يكونون لو فارقت زوجها فهذا أمره إلى المحكمة هي التي تبت في هذا الأمر وتنظر في الحال والواقع أي الأمرين أصلح أن يكونوا عند أبيهم أو عند أمهم.
فضيلة الشيخ: والمعتبر في هذا صلاح أمر الأولاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعتبر في هذا صلاح الأولاد لأن الحضانة إنما وجبت من أجل حماية الطفل وصيانته وإصلاحه ولهذا قال أهل العلم إن المحضون لا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه ولو كان أحق من غيره من حيث الترتيب لأن المدار كما قلت على إصلاح الولد وصيانته عما يضره.
***(19/2)
تقول إنني تزوجت منذ سنة وشهرين ولم أستطع أن أتعايش مع زوجي وأنا لا أحبه بسبب خصال كثيرة لم تعجبني فيه والتي لم أجد لها حلاً والذي يعذبني بأنني ما دمت حتى الآن لم أستطيع أن أتعايش معه ولا أستطيع أن يكون زوجاً لي ولا أستطيع أيضاً أن أكون أنا الزوجة الصالحة التي يتمناها أي رجل على العكس سأكون له الزوجة العاصية والتي لا يتمناها فأنا والحمد لله متدينة ولكن لا أستطيع ويعلم الله أنني حاولت ولكن فشلت منذ أول يوم تزوجنا وأنا لم أحبه ولم أطقه ولكن حاولت أن لا أتسرع وأن أصبر وقد مضى على زواجي سنة وشهرين ولم يتغير شيء فلو قلتم لي أن أعيش معه وأصبر فإنني سأقترف الذنوب في حقه وأنا لست بحاجة لتلك الذنوب والأوزار لن أتحمل هذا الرجل هل أطلب الطلاق وخاصة بأننا لم نرزق بأطفال وجهوني يا فضيلة الشيخ حيث سآخذ بتوجيهكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن هذه الحال قد تحصل لكثير من النساء لا يحصل التلاؤم بينها وبين زوجها وتخشى أن لا تقوم بحدود الله تعالى في حقه وقد وقع ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعرض على زوجة أن ترد المهر على زوجها فقبلت فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزوج أن يقبل المهر ويطلقها وتلك هي امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه من خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام يعني تريد أن تفارقه لأنها تخشى الكفر في الإسلام قال العلماء والمراد بقولها الكفر في الإسلام يعني كفران العشير وليس الكفر بالله عز وجل ولهذا قالت الكفر في الإسلام ولا يمكن أن يكون الكفر في الإسلام إلا الكفر الأصغر فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أتردين عليه حديقته) قالت نعم فأمره أن يقبل ويطلق فإذا تعذر الصبر على الزوج وخافت المرأة أن لا تقيم حدود الله الواجبة عليها لزوجها فلا بأس أن تطلب الطلاق وهذه المشكلة كثرت في الآونة الأخيرة وسببها والله أعلم أن كل واحد من الزوجين لا يقوم بحق صاحبه فتتنافر القلوب ويكثر السب واللعن وربما يتعدى إلى سب الآباء والأمهات والعياذ بالله وربما يؤدي إلى ضرب لم يؤذن فيه شرعاً فيحصل الخلاف والنزاع فنصيحتي لكل من الزوجين أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي صاحبه وأن يقوم بحقه وإذا علم الله تعالى منهما أنهما يريدان الإصلاح وفق الله بينهما.
***(19/2)
عندما يتزوج الشخص ويكمل ما عليه من شروط ثم يريد أخذ المتزوج زوجته فيمنع ولي أمرها إلا أن تجلس تخدمه ولا تروح لبيتها فيستمر الزوج يجئ ويذهب إلى زوجته في بيت عمه أبو البنت فإذا ترك الرجل زوجته لهذه الأسباب لمدة طويلة بناءً على طلب الزوج لزوجته لربما تنتهي الأمور فهل يلحقه إثم أو إذا صار الطلاق لهذه الطريقة بسبب ولي أمرها فهل يلحق الزوج إثم أرشدونا حفظكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كان الزوج قد شرط عليه عند العقد أو اتفق معه قبل العقد على أن يبقي الزوجة في بيت أبيها فإنه يجب عليه الوفاء بهذا الشرط ولا يجوز له أن يطالب بإخراجها من بيت أبيها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) وإذا كان لم يشرط عليه عند العقد ولا اتفق معه قبل العقد أن تبقى في بيت أبيها فإن الزوجة تبعٌ لزوجها فله أن يأخذها في بيته ويجبرها على ذلك ويسكنها معه.
***(19/2)
فضيلة الشيخ السائلة أم تركي من الرياض تقول أنها امرأة متزوجة ولديها سبعة من الأبناء والبنات وزوجها كثيراً ما يسافر إلى الخارج بغير حاجة وإذا أتى يصبح عصبي المزاج ويتذمر إذا طلب منه شيء ولا يسأل عنها ولا عن أولادها وكأنها ليست بزوجته والصلاة لا يؤديها في المسجد فمتى قام أداها ولا يأمر الأبناء بالصلاة وإذا أمرناه بصلاة الجماعة قال إن شاء الله أصلى بل قد يجمع الصلوات إذا رجع من العمل ولا يرضى بخروجها لزيارة أقاربها وجيرانها بل يضيق عليهم في ذلك ما حكم خروج هذه المرأة إلى أهلها وأقاربها وجهوها ماذا تعمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أوجهها أوجه هذا الزوج أقول له اشكر الله على نعمته أن رزقك أموالاً وأولاداً وزوجة دع السفر إلى الخارج السفر إلى الخارج سمٌ نقاع أموالٌ تتلف وأوقاتٌ تضيع وأفكارٌ تتغير وأخلاقٌ تدمر إلا ما شاء الله عز وجل دع السفر إلى الخارج ابق في أهلك وأولادك تأنس بهم ويأنسون بك تربيهم وتثاب على تربيتهم الخارج ليس فيه إلا الشر والبلاء ولهذا انظر إلى ما حدثت به هذه السائلة ما الذي حصل لزوجها كانت قرة عينه هي وأولاده فإذا رجع من السفر ضاق بهم ذرعاً وتعصب عليهم ولم يقم بالواجب نحو تربيتهم
أما بالنسبة لها فعليها أن تطيعه إلا في محارم الله ولا تخرج من البيت إلا بإذنه ولتصبر ولتحتسب وربما يعوضها الله تعالى خيراً إذا صبرت واحتسبت بأن يغير ويبدل منهج زوجها حتى تعود الأمور إلى نصابها.
***(19/2)
ماذا يجب أن تفعل امرأة زوجها يتعاطى المسكرات ويأتي الفاحشة من النساء ويحرمها من حقوقها الشرعية وهي تخاف من الله إن استمرت في حياتها معه بهذا الوضع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تفعل الزوجة التي زوجها بهذه الصفة يتعاطى المسكرات والزنى والعياذ بالله تطلب الفسخ منه لدى المحكمة والمحكمة سوف تنظر في ثبوت هذا الأمر من عدمه ثم تحكم بما يكون موافقاً للشرع بحول الله تعالى.
فضيلة الشيخ: إذن لا يجوز لها البقاء تحته بهذا الوضع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بقاؤها عند هذا الرجل لا شك أنه أمر لا ينبغي أما أنه يحرم عليها البقاء مع كونه لم يصل إلى حد الكفر ففيه نظر لكنه لا ينبغي لها أن تبقى عنده.
***(19/2)
جزاكم الله خيرا السائلة تقول هل يجوز لنا نحن النساء تطبيق الآية الكريمة (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) أي الهجر لأزواجنا بالفراش عندما يشذون أو يميلون عن الطريق الصحيح السليم أم ماذا نفعل جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الآية لا تتناول النساء لأن الله قال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) أما نشوز الرجل فقد قال الله تعالى (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً) فأرشد الله تعالى إلى الصلح فيما إذا خافت المرأة من زوجها النشوز ولم يأمرها أن تعظه أو تهجره أو تضربه لأنه لا يمكن أن يكون للمرأة سلطة على الرجل بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الفرس جعلوا ملكهم بنت كسرى قال صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ولكن إذا أخذنا بعموم قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) قلنا يجوز للمرأة إذا منع الزوج حقها أن تمنع حقه حتى يستقيم على أمر الله لعموم الآية (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) فإذا كان مقصراً في حقها ورأت أنه لن يستقيم ولن يؤدي ما أوجب الله عليه من معاشرة المرأة بالمعروف إلا أن تمتنع من حقه مثل ما منع من حقها فلا بأس بذلك.
***(19/2)
السائلة فاطمة الغدير من المحمل تقول لديها مشكلة هي أنها امرأة متزوجة منذ تسع سنوات ومشكلتها أن زوجها حرمها من رؤية أهلها وزياراتهم نظراً لبعد المكان الذي يقيمون فيه وقد طلبت من زوجها أن تزورهم قبل أن تنجب أطفالاً فوعدها بعد أن تنجب أول مرة ولكنه لم يف بوعده إلى أن صار عندها أربعة أولاد ومع ذلك هو يعدها ثم يخلف فتقول على من يقع إثم قطيعة الرحم هنا فقد سمعت حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام (لا يدخل الجنة قاطع) يعني قاطع رحم هذا صحيح ولكن السائلة أطمئنها أنها ليست بقاطعة رحم وذلك لأن أمرها بيد زوجها وزوجها إذا كان يمنعها أو يماطلها بزيارة أهلها فإنه ليس عليها إثم في هذه الحال وهي مأمورة بطاعة زوجها لقول الله تبارك وتعالى (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن المرأة عند زوجها كالأسير فهي ليس عليها إثم في عدم زيارة أهلها ما دام أن المنع من زوجها ولكني أنصح زوجها أن يحسن معها العشرة وأن لا يحرمها من زيارة أهلها وأن يحرص على أن تزورهم بين مدة وأخرى يتطاول ما بينهما ما دام أن المسافة بينه وبين أهلها بعيدة وهذا هو الأولى والأحرى به إن شاء الله تعالى.
***(19/2)
تقول هل السفر بدون إذن الزوج إلى بيت الأهل جائز ولو كان ذلك لمسافة بعيدة وإن قال إن سافرت وأنا غير راضيٍ فأنت محرمة علي فما الحكم في هذا لو حصل السفر بعد ذلك القول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على المرأة أن تعلم بأنها تحت زوجها مثل الأسيرة فالحكم له فيها له أن يمنعها من الخروج ومن السفر إلا أنه يجب عليه أن يعاشرها بالمعروف فلا يكلفها ما لم تجر العادة به ولا يمنعها مما جرت العادة بفعلها إياه ولكن على كل حال لا يجوز لها أن تسافر بدون علمه ولا أن تخرج من بيته بدون إذنه فإذا قال لها إن سافرت بغير رضاي فأنت محرمة علي فإن هذه مسألة لا نستطيع أن نتكلم بها هنا ونقول إنه إذا وقعت للمرء فعليه أن يسأل أقرب عالم يثق به في بلده أو في غير بلده إنما نحن لا نحب أن نتكلم بها هنا لأنه يسمعها من لا يفهم فيها.
***(19/2)
الجمهورية العربية اليمنية يقول فيها السائل هل يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها من غير إذن زوجها ثم هل يجوز لها أن تخرج من غير حجاب حتى وإن كان لبيت أبيها ثم أيضاً هل يجوز لزوج أختها أن ينظر إليها وهي من غير حجاب وفي يوم من الأيام أطلعنا على هذه الأشياء ومنعناها من الذهاب إلى بيت أبيها أو منزل أختها ثم قالت لنا إن هؤلاء من الأرحام فأفيدونا بارك الله فيكم من هم الأرحام ومن هم الذين لا يجوز الذهاب إليهم نرجوا التوضيح في هذه المسألة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أما خروج المرأة من بيت زوجها فإنه لا يجوز إلا بإذنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) فإذا منع النبي عليه الصلاة والسلام من الصيام وهو طاعة وقربة فإن منعها من الخروج من منزله بلا إذنه أولى والإذن قد تكون لفظية بأن يأذن الرجل لزوجته لفظاً فيقول إذا شيءت أن تزوري أهلك فلا حرج وقد تكون عرفية بحيث يدل العرف على الإذن بها كما لو كان من عادة هؤلاء القوم أن تخرج المرأة لقضاء الحوائج كشراء الخبز ونحوه فهذا إذن عرفي
وأما كون المرأة تخرج بغير حجاب فإن هذا حرام أيضاً والواجب على المرأة إذا خرجت إلى السوق أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا كاشفة لوجهها لأن ذلك من الفتن العظيمة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منع المرأة من حضور المسجد إذا كانت متطيبة فقال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أصابت بخوراًَ فلا تشهد معنا العشاء) إظهار المرأة وجهها في الأسواق من أعظم الفتن ومن أعظم المصائب التي أحلت في مجتمعات بعض المسلمين فإن هذه الفتنة العظيمة لم تقتصر على إخراج الوجه فقط بل صار النساء يخرجن الرؤوس والرقاب والنحور والأذرع ولا يبالين بذلك حتى اتسع الخرق على الراقع وصار ضبط النساء متعذراً أو متعسراً غاية العسر
وأما كشف المرأة لزوج أختها أو لغيره من الرجال الأجانب غير المحارم فإنه حرام ولا صلة بينها وبين زوج أختها بخلاف أم الزوجة فإن أم الزوجة محرم لزوج ابنتها فيجوز لها أن تكشف له والمحارم هم كل من تحرم عليه المرأة تحريماً مؤبداً لقرابة أو رضاع أو مصاهرة فأما المحرمات بالقرابة فهنّ سبع ذكرهن الله تعالى في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) وأما المحرمات بالرضاع فقد قال الله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فالأم من الرضاعة والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت كلهن محارم لأنهنّ يحرمنّ من النسب وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وأما المحرمات من المصاهرة فهن أربع زوجات الآباء وإن علوا وزوجات الأبناء وإن نزلوا وأم الزوجة وإن علت وبنتها وإن نزلت قال الله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) وقال الله تعالى في جملة المحرمات (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فهؤلاء الأربع محرمات بالمصاهرة ويحرمن بمجرد العقد إلا بنات الزوجة وإن نزلنّ فلا يحرمن إلا إذا جامع أمهاتهنّ لقوله تعالى (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) فهؤلاء سبع من النسب وسبع من الرضاع وأربع من المصاهرة كلهنّ محارم لأنهنّ محرمات إلى الأبد لنسب ورضاع ومصاهرة.
***(19/2)
عايد عطية من الأردن ما حكم المرأة التي تخرج دون إذنٍ من زوجها أرشدونا والله الموفق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان زوجها حاضراً فلا يجوز لها أن تخرج إلا بإذنه وإذا كان غائباً فلها أن تخرج ما لم يمنعها ويقول لها لا تخرجي فإذا منعها فله الحق
فصارت المسألة إذا كان حاضراً لا تخرج إلا بإذنه وإذا كان غائباً تخرج إلا أن يمنعها.
فضيلة الشيخ: هل لها أن تستأذن من أبيه أو أمه في الخروج إذا كان غائباً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا أن الأصل أن تخرج ما لم يمنعها إذا كان قد منعها قبل أن يسافر قال لا تخرجي من البيت أو قال لا تخرجين لكذا وكذا فإنها لا تخرج ولو أذن لها أبوه وأمه لأن حكمها بيد زوجها لا بيد أبيه وأمه.
***(19/2)
تقول السائلة إذا كانت المرأة تعلم بأن زوجها يسمح لها بالذهاب عند أهلها وأقاربها فهل يجوز أن تذهب بدون إذنه للحاجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى حسب علمها بحال الزوج بعض الأزواج تعلم الزوجة أنه يأذن لها أن تخرج إلى الحاجة لأقاربها وبعض الأزواج تعلم المرأة أنه لا يريد من زوجته تتعدى ما أذن لها فيه فعلى حسب حال الزوج لكن إذا نهاها أن تخرج لحاجة أو غيرها إلا لهذا الغرض المعين فلا يجوز لها أن تخرج إلا لهذا الغرض المعين.
***(19/2)
مضمون الرسالة أن رجا عبد الله تشتكي من معاملة زوجها والسفر الكثير جداً عنها بحيث يسافر في الشهر عشرين يوماً ولا يترك لها النفقة الكافية لها ولولديها وتقول إنني بسبب غياب زوجي عني هذه المدة ونظراً لحاجتي واضطراري إلى القوت وما شاكله فقد ارتكبت جرائم شديدة جداً فهل لي من توبة وما المخرج وما واجب زوجي وفقكم الله وبارك فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أما بالنسبة لما عملت من الجرائم العظيمة فإن باب التوبة مفتوح لمن تاب إلى الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) إلى آخر ما ذكر الله في الآيات فعليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى وأن تستغفريه وأن تصلحي عملك ومن تاب وعمل صالحاً فإن الله تعالى يتوب عليه إذا كانت التوبة نصوحاً وأما بالنسبة لتضيع زوجك لك فإن الزوج أخطأ في هذا خطأً عظيماً ولم يقم بما أوجب الله عليه من حقوق الزوجة ومنها المعاشرة بالمعروف والإنفاق بالرزق والكسوة والسكنى حتى يتحقق ما هو من أعظم مصالح النكاح التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) فنصيحتنا لزوجك أن يتقي الله سبحانه وتعالى فيك وأن يقوم بما أوجب الله لك من العشرة بالمعروف والقيام بالرزق والكسوة والسكنى على الوجه الذي يليق.
***(19/2)
أحسن الله إليكم سوداني مقيم بالسعودية يقول هل هناك مدة محددة في الشرع حددت للرجل الغائب عن امرأته في حالة طلب الرزق والاغتراب وهل من الشرع أن يطلب الرجل عند عودته من امرأته أن تسمح له عن فترة غيابه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا غاب الرجل عن زوجته في طلب الرزق برضاها وهو آمن عليها فإنه لا حرج عليه ولا إثم عليه ولو طالت المدة فأما إن طالبت بحقها فله ستة أشهر.
***(19/2)
عتران حامد الحنيوي يقول أنا مصري أعمل بالمملكة ومن تاريخ دخولي إلى المملكة لم أرجع إلى أهلي خمسة عشرة شهراً، وأنا متزوج وسمعت من بعض الناس بأن من غاب عن زوجته عام كامل يكون واجب عليه التحلل قبل أن يجتمع وزوجته، ولا أدرى كيف هذا التحلل، وهل لو لم أفعل يكون حرام، أرجو من فضيلتكم الإفاضة في الإجابة ويكون لكم عنا جزيل الثواب والله يوفقكم ويرعاكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التحلل يعني يقصد أن يطلب منها أن تحله عن تأخره هذه المدة، فنقول إذا غاب الإنسان عن زوجته وهي راضية بهذه الغيبة فإنه لا حرج عليه إطلاقاً، وأما إذا لم تكن راضية فإن أهل العلم حددوا ذلك بنصف سنة، ولكن بعد نصف السنة يجب عليه الرجوع، إلا إذا كان غائباً لضرورة كطلب معيشة يحتاجها فهذا لا حرج عليه، ولكن يجب عليه أن يكون على صلة دائمة مع أهله بالكتابة إليهم أو مكالمتهم بالهاتف أو ما أشبه ذلك لئلا تنقطع الصلة بينهما.
***(19/2)
السائل عبد الرحمن يوسف يقول بالنسبة للعمالة التي تركت أوطانها وهاجرت إلى كسب العيش لأسرهم هل عليهم إثمٌ بتركهم الزوجات بضع سنين مثل سنة وسنتين وثلاث وخمس وكم المدة التي يحاسب فيها المسلم عن غيابه عن زوجته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يرجع إلى الزوجة لأن الحق لها فإذا رضيت بهذا فالحق لها شرط أن تكون آمنة إذا غاب عنها زوجها فإن لم تكن آمنة فلا.
***(19/2)
جزاكم الله خيراً يقول هناك البعض من الناس يخرجون من بلادهم لطلب الرزق في البلاد الأحسن والواحد يكون بعيد عن زوجته فترة طويلة ثلاث أو أربع سنوات فهل هناك حق يسأله الله عز وجل عن أولاده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت غيبته عن أولاده وأهله تستلزم ضياعهم فإنه لا شك مسئول عن ذلك لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) ولا يصح تمسكه بأنه يريد بذلك طلب الرزق لأنه يريد طلب الرزق لأهله لكن يضيعهم في الآداب والأخلاق والتوجيه وأما إذا غاب هذه الغيبة وكان عند أهله من يقوم بواجب تربيتهم كالعم والأخ ولم تطالب الزوجة بحقها في رجوعه إليها فأنه لا بأس به ما دام آمنا على أولاده وأهله.
***(19/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع علي حسني ما الحكم فيمن غاب عن زوجته أكثر من سنة لأسباب وأيضاً ظروف المعيشة ومن أجل إيجاد ظروف ملائمة للجميع وذلك لتسديد الديون التي هي سبب الاغتراب والبعد عن الأهل أرجو الإفادة يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ويقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فيجب على المرء أن يعاشر زوجته بالمعروف ومن ذلك ألا يطيل السفر عنها بل يكون قريباً إليها ولكن إذا دعت الحاجة إلى طول السفر ورضيت بذلك ولم تمانع ولم تخاصم فلا بأس أن يغيب الإنسان عنها أكثر من نصف سنة أو أكثر من سنة بشرط أن تكون في مكان أمين في البلد الذي سافر منه وأن تكون هي أيضاً مأمونة على نفسها وعلى أولادها إن كان لها أولاد وعلى مال زوجها فأما أن يسافر ويدعها في بلد لا يأمنها على نفسها ولا يأمنها على غيرها فإن هذا أمر منكر ولا يجوز للإنسان أن يتهاون في هذا الأمر كما يفعله كثير من الناس.
***(19/2)
أحسن الله إليكم السائل ش. ف. من نينوى يقول أريد أن أسأل عن المدة الشرعية للزوج في غيابه عن زوجته وأطفاله وهل إذا طالت المدة في السفر خارج البلاد هل لها تأثيرٌ على عقد الزواج بينه وبين زوجته وهل للمسافر مدةٌ معينة يجب عليه العودة إلى أهله فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كانت غيبة الإنسان للضرورة كإنسانٍ لا يجد ما يعيش به في بلده وسافر من أجل تحصيل العيش فهو معذور ولكن إن طالبته زوجته بالرجوع فإنه يرجع بعد نصف سنة وأما إذا لم تطالبه وهو آمنٌ عليها وعلى أولاده فلا حرج عليه أن يبقى أكثر من ذلك والإنسان طبيب نفسه.
***(19/2)
المستمع محمود يوسف عمارة يقول إنني متزوج وقد تركت زوجتي مع أهلي في بيت الزوجية وسافرت إلى بلد عربي لأسعى على رزقي وقد طالت مدة سفري عاماً كاملاً فهل هذا حرام أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان سفرك إلى بلاد تريد أن تلتمس رزق الله فيها فإن هذا سفر لحاجة وأنت معذور فيه وتركك لزوجتك وأهلك في هذه الحال لا تلام عليه ولكن لا بد أن تكون الزوجة في مكان آمن لا يخشى عليها ولا على أولادها فإن لم تكن في مكان آمن فإنه يجب عليك أن تصطحبها معك إذا أمكن أو أن تبقى في بلدك حتى تأمن على أهلك وأولادك والأمر كله راجع إلى الحاجة وإلى رضا الزوجة بذلك ولكن الشرط الأساسي في هذا أن تكون آمناً على أهلك وولدك.
***(19/2)
السائل رمز لاسمه بـ (ش ع ب) يقول نحن نعيش في المملكة العربية السعودية والحمد لله للعمل ولغرض لقمة العيش وبعيدين عن الأهل وزوجاتنا وأطفالنا نطول عليهم في السفر والبعد عنهم تصل المدة إلى حوالي أكثر من سنتين أو ثلاث ما حكم الشرع في ذلك وبالذات البعد عن الزوجات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في هذا إذا كان لضرورة طلب الرزق ورضيت المرأة بذلك وكانت في مكان آمن في بلدها لأن الحق لها فإذا رضيت بإسقاطه من أجل حاجة زوجها فلا بأس ولكن بشرط أن تكون في مكان آمن بأن تكون عند والده في البيت أو عند أهلها وهم مؤتمنون كما هو معروف مؤتمنون عليها.
***(19/2)
المستمع من اليمن الجنوبي رمز لاسمه بـ أ. ح. ش. يقول فضيلة الشيخ كم المدة الشرعية يجوز فيها للرجل أن يغيب عن زوجته وهو مسافر علماً بأنه ينفق عليها وعلى أولادها وفي بيته وحسب علمكم بأن الشخص قد يوفقه الله في عمل طيب فيعود في مدة قليلة سنة تقريباً وقد لا يوفق بعمل فيتأخر عن العودة قد تطول سنتين أو ثلاث فما هو ردكم بهذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا غاب الزوج عن زوجته مدة طويلة ولم تسمح له بذلك فإن عليه أن يرجع إليها كلما مضى نصف سنة إلا أن يكون معذوراً بمرض أو نحوه فأما إن أذنت له بطول المدة فلا حرج عليه أن يبقى المدة التي أذنت فيها ولو طالت لكنه يجب عليه في هذه الحال أن يقوم بواجب النفقة وغيره وأن يكون آمناًَ أن ينالها أحد بسوء.
***(19/2)
بارك الله فيكم، المستمع محمد السيد سليم من العراق بغداد يقول بأنه متغيب عن زوجته منذ ثلاث سنوات من أجل لقمة العيش وقد سمعت من بعضهم يقولون إن غيابك عنها طوال هذه المدة يستوجب الطلاق، فأرجو منكم التكرم بالإجابة عن حالتي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره بعضهم لهذا السائل من أن الإنسان إذا غاب عن زوجته ثلاث سنوات فإن هذه الغيبة تستوجب الطلاق ليس بصحيح، وذلك لأن غيبة الرجل عن أهله لتحصيل الرزق إذا كان برضا منهم وأبقاهم في مكان آمن ليس فيه شيء حتى وإن بقي ثلاث سنوات أو أكثر، لكنه لا ينبغي للإنسان أن يتغيب عن أهله هذه المدة لأنه في حاجة إليهم وهم في حاجة إليه، ولأنه إذا غاب عنهم ربما مع طول المدة يزول شيء من المودة والمحبة وقد يكون له أولاد يحتاجون إلى رعاية فإذا غاب عنهم هذه المدة ضاعوا، فالحاصل أنه لا حرج على الإنسان أن يتغيب هذه المدة إذا كان ذلك برضا زوجته وكانت في محل آمن ولكن الأولى والأحسن أن يكثر الترداد والملاحظة لها ولأولادها إن كان لها أولاد.
***(19/2)
يقول كم يجوز للرجل البعد عن زوجته مثلاً في الغربة وهل العمل عبادة كما يقول بعض الناس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غيبة الإنسان عن زوجته لا تتعدى ستة أشهر إلا إذا أذنت بذلك وكانت في محلٍ آمن فلا بأس أن يبقى على حسب ما تتهيأ له الفرصة فيه لأن هذا حقٌ للزوجة فإذا رضيت بإسقاطه سقط ولا حرج على الزوج في ذلك
وأما العمل فإنه لا يصح أن نقول إن العمل عبادة إلا العمل الذي هو تعبد لله فهذا لا شك فيه لكن العمل من أجل الدنيا هذا ليس بعبادة إلا أن يؤدي إلى أمرٍ مطلوبٍ شرعاً مثل أن يعمل لكف نفسه وعائلته عن سؤال الناس والاستغناء بما أغناه الله عز وجل ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله -قال الراوي- أحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) والعمل للدنيا على حسب نية العامل فإن أراد به خيراً كان خيرا وإذا أراد به سوى ذلك كان على ما أراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) .
***(19/2)
بارك الله فيكم المتسمع موسى محمد سوداني مقيم في العراق يقول إنه متزوج وله أبناء من زوجته يقول سافرت من وطني لأحسن وضعي وكانت فترة غيابي تقارب ثلاث سنوات مع العلم أني لم أقطع عن زوجتي المصاريف والمراسلة باستمرار فضيلة الشيخ هل لها في الشرع حق وما هو وهل علي إثم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن المرأة لها حق على زوجها أن يستمتع بها وتستمتع به كما جرت به العادة وإذا غاب عنها لطلب العيش برضاها وكانت في مكان آمن لا يخشى عليها شيئاً فإن ذلك لا بأس به لأن الحق لها فمتى رضيت بإسقاطها مع كمال الأمن والطمأنينة فلا حرج في تغيبه لمدة ثلاث سنوات أو أقل أو أكثر أما إذا طالبت بحضوره فإن هذا يرجع إلى ما لديهم من القضاة يحكمون بما يرونه من شريعة الله عز وجل.
***(19/2)
من جمهورية مصر العربية مهندس زراعي من القاهرة يعمل حاليا في مكة المكرمة يقول إنه متزوج وعنده ابنة مقيم في بيته الذي يبعد عن بيت أبيه مسافة مائتين متر تقريبا وقد اتفقت مع زوجتي قبل سفري أن تقيم في بيتي أو في بيت أبي وأن تذهب في نهاية كل أسبوع إلى أهلها لتطمئن عليهم وتقضي معهم يوم أو يومان ولكن بعد سفري وحتى الآن ما يقارب الستة شهور لم تفعل ذلك لكنها فعلت العكس ذلك أنها ذهبت إلى أهلها ولم تأت إلى بيتي إلا قليلاً جدا جدا وقد أرسلت إليها عدت مرات لكي تقيم في بيتي وأن تنفذ الاتفاق بيننا قبل سفري ولم تفعل حتى كتابة هذه الرسالة فأفيدوني أفادكم الله هل هي عاصية أم لا بذلك الفعل مع العلم بأنني لم اقصر من جهتها في أي شيء وماذا أفعل معها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن هذه المرأة التي اتفقت معها على أن تبقي في بيتك وأن تذهب إلى أهلك وأن تذهب إلى أهلها ثم إنها لم تنفذ شيئاً من ذلك إلا أنها بقيت عند أهلها أقول لعل لها عذرا وأنت تلومها ربما يكون جربت البقاء في البيت وحدها فرأت أنها لا تتمكن من ذلك ورأت أن ذهابها إلى أهلك قد يكون فيه مضايقة على الأهل وإحراج ورأت أن رجوعها إلى بيت أهلها أولى بها من أن تبقى في بيتها الذي لا تستقر فيه أو أن تذهب إلى أهلك وقد يكون في الذهاب إليهم إحراج ومشقة فرأت أن تبقى عند أهلها وأنا أؤيدها في ذلك لأن بيتك ليس فيه أحد يؤنسها ولأن ذلك خطر عليها ربما يأتي عليها الفساق وأهل الفجور ولأنها قد لا يلائمها أن تبقى في بيت أهلك فتكون في ذلك معذورة في أن تذهب إلى أهلها ولا حرج عليها وأشير عليك أنت أن لا تحزن بالنسبة لها بل اعف واسمح فإن ذلك خير لك في المستقبل وفي الحاضر.
***(19/2)
المستمع الذي رمز لاسمه سوداني ومقيم في العراق يقول في رسالته هل يجوز للرجل مفارقة الزوجة أكثر من سنتين علماً بأنه في غربة يطلب الرزق وما هي المدة الشرعية في نظركم التي ينبغي للزوج الرجوع فيها وماذا يجب عليه في هذه الحالة أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف لأمر الله تعالى بذلك في قوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وحق العشرة حق واجب على الزوج لزوجته وعلى الزوجة لزوجها ومن المعاشرة بالمعروف أن لا يغيب الإنسان عن زوجته مدة طويلة لأن من حقها أن تتمتع بمعاشرة زوجها كما يتمتع هو بمعاشرتها ولكن إذا رضيت بغيبته ولو مدة طويلة فإن الحق لها ولا يلحق الزوج منها حرج لكن بشرط أن يكون قد تركها في مكان آمن لا يخاف عليها فإذا غاب الإنسان لطلب الرزق وزوجته راضية بذلك فلا حرج عليه وإن غاب مدة سنتين أو أكثر وأما إذا طالبت بحقها في حضوره فإن الأمر يرجع في ذلك إلى المحاكم الشرعية وما تقرره في هذا فإنه يعمل به.
***(19/2)
رجلٌ ترك زوجته أكثر من سنة في البادية وبدون عذرٍ شرعي تركها في البادية مع أهلها ولكن دون رجل أكثر من سبعة شهور وكي يجمع فلوس فقط فهل مثل هذا العمل يجوز أم لا نرجوا الإفادة سريعاً وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة إن هذا العمل سفه من هذا الرجل لأن من أهم ما يجمع له الإنسان الدنيا التمتع بنيل شهوته وقد بدأ الله سبحانه وتعالى بالنساء مقدماً على القناطير المقنطرة فقال (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) (آل عمران: من الآية14) فما أدري هذا الرجل كيف يصبر هذه المدة عن أهله من أجل جمع الدنيا التي ليست نافعةً له إذا لم يسخرها في نيل متعته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا متاعٌ وخير متاعها المرأة الصالحة) ثم هي إن رضيت بعمله فلا إثم عليه لأن الحق لها إلا أن يكون في إهماله إياها خوفٌ عليها أن تفتتن أو يفتتن بها فيجب عليه مراعاة أهله وإن كانت تطالبه ولم ترضَ بغيبته هذه الطويلة فيجب عليه أن يؤدي حقها ولا يهجرها بهذا السفر.
***(19/2)
لي زوجتان في بلاد عسير ويمنعهما آباؤهما من السفر معه ويبقى بعيدا عنهما عدة شهور هل يأثم بذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد اشترط عليه في العقد أن لا يسافر بهما فلآبائهما الحق في منعه من السفر بهما ما لم تختارا السفر معه فإن اختارت السفر معه حرم على آبائهما منعهما لأن الحق لهما أي إلى الزوجتين وإذا كان لم يشترط عليه ذلك فإن الزوج مالكٌ لزوجته فإذا سافر وطلب أن تسافر معه زوجتاه وجب عليهما أن تسافرا معه وحرم عليهما وعلى أبيهما الامتناع فإن امتنعتا أو منعهما آباؤهما فإنه ليس عليه حرجٌ فيما إذا سافر وتأخر عنهما لأن النشوز منهما في الحقيقة.
***(19/2)
هذه الرسالة من السودان يقول أنا سليمان حارث شارف غبت عام ونصف عن زوجتي وسبب غيابي البحث عن رزقي ورزق أولادي لدي حرمتان وعشرة أطفال فهل عليَّ ذنب في غيابي عن زوجاتي وكيف الحل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت الزوجتان راضيتين بذلك فليس عليك ذنب أبداً وإذا كانتا غير راضيتين فإن ذهابك للأمر اللازم الذي تتطلبه الحياة غيابك عنهن لا بأس به لكن يجب أن يكون ذلك مقيداً بالعرف بحيث لا تغيب غيبةً منقطعة يعتبرها الناس هجراً وبعداً يجب عليك أن تتردد عليهم وتذهب إلى الرزق أحياناً وأحياناً حتى تقوم بالواجب من الناحيتين واجب العشرة وواجب الإنفاق.
***(19/2)
المستمع مجدي صلاح محمد مصري مقيم بالأردن يقول هل يجوز للمرأة أن تترك زوجها وأولادها الصغار وتذهب للعمل في دولة أخرى بعيدة عنهم وما هي المدة التي يسمح بها الإسلام لبعد الزوجة عن بعلها وهل هناك ضرر من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا يحل للمرأة أن تسافر إلا بإذن زوجها ولا يحل لها إذا أذن لها أن تسافر إلا بمحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) فكيف بسفرها ومغادرتها زوجها وترك أولادها عند الزوج يتعب بتربيتهم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن تسافر المرأة بدون محرم) وللزوج أن يمنع زوجته من السفر سواء كان سفرها للعمل أم لغير العمل لأن الزوج مالك بل قد قال الله تعالى (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) (يوسف: من الآية25) سيدها يعني زوجها فله السيادة عليها وله أن يمنعها من السفر بل له أن يمنعها من مزاولة العمل حتى في البلد إلا إذا كان مشروطاً عليه عند العقد فإن المسلمين على شروطهم وعلى هذه المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن تكون مطيعة لزوجها غير مغضبة له حتى يكون الله عليها راضياً وبهذا يتبين الجواب عن قولها وكم مدة تبقى بعيدة عن زوجها فإنه ليس هناك مدة لابد أن تبقى مع زوجها فإن أذن لها في وقت من الأوقات وسافرت مع محرم ومع أمن الفتنة فالخيار بيده يأذن لها ما شاء.
***(19/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل أبو عبد الله من اليمن يقول هل من السنة ليلة الدخلة في الزواج أنك تصلى ركعتين أنت وزوجتك وهي شكر لله تعالى مع الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا دليلا من السنة على أن الإنسان إذا دخل على أهله أول ليلة يصلى بهم جماعة.
***(19/2)
محمد محمد حسن يقول هل يصح للرجل ليلة دخوله على العروسة أن يشرب كوباً من الحليب الطازج حيث إن بعض الناس يفعل ذلك فما حكم هذا هل سنة أم بدعة نريد منكم الإفادة جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنْ شَرِب الكوب من الحليب ليلة زواجه تعبداً لله واعتقاداً أن ذلك قربة إلى الله عز وجل فإن هذا من البدع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن شربه ليتغذى به وأحب أن يتغذى باللبن لأنه أخف الطعام والليلة ليلة زواج فهو لا يحب أن يدخل على امرأته وقد امتلأ بطنه ولكن الحليب أخف إن شربه من أجل هذا فإنه لا بأس به أما تعبداً فلا كذلك أيضاً إذا كان هناك اعتقاد أن شرب هذا الكوب من اللبن ليلة الزواج أن في ذلك بركة أو أنه سبب لحصول الولد أو ما أشبه ذلك فإن هذا اعتقاد باطل ولا يجوز شربه بناءً على هذا الاعتقاد لأنه لا صحة له.
***(19/2)
من محافظة نينوى من المرسل أس م يقول في رسالته ما هو الدعاء الذي يدعو به المسلم في يوم دخلته أي على الزوجة قبل أن يباشر أي عمل حيث إنني أعرف أنه يقول في البداية أقوالاً لكنني لا أعرف هذه الأقوال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي إذا دخل على أهله لأول مرة أن يُمسك بناصيتها يعني مقدم رأسها فيقول اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا أراد أن يأتيها فليقل بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا وهذه التسمية يقولها كلما أراد أن يأتي أهله سواء كان ذلك في ليلة الزواج أم فيما بعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يُقَّدر بينهما ولد لا يضره الشيطان أبداً) فهذه التسمية وهذا الدعاء من أسباب منع الشيطان من إضرار الولد.
فضيلة الشيخ: لكن كثير من الناس يقول في هذه الحالة ليست الفرصة مواتية للتسمية لأن هذا المقام ينسى فيه الإنسان كثيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي للإنسان أن يكون دائماً يُغلب العقل على العاطفة فالدين كله ضبط للنفس ولجماحها سواء كان لجماح الفرح أو لجماح الحزن والغم فالإنسان ينبغي له أن لا يؤثر عليه فرحه في نسيان ما ينبغي أن يفعله أو ويقوله ولا أن يغمه حزنه حتى يدع ما يجب عليه أو يقع فيما حُرِّم عليه فالواجب على المرء أن يكون دائماً محكماً لعقله ومتى حكم الإنسان العقل وأتى إلى الأمور برزانة وتأنٍ أمكنه أن يقول أو يفعل ما كان مشروعاً في ذلك.
***(19/2)
يقول هل التعرية في الجماع جائزة أم مكروهة وهل هناك آداب يجب اتباعها في الجماع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنة في الجماع أن يقول الإنسان عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا وأما التعري عند الجماع فقد كرهه بعض أهل العلم وقال إن الذي ينبغي أن يجامعها وكل منهما عليه لباس ولكن مع ذلك لو تعريا فلا حرج لأن الله يقول (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فإذا كان لا ملامة في عدم ستر الفرج فما سواه من باب أولى.
***(19/2)
هل يجوز للزوج أن يهجر زوجته طوال السنة ينام في غرفة والزوجة تنام في غرفة أخرى مع أنها لم تعمل له شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانت المرأة قد قامت بالواجب فإن هجر الزوج لها محرم لقول الله تعالى (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) فتأمل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) كيف يدل على أن هذا الزوج الذي هجر زوجته أو نشز عنها مع قيامها بحقه إذا كان الحامل له على ذلك العلو والاستكبار فإن الله تعالى أعلى منه وأكبر منه فعليه أن يتوب إلى الله وأن يخشى العلي الكبير جل وعلا أما إذا كانت ناشزا لا تقوم بحقه فله أن يهجرها في المضجع حتى تستقيم وأما في الكلام فلا يهجرها فوق ثلاثة أيام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .
***(19/2)
يقول يا فضيلة الشيخ في أحد الليالي عندما كنت أمارس الجماع مع زوجتي تسلط علي الشيطان وأخذت أداعب زوجتي في غير المكان المخصص وذلك في الثدي يقول وقد أنزلت في ذلك الموضع ويقول أيضاً ضميري لم يرتاح وإنما يؤنبني ونرجوا من سماحتكم إفتائي في ذلك وما كفارة ذلك أفيدوني أثابكم الله ونسأل الله لنا ولكم التوفيق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان أن يستعمل كل شيء في موضعه وقد قال الله سبحانه وتعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شيءتُمْ) والحرث هو موضع البذر وموضع البذر بالنسبة للمرأة هو الفرج لأنه الذي يصل إلى مكان البذر وهو الرحم فهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يأتي زوجته فيه ولكن مع ذلك لو أتاها في محل آخر غيره سوى الدبر فإن ظاهر قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ظاهر هذا العموم يقتضي الجواز وأنه يجوز أن يستمتع بزوجته فيما شاء ما عدا الدبر فإنه لا يجوز للرجل أن يجامع زوجته فيه.
***(19/2)
بارك الله فيكم تقول فضيلة الشيخ هل صحيح أن المرأة إذا باتت وزوجها غاضب عليها تلعنها الملائكة حتى تصبح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صحيح هذا صحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تبيت وزوجها ساخط عليها فإن فعلت استحقت هذا الوعيد ولكن بشرط أن يكون غضبه عليها لترك واجب عليها فإن الحديث الذي أشار إليه السائل فيه (إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجئ لعنتها الملائكة حتى تصبح) أما إذا غضب عليها بدون سبب ولكنه رجل غضوب يغضب على امرأته إذ لم تأت على هواه وإن كانت لم تفرط في حقه فإنها لا ينالها شيء من هذا الوعيد.
***(19/2)
ف. ت. ج. الخزرجي من العراق تقول أنا امرأة متزوجة من رجل ميسور الحال توفرت فيه الصفات الطيبة إلا شرب الخمر وبناءً على ذلك فقد سألت البعض فقالوا اتركيه فوجدت الأمر صعباً وأنا أم لخمس بنات وشاب أزد على هذا أن لا ملجأ لي أو معين آخر إلا الله سبحانه وتعالى ثم زوجي وليس لي منزل آخر لأذهب إليه أو ألجأ إليه أو إخوة فهجرته في السرير وكل ما أريد من ذلك هو أن يهتدي إلى الله لا غير لكنه لم يترك الخمر وعطفاً على ما قلت فهو ابن خالتي وميسور الحال ويحب الفقراء ويعطف ويساعد المحتاجين وقائم بالواجب وما إلى ذلك من الصفات الطيبة أرجو أن تفتوني يا فضيلة الشيخ في موضوعي وهو هجره في السرير جزاكم الله عني كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا يوجه إلى زوجك وإليك
أما بالنسبة لزوجك فإني أوجه إليه النصيحة بأن يتوب إلى الله عز وجل من شرب الخمر فإن شرب الخمر محرم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وأجمع المسلمون على تحريم الخمر إجماعاً قطعياً لا خلاف فيه بينهم حتى عد أهل العلم تحريم الخمر من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام وقالوا من جحد تحريم الخمر وهو يعيش بين المسلمين فإنه يكون كافراً يستتاب فإن تاب وإلا قتل فأنصحك أيها الأخ أنصحك ثم أنصحك أن تدع شرب الخمر وأن تستغني بما أحل الله لك من المشروبات الطيبة عما حرم الله عليك والخمر أم الخبائث ومفتاح كل شر وما أيسر تركه لمن هداه الله ووفقه وصدق النية والعزيمة واستعان بربه تبارك وتعالى
وأما النسبة إليك فإن معاشرتك لهذا الرجل ليست بمحرمة ولا ممنوعة لأن شرب الخمر لا يقتضي أن يكون كافراً ولكن عليك أن تكثري عليه من النصيحة لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها وأما هجرك إياه في المضطجع فإن كان في ذلك مصلحة ليرتدع ويدع شرب الخمر فإنه جائز وإن لم يكن فيه مصلحة فلا يحل لك أن تهجريه في المضطجع لأنه لم يفعل سبباً يحرمه عليك ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
***(19/2)
تقول في هل يجوز للفتاة المتزوجة أن تؤجل مسألة الإنجاب إلى ما بعد تخرجها من الجامعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تأخير الإنجاب حق لها وللزوج فإذا اتفقا عليه لمدة معينة ولغرض مقصود فإنه لا بأس به لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعزلون عن نسائهم كما في حديث جابر (كنا نعزل والقرآن ينزل) والعزل سبب لتأخير الإنجاب لأن معناه أن الزوج إذا أتى أهله وقارب دفق الماء نزع منهم حتى يكون الدفق خارج المحل ويكون ذلك مانعاً من الإنجاب فالمهم انه إذا اتفقا الزوجان على تأخير الإنجاب لمدة معينة لغرض مقصود فإن ذلك لا بأس به استدلالاً بحديث جابر الذي أشرنا إليه آنفاً.
***(19/2)
مازن التركي من الرياض بعث يقول في سؤاله جاء في كتاب جعل من حق الزوجة أن تمتنع عن خدمة زوجها وخدمة بيت الزوجية بما فيها خدمة الأولاد وبتعبير آخر إن الإسلام لا يوجب على ذمة الزوجة هذه الأنواع من الخدمة كما في النصوص الفقهية للمذاهب الثلاثة الحنفي والشافعي والحنبلي وهذا هو رأي هذا المؤلف وقوله في كتابه فما مدى صحة هذا القول من وجهة النظر الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن لا ينسب الكتاب المؤلف الذي ألفه رجل من الناس أياً كان مستواه العلمي والديني ولا أحب أن تنسب فتوى صدرت من عالم إلى أن ذلك هو الإسلام إذ من الممكن جداً أن يكون هذا الرأي الذي زعم أنه هو الإسلام أو هذا الحكم الذي زعم أنه هو حكم الله ورسوله ليس موافقاً لحكم الله ورسوله وليس من الإسلام أي من الأحكام الإسلامية وإنما يقال الأحكام الفقهية وما أشبه ذلك بدون أن ينسب إلى الإسلام عموماً لأن الذي يتكلم باسم الإسلام هو رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم أما أهل العلم فكل يعبر عما يراه في مدلولات الكتاب والسنة وجائز أن يكون ما يراه خطأ
ثم نأتي بعد ذلك إلى الجواب عن السؤال وهو هل يلزم المرأة أن تخدم زوجها أو لا هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يرى أنه لا يلزمها أن تخدم زوجها لا في قليل ولا في كثير حتى في طبخ الغداء والعشاء ونحوه لا يلزمها أن تقوم به ومنهم من يرى أنه يلزمها أن تقوم بما دل عليه العرف في ذلك فما دل عليه العرف من الخدمة سواء كان ذلك في مأكل أو مشرب أو ملبس أو غير ذلك مما جرى به العرف بأن النساء يلتزمن به حتى تعد من امتنعت من ذلك مخالفة للمعروف وجافية فإنه يلزمها أن تقوم به وهذا القول هو الراجح أن المرأة يجب عليها أن تعاشر زوجها بما دل عليه العرف وبما كان متعارفاً بين الناس بحسب الأحوال وبحسب الأزمان وبحسب الأمكنة لقوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19) فكما أن على الزوج أن يعاشرها بالمعروف وهذا يختلف باختلاف الأزمان وباختلاف الأماكن وباختلاف الأحوال وباختلاف القبائل والعادات فعليها هي أيضاً أن تعاشره كذلك لأن الله يقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228) فعليهن مثل ما عليهم بالمعروف ولهن ما لهم بالمعروف وبناءً على ذلك فإننا قد نقول في وقت من الأوقات إنه يلزمها أن تخدم زوجها في الطبخ وغسيل الأواني وغسيل ثيابه وثيابها وثياب أولادها وحضانة ولدها والقيام بمصالحه وقد نقول في وقت آخر إنه لا يلزمها أن تطبخ ولا يلزمها أن تغسل ثيابها ولا ثياب زوجها ولا ثياب أولادها حسب ما يجري به العرف المتبع المعتاد وهذا إذا تأملته وجدته ما يدل عليه القرآن والسنة
***(19/2)
يقول إذا رفضت الزوجة اللباس الشرعي فما هو السبيل في ذلك هل يطلقها الزوج أو يبقى معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليه أن يجبرها على أن تلبس اللباس الشرعي وإذا قدر أنها عصت فله أن يمنعها من الخروج من البيت لأن الولاية له عليها كما قال الله عز وجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) .
***(19/2)
أحسن الله إليكم السائل من اليمن يقول هل يجوز للمرأة إذا كان الزوج غائباً عنها أن تدخل من هم غير المحارم لها من أقاربها والمبيت في البيت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لها ذلك لا يجوز للمرأة أن تدخل بيت زوجها من ليسوا من محارمها ولا يجوز أن تدخل بيت زوجها أحداً من محارمها على وجه السكنى فيه لكن في الصورة الثانية إذا أذن زوجها أن تدخل أحداً من محارمها ليسكن معها فلا بأس، أما في المسألة الأولى فلتفر منه فرار الرجل عن الأسد.
***(19/2)
المستمعة شريفة من مدينة بيشة تذكر في هذه الرسالة أنها متزوجة وقد هجرها زوجها لعدة سنوات وتحمد الله بإنها لم تقصر في أداء واجباتها وقد تزوج عليها وهجرها لمدة طويلة تقول وحتى الآن وهي تصوم وتصلى النوافل وتقوم بأعمال خيرية واستأذنته بالخروج إلى بناتي وجيراني إذا لزم الأمر لأنهم يبعدون عني مسافة مائة كيلو متر فرفض ذلك وحتى الصوم وصلاة النافلة طلبت منه الطلاق أو السماح فرفض كذلك أفيدوني وانصحوني ماذا أفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أولاً أن نوجه النصيحة إلى هذا الزوج فإذا كان هذا الزوج قد هجر زوجته بلا سبب شرعي وفضل عليها زوجته الأخرى فليبشر بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فعلى هذا الزوج أن يتقي الله وأن يعدل بين زوجاته ليتفادى هذا الإثم العظيم وهذا الخزي والعار يوم القيامة يأتي يوم القيامة وشقه مائل وإذا كان ما قالته هذه المرأة صدقاً في إضاعته لحقها وهجرها بلا موجب شرعي فإنه ليس له عليها حق فلها أن تصوم ولها أن تصلى ولها أن تخرج لحاجاتها أذن في ذلك أم لم يأذن لأن الله تعالى قال في كتابه (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولكنني أشير على هذه المرأة أن تسعى في الإصلاح بينها وبين زوجها إما بضم بمعروف وإما بتسريح بإحسان وألا يبقى الأمر هكذا معطلاً ليست مطلقة ولا مزوجة لأن هذا ضرر عليها وتفويت لحياتها ولعل الله أن يرزقها خيراً منه إذا قدر الفراق بينهما لقوله تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ) .
***(19/2)
المستمع ناصر عبد الرحيم العمارين من الأردن الشوبك يقول كان لي عم وقد توفي منذ سبع سنوات وخلّف وراءه زوجته وسبعة أولاد كلهم صغار وليس هناك من يقوم على تربيتهم ورعايتهم فتقدمت للزواج من أمهم رغم أنها تكبرني بحوالي عشرين سنة رغبة مني في رعايتهم وتربية أولاد عمي والاهتمام بهم وفعلاً تزوجتها وبقيت معهم في بيتهم لأنها رفضت الانتقال إلى بيتي الخاص والآن وبعد أن كبر الأولاد ووصل بعضهم إلى سن التاسعة عشرة أصبحوا يكرهونني كرهاً شديداً ويطلبون مني الرحيل من منزلهم علماً أنني منذ أن تزوجت أمهم وأنا أعاملهم كأولادي وأصرف عليهم من مالي الخاص ولكن كل ذلك لم يجدِ معهم، علماً أنني لم أمانع من الخروج من بيتهم ولكن أمهم التي هي زوجتي هي التي رفضت الخروج من بيتها الأول إلى بيتي علماً أن لي منها طفلين أكبرهما عمره أربع سنوات وقد اضطررت إلى تلبية طلب أولادها والخروج من البيت ولم أعد أدخله بتاتاً حتى أطفالي لا يعرفونني فما الحكم في عدم قبولها الانتقال إلى بيتي وإصرارها على البقاء في بيت زوجها الأول وهل هذا السبب يبيح لي طلاقها وما رأيكم في موقف أولادها معي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن صنعك هذا صنع طيب فجزاك الله خيراً حيث عملت هذا السبب من أجل إصلاح أولاد عمك وهذا من صلة الرحم بلا شك والأولاد الذين يطالبون برحيلك عن البيت بعد أن كبروا هؤلاء ينبغي لهم أن يتدبروا الأمر وأن ينظروا فإن بقائك في بيت عمك من أجل زوجتك وراحتها وحضانة أولادك ومراعاتهم وحضانة من لم يبلغوا من أولاد عمك لاشك أن ذلك في مصلحة الجميع والذي أنصح به هؤلاء الأولاد الذين يطالبون برحيلك أن يفكروا في الأمر مرة بعد مرة حتى تتبين لهم المصلحة فإن أصروا إلا أن تخرج من بيتهم فأنت حر اخرج من بيتهم وخذ زوجتك معك وأولادك إلا إذا كانت المرأة قد اشترطت عليك عند العقد أن تبقى في بيتها فإنه يجب عليك أن توفي لها بالشرط وحينئذ لا حرج عليك أن تدخل البيت من أجل التمتع بزوجتك لأن هذا أمر مشروط عليك إلا إذا رضيت الأم بأن تخرج فإن خروجك أولى من بقائك مع المشاقة والمنازعة وتخرج بها وبأولادها منك وكذلك بالصغار من أولاد عمك والله الموفق.
***(19/2)
المستمع الأستاذ باي عبد السلام بيح من أرغواي حي دور يقول المال الذي تريد الزوجة أن تفتدي به نفسها من زوجها هل يرجع أمر تحديده إلى الزوج برغبته وما معنى قوله تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ) وهل لابد أن يكون مالاً أم لا يشترط ذلك بل بما يرضي الزوج أياً كان ومن ذلك أن رجلاً اشترط على زوجته شرطاً هو أنها إذا طلبت الطلاق سيكون ثمن ذلك هو أن ما عندها وقت الطلاق من الأطفال يكونون معه بدون شرط ولا حساب وإلا فلن يطلقها حتى يبلغ الأطفال سبع سنين فهو يقول لأهلها سأقبل تسريحها إذا هي أرادت إذا كان ولدي المنفطم بيدي آخذه متى شيءت بلا شرط ففداؤها عدم حضانتها فهل يصح مثل هذا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة تسمى مسألة الخلع أو الطلاق على عوض كما هو عند أكثر أهل الفقه وإن كان بعض أهل العلم يقول إن الطلاق على عوض خلع ولو وقع بلفظ الطلاق وذلك أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع الزوج ولم يرغب أن يطلقها بدون عوض فلا جناح عليهما فيما افتدت به، واختلف أهل العلم هل يجوز أن يطلب منها في الخلع أكثر مما أعطاها أو لا يجوز فمنهم من قال إنه لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها بل ليس له الحق إلا أن يأخذ ما أعطاها فقط وذلك لأن أخذه أكثر مما أعطاها فيه شيء من الظلم لها واستدلوا بأن هذا الرجل أخذ مقابل ما أعطاها بما استحل من فرجها فإذا أخذ منها أكثر كان ظلماً وقال بعض أهل العلم إنه يجوز أن يخالعها بأكثر مما أعطاها لعموم قوله تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ) وما اسم موصول فهو من صيغ العموم إلا أن القائلين بأنه لا يأخذ أكثر قالوا إن هذا الاستثناء عائد على ما سبق وهو قوله (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) مما أعطاها ولاشك أن هذا القول أعنى أنه لا يأخذ أكثر مما أعطاها أبرأ لذمته وأسلم اللهم إلا أن يكون قد تزوجها في وقت المهور فيه رخيصة ولو اقتصر على ما أعطاها لم يجد به زوجة وهو لا يجد ما يكمل المهر فهنا قد نقول بأنه لا حرج عليه في طلب أكثر مما أعطاها أما ما ذكره السائل من كون العوض إسقاط حقها من حضانتها فظاهر الآية أنه يصح لعموم قوله (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ولكن المعروف عند أهل العلم أنه لا يصح إلا بالمال بما يصح مهراً وإسقاط حقها من الحضانة ليس من هذا الباب وعلى هذا فنقول إذا أراد أن يخالعها فليجعل عوضاً ولو يسيراً لو عشرة دراهم أوما أشبهها وحينئذ يتم الخلع وإذا أسقطت حقها من الحضانة فلا حرج في ذلك.
***(19/2)
يقول إذا أمرت امرأتي تقول إن شاء الله أفعل ولا أفعل فما حكم هذا منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو يجب عليها أن تمتثل ما أمرتها به ما لم يكن في ذلك ضررٌ عليها أو معصيةٌ لله ورسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) ولكن كما أشرنا سابقاً بشرط أن لا يكون عليها ضررٌ في ذلك ولا معصيةٌ لله ورسوله فإن كان في ذلك معصيةٌ لله ورسوله فلا يجوز لها أن توافقك ولا يجوز لك أيضاً أن تأمرها بذلك وكذلك إذا كان عليها ضرر فإنه لا يجوز لأنه ليس من العشرة بالمعروف.
***(19/2)
حكم الطلاق(19/2)
تقول السائلة إذا كان زوجي لا يعدل بيني وبين ضرتي فهل يحق لي أن أطلب الطلاق منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كان الرجل لا يعدل بينك وبين ضرتك فهذا حرامٌ عليه ولا يجوز له وقد جاء في الحديث (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فيجب عليه العدل بينكما ولكن إذا لم يقم بالواجب عليه فإنه لك الحق في أن تطلبي منه الطلاق لأن سؤال المرأة طلاق زوجها أي أن يطلقها زوجها إذا كان له سببٌ شرعي فلا حرج فيه وقد فعلت امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه سألت الطلاق منه ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تكرهه كراهةً شديدة فإذا كان هناك سبب شرعي لسؤال المرأة طلاق نفسها فلا حرج عليها في ذلك.
***(19/2)
هل يجوز في شريعتنا الإسلامية أن المرأة تطلق زوجها دون أسبابٍٍ به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في الشريعة الإسلامية أن المرأة تطلق الرجل وإنما الرجل هو الذي يطلق المرأة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) (الأحزاب: من الآية49) (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: من الآية229) إلى أن قال (فَإِنْ طَلَّقَهَا) (البقرة: من الآية230) نعم الطلاق بيد الرجال وليس بيد النساء إلا أن المرأة يكون بيدها الفسخ إذا وجد سببه كفوات شرط اشترطته لنفسها وهو من الشروط الجائزة فإنه يحق لها أن تطالب بالفسخ وكذلك أيضاً لو وجد به عيبٌ يمنع كمال العشرة فإنه يحق لها أن تطالب بالفسخ لوجود هذا العيب إذا لم ترضَ به وأما بدون سببٍ شرعي فلا يمكنها أن تفسخ النكاح إذاً فالطلاق من النساء ممتنع بكل حال وأما فسخهن للنكاح بمعنى أن المرأة تفسخ النكاح الذي بينها وبين الرجل فهذا جائزٌ إذا وجدت أسبابه الشرعية.
***(19/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل أبو بكر من الرياض بعض الرجال يقول لزوجته أنت طالق اذهبي إلى أهلك عند صغائر الأمور وقد انتشرت هذه الظاهرة بشكلٍ مزعج وملفتٍ للنظر والمحاكم تعج بها وكذلك مراكز الدعوة والإرشاد وفي إحصائية بلغت حالات الطلاق اثنا عشر ألف ومائة اثنين وتسعين حالة لسنةٍ واحدة أي بمعدل ثلاثة وثلاثين حالة طلاق في اليوم الواحد وهنا ثلاثة أسئلة الأول يا فضيلة الشيخ هل من نصيحة مختصرة لهؤلاء الذين يطلقون عند أحقر الأمور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة هي أن يتقوا الله عز وجل ولا يطلقوا إلا على حسب الشريعة وإذا طلق الإنسان على حسب الشريعة طلق عن تأني وبصيرة في الأمر فإذا أراد أن يطلق لكراهته للمرأة قلنا انتظر فإن الله يقول (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19) والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يفرك مؤمن مؤمنة أي لا يبغضها إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وأوصى بالنساء خيراً وقال (إنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج) ولا يمكن أن يجد الإنسان زوجة لا تعارضه في كل شيء بل ما عند هذه عند الأخرى ثم إننا في الوقت الحاضر متى يحصل الإنسان على زوجة قد يقرع أبواباً كثيرة ولا يجاب ثم إذا أجيب متى يحصل على المال الذي يكفي لمؤنة النكاح فإذا صمم على أن يطلق قلنا انتظر هل المرأة حامل إن قال نعم نقول لا بأس طلق لأن طلاق الحامل واقع وعدتها إذا وضعت الحمل تنتهي عدتها وإن قال إنها حائض قلنا انتظر حتى تطهر من الحيض ثم طلق وإذا قال إنها طاهر نظرنا هي ممن يحيض أو هي صغيرة لم تحض أو كبيرة قد أيست من الحيض إن قال هي ممن تحيض قلنا هل جامعتها بعد أن طهرت من حيضتها السابقة إذا قال نعم قلنا انتظر حتى تحيض أو يتبين حملها فإن حاضت فانتظر حتى تطهر ثم طلق وإن تبين حملها فطلق وإن قال إني لم أجامعها في هذا الطهر قلنا لك أن تطلق فالمسألة تحتاج إلى تروٍ وإلى شروط وقيود هذه نصيحتي لكل إنسان وأما ما يفعله بعض ذوي الحمق وهو أنه من حين ما تعارضه الزوجة في أتفه الأشياء يقول طالق أو حينما يعارضه صاحبه في أتفه الأشياء يقول زوجتي طالق إن لم تفعل كذا فهذا غلطٌ عظيم والواجب التأني والنظر حتى يستقر رأيه على شيء.
***(19/2)
بارك الله فيكم المستمع أحمد عبد الرحمن يقول فضيلة الشيخ الطلاق بلا شك وراءه أسباب ودوافع وهو أبغض الحلال إلى الله وإن الملاحظ انتشار حالات الطلاق بكثرة فهلا تفضلتم فضيلة الشيخ بتسليط الضوء على النقاط التي تتسبب في الطلاق وإلى طرق النجاة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الطلاق لا شك أنه غير محبوبٍ إلى الله وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصبر على المرأة وقال (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19) وقال في المولين (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:226- 227) فتأمل كيف فرق بين الفيئة وهي الرجوع إلى أهله وبين عزم الطلاق فقال في الأول (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: من الآية226) وقال في الثاني (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:227) وهذا يدل على أن الطلاق ليس محبوباً إلى الله عز وجل وهو كذلك لما يحصل به من الفرقة بعد الإلفة وربما يكون بين الزوجين أولاد فيتفرق الأولاد وتتشتت أفكارهم وربما يكون هذا الطلاق سبباً للعداوة بين الزوج وأهل المرأة وبين المرأة وأهل الزوج إلى غير ذلك من المفاسد التي تحصل بالطلاق ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يطلق إلا عند الضرورة القصوى التي لا يتحمل معها البقاء مع زوجته
ثم إن بعض الناس يغضب إذا قالت له زوجته طلقني أو إن كنت رجلاً فطلقني أو أتحداك أن تطلقني فيغضب ثم يسرع بالطلاق وهذا لا ينبغي للرجل ينبغي للرجل أن يكون قوياً وأن يكون شديد النفس وأن لا يتأثر بهذا القول من المرأة وربما تكون في تلك الساعة قد تساوى عندها البقاء والفراق ولكنها تندم فيما بعد أشد الندم فإذا تحدتك زوجتك بالطلاق أو قالت طلقني أو ما أشبه ذلك فاتركها لا تطلقها ولا تغضب من هذا وإذا رأيت من نفسك أنها قد تسيطر عليك وتكون أقوى منك في طلب الطلاق فاخرج من البيت حتى يهدأ غضبها وترجع إلى سكينتها فنصيحتي للأزواج أن لا يتعجلوا في الطلاق وأن يتأنوا ثم ليتذكر الإنسان ما كان بينه وبين زوجته من عشرة طيبة ثم يتذكر أيضاً أنه ليس بالسهولة أن يجد زوجةً إذا طلق هذه وربما ينفر الناس منه إذا رأوه يتزوج ويطلق يتزوج ويطلق فلا يزوجونه ولو كان ذا خلقٍ ودين
وأما قول السائل (إن الطلاق أبغض الحلال إلى الله) فهذا حديثٌ ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ضعيف وفي متنه ما فيه يعني في لفظ الحديث ما فيه لأن قوله أبغض الحلال إلى الله الطلاق يقتضي أن يكون الحلال بغيضاً إلى الله ولو كان بغيضاً إلى الله ما كان حلالاً لأن كل ما كان بغيضاً إلى الله أقل الأحوال يكون حراماً فالحديث هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(19/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع محمد أحمد يقول ما الحكمة فضيلة الشيخ من مشروعية الطلاق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من مشروعية الطلاق ليست واحدة بل هي متعددة وذلك لأن الطلاق له أسباب
منها أن تكره المرأة زوجها فإذا كرهت المرأة زوجها فإنه يستحب له إذا رأى أن بقائها عنده يلحقها به هم وغم ونكد فإن الأفضل أن يطلقها طلبا لراحتها وهذه من الحكم أن يفك أسر هذه الزوجة التي تكره المقام عنده وتسلم من النكد
ومنها أي من الحكمة أن الزوج قد يكره المرأة ولا يطيق الصبر معها فشرع له الطلاق تخلصاً من هذا الأذى
ومنها أن يتبين في المرأة شيء لا يطيق الصبر معها من الأخلاق التي لا تحمد فلا يحب أن تبقى معه
وهناك حكم أخرى لا تحضرني الآن لكن أحب أن أنبه على مسألة مهمة وهي أنه لا يجوز للإنسان أن يطلق زوجته إلا إذا كانت حاملا أو طاهرا من الحيض في طهر لم يجامعها فيه فإذا كانت حاملا فإن طلاقها طلاق سنة نافذ لقول الله تعالى في سورة الطلاق (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق: من الآية4) وما اشتهر عند العامة أو عند بعض العامة من أن طلاق الحامل لا يقع فلا أصل له لا في الكتاب ولا في السنة ولا عند أهل العلم بل الحامل يقع عليها الطلاق أما غير الحامل فلا يطلقها في حال الحيض ولا يطلقها في طهر من الحيض قد جامعها فيه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ) وطلق ابن عمر رضي الله عنهما زوجته وهي حائض فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتغيظ في ذلك وقال لعمر حين أبلغه عن طلاق ابنه قال (مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرا أو حاملا) ولهذا ينبغي لمن طلب منه أن يكتب طلاق امرأة أن يستفصل الزوج فإذا كانت في الحال التي لا يجوز طلاقها فيها فإنه يتوقف ولا يكتب الطلاق ويرشد الزوجين الى الحالة التي يجوز فيها الطلاق ليكون على بصيرة
قد يقول قائل إن المفتي لايلزمه الاستفصال عن وجود المانع ولهذا لو سألك سائل فقال هلك هالك عن أب وأم فإنه لا يلزمك أن تسال هل الأب رقيق أو حر هل هو قاتل أو غير قاتل هل هو مخالف للدين أو غير مخالف فنقول الأمر كذلك أن المفتي لا يلزمه السؤال عن وجود المانع لأن الأصل عدمه لكن لما كان كثير من الناس اليوم يجهلون أحكام الطلاق صار من المناسب أن يسال من أراد الطلاق ليعرف هل في زوجته مانع يمنع وقوع الطلاق أم لا؟
وهنا مسألة ثانية أيضا في مسألة الطلاق وهي أن المطلقة إذا كانت رجعية وهي التي يملك مطلقها إرجاعها إلى عصمته بدون عقد فإنه يلزمها أن تبقي في بيت زوجها حتى تنتهي العدة يقول الله تعالى (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) فتبقى الزوجة التي يحق لزوجها أن يراجعها في العقد في بيت الزوج إلى أن تنتهي العدة وفي هذا الحال يجوز لها أن تتزين له وأن تكشف له وجهها وأن تحادثه وأن تخلوا به لأنها مازلت زوجته إلا أنه لا يجامعها وإنما شرع الله عز وجل لها البقاء في البيت للحكمة التي ذكرها الله تعالى في آخر الآية وهي قوله (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) فقد يلقي الله في قلب الزوج إن كان هو الكاره للزوجة أو في قلبها إن كانت هي الكارهة له المحبة والألفة فتبقى في بيت زوجها لا تخرج منه فلا يحل لها أن تخرج ولا يحل لزوجها أن يخرجها من البيت حتى تنتهي العدة.
***(19/2)
أبو سامة من الأردن الزرقاء يقول فضيلة الشيخ لي أخت متزوجة من رجل قريب من العائلة منذ خمسة سنوات ولها منه ثلاثة أطفال ولكن منذ ثلاثة أعوام تغير هذا الرجل وأصبح لا يلتزم ببيته ويشرب الخمر ويعود إلى البيت بعد منتصف الليل ولا ينفق على زوجته وأطفاله هل يحق للزوجة أختي أن تطلب الطلاق منه علماً بأنه يرفض الطلاق وعلماً بأن حالته المادية ميسورة جداً ما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الحال التي طرأت على زوج المرأة حال غريبة فإن هذا الرجل حسب ما جاء في السؤال قد أنعم الله عليه وجدير بمن أنعم الله عليه أن يشكر نعمة الله عليه سبحانه وتعالى بالقيام بطاعته واجتناب معصيته ولا شك أن هذا الرجل قد ضم إلى ظلمه لنفسه ظلمه لزوجته وأطفاله حيث لا ينفق عليهم ولأختك أن تطلب فسخ النكاح من هذا الرجل الذي تغيرت حاله إلى هذه الحالة السيئة من شرب الخمر والتغيب عن البيت كثيراً وإني أوجه إلى هذا الرجل نصيحة أرجو الله تعالى أن تبلغه بأن يتقي الله في نفسه وفي أهله وفي أولاده وأن يعلم أنه كلما ازدادت نعم الله عليه ازداد واجب الشكر عليه فإن هو لم يقم بذلك مع استمرار النعم فليعلم أن هذا استدراج من الله سبحانه وتعالى وقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) أسأل الله لنا وله الهداية إلى صراطه المستقيم.
***(19/2)
فضيلة الشيخ تساهل بعض الناس في الطلاق ومن ثم رجوعهم إلى القاضي يلتمسون الأعذار لعل لكم توجيهاً يا فضيلة الشيخ محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن الأمر كما قلت من تهاون الناس بالطلاق وكون الإنسان يطلق زوجته عند أدنى سبب، ثم إذا طلقها ذهب يقرع أبواب العلماء ويجلس على أعتابهم لعله يجد مخرجاً ولكن من لم يتق الله فإن الله لا يجعل له مخرجاً، قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق: من الآية2) والواجب على الرجال أن ينزهوا ألسنتهم عن الطلاق وأن يصبروا وأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم عند حلول الغضب وأن ينظروا في العواقب
وكما أن الناس تتهاون في مسألة الطلاق تهانوا كذلك في مسألة اليمين بالطلاق فصار كثير منهم عند أدنى سبب يقول عليّ الطلاق لا أفعل كذا أو عليّ الطلاق لأفعلن كذا أو إن فعلت كذا فزوجتي طالق، أو إن لم تبق حتى تأكل مائدتي فزوجتي طالق وما أشبه ذلك من تعليق الطلاق بالأشياء التافهة التي ليس للإنسان فيها حاجة وضرورة إليها ثم إذا وقعوا في الحنث ذهبوا يطلبون العلماء من كل وجه يسألونهم لعلهم يجدون لهم مخرجاً من هذا الضيق وكل هذا بسبب التهاون بشرائع الله وعدم المبالاة بها والعجب أن هؤلاء الذين ينطلقون بهذه السهولة ربما يكونون لم يحصلوا على هذه الزوجة إلا بعد مشقة عظيمة من الوصول إليها إما لإعسارهم بالمهر وإما لكون الناس يردونهم فلا يزوجونهم، وإما لغير ذلك من الأسباب ومع هذا تجد من أهون الأشياء عليه أن يقول لها أنت طالق، فنصيحتي لإخواني أن لا يتسرعوا في الطلاق ولا في اليمين بالطلاق وأن يكون عندهم عزم وقوة تغلب غضبهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) .
***(19/2)
من جده مدرسة تقول طلبت الطلاق من زوجي لعدم الوفاق في حياتنا الزوجية فرفض فهل يجوز أن أنفصل بحياة أولادي عنه دون الطلاق حيث إنني لا أستطيع أن أوديه حقوقه الزوجية.
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف لقول الله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228) ولقوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19) وهنا نقول في جواب هذه السائلة إذا كان الخطأ من الزوج هو الذي فرط فيما يجب عليه نحوك ولم يقم به أو اعتدى على ما لم يحل له منك أنت فانتهكه فلك الحق في أن تطلبي الطلاق إذا لم تتمكني من الصبر عليه وإن كان الأمر بالعكس وكان الخطأ منك أنت التي فرطت في حق الزوج فلا يحل لك أن تفرطي في حقه أو تعتدي في حقه ولا يحل لك أن تطلبي الطلاق أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس حرام عليها رائحة الجنة)
وإما إذا كان الأمر لا منك ولا منه ولكن يوجد في قلبك كراهة له شديدة لا يمكن أن تبقي معه فلا حرج عليك في هذه الحال أن تطلبي الطلاق فإن امرأة ثابت بن قيس بين شماس رضي الله عنه جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام أي أكره أن أكفر حقه ولا أقوم به فطلبت رضي الله عنها الفراق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (أتردين عليه حديقته) قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم له أي لثابت (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فهذا حكم طلب المرأة الطلاق أما بقاؤها مع زوجها ولكن لا تقوم بحقه فهذا حرام عليها إلا إذا كان ذلك في مقابلة الزوج الذي لا يقوم بحقها فإن للمرأة إذا منع زوجها حقها أن تمنعه من حقه بقدر ما منعها من حقها لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: من الآية194) ولقوله تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (النحل: من الآية126) لكن إذا صارت حال الزوجين على هذا الوصف فإن الواجب السعي في الإصلاح بينهما بحيث يسعى رجال ذووا دين وخلق من أقارب الزوجين لينظروا في الأمر ويصلحوا بينهما لقوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) نسأل الله التوفيق وأن يجمع بين كل زوجين بخير
***(19/2)
السؤال: من اليمن يقول يحصل على الزوجين أشياء مثل وفاة الأبناء أو مرض الزوجة ويستمر هذا مدة طويلة دون الشفاء من ذلك رغم الذهاب إلى المستشفيات فيقول بعض الناس إن عقد الزواج تم في وقتٍ غير حسن وينصح الزوجين بإعادة عقد الزواج أي تجديده فيطلق الرجل زوجته وبعد مدة قد تصل إلى ثلاثة ساعات يعاد عقد الزوج بزيادة مهرٍ معين فوق المهر الأول علماً بأن نية الطلاق غير موجودة عند الزوج أي أن الزوج لا يريد أن يطلق زوجته بل يريد من هذا هو سلامة أبنائه وشفاء زوجته فهل تحسب هذه الطلقة على الرجل وهل المهر الزائد فوق المهر الأول واجب أم لا وما رأيكم في هذه القضية مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذه القضية أن هذا لا أصل له فإن مرض الزوجة أو الزوج وفقد الأولاد لا يترتب على عدم صحة النكاح والواجب أن ينظر في عقد النكاح سواءٌ حصل مثل هذا المرض والفقد للأولاد أم لم يحصل الواجب أن ينظر فيه إذا كان الإنسان في شكٍ منه فإن كان مطابقٌ للشريعة فلا حاجة لإعادته وإن كان مخالفاً للشريعة بأن عقد في زمن الجهل على وجهٍ ليس بصحيح فإنه يعاد العقد وتبقى زوجةً له بدون طلاق هذا رأينا في هذه المسألة
وأما مسألة الطلاق بلا نية فهذه مسألةٌ فيها خلاف بين أهل العلم فإن من العلماء من يقول إنه يشترط لوقوع الطلاق أن يكون منوياً من قبل الزوج فإن أطلق الكلمة أعني قوله أنت طالق بدون أن ينوي الطلاق فإنه لا يقع الطلاق وقال بعض أهل العلم يقع الطلاق ما لم يرد غيره فإن أراد غيره فإنه لا يقع أي أنه إذا قال لزوجته أنت طالقٌ طلقت إلا أن يريد غير الطلاق بأن يريد بقوله أنت طالقٌ أي طالقٌ من قيد من وثاق وما أشبه ذلك فإنها لا تطلق وفي هذه الحال لو حاكمته إلى القاضي فإن القاضي سيحكم بمقتضى هذا اللفظ وهو طلاق الزوجة لأن القاضي إنما يقضي بنحو ما يسمع فإذا وقعت مشكلة بين الزوج والزوجة بأن قال الزوج لم أرد الطلاق وهذا يقع أحياناً فيما إذا أصرت الزوجة على الزوج بأن يطلقها وطلبت منه الطلاق وأصرت على ذلك فإن بعض الأزواج يقول لها أنت طالق ويريد أنت طالق أي أنت غير مقيدة بالحبال وموثقة بها فيقع هنا إشكالٌ بين الزوجين هي تقول أنت طلقت وهو يقول أنا لم أنوي الطلاق فهل الأولى أن ترافع الزوجة زوجها إلى الحاكم أو الأولى أن تصدقه وتأخذ بما نوى فلا يقع الطلاق نقول إذا كانت المرأة تعرف من زوجها أنه مؤمن متق لله عز وجل لا يدعي خلاف الواقع فإنه لا يجوز لها أن ترافعه إلى القاضي أما إذا كانت تعرف أن زوجها ضعيف الإيمان ضعيف الخوف من الله عز وجل لا يهمه أن تكون زوجته حلاً له أم حرام عليه ففي هذه الحال يجب عليها أن ترافعه إلى القاضي ليحكم القاضي بالفراق لأن القاضي كما أسلفت ليس أمامه إلا ما يظهر من كلام الزوج لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما أقضي بنحو ما أسمع)
***(19/2)
السؤال: ما حكم الشك في الزوجة إذا جاء عن طريق الوسواس والأوهام وهل يجب الطلاق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من الشيطان أن يتوهم الإنسان في زوجته انحرافاً في سلوكها وأخلاقها والواجب عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن لا يلقي لهذه الوساوس بالاً وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود يعرض بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم له (هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم قال من أين أصابها ذلك فقال الرجل لعله نزعه عرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له وابنك هذا لعله نزعه عرق) فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل هذا لا يوجب الشك في المرأة مع أنه أمر قد يحدث الشك للإنسان إذا أتت امرأته وهي بيضاء وهو أبيض بولد أسود فإنه لا شك سوف يحدث عنده بعض الشيء ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طرد هذا بأنه لعله يكون نزعه عرق من أجداده السابقين من جهة أبيه أو أمه فإذا كان هكذا في مثل هذه الصورة التي قد يقوى فيها الشك فما سواها من باب أولى فالواجب على المرء الكف عن هذه الوساوس إلا إذا رأى أمراً لا يمكن الصبر عليه فعليه أن يحفظ زوجته أولاً ليصونها ولتصونه هي أيضاً فإذا لم يمكن ولم تستقم الحال وقويت التهم فإن الأولى أن يطلقها.
***(19/2)
السؤال: السائل أ. أ. اليمن يقول فضيلة الشيخ مشكلتي هي أن أبي زوجني وأنا في الثامنة عشرة من عمري كنت حينها في الصف الثانوي وما كنت أريد الزواج في ذلك الوقت وكنت أريد أن أتزوج من غير زوجتي هذه لكن حينها لم أستطع الرفض تزوجت تلك المرأة ولكنني لم أشعر في يومٍ من الأيام بأنني أحب هذه المرأة وحتى الآن مضى على زواجنا ثلاث عشرة سنة ولي منها ثلاثة أولاد والآن وقد أكملت دراستي الجامعية وأعمل الآن طبيباً علماً بأن زوجتي قروية غير متعلمة وليست جميلة والآن أشعر بأنني لا أستطيع العيش معها في القرية مع أولادها في بيت أبي وأنا أعمل في المدينة لا أحبها ولا أكرهها لكنني لا أستطيع العيش معها كزوج ولا توجد لدي رغبة نحوها فلا تجذبني أي مشاعر سوى أنها أم أولادي الثلاثة والآن أفكر في طلاقها وأتزوج من غيرها فوجهوني فضيلة الشيخ ما هو الأفضل لي في هذه القضية مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الذي أرى أن تبقي المرأة في عصمتك حفاظاً على الأولاد ولئلا يحصل التشتت والذي فهمته من مجمل السؤال أن الوالد يرغبها فأرى أن تبقيها في عصمتك وأن تتزوج أخرى حسب رغبتك وإن شيءت وهو الأفضل فتزوج ثانية فتكون ثلاثاً وإن شيءت فتزوج ثالثة فتكون أربعاً ما دام عندك القدرة المالية والبدنية والدينية أيضاً بحيث أنك تعلم أنك ستقوم بالعدل.
***(19/2)
السؤال: يقول أنا شاب في السادسة والعشرين من عمري متزوج ولكن منذ زواجي هذا وأنا أعيش حياة غير سعيدة لأنني تزوجت هذه الزوجة لأجل أخي الأصغر والتي كان يريد الزواج من أختها الصغرى والتي تمسك والدها ألا يزوجه إياها إلا إذا تزوجت الكبرى ولما أحسست بأن أخي سوف يضيع مستقبله بسبب هذه الفتاة تزوجت الكبرى وأنا أكرهها والآن أريد طلاقها فهل في ذلك إثم علي لأني أعرف أن أبغض الحلال عند الله الطلاق علماً أنني أمضيت معها سبع سنوات هي أسوأ سنوات عمري وبسببها تركت بلدي لأعمل هنا بالمملكة ولمدة أربع سنوات على التوالي لم أعد إليها وقد أنجبت منها طفلة فهل يجوز لي ذلك وهل علي إثم في هجرها تلك المدة الطويلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادمت يمكنك أن تصبر عليها فالصبر خير لقوله تعالى (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19) لا سيما وأنها قد أنجبت منك ابنة فإنك لو فارقتها لكان في ذلك خطر على هذه البنت أن تضيع بينك وبين أمها أو بينك وبين أمها وزوجها الذي يتزوجها بعدك وعلى هذا فالأولى لك الصبر أما غيابك عنها لمدة أربع سنوات متوالية فإن الحق لها مادامت لم تطالبك بذلك وأنت واثق أو أنت مطمئن عليها في بلدها فإنه لا حرج عليك أن تبقى هذه المدة وأما إذا كنت تخشى عليها في بلدها أو كانت تطالبك بالحضور فلابد من الحضور إلا إذا كان بقاؤك هنا أمراً ضرورياً لطلب المعيشة فإنك معذور في ذلك ولك أن تخيرها بعد هذا فتقول إن شيءتِ أن تصبري على هذا وإن شيءت وسعت لك.
فضيلة الشيخ: هذه العادة التي قد يتخذها بعض أولياء أمور الفتيات من عدم تزويج الصغرىوإن طلبت قبل الكبرى هذه أليس فيها شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما هذه العادة التي ذكرت فإنها عادة سيئة ولا يحل لأحد أن يمنع امرأة خطبت منه والخاطب كفء وهي قد رضيت من أجل أن أختها الكبرى لم تتزوج فإن هذا عدوان على حق المخطوبة وما ذنبها أن تمنع حتى تتزوج الكبيرة وربما أن الله سبحانه وتعالى لا ييسر للكبيرة زوجاً فليس خطبة المرأة الكبيرة أمراً محتماً بل هو أمر محتمل وتضييع مستقبل البنت الصغيرة من أجل الكبيرة هذه جناية وخطأ ولا يجوز مع موافقتها ورضاها بالخاطب وكونه كفئا لها.
***(19/2)
السؤال: تذكر بأنها فتاة تزوجت من شاب وهي صغيرة وبعد الزواج بفترة قصيرة وبتأثير من بعض الناس والأقارب خاصة تقول كرهت هذا الشاب وافتريت عليه الأكاذيب وكنت أطلب منه الطلاق ما بين الحين والآخر وبعدها طلقني هذا الشاب وهي الآن نادمة على ما فعلت هل ينطبق عليها الحديث (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس حرام عليها رائحة الجنة) .
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ينطبق إذا كانت طلبت الطلاق من غير بأس لكن يبدو من سؤالها أنها إنما سألت الطلاق لبأس وهو ما ذكره هؤلاء عن هذا الرجل من أنه فيه كذا وكذا من العيوب التي تستوجب أن تفارقه لكن الشأن في هؤلاء الذين خببوا المرأة على زوجها والعياذ بالله فإن هؤلاء لهم وعيد شديد عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يحاولوا الاتصال بالزوج الذي فرقوا بينه وبين زوجته فيطلبوا منه السماح لأنهم اعتدوا عليه عدواناً ظاهراً نسأل الله العافية والسلامة.
***(19/2)
السؤال: تقول لو طلبت المرأة من زوجها الطلاق كذا مرة من شدة الضرب والإهانة لها فهل عليها ذنب رغم أنها تتحمل الكثير من أجل أولادها وكأن لم يحصل شيء بعدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن نقول أولاً لا يجوز للزوج أن يهين زوجته وأن يضربها إلا في الحدود الشرعية التي أباحها الله عز وجل مثل قوله تعالى (وَالَلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) ثم إنه لا يجوز له أن يذلها أيضاً بكلمات نابية مشينة بل عليه أن يؤدبها بما وجهه الله إليه ورسوله
فإذا كانت هذه المرأة مستقيمة والزوج يؤذيها ويسيء عشرتها فلا حرج عليها حينئذ أن تطلب منه الطلاق ولو كانت ذات أولاد منه وذلك لأنها رأت معاملة لا يجوز أن يقوم بها هذا الزوج ولكن على الزوج أن يتقي الله عز وجل وأن يذكر قول الله تعالى (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) ليتذكر علو الله عز وجل عليه وليتذكر أن الله تعالى أكبر منه وأكبر من كل شيء فله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم فعليه أن يتذكر علو الله تعالى وكبريائه حتى يكون ذلك واعظاً له عن العلو على هذه المرأة والتكبر عليها.
***(19/2)
المستمع أحمد سومر تو شمس العيون أندونيسي مقيم بالمدينة المنورة يقول أنا رجل متزوج بامرأتين وقد أتيت إلى المملكة للعمل وبعد وصولي بمدة بعثت برسالة إلى إحدى زوجاتي وفيها طلاقها وأنا مصمم على ذلك وبعد وصول الرسالة لم تقتنع بذلك الطلاق ورفضته ورفضت الزواج بعدي أبدا وأخيراً وبعد مضي مدة طويلة لعدة سنوات جاءني الخبر أنها رفعت علي دعوى في المحكمة تطلب مني النفقة عن السنوات الماضية بحجة أنها رافضة طلاقها وتطلب أيضاً أن أمكنها من أداء الحج والعمرة على نفقتي فهل يلزمني نحوها شيء من هذا أم أن الطلاق واقع وليس علي لها أي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أن الطلاق بيد الرجال وليس بيد النساء ولا أعلم أحدا قال بأنه يشترط لوقوعه رضا المرأة فالطلاق يقع على المرأة سواء رضيت أم لم ترض بذلك ولكن يبقى أن نرى في مسألتك أيها الأخ ربما تكون الزوجة لم تقتنع بوثيقة الطلاق حيث لم تكن الوثيقة على وجه يثبت به الحكم بأن كانت بمجرد كتابة لا تعرف ولا يدرى من كاتبها ومثل هذه الأمور يجب على الإنسان أن يتحرى فيها فلا يكتب طلاق امرأته بمجرد قلمه الذي قد لا يعرفه معظم الناس فإن هذا خطأ وقد رأيت كثيراً من الناس يفعلون هذا فتجده يكتب أقول وأنا فلان بن فلان وأقر بحالة إقراري شرعاً بأني قد طلقت زوجتي فلانة ثم يوقع وهذا في الحقيقة فيه تقصير كبير فإن الأمر يترتب عليه مسائل هامة منها أن المرأة إذا لم يكن عندها وثيقة إلا مثل هذه الوثيقة فإنها لا تتمكن أن تتزوج بهذه الوثيقة فإذا حصل أن أحداً يريد أن يطلق زوجته فلابد أن يتبع ما يأتي
أولاً ينظر هل هي حائض أم طاهر أم حامل فإن كانت حاملاً فإنه يصح أن يقع الطلاق عليها وحتى لو كان قد جامعها في يومه فإنه يجوز أن يطلقها خلافاً لبعض ما يفهمه العامة يقولون إن الحامل لا يقع عليها طلاق ولا أدري من أين أتوا بهذا القول المهم إذا كانت المرأة حاملاً فإن طلاقها لا بأس به في الحال ولو كان قد جامعها من يومه
ثانياً إذا لم تكن حاملا وهي حائض فإنه لا يجوز أن يطلقها وهو حرام عليه وقد تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ومن طلقها في الحيض لم يكن طلقها لعدتها
وإن كانت طاهراً غير حامل فينظر هل جامعها في هذا الطهر أم لم يجامعها إن كان قد جامعها فإنه لا يحل له أن يطلقها حتى تحيض ثم تطهر وإن كان لم يجامعها في هذا الطهر فإنه يحل له طلاقها
والحاصل أنه لا يجوز للمرأة أن تطلق حال الحيض ولا في الطهر الذي جامعها فيه زوجها ويجوز أن تطلق في حال الحمل وفي الطهر الذي لم يجامعها فيه فهذه أربع حالات حيض وطهر جامعها فيه ففي هاتين الحالين لا يجوز أن يطلقها الزوج وإما طهر لم يجامعها فيه أو حمل في هاتين الحالين يجوز أن يطلقها الزوج ولا يشترط لطلاقه أن ترضى بذلك هذا الذي يجب أن ينظر إليه عند الطلاق
ثانياً يجب أن يكون الطلاق بإثبات شرعي وذلك بأن يطلق الرجل وإذا كتبه بوثيقة يكون بشهادة اثنين وبخط معروف أو بخط مصدق من قبل المحكمة مثلاً أو من قبل من يوثق بتصديقه أما أن يرسل ورقة هكذا غير معروفة الخط ولا موثقة فإن المرأة قد تنكر الطلاق قد تقول هذا طلاق لم يثبت وحينئذٍ ترجئه إلى المحاكمة والمخاصمة وليس معنى ذلك أنه لا يقع الطلاق إلا بهذه الوثيقة لا لو طلقها الإنسان بدون وثيقة وقع الطلاق لكن نريد من هذا أن تكون الوثيقة وثيقة الطلاق بيد الزوجة حتى إذا تمت العدة وأرادت أن تتزوج صار لديها وثيقة تثبت بها طلاق زوجها الأول ومن حيث النفقة كما قلت قد تكون المرأة لم تقتنع بهذه الورقة ولم ترها وثيقة طلاق وأنا لا أدري عن الورقة التي بعث بها هذا الرجل وعلى هذا فلابد من محاكمته فإما أن يثبت أنه طلق في التاريخ الذي كتب فيه هذه الورقة وإذا ثبت فإنه لا نفقة لها عليه وإما أن لا يثبت وحينئذ يبقى النكاح على ما كان عليه حتى يتبين وجه الأمر فيه.
فضيلة الشيخ: في الحالتين اللتين ذكرتموها التي هي لا يحل الطلاق فيها التي هي الطهر الذي جامعها فيه أو في حال الحيض لو حصل وطلق فهل يقع الطلاق أو لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جمهور أهل العلم ومنهم المذاهب الأربعة على أن الطلاق يقع حتى ولو كان في هذا الوقت المحرم إيقاعه فيه واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يقع الطلاق في هذه الحال واختياره هو الصواب أنه لا يقع في هذه الحال وذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأهل العلم في هذه المسألة كلام طويل جداً ونقاشات كثيرة ولكن الذي تبين لنا من قواعد الشريعة العامة ومن بعض ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أن الطلاق لا يقع وكيف يقع وهو محرم والمحرم لا يريده الله ولا يريد وقوعه شرعا لكنه قد يقع كونا وقدرا ولذا فلا يترتب عليه أثره إذا كان مما يمكن فيه الصحة والفساد فإنه لا يمكن أن يقع صحيحاً وهو محرم كما لا تصح الصلاة في أوقات النهي وما أشبه ذلك مما يقع في وجه ولا يصح الصيام أيضاً في يوم العيد وفي أيام التشريق في الحال التي يحرم فيها.
فضيلة الشيخ: وهل يأثم بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو آثم بالاتفاق ولكن هل يقع الطلاق وتحسب عليه هذه الطلقة أم لا يقع هو كما قلت لك أن أكثر أهل العلم ومنهم المذاهب الأربعة على وقوعه وخالف شيخ الإسلام أنه لا يقع وهو الصحيح عندي إن شاء الله تعالى.
***(19/2)
السؤال: لي أبٌ طلب مني طلاق زوجتي وأنا رفضت طلبه فعزلني من العيش معه وقطعني وهو لا يرد علي وإني طلبت من بعض الأقارب أن يتوسطوا ليصلحوا بيني وبينه لكنه رافض وأنا مريض وزاد علي المرض بسببه وأعاني من مقاطعته لي وأعاني من مرضي وأعاني من بعدي عن وطني للبحث عن قوت ابني وزوجتي وبنتي أفيدونا عن ذلك أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن شقين الشق الأول أنه عصى والده حين أمره بطلاق زوجته وهذا العصيان يجب أن يعرف أنه قد يكون آثماً به وقد يكون غير آثم
فإذا كان أبوه قد أمره بطلاق زوجته بسببٍ وجده فيها يستلزم مفارقتها كسوء أخلاقها مثلاً فإنه يجب عليه طاعة والده بذلك لسببين:
السبب الأول أن مثل هذه لا ينبغي للمرء أن يبقيها في ذمته خصوصاً إذا كان لا يمكن إصلاحها
وثانياً طاعة الوالد
وتارةً يكون أمر والده بطلاق زوجته ليس لسببٍ يقتضي ذلك شرعاً ولكنه لكراهة شخصية أو مخاصمة أو ما أشبه ذلك وطلاقها يوجب ضرراً للابن فمثل هذا لا يلزم الولد إجابة والده لطلبه لأنه لا يلزمه طاعة والده فيما فيه ضررٌ عليه (وإنما الطاعة في المعروف) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
أما الشق الثاني في السؤال فهو محاولته الإصلاح مع أبيه وامتناع أبيه من ذلك فهذا لا إثم عليه به ما دام قد بذل المجهود في الوصول إلى الإصلاح وإزالة هذا الأمر في قلب والده ولم يتمكن فإن الإثم هنا يكون على الوالد لأن قطيعة الرحم صارت من قبله والواجب على أبيه في مثل هذه الحال أن يرجع إلى نفسه وأن يعين على بره وأن يعرف أن هذا أمرٌ صعب يأمر ولده بطلاق زوجته التي يحبها والتي لديه منها ولد وفي ذلك ضررٌ عليه وليتصور نفسه لو كان أبوه أمره بذلك وهو يحب زوجته فما هو موقفه وعلى الإنسان أن يعامل غيره بما يحب أن يعامله الغير به وأن ينزل الناس منزلة نفسه قبل أن يكلفهم الأمور حتى يعرف ويكون مؤمناً حقاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولو أننا كنا إذا أردنا معاملة الناس فرضنا أنفسنا نحن الذين نعامل بما نريد أن نعامل به غيرنا وننظر هل ذلك يؤثر علينا أم لا لكنا ننال خيراً كثيراً ونبعد من الأنانية لكن مع الأسف أن أكثرنا لا يولي هذا الأمر اهتماماً والله الموفق.
***(19/2)
السؤال: ج. م. ع. من مصر يقول في رسالته تزوجت من فتاة منذ سبعة أعوام ولدينا الآن من الأولاد ثلاثة أطفال أنا وزوجتي في سعادة زوجية منقطعة النظير ولكن هنالك خلاف دائم منذ اللحظة الأولى بين زوجتي ووالدي وقد غادرت القطر للعمل في الخارج وتركت الأوضاع كما هي عليه وفي أثناء سفري اشتد الخلاف بين زوجتي والأسرة فأقسم إخوتي باليمين على أن تغادر زوجتي البيت وبالفعل تركت البيت نصيحتكم لي في ذلك هل أطلق الزوجة إرضاء لوالدي أم أترك البيت وأستقل بزوجتي حفاظاً على أولادنا نرجوا منكم إفادة.
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن لا تطلق امرأتك ما دامت قائمة بحق الله وحقك وحق أولادك بل تبقى معها كما وصفت في عيشة سعيدة تحمون أولادكم وتتعاونون على الخير وبالإمكان أن تتلافى هذا الشقاق والنزاع الحاصل بينها وبين أسرتك بأن تجعلها في بيت وحدها ويحسن أن يكون قريباً من الأسرة ليسهل عليك القيام بواجب الأسرة عليك وفي هذه الحال تقوم ببر والديك وصلة أرحامك على الوجه الذي يرضي الله عز وجل بقدر ما تستطيع وأنا لا أستطيع الآن أن أحكم هل الخطأ من زوجتك بالنسبة لأسرتك أو من أسرتك بالنسبة لزوجتك ولكن ما دام الحل أمامنا واضحاً وهو أن تفردها ببيت وتعيش معها عيشة زوجية سعيدة حميدة تحفظان أولادكما وتتعاونان على البر والتقوى وتبقى مع أهلك قائماً ببر والديك وصلة أرحامك أقول ما دام هذا الحل موجوداً وهو يسير ميسر والحمد لله فإن هذا هو الذي أراه لك.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم يقول السائل من الأردن أنا لا أقصر في طلبات والدي وزوجتي مطيعة لي في كل متطلباتي ومتطلبات بيتي وأطفالي فحصل يومٌ من الأيام خلافٌ على الهاتف بين والدتي ووالدة زوجتي فتقول لي والدتي طلق زوجتك بسبب والدتها فعلت كذا وكذا فالسؤال ما حكم ذلك وما ذنب زوجتي وهل لي أن أطيع والدتي في ذلك
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن بر الوالدين واجب وأن عقوقهما محرم بل من كبائر الذنوب فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكأً فجلس وقال ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قالوا ليته سكت) ولكن أحياناً يقع من بعض الأمهات غيرة إذا رأت من ولدها محبةً لزوجته فتكره الزوجة وتحاول أن يفارقها زوجها وتسعى بالإفساد بينها وبين ولدها وربما تصرح فتقول إما أنا وإما زوجتك في هذه الحال لا يلزم الزوج إذا أمرته أمه أن يطلق زوجته لا يلزمه أن يطلقها بل له أن يقول يا أمي هذه زوجتي ما أستطيع أن أطلقها وأن يداري أمه وأن يلاطفها وأما أن نقول فارق زوجتك لطلب أمك فلا
فإن قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عبد الله ابن عمر حين أمره عمر أن يطلق زوجته أن يطيع عمر وأن يطلقها فالجواب بلى لكن عمر رضي الله عنه لم يأمر ابنه أن يطلق زوجته إلا لسببٍ شرعي ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يطلق الزوجة وقد أورد هذا على الإمام أحمد رحمه الله فسأله رجل يقول إن أبي أمرني أن أطلق زوجتي أفأطلقها قال لا تطلقها قال أليس النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته لما أمره عمر قال وهل أبوك عمر؟
فإذا كان الحامل لأمر الأم ابنها أن يطلق زوجته هو الغيرة فلا يطعها ولا يعد عاقاً أما إذا كان الحامل لذلك سبباً شرعياً فهنا يطلق الزوجة لا لأن أمه أمرته ولكن لأن أمه بينت له ما فيها من سببٍ شرعي يقتضي طلاقها وفي هذه الحال له أن يتحرى أي للزوج أن يتحرى هل أمه متأكدة أو غير متأكدة لأن الأم يمكن أن تسمع شيئاً ومن شدة شفقتها على الابن تظن أن هذا الشيء يوجب أن الابن يطلق الزوجة وليس كذلك فهنا يتأكد وينظر ما هو السبب.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم السائل محمد يقول ما حكم من طلق زوجته ثلاثا مكرها وذلك أن زواجه بفتاة معينة لم يكن برضا أقاربه فحبسوه وضربوه وأجبروه على الطلاق فطلقها ولكنه لم ينو بذلك طلاقها ولذلك ذكر اسما غير اسمها وكذلك لم يخبرها بطلاقها واستمر في إعطاء النفقة لها منذ أكثر من سنة ما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه لا طلاق عليه لأن هذا الرجل لم ينو طلاقها وسمى غيرها فليس عليه طلاق ولكنني أقول لهؤلاء الذين أجبروه على أن يطلقها إنهم اعتدوا عليه وعلى الزوجة ولا يحل لهم أن يجبروه على طلاقها لأنهم لا يرغبون في نكاحه إياها لكونها ليست من القبيلة أو لكونها أجنبية أو ما أشبه ذلك فإن هذا من المحرم عدوان وظلم على الرجل وعلى زوجته فعليهم أن يتقوا الله تعالى وأن يعلموا أنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى وما دامت هذه المرأة ليس عليها مطعن في دينها ولا خلقها فإنه لا يجوز لهم أن يجبروه على طلاقها نعم لو كانت المرأة عليها خطأ في دينها فربما يقال إن لهم الحق في أن يأمروه بطلاقها وهو في هذه الحال يطيعهم أما إذا لم يكن هناك عيب لا في الخلق ولا في الدين فإنه لا يلزمه أن يطيعهم في طلاق زوجته حتى ولو كان الذي أمره أباه فإنه لا يلزمه أن يطيعه وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل أمره أبوه أن يطلق امرأته فقال الإمام أحمد للرجل لا تطلقها قال أو ليس النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر أن يطلق امرأته لما أمره أبوه عمر فقال له الإمام أحمد وهل أبوك عمر؟ يعني أن عمر إنما أمر ابنه أن يطلق زوجته لسبب شرعي أما أبوك أين السبب الشرعي فالحاصل أنه لا يجب على الولد أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بذلك حتى لو فرض أن الأب هجره وغضب عليه فإن ذلك لا يضره أما لو ذكروا شيئا يعيبها في دينها أو في خلقها فهذا له نظر آخر.
***(19/2)
طلاق الغضبان(19/2)
بارك الله فيكم هل يقع طلاق الرجل في حالة الغضب يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء إن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام بدايته ونهايته ووسط
فأما الغضب في بدايته فلا شك أن الطلاق يقع فيه لأن الغالب أن الطلاق لا يقع إلا من الغضب
وأما الغضب في نهايته بحيث لا يدري الإنسان ماذا قال ولا يدري أهو في السماء أو الأرض قد أغلق عليه نهائياً فهذا لا يقع وقد حكي الاتفاق على ذلك أعني اتفاق العلماء
وأما إذا كان في وسطه يعني ليس في الغاية ولا في البداية فقد اختلف فيه العلماء على قولين منهم من قال إنه يقع ومنهم من قال إنه لا يقع فالذين قالوا إنه يقع قالوا إن هذا الرجل يعقل الطلاق ويعرف ما قال ويريد ما قال ومن قال لا يقع قال إن هذا الطلاق وإن كان المطلق يريد ما قال ويعي ما يقول فإنه من غير إرادةٍ تامة كأنه مجبورٌ على الطلاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا طلاق في إغلاق) وعلى هذا فإذا سألنا سائل يريد أن نفتيه قلنا له أما ما كان في بداية الغضب فلا تتردد في وقوع الطلاق فيه وما كان في نهايته فلا تتردد في عدم وقوع الطلاق فيه وما كان في الوسط فهو محل اجتهاد فيرى الإنسان فيه ما هو أقرب إلى الصواب.
***(19/2)
السؤال: تقول إنها امرأة لرجل يبلغ الحادي والستين سنة من العمر وهو مصاب بمرض السكر لذا وهو سريع الغضب وحينما يغضب لأي سبب فإنه تصدر منه ألفاظ غير لائقة وكثيراً ما يتلفظ بالطلاق حتى لو لم تكن امرأته هي السبب وقد طلقها مرات كثيرة في مناسبات متعددة ومنها ما يكون طلاقه ثلاثاً كقوله طالق. طالق. طالق هذه في حالة وفي حالة أخرى يطلقها على المذاهب الأربعة وأخرى وأخرى ولكنها لا تخرج من بيته بسبب أولادها وحرصها على البقاء معهم لذلك فهي صابرة على طبعه وغضبه ولكنها ليست معه كما تكون الزوجات فهي تعتبره أجنبياً منها ولا تجالسه ولا يرى منها غير الوجه ولكنها تسأل ما حكم بقائها معه على هذه الحالة هل تستمر على ذلك أم تفارقه أم تعامله معاملة الأزواج في كل شيء وطلاقه الذي يصدر منه لا يقع للنظر لسرعة غضبه ومرضه أم ماذا تفعل وهي أيضاً صدر منها في إحدى الحالات الشجار بينهما أن قالت له أنت مثل ابني وأخي فما حكم مثل هذا القول إذا صدر من الزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوج حين إصداره الطلاق في حالة غضب لا يملك نفسه معها فإن طلاقه لا يقع عليه لأنه لا طلاق في إغلاق والغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام
أحدها أن يكون في ابتدائه بحيث يعقل الغاضب ما يقول ويملك نفسه فتصرفه كتصرف غير الغاضب لأنه ليس ثمة مانع من تنفيذه فإذا طلق في هذه الحال فإن طلاقه يقع.
الحالة الثانية أن يكون غضبه شديداً جداً بحيث لا يعي ما يقول ولا يدري ما يقول ولا يدري أهو في البيت أم في السوق في حال يكون كالمغمى عليه فهذا لا يقع طلاقه بلا ريب وذلك لأنه ليس له فكر وليس له عقل ما يقول حينئذ
الحالة الثالثة أن يكون الغضب متوسطاً بين الحالة الأولى والثانية بحيث يعي ما يقول ويدري ما يقول ولكنه عاجز عن ملك نفسه لا يملك نفسه مع هذا الغضب وفي وقوع طلاقه خلاف بين أهل العلم فالراجح أنه لا يقع طلاقه في هذه الحالة لأنه كالمكره لأن الحالة النفسية الكامنة تلجئه إلجاءً على أن يقول هذا الطلاق ولا سيما أن زوجها كما ذكرت كان معه مرض نفسي فإذا كان زوجها في هذه الحال فإنه لا يقع طلاقه عليها مهما كرره
أما بالنسبة ما قالته هي له في بعض خصوماتها أنه كابنها فإن هذا ليس بظهار فالمرأة ليست من أهل الظهار فلو قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو كظهر ابني أو كظهر أخي فليس هذا بظهار ولا يلزمها فيه كفارة ظهار أيضا لأن كفارة الظهار إنما تلزم من يقع منه ظهار وهو الزوج وأما هي فلا يلزمها كفارة الظهار إذا قالت ذلك لزوجها ولكن عليها كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد ما تطعم أو وجدت لكن لم تجد مساكيناً فإنها تصوم ثلاثة أيام متتابعة
وهاهنا مسألة وردت في سؤالها وهي أنها ذكرت أن زوجها يقول أنت طالق. طالق. طالق وهذا التكرار على هذا الوجه أعني التكرار دون الجملة كلها لا يقع به الطلاق حتى على المشهور من مذهب الإمام أحمد إلا أن ينوي الثلاثة بذلك فإن لم ينو الثلاث فإنه لا يقع إلا واحدة فلو قال الإنسان لزوجته أنت طالق. طالق. طالق ولم ينو الثلاث لم يلزمه إلا واحدة فقط وبعض الناس قد يجهل حكم هذه المسألة ويظن أن المذهب وقوع الطلاق الثلاث في هذه العبارة ولم يتبين له الفرق بين تكرار الجملة كلها وتكرار الخبر وحده فتكرار الخبر وحده لا يتعدد به الطلاق إلا إذا نواه فإذا قال قائل لزوجته أنت طالق. طالق. طالق وجاء يسأل هل تطلق زوجتي ثلاثاً نقول له هل نويت الثلاث فإن قال نعم صار الطلاق ثلاث على المشهور من المذهب وإن قال نويت الواحدة لم يكن إلا واحدة حتى على المشهور من المذهب وإن قال لم أنو شيئاً إنما أطلقتها للتكرار وليس عندي تلك الساعة نية قلنا له أيضاً لا يقع عليك إلا واحدة حتى على المشهور من المذهب أما على القول الراجح الذي نراه فإنه لا يقع الطلاق الثلاث ولو كرر الجملة كلها حتى ولو قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما كان الطلاق الثلاث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق الثلاث واحدة فلما تتايع الناس فيه ألزمهم عمر وقال أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت له فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن تكرار الطلاق باللفظ لا يقع متعدداً إلا إذا كان بعد رجعة أو نكاح جديد.
فضيلة الشيخ: هل نقول لها أن تعاشر زوجها بشكل عادي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لها تعاشر زوجها بشكل عادي إذا كانت حاله كما ذكرنا يعني في حال غضب لا يستطيع أن يملك نفسه فيها فإن الطلاق لا يقع منه حينئذ على زوجته فتبقى زوجة له إذن الخلاصة أن زوجها إذا كان يغضب حتى لا يملك نفسه في حال غضبه فإنه لا يقع منه طلاق ولا ظهار ولا غيره فتبقى على ما هي عليه عنده
وأما بالنسبة لها فيلزمها كفارة يمين لما قالت لزوجها من ألفاظ الظهار.
ثم أنه وقع في سؤالها أنها قالت إنني لا أكشف له سوى وجهي وظاهر هذا أنها تكشف له وجهها في حال تعتقد أنها قد بانت منه وأنها ليست زوجة ولكني أقول لها ولمن يسمع إن كشف الوجه محرم إلا للرجال المحارم فمن ليس بمحرم لها فليس لها أن تكشف له وجهها ويحرم أن تكشف له وجهه لأن الوجه من أعظم ما يكون سبباً للفتنة من جسم المرأة فهو أعظم فتنة من الرجل التي قال من قال بجواز كشف الوجه أنه يجب عليها أن تستر رجلها ويجوز لها أن تكشف وجهها فيقال أي فتنة أعظم أن يرى الإنسان قدم امرأة أو أن يرى وجهها ولا ريب عند كل عاقل له نظر في النساء أن فتنة النساء في الوجه أعظم بكثير من فتنة الرجل ولعل الله أن ييسر لنا موقفاً آخر نتكلم فيه عن هذه المسألة المهمة العظيمة التي بدأ بعض الناس يتهاون بها في هذه البلاد التي كانت تتمسك بها تمسكاً يقتضيه الدين وتقضيه الأخلاق والله الموفق
***(19/2)
السؤال: السائل م ح ي من خميس مشيط يقول ما الحكم في رجل أغضبته زوجته فطلقها طلقتين في حال غضبه ثم ندم على ذلك وفي اليوم التالي صالحها وقال أمامها ثلاث مرات أرجعتك إلى عصمة نكاحي السابق فقالت قبلت ولم يعمل سوى ذلك شيئاً فما حكم من فعل هذا الفعل أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال الذي طلق فيه الرجل زوجته من أجل الغضب طلقتين ثم راجعها أن نقول الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى تنتفخ أوداجه ويقف شعره ويحمّر وجهه وربما يفقد وعيه ودواء هذا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يتوضأ وأن يغير الحالة التي كان عليها إن كان قائماً جلس وإن كان جالساً اضطجع وكذلك أيضاً من أدويته أن ينصرف عن المكان الذي حصل فيه الغضب قبل أن يحدث شيئاً وعلى المرء في تصرفاته أن يغلّب جانب العقل على جانب العاطفة لأن العاطفة تجرف بالإنسان وتلقيه في الهاوية وما أكثر الناس الذين يأتون ليزيلوا آثار غضبهم من طلاق وغيره فعلى المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه وأن يأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجل فقال أوصني قال (لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب) والحديث صحيح في البخاري هذه نصيحتنا لهذا الأخ السائل وغيره بالنسبة للغضب
أما بالنسبة للطلاق الصادر منه فلا يخلو الغضبان من ثلاث أحوال إما أن يكون الغضب يسيراً يتحكم الإنسان في نفسه وتصرفه فهذا لا شك في أن الطلاق يقع منه ويترتب عليه آثاره لأن مثل هذا الغضب لم يفقده شيئاً من وعيه وتصرفه
والحال الثانية أن يكون الغضب متناهياً بحيث يصل إلى درجة لا يعي الإنسان فيها ما يقول ولا يدري أهو في بر أم بحر أم في أرض أم في سماء ففي هذه الحال لا يقع طلاقه ولو كرره مائة مرة لأن الرجل يكاد يكون فاقداً لعقله أما إحساسه ووعيه فلا ريب أنه فاقدهما وقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن الطلاق لا يقع في هذه الحال
الحال الثالثة أن يكون الغضب وسطاً بين هذين فهو ليس في ابتداءه ولا انتهاءه هو يعي ما يقول ويدري ما يقول لكن الغضب أرغمه على أن يقول ما لا يرضاه وما لا يحبه بمعنى أنه أغلق عليه حتى كأن أحداً أكرهه على أن يطلق وهو يدري أنه طلق ويدري ما يقول لكن كالمرغم على ذلك ففي هذه الحال اختلف أهل العلم هل يقع الطلاق أو لا يقع الطلاق فمنهم من يقول إنه لا يقع ويستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا طلاق في إغلاق) قالوا وهذا مغلق عليه حيث إن الغضب أجبره أن ينطق بالطلاق وبعض العلماء يقول إن الطلاق يقع لأنه يعي ما يقول ويدري ما يقول وكون هذا الأمر شبه إكراه لا يمنع من وقوع الطلاق لا سيما وأن الرجل لم يفعل ما أمر به من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتغير حاله والوضوء فهذه الدرجة الوسطى هي محل خلاف بين أهل العلم فأنت أيها السائل انظر إلى حالك هل أنت من أهل الحال الأولى التي في ابتداء الغضب أو من أهل الحال الثانية التي هي غاية الغضب ونهايته أم من أهل الحال الثالثة الوسطى حتى تعرف هل يقع الطلاق منك أو لا يقع وعلى كل حال فإن الطلقتين في مجلس واحد يعتبران طلقة واحدة فلا يقع عليك بهذا الطلاق إن كنت من أهل الطلاق أي من أهل الغضب الذين في الدرجة الأولى أو في الوسطى على رأي من يقول بوقوع الطلاق فيها فإن الطلاق الذي وقع منك يعتبر طلقة واحدة إن لم يسبقه طلقتان فإن لك أن تراجع زوجتك في هذا الطلاق أما إذا كان قد سبقه طلقتان متعاقبتان بمعنى أن كل طلقة بينها وبين الأخرى رجعة فإنه يعتبر هذا الطلاق آخر تطليقات ثلاث ولا تحل لك زوجتك حتى تنكح زوجاً غيرك.
***(19/2)
طلاق الموسوس(19/2)
السؤال: المستمع أ. س. س. من جمهورية اليمن الديمقراطية حضرموت يقول أنا رجل متزوج ولي ثمانية أشهر منذ تزوجت ولكني كثير الوسوسة ودائماً أشعر بنفسي أوسوس في الطلاق وليس بيني وبين زوجتي أي مشكلة ولا أستطيع أن أطلقها وأكثر الأحيان تأتي هذه الوسوسة وأنا في الصلاة يعني أشعر بنفسي تقول إذا ما وقع كذا وكذا على أي شي معين فعلي بالطلاق وبعض الأحيان قد يقع ذلك صحيحاً وبعض الأحيان لا يقع وأيضاً في بعض الأيام أجلس أنا وزوجتي فنتحدث في أي حديث كان لا يتعلق بهذا الشيء ولكني لا أشعر إلا بنفسي تقول طالقة ولكني لا أنطق بهذه الوسوسة عند زوجتي وقد دخلني الشك من هذا الأمر أفيدوني ماذا أفعل جزاكم الله خيراً حتى أتخلص من ذلك الوسواس وهل يقع شيء بذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين للأخ السائل ولغيره ممن يستمعون إلى هذا البرنامج بأن الله يقول (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6) فللشيطان هجمات على القلب يدخل فيها القلق على الإنسان والتعب النفسي حتى يكدر عليه حياته واستمع إلى قول الله تعالى (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (المجادلة: من الآية10) يتبين لك أن الشيطان حريص على ما يحزن المرء كما أنه حريص على ما يفسد دينه وطريق التخلص منه أن يلجأ إلى ربه بصدق وإخلاص ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (لأعراف:200) وليتحصن بالله عز وجل حتى يحميه من هذا الشيطان العدو له وإذا استعاذ بالله منه ولجأ إلى ربه بصدق وأعرض عنه بنفسه حتى كأن شيئاً لم يكن من هذه الوساوس فإن الله تعالى يذهبه عنه ونصيحتي لهذا الأخ الذي ابتلي بهذا الوسواس في طلاق امرأته ألا يلتفت إلى ذلك أبداً وأن يعرض عنه إعراضاً كلياً فإذا أحس به في نفسه فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى يبعده الله عنه أما من الناحية الحكمية فإن الطلاق لا يقع بهذا الوساوس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فما حدث الإنسان به نفسه من طلاق أو غيره فإنه لا يعتبر شيئاً وإذا كان طلاقاً فإنه لا يعتبر حتى لو عزم في نفسه على أن يطلق لا يكون طلاقاً حتى ينطق به فيقول مثلاً زوجتي طالق ثم إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا طلاق في إغلاق) فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة فهذا الشي الذي يكون مرغماً عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق وقد ذكر لي بعض الناس الذين ابتلوا بمثل هذا أنه قال مرة من المرات مادمت في قلق وتعب سأطلق فطلق بإرادة حقيقية تخلصاً من هذا الضيق الذي يجده في نفسه وهذا خطأ عظيم والشيطان لا يريد لابن آدم إلا مثل هذا أن يفرق بينه وبين أهله ولا سيما إذا كان بينهم أولاد فإنه يحب أن يفرق بينهم أكثر لعظم الضرر والعدو كما هو معلوم لكل أحد يحب الإضرار بعدوه بكل طريق وبكل وسيلة والطريقة التي فعلها هذا الذي ذكر لي الطريقة ليست بصواب وليس دواء من ابتلي بالوسواس أن يوقع ما يريده الشيطان منه بل دواؤه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
ونظير هذا أن بعض الناس يكون على طهارة فيشك في الحدث هل أحدث أم لا فيذهب ويتبول أو يخرج الريح من دبره من أجل أن ينتقض وضوؤه يقيناً ثم يتوضأ وهذا أيضاً خطأ وهو خلاف ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام حيث سئل عن الرجل يجد الشيء في صلاته فقال عليه الصلاة والسلام (لا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاًً) فالمهم أن كل هذه الشكوك التي ترد على ما هو حاصل وكائن يقيناً يجب على الإنسان أن يرفضها ولا يعتبر بها وليعرض عنها حتى تزول بإذن الله عز وجل.
***(19/2)
السؤال: المستمع عبد الرحمن سعيد الفقيه من الجبيل يقول إنه مصابٌ بضيق الصدر وكثرة الشكوك والوساوس وخاصةً حينما يقرأ في كتب الفقه في أبواب الطلاق والأيمان وخصوصاً حينما يصف حالة رجلٍ طلق زوجته ويذكر قوله بلسانه كأنه هو الناطق بذلك فإنه يخشى أن يقع منه طلاقٌ رغم أنه يصف طلاق شخصٍ آخر مما سبب له القلق والشك فهل يقع منه أو من أمثاله ممن يرون حالة طلاقٍ من الغير على ألسنتهم أو مثلاً في حالة تعليمٍ أو نحو ذلك كما أنه يطلب شرح الحديث إن كان صحيحاً بهذا اللفظ (ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ الذي ابتلي بهذا الأمر وهو الوسواس فيما يتعلق بالطلاق والأيمان نخبره ونرشده إلى أن هذا الأمر الذي يقع منه قد يبتلى به بعض الناس وهو كثير ودواؤه أن يستعيذ الإنسان بالله تعالى من الشيطان الرجيم وأن لا يلتفت إليه وأن يعلم أن اليقين لا يزال بالشك وأن النكاح الثابت الباقي لا يمكن أن يزال بمجرد أوهامٍ ووساوس وأن زوجته لا تطلق إذا حكى طلاق غيره أو قرأ في كتب العلم ذكر الطلاق أو علَّم أحداً ممن يقرأ عنده بأحكام الطلاق فإن الزوجة لا تطلق بذلك بل إنه إذا غُلب عليه حتى لفظ بالطلاق مغلوباً عليه بدون قصدٍ ولا إرادة فإنه لا يقع منه الطلاق في هذا الحالة فإن بعض الموسوسين في هذا الأمر يجد من نفسه ضيقاً عظيماً حرجاً شديداً حتى ينطق بالطلاق بدون إرادة وبدون قصد فمثل هذا لا يقع طلاقه إنما يقع الطلاق إذا أراده الإنسان إرادةً حقيقية وكتبه بيده أو نطقه بلسانه مريداً له غير ملجأ إليه ولا مغلقٍ عليه لا مكره فهذا الذي يقع طلاقه ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الموسوس لا يقع طلاقه وعلى كل حال فإن دواء هذا الوسواس الذي أصاب الأخ السائل وربما أصاب غيره كثيراً دواؤه أن لا يلتفت الإنسان إليه وأن لا يهتم به وأن يعلم أنه إذا حكى طلاق غيره أو قرأ في الفقه باب الطلاق أو درس طلبةً في باب الطلاق فإنه لا تطلق زوجته إذا قال مثل أنت طالقٌ يريد أن يمثل به للطلبة أو نحو ذلك ونصيحتي لهذا وأمثاله ألا يلتفتوا إلى هذه الوساوس أبداً والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ويدخل عليه وساوس في أمورٍ عظيمة كمسألة الطلاق ومسألة الصلاة بل حتى مسألة الإيمان بالله سبحانه وتعالى ودواء ذلك أن يستعيذ بالله من هذا الأمر وأن ينتهي ويعرض عنه ويلهو عنه وهو بحول الله سيزول وقد جرب ذلك كثير من الناس فانتفعوا حينما كانوا يستعيذون بالله من الشيطان الرجيم عند إصابتهم بهذا وينتهون عما يوسوسون به فرأوا من ذلك فائدةً عظيمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بمثل هذا حين شكوا إليه إنهم يجدون في نفوسهم ما لو خر أحدهم من السماء لكان أحب إليه من أن ينطق به أو لو كان حممة أي فحمة محترقة لكان أحب إليه مما ينطق به فأرشدهم إلى ذلك صلى الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ: الحديث الذي ذكره ماذا عن صحته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحديث الذي ذكره فهو صحيح فإن الطلاق والنكاح والعتق هزله جد فمن عقد النكاح وقال أنا هازل فإنه لا يقبل قوله هذا لأنه عقده وأراده وكذلك من طلق ولو كان هازلاً فإن طلاقه يقع ما دام أراد الطلاق فلو كان يمازح زوجته فقال لها أنت طالق وهو يمازحها فإنها تطلق بذلك وبهذا نرى أنه يجب على الإنسان أن يحترز في مثل هذه الأمور وأن لا يتلاعب بالطلاق.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لعقد النكاح هل تمثلون بمثال لانعقاده في حالة الهزل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يمكن أن يكون أحد الناس يمزح مع واحد فيقول مثلاً أنا أريد أن تزوجني ابنتك وما أشبه ذلك أو يقول له مثلاً أنا عندك لست بكفء ما أنت مزوجني فيقول لا أنا أزوجك ويمزح معه ويقول زوجتك فيقول قبلت وهذا ربما يقع فإذا حصل هذا الشيء انعقد النكاح.
فضيلة الشيخ: هل لا بد أن يكون من ولي الفتاة نفسها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بد أن يكون من وليها وأن يكون عند من يشترط الإشهاد أن يكون بحضور شهود وأما الوعد المجرد فهذا لا ينعقد به النكاح مثل أن يقول سأزوجك بنتي أو انتظر حتى تكبر أو ما أشبه ذلك فهذا لا ينعقد به النكاح لأنه وعد.
***(19/2)
طلاق السكران(19/2)
السؤال: تقول هي زوجة لرجل مدمن للخمر والعياذ بالله وذات مرة شرب حتى سكر ثم طلقها فهل يقع طلاقه وهو بحالة سكر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً قبل أن نجيب على هذا السؤال فإننا ننصح هذا الرجل وغيره ممن ابتلي بشرب الخمر ونعلمهم بأن الخمر أم الخبائث ومفتاح كل شر وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) وأخبر أن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة قال بعض العلماء معنى لم يشربها في الآخرة أي لا يدخل الجنة لأن من دخل الجنة لابد أن يشرب من الخمر الذي فيها وهذا الخمر ليس فيها غول ولا هم عنها ينزفون وقال بعض العلماء لا يشربها في الآخرة يعني لو دخل الجنة فإنه يُحرم لذة التنعم بشرب خمر الجنة وأياً كان هذا أو هذا فإنه دليل على عقوبة فاعل الخمر وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر) فعلى المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من شربها وأن يسأل الله العافية منها
وأما بالنسبة لسؤال المرأة وهو أن زوجها طلقها وهو سكران فإن للعلماء في ذلك خلافاً هل يقع الطلاق في حال السكر أو لا يقع فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه يقع عقوبة له على شربه فإن هذا الشارب عاصٍ لله عز وجل فلا ينبغي أن يقابل عصيانه بالتخفيف عنه وعدم وقوع الطلاق منه وقال بعض العلماء بل إن طلاق السكران لا يقع وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أقيس لأن السكران لا يعي ما يقول ولا يدري ما يقول فكيف نلزمه بأمر لا يدري عنه وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء: من الآية43) فدل هذا على أن السكران لا يعلم ما يقول فكيف نلزمه بشيء لا يعلمه
وأما قولهم إنه عقوبة فإن عقوبة شارب الخمر إنما تكون عليه نفسه وهو معاقب بالضرب الذي وردت به السنة وإذا عاقبناه بإيقاع الطلاق ففي الحقيقة أن هذه العقوبة تتعدى إلى زوجته فيحصل الفراق وربما يكون لها أولاد فيتشتت العائلة ويحصل الضرر على غيره فالصواب أنه لا يقع طلاق السكران ولا يعتبر بأقواله ولكن مع ذلك ينبغي أن يرجع في هذا إلى المحكمة الشرعية حتى لا نحكم ببقاء الزوجة معه أو بفراقه إياها إلا بحكم شرعي يرفع الخلاف والله الموفق.
***(19/2)
السؤال: يقول في رسالته زوج طلق زوجته وهو بغير شعور إلا أنه عندما شعر بنفسه أخبروه أهله بأنه تلفظ بألفاظ الطلاق عدة مرات والآن هو حائر ماذا يعمل هل يعتبر طلق زوجته أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان فقد شعوره من شرب خمرٍِ وهو ما يعبر عنه بطلاق السكران فإن أهل العلم اختلفوا في وقوع الطلاق منه فمن أهل العلم من يقول إن طلاق السكران واقع عقوبة له على سكره لأن السكر والعياذ بالله محرم في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وأجمع المسلمون على تحريم الخمر وقال أهل العلم من اعتقد إباحة الخمر وهو ممن قد عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً لاستحلاله محرماً أجمع المسلمون على تحريمه فيكون بذلك كافراً فيرى بعض أهل العلم من شدة جرم شارب المسكر يرى أنه من تمام عقوبته أن نؤاخذه بكل أقواله ومنها الطلاق فإذا طلق وهو سكران وقع الطلاق منه ويرى آخرون من أهل العلم أن طلاق السكران لا يقع لأنه بغير شعوره وبغير إرادته والأصل بقاء النكاح وعقوبة السكران إنما تكون بضربه لا بمؤاخذته بأقوال لا يقصدها ولا يريدها ثم إننا إذا عاقبناه بوقوع الطلاق فقد يكون عقوبة له ولأهله أيضاً لأن الطلاق يتعلق بشخص آخر غير المطلِّق وربما يكون له أولاد من هذه الزوجة فيحصل بذلك تفريق الأولاد وتشتيت العائلة وهذا القول هو الراجح أن طلاق السكران لا يقع وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على رجوعه عن القول بوقوع طلاق السكران وأخبر أن سبب رجوعه بأنه إذا قال بوقوع طلاق السكران أتى خصلتين حرمها على زوجها وأحلها لرجل آخر وإذا قال بعدم وقوع طلاق السكران لم يأت إلا خصلة واحدة وهو أنه أحلها لهذا الزوج السكران ولكن مع ذلك فإنه لو حكم حاكم من حكام المسلمين أي من قضاة المسلمين بوقوع طلاق السكران فإن حكمه لا ينقض ونصيحتي لإخواني المسلمين أن يتجنبوا مثل هذه السفاسف التي لا يستفيدون منها سوى تلاعب الشيطان بهم وبعقولهم وقد ثبت من حيث الواقع أن السكر يؤدي إلى مفاسد كثيرة لأنه مفتاح كل شر كثير من السكارى والعياذ بالله يحملهم السكر على أن يقتلوا أنفسهم أو يقتلوا أحداً من أهلهم وربما يحمله السكر على أن يفجر بأمه أو بأحد من محارمه نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية.
***(19/2)
طلاق الحائض(19/2)
السؤال: يقول هل يجوز للرجل أن يطلق زوجته أثناء فترة العادة الشهرية ويقع الطلاق أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرء أن يطلق زوجته في أثناء الحيض لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) إلى آخر الآية، والطلاق للعدة أن يطلقها طاهراً من غير جماع أو حاملاً قد استبان حملها فهاتان الحالان هما اللتان يحل فيهما الطلاق إذا تبين حملها وإذا كانت طاهرة من غير جماع أما الحائض فطلاقها حرام لأنه معصية لله عز وجل لقوله (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض تغيظ في ذلك وإذا حصل الطلاق على المرأة وهي حائض فإن جمهور أهل العلم يرون أن الطلاق يقع ويحسب من الطلاق ولكنهم يندبونه أي يأمرونه بمراجعتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يراجع عبد الله بن عمر امرأته حين طلقها وهي حائض ويرى بعض أهل العلم أن الطلاق في حال الحيض محرم لا يقع لأن القاعدة الشرعية أنَّ ما نهي عنه لا يمكن أن ينفذ ويصحح إذ في تنفيذه وتصحيحه مخالفة للنهي عنه لأن النهي عنه يقتضي ألا يعتبر وألا يكون شيئاً يعتد به شرعاً إذ لا يجتمع النهي مع الاعتداد بالشيء فكيف ينهي الشارع عنه ثم يعتد به هذا خلاف الحكمة وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن طلاق الحائض لا يقع ولا يحسب عليه من الطلاق وإذا تأمل الإنسان ما ورد في ذلك من النصوص وتأمل العلل والحكم الشرعية تبين له أن هذا القول أرجح والله أعلم.
***(19/2)
السؤال: هل يقع الطلاق على الحائض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحائض هذه أيضاً أقول للأخ السائل المذاهب الأربعة وجمهور الأمة على أن طلاقها يقع ويحسب فإذا كان آخر طلقة بانت من زوجها حتى تنكح زوجاً غيره وذهب بعض أهل العلم إلى أن طلاق الحائض لا يقع وهذه أيضاً لا نفتي بها إلا في قضيةٍ وقعت من شخصٍ معين جاء يستفتي فإننا نستفصل منه ونفتيه بحسب ما يظهر لنا.
***(19/2)
طلاق الحامل(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة أم عبد الرحمن من المنطقة الجنوبية أبها ما حكم طلاق الحامل وإذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً ثم لم يراجعها ثم مضت ثلاث سنوات فهل له حق في المراجعة أم أنها انتهت بانتهاء العدة أفيدونا مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: الحامل يقع عليها الطلاق قال الله تباك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (الطلاق: من الآية1) إلى قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق: من الآية4) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر بن الخطاب (مره) يعني مر ابنك عبد الله (أن يراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) وهذا أمر مجمع عليه أي على أن طلاق الحامل واقع بثبوت ذلك بالكتاب والسنة وأما ما اشتهر عند العوام من أن الحامل لا طلاق عليها فهو لا حقيقة له ولا قال به أحد من أهل العلم بل الحامل يقع عليها الطلاق وعدتها أن تضع الحمل حتى لو فرض أن الرجل طلق امرأته الحامل صباحاً ثم ولدت قبل الظهر انقضت عدتها ولا تنقضي حتى تضع جميع الحمل فلو أنها تأخر وضع حملها إلى عشرة أشهر أو اثني عشر شهراً أو ستة عشر شهراً أو إلى سنتين فإنها لا تزال في العدة وإذا وضعت الحمل انقطعت العدة ولا رجوع لزوجها عليها إلا بعقد جديد إذا لم تكن الطلقة هي الأخيرة.
***(19/2)
السؤال: هل يقع الطلاق على حامل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم طلاق الحامل جائز وواقع حتى إنه يجوز ولو كان الإنسان قد جامعها قبل أن يغتسل من الجنابة لقول الله تبارك وتعالى في سورة الطلاق () يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (الطلاق: من الآية1) إلى أن قال (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (الطلاق: من الآية4) يعني الصغار يعني أن عدتهن ثلاثة أشهر ثم قال (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق: من الآية4) وبهذه المناسبة أود أن أبين الحامل هي أم المعتدات بمعنى أن عدتها تنتهي بوضع حملها سواءٌ فورقت بطلاق أو بفسخ أو بتبين فساد النكاح أو بموت أي مفارقة تقع وفيها عدة والمفارقة حامل فعدتها بوضع الحمل طالت المدة أو قصرت وعلى هذا فلو مات إنسان وزوجته حامل ثم أخذها الطلق ووضعت قبل أن يغسل الميت انتهت عدتها وحلت للأزواج ولو طلقت ووضعت إثر قول زوجها لها أنت طالق انتهت عدتها ولو بعد قوله أنت طالق بدقيقة انتهت عدتها ولو طلقت وبقي الحمل في بطنها سنةً أو سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً بقيت في عدتها لعموم قول الله تبارك وتعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق: من الآية4) وفي الصحيحين أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بليالٍ فأذن لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تتزوج.
***(19/2)
طلاق الثلاثة(19/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً بكلمةٍ واحدة ما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله ونحن نحيل القارئ على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة وإذا كانت المسألة واقعةً فإنه يسأل عنها أهل العلم الذين في بلده أو في غير بلده حتى يفتى في ذلك بصفةٍ خاصة وذلك أن إيقاع الطلاق الثلاثة بكلمةٍ واحدة محرم ولعبٌ بكتاب الله عز وجل وتعجلٌ فيما للإنسان فيه أناة ولهذا أمضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الطلاق الثلاث على من طلق ثلاثاً وقال أرى الناس قد تعجلوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم
وإننا ننصح إخواننا المسلمين بعدم الغضب والتعجل والتسرع في مسألة الطلاق والتسرع الذي يقع فيه الطلاق الآن له وجوه
الوجه الأول أن بعضهم إذا غضب أدنى غضب طلق زوجته والوجه الثاني أن بعضهم إذا غضب طلق زوجته ألبتة أي طلقها ثلاثاً وهذا أيضاً من الخطأ العظيم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني قال (لا تغضب) وردد مراراً قال (لا تغضب) وأخبر عليه الصلاة والسلام أن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ودواء الغضب أن يمرن الإنسان نفسه على الطمأنينة والتأني والتريث ثم إذا أصابه الغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يذهب عنه ما يجد وإذا كان قائماً فليجلس وإذا كان جالساً فليضطجع وإذا كان مواجهاً لمن غضب عليه فلينصرف فكل هذا مما يقي الإنسان شر غضبه.
***(19/2)
يقول بأنه متزوج وطلق زوجته ثلاث طلقات وهي حامل في الشهر السادس يقول علماً بأن لي منها أربعة أولاد من قبل وأني أريد أن أراجعها ودوافع الطلاق يا فضيلة الشيخ أنها أخذت ملابسي وأغلقت عليها الباب قبل ذهابي إلى العمل ولم تعطني إياها مما أغضبني وجعلني أفقد صوابي وأقدم على الطلاق دون صواب أرجو إفادتي والسلام عليكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع إن هذا السؤال تضمن شيئين
أحدهما أن الرجل طلق في حال غضبٍ شديدٍ فقد به صوابه.
والثاني أنه طلق ثلاثاً.
فأما الأول فإننا نقول إذا كان قد طلق في حال غضب شديد فقد به صوابه وأغلق عليه أمره ولم يتمكن من الإرادة التي يقدم بها أو يحجم فإنه في هذه الحال لا طلاق عليه ولا يقع على امرأته ولا طلقة واحدة ولا ثلاث لأنه كالمكره المرغم وإن كان إكراهه من الخارج أي من خارج النفس لكن هذا إكراهٌ داخلي ودليل هذا قوله صلى الله عليه وسلم (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) والإغلاق معناه أن يغلق على الإنسان قصده وإرادته حتى لا يتمكن من التصرف على ما يريده ويهواه وهو مأخوذٌ من أغلق الباب يغلقه وضده الفتح والانشراح والانطلاق بالإرادة التامة التي وقعت من الإنسان عن تروي.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسمٌ يفقد به الإنسان تصرفه فقداً تاماً بحيث لا يدري ما يقول ولا يدري أهو في السماء أو في الأرض فيطلق فهذا لا يقع طلاقه بالاتفاق وأن هذا لم يقصد لا اللفظ ولا المعنى وإنما تكلم كأنما الذي يتكلم معتوهٌ أو مجنون
والقسم الثاني غضبٌ يسير يحمل الإنسان على الفعل أو على القول لكنه قادرٌ على التحكم في نفسه والتصرف بها تصرفاً رشيداً فهذا يقع طلاقه بالاتفاق.
والقسم الثالث غضبٌ بين هذا وهذا فهو محل نزاعٍ بين العلماء والصحيح أنه لا يقع فيه الطلاق وذلك لأن الإنسان كالمكره المرغم ولا بد من قصد تامٍ عن تصرفٍ واعٍ
وأما الطلاق الثلاث والذي تضمنه سؤاله أيضاً فإننا نقول الطلاق الثلاث إذا كان متوالياً بعد رجوع فإن الطلقة الثالثة تبين المرأة من زوجها ولا تحل له إلا بعد زوج مثاله أن يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق الطلقة الثالثة ففي هذه الطلقة لا يحل له الرجوع إلى زوجته لا بعقد ولا بغير عقد إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً مقصوداً ليس بتحليل للزوج الأول.
وأما إذا طلق ثلاثاً من غير رجعة مثل أن يقول أنت طالقٌ ثلاثاً أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإن جمهور أهل العلم على أن هذا كالأول أي أن المرأة تبين به ولا تحل لزوجها إلا بعد نكاحٍ صحيحٍ غير نكاح تحريم وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق بهذه الصيغة لا يقع إلا واحدةً فقط واستدل بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فلما تتابع الناس في هذا وكثر إيقاعهم في هذا الطلاق قال عمر رضي الله عنهم إن الناس قد تتابعوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم وتبعه على هذا عامة أهل العلم وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحةً إلى إخواني المسلمين أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أهليهم وأن لا يتسرعوا بالطلاق فيطلقوا نساءهم ثم يذهبون إلى كل عالمٍ يستفتونه مع الندم العظيم وربما حصل بذلك فراقٌ وتشتت وتفريقٌ للعائلة بسبب التسرع وعدم التأني ولا شك أن بعض الناس سريع الغضب شديد الغضب أيضاً ودواء هذا أعني شدة الغضب وسرعة الغضب دواؤه أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم وإذا كان قائماً جلس وإذا كان جالساً اضطجع وليقم ويتوضأ وليملك نفسه ولهذا جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوصني قال (لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب) وهذا يدل على أن الغضب أمرٌ ذميم حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كرر الوصية بتركه كما أني أنصح إخواني المسلمين إلى أمرٍ بدأ يكثر فيهم وهو الحلف بالطلاق يقول الإنسان مثلاً علي الطلاق أن لا أفعل كذا أو يقول إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو يقول لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق أو ما أشبه ذلك من العبارات التي يوقعونها ثم يندمون على ما فعلوا ثم يذهبون إلى عتبة كل عالم لعلهم يجدون مخرجا فاليمين بالطلاق خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وإنني أقول لهؤلاء المتساهلين في الحلف بالطلاق أقول لهم إن جمهور أهل العلم لا يرون أن الحلف بالطلاق يميناً بل يرونه تعليقا وأنه متى حصل الحنث وقع الطلاق على صفة ما قاله المطلق المسألة خطيرة جداً فعليكم أيها الإخوة أن لا تتهاونوا بالطلاق لا بإيقاعه ولا بعدده ولا بصيغه نسأل لنا ولإخواننا المسلمين الحماية من أسباب غضبه.
خلاصة الجواب أخشى أن يكون السائل لم يفهم جواب سؤاله فأقول له إذا كان غضبك شديداً بحيث لا تملك نفسك فليس عليك طلاقٌ وزوجتك باقية معك لم يحصل عليها طلاق أما إذا كان الغضب يسيراً تملك به نفسك فالقول الراجح أن طلاقك الثلاث لا يقع إلا واحدة فلك أن تراجعها ما دامت في العدة قبل أن تضع فإن وضعت قبل أن تراجعها فلا بد من عقدٍ جديد هذا إذا لم يسبق منك طلقتان قبل هذه الطلقة فإن سبق منك طلقتان قبل هذه الطلقة فإنها لا تحل لك إلا بعد زوج.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم المستمع إبراهيم محمد عيسى سوداني مقيم بالكويت يقول لقد كنت في شبابي مقصراً في الدين إلى درجة كبيرة فكنت لا أصلى ولا أصوم وأسرق من أموال الناس وقد حلفت أيماناً كثيرة وحنثت فيها وأنا لا أحصي عددها الآن كما قد صدر مني طلاق لزوجتي مرات كثيرة ولا أعرف العدد بالتحديد وعشرتنا ما زالت مستمرة وقد أنجبت بنتين فما الحكم في تركي لما مضى من الفروض والواجبات وما الحكم في الأيمان التي حلفتها وحنثت فيها وما الحكم في الطلاق الذي صدر مني وأجهل عدده الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للعبادات التي تركتها في ذلك الوقت فإنك إذا تبت توبة نصوحاً إلى الله عز وجل غفر الله لك ما سلف لقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
وأما بالنسبة للأيمان فإن عليك أن تكفر كفارة يمين واحدة وتجزئ عن جميع الأيمان على المشهور في مذهب الإمام أحمد وذلك لأن الأيمان مهما تعددت فإن الواجب فيها شيء واحد وهو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ومن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وذهب بعض أهل العلم بل أكثر أهل العلم على أن الأيمان إذا كانت على أشياء متعددة فإن عليه لكل يمين كفارة وعلى هذا القول وهو أبرأ للذمة على هذا القول يجب عليك أن تتحرى الأيمان التي حلفت وهي متباينة فتخرج عن كل يمين منها كفارة
وأما بالنسبة للطلاق الذي وقع منك فإذا كان الطلاق الذي وقع منك أكثر من اثنتين فإن زوجتك الآن لا تحل لك لأن الإنسان إذا طلق زوجته ثلاثاً فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى أن قال سبحانه وتعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فعليك إذا تيقنت أنك طلقت ثلاثاً فأكثر عليك أن تفارقها ولا تحل لك حينئذ وعليك أن تتقي الله في هذا الأمر وتعلم أنك إذا تركت شيئا لله عوضك خيراً منه.
***(19/2)
السؤال: يقول كنت أعمل في منطقة ما في بلد عربي وشاهدت فيها رجلاً طلق زوجته ثلاث طلقات وهي مازالت تقيم معه في بيته ومضى على ذلك عدة سنوات هل يجوز ذلك شرعاً في نظركم أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطلقات الثلاث على ثلاثة أوجه أن تكون طلقة بعد طلقة يتخللهما رجوع إلى الزوج إما برجعة في عدة وإما بعقد نكاح ففي هذه الحال تكون الزوجة حراماً على زوجها بالنص والإجماع حتى تنكح زوجاً غيره لقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى قوله (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي الزوج الثاني (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) أي على المرأة وزوجها الأول (أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) ومثال ذلك أن يطلق الرجل زوجته طلقة ثم يراجعها أو تنقضي عدتها ثم يتزوجها بعقد جديد ثم يطلقها ثانية ثم يراجعها أو تنتهي عدتها فيتزوجها بعقد جديد ثم يطلقها الثالثة ففي هذه الحال لا تحل له بالنص والإجماع إلا بعد زوج يتزوجها بنكاح صحيح ويجامعها.
أما الحال الثانية للطلاق الثلاث فأن يقول أنت طالق ثلاثاً.
والحال الثالثة أن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق وفي هاتين الحالين خلاف بين أهل العلم فجمهور العلماء على أن الطلاق يقع ثلاثاً بائناً كالحال الأولى لا تحل له إلا بعد زوج واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطلاق في هاتين الحالين لا يقع إلا واحدة وأن له مراجعتها ما دامت في العدة وله العقد عليها إذا تمت العدة وهذا القول هو القول الراجح عندي وبناء على ما سمعت أيها السائل فإذا كان هذا الرجل الذي طلق زوجته ثلاثاً طلقها على صفة ما ذكرناه في الحالين الأخريين ثم راجعها معتمداً على فتوى من أهل العلم أو على اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد فإنها زوجته ولا حرج في ذلك وأما إذا كان في الحال الأولى فإنها لا تحل له ويجب عليك أن تنصحه وتبين له أنها حرام عليه فإن هدي إلى الحق وفارقها فذاك وألا فأبلغ عنه ولاة الأمور حتى يقوموا بما يجب عليهم نحو هذا الرجل.
***(19/2)
السؤال: المستمع م ف ي من الكويت يقول تشاجرت أنا وزوجتي وغضبت من كلامها وقلت لها طالق ثم قلت لها مرة أخرى أنت طالق وخرجت من الغرفة التي هي بها وهي إلى الآن لم تخرج من البيت الذي نسكن فيه فهي تريد أن تبقى عند أولادها فما الحكم في هذا
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه إذا لم يسبق هذا الطلاق طلاق مرتين فإنك تراجعها وتعتبر هذه طلقة واحدة وكيفية المراجعة أن تقول لها قد راجعتك أو تشهد اثنين فتقول إني راجعت زوجتي أو تأتي إليها وتستمتع بها بالجماع بنية الرجوع فهذه المراجعة ولكني أيضاً مع هذا الجواب أحذرك أن يستولي عليك الغضب فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال يا رسول الله أوصني قال (لا تغضب) فردد مراراً لا تغضب والغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يضيع عليه شعورهُ وتصوره ولهذا يجب الحذر منه وضبط النفس.
***(19/2)
الحلف بالطلاق(19/2)
السؤال: هذا المستمع من الرياض يقول فضيلة الشيخ هنالك أناس يحلفون دائما بالطلاق على كثير من الأشياء حتى في بعض الأحايين تكون على أمور تافهة جدا فهل عليه إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من (كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) وأنه نهى عن الحلف بالآباء وقال عليه الصلاة والسلام (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) والحلف أن يأتي باليمين بالصيغة المعروفة والصيغة المعروفة هي والله وبالله وتالله فلا يحل للإنسان أن يحلف بالطلاق أو بغير الطلاق فلا يحلف إلا بالله عز وجل فلو قال والطلاق لأفعلن كذا أو قال وسيدي فلان لأفعلن كذا كان ذلك حراما وشركا قد يصل إلى الأكبر وقد يكون أصغر والأصل إنه شرك أصغر ما لم يكن في قلب هذا الحالف تعظيم للمحلوف به مساوي لتعظيم الله عز وجل أو أكثر أما الحلف بالطلاق بالصيغة المعروفة التي هي الشرط والجزاء فإن هذا لا يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لكنه في حكم اليمين عند كثير من العلماء وفي حكم الطلاق المعلق على شرط محض عند أكثر العلماء فمثلا إذا قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق ففعل هذا الشيء فإن امرأته تطلق عند أكثر أهل العلم وعند بعض العلماء لا تطلق حتى يسأل هل أنت أردت بذلك الطلاق أو أردت تأكيد المنع فإن كان أراد الطلاق فإنه يقع لأنه طلاق معلق على شرط ووجد وإن قال أردت التوكيد على منع نفسه من هذا الفعل كان ذلك في حكم اليمين إذا فعل ما علق الطلاق عليه فإنه يكفر كفارة يمين
وكفارة اليمين ذكرها الله في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) .
وعلى هذا فإني أوجه النصيحة لإخواني الذي ابتلوا بهذا النوع من الأيمان وهو أيمان الطلاق أنصحهم أن يكفوا ألسنتهم عن ذلك لأن أكثر أهل العلم يلزموهم بالطلاق على كل حال وهذه مصيبة أن تبقى زوجتك إذا كان هذا اليمين هو الطلقة الثالثة أن تبقى زوجتك حرام عليك عند أكثر العلماء فالمسألة مشكلة وخطيرة ويجب على الإنسان أن يتق الله عز وجل ويقال له إذا كنت عازما على أن لا تفعل أو عازماً على أن تفعل وألجئت إلى اليمين فاجعل اليمين بالله عز وجل أما زوجتك فدعها تبقى في مكانها ولا تُطْلِق الطلاق عليها وقد كثر الحلف بالطلاق عندنا مع أنه كان معدوما من قبل وذلك لأنهم وجدوا من يفتيهم بأن حكمه حكم اليمين وكانوا فيما سبق لا يفتون بهذه الفتوى فتجدهم يخشون خشية عظيمة من أن يحلفوا بالطلاق وأنا لست أعارض في الإفتاء بأن هذا الطلاق إذا كان القصد منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب يكون في حكم اليمين بل أنا أفتي بذلك لكني أقول إنه لا ينبغي للإنسان إذا وجد مثل هذا القول أن يجعله وسيلة تبرر كثرة كلامه في الطلاق لأننا نقول إذا وجدت هذا القول فلا تنس أقوال العلماء الذين هم أكثر عددا ممن يفتي بأن هذا الطلاق في حكم اليمين أكثر العلماء يرون أنك إذا قلت إن فعلت كذا فامرأتي طالق ثم فعلت أكثر العلماء يرونها تطلق على كل حال فإذا قلت هذا ثلاث مرات فهذا يعني أن زوجتك طلقت ثلاث وحينئذٍ تبقى معك وأنت تجامعها جماعا محرما عند أكثر العلماء فالمسألة خطيرة جدا لذلك أوجه النصيحة لإخواني أن يكفوا ألسنتهم عن مثل هذه الأمور.
***(19/2)
السؤال: يقول ما حكم الذي يحلف بالطلاق في البيع والشراء وهو يعلم أنه كاذب ليروج سلعته وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أنه أتى كبيرة من كبائر الذنوب ففي حديث أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم ثم أعادها مرتين فقال أبو ذرٍ من هم يا رسول الله خابوا وخسروا قال (المسبل) يعني الذي يجر ثيابه خيلاء (والمنان) الذي يمن بما أعطى (والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وهذا السائل يسأل عن رجلٍ ينفق سعلته بالحلف الكاذب وبالحلف بغير الله بل بالطلاق فهو آثمٌ من وجهين
الوجه الأول أنه أنفق سلعته بالحلف الكاذب
والوجه الثاني أنه عدل عن الحلف بالله إلى الحلف بالطلاق
ثم وجهٌ ثالث وهو خداعه وتغريره المشتري وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من غش فليس منا) ونقول لهذا من باب النصيحة اتقِ الله وأجمل في الطلب فإن رزق الله لا ينال بمعصيته والإنسان إذا اتقى الله عز وجل فتح له من أبواب الرزق ما لا يحتسب كما قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: من الآية2-3) وليعلم أنه إن وسع له في الرزق بهذه الطريق فإنما ذلك استدراجٌ من الله عز وجل له حتى يستمر في هذه المعصية ثم يأخذه الله أخذ عزيزٍ مقتدر فليتب إلى الله مما صنع وليرجع إليه وليبين وليصدق فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المتبايعين (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) .
***(19/2)
السؤال: يقول لدينا أشخاص يحلفون بالطلاق في كثير من مناقشاتهم ويرددون عليّ الطلاق أن تعمل كذا أو أن تخرج إلى كذا مع العلم أن كلاً منهم متزوج فهل يقع الطلاق في مثل هذه الحالة أم لا أفيدونا مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن هذا السؤال تضمن سؤالين:
السؤال الأول حال هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم وهؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا أراد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف ولا بالله سبحانه وتعالى لقوله (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) (المائدة: من الآية89) ومن جملة ما فسرت به أن المعنى لا تكثروا الحلف بالله أما أن يحلفوا بالطلاق مثل عليّ الطلاق أن تفعل كذا أو عليّ الطلاق أن لا تفعل أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبهه من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال كثير من أهل العلم بل أكثر أهل العلم إنه إذا حنث في ذلك فإن الطلاق يلزمه وتطلق منه امرأته وإن كان القول الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد فإن حكمه حكم اليمين لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل الله التحريم يميناً ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى) وهذا لم ينوِ الطلاق وإنما نوى اليمين أو نوى معنى اليمين فإذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين هذا هو القول الراجح
وأما المسألة الثانية فهي الحلف على غيرهم سواء كان ذلك بالطلاق أو بالله عز وجل أو بصفة من صفاته فإن الحلف على غيرك فيه إحراج له وربما يكون فيه ضرر عليه وهو بلا شك لا يخلو من إحراج إما على المحلوف عليه وإما على الحالف فالمحلوف عليه قد يفعل ما حلف عليه فيه مع تحمله المشقة فيكون في ذلك إحراج له وربما لا يفعل لما يجد من المشقة ويكون في ذلك إلزام للحالف بالكفارة أعني إلزاما له بكفارة اليمين
وكفارة اليمين هي كما قال الله تعالى في سورة المائدة (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) فذكر الله تعالى في كفارة اليمين أربعة أشياء ثلاثة منها على التخيير وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وواحد على الترتيب إذا لم يجد هذه الثلاثة فإنه يصوم ثلاثة أيام متتابعة وقد حذف المفعول في قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ) ليكون ذلك شاملاً لمن لم يجد ما يطعمهم به أو يكسوهم أو يحرر به رقبة ومن لم يجد المساكين الذين يطعمهم أو يكسوهم أو لم يجد رقبة وعلى هذا فإذا كنت في بلد ليس فيه فقراء فإنه يجوز لك أن تصوم عن كفارة اليمين ثلاثة أيام لأنه يصدق عليك أنك لم تجد.
***(19/2)
السؤال: يقول هناك البعض من الرجال يحلفون بالطلاق ويقولون مثلا عليّ الطلاق أن تفعل كذا وكذا فهل في هذه الحالة تكون الزوجة طالقا أم لا علماً بأنه لم يذكر الاسم أو اسم الزوجة وهذه حجة من يقول هذا القول نرجوا الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الحلف بالطلاق أمر محدث وهو وقوع في مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا قال الرجل علي الطلاق لأفعلن كذا وكذا ولم يفعل أو قال لامرأته إن لم تفعلي كذا فأنت طالق فلم تفعله فأكثر العلماء على أن الطلاق يقع ولا يمين عندهم في الطلاق في مثل هذه الصيغة وذهب بعض أهل العلم إلى أن مثل هذه الصيغة يمكن أن تكون للطلاق وأن تكون لليمين على حسب نية المطلق فإذا قال قلت لزوجتي إن فعلت كذا فأنت طالق أقصد بذلك تأكيد منعها وتهديدها بالطلاق إن فعلت ففعلت فإننا في هذه الحال نقول عليك كفارة يمين وهي على التخيير إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاث أيام وإن قال أردت الطلاق حقيقة وأن المرأة إذا خالفتني لم يعد لي فيها رغبة فحينئذٍ يكون طلاقاً معلقا متى وقع فيه الشرط وقع الطلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ولكل أمري ما نوى) .
***(19/2)
السؤال: يقول لقد وقع طلاق على زوجتي بأن قلت لها إن خرجتِ من هذا الباب فأنتِ طالق ومحرمة علي مثل أمي وأختي ولكن للأسف قد خرجت ولكن لا من نفس الباب الذي أشرت إليه ولأنها أقد أنجبت ثلاثة أطفال فإني أسال عن الحكم فيما قلت وماذا يجب علي لكي استرجعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أوجه نصيحة إلى الأخ السائل وإلى السامعين أيضاً بألا يتلاعبوا بالألفاظ هذا التلاعب المشين فإن التلاعب بمثل هذه الأمور يوقعهم في مشاكل ويوقع أيضاً المفتين في مشاكل وفي إشكالات لا نهاية لها فإذا أراد أن يحلف فليحلف بالله عز وجل مع أن الزوج الحازم الذي يكون له مكانة وشخصية أمام زوجته وأمام أولاده لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور بل مجرد كلمة تدل على المنع يحصل بها الامتناع منهم أما الرجل الذي يتضائل أمام أهله حتى يأتي على أهوائهم حتى لو كانت مخالفة للحق فهذا عنده نقص في الحزم والرجولة ولذلك ينبغي أن يكون إنسان قوياً من غير عنف وليناً من غير ضعف وأن يجعل كلمته بين أهله لها وزنها ولها قيمتها حتى يعيش في عيشة حميدة ولست أدعو في ذلك إلى أن يستفيض أمام أهله ويعبس ولا يريهم وجهاً طلقاً بل أدعو إلى ضد ذلك إلى أن يكون معهم هيناً ليناً خيراً ولكن يكون مع ذلك حازماً جاداً في أمره غير مغلوب عليه
أما الجواب على هذا السؤال فإن الرجل إذا قال لزوجته إن خرجت من هذا الباب فأنتِ طالق ومحرمة علي كأمي وأختي فلا يخلو من حالين إحداهما أن يريد بذلك مجرد منعها لا طلاقها ولا تحريمها ولكنه نظراً لتأكيد ذلك عنده أراد أن يقرن هذا المنع بهذه الصيغة فإنه في هذه الحال يكون له حكم اليمين على القول الراجح من أقوال أهل العلم فإذا خرجت من الباب فإنها لا تطلق ولكن يجب عليه أن يكفر كفارة يمين ولا فرق بين أن تخرج من الباب الذي عينه أو من الباب الآخر من أبواب البيت لأن الظاهر من قوله أنه يريد أن لا تخرج من البيت وليس يريدها أن تخرج من الباب المعين إلا أن يكون في هذا الباب المعين شي يقتضي تخصيصه بالحكم فيرجع إلى ذلك
الحال الثانية من قوله إن خرجت من هذا الباب فأنتِ طالق ومحرمة علي كأمي وأختي أن يريد بذلك وقوع الطلاق ووقوع التحريم عند وجود الشرط وحينئذ يكون شرطاً له حكم الشروط الأخرى فإذا وجد الشرط وجد المشروط فإذا خرجت من هذا الباب أو من غيره من أبواب البيت فإنها تكون طالقاً ويكون مظاهراً فإذا طلقت ولم يسبق هذا الطلاق طلقتان فإن له أن يراجعها ولكن لا يقربها حتى يفعل ما أمره الله به في كفارة الظهار بأن يعتق رقبة فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً ولا فرق بأن تخرج من الباب الذي عينه أو من باب آخر من أبواب البيت لأن الظاهر من لفظه ألا تخرج من البيت مطلقاً حتى ولو تسورت الجدار إلا أن يكون في الباب المعين الذي عينه ما يقتضي تخصيص الحكم به أو الشرط به فيكون خاصاً بهذا الباب فإذا خرجت من غيره فإنها لا تطلق ولا يثبت الظهار.
***(19/2)
السؤال: تقول أفيدكم علماً يا فضيلة الشيخ بأنني طلقت من زوجي بسبب ذهابي إلى أهلي في المدينة وكان يمانع ذهابي إليهم ففي المرة الأولى حصل الطلاق بأن كتبه في ورقة وسلمني إياها مكتوب بها طالق وكان السبب خروجي مع أختي وابن أختي وذهابي معهم للنزهة لأنه مانع الذهاب معهم ولا يريدني أن أذهب معهم وبعد ذلك حصل الصلح وفي شهر رمضان المبارك يوم الثالث عشر طلبت منه أن أذهب للمدينة لرؤية أهلي فمانع في البداية ولكن بعد إصرار مني ذهبت ومكثت عندهم يومين وبعدها رجع لأخذي من عند أهلي فطلبت منه البقاء يوم أخر فقط لأنني كنت محتاجة لقرب أهلي وأمي وإخواني لأنني في بداية الحمل وكانت نفسيتي مضطربة حتى أنني لم أطق رؤيته ولا الجلوس بجواره وكنت قد كرهته كثيراً في بداية الحمل وأوضحت له حالتي النفسية بغية مني أن يراعي ظروفي لكنه لم يفعل وقال لي وهو غاضب لعدم ذهابي معه إذا لم تذهب معي الآن إلى جدة فأنت طالق ولم أذهب معه في تلك الليلة وكانت الليلة الثانية فذهبت إلى جدة وحصل الصلح بيننا وبينه وبعدها بيومين كانت حالتي النفسية سيئة جداً حيث أنني لم استطع الجلوس في بيتي طلبت منه أن نسكن في مكان أخر مؤقتاً حتى تهدأ حالة الوحام أو أذهب إلى أهلي أو إلى أي مكان أخر ولو لمدة شهر لكنه لم يوافق رغم رؤيته لحالتي النفسية والمرضية مما اضطرني أن أقترح عليه الذهاب إلى المدينة المنورة عندما ضاقت بي الأسباب لأنه لم يقف جنبي ولم يراعني وأنا في هذه الحالة النفسية السيئة علماً بأنني لأول مرة يحصل لي حمل ولم أكمل معه ثمانية أشهر من زواجي وعندما قررت الذهاب إلى المدينة قال لي لو ذهبت فأنت طالق فطلبت منه أن يذهب معي ليلة ونرجع سوية لكنه لم ينفذ رغبتي ولم يراع شعوري وبدون وعي مني ذهبت إلى المدينة وجلست عند أهلي ولم يسأل ولم يبحث عما حصل بيننا ولكنني الآن والحمل في الشهور المتقدمة متندمة كثيراً ولم أكن راغبة في الانفصال عن زوجي وأتمنى من الله العلي القدير أن يكتب لي الرجوع إليه بالحلال إنه سميع مجيب نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة لهذه الحالة
فأجاب رحمه الله تعالى: فقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أوجه نصيحتين إحداهما للزوج والثانية للسائلة الزوجة
أما نصيحتي للزوج فإني أنصح الزوج هذا وجميع إخواننا المتزوجين أنصحهم بأن يضبطوا أعصابهم عند الغضب وأن يتريثوا في أمور الطلاق ولا يتعجلوا فإن الطلاق الأصل فيه الكراهة إلا إذا دعت الحاجة إليه ولهذا أمر الله عز وجل أن تطلق النساء للعدة فلا يطلقها الإنسان وهي حائض ولا يطلقها في طهر جامعها فيه إلا أن تكون حاملاً فإن الحامل يصح طلاقها بكل حال كل هذا من أجل التريث وعدم التسرع في الطلاق وجعل للمرأة ثلاث حيض تعتد فيها لعل زوجها يراجعها في هذه المدة كما قال الله تعالى (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) (الطلاق: من الآية1) والتسرع في الطلاق من الحمق والسفه فإن الإنسان إذا طلق زوجته لا يفارق سلعة من السلع يشتري بدلها وإنما يفارق امرأة قد تكون هي أم أولاده أيضًا فيتفرق الأولاد ويتشتت الشمل فعلى الإنسان أن يتريث وأن لا يتسرع وإذا قدر أنه عازم على الطلاق فليطلق بهدوء وليطلق للعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فيطلقها إما حاملاً وإما طاهرا لغير جماع
أما نصيحتي للمرأة السائلة فإني أنصحها وأنصح جميع المتزوجات أن يصبرن على أزواجهن وأن يتحملنّ ما يحدث منهم من مثل هذه الأمور التي قد تؤدي إلى المعاندة لأن المعاندة ربما يحصل بها الفراق فيندم كل من الزوجين على ما فعل.
أما موضوع السؤال الذي يتبين لي أن هذا الرجل طلق زوجته الطلقة الأولى طلقة واضحة ليس فيها إشكال وأما الثانية والثالثة فهما طلقتان معلقتان على فعل المرأة وقد خالفت فيما علق الطلاق عليه وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم فمنهم من يقول إنه يحنث ويقع عليه الطلاق في المرتين كليهما وبناء على ذلك تكون المرأة هذه قد بانت من زوجها لأنه طلقها ثلاث مرات الطلقة الأولى التي ليست معلقة على شيء أو الطلقتين الأخريين المعلقتين على عدم ذهابها إلى أهلها ولكنها ذهبت وذهب بعض العلماء إلى أن الطلقتين المعلقتين تكونان على حسب نية الزوج فإن كان قد نوى الطلاق وقع الطلاق بمخالفتها إياه وإن كان قد نوى اليمين حملها على ألا تذهب وتهديدها إن ذهبت بالطلاق فإنه لا يقع الطلاق وتلزمه كفارة يمين وهذا القول هو الراجح عندي واختيار شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله.
وإنما ذكرت القول الأول الذي هو قول جمهور أهل العلم وهو وقوع الطلاق ليتبين للسائل ولغيره ممن يستمع أن الأمر في هذه المسألة خطير وأن الواجب على الإنسان أن لا يقدم على مثل هذا الفعل فإن جمهور أهل العلم يرون أن الزوجة في مثل هذه المسألة حرام على زوجها لأنها طلقت منه ثلاث مرات أقول إنما ذكرت هذا الخلاف حتى يخاف الناس وحتى لا يكثروا من هذا الأمر الذي يمكنهم أن يحلفوا بالله عز وجل على زوجاتهم والزوجة يجب عليها إذا نهاها زوجها عن شيء أن توافقه فيما نهاها عنه لأن الله تعالى سمى الزوج سيداً فقال الله تعالى (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) (يوسف: من الآية25) يعني زوجها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء عوان عند الرجال والعوان جمع عانية وهي الأسيرة فللزوج الحق في أن يمنع زوجته مما يخشى منه العاقبة السيئة وعلى الزوج أيضاً أن يتقي الله عز وجل في مراعاة زوجته وأن يعاشرها بالمعروف كما قال الله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: من الآية19) وقال (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228) بناء على القول الراجح عندي في مسألة هذا الرجل فإني أقول له إن كان نيتك بقولك إن ذهبت لأهلك فأنت طالق إن كان نيتك أنها تطلق إذا ذهبت لأنها بعصيانها إياك تكون غير مرغوبة عندك فإن الطلاق يقع أما إذا كان نيتك أن تخوفها وأن تحملها على ترك الذهاب فإن حكم هذا حكم اليمين وعليك أن تطعم عشرة مساكين عشر كيلوات من الرز ومعهن اللحم الكافي لهن وإن شيءت فاصنع الطعام أنت وغدي المساكين أو عشهم.
***(19/2)
السؤال: يقول إنني شاب متزوج والحمد لله ولكن قبل حدوث عقد القران بأقل من أربع وعشرين ساعة حدثت خلافات حادة بيني وبين أهل العروس بسبب تدخل الوشاة والحاقدين مما أغضبني كثيراً وأدى بالتالي إلى حدوث خطأ مني في حق تلك الزوجة قبل عقد القران حيث قلت بالحرف الواحد قاصداً الخطيبة إنها لم تتزوج حتى الآن ولكن لو فعلت كذا بعد زواجها ستكون مطلقة وبعد أن تم الزواج بيننا في اليوم التالي حدث تفاهم كبير بيننا بدرجة أنني وافقتها وأذنت لها بفعل هذا الشيء نفسه فهل يقع الطلاق أم لا وما هو الواجب عليّ أن أعمله مع العلم أن زوجتي لا تعلم أي شيء حتى الآن عن هذا الموضوع وعما قلته بحقها قبل زواجنا بل ما زلت أخشى أن أعرفها خوفاً من تعكير صفو الحياة الزوجية بيننا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن ما ذكرته من تعليق طلاق هذه المرأة على فعل شيء من الأشياء لا أثر له لأن ذلك قبل العقد والطلاق إنما يكون بعد العقد لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) فجعل الله تعالى الطلاق بعد النكاح ولأن الطلاق حل عقدة النكاح وحل العقدة لا يكون إلا بعد انعقادها وعليه فإن زوجتك لا تطلق بهذا لو فعلت ما علقت الطلاق عليه لكن يلزمك في مثل هذا كفارة يمين وذلك لأن اليمين ينعقد حتى على غير الزوجة فإذا فعلت ما علقت عليه الطلاق فإنه يلزمك أن تكفر كفارة يمين
وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وكيفية الإطعام إما أن تصنع طعاماً غداء أو عشاء وتدعو هؤلاء العشرة إليه ليأكلوه وإما أن تعطيهم من الرز أو نحوه ستة كيلو ومعه لحم يؤدمه وأما الكسوة فظاهرة تكسو كل واحد منهم ما جرت العادة به من ثوب وسراويل وغترة ونحوها لأن الله تعالى أطلق الكسوة فيرجع في ذلك إلى العرف وأما تحرير رقبة فهو عتق الرقبة أي عتق عبد مملوك ذكراً كان أو أنثى فإن لم تجد بأن لم يكن عندك مال تقدر به على الطعام أو الكسوة أو الرقبة أو عندك مال لكنك لم تجد مساكين تطعمهم أو تكسوهم أو لم تجد رقبة تشتريها فإن عليك أن تصوم ثلاثة أيام متتابعة وأخيراً أنصحك أيها الأخ وغيرك من المستمعين الابتعاد عن التساهل في إطلاق الطلاق وجريانه على اللسان فإن ذلك أمرٌ خطير حتى إن أكثر أهل العلم يقولون إن الرجل إذا قال لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق ثم فعلت فإنها تطلق فالذي يليق بالعاقل أن لا يتعجل في هذه الأمور وأن يصبر وينظر وإذا قصد أن يمنع زوجته عن هذا الشيء فليقل لها ذلك بدون أن يقول أنت طالق إن فعلت كذا والله المستعان.
***(19/2)
السؤال: المستمع من العراق الأنباط يقول في رسالته إنني كنت ألعب القمار منذ فترة طويلة وكنت تاركاً للصلاة ولكنني في شهر رمضان أصوم وأصلى وبعدها أترك وإنني متزوج ولدي أطفال وزوجتي تصلى أيضاً ولكنني ذات يوم خسرت كثيراً من هذا القمار وتألمت وحلفت يميناً على أن لا ألعب القمار ولكنني لعبت مرة ثانية واليمين الذي حلفته هو أنني قلت بالحرام بالطلاق بالثلاث أنني سوف لا ألعب القمار بعد الآن فهل تكون زوجتي في هذه الحالة طالقة وأنها لا تدري بهذه اليمين كما قلت وأيضاً كما قلت لك كنت تاركاً للصلاة وهي تصلى وإنني الآن تائب حائر فما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا وأنا أريد التوبة وإنني الآن بدأت بالصلاة وتركت القمار أرجو الإجابة على سؤالي مع التقدير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال هو أن القمار هو الميسر الذي حرمه الله عز وجل وقرنه بالخمر وعبادة الأوثان قال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) والكسب الذي اكتسبته من وراء ذلك كسب محرم يجب عليك التخلص منه بالصدقة به تخلصاً من إثمه لا تقرباً به إلى الله عز وجل لأن التقرب بالمكاسب المحرمة لا يجدي شيئاً فالذمة لا تبرأ بتلك الصدقة والتقرب إلى الله تعالى لا يحصل بها لأن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) إذن فالواجب عليك نحو هذه المكاسب أن تخرجها من ملكك تخلصاً منها وتوبة إلى الله عز وجل.
وأما ما يتعلق بحلفك بالطلاق والحرام أن لا تعود إليه أي إلى لعب القمار ثم عدت فإنه يجب عليك على القول الراجح من أقوال أهل العلم يجب عليك كفارة يمين وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو تحرير رقبة وكيفية الإطعام أن تصنع طعاماً غداء أو عشاء ثم تدعو هؤلاء العشرة حتى يأكلوا أو تفرق عليهم أرزاً أو نحوه مما هو من أوسط ما تطعم أهلك لكل واحد من المساكين نحو كيلو ويحسن أن تجعل معه شيئاً يؤدمه من لحم أو نحوه وما دمت الآن قد تبت إلى ربك وندمت على ما جرى من ذنبك فاسأل الله تعالى الثبات على ذلك واحمده على هذه النعمة العظيمة فإن التوبة من أجل نعمة الله على العبد ولهذا أمتن الله على عباده بالإسلام حيث قال عز وجل (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: من الآية17) وقال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) (المائدة: من الآية3) .
***(19/2)
السؤال: يقول لدي مشكلة حصلت معي وأريد الاستفهام عن تلك المشكلة وهي أني رجل متزوج ومعي أولاد والحمد لله وفي يوم من الأيام حلفت يمين على زوجتي وحلفت كالتالي قلت لها عليّ الطلاق لازم تخرجي من منزلي إلى منزل والدك وتقومي بالمبيت أي النوم هناك بسبب نزاع معها ثم خرجت فعلاً إلى منزل والدها ولكن الجيران أحضروها في نفس اليوم ولم تنم في منزل والدها ونامت في منزلي في تلك الليلة فهل عليّ يمين وما المطلوب مني حتى لا أقع في يميني هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أرجو من الأخوة المستمعين بل ومن جميع إخواننا المسلمين أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات وأن لا يتساهلوا في إطلاق الطلاق لأن الأمر خطير عظيم وإذا أرادوا أن يحلفوا فلا يستهوينهم الشيطان فليحلفوا بالله عز وجل أو ليصمتوا
والحلف بالطلاق سواء كان على الزوجة أو على غيرها اختلف في شأنه أهل العلم فأكثرهم يرون أنه طلاق وليس بيمين وأن الإنسان إذا حنث فيه وقع الطلاق على امرأته ويرى آخرون أن الحلف بالطلاق إن قصد به اليمين فهو يمين وإن قصد به الطلاق فهو طلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى) وهذا السائل الذي قال لزوجته عليّ الطلاق أن تخرجي إلى بيت أبيك وتنزلي فيه أو تنامي فيه إذا كان غرضه بهذه الصيغة إلزام المرأة والتأكيد عليها بالخروج فإنه لا يقع عليه الطلاق سواء خرجت أم لم تخرج لكن إذا لم تخرج فعليه كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وإن قصد به الطلاق فإن خرجت لم تطلق وإن لم تخرج أو خرجت ثم عادت فإنها تطلق وإذا كانت هذه آخر طلقة له فإنها لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فالمسألة إذنً خطيرة فعليه وعلى غيره أن يحفظ لسانه وألا يتسرع في إطلاق الطلاق
وخلاصة الجواب أن نقول إذا كان هذا الرجل قصد بقوله علي الطلاق اليمين فإن ذلك يمين له حكم اليمين إن حنث فيه فعليه الكفارة كفارة اليمين وإن لم يحنث فلا شيء عليه وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً فإذا حنث فيه وقع الطلاق منه على امرأته.
***(19/2)
السؤال: الثاني يقول عندنا بعض الأخوان يحلفون بالطلاق بالكذب أكثر من ثلاثين مرة في اليوم فما حكم أولئك وهل يقع عليهم الطلاق وإذا كان الجواب بأنه يقع عليهم فماذا يفعلون فيما مضى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح من أقوال أهل العلم أن الحلف بالطلاق لا يجعله طلاقاً وأن حكمه حكم اليمين واليمين على أمر ماض كاذباً محرمة لأن الكذب من أصله محرم وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الكذب من علامات المنافقين فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما جرى منهم وألا يعودوا لمثل ذلك وأما الطلاق فإنه لا يقع عليهم طلاق.
***(19/2)
السؤال: يقول ما هي الحالات التي يأخذ الطلاق فيها حكم اليمين وتجب فيه الكفارة فقط لأن هذا الموضوع قد أثار جدلاً عندنا وهناك بعض اللبس فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر أهل العلم يرون أن الطلاق المعلق على شرط طلاق معلق على الشرط مطلقا سواء أراد به اليمين أو أراد به الطلاق فإذا قال لزوجته إن كلمت فلاناً فأنتِ طالق فكلمته فإنها تطلق بكل حال وفصّل بعض أهل العلم في هذه المسألة فقال إذا قال لزوجته إن كلمت فلاناً فأنت طالق فإن قصد بذلك وقوع الطلاق أي أنها إذا كلمته فلا رغبة له فيها ولا حاجة له فيها وإنما حاجته أن يفارقها في هذه الحال فإنه يكون شرطاً تطلق به المرأة إذا وجد وأما إذا قصد معنى اليمين بأن قصد بقوله إن كلمت فلاناً فأنتِ طالق قصد منعها وتهديدها دون طلاقها وأن المرأة غالية عنده حتى ولو كلمت فلاناً فإنه في هذه الحال يكون التعليق له حكم اليمين إذا كلمت هذا الرجل الذي حذرها من كلامه فإنها لا تطلق ولكن يكفر كفارة يمين
وكفارة اليمين هي ما ذكره الله في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) هذه ثلاثة أشياء يخير فيها (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) (المائدة: من الآية89)) وإطعام المساكين يكون على وجهين
أحدهما أن يصنع طعاماً غداء أو عشاء فيدعوهم إليه فيأكلوا
والثاني أن يعطيهم حباً أرزاً أو براً أي قمحاً أو ما أشبه ذلك من أوسط ما يأكل الناس في مكانه وزمانه ومقدار ذلك من الأرز ستة كيلوات ولكن ينبغي أن يجعل معها ما يؤدمها من لحم أو غيره ليكون الإطعام كاملاً.
***(19/2)
السؤال: يقول في حالة غضب وأمام زوجتي حلفت بالطلاق ثلاثاً بإني سوف أتزوج بأخرى ولم أحدد ميعاداً ولم أتزوج حتى الآن أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أنصحك عن هذا العمل فلا تحلف إذا أردت أن تحلف إلا بالله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) والحلف بالطلاق أمر مبتدع لا ينبغي للإنسان أن يتعاطاه أو أن يمارسه بل إذا حلفت فاحلف بالله وإلا فاسكت
وقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا حلف الإنسان بالطلاق ولم يوف بما حلف فقال بعضهم إن الطلاق وقع لأنه علق الطلاق بشرط قد تحقق فوجب أن يقع به الطلاق فإن قلت إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعلت فإن الطلاق يقع عند هؤلاء وقال بعض أهل العلم إن كان الإنسان لا ينوي إيقاع الطلاق وإنما نوى الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب فإن هذا الشرط يكون بمعنى اليمين فإذا قال إن فعلت كذا فزوجتي طالق يريد أن يزجر نفسه عن فعله ولكنه فعله فإن زوجته لا تطلق ولكن عليه كفارة يمين فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم ولكن القول الراجح أن لكل أمرئ ما نوى فإن نوى إيقاع الطلاق وقع الطلاق وإن نوى معنى اليمين فهو يمين وهذا هو الغالب في مثل هذه الأشياء وعلى كل فأنت الآن إما أن تتزوج أو لا تتزوج فإن تزوجت فلا شيء عليك لأنك أتممت ما حلفت عليه وإن لم تتزوج فإن عليك كفارة يمين تطعم عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك أو تكسوهم أو تحرر رقبة إن وجدت فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(19/2)
السؤال: يسأل ويقول إذا حلف الرجل بالطلاق على زوجته وهي لا تدري بهذا فما حكم الشرع في نظركم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أوجه نصيحة إلى إخواننا المسلمين بألا يعتادوا على الحلف بالطلاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) والحلف بالطلاق اختلف فيه أهل العلم فمنهم من يرى أن الطلاق يقع به مطلقاًُ فإذا قال إن فعلت كذا فزوجتي طالق أو إن لم أفعل كذا فزوجتي طالق فخالف فرأى بعض أهل العلم أن زوجته تطلق بكل حال لأنه علق الطلاق على شرط فتحقق ذلك الشرط ورأى بعض أهل العلم أن ذلك يختلف بحسب نيته فإذا كان قصده وقوع الطلاق على زوجته بالمخالفة وقع الطلاق وإن كان قصده تأكيد الامتناع من هذا الشيء أو تأكيد فعل هذا الشيء أو تهديد زوجته إن كان ذلك موجهاً إليها فإن ذلك في حكم اليمين ولا يقع به الطلاق بالمخالفة وإنما يجب عليه كفارة اليمين وإذا كان هذا خلاف أهل العلم في هذه المسألة فإن الواجب على المرء أن ينزه لسانه عن ذلك وإذا أراد أن يحلف فليحلف بالله أو ليصمت والأقرب من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أنه على حسب ما نوى هذا الحالف بالطلاق فإن قصد اليمين فهو يمين وإن قصد الطلاق فهو طلاق لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى) .
***(19/2)
السؤال: يقول في رسالته لقد حلفت في يوم من الأيام وأنا في المملكة على زوجتي بالطلاق إذا ذهبت وحضرت فرح أختها ثم بعد ذلك أرسل إلي خالي وهو أيضاً والد زوجتي تهاتفني قبل الفرح بيوم يترجاني بأن أقول لزوجتي أن تذهب لفرح أختها وفعلاً قلت لها اذهبي فما حكم الشرع في نظركم في هذا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تقدم الجواب وبينا أن من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ثم إني أقول لهذا الأخ الذي حلف على زوجته أن لا تذهب لهذه المناسبة أقول له إنه لا ينبغي لك أن تحجر على زوجتك في أمر ليس عليها فيه ضرر ولا يخاف منه الفتنة بل إن الذي ينبغي أن تعاشرها بالمعروف ولا شك أن المرأة في مثل هذه المناسبات تذهب إلى من كانت عندهم هذه المناسبة ويرى الناس أن منعها من هذا فيه إجحاف وفيه جور عليها فالذي أشير به على هذا السائل وعلى غيره أن يراعوا النساء في عقولهنّ وأحوالهنّ وألا يمنعوهنّ من مثل هذه الأمور اللهم ألا أن يكون في ذلك ضررٌ أو فتنة فإن الواجب درء الضرر والفتنة.
***(19/2)
السؤال: هذا السائل من صنعاء يقول تقدمت لخطبة فتاة من قريتنا للزواج قبل أربع سنوات حيث الشروط والمهور في قريتنا غالية جداً تصل إلى مائة وثلاثين ألف ريال وتزوجت على هذا المبلغ المذكور ولكن الذي حدث هو أنه صدر قرار من الدولة ومن مشايخ قرى أخرى مجاورة لقريتي في تحديد شروط ومهور النساء واتفقوا على أن يكون المبلغ خمسين ألف ريال ولكن قريتي لم تلتزم بهذا وأراد كل ولي لفتاة أن يزوجها إليّ بملغ مائة وثلاثين ألف ريال طمعاً في المال وأنا تزوجت على هذا المبلغ لأني لم أجد أحداً من أهل قريتي يزوجني بملغ يسير وتزوجت وفوضت أمري إلى الله ولكن الذي حدث هو أنه قد طلبت المحكمة أولياء أمور النساء والرجال الذين زوجوا والذين تزوجوا لكي يحلفوا يميناً على أنهم لم يسلموا زيادة فوق الاتفاق ولم يأخذوا وحلفوني يميناً فقال لي قل بالله العظيم وأنا أردد بعده ذلك إلى أن قال وتكون زوجتك من رأسك طالق وقلت هذا وليس في نيتي الطلاق بينما فعلاً نحن قد سلمنا زيادة فوق الاتفاق والسؤال هو هل يعتبر هذا طلاقاً وكم يقع به أم ماذا يعتبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذا لا يعتبر طلاقاً لأن المقصود به تأكيد هذا الخبر الذي أخبرت به وهو أنك لم تزد على ما قررته الحكومة فلا يكون حينئذ طلاقاً لأن الطلاق إذا قصد به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب كان له حكم اليمين على القول الراجح من أقوال أهل العلم وعلى هذا فامرأتك غير طالق منك بل هي زوجتك وإذا كنت مكرهاً على هذا اليمين فإنه لا أثم عليك أيضاً أما الكفارة فلا تجب لأن كفارة اليمين من شروط وجوبها أن تكون اليمين على أمر مستقبل أما اليمين على أمر ماضٍ فليس فيها كفارة وإنما فيها الإثم إن كان الإنسان كاذباً عالماً بكذبه أو عدم الإثم إن كان الإنسان صادقاً أو حالفاً على ما يغلب على ظنه.
فضيلة الشيخ: غلاء المهور إلى هذا الحد أليس فيه تعسير أمور الزواج ونحو ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن غلاء المهور سبب لقلة الزواج والذي ينبغي إكثار الزواج حتى تكثر الأمة ويكثر نسلها ويحصل لها الخير ولهذا ينبغي للمسلمين عموماً أن يحرصوا على تقليل المهر مهما أمكن لأن في تكثير المهر مفاسد:
المفسدة الأولى أنه خلاف السنة فإن أهل العلم يقولون يسن في الصداق التخفيف
ثانياً أنه سبب لحرمان البركة لأن من بركة النكاح أن يكون يسير المؤونة
ثالثاً أن غلاء المهور سبب لإبقاء الزوجة أو للتمسك بالزوجة مع سوء العشرة لأن الرجل إذا علم أنه لن يجد زوجة إلا بمهر كثير وأنه قد سلم مهراً كثيراً لهذه الزوجة فإنه يتمسك بها وإن كانت العشرة بينهما سيئة وفي هذا من التعب النفسي والبدني ما هو ظاهر فلا يكاد يطلقها أبداً لكن لو كانت المهور يسيرة لكان الإنسان يمكن أن يطلق إذا لم يكن الاجتماع بين الزوجين.
الأمر الرابع من مفاسد تكثير الصداق أنه إذا ساءت العشرة بينهما ولم يمكن البقاء فإنه هذا الزوج قد يطلب المخالعة بأن يردوا عليه ما أعطاهم ثم يكلفهم أي يكلف الزوجة وأهلها بعد ذلك مبالغ باهظة قد لا يستطيعون القيام بها هذه من مفاسد تكثير المهور والذي أحب من عامة المسلمين أن يقوموا به هو أن يحرصوا غاية الحرص على تقليل المهور وتكون البداءة بهذا الأمر من الكبراء والرؤساء وذووي الجاه والشرف حتى يتبعهم الناس في ذلك فإن الناس إذا رأوا أعيانهم وكبرائهم وشرفائهم قد قللوا من المهور تبعوهم في هذا ومثل هذه الأمور لا يكفي فيها القول أو الكتابة بل لا ينفع فيها نفعاً مؤثراً إلا إيجاد ذلك بالفعل فإذا تحدث الناس أن فلاناً دفع هذا المهر القليل وزوجوه وهو من الأعيان والشرفاء والوجهاء هان عليهم بعد ذلك أن يزوجوا بمهور قليلة.
***(19/2)
السؤال: المستمع محمد مدني أحمد من جدة يقول أنا متزوج من زوجة ولي منها أربعة أولاد وكانت دائمة الخلافات معي وكنت أحلف عليها بالطلاق ثلاثاً وفي نفس الوقت هي تطلب الطلاق وكذلك نيتي أثناء الخلاف الطلاق وسبق مرة أن طلقتها فعلاً ثم استرجعتها وبعد رجوعها تكررت نفس الخلافات والحلف وبعد نهاية الخلاف يقوم بعض الأصدقاء والأهل بالصلح ولم يتم أي شيء وحتى ذلك الحين على ذمتي وكنت خلال هذه الفترة جاهلاً بعيداً عن الصلاة وأمور الدين وقد تكرر هذا أكثر من عشر مرات فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك ما دمت تقصد بما تقول الطلاق فإن الطلاق يقع وإذا وقع الطلاق فإنه إذا تكرر ثلاثاً حرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك بنكاح صحيح ثم يكون الفراق بينه وبينها بموت أو طلاق أو نحوه وتنقضي عدتها فحينئذٍ تحل لك هذا إذا كان ما فعلته من المعاصي لا يخرجك من الإسلام أما إذا كانت المعصية التي تمارسها وتقوم بها تخرج من الإسلام فإن الرجل إذا ارتد والعياذ بالله ينفسخ نكاحه إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدة فإن نكاحه باقٍ وكذلك أيضاً بعد انتهاء العدة على القول الراجح ما دام للزوجة رغبة في الرجوع إليه.
***(19/2)
السؤال: السائل عبد الله ع. م. ع. مصري يعمل بالعراق يقول زوجتي فعلت شيئاً لا يرضيني حتى إنني غضبت منها غضباً شديداً وأقسمت عليها أربع طلقات لو تكرر هذا العمل مرة أخرى فسوف أضربك ضرباً شديداً وبعدها تصالحنا وحافظت على القسم وبعد ذلك تهاونت مرة أخرى وذلك عن نسيان منها كما تقول هي فما الحكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إنه لا ينبغي للإنسان إذا أراد أن يؤكد شيئاً أن يؤكده بالطلاق لأن ذلك بمعنى اليمين وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا أردت أن تؤكد شيئاً فأكده باليمين بالله سبحانه وتعالى لا بالطلاق وذلك لأن التأكيد بالطلاق خلاف المشهور ولأن التأكيد بالطلاق يرى كثير من أهل العلم أو أكثر أهل العلم أنه يثبت به حكم الطلاق لا حكم اليمين فيكون الإنسان بذلك مخاطراً فيما إذا ما حلف بالطلاق على زوجته أن تفعل شيئاً أو لا تفعله أما ما وقع لهذا الرجل من كونه حلف بالطلاق أربع مرات على زوجته إن فعلت هذا الشيء أن يضربها ضرباً شديداً فإنه ليس له حق في أن يضربها ضرباً شديداً وإنما إذا فعلت ما يقتضي الضرب فإنه يضربها ضرباً غير مبرح وعليه فإنه لما عادت إلى فعل هذا الشيء الآن لا يضربها ذلك الضرب الشديد الذي حلف بالطلاق عليه ولكن يكفر عن طلاقه هذا أو عن حلفه بطلاقه هذا يكفر كفارة يمين وكفارة اليمين كما ذكرها الله عز وجل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وإطعام العشرة مساكين له وجهان الوجه الأول أن يصنع غداء أو عشاء ويدعوا عشرة مساكين يأكلون والوجه الثاني أن يطعمهم شيء غير مطبوخ ومقداره ستة كيلو من الرز يعطيها العشرة وإذا حصل أن يجعل معها شيئاً من الإيدام من لحم أو غيره فإنه أكمل وأفضل.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم يقول ما رأيكم في شخص كان يحلف بالطلاق كثيرا وتاب إلى الله توبة نصوحا ما رأيكم في حلفه في الماضي هل عليه كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر العلماء يرون أن الحلف بالطلاق طلاق معلق فإذا قال لزوجته إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق فدخلت تطلق على كل حال هذا هو رأي جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة مالك وأبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد بن حنبل وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا قصد بهذا الطلاق معنى اليمين صار يمينا تَحُلُّهُ الكفارة بمعنى أنه إذا قال لزوجته: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق يريد بذلك منعها لا يريد طلاقها فدخلت فإنها لا تطلق لكن عليه كفارة يمين وهذا القول هو الراجح لكننا في الحقيقة لو شيءنا لقلنا إن الناس إذا تهاونوا فيه وكثر فيهم فينبغي أن يفتوا فيه بقول الجمهور وهو أنه طلاق يقع به الطلاق حتى لا يتجاسر الناس على ذلك وعلى القول بأن هذا يمين وأن الكفارة تحله فإننا نقول إذا كان هذا الطلاق على أشياء متعددة وجب عليه بكل شيء كفارة وإذا كان على شيء واحد ولكنه كرر الصيغة فإنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة مثال ذلك إذا قال: إن دخلتي هذه الدار فأنت طالقة ثم جاءته تقول له ائذن لي فقال إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق ثم جاءته فقالت ائذن لي فقال إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق فهنا لا يلزمه إلا كفارة واحدة وأما إذا قال إن دخلتي هذه الدار فأنت طالق وإن زرتي هؤلاء الجماعة فأنت طالق وإن كلمتي فلانا فأنت طالق فهنا يلزمه ثلاث كفارات وذلك لتعدد المحلوف عليه.
***(19/2)
ألفاظ الطلاق(19/2)
السائل: يقول لقد تزوجت من ابنة خالتي وقد حدث أن زادوا علي في المهر إلى أن كرهت الزواج بسبب التكاليف الباهظة علي حيث وصلت تكاليف الزواج خمسة وسبعين ألف ريال وفي لحظة من البؤس والغضب تجادلت أنا ووالدتي من أجل هذه الفتاة مما جعلني أتلفظ بكلمة الطلاق وأصف لك الموقف قالت الوالدة: ألا تريدها زوجة لك فقلت لها إني سأطلقها وذلك بغير حضرتها علما بأنني لم أرغب في هذه الفتاة ولم أتزوج رغبة مني ولكن بناء على رغبة والدتي وإلحاحها علي لأنها ابنة أختها سوف تعطف عليها وترفق بها والآن أنا منجب من هذه الفتاة طفلة صغيرة وأخشى أن أكون قد وقعت في الطلاق فأفيدوني فضيلة الشيخ محمد جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول بارك الله لك في أهلك ورزقكما المودة والألفة وقولك لأمك إني سأطلقها لا يعتبر طلاقا بل هو خبر عما سيقع منك فإذا لم تطلقها فلا طلاق والذي أشير به عليك أنه ما دام هذه المرأة صالحة في دينها مستقيمة في أخلاقها أن تصبر عليها فإن الله تعالى يقول (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) لا سيما قد أرضيت الوالدة وأن الوالدة ترغب أن تبقى عندك فيكون في إمساكها خير من وجهين من جهة أن الصبر على المرأة من الأمور المطلوبة شرعا ومن جهة أن ذلك من بر والدتك أسال الله تعالى أن يبارك لكما في نكاحكما وأن يرزقكما الذرية الطيبة إنه على كل شي قدير.
***(19/2)
السؤال: يقول هل إذا أوقع زوج على زوجته بما يحمل معنى الطلاق بأن قال لها مثلاً وهو يؤكد لها بأنه سوف يرسل لها ورقتها ومفهوم لديها أن الورقة تعني ورقة الطلاق فهل يعد هذا طلاقاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الزوج سأرسل ورقة الطلاق أو سأطلقك أو الورقة التي يفهم منها ورقة الطلاق فإن هذا وعد بالطلاق وليس إيقاعاً له ولا يقع عليه بذلك طلاق فلو أراد أن يرجع عن نيته هذه فلا حرج عليه أما إذا قال لزوجته قد طلقتك وتأتيك ورقة الطلاق فيما بعد فإن الطلاق يقع وإذا كتب الطلاق عند المأذون أو غيره ممن تعتمد كتابته وقال له أكتب بأنني طلقت زوجتي فلانة بنت فلان فإن هذا الأمر بكتابة الطلاق لا يعد طلقة ثانية لأنه يراد به كتابة طلاق قد وقع منه ومضى فهو خبر عن أمر قد وقع فلا تكون إلا طلقة واحدة إذ أنه فرق بين الإخبار عن الطلاق وبين إنشاء الطلاق.
***(19/2)
السؤال: المستمع يقول في رسالته إني شاب في السابعة والعشرين من العمر عقدت قراني على فتاة قبل فترة أكثر من سنة وأخرت موعد الزواج لظروف لا مجال لذكرها ثم ما لبثت أن ظهرت مشاكل أعاقت الزواج وعلى إثر مكالمة هاتفية كان والدها قد قال فيها بأن كل شيء قد انتهى بيننا وبينهم فقمت بكتابة طلاقها في ورقة وكنت في حالة عصبية نوعاً ما وأنا الآن نادم على ما فعلت ولم ألفظ كلمة الطلاق شفوياً حتى الآن بل كتبت بالنص أنت طالق يا فلانة وأخذت الرسالة بنفسي إلى والدها فهل هذا الطلاق صحيح ويقع أم لا أفيدونا بارك الله فيكم علماً أني كتبت طلقة واحدة فقط وهو طلاق الغير المدخول بها وإذا كان الطلاق يقع هل يشترط أنها تتزوج بآخر ثم تطلق أم أن حكمها يختلف عن حكم المدخول بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الطلاق الذي وقع منك وكتبته بيدك في ورقة على وجه يقرأ يكون طلاقاً شرعياً وحيث إنه قد وقع قبل الدخول فإن المرأة تبين به بمعنى أنها لا تحتاج إلى عدة لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) ولكنه يعتبر طلقة واحدة فلك الآن أن تراجعها وإن لم تتزوج بغيرك ولكنك لا تراجعها إلا بعقد جديد بشروط تامة وفي هذه الحال لابد أن تبذل المهر وأي مهر اتفقتم عليه كان جائزاًَ.
***(19/2)
السؤال: يقول حدث بيني وبين زوجتي خلاف تركت على أثره البيت مع طفلتي وأخذت معها جميع أمتعتها وفي اليوم التالي كتبت رسالة إلى أخيها ذكرت لها فيها أن أمرها بيدها وكنت أعني الطلاق لأني قرأت في كتاب الفقه أنه تجوز التكنية في هذه الأمور ومرت أيام ومزقتُ بعدها الخطاب ولم يصل إلى أحد وبعد مرور أكثر من عام راجعت زوجتي والتي كانت تتمنى الرجوع وأيضاً أهلها راجعوا بذلك أنفسهم ولكني أصبحت في شك من أمري هل يعتبر ذلك طلاقاً نافذاً لأنه حسب علمي أنه إذا مرت أكثر من ثلاث شهور تراجع الزوجة بعقد جديد أرجو من فضيلتكم إبداء الرأي وهل أنا مذنب شرعاً فيما فعلته وإن كنت كذلك فماذا أعمل لكي أصحح الخطأ انصحوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنبه الأخ السائل وغيره من المستمعين إلى أن أمر الطلاق ليس بالأمر الهين الذي يحصل بالكلمة أو بأدنى انفعال وأن المشروع في حق الزوج أن يكون قادراً على نفسه كاظماً لغيظه مالكاً لغضبه وألا يتسرع في الطلاق فكم من إنسان تسرع في الطلاق ثم ندم هو وزوجته وليعلم أن الزوجة ناقصة عقل ودين لأنها امرأة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكنّ) وأنها أي الزوجة سريعة الانفعال لكنها سريعة الندم لأن تصرفها ناتج عن نقصان في عقلها ودينها هذه هي طبيعة المرأة من حيث العموم فلا ينقد الرجل إلى ما تمليه عليه زوجته في مثل هذه المسائل لأنه رجل وهو القوام على المرأة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء عوان عند أزوجهن أي بمنزلة الأسيرات فهو المالك لها كما قال تعالى في وصف الزوج (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) وإذا كان كذلك فإن عليه ألا يخضع لثورة غضبها وسوء تصرفها بل يتصرف تصرفاً حكيماً ويعالج المشاكل بالتي هي أحسن والرجل العاقل المؤمن يعرف كيف يتصرف وإذا أراد الإنسان أن يطلق فلينظر هل المرأة في حال تسمح لوقوع الطلاق عليها أم لا والحال التي يمكن إيقاع الطلاق على الزوجة فيها هي أن تكون حاملاً أو أن تكون طاهراً طهراً لم يجامعها فيه فإن كانت حائضاً فلا يطلقها وإن كانت طاهراً طهراً قد جامعها فيه فلا يطلقها أما إذا كانت حاملاً وأراد طلاقها فليطلقها ويقع طلاق الحامل خلافاً لما يفهمه كثير من العامة الذين يظنون أن الحامل لا يقع طلاقها ويجوز للإنسان أن يطلق الزوجة بنفسه وأن يوكِّل من يطلقها سواء وكلها هي أو وكل غيرها ومن صنيع التوكيل أن يقول لها أمرك بيدك فإذا قال لها أمرك بيدك وقبلت ذلك وطلقت نفسها طلقت أما إذا قال ذلك ولم يبلغها هذا القول ثم عدل عنه فإنه لا طلاق لأنها وكالة لم تبلغ الموكل ثم إنه فسخها قبل أن تبلغ الموكل وعلى هذا فاطمئن على أهلك ولا يكن في قلبك حرج فالزوجة زوجتك ولم يقع عليها طلاق.
***(19/2)
السؤال: يقول في رسالته رجل قال لزوجته عندما اشتد بينهما الخصام اخرجي أو اذهبي أو إني بريء منك عند الغضب ينوي به الطلاق ثم عدل عن هذا ويقول بأن هذا عن جهل ولم يعلم بأن فيه تحريماً أو لغواً ودائماً يقول هذا مراراً ما حكم الشرع في هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نجيب على سؤال السائل أحب أن أنبه على أنه ينبغي للسائل إذا وجه سؤالاً إلى عالم من العلماء أن يقيد مثل هذه الكلمة أعني قوله ما حكم الشرع فيقول ما حكم الشرع في رأيك أو في نظرك أو عندك أو ما أشبه ذلك وذلك لأن هذا العالم الذي يجيب بما يرى أنه هو الشرع قد يوافق الشرع وقد لا يوافقه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فإن هذا الحديث يدل على أن الإنسان المجتهد للوصول إلى حكم الله قد يصيب وقد يخطئ فإذا أخطأ فمقتضى ذلك أن يكون الخطأ في الشرع فأرجو الانتباه لمثل هذا.
وأما الجواب على سؤاله فإن هذا الرجل يقول إنه في حال الغضب والخصومة مع زوجته يقول لها اخرجي اذهبي وما أشبه ذلك من الكلمات يريد بها الطلاق وهو إذا قال ذلك مريداً به نية الطلاق فإن الطلاق يقع وذلك لأن الطلاق ليس له لفظ تعبدنا الشارع به بحيث لا نتجاوزه بل الطلاق هو فراق الزوجة وهو حاصل بأي لفظ كان إذا نواه الإنسان وعليه فنقول إن الطلاق يقع عليه بهذه الكلمات إذا كان نوى بها الطلاق لأنها كلمات تدل على الفراق وقد نواه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) فهذه الكلمات تدل بلا شك على الفراق بنيته لأن اللفظ يحتمله، وقد قسم العلماء رحمهم الله ألفاظ الطلاق إلى قسمين صريح وكناية:
الصريح ما لا يحتمل سوى الطلاق مثل أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت مطلقة أو ما أشبه ذلك.
والكناية ما يحتمل الطلاق وغيره وهذا لا يقع به الطلاق إلا إذا نواه لأنه لما كان محتملاً للطلاق وغيره فإننا لا نلزمه بشيء يكون فيه الاحتمال إلا إذا نوى أحد المحتملين فإذا نوى أحد المحتملين فله ما نوى للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً.
وبالمناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين من الغضب لأن الغضب له آثار سيئة يندم عليها الإنسان حين لا ينفع الندم وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني قال (لا تغضب) فردد مراراً قال (لا تغضب) فإذا أحس الإنسان بالغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وإن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع فإن اشتد به الغضب فليتوضأ فإن ذلك مما يزيله وكم من إنسان غضب فطلق زوجته أو غضب فضرب أولاده ضرباًَ مبرحاً أو غضب فأتلف شيئاً من ماله فحصل بذلك الندم حين لا ينفع الندم فعلى الإنسان أن يكون مالكاً لأعصابه قوياً في إرادته وعزيمته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) . ***(19/2)
السؤال: يقول نهيت زوجتي عن فعل شي وقلت لها لو أن أحداً من أسرتي أقصد والدي أو والدتي قال لك افعلي ذلك العمل فقولي إن زوجي قد نهاني عن ذلك بالطلاق وعندما تغيبت عن المنزل علمت أنها فعلت ذلك فغضبت غضباً شديداً وقلت لها أنتِ طالق مرتين وكنت أقصد بهذا اللفظ أني أذكرها بما قلت لها عن هذا العمل سابقاً فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن قولك الأخير أنت طالق إذا كنت في غضب شديد لا تدري ما تقول فإنه لا يقع الطلاق منك أما إذا كنت في حال تملك نفسك ويمكنك أن تتصرف تصرفاً سليماً وقلت لها أنتِ طالق وادعيت أن ذلك تذكير لها بما سبق فإن هذا يرجع فيه إلى المحكمة لأنك ادعيت خلاف الظاهر فإن الظاهر من هذه الجملة أنك أوقعت الطلاق عليها لمخالفتها ما ذكرت وحيث إنك ادعيت خلاف الظاهر فإنه لابد من أن يكون ذلك راجعاً إلى المحكمة إلا إذا صدقتك المرأة بما تقول فإنه يقبل منك الدعوى ولكن كلامك في الحقيقة خلاف الواقع ادعاؤك أن هذا تذكير لما سبق خلاف ظاهر الكلام والأحوال المقترنة به فعليك يا أخي أن تتقي الله عز وجل وألا تلتمس الحيل في مثل هذه الأمور العظيمة الخطيرة بل عليك أن تكون صادقاً فيما تقول وأرى أنه لابد من رفع هذه المسألة إلى المحكمة لتنظر في الأحوال وفي إمكان صدقك فيما ادعيت من عدمه.
***(19/2)
السؤال: يقول في هذه الأيام التي أعمل فيها بالعراق أرسلت لزوجتي رسالة بعدم فعلها لشيء وبعدها أرسل لي أحد أفراد أسرتي بأنها فعلت ما نهيتها عنه فغضبت غضباً شديداً حتى إنني لم أذهب إلى العمل في اليوم الثاني وأرسلت شريطاً مسجلاً عليه لوالدي قولي إن زوجتي لابد أن تخرج من البيت لأنني طلقتها ولا أدري كم مرة قلت تلك العبارة ولكن والدي لم يبلغ زوجتي بذلك وأرسل لي رسالة وأنكر فيها ما قاله أخي وأقسم أنها لم تفعل شيئاً وأرسلت رسالة لزوجتي وقلت لها إنك لابد أن تخرجي من البيت وإن شاء الله عندما أرجع سوف أعطي لك كل ما لك من جهاز ونحوه ولكن الرسالة أخذتها والدتي من موظف البريد دون علم زوجتي أن لها رسالة ولم تظهرها لها يعني أن زوجتي لم تقرأ الرسالة ولم تعلم بما فيها وكذلك لم تعلم بالشريط المسجل عليه الطلاق فما الحكم في هذا وهل يجوز لي الاستمرار في الحياة الزوجية معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طلاقك الأول الذي أرسلت إلى والدك في الشريط كان مبنياً على أنها فعلت ما نهيتها عنه وإذا تبين أنها لم تفعله فإنه لا يقع عليك الطلاق لأن الطلاق المبني على سبب إذا تبين عدم وجود السبب فإنه لا طلاق حينئذٍ أما طلاقك الأخير فإذا كان نيتك بقولك لابد أن تخرجي من البيت نيتك الطلاق فإنه يقع الطلاق عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) وإذا كانت هذه الطلقة هي الثالثة فإنها لا تحل لك إلا بعد زوج بنكاح صحيح ثم يكون الفراق.
***(19/2)
السؤال: يقول رجل متزوج وقد حدث خلاف بينه وبين زوجته فاشتد غضبه عليها ولعنها فما الحكم في ذلك وهل هي حلال أم حرام عليه بعد أن لعنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أنه ينبغي للإنسان إذا غضب أن يكون شديداً أي قوياً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وقال له رجل أوصني يا رسول الله قال له (لا تغضب) فردد مراراً قال (لا تغضب) أخرجه البخاري فالذي أنصح به هذا وغيره من إخواني المسلمين أن يملكوا أنفسهم عند الغضب وإذا أصابهم الغضب فليستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإن ذلك مما يذهبه وليتوضؤوا فإن ذلك يذهب الغضب أيضاً وإذا كان الإنسان قائماً فليقعد وإذا كان قاعداً فليضطجع كل هذا يوجب تخفيف الغضب عنه وأما لعنه لزوجته فإن لعنة المسلم حرام بل لعنة الكافر المعين حرام لا يجوز لأحد أن يلعن شخصاً معيناً لأن اللعن معناه أن تدعو عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذه اللعنة وأن يستحل زوجته منها لعل الله أن يتوب عليه وأما زوجته فلا تحرم بذلك بل هي حلال له لأن اللعن لا يوجب التحريم.
***(19/2)
السؤال: المستمع يعمل بالعراق بغداد يقول سافرت من بلدتي إلى العراق وبيني وبين زوجتي سوء تفاهم وغضب تركت على أثره المنزل إلى بيت أهلها وذهبت أنا إلى العراق وعند وجودي في العراق كان في نيتي طلاقها وفعلاً قمت بعمل توكيل لأحد أقاربي بطلاقها ولكن بعد تفكير وتردد في إرسال التوكيل وبعد مضي سنتين من البعد هل تصبح هذه الزوجة مطلقة بعد عودتي حيث كان في نيتي أن أطلقها ثانياً هل بعد عودتي إلى مصر وأردت الرجوع إليها أن أطلقها أولاً ثم أردها أم أن النية في هذه الحالة لا تصح في حكم التنفيذ لأنني وقتها كنت غضبان منها أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ينبغي للإنسان أن يتعقل عند كل تصرف يريد أن يتصرف فيه لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير وهو طلاق زوجته فلا يقدم على شيء إلا وقد تأمل نتائجه ونظر ماذا يحصل فيما لو أمضى هذا التصرف والسائل ذكر أنه عزم على أن يوكل أحداً في طلاق زوجته ومثل هذه العزيمة والنية ولو كانت أكيدة لا يحصل بها الطلاق به لأن الطلاق لايحصل إلا بعد التلفظ به من الزوج أو من وكيله وحسب سؤال السائل لم يحصل التلفظ لا منه ولا ممن أراد أن يوكِّله وعلى هذا فالزوجة في عصمته لا تزال باقية ولايحتاج أن يطلقها إذا رجع إلى مصر لأن سبب الطلاق الذي هو سوء التفاهم أو الغضب الذي حصل منه قد زال فلا حاجة لأن يطلقها بل هي في عصمته وهكذا كل إنسان نوى أن يطلق زوجته ولم يحصل منه تلفظ بذلك ولا كتابة فإن زوجته لا تطلق.
***(19/2)
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم في رجل مقيم في دولة غير دولته وحصل بعض المشاكل بينه وبين زوجته فقام على الفور وسجل شريطاً وأقسم على زوجته يمين الطلاق في الشريط وبعثه لها هل يقع عليها الطلاق أم لا أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل قد صرح في الشريط بالطلاق وقال لها يخاطبها أنت طالق فإنها تطلق بذلك لأن هذا الشريط الذي سجل فيه لفظ الطلاق كالورقة التي كتب فيها الطلاق والطلاق يثبت إذا كتب في ورقة بل إن الشريط أبلغ وأبين وعلى هذا فتكون زوجته طالقاً بهذه الوسيلة، أما إذا كان الطلاق ليس طلاقاً منجزاً بل هو طلاق بمعنى اليمين مثل أن يقول لها إن خرجت من البيت فأنت طالق إن فعلت كذا فأنت طالق يريد بذلك توكيد منعها وتهديها وليست المرأة رخيصة عنده بل يعتبر نفسه راغباً فيها ولو أنها خالفته وخرجت فإن هذا له حكم اليمين إذا خالفت الزوجة وجب عليه أن يكفر كفارة يمين وكفارة اليمين ذكرها الله تعالى في قوله (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) هذه هي كفارة اليمين فنصيحتي لهذا الأخ السائل ولأمثاله أن لا يتهاونوا في أمر الطلاق وأن لا يجعلوه من الأمور التي تجري على ألسنتهم بغير قصد بل لا يتهاونون في مسائل الطلاق ولا يجعلوه جدياً على ألسنتهم دائماً ولو كان بغير قصد لأن هذا أمر لا يتلاعب به وربما يذهبون إلى أحد من أهل العلم ممن يرى أن تعليق الطلاق شرط محض ولو قصد به اليمين وحينئذ فإذا وقعت المخالفة وحصل خلاف الشرط وقع الطلاق حاصل الجواب أن نقول لهذا الأخ إن تسجيلك طلاق زوجتك في هذا الشريط يقع به الطلاق لأنه أبلغ من إيقاع الطلاق بالكتابة وإن كان ما سجلته تعليقاً بأن قلت لها إن فعلت كذا فأنت طالق فينظر إلى نيتك إن أردت بذلك الطلاق وأنها إذا فعلت ذلك فقد كرهتها ولا تريد أن تبقى زوجة عندك فإن الطلاق يقع وإن أردت بذلك اليمين بحيث تريد منها أن تمتنع ولا تريد أن تفارقها ولو خالفتك فهذا حكمه حكم اليمين تجب فيه كفارة يمين.
***(19/2)
السؤال: يقول عندي امرأة كثيرة الشك والوسواس فهي تتوضأ عدة مرات وتستغرق وقتاً طويلاً في الوضوء وماءً كثيراً كذلك وتعيد الصلاة أكثر من ثلاث أو أربع مرات وقد تعبت معها كثيراً بالنصح وبعض الأحيان أغضب من فعلها وأتكلم عليها بشدة ويحصل بيني وبينها خصام ومن الممكن أن يتسبب ذلك في الفراق بيننا مع العلم أن لنا أولاداً أرجو أن تدلوها وترشدوها إلى طريق الحق في ذلك الأمر وقد خرجت مني كلمة الطلاق عدة مرات ولكني لا أنوي الطلاق وإنما أهددها فقط فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نوجه النصيحة إلى هذه المرأة أن تدع هذا الوسواس وأن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تعتبر نفسها قد أبرأت ذمتها بفعل ما يجب عليها أول مرة ولا تقل لعلي لم أحسنه لعلي لم أكمله فإذا توضأت مرة فإنها تخرج من مكان الوضوء وتعتبر نفسها قد انتهى أمرها وكمل وضوؤها ولا تلتفت إلى الوساوس التي تقول أنها ما أتمت الوضوء بل حتى لو خرجت من مكان وضوئها وتعتقد أنها لم تكمل وضوئها فإنها قد أكملت وكذلك الوقوف في الصلاة فعليها أن تتقي الله سبحانه وتعالى في نفسها وفي عبادتها وأن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أما بالنسبة لنصحك إياها فإنك مشكور على ذلك وهكذا ينبغي الإنسان مع أهله أن يكون راعياً لهم موجهاً لهم إلى ما فيه الخير ودرء الشر
وأما بالنسبة للطلاق الذي وقع منك عليها فأنت لم تذكر الصيغة التي أوقعت بها الطلاق أو التي قلتها وحينئذٍ فلا نستطيع أن نعطي جواباً ولكن نقول بصفة عامة إذا كنت قلت لها إن كررت وضوءها أو الصلاة أو ما أشبه ذلك فأنت طالق وأنت تقصد بذلك تهديدها ومنعها لا تقصد بذلك إيقاع الطلاق عليها فإنها في مثل هذه الحال إذا خالفتك لا تطلق ولكن يجب منك كفارة يمين وهي كما قال الله عز وجل (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وإن كنت أردت بقولك إن فعلت كذا فأنت طالق أردت وقوع الطلاق عليها فإنها إن فعلته تطلق والله الموفق.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم السائلة أم إسلام من المدينة النبوية تقول امرأة طلقها زوجها دون أن يسمعها شيء أو يخبرها بهذا الطلاق هل هذا الطلاق صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطلاق صحيح إذا نطق به أما إذا أمرَّه على قلبه أو فكر فيه أو عزم عليه فإنه لا يقع لكن إذا نطق به وقع سواء كانت الزوجة تسمع أم لا وسواء سمعه أحد أم لا ما دام قد نطق به وقال مثلا زوجتي طالق فإنها تطلق لأنه تلفظ به وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) أما لو فكر فيه أو عزم عليه أو أمره على قلبه بدون أن ينطق به لسانه فإنه لا يقع الطلاق.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم يقول السائل إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة فلم يراجعها في المحكمة ولم تعلم الزوجة ولا أي إنسان بأنه طلقها فهل يصح هذا الفعل.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح أن يطلقها بدون شهود وبدون المحكمة ويصح أن يراجعها في العدة بدون شهود وبدون محكمة لكن الأفضل بلا شك أن يشهد على ذلك لقول الله تعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فأمر تبارك وتعالى بالإشهاد على الرجعة أو المفارقة.
***(19/2)
مسائل في الطلاق(19/2)
السؤال: يقول إذا تسبب شخص في طلاق زوجة رجل آخر من زوجها ثم تزوجها لنفسه ما هو الحكم في هذا الزواج هل هو صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لابد أن نعرف كيف كان هذا السبب هل هو بسحر أو بطلب المخالعة بمعنى أن يأتي إلى زوجها ويقول خالع زوجتك وأنا أعطيك عشرة آلاف ريال فيخالعها الزوج على هذا العوض فإن كان بسحر فإن الساحر يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقيل بل يقتل حداً إذا بلغت السلطان لشدة آذاه وضرره على المسلمين وأما إذا كان بالثاني بأن طلب من زوجها أن يخالعها ليتزوجها فقد استنكر الإمام أحمد هذا استنكاراً عظيماً وهو محل الاستنكار والإنكار وهو نوع من تخبيب الزوجة على زوجها فلا يحل لإنسان أن يحاول مفارقة الرجل زوجته من أجل أن يتزوجها.
***(19/2)
السؤال: المستمع م. ع. ع. من سوريا يقول أنا والحمد لله مسلم أقوم بواجباتي الدينية على أكمل وجه أصلى وأصوم وأقرأ القرآن ولكنني في هذا العام حصل بيني وبين زوجتي سوء تفاهم فنطقت بقولي إنك طالقة ولم أسم اسمها أو أقل أنت طالق فسألت الشيخ عندنا فقال بالحرف الواحد إن لم تكن قد لفظت باسمها أو قلت أنتِ طالق فلا يقع الطلاق وليس عليك شيء إن شاء الله وفي المرة الثانية كنت مريضاً في غاية المرض وعلى الفراش وحدث خلاف بيني وبينها فقلت أنت طالق. طالق. طالق وأنا في حالة عصبية لأنها تدعو عليّ بعدم الشفاء وتراضينا بعدها ولكني لم أقربها وصح بدني وأصبحت في حيرة من أمري هذا فذهبت إلى شيخ قريب منا فسألته فقال لي لا يوجد لك حل عندي فذهبت إلى شيخ آخر وقال لا حرج في ذلك أهي معك حتى آتي وأعقد عقداً جديداً بينك وبينها فقلت له هي بعيدة عني ولكن علمني كيفية العقد الجديد فرجعت إلى أهلي وجئت بإمام القرية وشخص آخر فعقد عقداً جديداً بيني وبينها حتى اطمئن قلبي لذلك فاتصلت بها بعقد جديد وصرنا على هذه الحالة مدة ثلاثة أشهر وأحيطك علماً أنني قبل الطلاق كنت أظن بأن الطلاق هو ثلاث مرات فهي أن يقول الإنسان في المرة الأولى ثلاث طلقات وفي المرة الثانية ثلاث طلقات وفي المرة الثالثة أيضاً ثلاث وأنا الآن في حيرة من أمري علماً أني أصلى وأصوم وأقوم بواجباتي كما أسلفت على أكمل وجه فما الحكم في قضيتي هذه وماذا عليّ أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا السؤال كنت لا أريد أن أجيب عليه وذلك لأن هذا السائل سأل واقتنع برأي من سألهم وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان إذا استفتى شخصاً أهلاً للفتوى مقتنعاً بقوله ملتزماً به فإنه لا يسأل أحداً غيره لأنه حين سأله يعتقد أن ما يقوله هو شرع الله وشرع الله تعالى إذا التزم به الإنسان لا يمكن أن يستبدل به غيره ولكن رأيت أن أجيب على هذا السؤال لا إجابة شخصية لهذا السائل بل من أجل الفائدة لأنه عرض واستمع إليه من يستمع هذا البرنامج
الحادثة الأولى التي وقعت على هذا الشخص أنه قال إنك طالق بالكاف والكاف هنا حرف خطاب ولاشك أنه يريد بحرف الخطاب يريد زوجته وإذا كان كذلك فإنها تكون طالقاً سواء أتى بالضمير المنفصل وهو أنتِ طالق أو أتى بالضمير المتصل وهو إنك طالق بل إنكِ طالق أبلغ من أنتِ طالق لأن الجملة هنا مؤكدة بإن بخلاف أنت طالق والضمير في أنت طالق كالضمير في إنك طالق لأن كليهما ضمير مخاطب وكذلك إذا سمى زوجته فقال زوجتي فلانة طالق وإن لم تكن حاضرة فإنها تطلق وعلى هذا فتكون فتوى من أفتاك في المسألة الأولى بأن زوجتك لم تطلق فتوى غير صحيحة
وأما الحادثة الثانية فقد ذكر أنه كان مريضاً فأغضبته غضباً شديداً حتى نطق بقوله أنتِ طالق. طالق. طالق ثم ذهب إلى شيخ يسأله وظاهر فتوى الشيخ أنه حكم ببينونتها وأنه لابد من عقد وعلى كل حال فإننا نقول في جواب هذه الحادثة إذا كان الغضب شديداً بحيث لا يدري ما يقول فإن طلاقه لا يقع بل حتى لو كان يعي ما يقول لكن الغضب أرغمه وحمله حتى لا يستطيع أن يمنع غضبه فقال بالطلاق فإنه لا يقع طلاقه على القول الصحيح وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا طلاق في إغلاق) ولأن هذا إكراه نفسي باطني فيشبه الإكراه الخارجي من أحد غير الزوجة أما إذا كان الغضب لا يبلغ إلى هذا الحد فإن الطلاق يقع ولكن الطلاق يقع واحدة إذا قال أنتِ طالق. طالق. طالق ولم ينو الثلاث فإنه يقع واحدة حتى على المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأما إذا نوى بقوله أنتِ طالق. طالق. طالق نوى الثلاث فإنه يقع الطلاق الثلاث على المشهور أيضاً في مذهب الإمام أحمد والراجح عندي أنه لا يقع الطلاق الثلاث بتكرار ألفاظه حتى لو نوى ذلك لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ولأن الإنسان إذا طلق طلقة عقب طلقة فقد طلق لغير العدة وقد قال الله تعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ووجه كونه طلق لغير العدة أن العلماء قالوا لو طلق الإنسان زوجته طلقة واحدة ثم بعد أن حاضت مرتين طلقها ثانية فإنها لا تستأنف العدة بل تبني على العدة الأولى وهذا يعني أن الطلاق الثاني لم يكن طلاقاً لعدة وقد قال الله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ولو كان طلاقاً للعدة وجب عليها استئنافها فالقول الراجح هو أن تكرار الطلاق أعني تكرار ألفاظه لا يتكرر به الطلاق وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الذي يدل عليه ظاهر حديث ابن عباس وعلى هذا فتكون هذه الزوجة التي طلقتها بقولك أنتِ طالق. طالق. طالق إن كانت في العدة فإنها لا تحتاج إلى عقد وإن كانت بعد انتهاء العدة فإنها تحتاج إلى عقد هذا الجواب الذي قلته ليس جواباً شخصياً لهذا الرجل ولكنه جواب علمي عن مثل هذه الحادثة لأني لا أحب أن أفتي بشيء أفتى به أحد قبلي لأن ذلك يحصل فيه تذبذب للعامة وإذا اختلفت الفتوى وحصل تردد وشك للعامة.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم السائل أبو عبد الله أع مصري مقيم بالرياض يقول بسبب سوء تفاهم حدث بيني وبين زوجتي أرسلت لها رسالة أبلغتها بأنها طالق ويحرم وجودك في البيت وبعد فترة حصل عندي الندم وفكرت فيما يترتب بعد الطلاق علما بأن لي منها ثلاثة أطفال فما المطلوب مني لإرجاعها أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كانت لا تزال في العدة ولم يسبق أن طلقتها مرتين قبل ذلك فالطريق إلى إرجاعها أن تشهد شاهدين بأنك راجعت زوجتك فلانة وعليك إذا رجعت إلى بيتك كفارة يمين لأنك حرمت وجودها في البيت والتحريم له حكم اليمين لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) أما إذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة فإنها تبين منك ولا تحل لك إلا بعد زوج ولكن إذا كان غضبك شديدا لا يمكنك أن تملك نفسك من أجله فإنه لا طلاق عليك سواء كان هذه الطلقة هي الثالثة أو التي قبلها
وإنني أنصحك بأن لا تكون سريع الغضب أو شديد الانفعال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل أوصني يا رسول الله قال (لا تغضب) فردد مرارا قال (لا تغضب) فالذي ينبغي للإنسان أن يملك نفسه عند الغضب وإذا أحس بالغضب فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم إن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فليضطجع وليتوضأ فإن ذلك يذهب غيظه وغضبه إن شاء الله.
***(19/2)
السؤال: أم عوف من العراق بغداد تقول هي امرأة كانت متزوجة وأنجبت من زوجها ابناً وبنتاً خلال ثلاث سنوات وبعد ذلك حصل بينهما سوء تفاهم ونشبت بينهما خلافات فهجرها وانفصلت عنه بدون طلاق وبقيت مدة ستة سنوات دون أن يطلقها فرفعت عليه دعوى في المحكمة طالبة للطلاق ولم يحضر هو بل وكل والده وفعلاً حضر والده وصدر الحكم لصالحها بالتفريق بينهما فهي تسأل أولاً هل هذا يعتبر طلاقاً شرعياً بهذا الشكل وتبدأ فيه العدة من تاريخ صدور الحكم أم ماذا وما هو الحكم الشرعي في فعل هذا الزوج معها وهل تجب عليه لها النفقة خلال تلك المدة التي علقها فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي جرى من المحكمة لا يعتبر طلاقاً وإنما هو فسخ إلا أن يكون صدر من القاضي بلفظ الطلاق واعتبره طلاقاً فهو طلاق ويحكم بالعدة من صدور الحكم أي من تاريخ صدور الحكم لا من علمها بها أي علمها بهذه المفارقة وأما وجوب النفقة عليه لمدة تعليقها فإن هذا لا يرجع إلينا وإنما يرجع إلى المحكمة إذا شاءت أن تطالبه بذلك فإن المحكمة هي التي تفصل بينهما وإن تركته فلا حرج عليها لأن الأمر يرجع إليها هي.
يافضيلة الشيخ: لكن هو ألا يأثم بتركها هذه المدة الطويلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يأثم إذا لم يكن منها سبب فإن كان منها سبب فإنه لا إثم عليه لأننا في الحقيقة لا ندري ما هو سبب هذا الخلاف وسبب مفارقتها لبيت زوجها قد تكون هي السبب في ذلك فإذا كانت هي السبب في ذلك فإنه ليس لها نفقة وليس عليه إثم في هجرها مادامت هي التي هجرته.
***(19/2)
السؤال: يقول شاب من جمهورية مصر العربية عندي مشكلة وهي أني شاب في بداية حياتي قد قام أبي وأخي بتكاليف زواجي وبعد زواجي أراد أهل زوجتي أن أسكن في بيت بعيد عن أبي أنا وزوجتي وأنا أريد أن أجلس مع أخي لكي أقوم برعاية والدي وخصوصا أنه وحيد بعد وفاة والدتي وبدأت المشاكل بين زوجتي وأبي وبعد فترة لا تزيد عن شهر ذهبت زوجتي إلى بيت أهلها وذهبت أنا لأخذها بعد صعوبة وإلحاح فأصرت على أن تجلس في بيت أهلها والآن أنا موجود في المملكة في جدة وقد هدتني الهموم والمشاكل وأريد في رسالتي هذه أن تنظروا هل أطلقها أم أصبر عليها أم ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن تصبر عليها وأن تخاطبها بالتي هي أحسن مرة بالترغيب ومرة بالترهيب لعل الله يهديها وأنت يجب أن تنظر إلى شدة العلاقة بينك وبينها من وجه وإلى كثرة الخصومة وضراوتها بينها وبين أهلك وتقارن بين المصالح والمضار وتفعل ما هو خير وإن أمكن أن ترسل إليها من يقنعها من معارفها ومن يقنع والديها كذلك فهو خير كما أن الواجب عليك أيضا أن تسبر الأمر حقيقة فإذا كان الخطأ من أهلك فاجعلها في بيت وحدها وإذا كان الخطأ منها فيجب عليها أن تتقي الله عز وجل وأن تقوم بواجب زوجها.
***(19/2)
الرجعة(19/2)
السؤال أخوكم م ع أيقول هل مراجعة الزوجة في شهور العدة تحتاج إلى شاهدين وإذا كانت المراجعة تحتاج إلى شاهدين فما الحكمة من ذلك وهل يشترط في الشاهدين أن يكونا من نفس القرية وما صيغة المراجعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال السائل في شهور العدة والعدة ليست شهورا العدة قروء والقرء هو الحيض لقول الله تبارك وتعالي (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) لكن إذا كانت المرأة لا تحيض لصغرها أو كبرها بأن بلغت سنا أيست فيه من الحيض فحينئذ تكون عدتها بالشهور وهي ثلاثة أشهر وللمطلق أن يراجعها ما دامت في العدة إذا لم يسبق طلقته الأخيرة طلقتان منفردتان فإن سبقها طلقتان منفردتان وصارت هذه هي الثالثة فأنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإذا أراد أن يراجعها وهي في العدة فالأفضل أن يشهد اثنين من ذوي العدل لقول الله تبارك وتعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) ولكن هذا الإشهاد ليس على سبيل الوجوب عند أكثر أهل العلم فيجوز أن يراجعها بدون إشهاد
أما كيفية المراجعة فهي كل لفظ يدل علي الإرجاع بأن يقول للشاهدين اشهدا أني راجعت زوجتي أو أني رددتها أو أني أمسكتها أو ما شابه ذلك ويجوز الرجوع بالفعل بأن يجامعها بنية الرجوع وإن لم يتلفظ بلسانه وعلى هذا تكون الرجعة إما بالقول بأن يقول إني راجعت زوجتي أو أمسكتها أو ما أشبه ذلك وإما بالفعل وهو الجماع بنية الرجوع.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم هذا السائل رمز لاسمه بـ ع. ع. ب. يقول إذا طلق الرجل زوجته طلقتين هل تخرج الزوجة من بيت زوجها أم تقعد فيه وكيف يعيدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى فإنها تبقى في بيتها حتى تنتهي العدة وإذا طلقها الطلقة الثانية فإنها تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي العدة لقول الله تبارك وتعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أما إذا طلقها الطلقة الثالثة فإن كان في البيت سواها بحيث لا يحصل خلوة بينها وبين زوجها المطلق فلا بأس أن تبقى في البيت ولها أن تنتقل إلى أهلها وأما إذا لم يكن في البيت إلا الرجل الذي طلقها الطلقة الثالثة فإنه يجب عليها أن تخرج وذلك لأنها صارت بائنةً منه لا تحل له وعلى هذا لا يجوز له أن يخلو بها فتخرج إلى بيت أهلها.
***(19/2)
السؤال: يقول حصل بينه وبين زوجته خلاف وذهبت إلى بيت والدها ومكثت فترة من الزمن هناك وأرسلت له عدة رسائل تطلب فيها الطلاق وطلقها على حسب رغبتها وكٌتبت ورقة الطلاق من شيخ القرية أمام شاهدين وأرسلت لها والآن مر على الطلاق منها ثلاث سنوات وهي لم تتزوج حتى الآن يقول أريد أن أرجع لها هل يصح لي ذلك بعد هذه المدة وبعد أن كتبت لها ورقة الطلاق أرجو منكم التوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح لك أن ترجع إليها بعقد جديد شرعي إلا أن تكون الطلقة التي طلقتها إياها هي الثالثة فإن كانت هي الثالثة فإنها لا تحل لك حتى تنكح زوجاً آخر لقول الله تبارك وتعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) إلى قوله (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) فإذا كنت راغبا في الرجوع إلى أهلك فاخطبها إلى نفسك من جديد وأجر ما يجب إجراؤه من العقد الشرعي مالم تكن هذه الطلقة هي الطلقة الثالثة فإن كانت الطلقة الثالثة فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً آخرنكاح رغبة لانكاح تحليل يفارقها بموت أو طلاق وتنقضي عدتها حينئذٍ تحل لك.
***(19/2)
السؤال: مستمع رمز لاسمه بـ هـ. ن. يقول لقد طلقت زوجتي طلقة واحدة وبعد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً أرجعتها وبعد رجوعها لي حملت وأنجبت ولداً وأرجو من الله ثم من فضيلتكم أن تخبروني ماذا يترتب عليّ من كفارة وإذا ترتبت علي الكفارة هل يجوز لي أن أدفعها من مالي الخاص نقداً وأنا لا أعرف مساكين يستحقونها أرجو من فضيلتكم أن ترشدوني إلى الطريق الصحيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس فيه كفارة ولكن ينظر إن كان هذا الرجل قد راجعها قبل تمام العدة فالمراجعة صحيحة وذلك لأن المرأة قد يمضي عليها ثلاثة أشهر وعشرة أيام أو أكثر وهي لا تزال في العدة لأن عدة المرأة التي تحيض ثلاث حيض وثلاث الحيض ربما لا تتأتى في ثلاثة أشهر لأن من النساء من لا يأتيها الحيض إلا بعد شهرين فلا تتم عدتها إلا بمضي ست أشهر وأما إن كانت المراجعة بعد تمام العدة أي بعد أن حاضت ثلاث مرات فإن هذه المراجعة ليست بصحيحة لأن المرأة إذا تمت عدتها صارت أجنبيةً من زوجها ولا تحل له إلا بعقدٍ جديد فإذا كان الأمر كذلك أي أن عدتها انتهت قبل أن يراجعها فعليه الآن أن يعقد عليها عقداً جديداً بل أن يعقد عليها ولا نقول عقداً جديداً لأن هذا العقد عقد مستقل المهم نقول له إن كانت مراجعتك إياها بعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام قبل أن تحيض ثلاثة مرات فهي الآن امرأتك والمراجعة صحيحة وإن كان مراجعتك إياها بعد تمام عدتها فإن المراجعة غير صحيحة والمرأة ليست زوجةً لك الآن وعليك أن تعقد عليها من جديد بشهود ومهر وولي.
***(19/2)
السؤال: يقول إذا طلق الرجل زوجته طلاق السنة طلقةً واحدة فقط ولم يراجعها في العدة ورغب في الرجوع إليها علماً بأنها أم ولد فهل يجوز له ذلك مع أنه أي الطلاق من مدةٍ تزيد عن السنة فكيف يكون ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طلق الرجل زوجته طلاق السنة ولم يسبق أن طلقها مرتين قبل ذلك وانتهت عدتها فإنها تحل له ولكنها لا تحل له إلا بعقدٍ جديد تتم فيه شروط العقد وكأنه يتزوجها من الآن فلا بد من ولي ولا بد من جميع شروط النكاح المعروفة أما لو كانت هذه الطلقة آخر ثلاث تطليقات فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطلقها الزوج الجديد وتنقضي عدتها ولا بد أن يكون نكاح الزوج الجديد نكاح رغبة فإن كان نكاح تحليل ليحللها للزوج الأول فإنه نكاحٌ فاسدٌ باطل ولا يحلها لزوجها الأول.
***(19/2)
السؤال: المستمع محمد أحمد محمد سوداني مقيم بالطائف يقول أنا رجل متزوج وذات يوم حصل بيني وبين زوجتي نقاشٌ وكان أخي موجوداً معنا فغضبت منها وقلت طلقتك فقال أخي مرجوعة فقلت لا غير رجعة إلا بعد سنة فهل يقع طلاقٌ في مثل هذه الحالة فبعض الناس يقولون إذا قال الزوج هي طالق وقال من بحضرته مرجوعة فإنها تعتبر مرجوعة فهل هذا صحيحٌ وماذا علي الآن أن أفعله أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمت قد طلقت زوجتك فإنه لا يملك أحدٌ إرجاعها إليك إلا أنت فقط فالطلاق إليك والإرجاع إليك وقول أخيك إنها مرجوعة لا تثبت به الرجعة بل لو قاله من هو أقرب إليك من أخيك كأبيك وابنك مثلاً فإن ذلك لا يعتبر رجعةً. الرجعة إليك وحدك وعلى هذا فإنك لما قلت لزوجتك إنها مطلقة تكون طالقاً فالآن إن كانت في العدة والطلاق رجعياً فإنه يمكنك أن تراجعها فتقول راجعت زجتي أو تخاطبها فتقول قد ارتجعتك أو رددتك أو ما أشبه ذلك مما يفهم منه الرجوع وإذا لم تكن بحضرتك فإنه ينبغي أن تشهد على ذلك رجلين من المسلمين، بل حتى لو كانت بحضرتك وحولك أحدٌ يمكن أن تشهده فهو أولى لأجل أن يكون الأمر بيناً واضحاً لقوله تعالى (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ)
أما إذا كانت قد انتقضت عدتها قبل أن تراجعها فإنها لا تحل لك إلا بعقدٍ جديد كأنك خطبتها الآن فلا بد من أن يعقد النكاح لك وليها وتتم بقية الشروط المعتبرة في النكاح
أما إذا كنت قد طلقتها قبل هذه المرة مرتين فإنها لا تحل لك إلا بعد زوج لقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ثم قال (فَإِنْ طَلَّقَهَا) يعني المرة الثالثة (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا) أي الزوج الثاني (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) أي على الزوج الأول والمرأة (أَنْ يَتَرَاجَعَا) .
***(19/2)
السؤال: المرسل ح. ع. س. عبد الله يقول هل يجوز أن تطلق المرأة بطلاق، يعني بطلقة واحدة ولا يعود لها زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يظهر من هذا السؤال أنه يريد به هل يجوز أن يطلقها طلقة واحدة ولا يعود به يعني ما يُمَكن من الرجعة لزوجته، إذا كان هذا هو المقصود فإذا كانت هذه الطلقة أول طلقة أو ثاني طلقة فله أن يرجع إلى زوجته بدون عقد بشرط أن لا يكون طلقها على عوض مبذول له، فإن طلقها على عوض مبذول له فليس له أن يراجعها إلا بعقد جديد إذا لم يستكمل الطلاق الثلاث.
***(19/2)
السؤال: يقول أفيدوني عن زوج وزوجة قد طلقها زوجها وبعد طلاقها كشفت عليه، فهل هذا حرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً يعني طلاقاً يملك فيه الرجعة فإن لها أن تكشف له ما دامت في العدة، لأنها ما دامت في العدة فهي زوجته، لقول الله تعالى (بُعُولَتُهُنَّ) يعني المطلقات (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فدل هذا على أن المرأة الرجعية زوجة لإضافتها إلى الزوج، لا يقال إن هذا مجاز باعتبار ما كان، لأن الأصل أن الكلام على حقيقته وأنه بعل لها وهي في العدة هذا هو الأصل، ولا يجوز صرف الكلام عن ظاهره إلا بدليل شرعي، وعلى هذا فنقول إذا كان الطلاق رجعياً فلا بأس أن تكشف له وتحادثه ويخلو بها وتبقى عنده في البيت حتى تنقضي العدة، بل إنه يجب أن تبقى عنده في البيت إذا طلقها طلاقاً رجعياً، لا يجوز أن يخرجها ولا أن تخرج خلافاً لما اعتاده بعض الناس، بل أكثر الناس اليوم، إذا طلق زوجته خرجت من البيت إلى أهلها وهذا حرام لأن الله يقول (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ثم قال مشيراً إلى ما سبق (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ثم قال معللاً لبقائهن في البيوت (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) فإذا بقيت في بيته فربما يحدث الله أمراً تتعلق رغبته بهذه المرأة فيراجعها من غير أن يحصل بينهما تباعد.
***(19/2)
هل للمطلقة أن تخرج لزوجها وأن تتحدث معه في وقت العدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الطلقة الأولى على غير عوض أو الثانية على غير عوض فإن لها أن تتحدث إليه وأن تجتمع به وان تتجمل له لأنها زوجة ما دامت في العدة قال الله تبارك وتعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فقال (بُعُولَتُهُنَّ) أي أزواجهن (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) أي في ذلك الوقت الذي هو وقت العدة ولهذا قال العلماء رحمهم الله إن المطلقة الرجعية في حكم الزوجات إلا في مسائل استثنوها.
***(19/2)
الظهار(19/2)
السؤال: يقول أنا متزوج من امرأة وقبل سفري كنت نهيتها وحذرتها من الذهاب إلى مكان ما فأصرت هي على الذهاب إليه فغضبت منها غضباً شديداً وقلت لها إن ذهبت إلى هذا المكان فأنت علي مثل أمي وأختي ثم سافرت وبعد عودتي سألت عنها فعلمت أنها خالفتني وذهبت فما الحكم في هذا وما هو مصير الزوجة في مثل هذه الحالة إن لم يكفر الزوج عن يمينه أو عن ظهاره وهل للتكفير وقت إن لم يكفر تطلق الزوجة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أحب أن أنصحك وجميع من يستمع إلى هذا البرنامج من هذا التصرف الأحمق حيث إن بعض الناس إذا أراد أن يمنع زوجته من شيء أو أراد أن يفعل شيئاً يؤكده أو أن ينفي شيئاً يؤكد نفيه ذهبوا يستعملون صيغة الطلاق أو التحريم أو الظهار فهذا أمر لا ينبغي منهم فالظهار وصفه الله تعالى بأنه منكر وزور والتحريم قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم فيه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال النبي عليه الصلاة والسلام (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فكيف يكون من المسلم بل كيف يقع منه مثل هذا التصرف الذي إذا فعله ندم وذهب يتتبع أعتاب أهل العلم لعله يجد حلاً لذلك فنصيحتي لكل من سمع كلامي هذا أن يتقي الله في نفسه وأن يكون شجاعاً قوياً يملك نفسه عند الغضب حتى يمكن أن يتصرف تصرفاً سليماً.
أما الجواب على هذا السؤال فإذا كان الرجل قد قصد بقوله: أنتِ علي مثل أمي قد قصد تحريمها بهذه الصيغة فلا شك أنه مظاهر وأنه لا يجوز له أن يقربها حتى يفعل ما أمر الله به في قوله (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فيجب عليه قبل أن يجامع زوجته أن يكفر بهذه الكفارة التي ذكرها الله عز وجل وأما إذا كان قد قصد به المنع أي منع الزوجة من هذا الفعل الذي نهاها عنه ولم يقصد تحريمها فإن هذا يكون يميناً حكمه حكم اليمين يكفر كفارة يمين وينحل بالكفارة.
يافضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة من السؤال يقول هل للمظاهر وقت معين إن لم يكفر عنه تفارقه الزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظهار إذا ظاهر الإنسان من زوجته فلها الحق أن تطالبه بحقوقها الخاصة فإن أصر على الامتناع فإن مرجعهما إلى الحاكم.
***(19/2)
السؤال: يقول من مدة حوالي ثمان سنوات تقريباً حدث مني ظهار لزوجتي الموجودة معي حالياً وبفعل الشيطان والغضب قلت لها هي كأمي وذهبت إلى أحد العلماء المشهود لهم بالإيمان وأفهمته القصة وأفهمني أنه يجب علي كفارة ظهار المذكورة في القرآن الكريم وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ولأنني رجل فقير في تلك السنة لا أملك ما أنفق به على ستين مسكيناً ولعدم استطاعتي عتق رقبة وعدم استطاعتي على صيام شهرين متتابعين فقد واقعت زوجتي طيلة هذه المدة ورزقت منها بأطفال خمسة ذكور وإناث مع العلم أنني شاب أصلى وأصوم ومتعلم نسبياً إلا أنني هذه الأيام أعيش في خوف وذعر شديد وأخشى أن يكون ذلك من غضب الله علي بأسباب ذلك الظهار وأذكر أنه بعد يومين من معاشرتي زوجتي اشتريت عدد ستين رغيفاً ووزعتها على الجيران فما الذي أعمله حتى أرضي الله سبحانه وتعالى علي فأنا أعيش حياة اليأس والندم على ما فرطت في جنب الله ويعلم الله تعالى كم أنا خائف ومذعور فأرجو إرشادي إلى عمل يريحني ويرضي ضميري وفقكم الله لما فيه الخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء بالنسبة لإتيانك أهلك قبل أن تكفر ما دمت كنت معسراً بل إن كثيراً من أهل العلم يرون أنه يجوز أن يأتي الرجل أهله إذا كان الواجب عليه الإطعام لعدم استطاعته الصوم وعدم وجود الرقبة لأن الله تعالى قال (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) ولم يقل من قبل أن يتماسا فدل هذا على أنه متى كانت الكفارة الإطعام فإنه يجوز أن يمس زوجته قبل أن يطعم ثم إنك ذكرت عن نفسك أنك فقير لكن يبقى النظر هل ستون رغيفاً التي أطعمتها الجيران هل هي تكفي لإطعام ستين مسكيناً وهل الجيران في ذلك الوقت من المساكين هذه مسألة ينبغي أن تتحقق منها فإن كان الأمر قد صادف محله وأن هذه الأرغفة تكفي لإطعام هؤلاء الستين وأن هؤلاء الستين كانوا مساكين فإن ذمتك برأت وإن لم يكن الأمر كذلك فإن الأحوط في حقك أن تطعم الآن ستين مسكيناً.
يافضيلة الشيخ: في حالة الإعسار عن الإطعام أو العتق وفي حالة العجز عن الصيام هل يبقى هذا ديناً في ذمة الشخص إلى القدرة على أحد هذه الأشياء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم وهي هل تسقط الكفارة بالعجز أو لا تسقط والصحيح أنها تسقط بالعجز لكن الذي فهمت من سؤال السائل حيث إنه أخرج ستين رغيفاً في خلال اليومين أو الثلاثة أنه كان واجداً وعلى هذا فالاحتياط كما قلت له قبل قليل أن يبرأ نفسه وذمته بإطعام ستين مسكيناً من الآن.
***(19/2)
السؤال: يقول أنا رجل متزوج من امرأتين إحداهما وهي الأولى حصل بينها وبين والدتي سوء تفاهم فسمعتها وهي تتكلم عليها بكلام قبيح فقلت لها جعلتك مثل أمي أو أختي وذهبت إلى بيتها وقد حاولت استرجاعها ولكنها تشترط علي فصلها عن أمي في السكن فما الحكم أولاً في قولي لها وهل يجوز استرجاعها وألبي طلبها بفصلها عن والدتي وما العمل إن كنت لا أستطيع ذلك مادياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قولك جعلتها مثل أمي فهذا حرام ولا يجوز لك فإن الله تعالى قال (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الكلام وإذا أردت أن ترجع إلى زوجك فإنك لا تقربها حتى تقوم بما أوجب الله عليك من الكفارة تعتق رقبة إن أمكن ذلك وإلا تصوم شهرين متتابعين قبل أن تمسها فإن لم تستطع الصيام تطعم ستين مسكيناً كما قال الله تعالى في سورة المجادلة وأما بالنسبة لرجوعها إليك وفصلها عن أمك فإنه إذا لم تستقم الحال بينها وبين أمك وصار بينهما نكد وتعب فلا حرج عليك أن تفصلها عن أمك وفي هذه الحال تؤدي ما أوجب الله عليك من بر أمك وتؤدي ما أوجب الله عليك من معاشرة زوجتك بالمعروف ولكن العاقل ينظر هل الخطأ من الأم أو الخطأ من الزوجة ويحاول الإصلاح بقدر المستطاع قبل أن ينفصل فإذا لم يمكن الإصلاح فإن لك الحق في أن تفصل زوجك من أمك وأقول زوجك لأن هذه هي اللغة الفصحى التي جاء بها القرآن والتي جاءت بها السنة وهي مقتضى اللغة العربية وإن كان اللغة المعروفة عند الناس أن الأنثى يقال لها زوجة بالتاء.
***(19/2)
السؤال: يقول أنا رجل متزوج من ابنة عمي ولي منها خمسة أطفال وقد حصل خلاف صغير ولكنها أصرت على طلب الطلاق مني فحاولت إقناعها بالرجوع عن قرارها هذا الذي لا يعود بالعاقبة الحسنة ولكنها أصرت على ذلك حتى اشتد غضبي منها فقلت لها أنت طالق وحرمت علي وأنت كأمي دنيا وأخرى وبعد ذلك توسط الأهل والجيران وأعادوا المياه إلى مجاريها وندمت على فعلها ورجعت إلى بيتها وأولادها أرشدوني إلى ما يجب علي في هذه الحالة وهل يعتبر قولي لها ظهاراً تجب فيه الكفارة أم طلاقاً أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نسأل عن الغضب هل هو غضب شديد بحيث لا تدري ما تقول فإن هذا الكلام يعتبر لاغياً لا الطلاق ولا الظهار لأن الغضبان الذي يصل إلى حد لا يدري ما يقول لا يعتبر كلامه شيئاً أما إذا كان الغضب دون ذلك بحيث تتصور ما قلت فتملك نفسك فإنه قد وقع عليك الطلاق والظهار أيضاً لأنك شبهتها بأمك وتشبيه الرجل زوجته بأمه هو الظهار لقوله تعالى (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُم) فيجب عليك الآن إن أردت أن تعيدها أن لا تطأها حتى تفعل ما أمرك الله به فتعتق رقبة إن وجدت وإلا تصوم شهرين متتابعين من قبل أن تباشرها فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً.
***(19/2)
السؤال: يقول ما الحكم الشرعي في رجل طلق زوجته بالثلاث في يمينٍ واحدة وكان ذلك في حالة غضبٍ شديد فقال لها كوني حراماً مثل أمي وكان ذلك في بيت والدها والزوجة في بيت زوجها ولم تسمع اليمين فهل يقع بهذا طلاقٌ أو ظهارٌ أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال ننصح إخواننا المسلمين عن مثل هذه العبارات المحرمة كوني حراماً مثل ظهر أمي هذا هو ما ذكر الله عنه أنه منكرٌ من القول وزور فقال تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) وعلى هذا فإن هذا الرجل لا يحل له أن يأتي زوجته إلا إذا فعل ما أمره الله به في قوله (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فأنت أيها الأخ عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذا المنكر والزور الذي قلته وعليك أن لا تقرب زوجتك بالجماع ودواعيه حتى تفعل ما أمرك الله به أما الطلاق فإنه لا يقع الطلاق بهذا لأنه ظهارٌ صريح لا يحتمل التأويل.
يافضيلة الشيخ: يقول أيضاً إنه طلقه بالثلاث في يمينٍ واحدة قبل أن يظاهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة طلقها بالثلاث في يمينٍ واحدة لم يبين لنا صورة ما قال فلا ندري هل هو أوقع الطلاق عليها بشرط أو بغير شرط إن كان بغير شرط كأن قال أنت طالقٌ ثلاثاً فإنه يقع الطلاق وإن كان بشرط مثل أن يقول إن فعلت كذا فزوجتي طالقٌ ثلاثاً أو إن فعلتي أنتِ كذا فأنت طالقٌ ثلاثاً وما أشبهه فإن هذا حكمه حكم اليمين إذا كان قصده بذلك المنع والتحذير وليس قصده الطلاق والرجل ما دام لم يذكر لنا صورة الذي وقع منه فإننا لا يمكننا أن نجيب على ما سأل.
***(19/2)
السؤال: يقول هو شاب يبلغ من العمر تسعاً وعشرين سنة أرسل إليه أهله أنه قد خطبوا له فتاة يعرفها وعندما وصله الخبر قال هي علي كظهر أمي وهي مطلقة بالثلاث لأنه لا يريدها وعندما حضر إلى أهله وجدهم لم يخطبوا له الفتاة ولكن مجرد اقتراح ولكن هذا الشاب في نهاية الأمر اقتنع بهذه الفتاة وأراد أن يخطبها وهو يسأل ما هو الحكم فيما صدر منه وهل عليه كفارة في الظهار أم لا وما هو حكم الطلاق بالثلاث الذي قاله علماً بأنه عندما قال هاتين الكلمتين لم يعقد له على الفتاة وإنما كان مجرد رأي من أهله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أنصح هذا الأخ من هذا التصرف وهذا الحمق فإن كونه يظاهر منها ويطلقها ثلاثاً قبل أن يعقد له وبمجرد أن يخبر أنه خطبت له يعتبر من التسرع والحمق بمكان والإنسان العاقل الحازم هو الذي يملك نفسه ولا يتصرف إلا تصرفاً يحمد عاقبته وكم من إنسان غلبه الطيش والغضب فتصرف تصرفاً يندم عليه فيما بعد
أما ما أوقعه من ظهار أو طلاق على هذه المرأة التي لم يعقد له عليها فإنه ليس بشيء لأن الطلاق لا يقع إلا بعد عقد لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) ولأن الطلاق لمن أخذ بالساق وهو لم يقم بساقها حتى الآن ولم يعقد عليها ولأن الطلاق حل قيد النكاح ومادام لم يتزوج فليس هناك قيد يحله
أما بالنسبة للظهار فقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) فأضاف الظهار إلى نسائهم ومادامت المرأة لم يعقد له عليها فليست من نسائه فلا يلحقها ظهاره ولكن إذا كان هذا الرجل أراد من الظهار الامتناع من جماعها فإنه يخرج كفارة يمين إذا عقد له عليها وجامعها أحوط وأبرأ لذمته أما الظهار فلا يلزمه لأنه ليست من نسائه وعليه كما سبق كفارة يمين مادام حلف ألا يجامعها وكفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(19/2)
السؤال: يقول في سؤاله أنا رجل متزوج وأعول أسرة وقد رغبت في السفر من بلدي بحثاً عن الرزق الحلال ولكني لم أكن أستطيع دفع تكاليف إجراءات السفر وكانت زوجتي تمتلك شيئا من الحلي الذهبية فأعطتني إياها لكي أبيعها وأستفيد من ثمنها لذلك الغرض وكان ذلك برضاها واختيارها وقبل أن نسافر ذهبنا أنا وهي إلى زيارة أهلها فلما لم ير والدها الذهب عليها سألها أين هو فأخبرته بما حصل فغضب منها وحلف وكانت أمها جالسة قائلاً إحداكن طالق هذه الليلة فلما علمت أنا بذلك قلت لزوجتي أنت محرمة علي حتى أحضر لك ذهبك ثم سافرت إلى هنا إلى السعودية وعملت مدة ثمانية عشر شهراً ثم عدت إلى بلدي في إجازتي ولم أحضر لها ذهبها ووجدتها في بيتي وعاشرتها فما الحكم أولاً في تطليق والد زوجتي لإحدى الجالستين زوجته أوابنته وما الحكم في تحريمي لها ومعاشرتي قبل أن أحضر لها الذهب وهل من حق والد زوجتي الاعتراض في مثل هذا الأمر الذي هو خاص بين ابنته وزوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنه ينبغي للإنسان أن يملك نفسه عند الغضب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وجاءه رجل فقال يا رسول الله أوصني فقال له (لا تغضب) فردد مرارا قال (لا تغضب) ولا ريب أن غضب والد زوجتك وغضبك أنت لا ينبغي فالإنسان ينبغي أن يكون عنده من القوة ما يجعله يملك نفسه إذا غضب وقول أبي زوجتك إحداكما طالق لا تطلق به زوجتك لأنه لا يملك طلاقها وتحريمك إياها حتى تحضر لها الذهب هذا خطأ منك أيضاً وحكمه حكم اليمين لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فجعل الله تعالى التحريم يميناً وعلى هذا فإنه يجب عليك الآن كفارة يمين حيث إنك استحللت زوجتك قبل أن تأتي إليها بالذهب وكفارة اليمين هي كما قال الله عز وجل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ونصيحتي لك أن لا تكون متسرعاً ولا غاضباً
أما بالنسبة لكون أبي زوجتك يغضب لإعطاء زوجتك الذهب فهذا لا ينبغي منه أيضاً وهو لا يملك الحجر على ابنته ما دامت ابنته عاقلة بالغة رشيدة فإنه لا يملك الحجر عليها فهي حرة تتصرف في مالها لا سيما وأنها أعطته زوجها الذي سافر من أجل حصول المعيشة لها ولأولادها.
***(19/2)
السؤال: تقول إنها فتاة متزوجة وقد حصلت مشاكل بينها وبين أهل زوجها فقالت لأم زوجها ابنك مثل أخي تقصد من ذلك تحريمه عليها كما يحرم أخوها وقد امتنعت عن زوجها بسبب الكلام هذا فما الحكم في مثل هذا القول إذا صدر من المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا القول أنه لا يحل لها أن تنطق بهذا النطق لأنها شبهت من أحله الله لها بمن حرمه الله عليها فهو كذب وزور ولكنه ليس له حكم الظهار أي أنه لا يلزمها أن تكفر كفارة ظهار لأن الله تعالى خص الظهار بالرجال حيث قال (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) لكنه بالنسبة للمرأة إذا قالته لزوجها يلزمها كفارة يمين وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وتكون الأيام متتابعة والإطعام إطعام المساكين يكون على وجهين فإما أن يصنع غداء أو عشاء ويدعوهم إليه فيأكلون وإما أن يدفع إليهم من أوسط ما يطعم الناس في بلادهم مقدار ستة كيلوات والأولى أن يكون معه لحم يؤدمه حتى يتم الإطعام ويكمل.
***(19/2)
السؤال: إذا حصلت خصومة بين زوجين فحرمت الزوجة زوجها عليها فهل يؤثر هذا كما لو صدر هذا التحريم من الرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحريم المرأة زوجها على نفسها حكمه حكم اليمين بمعنى أنها إذا مكنته بعد هذا التحريم فإنه يجب عليها أن تكفر كفارة اليمين لأن ذلك داخل في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فبين الله سبحانه وتعالى أن تحريم ما أحل الله حكمه حكم اليمين ولهذا قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) ولأن الله تعالى ذكر كفارة اليمين بعد أن أمر بالأكل من الطيبات بل بعد أن نهى عن تحريم ما أحل الله فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) إلى آخره فدل هذا على أن تحريم الطيبات حكمه حكم اليمين فتحريم المرأة زوجها من هذا الباب يجب عليها كفارة يمين وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وإطعام عشرة مساكين على وجهين إما أن يصنع طعاما غداء أو عشاء فيدعوهم إليه حتى يأكلوا وإما أن يعطيهم حباً ستة كيلوات من الرز ويحسن أن يجعل معها شيء من اللحم يكون إيداما لها ليتم بذلك الإطعام.
يافضيلة الشيخ: هل يلزم أن تطعم هي من نفقتها الخاصة أو لو أطعم زوجها عنها لا بأس بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بأس أن يطعم عنها زوجها بإذنها فإذا أذنت له أو استأذنت منه أن تطعم من ماله فأطعمت فلا حرج.
***(19/2)
السؤال: يقول في بداية أيام زواجي كنت كثير الحلف بالطلاق أحلف كثيراُ وكنت كثيراً ما أحلف بسبب وبدون سبب كأن أقول عليّ طلاق كذا وكذا أو علي الطلاق لا تبيتين هنا الليلة وفعلاً أحياناً تنفذ وأحياناً لا يحصل شي من ذلك وحصل أن قلت لزوجتي أنت حرام علي كمثل أمي وأختي ثم مضى عامان بعد ذلك والتزمت بشرع الله والحمد لله فعرفت أن ذلك هو ما يسمى بالظهار وعلمت أن كفارته صيام ستين يوماً أو إطعام ستين مسكيناً فامتنعت عن زوجتي حتى أطعمت ستين مسكيناً ثم أتيتها فما حكم الحلف الكثير بالطلاق مع اعتبار أنني كنت جاهلاً بكثير من أحكام الشرع وما الحكم إن كانت فعلت شيئاً مما حلفت عليه وهل أديت الكفارة المطلوبة بإطعام ستين مسكيناً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتضمن أولاً أنني أنصح هذا السائل وغيره من المسلمين أنصحهم بألا يكثروا من الحلف بالطلاق بل بألا يحلفوا بالطلاق وذلك لأن الحلف بالطلاق عند أكثر أهل العلم يعتبر شرطاً متى حنث فيه طلقت زوجته وإن كان بعض أهل العلم يقول في ذلك بالتفصيل وأنه إن قصد إيقاع الطلاق فهو شرط يقع به الطلاق وإن قصد المنع أو الحث أو التصديق أو التكذيب فإنه حلف لا يقع به الطلاق ويكون له حكم الحلف إذا حنث فيه يكفر كفارة يمين وكفارة اليمين كما قال الله تعالى (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) والذي يظهر من حال هذا الشخص أنه أراد اليمين وعلى هذا فإنه يجب عليه أن يكفر كفارة يمين عن الطلاق الذي خالفت زوجته فيه ما حلف عليها به ثم إن كان المحلوف عليه شيئاً واحداً أجزأته كفارة يمين واحدة وإن كان أشياء وجب عليه لكل واحد كفارة.
ثانياً تضمن هذا السؤال الظهار الذي قاله والواجب على المظاهر أن يعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) فإذا كان هذا الرجل الذي أطعم ستين مسكيناً لا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه قد أبرأ ذمته بهذه الكفارة وإن كان يستطيع فإنه يجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين من الآن.
يافضيلة الشيخ: يقول ما حكم المدة التي قضيتها أعاشر زوجتي بعد ذلك الظهار إلى أن علمت بالحكم وهي مدة سنتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه المدة التي كنت تعاشر زوجتك قبل أن تكفر إذا كنت جاهلاً فإنه لا شيء عليك لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وإن لم تكن جاهلاً فإنك آثم وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتكثر الاستغفار.
***(19/2)
السؤال: يقول الكثير من الناس أسمعهم يحلفون بكلمة علي الحرام ما معنى هذه الكلمة ومثلاً يقول إنسان علي الحرام ما أفعل كذا وكذا هل يقع عليه الطلاق نرجوا منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بهذه الصيغة خلاف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) فإذا كنت تريد الحلف فاحلف بالله قل والله وما أشبه ذلك وأما أن تحلف بهذه الصيغة فإن ذلك مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع هذا إذا قال علي الحرام أن لا أفعل كذا فإما أن يريد الطلاق وإما أن يريد الظهار وإما أن يريد اليمين فله ما نوى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولما كان هذا اللفظ محتملاً لأحد المعاني الثلاثة الطلاق أو الظهار أو اليمين كان تعيين أحد هذه الاحتمالات راجعاً إلى نيته فإذا قال أردت بقولي عليّ الحرام أن لا أفعل كذا أردت أني إن فعلته فزوجتي طالق كان ذلك طلاقاً وإن قال أردت إن فعلته فزوجتي علي حرام كان ذلك ظهاراً لا سيما إن وصله بقوله عليّ الحرام أن تكون زوجتي كظهر أمي وإن قال أردت اليمين أي أردت أن لا أفعله فجعلت هذا عوضاً عن قولي والله كان ذلك يميناً
فأما حكم الطلاق أي إذا نواه طلاق وقلنا إنه طلاق فإنه زوجته تطلق إذا فعله
وأما كونه ظهاراً فإن زوجته تكون حراماً حتى يفعل ما أمره الله به من كفارة الظهار وهو عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وإن أراد اليمين فإنه إذا فعله وجب عليه كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(19/2)
السؤال: تقول في رسالتها زوجي رمى عليّ يمين الطلاق وقال أنت محرمة علي كأمي وأختي وحصل نصيب ورجعنا لبعض مرة ثانية وكنت حاملاً في الشهر السابع وأهلي حكموا عليه أن يطعم ثلاثين مسكيناً قبل حالة الوضع وأنا الآن وضعت ولشهرين وزوجي ظروفه صعبة وفي نيته أن يطعم ثلاثين مسكيناً ولم يطعم حتى الآن وأنا مسلمة ومتدينة وأخاف الله جداً وخائفة أن أكون عيشتي مع زوجي في الحرام أفيدوني بذلك مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هذا اللفظ أطلقه زوجك عليك ليس طلاقاً ولكنه ظهار لأنه قال أنت محرمة عليّ كأمي وأختي والظهار كما وصفه الله عز وجل منكر من القول وزور فعلى زوجك أن يتوب إلى الله مما وقع منه ولا يحل له أن يستمتع بك حتى يفعل ما أمره الله به وقد قال الله سبحانه وتعالى في كفارة الظهار (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) فلا يحل له أن يقربك ويستمتع بك حتى يفعل ما أمره الله به ولا يحل لك أنت أن تمكنيه من ذلك حتى يفعل ما أمره الله به وقول أهله له أنه عليه أن يطعم ثلاثين مسكيناً خطأ وليس بصواب فإن الآية كما سمعت تدل على أن الواجب عليه عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وعتق الرقبة معناه أن يعتق العبد المملوك ويحرره من الرق وصيام شهرين متابعين معناه أن يصوم شهرين كاملين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا أن يكون هناك عذر شرعي كمرض أو سفر فإنه إذا زال العذر بنى على ما مضى من صيامه وأتمه وأما إطعام ستين مسكيناً فله كيفيتان فإما أن يصنع طعاماً يدعو إليه هؤلاء المساكين حتى يأكلوا وإما أن يوزع عليهم رزاً أو نحوه مما يطعمه الناس لكل واحد مد من البر ونحوه ونصف صاع من غيره.
***(19/2)
السؤال: يقول في رسالته أنا إنسان أشرب الدخان وقد قلت بقلبي إذا شربت الدخان مرة ثانية تحرم علي زوجتي ونسيت ثم شربته وتذكرت أنني قلت تحرم علي زوجتي فماذا يلزمني في هذه الحالة أفيدونا جزاكم الله كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ما دمت على هذا الجانب الكبير من الحرص على ترك الدخان فإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينك على تركه وأن يرزقك العزيمة الصادقة والثبات والصبر حتى توفق لما تصبو إليه
وأما سؤالك عن التحريم الذي قلته فإن كنت قلت ذلك بقلبك بدون ذكر بلسانك فلا حكم له ولا أثر له وإن كنت قلته بلسانك وأنت تقصد بذلك التوكيد على نفسك بترك الدخان فإن هذا حكمه حكم اليمين فإن شربت الدخان متعمداً ذاكراً فعليك كفارة يمين وإن كنت ناسياً فلا شيء عليك لكن لا تعود إليه بعد ذلك وأنت ذاكر فإن عدت إليه بعد ذلك وأنت ذاكر وجبت عليك كفارة أعني كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أنت مخير في هذه الثلاثة وكيفية الإطعام إما أن تغديهم أو تعشيهم وإما أن تدفع إليهم أرزاً مقداره ستة كيلوات مصحوباً بلحم للعشرة جميعاً سواء في بيت واحد أو في بيوت متعددة فإن لم تجد فقراء تدفع إليهم ذلك فإنك تصوم ثلاثة أيام متتابعة.
***(19/2)
السؤال: يقول إن زوجتي تقول لي دائماًَ أنت زوجي وأنت أخي وأنت أبي وكل شيء لي في الدنيا هل هذا الكلام يحرمني عليها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هذا الكلام منها لا يحرمها عليك لأن معنى قولها أنت أبي وأخي وما أشبه ذلك معناه أنت عندي في الكرامة والرعاية بمنزلة أبي وأخي وليست تريد أن تجعلك في التحريم بمنزلة أخيها وأبيها على أنها لو فرض أنها أرادت ذلك فإنك لا تحرم عليها لأن الظهار لا يكون من النساء لأزواجهنّ وإنما يكون من الرجال لأزواجهم ولهذا إذا ظاهرت المرأة من زوجها بأن قالت له أنت عليّ كظهر أبي أو كظهر أخي أو ما أشبه ذلك فإن ذلك لا يكون ظهاراً ولكن حكمه حكم اليمين بمعنى أنها لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إلا بكفارة اليمين فإن شاءت دفعت الكفارة قبل أن يستمتع بها وإن شاءت دفعتها بعد ذلك وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.
***(19/2)
هل يجوز للرجل أن يقول لزوجته يا أختي بقصد المحبة فقط أو يا أمي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يقول لها يا أختي ويا أمي وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب المودة والمحبة وإن كان بعض أهل العلم كره أن يخاطب الرجل زوجته بمثل هذه العبارات ولكن لا وجه للكراهة وذلك لأن الأعمال بالنيات وهذا الرجل لم ينوِ بهذه الكلمات أنها كأخته في التحريم والمحرمية وإنما أراد أن يتودد إليها ويتحبب إليها وكل شيء يكون سبباً للمودة بين الزوجين سواءٌ كان من الزوج أو من الزوجة فإنه أمرٌ مطلوب.
***(19/2)
السؤال: يقول حلفت على زوجتي أنها إذا ذهبت إلى بيت فلان تكون محرمة عليّ مثل أختي يقول وذهبت وقالت لي إنني نسيت فما الحكم في ذلك أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ننصحك بعدم إطلاق هذه الكلمات لأنها كلمات خطيرة جداً والإنسان إذا قال لزوجته أنت عليً كظهر أمي أو كظهر أختي أو ما أشبه ذلك كان مظاهراً وقد بين الله سبحانه وتعالى حكم الظهار في كتابه فقال (والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) وبين أن كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ومع ذلك لا يجوز أن يقرب زوجته حتى يكفر، حتى يكفر بإعتاق الرقبة إن كان قادراً وبصيام شهرين متتابعين إن لم يكن قادراً على عتق رقبة وإطعام ستين مسكيناً إن لم يكن قادراً على صيام الشهرين فالأمر في هذا خطير
أما في ما يتعلق بسؤالك فإذا كانت امرأتك ناسية فإنه لا حنث عليك أي ليس عليك كفارة لأن القول الراجح أن من حنث غيره وهو ناسي فإن هذا الغير لا يحنث كما أن الحالف نفسه إذا فعل الشيء وهو ناسي أي إذا فعل الشيء الذي حلف عليه وهو ناسي فإنه ليس عليه كفارة.
***(19/2)
السؤال: يقول فضيلة الشيخ ماهي كفارة الظهار وهل هي على التخيير أم على الترتيب وما الحكم لو جامع زوجته قبل الكفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا الظهار لابد أن نعرف ما هو فالظهار هو أن يشبه الرجل امرأته بامرأة تحرم عليه تحريما مؤبدا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي أو أنت علي كظهر أختي وأنت علي كظهر بنتي أو ما أشبه ذلك وهو منكر وزور كما قال الله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) وهو محرم فإذا وقع منه ذلك أي من الزوج فإن الله يقول (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) فنقول لهذا المظاهر يجب عليك عتق رقبة فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين لا تفطر بينهما يوما واحدا إلا لعذر من سفر أو مرض فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا والكفارة فيها كما يرى السائل على سبيل الترتيب لا التخير ولا يحل للمظاهر أن يجامع زوجته حتى يكفر لقول الله تعالى (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فإن فعل أي جامع قبل أن يكفر فهو آثم وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل قال العلماء وعليه أن يستأنف الصيام من جديد وعلى هذا فإذا جامع زوجته وقد بقي عليه خمسة أيام فقط من الشهرين فعليه أن يعيدهما من جديد أن يعيد الشهرين من جديد لأن الله اشترط فقال (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) .
***(19/2)
العدد(19/2)
السؤال: تقول في رسالتها أبلغ من العمر أربعين سنة متزوجة ولي خمسة أطفال ولقد توفي زوجي في 12/5/1985 م ولكنني لم أقم عليه العدة بسبب بعض الأعمال التي تخص زوجي وأطفالي ولكن بعد مرور أربعة أشهر أقمت عليه العدة أي بتاريخ 12/9 / 1985 م وبعد أن أكملت شهراً منها حدث لي حادث اضطررت إلى الخروج فهل هذا الشهر محسوب ضمن العدة وهل إقامتي العدة بهذا التاريخ أي بعد الوفاة بأربعة أشهر صحيح أم لا علماً بأنني أخرج داخل إطار الدار لأقضي بعض الأعمال لأنني ليس لدي شخص اعتمد عليه في أعمال البيت أفيدوني بحالتي هذه أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن هذا العمل منك عمل محرم لأن الواجب على المرأة أن تبدأ بالعدة والإحداد من حين علمها بوفاة زوجها ولا يحل لها أن تتأخر عن ذلك لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وانتظارك إلى أن تمت الأربعة الأشهر ثم شرعت في العدة إثم ومعصية لله عز وجل ولا يحسب لك من العدة إلا عشرة أيام فقط وما زاد عليها فإنك لست في عدة وعليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى مما صنعتِ وأن تكثري من العمل الصالح لعل الله أن يغفر لك.
***(19/2)
السؤال: يقول ما حكم الشرع في نظركم في رجل طلق زوجته وبعد سبعة أشهر ظهر الحمل ما الحكم الشرعي في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم الشرعي في هذا فيما أرى أنه إذا كانت قد حاضت بعد طلاقه ثلاث حيض فإن هذا الولد لا يلحقه لأنها قد أتمت العدة وبانت منه وهذا حمل جديد أما إذا كانت بعد الطلاق لم تحض حتى ظهر عليها الحمل فإنها تكون في عدته حتى تضع حملها لأن الظاهر أن هذا الحمل له لكن تأخر ظهوره لسبب من الأسباب قد يكون لعلة في أمه أو لعلة في نفس الجنين فما دامت لم تحض منذ طلاقها إلى أن ظهر حملها بعد سبعة أشهر فإن هذا الحمل له وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الحمل قد يبقى في بطن أمه لمدة أربع سنين وبعضهم يرى أنه قد يبقى أكثر من أربع سنين فما دمنا نتيقن أن هذه المرأة لم توطء فإن الحمل قد يبقى في بطنها أكثر من أربع سنين وينسب إلى من هي حل له من زوج أو سيد.
***(19/2)
السؤال: يقول عقد رجل على امرأة عقد النكاح ومات الرجل قبل الزواج فضيلة الشيخ هل على المرأة في هذه الحال العدة وهل ترث نرجوا إجابة حول هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا عقد الرجل على امرأة ثم مات قبل أن يدخل بها فإنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لعموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ويثبت لها الميراث فترث من زوجها الربع إن لم يكن له زوجة أخرى ولا ولد وترث منه الثمن إن كان له ولد وإن كان له زوجة أخرى شاركتها في الثمن ويثبت لها المهر كاملاً أي الصداق الذي فرضه لها يثبت لها ذلك كاملاً هكذا قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق وهذا بخلاف المرأة التي طلقها زوجها قبل الدخول والخلوة فإنه لا عدة عليها ولا يجب لها إلا نصف المهر فقط قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) ولقوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) .
***(19/2)
السؤال: تقول هذه السائلة إذا لم تعلم بوفاة زوجها إلا بعد فترة أكثر من ستة أشهر فمتى تعتد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاعتداد يبتدئ من الوفاة لا من علم المرأة فمثلا إذا قدرنا أنه توفي في أول يوم من محرم ولم تعلم إلا في أول يوم من صفر فابتداء العدة من أول يوم من محرم وعلى هذا تعتد بثلاثة أشهر وعشرة أيام الذي هو تكميل العدة ولو قدر أنه مات زوجها وهي حامل ولم تعلم بموته إلا بعد وضع الحمل فقد انتهت العدة وهذا يقع كثيرا يكون الزوج في سفر ويموت وزوجته حامل ثم لم تعلم بموته إلا بعد أن وضعت فحينئذٍ تكون عدتها قد انتهت ولا يحتاج إلى إعادة العدة.
***(19/2)
السؤال: تقول هناك عادة تتبعها بعض الأسر وهي إذا ما توفي زوج إحدى النساء فما على أقاربها أو أهلها إلا أن يجعلوها تمر من تحت التابوت الذي هو فيه ثلاثة مرات فإذا فعلت ذلك لا تلزمها العدة على زوجها فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا باطل فإن المرأة إذا مات زوجها وجب عليها أن تعتد إن كانت حاملاً حتى تضع الحمل طالت المدة أو قصرت وإن كانت غير حامل فحتى يمضي عليها أربعة أشهر وعشر قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وقال تعالى (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ولما توفي زوج سبيعة الأسلمية نفست بعده بليالٍ فأذن لها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تتزوج فدل هذا على أن عموم قوله تعالى (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ) عمومٌ محكم لا يخص منه شيء بخلاف قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فإن هذا عمومٌ مخصوصٌ بقوله (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وعلى هذا فالمرأة إذا مات زوجها إن كان حاملاً فإن عدتها تنتهي بوضع حملها وإذا انتهت عدتها انتهى الإحداد أيضاً فلو مات الزوج في أول النهار ووضعت في آخر النهار انقضت عدتها وإحدادها وحلت للأزواج في الليلة التالية وإذا بقيت في الحمل عشرة أشهر أو سنة أو أكثر فإنها تبقى في العدة والإحداد حتى تضع الحمل وأما مرورها من تحت التابوت أو ما أشبه ذلك فهذا من من الأعمال الباطلة التي ليس لها أصلٌ في شريعة الله.
***(19/2)
السؤال: هل يجوز للمطلقة الخروج من البيت لقضاء حاجاتها أو الزيارة لأحد من الأقارب خلال فترة العدة أم أنها بحكم الأرملة لا يجوز لها الخروج حتى تنقضي العدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن المرأة المطلقة إذا كان الطلاق رجعيا فهي كالزوجة التي لم تطلق أي أن لها أن تخرج إلى جيرانها أو أقاربها أو إلى المسجد لسماع المواعظ أو ما أشبه ذلك وليست كالتي مات عنها زوجها وأما قوله تعالى (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) فالمراد بالإخراج المفارقة يعني لا تفارق البيت وتخرج وتسكن في بيت آخر وكذلك لا تخرجوهن منه حتى تسكن في بيت آخر وأما الخروج لمجرد الزيارة فهذا لا بأس به وعلى هذا فالخروج نوعان خروج مفارقة بمعنى أن تخرج من البيت إلى بيت آخر فهذا لا يجوز سواء خرجت بنفسها أو أخرجت منه والثاني خروج لعارض وترجع فهذا لا بأس به.
***(19/2)
السؤال: تقول بأنها امرأة تبلغ من العمر الثانية والعشرين طلقها زوجها في طهر ولبثت أربعة أشهر ولم تأتها الدورة الشهرية وذلك بسبب نقص في الهرمونات الخاصة بالدورة والله أعلم ذهبت لطبيبة نساء وأخذت علاج وفعلاً أتتها الدورة بعد ذلك ثلاثة مرات سؤالها تقول يا فضيلة الشيخ هل انقضت عدتي والحال ما ذكرت علماً بأني لم أخذ الدواء إلا بعد التأكد بأنه لا يوجد حمل وأحيطكم علماً بأنه قبل الطلاق كنت آخذ مثل هذا الدواء أرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وجبت العدة على المطلقة وهي من ذوات الحيض فإن عدتها ثلاث حيض كاملة لا يمكن أن تخرج من العدة إلا بهذه الحيض ولو طالت المدة وعلى هذا لو أن شخصاً طلق امرأته وهي ترضع في طهر لم يجامعها فيه وبقيت ولم يأتها الحيض إلا بعد أن فطم الصبي فإنها تبقى في عدتها لعموم قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) وبناء على ذلك نقول لهذه السائلة لو أنها أبقت الأمر على ما كان عليه فلعل زوجها يراجعها لأنه له الرجعة ما دامت في العدة لكان هذا أولى بها ولكن ما دامت تعجلت وهي لم تقصد إسقاط حق الزوج وإنما تقصد الخلاص من العدة لعل الله أن يرزقها زوجاً جديداً فإن ما قامت به من تناول هذه الحبوب التي أدت إلى نزول الحيض لا بأس به ولا حرج عليها في ذلك.
***(19/2)
السؤال: يقول امرأة كانت متزوجة وبعد أن عاشت حوالي سنتين مع زوجها طلقها وفي خلال مدة شهر من طلاقها تزوجت برجل آخر قبل نهاية العدة وقبل مضي تسعة أشهر من زواجها الثاني وضعت مولوداً فما الحكم في هذا الزواج الثاني وما الحكم في المولود لمن يلحق بالزوج الأول أم بالثاني وماذا يجب على الزوجة أن تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تضمن هذا السؤال فقرتين:
الفقرة الأولى إن هذه الزوجة تزوجت قبل انتهاء عدة زوجها الأول فالنكاح هذا باطل لأنه منهي عنه بقوله تعالى (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) وعلى هذا فيجب التفريق بينهما لبطلان النكاح
أما الفقرة الثانية فهو أن هذه المرأة أتت بمولود قبل تسعة أشهر من زواجها الثاني هذا المولود إن كانت أتت به قبل مضيء ستة أشهر من وطء من تزوجها في عدتها فهو للزوج الأول لأنه لا يمكن أن تأتي بولد يعيش بأقل من ستة أشهر فيكون الولد الذي أتت به بأقل من ستة أشهر من الوطء الثاني يكون للأول وإن أتت به لأكثر من أربع سنين من فراق الأول فهو للواطئ الثاني وإن أتت به فيما بين ذلك فإنه يحتمل أن يكون منهما أي أن كل واحد منهما يحتمل أن يكون منه فإذا ادعياه فإنه يعرض على القافة فمن ألحقته به لحقه وقال بعض أهل العلم إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من فراق الأول فإنه يكون للزوج الثاني أو بعبارة أصح للواطئ الثاني الذي تزوجها في عدتها والله أعلم.
***(19/2)
السؤال: يقول في رسالته أفيدوني عن زوجة قد طلقها زوجها وبعد طلاقها كشفت عليه، فهل هذا حرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً يعني طلاقاً يملك فيه الرجعة فإن لها أن تكشف له ما دامت في العدة، لأنها ما دامت في العدة فهي زوجته، لقول الله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ) يعني المطلقات (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فدل هذا على أن المرأة الرجعية زوجة لإضافتها إلى الزوج، لا يقال إن هذا مجاز باعتبار ما كان، لأن الأصل أن الكلام على حقيقته وأنه بعل لها وهي في العدة هذا هو الأصل، ولا يجوز صرف الكلام عن ظاهره إلا بدليل شرعي، وعلى هذا فنقول إذا كان الطلاق رجعياً فلا بأس أن تكشف له وتحادثه ويخلو بها وتبقى عنده في البيت حتى تنقضي العدة، بل إنه يجب أن تبقى عنده في البيت إذا طلقها طلاقاً رجعياً، لا يجوز أن يخرجها ولا أن تخرج خلافاً لما اعتاده بعض الناس، بل أكثر الناس اليوم، إذا طلق زوجته خرجت من البيت إلى أهلها وهذا حرام لأن الله يقول (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ثم قال مشيراً إلى ما سبق (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ثم قال معللاً لبقائهن في البيوت، (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) فإذا بقيت في بيته فربما يحدث الله أمراً تتعلق رغبته بهذه المرأة فيراجعها من غير أن يحصل بينهما تباعد.
***(19/2)
السؤال: تقول فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة المطلقة أن تسلم وتحكى مع طليقها علما بأن بينهما أولاد أرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المطلقة إذا كان طلاقها دون الثلاث وعلى غير عوض ولها أولاد من زوجها أو لم يكن لها أولاد إذا كان قد دخل بها أو جامعها فإنها رجعية وهي في حكم الزوجات إلا ما استثني وعلى هذا فيجوز لها أن تكلم من طلقها وأن تتحدث إليه وأن تتجمل له وأن تكشف له وأن يخلو بها وأن يسافر بها فهي في حكم زوجاته هذه المطلقة الرجعية التي له رجعتها في العدة وأما إذا كانت ليس لها رجعة بأن تكون الطلقة هذه آخر الثلاث تطليقات أو يكون الطلاق على عوض أو يكون الفراق بفسخ بسبب من الأسباب فإنها ليست في حكم الزوجات ولكن لزوجها أن يتكلم معها وأن يتحدث إليها بلا خوف الفتنة وخلاصة الجواب أن المعتدات من أزواجهن إن كان لأزواجهن الرجعة عليهن فهن في حكم الزوجات في كل شيء إلا ما استثني وهي مسائل قليلة وإن كانت غير رجعية وهي التي لا يملك الرجوع إليها إلا بعقد أو لا تحل له إلا بعد زوج فإنها تعتبر بائنا منه وإذا كانت بائنا فإنها ليست في حكم الزوجات لكن له أن يتكلم معها.
***(19/2)
السؤال: يقول كانت هناك امرأة متزوجة وقد حصل بينها وبين زوجها شجار فتركت بيته غاضبة منه ومكثت سنة ونصف عند أهلها دون طلاق فذهب إلى زوجها وأخبره برغبته في الزواج منها لو طلقها وبعد ذهابه إليه بثلاثة أيام طلقها لأجله هو وبعد مضي خمسة عشر يوماً من طلاقها عقد نكاحه عليها قبل نهاية العدة فما الحكم في هذا العمل وفي عقد النكاح في هذا الوقت
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا العمل أنه لا ينبغي للإنسان أن يذهب إلى شخص يسأله زوجته ليطلقها له
وأما بالنسبة لطلاق زوجها لها فهو واقع لأنه لم يجبر عليه وإنما وقع باختياره وأما تزوج الثاني بها قبل أن تتم العدة فإنه نكاح باطل لا يصح لقول الله تعالى (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) وعلى هذا فلا نكاح بينها وبين هذا الذي تزوجها وهي في العدة والواجب المفارقة بينهما وأن تذهب إلى أهلها ثم إذا انتهت عدتها فهو خاطب من الخطاب إن شاءت تزوجت به وإن شاءت لم تتزوج به.
***(19/2)
السؤال: تقول السائلة امرأة تملكت فقط دون دخول الرجل عليها وقد فسخت الملكة هل عليها من عدة علماً بأن زوجها قد رآها وخلى بها وتحدث معها بأحاديث عامة وكانت أخت الزوج الصغيرة ثمان سنوات كانت تدخل وتخرج من الغرفة وإذا كان عليها عدة فما مقدارها جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه المرأة التي تزوجت وخلا بها الزوج وتحدث إليها تلزمها العدة هكذا قضى به الصحابة رضي الله عنهم وعدتها إن كانت تحيض ثلاثة حيض وإن لم تكن تحيض لصغرها أو بلوغها سن اليأس أو لعملية استأصلت الرحم مثلاً فإن عدتها ثلاثة أشهر لقول الله تبارك وتعالى (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ) وقد اشتهر عند كثير من العامة أن عدة الطلاق ثلاثة أشهر بكل حال وهذا غلطٌ عظيم فأصل عدة التي يأتيها الحيض أن تحيض ثلاثة مرات ولو طالت المدة ولنفرض أن المطلقة كانت ترضع والعادة أن المرضع لا يأتيها الحيض فبقيت سنة أو سنتين لم يأتيها الحيض فنقول عدتها إلى أن يأتيها الحيض ثلاثة مرات وكذلك إذا كانت امرأة يكون طهرها طويلاً بحيث يكون بين الحيضتين شهران فهنا نقول تنتظر حتى تحيض ثلاثة حيضات ولو زادت على نصف سنة نعم من لا تحيض لكونها صغيرة أو لكونها كبيرة آيسة أو لقطع رحمها أو لغير ذلك من الأسباب التي نعلم أن الحيض لن يعود إليها فهذه عدتها ثلاثة أشهر.
***(19/2)
السؤال: يقول أنا رجل متزوج من امرأة وقد عشنا حياة سعيدة هانئة إلى أن تدخل أهلها في الإفساد بيننا وإيقاع الخصومة والمشاكل وقد حاولت إنهاء كل الخلافات والمشاكل فكانت إذا أخذها أهلها أذهب وأراضيها ثم أعيدها إلى منزلي معي وهكذا إلى أن مللت من كثرة المشاكل والخلافات فطلقتها طلقة واحدة ولأجل ذلك ذهبت إلى أهلها وبقيت عندهم سنة ولكون الرغبة من كل منا في الآخر ما زالت فقد استشرت أهلها في إعادتها ووافقوا نظير مبلغ من المال حددوه هم ووافقت عليه وفعلا دفعت المال واسترجعتها بدون عقد جديد فهل علي في ذلك شيء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة التي طلقتها ثم بقيت عند أهلها سنة إن كانت عدتها قد انقضت فإنه لابد أن تعقد عليها عقداً جديداً وإن كانت عدتها لم تنقض فإنه يكفي إرجاعها بدون عقد قد يقول السامع كيف تبقى سنة ولم تنته عدتها فأقول نعم يمكن ذلك يمكن أن تكون حاملا ولم تضع الحمل بعد يمكن أن تكون مرضعاً والمرضعة عادة لا تحيض وذوات الحيض لابد بإكمال العدة بثلاث حيض كاملة فإذا كانت لم يأتها الحيض فإنها تنتظر حتى يأتها الحيض حتى تفطم الصبي فيأتيها الحيض فتحيض ثلاث مرات وأما ما اشتهر من أن عدة الطلاق ثلاثة أشهر مطلقا لغير الحامل فهذا ليس مبني على أصل صحيح وإنما العدة بثلاثة أشهر لامرأة غير حامل ولكنها لا تحيض لصغر أو كبر أو سبب آخر فالثلاثة الأشهر لا تكون عدة إلا لمن لا تحيض فأما من تحيض فإن عدتها ثلاثة قروء أو ثلاث حيض ولو طالت المدة وعلى هذا فلو انقطع حيضها لمرض أو لرضاع أو نحو ذلك فإنها تنتظر حتى يعود الحيض بعد زوال السبب وتعتد به فإن زال السبب المانع من الحيض ولم يعد الحيض فإن هناك خلافاً بين أهل العلم هل تنتظر حتى تبلغ سن الإياس أو أنها تنتظر كعدة الآيسة حينما ينقطع السبب.
***(19/2)
وتقول إذا غاب الزوج لعدة سنوات ولم تعلم عنه الزوجة وقد طلبت الطلاق من قاضي البلد فطلقها هل عليها عدة في ذلك الوقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على المرأة إذا طلقها زوجها وهو غائب عنها كثيرا أن تعتد وكذلك لو طلقت من قبل القاضي فإن عليها أن تعتد وعدتها ثلاثة قروء أي ثلاثة حيض فإن لم تكن تحيض لكبر سنها أو لحادث أو عاهة أو للصغر فعدتها ثلاثة أشهر لقول الله تبارك وتعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) .
***(19/2)
السؤال: تقول امرأة المفقود كيف تتربص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نعرف من هو المفقود، المفقود هو الذي انقطعت أخباره فلم تعلم له حياة ولا موت وتتربص امرأته حسب المدة التي قررها القاضي والقاضي ينظر في موضوع هذا الشخص المفقود فيضرب مده تتناسب مع حاله فإذا مضت هذه المدة ولم يعلم له خبر اعتدت للوفاة ثم حلت للأزواج.
***(19/2)
السؤال: يقول إذا غاب رجل عن زوجته مدة طويلة ولا يعلم خبره فتزوجت من رجل آخر وبعد عشرتهم مدة عاد زوجها الأول من غيبته فهل يستمر نكاح الرجل الثاني بها أم ينفسخ ولو قدر بينهما ولد فبمن يحلق نسباً وهل تعتد من الزوج الثاني وإذا عادت للأول فهل يكفي عقدهما القديم أم لابد من تجديد عقد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة يعبر عنها بتزوج امرأة المفقود فإذا فقد الزوج ومضت المدة التي يبحث عنه فيها ثم حكم بموته واعتدت منه وتزوجت آخر ثم قدم فإن له الخيار بين أن يبقى الزواج بحاله وبين أن ترد زوجته إليه فإن بقي الزواج بحاله فالأمر ظاهر والعقد صحيح وإن لم يختر ذلك وأراد أن ترجع إليه زوجته فإنها ترجع إليه ولكنه لا يجامعها حتى تنتهي عدتها من الثاني ولا تحتاج إلى عقد بالنسبة للزوج الأول لأن نكاحه الأول لم يوجد ما يبطله حتى تحتاج إلى عقد وأما ولده من الزوج الثاني فهو ولد شرعي ينسب إلى أبيه لأنه حصل من نكاح مأذونٍ فيه وما ترتب عن المأذون فهو حق صحيح.
***(19/2)
السؤال: يقول تزوج رجل من امرأة وبعد زواجه بمدة قصيرة سافر إلى خارج بلده بحثاً عن عمل وبعد ذلك بمدة أشيع عنه أنه قد مات ولم يكن هناك من يعرف الحقيقة في هذا الموضوع فصدّق الناس تلك الشائعة فاعتدت زوجته عدة المتوفى عنها وبعد خروجها من العدة تقدم إليها رجل يطلب الزواج منها وفعلاً تزوجها وبعد ذلك بسنة واحدة عاد زوجها الأول إلى البلد معافىً ووجدها قد تزوجت برجل آخر فيكف العمل في هذه الحالة وما الحكم في زواجها الثاني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في زواجها الثاني أنه لا يجوز أن تتزوج بمجرد الإشاعات وزوجها إذا لم تعلم عن حاله يعتبر في حكم المفقود وقد ذكر أهل العلم أن المفقود لا يحكم بموته إلا إذا مضى عليه أربع سنوات من فقده إن كان ظاهر غيبته الهلاك أو تسعون سنة من ولادته إذا كان ظاهر غيبته السلامة وهذه المرأة لم يمض على زوجها أربع سنين وإنما مضى سنة واحدة فيكون فعلها هذا محرماً ويكون نكاح الثاني باطلاً لأننا لم نحكم بموت زوجها وحتى على القول بأن تقدير المدة على المفقود يرجع إلى حكم الحاكم فإن الظاهر من هذه المرأة أنها لم ترفع الأمر إلى المحكمة أو إلى من يختص بهذا الشأن بالبحث عنه وبكل حال فإنها زوجة الأول وعقد الثاني عليها محرم وباطل لكن ما أتت به من أولاد من هذا الزوج الثاني يكونون أولاداً شرعيين لزوجها الثاني وذلك لأن هذا العقد عقد شبهة أي أنه قد اشتبه عليهم الأمر فظنوه جائزاً والأولاد الذين يأتون من وطء الشبهة يلحقون بالواطئ بالإجماع
والخلاصة أن عقد الرجل الثاني عليها عقد باطل لم تكن به زوجة له وأن نكاح الأول مازال قائماً فعليها أن ترجع إلى الأول ولكن لابد من أن تعتد للثاني قبل أن يطأها الأول إما بثلاث حيض إن قلنا إن الموطوءة بشبهة تعتد عدة المطلقة وإما باستبراء بحيضة إذا قلنا إن الموطوءة بشبهة تستبرأ فقط.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم السائلة تقول امرأة طلقت طلاقاً رجعياً في الشهر السابع من الحمل ولم يراجعها الزوج ولم تكن تعلم أن من شروط العدة عدم الخروج من البيت فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء والمطلقة لها أن تخرج من البيت كغير المطلقة أما التي لا تخرج من البيت فهي التي توفي عنها زوجها فالتي توفي عنها زوجها لا تخرج من البيت إلا لحاجة كمراجعة المستشفى مثلاً ويكون ذلك في النهار أما المطلقة فإنها كغيرها ممن لم يطلقن أي تخرج من البيت في ليلٍ أو نهار ولا حرج.
***(19/2)
السؤال: يقول هل يجوز للمرأة أن تؤدي فريضة الحج وهي في أثناء العدة بعد زوجها المتوفى أو معتدةٌ عموماً للوفاة أو الطلاق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للمتوفى عنها فإنه لا يجوز لها أن تخرج من بيتها وتسافر للحج حتى تنقضي العدة لأنها في هذه الحال غير مستطيعة إذ أنه يجب عليها أن تتربص في البيت لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فلا بد أن تنتظر في بيتها حتى تنتهي العدة.
وأما المعتدة من غير الوفاة فإن الرجعية حكمها حكم الزوجة فلا تسافر إلا بإذن زوجها ولكن لا حرج عليه إذا رأى من المصلحة أن يأذن لها في الحج وتحج مع محرمٍ لها وأما المبانة فإن المشروع أن تبقى في بيتها أيضاً ولكن لها أن تحج إذا وافق الزوج على ذلك لأن له الحق في هذه العدة فإذا أذن لها أن تحج فلا حرج عليه فالحاصل أن المتوفى عنها يجب أن تبقى في البيت ولا تخرج وأما المطلقة الرجعية فهي في حكم الزوجات فأمرها إلى زوجها وأما المبانة فإنها لها حريةٌ أكثر من الرجعية ولكن مع ذلك لزوجها أن يمنعها صيانةً لعدته.
***(19/2)
الإحداد(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم امرأة لم تحد بعد وفاة زوجها لجهلها بذلك نرجوا بيان الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء ما دامت تركت الإحداد جهلا منها فلا شيء عليها لقول الله تبارك وتعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت.
يافضيلة الشيخ: وإذا علمت يا شيخ ما الحكم الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا علمت بعد انقضاء العدة فليس عليها شيء وإن علمت في أثنائها تكمل
***(19/2)
السؤال: هل تأثم المرأة إذا لم تقم بالعدة الشرعية وهي الحداد على الزوج وخاصة إذا كانت هذه المرأة عجوز وما هي الحكمة الشرعية من هذه العدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تأثم المرأة إذا تركت الإحداد لأنها عصت الله ورسوله ثم إنها أهدرت حقا من حقوق الزوج لأن العدة من حقوق الزوج قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) فدل هذا على أن العدة حق للزوج على المرأة فتكون المرأة إذا تركت الإحداد عاصية لله ورسوله ومهدرة لحق زوجها أما الحكمة من ذلك فهو احترام حق الميت بأربعة أشهر وعشرة أيام وكانت النساء في الجاهلية يقمن بالإحداد على أزواجهن سنة كاملة بأبشع حال ويفتخرن بذلك حتى إن المرأة إذا خرجت بعد سنة أخذت ببعرة ورمت بها تشير إلى أن هذه المدة مع هذه المشقة أهون عليها من رمي هذه البعرة.
***(19/2)
السؤال: ما هي أحكام عدة المرأة وما هو حكمها إذا خرجت للضرورة ومتى يحق لها أن تخرج وهي في العدة بعد وفاة زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يظهر أن السائل يريد أحكام عدة المرأة بالوفاة أولاً أنه يجب عليها أن تتجنب جميع أنواع الزينة من الثياب الجميلة والحلي بجميع أنواعه في اليدين أو في الأذنين أو على الصدر أو في الرجلين ومنه أيضاً الساعة في اليد فإنها نوع من الحلي تجعلها في جيبها ولا تجعلها في يدها
ثانياً تتجنب جميع التجميلات في العين وفي الخد وفي الشفتين وفي اليدين وفي الرجلين كل ما يسمى تجميلاً فإنها تمنع منه ولهذا منعت من الكحل لأنه تجميل للعين وأما القطرة التي تحتاج إليها لوجع في عينها ولا يكون فيها تجميل العين فلا بأس بها
ثالثاً يجب عليها أن تبقى في بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه فلا تخرج منه إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك والمراد البيت الذي تسكنه فلو فرض أن زوجها مات وهي في بيت أهلها لزيارة لهم فإنها ترجع إلى بيت زوجها وتبقى فيه ويجوز أن تخرج للحاجة مثل أن تقضي حاجتها لشراء خبز أو طعام أو شبهه إذا لم يكن عندها من يشتري لها لأنها محتاجة إلى ذلك لكنها تخرج نهاراً لأنه آمنُ عليها من الفتنة وأما ليلاً فلا تخرج إلا للضرورة كما لو حدث مطر شديد تخشى على نفسها منه أو أصابها فزع من لص أو شبهه فإنها تخرج ولو في الليل وأما مكالمة الرجال بالتلفون أو مباشرة فإنه لا بأس به مع أمن الفتنة وعدم المحذور فإن كان يخشى من الفتنة فلا يجوز لا لها ولا لغيرها وكذلك إذا تضمن محظوراً كما لو تضمن الخلوة بها في البيت فإنه لا يجوز أيضاً لا لها ولا لغيرها هذه هي الأحكام التي تجب على المعتدة ويجوز لها أن تغتسل ويجوز لها أن تدهن رأسها بما ليس فيه طيب لأن الطيب ممنوعة منه لأنه نوع من التجمل ويجوز لها أيضاً أن تكدّ رأسها وأن تقلم أظافرها وأن تأخذ ما يسن أخذه من الشعر وما أشبه ذلك.
***(19/2)
السؤال: ما هو مفهوم العدة في الإسلام بالنسبة للمرأة التي يتوفى زوجها هل الصحيح هو عدم خروجها من البيت نهائياً وعدم رؤيتها لأي رجل حتى انتهاء مدة العدة والتي هي أربعة أشهر وعشرا علماً أنني موظفة وعندي أطفال أرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عدة الوفاة ليست كما قالت السائلة أربعة أشهر وعشراًَ بل هي إما أربعة أشهر وعشر وإما وضع الحمل إن كانت حاملاً فإذا مات زوج المرأة عنها وهي حامل انقضت عدتها بوضع الحمل وإن كان وضعها بعد موته بدقائق لعموم قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ولأن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال فإذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج والمرأة المتوفى عنها زوجها يجب عليها الإحداد والإحداد هو أولاً لزوم البيت فلا تخرج من البيت لا ليلاً ولا نهاراًَ إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك في الليل أو إذا دعت الحاجة إلى ذلك في النهار ومن دعاء الحاجة إلى ذلك في النهار إذا كانت مدرسة ولم تعطَ إجازة في مدة العدة وكان بقاؤها في بيتها يفضي إلى فصلها من التعليم وإلى انقطاع معيشتها وأولادها فإن هذه حاجة ولاحرج عليها أن تخرج إلى المدرسة في النهار في مثل هذه الحال ثم ترجع.
ثانياً يجب على المحادة أن تجتنب جميع أنواع الزينة في اللباس فلا تلبس الحلي ولا الثياب الجميلة التي تعتبر تزينا وتجملاً وأما ثياب المهنة والبذلة العادية فلا حرج عليها أن تلبسها ولا تلبس الحلي لا بيد ولا برجل ولا بأذن ولا برقبة ولا تستعمل التحسين كالاكتحال وتحمير الشفتين ونحو ذلك ولا تستعمل الطيب بجميع أنواعه سواء كان دهناً أم بخوراً إلا إذا طهرت من الحيض فإنها تطهر المحل بشيء من الطيب كالبخور لإزالة الرائحة الكريهة وأعني بالمحل محل الحيض وأما مكالمتها الرجال فلا بأس بها وكذلك مكالمتها في الهاتف لا بأس بها وكذلك رؤية الرجال لا بأس بها لكن لا تكشف أمام الرجال كغيرها من النساء فهي بالنسبة لمكالمة الرجال وبالنسبة لرؤية الرجال كغيرها من النساء.
***(19/2)
السؤال: يقول ما هو حكم دخول الرجال من غير المحارم على المرأة التي في عدتها بعد وفاة زوجها علماً بأنها كبيرةً في السن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يظن بعض العامة أن المرأة إذا كانت معتدة من وفاة زوجها فإنها لا تكلم الرجال ولا تكلم الهاتف ولا تكلم المستأذنين في دخول البيت وما أشبه ذلك وهذا غلط المرأة التي في عدة زوجها من وفاة لها أن تخاطب الرجال كما يخاطبهم من لم تكن في عدة ما لم يكن هناك محظورٌ شرعي من الخضوع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ولها أن يحضر إليها رجالٌ من غير محارمها إذا لم يخلوا بها ولا حرج في هذا كما لها أيضاً أن تخرج إلى سطح البيت وإلى فناء البيت وإلى كل ما كان داخل سور البيت ليلاً أو نهاراً
وإنني بهذه المناسبة أود أن أبين ما تمتنع منه المرأة المحادة التي في عدة زوجها من وفاة فتجتنب أولاً كل لباس زينة فكل لباسٍ يتزين به ويقال هذه المرأة متزينة متجملة فإنه يحرم على المرأة المعتدة من وفاة أن تلبسه ويجوز لها أن تلبس ما ليس بزينة بأي لونٍ كان سواء كان أحمراً أو أسوداً أو أصفراً.
ثانياً تجتنب لباس الحلي لا تلبس الحلي في أذنها ولا عنقها ولا ذراعها ولا أصبعها ولا صدرها لأن هذا ينافي الإحداد
ثالثاً تجتنب الطيب سواءٌ كان في رأسها أو في جسمها أو في ثوبها إلا إذا طهرت من الحيض فإنها تستعمل البخور لأجل إزالة الرائحة الباقية بعد الحيض.
رابعاً لا تكتحل بأي كحلٍ كان حتى وإن كان من عادتها أنها تكتحل وإذا فقدت الكحل تأثرت بعض الشيء فإنها لا تكتحل وقد ثبت في الصحيح (أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته أن ابنتها اشتكت عينها وكانت في عدة وفاة قالت أفنكحُلها فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا)
الخامس أن لا تتجمل بأي نوعٍ من أنواع التجميل كتحمير الشفتين والمكياج وما أشبهه
والسادس أن لا تخرج من البيت الذي مات زوجها وهي ساكنةٌ فيه بأي حالٍ من الأحوال لا لزيارة قريب ولا لعيادة مريض ولا لتعزيةٍ بميت ولا غير ذلك إلا للحاجة كما لو احتاجت إلى مراجعة المستشفى أو احتاجت إلى شراء طعامٍ لا يوجد في البيت من يشتريه لها أو ما أشبه ذلك أو لضرورة كما لو احترق البيت فاضطرت إلى الخروج منه
وأما ظن بعض النساء أن المرأة المحادة يجب عليها أن تغتسل كل جمعة فهذا لا أصل له ولا يجب على المرأة أن تغتسل كل جمعة ولا كل شهرٍ هي بالخيار إلا من جنابة أو حيض والجنابة بالنسبة للمحادة هو الاحتلام مثلاً وكذلك ظن بعض الناس أنه يجب عليها أن تصلى من حين أن تسمع الأذان هذا أيضاً لا صحة له فهي لها أن تصلى في أول الوقت أو وسط الوقت أو في آخر الوقت إلا أنه من المعلوم أن الصلاة في أول الوقت أفضل إلا في صلاة العشاء فإن الصلاة في آخر الوقت أفضل وكذلك ظن بعض الناس أن المرأة لا تبرز إلى السطح إذا كان القمر مبدراً ولا إلى الفناء إذا كان القمر مبدراً فإن ذلك أيضاً لا أصل له بل تخرج إلى السطح وإلى فناء البيت في كل وقتٍ وحين وكذلك ظن بعض الناس أنها لا تكلم الرجال غير المحارم كما أسلفت في أول الجواب فهذا أيضاً كله لا أصل له وقد ذكرنا ما يمتنع على المرأة المحادة وهي ستة أشياء وما عدا ذلك فهي فيه كغيرها من النساء.
***(19/2)
السؤال: تقول السائلة امرأة توفي زوجها ولديها عددٌ من الأولاد منهم البالغون ومنهم دون البلوغ فهل يجوز لنا إذا قمنا بزيارتهم وقدموا لنا الشاي والقهوة أن نشربها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أظن في هذا إشكالاً ولعلها تريد أن هؤلاء الصبية الذين لهم عشر سنوات ونحوها هل يجوز أن ينظروا إلى المرأة المحادة فإن كان ذلك فالمرأة المحادة بالنسبة للنظر إليها والحديث معها كغيرها من النساء وما يذكره العوام من التشديد في ذلك فلا أصل له المرأة المحادة يجب عليها أن تتجنب ما يأتي:
أولاً أن تتجنب التجمل بالثياب فلا تلبس من الثياب ما يعد تجملاً وتزيناً
ثانياً أن تتجنب الطيب بجميع أنواعه من دهنٍ أو بخورٍ أو غيرهما سواءٌ في بدنها أو في ثيابها إلا إذا طهرت من الحيض وبقيت بقايا رائحة كريهة فإنها تتطيب بالبخور
ثالثاً أن تتجنب لباس الحلي بجميع أنواعه في أي مكانٍ من بدنها سواء كان الحلي ذهباً أم فضة أم لؤلؤاً أم جوهراً آخر وسواء كان في يديها كالأسورة أو في أذنيها كالخروص أو في رجليها كالخلاخيل أو على صدرها كالقلائد فإن جميع أنواع الحلي محرم على التي توفي عنها زوجها حتى تنتهي عدتها
رابعاً أن تتجنب جميع أنواع التجميلات من الكحل والحناء والبودرة وغيرها
والخامس أن تتجنب الخروج من البيت إلا لحاجة في النهار أو لضرورةٍ في الليل فالحاجة في النهار مثل أن تحتاج إلى الخروج لقضاء حاجتها التي ليس عندها من يقضيها أو تخرج لمراجعة المحكمة أو تخرج للتدريس أو للدراسة فهنا يجوز الخروج في النهار ولا يجوز في الليل أما في الليل فلا بأس بخروجها مثل أن تخشى على نفسها من الفساق أو يكون البيت آيل للسقوط ويكون ثمة أمطار يخشى أن يسقط بها فحينئذٍ تخرج.
***(19/2)
السؤال: هل يلزم المرأة المعتدة المتوفى عنها زوجها أن تلتزم بلباسٍ أسود أم يجوز أي لون نأمل توضيح ما يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها من لباسٍ وغيره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد مدة العدة ومدة العدة محددة بالزمن ومحددة بالحال فإن كانت المتوفى عنها زوجها حائلاً ليس فيها حمل فعدتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيام منذ مات سواءٌ علمت بوفاته حين وفاته أو لم تعلم إلا بعد ابتداء المدة من حين الموت فلو قدر أنه مات ولم تعلم بموته إلا بعد مضي شهرين فإنه لم يبقَ عليها من العدة والإحداد إلا شهران وعشرة أيام فالحائل عدتها محددةٌ بزمن وهو أربعة أشهر وعشرة أيام من موته وأما الحامل فعدتها إلى أن تضع الحمل سواءٌ طالت المدة أو قصرت ربما تكون العدة ساعةً أو ساعتين أو أقل وربما تكون سنةً أو سنتين أو أكثر لقوله تعالى في الأولى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ولقوله تعالى في الثانية (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وقد ثبت في الصحيحين (أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها وضعت بعد موت زوجها بليالٍ فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تتزوج) ففي عدة الموت يجب على المرأة أن تحد والإحداد يتضمن أموراً:
الأول أن لا تخرج من البيت إلا لحاجة
والثاني أن لا تتجمل بالثياب فلا تلبس ثياباً تعد ثياب زينة ولها أن تلبس ما شاءت مما سواها فتلبس الأسود والأحمر والأخضر وغير ذلك مما يجوز لبسه غير متقيدة باللون الأسود
والثالث أن لا تتجمل بالحلي بجميع أنواعه سواء كان أسورةٌ أم قلائد أم خروصاً أو خلاخيل أم غير ذلك يجب عليها أن تزيل الحلي فإن لم تتمكن من إزالته إلا بقصه وجب عليها قصه
الرابع أن لا تتزين بتجميل عين أو خد أو شفة فإنه لا يجوز لها أن تكتحل ولا أن تتورس ولا أن تضع محمر الشفاه
والخامس أن لا تتطيب بأي نوعٍ من أنواع الطيب سواءٌ كان بخوراً أم دهناً إلا إذا طهرت من الحيض فلها أن تستعمل التطيب بالبخور في المحل الذي فيه الرائحة المنتنة
وأما ما يذكره بعض العامة من كونها لا تكلم أحداً ولا يشاهدها أحدٌ ولا تخرج إلى حوش البيت ولا تخرج إلى السطح ولا تقابل القمر ولا تغتسل إلا يوم الجمعة ولا تؤخر الصلاة عن وقت الأذان بل تبادر بها من حين الأذان كل هذه أشياء ليس لها أصل في الشريعة فالمرأة المحادة في مكالمة الرجال كغير المحادة وكذلك في نظرها للرجال ونظر الرجال إليها كغير المحادة يجب عليها أن تستر الوجه وما يكون سبباً للفتنة ويجوز لها أن تخاطب الرجل ولو من غير محارمها إذا لم يكن هناك فتنة كذلك أيضاً من جملة كلامه للرجال أن ترد على الهاتف وعلى باب البيت إذا قرع وما أشبه ذلك.
***(19/2)
السؤال: حفظكم الله ما حكم شرب القهوة بالزعفران للمرأة في فترة الحداد حيث نسمع بالنهي عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت رائحته باقية أي رائحة الزعفران باقية فإنه لا يجوز لها أن تشرب ذلك لأنه سيظهر ريحه على فمها وأما إذا كانت الرائحة قد زالت بطبخه فلا حرج عليها.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم السائلة تقول هل تخرج المرأة في عدة وفاة زوجها من البيت أم لا وقرأت أن ثوب الإحداد يكون إما غير مصبوغ أو يصبغ بخيوط قبل النسج فكيف أعرف هذا وهل يجوز لبس الأبيض أو الأسود بدون تفصيل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المحادة يجب عليها في الإحداد أمور:
الأمر الأول: ألا تلبس زينة أي ثياباً تعتبر تزيناً وتجملاً ولها أن تلبس ما شاءت من الثياب سوى ذلك سواء كان أحمراً أو أصفراً أو أسوداً أو أخضراً أو ملوناً وأما الأبيض فهو في عرفناً وفي بلادنا فيعتبر من الزينة فلا تلبسه والمصبوغ الملون الذي ليس من ثياب الزينة جائز سواء صبغ قبل النسج أو بعد النسج ولا دليل على التفريق بين ما كان قبل النسج أو بعده.
ثانياً: يلزم المحادة أن تجتنب التحلي بجميع أنواعه سواءً كان في الأذن أو في اليد أو في القدم أو على الصدر أو على العنق وعلى هذا فإذا كان عليها خروص وجب عليها أن تنزعها وإذا كان عليها سن ذهب وجب عليها أن تخلعه إلا أن يكون في ذلك مثلة فيبقى لكن تحرص على ألا تبرزه.
ثالثاً: يجب عليها ألا تلون جسدها بزينة فلا تكتحل ولا تحمر الشفاه ولا تستعمل الحناء لأن ذلك كله من التجميل.
رابعاً: يجب عليها ألا تخرج من البيت لا ليلاً ولا نهاراً لا لزيارة قريب ولا لعيادة مريض ولا لغير ذلك إلا إذا احتاجت إلى الخروج لمرض لتصل إلى المستشفى أو احتاجت إلى الخروج إلى المحكمة لإثبات أو إقرار أو ما أشبه ذلك فهذه تخرج نهاراً ولا تخرج ليلاً لأن أهل العلم قالوا المحادة تخرج من البيت نهاراً للحاجة وتخرج من البيت ليلاً للضرورة وأما ردها على الهاتف والرد على من قرع الباب ومشاهدة الرجال ودخول الرجال عليها فهي في ذلك كغيرها ما حل لغيرها حل لها وعلى هذا فيجوز أن ترد على الهاتف ويجوز أن تخاطب من قرع الباب ويجوز أن يدخل في البيت من ليس بمحارم لها كإخوان زوجها ونحوهم ولكن بدون أن تخلو بهم وأما خروجها ليلاً إلى سطح البيت أو إلى فنائه المسور فإنه لا بأس به سواءً شاهدت القمر أم لم يكن هناك قمر وأما ما اشتهر عند العامة من أنها لا تبرز للقمر ليلاً فهذا ليس له أصل لا في القرآن ولا في السنة ولا في كلام أهل العلم
والإحداد واجب وقت العدة فقط فلو كانت حاملا ووضعت فى اليوم الذي مات زوجها فيه انتهت العدة وانتهى الحداد ولو لم تعلم بموت زوجها إلا بعد مضي العدة فإنه لا حداد عليها ولا عدة لأن ابتداء العدة والإحداد من موت الزوج لا من العلم بموته فيحسب من موت الزوج فإذا قدر أنها لم تعلم بموته إلا بعد مضى أربعة أشهر وعشرة أيام فلا إحداد عليها ولا عدة لأنها انتهت وإذا علمت بموته بعد شهرين اعتدت بقية العدة شهرين وعشرة أيام.
***(19/2)
السؤال: جزاكم الله خير يا شيخ السائل عبد الله من اليمن يقول مات جدي منذ عشرة أيام وقلنا لجدتي أن تعتد بعد موت زوجها وألا تخرج من البيت ولكنها خرجت من أجل التنزه وهي في أثناء عدتها ماذا عليها علما بأنها كبيرة في السن وحاولنا معها فلم تستجب لكلامنا وجهوها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لهذه المرأة لا يحل لها أن تخرج للتنزه وهي في إحداد لأن الإحداد يوجب عليها أن تبقى في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ولا تخرج إلا لضرورة في الليل أو لحاجة للنهار والنزهة ليست ضرورة ولا حاجة فلتتب إلى الله تعالى مما صنعت ولتقم بالواجب عليها في البقاء في المنزل.
***(19/2)
السؤال: تقول السائلة تزوجت وعندي أطفال وأغنام وعندما لبست الحداد كنت أخرج للبر لهذه الأغنام وأعطيها الماء والأكل وأذهب بها إلى المراعى لأنه لم يكن هناك من يقوم بها غيري وأنا متحجبة حجابا كاملا فما الحكم جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه لا بأس في هذا لأن خروجك كان في النهار حسب ما فهمت من السؤال خروج من اعتدت عدة وفاة في النهار إذا كان لحاجة فلا بأس به.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم هذه المستمعة ع. أ. تقول هل يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تبقى طيلة فترة العدة في المنزل لا تخرج منه أبدا ولو حتى إلى المستشفى في حالة الضرورة وهل عليها كذلك وهي في حالة العدة أن لا تحدث من هو أجنبيٌ عنها ولو في الهاتف مثلاً فقد يحصل أن لا يوجد أحد في المنزل فتضطر إلى رفع سماعة الهاتف وقد يكون المتحدث رجلا وهل تأثم المرأة إذا لم تلزم البيت في فترة العدة وخرجت للعمل إذا كانت مدرسة موظفة مثلاً ما هي المحرمات على المرأة في فترة العدة وما يجوز لها وما لا يجوز لها أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المعتدة من وفاة يجب عليها أن تبقى في منزلها الذي مات زوجها وهي ساكنةٌ فيه لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ولكن لا بأس أن تخرج للحاجة كما لو كانت تخرج لشراء حاجات البيت إذا لم يكن هناك من يشتريها أو تخرج لأداء عملها في المدرسة أو تخرج للمستشفى أما في الليل فقد قال أهل العلم إنها لا تخرج إلا للضرورة بحيث تخشى على نفسها إن بقيت في البيت وحدها أو يكون البيت آيلاً للسقوط وينزل المطر فتخشى أن يسقط عليها أو يشب في البيت حريق فتخرج المهم أن الفقهاء رحمهم الله فرقوا بين الليل والنهار فقالوا في النهار تخرج للحاجة وهي دون الضرورة وفي الليل لا تخرج إلا للضرورة هذا بالنسبة للزوم المسكن
أما بالنسبة لما تلبس فإنها لا تلبس ثياب الزينة أي لا تلبس ثياباً يعد لبسها تزيناً وأما الثياب المعتادة تلبسها سواءٌ كانت سوداء أو خضراء أو صفراء أو حمراء أو غير ذلك يعني لا يشترط لونٌ معين للثياب الذي يشترط أن لا يكون الثوب ثوب زينة
الثاني أن لا تتحلى يعني أن لا يكون عليها حلي من سوار أو قلادة أو خاتم أو خلخال أو غير ذلك من أنواع الحلي حتى لو كان عليها سن ذهب يمكن أن يخلع بلا ضرر فإنها تخلعه إذا كان يعطي جمالاً وزينة أما إذا كانت لا تستطيع خلعه أو كانت تخشى من ضرر فيبقى ولكن تحرص بقدر الإمكان أن لا تبرزه إذاً السن نقول إذا كانت تخشى من خلعه ضرراً فإنه يبقى ولكن تحرص على أن لا يبرز بقدر ما تستطيع.
الثالث أن لا تكتحل ولا تتجمل بزينة أخرى كتحمير الشفاه والخدين وما أشبه ذلك كل هذا يجب عليها أن تتجنبه وأما مكالمة الناس ومخاطبتهم فلا بأس سواءٌ مباشرة أو عن طريق الهاتف ولها أن تصعد إلى السطح ليلاً ونهاراً ولها أن تخرج إلى ساحة البيت ليلاً ونهاراً وأما ما اشتهر عند عامة الناس أنها لا تكلم أحداً حتى بالهاتف فهذا خطأ.
وبقي شيء رابع مما يحرم عليها وهو التطيب فإنها لا تتطيب لا بدهنٍ ولا ببخور ولا غير ذلك إلا إذا طهرت من الحيض.
***(19/2)
السؤال: تقول امرأة كبيرة في العمر، عمرها ما يقارب من خمسة وستين سنة توفي زوجها وقد كان هذا الزوج عاجزا ومريضا فلم تعتد عليه وإنما كانت تخرج من بيتها عند أولادها لأنها لا تستطيع البقاء لوحدها في البيت علما بأنها كانت لا تتزين ولا تتطيب والسؤال هل تأثم في ذلك وماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة التي مات عنها زوجها تجب عليها العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام من موته أو وضع الحمل ويجب عليها في هذه العدة أن تبقى في بيتها ولا تخرج منه إلا لعذر شرعي فمن الأعذار الشرعية أن تمرض وتحتاج إلى الخروج إلى المستشفى أو أن يحتاج إليها القاضي في حصر الوراثة مثلا أو غير ذلك من الأسباب التي تسوغ لها أن تخرج أما بدون سبب فلا يجوز وعلى هذا فلا يجوز أن تخرج لزيارة جيرانها أو أقاربها أو لصلاة العيد أو ما أشبهه بل تبقى في بيتها لكن لو اضطرت إلى الخروج بأن كانت تخشى على نفسها إذا بقيت في البيت أو جاءت أمطار غزيرة يخشى أن ينهدم عليها البيت أو أصاب البيت حريق لا يمكنها أن تبقى معه فحينئذ تخرج ولو في الليل وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن لها أن تخرج لحاجتها نهارا مثل أن تخرج لشراء حاجاتها في بيتها إذا لم يكن لها أحد يشتري لها وكذلك يحرم على المرأة التي توفى عنها زوجها أن تتطيب أو أن تكتحل أو أن تتورس أو أن تلبس ثياب زينة أو أن تلبس حليا كل هذا حرام عليها حتى تنتهي العدة وأما مكالمة الرجال ومخاطبتهم والرد على الهاتف والرد على قارع البيت وما أشبه ذلك فهذا حلال لا بأس به وكذلك أيضاً لا حرج عليها أن تغتسل كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو لا تغتسل إلا عند الحيض فليس لها حكم يختص بها في مسألة الاغتسال وكذلك لها أن تصلى في أول الوقت وآخره سواء صلى الناس أم لم يصلوا.
***(19/2)
السؤال: تقول بالنسبة للزوجة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً أو غير حامل فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأن هذه السائلة تسأل عن عدة المتوفى عنها زوجها المتوفى عنها زوجها عدتها إما أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم تكن حاملا ولا عبرة بالحيض هنا في عدة الوفاة حتى لو لم تحض في هذه المدة إلا مرة واحدة فإنها إذا تمت أربعة أشهر وعشرة أيام انتهت عدتها وإن لم تحض إلا مرة واحدة أو لم تحض أصلا وأما إذا كانت حاملا فعدتها وضع الحمل لقوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ) سواء طالت المدة أم قصرت وعلى هذا فربما تضع بعد وفاة زوجها بيوم واحد فتنتهي العدة وينتهي الإحداد وقد تبقي ستة أشهر أو سبعة أو تسعة أو عشرة أو سنة أو سنتين فتبقي بعدتها حتى تضع الحمل لعموم قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ) فإن قال قائل إذا وضعت قبل تمام أربعة أشهر وعشر فلماذا لا نحتاط ونأخذ بالأكثر فالجواب أن السنة بينت ذلك (فقد نفست سبيعة الأسلمية بعد موت زوجها بليال فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تتزوج) وهذا يدل على أنها متى وضعت الحمل انتهت عدتها ولو كانت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام بل لو كان زوجها لم يدفن بعد فإنها تنتهي عدتها فلو فرض أن امرأة كانت تطلق ثم مات زوجها قبل أن تضع الحمل ثم وضعت الحمل بعد موته بدقائق فإن عدتها تنتهي وتنقضي والإحداد يتبع العدة فليس عليها إحداد في هذا الحال لأنها انتهت عدتها وحين ذكرنا الإحداد يجدر بنا أن نبين ما الشيء الذي تحاد المرأة عنه فنقول تحاد عن الزينة فلا تتزين في عينيها ولا في شفتيها ولا في يديها ولا في رجليها فلا تكتحل ولا تحمر الشفاه ولا تختضب بالحناء أو غيره لا في يد ولا في رجل ولا تلبس الحلي بجميع أنواعها فإن كان عليها حلي حين موت زوجها فإنها تخلعه فإن لم يمكن خلعه إلا بقص قص وإذا كان عليها أسنان من الذهب فإنها تخلع الأسنان إذا كانت ملبسة على أصل وأما إذا لم تكن ملبسة على أصل بل هي مثبتة أو كان لا يمكن نزعها إلا بخلل الأسنان فإنها تبقى ولكن تحرص على إخفائها وتتجنب جميع ألبسة الزينة من ثياب أو سراويل أو عباءة أو غير ذلك مما يلبس فإنها تتجنب كل ما يسمى بلباس زينة أما اللباس العادي فلا بأس به سواء كان أسوداً أو أخضراً أو أصفرً المهم أن لا يقال أن هذه المرأة متجملة وتتجنب أيضا الطيب بجميع أنواعه سواء كان بخورا أم دهننا أم سحوقا إلا إذا طهرت من الحيض فإنها تستعمل شيئا قليلا من الطيب كالبخور من أجل إخفاء رائحة ما أصابها من أذى الحيض وتتجنب الخروج من البيت فلا تخرج إلا للحاجة في النهار أو للضرورة في الليل ما لم تخش على نفسها أو عقلها لبقائها وحدها في البيت فلها أن تنتقل حيث شاءت فهذه أشياء خمسة تتجنبها المحادة التزين بأنواع الزينة لباس الحلي لباس الثياب الجميلة الطيب بجميع أنواعه الخروج من البيت وأما مكالمة الرجال عبر الهاتف أو بدون الهاتف فإنها كغيرها لها أن تخاطب الرجال ما لم تخش الفتنة وكذلك خروجها من داخل الشقة إلى فناء الشقة وصعودها إلى سطح الشقة أو البيت كل هذا جائز ولا بأس به.
***(19/2)
السؤال: ما هو الحكم الشرعي في أن بعض النساء عند وفاة أحد أقاربهن يجعلن فترة الحداد أربعين يوماً لا يقمن أثنائه بالزيارة ولو لمريضة أو بالذهاب إلى حفلة زفاف وإذا حصل فإنهن يسخرن منها أي من التي تزور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحداد المشروع الواجب هو حداد المرأة على زوجها، أما حدادها على غير الزوج فهذا لا يجوز إلا لثلاثة أيام فأقل، وما زاد عن الأيام الثلاثة فإنه حرام ولا يحل لها أن تفعل ذلك وهؤلاء الذين يسخرون بها إذا لم تحد هم في الحقيقة محل السخرية لأن من قام بما أوجب الله عليه، وترك ما حرم الله عليه فهو محل الاحترام والتعظيم والمحبة والمودة من المؤمنين، والذي يسخر منهم من خالف أمر الله ورسوله أو تعدى أمر الله ورسوله.
***(19/2)
السؤال: في أثناء الحداد وفي العدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام أشك بأنني قد زدت يوما أو أكثر وذلك في انقضاء العدة فلم أخلع لباسي إلا في اليوم الثاني ليلاً ما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس في هذا.
***(19/2)
السؤال: هل يجوز للمرأة في الحداد استعمال الشامبو والصابون المعطر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها ذلك لأن الأمر كما قلت في السؤال قبله لا يراد بهذا التطيب وإنما يراد تطييب النكهة فهو كزهرة التفاح وشبهها وإن تركته المحادة فهو أولى.
***(19/2)
السؤال: تذكر بأنها امرأة محادة على زوجها وحامل في الشهر الرابع تقول هل أنا ملزمة بتغطية شعر رأسي طوال فترة الحداد ولو كنت بين محارمي علماً بأنني أقضي فترة الحداد في بيت والدي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم المرأة المحاده أن تغطي شعر رأسها إلا إذا كان عندها رجال ليسوا من محارمها والمرأة المحادة في تغطية الرأس وكشفه واغتسالها ومخاطبتها الرجال كغير المحادة إلا أنها أي المحادة لا تلبس ثياب زينة يعني لا يقال إنها لبست ثوباً تتزين به أما الألوان فلها أن تلبس ما شاءت من الألوان لكن لا يكون زينة
ولا تلبس الحلي كالخواتم والخروص والأسورة والقلائد بل لو كان عليها أسورة وجب عليها خلع الأسورة فإن لم تنخلع إلا بقصها قصتها
ولا تتطيب لا بعود ولا بورد ولا بغير ذلك إلا إذا طهرت فلها أن تتطيب بالعود لإزالة الرائحة الكريهة فقط بقدر الحاجة فقط
الرابع أن لا تتجمل باكتحال أو تحمير شفاه أو حناء لأن ذلك من الزينة
الخامس أن لا تخرج من بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه إلا لحاجة في النهار مثل أن تخرج إلى السوق لتشتري حاجاتها إذا لم يوجد عندها من يشتريها لها أو تكون امرأة لها غنم تخرج ترعاها في النهار لعدم من يرعاها أو تخرج إلى المحكمة في أداء حجة شرعية أو غير ذلك من الحاجات أو تخرج إلى صديقتها إذا ضاق صدرها في النهار تخرج إلى صديقتها لتوسع صدرها ثم ترجع قبل الليل ولا تخرج في الليل إلا للضرورة فالضرورة مثل أن يصيبها إغماء فتنقل إلى المستشفى أو تخشى أن يسقط عليها البيت من الأمطار أو يقع في البيت حريق فتخرج هذه ضرورة وأما مكالمتها الرجال في الهاتف فلا بأس وايضا لا بأس من مكالمتها الرجال عند الباب الذين يستأذنون يقول هل فيه فلان فتخاطبهم ولابأس بصعودها إلى السطح في الليل أو في النهار ولابأس بخروجها إلى ساحة البيت يعني المتسع الذي خارج الفيلا لكن السور محيط به وأيضاً اغتسالها في أي ليلة أو يوم لا بأس به وكذلك صلاتها قبل صلاة الإمام ولكن بعد دخول الوقت لا بأس بها.
***(19/2)
يقول إذا توفي رجل وعنده أكثر من زوجة فهل يجوز لهن الحداد في بيوت أهلهن كآبائهن وإخوانهن أم لابد من لزوم بيت الزوج للحداد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب علي الزوجة إذا مات زوجها أن تبقى مدة العدة في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه سواء كانت واحدة أم أكثر ولا يجوز لها أن تخرج منه إلى بيت أهلها إلا إذا كان هناك ضرورة
وإنني بهذه المناسبة أود أن أبين أن المرأة يجب عليها الإحداد إذا مات عنها زوجها مدة العدة كلها بأن تتجنب الزينة بجميع أنواعها سواء كانت من اللباس أو من الحلي وأن تتجنب التزين بالكحل وتحمير الوجه وغير ذلك وأن تتجنب الطيب بجميع أنواعه إلا إذا طهرت فإنها تتبخر بالقسط والأظفار وهما نوعان من الطيب تتبع أثر الدم فقط لإزالة هذه الرائحة وأن تتجنب الخروج من بيت زوجها من البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه فلا تخرج إلا لضرورة أو إذا كان هناك حاجة تخرج في النهار دون الليل فهي لازمة للبيت وخروجها إن كان لضرورة جاز ليلاً ونهاراً وإن كان لغير ضرورة ولا حاجة لم يجز لا ليلا ولا نهاراً وإن كان لحاجة لا ضرورة جاز نهاراً لا ليلاً.
يافضيلة الشيخ: لو فرضنا أنه مات زوجها وهم في بيت مستأجر فهل وبعد وفاته تنتقل إلى بيت أهلها لانتهاء مدة الإيجار أو نحو ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت في بيت مستأجر فإنه يجب عليها أن تبقى فيه إلا إذا أخرجها صاحب البيت لتمام المدة أو لغير ذلك فإنها تخرج إلى بيت زوجها أو إلى أي بيت شاءت.
***(19/2)
السؤال: تقول هل في لبس الساعة شيء على المحادة على زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنها لا تلبس الساعة لأن الساعة نوعٌ من الزينة ولكن تجعل الساعة في جيبها أي في مخباتها وإذا احتاجت إلى مراجعتها راجعتها.
***(19/2)
السؤال: أم أسامة من الأردن تقول إنها امرأة توفي زوجها منذ سبع سنوات ومنذ وفاته وهي ترتدي اللباس الأسود سواء داخل البيت أو خارج ذلك تقول لم ألبس هذه الثياب من قبل ولكن لشدة حزني عليه لبست الأسود واستمريت في لبسه بعد انتهاء فترة الحداد المفروضة إلى هذه اللحظة التي أكتب لكم فيها ونيتي بأن ذلك تجنباً لإظهار الزينة لأن اللون الأسود ليس فيه لفت الأنظار لذلك حسب اعتقادي أود من فضيلتكم الحكم الشرعي في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن هذه المرأة مبتدعة ولا يحل لها أن تحد أكثر مما جاء به الشرع أربعة أشهر وعشر إذا لم تكن حاملاً وإلى وضع الحمل إذا كانت حاملاً وحتى المرأة المحادة ليس من شرط الإحداد أن تقتصر على السواد بل تلبس ما شاءت إلا أنها لا تلبس ثياب الزينة فنصحيتي لهذه السائلة أن تتقي الله عز وجل وأن تعود إلى الحياة الطبيعية في ملابسها وكذلك في الطيب وغيره لأن الشرع حدد مدة الإحداد بأربعة أشهر وعشرة أيام لمن لم تكن حاملاً وبوضع الحمل لمن كانت حاملاً وهذه الثياب التي أبقتها سوف تجدد لها الأحزان كلما أرادت أن تنسى المصيبة جددتها هذه الملابس فلتتقي الله في نفسها وليكن سيرها على ما جاءت به الشريعة ولتلبس الآن ما شاءت من الثياب.
***(19/2)
يقول لقد جرت العادة عندنا في قرى منطقتنا عندما يتوفى شخص ما من أهل هذه القرى تقوم النساء القريبات لهذا الشخص وبعض الجيران بالتزام البيوت وعدم مغادرتها سواء لزيارة أصدقائهم أو أقربائهم أو لمناسبات أخرى وذلك لمدة أربعين يوماً بحجة المجاملة والمداراة لأهل المتوفى ومشاركتهم في مأساتهم فهل يجوز لهن ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكر في هذا السؤال هو من الإحداد والإحداد على غير الميت حرام إلا في ثلاثة أيام فأقل وعلى هذا فيجب إنكار هذا العمل والنهي عنه وبيان أن هذا ليس من الإسلام في شيء حتى ينتهي هؤلاء عن هذا الفعل ولا أدري لو كان كلما مضى أربعون يوماً مات واحد هل سيبقى هؤلاء في بيوتهم مدى الدهر إن هذه العادة عادة سيئة منكرة يجب تجنبها والتخلي عنها ومن أصيب بميت فإن الشارع جعل له ثلاثة أيام فأقل يحد فيها إلا المرأة على زوجها فإنه يجب أن تحد أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل وإن كانت حاملاً فإحدادها إلى وضع الحمل وعلى هذا فلو أن امرأة توفي عنها زوجها وهي حامل ثم وضعت بعد يوم واحد أو أقل فإنها تنتهي عدتها وإحدادها
وبهذه المناسبة أحب أن أقول أن بعض العامة يظنون أن المرأة المحادة إذا تمت عدتها فإنها تخرج إلى السوق في تلك الساعة أو في نظير تلك الساعة التي مات زوجها فيها وتخرج معها بطعام أو دراهم تعطيها أول من تقابل وهذا بدعة لا أصل لها وإنما انقضاء العدة معناه أنه إذا تمت العدة التي أمر الله بها فإن المرأة تنتهي من الإحداد سواء خرجت أو بقيت في بيتها المهم أنه انتهي منعها من التجمل والتطيب وما أشبه ذلك هذا هو معنى انتهاء العدة وليس معناه أن تخرج في مثل الساعة التي مات زوجها فيها وتخرج بطعام أو نحوه تعطيه من تلاقيه أولاً فإن هذا من الأمور العادية التي لا أصل لها في الشرع فهي منكرة.
يافضيلة الشيخ: مفهوم الإحداد الذي تفضلتم بذكره على الميت لمدة ثلاثة أيام ما هو مفهومه لغير النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مفهومه أن الإنسان مادام في حالة المصيبة حزناً له أن يدع الخروج مثلاً من بيته إلا للجماعة إذا كان رجلاً وله أن يدع الثياب الجميلة وله أن يدع مجالس أصحابه في هذه المدة فقط هذا معنى الإحداد ولبس السواد ليس مشروعاً لا للمرأة المتوفى عنها زوجها ولا لغيرها لأن المراد بالنسبة للمرأة المتوفى عنها زوجها ألا تلبس ثوباً جميلاً ولا يختص ذلك بلون معين بل كل الثياب التي لا تعد تجملاً من أي لون كانت جائز للمرأة أن تلبسها أما ما يعد تجملاً فإنه لا يجوز من أي لون كان.
***(19/2)
يقول مما لا شك فيه أن عدة من توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرءان الكريم وعند انتهاء العدة الليلة الحادية عشرة بعد انقضاء الأربعة أشهر تخرج هذه المرأة ومعها بعض النساء إلى أحد المساجد ومعها مجمرة مدخنة أي بخور طيب وبعد أن تؤدي ركعتين في المسجد تخرج وعندها عدة أحجار ترميها أي ترمي هذه الأحجار في عدة طرق ويقولون إن الذي تصيبه هذه الحجارة يموت إلى آخره هذا ما يحدث نرجوا التوضيح أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا شك أنه من البدع وهو شبيه بما يصنعه النساء في الجاهلية فإن المرأة كانت ترمي بالبعرة على رأس الحول ولا يجوز للمرأة أن تفعل مثل هذا الفعل وإذا انتهت عدة الوفاة سواء كان بالأشهر الأربعة وعشرة أيام أو كانت بوضع الحمل إن كانت حاملاً فإن معنى ذلك أن حكم الإحداد انتهى فقط وليست مأمورة أن تخرج أو تفعل مثل ما ذكر هذا السائل أو أن تتصدق بطعام تحمله معها إذا خرجت أول مرة تعطيه أول من تصادفه كل هذه الأمور ليست من الشرع وإنما معنى ذلك إذا انتهت العدة جاز لها ما كانت ممنوعة منه قبل انتهاء العدة فيجوز لها أن تخلع ثيابها وتلبس الثياب التي تريدها وأن تتطيب وتلبس الحلي وتفعل ما كانت ممنوعة منه في حال الاحداد.
وقولنا تفعل ليس معناه مطلوب منه أن تفعل ذلك ولكن نبيح لها أن تفعل ذلك.
***(19/2)
أحكام الرضاع(19/2)
السؤال: ً يقول إذا أرضعت الوالدة طفل ابنتها فهل هذا حرام أم لا نرجو الجواب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بحرام فلها أن ترضع طفل ابنتها وطفل ابنها ولها أن ترضع طفل ضرتها أي طفل زوجة زوجها الأخرى ولا حرج عليها في ذلك كله.
***(19/2)
السؤال: سؤالها الآخر تقول منذ عدة سنوات رزقني الله بطفل وبعد ولادته امتنعت عن رضاعته وأخذت من أجل ذلك أدوية لا لشيء إنما للحياء آنذاك في نفسي وبعد ذلك ندمت أشد الندم وكل ما مر علي ذلك الموقف أتألم اشد الندم أرجو من الشيخ أن يشرح لي عملي هذا ووفقه الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول مادامت أن المرأة هذه قد أحست بما فعلت وندمت عليه فإن الله سبحانه وتعالى يعفو عنها ما حصل منها وليس في ذلك شيء عليها بعد أن ندمت وتابت واستغفرت من ذنبها.
***(19/2)
السؤال: يقول المرسل من بلاد قحطان من الجنوب رضعت مع هند ولها أخ يدعى محمد الرضاع المُحَرّم فأصبحت هند أختي من الرضاعة ومحمد أخي من الرضاعة فلو رضع طفل من هند وآخر رضع من زوجة محمد فهل أكون خالاً لمن رضع من هند وعماً لمن رضع من زوجة محمد أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تكون عماً لمن رضع من زوجة أخيك من الرضاع وتكون خالاً لمن رضع من أختك من الرضاع وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
***(19/2)
السؤال: من دبي السائلة هـ. ف. ع تقول امرأة أرضعت عدة أشخاص نساء ورجال في سنوات مختلفة مع أبنائها تقول وكذلك أرضعت أمي فهل هؤلاء الرجال يعتبرون أخوالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم أن المرأة إذا أرضعت الطفل أو الطفلة خمس رضعات فأكثر صارت أماً لهذا الراضع وصار أولادها من بنين وبنات أخوة له وبناءً على هذا فإن هذه المرأة التي أرضعت أم السائلة يكون أولادها إخوانا لأمها وأخ الأم خال لبنتها.
***(19/2)
السؤال: المملكة الأردنية الهاشمية سامر العبد الله يقول إن زواج الأخ بأخته من الرضاعة محرم في القرآن فهل المقصود بالتحريم من الأخ الذي رضع معها في نفس الرضاعة أم التحريم يشمل إخوة الأخ الذي رضع معها أيضاً مع العلم بأن الفتاة هي أخته بالرضاعة من أمه وليس هو أخوها بالرضاعة من أمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت البنت هي التي رضعت من أم الرجل فإن جميع إخوة الرجل من أمه أو أبيه يكونون إخوةً لها لأنها - أي البنت - صارت بنتاً للتي أرضعتها فيكون أولاد التي أرضعتها إخوةً لها، وهي أيضاً بنت لصاحب اللبن، فيكون جميع أولاد صاحب اللبن وإن لم يكونوا من المرأة التي أرضعتها يكونون إخوةً لها من الأب من الرضاع وعلى هذا فجميع إخوة الرجل التي رضعت معه من أمه جميع إخوته من أبيه أو من أمه يكونون إخوةً لها.
***(19/2)
السؤال: المستمع الذي رمز لاسمه ب. ن. ع. من السودان يقول هل يجوز للإنسان أن يتزوج من بنات الأخ من الرضاع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يتزوج من بنات أخيه من الرضاع ولا من بنات أخته من الرضاع لقول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) وهؤلاء السبع محرمات بالنسب أي بالقرابة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فنظير هؤلاء السبع من الرضاع محرمات على الإنسان فتحرم على الإنسان أمه من الرضاع وبنته من الرضاع أمه من الرضاع وإن علت وبنته من الرضاع وإن نزلت وأخته من الرضاع وعمته من الرضاع وخالته من الرضاع وبنات أخيه من الرضاع وإن نزلنّ وبنات أخته من الرضاع وإن نزلنّ وعليه فإن بنات أخيه من الرضاع وبنات أخته من الرضاع كما هنّ محرمات عليه في النكاح فهنّ من محارمه يجوز له أن يخلو بهنّ ويجوز أن يكشفنّ وجوههنّ له ويجوز أن يسافر بهنّ لأنه من محارمهن ولكن لا بد أن يعلم أن للرضاع المحرم شروطاً فيشترط في الرضاع المحرم أن يكون في زمن الرضاع أي قبل تمام الطفل حولين وقبل فطامه وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإن كان دون ذلك فلا أثر له.
***(19/2)
السؤال: ً يقول الأخوات من الرضاعة هل هي تشمل كل أبناء الأم المرضعة قبل وبعد الرضاعة أم هي مقتصرة على الذي بعد الرضاعة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ارتضع الطفل من امرأة خمس رضعاتٍ فأكثر قبل الفطام صار ولداً لها وولداً لزوجها الذي منه هذا اللبن فإذا كان كذلك فإن جميع أولاد هذه المرأة التي أرضعته أخوةً له الذين قبل والذين بعد حتى الذين من زوجٍ آخر لو مات زوجها ثم تزوجت بعده فإنهم يكونون إخوة له كذلك أيضاً هذا المرتضع يكون أخاً لأولاد زوج المرضعة ولو كانوا من غيرها لأنه صار ابناً للمرضعة وابناً لصاحب اللبن فجميع أولاد المرضعة إخوة له وجميع أولاد صاحب اللبن إخوة له أيضا.
***(19/2)
السؤال: السائلة تقول عندي طفلة فهل إذا قمت بإرضاعها أقل من سنتين وأرضعت أخوها أكثر يكون حرام علي من باب التسوية بين الأولاد في الرضاعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التسوية بين الأولاد في الإنفاق من طعام وشراب وإرضاع وغيرها يكون بحسب الحاجة فإذا كانت البنت تحتاج إلى سنتين في الرضاعة والابن لا يحتاج إلا إلى سنة ونصف فلا بأس أن يقتصر إرضاعها للابن على سنة ونصف ويكون إرضاعها للبنت سنتين كما في الإنفاق إذا كان هذا الطفل يحتاج إلى عشرة دراهم في اليوم وأخوه الذي أكبر منه يحتاج إلى عشرين فلا بأس أن يفضل بينهم لدفع حاجتهم.
***(19/2)
السؤال: ما حكم المصافحة والتقبيل للأخوات من الرضاعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأخوات من الرضاعة حكمهن في النظر وتحريم النكاح والخلوة والمحرمية حكم الأخوات من النسب وعلى هذا فيجوز للرجل أن يصافح أخته من الرضاعة كما يجوز أن يصافح أخته من النسب وأما التقبيل فلا ينبغي تقبيل الأخوات لا من النسب ولا من الرضاعة وإنما إذا أراد أن يكرمهن إذا قدم من سفر أو نحوه فإنه يقبلها على الجبهة يقبلها على الرأس وأما التقبيل على الفم فإن بعض أهل العلم أنكره جداً وقال إنه لا ينبغي إلا مع الزوجة فقط ولا شك أن شعور الإنسان بالمحرمية في أخواته من النسب أبلغ من شعوره بها في أخواته من الرضاعة لاسيما إذا كان الأخوات من الرضاعة يقل المجيء إليهم فإنهن قد يكون عنده بمنزلة الأجنبيات فلهذا ينبغي الاحتياط في مصافحتهن وفي تقبيل رؤوسهن وجباههن.
فضيلة الشيخ: قلتم أن التقبيل لا ينبغي إلا للزوجة علي الفم طيب بالنسبة للوالدة والعمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوالدة والعمة وجميع المحارم إنما يقبلها على الرأس والجبهة هذا هو الأولى.
***(19/2)
السؤال: ما هي أركان الرضاعة وشروطها وهل الرضاعة بدون فصل تعتبر رضاعة وكم عدد الرضعات اللازمة كي تعتبر رضاعة محرمة وفقكم الله وجزاكم خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرضعات المحرمة هي خمس رضعات لما رواه مسلم من حديث عائشة قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فهذه هي الرضعات المحرمة خمس رضعات ولابد أن تكون قبل الفطام لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) أي إنما تكون في زمن المجاعة التي يجوع فيها الطفل ويشبع باللبن وذلك قبل الفطام فإن كانت بعده فإنها لا تؤثر شيئاً.
***(19/2)
السؤال: يقول السائل فضيلة الشيخ كم عدد الرضعات المحرِّمة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عدد الرضعات المحرمة خمس رضعات كل واحدة منفصلة عن الأخرى بشرط أن تكون في زمن الإرضاع وزمن الإرضاع سنتان فلو رضع بعد السنتين فلا عبرة في رضاعه وقيل إن المعتبر الفطام سواءٌ قبل السنتين أو بعدهما فمتى رضع قبل الفطام فالرضاع معتبر ومتى رضع بعد الفطام فالرضاع غير معتبر وقولنا إن عدد الرضعات خمس هذا هو الذي دل عليه حديث عائشة الذي رواه مسلم قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن فنسخن بخمسٍ معلومات) .
***(19/2)
السؤال: يقول ما هو المعتبر في عدد الرضعات هل المعتبر مص الثدي ثم إطلاقه أم الوجبة الكاملة نرجوا بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالرضعة هل يعتبر مص الثدي ثم إطلاقه رضعة ولو عاد في الحال أو أنه لا بد من رضعة منفصلة بائنة عن الرضعة الأخرى على قولين في هذه المسألة والراجح أنه لا بد أن تكون الرضعة منفصلة عن الرضعة الأخرى بحيث يكون بينهما فاصل بين وأما مجرد إطلاق الثدي ثم الرجوع إليه في الحال فإن ذلك لا يعتبر رضعة أخرى لأن الرضعة هنا مثل الأكلة بالنسبة لمن يأكل الطعام وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها) ومن المعلوم أن المشروع في الشرب أن يكون بثلاثة أنفاس وأن الشربة تشمل الأنفاس الثلاثة وكذلك في الأكل فإن الإنسان يحمد الله عز وجل إذا فرغ من أكله مع أنه قد أكل لقماً كثيرة فالذي يظهر أن المراد بالرضعة ما كانت منفصلة انفصالاً تاماً عن الرضعة الأخرى وأما مجرد إطلاق الثدي في مكان واحد فإنه لا يعتبر تكراراً للرضعات بل هو رضعة واحدة ولو أطلقه عدة مرات ثم إن كثيراً من العوام يظنون أن الصبي إذا شبع من الرضاع فإنه يكفي عن العدد ولكن هذا ليس بصحيح بل المعتبر هو العدد سواء شبع أم لم يشبع فإذا رضع هذا الطفل من هذه المرأة خمس رضعات فإنه يعتبر ابناً لها من الرضاع سواء شبع في كل رضعة أم لم يشبع.
***(19/2)
السؤال: المستمع محمد عبد الهادي من المنطقة الغربية يقول ما هي شروط الرضاع المحرم مع ذكر الدليل وما مدى صحة الحديث القائل بأن جاريةً شهدت على امرأةٍ بأنها أرضعت رجلاً من المسلمين وكان قد تزوجها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم دعها أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولماذا أمره الرسول بمفارقتها دون أن يسأله عن عدد الرضعات فهل يعني هذا أن قليل الرضاع وكثيره محرمٌ أم ماذا أرجو إيضاح هذا الموضوع بالتفصيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شروط الرضاع المحرم أولاً أن يكون من آدمية فلو رضع اثنان من بهيمة لم يكونا أخوين لقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) ولا تصدق الأمومة إلا إذا كانت المرضعة من بنات آدم
الشرط الثاني أن يكون خمسة رضعاتٍ فأكثر لما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن فنسخن بخمسٍ معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن) فلو أرضعت المرأة الطفل مرةً أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً لم تكن أماً له من الرضاع فإذا أرضعته خمس مرات صارت أماً له من الرضاع
الشرط الثالث أن يكون لهذا اللبن أثرٌ في تغذية الطفل وتنميته فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما الرضاعة من المجاعة) أي معناه أن الرضاعة المؤثرة هي التي تدفع جوع الإنسان الراضع وهذا لا يكون إلا إذا كان قبل الفطام وقال بعض أهل العلم إن المعتبر أن يكون الرضاع في الحولين فما بعد الحولين فلا عبرة به وإن كان الطفل لم يفطم وما كان قبل الحولين فهو معتبر وإن كان الطفل قد فطم
هذه ثلاثة شروط هناك شرطٌ رابع اختلف فيه أهل العلم وهو أن يكون هذا اللبن قد سال يعني در واجتمع من وطءٍ أو حمل ولكن هذا الشرط ليس بصحيح فإن ظاهر النصوص الإطلاق وإذا لم يثبت هذا الشرط فإنه لا عبرة به لأن الأصل عدمه وأما ما أشار إليه الأخ من المرأة التي قالت للرجل مع زوجته إني قد أرضعتكما فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها فقال له (كيف وقد قيل) فهذا الحديث صحيح وهو محمولٌ على أن المراد بقولها قد أرضعتكما أي الرضاع المحرم المفهوم عند الناس وحينئذٍ لا يحتاج إلى استفصال وعلى فرض أنه مطلق فإن هذا المطلق يحمل على المقيد ولا تترك الأحاديث الصحيحة الصريحة في اشتراط العدد من أجل قضية عينٍ فيها احتمال وعلى هذا فلو أن امرأة قالت للزوج إني أرضعتك وزوجتك فإنه لا بد من الاستفصال كم أرضعته وهل كان قبل الفطام أم بعد الفطام.
فضيلة الشيخ: كيفية الرضعة بالنسبة لعدد الرضعات هل هي بالشبع أو مجرد المصة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه أيضاً مما اختلف فيه أهل العلم فبعضهم يرى أن الرضعة عبارة عن التقام الثدي فما دام الصبي ملتقماً للثدي فهي رضعة فإذا أطلقه وعاد ولو في الحال فهي رضعةٌ أخرى وعلى هذا فيمكن أن يأتي بالرضعات الخمس في مقامٍ واحد وقال بعض أهل العلم إن الرضعة بمنزلة الوجبة والأكلة وأنه ما دام في حضن المرأة فهي رضعة واحدة ولو أطلق الثدي عدة مرات لأنها متصل بعضها ببعض وليس بشرط أن يشبع المهم أن تكون هذه الرضعة منفصلة عن الرضعة الأخرى بعدها ويكون بينهما وقت بحيث لا تعد متصلة.
الأرجح عندي أن عدد الرضعات المحرم خمس رضعات فإذا كانت خمس رضعات فلا بد أن نتحقق كل رضعة منفصلة عن الأخرى.
***(19/2)
السؤال: المرسل زيد عمر السابطي يقول أنا زيد رضعت وأنا في صغري من المرأة هند رضعتين مع ابنتها مريم وقد أنجبت هند ولدين ثم أنجبت زينب فهل يجوز لي أنا زيد بأن أتزوج زينب علماً بأنني لم أرضع من والدتها مع أختها الكبيرة سوى رضعتين أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فائدتك أنه يجوز لك أن تتزوج بهذه المرأة التي ذكرت بل وبالمرأة التي أرضعتك رضعتين لأن الرضعتين لا أثر لهما في التحريم إذ لا يَحُرَم من الرضاع إلاَ ما بلغ خمس رضعات فأكثر فأما مادون ذلك فليس له أثر هذا هو الراجح من أقوال أهل العلم وبعض العلماء يرى أنّ الَمُحَرِمَة ثلاث رضعات وبعضهم يرى أن التحريم يثبت برضعة واحدة وإنما ذكرت لك هذا الخلاف لأجل أن تسلك سبيل الاحتياط إذا شيءت وأن تتجنب ما فيه شبهة في أراء العلماء رحمهم الله ولكن مع ذلك نقول إنها لا تحرم عليك لأن الرضاع لا يثبت بالمرتين فقط.
***(19/2)
السؤال: يقول السائل إنه رجل مرض وقد بحث عن علاج لمرضه قبل كثرة الطب في مملكتنا وقد قيل له تشرب حليب امرأة مرضعة وقد شرب من حليبها شربةً واحدة وقد شفاه الله سبحانه وتعالى فهل هي أم له أم لا أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنني أشك في كون لبن المرأة سبباً للشفاء وأظن أن الشفاء حصل عنده لا به يعني أنه كان مما أراد الله سبحانه وتعالى وقدره أن يكون الشفاء في هذا الوقت أو هذا الظرف الذي كان وقت شربه لهذا اللبن إذ أننا لا نعلم أن لبن المرأة يكون سبباً للشفاء لكن كما أسلفت في حلقةٍ ماضية شعور الإنسان بالشيء المريض له تأثير بالغ بالنسبة للمرض على كل حال ما نظن أن لبن النساء سبب للشفاء،
وأما ما سأل عنه أنها تكون أم له فلا تكون أماً له لأن من شروط الرضاع أن يكون خمسة رضعات فأكثر فإن كان دون ذلك فإنه ليس بمحرم أي لا يوجب أن يكون الرضيع محرما للمرأة التي رضع منها ولا تكون هي محرمةً عليه كما أن من الشروط أيضا عند جمهور أهل العلم أن يكون الرضاع في زمنه أي في الزمن الذي يتغذى فيه الطفل بالرضاع أما إذا تجاوز ذلك الزمن بأن فطم ولم يكن معتمداً في طعامه على اللبن فإن تأثير اللبن في حقه غير واقع، لا يؤثر وقد ذهب بعض العلماء إلى أن رضاع الكبير محرم لعموم قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة أبي حذيفة بالنسبة لمولى أبي حذيفة سالم قال (أرضعيه تحرمي عليه) وكان كبيراً يخدمهم واستدل بعض العلماء بهذا على أن رضاع الكبير مؤثر ومحرم لكن الجمهور على خلاف ذلك وأنه لا يؤثر ولا يحرم واختار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله التفصيل وقال إذا دعت الحاجة إلى إرضاع الكبير وأرضع ثبت التحريم وإلا إذا لم يكن ثم حاجة لم يثبت ولكن الراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهي عن الخلوة بالنساء قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو قال (الحمو الموت) محذراً من خلوة قريب الزوج لزوجته ولو كان الرضاع موجباً لتحريم الخلوة لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لدعاء الحاجة لبيانه لقال مثلا إذا كان للزوج أخ وهو معهم في السكن فهو محتاج إلى أن يخلو بزوجته، ولو كان ثمة علاج لهذه الحالة الواقعية التي يحتاج الناس إليها لقال الرسول عليه الصلاة والسلام ترضعه وتنتهي المشكلة، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع دعاء الحاجة إليه في هذا الأمر العظيم دل هذا على أن لا أثر في رضاع الكبير وهذا هو الراجح وأنه ينبغي تجنب إرضاع الكبير مهما كانت الظروف حتى لا يقع في مشاكل.
***(19/2)
السؤال: إذا وضع الزوج ثدي زوجته في فمه على سبيل الاستمتاع أربع مرات هل تحرم عليه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أباح الله عز وجل للزوج أن يستمتع بزوجته كيف شاء حتى في كيفية الإتيان فإن الله تعالى يقول (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شيءتُمْ) (البقرة: من الآية223)) لكن انتبه لقول (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) فإن الحرث هو محل البذر والزرع وذلك هو الفرج فيجوز للإنسان أن يستمتع بزوجته حال الجماع في الفرج من قبل يعني سواءٌ أتى من جهة الأمام أو من جهة الخلف أو أتاها وهي قائمة أو مضجعة أو على أي حالٍ كانت بشرط أن يكون ذلك في الفرج وكذلك يستمتع بها بالضم والتقبيل والمباشرة كيف شاء ليس في ذلك حصر إلا أنه يحرم عليه أن يطأها في حال الحيض أو أن يطأها في الدبر مطلقاً وعلى هذه القاعدة العامة نقول إذا استمتع الرجل بالتقام ثدي امرأته فلا حرج عليه في ذلك ولا تحرم عليه به حتى ولو رضع منها فإنها لا تحرم عليه على قول جمهور أهل العلم لأنه من شرط الرضاع المحرم أن يكون قبل الفطام وأما إذا كان بعد الفطام فإنه لا يحرم ولا يؤثر شيئاً كذلك لا بد أن يكون الرضاع خمس رضعات فأكثر فأما دون الخمس رضعات فإنه لا يؤثر شيء أبداً حتى لو كان طفلاً يرتضع ولا يتغذى إلا باللبن ثم رضع أربع مراتٍ من امرأة فإنه لا يكون ابناً لها بهذه الرضعات لأن المحرم خمس رضعاتٍ لا أقل.
***(19/2)
السؤال: يقول السائل أنه متزوج وأنجبت زوجتي ولد ولكن قبل أن يكمل السنة الثانية من عمره أنجبت أيضاً مرة ثانية فهل علينا إثم في ذلك لأن الآية الكريمة تقول (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) .
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم إثم إذا تواصل الأولاد بل لكم أجر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تزوجوا الودود الولود) يعني كثيرة الولادة وأما قوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (البقرة: من الآية233) فلا ينافي كثرة الولد يعني من الممكن أن يرضع الطفل السابق بعد أن تحمل الأم بالولد اللاحق وقد (هم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينهى عن الغيلة وهي إرضاع الحامل الطفل قال ثم رأيت فارس والروم يغيلون ولا يضرُّ أولادهم شيئاً فلم ينهَ عنها) فأقول يا أخي السائل بارك الله لك في أهلك وفي ولدك وأكثر من أولادك ومالك.
***(19/2)
السؤال: يقول هناك بنت لها ابن عم يريد أن يتزوجها ولكن يشك أن هذا الولد رضع من أمها وهي توفيت وقد ذكرت أنها أرضعته ولكن لا ندري هل أرضعته رضاعاً يحرم زواجه من بناتها، ويقول وسألنا أم هذا الولد وقالت إنها أرضعته شيئاً لا يبلغ الخمس مرات فما رأيكم في هذه القضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذه القضية أنه لا بأس أن يتزوج بها لأن عدد الرضعات مشكوك فيه من قبل المرضعة ومعلوم من قبل أم الولد أنه لا يبلغ خمس رضعات وإن كان في شهادة أم الولد هذه إن كان فيها ما فيها، لأن شهادتها هذه قد يقال إنها تجر إلى ولدها نفعاً ليتمكن من نكاح هذه البنت، ولكنا مع هذا نقول إن الأولى والأسلم أن يتجنب هذه البنت لأن النساء سواها كثير، والأمر مشكوك فيه لا ينبغي للإنسان أن يقع فيه ما دام يتمكن من الخلاص لاسيما وأن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الرضاع محرم قليله وكثيره حتى الرضعة الواحدة، ولكن الراجح أنه لابد من خمس رضعات ينفصل بعضهن عن بعض، فإذا كان دون الخمس رضعات فلا تحريم، فالذي نرى لهذا الرجل أن الأسلم والأحوط أن يبتعد عن هذه المرأة لأنه أبرأ لذمته وأسلم، ثم ربما بعد ما يتزوجها ويأتيه أولاد منها ربما تقوم البينة ممن علم أنه رضع خمس رضعات وحينئذٍ يحصل الكسر الذي لا يجبر.
***(19/2)
السؤال: السائل أ. م. أ. من السودان يقول رجل تزوج من ابنة خاله وقد أنجبت له خمسة أطفال وبعد هذه المدة دار حديث بين الأسرة ووالدته فذكرت والدته أنها أرضعت زوجة ابنها يوم أن كان عمرها تسعة أشهر وقالت في أول الأمر إنها أرضعتها مرة واحدة وبعد الإلحاح عليها في الصدق والتأكد منه قالت إنها لا تتذكر كم رضعة أرضعتها أهي مرة واحدة أم أكثر لطول المدة فقد مضى على ذلك حوالي عشرين عاماً فماذا يفعل هذا الزوج في هذا الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الزوج في هذه الحالة شيء وذلك لأن الرضاع لا يثبت إلا إذا كان خمسة رضعات في الحولين وقبل الفطام فما دون ذلك فإنه لا يحرم ولا يثبت به شيء من أحكام الرضاع ولكن إذا حصل شك في الرضاع هل بلغ الخمس أو هو دون الخمس فإن الأصل عدم ثبوت ذلك فلا تحريم حينئذٍ لكن الاحتياط ألا يتزوجها مع الشك أما وقد تم الزواج الآن وانعقد على وجه صحيح فإنه لا يلزمه أن يفارقها لعدم وجود المفسد المتيقن فالعقد الآن ثابت متيقن والمفسد غير متيقن ولا يترك متيقن لغير متيقن وحينئذٍ فإنه يبقى مع زوجته هذه ولا حرج عليه إلا أن تتأكد الأم فيما بعد أنها أرضعت هذه المرأة خمسة مرات فأكثر في وقت الرضاع الذي يثبت به التحريم فإنه حينئذٍ يتبين أن العقد فاسد ويجب عليه مفارقتها والأولاد الذين حصلوا أولاد شرعيون لهذا الرجل لأنهم خلقوا من ماء يعتقد صاحبه أنه حصل بمقتضى الحكم الشرعي.
***(19/2)
السائل م. ع. ع. ع. يقول تزوجت امرأة وأنجبت لي طفلاً وبدا لي في نهاية الوقت أنني رضُعت من أختها الكبرى عنها وهي أختها من أبيها فقط وأصبحت أنا محتار لا أدري هل هي أصبحت خالتي الزوجة أم لا أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ثبت أنك رضعت من أختها من أبيها خمس رضعاتٍ فأكثر قبل الفطام فقد صارت زوجتك خالةً لك لأنها أختٌ لأمك من الرضاع من أبيها وعلى هذا فيتبين أن النكاح باطل لأنك نكحت أختك ولكن الأولاد يكونون أولاداً لك أولاداً شرعيين لأنهم خُلِقُوا من ماءٍ خرج من وطء شبهة لا تعلمون أنها كانت خالةً لك وعلى هذا فالأولاد أولادك وأما النكاح فقد تبين بطلانه إذا ثبت أنك رضعت من أختها خمس رضعاتٍ فأكثر قبل الفطام.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم أبو عبد الرحمن غزواني يقول أنا متزوج بنت عمي وعندي أطفال وبعد خمس سنوات علمت بأن عمي قد تزوج زوجة قبل عمتي التي أخذت بنتها ويذكر بأنه قد رضع من زوجة عمه الأولى ولم يتأكد من عدد الرضعات فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا الرضاع لا أثر منه ولا عبرة به لأن الرضاع لا يؤثر إلا إذا علمنا أنه خمس رضعات معلومات مؤكدات فأما مع الشك في عدد الرضاع فإنه لا أثر له ولا يؤثر محرمية ولا تحريم النكاح.
***(19/2)
السؤال: هذه رسالة من السائل محمد العوضي العفيفي مصري يعمل بالعراق يقول تزوجت ابنة خالتي وأنجبت طفلين وبعد ذلك علمت أنها رضعت من أمي مع أخي وأنا رضعت من أمها مع أخيها ثم تركتها بعد ذلك بسبب الرضاع ولكن حينما سألت بعض الناس قالوا لي ما دام الرضاع لم يكن بينكما مباشرة وإنما مع أخيك وأخيها فلا يحرم هذا ثم استرجعتها بعد ذلك وأنجبت طفلين آخرين فما حكم الشرع في هذا أفيدونا بارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ينبغي أن يعلم أن الرضاع المحرم الذي تثبت به أمومة المرضعة هو ما كان خمس رضعات فأكثر قبل الفطام فإذا كانت هذه الزوجة التي تزوجتها إذا كانت قد رضعت من أمك خمس رضعات قبل أن تفطم أو كنت أنت قد رضعت من أمها خمس رضعات قبل أن تفطم أنت فإن الأخوة ثابتة لأن الأخوة ثابتة سواء كان هذا الرضاع بينكما مباشرة أي من بطن واحد أو كانت هي رضعت مع أخيك أو أنت رضعت مع أخيها لأن الأم واحدة فهي لما أرضعتها أمك صارت بنتاً لها وإذا كانت بنت لأمك فهي أخت لك وأنت لما أرضعتك أمها صرت أبناً لأمها فأنت أخوها سواء رضعت معها أو مع ابن قبلها أو بعدها ولكن المدار الآن على عدد الرضعات التي صارت منك أو منها إن كنت رضعت من أمها خمس رضعات فهي لا تحل لك لأنها أختك وإن كانت قد رضعت من أمك خمس رضعات فإنها لا تحل لك أيضاً لأنها أختك سواء كانت رضعت من اللبن الذي نشأ من الحمل فيك أو رضعت من اللبن الذي نشأ من الحمل فيها أو رضعت من لبن سابق أو لاحق وكذلك هي فالمهم يجب عليك الآن أن تبحث هل وقع الرضاع خمس مرات منها لأمك أو منك لأمها إن كان الأمر كذلك فالنكاح باطل ويجب عليك أن تفارقها ولكن الأولاد أولاد شرعيون لك لأنهم خلقوا من ماء يعتقد الواطئ أنه حلال وهذا وطأ بشبهة فيكون الأولاد لك.
***(19/2)
السؤال: أيضاً يقول إذا حدث أن تزوج أخ بأخت له من الرضاعة دون علم منهما ومن ذويهما ثمّ عرفا الحقيقة فيما بعد فماذا يكون العمل ثمّ إذا كان لهما ولد فما مصير هذا الولد هل ينتسب إلى أبيه أم إلى أمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تبين بعد العقد بين الرجل والمرأة أنها أخته من الرضاع فإن العقد يتبين أنه باطل وليس بصحيح وعليه فيجب التفريق بينهما، وأما الأولاد الذين أتوا للرجل من هذه المرأة فإنهم أولاد شرعيون له، لأنهم حصلوا بوطء شبهة، ولقوة النفوذ في النسب كان الوطء بشبهة يُلحق الولد بالواطيء فهؤلاء الأولاد ينسبون إلى أبيهم ولكن ينبغي أن يعرف أن الرضاع المحرِّم لابدّ أن يكون خمس رضعات قبل الفطام، فإن كان أربع رضعات فأقل فإنه لايؤثر شيئاً.
***(19/2)
السؤال: المستمع ن م ف مصري مقيم بالسعودية يقول أنا شاب أبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً وقد توفيت والدتي بعد والدي بثلاثة أشهر وتولت جدتي أم أبي تربيتي فأرضعتني من زوجة أخرى ثم قامت هي بإرضاعي أيضاً وهي في ذلك الوقت في سن الخمسين ولم تكن حاملاً آن ذاك ولما أردت الزواج تزوجت من ابنة عمتي أخت أبي وأنا الآن أعيش معها حياة سعيدة فهل في هذا الزواج مانع ديني بسبب ذلك الرضاع من جدتي فإذا كان فيه ما يمنع فما العمل الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال الذي سأله الأخ المصري وهو أنه ارتضع من جدته ثم تزوج بنت عمته وعمته أخت أبيه وجدته هذه يبدو لنا أنها أيضاً أم أبيه وعلى هذا فتكون العمة أختاً له من الرضاعة وإذا كانت أخت له من الرضاعة صار هو خالاً لابنتها وقد قال الله تعالى في القرآن (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فإذا كانت بنت الأخت حراماً من النسب كانت كذلك بنت الأخت من الرضاع حراماً وعليه فلا يحل له أن يتزوج بهذه البنت ولكن ليعلم أنه لا يثبت الرضاع إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر قبل الفطام فليتحقق الآن من هذا الرضاع هل بلغ خمس رضعات وكان قبل الفطام فإنه يجب أن يفارق هذه الزوجة لعدم صحة النكاح أما إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات فإنه لا يثبت حكم الرضاع وحينئذ يكون نكاح هذه الزوجة صحيحاً ولا يجب عليه مفارقتها.
فضيلة الشيخ: كون الجدة في ذلك الوقت في وقت الرضاع في سن الخمسين ولا تحمل ولا تلد هل يؤثر هذا أو لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يؤثر على القول الراجح لعموم الآية (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) .
فضيلة الشيخ: ما دام وجد اللبن فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم فمتى اجتمع اللبن من امرأة سواء كانت كبيرة أم صغيرة فإنه يثبت به حكم الرضاعة.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم هذا سائل يقول تزوجت من إحدى أقاربي وأنجبت طفلين واتضح لي بعد الإنجاب أنها أختي من الرضاعة فهل أنفصل وما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى أمور أولاً ما هو الرضاع المحرِّم الرضاع المحرم ما كان خمس رضعاتٍ فأكثر كل رضعة منفصلة عن الأخرى مثل أن تكون الرضعة الأولى في الساعة الواحدة والرضعة الثانية في الساعة الثانية والثالثة في الساعة الثالثة والرابعة في الرابعة والخامسة في الخامسة فإن رضع مرةً واحدة ولو شبع أو مرتين ولو شبع أو ثلاثاً ولو شبع أو أربعاً ولو شبع فإن ذلك لا يؤثر شيئا لما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ يحرمن فنسخن بخمس رضعاتٍ معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي فيما يتلى من القرآن) أي أنها نسخت ولم يعلم بعض الصحابة بالنسخ فصار يقرؤها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن من الصحابة من علم النسخ فصار لا يقرؤها فلهذا لا تجد في القرآن عدد الرضعات بل ليس فيه إلا قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) (البقرة: من الآية233) (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الطلاق: من الآية6) وليس فيه شيء محدد بعدد لكن السنة بينت ذلك.
ثانياً ينبغي لمن رضع من امرأة أن يقيد اسمها وأن يقيد من أرضعته حتى لا يحصل خطأ في ذلك لأنه أحياناً لا يتبين الرضاع إلا بعد عقد النكاح وربما لا يتبين إلا بعد أن يأتي الأولاد فيكون الفراق في هذه الحال صعباً
ثالثاً ينبغي أن يشهر الرضاع وينشر بين العائلة حتى لا ينسى فإنه وإن قيد الرضاع بورقة فربما تضيع الورقة أو تتمزق وينسى الرضاع فإذا اشتهر بين العائلة بأن فلان رضع من فلانة وصارت هذه المرأة المرضعة أو بناتها يلاقين هذا الراضع ويكشفن أمامه اشتهر الرضاع وانتشر وصار في ذلك أمان من أن ينسى فيحصل الخطأ
بعدئذٍ نجيب على سؤال الأخ الذي تزوج امرأةً من أقاربه ثم أنجبت منه ثم تبين بعد ذلك أنها أخته من الرضاعة فهل ينفصل عنها أم لا نقول نعم يجب أن تنفصل عنها لأن عقد النكاح تبين أنه باطل اذا كانت الرضعات خمس معلومات فيجب الانفصال ولكن الأولاد الذي جاؤوا قبل ذلك شرعيون بالنسبة لك هم أولادٌ كما هم أولادٌ لأمهم لأن الولد الناشيء من وطء بشبهة يلحق بالواطئ لكون الشرع يتشوف إلى إثبات النسب وإلحاقه بمعلوم صار وطء الشبهة إذا حصل منه ولد موجباً لكون الولد لاحقاً بالواطئ.
***(19/2)
السؤال: المستمع م. ع. أ. من السودان يقول في رسالته إني قد تزوجت ودخلت على زوجتي ولكن ظهر لي بأنني قد رضعت مع أخت الزوجة فهل تحرم عليّ في مثل الحال أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان الأمر كما قلت أنك رضعت مع أخت الزوجة من أمها يعني رضعت من أم الزوجة أو من زوجة أبيها فإنك في هذه الحال تكون أخاً لها ويكون العقد باطلاً لكن يجب أن تعرف أن الرضاع لا أثر له إلا أن يكون خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام فإن كان رضعة واحدة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو أربع رضعات فإنه لا أثر له ولا يحصل به التحريم فإذا تيقنت أنك رضعت من أم هذه المرأة التي تزوجتها أو من زوجة أبيها رضعت خمس رضعات فأكثر في الحولين فإنه يجب الفراق بينكما لعدم صحة النكاح وما حصل من الأولاد قبل العلم فإنهم ينسبون إليك شرعاً لأن هؤلاء الأولاد خلقوا من ماء بوطء في شبهة والوطء بالشبهة يلحق به النسب كما نص على ذلك أهل العلم.
***(19/2)
السؤال: يقول هناك رجل تزوج من امراة وبعد أن مكث عمرا طويلا ورزق بالبنين والبنات تبين أنها أخته من الرضاعة ولكنه مع ذلك لم يفارقها ورفض قائلا أبعد هذا العمر الطويل وهذه العشرة الطويلة أتركها لا يمكن ذلك أبدا فما الحكم فيه وفي زوجته التي هي أخته من الرضاعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بعد أن تبين أنها أخته من الرضاعة تبين أن النكاح باطل وأن المرأة لا تحل له بأي وجه من الوجوه أما أولاده الذين ولدوا في هذه الحال فأنهم أولاد شرعيون ينسبون إليه شرعا لأنهم أتوا بوطء شبهه حيث لم يعلموا بأنها أخته من الرضاعة وأما إمساكه إياها على أنها زوجة فهذا لا شك أنه محرم وإن اعتقد حله وهو يعلم أن الرضاع يحرم به ما يحرم بالنسب فإنه يكون كافرا لإنكاره هذا الحكم الشرعي الذي أجمع المسلمون عليه ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة كما قال الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) ثم يستتاب فإن تاب وأقر بأنها حرام عليه وإلا قتل وفي هذه الحال إذا أراد أن يبقيها عنده على أنها أخته من الرضاعة لا على أنها زوجته لكن تبقى عنده في البيت وعند أولادها فلا حرج ليس في هذا شيء وإن كان سيبقيها على أنه زوجة يتمتع بها تمتع الزوج بزوجته هذا محرم بإجماع المسلمين ولا يحل له أن يفعل ذلك بل هو محرم بالنص والإجماع ويجب على ولاة الأمور أن يفرقوا بينه وبينها في هذه الحال.
فضيلة الشيخ: لكن طبعا يجب التأكد من صحة الرضاع ومن عدده ووقته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم لابد أن يكون الرضاع محرما أما الرضاع الذي لا يحرم فلا أثر له كما لولم تكن رضعت من أمه أو هو رضع من أمها إلا مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا لأن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمسة رضعات فأكثر وكان في الحولين.
***(19/2)
السؤال: جزاك الله خيراً هذا السؤال من المستمع م. ع. م. سوداني مقيم بجدة يقول توفيت والدتي وعمري لا يتجاوز سبعة أشهر فتولت جدتي أمر تربيتي وإرضاعي علماً أن آخر مولود لها عمره سبع سنوات ولم يكن آنذاك بها لبن ولكن مع استمرار الرضاع توفر بها لبن وأرضعتني إلى أن كبرت وبعد بلوغي أردت الزواج بإحدى بنات خالتي التي هي بنت لهذه الجدة التي أرضعتني وقد سألت عن ذلك فأجبت بالجواز وفعلاً تزوجتها منذ ثلاثة سنوات ولكني أشك في صحة هذا الزواج فما الحكم فيه وماذا يجب على إن لم يكن صحيحاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رضعت من جدتك كما قلت هذه المدة الطويلة التي تزيد على خمس مرات فإنك بذلك تكون ولداً لها لأنها أرضعتك وقد سمى الله تعالى المرضعة أماً قال تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فتكون أنت أخاً لكل أولاد هذه المرأة وهي جدتك تكون أخاً لكل أولادها من بنين وبنات وإذا كان كذلك فإن خالتك تكون أختاً لك وتكون بناتها بنات أختك وأنت خالهن فلا يحل لك أن تتزوج بهن وعليك الآن أن تفارق هذه المرأة وأن تبتعد عنها لأن النكاح لم ينعقد.
***(19/2)
السؤال: هذه رسالة وصلت من جمهورية مصر العربية محافظة الدقهلية من المستمع رضا مصطفى إبراهيم يقول فضيلة الشيخ إنني أريد الزواج من ابنة عمي مع العلم بأن أخي الأكبر مني سناً قد رضع من عمتي أكثر من مرة أما أنا فلم أرضع من عمتي مطلقاً وابنة عمي لم ترضع من أمي إطلاقاً فسؤالي هل يجوز لي الزواج من ابنة عمتي أم أصبحت أخاً لها أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يؤخذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) يعني أن الرضاع يُحَرِّم ما تحرمه القرابة لأن النسب هو القرابة ولي تعليق على هذه الكلمة قريباً إن شاء الله تعالى فبناء على هذا الحديث يجوز لك أن تتزوج ابنة عمتك التي رضع أخيك الأكبر من أمها لأنه ليس بينك وبينها صلة فأنت لست أخاً لها لأنك لم ترضع من أمها وهي أيضاً لم ترضع من أمك وإنما يقع التحريم بين الراضع وذريته فقط أعني أن الرضاع إنما يؤثر في الراضع ومن تفرع منه من ذريته وأما من كان بمنزلته من الإخوة والأخوات أو كان أعلى منه من الأصول فإنه لا ينتشر التحريم إليهم وينتشر التحريم من جهة الراضع إليه وإلى ذريته باعتبار المرضعة التي أرضعته ومن ينسب لبنها إليه أي أن التي أرضعته تكون أماً له وتكون أمها جدة له وأبوها جداً له وأخوتها أخوالاً له وأخواتها خالات له كذلك الذي ينسب لبن المرأة إليه وهو زوجها أو سيدها أو من وطئها بشبهة يكون كذلك أباً للمرتضع ويكون أولاده إخوة للمرتضع ويكون إخوانه أعماماً وأخواته عمات كل هذا نأخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والذي وعدت به قبل قليل بالنسبة لكلمة النسب هو أن كثيراً من العامة لا يفهمون من كلمة الأنساب أو من كلمة الأرحام إلا أقارب الزوج والزوجة حتى أن الرجل يقول هؤلاء أنسابي لأنه تزوج منهم وهذا خطأ على اللغة فإن الأنساب هم القرابة من قبل الأب أو من قبل الأم والأرحام كذلك هم القرابة من قبل الأب أو من قبل الأم وأما أقارب الزوجين فإنهم يسمون أصهاراً لا أنساباً قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) جعل الله تعالى الصلة بين البشر بهذين الأمرين النسب والصهر وهما قسيمان أي أن بعضهما قسيم للآخر ومباين له فأحببت أن أنبه على ذلك حتى يعلم الناس مدلولات الألفاظ الشريعة ولا يغلطوا فيها.
***(19/2)
المستمع رمز لاسمه بـ: ص. أ. ب. يقول في رسالته لي ابنة خالة وأصغر مني بأربع سنوات أريد الزواج منها وقد علمت أن والدتي قد أرضعتها لمرض أصاب والدتها وأريد بذلك إجابة في صحة الزواج منها أفيدوني مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب يصح نكاحك منها أو بعبارة أخرى يصح أن تتزوجها إذا كان هذا الرضاع لم يستكمل الشروط وشروط الرضاع المحرم أن يكون خمس رضعات فأكثر في زمن الإرضاع أي في الحولين قبل الفطام ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن) وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الرضاعة من المجاعة) (لارضاع إلا ما أنشز العظم وكان قبل الفطام) فإذا كانت هذه البنت بنت خالتك قد رضعت من أمك قبل أن تفطم خمس رضعات فأكثر فهي أخت لك فلا يحل لك أن تتزوج بها وأما إذا كانت قد رضعت أقل من خمس أو كانت قد رضعت بعد الحولين والفطام فإنها لا تكون أختاً لك ويجوز لك أن تتزوج بها.
***(19/2)
المستمع فاروق فرحات أحمد الرياض يقول يا فضيلة الشيخ إنني قد رضعت من زوجة خالي وكانت التي أرضع معها فتاة وليس ولد وكان الأهل يحسبون أن هذه البنت هي التي يحرم علي زواجها فهل هذا صحيح أن كل أولادها البنات يحرمون علي لأن والدتهم تعتبر أمي من الرضاع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على سؤاله أنه إذا كان الرضاع المذكور خمس رضعات في الحولين قبل الفطام فإن المرضعة تكون أماً له ويكون زوجها أباً له وعلى هذا فكل أولاد هذه المرأة من بنين أو بنات إخوة له سواء البنت التي كان الرضاع من لبنها أم التي قبلها أم التي بعدها فكل من كان ولداً للمرأة التي أرضعته من ذكر أو أنثى فهو أخ للمرتضع وكذلك أولاد زوجها يكونون إخوة له فإن كانوا منها فهم إخوة له من الأب والأم وإن كانوا من زوجة أخرى فهم إخوة له من الأب وبهذا نعرف أن هذه المرأة التي أرضعته لو كان لها أولاد من زوج سابق كانوا إخوة له من الأم وإذا كان لزوجها التي هي الآن في حباله أولاد من غيرها كانوا إخوة له من الأب وإذا كان لزوجها التي هي في حباله أولاد منها فهم إخوة له من الأم والأب.
***(19/2)
السؤال: يقول إنني قد تزوجت بفتاة من غير الأسرة وقد أنجبت منها بنات وأولاد فهل يجوز لابن خالي الذي رضعت من والدته بأن يتزوج من إحدى بناتي أم أن ذلك محرم يا فضيلة الشيخ ويعتبر هو أخي من أمي في الرضاع وعلى ذلك يكون هو عم ابنتي في الرضاع أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الرجل الذي ارتضعت من أمه رضاعاً محرماً تمت فيه الشروط لايحل أن يتزوج بأحد من بناتك وذلك لأنه عمهنّ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والمحرمات من النسب سبع ذكرهن الله في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) فلهؤلاء السبع نظيرهن من الرضاع حرام على الرجل فيحرم على الرجل أمه من الرضاع وبنته من الرضاع وأخته من الرضاع وبنت أخيه من الرضاع وبنت أخته من الرضاع وعمته من الرضاع وخالته من الرضاع للحديث الذي أشرنا إليه آنفاً وعلى هذا فابن خالك الذي رضعت من أمه رضاعاً محرماً تمت فيه الشروط لا يحل له أن يتزوج بأحد من بناتك أو بنات بناتك أو بنات أبنائك.
***(19/2)
السؤال: هـ. ع. م. العوشن السويدي تقول في رسالتها ما حكم لبن المرأة التي بلغت سن اليأس إذا درت لبناً على طفل فأرضعته خمس رضعات فأكثر في الحولين فهل اللبن هذا ينشر الحرمة ومن يكون أبوه من الرضاعة فقد تكون المرأة المرضعة بلا زوج أرجو إفادة جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن الرضاع محرم يثبت به من التحريم ما يثبت بالنسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والمحرمات من النسب سبع ذكرهنّ الله تعالى في قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) فنظيرهنّ من الرضاع يحرم بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أشرنا إليه آنفاً وقد ذكر الله تعالى طرفاً منه في قوله (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: من الآية23) ذكر هاتين في جملة المحرمات في النكاح فيثبت بالرضاع من أحكام النسب المحرمية وتحريم النكاح ويتفرع على المحرمية جواز النظر إلى المرأة والخلوة والسفر ولكن لا يثبت بالرضاع شيء من أحكام النسب فيما يتعلق بالميراث والعقل أي الدية والنفقات ونحو ذلك ولا يكون الرضاع مؤثراً حتى يكون خمس رضعات في الحولين قبل الفطام والسؤال الذي سألت عنه هذه السائلة يتبين جوابه بما ذكرنا فإن الرضاع الذي أشارت إليه كان خمس رضعات في الحولين وعلى هذا فتكون المرضعة أماً لهذا الرضيع من الرضاع لعموم قول الله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) حتى وإن كان اللبن قد در بعد أن بلغت سن الإياس ثم إن كانت ذات زوج فإن الولد الرضيع يكون ولداًَ لها وولداً لمن نسب لبنها إليه وإن لم تكن ذات زوج بأن لم تتزوج ثم درت فإنها تكون أماً لهذا الولد الذي أرضعته ولا يكون له أب من الرضاع ولا تستغرب أن يكون للطفل أم من الرضاع وليس له أب ولا تستغرب أيضاً أن يكون له أب من الرضاع وليس له أم ففي الصورة الأولى لو كان هناك امرأة أرضعت هذا الطفل رضعتين من لبن كان فيها من زوج ثم فارقها ذلك الزوج وتزوجت بعد انتهاء العدة بزوج آخر وحملت منه وأتت بولد فأرضعت بقية الرضاع للطفل السابق فإنها تكون أماً له من الرضاع لأنه رضع منها خمس رضعات ولا يكون له أب لأنها لم ترضع بلبن رجل خمس رضعات فأكثر أي لم ترضع بلبن رجل واحد خمس رضعات فأكثر وأما المسألة الثانية وهي أن يكون للطفل أب من الرضاع وليس له أم فمثل أن يكون رجل له زوجتان أرضعت إحداهما هذا الطفل رضعتين وأرضعته الأخرى تمام الرضعات ففي هذه الحال يكون ولداً للزوج لأنه رضع من اللبن المنسوب إليه خمس رضعات ولا يكون له أم من الرضاع لأنه لم يرتضع من امرأة إلا رضعتين ومن الأخرى إلا ثلاث رضعات.
***(19/2)
السؤال: رسالة وصلت من الطائف المستمع ف ع ص ص يقول في رسالته فضيلة الشيخ أنا شاب وأريد الزواج من ابنة خالي ولكن هناك شخص رضع مع خالي من جدتي وأصبح خالي من الرضاعة وابنة خالي هذه رضعت من أم هذا الشخص وأصبحت أخته من الرضاعة هل يجوز لي الزواج من ابنة خالي علماً أنه لا يوجد بيننا رضاعة لا من أمي ولا من أمها أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قبل الجواب على هذا السؤال أود أن أبين أن الرضاع المحرم هو ما كان خمس رضعات معلومات في الحولين قبل الفطام فما دون الخمس فلا أثر له فلو أن طفلاً ارضتع من امرأة أربع رضعات لم يكن ابن لها لأنه لابد من خمس رضعات كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وإذا تبين ذلك فإن هذا الرجل الذي رضع من جدتك لا يكون خال لك إلا إذا تمت فيه شروط الرضاعة وإذا كان خال لك فإن ابنة خالك التي تريد أن تتزوجها تحل لك ولو رضعت من امرأة هذا الرجل الذي رضع مع خالك من جدتك وذلك لأن الرضاع لا ينتشر فيه التحريم إلا للمرتضع وذريته فقط وأما أقاربه أي أقارب المرتضع من الأصول أو الحواشي فإن الرضاع لا ينتشر إليهم.
***(19/2)
السؤال: هذا المستمع محمد من الرياض يقول في رسالته إن أمي قد أرضعت بنت خالتي في حين أن خالتي قد أرضعت واحداً من إخواني الذكور فهل يجوز لنا أن نتزوج من بنات خالتي نحن الذين لم نرضع من خالتي وكذلك أولاد خالتي الذين لم يرضعوا من أمي أم نحن وأخواتي وبنات خالتي نكون إخوة من الرضاع ولا يحق لنا التزوج من بعض نرجو لهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التحريم يثبت بالرضاع كما يثبت بالنسب قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والتحريم ينتشر إلى المرتضع وذريته ولا ينتشر إلى من هم في درجة الإخوة والأخوات وعلى هذه القاعدة نقول أما بنت خالتك التي رضعت من أمك فإنه لا يحل لأحد منكم أن يتزوجها لأنها صارت أخت لكم من الرضاع وأما أخوك الذي رضع من خالتك فإنه لا يحل له أن يتزوج واحدة من بنات خالته لأنه صار أخ لهنّ من الرضاع وما عدا ذلك فليس فيه تحريم فيجوز لكم أن تتزوجوا من بنات خالتكم اللاتي لم يرضعنّ من أمك ويجوز كذلك لأولاد خالتك أن يتزوجوا من أخواتكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وليس بينكم رابطة في مثل هذه الحال التي ذكرنا أعود فأقول إن بنت خالتك التي رضعت من أمك صارت أخت لكم فلا يحل لكم أن تتزوجوها وإن أخاك الذي رضع من خالتك صار أخاًَ لأولادها فلا يحل له أن يتزوج أحداً من بناتها وما سوى ذلك فيجوز التناكح بينهم فيجوز لكم أنتم أن تتزوجوا من بنات خالتكم ويجوز لأبناء خالتكم أن يأخذوا من أخواتكم ولكن يجب أن نعلم أن الرضاع لا يؤثر ألا إذا كان خمس رضعات فأكثر وكان قبل الفطام في الحولين فإن كان دون خمس رضعات فإنه لا تأثير له فلو رضع الطفل من امرأة أربع مرات لم يكن ابناً لها ولو رضع خمس مرات فأكثر بعد الفطام بعد الحولين فإنه لا أثراً لرضاعه دليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم (أنه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات يحرمنّ فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن) وقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الرضاعة من المجاعة) فالأول يدل على عدد الرضعات والثاني يدل على زمن الرضعات ولكن لا يكون الرضاع مؤثراً إلا في المجاعة يعني في الحال التي يكون فيها الطفل محتاجاً للبن يجوع بفقده ويشبع بوجوده ولا عبرة بالشباع أو عدم الشباع فلو رضع الطفل خمس مرات ولو بدون شبع في كل مرة صار ابناً للتي أرضعته ولو رضع مرة واحدة وشبع لم يكن ابنا لها فالعبرة بعدد الرضعات التي ينفصل بعضها عن بعض ولا عبرة بالشبع أو عدم الشبع وفي هذه المناسبة أحب أن أنبه إلى أمر هام وهو أن تحرص المرضعة على إحصاء من أرضعته وتقييدهم حتى لا ينسي الأمر منها أو من غيرها وما أكثر ما يرد من المسائل التي يحصل فيها الشك في عدد الرضاع أو في الرضيع أو في المرضعة أيضاً بسبب عدم التقييد والضبط.
***(19/2)
السؤال: أيضاً تقول المرسلة من شقراء إن لي أخت من الرضاعة وأرضعت أولاداً غير أولادها فهل يجوز أن أكشف للأولاد الذين أرضعت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أختك من الرضاعة كأختك من النسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فإن أولاد أختك الذين أرضعتهم تكونين أنت خالة لهم فتكشفين لهم كما تكشفين لأولاد أختك هذه.
***(19/2)
السؤال: المرسل ر س م القمري يقول فيها إنه يوجد امرأة لديها بنات وزوجها متوفى وقد أرضعت أبناء أخي زوجها الأكبر منهم مع ابنتها الكبيرة عدة رضعات لا تذكر عددها وأرضعت ابنه الأصغر مع ابنتها الصغيرة أكثر من أسبوع دون أن ترضع ابنه الأوسط فهل يجوز أن يتزوج الابن الأوسط ابنتها الصغيرة التي رضعت مع أخيه الصغير ولم ترضع معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل هل يجوز لابنها الأوسط أن يتزوج بنتها الصغيرة التي رضعت مع أخيه الصغير الصواب أن يقال التي رضع معها أخوه الصغير لأن البنت هذه لم ترضع من أمه أي من أم هذا الولد الأوسط وإنما صورة المسألة أن المرأة التي لها ثلاثة أولاد رضع ابنها الأكبر وابنها الأصغر من زوجة عمهما وزوجة عمهما لها بنات فهل يجوز لأخي هذين الرجلين الراضعين أعني أخيهما الأوسط أن يتزوج من بنات عمه نقول نعم يجوز له أن يتزوج من بنات عمه سواء البنات اللاتي رضع معهن إخوته أو أخواه أم من بنات أخريات وذلك لأنه يجب أن نعرف أن الرضاع لا ينتشر حكمه إلا إلى المرتضع نفسه وفروعه فقط ولا ينتشر الرضاع إلى أصوله وفروع أصوله وبهذه القاعدة يتبين حل مشاكل كثيرة يسأل عنها كثيراً والإيضاح مرة ثانية أن الإنسان إذا رضع من امرأة رضاعاً معتبراً شرعياً صار ولداً لها وصار أولادها ذكورهم وإناثهم إخوة له وصار إخوتها أخوالاً له وأخواتها خالات له وصار أيضاً ولداً لمن ينسب لبنها إليه فيكون زوجها أباً له من الرضاع وإخوة زوجها أعماماً له من الرضاع وينتشر هذا الحكم إلى فروع المرتضع يعني إلى ذريته وأما إخوة المرتضع وأبوه وأمه فلا تأثير للرضاع فيهم إطلاقاً لا يؤثر فيهم أبداً وهم بالنسبة لمن كانوا محارم لهذا المرتضع بسبب الرضاع هم أجانب وليس محارم.
***(19/2)
السؤال: يقول نامت أمي بجانب زوجة عمي فيقول تعمدت أن مسكت ثدي زوجة عمي ولما أحست بذلك أبعدتني عنها وقد ارتابها شك بأنني قد امتصصت ثديها مصتين أو ثلاث فقط ولم تتأكد من ذلك ولما ماتت هذه المرأة تزوج عمي امرأة أخرى السؤال هل يحق لي أن أتزوج بابنة هذه المرأة الثانية التي لم أرضعها ولا بنتها رضعت أمي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لك أن تتزوج من بنات عمك من كان من هذه المرأة الأخيرة ومن كان من المرأة الأولى التي التقمت ثديها ولكنك لم ترضع منها إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً وذلك لأن الرضاع المحرم من شرطه أن يكون خمس رضعات قبل الفطام وأنت لم ترضع ولا أربع رضعات بل ولا ثلاث رضعات لأن الأمر كله عندك من باب الشك والأصل عدم ذلك فأنت الآن لست ابناً لعمك وبناته لسن أخوات لك فيجوز لك أن تتزوج منهن من شيءت إلا من ارتضعت من أمك أو من زوجة أبيك فإنها لا تحل لك لأنها أختك وأما من لم ترتضع من أمك ولا من زوجة أبيك فهي حلال لك.
***(19/2)
السؤال: مستمع عربي مقيم في فرنسا اسمه نشيط يقول لي أخ من الرضاعة متزوج اسمه محمد أرضعته أمي فزوجة محمد هذا الذي هو أخي من الرضاعة أرضعت بنتاً وأنا تزوجت بتلك البنت التي أرضعتها زوجة أخي من الرضاع ولكني أشك في صحة هذا الزواج فإذا كانت ابنة لأخي من الرضاعة فهو أخ لي أيضاً فأنا أصبح عماً لهذه البنت أم أنها لا تمت لي بصلة وزواجنا صحيح أفيدونا عن هذا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وهذا الرجل الذي رضع من أمك يكون أخاً لك من الرضاعة إذا تمت شروط الرضاعة بأن كانت خمسة رضعات فأكثر في الحولين أو قبل الفطام فإنه يكون أخاً لك فإذا تزوج بزوجة وأرضعت وهي في حباله بنتاً فإن هذه البنت لا تحل لك لأنها بنت أخيك من الرضاع فهي كبنت أخيك من النسب فأنت عمها فلا تحل لك وعلى هذا فالنكاح باطل بإجماع المسلمين فيجب عليك المفارقة ثمَّ إن كان الله قد قدر بينكما أولاد فالأولاد ينسبون إليك وأنت أبوهم لأنك حين أتيت هذه المرأة التي تزوجتها أتيتها وأنت تعتقد أنها زوجتك والعبرة بعقيدتك وعلى هذا فيكون الأولاد أولاداً لها وهم أيضاً أولاد لك ولكن يجب عليك الآن ومن حين أن تسمع هذا الكلام يجب عليك أن تفارقها وأن تعتبر النكاح الأول باطلاً وأنها ليست زوجة لك.
***(19/2)
السؤال: المستمع فواز العلي من سوريا رأس العين يقول كان لجدي زوجة هي أم أبي وعمي وقد توفيت جدتي هذه ولعمي بنت ولأبي ابن هو أخي وبعد وفاة جدتي تزوج جدي بامرأة أخرى وقد قامت زوجة جدي هذه بإرضاع أخي فهل يجوز له بعد هذا الرضاع من زوجة جده أن يتزوج ابنة عمه علما أنها لم ترضع منها مطلقاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يعرف من قول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فأخوك الذي رضع من زوجة جدك صار ابناً لجدك وإذا كان ابناً لجدك صار أخاً لأبيك ولعمك أيضاً وعلى هذا فلا تحل له بنت عمك لأنه يكون عماً لها حيث إنه أخ لأبيها وهذه الأخوة أخوة من الأب وإذا كان الأخ من الأب أخً له أحكام الأخوة إذا كان من النسب فكذلك الأخ من الأب أخ تثبت له أحكام الأخوة إذا كان من الرضاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولا فرق بين أن تكون ابنة عمه قد رضعت من زوجة جده الجديدة أم لم ترضع لأن المهم أنه هو نفسه كان أخاً لأبيها من الأب أخاً له من الرضاع وحينئذ فيكون عماً لبناته فلا يحل له أن يتزوج بهن
***(19/2)
السؤال: أبو الحسن أحمد يقول فضيلة الشيخ سؤالي أفيدكم فيه بأنني رضعت في الصغر من امرأة غير أمي وكذلك لها ابن في نفس سني ورضع معي من أمي وسؤالي يا فضيلة الشيخ هل هذا الشخص الذي رضع معي أخ لي في الرضاعة أم لا وكذلك يوجد له أخوة كثيرون لم يرضعوا معي فهل يعتبرون أخوة لي أيضا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نعلم أن الرضاع له شروط منها أن يكون خمس مرات فأكثر فإن كان مرة فلا عبرة به أو مرتين فلا عبرة به أو ثلاث مرات فلا عبرة به أو أربعة مرات فلا عبرة به لابد من خمس مرات لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات)
ثانيا لابد أن يكون الرضاع في زمنه أي في زمن الرضاع فلا عبرة برضاع الكبير الذي قد فطم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا رضاع إلا ما أنشز العظم وكان قبل الفطام) فإذا تمت شروط الرضاع فإنك لما رضعت من أمه صرت أخا له ولجميع إخوانه من هذه المرأة السابقين واللاحقين وصرت أيضا أخا لأولاد زوجها من غيرها وصرت أيضا أخا لأولادها من غير زوجها فإذا فرضنا أن امرأة أرضعت وهي في حبال زوجها المسمى عبد الله أرضعت طفلا وكان له أولاد من غيرها فإن أولاده من غيرها يكونون إخوة لهذا الراضع من الأب وإذا كان لها أولاد من غيره من زوج سابق أو من زوج لاحق فإن أولادها من الزوج الآخر إخوة لهذا الذي رضع منها من الأم وأما أولادها من زوجها الذي رضع منه الطفل وهي في حباله فإنهم أخوة له من الأم والأب وعلى هذا فجميع أولاد المرأة التي أرضعته من بنين وبنات اخوة له وجميع أولاد زوجها إخوة له
وفي السؤال أن هذا الطفل رضع من أم الراضع فنقول جميع أولاد المرأة التي أرضعته إخوة له من الرضاعة وإذا كان زوجها له أولاد من غيرها فهم أخوة له من الأب وإذا كانت قد أتت بأولاد من غيره أو أتى لها أولاد من غيره بعد موته مثلا فهم إخوة له من الأم
بهذه المناسبة أحب أن أوجه نصيحة لكل من رضع من امرأة أن يقيد ذلك بأنه رضع من المرأة الفلانية ويذكر أن الرضاع تام ومحرم لئلا يقع اشتباه فيما بعد فإنه قد مر بنا عدة قضايا يتبين فيها أن بين الزوج والمرأة التي تزوجها رضاع محرم بعد أن أتاهم أولاد وهذا لاشك أنه مؤلم فإذا تبين أن بين الرجل والمرأة التي تزوجها رضاع محرم فإن النكاح يتبين أنه باطل فيفرق بينهما وإذا كانت قد أتت منه بأولاد فالأولاد أولاد شرعيون له لأنهم خلقوا من وطء شبهة ووطء الشبهة يلحق به النسب فالمهم أنني أنصح جميع من رضع من امرأة أن يقيد أنه رضع من المرأة ويسميها وينسبها حتى لا يقع خطأ في المستقبل.
***(19/2)
السؤال: أحسن الله إليكم السائل طه عبد السلام مصري يقول فتاة تريد الزواج بابن عمها ولكن إخوان هذه الفتاة قد رضعوا من أم هذا الشاب الذي تريد الزواج منه هذه المرأة فهل تحل له أم تحرم أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من هذا السؤال يتبين أن الرجل الذي يريد المرأة لم يرتضع من أمها وأنها هي لم ترتضع من أمه وعلى هذا فلا أخوة بينها وبين الرجل فيحل له أن يتزوجها أما إخوانه الذين رضعوا من أمها فهي لا تحل لهم لأنها أختهم.
***(19/2)
السؤال: يقول امرأة أرضعت ولداً مع بنتها وكان قبل البنت بنتان علماً بأن الولد رضع أكثر من خمس رضعات، فهل يجوز كشف الغطاء للذي قبل البنت بعدها أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، هذا الذي رضع من امرأة أكثر من خمس مرات يكون ولداً لها، وولداً للرجل الذي هذا اللبن من أولاده، فعلى هذا يكون هذا الولد أخاً لكل من ولدته أمه التي أرضعته، أخاً له سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، وسواء كانوا قبله أم بعده، فالبنتان السابقتان له، يجوز لهما كشف الغطاء وكذلك البنت الثالثة التي بعده يجوز لها كشف الغطاء عنه، كذلك أولاد زوج هذه المرأة إخوة له وإن لم يكونوا منها فيجوز مثلاً لبنات هذا الرجل من غير هذه المرأة أن يكشفن لهذا الطفل الذي رضع من زوجة الرجل.
***(19/2)
السؤال: الطالب حسين بلقاسم الفقيه من معهد إعداد المعلمين الثانوي بالقنفذة يقول في رسالته لي عمة شقيقة والدي وتقول إنها أرضعت أخي الذي هو أكبر مني سناً مع أحد بناتها أو إحدى بناتها الثلاث وهي البنت الكبرى ولم توضح عدد الرضعات التي أرضعت بها أخي الكبير سوى أنها تقول حوالي السبع أو الثمان أو أكثر من الثمان مرات ولم ترضعني معهن وقد زوجت بنتاها الكبريتان من غير أخي فهل يجوز لي أن أتقدم لخطبة بنتها الثالثة وهي الصغرى أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لك أن تتزوج البنت الثالثة بنت خالتك التي رضع منها أخوك لأن أخوة الرضيع لا تنتشر إليهم حرمة الرضاع نعم إن كانت البنت الثالثة التي تريد أن تخطبها إن كانت قد رضعت من أمك رضاعاً محرماً وهو خمس رضعاتٍ فأكثر قبل الفطام فإنها لا تحل لك لأنها أختك وأما إذا كانت لم ترضع من أمك وأنت لم ترضع من أمها فإنها حلالٌ لك ولو كان أخوك قد رضع من أمها.
***(19/2)
السؤال: المرسلة ح. ج. الشمري تقول أما بعد فمشكلتي هي أن أبي طلق أمي فتزوجت أمي من رجلٍ أخر وأنجبت له أولاد وأرضعت ابن خالتي مع أحد الأولاد فسؤالي هو هل يكون ابن خالتي أخاً لي لأنه رضع من أمي مع أحد إخوتي من أمي فقط دون أبي أنا الآن أقبله كأنه أخي لأن الناس يقولون إنه أخيك لأنه رضع من أمك لكن أمي مع رجلٍ آخر غير أبي يوم كانت ترضع ابن خالتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول نعم إن ابن خالتك إذا رضع من أمك الرضاعة المعتبر شرعاً وهو خمس رضعاتٍ فأكثر قبل الفطام فإنه يكون أخاً لك حتى وإن كان قد ارتضع من أمك بعد أن تزوجت بزوجٍ آخر غير أبيك لأنه يكون حينئذٍ أخاًً لك من الأم كما أن زوجة أبيك لو أرضعت طفلاً فإنه يكون أخاً لك من الأب حيث إنه ولدٌ لأبيك وعلى هذا فمتى رضع إنسانٌ من أم شخص سواءٌ كانت بعد أبيه أو قبله صار هذا الراضع أخاً له من الأم ثم إن كان من لبنها حين كانت زوجةٌ لأبيه صار أخاً له من الأم والأب.
وقولها إنه كان يقبلها أو ما أشبه ذلك هذا لا ينبغي حتى وإن كانت من محارمه لا سيما إذا كانت ليست تجالسه كثيراً فإن هذا التقبيل قد يُحدث بعض الشيء فهذا ينبغي أن تسلم عليه باليد وأن تقبل رأسُه ويجوز أن يقبل رأسها وأما التقبيل على الفم والخدين فلا ينبغي.
***(19/2)
السؤال: هذا سؤال من المستمع ع ي ن من الطائف الشهداء الجنوبية يقول لقد رضعت ابنة خالتي من أمي في يوم واحد مرتين أو ثلاث مرات مع أخي الذي هو أكبر مني بفارق أربعة أولاد وقد تزوجت ابنة خالتي على رجل آخر وأنجبت بنتاً فتزوجت أنا ابنتها أي ببنت البنت فهل يجوز لي ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعلم بأن الرضاع المحرم الذي يثبت به كون الرضيع ابناً من مرضعة يشترط فيه أن يكون خمس رضعات فأكثر قبل الفطام وحسب سؤال السائل فإن هذه هذه الطفلة التي صارت أماً لم ترتضع من أمه إلا ثلاث رضعات فقط وعلى هذا فلا تكون أختاً له بل هي بنت خالته ويجوز له أن يتزوج ابنتها لعدم ثبوت الرضاع المحرم وقبل إنهاء الجواب أذكر المستمعين أن كثيراً من العامة يظنون أن البنت إذا ارتضعت من أم الإنسان مع ولد أكبر منه فإنها لا تكون أختاً له وهذا خطأ عظيم فإن أي طفل رضع من أمك فإنه يكون أخاً لك سواء ارتضع من اللبن الذي نشأ من الحمل بك أو ارتضع من لبن سابق أو لاحق فالمهم أنه متى ارتضع رضاعاً معتبراً من أمك قبلك أو بعدك أو معك فإنه يكون أخاً لك من الرضاعة ويكون كذلك أيضاً أخاً لأولاد زوجها الذي نشأ لبنها منه يكون أخاً لهم من الأب لأن أباهم واحد.
***(19/2)
السؤال: الأخت المستمعة نجمة عبد الله من العراق محافظة التأميم تقول والدتي أرضعت ابنة عمي مدة شهر فهل إخوتها يصبحون إخوتي من الرضاع علماً أنني لم أرضع من أمهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكون أخوتها أخوة لك من الرضاع لأنك لم ترضعي من أمهم وعلى هذا فهذه البنت التي رضعت من أمك تكون أختاً لك وأختاً لجميع أولاد أمك الذين ولدوا قبلها والذين ولدوا بعدها سواءٌ كان أولاد أمك من هذا الزوج الذي رضعت من أمك وهي في حباله أو من زوجٍ سابق أو من زوجٍ لاحق.
***(19/2)
السؤال: حمادة محمد من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال هل يجوز لي أن أتزوج ابنة خالي مع العلم أنها رضعت مع أخي الأصغر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان رضعت من أمك أو من زوجة أبيك فإنها لا تحل لك لأنها تكون أختاً لك ولكن لا بد أن تعلم أن الرضاع لا يكون محرما إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر وفي وقت الإرضاع وهو إما الحولان على رأي أكثر أهل العلم وإما ما كان قبل الفطام على الرأي الثاني.
***(19/2)
السؤال: يوجد لدينا أختان تزوجن وقد أنجبن كل واحدة منهن ولد وقد قامت الكبيرة بإرضاع ولد الصغيرة لفترة ولكن حدث أن الكبيرة طلقت من زوجها ولم تنجب منه إلا ولداً واحداً الذي أرضعته مع أختها وقد تزوجت المطلقة بزوجٍ ثاني وأنجبت من زوجها الثاني ثلاث بنات وولد أما الصغيرة فقد أنجبت أربع بنات وولد ولكن الرضاع لم يتم بين هؤلاء الأولاد جميعاً ما عدا الولد الأول من الكبيرة والذي من الزوج الأول ولكن حدث أن ولد الصغيرة الأول توفي وولد الثانية الذي من الزوج الثاني توفي وهم الاثنان متراضعين أما الأولاد الباقين لم يتم بينهم الرضاع لهذا نرجو منك التكرم والإجابة على هذا السؤال عاجلاً حتى يكون كلٌ منا على ثقةٍ تامة من الإقدام على إحدى بنات الكبيرة وولد الصغيرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام أن الأولاد الباقين ليس بينهم رضاع لا هؤلاء رضعوا من أم هؤلاء ولا هؤلاء رضعوا من أم هؤلاء فإنه لا حرج أن يجري النكاح بينهم لأن الرضاع لا يؤثر في أقارب المرتضع إلا فيمن كان من ذريته وأما حواشيه إخوته وأعمامه وكذلك أصوله آباؤه فإنه لا يؤثر فيهم الرضاع شيئاً فالرضاع ينتشر إلى المرتضع وذريته الذين تفرعوا منه فقط.
***(19/2)
السؤال: أختي أصغر مني بثمان سنوات وبنت عمي بنفس عمر أختي ورضعوا مع بعض وأنا أريد الزواج من بنت عمي وابن عمي يريد أن يتزوج بأختي وكل واحد يدفع مهر وليس شغارا فهل هذا الزواج يحل لي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت أختك قد رضعت من امرأة عمك فإنه لا تحل لابن عمك لأنها أخته وكذلك إذا كانت بنت عمك قد رضعت من أمك فإنها لا تحل لك لأنها أختك ولكن اعلم أن الرضاع المحرم ما كان خمس رضعاتٍ قبل الفطام فأما ما دون الخمس أو ما كان بعد الفطام فإنه لا أثر له.
***(19/2)
السؤال: السائل محمد مطيحل حامد المالكي من الليث يقول لي أخ قد رضع من امرأة أكثر من خمس رضعات ولهذه المرأة أخت فهل تصبح هذه الأخت خالة لأخي وتحرم عليه لأنه رضع من أختها أم لا وبالنسبة لي أنا هل تحرم علي هذه المرأة التي أرضعت أخي وأختها أم لا علماً أنني لم أرضع منها نهائياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخوك الذي رضع من هذه المرأة خمسة رضعات فأكثر قبل الفطام والحولين يكون ابناً لها وعلى هذا فتكون أختها خالة له لا يحل له أن يتزوج بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وكما أن أخت أمك من النسب لا تحل لك وهي خالتك فكذلك أخت أمك من الرضاع لا تحل لك وهي خالتك
وأما بالنسبة لك أنت فإن الرضاع لا ينتشر حكمه إليك لأن الرضاع لا ينتشر من قبل المرتضع إلا للمرتضع ومن تفرع منه من الذرية وأما إخوته وآباؤه وأمهاته فإنه لا ينتشر إليهم التحريم وعلى هذا فيجوز لك أن تتزوج المرأة التي أرضعت أخاك وأن تتزوج أختها أيضاً وأن تتزوج بنتها التي هي أخت أخيك
والمهم أن القاعدة في هذا الباب أن الرضاع لا ينتشر بالنسبة للمرتضع إلا له ولمن تفرع منه من الذرية من ذكور وإناث وأولادهم وإن نزلوا أما آباؤه وأمهاته وإخوته وأخواته وأعمامه وعماته وخالاته وأخواله فلا ينتشر إليهم التحريم وإنما لم ينتشر إليهم التحريم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وأنت بالنسبة إلى هذه المرأة التي أرضعت أخاك لا علاقة لك بها فهي ليست أمك وليست خالتك وليست أختك ولا عمتك فإذن لا علاقة بينك وبينها وكذلك بقية أقارب المرتضع غير من تفرع من الذرية أما من تفرع منه من الذرية فإن الرضاع ينتشر إليهم لأن المرأة التي أرضعت والدهم هي جدتهم وأخواتها خالات للمرتضع وخالة الرجل خالة لمن تفرع منه كما أن عمة الرجل عمة لمن تفرع منه والله أعلم.
***(19/2)
السؤال: بارك الله فيكم، هذا المستمع مهدي بشير يقول في سؤاله بأنه ذهب ليطلب الزواج من ابنة خاله فأجابه الخال بأنه لا يحق له الزواج منها لأنه راضع مع إحدى أخواتها، وبعد سؤال أم البنت أفادت بأنه رضع منها رضعتين يقول أرجو الرد على مضمون رسالتي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا لم يثبت أنه رضع من أم مخطوبته إلا مرتين فإن المخطوبة تحل له، وذلك لأن الرضاع إذا كان دون خمس رضعات لم يؤثر شيئاً كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت (كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يُتلى من القرآن) ، فإذا كانت الرضعات أدنى من الخمس فلا عبرة بها وعليه فإن ابنة خالك تكون حلالاً لك لأنه لم يثبت أنها أختك.
***(19/2)
السؤال: تقول: هل الرجل الذي أرضعت أخته بنتاً يكون هذا الرجل محرماً للراضعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أرضعت المرأة صبياً صار ولداً لها لقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكن) وإذا صار ولداً لها صار أبوها جداً له، وأمها جدةً له وصار إخوانه أخوالا له وأخواتها خالات له، وإذا كان إخوانها أخوالا له فإنه إذا كان الرضيع أنثى يكون إخوة أمها من الرضاعة محارم لها، وإذا كان الرضيع طفلاً فإنه يكون محرماً لأخوات من أرضعته لأنهن خالاته ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) .
***(19/2)
السؤال: فتاةٌ رضعت من عمتها مع ابنها الصغير هل يجوز لها أن تتزوج من أخيه الكبير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرضاع تام الشروط فإنه لا يحل لها أن تتزوج من أخيه الكبير لأن الطفل إذا رضع من امرأة صار ولداً لها وولداً لمن نسب لبنها إليه من زوجٍ إن كانت زوجة أو مالكٍ إن كانت سرية أو وطئٍ بشبهة إن كانت موطوءة بشبهة سواءٌ كان أولادها سابقين على رضاع هذا الطفل أو لاحقين وسواءٌ كان أولاد زوجها منها أو من زوجةٍ أخرى سابقة أو لاحقة ولكن لا بد أن نعلم أنه يشترط في الرضاع أن يكون خمس رضعات فأكثر وفي زمن الإرضاع فإن كان أقل من خمس رضعات فلا أثر له لحديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ يحرمن ثم نسخن بخمس رضعاتٍ معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن) وعلى هذا فما دون الخمس لا أثر له فإذا رضع طفلٌ من امرأة أربع مرات لم يكن ولداً لها ولا أخاً لأولادها منها ولا أخاً لأولاد زوجها من غيرها وأما إذا رضع خمس رضعاتٍ فأكثر فإنه يكون ولداً لها وأخاً لأولادها من زوجها أو من زوجٍ غيره ولأولاد زوجها منها أو من غيرها من زوجها التي أرضعت الطفل وهي في حباله أو من زوجٍ آخر سابقٍ أو لاحق وأخاً لأولاد زوجها التي أرضعت الطفل في حباله منها أو من غيرها إذاً لا بد في الرضاع المؤثر أن يكون خمس رضعات فأكثر ولا بد أيضاً أن يكون في زمن الإرضاع وزمن الإرضاع اختلف العلماء فيه فمنهم من قيده بحولين وقال ما كان قبل الحولين فهو مؤثر وما بعدهما فلا يؤثر سواء فطم الطفل أم لم يفطم ومن العلماء من قال إن العبرة بالفطام فإذا فطم الطفل فلا أثر للرضاع بعد فطامه وإذا لم يفطم فالرضاع مؤثر ولو زاد على الحولين والفطام معروف هو أن يتغذى الطفل بغير اللبن أما ما دام الطفل لا يتغذى إلا باللبن فليس بمفطوم.
***(19/2)
السؤال: يقول يوجد لي زوجة ولها أخوين أكبر منها ولهم أولاد وبنات كثيرون وأنجبت زوجتي أولاد وبنات ولقد قامت والدة زوجتي وإخوانها بإرضاع أبنائي وبناتي مع أبناء وبنات إخوان زوجتي والسؤال هو هل يجوز لأحد أبناء إخوان زوجتي الزواج من إحدى بناتي وعلى من تعود المسئولية في مثل هذا الموضوع أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذين رضعوا من جدتهم من أولادك وأولاد أخوة زوجتك فإنهم إخوان لا يجوز لبعضهم أن يتزوج ببعض فإذا قدرنا أن بنت من بناتك رضعت من جدتها وأن ابنا من أبناء إخوة زوجتك رضع من الجدة المذكورة فإنه لا يجوز له أن يتزوج ببنتك لأنهم إخوة وأما من لم يرضع من جدتك من أولادك أو أولاد إخوة زوجتك فإنه ليس بينهم محرمية فيجوز أن يتزوج الرجل منهم بالأنثى فإذا كان لك بنت لم ترضع من جدتها ولإخوة زوجتك ابن لم يرضع من جدتك فإنه يجوز له أن يتزوج ببنتك, وأما قول السائل وعلى من تكون المسئولية في ذلك فليس في ذلك مسئولية لأن الرضاع ربما يضطر الناس إليه لا سيما في الزمن السابق الذي ليس عند الناس مايستغنون به عند جفاف لبن الأم فيضطرون إلى أن يطلبوا مرضعة ترضع الطفل وحينئذٍ لا يكون في ذلك مسئولية.
***(19/2)
السؤال: تقول أختي الكبرى أرضعتها أم والدي لمدة خمسة عشر يوماً فهل يجوز لي كشف وجهي ومصافحة أبناء عمي على أساس أنهم إخوان لأختي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم قاعدة مهمة في باب الرضاع يتبين بها حكم هذه المسألة وغيرها وهي أن الرضاع لا ينتشر إلى أقارب الرضيع ولا يؤثر فيهم شيئاً إلا ما كان من ذريته أي أن الرضاع لا يؤثر إلا على الراضع وذريته فقط وأما أقاربه أي أقارب الراضع كأبيه وأمه وإخوانه فلا أثر للرضاع فيهم وبناء على ذلك فإن هذه السائلة التي تقول إن أختها الكبرى رضعت من جدتها أم أبيها خمسة عشرة يوماً لا علاقة لها في أبناء عمها وليسوا من محارمها لكن أبناء عمها محارم لأختها التي رضعت من جدتهم لأن أختها التي رضعت من جدتهم تكون عمة لهم.
***(19/2)
السؤال: يقول لي ابنة خالة وقد ارتضعت مع إخوتي الذين هم أصغر مني من أمها أكثر من ثلاث مرات فهل يصح أن أتقدم لخطبتها زوجة لي أما أنا فلم أرضع من أمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت أنت لم ترضع من أمها وهي لم ترضع من أمك فإنه يجوز لك أن تتزوج بها لأنه لا صلة بينك وبينها في هذه الحالة فليست أختاً لك ولا أنت أخ لها أما إخوتك الذين رضعوا أكثر من ثلاث مرات فإنهم إن رضعوا خمس مرات صاروا إخوةً لها إذا كانوا رضعوا من أمها أكثر من خمسة مرات أماً إذا رضعوا ثلاثاً أو أربعاً أو دون ذلك فإنهم لا يكونون إخوة لأن الرضاع المحرم ما بلغ خمس مرات قالت عائشة رضي الله عنها (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن) فهذا دليل على أن المحرم خمس رضعات لا أقل ويشترط أيضاً أن يكون هذا الرضاع في زمن الإرضاع وهو ما كان قبل الفطام على رأي بعض أهل العلم أو ما كان قبل الحولين على الرأي الآخر.
***(19/2)
يقول السائل رجل وامرأة رضعا من امرأة واحدة وهذا الرجل يكبر المراة بخمسة عشر عاماً ويريد أن يتزوج أختاً لهذه المرأة فهل يجوز له الزواج أم لا؟
الشيخ: لا شك أن الرجل المذكور أخ للبنت المذكورة لأنهما رضعا من امرأة واحدة فهما أخوان من الرضاع وأما إخوة هذين الرضيعين فإنه لا علاقة لهما بالرضاع وعلى هذا فيجوز لهذا الرجل أن يتزوج أخت من رضعت معه ولا حرج عليه في ذلك.
***(19/2)
السائل: المستمع أحمد بن أحمد محمد عبيد من جيزان يقول في رسالته لي أخت كبيرة في السن ومتزوجة ولها أولاد ولي خال متزوج وعنده بنت وهذه البنت أحبها وأريد أن أتزوجها فخطبتها من خالي وبعد مرور بضعة أشهر من خطوبتنا تذكرت أختي المذكورة أنها قد أرضعتها مع أحد أولادها فهل يصح لي أن أتزوجها أم لا أفيدوني بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء لأنني في حيرة علما بأن أختي من أمي وأبوها ثاني أفيدونا شكراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تمت شروط الرضاعة من أختك لهذه البنت فإنك تكون خالاً لها ولا تحل لك هذه البنت وشروط الرضاعة أن تكون خمسة رضعات قبل الفطام وإذا كانت أختك قد أرضعت هذه البنت أعني بنت خالك خمس رضعات قبل أن تفطم صارت بنتاً لها وصرت خالاً لها فلا تحل لك أما إذا كانت الرضعات أقل من خمس فإنها تحل لك لحديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم قالت (كان فيما أنزل من الرضاع عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات) واستقر الأمر على ذلك , فإذا كانت أختك لم ترضعها إلا أربع مرات فأقل فإنها لا تكون بنتاً لها ويحل لك أن تتزوج بها.
***(19/2)
السؤال المستمع السيد أمين مهدي مسعود من مسلخ الدمام النموذجي الحديث يقول لي ابنة خالة تبلغ من العمر عشرين سنة وأنا أبلغ من العمر تسعا وعشرين سنة أي أكبر منها بتسع سنوات هذه البنت رضعت من أمي مع أخت لي في نفس سنها أكثر من خمس رضعات مشبعات فهل يجوز لي التزوج منها ثم ما مصير أخواتها من النسب التي لم يرضعن من ثدي أمي واللائى يصغرنها من الزواج بأي من إخواني الذكور هذه هي المسألة أثابكم الله غفر لكم ولجميع المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك ولا لأحد من إخوانك أن يتزوج بهذه البنت التي رضعت من أمك لأنها رضعت رضاعاً محرما بحيث كان خمس رضعات أما بالنسبة لأخواتها من النسب اللاتي لم يرضعن من أمك فإن التزوج بهن بالنسبة لك أو لأحد من إخوانك لابأس به إذا لم يكن أحد منكم رضع من أمها.
***(19/2)
السؤال: يقول أنا شاب في الثلاثين سنة من عمري هناك عم لي تزوج امرأة وأنجبت منه بنت وقمت أنا بالرضاع مع البنت حوالي شهر وبعد ذلك ماتت أم البنت ولم تخلف إلا البنت وبعد ذلك تزوج عمي امرأة ثانية وأنجبت بنات منه من المرأة الثانية فهل يجوز لي أن أتزوج إحدى البنات أم لا افيدونا جزاكم الله ألف خير لأني محتار جدا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمت رضعت من زوجت عمك لمدة شهر فإنك تكون ابناً لعمك وحينئذ جميع بناته لا يجوز لك أن تتزوج بهن فالبنات التي أنجبت المرأة الأخيرة لعمك هن أخواتك من الأب فلا يحل لك أن تتزوج بهن.
فضيلة الشيخ: طيب لو كان المسألة مثلاً نقول معكوسة لو أنه رضع من الأخيرة مثلاً وكانت الأولي قد أنجبت بنات فهل يجوز له أن يأخذ من الأولي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أيضاً لأنه إذا رضع من هذه المرأة صار زوجها أباً له فإن كان أبا له فإن بناته يكن أخوات له.
***(19/2)
السؤال: السؤال التالي من المستمع وردي محمد الوردي من سوريا يقول كان لأخي الشقيق ابن رضيع وقد عملت والدته عملية جراحية فقامت أمي بإرضاعه فهل يجوز له أن يتزوج من ابنتي أو من بنات أحد أعمامه الآخرين أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الطفل قد رضع من أمك خمس رضعات فأكثر فإنه يكون ابنا لها وإذا كان ابناً لأمك كان أخا لك ولإخوانك وعلى هذا فلا يجوز له أن يتزوج بأحد من بناتك أو بنات إخوانك لأنه يكون عماً لهم ولا يتزوج أحد من أخواتك أو من بنات أخواتك لأنه أخ لهن وخال لبناتهن هذا إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر في مدة الرضاع وهي إما حولان على المشهور وإما قبل الفطام على القول الثاني أما إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات فإنه لا يؤثر شيئاً ولا يكون الراضع ابناً للتي رضع منها وحينئذٍ فإنه يجوز أن يتزوج من بناتك لأنه ليس خالاً لهن.
***(19/2)
المستمع عبد العزيز أبو الوفا محمود مصري يعمل مدرساً باليمن الشمالي يقول رضع ولد مع ابنة خالته من أمها وكذلك البنت رضعت من خالتها أم ذلك الولد فصارا إخوة يحرم زواجهما من بعض ولكن ما هو الحل بالنسبة لأخوانهم الباقين والذين لم يتراضعوا هل يجوز زواجهم من بعضهم أم لا وهل صحيح أن الأخ الأكبر إذا رضع من امرأة وصارت أمه من الرضاع يحجب ويمنع إخوتهم الباقين الأصغر منه من الزواج ببنات هذه المرأة التي هي أمهم من الرضاع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في المسألة الأولى وهي ما إذا رضعت امرأة من أم رجل ورضع الرجل من أمها نقول بالنسبة لهذا الرجل يكون أبناء المرأة التي رضع منها وبناتها إخوة له وكذلك أبناء زوجها وبناته من غيرها يكونون إخوة له ولا يحل له أن يتزوج أحداً من بنات هذه المرأة التي أرضعت ولا من بنات الرجل الذي كان زوجاً لها لأن الرجل أبوه وهي أمه وأما البنت التي رضعت من أمه فيحرم عليه نكاحها لسببين أولاً أنه كان أخاً لها حين رضع من أمها والثاني كانت أختاً له حين رضعت من أمه ويحرم على إخوته أن يتزوجوا بهذه البنت سواء كانوا إخوة له من الأم أو إخوة له من الأب لأنهم إن كانوا إخوة له من الأم صاروا إخوة لهذه البنت من الأم وإن كانوا إخوة له من الأب صاروا إخوة لهذه البنت من الأب وإن كانت الأم لم يتزوج زوجها عليها وكل الأولاد أولادهما جميعاً صارت البنت أختاً لهم شقيقة من الأم والأب وخلاصة القول أن هذا الرجل الذي رضع من أم البنت لا يحل له أن يتزوج بأحد من بناتها ولا من بنات زوجها وأن البنت التي رضعت من أمه لا يحل لأحد من إخوته أن يتزوج بها.
فضيلة الشيخ: الفقرة الثانية يقول هل صحيح أن الأخ الأكبر إذا رضع من امرأة وصارت أمه من الرضاع يحجب ويمنع إخوتهم الباقين الأصغر منه من الزواج ببنات هذه المرأة التي هي أمه.
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذه الفقرة اتضح مما سبق وهو أن إخوة الراضع لا يؤثر الرضاع فيهم شيئاً فيجوز لإخوته أي إخوة هذا الراضع أن يتزوجوا من البنات أي من بنات المرأة التي أرضعت سواء كانوا أكبر منه أم أصغر منه لأنهم ما رضعوا من هذه المرأة.
فضيلة الشيخ: ما هي شروط الرضاع المحرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شروط الرضاع المحرم أن يكون من آدمية وأن يكون قبل الفطام أوقبل الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر واشترط بعض العلماء أن يكون ناشيءاً عن حمل أو وطء ولكن ظاهر الأدلة أن ذلك ليس بشرط وهو قول جمهور أهل العلم وأن المرأة البكر لو در لبنها على طفل فأرضعته فإنها تكون أمّاً له وإن لم تتزوج لعموم قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (النساء: من الآية23) فصارت شروط الرضاع أن يكون من آدمية وأن يكون قبل الفطام أو قبل الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإن كان من غير آدمية كما لو ارتضع طفلان من لبن شاة مثلاً فإنهما لا يكونان أخوين وكذلك لو كان الرضاع بعد الحولين والفطام فإنه لا أثر له فرضاع الكبير لا يؤثر وكذلك لو كان رضعة واحدة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو أربع رضعات فإنه لا يثبت به التحريم لحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن) وقولها رضي الله عنها (وهي فيما يتلى من القرآن) لا يعني أن أحداً حذفها بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما معناه أن النسخ كان متأخراً نسخ هذه الآية كان متأخراً فلم يعلم بعض الناس بنسخها فصار يتلوها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ: هل يشترط مباشرة المرتضع لثدي المرضعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا ليس بشرط وعلى هذا فلو أن المرأة حلبت من لبنها في فنجان أو نحوه وشربه الطفل وتمت الشروط التي أشرنا إليها من قبل صار ولداً لها.
فضيلة الشيخ: كيف نعتبر العدد في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعتبر العدد إذا رضع هذا الطفل من هذا الفنجان ثم انفصل وجاء مرة أخرى ورضع في وقت آخر ثم انفصل وجاء في مرة ثالثة في وقت آخر ثم انفصل حتى يتم خمس مرات.
***(19/2)
السؤال: له سؤال آخر يتعلق بالرضاع أيضاً يقول إذا رضع ولد من جدته لأمه أو لأبيه فهل يجوز لإخوته وأخواته وإن نزلوا أو علوا الزواج من بنات أولاد جدته التي رضع منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رضع الإنسان من لبن جدته صار أخاً لأمه إن كانت جدته من جهة الأم أو أخاً لأبيه وأعمامه إن كانت جدته من قبل الأب وعلى هذا فإن بنات أعمامه إذا كان قد رضع من جدته من قبل الأب فإن بنات أعمامه يكون هو عماً لهن فلا يحل له أن يتزوج بهن ولا بذريتهن أيضاً لأنه عم وأما أبناؤه فيحل لهم أن يتزوجوا ببنات أعمامهم.
فضيلة الشيخ:وإخوانه الذين لم يرتضعوا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إخوان المرتضع يحل لهم أن يتزوجوا من بنات أعمامهم وإن كانوا أعمامه أخوة لأخيه من الرضاع لأن القاعدة في باب الرضاع أن أقارب المرتضع لا ينتشر إليهم التحريم ماعدا فروعه أي ذريته وإلا فجميع أقارب المرتضع لا ينتشر إليهم التحريم ولهذا يجوز لأخ المرتضع من النسب أن يتزوج أم المرتضع من الرضاع مع أنها أم لأخيه وأن يتزوج أخت المرتضع من الرضاع مع أنها أخت لأخيه بناءً على هذه القاعدة التي أشرنا إليها وهي أن الرضاع لا ينتشر حكمه إلا إلى المرتضع نفسه وإلى من تفرع منه من ذريته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)
***(19/2)
السؤال: السائل محمد حامد دياب من بني مالك يقول لي ابن ولأخي ثلاث بنات إحداهن كبيرة ومتزوجة وقد رضع ابني من ابنة أخي الكبيرة فهل يجوز له أن يتزوج من إحدى أخواتها الباقيات أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر وكان في الحولين قبل الفطام فإنه يكون ابناً لمن رضع منها وتكون أخواتها خالات له ومعلوم أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج واحدة من خالاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أما إذا كان الرضاع دون خمسة رضعات فإنه لا يؤثر فلا تكون المرضعة أماً له ولا أخواتها خالات له وحينئذ يجوز أن يتزوج من شاء منهن.
فضيلة الشيخ: ومفهوم خمس رضعات ما هو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخمس رضعات يرى بعض أهل العلم أن الرضعة هي أن يمسك الرضيع بالثدي فمتى أطلقه فهي رضعة فإذا عاد إليه فهي رضعة ثانية وهكذا ولو في مجلس واحد ويرى آخرون من أهل العلم أن الرضعة مثل الوجبة من الطعام للكبير وأنه لا عبرة بالتقام الثدي ثم إطلاقه مادام المجلس واحداً وهذا أحوط لأنه أقرب إلى مفهوم اللفظ ولأن الأصل الحل إلا بدليل بين يرفع ذلك الحل ومن أخذ بالاحتياط وأخذ بالقول الأول على أن الرضعة هي إمساك الثدي ثم إطلاقه فلا بأس بذلك لكن كما هو معروف للجميع الحكم الاحتياطي لا يدل على الوجوب.
فضيلة الشيخ: والرأي الراجح من القولين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح عندي أن الرضعة اسم للوجبة وأنه إذا كان في مجلس واحد فلو أطلق الثدي ثم عاد ثم أطلقه ثم عاد فهي رضعة واحدة مادام في مجلس واحد.
فضيلة الشيخ: والسن أليس هناك شرط في السن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السن فإن بعض العلماء يرى السن المعتبر الحولين وبعضهم يرى المعتبر الفطام فمتى فطم الصبي ولو قبل حولين وصار يتغذى بالطعام والشراب فلا أثر لرضاعته وإذا لم يفطم ولو تجاوز الحولين فإن رضاعه معتبر ومنهم من قيده بالحولين يقول لأن الحولين أضبط إذ أن الأول قد يخفى كونه مفطوماً أو غير مفطوم والحولان أضبط والله أعلم.
***(19/2)
السؤال: المرسلة فتاة هـ م م من الخرج تقول أنا فتاة أرضعتني امرأة ثلاثة شهور مع ابنتها ولهذه المرأة أولاد وبنت أكبر من هذه البنت فهل يحق لي أن أكشف على الأولاد الأكبر منها والأصغر وإني محتارة لم أسلم عليهم لأن بعض الأقرباء قالوا لي لا يحق لك أن تكشفي على الأكبر منهما وإني أبعث لكم هذه الرسالة لبرنامجكم المفضل الذي يبعث إلى قلوبنا الخير فأفيدوني جزاءكم الله ألف خير وبارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله ينبغي أن يفهم الأخوة المستمعون أن الإنسان أو أن الطفل أو الطفلة إذا رضعت من امرأة رضاعاً محرِماً وهو ما كان قبل الفطام وخمسة رضعات فأكثر فإن هذا الراضع يكون ولداً لمن أرضعته ويكون أولاد من أرضعتهم السابقين واللاحقين إخوةً له وكذلك أولاد زوجها السابقين واللاحقين من نسائه الأخريات يكونون أيضاً إخوةً لهذا الطفل أو الطفلة التي رضعت من زوجته وأما ما يعتقده بعض العامة أنه لا يكون أخاً إلا من شاركه في الرضاعة فهذا ليس بصحيح وهذا هو الذي أوجب كثرة السؤال من الناس عمن كان قبل الرضيع أو بعده وإلا فلو علم الناس أن الرجل إذا رضع من امرأة صارت أماً له وصار أولادها إخوةً له ذكورهم وإناثهم وكذلك أولاد زوجها إخوة له ذكورهم وإناثهم ما حصل هذا الإشكال ولكن ينبغي أن يفهم السامعون ذلك وأن الطفل إذا رضع من امرأة صار أولادها إخوةً له وأولاد زوجها أيضاً إخوةً له.
***(19/2)
السؤال: هذه رسالة وصلت من المسمتعة للبرنامج زمزت لاسمها بـ م. م. ص. جدة تقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن فطمت طفلها قبل إكمال العامين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تفطم ولدها قبل تمام الحولين إذا كان يستغني عن اللبن أما إذا كان لا يستغني عن اللبن فإنه لا يجوز لها أن تفطمه قبل الحولين ولا بعد الحولين أيضاً ما دام لا يأكل الطعام لأن المقصود هو تغذية الطفل فإذا كان محتاجاً إلى اللبن وجب أن يغذى به وإذا استغنى عنه بالأكل والشرب فلا حرج أن يقطع عنه قبل تمام الحولين.
***(19/2)
النفقات(19/2)
السؤال: أختكم في الله س. س. ن. من الرياض ما حكم الشرع في رجل يكنز الأموال الطائلة ويبخل على زوجته وأولاده حتى في الطعام واللباس بحجة أنه فقير لا يملك شيئاً وهم يصدقون تلك الدعاوى الكاذبة وعلاوة على ذلك فهم لا يسلمون من بطشه ولسانه لعل لكم توجيه ونصح في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه الذي ينبغي أن يوجه إلى هذا الرجل إذا صح ما قيل عنه أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي أهله ويقوم بما أوجب عليه من نفقة على زوجته وعلى أولاده فإن الإنفاق على الزوجة وعلى الأولاد من الواجبات، قال الله عز وجل (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ولا يحل له أن يبخل بما يجب عليه من ذلك وهو إذا بخل به كان سفيهاً من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية
أما من الناحية الشرعية فإنه سفيه لأنه ظلم نفسه بترك ما أوجب الله عليه، وكل من ترك ما أوجب الله عليه فقد ظلم نفسه، فإن النفس أمانة عند الإنسان يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها بفعل ما يقربه إلى الله عز وجل وترك ما يبعده من الله.
وأما كونه سفيهاً من الناحية العقلية فإن هذا المال الذي يدخره سوف يرجع إلى هؤلاء الذين بخل عليهم في حياته لأن المال سيورث بعد صاحبه فيكون في هذه الحال وبالاً عليه ومآله لهؤلاء الذين بخل عليهم به في حال الحياة الدنيا.
وليعلم أنه لن ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا أثابه الله عليها حتى ما يجعله في فيّ امرأته كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وليعلم كذلك أنه لا ينفق نفقة لله عز وجل على أهله وعلى أولاده إلا أخلفها الله عليه كما قال الله تعالى (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وإذا علم هذا العلم وآمن به سهل عليه أن ينفق على زوجته وأولاده
أما بالنسبة للزوجة والأولاد فلهم إذا قدروا على شيء من ماله أن يأخذوا بقدر النفقة لهم بالمعروف وإن لم يعلم به لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف حين ذكرت له أنه شحيح لا يعطيهم من النفقة ما يكفيهم، وإذا لم يقدروا على شيء وامتنع من الإنفاق عليهم فإن لهم أن يأخذوا من الزكاة والصدقات لأنهم في هذه الحال فقراء معدمين حتى وإن كان يمنعهم من أخذ الزكاة لأن بعض الناس لا ينفق على أهله ولا يرضى أن يأخذوا من الزكاة، وهذا كما هو معلوم خطأ، لكن بالنسبة لهم إذا كانوا في حاجة وممن يستحقون الزكاة لأحد الأوصاف التي هي سبب الاستحقاق فإنهم يأخذونها وإن كره من ينفق عليهم إذا كان ممتنعاً مما يجب.
***(19/2)
السؤال: تقول زوجي لا ينفق علي وعلى أولادي من أمواله ولا يكسوني ولا يذهب بي إلى أهلي مع أنني معه ما يقارب من خمس سنوات فما حكم هذا أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف لقول الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولقوله (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا يحل لأحد الزوجين أن يمنع حق صاحبه ولا أن يبذله له بتكره وتباطؤ وتثاقل لأن ذلك تفريط فيما يجب عليه فعلى الزوج أن ينفق بالمعروف وعلى الزوجة أن تقوم بحاجة زوجها بالمعروف وعلى الزوج أن ينفق على أولاده بالمعروف وإذا قدر أنه امتنع عن النفقة الواجبة فللزوجة أن تأخذ من ماله بغير علمه لتنفق على نفسها وعلى أولادها كما استفتت هند بنت عتبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي بالمعروف فقال (خذي ما يكفيك ويكفي بنيك) هذا الحديث أو معناه.
***(19/2)
السؤال: تقول أنا وزوجي أسرة مغتربة من ثمان سنوات ولنا ثلاثة أطفال وزوجي من النوع الذي يتصرف وكأنه أعزب لا حساب له راتبه جيد ولكن غالباً ما يتسلف لنكمل الشهر كل همه أنه يؤمن مبلغا معتبرا إلى كل واحد قادم إلى الحج أو العمرة من بلاده وكثيراً ما يدفعه ذلك إلى أن يستدين المبلغ من زملائه وما أكثر الوافدين علينا سواء كان هذا الزائر قريباً أو بعيداً لا صلة له بنا إذا انفرد بأصدقائه أنفق عليهم بلا حساب والأكثر من هذا أنه لا يبيت لنا شيء بحيث لا يمكنه الدخول إلى وطنه لظروف خاصة كما أننا لا قرش واحد عندنا على جانب من ثمان سنوات عمل وسؤالها تقول هل يجوز لي أن أوفر كلما سمحت لي الفرصة لذلك أوفر وأشتري بذلك ذهباً تحسباً لأي طارئ قد يحدث لنا جميعاً ما حكم ذلك أثابكم الله وجزيتم عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان زوجك بهذه المثابة فلك أن تأخذي من ماله بغير علمه ما يكفيك ويكفي ولدك من ذكور وإناث بالمعروف وأما أن تأخذي شيئاً تدخرينه زائداً على ما تحتاجين أنت وأولادك فإن ذلك لا يجوز لأن زوجك بالغ عاقل رشيد غير محجور عليه فلا يجوز لك أن تتصرفي في شيء من ماله إلا بإذنه إلا فيما تحتاجين أنت وأولادك إليه فحينئذ يجوز لك أن تأخذي من ماله بالمعروف لأن هند بنت عتبة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف) هذا معنى ما قاله صلى الله عليه وسلم.
ونحن ذكرنا قصة هند من أجل أن نبين أنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها ويكفي أولادها وليس معناه أنها مشابهة من كل وجه
أما بالنسبة لكون هذا الرجل معطاءً كثير الإنفاق فهذا لا يمكن أن تأخذ من ماله ما يزيد على نفقتها ونفقة بنيها لأنه غير محجور عليه ولكن هي إذا رأت أن الرجل مسرف أو مبذر فلها أن ترفع الأمر إلى المحكمة فإذا أذنت لها المحكمة في أن تتصرف هذا التصرف الذي ذكرته فلا بأس به.
***(19/2)
السؤال: تقول هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئاً من أهلها كطعام ونحوه ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات فكيف تتصرف مع هذا علماً أنه مقصر في دينه كثيراً فهو يشرب الخمر ويتناول الحبوب المخدرة وقد تزوج بزوجة أخرى ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته فقالوا لها إنه مسحور وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحاً فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك وماذا عليه في تصرفاته وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل المسألة الأولى وهي من أهمها ذهابها إلى الكهان ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله عز وجل وهذا هو الواجب على من فعل محرماً أن يبادر بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل.
والمسألة الثانية تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها والجواب على هذه المسألة أن نقول إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها ولو منعها من ذلك فإنه ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل.
المسألة الثالثة البقاء معه أو طلب الفراق فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكل بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله عز وجل وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركاً للصلاة فإن كان تاركاً للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح والله أعلم.
***(19/2)
السؤال: يقول هل يصح للمرأة أن تنفق من مال زوجها بدون إذنه مع العلم أنها أم أولاده ولها أتعاب معه والمال فوق حاجتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القاعدة والأساس أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره بلا إذنه أو رضاه وهذه القاعدة الشاملة لكل أحد إلا الأب فإن له أن يأخذ من مال ولده ما شاء مما لا يضره ولا يحتاجه وبناءً على هذه القاعدة فإنه لا يجوز للمرأة أن تنفق من مال زوجها إلا إذا علمت أنه راضٍ بذلك أو أذن لها فأما إذا كان بخيلاً شحيحاً تعرف أنه لا يرضى فإنها لا يحل لها أن تنفق شيئاً من ماله لأنه ماله ولكن ينبغي مع هذا أن تستأذن منه لتتصدق على من جاء يسأل أو تعير من جاء يستعير من أغراض البيت أو ما أشبه هذا لتكون مشاركة له في الأجر ومعينة له على أن يقوم بهذا الأمر الذي يؤجر عليه.
***(19/2)
السؤال: يقول والدي عنده محل تجاري وأحواله المادية ميسورة والحمد لله ولكنه يبخل علينا بما نحتاجه فإذا طلبت منه مالاً لأشتري به ما يلزمني يرفض إعطائي فأضطر لأخذ المال من صندوق ذلك المحل التجاري دون علمه فهل تعد هذه سرقة أم لا وهل يأثم هو في تقصيره وبخله بما نحتاج إليه حتى تسبب في اختلاسي للمال دون علمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن شقين منع الوالد بما يجب عليه من نفقة عليك وهذا محرم عليه وذلك لأن الوالد يجب عليه الإنفاق على ولده لقوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فأوجب الله سبحانه وتعالى على المولود له رزق الوالدات وكسوتهن من أجل إرضاع الولد لأن ذلك من الإنفاق عليه وعلى هذا فيجب على أبيك أن يتقي الله عز وجل وأن يقوم بشكره على نعمته لما أعطاه من المال ومن شكر الله على إعطاء المال أن يبذل هذا المال فيما أوجب الله عليه من زكاة ونفقات ولا يحل له أن يبخل بما يجب عليه من النفقة
الشق الثاني بالنسبة لأخذك ما يلزمك من صندوق هذا المحل فيجوز لك أن تأخذ من الصندوق ما يكفيك بالمعروف فقط من غير إسراف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف وهكذا نقول في كل شخص تجب له النفقة على شخص ويكون الملزم بهذه النفقة بخيلاً لا يعطي ما يجب فإن لمن له النفقة أن يأخذ بقدر نفقته ما قدر عليه من ماله ولكن بالمعروف كما قال عليه الصلاة والسلام بحيث لا يزيد عن ما يجب لمثله.
***(19/2)
السؤال: ما حكم الزوجة التي تأخذ من مال زوجها عدة مرات وٍدون علمه وتنفق على أولادها وتحلف له بأنها لم تأخذ منه شيئاً ما حكم هذا العمل بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه لأن الله سبحانه وتعالى حرم على العباد أن يأخذ بعضهم من مال بعض وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حجة الوداع حيث قال (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت) ولكن إذا كان زوجها بخيلاً ولا يعطيها ما يكفيها وولدها بالمعروف من النفقة فإن لها أن تأخذ من ماله بقدر النفقة بالمعروف لها ولأولادها ولا تأخذ أكثر من هذا ولا تأخذ شيئاً تنفق منه أكثر مما يجب لها ولأولادها لحديث هند بنت عتبة أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكت زوجها وقالت إنه رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك أو قال ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف) فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها سواء علم بذلك أم لم يعلم
وفي سؤال هذه المرأة أنها تحلف لزوجها أنها لم تأخذ شيئاً وحلفها هذا محرم إلا أن تتأول بأن تنوي بقولها والله ما أخذت شيئاً يعني والله ما أخذت شيئاً يحرم علي أخذه أو والله ما أخذت شيئاً زائداً على النفقة الواجبة عليك أو ما أشبه ذلك من التأويل الذي يكون مطابقاً لما تستحقه شرعاً لأن التأويل سائغ فيما إذا كان الإنسان مظلوماً أما إذا كان الإنسان ظالماً أولا ظالماً أو مظلوماً فإنه لا يسوغ، والمرأة التي يبخل عليها زوجها بما يجب لها ولأولادها هي مظلومة فيجوز لها أن تتأول.
***(19/2)
السؤال: يقول توجد امرأة سبق وأن تزوجت وأنجبت طفلة ثم تزوجت مرة أخرى من رجل آخر وكان أبو الطفلة أي الزوج السابق يدفع مصروفاً على طفلته وقدره خمسمائة ريال كل شهر فهل يحق لأم الطفلة وزوجها الثاني التصرف في نفقة الطفلة وأخذ ما يرون سواء لهم أم للطفلة وأريد أن أعرف من له الحق في المصروف هل هو أمها وهل لها أن تأخذ من هذا المصروف لأغراضها الشخصية أرجو من فضيلة الشيخ إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدراهم التي تأخذها المرأة من زوجها الأول نفقة على ابنتها منه لا يجوز لها أن تتصرف فيها إلا في نفقة هذه البنت لأن أباها لم يدفع هذه الدراهم إلا لابنته فقط فإذا زادت هذه الدراهم على المصروفات فإنه يجب عليها أحد أمرين إما أن تخبر والدها بذلك وهو يأمر بما شاء وإما أن تدخره للبنت ولكن إخبارها والدها بذلك أولى لأنه هو الولي عليها فإذا أعطاهم خمسمائة ريال مثلاً في الشهر وزادت هذه الخمسمائة على مصروفاتها فإنه يجب أن تخبر والدها بذلك وهو يفعل ما يراه في هذا ولا يحل لها أن تتصرف فيه أو أن تعطيه زوجها الثاني أو أولاده أو أولادها منه أيضاً.
***(19/2)
السؤال: خ. س. م. من الرياض يقول كنت متزوجا من امرأة وحسب الظروف العائلية طلقتها إلا أنني عند ذهابي إلى المحكمة الشرعية كان معي والدي واثنين من الشهود لكن والدي قال لي قل للقاضي طلقتها منذ ستة أشهر لئلا تكون ملزماً بالنفقة خلال الفترة الماضية عند مطالبتهم لك فيما بعد ولجهلي وعدم معرفتي نفذت ما قاله لي والدي فهل علي ذنب في ذلك وهل الطلاق صحيح علماً بأنني طلقتها بالثلاث وصدر بذلك صك شرعي أفيدونا جزاكم الله خيراً فأنا لست مرتاحاً نفسياً مما نصحني به والدي وعملت به.
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن ما أمرك به والدك محرم لأنه تضمن الكذب وإسقاط حق المرأة بالإنفاق عليها مدة العدة وعليه أن يتوب إلى الله ويرجع إليه لعل الله أن يتوب عليه.
أما بالنسبة لحق الزوجة فإن عليك أن تؤدي إليها نفقتها في العدة منذ كتبت طلاقها.
وأما طلاقك إياها وإقرارك بأنك طلقتها منذ ستة أشهر فإن كنت قد نويت وقوعه في الحال فإن الطلاق يقع ويلغو قولك قبل ستة أشهر وإن لم تنو وقوعه في الحال فلابد من مراجعة القاضي حتى يحكم لك بمقتضى قولك بما يراه في هذه المسألة
وإني أنصح والدك وكل من يستمع إلى هذا البرنامج بأن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن كل كسب يكسبونه أو كل غرامة تندفع عنهم بسبب الكذب فإنه لا خير لهم في ذلك وأن يعلموا أن الدنيا دار ممر ومتاعها قليل ولكن الأعمال الصالحة أغلى وأنفس فإن تسبيحة أو تكبيرة أو تحميدة خير من الدنيا وما فيها وهذه الحقوق التي تنتهك بسبب الكذب سوف يأخذها أصحابها يوم القيامة من أعمالهم الصالحة.
***(19/2)
السؤال: يقول نحن إخوة وتعلمنا التعليم الجامعي ووالدنا على قيد الحياة ما عدا الأخ الأصغر لنا الذي كان في المرحلة الثانوية وقت وفاة الوالد عليه رحمة الله فهل مصاريف دراسته على حساب ميراثه الشرعي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصاريف دراسة هذا الشاب كمصاريف أكله وشربه ولباسه ونكاحه تكون على ماله سواء كان من مال عنده سابق أو كان من حصته في ميراث والده أما لو فرض أنه ليس عنده شيء وأن والده لم يخلف شيئاً فإن مصاريفه تكون على من تلزمه نفقته من أقاربه.
***(19/2)
السؤال: تقول ماذا نقول للأب الذي لا يتحمل مسئولية البيت وكثيراً ما يقول أنا قد تحملت المسئولية وأنتم صغار وقد جاء الوقت الذي أرتاح فيه انصحونا وأفتونا في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجه النصيحة أولاً إلى الرجل راعي البيت وأقول إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جعل الرجل راعياً في بيته وأخبر أنه مسئولٌ عن رعيته ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بسنٍ دون سن فما دام الرجل قادراً على رعاية بيته فإن الواجب عليه رعايته وهو مسئولٌ عن أهله أما ما يتعلق بالنفقة فيجب عليه الإنفاق إذا كان المنفق عليه من أهل البيت محتاجاً أما إذا كان عنده ما ينفق به على نفسه فإن نفقته على نفسه فإن النفقة دفع حاجة فإذا لم يكن المنفق عليه محتاجاً إليها وكان عنده من المال ما يكفي نفقته فإنه لا يلزم غيره أن ينفق عليه سواءٌ كان أباه أم غيره وأما الأولاد فإن الإنفاق عليهم لدفع الحاجة وعلى هذا فأقول للأولاد إذا كان عندكم مال يمكنكم أن تنفقوا على أنفسكم منه فإنه لا يلزم الوالد أن ينفق عليكم إلا على سبيل التبرع فإذا قال أنا الآن لا أنفق وأنتم قد أغناكم الله فأنفقوا على أنفسكم فله الحق في هذا.
***(19/2)
السؤال: يقول فضيلة الشيخ أنا مغترب ومتزوج وأعمل في محل تجاري وأرسل فلوس إلى والدي حيث يقوم بتصريف الأهل مما يحتاجونه من طعامٍ وشراب وزوجتي موجودة معهم وأنا لا أرسل لزوجتي نقود شخصياًً فهل أنا مقصر تجاه زوجتي أرجو منكم الإفادة
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان والدك يعطي زوجتك ما تحتاج إليه بالمعروف فلست بمقصر لأنك قمت بالواجب وأما إذا كان والدك يشح عليها ولا يعطيها ما تحتاجه فالواجب عليك أن ترسل لها ما تحتاجه لكن إن خفت أن يقع في قلب أبيك شيء إذا أرسلت إليها شيئاً خاصاً فليكن ذلك بخفية وسر لا يعلم به أبوك لأن نفقة الزوجة واجبة وينبغي أن تسأل أنت هل ينبغي أن تغترب عن زوجتك مدةً طويلة مع حاجتها إلى وجودك معها نقول إن طالبت بحقها فليس لك أن تطيل الغيبة عنها وإن لم تطالب فالأمر إليها لو بقيت مثلاً سنةً أو سنتين أو أكثر ما دامت هي لا تطالب بحقها فالحق لها وهذه نقطة يجب على الأزواج أن يلاحظوها وبعض الأزواج نسأل الله العافية ينسى زوجته ولا يهتم وربما ييسر له أن يتزوج في البلد الذي هو فيه فيعرض عن الأولى إعراضاً كلياً نسأل الله العافية
***(19/2)
السؤال: هل يجب على الرجل القادر مادياً أن ينفق على زوجته لتأدية فريضة الحج وإذا لم يفعل فهل يأثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على الزوج ولو كان غنياً نفقة زوجته في الحج إلا إذا كان ذلك مشروطاً عليه في عقد النكاح فيجب الوفاء به وذلك لأن حج المرأة ليس عندنا من الإنفاق عليها حتى نقول إنه كما تجب نفقتها فإنه يجب عليه أن ينفق عليها للحج والزوجة في هذه الحال إذا لم يكن عندها مالٌ تستطيع أن تحج به ليس عليها حج لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العظيم (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وكذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من الاستطاعة ومن ليس عنده مال لا يستطيع فليستقر ذهن أولئك الذين ليس عندهم مالٌ يستطيعون الحج به بأنه ليس عليهم حج كما أن الفقير ليس عليه زكاة ومن المعلوم أن الفقير لا يندم لعدم وجوب الزكاة عليه لأنه يعلم حاله أنه فقير فكذلك ينبغي فيمن لا يستطيع الحج أن لا يندم ولا يتأثر لأنه ليس عليه حجٌ أصلاً ولقد رأيت كثيراً من الناس يتأثر كثيراً إذا لم يقدر على الحج يظن أنه أهمل فرضاً عليه فأقول استقر اطمئن لا فرض عليك أنت ومن أدى الحج سواءٌ عند الله عز وجل لأنك معذورٌ ليس عليك جناح وذاك مفروضٌ عليه أن يحج فقام بالحج نعم من عمل العبادة أفضل ممن لم يعملها وإن كان معذوراً.
***(19/2)
السؤال: يقول إنه متزوج من ابنة عمه وأخبرها قبل سفره بأن لا تذهب إلى أهلها بل تبقى عند أهلي خصوصاً بأن أهلها لا يصلون ويخاف أن يتأثر الأولاد بهم ومع ذلك لم تسمع الكلام هذه الزوجة وذهبت إلى بيت أهلها للبقاء عندهم وعند ذلك منع هذا الزوج عنها النفقة يقول هل علي إثم في ذلك علماً بأنني قلت لها في حالة ذهابك إلى بيت أهلك ليس لك مصروف.
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف لقول الله تبارك وتعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا يحل للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صديقاتها إلا أن يرى شيئاً مكروهاً فإن رأى شيئاً مكروهاً فلا حرج عليه أن يمنعها حتى من زيارة أبويها مثل أن يكون الأبوان عندهم من آلات اللهو وفعل المنكر ما لا يحل أن يشاركه الإنسان فيه أو كانت إذا ذهبت إلى أهلها أفسدوها عليه فرجعت بقلب غير القلب الذي ذهبت به فله أن يمنعها من ذلك كما أن على المرأة أن تطيع زوجها إذا نهاها أن تذهب إلى أحد لأن الزوج بمنزلة السيد لزوجته وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النساء عوان عندنا أي أسيرات وأمرنا أن نتقي الله فيهن
أما الجواب عن السؤال فإن كان ما قاله السائل حقاً أي أن أهل هذه الزوجة ليسوا يصلون وعندهم شيء من المنكرات وأنه نهاها أن تذهب إليهم لهذا السبب فإنه قد منعها بحق ولا يحل لها أن تذهب إلى أهلها وأما إذا كان في الأمر مبالغة فإن الواجب عليه أن يتأمل وينظر ويتحقق
أما بالنسبة للنفقة فإن المرأة إذا عصت زوجها فيما يجب عليها فهي ناشز ليس لها نفقة لاسيما وأن زوجها في هذا السؤال قد قال لها إن ذهبت إلى أهلك فلا نفقة لك.
***(19/2)
السؤال: هل ما ينفقه الإنسان على نفسه وعلى أهل بيته من مباحات وضروريات يكون له أجر في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كل ما أنفقه الإنسان على نفسه وأهله يبتغي به وجه الله فإنه مأجورٌ عليه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (واعلم أنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيَِّّ امرأتك) أي في فمها يعني حتى اللقمة التي تأكلها زوجتك من إنفاقك لك فيها أجر.
***(19/2)
السؤال: تقول امرأة متزوجه ولها أم وليس لهذه الأم عائل فهل يجوز أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه علماً بأنه لو علم هذا الزوج سيغضب غضب شديداً وقد يصل الأمر إلى الطلاق وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تترك والدتها بلا عائل ما هو الجواب في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لهذه الزوجة أن تأخذ من مال زوجها لتنفق على أمها إلا بإذنه ورضاه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) قاله في منى قال (كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل قد بلغت؟ قالوا: نعم) ولكن ينبغي لها أن تشاور زوجها وتستأذنه في أن تنفق على أمها من ماله وزوجها إذا أنفق على أم زوجته من ماله كان محسناً إليها وإلى ابنتها زوجته وكان مثابا على ذلك مع النية الخالصة واحتساب الأجر من الله عز وجل فأشير على الزوج إذا استأذنته زوجته أن تنفق على أمها الفقيرة التي ليس لها عائل أن يوافق على ذلك ابتغاء رضوان الله عز وجل وليعلم أن هذا يزيد في ماله بركةً ونماءً فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما نقصت صدقة من مال) .
***(19/2)
المستمع ع. ع يقول توفي أخي وله ثلاثة أطفال وتزوجت من أمهم رأفةً بهم ورزقت منهم بثلاثة أطفال أيضا وأسكن معهم في منزلهم أي منزل الأيتام وأنا ولي أمرهم وكافلهم الوحيد وأقوم باستلام معاشهم وأضمه إلى معاشي وأحاول أن أدخر جزءً منه ليكون المدخر بيني وبينهم بالتساوي مع العلم أن معاشهم يزيد عن معاشي بثمانمائة ريال يمني كما أني حادٌ في طبعي وأقسو عليهم بقصد التربية التي ترضي الله عز وجل أسئلتي هي كما يلي ما حكم سكني معهم هل هو جائز أم لا وما حكم استلامي لمعاشهم وهل يحق لي أن أضمه لمعاشي لأدخر منه مالاً نقتسمه بالتساوي ثالثاً ما حكم قسوتي عليهم هل أنا على صواب أم على خطأ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نشكرك على التزوج بزوجة أخيك بعد وفاته من أجل رعاية أبنائه لأن هذا بلا شك من صلة الرحم ومن الخير والمعروف وإذا قارنت هذا بما لو تزوجت من زوجٍ آخر لعرفت الفرق العظيم لأنه ربما يضيع أبناء أخيك لو تزوجت بزوجٍ آخر وتحصل مشاكل بينهم وبين ما تنجبه المرأة من أولاد الزوج الجديد فإذا كانوا معك وتحت رعايتك وتربيتك كان ذلك خيراً وأفضل بلا شك وعلى هذا فأبشر بالخير والأجر من الله عز وجل.
وأما سؤالك عن السكنى معهم فنقول إنه لا بأس أن تسكن معهم ولكن عليك من الأجرة بالقسط فإذا كانوا ثلاثة وأنت وزوجتك وأبناؤك الثلاثة صار الجميع ثمانية فتقسم الأجرة على ثمانية أسهم وتؤدي أنت ما يقابل خمسة أسهم يضاف إلى دراهم هؤلاء الأيتام لأنه ليس لك أن تسكن بيتهم بدون أجرة
وأما خلطك مالهم مع مالك فلا بأس به أيضاً إذا كان في ذلك مصلحة لقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لكن عليك أن تجعل من النفقة عليهم بقدر رؤوسهم فإذا أنفقت مثلاً ثمانين ريالاً فعليك من الإنفاق منها خمسون وعليهم ثلاثون وهلم جرا.
وأما القسوة عليهم بتأديبهم فإن كانت القسوة في هذا التأديب أمراً لا بد منه فلا بأس به لأنها من مصلحتهم وإن كان يمكن تلافي هذه القسوة فلا يجوز لك أن تقسو عليهم لأن الرأفة باليتيم والرحمة من أفضل الأعمال بل إنه لا تجوز القسوة مع إمكان تلافيها حتى في تربية غير الأيتام لأن التربية يراد بها الإصلاح لا الانتقام والانتصار للنفس وعلى هذا فنوجه إلى جميع إخواننا الذين يتولون التربية سواء في من تحت أيديهم من الأهل والأولاد أو في من تحت رعايتهم من أبناء المسلمين كالمدرسين مثلاً أن يستعملوا في التربية الأسهل فالأسهل والأقرب إلى حصول المطلوب فالأقرب وأن يعلموا أن الله تعالى يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف وأن العنف قد يكون سبباً للنفور وكراهة الحق الذي يدعو إليه هذا المؤدب وكلما قورن الرفق بالعنف فإن إتباع الرفق أولى إذا لم تفت به المصلحة.
***(19/2)
السؤال: يقول السائل هل يعتبر علاج الرجل لامرأته من النفقة أم أنه ليس بواجب عليه العلاج وإنما النفقة تلزم في المسكن والمأكل والمشرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرجع في هذا إلى العرف لأن الله سبحانه وتعالى قال (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فما جرت العادة به من الدواء أن يكون على الزوج فهو على الزوج وما لم تجر العادة به فليس على الزوج.
***(19/2)
السؤال: إن الناس استغنوا بالسيارات عن الدواب وتركوها هل يأثمون بتركها أم مكلفون بإطعامها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا مكلفين بإطعامها إلا إذا كان الحيوان مملوكا للإنسان فإنه يجبر إما على إطعامه أو بيعه أو ذبحه أو تأجيره المهم إذا كان مسؤولاً عنه وجب عليه قوته وإلا فليس عليه شيء في ذلك بناءً على هذا الكلام لو فُرض أن إنساناً أراد أن يسيّب هذه البهيمة التي استغنى عنها فإنه لا حرج عليه في ذلك لأن حديث جابر رضي الله عنه في جمله الذي أعيا (فأردت أن أسيبه) فدل هذا على جواز تسييب الحيوان إذا لم يكن فيه مصلحة ومنفعة يتركه يرعى حتى يقضي الله عليه ما يقضي وكذلك أيضاً صاحبة الهرة التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام (عذبت امرأة في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من فتات الأرض) دل هذا على أنها لو أرسلتها تأكل من فتات الأرض برأت من عهدتها وهكذا أيضاً هذه الحيوانات لو استغنى الناس عنها وسيبوها في البراري ترعى وتأكل لم يكن عليهم في ذلك بأس إلا إذا أرسلوها في مواطن تضر الناس لو جعلوها بين المزارع بحيث تؤذي المسلمين فهذا لا يجوز لهم.
يافضيلة الشيخ: في الطرقات الآن يتعرض المسافرون إلى هذه الحيوانات وتحدث حوادث رهيبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح ما قلت وعلى هذا فإن أرادوا أن يسيبوها لا يكون حول هذه الطرق.
يافضيلة الشيخ: لكن أليس من الأفضل القضاء على هذه الحيوانات قبل تسيبها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما أدري مادام أنها تقدر أن تعيش نعم لو وصلت إلى حالة لاتعيش فيها وهو لا يمكن أن ينتفع بها في المستقبل فحينئذ نقول بجواز إتلافها لأن بقائها معذبة بدون إنفاق عليها تعذيب لها والإنفاق عليها بدون جدوى لا حاضراً ولا مستقبلا إضاعة للمال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وذبحها هنا لإراحتها لا حرج فيه فيما أعلم.
***(19/2)
الحضانة(19/2)
السائلة أم محمد تقول إنها امرأة مطلقة منذ تسع سنوات ولديها أولاد ومن تلك الفترة لم تر أو تسمع أي شيء عن أولادها حيث إن الأب يمنعهم من زيارة أمهم تقول هل أكون بذلك آثمة وهل يلحقني ذنب حيث إنني لم أحاول أن أكلمهم بسبب أن والد هؤلاء الأطفال يمنعني من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أخاطب أولاً الأب وأقول إنه لا يحل له أن يمنع أولاده من زيارة أمهم إذا كان له أن يمنعها من زيارتهم أي أن تزورهم هي في بيته فالبيت بيته لكن ليس له الحق في أن يمنع أولادها أن يزوروها في بيتها وأخشى أن يعاقب هذا الرجل الذي حال بين الأم وأولادها بأن يحول الله تعالى بينه وبين أحبته إما في الدنيا وإما في الآخرة وماذا يضره إذا زار هؤلاء الأولاد أمهم في الأسبوع يوما أو يومين لا يضر أما بالنسبة للأم فعليها أن تصبر وتحتسب الأجر وتسأل الله عز وجل أن يسخر زوجها للسماح لهم بزيارتها.
***(19/2)
_____ الجنايات _____(/)
كتاب الجنايات - كتاب الديات(20/1)
يقول إذا ارتكب الإنسان جريمة عليها حد شرعي أو قصاص وهرب واختفى حتى ماتت القضية ولم يعد البحث عنه قائما وقد تاب إلى الله وندم على ما فعل فهل يكفيه هذا أم لابد من تسليم نفسه لإقامة الحد عليه أو لأخذ القصاص منه وإن لم يفعل ذلك فما الحكم وهل هناك فرق فيما إذا كان معتدياً أو مدافعاً عن نفسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان الفاعل لجريمة لا يخلو من حالين إحداهما أن تكون جريمته متعلقة بحق العباد فهذه لابد من إيصال حق العباد إليهم مهما كان الأمر كالقصاص الوارد في سؤاله فالإنسان مثلاً إذا جنى على شخص فقطع عضواً منه أو قتله فإنه يجب عليه أن يسلم نفسه إلى ولي هذا القصاص سواء أكان المجني عليه باقياً وذلك في قطع العضو أو أوليائه إذا كان قد مات أما إذا كان الأمر وهو الحال الثانية يتعلق بحق الله عز وجل فإنه إذا تاب فيما بينه وبين ربه قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولم يجب على ولي الأمر إقامته إذا علم أنه صلح ورجع إلى الله عز وجل وتاب عليه لقوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
***(20/2)
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع محمود علي محمد من نيجريا يقول أنا أعمل سائقاً بسيارة وذات يومٍ اصطدمت بثلاثة أشخاص غير مسلمين ولكني أخفيت نفسي إلى أن تقدم شخص عني وأنهى القضية بالسماح دون دفع غرامةٍ أو دية فهل علي شيء في هذا وهل تلزمني كفارة صيامٍ أم لا وإذا كانت تلزم فهل أصوم عن كل واحدٍ منهم ستين يوماً متتابعة أم أصوم عن الجميع كفارةً واحدةً وتكفي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هؤلاء القوم الذين من غير المسلمين بينك وبينهم ميثاق وعهد فإن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فهؤلاء يجب عليك في قتلهم كفارة على ما قاله أهل العلم والكفارة عتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين ويلزمك عن كل واحدٍ كفارة وعلى هذا فتصوم ستة أشهر كل شهرين منها متتابعان ولا يلزم أن تتابع الستة كلها يجوز أن تصوم شهرين متتابعين ثم تستريح إذا احتجت إلى الراحة ثم تستأنف لشهرين آخرين ثم تستريح ثم تستأنف لشهرين آخرين أما إذا كانوا حربيين غير معصومين فإنه ليس عليك في قتلهم كفارة.(20/2)
فضيلة الشيخ: لكن مثل هؤلاء الأجانب الذين يقيمون هل يعتبرون من أهل الميثاق أو من أهل العهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر إنهم يعتبرون من أهل الميثاق والعهد لأن هناك عهوداً عامة بين الدول وعهوداً خاصة والذي أظن أن إقامة السفارة في بلد معناه العهد والميثاق فإذا كان هناك سفارات في بلادنا فهو دليل على أن بيننا وبينهم عهداً.
***(20/2)
من الأحساء المستمعة أم عماد بعثت برسالة تقول فيها يا فضيلة الشيخ منذ مدةٍ طويلة وأنا أعيش في قلقٍ نفسي وتأنيب ضمير نتيجة حادثة وقعت لي عندما كانت طفلتي في الخامسة من الشهور فقد كنت نائمة وأفقت على صراخها وبدلاً من أن آخذها قمت بضربها ولكن دون أن أذكر اسم الله عليها فسكتت الطفلة فظننتها قد نامت عندما استيقظت في الصباح وجدتها لا تتحرك ولا تتكلم وجميع الأعضاء متشنجة ولا تزال على هذه الحالة حتى الآن وهي في سبع سنوات من عمرها ومع إيماني بقضاء الله وقدره إلا أنني لا استبعد أن أكون أنا السبب فيما حدث لها وهذا ما يعذبني يا فضيلة الشيخ فهل أنا آثمة وهل علي كفارة نرجو نصيحتكم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن هذا العمل عملٌ خاطئ وليس من التربية الحسنة فإن الطفل إذا صاح ينبغي أن يهدأ باللطف واللين والرقة ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله والراحمون يرحمهم الرحمن والقساة القلب والعياذ بالله من أبعد الناس عن الرحمة والواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وعليها دية عن كل ما فقدته هذه البنت من الحواس كالحركة مثلاً والسمع إذا كان قد فقد سمعها وغير ذلك من الدية على حسبما ذكره أهل العلم وأسأل الله لنا ولها المغفرة والعفو.
***(20/2)
المستمعة عائشة عبد القادر من الأردن عمان تقول هل يخلد القاتل في النار وما الحكم فيمن قتل نفسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القاتل للمؤمن عمداً قال الله فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) فذكر الله له خمس عقوبات جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً وأما من قتل نفسه فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه يعذب في جهنم بما قتل به نفسه خالداً فيها مخلداً) نسأل الله العافية وعلى هذا فيجب الحذر من قتل الإنسان نفسه وقتله غيره من المؤمنين فإن في ذلك هذا الوعيد الشديد الذي سمعته السائلة وليعلم أن من الشر والبلاء ما يفعله بعض الناس إذا ضاقت عليه الأمور في الدنيا ذهب يقتل نفسه يظن أنه ينجو بذلك من هذا الضيق وما علم المسكين أنه ينتقل من ضيق إلى ضيق أعظم فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار فهو إذا قتل نفسه عمداً أعد الله له هذه العقوبة العظيمة بأن يعذب بما قتل به نفسه في جهنم خالداً فيها مخلدا وهذا القتل لا ينجيه أبداً مما وقع فيه من الشدة بل ينتقل من شدة إلى أشد ومن عذاب إلى أعظم نسأل الله العافية والسلامة.
***(20/2)
سائلة تقول كانت حاملاً في شهر ونصف فعملت على إسقاط الحمل عمداً جهلاً بحكم ذلك وبعد أن علمت أن هذا لا يجوز ندمت جداً فهل عليها في ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادامت أنها تابت إلى الله تعالى مما صنعت فإن التوبة تهدم ما قبلها وقد قال الله سبحانه وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فمن تاب إلى الله سبحانه وتعالى توبةً نصوحا غفر الله له ذنبه الذي كان منه.
***(20/2)
سؤال من السائل محمد عقاب زيدان من العراق يقول والدتي لها ولدٌ واحد ولها أربع بنات أنجبت توأم بنات في إحدى المرات وابنتين أخريين فغضبت لكثرة البنات ولم تنجب ولداً فأرضعت واحدةً وتركت الأخرى سبعة أيام دون إرضاع فأرضعتها مرةً واحدً خلال هذه الأيام السبعة فتوفيت تلك البنت فهل تعتبر هي المتسببة في ذلك وماذا عليها أن تفعله الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا الذي فعلته يعتبر إثماً عليها وتسخطاً من قضاء الله وقدره وهي آثمةٌ بذلك وما يدريها فلعل الصلاح يكون في البنات ولعل البر في الحياة يكون في البنات ولعل الخير والأجر يكون في البنات وربما لا ينفع الميت بعد موته إلا بناته وهذا خطأٌ منها وإثم وتعتبر هي القاتلة لها وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن امرأةً دخلت النار في هرةٍ حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض) فكيف بمن حبست هذه الطفلة والعياذ بالله لا هي أرضعتها ولا هي دفعتها لمن يرضعها فهي بذلك آثمة إثماً عظيماً نسأل الله العافية فعليها أن تتوب إلى الله وأن تندم على ما وقع منها من هذا العمل المحرم الذي فيه اعتداءٌ على حرمة آدميٍ والله المستعان.
***(20/2)
أحسن الله إليكم أم سهيل من الأردن أرسلت بهذا السؤال تقول كانت حامل في الشهر الثاني أو أقل وأسقطت الحمل عمداً كرهاً في الحمل تقول ولكنها ندمت ندماً شديداً على عملها وتابت إلى الله تقول عسى ربي أن يغفر لي خطيئتي وبعد ذلك أنجبت أولاداً هل في هذا كفارة وما المطلوب منها الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها كفارة لأن هذا لم يخلق ولم تنفخ فيه الروح فليس عليها كفارة لكن يؤسفني أنها أجهضت الحمل عن الجنين كراهة للحمل لماذا تكره الحمل أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قال (تزوجوا الودود الولود) وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام يرغب في كثرة الأولاد وهو كذلك فالأمة إذا كثرت ازدادت قوة وهيبة بين الأمم واكتفاء بذاتها عن غيرها فلماذا نفر من كثرة الأولاد لولا الجهل ما كنا نذهب المذاهب الشتى من أجل تقليل الحمل.
***(20/2)
رجل سار بسيارته بسرعة كبيرة ثم حصل له حادث فمات هل يعتبر قاتل لنفسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن كل من تسبب في قتل نفسه فإنه يعتبر قاتل لنفسه وكذلك من باشر قتل نفسه فإنه قاتل لنفسه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن من قتل نفسه فإنه يعذب في جهنم بما قتل به نفسه من قتلها بسم فإنه يعذب بسم يتحساه في جهنم وإن قتل نفسه بحديدة عذب بها في جهنم) وكل وسيلة يقتل بها نفسه فإنه يعذب بها في جهنم والعياذ بالله وكذلك من كان سبباً في قتل نفسه بأن لم يتعمد القتل لكن فعل ما هو سبب في القتل فإنه يعتبر قاتلا لنفسه لأنه متسبب ولكنه ليس كالمباشر في الإثم والذي يسرع سرعةً تكون سبباً للحادث هو في الحقيقة متسبب لنفسه بالهلاك وآثم وقد قال الله عز وجل (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فلا يحل للمرء أن يسرع سرعةً تكون سبباً للحادث ولا أن يحمل السيارة فوق طاقتها تحميلاً يكون سبباً للحادث ولا أن يعطيها السرعة على وجه يسبب الحادث المهم أنه لا يجوز للإنسان أن يتسبب في قتل نفسه بأي سبب كان ومن العجب أن من الناس من يتعجل هذه العجلة المذمومة المحرمة مع أنه لو هدأ السرعة على وجه لا خطر فيه لم يكن هناك فرق بين زمن وصوله بالسرعة الخطرة ووصوله بالسرعة المعتادة إلا نحو عشرة في المائة ولكن الإنسان عدو نفسه يظن أنه بالسرعة يسلم ولكنه يقع في الخطأ وقد بلغني أن رجلاً من الناس كان كبيراً في قومه فركب سيارته ذات يوم فقال لقائد السيارة أو لسائقها لا تسرع فإنه قد بقي على الموعد ربع ساعة فتعجب السائق كيف يقول لا تسرع فقد بقي ربع ساعة وكان المتوقع أن يقول أسرع فقد بقي ربع ساعة فسأله قال لِمَ قلت لي لا تسرع فقد بقي ربع ساعة؟ فقال: لأنك لو أسرعت لكان سبباً لحصول حادث نبقى فيه ساعات طوال ولكن إذا لم تسرع فإننا نصل في الموعد المحدد فهذا هو العقل أن يقدر الإنسان للأمور مقاديرها وأن يأخذ الاحتياط حتى لا يقع فيما يكرهه ولا يرضيه.
***(20/2)
يسأل عن الإضراب عن الطعام يقول كثيراً ما نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف أناساً يضربون عن الطعام احتجاجاً على بعض الأحكام وهؤلاء غالباً ما يكونون من المسجونين فما حكم من توفي وهو مضرب عن الطعام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من توفي وهو مضرب عن الطعام أنه قاتل نفسه وفاعل ما نهي عنه فإن الله سبحانه وتعالي يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ومن المعلوم أن من امتنع عن الطعام والشراب لا بد أن يموت وعلى هذا فيكون قاتلاً لنفسه ولا يحل لإنسان أن يضرب عن الطعام والشراب لمدة يموت فيها أما إذا أضرب عن ذلك لمدة لا يموت فيها وكان هذا السبب الوحيد لخلاص نفسه من الظلم أو لاسترداد حقه فإنه لا بأس به إذا كان في بلد يكون فيه هذا العمل للتخلص من الظلم أو لحصول حقه فإنه لا بأس به أما أن يصل إلى حد الموت فهذا لا يجوز بكل حال.
***(20/2)
يقول السائل السائق الذي يسير بسرعة كبيرة ثم حدث له حادث أدى به إلى الموت ومن معه هل يأثم بموت هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لاشك أنه يأثم بذلك لكن هل يأثم إثم المتعمد الذي تعمد القتل وقال الله تعالى فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) أو يأُثم إثماً دون ذلك. الجواب أنه يأثم أثماً دون ذلك لأن هذا الرجل لم يقصد بسرعته أن يقتل نفسه ومن معه وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يتأنى في سيره ويتمهل فيه وإذا قُدِّر أنه يقطع المسافة في ساعتين مثلاً فليقطعها في ساعتين ونصف وليسلم نفسه ومن معه من الهلاك ولا سيما إذا كانت الخطوط وعرة أو كان في الخطوط مقاطع كثيرة فإن الواجب عليه أن يتأنى تأنيا تحصل به السلامة.
***(20/2)
رسالة بعثت بها سائلة من المنطقة الجنوبية تذكر بأنها امرأة تبلغ من العمر السادسة والعشرين وقد حصل حريق لأختي بعد أن أوقدت النار وقد جاءتني الطفلة للمرة الأولى وقد منعتها من الاقتراب من النار أكثر من أربع مرات حيث إنني أوقد بالبترول وذلك لأنني في موسم أمطار وجاءتني بطريقة مفاجئه من خلفي عند وقودي للنار بعد أن منعتها أربع مرات واشتعلت النار بي وبالطفلة جميعاً مما تسبب في إصابتي ببعض الجروح الخفيفة أما الطفلة فقد لحقت بها النار وعلى ملابسها الشفافة مما أدى إلى وفاتها ونهاية حياتها وهي تبلغ من العمر سبع سنوات فإنني أخشى أن يكون علي ذنب من هذه الطفلة سواء كان ذلك كبيراً أم صغيراً والله يحفظكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على هذه المرأة ذنب فيما حصل من احتراق أختها بل أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون لها ثواب على صبرها في هذه المصيبة وأسأل الله تعالى أن يجعلها رفعة في درجاتها إن الأخت لا شك أنها لا تريد هذا إطلاقاً وأنها لو استطاعت أن تمنع النار عنها حين اشتعالها لمنعت وليست هي التي جاءت بها لتحترق فهي غير مفرطة ولا معتدية ولكن نسأل الله تعالى أن يجبرها بأختها وأن يثيبها على صبرها وليس عليها شيء لا ذنب ولا دية ولا كفارة.
***(20/2)
المرسل الحائر من المنطقة الشرقية في الاحساء ع ع ج م بعث بهذه الرسالة يقول فيها شاء القدر على إنسان وعمل حادث فصدم رجلاً كبير السن وذلك بالسيارة فمكث في المستشفى عدة أيام وبعدها فارق الحياة تغمده الله بواسع رحمته ولم يكن ذلك مقصوداً من الشخص إلا أن القدر شاء ذلك فما الحكم في ذلك هل يُكفر عن ذلك بكفارة أم ماذا يفعل جزاكم الله عني وعن المسلمين خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال في مقامين:
المقام الأول التعبير بكلمة شاء القدر فإن القدر تقدير الله تبارك وتعالى وهو من صفاته وصفات الله تعالى لا ينسب إليها شيء من صفات الربوبية كالمشيئة والتدبير وما أشبهها فلا يصح أن يقال دبر القضاء أو دبر القدر على فلان كذا وكذا لأن المدبر هو الله والذي يشاء هو الله والقدر تقدير الله فإذا كانت صفات الله تعالى لا تستحق أو لا يجوز أن تُعبد فلا يقول الإنسان سأعبد عزة الله أو سأعبد قدرة الله فإنه كذلك ليس لها شيء من الربوبية كالتدبير وما أشبه ذلك فالذي ينبغي بل الذي يجب أن يضيف الإنسان المشيئة إلى الله سبحانه وتعالى كما أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه كما أضافها إليه أيضاً نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله للرجل (بل ما شاء الله وحده) والآيات في هذا كثيرة معلومة.
المقام الثاني: الجواب عن هذا الحادث ونحن لا نستطيع أن نعطي حكماً محدداً على هذه الصورة المعينة إذ أنها تحتاج إلى تفصيل ومشافهة ولكننا نقول بصفة عامة إذا حصل الحادث فإما أن يكون بتفريط من قائد السيارة أو بتعدٍ منه والتفريط ترك ما يجب مثل أن يدع الإنسان تفقد السيارة في حال يُحتمل أن يكون فيها خلل فيدع تفقدها ثم يحصل الحادث من جراء هذا التفريط فيكون في ذلك ضامناً لأنه ترك ما يجب عليه أو بتعدٍ منه والتعدي فعل ما لا يجوز مثل أن يسير في خط معاكس للسير أو يقطع الإشارة أو يسرع سرعةً تُمنَع في مثل هذا المكان وما أشبه هذا المهم أن القاعدة هو أنه إذا كان الإنسان الذي حصل منه الحادث متعدياً بفعل ما لا يجوز أو مفرطاً بترك ما يجب فإنه يجب عليه لهذا الحادث شيئان إذا تلفت منه نفس الشيء:
الأول الكفارة وهي حق لله تعالى وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا بعذر حسي أو شرعي.
والأمر الثاني: مما يجب عليه الدية لكن الدية تتحملها عنه عاقلته وهذه حق لأولياء المقتول وهم ورثته إن عفوا عنها سقطت أما الكفارة فإنها حقٌ لله ولابد منها حتى لو عفا أولياء المقتول عن الدية فإن الكفارة لا تسقط لأن الكفارة حق لله والدية حق للآدميين ولا يلزم من سقوط أحد الحقين سقوط الآخر كما أن هذا لو كان لا يجد الرقبة ولا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإن الكفارة تسقط عنه وإن كانت الدية تجب لأولياء المقتول مثال الشيء الذي يكون بغير تعد منه ولا تفريط مثل أن ينكسر الذراع أو أن يضرب الكفر مع تفقده له قبل أن يمشي أو يأتي إنسان يكون هو الذي قابل السيارة على وجه لا يتمكن القائد من إيقاف السيارة يعني لو جاءك أو رمى نفسه بالشارع والسيارة قد أقبلت والقائد لا يتمكن من إيقاف السيارة فإن هذا الذي رمى بنفسه هو الذي أهلك نفسه فليس على هذا السائق شيء وكذلك أيضاً لو فُرض أن الإنسان القائد قابله سيارة فرأى أن خير وسيلة ينجو بها من هذا الذي قابله أن يخرج عن الخط يميناً أو شمالاً ففعل وتصرف ثم إنه في تصرفه هذا حصل انقلاب السيارة ومات أحد معه فإنه في هذه الحالة لا يضمنه لا بدية ولا بكفارة لأنه في هذه الحال محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فبهذا يتبين أنه إذا كان الحادث نتيجة لتصرف مأمور به من قبل القائد يرى أنه أحسن من عدمه فإنه ليس عليه هنا ضمان لا بكفارة ولا بدية لأن الله يقول (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ولأنه تصرف تصرفاً مأموراً به ومأذوناً له به شرعاً وقد قال أهل العلم من قواعدهم المقررة ما ترتب على المأذون فليس بمضمون وكذلك من الأشياء التي لا ضمان فيها لو كان القائد يسير فواجهه شيء في الخط بهيمة أو سيارة واقفة بدون إشارات أو ما أشبه ذلك ثم إنه لم يعلم حتى وصل إلى حد لا يتمكن به من إيقاف السيارة فانحرف ثم حصل الحادث من انحرافه الذي يرى أنه أقرب إلى النجاة فإنه في هذه الحال ليس عليه ضمان لا بدية ولا بكفارة وهذه المسائل في الحقيقة دقيقة تحتاج إلى تحقيق المناط وإلى معرفة الشيء معرفة تامة ولا ينبغي للإنسان أن يتسرع فيُلزم الناس ما لا يلزمهم من دية أو كفارة بل إنه ينبغي له أن يعلم أن الأصل السلامة والعصمة كما أن الأصل أيضاً الضمان لما تلف فهذان الأصلان متعارضان وينبغي لطالب العلم أن يسلك ما يراه أقوى من هذين الأصلىن وأن يتقي الله سبحانه وتعالى فلا يُلزم عباد الله بما لا يلزمهم ولا يسقط عن عباد الله بما يجب عليهم والله أعلم.(20/2)
فضيلة الشيخ: قلتم بعذر حسي أو شرعي حبذا لو وضحتم ذلك للمستمع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني قلنا إن الذي يتسبب في القتل يلزمه صيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا لعذر حسي أو شرعي العذر الحسي كالمرض يمرض الإنسان فلا يستطيع مواصلة الصوم والعذر الشرعي كالحيض والسفر والحيض لأنه قد تكون الجانية امرأة مثل ما لو يكون طفلها إلى جنبها وهي نائمة فتنقلب عليه ويموت فعليها كفارته فهذه يلزمها صيام شهرين متتابعين فإذا أتاها الحيض فإن هذا الحيض لا يقطع التتابع لأنه عذر شرعي إذ أنه حساً يمكنها أن تصوم لكن شرعاً لا يمكنها أن تصوم وكذلك السفر فإنه يبيح الفطر وهو عذر شرعي لأن المسافر يتمكن من الصيام وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أقول إنه إذا كان الحادث سبباً في موت أكثر من واحد فإنه يجب على هذا الذي ألزمناه بالكفارة بعدد الأنفس فإذا مات معه اثنان وجب عليه صيام أربعة أشهر لكن لا يلزم أن تكون هذه الأشهر الأربعة كلها متوالية بل شهران متواليان والشهران الآخران متواليان لو فصل بين الشهرين والشهرين بأيام فلا يضر لأن كل كفارة مستقلة عن الأخرى وإذا كان سبباً في موت ثلاثة وجب عليه صيام ستة وهكذا.(20/2)
فضيلة الشيخ: لكن هذا أليس فيه حرج على المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فيه حرج لكن هو الذي تسبب بإحراج نفسه هو الذي قتل (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) مؤمناً واحداً فكما أن الدية تتعدد فكذلك الكفارة تتعدد، وأقول إن هذا من حكمة الإسلام أن يكون حماية للنفوس حتى لا يتسرع الإنسان في القتل وحتى يحسب حسابه وإلا فقد يقول قائل عند الخطأ (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقد يشتبه على بعض الناس كيف وجبت الكفارة مع الخطأ قد يقال تجب مع الخطأ لأنه حق آدمي لا يفرق فيه بين العمد والخطأ لكن الكفارة حق لله وحق الله مبني على المسامحة فلماذا وجبت الكفارة مع كون القتل خطأً نقول هذا لأجل المبالغة في حماية النفوس وعدم التسرع.
***(20/2)
سائلة تقول رجل مسلم كان يقود سيارته في أحد الشوارع ولسبب ما فقد السيطرة على السيارة فارتطمت برصيف الشارع وكان يمشي عليه رجل فأصابته السيارة إصابة بالغة نقل على إثرها إلى المستشفى وبعد عدة أيام توفي متأثراً بإصابته تلك وقد تبين أنه كوري في إحدى الكنائس المسيحية وهذا السائق لاذ بالفرار فماذا عليه في هذه الحال وأمثالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الحال يكون هذا الذي انحرفت منه السيارة قاتلاً لهذا الذي على الرصيف أو في الشارع اللهم إلا أن يكون هذا الذي في الشارع هو الذي تسبب لقتل نفسه بحيث وقف في طرق السيارات ولم يكن في مكان يتبين لقائد السيارة قبل الوصول إليه مثل لو أن إنساناً يسير في خط مستقيم وعليه شوارع نافذة فخرج أحد من هذه الشوارع وصدم السيارة التي لا يملك صاحبها أن يسيطر عليها وهو قد مشى في هذا الشارع المشي المعتاد ففي هذه الحال لا يكون عليه شيء لأن التفريط من الذي سار أمام السيارة أما إذا كان على الرصيف كما في هذا السؤال فإنه لا شك أنه لا جناية منه أي لا جناية من هذا الذي صُدِّم لأنه يسير في المكان المقرر له وعلى هذا الرجل أن يسلم الدية إلى أهله ولكن الدية في هذه الحال تكون على عاقلة القاتل لأن قتل الخطأ تكون فيه الدية على العاقلة كما جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(20/2)
فضيلة الشيخ: فرق الديانة لا يؤثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر فرق الديانة لأن هذا الرجل معصوم الدم أما لو كان غير معصوم لو كان حربياً لكان هدراً وإذا كان معصوماً فإن له ديته له ديته والدية معلومة عند أهل العلم.(20/2)
فضيلة الشيخ: إذن هذا السائق الهارب عليه أن يسلم نفسه ويدفع الدية إلى هذا المقتول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كما أن عليه أيضاً أن يصوم شهرين متتابعين لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) .
***(20/2)
أيضاً يقول إذا وقع حادثٌ لا قدر الله ذلك وكان أحد المصابين قد مات نتيجة الحادث وكان السائق القاتل لا يقصد ذلك فهل يحاسب هذا السائق أمام ربه يوم القيامة مع العلم بأنه قتل روح جعلكم الله من عباده الراشدين أفيدونا جزاكم الله خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة من المسائل الهامة التي ابُتلي الناس بها بسبب التهور في قيادة السيارات والسرعة وعدم المبالاة بمخالفة الأنظمة التي تقيد الناس والضابط فيها أنه إذا كان من السائق تعدٍ أو تفريط فإن عليه ضمان ما تلف بسبب الحادث وكفارته إن كان فيه كفارة والتعدي أن يفعل ما لا يجوز والتفريط أن يترك ما يجب فلو فُرض أن هذا القائد الذي يقود السيارة يعلم أن فيها خللاً ولكن تهاون في إصلاحه ثم حصل الحادث نتيجة لهذا الخلل فإن عليه الضمان وذلك لأنه فرط في تلافي هذا الخطر كذلك أيضاً لو أن هذا القائد اعتدى بأن سقط أو اتجه إلى المسار الذي لا يسمح له النظام في السير فيه ثم حصل الحادث من جراء هذه المخالفة فإن عليه الضمان لأنه كان معتدياً أما إذا كان الحادث نتيجةً لتصرفٍ مأذونٍ فيه شرعاً فإن ذلك لا ضمان فيه مثل أن يكون القائد انحرف ليتفادي خطراً يعتقد أن هذا الانحراف أقرب إلى السلامة من البقاء في مساره فإنه في هذه الحال لا ضمان عليه فيما تلف من هذه السيارة في هذا الحادث أعني أنه لا يضمن الركاب الذين فيها أو الأموال التي تلفت فيها لأنه تصرف للمصلحة فهو محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) لكن في هذه الحال لو أنه بانحرافه هذه انقلب على شيء فأتلفه أتلف هذا الشيء الذي انقلب عليه فإنه يضمنه يضمن ما تلف بسبب هذا الانقلاب لأن تصرفه هذا ليس من مصلحة ما انقلب عليه فيكون ضامناً له ويتضح ذلك أكثر بالمثال هذا الرجل لما انحرف تفادياً للخطر وسلوكاً لما يراه أسلم ثم انقلب فكان تحت السيارة إنسانٌ يمشي في الشارع فمات وفي السيارة إنسان في انقلاب السيارة أيضاً مات الذي كان في السيارة هذا الرجل لا يضمن لأن السائق أو القائد إنما تصرف لمصلحته فهو محسن وما على المحسنين من سبيل وأما الرجل الذي في الشارع الذي انقلبت عليه هذه السيارة فإن صاحب السيارة يضمنه لأنه تلف نتيجةً لفعله الذي لا مصلحة لهذا التالف فيه.
***(20/2)
بارك الله فيكم السائل يقول القاتل عمدا أو خطأ إذا دفع الدية وقبل الأولياء هل تبرأ ذمته من الدم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تبرأ ذمته من الدم في الحياة الدنيا لا شك في ذلك لأنه أدى ما عليه أما بالنسبة للمقتول فإن تاب توبة نصوحا خالصة فأرجو من الله تعالى أن الله تعالى يتحمل عنه بالنسبة للمقتول ويعطي المقتول جزاء ما فاته من الدنيا لعموم قول الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فذكر في هذه الذنوب العظائم ذكر فيها قتل النفس وظاهر الآيات العموم وأن الله تعالى يكفر عنه بتوبته الصادقة فيتحمل عنه تبارك وتعالى ما وجب للمقتول من الحق وقال بعض العلماء بل إن حق المقتول يكون باقيا فيؤخذ من حسنات القاتل لكنه قول مرجوح لأنه مخالف لظاهر الآية وإذا كان المستدين إذا استدان شيئا يريد الأداء أدى الله عنه أي يسر له الأداء في الدنيا أو أداه عنه في الآخرة فهذا مثله إذا تاب الله عليه.
***(20/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع س. س. الزهراني المملكة العربية السعودية يقول إنه في يومٍ من الأيام وقع حادثٌ علي وهو انقلاب بسيارتي وقد توفي والدي أثناء الحادث وقد أفادني أحد الإخوان أنه يجب علي أن أصوم أو أعتق رقبة هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حدث الحادث بالسيارة فإنه يجب أن ينظر في سبب هذا الحادث فإذا كان سبب الحادث من السائق إما بتعدٍّ وإما بتفريط فإنه يجب أن يضمن ما تلف بسبب هذا الحادث وعليه الكفارة إن مات به أحد مثال التعدي أن يحمل السيارة أكثر مما تتحمله أو أن يحرفها وهي مسرعة أو أن يسرع سرعةً كبيرة تكون سبباً للحادث ومثال التفريط أن يتهاون في ملاحظة السيارة مثل أن يعلم بخللٍ فيها ولكن يتهاون يقول نصبر وصلنا البلد وصلنا المحطة وما أشبه ذلك أو يعرف أن في عجلات السيارة خللاً ولكن يتهاون يقول المدى قريب أو البلد قريب أو المحطة قريبة حتى ينفجر إطار السيارة فهنا يكون عليه ضمان ما تلف من نفسٍ أو مال وتكون عليه الكفارة أما إذا كان الحادث بلا تعدٍ ولا تفريط فلا شيء عليه لا ضمان ولا كفارة مثل أن يكون انفجار العجلة بقضاء الله وقدره بدون سببٍ منه ومثل أن يتفادى ضرراً يخشى منه ويكون حين التفادي انقلبت السيارة فإنه لا شيء عليه مثاله أن يقابله شخص على خط سيره فينحرف بالسيارة لئلا يصطدم به ثم يحصل عند انحرفها انقلاب فإن هذا لا شيء عليه أما الأول الذي حصل الحادث بسببه وهو انفجار عجلة السيارة مع الاحتياط فهذا لأنه لم يتسبب في هذا الحادث وأما الثاني فلأنه محسن وصحيحٌ أنه هو الذي انحرف بالسيارة لكنه انحرف بها معتقداً أن هذا هو طريق السلامة وأنه أسلم مما لو بقي في خط سيره فيكون بهذا العمل محسناً وقد قال الله (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ومثل ذلك لو كان يمشي في الخط فإذا به أمام حفرة أو حجرٍ كبير إن استمر في سيره سقط فيه واصطدم بهذا الحجر الكبير وإن انحرف كان أسلم له فانحرف وفي انحرافه حصل انقلاب فإنه ليس عليه شيء في ذلك لأنه تفادى خطراً يرى أنه أعظم فيكون بذلك محسناً وما على المحسنين من سبيل والمهم أنه يجب التحقق في سبب الحادث فإذا كان بتفريطٍ من السائق أو بتعدٍ منه فإنه يجب عليه الضمان والكفارة وإن لم يكن بتعدٍ منه ولا تفريط أو كان بإحسان لتفادي الضرر فليس عليه شيء لا ضمانٌ ولا كفارة وأما قوله في السؤال أعلي صيام أو عتق رقبة فظاهر كلامه أنه يعتقد بأن الصوم والعتق سواء وليس كذلك فإن الواجب في كفارة القتل أن يعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين وليس فيه إطعام بل إن كان يستطيع أن يصوم صام وإن كان لا يستطيع فليس عليه شيء لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) ولم يذكر الله شيئاً ثالثاً في هذه الكفارة بخلاف كفارة الظهار فإن الله تعالى ذكر فيها ثلاثة أشياء العتق فمن لم يجد فصيام فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وأما كفارة القتل فليس فيها إطعام بل إما أن يصوم إن كان لا يستطيع عتق رقبة أو لا شيء عليه إن كان لا يستطيع الصوم.(20/2)
فضيلة الشيخ يذكر أن المتوفى معه كان والده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا فرق بين الوالد وغير الوالد كلها نفسٌ مؤمنة فلا فرق(20/2)
فضيلة الشيخ: والأولاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ولا فرق كذلك بين الأولاد وغيرهم ولا فرق أيضاً في وجوب الكفارة بين المسلم وغير المسلم إلا إذا كان حربياً يعني بينه وبين المسلمين حرب فهذا ليس له كفارة لأن الحربي يجوز قتله عمداً يعني هو محاربٌ لك وهو لو قدر عليك لقتلك وأما من بينك وبينه عهد سواءٌ كان هذا العهد خاصاً أو عاماً فإنه يجب في قتله الكفارة لقوله تعالى (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) .
***(20/2)
هذا السائل يقول بإنني جئت من العمل فوجدت زوجتي قد عملت شيئاً خطأ وسألتها عن ذلك فردت علي رداً غير لائق مما دعاني للاستفزاز فضربتها وكانت حاملا بجنين عمره أربع شهور فحدث عندها نزيف فذهبت بها إلى الدكتور ولكن الجنين قد سقط فهل علي ذنب في ذلك وما الكفارة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان سقوط الجنين من أجل ضربك إياها فإنه يلزمك ديته غُرَّة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل وتلزمك الكفارة أيضا لأنك قتلت نفسا أما إذا كان الجنين دون أربعة أشهر فإنه لا تلزمك كفارة لأن هذا الجنين لم يكن سقوطه قتلاً ثم أني أنصحك وإخواننا السامعين بلزوم الهدوء وأن تملك نفسك عند الغضب فإن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) أي ليس الشديد القوي هو الذي يصارع الناس ويصرعهم وإنما الشديد القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب فاملك نفسك عند الغضب يكن ذلك خيرا لك قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل طلب منه أن يوصيه قال يا رسول الله أوصني قال (لا تغضب قال أوصني قال لا تغضب قال أوصني قال لا تغضب فردد مرارا فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تغضب) لأن الغضب يحصل به مفاسد كثيرة قد يطلق رجل زوجاته وقد يعتق عبيده وقد يكسر آنيته فإذا أصابك الغضب فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم إن كنت قائما فاقعد وإن كنت قاعدا فاضطجع فإن ذهب الغضب عنك وإلا فتوضأ.
***(20/2)
السائل حسن أحمد سوداني يقول أفيدكم بأنني سائق سيارة وحصل لي حادث وأراد الله عز وجل ومات فيه شخصان مع أهلهم ولم يأخذوا شيئا فما كفارة ذلك وهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لابد أن يصف الحادث أما إذا لم يصف الحادث فلا ندري قد يكون مفرطا فتلزمه الكفارة عن القتيلين أي تلزمه كفارتان وقد يكون غير مفرط فلا يلزمه شيء.
***(20/2)
السائلة أم محمد من حوطة بني تميم تقول امرأة مريضة أرضعت ابنتها وهي لا تعلم عن حقيقة مرضها أنه خطير ومعدي فتوفيت البنت ولم تعلم الأم أن سبب وفاتها هو العدوى إلا متأخرة فما الحكم في هذه الحالة وإذا كان عليها كفارة من صيام وهي الآن لا تستطيع لحالتها الصحية ماذا تعمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء فالمرأة فعلت ما أوجب الله عليها من إرضاع ابنتها ولم تعلم أن فيها مرضاً معدياً فليس عليها شيء هي محسنة وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أسأل الله تعالى أن يجعل ابنتها شافعةً لها ولأبيها.
***(20/2)
من جدة وردتنا هذه الرسالة من المرسلة منيرة العتيبي تقول فيها إنني متزوجة وقد وضعت مولوداً أنثى وهي بحالة جيدة وبعد مضي ثمانية أيام من ولادتها وفي ساعة متأخرة من الليل أي قبل صلاة الفجر بحوالي نصف ساعة قمت بإرضاعها وذلك بوضع حالبي الأيمن في فمها وفعلاً أُحس بها وهي ترضع وفي أثناء ذلك داهمني النوم ونمت وبعد ساعة صحيت من النوم وعندما صحيت من النوم وجدت نفسي قد اتجهت إلى الجهة الأخرى والطفلة لا زالت في مكانها عند ذلك قمت وتركتها على أساس أنها نائمة وذلك الوقت عند طلوع الشمس قضيت بعض الأشغال وعدت لها لكي أقوم بإرضاعها حسب العادة وجدتها شبه نائمة وهي قد ماتت ولم ألاحظ في جسمها أي أثر إلا أنني لاحظت في أحد فتحات الأنف حليب ممزوج بدم وحيث أنه يراودني الشك هل عَلَّي في ذلك شيء ولو أنني لم أنقلب نحوها أثناء النوم أرجو إفادتي أثابكم الله وجزيتم عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من هذه القضية أن البنت انخنقت بالثدي وأن الأم حين أصابها النوم وثديها في فم ابنتها انخنقت به وماتت والدليل على هذا خروج الدم واللبن من أنفها فإنها كانت تنازع نفسها بشدة فخرج اللبن من أنفها فالذي أرى أن تحتاط هذه الأم وأن تصوم شهرين متتابعين توبة من الله وأما بالنسبة للدية فإذا كان أبوها موجوداً فإن الحق له في ذلك لأنه في هذه الحال لا يرثها أي لا يرث هذه الطفلة التي ماتت إلا أبوها وأمها ولكن يجب على الأم الدية كاملة تدفع إلى أب الطفلة ما لم يُسقطها عن الأم فإذا أسقطها فالحق له والله أعلم.(20/2)
فضيلة الشيخ: طيب بالنسبة للأم ألا يسقط حقها أساساً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم في القاتل خطأ والصواب أن القاتل خطأ يرث من المال دون الدية وهذا هو الذي رجحه ابن القيم في أعلام الموقعين وذكر فيها فتوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أظن أنه رواه ابن ماجة الحديث وقال به نأخذ والصواب عندنا أن قتل الخطأ لا يمنع من الإرث لأن التهمة فيه بعيدة إذ أن القاتل إنما منع من الإرث خوفاً من أن يقتل الإنسان مورِّثه ليرث والتهمة في مثل هذه الأحوال بعيدة جداً فلا يُمنع من الإرث لأن الأصل ثبوته ولكن الدية ما تسقط عنها منها شيء لأن الدية وجبت بفعلها.
***(20/2)
السائلة تقول بعد إفطام الطفل أصيب بإسهال أدى إلى وفاته هل على والديه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينظر فيه ما سبب هذا الاسهال هل هو من أجل إعطائه غذاء لا يحتمله فإذا علم أن سبب هذا الاسهال من تصرف الوالدة أو الوالد فإنه يكون على المتسبب كفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وعلى عاقلته دية هذا الطفل.
***(20/2)
سائلة تقول إني وقعت في مشكلة محيرة وكان آنذاك عمري بين عشر إلى اثني عشر سنة كنت في سن الجهلة وهي أنه كان معي طفل صغير ورميته في بركة ماء فتوفي الطفل وكنت لا أعرف الموت والحياة آنذاك وأنا الآن حائرة في مشكلتي أما من ناحية الصوم فلا أقدر ولا أستطيع خوفاً من زوجي وأهل بيتي أن يعلموا بهذه المشكلة وبعد زواجي وبعد ما بلغت سن الرشد احترت في أمري لا أعرف كيف أفعل أفيدوني جزاكم الله عن الإسلام وعن المسلمين خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المشكلة في الحقيقة مشكلة كما وصفت وإذا كان لها اثنتا عشر سنةً حين هذا الحادث فإن كانت قد بلغت جرى عليها ما يجري على البالغين ويمكن أن تبلغ في هذا السن بالحيض أو بالإنبات مثلاً أو بالإنزال وإذا كانت لم تبلغ كما هو ظاهرٌ من حالها فإنه فيه خلاف بين أهل العلم هل يلزم غير البالغ بالكفارة أو لا يلزم فمنهم من يرى أنه يلزم بالكفارة بأنه لا فرق بين أن يكون الإنسان أهلاً للتكليف أو ليس بأهل للتكليف في وجوب كفارة القتل بدليل أن الله سبحانه وتعالى أوجب الكفارة على القاتل خطأً والقاتل خطأً معذورٌ من حيث الإثم فدل هذا على أن وجوب الكفارة ليس مبنياً على أن الإنسان يأثم أو لا يأثم وعليه فتجب الكفارة على الصغير كفارة القتل وإن لم يبلغ يبقى النظر لقائلٍ أن يقول هذه البنت قتلت هذا الصبي عمداً ولكننا نقول فعل الصبي أو المجنون إذا كان عمداً فهو بمنزلة خطأ الكبير العاقل أما على الرأي الثاني الذي يقول إن الصغير لا يجب عليه كفارة فإنه في هذه الحال ليس عليها كفارة ولا يلزمها شيء ولكن الذي يترجح عندي وجوب الكفارة عليها في هذه الحال ولا ينبغي أن الرجل يترك ما أوجب الله أو المرأة تترك ما أوجب الله عليها من أجل الحياء من الناس فإن الله تعالى أحق أن يستحيى منه فيجب عليها أن تصوم وأن تخبرهم بالأمر الواقع ولا شيء في ذلك.
***(20/2)
ما كفارة القتل العمد والقتل غير العمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما القتل العمد فليس فيه كفارة لأنه أعظم من أن يبرأ الإنسان منه بالكفارة وليس فيه إلا قول الله عز وجل (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) والكفارة إنما هي في القتل الخطأ لقول الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) فكفارة القتل الخطأ أن يصوم القاتل شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي فإن أفطر ولو يوماً واحداً بغير عذر شرعي وجب عليه إعادة الشهرين لأن الله تعالى اشترط فيهما التتابع فإن لم يستطع الصيام فلا شيء عليه لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أنه لا واجب مع العجز وإنما قلنا إنه إذا كان عاجزا عن الصوم فلا شيء عليه لأن الله تعالى لم يذكر هذه المرتبة في كفارة القتل وإنما ذكر مرتبتين فقط هما عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين بخلاف الظهار فإن الله تعالى ذكر فيه ثلاث مراتب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وإني بهذه المناسبة أحذر إخواننا الذين يقودون السيارات من التهور في القيادة وعدم المبالاة فتجده يخالف ما يعرفه من أنظمة المرور ولا يراعي ذلك ولا يهتم وتجده يكون مسرعاً إذا قاد سيارته داخل البلد ويقف بدون إشارة الوقوف وينحرف يميناً أو يساراً بدون إشارة مما يوجب الخطر عليه وعلى غيره وليعلم أن الكفارة لا تسقط إذا عفى أولياء المقتول عن الدية كما يظنه بعض العامة وذلك لأن الكفارة حق لله والدية حق للآدمي فإذا أسقط الآدمي حقه فإنه لا يملك إسقاط حق الله تبارك تعالى فتبقى الكفارة عليه والكفارة تتعدد بتعدد المقتولين فلو جنى على شخصين فماتا لزمه أن يصوم أربعة أشهر كل شهرين متتابعين وإن جنى على ثلاثة لزمه أن يصوم ستة أشهر وهكذا لكل نفس شهران متتابعان.
***(20/2)
هذا المستمع فضل من السودان يقول هل يقتل الرجل إذا قتل ابنه سمعنا من بعض الفقهاء بأنه لا يقتل الرجل إذا قتل ابنه بل تجب عليه الدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جمهور أهل العلم لا يرون أن الوالد يقتل بولده إذا قتله عمداً واستدلوا لذلك بدليل وتعليل أما الدليل فالحديث المشهور (لا يقتل والد بولده) وأما التعليل فقالوا إن الوالد هو السبب في إيجاد الولد فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم أي أن الوالد لا يقتل بالولد وذهب بعض أهل العلم إلى أن الوالد يقتل بولده إذا علمنا علماً يقيناً أنه تعمد قتله وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب القصاص في قتل المؤمن مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى) ومثل قوله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم أمري مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفسوالتارك لدينه المفارق للجماعة) ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) قالوا فهذه العمومات تقتضي أن الوالد إذا علمنا أنه قصد قتل ولده عمداً يقتل بولده وأما الحديث المشهور (لا يقتل والد بولده) فهو ضعيف عندهم وأما التعليل فهو غير صحيح لأن قتل الوالد بقتل ولده ليس السبب هو الولد وإنما السبب فعل الوالد فهو الذي جنى على نفسه في الحقيقة لأنه هو السبب في قتل نفسه حيث قتل نفساً محرمه قالوا ولنا أن نقلب الدليل فنقول إن قتل الوالد لولده من أعظم القطيعة وأنكر القتلة إذ أنه لا يجرؤ والد على قتل ولده حتى البهائم العجم ترفع البهيمة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه فكيف يكون جزاء هذا الرجل الذي قطع رحمه بقتل ولده أن نرفع عنه القتل وعلى كل حال فهذه المسألة ترجع إلى المحاكم الشرعية فليحكم الحاكم بما يرى أنه أقرب إلى الصواب من أقوال أهل العلم وليفزع الإنسان إلى ربه عز وجل عند تعارض الآراء يفزع إلى ربه عز وجل بأن يهديه صراطه المستقيم وليقل اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وليستغفر الله عز وجل من ذنوبه فإن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الوصول إلى الصواب وقد استنبط بعض العلماء ذلك من قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) .
***(20/2)
كيف تدفع الدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلماء يقولون إن الإنسان إذا جنى على شخص وأتلف منفعةً من المنافع كمنفعة السمع أو البصر أو ما أشبه ذلك فإن عليه دية هذه المنفعة فمثلاً لو جنى عليه حتى صار لا يبصر عليه ديةٌ كاملة دية البصر إذا جنى عليه حتى صار لا يسمع عليه ديةٌ كاملة دية السمع إذا جنى عليه حتى شل وصار لا يتحرك عليه ديةٌ كاملة وهي دية الحركة وهكذا.(20/2)
فضيلة الشيخ: حتى ولو كان قريب له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو كان قريباً له.
***(20/2)
ماحكم وضع الصندوق المخصص للدم فقط مثلا لا سمح الله إذا وقع على شخص دفع دية فإن هذا الصندوق يدفعها كاملة دون تردد أفيدونا في هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قول الأخ السائل لا سمح الله هذه الكلمة لا تنبغي لأنها قد تشعر بأن الله تعالى يكره على ما يريد وإنما يقال لا قدر الله أو بعبارة أحسن أيضا فيقال لا قدر الله إلا الخير أما بالنسبة لسؤاله فإني أرى أن لا يوضع صندوق للدم لأنه إذا وضع صندوق للدم يعني لدفع الديات فإن هذا يوجب أن يتهور السفهاء وأن لا يبالوا بقتل الناس لأنه يشعر بأن الدية موجودة كما نقل عن بعضهم أنه يقول أنا لا يهمني أن أدعس أحداً أو لا لأن الدية موجودة فيكون في ذلك مفسدة لكن إذا وقعت الواقعة وحصلت الحادثة فإن دية الخطأ على العاقلة كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله.
***(20/2)
يقول السائل رجل عليه دية وقام بجمع مال من أجلها بموجب قرار أعطته إياة المحكمة لكنه بعد أن أتم المبلغ المطلوب استوفي جمع المال ليأخذه له ويستفيد منه في حياته دون أن يخبر الناس بأنه أتم جمع هذه الديات فهل هذا المال يعتبر حلالا أم لا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما زاد على الدية فهو حرام عليه فيجب عليه أن يتوقف عند انتهاء المطلوب للدية لأنه يستجدي الناس بمقتضي هذا الصك والصك إنما فيه دين الدية فقط وعلى هذا فلا يحل له أن يستمر في جمع المال بعد استيفاء ما طلبه من الناس من أجله ومثل ذلك أن بعض الناس يجمع لبناء مسجد فيجمع أموالا زائدة على ما يحتاجه المسجد فيستمر في جمع المال للمسجد مع أن المسجد قد استكمل ما يحتاج إليه وهذا أيضا حرام ولا يحل له ولهذا نقول من قدم للناس عريضة ببناء مسجد وجمع من الدراهم ما يزيد على كفاية البناء فان الواجب عليه أن يتوقف لكن قد يقول أخشى من اختلاف الأحوال أخشى أن أجمع لهذا المسجد ما أظن أنه كافٍ في بنائه ولكن لا يكفي لتغير الأحوال إما بزيادة السعر أو بزيادة أجور المقاولين أو ما أشبه ذلك نقول لا بأس إذا جمعت ما تظن أنه يكفي فتوقف ثم بعد ذلك قيد اسم كل من يتبرع لك من أجل إذا تم البناء ووجدت الزيادة عرفت أن الزيادة لفلان ولفلان ولفلان ولفلان فيسهل عليك أن تعطيهم إياها أو تستأذنهم في صرفها لمصالح المسجد غير البناء أو لبناء مسجد أخر وبذلك يسلم الإنسان وتسلم ذمته فالأمر إذا واضح يعني مثلا إذا كنت تجمع لبناء مسجد تقدر أنه يكفيه خمسمائة ألف فجمعت خمسمائة ألف ثم صارت التبرعات تنهال عليك فتوقف لكن إذا خشيت أن البناء يزيد على خمسمائة ألف فخذ ولكن بعد تمام الخمسمائة ألف قيد كل تبرع يأتيك بقدره واسم من تبرع به من أجل إذا انتهى بناء المسجد ولم يستغرق إلا الخمسمائة ترد هذه الدراهم إلى من تبرع بها أو تستاذنهم في صرفها لمصالح المسجد الذي بنيت أو لبناء مساجد أخرى حتى تبريء ذمتك وتسلم من الاشكال.
***(20/2)
بارك الله فيكم السائل جمال من محافظة الحديدة اليمن يقول من مات وعليه دية هل يمكن مطالبة الأولياء بذلك وهل يجب عليهم الأداء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدية إن كانت عوضاً عن مقتول عمدا فهي عليه هو فتكون في تركته بعد موته لأنها دين عليه وإن كانت الدية من قتل خطأ أو شبه عمد فإنها على عاقلته سواء كان حيا أو ميتا.
***(20/2)
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ السائل أبو أحمد من جيزان يقول هل دية الرجل كدية المرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دية المرأة على النصف من دية الرجل إذا بلغت الثلث فأكثر هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وأما ما دون الثلث فهما سواء ويتضح ذلك بالمثال ففي الأصبع الواحد عشر من الإبل سواء كان من رجل أو امرأة وفي الأصبعين عشرون من الإبل سواءٌ كان ذلك من رجل أو امرأة وفي ثلاثة الأصابع ثلاثون من الإبل سواءٌ كان من رجل أو امرأة وفي الأربعة الأصابع عشرون بعيراً إن كانت الأصابع من أنثى وأربعون بعيراً إن كانت الأصابع من رجل فالقاعدة أن الرجل والمرأة سواء في الدية ما لم تبلغ الثلث فإذا بلغت الثلث عادت المرأة إلى النصف من الرجل هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعليه العمل.
وأما دية النفس كاملة فمائةٌ من الإبل للرجل وخمسون من الإبل للمرأة وأسنانها تختلف ففي قتل الخطأ تكون خماسا وعشرين بنت مخاض وعشرين بنت لبون وعشرين حقةً وعشرين جذعة وعشرين من بني مخاض هذا بالنسبة للرجل بالنسبة للمرأة عشرٌ عشرٌ من هذه الأسنان الخمسة قد لا يعرف السامع ما هذه الكلمات فنقول بنت المخاض هي التي تم لها سنة وبنت اللبون تم لها سنتان والحقة تم لها ثلاث سنوات والجذعة تم لها أربعة سنوات.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا هذا المستمع ناصر سلمان إبراهيم من جهورية السودان الديمقراطية يقول هل يجوز أخذ دية المقتول والعمل بها في عمل يكون وقفا له كبناء مسجد أو أي شيء يكون صدقة جارية له أو التصدق بها للفقراء والمساكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دية المقتول تؤخذ وهي ملك لورثته يتصرفون فيها كما يشاءون ولا يجوز أن تصرف في مصالح خيرية إذا كان الورثة غير مرشدين وإن كانوا صغارا أو سفهاء أو مجانين فإن الواجب أن يبقى نصيب كل من اتصف بهذه الصفة يخرج من هذه الصفة أن يبقى له موفرا ولا يجوز أن تنفق فيما ذكره السائل من بناء مسجد أو غيره أما إذا كان الورثة كلهم مرشدين ورأوا أن يصرفوها إلى جهة خير تكون للمقتول فإن هذا لا بأس به.
***(20/2)
يقول السائل حصل علي حادث سيارة نتج عنه إصابتي في ذراعي فأعطاني مبلغ ثلاثة آلاف ريال فصرفت منه على علاجي وبقي منه فهل يجوز أخذ عوضٍ عن هذه الإصابة وماذا أفعل بالباقي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العوض الذي عن هذه الإصابة هو ما أخذته من هذا الرجل وهو ثلاثة آلاف ريال وما زاد بعد العلاج فالظاهر أنه لك إلا إذا كان الرجل قد أعطاك هذا وقال خذ هذا المال وعالج منه نفسك فإنه إذا كان قد قال عالج منه نفسك فإن معنى كلامه أن ما زاد عن العلاج فرده إليه إن أخذه وإن سمح به فلا حرج وأما إذا أعطاك هذه الثلاثة آلاف ولم يقل عالج نفسك منها فإن هذه الثلاثة تكون عوضاً عما حصل من هذا الحادث ولا ترد إليه شيء أبداً.(20/2)
فضيلة الشيخ: من حيث الحكم هل يجوز له أخذ عوضٍ عن هذه الإصابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز له أخذ عوضٍ عن هذه الإصابة.(20/2)
فضيلة الشيخ: كيف تقدر الإصابات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابات معروفة عند أهل العلم في كتاب الديات تقديرها وقالوا في كسر الذراع إذا جبر مستقيماً فيه بعيران ولكن إذا تراضى الطرفان على شيء فلا بأس به إلا أنه إذا كان أكثر من المقدر فإنه لا بد من علم الدافع فإذا رضي بما زاد فلا حرج.
***(20/2)
يقول السائل طفل توفي والده في حادث فهل يجوز لإخوانه الكبار أن يتنازلوا عن الدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لإخوانه الكبار ولبقية الورثة الكبار المرشدين أن يتنازلوا عن نصيبهم فقط وأما الصغار فلا أحد يملك أن يتنازل عن نصيبهم إلا شخص يعطيهم من ماله مثل نصيبهم من تركة أبيهم ويعفو عن القاتل هذا لا بأس به المهم أن يوفر لهم نصيبهم ولا ينقص شيء.
***(20/2)
كتاب الجنايات - كتاب الحدود(20/2)
هذه رسالة بعث بها المستمع محمد أحمد علي من الأردن عمان يقول ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تضرب على رؤوسهم بالمعازف القينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) فإن كان هذا الحديث صحيحاً فما هو لفظه الصحيح كاملاً وهل الوعيد بالخسف والتحويل إلى خنازير وقردة قد يكون هذا في زمن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة مع أن الله قد رفع ذلك عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إكراماً له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح صححه ابن القيم وغيره رحمهم الله ولفظه (ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) وفي ولفظ (تضرب على رؤوسهم المعازف ويضرب على رؤوسهم بالمعازف) وهو حديثٌ صحيح ويشهد له أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه فيما ترجم عليه باب من يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أناساً يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها يقال إنها تسمى بالشراب الروحي وما أعظم هذا القول وأبطله وأكذبه فكيف يكون هذا الشراب المزيل للعقل المميت للقلب المبعد عن الرب كيف يكون شراباً روحياً ما هو إلا شرابٌ خبيث يفسد العقل ويفسد الدين ويفسد الفكر أيضاً ولهذا صاحبه المبتلى به والعياذ بالله لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ولا ينشرح له صدر حتى يعود إليه مرةً أخرى فتجده دائماً في همٍ وقلق حتى يشرب ويدمن نسأل الله العافية والسلامة وشراب هذا شأنه كيف تصح تسميته بالشراب الروحي ما هو إلا شراب مدمرٌ للجسم والروح جميعاً وللعقل والفكر نسأل الله السلامة ولهذا حرمه الله على عباده تحريماً مؤكداً في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وفي قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) يعني كونوا في جانبٍ وهو في جانب وهو أبلغ من قوله لا تشربوه لأن الاجتناب معناه التباعد عنه ثم قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) يعني هل تنتهون عن ذلك بعد أن عرفتم هذه المضار العظيمة فيه ولهذا قال أهل العلم من أنكر تحريم الخمر وهو ممن عاش بين المسلمين لا يخفى عليه تحريمه فإنه يعتبر مرتداً كافراً بالله عز وجل يستتاب فإن تاب وأقر بتحريمه فإنه يرفع عنه القتل وإلا قتل كافراً مرتداً والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث وقع مصداقه فقد شربت الخمر وسميت بغير اسمها وضرب بالمعازف والقينات على الرؤوس وأما قول القائل إنه كيف يكون ذلك وقد رفع الله هذا عن هذه الأمة فيقال إن الذي رفع عن هذه الأمة هو الإهلاك لسنةٍ بعامة بشيءٍ عام يستأصله وأما أن يختص بعضهم بعقوبة فإن هذا لم يرفع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام يعني في صلاة الجماعة أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار) وكذلك هنا ذكر في الحديث (أن الله تعالى يمسخهم قردةً وخنازير) وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك كلام الله عز وجل في القرآن يجب أن يؤخذ على ظاهره بدون تأويل إلا بدليلٍ شرعي أو عقلي أو حسيٍ ظاهر فهنا نقول إن هؤلاء يمكن أن يمسخوا قردةً وخنازير حقيقيين وما ذلك على الله بعزيز إن الله على كل شيء قدير إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون والذي قلب أهل القرية من بني إسرائيل قردةً قادرٌ على أن يقلب غيرهم من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وذهب بعض أهل العلم إلى أن القلب هنا قلبٌ معنوي خُلُقي بمعنى أن الله يجعل أخلاقهم أخلاق القردة والخنازير ولكن الأول أليق بظاهر اللفظ ونحن علينا أن نتبع ظاهر اللفظ وأن نخشى من هذه العقوبة المشينة والعياذ بالله أن يخرج الإنسان من أهله إنساناً ثم يرجع قرداً أو خنزيراً نسأل الله السلامة.
***(20/2)
سائل يقول ما هو مفهوم المساواة بين المرأة والرجل في الإسلام وهل عمل الفتاة بجانب الرجل في جو مشحون بالفساد يعتبر داخلا تحت هذا المفهوم إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ) وهل هذا الأمر خاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم أم هو عام لكل نساء المسلمين إلى قيام الساعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمنا في السؤال عن المساواة فإني أحب أن أقول إن المساواة لم تأت في القرآن ولا في السنة مأمورا بها أبدا وإنما الأمر في الكتاب والسنة بالعدل قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) ولا يرتاب أحد يفهم دلالات الألفاظ أن بين قولنا عدل وقولنا مساواة فرقا عظيماً فإن المساواة ظاهرها التسوية بين الأمور المختلفة وهذا خلاف المعقول والمنقول بخلاف قولنا عدل فإن العدل إعطاء كل ذي حق ما يستحقه وتنزيل كل ذي منزلة منزلته وهذا هو الموافق للمعقول والمنقول وعلى هذا فليس في القرآن ولا في السنة الأمر بمساواة المرأة مع الرجل أبداً بل فيهما الأمر بالعدل كما سمعت والذي أحبه من كتابنا ومثقفينا أن يكون التعبير بكلمة العدل بدل كلمة المساواة لما في المساواة من الإجمال والاشتراك واللبس بخلاف العدل فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه وإذا تدبرت القرآن لوجدت أكثر ما فيه نفي المساواة (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ) (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) (هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) وما أشبه ذلك من الآيات المتعددة التي فيها نفي المساواة وليس إثباتها ولا أعلم دليلاً في الكتاب والسنة يأمر بالمساواة أبداً وإذا كان كذلك فإن العدل أن تعطى المرأة ما يليق بها من الأعمال والخصائص وأن يعطى الرجل ما يليق به من الأعمال والخصائص وأما اشتراك الرجل والمرأة في عمل يقتضى الاختلاط والكلام والنظر وما أشبه ذلك فإنه لا شك أنه عمل مخالف لما تقتضيه الشريعة الإسلامية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتاب الله يقول الله تعالى ما ذكره السائل (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) ويقول تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) فإذا كان الرجل مع الحاجة إلى مخاطبة المرأة ومكالمتها لا يكلمها إلا من وراء حجاب فكيف إذا لم يكن هناك حاجة وقوله تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) يدل على أنه إذا حصل ما يخالف ذلك كان فيه تلويث للقلب وزوال للطهارة ومن المعلوم أنه إذا كان هذا أطهر لقلوب أمهات المؤمنين فإن غيرهن أولى بالتطهير والبعد عما يلوث القلب وعلى هذا فنقول إن القرآن دل على أن المرأة تبتعد عن الرجل وإذا دعت الحاجة إلى أن يكلمها فإنه يكلمها من وراء حجاب أما في السنة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) كل هذا من أجل أن تبتعد المرأة عن الرجل حتى في أماكن العبادة.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا السائل الذي رمز لأسمه ب " أم ع من سلطنة عمان" يقول هل للثيب الزاني من توبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم للثيب الزاني توبة بل لكل مذنب توبة لقول الله تبارك وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وهذا نص في العموم (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) قال العلماء رحمهم الله هذه نزلت في التائبين وقال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) .
***(20/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع أحمد مسعد صالح مهندس مصري يعمل بالعراق يقول كنت ضالا فهداني الله سواء السبيل وشرح صدري بالإسلام له الحمد والشكر ولقد وقع بيدي كتاب لأحد المؤلفات العربيات اسمه (المرأة والصراع النفسي) لطريقة علاج المصابات بمرض نفسي ولكنها تدعو للأسف إلى الإنحراف والإنزلاق وراء الشهوة الجنسية باتخاذ الأخدان وممارسة كل شيء معهم كعلاج ناجح لحالتها النفسية المستعصية فهل مثل هذا يعتبر علاجاً كما تزعم هذه المؤلفة وما هو ردكم من وجهة النظر الإسلامية عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس علاجاً وردنا عليها أن هذا منكر ودعوة إلى ما نهى الله عنه والداع إلى الشيء لا شك أنه يحبذه ويستسيغه ويحله وتحليل الزنا كفر مخرج عن الملة لأن أهل العلم يقولون من أنكر تحريم الزنا ونحوه من المحرمات الظاهرة المجمع عليها وهو لا يجهل بذلك فإنه يحكم بكفره الكفر المخرج عن الملة وقد بين الله عز وجل أن الزنا يشتمل على مفسدتين عظيمتين إحداهما أنه فاحشة والفاحشة كل ما تستفحشه العقول السليمة وتنكره وتبغضه وتنفر منه والثانية أنه ساء سبيلا أي القدح والتنفير من هذا السبيل والطريق الذي يكون عليه صاحب الزنا وإذا ذكره الله عليه بهذه الصفة القبيحة ساء سبيلا فإنه لا يمكن أن يكون سبيلا إلى الإصلاح أبداً ولا إلى زوال المرض النفسي أبداً بل هو بالعكس يكون سببا للعقد النفسية والبلاء والشر كما أنه يكون سببا لأمراض جسدية قد لا يمكن التخلص منها إلا بالموت ومثل هذا الكتاب لا يجوز أن يبقى في الأسواق ولا يجوز أن ينشر أو يشترى بل الواجب إتلافه لما فيه من الدعوة إلى هذه الطريق المحرمة.
***(20/2)
هذه الرسالة وردت من محمد عبد الله عبد الرشيد جمهورية مصر العربية يقول إذا زنت الفتاة عندنا في الصعيد فإن أهلها يقتلونها خشية العار فما حكم هذا العمل وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا العمل ولا يحل أن تقتل إلا إذا كانت ثيباً بمعني أنها زنت بعد الإحصان فإنها ترجم كما ثبتت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكما هو موجود في القران الذي نسخ لفظه وبقي حكمه إلى يوم القيامة وأما إذا كانت بكرا لم تتزوج فإنه يجب أن يقام عليها الحد الشرعي وهو أن تجلد مائة جلدة وتغرب سنة كاملة إذا لم يكن في تغريبها محظور فإن كان في ذلك محظور وفتنة وبلاء وشر فإنها تبقي في بيت أهلها ولا تخرج حتى تتم السنة.
***(20/2)
سائل يقول بعض الناس الذين يعملون في إحدى القطاعات التابعة للحكومة يقومون ببيع بعض الممتلكات الخاصة بالدولة خفية فهل يجوز لهم ذلك وهل يجوز شراؤها منهم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حرامٌ عليهم أن يبيعوا شيئاً من أموال الدولة خفية ويعتبر عملهم هذا سيئاً من وجهين الوجه الأول الخيانة والخيانة قد نهى الله عنها في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) والوجه الثاني أكل المال بالباطل فإنه لا يحق لهم شيء من مال الحكومة إلا على الوجه المشروع ويجب على من علم بحال هؤلاء يجب عليه أن يبلغ عنهم الدولة حتى يردوهم إلى صوابهم ويعاقبوهم على هذا الفعل لأن هذا فعلٌ محرم والعياذ بالله وكما قلت إنه محرمٌ من وجهين من جهة الخيانة ومن جهة أكل المال بالباطل.
***(20/2)
سؤاله الآخر يقول هل يجوز لي أن أقضي حاجتي من مال أخي المسلم دون علمه إذا كنت متيقناً من أنه سيكون راضياً تمام الرضى لو كان موجوداً أو علم بذلك فيما بعد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن تحترم مال إخوانك حتى ولو وثقت من أنهم راضون لما تتصرف به في أموالهم لأن الأصل في مال المسلم الحرمة ولكن إذا دعت الحاجة إلى أن تتصرف في ماله وأنت عالم برضاه وواثق منه مثل لو نزل بك ضيف وعند صديقك غنم تريد أن تأخذ منها شاة لتكرم بها الضيف وأنت واثق من رضى صاحبك فإن هذا لا بأس به لدعاء الحاجة إليه وأما مع عدم الحاجة فالأولى بك الكف عن مال أخيك لأنه مهما كان ولو رضي بذلك فإنه قد يجد في نفسه حرجاً مما صنعت.
***(20/2)
هذا السائل أبو عبد الله من القصيم يقول قرأت في الآية الكريمة (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) قرأت بأن فيها دليلاً على أن قاذف زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم لا توبة له أليس باب التوبة مفتوح إذا تاب العبد وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) وقال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) وقال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) يعني بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فبين الله تعالى أن التوبة لها تأثير حتى في رمي المحصنات بالزنى وأما ما ذكره السائل عن بعض العلماء أن من قذف زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالزنى فإنه لا تقبل توبتهم فمرادهم أنه لا يرتفع عنه القتل وذلك أن من رمى زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو واحدة مِنهنَّ سواء كانت عائشة أو غيرها فإنه كافر مرتد خارج عن الإسلام ولو صلى وصام ولو حج واعتمر لأنه إذا قذف زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالزانية خبيثة بلا شك وقد قال الله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) وإذا كانت خبيثة وزوجها محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزم من ذلك أن يكون الرسول وحاشاه خبيثاً وعلى هذا يكون قذف واحدة من أمهات المؤمنين كفراً وردة فإذا تاب الإنسان من ذلك قبل الله توبته ولكن يجب أن يقتل للأخذ بالثأر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يمكن للمؤمن أن يرضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاً للعاهرات فلنا الحق في أن نقتله لأن هذا حق رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا نعلم أنه عفى وخلاصة ذلك أن الذين قالوا إن من قذف زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لا توبة له يريدون بذلك أنه لا يرتفع عنه القتل ولا يريدون أن الله تعالى لا يعفو عنه فإن الله تعالى يقبل توبة كل تائب وإذا أردت أن تعرف مدى عظم قذف إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بالزنى فانظر ماذا أنزل الله تعالى في الذين جاؤوا بالإفك من الآيات العظيمة التي هي كالصواعق على من جاء بالإفك انظر إلى قوله تعالى (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) يتبين لك مدى عظم قذف زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنى فنسأل الله تعالى أن يبتر لسان مَنْ قذف إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالزنى وأن يسلط عليه من يقيم عليه الحد إنه على كل شيء قدير.
***(20/2)
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في استخدام المواد الكحولية في كل من البويات والأدوية والروائح وغيرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المواد الكحولية من المواد المسكرة، وكل مسكر خمر، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل خمر فإنه حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا يجوز شرب الخمر بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة إذا كانت الضرورة تندفع به وذلك فيما لو غص بلقمة وليس عنده ما يدفع به هذا الغص إلا خمر يشربه ليدفع هذه اللقمة فإن ذلك جائز لأن هذه ضرورة تندفع بتناول الخمر، والضرورة التي تندفع بتناول الحرام تحل الحرام وعلى هذا تتنزل القاعدة المشهورة عند أهل العلم أن الضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة مبنية على قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ولكن هل الخمر نجسة أو ليست بنجسة؟ أكثر أهل العلم على أن الخمر نجسة مستدلين بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخمر طاهرة من حيث الطهارة الحسية محتجاً بأن الخمر حين حرمت في المدينة استقبلَ الناسُ بها في السككَ والأسواق فأراقوها فيها ولو كانت نجسة لحرمت أراقتها في الأسواق والسكك لأنها طرقات المسلمين وطرقات المسلمين لا يجوز أن يلقى فيها أو يراق فيها شيء من النجاسات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل) وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بغسل الأواني حين حرمت الخمر كما أمرهم بغسل الأواني حينما حرمت الحمر الأهلية وأقوى من ذلك (أن رجلاً أتى براوية خمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها حرمت فسارَّه رجل يقول له بعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ساررته قال قلت بعها يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر الذي فيها في المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم جالس حوله ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل هذه الرواية) ، ولو كان الخمر نجساً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية منه لأن الحاجة داعية إلى ذلك في هذا الموقف فإن الرجل سوف ينطلق وينتفع براويته وفيها أثر الخمر.
***(20/2)
سائل يقول توجد زجاجات بيرة مكتوبٌ عليها خاليةٌ من الكحول ما حكم شربها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ينبغي أن يعرف السائل والسامع أن الأصل في الأشياء الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) فأي إنسان يقول هذا الطعام حرام أو هذا الشراب حرامٌ فإنه يطالب بالدليل إن أتى بالدليل على تحريمه من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع أهل العلم أو القياس الصحيح قبل وإن لم يأتِ فإن قوله مردود لقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) الحاصل أنه بعد تقرير هذه القاعدة العظيمة نقول إن البيرة داخلةٌ في هذه القاعدة وأنها حلال ويجوز للإنسان شربها إلا إذا تيقن أنها تسكر فإذا تيقن أنها تسكر صارت حراماً ثم ليعلم السائل والسامع أن مجرد اختلاط شيء من الخمر بطعام أو شراب إذا لم يؤثر فيه لا طعماً ولا لوناً ولا أثراً ولا رائحة فإنه لا يؤثر ولا ينتقل حكمه من الإباحة إلى التحريم لأنه إذا تلاشى ولم يبقَ له أثر لا من طعمٍ ولا رائحة ولا تأثير فإنه لا حكم له كما أن الماء لو أصابته نجاسة لم تؤثر فيه فهو طهور ولا حكم للنجاسة التي تضاءلت فيه.
***(20/2)
يقول السائل ما حكم الخميرة التي يفعلونها في الدقيق لتساعد على تخميره وتسهيل طبخه فبعض الناس يقول إنها خمرة ولا يجوز استعمالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أجيبهم على هذا بأنه لا بأس بوضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر لأن هذا لا يؤثر فيه شيئاً ثم هذا الخميرة أيضاً لا أظن أنها تسكر لو أن الإنسان تناولها وأكلها والأصل في جميع المطعومات وفي جميع المشروبات وفي جميع الملبوسات الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على التحريم لقول الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29)) فلا بأس من وضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر.
***(20/2)
يقول هل الشمة حرام أم حلال وهي التي يضعها الإنسان في فمه ويمجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب علينا أن نعرف قاعدة ذكرها الله تعالى في القرآن وهي قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فكل ما في الأرض فهو حلال لنا إلا ما ورد الشرع بتحريمه، ومما ورد الشرع بتحريمه ما كان خبيثاً ضاراً، كما قال الله تعالى في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) فليس عندي علم يمكنني أن أحكم على هذه الشمة بخصوصها ولكني أقول إن ثبت أنها ضارة أي أن هذه الشمة ضارة بالبدن أو بالعقل سواء ضرت البدن بأمراض مستعصية أو تخل بتفكيره فهي محرمة، وإن لم يكن فيها محظور فالأصل الإباحة فتكون مباحة.
***(20/2)
يقول السائل إن عندنا في اليمن نزرع القات للبيع والشراء، فهل الذي يزرعه ويبيعه ولا يأكل منه شيئاً هل عليه إثم، وهل على الذي يبيع ويشتري في القات شيء أفيدونا هل هو حرام أم حلال، حيث إن بعض علماء اليمن يخزن منه وأحلوه أفيدونا ولكم الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل شيء محرم فإن السعي في تحصيله ببيع أو شراء أو حراسة فإنه حرام لقوله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فهذا القات، إذا كان حراماً فإنه يحرم بيعه وشراؤه وزراعته وأي عمل يؤدي إلى استعماله أو انتشاره لأن هذا من باب الإعانة على الإثم والعدوان والله تعالى قد نهى عنه.
***(20/2)
له سؤال آخر يقول ما حكم تناول الحبوب المنومة أو ما يسمى بالمهدئات وهل تدخل ضمن المخدرات أم لا وهل تجوز إذا دعت الضرورة أو أرشد إليها الطبيب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الحبوب لا يجوز استعمالها إلا إذا دعت الحاجة إليها بشرط أن يكون الآذن بها طبيباً فاهماً عالماً لأن هذه لها خطر ولها مردود على المخ فإذا استعملها الإنسان فقد يهدأ تلك الساعة ويلين لكنه يعقبه شر أكبر وأعظم فالمهم أنه يجوز استعمالها للحاجة بشرط أن يكون ذلك تحت نظر الطبيب وإذنه.
***(20/2)
يقول السائل هل التدخين حرام أم مكروه فقط وما الدليل على تحريمه من الكتاب والسنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين الذي هو شرب الدخان أو التبغ محرم بدلالة الكتاب والسنة والاعتبار الصحيح أما دلالة الكتاب ففي مثل قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ووجه الدلالة من هذه الآية أنه قد ثبت الآن في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية متنوعة من أشدها خطراً مرض السرطان وإذا كان سبباً لهذه الأمراض فإن الأمراض كما هو معلوم تفتك بالأبدان وربما تؤدي إلى الموت فيكون كل سبب لهذه الأمراض محرماً ومن أدلة الكتاب قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) ووجه الدلالة من الآية أن الله نهانا أن نعطي السفهاء وهم الذين لا يحسنون التصرف في أموالهم أن نعطيهم هذه الأموال وأشار الله سبحانه وتعالى إلى أن هذه الأموال جعلها الله قياماً لنا تقوم بها مصالح ديننا ودنيانا فإذا عدلنا بها إلى ما فيه مضرة في ديننا ودنيانا كان ذلك عدولاً بها عما جعلها الله تعالى لنا من أجله وكان هذا نوع من السفه الذي نهى الله تعالى أن نعطي أموالنا السفهاء من أجله خوفاً من أن يبذلوها فيما لا تحمد عقباه ومن أدلة القرآن قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي لا تفعلوا سبباً يكون فيه هلاككم وهي كالآية الأولى ووجه دلالتها أن شرب الدخان من الإلقاء باليد إلى التهلكة أما من السنة فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن إضاعة المال) وإضاعة المال صرفه في غير فائدة ومن المعلوم أن صرف المال في شراء الدخان صرف له في غير فائدة بل صرف له فيما فيه مضرة ومن أدلة السنة أيضاً ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) فالضرر منفي شرعاً سواء كان ذلك الضرر في البدن أو في العقل أو في المال ومن المعلوم أن شرب الدخان ضرر في العقل ومن المعلوم أن شرب الدخان ضرر في البدن وفي المال وأما الاعتبار الصحيح الدال على تحريم شرب الدخان فلأن شارب الدخان يوقع نفسه فيما فيه مضرة وقلق وتعب نفسي والعاقل لا يرضى لنفسه بذلك وما أعظم قلق شارب الدخان وضيق صدره إذا فقده وما أثقل الصيام ونحوه من العبادات عليه لأنه يحول بينه وبين شربه بل ما أثقل المجالسة للصالحين الذين لا يمكنه أن يشرب الدخان أمامهم فإنك تجده قلقاً من الجلوس معهم ومن مصاحبتهم وكل هذه الاعتبارات تدل على أن شرب الدخان محرم فنصيحتي لأخواني المسلمين الذين ابتلوا بشربه أن يستعينوا بالله عز وجل وأن يعقدوا العزم على تركه وفي العزيمة الصادقة مع الاستعانة بالله ورجاء ثوابه والهرب من عقابه في ذلك كله معونة على الإقلاع عنه ومن المعونة على الإقلاع عنه أن يبتعد الإنسان عن شاربيه حتى لا تسول له نفسه أن يشربه معهم وسوف يجد الإنسان بحول الله من تركه نشاطاً في جسمه وحيوية لا يجدها حين شربه له فإن قال قائل إننا لا نجد النص في كتاب الله أو سنة رسوله على شرب الدخان بعينه فالجواب أن يقال إن نصوص الكتاب والسنة على نوعين نوع تكون أدلة عامة كالضوابط والقواعد التي يدخل تحتها جزئيات كثيرة إلى يوم القيامة ونوع آخر تكون دالة على الشيء بعينه مثال الأولى ما أشرنا إليه من الآيات والحديثين التي تدل بعموماتها على شرب الدخان وإن لم ينص عليه بعينه ومثال الثاني قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وسواء كانت النصوص من النوع الأول أو من النوع الثاني فإنها ملزمة لعباد الله بما تقضيه من الدلالة.
***(20/2)
هذا السائل أحمد من اليمن يقول هل التدخين محرم أم أنه مكروه وهل على البائع إثم نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين محرم بدلالة القرآن والسنة والنظر الصحيح أما القرآن فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه العظيم (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ومن المعلوم أن تناول الدخان يلحق أضراراً بالجسد قد تكون قريبة الظهور وقد تكون بعيدة الظهور وهذا أمر متفق عليه بين الأطباء اليوم بعد أن تقدم الطب ووصل إلى درجة عالية فالأطباء مجمعون على ضرر التدخين وهو أيضا أعني التدخين مشوه للأسنان والشفاه وربما يكون مشوها للوجه أيضا عموما فإن صاحب الدخان يظهر أثر الدخان على صفحات وجهه ولا سيما على جدران أنفه حيث تراه عندما تراه وكأنه مدهون بدهن وهذا وحده يقتضي تحريم شرب الدخان ومن الأدلة القرآنية على تحريمه قول الله تبارك وتعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فبين الله تعالى الحكمة من إتيان المال وهي أن الله تعالى جعله قياما تقوم به مصالح ديننا ودنيانا ومن المعلوم أن صرف المال في السجاير لا تقوم به مصالح الدين ولا الدنيا بل بالعكس ومن أدلة السنة على تحريمه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإضاعته صرفه في غير فائدة ومن المعلوم أن المال في الدخان صرف له فيما لا فائدة فيه بل بما فيه مضرة وأما النظر الصحيح فإن العقل يقتضي ألا يتناول الإنسان ما يضره ويفني ماله لاسيما وهو مؤمن بأنه سيحاسب على ذلك إذا العقل الصريح يقتضي أن يفعل العاقل ما ينفعه وأن يدع ما يضره ومن كمال ذلك أن يدع ما لا ينفعه فالأمور ثلاثة نافع وضار وما لا نفع فيه ولا ضرر فالأول مطلوب والثاني مذموم والثالث الكمال ألا يفعله وإن فعله فلا شيء عليه.
***(20/2)
بارك الله فيكم يقول ما حكم التدخين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين وهو شرب الدخان محرم كما يدل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر الصحيح أما الكتاب فقال الله تبارك وتعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) ووجه الدلالة منها أن الله تعالى جعل المال قياماً لنا تقوم به مصالح ديننا ودنيانا ومن المعلوم أن صرفه في هذا الدخان ينافي ذلك فإنه ليس من المصالح في شيء بل هو من المضار ومن الأدلة من كتاب الله تعالى قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) والنهي عن قتل النفس نهي عنه وعما يكون سبباً له وشرب الدخان حسب أراء الأطباء في هذه الأزمنة سبب موصل إلى الهلاك ومن الأدلة من كتاب الله تعالى قوله (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) أي لما فيه هلاكها ووجه الدلالة منها كوجه الدلالة من الآية التي قبلها أما من السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار) وكما يرى فالدخان ضرر معلوم لا يخفى على أحد و (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) وهو صرفه في غير فائدة وصرف المال في شراء الدخان صرف للمال في غير فائدة فهذان دليلان من السنة على أن الدخان حرام أضفهما إلى الأدلة الثلاثة من كتاب الله تكون الأدلة خمسة هذه أدلة سمعية أما الدليل العقلي على تحريمه فهو ما يشاهد من ضرر على الشارب في صحته العامة وفي أسنانه وفمه ورائحته ونظره على وجه الخصوص ومن المعلوم أن العاقل لا يرضى لنفسه أن يتناول ما فيه الضرر.
***(20/2)
يقول السائل هل التدخين من المكروهات أو من المحرمات أم هو غير محرم وغير مكروه علماً بأنني لا أدخن ولله الحمد وإنما توجيهاً للمدخنين وحرصاً على أموال المسلمين وأنفسهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين هو شرب الدخان اختلف العلماء فيه أول ما ظهر لأن الأصل في المطعومات والمشروبات والملبوسات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه فاختلف العلماء فيه ولكن بعد أن ظهر ظهوراً بيناً لا خفاء فيه أنه من المشروبات الضارة تبين أنه محرم لعدة أوجه:
أولاً: أنه مضر بالبدن وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) .
الوجه الثاني: أن فيه إتلافاً للمال بلا فائدة بل بما فيه مضرة وإتلاف المال على هذا الوجه سفه مخالف للرشد قال الله تبارك وتعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فنهى الله تعالى أن نؤتي السفهاء أموالنا لأنهم يضعيوها ويصرفوها في غير فائدة وأشار إلى الحكمة من ذلك وهو أن هذه الأموال جعلها الله تعالى قياماً تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم وقال تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فاشترط الله تعالى لجواز تمكين اليتيم من ماله أن نعلم فيه الرشد وهو حسن التصرف بأن لا يبذل ماله في حرام ولا في غير فائدة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن إضاعة المال) .
الوجه الثالث: أن شرب الدخان يؤثر على وجه الشارب وأسنانه ولثته ولسانه ولاسيما من يكثر شربه فإنه يظهر عليه ظهوراً لا يكاد يخفى إلا على القليل من الناس والإنسان لا ينبغي له أن يتناول ما يكون فيه المضرة ولو على بعض أجزاء بدنه.
الوجه الرابع: أن فيه رائحة كريهة تؤذي كثيراً من الناس الذين لا يشربونه وما فيه أذية على المسلم فإنه يجتنب.
الوجه الخامس: أن شاربه إذا أبطأ عنه يضيق صدره وتتأثر نفسه بل تضيق عليه الدنيا والشيء الذي يؤدي إلى هذا ينهى عنه فإن الإنسان ينبغي له أن يكون منشرح الصدر منبسط النفس ولهذا يسن للإنسان أن يدخل السرور على إخوانه ما استطاع حتى إن بعض الناس الذين لا يحصل لهم شربه في الأوقات التي يريدون شربه فيها يتركون بعض الأمور المهمة في شؤون دينهم وديناهم لأن نفوسهم تضيق.
الوجه السادس: أنه ربما يؤدي إلى سرقة الأموال إذا لم يحصل الإنسان على مال يحصل به ما يشرب به هذا الدخان لأن هذا الدخان يمسك بزمام صاحبه ولا يفلته حتى أنه يحكى عن بعض الناس إنه ربما أباح عرضه وشرفه من أجل الحصول على شرب هذا الدخان وهذا أمر خطير.
الوجه السابع: أنه لا يخفى على أحد استثقال شارب الدخان للصيام الذي هو من أجل العبادات بل صيام رمضان ركن من أركان الإسلام وتجد الشاربين تضيق صدورهم بهذه الفريضة فيستثقلونها وإذا جاء وقت الإفطار فإن أهم ما يجده في نفسه أن يتناول هذا الشراب وبهذه الوجوه وبغيرها يتبين أن شرب الدخان محرم وأنه لا يجوز للعاقل فضلاً عن المؤمن أن يتناوله ولكن قل لي ما السبيل إلى الخلاص منه لأن هذا هو المهم فإن كثيراً من الناس يعلمون مضرته ويودون بكل قلوبهم أن ينزعوا عنه ولكن يطلبون السبيل إلى التخلص منه فالجواب على ذلك:
أولاً: التذلل لله عز وجل بحيث يقدم الإنسان رضى ربه على هوى نفسه فإن الإنسان إذا اعتقد أنه محرم وأن فيه معصية لله عز وجل ولرسوله فالمؤمن حقاً لا يسمح لنفسه أن يصر عليه مع التحريم.
ثانياً: أن يعرف ما يترتب عليه من المضار المالية والجسمية والاجتماعية والدينية فإذا علم ذلك فإن ضرورة هذا العلم تقتضي أن يقلع عنه.
ثالثاً: أن يبتعد عن مجالسة الذين ابتلوا بشربه بقدر ما يستطيع حتى لا تغلبه نفسه على تقليدهم وموافقتهم.
رابعاً: أن يدرب نفسه على التخلي منه شيئاً فشيئاً فإنه بهذا التدريب وهذا التمرين يسهل عليه تركه.
خامساً: أن يتناول ما يمكنه أن يخفف عنه وقت التخلي عن هذا التدخين وذلك بمراجعة أهل الطب حتى ينزع عن هذا التدخين وهذا كله بعد العزيمة الصادقة والرغبة الأكيدة في تركه وقد علمت مما وقع من بعض الناس أنه بالعزيمة الصادقة يسهل عليهم جداً أن يتخلوا عن شربه.
***(20/2)
بارك الله فيكم في سؤال المستمع من الأردن هاني محمد يقول أرجو أن تذكروا إخواننا المسلمين بأدلة تحريم شرب الدخان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن هناك رسائل كتبها من كتبها من أهل العلم المعاصرين ومن سبقهم بعد وقوع استعمال هذا الدخان فليرجع إليها السائل وقد أجمع الأطباء في الآونة الأخيرة على ضرر الدخان وأنه سبب لأمراض مستعصية مثل السرطان نسأل الله العافية ولهذا نحن ننصح جميع إخواننا المسلمين الابتعاد عن شربه لما يتضمنه من إضاعة المال وفساد الأحوال والأمراض التي تكون مستعصية حتى على الأطباء وقد شاهدنا من عصمه الله منه بعد ان كان مبتلى به فوجدناه زاد صحة ونشاطاً وقوة وسلم ماله من الضياع الذي كان عليه قبل أن يتوب إلى الله.
***(20/2)
أحسن الله إليكم السائل من الجزائر يقول هل التدخين محرم شرعا أم مكروه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين يعني شرب الدخان السجائر محرم لدخوله في عموم نصوص التحريم وهو وإن لم يذكر في القرآن والسنة بعينه لكن هذه الشريعة لها قواعد عامة تدخل فيها الجزئيات إلى يوم القيامة فإذا نظرنا إلى النصوص وجدناها تقتضي تحريم التدخين أي السجائر فمن ذلك قول الله تبارك وتعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فنهي سبحانه وتعالى أن نعطي السفهاء أموالنا وبين أن أموالنا قياما لنا تقوم بها مصالح ديننا ودنيانا ولا شك أن بذل الإنسان ماله في هذه السجائر سفه لا يستفيد منه بل يتضرر فيه وبه أيضا ومن ذلك قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وشرب السجائر من أسباب الأمراض القاتلة التي لا علاج لها فقد ذكر الأطباء أنها سبب للسرطان الكُلِّي أو العضوي فيكون المدخن متسببا بقتل نفسه ومن ذلك قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهذا وإن كان نهيا عن التفريط في الواجبات فهو أيضا شامل للوقوع في المحرمات أما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (نهى عن إضاعة المال) ولا يخفى ما في التدخين أعني السجائر من إضاعة المال فالمبتلى بشربه تجده يقدم درهما فيه قبل أن يشتري طعاما لنفسه وأهله ولا شك أن هذا من إضاعة المال ومن الأدلة على تحريمه أن المبتلى بشربه تثقل عليه العبادات ولا سيما الصيام وأضرب لك مثلا برجل تاقت نفسه إلى شرب السيجارة وقد حانت الصلاة فماذا تكون الصلاة عليه الآن تكون ثقيلة أم خفيفة ستكون ثقيلة بلا شك وربما يدع الصلاة حتى يشرب السيجارة أرأيت الرجل يكون صائما ماذا يكون الصيام عليه أيكون خفيفا أم ثقيلا إنه سيكون ثقيلا عليه ثم إن شرب السجائر عند الناس يؤذيهم بالرائحة وربما يضرهم الدخان الذي يتصاعد من السيجارة ويخرج من فم وأنف الشارب فيؤدي ذلك إلى أمرين أو أحدهما إما إلى الإضرار والإيذاء وإما إلى الإيذاء فقط وإما إلى الإضرار فقط ولهذا نحذر إخواننا من شرب السجائر ونقول لهم افترض أنك في حج أو عمرة تشرب السجائر ألم تعلم أن هذا ينقص أجر الحج والعمرة لأن الله تعالى قال (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وشرب هذه السجائر فسوق فيكون المحرم الذي يشرب سجائر واقعا فيما نهى الله عنه وهذا ينقص أجر حجه وعمرته ولكن يقول المبتلون به كيف نتخلص من هذا وأنفسنا قد تعلقت به ودماؤنا قد امتزجت به نقول الأمر يحتاج إلى عزيمة صادقة وإلى توبة نصوح وإلى إقبال على الله عز وجل واستعانة به وإلى البعد عن شاربيه فلا يجلس إليهم ولا يمشي معهم ويفتقر أيضا إلى التحمل والصبر حتى وإن ضاقت نفسه وضاق صدره فليصبر ولقد سمعنا كثيرا ورأينا أن الإقلاع عنه سهل مع العزيمة الصادقة لكن كثيراً من الذين ابتلوا به يكونون ضعاف النفوس لا يتحملون الصبر ويمنون أنفسهم والتمني ضياع النفس وضياع الوقت نسأل الله لنا ولإخواننا الهداية والعصمة عما حرم الله علينا.
***(20/2)
ما حكم الشرع في نظركم في التدخين وما حكم المتاجرة به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين الذي هو شرب الدخان اختلف أهل العلم فيه ما بين مبيح ومحرم كما هو الشأن في كل أمر جديد يقع على الساحة فإن العلماء تختلف اجتهاداتهم فيه ولكن في الأونة الأخيرة تبين للإنسان أنه لا يمكن القول بإباحته لما يشتمل عليه من الأضرار المستعصية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك وقد قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولما ثبت أنه ضرر فإننا نضيف إلى ضرر البدن الضرر المادي فإن به إفناء كثير من المال ولو أن الإنسان أحصى ما يتلفه في هذا السبيل لرأى أنه يتلف شيئاً كثيراً فيكون صرف المال فيه من باب إضاعة المال وقد قال الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فنهى عن إتيان السفهاء وهم الذي لا يحسنون التصرف بأموالهم أن يؤتوا المال، وبين أن المال قيام أي تقوم به مصالح الدين والدنيا وإنما نهى عن إتيان السفهاء أموالهم، قال الله عنها (أَمْوَالَكُمْ) لأجل أن يكون الإنسان حريصاً على مال اليتيم كما يحرص على ماله وإلا فمن المعلوم أن المال لليتيم نهى عن إتيان السفهاء ذلك لأن السفهاء لا يحسنون التصرف فيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن إضاعة المال) ولأن شارب الدخان تثقل عليه العبادات ولا سيما الصوم لأنها تحجزه عن شربه وإنه بهذه المناسبة مناسبة استقبال شهر رمضان عام عشرة وأربعمائة وألف أحب أن أوجه نصيحة قصيرة إلى الذين ابتلوا بشربه وأقول إن هذا الشهر المبارك شهر رمضان ميدان فسيح للتسابق إلى تركه أولاً لأنه شهر ينبغي أن تكثر فيه الأعمال الصالحة وثانياً أن الصائم لن يتناول هذا الدخان في النهار فإذا صبر عن شربه طول النهار فليتصبر أيضاً في الليل حتى يطلع الفجر فإذا دام على ذلك لمدة شهر كامل فإن ما في دمه من النيكوتين سوف يتحلل ويزول ويسهل عليه جداً أن يتركه فنصيحتي للإخوان الذين ابتلوا به أن يستعينوا الله عز وجل في هذا الشهر شهر رمضان على تركه ومن استعان بالله بصدق وإخلاص أعانه الله عز وجل وخلاصة القول أن شرب الدخان محرم لأنه ضرر على البدن وضرر على المال وضرر على النفس وإذا كان الشيء محرماً كان الاتجار به محرم وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) فلا يحل الاتجار به وعلى من ابتلي بذلك أن يقلع عن هذا لأن الاتجار به حرام والكسب الحاصل به حرام.
***(20/2)
كتاب الجنايات - كتاب الاطعمة والذكاة والنذور(20/2)
رسالة من المستمع الحاج إدريس حماد سوداني مقيم بالعراق يقول هل هناك قاعدة شرعية يعتمد عليها في تحريم وتحليل أكل الحيوانات فالقرآن والسنة لم يوضحا كل الحيوانات فهناك حيوانات أليفة محرمة وبعضها حلال وكذلك الوحشية فإن كان هناك قاعدة أو صفات للمحرمة والحلال فأرجو شرحها حتى نكون على بصيرة وهل للشبه اعتبار في هذا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن قوله أن الكتاب والسنة لم يبينا ذلك هذا غلط منه وإنما الصواب أنه لم يتبين له ذلك من الكتاب والسنة أما الكتاب والسنة فإن الله بين فيهما كل شيء فالقرآن كما قال الله عنه (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) والإيمان بالسنة وتنفيذ أحكامها من الإيمان بالقرآن فهي متممة ومكملة ومفصلة لما أجمل ومفسره لما أبهم وفي القرآن والسنة الشفاء والنور والهداية والاستقامة لمن تمسك بهما ولا يوجد مسألة من المسائل التي تحدث إلا وفي القرآن والسنة بيانها لكن منها ما هو مبين على سبيل التعيين ومنها ما هو مبين على سبيل القواعد والضوابط العامة ثم إن الناس يختلفون في هذا اختلافاً عظيماً يختلفون في العلم ويختلفون في الفهم كما يختلفون أيضا في إدراكهم لما في القرآن والسنة بحسب ما معهم من الإيمان والتقوى فإنه كلما قل الإيمان بالله عز وجل وقبول ما جاء في القرآن والسنة قلّ العلم بما في القرآن والسنة من الأحكام وإني أقول من على هذا المنبر إن القرآن والسنة فيهما العلم والهدى والنور وفيهما حل جميع المشاكل وأن نظامهما ومنهاجهما أكمل نظام وأنفعه وأصلحه للعباد وأنه يغلط غلطاً بيناً من يرجع إلى النظم والقوانين الوضعية البشرية التي تخطئ كثيرا وإذا وفق في الصواب فإنها تكون صواباً لما وافق فيه الكتاب والسنة وأقول لهذا الأخ إن هناك ضوابطا لما يحرم من الحيوانات فأقول الأصل في كل ما خلق الله تعالى في هذه الأرض أنه حلال لنا من حيوان وجماد لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فهذا عام خلقه لنا لمنافعنا أكلاً وشرباً ولباساً وانتفاعاً على الحدود التي حدها الله ورسوله هذه قاعدة عامة جامعة مأخوذة من الكتاب وكذلك من السنة حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (وما سكت عنه فهو عفو) وعلى هذا فلننظر الآن في المحرمات فمنها الميتة لقوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ) ومنها الدم المسفوح لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ومنها لحم الخنزير لقوله تعالى (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) وإنما حرمت هذه الثلاثة لأنها رجس فإن قوله (فَإِنَّهُ) أي هذا المحرم الذي وجده الرسول عليه الصلاة والسلام رجسٌ وليس الضمير عائداً إلى لحم الخنزير فقط كما قاله بعض أهل العلم لأن الاستثناء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) أي ذلك المطعوم (مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) (فَإِنَّهُ) أي ذلك المطعوم من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجس ومنها الحمر الأهلية ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أمر أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) ومنها كل ذي ناب من السباع يعني كل ما له ناب من السباع يفترس به مثل الذئب والكلب ونحوها فإنه محرم ومنها كل ذي مخلب من الطير كالصقر والعقاب والبازي وما أشبه ذلك ومنها ما تولد من المأكول وغيره كالبغال فإن البغل متولد من الحمار إذا نزى على أنثى الخيل والخيل مباحة والحمر محرمة فلما تولد من المأكول وغيره غلب جانب التحريم فكان حراماً وهذه المسائل موجودة والحمد لله في السنة مفصلة وكذلك في كلام أهل العلم فالأمر بين وإذا أشكل عليك الأمر فارجع إلى القاعدة الأساسية التي ذكرناها من قبل وهو أن الأصل الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وأما الشبه فهذا لجأ إليه بعض أهل العلم وقال إنه إذا لم نعلم حكم هذا الحيوان هل هو محرم أم لا؟ فإننا نلحقه حكما بما أشبهه ولكن ظاهر الأدلة يدل على أن المحرم معلوم بنوعه أو بالضوابط التي أشرنا إليها كما حرمه النبي عليه الصلاة والسلام (كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) .
***(20/2)
يقول السائل ما حكم أكل اللحوم المجمدة التي تصل إلينا من الخارج وبصفة خاصة لحم الدجاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اللحوم التي تأتي من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى الأصل فيها الحل كما أن اللحوم التي تأتي من البلاد الإسلامية الأصل فيها الحل أيضاً وإن كنا لا ندري كيف ذبحوها ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أن يكون واقعاً على السلامة وعلى الصواب حتى يتبين أنه على غير وجه السلامة والصواب ودليل هذا الأصل ما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها قالت إن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر ففي هذا الحديث دليل على أن الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يلزمنا أن نسأل هل أتى به على الوجه الصحيح أم لا وبناء على هذا الأصل فإن هذه اللحوم التي تردنا من ذبائح أهل الكتاب حلال ولا يلزمنا أن نسأل عنها ولا أن نبحث لكن لو تبين لنا أن هذه اللحوم الواردة بعينها تذبح على غير الوجه الصحيح فإننا لا نأكلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر مدى الحبشة) ولا ينبغي للإنسان أن يتنطع في دينه فيبحث عن أشياء لا يلزمه البحث عنها ولكن إذا بان له الفساد وتيقنه فإن الواجب عليه اجتنابه فإن شك وتردد هل تذبح على طريق سليم أم لا؟ فإن لدينا أصلىن الأصل الأول السلامة والأصل الثاني الورع فإذا تورع الإنسان منها وتركها فلا حرج عليه وإن أكلها فلا حرج عليه وعلى هذا فالمقام لا يخلو من ثلاث حالات إما أن نعلم أن هذا يذبح على طريق سليم أو نعلم أنه يذبح على غير طريق سليم وهذان الحالان حكمها معلوم.
الحال الثالثة أن نشك فلا ندري أذبح على وجه سليم أم لا؟ والحكم في هذه الحال أن الذبيحة حلال إذا كان الذابح من أهل الذكاة وهو المسلم أو اليهودي أو النصراني ولا يجب أن نسأل وأن نبحث كيف ذبح؟ وهل سمى أم لم يسم؟ بل إن ظاهر السنة يدل على أن الأفضل عدم السؤال وعدم البحث ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا لم يقل اسألوهم هل سمو الله أم لم يسموا الله؟ بل قال (سموا أنتم وكلوا) وهذه التسمية التي أمر بها النبي عليه الصلاة والسلام ليست تسمية للذبح لأن الذبح قد انتهى وفرغ منها ولكنها تسمية للأكل فإن المشروع للآكل أن يسمي الله عز وجل عند أكله والقول الراجح أن التسمية على الأكل واجبة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها ولأن الإنسان لو لم يسم لشاركه الشيطان في أكله وشرابه.
***(20/2)
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية اليمن الديمقراطية مستمع رمز لاسمه بـ ف هـ أيقول أريد معرفة الحيوانات البرية والبحرية التي يحرم أكلها فقد سمعت أنه يجوز أكل السلحفاة مثلاً والضفادع فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن الأصل في الأطعمة الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه وإذا شككنا في شيء ما, هل هو حلال أم حرام فإنه حلال حتى نتبين أنه محرم دليل ذلك قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فإن قوله خلق لكم ما في الأرض جميعاً يشمل كل شيء في الأرض من حيوان ونبات ولباس وغير ذلك وقال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (ما سكت عنه فهو عفو) وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) وعلى هذا فالأصل في جميع الحيوانات الحل حتى يقوم دليل التحريم فمن الأشياء المحرمة الحمر الإنسية لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة يوم خيبر أن ينادي أن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس ومن ذلك كل ما له ناب من السباع يفترس به كالذئب والأسد والفيل ونحوه ومن ذلك أيضاً كل ما له مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) ومن ذلك أيضاً ما أمر الشرع بقتله أو نهى عن قتله أما ما أمر الشارع بقتله فلا يؤكل لأن ما أمر الشارع بقلته مؤذٍ بطبيعته فإذا تغذى به الإنسان فقد يكتسب من طبيعة لحمه ما فيه من الأذى فيكون ميالاً إلى أذية الناس وأما ما نهى الشارع عن قتله فلأجل احترامه حيث نهى الشارع عن قتله، فمما أمر بقتله الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور،ومما نهى عن قتله النملة والنحلة والهدهد والصرد) ومن ذلك أيضاً ما تولد من مأكول وغيره كالبغل لأنه اجتمع فيه مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر إذا لا يمكن ترك المحظور هنا إلا باجتناب المأمور فوجب العدول عنه ومن ذلك أيضاًَ ما يأكل الجيف كالنسر والرخم وما أشبه ذلك هذه سبعة أنواع مما ورد الشرع بتحريمه على أن في بعضها خلاف بين أهل العلم فترد الأشياء إلى أصولها ويقال الأصل في الطيور والحيوانات الأخرى الأصل فيها الحل حتى يقوم الدليل على التحريم.
***(20/2)
من شقراء وردتنا هذه الرسالة من المرسلة ح ع ع تقول فيها أرجو الإفادة عن صحة أكل الدجاج المستورد من فرنسا حيث إنني وجدت الحنك السفلي متصل بالدجاجة لم يقطع فهل هو حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدجاجة التي وجدتيها لم يقطع جزء من رأسها وكان القطع مع أعلى الرأس فإن هذه لا تحل ولكنه لا يلزم أن يكون هذا الحكم سارياً في جميع الدجاج الموجود معها وهذه اللحوم المستوردة من غير البلاد الإسلامية من دجاج وغيرها مما يحل أكله نرى فيها أنها جائزة الأكل وأنه لا حرج من أكلها ولكننا نظراً لكثرة الخوض فيها والقال والقيل نرى أن تجنبها أولى وأن الإنسان يستغني بما لا شبهة فيه عما فيه الشبهة وأما تحريم ذلك فلا يثبت فإنه قد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما ذبحه اليهود كما في الشاة التي أهديت له في خيبر) وكذلك (دعاه غلام يهودي وهو في المدينة وقدم له فيما قدم إهالة سنخة) والأهالة السنخة قال أهل العلم إنها الشحم المتغير فأكل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأل عليه الصلاة والسلام المرأة اليهودية التي أهدت إليه الشاة لم يسألها كيف ذبحتها؟ ولا هل سمت عليها أم لا؟ فما ذبحه من تحل ذبيحته من مسلم أو يهودي أو نصراني فإنه يؤكل ولا يسئل كيف ذبُح؟ ولا هل سميِ الله عليه أو لم يسم؟ وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت إن قوماً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر فدل هذا على أن الإنسان إذا قدم له من يحل له أكل ذبيحته لحماً فإنه يأكله ولا يبحث كيف ذبُح؟ ولا هل سمي عليه أم لا؟ هذا ما تقتضيه السنة ولكن كما قلت قبل قليل إنه نظراً لكثرة الخوض فيما يرد من تلك البلاد غير الإسلامية فإنه إذا تورع عنه إلى غيره فهو أولى ونحن لا نحرم هذا اللحم الوارد.
***(20/2)
السائل فارس أحمد عامل في بلجيكا يسال ويقول ما حكم اللحوم التي نأكلها في بلاد الغرب والتي تذبح على غير شريعتنا هل نعتبرها أنها من أهل الكتاب الذين يدينون بدين سماوي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر حالهم أنهم من أهل الكتاب لأنهم منتسبون إما إلى دين المسيح عليه الصلاة والسلام وإما إلى دين موسى عليه الصلاة والسلام فهم على ظاهرهم على ديانتهم وما ذبحوه فهو حلال لكن بشرط ألا نعلم أنهم يذبحونه على غير الطريقة الإسلامية أي أنهم يذبحونه بطريق الصعق حتى يموت بدون تذكية فهذا لا يحل سواء كان ذلك من مسلم أو من كتابي لأنه لا بد من إنهار الدم في الذكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) .
***(20/2)
هذه رسالة يقول أخوكم في الله عبد الحميد الفقعي من المغرب يقول أنا عامل مغربي أعمل في أحد معامل الدجاج في هولندا وهذا الدجاج يصدر للأقطار الإسلامية العديدة علماً أن هذا الدجاج غير مذبوح على الطريقة الإسلامية يقول فهل هذا الدجاج حلال أم حرام ويقول أيضاً أرجو أن يكون الرد يوم الأحد في هولندا لأن إجازتي في ذلك اليوم وأيضاً يذكر السائل عبد الحميد الفقعي من المغرب ويذكر أن هذا الدجاج إنما يعرض لصعقات كهربائية أو مسدسات خاصة للقضاء على هذا الدجاج فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الحكم هو أن نبحث أولاً من هو المسئول في هذا الذبح هل هو مسلم أو كتابي إذا كان الجواب بالنفي أي يعني الذي يتولى الذبح ليس مسلماً ولا كتابياً فإْن ذبيحته لا تحل حتى ولو تمشَّى فيها على الطريقة الإسلامية لأن الله يقول: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) فخص الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى لكون طعامهم حلاً لنا وهذا القيد ليس مفهومه مفهوم لقب كما ذهب إليه من ذهب من المتأخرين لأن الاسم الموصول مع صلته بمنزلة الاسم المشتق والاسم المشتق ليس مفهومه مفهوم لقب فقوله (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) مثل قول المؤتَيْن الكتاب (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) كأنما يقال طعام المؤتَيْن الكتاب وهذا وصف مشتق فمفهومه مفهوم صفة وليس مفهوم لقب كما أن أهل الكتاب أيضاً لهم أحكام أخري خاصة عن غيرهم من سائر الكفار الذي يتعين القول به أن ذبح غير أهل الكتاب اليهود والنصارى لا يحل المذبوح مهما كانت الطريقة وإذا كان الجواب بالإيجاب وأن الذابح من أهل الكتاب اليهود أو النصارى وكذلك من باب أولي إذا كان الذابح مسلماً فإنه حينئذٍ ينظر في الطريقة إذا كانت الطريقة على الوجه الإسلامي حلت الذبيحة وإلا فلا وإن من أهل العلم من ذهب إلى حل ذبيحة أهل الكتاب وإن لم تكن على غير الطريقة الإسلامية استناداً إلى عموم قوله (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وقال ما اعتقده أهل الكتاب طعاما لهم ومذكاً وحلاً فهو حلال للمسلم على أي وجه كانوا يذبحونه واستدل أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود ولم يستفصل عن كيفية ذبحهم لكن القول الراجح أنه لا بد أن يكون الذبح على الطريقة الإسلامية التي يكون فيها إنهار الدم لأن هذه العمومات أعني عموم قوله (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وكذلك الوقائع التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم في أكله ذبائح أهل الكتاب هذه تُخصص بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) هذا الحديث قاضٍ على العمومات التي تفيد حل ذبائح أهل الكتاب مطلقاً كما أن المعني يقتضيه أيضاً فإن احتقان الدم بها هو سبب خبثها ونجاستها وتحريمها وكذلك إذا كان المسلم وهو أشرف وأطيب وأزكي من الكتابي لا بد في ذبيحته من إنهار الدم فالكتابي من باب أولي إذاً يبقي النظر في الطريقة التي ذكرها الأخ الآن هل يكون فيها انهار الدم أم لا؟(20/2)
فضيلة الشيخ: هو ذكر وقال إنه يصعق بالكهرباء وبعد ذلك يقطع الرأس لكي ينزل الدم.؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ينزل الدم بعد قطعه فمعني ذلك أن الذبيحة لم تمت بالصعق إنما خُدِّرت ثم ذبحت وعلى هذا تكون حلالاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولا يمكن أن يجري الدم الجري العادي إلا والذبيحة حية أما إذا ماتت فإن الدم يتغير ويتخثر ولا يمكن أن يخرج اللهم إلا شيئاً يسيراً وعلى كل حال إذا كان هذا الصعق الذي ذكره الأخ لا يصل بها إلى حال الموت فإن ذبحها قبل خروج روحها يعتبر تذكيةً شرعية لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) كل هذه الأشياء التي استثني منها (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) وجد بها سبب الموت لا سيما المنخنقة فإنها أشبه ما تكون بالصعق الكهربائي ومع ذلك استثنى الله سبحانه وتعالى من تحريمها ما إذا ذكيت أي ذبحت قبل أن تموت فإنها تكون حلالاً وعلى هذا فيكون هذا الصعق وسيلةً لتسهيل الذبح فقط فإذا جري الذبح عليها قبل خروج الروح فهي حلال أما إذا كان الصعق يؤدي إلى موتها ولكنه خلاف ظاهر كلام السائل لأنه يقول حتى يسيل منها الدم فإنها لا تباح حينئذ.(20/2)
فضيلة الشيخ: لكنها في الحالة التي ذكرت في أنها يخرج من الدم فهي حلال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان الدم المعروف المعهود.
***(20/2)
هذا السائل من الكنقو يقول ما حكم أكل اللحوم المثلجة التي لا نعرف من أين جاءت ولا ندري كيف ذبحت وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل أكل اللحم المذبوح إلا إذا علمنا أنه صدر ممن تحل ذبيحته والذين تحل ذبائحهم ثلاثة أصناف المسلمون واليهود والنصارى لقول الله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) فسره ابن عباس رضي الله عنهما بأنه ما ذبحوه فهو حلال ويدل لهذا (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قبل هديه الشاة من المرأة اليهودية وأكل منها) وإذا صدر الذبح من أهله أي من مسلم أو يهودي أو نصراني فإنه لا يلزمنا أن نعلم أنه قد ذبحه على طريقة إسلامية أو لا أو هل سمى أو لا؟ لأن الأصل في الفعل الصادر من أهله أنه على وجه الصواب ولهذا (لما سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قوم يأتون باللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا قال للسائل سموا أنتم وكلوا) أما إذا كنتم لا تعلمون من أين جاء هذا اللحم ويحتمل أنه جاء من بلاد لا يحل ذبائح أهلها أومن بلاد يحل ذبائح أهله فلا تأكلوه.
***(20/2)
يقول السائل ماحكم الدجاج المثلج الذي نستورده من أوروبا مع تطور أساليب الذبح التي دخلت فيها الكهرباء وغيرها من الأساليب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال كثير الوقوع من داخل المملكة وخارج المملكة ولكن يجب أن نعرف أموراً:
الأمر الأول: أنه يشترط للذبح شروط منها أهلية الذابح بأن يكون مسلماً أو كتابياً وهو اليهودي والنصراني فذبائح غير هؤلاء الأصناف الثلاثة وهم المسلمون واليهود والنصارى ذبائح غيرهم من الوثنيين والمشركين لا تحل لمفهوم قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أهديت له في خيبر أهدتها له امرأة يهودية وأجاب يهودياً في المدينة أجاب دعوته فقدم له خبزاُ من شعير وإهالة سنخة والإهالة السنخة هي الشحم المتغير.
وثانياً: يشترط في الذبح ذكر اسم الله عليه بأن يقول الذابح بسم الله ومن ترك التسمية على الذبيحة فذبيحته حرام لقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل)
والشرط الثالث: قطع ما يجب قطعه في الذبح وهو الودجان أي العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم لأن بقطعهما إنهار الدم واختلف العلماء في وجوب قطع الحلقوم والمريء ووجوب قطع الودجين والذي يظهر لي وجوب قطع الودجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولا إنهارَ لدمٍ إلا بقطع الودجين هذه من شروط الذكاة فإذا جاءنا لحم من شخص هو أهل للذكاة مسلم أو يهودي أو نصراني فإننا لنا أن نأكل منه ولا نسأل كيف ذبح؟ ولا هل سمى أم لم يسم؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من ذبائح اليهود ولم يسألهم كيف ذبحوا ولا هل سموا أم لم يسموا بل في صحيح البخاري من حديث عائشة (أن قوماً قالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال سموا انتم وكلوا يعني سموا على الأكل وكلوا قالت وكانوا حديثي عهد بكفر) فهنا يشير النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحكم إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل إذا صدر الفعل من أهله أن يسأل كيف؟ وعلى أي وجه؟ وعلى هذا فإذا جاءنا لحم من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى فإن لنا أن نأكله ولا نسأل كيف ذبُح؟ ولا هل سمي عليه أم لا؟ بل السؤال عنه من خلاف السنة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسأل ومادام أن الله أباحه لنا على الإطلاق في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم أكله بدون سؤال فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن إذا ثبت لنا أن هذه الدجاجة المعينة أو الذبيحة المعينة من غير هذا الدجاج إذا ثبت لنا إن هذا الشيء المعين ذبح بدون إنهار الدم بالخنق أو بالصعق بالكهرباء أو بغير ذلك فإنه يكون حينئذ حراماً لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) فإذا علمنا أن هذه الذبيحة المعينة ذبُحت بدون إنهار الدم فهي حرام ومادمنا لم نعلم وهي قد ذبحها أهل الكتاب فإن الأصل الحل وليس من حقنا ولا ينبغي لنا أيضاً أن نسأل ولكن كثر القال والقيل في هذه المسألة وأنهم يذبحون بالصعق بالكهرباء بدون إنهار الدم ومن أجل هذا الخوض الكثير أرى أن الورع ترك الأكل منها وأن الإنسان لو أكل فلا حرج عليه لكن ترك المشكوك فيه من الأمور التي ينبغي أن يسلكها المرء مادام الحلال البين ظاهراً ثم إنه ينبغي أن نعلم أنه لو صعقوها بالكهرباء أو ضربوها بالفأس على رأسها أو ما أشبه ذلك ثم أنهروا الدم وذكوها تذكية شرعية بعد ذلك فإنها تكون حلالاً لقوله تعالى (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) فما أصابه سبب الموت من خنق أو كسر رأس أو غيره إذا أدركت حياته وذكي صار حلالاً.
***(20/2)
يقول المستمع ما حكم الإسلام في شوربة الدجاج ماجي واللحوم المعلبة المصنوعة منها في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المعلبة في البلاد الإسلامية فإنه لا بأس بها لأن المسلمين تحل ذبائحهم وأما المعلبة في غير بلاد المسلمين فإن كانت في بلادٍ أهلها كتابيون وهم اليهود والنصارى فإن حكمها حكم المعلبة في بلاد المسلمين وذلك لأن ذبائح أهل الكتاب حل لنا بنص القرآن قال الله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) وطعام الذين أوتوا الكتاب هو ذبائحهم وأما إن كانت هذه المعلبة جاءت من بلادٍ ليس أهلها كتابيين ولم يتبين لنا أن الذي ذبحها كتابي أو مسلم فإن الأصل التحريم فلا تؤكل وأما الماجي فأنا أكره أن آكل منه لأن الماجي ليس فيه التزاماً لمن صنعه أنه مذبوح على الطريقة الإسلامية بخلاف الأشياء التي تأتي مكتوب عليها الالتزام بهذا الشيء وليس لنا إلا الظاهر فما وجدنا مكتوباً عليه مذبوح بالطريقة الإسلامية فإننا نحكم به وما لم نجد ذلك فإننا نخشى أن يكون على غير الطريقة الإسلامية حيث لم يلتزم من عبأه بهذا ومع هذا فإن الأصل فيها الحل أيضاً إذا جاءت من بلاد أهل الكتاب.
***(20/2)
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية عبد الفتاح يقول في سؤاله أرجو إفادتي في حكم الشرع في نظركم في الدجاج المثلج هل هذا الدجاج مذبوح حسب الشريعة الإسلامية وهل أكل هذا الدجاج حلال هذا بالإضافة إلى أنني أعمل بمحل لشوي الدجاج وبيعه فهل يجوز لي أن أعمل في هذا المحل إذا كان هذا الدجاج مذبوح على غير الشريعة الإسلامية أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع إن علمنا كون هذا الدجاج مذبوحاً على الطريقة الإسلامية أو غير مذبوح على الطريقة الإسلامية كعلم هذا السائل سواء لأننا لا ندري ولكن يجب أن نبحث من الذي ذبحه هل هو مسلم أو كتابي أو غيرهما؟ فإن كان مسلماً فذبيحته حلال ولا يلزمنا أن نسأل كيف ذبح ولا هل سمى الله على الذبيحة أم لا؟ بل وليس لنا أن نسأل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه قومٌ فقالوا إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال (سموا أنت وكلوا) وكانوا حديثي عهد بالكفر وهذا يدل على أنه ليس من حق الإنسان أن يسأل مثل هذا السؤال فعلى هذا نقول من الذي ذبح هذا؟ إذا قالوا مسلم أو قالوا إنه كتابي يعني يهودياً أو نصرانياً فهو حلال ولا تسأل، وأما إذا قالوا إنه ليس بمسلم ولا كتابي فإن هذا لا يحل، على كل حال لا يحل لأنه لا أحد من الناس تحل ذبيحته إلا هؤلاء الثلاثة المسلم واليهودي والنصراني.
***(20/2)
يقول السائل ما حكم أكل اللحوم المستوردة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكل اللحوم المستوردة لا بأس به إذا كانت واردة ممن تحل ذبائحهم كأهل الكتاب لقول الله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (طعامهم: ذبائحهم) ولا يسأل كيف ذبح؟ ولا هل ذكر اسم الله عليه؟ لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها (أن قوما أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم وقالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا قال (سموا أنتم وكلوا) فأباح لهم الأكل مما جهلوه قالت عائشة وكانوا حديثي عهد بكفر) ومثل هؤلاء قد يخفى عليهم وجوب التسمية فلا يسمون ومع ذلك قال سموا أنتم وكلوا ولم يأمر بالتحري وهذا من محاسن الشريعة أن الإنسان لا يلزمه أن يسأل عمن ذبح الذبيحة هل سمى أو لم يسم؟ ولو فتح هذا الباب لشق على الناس ولكان الإنسان يسأل هل سمى أو لا؟ وهل ذبح ذبحا مجزيا أو لا؟ وهل كان من أهل الذكاة أو لا؟ وسلسلة لا نهاية لها ولكن الحمد لله وظيفتنا نحن أن نسمي عند الأكل ولا نسأل كيف ذبح ولا عن الذابح إذا كان ممن تحل ذبيحته هذا نوع والنوع الثاني من المستورد إن يرد من دول لا تحل ذبائح أهلها فالوارد من الدول الشيوعية إذا عُلم أن الذي ذكاه لم تحل تذكيته فإنه لا يحل ما ورد عنهم.
***(20/2)
المستمع محمد أبو الفضل من المدينة المنورة يقول في رسالته ما العمل إذا نزلنا ببلاد الكفار والهندوس والمجوس هل نأكل من مطاعمهم أو كيف نعمل وهل علينا إثم في ذلك أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الطعام الذي لا يحتاج إلى تذكية كالخبز والرز ونحوه فهذا يؤكل من طعامهم ولا يسأل عنه وكذلك الحوت لأن الحوت لا يشترط فيه التذكية وأما ما يحتاج إلى تذكية كاللحم فإن كان هؤلاء الذين قدموا لنا ذلك الطعام من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنه يحل لنا أن نأكل ما ذبحوه لقوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (طعامهم: ذبائحهم) وكما أن هذا مقتضى كتاب الله فهو ما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً فقد (أكل النبي صلى الله عليه وسلم من شاة أهدتها له يهودية في خيبر حين فتحها) وكذلك (أكل من طعام اليهودي الذي دعاه إلى خبز شعير وإهالة سنخة) وكذلك (أقرّ عبد الله بن مغفل على أخذ الجراد من الشحم الذي رمي به حين فتح خيبر) فقد دل كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والإقرارية بل لقد دل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية والإقرارية على حل ذبائح أهل الكتاب ولا بنبغي لنا أن نسأل كيف ذبحوها؟ ولا هل سموا الله عليها أم لا؟ وذلك لأن الأصل في الفعل الذي فعله من هو أهل لفعله الأصل فيه السلامة وعدم المنع وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها (أن قوماً جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سموا أنتم وكلوا أي سموا على أكلكم ولا تبحثوا عن فعل غيركم قالت عائشة وكانوا حديثي عهد بكفر) فإذا كان النبي صلى الله عليه أرشد إلى عدم السؤال لهؤلاء القوم الذين كانوا حديثي عهد بكفر والغالب عليهم أن تخفى عليهم مثل هذه المسألة كان في ذلك دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلف وأن يتعمق وأن الذي ينبغي أن يأخذ الأمور على ظاهرها بدون إشقاق ولا إعنات على نفسه أما إذا كان هؤلاء الذين يقدمون لكم الطعام من غير أهل الكتاب وفيه شيء مما لا يحل إلا بالتذكية فإنه لا يحل لكم أن تأكلوا منه وذلك لأن ذبائح غير اليهود والنصارى محرمة ولا تحل لقوله (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) فإن مفهوم هذا القيد (أُوتُوا الْكِتَابَ) يدل على أن غيرهم من غير المسلمين لا تحل ذبائحهم وهو محل إجماع بين أهل العلم.
***(20/2)
هذه رسالة وردتنا من فرنسا ومن المرسل يقول ابنكم عبد الرحمن محمد العسيري فرنسا يقول هل يجوز لنا أكل اللحوم المذبوحة بغير الطريقة الإسلامية علماً بأنه لا يوجد في المطعم المخصص للغداء أثناء الدراسة غيرها فإن كان ذلك جائز لأنها من ذبائح أهل الكتاب فإني أعرف أنها لا تذبح بل بطريقة الخنق أو إطلاق الرصاص عليها أو بمكائن خاصة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذبائح أهل الكتاب حل لنا لقوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) ولا يجب علينا أن نسأل كيف ذبحوها؟ وهل سموا عليها أم لم يسموا؟ بل إنه ليس من المشروع لنا أن نسأل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري (سأله قوم فقالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا قالت وكانوا حديثي عهد بكفر) فدل هذا على أنه ليس من المشروع أن يسأل الإنسان عن ذبيحة من تحل ذبيحته كيف ذبحها؟ وهل سمى أو ما سمى؟ ثم النبي عليه الصلاة والسلام دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة ولم يسأله كيف ذبح ذلك ثم لما أهدت له اليهودية الشاة في خيبر أكل منها صلى الله عليه وسلم ولم يسألها كيف ذبحتها فليس من المشروع ولا من السنة أن يسأل الإنسان عن ذبيحة من تحل ذبيحته كيف ذبحها وهل سمى أم لم يسم ولكن إذا تيقنت أن هذه الذبيحة المعينة التي قدمت لك ذبحت على غير الطريقة الإسلامية بأن ذبحت خنقاً أو بالرصاص أو بإلقائها في الماء الحار أو ما أشبه هذا مما ليس ذكاة شرعية فإنها لا تحل لك حينئذٍ كما لو ذبحها مسلم فإنه لو ذبحها مسلم بهذه الطريقة والمسلم خير من اليهودي والنصراني بلا شك وأجلّّ فإنها لا تحل فمن باب أولى إذا ذبحها اليهودي أو النصراني بغير الذكاة الشرعية أنها لا تحل وإذا كان الذبح عند النصارى أو اليهود متنوعاً يعني أن بعضهم يذبح بطريقة الخنق وبعضهم بطريقة الذبح أو النحر فإنه يكون من المشكوك فيه هل هو من هؤلاء أو من هؤلاء وحينئذ ينبغي للإنسان أن يتحرز منه لأن طريقة الاحتياط في ترك الإنسان ما يريبه إلى ما لا يريبه خير وأولى وأحسن.
***(20/2)
يقول هل يجوز الأكل من الذبيحة التي يجعلها الإنسان تقرباً لله ما هي الكيفية التي تذكر عند الذبح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذبيحة التي يجعلها الإنسان تقرباً إلى الله تارة تكون فدية يفدي بها الإنسان نفسه من ارتكاب محظور أو ترك مأمور وذلك في الحج والعمرة فالذبيحة التي هذه سبيلها لا يجوز أن يأكل منها لأنها بمنزلة الصدقة والكفارة فيطعمها كلها للفقراء وأما ما يقع قربة في غير هذه الحال كهدي المتعة والقران وكذلك الأضحية وكذلك العقيقة فإنه لا بأس بل الأفضل أن يأكل الإنسان منها ويُهدي ويتصدق لأن الله يقول (كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من هديه كما أكل من هديه صلى الله عليه وسلم في مكة حين ذبح مائة بعير فأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها) وقال في الأضحية (كلوا وادخروا وتصدقوا) فالحاصل أن الذبيحة التي يؤكل منها كل ما كان قربة لله سبحانه وتعالى ليس سببه ترك واجب أو فعل محظور وأما كيف يذبح فنقول كيفية الذبح إما فعلية وإما قولية فأما القولية فأن يقول الإنسان عند الذبح بسم الله وفي الأضحية يقول بسم الله والله أكبر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمىَّ على أضحيته وكبر فيقول عند ذلك اللهم هذا منك ولك اللهم هذا عني وعن أهل بيتي هذه الصفة القولية.(20/2)
فضيلة الشيخ: هذا في الأضحية يقول عني وعن أهل بيتي لكن في الفدية لا يقول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في الفدية لا يقول هكذا وكذلك في العقيقة إن قال هذه عقيقة ابني فلان أو بنتي فلانة فلا حرج وأما الكيفية الفعلية فهو الذبح في غير الإبل والنحر في الإبل وكلاهما في الرقبة لكن النحر في أسفلها مما يلي الصدر والذبح في أعلاها مما يلي الرأس ولابد في الذبح من إنهار الدم وذلك بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) ولأن احتقان الدم في الذبيحة مضر فلابد من إخراجه بقطع الودجين وهما كما قلت العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم وإذا كان في الإبل نحراً وفي غيرها ذبحاً فإنه إذا تمكن من أن ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيأتيها من الجانب الأيمن ويطعنها بالحربة أو السكين حتى تسقط وتموت فهذا أولى وإن لم يستطع فعل ذلك فإنه ينحرها باركة أما غيرها غير الإبل فإنه يذبح ويضجع على الجنب الأيسر إذا كان الذابح يذبح باليمين لأن ذلك أسهل للذبيحة أما إذا كان لا يعرف أن يذبح باليمين وإنما يذبح باليسار فإنه يضجعها على الجنب الأيمن لأن ذلك أيسر لذبحه وأقرب إلى إراحة الذبيحة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) وقوائمها في هذه الحال قال أهل العلم إنه ينبغي أن تكون طليقة لا تمسك ولا تربط لأن ذلك أريح لها حيث تعطى حريتها ولأن ذلك أبلغ في خروج الدم منها والنبي عليه الصلاة والسلام لما ذبح أضحيته لم يرد عنه أنه أمسك بقوائمها ولا أمر أحداً بإمساكها وإنما (وضع رجله على صفاحهما) لأجل أن يتمكن من السيطرة عليهما عند الذبح حينما (ضحى بكبشين عليه الصلاة والسلام) .(20/2)
فضيلة الشيخ: ما المقصود بالصفاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصفاح الرقبة صفحة الرقبة يعني جانب الرقبة(20/2)
فضيلة الشيخ: يعني يضع رجله على صفحة الرقبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على صفحة الرقبة نعم
***(20/2)
يقول هل ذبح الديك الأبيض حلال أم حرام في الإسلام لأنه يقال إذا صاح الديك يسبح ويقول اذكروا الله يا غافلين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الديك الأبيض وغير الأبيض من البهائم التي أحلها الله عز وجل فيجوز ذبحه ولا حرج فيه وأما كونه يسبح عند صياحه فإن هذا يكون له ولغيره (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) كما قال الله تبارك وتعالى وصياح الديكة ينبغي لمن سمعه أن يسأل الله من فضله كما جاء به الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا سمعت صياح الديك الأبيض أو غيره فإن المشروع أن تسأل الله من فضله.
***(20/2)
سائل يقول ما حكم ذبح الجربوع والضب وهل هما حلال أم حرام أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم اليربوع والضب حلال واعلم أن الأصل في كل ما على الأرض من نبات وأشجار من نبات وحيوان الأصل فيه الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فإن وردت السنة بحل شيء بعينه كان ذلك زيادة تأكيد واليربوع حلال لأنه صيد يفدى إذا قتله الإنسان في الحرم أو قتله وهو محرم وكذلك الضب حلال ثبت أكله على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يأكل منه وسئل عن ذلك فقال (لم أجده بأرض قومي فأجدني أعافه) وإذا كان حلال فإنه لا بد من تذكيتهما لقوله عليه الصلاة والسلام (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا) .
***(20/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائل يقول في سؤاله فضيلة الشيخ حفظكم الله الضبع من السباع هل يجوز أكله وهل صحيح أنها تلد في سنة ذكراً وفي أخرى أنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما أكله فمباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع إذا قتلها المحرم كبشاً وهذا يدل على أنها مباحة وأنها من الصيود ولو كانت حراماً لم يكن فيها جزاء وأما أنها تلد سنة ذكراً وسنة أنثى فلا علم لي بذلك.
***(20/2)
ماحكم الشرع من وجهة نظركم في أكل الضب هل هو حلال أم حرام لأنني أرى البعض من الناس يقول بأنه حرام ولا أعلم في ذلك حكماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكل الضب حلال لا بأس به لأنه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هاهنا مسالة أحب التنبيه عليها وهو أن بعض الناس يسيء في الحصول على الضبان بأن يعذبها تعذيبا بالغا يمكن إدراكها بدونه ومعلوم أن الإنسان إذا كان يمكنه أن يتوصل إلى مقصوده من هذه البهائم بشيء أسهل فإنه لا يجوز له أن يستعمل ما هو أصعب لقول النبي صلى الله علية وسلم (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فمثلاً إذا كان يمكن استخراج الضب من جحره بالماء فإنه لا يجوز إخراجه بالنار لأن النار أشد ألما وأذية له من الماء وإذا كان يمكن أن يصاد بالبندق أي بالرصاص فإنه لا يصاد بالحجر ونحوه لأن الحجر ربما يقتله وإذا مات بقتل الحجر فإنه يكون محرم الأكل لأنة وقيذ والمهم أن الإنسان يجب أن يحصل على الضبان وعلى غيرها مما أباح الله عز وجل بأسهل طريق ممكن ولا يحل له أن يتبع الأصعب مع إمكان الأسهل.
***(20/2)
فضيلة الشيخ هذا المستمع من المملكة الأردنية الهاشمية قاسم من دير خليفة يقول فضيلة الشيخ أرجو منكم أن تبينوا لنا الحكم الشرعي في شحوم البقر والغنم هل هي محرمة على الإنسان بالرغم أن كثيراً من الناس تأكل هذه الشحوم أرجو من فضيلة الشيخ بيان ذلك بالتفصيل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شحوم البقر والغنم ولحومها كله حلال لقول الله تبارك وتعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) ويعني بما يتلى علينا قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ولا فرق بين لحومها وشحومها لأن الشريعة الإسلامية ولله الحمد شريعة مضطردة لا تنتقض ولم يحرم الله عز وجل جزءاً من حيوان دون جزء بل الحيوان إما حلالٌ كله وإما حرامٌ كله بخلاف بني إسرائيل فإن الله تعالى قال في حقهم (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم شيئاً مما أحله من بهيمة الأنعام أو غيرها فقال الله تبارك وتعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وبهذا عرف أن الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في (أن لحم البقر داءٌ ولبنها شفاء) حديثٌ باطل لا صحة له لأنه لا يمكن أن يحل الله لعباده ما كان داءً ضاراً بهم بل قاعدة الشريعة الإسلامية أن ما كان ضاراً فإنه محرم لا يحل للمسلمين تناوله لقول الله تبارك وتعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (لا ضرر ولا ضرار)
***(20/2)
يا فضيلة الشيخ هل صحيح أن الإكثار من القهوة مكروه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القهوة من الشراب المباح لكن إذا قيل إن الإكثار منها يضر صارت حراما ومن ثم يختلف الناس فهذا الرجل الذي قيل له لا تشرب القهوة فإنها ضارة بك نقول لا تشربها فهي حرام عليك والآخر الذي اعتاد شربها ولم تؤثر عليه نقول اشرب ما شيءت ولهذا لا أحد يشك في أن التمر حلال لكن لو قيل لرجل مصاب بداء السكر لا تأكل التمر فإنه يؤثر عليك ويضرك قلنا التمر حرام عليك مع أنه حلال فالشيء الحلال من مأكول ومشروب وملبوس إذا كان يتضمن ضررا على الإنسان فإنه يكون حراما عليه كما أن الحرام من هذا إذا كانت تندفع به الضرورة صار حلالاً فالرجل الجائع الذي يخشى على نفسه الموت تحل له الميتة ويحل له لحم الخنزير ويحل له ما ذبح على النصب والإنسان المضطر إلى لبس الحرير وأعني بذلك الرجل يجوز له أن يلبس الحرير لو كان فيه حساسية يعني حكة وقال الأطباء إن الذي يذهبها أن تلبس الحرير قلنا البس الحرير مع أنه حرام لكن للحاجة جاز له اللبس فالمهم أن الشيء قد يكون حراما لشخص وحلالا لآخر وذلك حسب ما تقتضيه حاله أما المحرم على الإطلاق فهو حرام على كل أحد لكن مع ذلك المحرم على كل أحد إذا اضطر الإنسان إليه واندفعت ضرورته بتناوله صار حلالا له.
***(20/2)
الأخ عبد الله ناشع مداوي الأسمري وراشد الأسمري من منطقة تنومة من بني شهل يسألان هذا السؤال يقولان إن كثيراً من الناس يضعون أكياس الملح في البيارات وكان قصدهم من ذلك تفجير الأرض حتى تبلع الماء ويخف عنهم نزحها فهل هذا جائز أم غير جائز نرجو الإجابة على هذا السؤال وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الملح أصله من الماء والماء يجوز أن تزال به النجاسة كما هو معلوم وعلى هذا فيجوز أن تُوضع أكياس الملح في البيارات من أجل تفتحها ليتمكن صاحبها من السلامة أو ليسلم صاحبها من معاناة نزحها كلما امتلأت وذلك كما أسلفنا أن الملح أصله الماء والماء تجوز إزالة النجاسة به ولا حرج عليهم إذا وضعوا هذه الأكياس في البيارات.(20/2)
فضيلة الشيخ: لكن أليس الملح انقلب بعد أن خرج من الماء وأصبح ملموساً مكيلاً وناشفاً أن يكون نعمة وكل شيء خلق من الماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حتى الماء نعمة أيضاً والملح هذا يصلح به الطعام وليس طعاماً وليس كل ما يصلح به الطعام يكون له حرمة الطعام فالوقود لاشك أنه يصلح به الطعام ولا يكون طعاماً إلا بنضج ومع ذلك فإن الوقود ليس له حرمة الطعام.
***(20/2)
يقول السائل البيرة التي تباع بالأسواق المحلية ومكتوب عليها بهذه العبارة خالية من الكحول الكثير يتساءلون عن إباحة هذا المشروب فما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أنه مباح وذلك أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) حتى نعلم ما يقتضي التحريم وهنا لم نعلم ما يقتضي التحريم إذ أنها قد جربت فلم تكن مسكرة وإذا لم تكن مسكرة فإنها حلال لا سيما وأنه قد كتب عليها أنها خالية من الكحول وعلى هذا تكون مباحة لأنه الأصل.
***(20/2)
وردتنا رسالة من أحد السادة المستمعين هو سعد عبد الفتاح المجذوب من الجمهورية العراقية يقول ما هو رأي الدين في دخول بار يعني مطعم ومشرب يحتوي البار على المأكولات والمشروبات الروحية وكان الهدف هو تناول الطعام فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن شقين الشق الأول هذه التسمية الباطلة للشراب الخبيث وهو الخمر فإن تسميته بالشراب الروحي تسمية باطلة فأي شيء هو للروح بل هو الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين والنفس ولا ينبغي مثل هذا أن يُوصف بهذا الوصف الجذاب الذي يضفي عليه ثوب المشروعية بل ثوب الترغيب والدعوة إليه لهذا ينبغي أن نسميه الشراب الخبيث بل هو أم الخبائث ومفتاح كل شر والشق الثاني دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر وهذا لا يجوز بل هو محرم لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يعصى فيه الله عز وجل فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل قال الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ولكن إذا كنت في ضرورة ولا أعتقد أن تكون في ضرورة إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث لكن إن كنت في ضرورة فاشتر طعاماً وابتعد عن هذا المكان وكله وإن كنت تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث فإن ذلك هو الواجب عليك.
***(20/2)
مصباح محمد أحمد من السودان يقول في رسالته هل لحم التمساح والسلحفاة حلال أم حرام لأن هذه كلها عندنا في السودان أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل صيد البحر حلال حيه وميته قال الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما صيد البحر ما أخذ حياًَ وطعامه ما وجد ميتاً إلا أن بعض أهل العلم استثنى التمساح وقال إنه من الحيوانات المفترسة أو من الحيوان المفترس فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام (نهى عن كل ذي ناب من السباع) من وحوش البر فإن هذا أيضاً محرم ولكن ظاهر الآية الكريمة التي تلوتها أن الحل شامل للتمساح.
***(20/2)
هذه السائلة تقول أنا مؤمنة بكل نعم الله عز وجل ولكن الثوم لا تهواه نفسي فأنا من عائلة لا تستغني عنه وأنا لا أحبه فعندما أشم رائحته فقط أتضايق وأحس في قلبي وصدري حرارة ويضيق تنفسي بسببه ولكن عائلتي لا تستغني عنه فحرمته عليهم فقامت العائلة بشراء حبوب ثوم من الصيدلية ليس لها رائحة وقيمة هذه الحبوب أضعاف ما نشتريه بالكيلو والسؤال يبقى هل علي إثم في ذلك علما بأن ذلك ليس بيدي جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان في هذا تضييق على العائلة فإنه لا يحل لك أن تمنعيهم من ذلك وإن لم يكن فيه تضييق فلا بأس أن تقولي لهم إن هذا يضرني ويؤذيني وإني أحرمه عليكم يعني أمنعكم منه ولكن لو فرض أنهم لم يمتثلوا وأنهم أكلوا الثوم وقد حرمتيه عليهم وجب عليك كفارة يمين لأن تحريم ما أحل الله بقصد الامتناع منه حكمه حكم اليمين لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) فجعل الله تحريم ما أحل الله يمينا حيث قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) .
***(20/2)
بارك الله فيكم السائل من المدينة المنورة رمز لاسمه بـ م. ي. يقول أعمل في محل تجاري وأحيانا أجد بعض الهوام من جرذان أو فئران أو غيرها حاولت القضاء عليها بالقتل مباشرة فلم أستطع لصعوبة ذلك فاشتريت مادة غراء لاصقة لإمساكها فتسبب ذلك بأضرار في البضاعة اهتديت إلى مصيدة على شكل صندوق مخرم تدخل فيه تلك الحشرات والحيوانات فتنطبق عليها وهي حية ثم بعد ذلك أقوم بقتلها بواسطة سيخ أو آله حادة مع العلم بأن ذلك يحدث بعض العذاب لها أثناء القتل وإذا لم أقتلها أقوم برميها في إناء فيه ماء فلا تستطيع الخروج منه وتبقى كذلك حتى تموت فهل علي حرج في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا السائل يقول بأنه من المدينة المنورة وهذه كلمة شائعة بين الناس أن يسموا المدينة بأنها المدينة المنورة وحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أضاء منها كل شيء لكن لما توفي أظلم منها كل شيء هكذا جاء الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهي مدينة منورة بلا شك بالعلم والإيمان وكذلك كل مدينة دخلها الإسلام فإنها منورة بالعلم والإيمان والذي ينبغي أن تسمى المدينة. المدينة النبوية كما كان سلفنا المؤرخون يسمونها بذلك أي بالمدينة النبوية وهذه الخصيصة أعني كونها نبوية خاصة بالمدينة لأنها البلد التي هاجر إليها رسول صلى الله عليه وسلم واختارها موطنا له ومات فيها فوصف المدينة بأنها نبوية أولى من وصفها بأنها المنورة وأما ما يتعلق بسؤاله عن هذه الحشرات والجرذان فإن له أن يقتلها بأهون وسيلة سواء أكان ذلك باللاصق لكن إذا كان باللاصق فلابد أن يلاحظها ويكرر ملاحظتها لئلا تموت جوعا أو عطشا فيقتلها من حين أن يراها أو كان ذلك بما ذكره من وضع فخ تدخل فيه ثم يقضي عليها بالقتل أو كان ذلك بإلقائها بالماء حتى تموت لكن يجب أن يسلك أسهل طريق يحصل به الموت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) .
***(20/2)
بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله يقول أعرض على فضيلتكم هذا السؤال وهو أنني عندي حيوانات مثل الأغنام والدجاج وهناك بعض الحيوانات المفترسة تأكل الدجاج والأغنام وأضع لهذه الحيوانات السم وتأكله حيوانات بريئة فبماذا توجهونني في هذا هل علي ذنب في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نوجهك أن تضع شيئا لا يلحق ضرره إلى شيء بريء من هذه الحيوانات بأن تضع فخاً لا يقتل ما أمسكه فإذا أمسك شيئا تعلم أنه لا يعتدي على ما عندك فأطلقه وإلا فاقتله أما إذا عرفت أنه ليس حولك من الحيوانات المفترسة إلا ما كان عاديا فلا بأس أن تضع شيئا يقتل الجميع لأن الحيوانات المفترسة يسن قتلها سواء اعتدت على الإنسان أم لم تعتد.
***(20/2)
السائل من السودان طه أم درمان يقول ما حكم وسم البهائم بالنار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به بوسمها بالنار إلا أنها لا توسم في وجهها بل يكون الوسم في الآذان أو على الرقبة أو على العضد أو على الفخذ أو في مكان آخر غير الوجه أما وسمها في الوجه فلا والوسم بمعنى العلامة ولهذا ينبغي أن يكون الوسم خاصا بأصحابه حيث لا تختلط البهائم بعضها ببعض لأن الوسم إذا رآه الإنسان قال هذه شاة فلان هذه ناقة فلان هذا جمل فلان هذا فرس فلان فلا بد أن يكون الوسم علامة مميزة حتى لا تضيع فائدته.
***(20/2)
هذا المستمع أخوكم أحمد عبده محمد يقول بأنه مقيم في السويد ويعرض في مطاعمهم لحم الخنزير ولقد تعرضت لسؤال من بعض الأشخاص وهو لماذا حرم أكل لحم الخنزير وما هو السبب وما هو الدليل على هذا أرجو من فضيلة الشيخ إعطائي إجابة وافية حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لحم الخنزير حرمه الله عز وجل في كتابه في عدة مواضع وأجمع المسلمون على تحريمه وبين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تحريمه قل (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فبين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تحريمه وهو أنه رجس أي نجس مضر بالإنسان في دينه وبدنه والرب عز وجل هو الخالق وهو العالم بما في مخلوقاته من أضرار ومنافع فإذا قال لنا أنه حرَّم الخنزير لأنه رجس علمنا بأن هذه الرجسية ضارة لنا في ديننا وأبداننا وحينئذ نقول لكل إنسان سأل عن الحكمة في تحريم لحم الخنزير نقول إنه رجس أي نجس ضار بالنسبة للبدن وبالنسبة للدين وقد قيل إن من خلق هذا الحيوان النجس قلة الغيرة فإذا تغذى الإنسان به فقد تسلب منه الغيرة على محارمه وأهله لأن الإنسان قد يتأثر بما يتغذى به ألم ترى (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) لأن هذه السباع وهذه الطيور من طبيعتها العدوان والافتراس فيخشى إذا تغذى بها الإنسان أن ينال منها هذا الطبع لأن الإنسان يتأثر بما يتغذى به فهذه هي الحكمة من تحريم لحم الخنزير وهذا نقوله حينما نقوله لإنسان لا يؤمن بالقرآن ولا بأحكام الله وقد نقوله لإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر ولكن ليطمئن قلبه وليزداد ثباتاً والمهم أنه بمجرد ما يقال إن هذا حكم الله ورسوله فهو حِكْمَة الحِكَمْ عند المؤمن كما قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقال تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) ولما سئلت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ذكرت أن العلة في ذلك أمر الله ورسوله فقالت (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوت كونه حكماً من الله ورسوله ويستسلم لذلك ويرضى به لكن إذا كنا نخاطب شخصاً ضعيف الإيمان أو شخصاً لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها.
***(20/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول فضيلة الشيخ ما الحكمة من تحريم لحم الخنزير أرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من تحريم لحم الخنزير أنه رجس أي نجس كما قال الله تبارك وتعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) والرجس هو النجس هذه هي الحكمة من تحريم لحم الخنزير ولهذا استباحه الأنجاس من الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لأن حكمة الله تعالى اقتضت أن الخبيثين للخبيثات والخبيثات للخبيثين.
***(20/2)
بارك الله فيكم يستفسر عن صيد طير الهدهد هل هو حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه حرام (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله) وكل ما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله فإنه حرام أما ما أمر بقتله فهو حرامٌ لاحترامه وأما ما نهي عن قتله فهو حرام للنهي عنه وإذا كان الهدهد حراماً كان قتله غير مشروع لأنك لم تنتفع به بل كان قتله منهياً عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن قتل أربعة من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد) .
***(20/2)
السائل يقول في إحدى الحلقات السابقة من برنامجكم سمعت رداً لأحد المشايخ عن سؤالٍ حول نجاسة الكولونيا والروائح المضاف إليها الكحولات وورد في رد فضيلة الشيخ أن ذلك متوقفٌ على كمية الكحول المضافة للكولونيا بمعنى أنه إذا كانت مضافةٌ لها كمية كحول بحيث إذا شرب منها الإنسان كميةً كبيرةً جداً ولم يسكر فليست بمحرمة عملاً بالقاعدة الشرعية ما أسكر كثيره فقليله حرام وأنا أسأل أليس القليل من الكحول المضاف لأي شيء وليكن دواءً مثلاً أليس هذا القليل من كثير وهو الكحول مسكر كذلك المضاف إلى الكولونيا أليس في الأصل هو قليلٌ من كثير مسكر وهو الكحول فهل القياس يكون على الكحول أساساً كقليلٍ من كثير أم على الكولونيا أو الدواء كقليلٍ من كثير وهو مضافٌ إليه قليلٌ من كثيرٍ مسكر وهو الكحول أرجو التكرم بإيضاح هذه المسألة وتفضيل القول فيها حتى نكون على بينةٍ من الأمر جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره الأخ السائل أظن أنه صدر مني في بعض الحلقات السابقة وذكرت أنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه لا عبرة به وذلك لأنه إذا اختلط بهذا الشيء ولم يظهر له أثر فقد تلاشى فيه وتضائل وذهب والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فما دام هذا قد قضى عليه فإنه لا أثر وأظن أنني مثلت لذلك أو نَظَّرت لذلك بما لو سقطت نجاسةٌ في ماء ولم يظهر لها أثرٌ فيه لا بالطعم ولا باللون ولا بالريح فإن الماء يبقى على طهوريته فهذا الشراب أو الدواء الذي خلطت فيه كمية قليلة من الكحول ولكنها لا تؤثر فيه يعتبر طاهراً ومباحاً لأن الحكم يدور مع علته كما قلت وأما الكثير والقليل فمعناه أن هذا الشيء الشراب إذا كان لو أكثرت منه أسكرك ولو شربت قليلاً منه لم تسكر فإن القليل منه وإن لم يسكر يكون حراماً وذلك لأنه يكون وسيلةً للكثير فإن النفس تطمع في هذا وتزداد منه حتى يصل بها إلى حد الإسكار ولهذا حرم الشارع ذرائع المحرمات ووسائلها هذا معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ما أسكر كثيره فقليله) حرام وليس معنى الحديث ما وقع فيه قليلٌ من مسكر وهو كثير فإنه حرام بل ما وقع فيه قليل من مسكر وتلاشى فيه ولم يظهر له أثر فإنه لا عبرة به لأنه لم يبقَ له أثر.
***(20/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ ما حكم رمي التلاميذ بقايا طعامهم وشرابهم في القمامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لا يؤكل فلا بأس كقشور البرتقال والتفاح والموز وما أشبه ذلك لأن هذا لا حرمة له في نفسه وأما ما يؤكل كبقايا الخبز والإدام وشبهه فإنه لا يلقى في الأماكن القذرة وإذا كان لا بد أن يلقى في الزبالة فليجعل له كيس خاص يوضع فيه حتى يعرف المنظفون أنه محترم.
***(20/2)
بارك الله فيكم من أسئلة المستمع من جدة طالب من جامعة الملك عبد العزيز يقول يوجد على الخطوط السريعة بعض الماشية لا أرى لها مالك فهل لنا أن نقوم بشرب حليبها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن هذه الماشية قريبة من أهلها وأنت لو شربت حليبها أتلفته عليهم فالورع لك تركها وأن لا تشرب من حليبها لأنه لو عثر صاحبها على ذلك لحصلت بينك وبينه مشاكل والإنسان مأمور بترك ما يؤدي إلى المشاكل والخصومة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم (أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه) كل هذا من أجل أن يبتعد الناس عن المشاكل فيما بينهم، نعم لو وجدت ماشية كثيرة في مكان ليس حولها راعي فلك أن تشرب من لبنها بشرط أن لا يؤثر على أولادها إن كان لها أولاد.
***(20/2)
هذه الرسالة من المخواه يقول م ع س في يوم من أيام شهر رمضان المبارك أتى علي الليل وأنا في الصحراء وقرب موعد الإفطار وأنا أكاد أهلك من العطش والجوع وفجأة وجدت رجل معه زاد وماء فطلبت منه أن يعطيني ما أسد به جوعي فرفض بكل إباء وإصرار أن لايعطيني أي شيء فما حكم إجباره وأخذ الماء والزاد منه مع العلم أنني إذا ما أخذت منه فسوف أهلك من الجوع والعطش؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتوجه إلى السائل وإلى صاحب الطعام والشراب أما السائل فيجوز له أن يأخذ من هذا الطعام والشراب قهراً عليه وله الحق في ذلك لإنقاذ نفسه ولأن الآخر ليس مضطراً إلى ما معه من الطعام والشراب حتى نقول إن ضرورة صاحب المال أحق بالدفع من ضرورة الإنسان الخارج عنه وأما التوجيه إلى صاحب الطعام والشراب فإنني أقول حرام عليه أن يمنع من اضطر إلى الطعام والشراب الذي بيده حرام عليه أن يمنعه من تناوله بل يجب عليه وجوباً أن يبذله له حتى إن بعض أهل العلم يقول إنه إذا امتنع من بذله له ومات فإنه يكون ضامناً له لأنه فرط حيث ترك ما وجب عليه من إنقاذ هذا الرجل المعصوم فإذا فرط في واجب وجب عليه ضمانه فعلى كل حال يحرم على المسلم إذا اضطر أحد من المسلمين إلى ما معه من طعام أو شراب أو لباس وهو ليس بضرورة إليه يحرم عليه أن يمتنع من إسعاف هذا المضطر بما معه.
***(20/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل للبرنامج يقول في هذا السؤال هل أكل ثمار الشجر دون علم صاحبها حرام أم ماذا فإن البعض من الناس يقولون بأن ذلك ليس حراما لأنه أكلها ولم يبيعها فما قولكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرخص للإنسان إذا مر ببستان فيه ثمر وليس عليه حارس ولا عليه شبك يمنع من دخوله ولا جدار له أن يأخذ منه بملء فمه فقط يعني ما دام على الشجرة فله أن يأخذ ولو شبع وأما أن يحمل معه شيئا فلا يجوز إلا إذا استأذن من صاحبه وأذن له فهذا شيء آخر.
***(20/2)
بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمود كريم من العراق محافظة السليمانية يقول ورد في القرآن الكريم تحريم أكل الدم مطلقا فهل نقله من شخص إلى آخر بواسطة شرعي يعد من الأكل المحرم أم لا وما حكم بيعه أو أخذ عوض مالي مقابل التنازل عن قدر معين منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حرم الله عز وجل الدم في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) لكنه قال سبحانه وتعالى بعد (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وعلى هذا فإذا اضطر مريض إلى حقن الدم فيه فإنه يجوز أن يحقن فيه الدم لأنه مضطر والضرورة تبيح الدم وأما بيعه فإنه لا يجوز بيعه لأن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه ولكن إذا اضطر أحد إلى دم وقرر الأطباء أنه ينتفع به فإنه لا ينبغي لأحد يمكنه إنقاذ هذا المريض أن يتخلف عن ذلك لأن هذا من باب الإحسان والله يحب المحسنين فإذا قرر الأطباء أن دم هذا الشخص صالح لدم هذا المحتاج إليه وأن هذا الشخص المأخوذ منه الدم لا يتضرر بأخذه فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن بذل الدم لأخيه لينقذ حياته ولعل الله سبحانه وتعالى أن ينقذه به من الموت فيكون بذلك له أجر عظيم.(20/2)
فضيلة الشيخ: يقول لو أعطي عوضا مقابل ذلك بدون اشتراط هل يجوز له أخذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو أعطي على سبيل المكافأة فإنه لا بأس به لقول النبي عليه الصلاة والسلام من (صنع إليكم معروفا فكافئوه) فإذا كافأه الذي أخذ من دمه على هذا فلا حرج.
***(20/2)
ماهي شروط الذكاة يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذكاة لها شروط منها أن يكون المذكي أهلاً للذكاة وهو المسلم أو الكتابي لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما طعامهم: ذبائحهم.
والشرط الثاني: أن ينهر الدم وذلك بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم كما يسميه بعض الناس الأوراد وهي جمع وريد.
والشرط الثالث: أن يسمي الله على الذبيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وفي لفظ (فكل إلا السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة) ، ولا شك أن إنهار الدم يكون بقطع الودجين وأما قطع الحلقوم والمريء فهو من كمال الذبح ويرى بعض أهل العلم أن قطع الحلقوم والمريء شرط لصحة الذكاة وعلى هذا فينبغي للإنسان أن لا يخل بقطعهما، وفي محل الذبح ودجان وحلقوم ومريء فالأولى بالإنسان بلا شك والأكمل أن يقطع هذه الأربعة كلها فإن قطع بعضها ففيه خلاف بين أهل العلم وتفصيل منهم لأن ذلك يحصل به نهر الدم، ولكن كلما كانت الذبيحة أطيب وأحل كان أولى ولهذا ننصح بأن يقطع الذابح جميع هذه الأربعة.
***(20/2)
يقول السائل هناك بلاد إسلامية يغلب عليها الشرك ويقل فيها أهل التوحيد بحيث يقال لهم وهابية من ندرة أهل التوحيد فهل تصح ذبائحهم مع العلم أنهم يذكرون اسم الله عليها ولا يعترفون بشركهم كما هو حال عباد القبور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشركون لا تحل ذبائحهم وإن ذكروا الله عز وجل لأنهم مشركون دل على هذا مفهوم قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) فإن مفهومه أن من سوى أهل الكتاب من غير المسلمين لا يحل لنا طعامهم والمراد بطعامهم ذبائحهم وقول من زعم أن الذين أوتوا الكتاب لقب ومفهومه غير معتبر وحاول بذلك أن يقول إن ذبائح المشركين حلال هذا القول المزعوم خطأ لأن (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) اسم موصول واسم الموصول وصلته بمنزلة الوصل أي بمنزلة الفاعل أو اسم الفاعل فقول الذين أوتوا الكتاب بمنزلة المؤتَوْن الكتاب ومن المعلوم أن اسم الفاعل واسم المفعول مفهومه ليس مفهوم لقب بل مفهوم صفة ومفهوم الصفة أمر معتبر عند الأصوليين وعلى هذا فهؤلاء الذين يعبدون القبور ويَدْعُون الموتى مشركون لا تحل ذبائحهم وأما تسمية أهل التوحيد منهم بالوهابيين فهذه التسمية في الواقع اصُطنِعت لتشويه دعوة التوحيد وإلا فإن الوهابية ليست مذهباً مستقلاً خارجاً عن مذاهب المسلمين بل إن جميع كتب هؤلاء العلماء من رسائل ومؤلفات كبيرة وصغيرة كلها تدل على أن هؤلاء القوم أخذوا منهجهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأنهم لم يخرجوا عن ما كان عليه محققو الحنابلة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ولكن نظراً لأن هذه الدعوة قويت بنعمة الله سبحانه وتعالى ثم بما يسر لها من ملوك آل سعود الذين قاموا بها خير قيام لما قويت هذه الدعوة دخلت السياسة فيها وصار علماء الدولة لا علماء الملة يشوهون هذه الدعوة بأنها دعوة وهابية خارجة عن ما كان عليه المسلمون من المذاهب المشهورة يقصدون بذلك تنفير الناس عنها وما مثلهم إلا كمثل قريش حين قالوا في النبي عليه الصلاة والسلام هذا ساحر كذاب وإلا فمن نظر إلى هذه الدعوة بعلم وإنصاف تبين له أنها هي حقيقة مذهب الحنابلة وغيرهم من أهل السنة والجماعة وأنها لا تعدوا ما كان عليه المسلمون من سلف هذه الأمة.
***(20/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل ما حكم أكل ذبائح عباد القبور الذين في عصرنا الحالي وهم يصلون ويصومون ويقومون بجميع أنواع العبادات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشرك لا تؤكل ذبيحته ولا يصلى خلفه ولا تقبل صلاته ولا صيامه ولا صدقته ولا يحل له أن يدخل مكة وعليه أن يتوب إلى الله من الشرك قبل أن يموت على ذلك فإن من مات على الشرك حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار وإنني أنصح علماء البلاد التي فيها قبور تعبد وأخوفهم بالله عز وجل لأن عليهم أن يبينوا لهؤلاء العوام حكم الله تعالى في هذه القبور وفي الإشراك بها قال الله عز وجل (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) وإن الشيطان ليوحي إلى بعض العلماء فيقول إنك إن أنكرت على هؤلاء العوام لم تكن سيدا فيهم وهذا من الخطأ فالإنسان إذا نهى عما حرم الله وأمر بما أمر الله صار سيدا حقا لأن العاقبة للمتقين فعلى إخواني من أهل العلم في تلك البلاد أن يبينوا الحق وألا تأخذهم في الله لومة لائم لأنهم عن ذلك مسؤولون.
***(20/2)
بارك الله فيكم يقول هل يجوز أكل ذبيحة الذي يذهب إلى الأضرحة ويتبرك بها ويتوسل بها أو الصلاة خلف مثل هذا وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يذهبون إلى الأضرحة على أقسام:
القسم الأول: من يذهب إلى الضريح ليدعوه ويستغيث به ويستنصره ويستجلب الرزق من عنده فهذا مشرك شركاً أكبر لا تحل ذبيحته ولا إمامته في الصلاة لأن الله عز وجل يقول (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) وفي الآية الأخرى (فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) .
القسم الثاني: من يذهب إلى الأضرحة ليدعو الله تعالى عندها ومعتقدا أن الدعاء عندها أفضل من الدعاء في المسجد أو في البيت وهذا لا شك أنه ضلال وخطأ وجهل ولكنه لا يصل إلى حد الكفر لأنه إنما يذهب لدعاء الله وحده ولكنه يظن أن دعاءه عند هذا القبر أفضل وأقرب إلى الإجابة.
القسم الثالث: أن يذهب إلى الأضرحة من أجل أن يطوف بها تعظيما لله عز وجل بناء على أن صاحب الضريح من أو لياء الله وأن تعظيمه تعظيم لله عز وجل فهذا مبتدع ولا يكون مشركا شركا أكبر لأنه لم يطف تعظيما لصاحب القبر وإنما طاف تعظيما لله أما لو طاف بالقبر تعظيما لصاحب القبر فإنه يوشك أن يكون مشركا شركا أكبر.
القسم الرابع: من يذهب إلى القبور ذهاباً شرعيا ليزورها ويدعو لأهلها وهذا ذهاب شرعي لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كنتم نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم الآخرة) وثبت عنه صلى الله عليه آله وسلم أنه كان بنفسه (يخرج إلى البقيع فيدعو لهم) والدعاء المستحب في هذه الزيارة أن تقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ونسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وأغفر لنا ولهم وليعلم أنه لا يجوز أن تزخرف القبور أو أن يبنى عليها لأن النبي صلى اله عليه وسلم (نهى أن يبنى على القبر أو أن يجصص أو أن يعظم بأي نوع من التعظيم) وأصحاب القبور مستغنون عن زخرفتها ولا تنفعهم زخرفتها شيئا لأنهم في باطن الأرض لا يقال إن زخرفة القبر وبناءه تعظيما لصاحبه لأن صاحبه لا يشعر بهذا التعظيم ولا ينتفع به بل هو وسيلة من وسائل الإشراك بهذا القبر ولو على المدى البعيد وعلى هذه الأقسام تنبني الأحكام فالرجل هل يكون مشركاً أو غير مشرك وهل تصح الصلاة خلفه أو لا تصح وليعلم أن القول الراجح أن الصلاة تصح خلف الفاسق العاصي ما لم يكن في ذلك إغراء له على معصيته أو تغرير لغيره به حيث يظن أنه إذا صلى خلفه فإنه ليس على معصية وأما من كان كافرا وكانت بدعته مكفرة فإنه لا يجوز أن يصلى خلفه لأن الكافر لا تصح صلاته.
***(20/2)
هذا السائل ابن مسعود من جمهورية مصر العربية مدينة السلوم يقول سمعت من خلال برنامجكم فتوى فهمت منها تحريم ذبيحة تارك الصلاة ونظراً لأن هذا الأمر له أهميته الكبرى في حياة المسلمين فنأمل التكرم بإلقاء الضوء على هذا الأمر مع رجاء ذكر الأدلة والبراهين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تارك الصلاة لا تحل ذبيحته بناءاً على القول الراجح من أن تارك الصلاة يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة ونظراً لأهمية هذه المسألة فإننا نذكر ما تيسر من أدلتها فمن أدلة كفر تارك الصلاة قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فعلق الله تعالي تسمية الأخوة في الدين على أمور ثلاثة: التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فإذا تخلف أحد هذه الأوصاف لم يكونوا إخوة لنا في الدين فمن المعلوم أن الأخوة في الدين لا تنتفي بمجرد المعصية حتى ولو كانت من أكبر الكبائر فقتل المؤمن عمداً من أكبر كبائر ومع ذلك لا يخرج من الدين ولا تنتفي به الأخوة يقول الله تعالى في آيه القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) فجعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول ويقول تعالى في آية قتال المؤمنين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إلى قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فلم تنتف الأخوة الإيمانية في قتال المؤمنين مع أن قتال المؤمنين كفر لكنه كفر دون كفر كما ثبت فيه الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (سباب المؤمن أو المسلم فسوق وقتاله كفر) والدليل الثاني قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) فإن قوله (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) دليل على أنه حين إضاعة الصلاة ليس بمؤمن أما من السنة من أدلتها فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن حديث بريدة بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فجعل النبي عليه الصلاة والسلام العهد فاصلاً بيننا وبين الكفر وقال ومن تركها فقد كفر وخرج من ربقة الإيمان وكذلك في حديث جابر قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) فجعل ترك الصلاة هو الحائل بين الإيمان والكفر وقال (الكفر) بال الدالة على الحقيقة فالمعنى بين الرجل وبين الكفر الحقيقي وهو المخرج من الإيمان ترك الصلاة ومن أدلة السنة أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم (أمرنا أن نسمع ونطيع لولاة الأمور وألا ننازعهم الأمر إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان) (وسئل عن هل ننابذ أئمة الجور قال لا ما صلوا) فدل هذا على أنهم إذا تركوا الصلاة فلنا أن ننابذهم وهذا يقتضي أن يكون ترك الصلاة كفراً بواحاً وهذا الاستدلال مركب من دليلين وقال عبد الله بن شقيق (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على كفر تارك الصلاة وهو مروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر وابن مسعود رضي الله عنهما قال عمر رضي الله عنه (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وحظ نكرة في سياق النفي فيعم القليل والكثير أي لا حظ لا قليلاً ولا كثيراً لمن ترك الصلاة في الإسلام فهذه الأدلة تدل على أن تارك الصلاة كافراً كفراً مخرجاً عن الملة وفيها أدلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من لا يرون كفر تارك الصلاة فوجدتها تنقسم إلى أقسام:
1.ما لا دليل فيه أصلاً.
2.ما هو مقيد بحال يعذر فيها بترك الصلاة.
3.ما هو مقيد بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة.
4.ما هو عام يكون مخصصاً بأدلة كفر تارك الصلاة ولم أجد لا في الكتاب ولا في السنة نصاً يقول إن تارك الصلاة مؤمن ولا يقول إن تارك الصلاة يدخل الجنة ولا يقول إن تارك الصلاة ينجو من النار وما أشبه ذلك مما يجعلنا نحمل نصوص الكفر على من أراد به كفر لا يخرج من الملة وإذا كان كذلك فإننا عبيد الله عز وجل يحكم فينا بما يشاء فإذا دل كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على استحقاق وصف من الأوصاف فليس لنا أن نتهرب منه بل علينا أن نثبته وإذا أثبتناه فإن الحكمة في إثباته ونحن إذا قلنا بكفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة كما هو مقتضى النصوص وأقوال الصحابة رضي الله عنهم فإننا بهذه المقالة نحمل الناس على الصلاة وكل إنسان يخاف الله ويخشى عقابه فإنه لابد أن يصلى إذا علم أنه إذا تركها كفر كفراً مخرجاً عن الملة وترتب عليه أحكام الكفر من انفساخ زوجته منه وعدم حل ذبيحته ومنعه من دخول مكة وحرمها وعدم تغسيله إذا مات وعدم دفنه مع المسلمين وتحريم الدعاء له بالرحمة والمغفرة وما أشبه ذلك كل إنسان له عقل إذا علم أن هذا الأمر يترتب على تركه الصلاة فإنه سوف يصلى لكننا إذا ذهبنا نلتمس التأويلات البعيدة للنصوص وقلنا إنه فاسق لا يكفر فسيتهاون بها ويتمادى في تهاونه ومن المعلوم أنه لا يمكن للإنسان عرف أعمال القلوب لا يمكنه أن يقول لشخص أو عن شخص حافظ على ترك الصلاة والتهاون بها وعدم المبالاة لا يمكن أن يقول عنه إن في قلبه شيئاً من الإيمان كيف يكون في قبله شيء من الإيمان؟ وهو محافظ على ترك الصلاة يؤمر بها فلا يمتثل ويرى المسلمين يصلون فلا يصلى وهو يعلم ما في الصلاة من الثواب العظيم والأجر الكثير وما في تركها من العذاب الأليم أعتقد أن هذا لا يمكن أن يقع من شخص في قلبه أدنى مثقال حبة من الإيمان وعلى هذا فيكون ترك الصلاة لو لم يكن فيه نصوص خاصة بتكفير من تركها لكان كفره من باب اللوازم أي أن من حافظ على تركها فإن من لازم ذلك ألا يكون في قبله شيء من الإيمان هذه هي الأدلة التي تدل على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة والعياذ بالله وبناءاً على ذلك فإن ذبيحته لا تحل لأن ذبيحة غير المسلم لا تحل إلا إذا كان الذابح من أهل الكتاب اليهود والنصارى وتارك الصلاة من المسلمين مرتد فلا تحل ذبيحته هذا هو خلاصة كلامي في هذه المسألة العظيمة المهمة التي يجب علينا جميعاً أن نتعاون فيها على البر والتقوى وأن نلزم هؤلاء الذين تهاونوا بهذا الركن العظيم من أركان الإسلام بأن يقوموا به مخلصين لله متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم بقي أن يقال قد يقول قائل ذكرت في آية براءة (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) أنه إذا تخلف أحد الأوصاف الثلاثة لم يكن أخاً لنا في الدين وهذا يستلزم أن يكون كافراً لأن الأخوة في الدين لا تنتف إلا بالكفر إذاً فتارك الزكاة هل يكون كافراً والجواب على ذلك أن يقال يرى بعض العلماء أن مانع الزكاة بخلاً يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة وهو رواية عن الأمام أحمد رحمه الله ولكن مع ذلك القول الراجح أنه لا يكفر ووجهه أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن من منع زكاة ماله عذب عليه كما ذكر في الحديث قال (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا الحديث يدل أن من منع الزكاة بخلاً لا يكون كافراً لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة وهذا الحديث يخصص مفهوم الآيات الكريمة التي في سورة براءة.
***(20/2)