المستمعة مواطنة من العراق محافظة أربيل تقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو الإجابة على سؤالي يا فضيلة الشيخ لظروف قاسية وبدون رغبة مني سافرت إلى خارج العراق إلى بلد أجنبي في منتصف شهر رمضان هذا وقد كنت صائمة في النصف الأول من شهر رمضان في العراق وعندما سافرت تركت الصيام والصلاة معاً لمدة خمسة عشر يوماً وهي فترة بقائي في ذلك البلد وكنت أقول إن هؤلاء قوم بهم نجاسة ولا يجوز استعمال حاجياتهم وكذلك لم أكن أعرف اتجاه القبلة ولم آكل أو أشرب من شرابهم شيخ محمد أسأل هل تركي للصلاة والصوم هذه الفترة يؤثر على فريضة الحج التي كنت قد أديتها منذ بضع سنوات وهل هناك حكم أؤديه ليغفر الله لي ذنوبي أفتوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تركك الصلاة هذه المدة والصيام لا يؤثر على فريضة الحج التي أديتها من قبل لأن الذي يبطل العمل الصالح السابق هو الردة إذا مات الإنسان عليها لقول الله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أما المعاصي فإنها لا تبطل الأعمال الصالحة السابقة ولكن ربما تحيط بها من جهة أخرى إذا كانت هذه المعاصي كثيرة ووزن بينها وبين الحسنات ورجحت كفة السيئات فإن الإنسان يعذب عليها وبناء على ذلك فإن الواجب عليك الآن أن تتوبي إلى الله عز وجل من ترك الصلاة وأن تكثري من العمل الصالح ولا يجب عليك قضاؤها على القول الراجح وأما الصوم فتركك إياه جائز لأنك مسافرة والمسافر لا يلزمه أداء الصوم لقول الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وقولك في تعليل تركك الصلاة إنك لا تعرفين القبلة ولا تأكلين من طعامهم وشرابهم قولك هذا ليس بصواب أي أن امتناعك من أداء الصلاة لهذا السبب ليس بصواب فإن الواجب عليك أن تصلى بقدر المستطاع وأن تأتي بما يجب عليك في صلاتك بما استطعت منه لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فالإنسان إذا كان في مكان لا يعرف القبلة ولم يكن عنده من يخبره بها خبراً يوثق به فإنه يصلى بعد أن يتحرى إلى الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة ولا يلزمه الإعادة بعد ذلك.
***(12/2)
تساهل كثير من الناس في هذه المناسك وعدم سؤالهم أهل العلم مع أنهم كثيرون ولله الحمد ما توجيهكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: توجيهي في ذلك هو أن الواجب على الإنسان ألا يقوم بعبادة ولا سيما الحج الذي لا يكون إلا نادراً في حياة الإنسان حتى يعرف ما يجب في هذه العبادة وما يمتنع فيها وينبغي أن يعرف أيضا ما يسن فيها وما يكره وأما كونه يمشي بدون هدى فهذا على خطر عظيم وإذا كان الإنسان لو أراد السفر إلى بلد من البلدان لم يسافر إلا وقد عرف الطريق فكيف بالسفر إلى الآخرة كيف يخاطر ويمشي في طريق لا يدري ما هو ثم إن من الناس من يبقى مدة بعد فعل العبادة ثم يسأل بعد ذلك وهذا قد يكون معذورا من جهة أنه لم يخطر بباله أنه أساء فيها ثم مع كلام الناس والمناقشات يتبين له أنه أخطأ فيسأل ونضرب لهذا مثلا،كثير من الناس يخفى عليه أن الإنسان إذا جامع زوجته وجب عليه الغسل وإن لم ينزل فتجده قد عاشر أهله مدة طويلة على هذا الوجه ولا يغتسل ثم بعد سنتين أو ثلاثة يسأل وهذا خطر عظيم لأن هذه صلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ولهذا نقول وإن لم ترد في السؤال إن الإنسان إذا أنزل المني لشهوة وجب عليه الغسل بجماع أو غير جماع حتى بالتفكير وإذا جامع وجب عليه الغسل سواء أنزل أم لم ينزل فلذلك ننصح إخواننا إذا أرادوا العبادة أن يتعلموها قبل أن يفعلوها وإذا قدر أنهم فعلوها بدون سؤال ثم أساءوا فيها فليبادروا بالسؤال حتى تبرأ ذممهم وحتى يلقوا الله عز وجل وهم لا يطالبون بشيء مما أوجب الله عليهم.
***(12/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هل من توجيه أو من كلمة لأولئك الذين يؤدون فريضة الحج أو العمرة ثم يقعون في بعض الأخطاء هل من توجيه لهم للتزود بالعلم الشرعي أيضا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لنا توجيه لهؤلاء وغيرهم ممن يعبدون الله تعالى على غير علم فإن كثيرا من الناس يصلون ويُخِلّون بالصلاة وهم لا يعلمون وإن كان هذا قليلا لأن الصلاة والحمد لله تتكرر في اليوم خمس مرات ولا تخفى أحكامها الكلية العامة على أحدٍ لكن الحج هو الذي يقع فيه الخطأ كثيراً من العامة ومن بعض طلبة العلم الذين يفتون بغير علم لذلك أنصح أخواني المسلمين وأقول إذا أردتم الحج فاقرأوا أحكام الحج على أهل العلم الموثوق بعلمهم وأمانتهم أو ادرسوا من مؤلفات هؤلاء العلماء ما تهتدون به إلى كيفية أداء الحج وأما أن تذهبوا إلى الحج مع الناس ما فعل الناس فعلتموه وربما أخللتم بشيء كثير من الواجب فهذا خطأ وإني أضرب لهؤلاء الذين يعبدون الله تعالى على غير علم أضرب لهم مثلا برجل أراد أن يسافر إلى المدينة مثلا وهو لا يعرف الطريق فهل يسافر بدون أن يعرف الطريق؟ أبدا لا يمكن أن يسافر إلا إذا عرف الطريق إما برجل يكون دليلاً له يصاحبه وإما بوصف دقيق يصف له المسير وإما بخطوط مضروبة على الأرض ليسير الناس عليها وأما أن يذهب هكذا يعوم في البر فإنه لا يمكن أن يذهب وإذا كان هذا في الطريق الحسي فلماذا لا نستعمله في الطريق المعنوي الطريق الموصل إلى الله فلا نسلك شيئا مما يقرب إلى الله إلا ونحن نعرف أن الله تعالى قد شرعه لعباده هذا هو الواجب على كل مسلم أن يتعلم قبل أن يعمل ولهذا أورد البخاري رحمه الله ذلك في كتابه الصحيح فقال باب العلم قبل القول والعمل ثم استدل لذلك بقوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .
***(12/2)
رجل مسلم يريد الحج ما هي الأمور التي ينبغي أن يعملها المسلم ليكون حجه مقبولاً إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور التي ينبغي أن يعملها ليكون حجة مقبولاً أن ينوي بالحج وجه الله عز وجل وهذا هو الإخلاص وأن يكون متبعاً في حجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المتابعة وكل عمل صالح فإنه لا يقبل إلا بهذين الشرطين الأساسيين الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذا أهم ما يجب على الحاج أن يعتمد عليه الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حجته (لتأخذوا عني مناسككم) ومنها أن يكون الحج بمال حلال فإن الحج بمال حرام محرم لا يجوز بل قد قال بعض أهل العلم إن الحج لا يصح في هذه الحال ويقول بعضهم:
إذا حججت بمال أصله سحت *** فما حججت ولكن حجّت العير
يعني حجت الإبل ومنها أن يتجنب ما نهى الله عنه لقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فيتجنب ما حرم الله عليه تحريماً عاماً في الحج وغيره من الفسوق والعصيان والأقوال المحرمة والأفعال المحرمة والاستماع إلى آلات اللهو ونحو ذلك ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج كالرفث وهو إتيان النساء وحلق الرأس واجتناب ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه في الإحرام وبعبارة أعم يجتنب جميع محظورات الإحرام وينبغي أيضاً للحاج أن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وجاهه وعمله وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع ويجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين سواء كان ذلك في المشاعر أو في الأسواق فيتجنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف وعند الازدحام في المسعى وعند الازدحام في الجمرات وغير ذلك فهذه الأمور التي ينبغي على الحاج أو يجب للحاج أن يقوم بها ومن أقوى ما يحقق ذلك أن يصطحب الإنسان في حجه رجلاً من أهل العلم حتى يذكره في دينه وإذا لم يتيسر ذلك فليقرأ من كتب أهل العلم ما كان موثوقاً قبل أن يذهب إلى الحج حتى يعبد الله على بصيرة.
***(12/2)
سائل يقول أنا إن شاء الله قد اشتريت خيمتي وحزمت أمتعتي وأريد السفر للحج هذا العام لأكمل ما فعلته في الأعوام الماضية من المسيرة مع الصالحين لعل الله أن يرحمنا جميعاً لكنني أريد أن أتزود بزاد في حجي هذا فما هو الزاد وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) فخير الزاد أن تتقي الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه فتحرص على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة وتحرص على الصدق في أقوالك وأفعالك وتحرص على النصيحة لإخوانك وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر وعلى إعانة من يحتاج إلى عون بالمال أو البدن أو الجاه وكذلك تتجنب ما نهى الله عنه من تأخير الصلاة عن أوقاتها أو ترك صلاة الجماعة أو الإخلال بشيء من واجباتها أو الكذب أو الغيبة أو النميمة أو الإساءة للخلق بالقول أو الفعل وتتجنب جميع ما حرم الله عليك فالتقوى اسم جامع لفعل جميع ما أمر الله به وترك جميع ما نهى عنه لأنها مشتقة من الوقاية وهي أن يتخذ الإنسان وقاية له من عذاب الله ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
***(12/2)
بعث لنا سعد برسالة من المملكة العربية السعودية يقول في رسالته أنا كل سنة أسافر بصالون كبير ويمتلئ هذا الصالون من أفراد العائلة ومن الأقارب فيذهب أو تذهب علينا الأيام في مشاعر الحج ونحن نقضيها بالمزاح واللعب والضحك وأحياناً قد تأتي كلمات نابية وفي هذه السنة أود أن أسافر إلى الحج بالأجر أي أن أركب مع وسائل النقل الأخرى لكي لا أسافر مع من أسافر معهم كل سنة حتى أحج حجاً تطمئن إليه نفسي وأرتاح فيه وأقبل على الله سبحانه وتعالى فأيهما الأحسن لي والأفضل وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يمكنك أن تسافر مع أهلك وتوجههم إلى ما فيه الخير وإلى ترك اللغو من الكلام والرفث فهذا خير وأفضل لما فيه من صلة الرحم والتقارب بين الأقارب وإصلاح الأحوال وإذا كان لا يمكنك إصلاح أحوالهم فإن الأفضل أن تختار لك جماعة من أهل العلم والدين وتسافر معهم إلى الحج ليكون حجكم أقرب إلى الصواب من غيره.
***(12/2)
هل الكبائر يكفرها الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أن الحج المبرور يكفر الكبائر ويؤيد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) فإن تكفير العمرة إلى العمرة لما بينهما مشروط باجتناب الكبائر ولكن يبقى النظر هل يتيقن الإنسان أن حجه كان مبروراً هذا أمر صعب لأن الحج المبرور ما كان مبروراً في القصد والعمل أما في القصد فأن يكون قصده بحجه التقرب إلى الله تعالى والتعبد له بأداء المناسك نية خالصة لا يشوبها رياء ولا سمعة ولا حاجة من حوائج الدنيا إلا ما رخَّص فيه في قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) وكذلك المبرور في العمل أن يكون العمل متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك مجتنباً فيه ما يحرم على المحُرِم بخصوصه وما يحرم على عامة الناس وهذا أمر صعب لا سيما في عصرنا هذا فإنه لا يكاد يسلم الحج من تقصير وتفريط أو إفراط ومجاوزة أو عمل سيئ أو نقص في الإخلاص وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يعتمد على الحج ثم يذهب يفعل الكبائر ويقول الكبائر يكفرها الحج بل عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من فعل الكبائر وأن يقلع عنها ولا يعود ويكون الحج نافلة أي زيادة خير في أعماله الصالحة ومن الكبائر ما يكون لبعض الناس اليوم بل لكثير من الناس من الغيبة وهي أن يذكر أخاه المسلم غائباً بما يكره فإن الغيبة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله وقد صورها الله عز وجل بأبشع صوره فقال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ومن المعلوم أن الإنسان لا يحب أن يأكل لحم أخيه لا حياً ولا ميتاً وكراهته لأكل لحمه ميتاً أشد فكيف يرضى أن يأكل لحم أخيه بغيبة في حال غيبته؟ والغيبة من كبائر الذنوب مطلقاً وتتضاعف إثماً وعقوبة كلما ترتب عليها سوء أكثر فغيبة القريب ليست كغيبة البعيد لأن غيبة القريب غيبة وقطع رحم وغيبة الجار ليست كغيبة بعيد الدار لأن غيبة الجار منافية لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ووقوع في قوله صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) فإن غيبة الجار من البوائق وغيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس لأن العلماء لهم من الفضل والتقدير والاحترام ما يليق بحالهم ولأن غيبة العلماء تؤدي إلى احتقارهم وسقوطهم من أعين الناس وبالتالي إلى احتقار ما يقولون من شريعة الله وعدم اعتبارها وحينئذ تضيع الشريعة بسبب غيبة العلماء ويلجأ الناس إلى جهالٍ يفتون بغير علم وكذلك غيبة الأمراء وولاة الأمور الذين جعل الله لهم الولاية على الخلق فإن غيبتهم تتضاعف لأن غيبتهم توجب احتقارهم عند الناس وسقوط هيبتهم وإذا سقطت هيبة السلطان فسدت البلدان وحلت الفوضى والفتن والشر والفساد ولو كان هذا الذي يغتاب ولاة الأمور بقصد الإصلاح فإن ما يفسد أكثر مما يصلح وما يترتب على غيبته لولاة الأمور أعظم من ذنب ارتكبوه لأنه كلما هان شأن السلطان في قلوب الناس تمردوا عليه ولم يعبئوا بمخالفته ولا بمنابذته وهذا بلا شك ليس إصلاحاً بل هو إفساد وزعزعة للأمن ونشر للفوضى والواجب مناصحة ولاة الأمور من العلماء والأمراء على وجه تزول به المفسدة وتحل فيه المصلحة بأن يكون سراً وبأدب واحترام لأن هذا أدعى للقبول وأقرب إلى الرجوع عن التمادي في الباطل وربما يكون الحق فيما انتقده عليه المنتقد لأنه بالمناقشة يتبين الأمر وكم من عالم اغتيب وذكر بما يكره فإذا نوقش هذا العالم تبين أنه لم يقل ما نسب إليه وأن ما نسب إليه كذب باطل يقصد به التشويه والتشويش والحسد وربما يكون حقاً ولكن له وجهة نظر تخفى على كثير من الناس فإذا نوقش وبين وجهة نظره ارتفع المحظور أما كون الإنسان بمجرد ما يذكر له عن ولي الأمر من أمير أو عالم يذهب فيشيع السوء ويخفي الصالح فهذا ليس من العدل وليس من العقل وهو ظلم واضح قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) يعني لا يحملكم بغضهم على ترك العدل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا جميعاً أسباب الشر والفساد وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يجعلنا من المتحابين فيه المتعاونين على البر والتقوى إنه على كل شيء قدير.
***(12/2)
بارك الله فيكم من الأردن عائشة ع. عمان الأردن تقول فضيلة الشيخ سؤالي عن الحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحج المبرور لا جزاء له إلا الجنة) بعض المراجع من كتب الفقه تقول بأنه لا يغفر بالحج إلا الصغائر وتأخير الفروض عن أوقاتها أما الكبائر فلا تغفر بالحج والبعض الآخر يقول يغفر بالحج كل شيء حتى الكبائر والتبعات لكن بشرط التوبة من الكبائر وسداد التبعات فما حكم الشرع في نظركم في ذلك وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول الحج المبرور هو الذي جمع عدة أوصاف:
الوصف الأول: أن يكون خالصاً لله عز وجل بحيث لا يريد الإنسان بحجه ثناءً من الناس أو استحقاق وصفٍ معين يوصف به الحاج أو شيئاً من الدنيا دون عمل الآخرة أو ما أشبه ذلك.
ثانياً: أن يكون متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحيث يأتي بالحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أذن فيه ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (خذوا عني مناسككم) ومن ثم يتبين ضرورة الإنسان إذا أراد الحج إلى أن يقرأ مناسك الحج حتى يحج على بصيرةٍ وبرهان وإذا كان لا يستطيع القراءة فليشترِ ما يستمع إليه من أشرطة العلماء موثوقٍ بهم وإن لم يتيسر له ذلك فليسأل علماء بلده كيف يحج ولا أظن العلماء يقصرون في بيان ذلك عند سؤالهم عنه.
ثالثاً: أن يكون من نفقاتٍ طيبة أي من كسبٍ طيب لأن الكسب الخبيث خبيث فليتحر الإنسان أن تكون نفقاته في الحج من كسبٍ طيب لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
رابعاً أن يتجنب فيه المآثم سواءٌ كانت هذه المآثم من خصائص الإحرام كمحظورات الإحرام أو من المآثم العامة كالغيبة والنميمة والكذب وما أشبه ذلك لقول الله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ومن هذا أن يجتنب أذية الناس في المزاحمة عند الطواف أو السعي أو الجمرات أو غير ذلك لأن أذية الناس من الأمور المحرمة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) فلا يجوز أن يأتي لرمي الجمرات بانفعال وغضب وشد عضلات وكأن بني آدم الذين أمامه خراف لا يهتم بهم فإن هذا مما ينافي أن يكون الحج مبرورا ومن ذلك أي مما يشترط للحج أن يكون مبروراً أن يتجنب شرب الدخان لأن شرب الدخان محرم كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة العامة وإذا كان محرماً كان الإصرار عليه كبيرةً من كبائر الذنوب ولو أن المسلمين الحجاج تجنبوا شرب الدخان في مواسم الحج لاعتادت أبدانهم على تركه ثم منَّ الله عليهم بالإقلاع عنه إقلاعاً تاماً فالحج المبرور قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (ليس له جزاءٌ إلا الجنة) وهذا لا يقتضي أن يغفر للإنسان التبعات التي لبني آدم فالتبعات التي لبني آدم، لا بد من إيصالها إليهم فمن أخذ مالاً للناس وحج وإن حج بغير هذا المال الذي أخذه وإن أتقن حجه تماماً في الإخلاص والمتابعة فإنه لا يغفر له الذنب حتى يرد الحق إلى أهله وإذا كانت الشهادة في سبيل الله وهي أفضل الأعمال (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) إذا كانت الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدّين فالحج من باب أولى ولهذا نقول إذا كان على الإنسان دين فلا يحج حتى يقضي هذا الدين إلا إذا كان ديناً مؤجلاً وهو واثقٌ من قضائه إذا حل الأجل فهنا لا بأس أن يحج أما إذا كان الدين حالاً غير مؤجل أو كان مؤجلاً لكنه لا يثق من نفسه أن يوفيه عند أجله فلا يحج وليجعل المال الذي يريد الحج به وفاءً للدين وبهذا نعلم أن الحج المبرور لا يسقط حقوق الآدميين بل لا بد من إيصالها إليهم إما بوفاء أو إبراء.
***(12/2)
يقول وما معنى (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وإتيان النساء والفسوق وهو مخالفة الطاعة بأن يترك ما أوجب الله عليه أو يفعل ما حرم الله عليه هذا هو الفسوق فإذا حج الإنسان ولم يرفث ولم يفسق فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب كما أن الإنسان إذا خرج من بطنه أمه فإنه لا ذنب عليه فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه.
***(12/2)
أحسن الله إليكم كيف يكون الحج المبرور؟ والفقرة الأخرى يقول السائل وكيف تكون العمرة صحيحة وهل لها طواف وداع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج المبرور هو ما جمع الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكون من كسب طيب وأن يتجنب فيه الرفث والفسوق والجدال وأن يحرص غاية الحرص على العلم بصفة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليطبقها وأما العمرة فإنها حج أصغر فيها طواف وسعي وتقصير ولها طواف وداع كالحج إلا إذا سافر من حين انتهائها مثل أن يطوف ويسعى ويقصر ثم يمشي راجعا إلى بلده فهنا لا يحتاج إلى طواف وداع اكتفاءً بالطواف الأول لأنه لم يفصل بينه وبين السفر إلا السعي والتقصير وهما تابعان للطواف.
***(12/2)
سؤال من أحد الأخوة المستمعين يقول فضيلة الشيخ أرجو الإجابة على هذا السؤال ما هي المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنافع التي يشهدها المسلمون في الحج منافع كثيرة منافع دينية ومنافع اجتماعية ومنافع دنيوية أما المنافع الدينية فهي ما يقوم به الحجاج من أداء المناسك وما يحصل من التعليم والتوجيه من العلماء من هنا ومن هناك وما يحصل كذلك من الإنفاق في الحج فإنه من الإنفاق في سبيل الله عز وجل وأما المنافع الاجتماعية فهي ما يحصل من تعارف الناس بينهم وائتلاف قلوبهم واكتساب بعضهم من أخلاق بعض وحسن المعاملة والتربية كما هو مشاهد لكل لبيب تأمل ذلك وأما الفوائد الدنيوية فما يحصل من المكاسب لأصحاب السيارات وغيرها مما يستأجر لأداء الحج وكذلك ما يحصل للحجاج من التجارة التي يوردونها معهم ويستوردونها من مكة وغير ذلك من المنافع العظيمة ولهذا قال الله تعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فأتى فيها بصيغة الجمع بل بالجمع الذي هو صيغة منتهى الجموع ولكن مع الأسف الشديد أن الحج في هذه الأزمنة عند كثير من الناس لا يستفاد منه هذه الفوائد العظيمة بل كأن الحج أفعال وأقوال فارغة واهية ليس فيها إلا مجرد الصور فقط ولهذا لا تكسب القلب خشوعا ولا تكسب ألفة بين المؤمنين ولا تعلماً لأمور دينهم بل ربما يكره بعضهم أن يسمع كلمة وعظ من ناصح لهم بل ربما يكون مع بعضهم سوء نية في دعوة الناس إلى الباطل إما بالمقال وإما بالفعال بتوزيع النشرات المضلة الفاسدة وهذا لا شك أنه مما يحزن ومما يجعل هذا الحج خارجا عن نطاق الشرع الذي شرع من أجله وأنصح إخواني الحجاج بما يلي:
أولاً: إخلاص النية لله وتعالى في الحج بأن لا يقصدوا من حجهم إلا الوصول إلى ثواب الله تعالى ودار كرامته.
ثانياً: الحرص التام على اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجه فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول (لتأخذوا عني مناسككم) .
ثالثاً: الحرص التام على التآلف والتقارب بين المسلمين وتعريف بعضهم بعضا بما ينبغي أن يعرفوه من مشاكل دينية واجتماعية وغيرها.
رابعاً: الرفق بالحجاج عند المشاعر وعند الطواف وعند السعي وعند رمي الجمرات وعند الدفع لمزدلفة ومن عرفة وغير ذلك.
خامساً: الحرص على أداء المناسك بهدوء وطمأنينة وأن لا يكون الواحد أتى ليقابل جيشاً أو جنداً محارباً ويظهر ذلك عند رمي الجمرات فإن الناس تجدهم مقبلين إلى الجمرات والواحد منهم ممتلئ غضبا وحنقا وربما يتكلم بكلمات نابية لا تليق في غير هذا الموضع فكيف بهذا الموضع.
وسادساً: أن يبتعد كل البعد عن الإيذاء الحسي والمعنوي بمعنى أنه يجتنب إلقاء القاذورات في الطرقات وإلقاء القمامة في الطرقات وغير ذلك الإيذاء المعنوي أن يتجنب شرب الدخان مثلا بين أناس يكرهون ذلك مع أن شرب الدخان محرم في حال الإحرام وغير حال الإحرام وإذا وقع في الإحرام أنقص الإحرام وأنقص أجر الحج والعمرة لأن الله تعالى يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) والدخان محرم والإصرار عليه يؤدى إلى أن يكون كبيرة من الكبائر فالمهم أن الإنسان ينبغي في هذا الحج أن يكون على أكمل ما يكون من دين وخلق حتى يجد طعم ولذاذة هذا الحج.
***(12/2)
هذا السائل يقول فضيلة الشيخ لقد أكرمني الله عز وجل وحجيت عدة مرات فهل الأفضل أن أقوم بالحج كلما استطعت أو أن أقوم بالتصدق بمصاريف ذلك الحج على الفقراء والمساكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حسب ما تدعو الحاجة إليه فإذا كان الناس في حاجة إلى الصدقة فالصدقة أفضل وإذا لم يكونوا في حاجة فالحج أفضل.
***(12/2)
يقول ما حكم الشرع في نظركم فيمن يبيع ويشتري ويتكسب وهو يؤدي الحج والعمرة أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال بينه الله عز وجل في قوله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) فإذا كان الإنسان قد أتى بنية الحج ولكنه حمل معه سلعة يبيعها في الموسم أو اشترى سلعة من الموسم لأهله أو ليبيعها في بلده فإن هذا لا بأس به ما دام القصد الأول هو الحج أو العمرة وهو من توسيع الله عز وجل على عباده حيث لم يعنتهم جلّ وعلا بمنعهم من الاتجار والتكسب ومثل ذلك إذا كان الإنسان صاحب سيارة وأراد أن يحج ثم حمل عليها أناساً بالأجرة فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه لدخوله في عموم قوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) .
***(12/2)
هذه أيضاً رسالة عن الحج وردتنا من قاسم محمد قاسم يقول الشيخ المجيب على السادة المستمعين أرجو حل مشكلتي والتزاماتي مع أقاربي وأصدقائي فأنا أنوي الحج هذه السنة ولَمَّا أخطرتهم حمَّلوني أمانات عديدة وطلبوا مني مطالب كانت بسيطة لكنها كثرت ولا أستطيع تحقيقها كلها وأنا تحملت لهم هذه الأمانات التي منها مجموعة وصوني أطوف لكل واحد منه سبعا وهو طبعاً بعدد المطالب لكن سنأتي بكل مطلب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يلزمه أن يفعل ولو أوصوه بذلك ولو تعهد به لهم لأن هذا اختلف أهل العلم في كونه نافعاً لمن جعله له هل يصل إليه الثواب أو لا يصل ثم إن في أيام المواسم مخالفة للسنة لأن السنة ألا يزيد الإنسان في موسم الحج على أطوفة النسك وهي الطواف أول ما يقدم وطواف الإفاضة وطواف الوداع وهذه الأطوفة التي تعهد بها يلزم منها مخالفة السنة وعلى هذا فنقول لا حرج عليك إذا لم تفِ لهم بهذه الوصايا التي أوصوك بها.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل صالح جابر سوداني مقيم بالكويت يقول لقد أديت فريضة الحج في عام مضى مع كفيلي ولقد كان اسمي الصحيح صالح جابر وقد اشتريت عقداً للعمل بدولة الكويت باسم عبد الله الشيخ نافع وقد استخرجت جواز سفر بهذا الاسم ومن ثم أديت به فريضة الحج من ذلك العام فهل يصح حجي أم ماذا أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن حجك صحيح لأن تغير اسمك لا يؤثر في صحة الحج لكن عليك الإثم بتزوير اسمك وعليك الآن أن تتوب إلى الله عز وجل وأن تعدل اسمك إلى الاسم الصحيح الذي كنت مسمى به من قبل حتى لا يحصل التلاعب لدى المسئولين ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليك باسمك الأول لاختلاف اسمك الثاني عن الاسم الأول فتكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب الذي اشتريته بتغير اسمك وبهذه المناسبة أود أن أنصح كل من سمع كلامي هذا لأن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء ويستعيرون أسماء لغيرهم من أجل أن يستفيدوا من إعانات الحكومة أو من أمور أخرى أو من أجل أن يصلوا إلى أغراض لهم بأسماء غيرهم من هذه الأسماء المزورة فإن ذلك تلاعب في المعاملات وكذب وغش وخداع للمسؤولين والحكام وليعلموا أن من اتقى الله عز وجل جعل له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب وأن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه كما قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) .
***(12/2)
في منى بعد الرمي حصل خلاف أسري عبارة عن خصام بيني وبين أم زوج بنتي وبقينا على ذلك الزعل لعدة أشهر أفيدونا جزاكم الله خيرا ذلك الزعل والخصام يبطل الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يبطل الحج لكن ينبغي للإنسان المحرم بحج أو عمرة أن لا يجادل لقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) .
***(12/2)
المستمع عبد الحفيظ إبراهيم من السودان يقول في رسالته إنني متزوج ولي أربعة أطفال وقد غبت عنهم منذ ستة عشر شهراً وأريد أن أؤدي فريضة الحج هل يجوز لي أن أؤدي فريضة الحج قبل أن أزور أهلي في بلدي أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لك أن تؤدي فريضة الحج قبل أن تزور أهلك في بلدهم ولكن إن تيسر أن تزورهم وتعرف شؤونهم وما هم عليه فإنه أولى ثم تحج وإذا صعب عليك هذا أو تعسر فأدِ الحج أولاً ثم اذهب إليهم بعد ذلك.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا سؤال من المستمع م. أ. خ. من مكة المكرمة يقول أنا أعمل بقوة في الحج والمواسم في مكة المكرمة ولا يُسْمَح لنا بإجازة لأداء فريضة الحج فهل يحق لي أن أغيب بدون إذنٍ أو أن أؤدي فريضة الحج مع العلم بأني لم أحج حجة الفريضة وقد سألت بعض العلماء فقالوا لي إنه لا يجوز الحج بدون إذنٍ من مرجعي فهل هذا صحيح أم لا أفيدونا ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح فمن كان موظفاً ملتزماً بأداء وظيفته حسب ما يوجه إليه وقد قال الله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فالعقد الذي جرى بينك وبين الدولة عهد يجب عليك أن توفي به على حسب ما يوجهونك به ولكني أرجو أن يكون للمسئولين في هذه الأمور نظرٌ بحيث يوزعون هؤلاء الجنود جنود المرور وجنود الأمن وجنود المطافئ وغيرهم ينظموهم بحيث يكون إذا أمكن لبعضهم فرصة أن يؤدوا الحج في هذا العام وللبعض الآخر فرصة أن يؤدوه في العام الآخر وهكذا حتى يتم للجميع أداء الفريضة وأما أن تختفي وتؤدي الفريضة وأنت مطالبٌ بالعمل ليس عندك إجازة فإن هذا محرمٌ عليك.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ شاب خرج للجهاد ولم يحج فهل الأولى أن يقدم الجهاد أم الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب تقديم الحج لأن الحج ركن من أركان الإسلام بالنص والإجماع قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام) وأجمع المسلمون على أن الحج فريضة وركن من أركان الإسلام فلا يجوز للقادر عليه أن ينصرف إلى الجهاد ويدع الحج.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً شيخ محمد السائل أبو عبد الله يقول توفي أحد الأشخاص وهو أحد أقارب والدتي وليس له ولد ولا بنت وكان في حياته غير عاقل أي مختل العقل ولا يعامل معاملة العاقل علماً بأنه كان يصوم ويصلى وسؤالنا هو نحن لا ندري هل هو قد أدى فريضة الحج أم لا فماذا نفعل تجاهه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل لا فريضة عليه لأنه مجنون إلا أن يكون جنونه حدث بعد أن وجب عليه الحج أما إذا كان قد جن والعياذ بالله قبل وجوب الحج عليه فإنه لا حج عليه وحينئذ لا يلزمكم أن تحجوا عنه أو أن تأخذوا من تركته لِيُحَجَّ عنه
***(12/2)
شكر الله لكم فضيلة الشيخ، المستمع عاطف محمد مصري يعمل باليمن في سؤاله يقول رجل يريد أن يحج ولم يتزوج فأيهما يقدم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره مثل أن يكون شاباً شديد الشهوة ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه فهنا يقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم الحج هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان الحج تطوعاً فإنه يقدم النكاح بكل حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله وذلك لأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة كما صرح بذلك أهل العلم.
***(12/2)
أثابكم الله هذه رسالة وردتنا من المستمع من الجمهورية العراقية من البصرة يقول فيها التائب ولم يذكر اسمه يقول أرجو إذا تكرمتم أن تفتوني هل يجوز للفتى الشاب أن يحج إلى بيت الله الحرام قبل الزواج أم لا بد من زواجه ثم بعد ذلك الحج وما هي الشروط الواجبة عليه أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للشاب أن يحج قبل أن يتزوج ولا حرج عليه في ذلك لكن إذا كان محتاجاً إلى الزواج ويخاف العنت والمشقة في تركه فإنه يقدمه على الحج لأن الله تبارك وتعالى اشترط في وجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعاً وكفاية الإنسان نفسه بالزواج من الأمور الضرورية فإذا كان الرجل أو الشاب لا يهمه إذا حج وأخر الزواج فإنه يحج ويتزوج بعدُ وأما إذا كان يشق عليه تأخير الزواج فإنه يقدم الزواج على الحج.
***(12/2)
رجل يملك مبلغا من المال ولم يؤدِ فريضة الحج وعنده ابن شاب ليس لديه مال ليتزوج به لأنه ما زال يدرس وقد خاف الأب على ابنه الفتنة والانحراف ما هو الأفضل للأب أن يحج بهذا المال أم يزوج هذا الابن الشاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الأب أن يحج بهذا المال لأن الحج فريضة عليه وحاجة الابن ليست تتعلق بذات الأب أما لو كان الأب نفسه يحتاج إلى نكاح ويخشى على نفسه إن لم يتزوج وليس في يده إلا هذه الدراهم فهو إما أن يحج بها وأما أن يتزوج فحينئذٍ نقول قدم الزواج لأن الزواج هنا يتعلق بنفس الرجل ولا تعجب إذا قلت إن الأب محتاج إلى الزواج وليس عنده إلا هذه الدراهم لأن هذا يقع كثيرا قد يكون الرجل كثير الشهوة لم تغنه المرأة الأولى أو تكون المرأة الأولى قد ماتت أو طلقت فيحتاج إلى زوجة أخرى.
***(12/2)
يقول إني شاب ولي من العمر اثنان وعشرون سنة هل يجوز أن أحج بيت الله قبل الزواج وما عندي رغبة في الزواج ومن الناس من يقول أن هذا لا يجوز ولا يكون حجاً مقبولاً ردوا علي الجواب وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من شرط صحة الحج أن يتزوج المرء بل يصح الحج وإن لم يتزوج ولكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج ويلحقه بتركه المشقة وعنده دراهم إن حج بها لم يتمكن من الزواج وإن تزوج لم يتمكن من الحج فإنه في هذه الحال يقدم الزواج لأن الزواج في حقه حينئذ صار من ضروريات حياته والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً وما سمعه من العامة من أن الإنسان لا يحج حتى يتزوج فليس بصحيح.
***(12/2)
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل بأنه عازمٌ على الحج هذا العام إن شاء الله ولكن عليه دينٌ لشخصٍ آخر وقد بحث عنه ولم يجده يقول ماذا أفعل وهل لا بد من موافقة صاحب الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول من كان عليه دين فلا حج عليه أصلاً حتى وإن لم يؤدِ الفريضة لأنه لم يفرض عليه الحج حتى يوفي الدين فليشتغل بوفاء دينه وإن أخر الحج سنةً بعد أخرى حتى يقضي الدين وإني لأعجب من حرص الناس على أداء الحج مع الديون التي عليهم وهم يعلمون أو لا يعلمون أن حق الله عز وجل مبنيٌ على المسامحة وأن من عليه دينٌ فلا حج عليه ومع ذلك يماطلون أصحاب الديون أو لا يماطلون ولكن يحجون هذا غلطٌ منهم بلا شك نقول اقضِ دينك ثم حج وإذا كنت لا تعرف صاحب الدين فابحث عنه بقدر المستطاع فإذا لم تجده وكان عندك مالٌ واسع تعلم أنك تحج ويبقى لديك فضلٌ كبير زائد على الدين فحينئذٍ لا بأس أن تحج.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع عبد الله سعيد من اليمن يقول حججت وعلي دين فقمت بسداده بعد الحج فهل هذا الحج صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحج صحيح ومقبولٌ إن شاء الله وتبرأ به الذمة لكن من نعمة الله وتيسيره أن الإنسان إذا كان عليه دين فإنه يوفي الدين قبل أن يحج لأن الدين سابق ولأن الحج إنما يجب على المستطيع ومن عليه دين وليس عنده مالٌ إلا بقدر الدين الذي عليه فإنه لا يستطيع الحج لكن لو خالف وحج حجه صحيح.
***(12/2)
أيضاً يقول من حج وعليه دين فهل حجه مقبول ومن حج لزوجته بعد موتها فهل حجه مقبول لها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من حج وعليه دين فحجه مقبول لأنه ليس من شروط صحة الحج خلو الذمة من الدين ولكننا نقول من عليه دين حال فليوفه قبل أن يحج لسبق وجوب قضاء الدين على وجوب الحج وإن كان مؤجلاً وله وفاء واستأذن من صاحبه فله أن يحج أيضاً ولا حرج عليه لأنه قادر على وفائه في المستقبل أما حجه عن زوجته فهو أيضاً مقبول إذا حج عنها ويقول عند إحرامه لبيك عن زوجتي فلانة وإذا لم يعينها باسمها كفته النية.
***(12/2)
هذا المستمع يقول من حج وعليه دين فما حكم حجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حج من عليه الدين صحيح ولكن لا يجب الحج على من عليه دين حتى يؤدي دينه لأنه الله تعالى يقول (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) والمدين الذي ليس عنده مال لا يستطيع الوصول إلى البيت فيبدأ أولاًَ بقضاء الدين ثم يحج والعجب أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يذهبون إلى العمرة أو إلى الحج تطوعاً من غير فريضة وهم مدينون في ذمتهم ديون وإذا سألتهم لماذا تأتون بالعمرة أو الحج وأنتم مدينون؟ قالوا لأن الدّين كثير وهذا جواب غير سديد لأن القليل مع القليل يكون كثيراً وإذا قدر أنك تَعْتَمِر بخمسمائة ريال فهذه الخمسمائة أبقيها عندك لتوفي بها شيئاًَ من دينك ومعلوم أن من أوفى من المليون ريالاً واحداً فإنه يسقط عنه ويكون عليه مليوناً إلا ريالاً وهذه فائدة يستفيد بها فنصيحتي لإخواني الذين عليهم ديون أن لا يأتوا لتطوع من حج أو عمرة لأن قضاء الواجب أهم من فعل مستحب بل حتى من لم يؤدِ الفريضة من حج وعمرة لا يجب أن يؤدي الفريضة وعليه دين لأن الدين سابق ولا يجب الحج أو العمرة إلا بعد قضاء الديون.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل من السودان يقول سوداني مقيم بالرياض ينوي أن يحج إن شاء الله في السنة القادمة حج الفريضة ولكن عليه ديون كثيرة ولكن يقول يغلب علي الظن بأنه إذا استأذن من أصحابها سوف يأذنون له هو الآن يستطيع أن يوفر تكاليف الحج من مصاريف سفر ومأكل ومشرب وغير ذلك السؤال هل يأثم إذا لم يستأذن من أصحاب الديون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسألة ليست مسألة استئذان أو عدم استئذان المسألة أن الإنسان إذا كان عليه ديون فإنه لا يجب عليه الحج أصلا ولا حرج عليه أن يدعه ولا ينبغي أن يحج ويبقي الديون عليه حتى لو أذن أهل الديون وقالوا حُجّ وأنت منا في حل فإننا نقول لا تحج حتى تقضي الدين احمد ربك أن الله عز وجل لم يوجب عليك الحج إلا بالاستطاعة التامة والمدين ليس عنده استطاعة في الواقع لأن ذمته مشغولة فلا يحج حتى يوفي الدين سواء أذنوا له أم لا وهو إذا لاقى ربه وهو لم يحج لأن عليه ديونا فإنه لا يأثم بذلك كما أن الفقير لا تجب عليه الزكاة ولا يأثم إذا لاقى ربه وهو لم يزكِ كذلك من لم يستطع الحج إذا لاقى ربه وهو لم يستطع فإنه يلقى ربه غير معتوباً عليه ولا ملوم.
***(12/2)
هل يصح حج من عليه دين وخصوصاً إذا كان الدين بمبلغ كبير أي لا يستطيع القضاء إلا بعد فترة زمنية طويلة ولا يستطيع تحديدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حج من عليه دين صحيح ولكنه آثم إذا حج وعليه دين لأن الدين يجب قضاؤه والحج ليس واجباً عليه فيما إذا كان عليه دين لأن الله تعالى اشترط في الحج الاستطاعة فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومن عليه دين فإنه لا يستطيع أن يحج إذاكان حجه يحتاج إلى مال أما إذا كان حجه لا يحتاج إلى مال كرجل في مكة يستطيع أن يحج على قدميه بدون أن يخسر شيئاً من المال ففي هذا الحال يجب عليه الحج وليس آثماً فيه لأن ذلك لا يضر غرمائه شيئاً فيفرق بين رجل يحج بلا نفقة لكونه من أهل مكة ويستطيع الحج على قدميه وشخص آخر لا يستطيع أن يحج إلا بمال فالأول له أن يحج ولو كان عليه دين بل يجب عليه الحج إذا لم يكن أدى الفريضة وأما الثاني فلا يلزمه الحج ولا يحل له أن يحج وعليه دين لأن الدين قضاء واجب والحج في حال ثبوت الدين على الإنسان ليس بواجب.
***(12/2)
السؤال: هل يجوز لمن عليه دين أن يؤدي فريضة الحج إن لم يكن قد أداها من قبل أو أداها ولكنه يريد أن يتطوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج وعلى هذا فيوفي الدين ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه ثم يحج حينئذٍ سواءً كان فرضاً أم تطوعاً لكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها وغير الفريضة هو بالخيار إن شاء تطوع وإن شاء فلا أثم عليه.
***(12/2)
سائل يقول لزوجتي عندي مبلغ من المال وأريد أن أودي الحج منه فهل يجوز لي ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أذنت لك زوجتك بأن تحج من مالها الذي عندك لها فلا حرج عليك في هذا ولكن إن خفت أن يكون عليك في ذلك غضاضة وأن تَمُنّ عليك به في المستقبل وأن ترى لنفسها مرتبة فوقك من أجل هذا فلا تفعل فإنه لا ينبغي للإنسان أن يذل نفسه لأحد إلا لله عز وجل.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائلة التي رمزت لاسمها بـ هـ ج لها مجموعة من الأسئلة تقول في السؤال الأول هل مال الصدقة أو الزكاة يجوز الحج منه علماً بأنه أتى تلك المرأة في ذلك الوقت شدة وحاجة إلى المال والحمد لله فرجها الله فهل تحج منه أم لا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز الحج بمال الزكاة وبمال الصدقة ويجوز لآخذ الزكاة أن يهديها إلى من لا تحل له الزكاة بشرط أن يكون حين أخذه للزكاة من أهل الزكاة أي مستحقاً لها وما جاء في السؤال فهو كذلك أي أن المرأة أخذت هذه الأموال من الزكاة والصدقات وهي أهل لذلك ثم إن الله تعالى أغناها وأرادت أن تحج بما عندها من أموال الزكاة والصدقات فنقول لا بأس بهذا لأن الفقير إذا أخذ الصدقة وهو من أهلها أو الزكاة وهو من أهلها فإنه يملكها ملكاً تاماً يتصرف فيها بما يشاء.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائلة تقول زوجي يعمل في شركة في المملكة وصاحب هذه الشركة يقيم مخيمات للحج كل عام وأنا وزوجي نحج على نفقة صاحب العمل رغم أن حالتنا المادية ميسرة هل يجوز هذا الحج أم لابد أن يكون الحج على نفقتنا أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أذن صاحب الشركة بذلك فإنه جائز.
***(12/2)
شكر الله لكم فضيلة الشيخ هذا المستمع ممدوح الشؤملي مسلم مقيم بالدمام يقول بأنه نوى الحج ولكن بعض زملاء العمل قالوا لا يصح حجك لأنك حججت بنية العمل مع العلم بأنني أنوي الحج من زمان أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس للعامل الذي يصطحبه صاحب العمل إلى مكة أن ينوي بذلك الحج أو العمرة وذلك لأن الله تعالى قال في الحج (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ومن المعلوم أنه لا يلزم من اتباع صاحبه أن يعتمر أو يحج فهو بإرادته فإذا أرد الحج مع القيام بالعمل الواجب لصاحبه فإن له أجراً في ذلك بلا شك والحج يجزئ عنه ويسقط به الواجب وكذلك العمرة وأما قول أصحابه أنه ليس لك حج هذا قول صادر عن جهل وبهذه المناسبة أقول إنه ينبغي للإنسان أن لا يعتمد على قول العامة وأن يسأل أهل العلم عن العلم لأن هذا هو الذي أمر الله به فقال تعالى (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) كما أني أنصح من ليس عنده علم أن لا يتكلم بما لا يعلم وأقول إن القول بما لا يعلم محرم قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
***(12/2)
يقول هذا السائل إن والدتي كبيرة في السن ولا تستطيع المشي إلا بصعوبة بالغة بسبب مرض في مفاصلها فهل عليها الحج أم نحج عنها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجوا عنها ما دامت لا تستطيع وهذا مرض لا يرجى زواله فيحج عنها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال (نعم حجي عنه) .
***(12/2)
تقول السائلة فاطمة من السودان هل يجوز لي أن أحج بمال أخي علما بأنني لا أملك مالاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يحج بما يتبرع به له أبوه أو أخوه أو ابنه أو أحد من إخوانه الذين لا يلحقه منهم منة فإن كان يخشى أن يلحقه منهم مِنّة فإن الأولى أن لا يحج بشيء من ماله لأن المنان يقطع عنق صاحبه بمنته عليه كلما حصلت مناسبة قال أنا الذي حججت بك أنا الذي فعلت أنا الذي فعلت فإذا أمن الإنسان من المنة عليه في المستقبل فلا حرج عليه أن يقبل من أحد من أقارب أو أصحابه أن يتبرع له بمال يحج به.
***(12/2)
سائلة تقول هل يجوز لامرأة أن تسافر للحج من مال أخيها وزوجها موافق على سفرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نعم يجوز لها أن تحج بمال أخيها إذا وافق زوجها على السفر إلى الحج.
ولا بد من وجود محرم معها.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل صالح م. يقول في هذا السؤال عندما حججت أعطاني أخي نفقة الحج وكانت ثلاثمائة ريال عماني فهل حجي صحيح علماً بأن ذلك برضاهم أرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان أن يقبل هدية من أخيه يستعين بها على أداء الحج إذا علم أن ذلك عن طيب نفس منه فإن الهدية توجب المودة والمحبة وتبعد السخينة وفيها شرح صدر للمهدي وقضاء حاجة ومعونة للمهدى إليه وهذا لا ينقص أجرك شيئا لأن هذا كسب طيب والكسب الطيب لا يؤثر في العبادات.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ رجل سأل رجلاً غنياً ميسور الحال أن يعطيه مالاً ليتبلغ به إلى الحج إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج فأعطاه مالاً فهل حج الرجل صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجه صحيح لكن سؤاله الناس من أجل الحج غلط ولا يحل له أن يسأل الناس مالاً يحج به ولو كانت الفريضة لأن هذا سؤال بلا حاجة إذ أن العاجز ليس عليه فريضة وسؤال الناس بلا حاجة أخشى أن يقع السائل للناس بلا حاجة في هذا الوعيد الشديد (أن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) والعياذ بالله لأنه قشر وجهه بسؤال الناس فكانت العقوبة أن قشر وجهه من أجل هذا السؤال وليتق الله المؤمن في نفسه فلا يسأل إلا عند الضرورة التي لو لم يسأل لهلك أو تضرر.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من أحد الاخوة المستمعين من جمهورية مصر العربية خالد الخطيب يقول فضيلة الشيخ أنا موجود في المملكة وإخواني خارج المملكة لا يستطيعون أن يعتمروا أو يحجوا وذلك للغلاء هل يصح أن نعتمر عنهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان فريضة فإنه لا يصح أن تعتمر عنهم لأنهم حينئذ يستطيعون بأنفسهم أن يأتوا إلى العمرة أو الحج لكن نقصهم بذلك المال فلم تجب عليهم العمرة ولا الحج لقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أما إذا كانوا قد حجوا من قبل واعتمروا وتريد أن تأتي لهم بعمرة نافلة فإن هذا لا بأس به عند كثير من أهل العلم ويرى آخرون أن ذلك لا يصح ويعللون هذا بأن الاستنابة في الحج إنما جاءت في الفريضة ولم تأت في النافلة وجاءت في الفريضة للضرورة لأنها واجبة ولم يتمكن من فرضت عليه من أدائها فجازت الاستنابة فيها للضرورة وأما التطوع فليس هناك ضرورة تدعو إلى أن يستنيب الإنسان غيره فيه وعلى هذا فالذي أرى أن لا تعتمر عنهم أيضاً حتى وإن كان نافلة فإن تيسر لهم الوصول إلى البيت فهذا من فضل الله عز وجل وإن لم يتيسر فالله سبحانه وتعالى حكيم بما يفعل.
***(12/2)
سائل يقول ما حكم الشرع في نظركم في رجل أقعده المرض عن أداء فريضة الحج وليس له أولاد وأيضاً حالته المادية صعبة جداً ما حكم هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلاً كما قال الله سبحانه وتعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فإذا كنت لا تستطيع السبيل إلى الحج لقلة المال فإنه لا حج عليك ولو مت في هذه الحال فإنه لا إثم عليك لأن الواجب يسقط بالعجز.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع رضا عمر مصري مقيم بالمملكة يقول حج العام الماضي ولله الحمد ويريد هذا العام أن يحج عن والدته مع العلم أنها على قيد الحياة ولكن لا تستطيع أن تحج هي لكبر سنها ولأسباب أخرى مرضية هل يجوز أن أحج عنها أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يحج عنها إذا كان قد حج عن نفسه وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال (نعم حجي عنه) وسمع صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول لبيك عن شبرمة فقال ما شبرمة فقال أخ لي أو قريب لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) فهذا يدل على جواز الحج عن الغير إذا كان لا يستطيع الوصول إلى مكة ولكن بشرط أن يكون الحاج قد أدى الفريضة عن نفسه.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع سوداني اسمه إبراهيم مقيم في السعودية يقول والدي في السودان كبير السن لكنه يستطيع الحركة قريباً مثل يذهب إلى المسجد ويذهب إلى البيوت القريبة لكنه لا يستطيع العمل لكبر سنه وبه مرض يلازمه سنين طويلة إذا استطاع المجيء إلى الحج يمكن أن يؤدي الطواف والسعي ولكن يا فضيلة الشيخ ليس له مال وأنا من هنا لا أستطيع أن أرسل له المبلغ الذي يأتي به وهو يكلف ما يقارب من ثمانية عشر ألف جنية سوداني فهل يجوز لي أن أحج عنه أفتوني بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن والدك إذا كان على الحال التي وصفت يعني ليس عنده مال فإنه لا يلزمه الحج ولو مات، مات غير عاصٍ لله ولو مات، مات وليس في دينه نقص يلام عليه لأن الله تعالى اشترط لوجوب الحج الاستطاعة فقال تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومن ليس عنده مال فإنه لا يستطيع الحج وإذا لم يستطع الحج فلا حج عليه فاطمئن على والدك ولا تخف عليه ولا تقلق لأن الحج ليس واجباً في حقه.
***(12/2)
بارك الله فيكم من الجزائر المستمع للبرنامج يقول فضيلة الشيخ توفي والدي ووالدتي وأنا صغير ولا أعرف هل أديا فريضة الحج أم لا مع أنهما كانا فقيرين فماذا أعمل بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أفيدك بأن والديك ليس عليهما حج في هذه الحال ليس في دينهما نقص يلامان عليه وذلك أن الحج لا يجب إلا على المستطيع لقول الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فلا تقلق ولا تهتم ولا تغتم من أجل عدم حجهما ما داما فقيرين لكن إن أردت أن تحج وتعتمر عنهما فتبدأ أولا بالأم ثم ثانيا بالأب بعد أن تكون أديت الفريضة عن نفسك فهذا حسن.
***(12/2)
من جيزان السائلة أم أسامة تقول ما حكم النيابة في الحج حيث اشترط عليّ هذا النائب مبلغاً كبيراً من المال هل أعطيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النيابة في الحج إنما تكون لشخص لم يؤد الفريضة وهو عاجز ببدنه أن يصل إلى مكة عجزاً لا يرجى زواله أما من كان صحيحاً فلا يستنيب غيره لا في فريضة ولا في نافلة وكذلك من كان مريضا يرجو أن يشفيه الله من مرضه فإنه لا ينيب غيره بل ينتظر حتى يشفيه الله من مرضه فيؤدي الفريضة هو بنفسه.
***(12/2)
نعم هذه رسالة من المستمعة لانا عبد الله من حائل سؤالها تقول هل يجوز للبنت أن تحج عن أبيها المتوفى بعد أن حجت لنفسها وماذا يشترط لذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للبنت أن تحج عن أبيها المتوفى وكذلك الابن يحج عن أبيه وكذلك الأخ يحج عن أخيه ولا حرج في ذلك إذا كان هذا الحاج قد أدى فريضة الحج عن نفسه وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أمها) .(12/2)
يافضيلة الشيخ: هل يجوز لها أن تحج حتى لو كان لها أخوة ذكور بالغون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو كان لها اخوة ذكور بالغون.(12/2)
يافضيلة الشيخ: أليست هذه الوظيفة للرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تلزم، يقوم بها الرجال والنساء ولهذا (سألت امرأة من خثعم النبي صلى الله عليه وسلم قالت إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم فأذن لها أن تحج عن رجل وهي امرأة.(12/2)
يافضيلة الشيخ: ولكن هل يشترط لها المحرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم لابد من المحرم في كل سفر سواء سفر الحج أو غيره وسواء سافرت المرأة لحجها عن نفسها أو لحجها عن غيرها.
***(12/2)
عبد الرحمن مقيم في الخبر يقول لقد أنعم الله علي وأديت فريضة الحج واعتمرت وأريد أن أودي عمرة عن والدتي مع العلم بأنها على قيد الحياة ولكنها كبيرة في السن ولا تستطيع القيام بذلك ولي أخ يحتاج إلى هذا المبلغ الذي سوف أنفقه في العمرة فهل أؤدي العمرة أو أعطي أخي هذا المبلغ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن تعطي أخاك هذا المبلغ لأن ذلك من صلة الرحم الواجبة وأما العمرة عن أمك فإن كانت عاجزة لا تستطيع فتؤدي العمرة عنها في وقت آخر إن شاء الله.
***(12/2)
هذا السائل الذي رمز لأسمه م. ص. الرياض يقول فضيلة الشيخ أفيدكم حفظكم الله بأن والدتي أمد الله في عمرها بالخير والطاعة قد تجاوزت سن الخامسة والستين وقد نحل جسمها وضعف إلا أنها والحمد لله تتمتع ببصر جيد وقدرة على المشي أيضا وأرغب في أداء فريضة الحج نيابة عنها إن شاء الله خاصة بأنها لا تقوى على الزحام والمشي لمسافات طويلة وشفقة مني عليها وحباً في عمل الخيرات والتقرب للمولى عز وجل بطاعة الوالدين أرغب في تأدية هذه الفريضة نيابة عنها وأفيدكم إنني وفقت ولله الحمد في أداء الحجة المفروضة عليّ نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال فهل يجوز أن أدي فريضة الحج عنها والحال ما ذكر بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت أمك بهذه المثابة لا تستطيع الوصول إلى مكة والقيام بمناسك الحج إلا بِكُلْفَةٍ شديدة فلا بأس أن تؤدي عنها الفريضة لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة فقالت إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه: قال: نعم وذلك في حجة الوداع) فلا حرج أن تقضي فريضة الحج عن أمك.
***(12/2)
بارك الله فيكم هل يجوز للرجل أن يحج أو يعتمر عن أخيه بعد وفاته ولم يوصه بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج للإنسان أن يحج ويعتمر عن أخيه بعد وفاته وإن لم يوصه بذلك لأن ابن عباس رضي الله عنهما ذكر (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شبرمة؟ قال أخ لي أو قريب لي فقال: أحججت عن نفسك؟ قال لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) ولم يقل له هل أوصاك بذلك أو أذن لك بهذا ولو كان هذا شرطا لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل محمد عبد العزيز شكري مصري ومقيم بالرياض يقول في العام الماضي 1417 وفقني الله عز وجل إلى حج بيته الحرام وأديت الفريضة متمتعاً عن نفسي هل إذا رغبت في الحج عن والدي المتوفى حج مفرد وليس تمتعا فهل يجوز ذلك أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان إذا أدى واجب النسك من حج وعمرة أن يحج عن غيره أو يعتمر عن غيره دليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) واختلف هذا الحديث في ألفاظه هذا أحدها وهذا يدل على أن الإنسان إذا حج عن نفسه جاز أن يحج عن غيره وإذا اعتمر عن نفسه جاز أن يعتمر عن غيره.
***(12/2)
سائل يقول من المكلف في الحج عن الأب والأم إذا كانوا موجدين ولكن لا يستطيعون الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ليس أحد من الناس مكلفاً عن أحد لأن العبادات إنما تجب على المكلف ولا تجب على غيره ولو وجبت عبادة شخص على غيره لزم من ذلك أن يكون آثماً إذا لم يؤديها عنه وقد قال الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) والوالدان إذا كانا لا يستطيعان ببدنيهما مع وجود المال لديهما فإنه يحج عنهما ولدهما أو غيره وإذا كانا يستطيعان الحج بأبدانهما فإنه لا يجوز لأحد أن يحج عنهما فريضة الإسلام أما غير الفريضة فلا حرج في ذلك.
***(12/2)
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول اعتمرت لوالدي المتوفى وفي نهاية العمرة نسيت أن أقصر من شعري ثم قمت مباشرةً بالطواف لأختي أي أخذت لها سبع وأختي مقيمة في الرياض ويمنعها زوجها من العمرة ولا أعلم هل يستمر في منعها أم لا بحجة أنه لا يحب السفر وبعد الانتهاء من الطواف لأختي قمت بالتقصير من شعري مرة واحدة فقط عن العمرة لوالدي وأسأل يا فضيلة الشيخ حكم الطواف لأختي في هذه الحالة والفقرة الأخرى هل أقصر من شعري بعد السبع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف لأختك صحيح وكونك قصرتي بعد هذا الطواف عن العمرة صحيحٌ أيضاً وأما كون زوج أختك يمنعها من العمرة فهذا أمرٌ يعود إليه هو أعلم بشأن زوجته قد يرى أنه من المصلحة أن يمنعها فيمنعها فله الحق في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) هذا الحديث أو معناه فمنع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المرأة أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه لأنها إذا صامت تمنعه من كمال ما يريد منها وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصوم الذي يكون به منع الزوج مما يريد فما بالك في السفر فإن منعه زوجته من السفر حقٌ له ولا لوم عليه في ذلك لكن ينبغي للزوج أن يراعي الأحوال فإذا قدر أن هذه المرأة لم تعتمر من قبل وصار أهلها يريدون العمرة وهو لا يشق عليه فراقها فليأذن لها في العمرة لتؤدي واجباً لله ويا حبذا لو اصطحبها أيضاً فإن هذا يكون فيه إلفة بين الأصهار بعضهم مع بعض ويكون فيه الخير الكثير إن شاء الله.
***(12/2)
صالح سليمان الحيصي من النعيرية مركز الشرطة بعث لنا بهذه البرقية يقول إنني قد أجّرت إنسان لكي يحج عن والدتي التي قد توفيت منذ أمد بعيد لكن اختصار برقيته يقول إنني قد أجرت لها وإنني قد سمعت أن الإنسان لا يجوز له أن يُؤجِر أو لا يجوز أن يأخذ الإنسان من أجل الحج عن الآخر فما حكم الحج عن والدتي وهذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول ينبغي لك إذا أردت الحج عن والدتك أن تحج بنفسك أو تتفق مع شخص بدون عقد الإجارة على أن يحج لك وهذا الحاج عنك أو عن أمك إذا كان نيته بحجه هي قضاء حاجتك وحل مشكلتك وكان يريد مع ذلك أيضاً أن يتزود من الأعمال الصالحة في مشاعر الحج فإن هذه نية طيبة ولا حرج عليه فيها أما إذا كان حج عنك أو عن والدتك من أجل الدراهم فقط فإن هذا حرام عليه ولا يجوز لأنه لا يجوز للإنسان أن يُريد بعمل الآخرة شيئاً من أمور الدنيا فهنا الكلام في مقامين:
أولاً: بالنسبة لك بالنسبة لمن أعطى غيره أن يحج عنه أو عن ميت من أمواته.
والثاني بالنسبة لهذا الحاج عن غيره فأما الأول فنقول إذا أعطيت غيرك شيئاً يحج به عن ميتك فإنه لا حرج عليك في هذا وأما إذا أعطيته يحج عنك فهذا إن كان فريضة فلا يجوز لك أن تقيم من يحج عنك إلا إذا كنت عاجزاً عنها عجزاً لا يرجى زواله وإن كانت نافلة فقد اختلف العلماء في جوازها والذي يظهر لي أنه لا يجوز للإنسان أن ينيب غيره يحج عنه نافلة لأن الأصل في العبادات أن يوقعها الإنسان بنفسه حتى يحصل له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى وإنما أجزنا ذلك في الفريضة لورود الحديث به وإلا لكان الأصل المنع أيضاً وأما الثاني أي بالنسبة للحاج عن غيره فإن أراد بذلك الدنيا وما يأخذ عليه من أجر فهو حرام عليه وإن أراد بذلك قضاء حاجة أخيه وما يحصل له من الانتفاع بالدعاء في تلك المشاعر فإنه لا حرج عليه في ذلك.
***(12/2)
المستمع يقول في رسالته امرأة أرادت أن توكل إنساناً ليحج لها لعلمه ولثقتها فيه بأن يؤدي المناسك كاملة ولقلة معرفتها بمناسك الحج ثم أنها تخاف على نفسها من ظروف العادة وغيرها ولكي تقوم بتربية أولادها ومراعاتهم في البيت هل يجوز ذلك شرعاً في نظركم يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون ذلك في فريضة.
والحال الثانية: أن يكون ذلك في نافلة فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يؤكل غيره ليحج عنه إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت لمرض مستمر لا يرجى زواله أو لكبر ونحو ذلك فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدي الحج بنفسه وإن لم يكن لديه ما نع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه فإنه لا يحل له أن يوكّل غيره في أداء النسك عنه لأنه هو المطالب به شخصياً قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فالعبادات لابد أن يفعلها الإنسان بنفسه ليتم له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى ومن المعلوم أن من وكَّل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات وأما إذا كان الموكِّل قد أدى الفريضة وأراد أن يؤكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم فمنهم من أجازه ومنهم من منعه والأقرب عندي المنع وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه أو يعتمر في نافلة الحج لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه وكما أنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عنه وليه فكذلك في الحج، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير وإذا كان عبادة بدنية يقوم بها الإنسان ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حتى نجوزه وهذه إحدى الروايتين عن أحمد أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة سواء كان قادراً أم غير قادر ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج على وذلك لأنه يوكل من يحج عنه.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من الحاج عمر محمد يقول خرجت حاجاً من بلدي وأرسل معي أخ قيمة حجتين عن شخصين وأعطيت المبلغ لشخصين من أهل المدينة وأنا لا أعرف الأشخاص معرفة جيدة وقلت لصاحب المال ما أعرف أحداً فقال أعطي أي شخص على ذمتي وذمتك بريئة أرجو التوضيح وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن تصرف الوكيل بحسب ما أذن له موكله فيه إذا لم يكن مما يخالف الشرع نافذ ولا حرج عليه ولا ضمان عليه ولا تبعة إذا لم يتعدَ ما وكل له فيه فأنت بالنسبة لهاتين الحجتين ليس عليك تبعة ولكن قد تكون التبعة على هذا الذي قال لك مثل هذا الكلام المطلق إذا كانت الحجتان وصية لميت أو لحي ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يريد أن يعطي من يحج عنه أن يتحرى في أمانة الآخذ ودينه فإن بعض الناس قد لا يكون عنده تقوى لله عز وجل ولا رحمة لخلقه فيأخذ هذه الدراهم ليحج بها ولكنه لا يحج بها ويصرفها فيما يريد من متاع الدنيا فيكون بذلك خائناً لأمانته وواقعاً في الإثم.
***(12/2)
بارك الله فيكم مستمع من الخبر م. ح. م. المملكة العربية يقول كلفت من يحج عن والدتي المتوفاة وسمعت أن الشخص الذي أعطيته مبلغاً من المال قد أخذ مبالغ أخرى ليحج عن أناسٍ آخرين ما حكم ذلك فضيلة الشيخ وهل تعد هذه حجة كاملة أم عليّ أن أحج بدلاً عنها أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان أن يكون حازماً في تصرفه وأن لا يكل الأمر إلا إلى شخصٍ يطمئن إليه في دينه بأن يكون أميناً عالماً بما يحتاج إليه في مثل ذلك العمل الذي أوكل إليه فإذا أردت أن تعطي شخصاً ليحج عن أبيك المتوفى أو عن أمك فعليك أن تختار من الناس من تثق به في علمه ودينه وذلك لأن كثيراً من الناس عنده جهلٌ عظيم في أحكام الحج فلا يؤدون الحج على ما ينبغي وإن كانوا هم في أنفسهم أمناء ولكن يظنون أن هذا هو الواجب عليهم وهم مخطئون كثيراً ومثل هؤلاء لا ينبغي أن يعطوا إنابةً في الحج لقصور علمهم ومن الناس من يكون عنده علم لكن ليس عنده أمانة فتجده لا يهتم بما يقوله ويفعله في مناسك الحج لضعف أمانته ودينه ومثل هذا أيضاً لا ينبغي أن يعطى أو أن يوكل إليه أداء الحج فعلى من أراد أن ينيب شخصاً في الحج عنه أن يختار من أفضل من يجده علماً وأمانة حتى يؤدي ما طلب منه على الوجه الأكمل وهذا الرجل الذي ذكره السائل أن الذي أعطاه ليحج عن والدته وسمع فيما بعد أنه أخذ حجاتٍ أخرى لغيره ينظر فلعل هذا الرجل أخذ هذه الحجات من غيره وأقام أناساً يؤدونها وقام هو بأداء الحج عن الذي استنابه ولكن هل يجوز للإنسان أن يفعل هذا الفعل أي هل يجوز للإنسان أن يتوكل عن أشخاصٍ متعددين في الحج أو في العمرة ثم لا يباشر هو بنفسه ذلك بل يكله إلى أناسٍ آخرين نقول إن ذلك لا يجوز ولا يحل وهو من أكل المال بالباطل فإن كثيراً من الناس يتاجرون بهذا الأمر تجدهم يأخذون عدةً من الحجج والعمر على أنهم هم الذين سيقومون بها ولكنه يكلها إلى فلانٍ وفلانٍ من الناس بأقل مما أخذ هو فيكسب أموالاً بالباطل ويعطي أشخاصاً قد لا يرضونهم من أعطوه هذه الحجج أو العمر فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في إخوانه وفي نفسه لأنه إذا أخذ مثل هذا المال فقد أخذه بغير حق ولأنه إذا أؤتمن من قبل إخوانه على أنه هو الذي يؤدي الحج فإنه لا يجوز له أن يكل ذلك إلى غيره لأن هذا الغير قد لا يرضاه من أعطاه هذه الحجج أو هذه العمر.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل من القصيم رمز لاسمه بالأحرف م. ج. هـ. يقول إذا أخذ شخص مالاً ليحج عن آخر وقدره سبعة آلاف ريال ثم استهلك في حجه ثلاثة آلاف ريال فقط وبقي الباقي معه فهل يجب عليه أن يرده على صاحبه أم ينتفع به وحلال عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخذ دارهم ليحج بها وزادت هذه الدراهم على نفقته فإنه لا يلزمه أن يدفعها إلى من أعطاه هذه الدراهم إلا إذا كان الذي أعطاه قال له حج منها ولم يقل حج بها فإذا قال حج منها فإنه إذا زاد شيء عن النفقة يلزمه أن يرده إلى صاحبه فإن شاء عفا عنه وإن شاء أخذه وأما إذا قال حج بها فإنه لا يلزمه أن يرد شيئا إذا بقي اللهم إلا أن يكون الذي أعطاه رجل لا يدري عن الأمور ويظن أن الحج يتكلف مصاريف كثيرة فأعطاه بناءاً على غرته وعدم معرفته فحينئذ يجب عليه أن يبين له وأن يقول له إني حججت بكذا وكذا وأن الذي أعطيتني أكثر مما أستحق وحينئذٍ إذا رخص له فيه وسمح له فلا حرج.(12/2)
يافضيلة الشيخ: لكن إذا لم يحدد أو لم يخصص في القول لم يقل يحج منها ولم يقل حج بها وترك الأمر مبهماً فهل يلزم هذا بإرجاع الزائد إلي صاحبه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أعطاه الدراهم ماذا يقول له؟(12/2)
يافضيلة الشيخ: يقول هذا مبلغ ربما مقابل الحج أو تكلفة الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال تكلفة الحج فمعناه أنه أن ما زاد عن التكلفة يرد عليه.(12/2)
يافضيلة الشيخ: وما نقص يطالب به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وما نقص يطالب به.
***(12/2)
بارك الله فيكم من أسئلة المستمعة نورة من القصيم تقول ما حكم من حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه ولمن يكون حجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حج الإنسان عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فإن كان قد وجبت عليه الفريضة بإن كان مستطيعاً ولكنه لم يحج ثم حج عن غيره فإن ذلك غير صحيح قال أهل العلم وتكون الحجة لنفسه لا لمن نواها له وإذا كان قد أخذ شيئاً ممن نوى الحج عنه فإنه يرده إليه أما إذا كان لم يحج عن نفسه لعدم استطاعته وحج عن غيره فإن هذا لا بأس به وذلك لأنه إذا لم يكن مستطيعاً فالحج في حقه غير فريضة فيكون قد أدى عن غيره حجاً في محله فيجزئ عنه.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول من باب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد الصحابة هل يجوز للإنسان أن يحج عنهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصحابة فلا بأس أن يحج عنهم الإنسان كما يحج عن أي مسلم لكن مع ذلك نرى أن الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما إذا لم يكن فرضاً وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) يدعو له،لم يقل ولد صالح يحج عنه ويتصدق عنه ويصوم عنه ويزكي قال ولد صالح يدعو له وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا والله لا نظن بل نظن أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات ومع ذلك قال (أو ولد صالح يدعو له) هذه واحدة ثانيا بالنسبة للصحابة قلنا إنهم كسائر الناس ولكن الدعاء أفضل لهم ولغيرهم أما النبي صلى الله عليه وسلم فإهداء القرب له من السفه من حيث العقل ومن البدعة من حيث الدين أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا الرسول ولازموه وأحبوه أكثر منا ما كانوا يفعلون هذا هل أبو بكر حج عن الرسول وكذا عمر، وعثمان، وعلي، والعباس عمه كلهم لم يفعلوا هذا ثم نأتي نحن في آخر الزمان ونبرّ الرسول بالحج عنه أو بالصدقة عنه هذا غلط، غلط من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية هو سفه لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فللنبي صلى الله عليه وسلم مثله لأن من دل على خير فله مثل فاعله وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول هذا يعني أنك حرمت نفسك فقط لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك له مثل أجرك سواء أهديته أم لم تهده وأظن أن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع ومع ذلك أنكرها العلماء وقالوا لا وجه لها وإذا كنت صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأرجو أن تكون صادقاً فعليك باتباعه اتباع سنته وهديه كن وأنت تتوضأ كأنما تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ أمامك وكذلك في الصلاة وغيرها حتى تحقق المتابعة ولست أقول أمامك أن الرسول عندك في البيت هذا لا يقوله أحد لكن المعنى من شدة اتباعك له كأنه أمامك يتوضأ ولهذا أنبه الآن على نقطة مهمة عندما نتوضأ للصلاة أكثر الأحيان وأكثر الناس لا يشعرون ألا أنهم يؤدون شرطاً من شروط الصلاة لكن ينبغي أن نشعر أولا بأننا نمتثل أمر الله عز وجل حيث قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ... الآية، هذه واحدة.
ثانيا: أن نشعر باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأننا توضأنا نحو وضوئه.
ثالثا: أن نحتسب الأجر لأن هذا الوضوء يكفر الله سبحانه وتعالى كل خطيئة حصلت من هذه الأعضاء الوجه إذا غسله آخر قطره يكفر بها عن الإنسان وكذلك بقية الأعضاء هذه ثلاثة أمور غالبا لا نشعر بها إنما نتوضأكأننا أدينا شرطاً من شروط الصلاة فأسأل الله أن يعينني وإخواني المسلمين على استحضارها حتى تكون العبادة طاعة لله وإتباعا لرسول الله واحتسابا لثواب الله.
***(12/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ ما حكم سفر المرأة مع غير محرم لها وهل يجوز أن تسافر امرأة مع ابن خالتها ومعه أخته مسافة ثلاثمائة كيلو متر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك فقال (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فسأله رجل وقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) .
***(12/2)
هذه سائلة رمزت لاسمها أ. أتقول فضيلة الشيخ إذا كانت المرأة لا يوجد لها محرم ولم تؤدِ فريضة الحج ويوجد نساء يردن الحج فهل تحج معهن وهنّ ملتزمات وموثوقات جداً جداً أم يسقط عنها الحج في هذه الحالة ارجوا من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج لا يجب على هذه المرأة التي لم تجد محرماً لقول الله تبارك وتعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهذه المرأة وإن كانت مستطيعة استطاعة حسية فإنها غير مستطيعة استطاعة شرعية وذلك أنه لا يحل للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم لقول ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل قال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتب في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزو وأن ينطلق فيحج مع امرأته ولم يستفصل النبي صلى الله عليه والله وسلم في هذه الحال هل المرأة معها نساء ملتزمات وهل هي آمنة أو غير آمنة وهل هي شابة أو عجوز فلما لم يستفصل بل أمر هذا الرجل أن يدع الغزو ويذهب ليحج مع امرأته دل ذلك على العموم وأنه لا يحل لامرأة أن تسافر للحج ولا لغيره أيضا إلا مع ذي محرم حتى وإن كانت آمنة على نفسها وإن كانت مع نساء وفي هذه الحال غير مستطيعة شرعاً فلو توفيت ولاقت الله عز وجل فإنها لا تكون مسئولة عن هذا الحج لأنها معذورة لكن من العلماء من قال إن المحرم شرط لوجوب الحج وعلى هذا فلا يلزمها أن تستنيب من يحج عنها إذا كانت قادرة بمالها لأن شرط الوجوب إذا انتفى يسقط ويسقط بانتفائه الوجوب ومن العلماء من قال إن المحْرم شرط للزوم الأداء أي للزوم حجها بنفسها وبناء على هذا يلزمها إذا كان عندها مال أن تقيم من يحج عنها وإذا توفيت فإنه يجب إخراج الحج عنها من تركتها على كل حال نقول لهذه السائلة اطمئني فأنتِ الآن لست آثمة إذا لم تحجي بل إذا حججت فأنت آثمة وإذا متِ فليس في ذمتك شيء لأنك غير مستطيعة شرعاً وكثير من الناس يكون مشتاقا إلى الحج ومحباً للحج فيرتكب بعض المحرمات من أجل تحقيق رغبته وإرادته ومحبته وهذا غير صحيح بل الصحيح والحق أن تتبع ما جاء من الشرع في هذه الأمور وغيرها فإذا كان الله تعالى لم يلزمك بالحج فلا ينبغي أن تلزمي نفسك بما لا يلزمك الله به ومثال ذلك أن بعض الناس يكون في ذمته دين لأحد كثمن مبيع أو قيمة مثله أو إيجاره أو غير ذلك فتجده يذهب للحج وذمته مشغولة بهذا الدين مع أن الحج في هذه الحال لا يجب عليه بل هو بمنزلة الفقير لا تجب عليه الزكاة فكذلك هذا الذي عليه الدين لا يجب عليه الحج ولا يكون آثما بتركه ولا مستحقا للعقاب إذا لاقى الله عز وجل لأنه معذور فوفاء الدين واجب والحج مع الدين ليس بواجب والعاقل لا يقوم بما ليس بواجب ويدع ما هو واجب لذلك نصيحتي لأخواني الذين عليهم ديون أن يدعوا الحج حتى يغنيهم الله عز وجل ويقضوا ديونهم ثم يحجوا نعم لو كان الدين مؤجلا وكان عند الإنسان مال وافر بحيث يضمن لنفسه أنه كلما حل قسط من هذا الدين فإنه يقضيه فهذا إذا كان بيده مال عند حلول وقت الحج فإنه يحج به ولا بأس بذلك.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ محمد نحن عندما نتحدث عن سفر المرأة يتعلل الكثير من الناس بقصر المدة فمثلا من الرياض إلى الطائف ساعة وأيضا هذه الطائرة موجود فيها كثير من النساء وكثير من الرجال فيقول أنها مأمونة الفتنة ما تعليقكم على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعليق على ذلك ليس المقصود الأمن وعدم الأمن بدليل أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يستفصل في الحديث (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) ولو كان المدار على الأمن لاستفصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا ثم إن الأمن ليس في سفر الطائرة.
أولاً: لأن الطائرة ربما تقلع في الموعد المقرر وربما تتأخر لأسباب فنية أو جوية فتبقى المرأة في المطار هائمة تائهة لأن محرمها قد رجع إلى بيته بناء على أنها دخلت الصالة أو أذن لهم بركوب الطائرة ثم تأخرت الطائرة وإذا قدر أن هذا المحظور زال وأن الطائرة أقلعت متجهة إلى محل هبوطها فلا يؤمن أن تهبط في غير المكان الذي تقرر فيه الهبوط لأنه يجوز أنه قد يتغير الجو فلا يمكنها الهبوط في المكان المقرر ثم تذهب الطائرة إلى مكان أخر لتهبط فيه وحينئذٍ تبقى هذه المرأة هائمة تائهة أو تتعلق بمن لا يؤمن فتنته وإذا قدرنا إنها وصلت إلى المطار التي قرر هبوطها فيه فإن محرمها الذي سيستقبلها قد يعوقه عائق عن وصوله للمطار إما زحام في السيارات وإما عطل في سيارته وإما نوم وإما غير ذلك فلا يأتي في موعد هبوط الطائرة وتبقى هذه المرأة هائمة تائهة وإذا كان الحج ليس واجباً لمن ليس عندها محرم فالأمر والحمد لله واسع وليس فيه إثم ولا ينبغي للمرأة أن تتعب نفسياً من أجل هذا لأنها في هذه الحال غير مكلفة به فإذا كان الفقير العادم للمال ليس عليه زكاة وقلبه مطمئن بكونه لا يزكي فكذلك هذه المرأة التي ليس عندها محرم ينبغي أن يكون قلبها مطمئنا لعدم حجها.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه مستمعة أختكم في الله من المغرب مقيمة في المملكة العربية السعودية تقول أطلب منكم أن تجيبوا على سؤالي تقول أنا أخت ملتزمة بدين الله ومتحجبة وأريد الحج إلى بيت الله الحرام وأعرف أنه لا يجوز لي الحج بدون محرم وأنا لا يوجد معي محرم فهل أذهب إلى الحج وحدي فأنا متشوقة إلى مكة المكرمة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم لا للحج ولا لغير الحج وهي إذا تخلفت عن الحج لعدم وجود محرم لها فليس عليها إثم ويدل لهذا أي لكون المرأة لا تسافر بدون محرم لا للحج ولا غيره ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم انطلق فحجّ مع امرأتك) مع أن هذه المرأة خرجت للحج ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يحج معها وأنت لا تتعبي نفسك وضميرك أقول ذلك للسائلة فإنك إذا بقيت من أجل عدم المحرم فقد تركت الحج بأمر الله عز وجل لأن السفر بدون محرم قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإقامة من أجل عدم المحرم تكون استجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(12/2)
أختكم في الله من المغرب تقول في رسالتها والدتي في المغرب وأنا أعمل في السعودية وأنا أريد أن أرسل لها حتى تحضر لي لتقوم بأداء فريضة الحج وليس معها محرم لأن والدي متوفى وإخواني وأخوالي ليس عندهم القدرة على الذهاب إلى فريضة الحج هل يجوز أن تحضر لوحدها وتحج لوحدها أفيدونا بهذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لها أن تأتي إلى الحج وحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) والمرأة إذا لم يكن لها محرم فإن الحج لا يجب عليها ثم إن الفريضة سقطت عنها لعدم القدرة على الوصول إلى البيت وعدم القدرة هنا عجز شرعي أي أنه لا يجب عليها أداء بمعنى أنها لو ماتت حج عنها من تركتها على كل حال إني أقول لهذا السائل لا تضيق المرأة ذرعاً بعدم قدرتها على الحج لعدم وجود المحرم فإن ذلك لا يضرها ولا يلحقها إثم إذا ماتت وهي لم تحج لأنها معذورة شرعاً غير مستطيعة شرعاً وقد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) .
***(12/2)
بارك الله فيكم سائل من مصر يقول أنا أعمل هنا بالمملكة وأريد أن أحضر الوالدة لكي تحج معي وهي تبلغ من العمر الخامسة والخمسين ولا يوجد محرم لها يحضرها من مصر وأريد بهذا العمل أن أبرها فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم الشرع في هذا أن أمه ليس عليها فريضة مادامت لا تجد محرما ولا يضيق صدره ولا صدرها فإن الله تعالى قد يسر للعباد ولهذا نص الله تبارك وتعالى على شرط الاستطاعة في الحج فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) والمرأة إذا لم يكن لها محرم فإنها لا تستطيع الحج إذ أنه لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي محرم فإن تيسر له أن يذهب إلى مصر يأتي بها أو أن تأتي أمه مع محرم لها من هناك فهذا خير وإن لم يتيسر فلا حرج على الجميع.
***(12/2)
السؤال يقول امرأةٌ حجت وكان محرمها ولدها البالغ من العمر ثمان سنوات فهل حجها صحيحٌ وماذا يشترط للمحرم أي ما هي الشروط التي يجب توفرها فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما حجها فصحيح لكن فعلها وسفرها بدون محرم هذا محرم ومعصيةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام قال (لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم) والصغير الذي لم يبلغ ليس بذي محرم لأنه هو نفسه يحتاج إلى ولاية وإلى نظر ومن كان كذلك لا يمكن أن يكون ناظراً أو ولياً لغيره والذي يشترط في المحرم أن يكون مسلماً ذكراً بالغاً عاقلاً فإذا لم يكن كذلك فإنه ليس بمحرم وها هنا أمرٌ نأسف له كثيراً وهو تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم فإنهن يتهاون بذلك تجد المرأة تسافر في الطائرة وحدها وتعليلهم لهذا الأمر يقولون إن محرمها يشيعها في المطار التي أقلعت منه الطائرة والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة وهذه العلة عليلة في الواقع فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة بل إنه يدخلها في صالة الانتظار وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع فتبقى هذه المرأة ضائعة وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تريد لسببٍ من الأسباب وتهبط في مكانٍ آخر فتضيع هذه المرأة وربما تهبط في المطار الذي قصدته ولكن لا يأتي محرمها لسببٍ من الأسباب إما نوم أو مرض أو زحام سيارات أو حادثٍ بسيارته منعه من الوصول أو غير ذلك وإذا انتفت كل هذه الموانع ووصلت الطائرة في وقت وصولها وَوُجِد المحرم الذي يستقبلها فإنه من الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون بجانبها رجلٌ لا يخشى الله تعالى ولا يرحم عباد الله فيغريها وتغتر به فيحصل بذلك الفتنة والمحظور كما هو معلوم فالواجب على المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن لا تسافر إلا مع ذي محرم والواجب أيضاً على أوليائها من الرجال الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل وأن لا يفرطوا في محارمهم وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم فإن الإنسان مسئولٌ عن أهله لأن الله تعالى جعلهم أمانةً عنده فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) .
***(12/2)
بارك الله فيكم تقول السائلة ما هى المسافة التى إذا سافرتها المرأة تحتاج فيها إلى محرم وهل يعتبر مسافة نصف ساعة بالسيارة سفر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تسافر إمرأة إلا مع ذي محرم) فما عده الناس سفرا فهو سفر سواء طالت المسافة أم قصرت وما لم يعده الناس سفرا فليس بسفر وعلى هذا فلو قدر أن المرأة تعمل فى بلد قريب من بلدها وتذهب فى الصباح وترجع بعد الظهر فإن هذا ليس بسفر لأن الناس لا يعدونه سفراً اللهم إلا أن تكون المسافة بعيدة كما لو سافرت من مكة إلى المدينة أو من مكة إلى الرياض أو ما أشبه ذلك ولو رجعت فى يومها وذلك لبعد المسافة عرفاً وقال بعض أهل العلم إن المرأة لا يحل لها أن تسافر بلا محرم سواء كان السفر قصيراً أم طويلاً والاحتياط أن لا تسافر إلا مع محرم سواء كان السفر طويلاً أو قصيراً أما اللزوم فإنه لا يلزم أعني المحرم إلا إذا عُدّ خروجها من بلدها سفرا.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً السائل يقول امرأة عزمت على أداء فريضة الحج ودفعت تذكرة الطائرة ثم مات زوجها فهل يجوز لها أن تذهب إلى الحج في أثناء عدتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لها أن تذهب إلى الحج في أثناء عدتها بل يجب عليها أن تبقى في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ثم تحج من العام القادم أما لو مات في أثناء الطريق فلا حرج عليها أن تكمل المشوار وأن تكمل حجها ثم تعود إلى بلدها فور انتهاء الحج لتؤدي العدة في بيتها.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هل يجوز للزوج أن يمنع زوجته من أداء فريضة الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للزوج أن يمنع زوجته من أداء فريضة الحج لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإذا كانت الزوجة عندها مال ولها محرم مستعد لأن يحج بها وهي لم تؤدِ الفريضة فطلبت من زوجها أن تحج فأبى فإنه لا طاعة له في ذلك ولها أن تحج من غير رضاه لكن إن خافت أن يطلقها فلها أن تتأخر لأن طلاقها ضرر عليها وقد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) .
***(12/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائل أبو عبد الله من الكويت يقول من مات ولم يحج وهو في الأربعين وكان مقتدراً على الحج مع أنه محافظ على الصلوات الخمس وكان يسوف في كل سنة يقول سوف أحج هذه السنة ومات وله ورث هل يحج عنه وهل عليه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه ويكون كمن حج بنفسه ومنهم من قال لا يحج عنه وأنه لو حج عنه ألف مرة لم تقبل يعني لم تبرأ بها ذمته وهذا القول هو الحق لأن هذا الرجل ترك عبادة واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر فكيف يرغب عنها ثم نلزمها إياه بعد الموت ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ صاحبها وهذا هو ما ذكره بن القيم رحمه الله في تهذيب السنن وبه أقول إن من ترك الحج تهاوناً مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج أبدا لو حج عنه أولياؤه ألف مرة أما الزكاة فمن العلماء من قال إذا مات وأديت الزكاة عنه أبرأت الذمة ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة وأنه سيُكْوى بها جنبه وجبينه وظهره يوم القيامة لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة بخلاف الحج، الحج لا يؤخذ من التركة لأنه لا يتعلق به حق آدمي والزكاة يتعلق بها حق لآدمي فتخرج الزكاة لمستحقيها ولكنها لا تجزئ عن صاحبها سوف يعذب بها عذاب من لم يزك نسأل الله العافية كذلك الصوم إذا علمنا أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون في قضائه فإنه لا يقضى عنه لأنه تهاون وترك هذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام بدون عذر فلو قضي عنه لم ينفعه وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فهذا فيمن لم يفرط وأما من ترك القضاء جهاراً بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه.
***(12/2)
أحسن الله إليكم السائل رضا عمر يقول في هذا السؤال امرأة توفيت قبل أن تؤدي فريضة الحج ولقد رزقت والحمد لله بأولاد ورزق هؤلاء الأولاد بمال ويريدون الحج لوالدتهم المتوفية ولكنهم لم يؤدوا فريضة الحج فهل يجوز أن يوكلوا من يحج عن والدتهم مع إعطائه جميع مصاريف الحج أم يجوز لهم الحج عن والدتهم قبل أن يؤدوا الفريضة هم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً العبارة الصواب أن يقال المتوفاة لأن الله يتوفى الأنفس وليست الأنفس متوفيه وإن كان لها وجه في اللغة العربية لكن الأفصح المتوفاة فيقال فلان متوفى وفلانة متوفاة أما بالنسبة للجواب على السؤال فإن أمهم إن كانت لم تستطع الحج في حياتها فليس عليها حج لأن الله اشترط لوجوب الحج الاستطاعة فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) والغالب على الناس فيما مضى هو الفقر وعدم الاستطاعة وحينئذٍ يكون حجهم عن أمهم نفلاً لا فريضة وأما إذا كانت قد وجب عليها الحج ولكنها أخرت وفرطت فهنا يؤدون عنها الحج على أنه فريضة ولكن لا يحجون بأنفسهم عنها حتى يحجوا عن أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلبي يقول لبيك عن شبرمة فقال (من شبرمة) قال أخ لي أو قريب لي قال (حججت عن نفسك) قال لا قال (هذه عنك ثم حج عن شبرمة) أما إذا أرادوا أن يعطوا غيرهم يحج عنها وهم لم يؤدوا الحج عن أنفسهم فإن كانت الدراهم التي يعطونها غيرهم ليحج عن أمهم تكفيهم لو حجوا هم عن أنفسهم وليس عندهم غيرها وجب عليهم أن يحجوا عن أنفسهم ولا يجوز أن يعطوا أحداً يحج عن أمهم فإن كان عندهم مال واسع لكنهم لم يحصل لهم أن يحجوا هذا العام وأعطوا أحداً يحج عن أمهم فلا حرج في ذلك.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائل أخوكم أبو مصعب من اليمن عدن يقول فضيلة الشيخ لي أخ متوفى عمره حوالي واحد وعشرين سنة لم يحج ولكنه اعتمر فهل تجب عليه حجة الإسلام فهل يلزم على الوالد أو أحد الأقارب أن يحج عنه أم ليس بالضرورة أفيدونا وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجة الإسلام لا تجب إلا على من استطاع إليه سبيلا أي إلى البيت فمن لم يكن عنده مال فإنه لا يستطيع إليه سبيلاً فهذا الأخ الذي مات وله إحدى وعشرون سنة إذا لم يكن له مال فليس عليه حج لأنه لا يمكن أن يصل إلى البيت ماشياً وإذا لم يكن عنده مال فلا حج عليه وعلى هذا فاطمئنوا ولا تقلقوا من كونه لم يحج لأنه لا حج عليه ونظير ذلك الرجل الفقير هل عليه زكاة والجواب ليس عليه زكاة فإذا مات وهو لم يزكِ فإننا لا نقلق من أجل ذلك فمن ليس عنده مال فلا زكاة عليه ويلقى ربه وهو غير آثم ومن لم يستطيع أن يصل البيت لعجز مالي فلا حج عليه فيلقى ربه وهو غير آثم لكن إذا أراد أحدٌ منكم أن يتطوع ويحج عن هذا الميت فلا حرج لأن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله (إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم) .
***(12/2)
هذا المستمع عادل عبد الله عمر يقول بأن والدتي توفيت قبل ثلاث سنوات ولم تؤدِ فريضة الحج وأريد أن أؤدي فريضة الحج عنها وأنا لم أتزوج ولم أحج عن نفسي فهل يصح أن أحج لها والأمر كذلك أفتونا بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا بد أن نسأل عن هذه الوالدة هل الحج فريضة عليها أم لا؟ لأنه ليس كل من لم يحج يكون الحج فريضة عليه إذ أن من شرط الحج أن يتوفر عند الإنسان مال يستطيع به أن يحج بعد قضاء الواجبات والنفقات الأصلىة فنسأل هل أمك كان عندها مال يمكنها أن تحج به؟ إذا لم يكن عندها مال يمكنها أن تحج به فليس عليها حج فالذي ليس عنده مالٌ يحج به ليس عليه حج كالفقير الذي ليس عنده مال ليس عليه زكاة وقد ظن بعض الناس أن الحج فريضة على كل حال ورأوا أن الإنسان إذا مات ولم يحج فإن الحج باقٍ في ذمته فريضة وهذا ظنٌ خطأ، الفقير لا حج عليه ولو مات لم نقل إنه مات وترك فريضة كما أن الفقير لو مات لا نقول إنه مات ولم يزكِ بل نقول من ليس عنده مال فلا زكاة عليه فنحن نسأل أولاً هل أمك كانت قادرة على الحج ولم تحج حتى ماتت أو أنها عاجزة ليس عندها مال فالحج ليس فريضة عليها وحينئذٍ لا تكون في قلق ولا تكن منزعجاً من ذلك لأنها ماتت وكأنها حجت ما دامت لا تستطيع الحج وعلى الاحتمال الأول أن عندها مالاً تستطيع أن تحج به ولكنها لم تحج يحج عنها من تركتها لأن ذلك دينٌ عليها وإذا لم يمكن كما هو ظاهر السؤال فإنه لا يحل لك أن تحج عنها حتى تحج عن نفسك لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رجلاً كان يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من شبرمة) قال أخٌ لي أو قريبٌ لي قال له (أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال (ابدأ بنفسك) فلا يحل لك أن تحج عن أمك حتى تؤدي الفريضة عن نفسك ثم إذا أديت الفريضة عن نفسك فإن كنت في حاجةٍ شديدة إلى النكاح فقدم النكاح لأن النكاح من الضروريات أحياناً ثم إن تيسر لك أن تحج عن أمك بعد ذلك فحج.
***(12/2)
بارك الله فيكم يا شيخ محمد هذه رسالة وصلت من المستمع أ. أ. ع. من العراق بعث برسالة يقول فيها توفي والدي منذ ما يقارب من عشرين عاما ولم يؤدِ فريضة الحج وخلف تركة بسيطة تضاءلت كثيراً عندما قسمت بين الورثة وأخي يريد أن يحج عنه مع أن الإمكانيات المادية له ضعيفة جداً ولديه بيت وزوجة وأولاد وقلت له لا يجب عليك أن تحج عنه لأنك غير قادر فهل كلامي هذا صحيح أم أن علي إثما في ذلك علماً بأنني أنوي أن أحج عنه عندما تتحسن ظروفي المادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان أبوك في حياته لا يستطيع الحج لكون المال الذي في يده لا يكفيه أو لا يزيد على مؤنته وقضاء ديونه فإن الحج لا يجب عليه وذمته بريئةٌ منه قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وأما إذا كان أبوك يمكنه أن يحج في حال حياته لأن عنده دراهم زائدة عن حاجاته وقضاء ديونه فإن الواجب عليكم أن تحجوا عنه من تركته لأن الحج يكون ديناً في ذمته مقدماً على الوصية والإرث لقول الله تعالى في آية المواريث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قضى بالدين قبل الوصية) وأما إذا أراد أحدٌ منكم أن يحج عنه تطوعاً فلا حرج في ذلك لكن لا يكون هذا على حساب نفقته ونفقة أولاده فإذا كان المال الذي بيده قليلاً لا يزيد عن حاجاته فإنه لا ينبغي له أن يحج عن والده لأنه لو كان هو نفسه لم يجب عليه حج فكيف يحج عن غيره ويمكنكم إذا أردتم نفع أبيكم أن تستغفروا له وأن تدعوا له بالرحمة والرضوان فإن ذلك ينفعه إذا تقبل الله منكم.
***(12/2)
الشيخ محمد هذه رسالة وردتنا من محمد شلبي موسى الشهري من الدمام يقول لي والدة توفيت وكان عندها مال وليس لها أولاد غيري وليس لها ورثة غيري أنا ابنها وقصدي لها حجة هل تجوز الحجة من مالها الخاص أو أحج عنها من مالي أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء إن أحيانا الله إلي الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المال الذي ورثته من أمك وليس لها وراث سواك هو مالك ورثك الله إياه ولك أن تفعل فيه ما تفعل في مالك ولكن إن كانت أمك قد وجبت عليها حجة الإسلام في حياتها ولم تحج وجب عليك أن تحج عنها وأما إن كانت قد أدت الفريضة أو لم تجب عليها في حياتها لكون هذا المال الذي ورثته منها ثمناً لحوائجها الأصلىة التي بعتها بعد موتها فإن الحج هنا لا يجب عليك ولكن إن حججت عنها فنرجو أن يكون في ذلك خير وسواء حججت عنها من مالك الخاص أو من هذا المال الذي ورثته منها لأن المال الذي ورثته منها بمجرد موتها صار داخلا في ملكك فلا فرق بينه وبين الذي كان عندك سابقاً.
***(12/2)
باب المواقيت الزمانية – المكانية وحكم تجاوز المواقيت المكانية(12/2)
يقول هل يصح أن يحرم بالحج قبل أشهره حيث أن هناك من قال بصحة ذلك أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا خلاف بين أهل العلم مع اتفاقهم على أنه لا يشرع أن يحرم بالحج قبل أشهره وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فإذا أحرم الإنسان بالحج في رمضان مثلاً فمن أهل العلم من يقول إن إحرامه ينعقد ويكون متلبساً بالحج لكنه يكره ومنهم من يقول أنه لا يصح إحرامه بالحج قبل أشهره لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فجعل الله ترتب أحكام الإحرام على من فرضه في أشهر الحج فيدل ذلك على أن أحكام الإحرام لا تترتب على من فرضه في غير أشهر الإحرام وإذا لم تترتب الأحكام فمعنى ذلك أنه لم يصح الإحرام.
***(12/2)
بارك الله فيكم في السؤال من المستمع أ. أ. من السودان يقول فضيلة الشيخ كنت في زيارة للأهل بجدة فأردت أن آخذ عمرة فأحرمت من جدة ولكن بعض الناس قالوا لي أحرمت من غير الميقات فيلزمك فدية فما الحكم وما هي المواقيت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت أتيت من السودان إلى جدة لزيارة الأهل ولما وصلت إلى جدة أنشأت نية جديدة للعمرة يعني أنه لم يطرأ عليك أن تعتمر إلا بعد أن وصلت إلى جدة فإن إحرامك من جدة صحيح ولا شيء فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) أما إذا كنت قدمت من السودان إلى جدة تريد العمرة لكنك أتيت جدة ماراً بها مروراً فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات وسنذكر المواقيت إن شاء الله الآن ولكن في بعض الجهات السودانية إذا اتجهوا إلى الحجاز لا يحاذون المواقيت إلا بعد نزولهم في جدة بمعنى أنهم يصلون إلى جدة قبل محاذاة المواقيت مثل أهل سواكن فهؤلاء يحرمون من جدة كما قال ذلك أهل العلم لكن الذي يأتي من الجنوب من جنوب السودان أو من شمال السودان هؤلاء يمرون بالميقات قبل أن يصلوا إلى جدة فيلزمهم الإحرام من الميقات الذي مروا به ماداموا يريدون العمرة والمواقيت التي طلب السائل أن نبينها خمسة:
الأول: ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم ممن يريد الحج أو العمرة ويسمى الآن أبيار علي.
والثاني: رابغ وهو ميقات أهل الشام وكان الميقات أولاً هو الجحفة لكنها مدينة خربت فصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً عنها.
والثالث: يلملم لأهل اليمن ومن مر به من غيرهم ممن يريد الحج والعمرة ويسمى الآن السعدية.
الرابع: قرن المنازل وهو لأهل نجد ومن مر به من غيرهم ممن يريد الحج أو العمرة.
والخامس: ذات عرق وتسمى الضريبة وهي لأهل العراق ومن مرّ بها من غيرهم هذه المواقيت الخمسة لا يجوز لأحد يمر بها وهو يريد الحج والعمرة أن يتجاوزها حتى يحرم بالنسك الذي أراده فإن فعل أي تجاوزها بدون إحرام وأحرم من دونها فقد قال أهل العلم إنه يلزمه فدية أي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء أهل مكة.
***(12/2)
يسأل ويقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم (هن لهن ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ) ما معنى هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم (وقت المواقيت وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن المنازل) وقال (هنّ لهنّ) أي هذه المواقيت لأهل هذه البلاد ولمن مر عليهنّ أي على هذه المواقيت من غير أهلهنّ فأهل المدينة يحرمون من ذي الحليفة إذا أرادوا الحج أو العمرة وإذا مر أحد من أهل نجد عن طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة لأنه مر بالميقات وكذلك إذا مر أحد من أهل الشام عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة لأنه مر بها وكذلك لو أن أحداً من أهل المدينة جاء من قبل نجد ومر بقرن المنازل فإنه يحرم منه هذا معنى قوله (ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ) ومن تأمل هذه المواقيت تبين له فيها فائدتان الفائدة الأولى رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حيث جعل لكل ناحية ميقاتاً على طريقهم حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد والفائدة الثانية أن تعيين هذه المواقيت من قبل أن تفتح هذه البلاد فيه آية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث إن ذلك يستلزم أن هذه البلاد ستفتح وأنها سيقدم منها قوم يئمون هذا البيت للحج والعمرة ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة:
وتوقيتها من معجزات نبينا *** بتعيينها من قبل فتح معدد
فصلوات الله وسلامه عليه.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل أبو عبد الرحمن من جيزان يقول لقد أديت فريضة الحج قبل سنوات مضت وكنت متمتعا فبعد أن أديت مناسك العمرة تحللت وخلعت ملابس الإحرام وذهبت إلى المدينة المنورة لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدت قبل يوم التروية بيوم تقريبا المهم بأنني عندما أردت الدخول إلى مكة في المرة الثانية من المدينة لم أحرم ورأيت الناس يحرمون من الميقات واعتبرت في نفسي بأنني قد أديت العمرة قبل أيام فلا داعي لها مرة ثانية فما حكم دخولي مكة دون إحرام أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نجيب على سؤالك أود أن أنبه على ملاحظة قالها في سؤاله يقول أنه بعد أن أدى العمرة ذهب إلى المدينة ليزور قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فأقول الذي يذهب للمدينة ينبغي له أن ينوي شد الرحل إلى المسجد النبوي لأن هذا هو المشروع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) فالذي ينبغي لقاصد المدينة أن ينوي بشد الرحل المسجد النبوي ليصلى فيه فإن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام يعني مسجد الكعبة هذه ملاحظة ينبغي الاهتمام بها أما ما صنعه من كونه حج متمتعا ثم أدى العمرة تامة ثم خرج إلى المدينة بنية الرجوع إلى مكة للحج ثم رجع إلى مكة ولم يحرم إلا يوم التروية مع الناس فلا أرى في ذلك بأساً عليه لأنه إنما مر بميقات أهل المدينة قاصدا مكة التي هي محط رحله والتي لا ينوي الإحرام إلا منها لكونه متمتعا بالعمرة إلى الحج ولكن هنا سؤال يطرح نفسه وهو هل يسقط عنه هدي التمتع لفصله بين العمرة والحج بسفرة أو لا يسقط؟ في هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله والراجح من أقوال أهل العلم أن دم الهدي لا يسقط عنه إذا لم يكن من أهل المدينة فإن كان من أهل المدينة سقط عنه لكنه إذا كان من أهل المدينة فلا يتجاوز الميقات حتى يحرم منه لأنه أنشأ سفراً جديداً للحج وأما إذا لم يكن من أهل المدينة فإن التمتع لم ينقطع لكون السفر واحداً ويبقى عليه الهدي كما لو لم يسافر إلى المدينة وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن المتمتع إذا رجع إلى بلده ثم أنشأ سفرا جديدا للحج فإنه غير متمتع وإن سافر إلى غير بلده فإنه لا يزال متمتعا.
***(12/2)
يقول في رسالته أصحاب الفضيلة مشايخنا في برنامجنا نور علي الدرب أفتونا مأجورين ميقات يلملم المعروف بالسعدية قديماً تحول الخط إلى الجهة الغربية وهناك لوحة مكتوب عليها الميقات ولوحة مكتوب عليها السعدية وهي في محل ليس فيه ماء ولا مسجد ولا قهوة للناس والناس في هذه الحالة تائهون وقد انقسم الحجاج والمعتمرون إلى قسمين فمنهم من يتجاوز الميقات بحوالي خمسة كيلوات ومنهم من يحرم قبل وصوله للميقات بحوالي عشرة كيلوات أفتونا عن تجاوز الميقات وعمن يحرم قبل الميقات علماً أنه لا يوجد عند الميقات لا ماء ولا مسجد ولا قهوة ولو بني مسجد وجعل ماء بالميقات لكان حسن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تقديم الإحرام قبل الميقات فإنه لا ينبغي لكن إذا كان الإنسان لا يدرى أو كان يريد الاحتياط بحيث لا يعرف أن هذا المكان المعين هو الميقات فيحتاط خوفاً من أن يفوت الميقات قبل أن يحرم فلا حرج عليه في ذلك لكن متى علم الإنسان أن الميقات هو هذا المكان المعين فإنه لا يحرم قبله وأما بالنسبة لتجاوز الميقات قبل الإحرام فإنه لا يجوز بل يحب عليه أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وكلمة يهل هذه جملة خبريه لكنها بمعني الأمر أي يجب عليهم الإهلال من ذي الحليفة إلي آخر الحديث فهذه المواقيت لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوزها حتى يحرم لكن من كان جاهلاً وتجاوزها ثم أحرم بعد أن تجاوزها بخمسة كيلوات أو عشرة أو ما أشبه بذلك فإنه ليس عليه شيء وذلك لأنه جاهل بهذا لكن إن علم قبل أن يحرم بأن الميقات خلفه وجب عليه أن يرجع إلي الميقات ويحرم منه وإن لم يعلم حتى أحرم فإنه لكونه جاهلاً معذورٌ ولا شي عليه. وبهذه المناسبة أقول إن موضوع الميقات يرد كثيراً في راكب الطائرات فإن بعضهم يؤخر الإحرام حتى يصل إلى مطار جدة وهذا خطأ فإن من كان يمر بالميقات في طيرانه يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم ولا يتجاوزه ولكن نظراً لسرعة ارتفاع الطائرة فإنه يجب الاحتياط بمعنى أن يتأهب قبل أن يحاذي الميقات يغتسل في بيته أو في المطار ثم يلبس ثياب الإحرام ثم إذا قارب الميقات أحرم بحيث لا تمر الطائرة بالميقات إلا وقد لبى بالنسك الذي يريد الإحرام به أما من لم يمر بالميقات كالذي يأتي عن طريق بورسودان وسواكن وما أشبهها بالجهة الغربية التي لا تحاذي الميقات لا رابغ ولا يلملم فإنهم يحرمون من جدة ودليل علي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم (وقت هذه المواقيت وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) وقال عمر رضي الله عنه حين شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل جور عن طريقهم قال (انظروا إلى حذوها من طريقكم) أي إلى ما يحاذيها من طريقكم فإذا كان هذا حين يحاذي الميقات من الأرض وكذلك ما يحاذيه من الجو وأما قول بعض أهل العلم بالإحرام من جدة لراكب الطائرات فإنه بعيد من الأثر والنظر.
***(12/2)
بارك الله فيكم المستمع أخوكم في الله عبد الله محمد شيخ إبراهيم يقول فضيلة الشيخ أين ميقات أهل أثيوبيا والصومال وما حكم من أتى منهما للعمرة ولغيرها بدون إحرام ثم أحرم بعد أيام وذهب إلى مكة مباشرة ماذا يجب عليه أن يفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ميقات أثيوبيا والصومال إذا جاؤوا من جنوب جدة أن يحاذوا يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن وإن جاؤوا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام وجعل الناس بدلا منها رابغ أما إذا جاؤوا من بين ذلك قصدا إلى جدة فإن ميقاتهم جدة لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذاة الميقاتين المذكورين هذا إذا جاؤوا للعمرة أو للحج أما من جاء للعمل وقد أدى فريضة العمرة والحج فله أن لا يحرم أصلا لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا مرة واحدة في العمر فإذا أسقطهما الإنسان لم يجبا عليه مرة أخرى اللهم إلا بنذر ومن قدم للحج أو للعمرة ولم يحرم إلا بعد أن جاوز الميقاتين وهو قد مر بأحدهما فإن أهل العلم يقولون إن إحرامه صحيح ولكن عليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء لأنه ترك واجبا من واجبات الإحرام وهو كونه من الميقات فمن حصل له مثل ذلك فعليه ذبح الدم في مكة يوزع على الفقراء إن كان غنياً وإن كان فقيراً فليس عليه شيء لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
***(12/2)
بارك الله فيكم السائل ع. س. ع. مصري ومقيم بجازان يقول بأني ذهبت لتأدية العمرة وتجاوزت ميقات الإحرام ودخلت مكة المكرمة في أذان الفجر فدخلت المسجد الحرام وصلىت الفجر وأنا في هذا الوقت لا أعرف الميقات وعندما خرجت من الحرم سألت عن مسجد الإحرام فدلني أحد الأشخاص على مسجد التنعيم فذهبت إليه وأحرمت من هناك ورجعت وأديت مناسك العمرة وأنا في اعتقادي بأن هذا هو ميقات الإحرام وعندما رجعت حيث أقيم قال لي أحد الأشخاص إن عمرتك غير صحيحه وقال آخر أبدا عليك فديه أما الثالث فقال يكفيك الإحرام من التنعيم فهل العمرة صحيحة أم عليّ فدية مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمرة صحيحة لأنك أتيت بأركانها فأحرمت وطفت وسعيت وقمت بالتقصير أيضا أو الحلق لكن عليك فدية لأنك تركت واجبا وهو الإحرام من الميقات فالواجب عليك حين قدمت من جازان تريد العمرة أن تحرم من الميقات الذي تمر به فلتركك هذا الواجب أوجب العلماء عليك فدية تذبحها في مكة وتوزعها على الفقراء هناك.
***(12/2)
المستمع محمد قاسم الريمي من مكة المكرمة يقول قدمت إلى مكة المكرمة من أجل العمل وأديت فريضة الحج عن نفسي وفي السنة الثانية أردت أن أحج عن والدتي المتوفاة وقد سألت البعض عن كيفية الإحرام وقالوا لي أن اذهب إلى جدة وأحرم من هناك وفعلاً ذهبت إلى جدة وأحرمت من هناك وأتممت مناسك الحج فهل حجتي هذه صحيحة أم يلزمني شيء آخر أفعله أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت في مكة فإن إحرامك للحج يكون من مكانك الذي أنت فيه في مكة ولا حاجة إلى أن تخرج إلى جدة ولا إلى غيرها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت ثم قال (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) وأما إذا كنت تريد أن تحرم بعمرة وأنت في مكة فإنه لابد أن تخرج إلى أدنى الحل يعني إلى خارج حدود الحرم حتى تهل بها ولهذا (لما طلبت عائشة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم حتى تهل منه) وعلى هذا فالذي قال لك لابد أن تخرج إلى جدة لا وجه لقوله وحجك بكل حال صحيح إن شاء الله تعالى مادام متمشياً على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت مخلص في دين الله فيكون لأمك كما أردت.
***(12/2)
بارك الله فيكم المستمع رأفت عبد البديع مصري يعمل في ضواحي حائل بعث برسالة يقول فيها تلقيت خطاب من بلدي بأن زوجتي ستحضر لأداء فريضة الحج وذهبت إلى جدة واستقبلتها في المطار على أمل أننا سنذهب إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ولكن المسئول عن ترتيب البعثة قال إن المدينة المنورة زيارتها بعد أداء مناسك الحج، يقول فأحرمنا من مكة وطفنا وسعينا وأدينا شعائر الحج فهل حجنا صحيح أم أن علينا شيئاً من ناحية عدم إحرامنا من الميقات الصحيح نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للحج فهو صحيح لأن الإنسان أتى بأركانه وأما بالنسبة لعدم الإحرام من الميقات فإنه إساءة ومحرم ولكنه لا يبطل به الحج ويجبر بفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هناك ولو أن هذا الرجل لما قدم جدة أو لما قدم قدمت زوجته جدة وقدم هو أيضاً جدة وأراد أن يذهب إلى المدينة ليحرما من ذي الحليفة من أبيار علي ثم لم يحصل ذلك لو أحرم من جدة لكان هذا هو الواجب عليه لكنه أساء حيث أحرم من مكة إن كان ما ذكر في السؤال صحيحاً وإن كان المقصود أنه أحرم من جدة فإنه ليس عليه دم لأنه أحرم من حيث أنشأ وقد ذكر الأخ السائل أن امرأته أتت من مصر إلى الحج وظاهر كلامه أنه ليس معها محرم وهذا حرامٌ عليها لا يحل لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فقام رجلٌ فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انطلق فحج مع امرأتك) فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الغزوة التي اكتتب فيها وأن يذهب مع زوجته ولم يستفصل هل كانت الزوجة آمنة أو غير آمنة وهل هي جميلة يخشى الفتنة منها أم لا وهل معها نساء أم لا وهذا دليلٌ على العموم وأنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لا لحجٍ ولا لغيره إلا بمحرم وإذا لم تجد المرأة محرماً لتهنأها السلامة فإنه لا يجب عليها الحج حينئذٍ لقول الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهي إذا لم تجد محرماً لا تستطيع الوصول إلى البيت لأنها ممنوعةٌ شرعاً من السفر بدون محرم وحينئذٍ تكون معذورة في عدم الحج وليس عليها إثم.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً يا فضيلة الشيخ السائل محمد كمال من جمهورية مصر العربية يقول إنني في العام الماضي ذهبت أنا وزوجتي لأداء مناسك العمرة والحمد لله بعد أن قمنا بأداء مناسك العمرة بمكة المكرمة ذهبنا إلى المدينة لمدة يوم واحد يعني ذهبنا في الصباح وعدنا في المساء ولكننا ونحن في العودة من المدينة وبعد أن قمنا بزيارة ركبنا النقل الجماعي ولم نحرم مرة أخرى حيث أننا لا نعرف هل نحرم أم لا ونحن في العودة إلى مكة المكرمة مرة أخرى فهل علينا شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الإنسان إحرام إذا أدى العمرة الواجبة وهي العمرة الأولى فإذا أدى العمرة الواجبة وهي العمرة الأولى وعاد إلى مكة من قريب أو بعيد بعد مدة طويلة أو قصيرة فإنه لا يلزمه الإحرام حتى لو بقي عن مكة سنوات وعاد إليها لزيارة أو دراسة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يلزمه الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله الأقرع بن حابس عن الحج أفي كل عام؟ قال: (لو قلت نعم لوجبت الحج مرة فما زاد فهو تطوع) والعمرة كذلك العمرة واجبة مرة فما زاد فهو تطوع.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من مصري الجنسية يعمل بالمملكة رمز لاسمه بـ م. أ. يقول لقد قمنا بأداء فريضة الحج العام الماضي وكان من المفروض أن نحرم من أبيار علي ولكننا لم نتمكن من ذلك وأحرمنا من مكة فما الحكم في ذلك علماً بأني أديت الفريضة مع زوجتي وأخي وزوجته فإذا كان هناك حكم فهل أؤديه عن أخي وعني أم هل هو يؤديه عن نفسه وعن زوجته علماً بأنه غير موجود بالمملكة أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاحرم من الميقات لمن أراد الحج أو العمرة واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وذكر تمام الحديث وهذا الخبر خبر بمعنى الأمر وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة) الحديث وعلى هذا فلا يحل لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات بدون إحرام فإن فعل وتجاوز الميقات بغير إحرام وأحرم من مكة أو مما بين مكة والميقات فعليه على ما ذكره أهل العلم فدية يذبحها في مكة ويفرقها على المساكين والفدية شاة أنثى من الضأن أو ذكر من الضأن أو أنثى من الماعز أو ذكر من الماعز وعلى هذا فيجب على هذا السائل على نفسه شاة وعلى زوجته شاة وعلى أخيه شاة وعلى زوجة أخيه شاة وإذا كان أخوه وزوجته خارج البلد فلا حرج أن يبلغهما بما يجب عليهما ويوكلاه في أداء الواحب عليهما من الفدية لأن التوكيل في مثل هذا جائز.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل صفوت مصري ومقيم بالرياض يقول أنا مقيم بالرياض وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي فريضة الحج إذ أكملت إجراءات الحج وأريد أن أذهب إلى المدينة لأن عندي أغراضا أريد أن أضعها عند أقاربي في المدينة بإذن الله فأريد السفر إلى بلدي من هناك فهل أحرم مع حجاج المدينة أم القادمين من الرياض وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السائل لا ندري هل هو سيذهب إلى المدينة أولا عن طريق المدينة إن كان كذلك فإنه يحرم من ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة المسماة بأبيار علي أما إذا كان يريد أن يذهب من طريق الرياض الطائف فليحرم من قرن المنازل ميقات أهل الطائف وأهل نجد ثم يأتي بالعمرة ثم يخرج إلى المدينة هذا هو تفصيل في جواب سؤاله أنه إن كان يريد الذهاب عن طريق المدينة إلى مكة أحرم من ذي الحليفة التي تسمى أبيار على وإن كان يريد الذهاب من الرياض إلى الطائف أو إلى مكة عن طريق الطائف فليحرم من قرن المنازل المعروف بالسيل الكبير.
***(12/2)
هذه رسالة وصلت من السودان من آدم علي يقول حاج متمتع أحرم من المكان الزماني للإحرام وبعد أداء العمرة قام بزيارة المسجد النبوي وقبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفي العودة ما بين المدينة ومكة رجع بآبار علي وهي ما بين المدينة ومكة وتعتبر مكان إحرام لمن يخرج من المدينة في أيام الإحرام ولم يحرم منه على أنه سيحرم من مكة لأنه متمتع ما الحكم في عدم إحرامه بمروره بالآبار هل عليه هدي علماً بأنه متمتع وسيذبح هدي في أيام التشريق بمنى على كونه متمتع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) فإذا مررت بميقات وأنت تريد الحج أو العمرة فإن الواجب عليك أن تحرم منه وأن لا تتجاوزه وبناء على هذا فإن المشروع في حق هذا الرجل أن يحرم من أبيار علي أي من ذي الحليفة حين رجع من المدينة لأنه راجع بنية الحج فيكون ماراً بميقات وهو يريد الحج فيلزمه الإحرام فإذا لم يفعل فالمعروف عند أهل العلم أنه من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول في سؤاله ما هو ميقات أهل السودان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أهل السودان إذا جاؤوا قصدا إلى جدة فميقاتهم جدة وإن كانوا أتوا من الناحية الشمالية أو الجنوبية فإن ميقاتهم قبل أن يصلوا إلى جدة إن جاؤوا من الناحية الشمالية فإن ميقاتهم إذا حاذوا الجحفة أو رابغاً وإن جاؤوا من الجهة الجنوبية فإن ميقاتهم إذا حاذوا يلملم وهو ميقات أهل اليمن فيكون أهل السودان يختلف ميقاتهم بحسب الطريق الذي جاؤوا منه.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل محمود مصري يعمل في مكة يقول رجل يعمل بمكة المكرمة وينزل إلى مصر في إجازة سنوية مثلا هل يلزمه الإحرام من الميقات رابغ والبعض يجلس ثلاثة أيام ويعتمر بعد ذلك ولم يحرم من الميقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رجع الإنسان من بلده إلى مكة وكان قد أدى فريضة العمرة فإنه لا يلزمه الإحرام بعمرة ثانية لأن العمرة لا تجب في العمر أكثر من مرة كالحج ولكنه إذا شاء أن يحرم فإنه يجب عليه أن يكون إحرامه من الميقات من أول ميقات يمر به لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن) فمثلا إذا كان من أهل مصر وذهب في الإجازة إلى مصر ثم رجع إلى مقر عمله في السعودية ففي هذه الحال يجب أن يحرم من الميقات إذا كان يريد العمرة وإن كان لا يريد العمرة فلا بأس أن يدخل بدون إحرام إلا إذا كان لم يؤد العمرة أولا فإنه يجب عليه أن يبادر ويحرم بالعمرة من الميقات.
***(12/2)
رسالة بين يدينا وردتنا من المخلص أخيكم محمد عبد الرحمن سيف من المحرق بالبحرين يقول أرجو عرض هذه الأسئلة على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله وهي كما يلي اعتمرنا في شهر رمضان الفائت وقد أحرمنا قبل وصول الطائرة مطار الملك عبد العزيز بنصف ساعة يمكن يقصد مطار جدة أو أكثر فما حكم هذا الإحرام وما هو ميقات أهل الخليج العربي وكيف يحرم المسافر بالجو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال نقدم قبله مقدمة وهي أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يعمل عبادة أن يفهم أحكامها أولاً قبل أن يتلبس بها لئلا يقع في محظورٍ كترك واجب أوغيره لأن هذا هو الذي أمر الله به (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) فبدأ بالعلم قبل العمل اعلم واستغفر ثم إن هذا الطريق هو الواقع النظري العقلي أن يعرف الإنسان طريق البلد قبل أن يسير عليه ولا يختص هذا بالحج والعمرة اللذين يجهل كثيرٌ من الناس أحكامهما بل يتناول جميع العبادات أن لا يدخل الإنسان فيها حتى يعرف ما يجب فيها وما يُمنع وأما بالنسبة لما ذكره الأخ السائل فإن الإحرام قبل الوصول إلى مطار الملك عبد العزيز الذي هو مطار جدة الجديد بنصف ساعة يبدو أنه إحرامٌ صحيح لأن المواقيت لا نظن أنها تتجاوز نصف ساعة بالطائرة من مطار جدة وعلى هذا فيكون إحرامهم بالعمرة قبل الوصول للمطار بنصف ساعة إحراماً صحيحاً ليس فيه شيء إن شاء الله وأما بالنسبة لميقات أهل الخليج فإن ميقات أهل الخليج هو ميقات غيرهم وهي المواقيت الخمسة التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أتى إلى مكة يريد الحج أو العمرة وهي ذو الحليفة المسماة أبيار علي لأهل المدينة ولمن مر بها من غيرهم والجحفة وهي لأهل الشام ولمن مر بها من غيرهم وقد خَرِبت الجحفة وصار الناس يحرمون بدلاً عنها من رابغ وقرن المنازل لأهل نجد ومن مر به من غيرهم ويلملم لأهل اليمن ومن مر بها من غيرهم وتسمى الآن السعدية وقرن المنازل يسمى السيل وذات عرق لأهل العراق وقتها عمر رضي الله عنه وفي السنن (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقتها) وهي المسماة بالضِريْبة هذه المواقيت لمن مر بها يريد الحج أو العمرة من أي قطرٍ من أقطار الدنيا فإذا مر من طريقٍ لا يمر بهذه المواقيت فإنه يُحِْرم إذا حاذى هذه المواقيت (لأن عمر رضي الله عنه أتاه أهل العراق وقالوا يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجدٍ قرناً وإنها جورٌ عن طريقنا يعني مائلة عن طريقنا فقال أمير المؤمنين عمر انظروا إلى حذوها من طريقكم) فقوله رضي الله عنه (انظروا إلى حذوها) يدل على أنه من حاذى هذه المواقيت براً أو بحراً أو جواً وجب عليه أن يحرم فإذا حاذى أقرب ميقاتٍ له وجب عليه الإحرام والظاهر لي أن طرق الخليج الجوية أنها تمر من محاذاة قرن المنازل وهو أقرب المواقيت إليها وإذا لم يكن ظني هذا صحيحاً فليسأل قائد الطائرة أين يكون طريقها فإذا عُلِم أنه حاذى أقرب ميقاتٍ إليه وجب عليه الإحرام منه ولا يجوز لأهل الخليج ولا لغيرهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا إلى جدة فإن هذا وإن قال به من قال من الناس فهو قولٌ ضعيفٌ لا يعول عليه وما ذكرناه عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أُمْرنا بإتباعهم يدل على بطلان هذا القول إلا من وصل إلى جدة قبل أن يحاذي ميقاتاً مثل أهل سواكن في السودان فإن أهل العلم يقولون إنهم يصلون إلى جدة قبل أن يحاذوا رابغاً أو يلملم لأن جدة في زاوية بالنسبة لهذين الميقاتين فعلى هذا فيحرم أهل سواكن ومن جاء من هذه الناحية يحرمون من جدة لأنها تبعد عن مكة مسيرة يومين.(12/2)
يافضيلة الشيخ: أيضاً يقول كيف يحرم المسافر بالجو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يحرم المسافر بالجو كما ذكرنا قريباً أيْ إذا حاذى الميقات يحرم ولكن كيف يصنع قبل إحرامه نقول ينبغي له أن يغتسل في بيته وأن يلبس ثياب الإحرام سواءً في بيته أو في الطائرة حين تقلع به الطائرة وإذا بقي عليه على مطار جدة نحو نصف الساعة فليحرم يعني فليلبي يقول لبيك عمرة إن كان محرماً بعمرة أو لبيك حجاً إن كان محرماً بحج.
***(12/2)
أيضاً يقول اعتمرنا في شهر رمضان وقد أحرمنا بعد وصولنا مطار جدة وكنا جاهلين وغيرمتعمدين حيث أخذنا سائق التاكسي إلى مكانٍ في جدة به مسجدٍ صغير وأحرمنا من هناك فهل إحرامنا صحيح وإذا كان لا فهل يلزمنا شيء وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إحرامكم صحيح ولازم ولكنكم أخطأتم في عدم الإحرام من الميقات حيث أخرتم الإحرام إلى جدة وبناءً على كونكم جاهلين فإنه لا شيء عليكم لا يلزمكم شيء من فديةٍ ولا غيرها ولكن عليكم أن لا تعودوا لمثل هذا وأن تحرموا من محاذاة الميقات وأنتم في الطائرة.
***(12/2)
عبد العزيز العبد الله من المحمل بعث بهذه الورقة يقول اعتمرت في أول شوال ثم ذهبت إلى تبوك وقدمت إلى الحرم من الميقات لأنني أعتبر نفسي متمتعاً من العمرة إلى الحج فما حكم تجاوزي للميقات على هذه النية بدون إحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي فهمت من كلامه أنه اعتمر أولاً.(12/2)
يافضيلة الشيخ: نعم اعتمر في أول شوال على ما قال اعتمرت في أول شوال ثم ذهبت إلى تبوك فقدمت إلى الحرم لكنه تجاوز الميقات بدون إحرام مرة أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مثل هذا نقول إذا كان اعتماره في شوال بنية الحج هذا العام فهو متمتع لأنه تمتع بالعمرة إلى الحج وحينئذٍ إذا ذهب إلى تبوك ثم رجع فإنه لا يتجاوز الميقات إلا محرماً لكن ما دام على نيته أنه يرجع ولكنه وصل تبوك لعذر أو لغرض وبنيته أن يرجع إلى مكة فلا حرج عليه أن يدخل إلى مكة ويبقى إلى أن يأتي يوم الثامن من ذي الحجة فيحرم من مكانه وأما إذا كان دخل مكة في شوال وليس نيته أن يحج هذا العام وإنما جاء معتمراً فقط ثم رجع إلى تبوك فإنه إذا رجع إلى مكة لا يتجاوز الميقات إلا محرماً لأنه ليس من نيته الرجوع إلى مكة في هذا السفر.(12/2)
يافضيلة الشيخ: إذن عبد العزيز العبد الله من المحمل لا شيء عليه حينما تجاوز الميقات بدون إحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم ما دام على نيته الأولى ناوياً أن يحج.(12/2)
يافضيلة الشيخ: لأنه يقول وقدمت من الميقات لأنني أعتبر نفسي متمتعاً من العمرة إلى الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ليس عليه شيء.
***(12/2)
يقول في رسالته نحن من موظفي الدولة كل سنة ننتدب من قبل الدولة إلى مكة المكرمة من أول شوال فإذا ذهبنا إلى مكة أخذنا العمرة ثم وزعتنا الدولة أو وزعنا رؤساؤنا في الدولة فمنا من يذهب إلى جده ومنا من يذهب إلى الليث والطائف والمدينة وعندما يأتي اليوم الثامن أو قبل اليوم الثامن بيومين أو ثلاثة نعود إلى مكة فهل يلزمنا الإحرام قبل الدخول إلى مكة أم نحرم من أماكننا التي نعيش فيها وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحرمون في هذه الحال من الميقات لأنكم حينما خرجتم من مكة خرجتم إلى أداء عمل فإذا رجعتم إلى مكة فقد مررتم بالميقات وأنتم تريدون الحج فعليكم أن تحرموا من الميقات فالذين في الطائف يحرمون من السيل والذين في الجهة الأخرى يحرمون إذا مروا من مواقيتهم.(12/2)
فضيلة الشيخ: لكن المستمع عبد العزيز العبد الله في سؤاله الأول أنه خرج إلى تبوك وفي سؤاله الأخير أخبرنا بأنه يذهب في بداية شوال للحج وهو منتدب لكنه عندما يأتي ويأخذ العمرة يخرج إلى عمله خارج مكة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو الأول لم يبين أنه ذهب إلى تبوك لمقتضى العمل إنما هو لغرض ثم رجع أما إذا كان ذهب إلى تبوك بمقتضى العمل فإنه إذا رجع إلى مكة يحرم من الميقات.(12/2)
فضيلة الشيخ: ما الفرق بين الخروجين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الخروجين أنه إذا خرج إلى عمل فقد انفصل الدخول الأول والثاني أما إذا خرج إلى غرض ورجع سريعاً فإنه لا يكون هذا السفر منقطع عن هذا السفر لأنه في الحقيقة بمنزلة الباقي في مكة حكماً.
***(12/2)
هذا سؤال من المستمع عبد العزيز يوسف الشحاد مصري مقيم بالقصيم يقول أنا أنوي السفر إلى بلدي ولكني أريد قبل أن أسافر أؤدي عمرةً تطوعاً لله تعالى وقد أقمت بعض الأيام في جدة وأنا قادمٌ من القصيم فهل يجوز أن أحرم بالعمرة من جدة أم ماذا يجب علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت سافرت إلى جدة بدون نية العمرة ولكن طرأت لك العمرة وأنت في جدة فإنك تحرم منها ولا حرج عليك لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما حين ذكر المواقيت قال (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) أما إذا كنت سافرت من القصيم بنية العمرة عازماً عليها فإنه يجب عليك أن تحرم من الميقات الذي مررت به ولا يجوز لك الإحرام من جدة لأنك دون الميقات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقت المواقيت قال (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) فعليك إن كنت لم تفعل شيئاً الآن أن ترجع إلى الميقات الذي مررت به أولاً وتحرم منه ولا تحرم من جدة.(12/2)
فضيلة الشيخ: ولا يلزمه شيء بعد ذلك.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه شيء لأنه أدى ما عليه حيث أحرم من الميقات برجوعه إليه.(12/2)
فضيلة الشيخ: عمرته بإحرامه من جدة هل تصح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد أحرم من جدة وأدى العمرة ولم ينوِ العمرة إلا من جدة بمعنى أنه كان قدومه من القصيم إلى جدة لغير إرادة العمرة ثم طرأ عليه فإنه لا شيء عليه أيضاً لأنه أتى بما عليه أما إذا كان عازماً على أن يحرم بالعمرة ولكنه تجاوز الميقات قبل الإحرام ثم أحرم من جدة فإن عليه عند أهل العلم فدية دم يذبحه في مكة ويتصدق به على الفقراء وعمرته صحيحة.(12/2)
فضيلة الشيخ: ولا يلزمه الإعادة بإحرامه من الميقات
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه
***(12/2)
رسالة بعث بها شرف الدين أحمد العروس مقيم بالرياض يقول قدمت من خارج المملكة قاصداً العمرة وقبل وصولي إلى مطار جدة غيرت ملابسي للإحرام في الطائرة وكان في الطائرة شيخٌ أعرفه يعتمد عليه في العلم ولما سألته قال لي بإمكاننا الإحرام من مطار جدة فتمسكت برأيه وأحرمت بالمطار وبعدما قضيت العمرة ذهبت للمدينة المنورة حيث مكثت هناك شهري شوال وذي القعدة وسألت بعض من أثق بعلمهم من أصدقائي هل أنا متمتعٌ بهذه الحالة حيث قد وافق إحرامي بالعمرة الأول من شوال وهل يلزمني دمٌ إذ قد سمعت وتأكدت من أفواه العلماء أن مطار جدة لا يصح أن يكون ميقاتاً لمن يمر عليه وأفتاني بأن التمتع قد زال بمغادرة الحرم المكي مع أنني لم أقصد التمتع عندما أحرمت بالعمرة وأنه يمكنني الآن أن أحرم بالحج كما يحرم المقيم بالمدينة المنورة فأحرمت بالحج مفرداً وأما تجاوز الميقات فقال لي ليس عليك شيء لأنك تجاوزته جاهلاً ومقتدياً برأي هذا الشيخ واطمأننت بذلك وأديت مناسك حجي ولكن بعض زملائي لا يزالون يُشْكِلُون علي ويناقشوني بأنه كان يلزمني الدم بأحد الأمرين أرجو أن تزيلوا عني هذا الشك بإجابةٍ شافية ونصيحةٍ كافية جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن شيئين الشيء الأول أنك لم تحرم وأنت في الطائرة حتى وصلت إلى جدة والثاني أنك عندما أحرمت بالعمرة تذكر أنك لم تنوِ التمتع وأنك سافرت إلى المدينة وأحرمت من ذي الحليفة بالحج فأما الأول فاعلم أن من كان في الطائرة وهو يريد الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يحرم إذا حاذى الميقات أي إذا كان فوقه ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) وقال عمر رضي الله عنه وقد جاءه أهل العراق يقولون له إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجدٍ قرناً وإنها جورٌ عن طريقنا يا أمير المؤمنين فقال رضي الله عنه (انظروا إلى حذوها من طريقكم) فقوله رضي الله عنه انظروا إلى حذوها يدل على أن المحاذاة معتبرة سواءٌ كنت في الأرض فحاذيت الميقات عن يمينك أو شمالك أو كنت من فوق فحاذيته من فوق وتأخيرك الإحرام إلى جدة معناه أنك تجاوزت الميقات بدون إحرام وأنت تريد عمرة وقد ذكر أهل العلم أن هذا موجبٌ للفدية وهي دمٌ تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء ولكن ما دمت قد سألت هذا الشيخ وقد ذكرت أنه قدوة وأنه ذو علم وأفتاك بأنه يجوز الإحرام من مطار جدة وغلب على ظنك رجحان قوله على ما تقرر عندك من قبل بأنه يجب عليك الإحرام إذا حاذيت الميقات فإنه لا شيء عليك لأنك أديت ما أوجب الله عليك في قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ومن سأل من يظنه أهلاً للفتوى فأفتاه فأخطأ فإنما إثمه على من أفتاه أما هو فلا يلزمه شيء لأنه أتى بما أوجب الله عليه وأما الثاني وهو أنك ذكرت أنك لم تنوِ التمتع وسافرت إلى المدينة وأحرمت بالحج من ذي الحليفة أي من أبيار علي فإنه يجب أن تعلم أن من قدم إلى مكة في أشهر الحج وهو يريد أن يحج فأتى بالعمرة قبل الحج فإنه متمتع لأن هذا هو معنى التمتع فإن الله تعالى يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ومعنى ذلك أن الإنسان إذا قدم مكة في أشهر الحج وكان يريد التمتع فإن المفروض أن يحرم بالحج ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد فإذا أتى بعمرة وتحلل منها صدق عليه أنه تمتع بها أي بسببها إلى الحج أي إلى أن أتى وقت الحج ومعنى تمتع بها أنه تمتع بما أحل الله له حيث تحلل من عمرته فأصبح حلالاً الحل كله يتمتع بكل محظورات الإحرام وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أنه خفف عن العبد حتى أباح له أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ليتحلل منها ويتمتع بما أحل الله له إلى أن يأتي وقت الحج وعلى هذا فما دمت قادماً من بلادك وأنت تريد الحج وأحرمت بالعمرة في أشهر الحج فأنت متمتع سواءٌ نويت أنك متمتع أم لم تنوه بقي أن يقال هل سفرك إلى المدينة مسقطٌ للهدي عنك أم لا فهذه المسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم فمن العلماء من يرى أن الإنسان إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر انقطع تمتعه وسقط عنه دم التمتع ولكن هذا قولٌ ضعيف لأن هذا الشرط لم يذكره الله تعالى في القرآن ولم ترد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلا يسقط الدم إذا سافر المتمتع إلى العمرة والحج إلا إذا رجع إلى بلده فإنه إذا رجع إلى بلده انقطع سفره برجوعه إلى بلده وصار منشئاً للحج سفراً جديداً غير سفره الأول وحينئذٍ يسقط عنه هدي التمتع لأنه في الواقع أتى بالحج في سفرٍ جديدٍ غير السفر الأول فهذه الصورة فقط هي التي يسقط بها هدي التمتع لأنه لا يصدق عليه أنه تمتع بالعمرة إلى الحج حيث إنه انقطع حكم السفر في حقه وأنشأ سفراً جديداً لحجه.
***(12/2)
المستمع صالح الخليفي من الدوادمي بعث يقول توجهنا من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة نريد العمرة فتعدينا الميقات لجهلنا بمكانه ولم ينبهنا الناس إلا على بعد مائة وخمسين كيلومتر ولكننا لم نعد وإنما توجهنا إلى الجعرانة وأحرمنا منها فهل عمرتنا صحيحة وإذا لم تكن كذلك فماذا يجب علينا فعله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن العمرة صحيحة لأنكم أتيتم بأركانها تامة أتيتم بالإحرام والطواف والسعي ولكن عليكم عند أهل العلم فدية وهي شاةٌ تذبحونها في مكة وتوزعونها على الفقراء وذلك لأنكم تركتم الإحرام من الميقات والإحرام من الميقات من الواجبات لأن النبي عليه الصلاة والسلام وقت هذه المواقيت وقال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) قال يهل وكلمة يهل خبرٌ بمعنى الأمر والأصل في الأمر الوجوب وعلى هذا فقد تركتم واجباً لكن نظراً لكونكم معذورين بالجهل يسقط عنكم الإثم ولكن بدل هذا الواجب وهو الفدية شاةً تذبحونها توزعونها بمكة لا بد منه عند أهل العلم فعلى هذا تكون العمرة صحيحةً ويلزمكم الدم كما قال ذلك العلماء.
***(12/2)
سؤاله يقول رجل تعدى ميقاته ودخل مكة وسأل ماذا يصنع فقيل له ارجع إلى أقرب ميقات وأحرم منه وفعل فهل يجزي هذا أم لابد الرجوع إلى ميقاته الذي جاوزه في قدومه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مر الإنسان بالميقات ناوياً النسك إما حجاً أو عمرة فإنه لا يحل له مجاوزته حتى يحرم منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولما أتى عليهن من غير أهلن ممن يريد الحج أو العمرة) وهذا المسألة التي ذكرها السائل أنه تجاوز الميقات بلا إحرام حتى وصل مكة ثم قيل له ارجع إلى أقرب ميقات فاحرم منه نقول له إن هذه الفتوى التي أُفتيها ليست بصواب وأن عليه أن يذهب إلى الميقات الذي مرّ به لأنه الميقات الذي يجب الإحرام منه كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي أشرنا إليه آنفاً ولكن إن كان الذي أفتاه من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم وأعتمد على ذلك فإنه لا شيء عليه لأنه فعل ما يجب من سؤال أهل العلم وخطأ المفتي ليس عليه منه شيء.
***(12/2)
هذا مستمع للبرنامج محمد السيد يقول في سؤاله بأنه يعمل بمدينة الرياض وسافر إلى مدينة جدة يوم الخميس مساءً ثم في صباح يوم الجمعة أحرم من جدة وذهب إلى مكة وقام بأداء مناسك العمرة مع العلم بأنه كان في نيته العمرة قبل خروجه من الرياض يقول قد أخبرني أحد الإخوان بأنه يجب عليّ الذبح لأنني كان من المفروض أن أحرم قبل خروجي أو في الطائرة طالما أن في نيتي العمرة قبل الخروج فهل فعلاً يجب علي الهدي أم لا أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان الإنسان قاصداً مكة يريد العمرة أو الحج فإن الواجب عليه أن لا يتجاوز الميقات حتى يحرم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل اليمن من يلملم) وذكر الحديث وهذا خبرٌ بمعنى الأمر وعلى هذا فإن ما فعلته من ترك الإحرام من الميقات ولم تحرم إلا من جدة فعلٌ غير صحيح والواجب عليك عند أهل العلم أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء أما لو كنت مسافراً إلى جدة وليس في نيتك أن تعتمر ولكن بعد أن وصلت إلى جدة طرأ عليك أن تعتمر فهنا أحرم من المكان الذي نويت فيه العمرة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين وقت المواقيت (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) ولكن كيف يكون الإحرام في الطائرة الإحرام في الطائرة أن يغتسل الإنسان في بيته ويلبس ثياب الإحرام وإذا حاذى الميقات وهو في الجو لبى وأحرم أي دخل في النسك وإذا كان يحب أن لا يلبس ثياب الإحرام إلا بعد الدخول في الطائرة فلا حرج المهم أن لا تحاذي الطائرة الميقات إلا وقد تهيأ واستتم ولم يبقَ عليه إلا النية والمعروف أن قائد الطائرة إذا قارب الميقات ينبه الركاب بأنه بقي على الميقات كذا وكذا ليكونوا متهيئين.
***(12/2)
بارك الله فيكم المستمع م. ع. م. من اليمن مقيم بالرياض يقول بإنه يريد الحج إن شاء الله هذا العام لكن يريد أن يذهب إلى مدينة جدة أولاً فهل يجوز أن يحرم من جدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل من أراد الحج أو العمرة فإنه يجب عليه إذا مرّ بأول ميقات أن يحرم منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهنّ ممن يريد الحج أو العمرة) فلا يجوز لمن مر بميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات حتى يحرم والأمر سهل إذا أحرم من الميقات ووصل إلى جدة طلع إلى مكة وفي خلال ثلاث ساعات أو أقل أو أكثر قليلاً يرجع إلى جدة بعد أن أدى عمرته ويمكث فيها حتى يأتي وقت الحج فإذا جاء وقت الحج أحرم من جدة.
***(12/2)
في سؤال المستمع ي. ح. ع. م. من مكة يقول رجل قابل زوجته في مطار جدة وهي محرمة بالعمرة وهو مقيم بمكة فأحرم من المطار بجدة فأرجو الافادة عن صحة عما فعلناه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المرأة فهي محرمة كما ذكر السائل والظاهر أنها قد أحرمت من الميقات فيكون إحرامها صحيحا ليس فيه شيء وأما الرجل فإحرامه أيضاً صحيح لأنه إذا كان مقيماً بمكة وأحرم من جدة فقد أحرم من الحل فيكون إحرامه صحيحاً ولا حرج عليه.
***(12/2)
بارك الله فيكم سائل يقول من سافر بالطائرة من الرياض إلى جدة بنية العمرة لكنه لم يحرم ولما وصل المطار ذهب إلى السيل الكبير وأحرم منه هل عمله صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سافر من الرياض إلى جدة بالطائرة فإن أقرب ميقات تمر به الطائرة هو السيل الكبير فيجب عليه أن يحرم من السيل الكبير إذا حاذاه في الجو وعلى هذا يكون متأهباً فيغتسل في بيته ويلبس ثياب الإحرام فإذا قارب الميقات بنحو خمس دقائق فليكن على أتم تأهب وليلبي بالعمرة فإن لم يفعل فمن الواجب عليه إذا هبط المطار في جدة أن يذهب إلى السيل الكبير ويحرم منه وفي هذا الحال لا يكون عليه شيء لأنه أدى ما يجب عليه وهو الإحرام من الميقات.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج محمد إسماعيل من سوريا حلب ومقيم في الأردن ويقول فضيلة الشيخ كنت لا أعرف مكان الإحرام فأحرمت من مطار جدة مع العلم بأنني أقلعت من مطار دمشق فهل الإحرام صحيح أو على كفارة أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسافر على الطائرة إلى مكة يريد العمرة يجب عليه أن يحرم عند أول ميقات يحاذيه من فوق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت وقال (هن لهن ولمن آتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) ولما سأل أهل العراق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقاتا قال (انظروا إلى حذوها) يعني قرن المنازل من طريقكم فدل هذا الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن محاذاة الميقات كالوصول إلى الميقات بالفعل وعلى هذا فمن حاذى الميقات من فوق الطائرة فإنه يجب عليه الإحرام منه ولا يحل له أن يؤخر الإحرام حتى يصل إلى جدة فإن فعل فإن كان متعمدا فهو آثم وعليه الفدية شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء وإن فعل ذلك جاهلا كما يفيده سؤال هذا السائل فإنه لا أثم عليه لأنه معذور بجهله لكن عليه الفدية جبرا لما نقص من إحرامه شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء وعلى هذا فنقول للسائل يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء إما بنفسه إن ذهب إلى مكة أو بتوكيل غيره ممن هو في مكة أو قريب له يذبحها عنه ويوزعها على الفقراء، هذا إذا كان قادرا على ذلك قدرة مالية أما إذا كان غير قادر فإنه لا شي عليه لا إطعام ولا صيام وهذا الحكم في كل من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فإن عليه الفدية كما قال أهل العلم يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء فإن لم يجد فلا شي عليه لا إطعام ولا صيام.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائلة التي رمزت لاسمها بـ م م من الرياض تذكر بأنها امرأة حجت منذ ثمانية وثلاثين عاما وكانت هي الحجة الأولى لي كنت أسكن في المنطقة الشمالية عرعر واتجهت إلى المنطقة الغربية جدة بالطائرة بذلك أكون قد تعديت الميقات وكنت جاهلة بالأمر فلم أتكلم ولم أقل شيئا بهذا الخصوص علما بأنني اعتمرت منذ خرجت من منزلي وأتممت الحجة على هذا الأمر وسؤالي هل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم رحمهم الله أن من أحرم دون الميقات الذي مر به فعليه فدية أي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء وتكون عمرته صحيحة وحجه صحيحا وعلى هذا نقول لهذه المرأة عليك الفدية بأن تذبحي شاة في مكة وتوزع على الفقراء ولا يأكل منها شيء وإذا كانت لا تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها فلا حرج أن توكل من تثق به ليقوم بهذا العمل في مكة.
***(12/2)
يقول هذا السائل هل لأهل مكة إحرام من بيوتهم أم من مسجد التنعيم والذين يسكنون في نواحي بعيدة مثل العزيزية والرصيفة هل يلزمهم التنعيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لأحد أن يحرم من مكة لا أهل مكة ولا غيرهم إلا في الحج فقط وأما العمرة فلابد أن يخرجوا إلى التنعيم أو إلى غيره من جهة الحل فمثلا إذا كان في الرصيفة أو في غربي مكة ورأى أن الأسهل عليه أن يخرج عن طريق جدة ويحرم من الحديبية من جانبها الذي في الحل فلا بأس أو كان في العوالي وأراد أن يخرج إلى عرفة ويحرم منها فلا بأس لأن المقصود أن يحرم من الحل سواء من التنعيم أو من غيره.
***(12/2)
سائل يقول أتيت إلى العمرة مرتين ولم أحرم من الميقات فماذا يلزمني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزه إلا بإحرام (لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض هذه المواقيت فقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) فإن تجاوز الميقات بدون إحرام وأحرم من دونه فإن أهل العلم يقولون إن عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئا وعلى هذا فيلزم أخانا السائل فديتان عن كل عمرة فدية تذبحان في مكة وتوزعان على الفقراء ولا يأكل منهما شيئا ثم إنني بهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التهاون بهذا الأمر لأن بعض الناس يتهاون ولاسيما الذين يقدمون مكة عن طريق الجو فإن منهم من يتهاون ولا يحرم إلا من جدة وهذا غلط لأن محاذاة الميقات من فوق كالمرور به من تحت ولهذا لما شكى أهل العراق إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن قرن المنازل جور عن طريقهم أي بعيد عن طريقهم قال (انظروا إلى حذوها من طريقكم) وهذا مبدأ المحاذاة فالواجب على من أراد الحج أو العمرة ألا يتجاوز الميقات حتى يحرم سواء كان ميقاته أو ميقات البلد الذي مر به فإذا قدر أن شخصا أقلع من مطار القصيم يريد العمرة فإن الواجب عليه أن يحرم إذا حاذى ميقات أهل المدينة ولا يتجاوزه وفيما إذا كان يخشى من أنه لا يحرم من الميقات فليحرم من قبل ولا يضره لأن الإحرام من قبل الميقات لا يضره شيئا لكن تأخير الإحرام بعد تجاوز الميقات هو الذي يضر الإنسان فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه الحال حتى لا يقع في الخطأ وكذلك لو جاء عن طريق البر ماراً بالمدينة فإن الواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة ولا يجوز أن يؤخر الإحرام إلى ما بعدها.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا يقول السائل ذهبت إلى مكة للعمرة فمررت بالميقات فلم أحرم منه بل اتجهت إلى مكة مباشرة واستأجرت فيها ثم ذهبت من مكة إلى الميقات وأديت العمرة وقد قال لى بعض الإخوان بأن عليك دم لأنك لم تحرم من الميقات قبل دخول مكة علما بأنني أجهل هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك دم لأنك لم تحرم دون الميقات بل رجعت إلى الميقات وأحرمت منه وبهذا زال موجب الدم أما لو أحرمت من مكة أو مما دون الميقات ولو خارج مكة فإن عليك دماً تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء لكن ما دمت رجعت إلى الميقات وأنت محل ثم أحرمت من الميقات فلا شيء عليك.
***(12/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا سائل يقول فضيلة الشيخ أديت فريضة الحج ولم أحرم بالحج من الميقات إلا بعد أن تجاوزت هذا الميقات لأنني كنت أجهل مناسك الحج وقرأت بأن الإحرام من أركان الحج ومن ترك الإحرام فلا حج له فماذا يلزمني هل أعيد الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن المواقيت التي وقتها الرسول عليه الصلاة والسلام يجب على كل من مر بها وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم منها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك فمن تجاوزها وهو يريد الحج أو العمرة ولم يحرم وأحرم من دونها فإن عليه عند أهل العلم فدية جبراً لما ترك من الواجب يذبحها بمكة ويوزعها كلها على الفقراء ولا يأكل منها شيئا وأما قول العلماء إن الإحرام ركن فمرادهم بالإحرام نية النسك لا أن يكون الإحرام من الميقات لأن هناك فرقا بين نية النسك وبين كون النية من الميقات فمثلا قد يتجاوز الإنسان الميقات ولا يحرم ثم يحرم بعد ذلك فيكون هنا أحرم وأتى بالركن لكنه ترك واجباً وهو الإحرام من الميقات والرجل حسب ما فهمنا من سؤاله قد أحرم بلا شك لكنه لم يحرم من الميقات فيكون هنا حجه صحيحاً ولكن عليه فدية عند أهل العلم تذبح في مكة وتوزع على الفقراء إن استطاع أن يذهب بنفسه وإلا فليوكل أحداً وإن لم يجد من يوكله ولم يستطع أن يذهب فمتى وصل إلى مكة في يوم من الأيام أدى ما عليه.
***(12/2)
بارك الله فيكم أيضاً فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن كان طريقه لا تمر بهذه المواقيت وإذا أحرم قبل الميقات ما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذاء الميقات الأقرب إليه فإذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل فينظر أيهما أقرب إليه فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا يا أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً وإنها جور عن طريقنا يعني فيها ميلٌ وبُعدٌ عن طريقنا فقال رضي الله عنه (انظروا إلى حذوها من طريقكم) فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرموا هكذا جاء في صحيح البخاري وفي حكم عمر رضي الله عنه هذا فائدة جليلة وهي أن الذين يأتون بالطائرات وقد نووا الحج أوالعمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة كما يفعله كثير من الناس فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وقال الله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) فعلى الإنسان الناصح لنفسه إذا كان جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة عليه أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة فإذا حاذت أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم أي أن ينوي الدخول في النسك ولا يحل له أن يؤخر ذلك حتى يهبط في مطار جدة.
***(12/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل أحرمت بالعمرة وكنت قد تركت الإحرام من الميقات ولبست سروالاً قصيراً فما حكم ذلك؟ وماذا يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب أن نعلم أنه لا يحل لإنسان أن يتجاوز الميقات وهو يريد الحج أو العمرة إلا أن يحرم منه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت المواقيت وأمر بالإحرام منها لمن أتاها وهو يريد الحج أو العمرة ثانيا إذا فعل الإنسان هذا أي تجاوز الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج أو العمرة فإنه آثم عاصٍ لله ورسوله وعليه عند أهل العلم فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئا جبراً لما ترك من واجب الإحرام حيث ترك واجبا في الإحرام وهو أن يكون الإحرام من الميقات.
***(12/2)
المستمع جمال عبد الفتاح مصري يقول منذ خمس سنوات قدمت لأداء فريضة الحج وذهبت بالطائرة ولم يكن معي إحرام وعندي وصولي إلى مطار جدة أحرمت منه وذلك كان لعدم وجود إحرام معي فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليك أن تتوب إلى الله مما صنعت لأنك فرطت في أمر واجب عليك فإن الواجب على من أراد أن يفعل عبادة أن يكون متأهباً لفعل ما يجب فيها علماً واستعداداً وكان يجب عليك أن تعلم أنه لا بد عليك أن تحرم من الميقات إذا حاذيته في الطائرة وأنه لا بد أن يكون معك إحرام وأنت في الطائرة فأنت الآن مفرط فعليك أن تتوب إلى الله وعليك أيضاً أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء عوضاً عما تركت من الواجب من الإحرام من الميقات ثم إن الحقيقة أنه يمكن للإنسان أن يحرم في الطائرة بدون إحرام بحيث يخلع قميصه ويبقى على سراويله لأن السراويل يجوز لبسها في الإحرام إذا لم يكن معه إزار ويجعل محل الرداء قميصه الذي عليه بمعنى أنه إذا خلعه لفَّه على صدره وكان هذا بمنزلة الرداء وهذا أمر سهل يسير جداً ليس بصعب لكن أكثر الناس يجهلون هذا ويظنون أن الإحرام لابد أن يكون بالإزار والرداء المعروفين.
***(12/2)
بارك الله فيكم من الزلفي أختكم في الله ح. ع. خ. تقول ذهبوا إلى العمرة وهي حائض وبعد أن طهرت أحرمت من البيت فهل يجوز ذلك وإذا كان لا يجوز ماذا عليها أن تفعل وما الكفارة تقول مع العلم بأنني لا أعلم بحكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز الإحرام من البيت في مكة للعمرة لا لأهل مكة ولا لغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرادت عائشة أن تأتي بعمرة من مكة أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يخرج بها إلى التنعيم وقال (اخرج بأختك من الحرم فلْتُهِلَّ بعمرة) وعلى هذا فهذه المرأة يجب عليها الآن على ما ذكره أهل العلم دم أي ذبح شاة بمكة توزع جميع لحمها على الفقراء ولما كانت جاهلة لا تعلم سقط عنها الإثم لكن الفدية لا تسقط لأنها عن ترك واجب ثم إن المشروع في حقها أنها لما وصلت الميقات أحرمت ولو كانت حائضا فإن إحرام الحائض لا بأس به لأن أسماء بنت عميس زوج أبي بكر رضي الله عنهما ولدت في ذي الحليفة عام حجة الوداع فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيف تصنع فقال لها (اغتسلي واستفثري بثوب وأحرمي) وعلى هذا إذا دخلت المرأة من الميقات وهي حائض أو نفساء فإنها تغتسل وتحرم كسائر الناس إلا أنها لا تطوف البيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر فتطوف ثم تسعى.
***(12/2)
باب الإحرام - أنواعه - تحويله - الاشتراط - إحرام الحائض(12/2)
بارك الله فيكم لعلكم تحدثون المستمعين يا فضيلة الشيخ عن أفضل المناسك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أفضل المناسك التمتع وهو أن يأتي الحاج بالعمرة أولاً ويتحلل منها ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه به وقال (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولا أحللت معكم) ولأن التمتع يجمع بين نسكين مع تمام أفعالهما فإن المتمتع يأتي بالعمرة كاملة وبالحج كاملاً ولهذا كان القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم أن على المتمتع طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج كما جاء ذلك في حديث ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما ولأن التمتع يحصل به متعة للحاج لأنه بين العمرة والحج يتحلل تحللاً كاملاً ويتمتع بما أحل الله له من محظورات الإحرام التي لو بقي على إحرامه لكان ممنوعاً منها هذا إن لم يكن ساق الهدي، فإن كان الناسك قد ساق الهدي فإنه لا يأتي بالتمتع ويكون قارناً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأن من ساق الهدي لا يمكنه أن يحل حتى يبلغ الهدي محله كما قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إني سقت الهدي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر) .
***(12/2)
بارك الله فيكم من الأردن المستمع الكريم يقول في سؤال له ما هو أفضل النسك بالنسبة للحاج والذي يريد أن يحج لأول مرة بالتفصيل بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أفضل نسك للحاج أن يحرم بالعمرة أولاً من الميقات ثم إذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر ثم لبس ثيابه وحلّ من احرامه إحلالاً تاماً فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وخرج إلى منى وبات بها ليلة التاسع فإذا كان يوم التاسع ذهب إلى عرفة ووقف بها إلى أن تغرب الشمس ثم يدفع منها إلى مزدلفة ويبيت بها ثم يدفع منها قبل أن تطلع الشمس إذا أسفر جداً فيرمي جمرة العقبة ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى ثم يرجع إلى منى فيبيت بها الليلة الحادية عشرة والليلة الثانية عشرة ويرمي في هذين اليومين بعد الزوال الجمرات الثلاث كلها يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ثم إن شاء تعجل فخرج وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع هذا أفضل الأنساك ويسمى عند أهل العلم التمتع لأن الرجل تمتع بين العمرة والحج بما كان حراماً على المحرم حيث إنه حل من إحرامه وتمتع بما أحل الله له فهذا هو أفضل الأنساك فينبغي للحاج سواء كان حجه فريضة أو نافلة ينبغي له أن يحرم على الوجه الذي ذكرناه وهو التمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي من أصحابه به وقال (افعلوا ما أمرتكم به) .
***(12/2)
بارك الله فيكم الأنواع الأخرى فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما النوع الآخر من الأنساك فهو القران وهو أن يحرم الإنسان بالحج والعمرة جميعاً من الميقات فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج وبقي على إحرامه لا يحل فإذا كان يوم الثامن خرج إلى منى وفعل للحج كما ذكرنا أولاً لكنه ينوي بطوافه طواف الافاضة الذي يكون يوم العيد ينوي به إنه للحج والعمرة جميعاً كما ينوي بالسعي الذي سعاه بعد طواف القدوم أنه للحج والعمرة جميعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لعمرتك وحجك) . أما المفرد وهو النوع الثالث من أنواع النسك فهو أن يحرم بالحج وحده من الميقات ويبقى على إحرامه وصفة أعمال المفرد كصفة أعمال القارن إلا أن المفرد لا يحصل له إلا نسك واحد والقران يحصل له نسكان عمرة وحج ولهذا وجب على القارن الهدي ولم يجب على المفرد لأن القارن حصل له نسكان عمرة وحج فلزمه الهدي بخلاف المفرد فإنه لم يحصل له إلا حج فقط فلم يلزمه الهدي.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول أريد الحج إن شاء الله ولكن لا أعرف مناسك الحج ولا أعرف معنى التمتع والافراد والقران وأيضاً الهدي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابي على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد أجابه في قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) والواجب على من أراد عبادة يجهلها أن يسأل أهل العلم عنها حتى يعبد الله على بصيرة لأن من شروط العبادة الاخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تمكن المتابعة إلا بمعرفة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به من أعمال العبادة القولية والفعلية ولهذا أقول لهذا السائل إذا أردت الحج وأنت لا تعرف أحكامه ولا تعرف المناسك فالواجب عليك أن تسأل أهل العلم بذلك وإنني أوكد لمن أراد الحج أو على من أراد الحج أن يصحب أحداً من أهل العلم من طلبة العلم الذين عرفوا بمعرفة الأحكام التي تتعلق بالحج من أجل أن يكون مهتدياً بما يرشدونه إليه.
***(12/2)
يقول السائل ما الفرق بين التمتع والإفراد والقران؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين هذه الأنساك كما يلي أولا التمتع أن يهل بالعمرة في أشهر الحج ويتمها فيطوف ويسعى ويقصر ويحل حلاً كاملاً ثم يحرم بالحج في عامه فتكون عمرة منفصلة عن الحج وأما القران فهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً فيقول عند ابتداء إحرامه لبيك عمرة وحجاً وفي هذه الحال تكون الأفعال للحج وتدخل العمرة في أفعال الحج وأما الإفراد فهو أن يحرم بالحج مفرداً ولا يأتي معه بعمرة فيقول لبيك اللهم حجاً عند الإحرام من الميقات هذا فرق من حيث الأفعال أما من حيث وجوب الدم فإن الدم يجب على المتمتع وعلى القارن دون المفرد وهذا الدم ليس دم جبران ولكنه دم شكران ولهذا يأكل الإنسان منه ويهدي ويتصدق أما من حيث الأفضلية فالأفضل التمتع إلا من ساق الهدي فالأفضل له القرآن ثم يلي التمتع القران ثم الإفراد.
***(12/2)
أحسن الله إليكم في سؤاله الأخير يقول ما الفرق بين التمتع والإفراد والقران وأيهما أفضل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القران والإفراد سواء في الأفعال لكن يمتاز القارن بأنه حصل على نسكين العمرة والحج وأنه يجب عليه الهدي إن استطاع وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعةً إذا رجع وأما المتمتع فالفرق بينه وبين القارن والمفرد أن المتمتع يأتي بعمرة تامة مستقلة بطوافها وسعيها وتقصيرها وبحجٍ تام بطوافه وسعيه وبقية أفعاله لكنه يشارك القارن بأن عليه الهدي فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وأما أيها أفضل فأفضلها التمتع لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر به أصحابه وحتم عليهم وغضب لما تباطئوا وراجعوه في هذا الأمر فالتمتع أفضل من القران ومن الإفراد.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل عطية مصري من طنطا يقول رجلٌ أدى العمرة في شوال ثم عاد بنية الحج مفرداً فهل يعتبر متمتعاً ويجب عليه الهدي أم لا أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أدى العمرة في شوال فقد أداها في أشهر الحج لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فإذا أدى العمرة في شوال فقد أداها في أشهر الحج ثم إن بقي في مكة أو سافر إلى غير بلده وأتى بالحج فهو متمتع وإن سافر إلى بلده ثم رجع من بلده مفرداً بالحج فليس بمتمتع ووجه ذلك أنه أفرد العمرة بسفر وأفرد الحج بسفرٍ آخر فإن الإنسان إذا عاد إلى بلده انقطع سفره فيكون بذلك قد أنشأ للحج سفراً جديداً منفصلاً عن السفر الأول الذي أدى فيه العمرة وهذا هو أعدل الأقوال في هذه المسألة والقول الثاني أنه لا يزال متمتعاً ولو رجع إلى بلده ثم عاد مفرداً والقول الثالث أنه إذا سافر من مكة مسافة القصر إلى بلده أو غير بلده فإنه يكون بذلك مفرداً وينقطع التمتع ولكن ما ذكرناه من التفصيل والتفريق بين حضوره من بلده وغيره وهو الصحيح وهو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
***(12/2)
الرسالة من المستمع إبراهيم مطر من جيزان يقول رجل أحرم بالعمرة في أشهر الحج وطاف وسعى ثم ذهب إلى المدينة للزيارة وأحرم من آبار علي مفرداً بالحج فهل هذا يعتبر متمتعاً بناءاً على العمرة السابقة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادام هذا الرجل حين أتى للعمرة في أشهر الحج قد عزم على أن يحج من عامه فإنه يكون متمتعاً لأن سفره بين العمرة والحج لا يبطل التمتع إلا إذا رجع إلى بلده وأنشأ السفر من بلده إلى الحج فحينئذٍ ينقطع تمتعه لأنه أفرد كل نسك بسفر مستقل فهذا الرجل الذي ذهب إلى المدينة بعد ما أدى العمرة ثم أحرم بالحج من آبار علي يلزمه هدي التمتع لعموم قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) .
***(12/2)
هذا السؤال من المستمع عبد الله أحمد عطية الزهراني بعث يقول لقد نويت الحج والعمرة في عام مضى وعندما وصلت الميقات أحرمت ولبيت بعمرة لأن الحج بقي عليه خمسة عشر يوماً وعندما اعتمرت سافرت إلى جدة ومكثت فيها حتى جاء الحج وأحرمت للحج من هناك وأديت فريضة الحج ولكني لم أهدِ عن التمتع وسألت عن ذلك فقيل لي إن سفرك من مكة إلى جدة يسقط عنك فدية التمتع فهل هذا صحيح أم لا وإذا كان يلزمني شي بعد هذه المدة فماذا علي أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المتمتع هو الذي يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها ثم يحرم بالحج من عامه يلزمه هدي بنص القرآن لقوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) واختلف أهل العلم هل يسقط هذا الهدي إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر أولا يسقط؟ والصحيح أنه لا يسقط لعدم وجود دليل صحيح يسقطه والهدي قد ثبت بالتمتع بمقتضى الدليل الشرعي فلا يسقط إلا بمقتضى دليل شرعي آخر ولكن إذا رجع الإنسان إلى بلده وليس غرضه إسقاط الهدي ثم رجع من بلده فأحرم بالحج فإن الصحيح أنه لا هدي عليه في هذه الحال لأنه أنشأ سفراً جديداً للحج من بلده فكأنه مفرد وأما بالنسبة لما جرى منك وقولك إنه قيل لك أن سفرك إلى جدة يسقط الهدي فإن كان من قال لك ذلك من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم فلا شيء عليك لأن هذا قد قال به بعض أهل العلم ولعل هذا المفتي ممن يرى ذلك والعامي فرضه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإذا سألهم وأفتوه فإن الفتوى إن كانت خطئاً كانت على من أفتاه أما إذا كان الذي قال لك إنه ليس عليك شي من عامة الناس الذين لا يفهمون فإنه لا يجوز لك الاعتماد على قولهم والواجب عليك أن تسأل أهل العلم وحينئذ أي في هذه الحال يلزمك الآن أن تذبح هدياً عن تمتعك في العام الماضي تذبحه في مكة وتأكل منه وتهدي وتصدق.
***(12/2)
هذه رسالة من المستمع موسى صالح من المنطقة الشرقية يقول أنا شخصٌ أردني الجنسية نويت الحج قبل أربع سنوات وذهبت مع أصحابي من أجل أداء الحج ونويت حجاً وعمرةً تمتعاً وبعد أداء العمرة فقدت أصدقائي ولم أكمل الحج فهل علي شيء في هذه الحالة علماً بأنني أديت الحج في السنة الماضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء عليك لأن المتمتع إذا أحرم بالعمرة ثم بدا له أن لا يحج قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه إلا أن ينذر إذا نذر أن يحج هذا العام وجب عليه الوفاء بنذره وإذا كان بدون نذر فلا حرج عليه إذا ترك الحج بعد أداء العمرة.
***(12/2)
أحمد محمد من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته قال الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) من هم حاضرو المسجد الحرام هل هم أهل مكة أم أهل الحرم أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هم أهل مكة ومن كان من الحرم دون مسافة القصر على اختلاف بين العلماء في تحديدها هؤلاء هم حاضرو المسجد الحرم فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا لأنه من حاضري المسجد الحرام ولو أن أحداً فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا ويمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفاً أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرماً بعمرة ناوياً أن يحج من سنته ثم يحج فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام ومثال القران أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً لأنه من حاضري المسجد الحرام.
***(12/2)
أحسن الله إليكم من بيشة السائلة أ. م تقول فضيلة الشيخ هل يصح لنا التمتع ونحن لم نصل إلى مكة إلا بعد الزوال من يوم التروية ولم نحرم للحج إلا مع غروب اليوم نفسه أم كان الواجب علينا القران؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كان الذي ينبغي لمن قدم مكة بعد خروج الناس إلى منى وهو ضحى اليوم الثامن أن يخرج إلى منى للحج إما قرانا وإما إفرادا لأن اشتغاله بالحج في زمن الحج أفضل من اشتغاله بعمرة إذ أن العمرة يمكن أن يشتغل بها في وقت آخر أما زمن الحج فيفوت لهذا نقول لمن قدم ضحى اليوم الثامن إلى مكة الأفضل لك أن تحرم بحج وعمرة قرآنا أو بحج إفرادا لأنه لا مكان للعمرة الآن الزمن الآن هو للحج فإن قال قائل أليس يجوز للإنسان أن يتأخر ولا يخرج إلى منى إلا في الليل أو لا يأتي منى أصلا ويذهب إلى عرفة فالجواب بلى يجوز ذلك لكن ليس معنى هذا أن الوقت الذي هو وقت الحج إذا أخر الإنسان إحرامه بالحج أو خروجه إلى المشاعر ليس معناه أن الإنسان يفعل في هذا ما شاء بل نقول الأفضل إذا دخل وقت الحج ألا يشتغل الإنسان بغيره.
***(12/2)
أحسن الله إليكم المستمع عبد الله ح. م. ع. مكة المكرمة يقول هل السعي بعد طواف القدوم للقارن والمفرد والمتمتع يجزئ عن سعي الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما القارن والمفرد فسعيه بعد طواف القدوم يجزئ لأن أفعال العمرة دخلت في الحج لأن القارن أفعاله كأفعال المفرد تماماً ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الذين كانوا معه أي قارنين لم يسعوا مرتين وأما المتمتع فلا يكفيه سعي العمرة عن سعي الحج لأن النسكين انفصلا وتميز بعضهما عن الآخر فيجب على المتمتع طواف العمرة حين يقدم مكة وسعي العمرة ويجب عليه طواف الإفاضة وسعي الحج فالطواف والسعي الأول للعمرة والطواف والسعي الثاني للحج ولا بد.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول حجت والدتي متمتعة لكنها لم تسعَ بين الصفا والمروه إلا أربعة أشواط لأنها مريضة وطلبت أن أحضر لها العربة لأنها مريضة لحملها عليها وأكمل معها السعي ولكنها رفضت لجهلها وظنا منها أنها تشعر بالحرج والعجز وهذا جهل منها مع العلم بأنني في العام القادم ذبحت هدي في مكة المكرمة ولكن هل يجزي ذلك أم نكمل لها الأشواط المتبقية مع العلم بأنها مصرة ومن الصعب أن تحضر مرة أخرى وذلك لمرضها وجزاكم الله خيرا.
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألتها مشكلة على قواعد الفقهاء رحمهم الله وذلك لأن عملها هذا يتضمن أنها أحرمت بالحج قبل أن تتم العمرة في وقت لا يصح فيه إدخال الحج على العمرة لأن إدخال الحج على العمرة إنما يكون قبل الشروع في طوافها وهذه قد طافت وسعت أربعة أشواط فيكون إدخال الحج على العمرة في هذه المسألة خطأ فمن العلماء من يقول إن إحرامها بالحج غير منعقد وأنه لا حج لها وفي هذه الحال يجب أن ترجع إلى مكة على إحرامها وتسعى وتقصر لكن لو قال قائل إن في مثل هذه الضرورة يحكم بصحة دخول إدخال الحج على العمرة وتكون بذلك قارنه ويكفيها سعي واحد لكنت أرجو أن لا بأس بذلك ثم إنه يقول إن أمه أبت أن يأتي بالعربة لتكمل عليها أشواط السعي أقول في مثل هذه الحال حتى لو أبت الأم يجب عليه أن يبين أن عمرتها لم تتم وأنه يلزمها أن تتم عمرتها ويؤكد عليها حتى لو غضبت ولو زعلت لأن هذا أمر عبادة لا يمكن أن يراعى فيها جانب المخلوق.
***(12/2)
سائل يقول حج معي رجل العام الماضي لكنه حج مفرداً وبعد الطواف والسعي حلق رأسه أسوة بالآخرين فماذا عليه هل يبقى مفرداً أم له أن يحلق أن يجعلها عمرة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول الأفضل أن يجعلها عمرة كل من حج مفرداً أو قارناً وليس معه هدي فإنه ينبغي أن يحول إحرامه إلى عمرة ليصير متمتعاً هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وحتم عليهم في ذلك ولكن هذا الرجل الذي حلق رأسه لمجرد التأسي بالآخرين وهو باقٍ على نية إفراده يبقى على نية إفراده يكون مفرداً فقط ويكون هذا الحلق الذي حصل منه يكون هذا الحلق صادراً منه عن جهل والحلق إذا صدر من المحرم عن جهل فإنه ليس عليه إثم وليس عليه فيه كفارة لعموم قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) .
***(12/2)
يسأل ويقول بالنسبة للقارن هل يكفيه أن يطوف طوفاً واحداً ويسعى سعياً واحداً للحج والعمرة مثل المفرد أم أنه لا بد من طوافين وسعيين أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه أي القارن ليس عليه إلا طواف واحد وسعي واحد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أي القارن أول ما يقدم إلى مكة يطوف طواف القدوم ثم يسعى بين الصفا والمروة للحج والعمرة ويبقى على إحرامه فإذا كان يوم العيد رمى جمرة العقبة ونحر وحلق نزل إلى مكة فطاف طواف الإفاضة بنيته للعمرة والحج فإذا أراد أن يسافر إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان طوافان وسعيان لأن العمرة في هذه الصورة دخلت في الحج فهي كما لو نوى الجنب الغسل فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع أخوكم في الله أ. ع. م. محمد سوداني يقول في هذه الرسالة سؤالي حججنا مع والدي عام 1401 هـ أول مرة نحج فيها ولما أحرمنا وطفنا طواف القدوم قصينا من شعر الرأس وكنا محرمين بالحج مفردين والوالد رجع إلى السودان وأنا حضرت إلى الرياض فأنا أعمل هنا وقد صمت عشرة أيام في الرياض والوالد لم يصم أرجو إفادتي في ذلك وما هو المطلوب مني ومن والدي بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك وعلى والدك شيء وذلك أن تقصيركما للرأس كان عن جهل لم تريدا به التحلل من الاحرام لأنكما مفردان للحج والمفرد للحج لا يحل من إحرامه إلا يوم العيد إذا رمى وحلق وقصر وكل من فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلا ًفليس عليه إثم وليس عليه فدية لقول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقوله تعالى في الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) والجاهل غير متعمد للإثم فهو غير آثم وإذا كان غير آثم لم يترتب عليه كفارة الآثم والخلاصة أنه لا شيء عليك ولا على أبيك.
***(12/2)
السؤال يقول حججت مفرداً وطفت للقدوم وسعيت فهل علي سعي بعد طواف الإفاضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك سعي بعد طواف الإفاضة المفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم فإن هذا السعي هو سعي الحج فلا يعيده مرة أخرى بعد طواف الإفاضة.
***(12/2)
الذي يأتي لعمل إلى مكة مثلاً قبل الحج بأشهر أو بأيام ثم يأتيه الحج له أن يحج مفرداً وإن كان قد أخذ عمرة في أشهر الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخذ عمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ورجع من بلده مفرداً فهو مفرد أما إذا أخذ العمرة وذهب إلى بلد آخر فهذا اختلف العلماء فيه إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر لغير بلده فمنهم من يرى أنه إذا سافر إلى بلد إلى مسافة قصر بين العمرة والحج إلى غير بلده أو إلى بلده فإن التمتع ينقطع ويسقط عنه هدي التمتع ومنهم من يرى أن من سافر إلى بلده انقطع منه التمتع لأنه في الحقيقة أنشأ سفراً جديداً للحج وأما إذا ذهب إلى غير بلده ولو فوق المسافة فإنه لا ينقطع لأنه ما زال في سفر وهذا هو الراجح.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من المستمع س م ع يقول رجل جاء بالإفراد فطاف طواف القدوم فقط وبدأ له أن يسعى بعد يومين من طوافه بالقدوم فهل له ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمفرد الذي قدم إلى مكة بنية الحج وحده أن يطوف للقدوم ويؤخر السعي يوماً أو يومين أو أكثر وله أن يؤخر السعي أيضاً إلى ما بعد طواف الإفاضة في يوم العيد ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طافوا أول ما قدموا وسعوا فهذا هو الأفضل ولكن تأخيره لا حرج فيه.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل محمود محمود خطاب مصري يعمل بالمملكة الدوادمي يقول قمنا بأداء فريضة الحج في العام الماضي أنا وبعضٌ من زملائي وكانت النية في الإحرام بالتمتع ولكن الذي حدث أننا بعد تأديتنا لطواف وسعي العمرة لم نحل من إحرامنا ولم نقصر ونحلق بل بقينا على إحرامنا إلى أن ذبحنا الهدي ثم خلعنا الإحرام فهل حجنا صحيحٌ بهذا الشكل أم يجب علينا فعل شيء ما أرشدونا أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تعرف أن الإنسان إذا أحرم متمتعاً فإنه إذا طاف وسعى قصر من شعره من جميع الرأس وحل من إحرامه هذا هو الواجب فإذا بقيت على إحرامك فإن كنت قد نويت الحج قبل أن تشرع في الطواف أي طواف العمرة فهذا لا حرج عليك تكون قارناً ويكون ما أديته من الهدي عن القران وإن كنت بقيت على نية العمرة حتى طفت وسعيت فإن كثيراً من أهل العلم يقول إن إحرامك بالحج غير صحيح لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها ويرى بعض أهل العلم أنه لا بأس به وحيث إنك جاهل في هذه الحال فأرى أن لا شيء عليك وأن حجك صحيحٌ إن شاء الله.
***(12/2)
السائل محمد عمر أحمد جاد الرب سوداني مقيم بالمدينة المنورة يقول وفقني الله لأداء فريضة الحج في العام الماضي علماً بأنني قد أديت العمرة في الشهر الحرام فقال لي أحد الأخوة إنك متمتع ويجب عليك هدياً فذبحت هدياً بعد أن رميت الجمرة الأولى علماً بأنني تحللت من الإحرام قبل أن أحلق أو أقصر أو آخذ شعيرات من رأسي وقبل الذبح كذلك فعلمت من أحد الحجاج يوم الجمرة الثالثة أن علي هدياً للمرة الثانية أو صيام عشرة أيام ثلاثةٍ في الحج وسبعةٍ بعد رجوعي علماً بأن ثلاثة الأيام مضى منها يومان والمبلغ الذي معي لا يتجاوز الألف ريال وكما وضحت لكم سابقاً فقد ذبحت منه هدياً وما بقي منه في حدود مصاريفي أيام الحج فأرجو منكم أن توضحوا لي ما حكم حجي هذا أصحيحٌ هو أم لا وماذا أعمل في هذه الحالة وقد فات الأوان أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على سؤالك أحب أن أوجه إلى إخواننا عامة المسلمين التحذير من الفتوى بغير علم فإن الفتوى بغير علم جناية كبيرة حرمها الله عز وجل وقرنها بالشرك في قوله (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فإن قوله سبحانه (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) يشمل القول على الله في أسمائه وصفاته وفي أفعاله وأحكامه فالذي يفتي الناس بغير علم قد قال على الله ما لا يعلم ووقع فيما حرم الله عليه فعليه أن يتوب إلى الله وعليه أن يمتنع عن صد الناس عن سبيل الله فإن المفتي بغير علم يعتمد المستفتي فتواه فإذا كانت خاطئةً فقد صده عن سبيل الله ومنعه من سؤال أهل العلم لأنه يعتقد أعني هذا المستفتي يعتقد أن ما أجابه به هذا المفتي الخاطئ صوابٌ فيقف عن سؤال غيره وحينئذٍ يكون هذا المفتي الخاطيء صاداً للناس عن سبيل ربهم وما أكثر الفتاوى التي نسمعها في الحج خاصةً وهي فتاوى خاطئة بعيدة عن الصواب بل ليس فيها شيء من الصواب تكاد تقول عند كل عمود خيمة عالمٌ يفتي الناس وهذا من الخطورة بمكان فالواجب على المرء أن يتقي ربه وأن لا يفتي إلا عن علم يأخذه من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو من أقوال أهل العلم الذين يوثق بأقوالهم فهذا الذي أفتاك بما فعلت بأن عليك هدياً أو صيام عشرة أيام أخطأ في ذلك وعملك الذي عملته وهو بأنك تحللت بعد أن رميت جمرة العقبة ولبست ثيابك ظاناً أن ذلك جائزٌ قبل الحلق لا شيء عليك فيه بل إن بعض أهل العلم يقول إن من رمى جمرة العقبة يوم العيد قد حل من كل شيء إلا من النساء ولكن الصواب أنه لا يحل حتى يرمي ويحلق أو يقصر إلا أنك لما كنت جاهلاً في هذا الأمر فلا شيء عليك ليس عليك هدي ولا صيام عشرة أيام ثم إن فعل المحظور أيضاً إذا فعله الإنسان غير معذورٍ فيه ليس هذه فديته بل إن فعل المحظور غير جزاء الصيد وغير فدية الجماع في الحج قبل التحلل الأول كل المحظورات يخير فيها بين ثلاثة أشياء إما أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح فديةً يوزعها على الفقراء لقوله تعالى في حلق الرأس (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ومن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك) وبهذه المناسبة أود أيضاً أن أحذر كثيراً من الناس الذين كلما سئلوا عن محظورٍ من محظورات الإحرام قالوا للسائل عليك دم عليك دم مع أنه مما يخير فيه الإنسان بين هذه الثلاثة بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة وحينئذٍ يلزم الناس بما لا يلزمهم والواجب على المفتي أن يراعي أحوال الناس وأن تكون فتواه مطابقةٌ لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلاصة جوابي هذا شيئان:
الشيء الأول: التحذير من التسرع في الفتوى التي لا تعتمد على كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أقوال أهل العلم الموثوق بهم عند تعذر أخذ الحكم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وثانياً: أن ما فعلته أنت أيها الأخ حيث لبست حين رميت جمرة العقبة قبل أن تحلق وهذا لا شيء عليك فيه لأنك جاهل والجاهل الذي لا يدري أي محظورٍ يفعله فلا شيء عليه فيه ثم إنه وقع في سؤالك قلت قبل أن أحلق أو أقصر أو أخذ شعيرات وهذا يدل على أنك ترى أن أخذ شعيراتٍ كافٍ عن التقصير وهذا غير صحيح فإن أخذ شعيرات لا يجزئ بل لا بد من تقصير يعم كل الرأس إما حلق يعم جميع الرأس وإما تقصير يعم الرأس أيضاً أما أخذ شعيرات من جانب كما يفعله عامة الجهال فإن هذا لا يجزئ ولا يجوز الاقتصار عليه.
***(12/2)
يقول أنا موجود بالمملكة العربية السعودية ومعي زوجتي وكانت حاملاً في العام يقول أنجبت طفلاً بدون ميعاد قبل الحج بثلاثة أيام وبتنا ليلة في منزلنا واليوم الثاني ذهبنا إلى مكة ووصلنا الحرم الشريف وطفنا وسعينا وذهبنا إلى المبيت في مني ثم إلى عرفة ومزدلفة ومنى ورمينا الجمرات ورجعنا إلى مكة وطفنا وذهبنا إلى جدة وزوجتي معي لأنها رفضت الجلوس في البيت ونوت الحج وقد رجمت عنها فهل حجنا صحيح وخاصة زوجتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كانت هذه الأفعال التي سردها واقعةً في أوقاتها الشرعية وحسب ما جاء في الشريعة الإسلامية فحجه بالنسبة إلى الرجل وإلى المرأة أيضاً حجهم صحيح لكن المرأة الذي يفهم من السؤال أنها لا تزال في نفاسها وعلى هذا فإن طوافها بالبيت ليس بصحيح وكذلك السعي لأنه مبنيٌ عليه فيجب عليها في مثل هذه الحال إذا طهرت من النفاس أن تعود وتطوف بالبيت طواف الإفاضة وتسعى بين الصفا والمروة وبهذا يتم حجها.
***(12/2)
هذا أبو عبد الله القحطاني يقول في هذا السؤال الحمد لله أديت فريضة الحج متمتعا وقد دخلت مكة في اليوم السابع وأديت العمرة وعندما أردت أن اذهب إلى منى في اليوم الثامن لم أتحلل من الإحرام ولكنني نويت الحج والإحرام علي فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليك لأن العبرة بأفعال العمرة فإذا طفت وسعيت وقصرت فقد حللت سواء خلعت ثياب الإحرام ولبست الثياب المعتادة أو بقيت ثياب الإحرام عليك لكن كونك تخلع ثياب الإحرام وتلبس الثياب المعتادة أحسن لأنه أظهر في التحلل فإذا كان يوم التروية أحرمت بالحج وخرجت مع الناس إلى منى وإن كنت في مني فأحرم للحج من منى.
***(12/2)
السائلة تقول نويت الحج في هذا العام ولي ابن صغير عمره عامان يريد أن يحج معنا فهل يجزئ له أن ينوي له والده ويحمله أثناء الطواف والسعي أم أن يطوف والده ويسعى ثم يطوف ويسعى عن الابن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه في هذه في هذا العصر لكثرة الحجاج ومشقة الزحام ألا يعقد الإحرام للصغار لأن هذا الحج الذي يحجونه ليس مجزيا عنهم فإنهم إذا بلغوا وجب عليهم أن يعيدوه وهو سنة يعني فيه أجر لولي الصبي ولكن هذا الأجر الذي يرتقبوه قد يفوتوا به أشياء كثيرة أهم لأنه سيبقى مشغولا بهذا الطفل في الطواف وفي السعي ولا سيما إذا كان هذا الطفل لا يميز فإنه لا يجوز له أن يحمله في طوافه ناويا الطواف عن نفسه وعن هذا الصبي لأن القول الراجح في مسألة حمل الأطفال في أثناء الطواف والسعي أنهم إذا كانوا يعقلون النية وقال لهم وليهم انووا الطواف انووا السعي فلا بأس أن يحملهم حال طوافه وسعيه وأما إذا كانوا لا يعقلون النية فإنه لا يجزؤه أن يطوف بهم وهو يطوف عن نفسه أو يسعى بهم وهو يسعى عن نفسه لأن الفعل الواحد لا يحتمل نيتين لشخصين.
***(12/2)
هذا السؤال في الواقع هو سؤال الكثير من الأخوة المستمعين الذين يقدمون للعمل في هذه البلاد يسألون بأن قدومهم أصلا ليس للحج بالنسبة للحج إذا أرادوا أن يحجوا وإنما قدموا لطلب الرزق هل يجوز أن يعزموا النية للحج من هذا البلد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يعزموا النية للحج من هذا البلد ويكون سفرهم من بلادهم إلى هنا في طلب الرزق وطلب الرزق المباح الذي يقوم به الإنسان على الأرامل والمساكين من أبنائه وعياله هذا لا شك أنه من الخير وفي الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) فهم إذا أتوا لطلب الرزق الذي يسعون به على أولادهم وأولادهم الذين لا يمكنهم التكسب هم من المساكين بلا شك فإنهم في هذا يكونون كالمجاهدين في سبيل الله أو كالصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر ولهم أن ينشيءوا نية الحج من هنا من المملكة السعودية حتى لو كانوا في مكة مثلاً فلهم ذلك.
***(12/2)
هل للإحرام صلاة تخصه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم رحمهم الله في ذلك فمنهم من قال إن الإحرام له صلاة تخصه (لأن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال صلِ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة أو عمرة في حجة) ومنهم من قال إنه ليس له صلاة تخصه وأن قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم صلِ في هذا الوادي المبارك يعني بذلك صلاة الفرض فإن النبي صلى الله عليه وسلم أهلَّ دبر صلاة مفروضة ولكن إذا أراد الإنسان بعد اغتسال الإحرام بوضوئه أن يصلى ركعتين سنة الوضوء فهذا خير ويكون الإحرام عقب سنة الوضوء ولكن هل يهل من مكان إحرامه أو يهل إذا ركب، من العلماء من يقول لا يهل إلا إذا ركب ومنهم من يقول يهل عند إحرامه ويهل إذا ركب ويهل إذا علت به الناقة على البيداء إذا كان محرما من ميقات أهل المدينة.
***(12/2)
حكم ركعتي الإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ركعتا الإحرام وهما الركعتان اللتان يصلىهما من أراد الإحرام فإنهما غير مشروعتين لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن للإحرام صلاة تخصه وإذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام مشروعيتهما فإنه لا يمكن القول بمشروعيتهما إذ أن الشرائع إنما تتلقى من الشارع فقط ولكنه إذا وصل إلى الميقات وكان قريباً من وقت إحدى الصلوات المفروضة فإنه ينبغي أن يجعل عقد إحرامه بعد تلك الصلاة المفروضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهل دبر الصلاة كذلك لو أراد الإنسان أن يصلى سنة الوضوء بعد اغتسال الإحرام وكان من عادته أن يصلى سنة الوضوء فإنه يجعل الإحرام بعد هذه السنة.
***(12/2)
ما حكم السنة في مسجد الميقات وكم عددها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك سنة تختص بمسجد الميقات ولا بالإحرام فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان إذا أراد أن يحرم صلى ركعتين لكنه أهل دبر صلاة بمعنى أنه صلى الفريضة ثم أهل أي لبى ولهذا كان القول الراجح ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه ليس للإحرام صلاةً تخصه لكن ينبغي أن يجعل الإحرام بعد صلاة فإن كان وقت فريضة انتظر حتى يصلى الفريضة ويحرم وإن كان في وقت نافلة كصلاة الضحى مثلاً وصلاة ركعتين بعد الوضوء وصلاة تحية المسجد فليكن إحرامه بعد هذه الصلاة أما أن ينوي صلاةً خاصة للإحرام فإن هذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(12/2)
المستمع أحمد ن. ن. مصري يقول في رسالته ما صفة التلبية وهل هي تستحب على كل حال أم أن لها مواطن تستحب فيها وما هو القول الراجح في وقتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التلبية أن يقول الإنسان لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ومعنى قول الإنسان لبيك أي إجابة لك يا رب وثنيت لإرادة التكرار وليس المعنى أن الإنسان يجيب ربه مرتين فحسب بل المعنى أنه يجيبه مرة بعد أخرى فالتثنية هنا يراد بها مجرد التكرار والتعدد فمعناها إجابة الإنسان ربه وإقامته على طاعتة ثم إنه بعد هذه الإجابة يقول إن الحمد والنعمة لك والملك. الحمد هو وصف المحمود بالكمال فإذا كرر صار ثناء والنعمة هي ما يتفضل الله به على عباده من حصول المطلوب ودفع المكروه فالله سبحانه وتعالى وحده هو المنعم كما قال الله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) وقوله والملك يعني والملك لك الله تبارك وتعالى هو المالك وحده كما يدل على هذا قوله تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) وقوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ*وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقوله لا شريك لك أي لا أحد يشاركك بما يختص بالله عز وجل في صفاته الكاملة ومن ذلك انفراده بالملك والخلق والتدبير والألوهية هذا موجز لمعنى التلبية التي يلبي بها كل مؤمن وهي مشروعة من ابتداء الإحرام إلى رمي جمرة العقبة في الحج وفي العمرة من ابتداء الإحرام إلى الشروع في الطواف.
***(12/2)
يقول في رسالته ما حكم السير في المشاعر المقدسة ورفع اليدين والصوت أو الأصوات بالإشادة بزعيم من الزعماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أنه من الأمور المنكرة لأن هذه المشاعر ليست وسيلة للدعاية لشخص أو لحكومة أو لدولة وإنما هذه المشاعر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) لا لإقامة ذكر فلان وفلان من الرؤساء أو الزعماء سواء كانوا زعماء دينيين أو زعماء ذوي سلطان فالواجب على الحجاج جميعاً أن يكون همهم وشأنهم في هذا المكان هو التعبد لله تبارك وتعالى مع التداول فيما بينهم ولا سيما الزعماء منهم فيما يهم أمور المسلمين لأن ذلك من المنافع التي قال الله تعالى فيها: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقد ظن بعض الناس أن المنافع التي تحصل في الحج مقدمة على ذكر الله في الحج لأن الله تعالى قدم ذكرها فقال (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وفي هذا نظر بل إن قوله (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) من جملة المنافع المشهودة في هذا المشعر وعلى هذا فيكون عطفها على شهود المنافع من باب عطف الخاص على العام الدال على العناية به فيكون ذكر الله تعالى أهم هذه المنافع ولكن مع ذلك لا تهمل هذه المنافع التي تحصل باجتماع المسلمين وتعارفهم وتناصحهم ودراسة أمورهم وشؤونهم أما أن يتخذ هذا دعاية لشخص أو حكومة أو طائفة من الناس فإن هذا من المنكر الذي كما أشرنا إليه قبل يجعل هذا المذكور شريكاً مع الله تعالى في هذه المواطن.
***(12/2)
السائل: جزاكم الله خيراً السائلة المستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بـ س. س. تقول هل يجوز للحائض أن تعتمر أو تحج وما هي الأمور التي يجب عليها أثناء ذلك وما الأمور التي يجب عليها عندما تحرم من الميقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحائض لها أن تحج وتعتمر وعند الميقات تفعل ما يفعله غيرها تغتسل وتستثقر بثوب وتحرم كغيرها من الناس وتفعل ما يفعله الناس سواء بسواء إلا الطواف بالبيت (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس زوج أبي بكر رضي الله عنهما حين ولدت في ذي الحليفة محمد بن أبي بكر أن تغتسل وتستفثر بثوب وتحرم) وقال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) فلم تطف بالبيت ولا بالصفا والمروة وبقية أفعال النسك تفعلها الحائض والنفساء كغيرها فتقف في عرفة وفي مزدلفة وترمي الجمرات وتدعو في عرفة وفي مزدلفة وبين الجمرات كسائر الناس.
***(12/2)
بارك الله فيكم، من أسئلة المستمعة ح. س. هذا السؤال تقول فيه ماذا تفعل المرأة إذا حاضت قبل الإحرام أو بعده أثناء المناسك نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حاضت المرأة قبل الإحرام فإنها تحرم إذا وصلت الميقات ولو كانت حائضاً (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست في الميقات أمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم) وهذا دليل على أن النفاس لا يمنع من الإحرام وكذلك الحيض، وأما إذا حاضت بعد الإحرام ففيه تفصيل فإذا كانت في العمرة فإن حاضت قبل الطواف انتظرت حتى تطهر ثم تطوف بعد ذلك وتسعى وإن حاضت بعد الطواف سعت ولو كانت حائضاً وقصرت وتتم عمرتها، وإن كان ذلك في الحج حاضت بعد أن أحرمت للحج فإن كان هذا بعد طواف الإفاضة أتمت حجها ولا شيء عليها يعني مثل أن يأتيها الحيض في يوم النحر بعد أن تطوف طواف الإفاضة فإنها تتم حجها فتبيت في منى وترمي الجمرات ولو كانت حائضاً وإذا أرادت أن تخرج والحيض لا زال باقياً فإنها تخرج بلا وداع، وأما إن أتاها الحيض قبل طواف الإفاضة أتاها في عرفة مثلاً فإنها تبقى على إحرامها وتقف بعرفة وتبيت بمزدلفة وترمي الجمرات لكنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، ودليل امتناع طواف الحائض أن صفية رضي الله عنها حاضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحابستنا هي) قالوا إنها قد أفاضت وهذا دليل على أن الحائض لا تطوف لأنها لو كانت تطوف لم تكن لتحبس النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حديث عائشة حين حاضت بسرف فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: (ما يبكيك علَّك نفستي) قالت: نعم قال: (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) ثم أمرها أن تحرم بالحج وأن تفعل ما يفعله الحاج غير أن لا تطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة وإنما تركت الطواف بالصفا والمروة لأنه يكون بعد الطواف بالبيت وإلا فإن الطواف بالصفا والمروة لا يمتنع عن الحاج.
***(12/2)
السؤال: تقول المستمعة إذا أحرمت المرأة للعمرة ثم أتتها العادة الشهرية قبل الطواف وبقيت في مكة ثم طهرت وأرادات أن تغتسل فهل تغتسل من مكة أم تذهب لتغتسل من التنعيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض أو أحرمت بالعمرة وهي حائض فعلاً ثم طهرت فإنها تغتسل في مكان إقامتها في بيتها ثم تذهب وتطوف وتسعى وتؤدي عمرتها ولا حاجة إلى أن تخرج إلى التنعيم ولا إلى الميقات لأنها قد أحرمت من الميقات لكن بعض النساء إذا مرت بالميقات وهي حائض وهي تريد عمرة لا تحرم وتدخل مكة وإذا طهرت خرجت إلى التنعيم فأحرمت منه وهذا خطأ لأن الواجب على كل من مر بالميقات وهو يريد العمرة أو الحج أن يحرم منه حتى المرأة الحائض تحرم وتبقى على إحرامها حتى تطهر ويشكل على النساء في هذه المسألة أنهن يظنن أن المرأة إذا أحرمت بثوب لا تغيره وهذا خطأ لأن المرأة في الإحرام ليس لها لباس معين كالرجل. الرجل لا يلبس القميص ولا البرانس ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف والمرأة يحل لها ذلك تلبس ما شاءت من الثياب فإذا أحرمت بثوب غيرته إلى ثوب آخر ولا حرج.
لذلك نقول للمرأة أحرمي إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة أو الحج وإذا طهرت فاغتسلي ثم اذهبي إلى الطواف والسعي والتقصير وتغيير الثياب لا يضر ولا أثر له في هذا الأمر أبداً.
***(12/2)
بارك الله فيكم في حديث ضباعة بنت الزبير عندما قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أريد الحج وأنا شاكية فقال لها (حجي واشترطي) ما معنى هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: والمعنى أنها تقول إن حبسني حابس أي منعني مانع من إتمام النسك فإنني أحل وقت وجود ذلك المانع، وإنما أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإشتراط لأنها كانت تخاف ألا تتم النسك من أجل المرض فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تشترط، وأما من لم يكن خائفاً من إتمام النسك فإنه لا يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يشترطوا عند الإحرام هذا الشرط ولهذا كان القول الراجح أن الاشتراط ليس بمستحب ولا مشروع إلا لمن كان خائفاً من عدم إتمام نسكه، وهذا القول هو القول الذي يجمع بين الأدلة، وأما من نفى الاشتراط مطلقاً أو أثبت الاشتراط مطلقاً فإنه لابد أن يقع في مخالفة لبعض النصوص، يقول بعض الناس إننا في هذا الزمن خائفون بكل حال لكثرة حوادث السيارات وجوابنا عن هذا أن حوادث السيارات بالنسبة لكثرتها ليس بشيء فإن السيارات تكون عشرات الآلاف وإذا حصل من عشرات الآلاف حادثة أو حادثتان أو عشر أو عشرون حادثة فليست بشيء والحوادث كائنة حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه صح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما (أن رجلاً وقصته راحلته يوم عرفة فمات) وهذا حادث وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالمهم أن الحوادث محتملة حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يرشد الأمة إلى الاشتراط إلا لمن كان خائفاً.
***(12/2)
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ هذا مصري مقيم بالأردن يقول ما هي فائدة الاشتراط في الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام إن حبسه حابس فمحله حيث حبس وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط فمنهم من قال إنه ليس بمشروعٍ مطلقاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط لا في حجه ولا في عمرته ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط (فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه فقال صلى الله عليه وسلم ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي أو يصوم أو يطعم) والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما ويرى هؤلاء الطائفة من العلماء أن الاشتراط ليس بمشروعٍ مطلقا ويرى آخرون أنه مشروعٌ مطلقا وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتلجئه إلى التحلل فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل ولكن الصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائقٍ يحول دونه وإتمام نسكه مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط وأما إذا لم يكن خائفاً من عائقٍ يمنعه أو من عائقٍ يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط وهذا القول تجتمع به الأدلة ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر وحج ولم يشترط ولم يقل للناس على سبيل العموم اشترطوا عند الإحرام ولكن (لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها تريد الحج وهي شاكية أي مريضة قال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيت) فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط ومن لم يكن فإنه لا يشترط أما فائدة الاشتراط فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنع من إتمام نسكه تحلل بدون شيء يعني يتحلل وليس عليه فدية ولا قضاء.
***(12/2)
باب محظورات الإحرام - حلق الشعر - تقليم الأظافر
لبس ما خيط على هيئة البدن- تغطية الرأس –الجماع - النقاب - مس الطيب(12/2)
هذه الرسالة من يحيي أحمد العنزي من الظهران يقول كنا في الأعوام الماضية نترك شعر رؤوسنا قبل الحج لكي نقصر منها بعد الانتهاء من العمرة ثم نحلقها عند التحلل من الحج لكننا نقوم بتمشيط شعر الرأس أثناء الإحرام لأنه ليس طويل جداً ويتساقط الشعر قليل إذا لم يكن معدوماً التساقط ونحن نكده بالمشط لأن الشعر إذا لم يمشط يبدوا قبيحاً في نظر الناس فهل علينا شي في تمشيطه وما حكم الشعر الذي يسقط من غير قصد أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تمشيط المحرم رأسه لا ينبغي لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر ولا حرج عليه أن يغسله وأما تمشيطه فإنه عرضه لتساقط الشعر ولكن إذا سقط شعر من الإنسان بدون قصد إما بحك رأسه أو بفركه أو ما أشبه ذلك فإنه لا حرج عليه في هذا لأنه غير متعمد في إزالته وليُعلم أن جميع محظورات الإحرام إذا لم يتعمدها الإنسان ووقعت منه على سبيل الخطأ أو على سبيل النسيان فإنه لا حرج عليه فيها لأن الله سبحانه وتعالي قال في كتابه (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقال سبحانه وتعالي (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقد فعل الله سبحانه وتعالى ذلك وفي خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام قال الله تعالي (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهذا القيد متعمداً يفيد أن من قتله غير متعمد فليس عليه جزاؤه وهذا القيد قيدٌ احترازيُ لأنه قيد مناسب للحكم وذلك أن التعمد هو الذي يناسبه إيجاب الجزاء وأما غير التعمد فلا يناسبه إيجاب الجزاء لما علم من هذا الدين الإسلامي دين السماحة والسهولة واليسر وعلى هذا فنقول جميع محظورات الإحرام بدون استثناء إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً فإنه لا يترتب عليه شيء من أحكامها لا من وجوب الفدية ولا من فساد النسك فيما يفسد النسك كالجماع هذا هو الذي ترضيه الأدلة التي أشرنا إليها والله الموفق.
***(12/2)
هذه أسئلة وردتنا من المستمع سعود محمد الأحمدي من الهفوف يقول فيها لقد قمت بتقليم أظفاري في اليوم الثامن في منى وعليّ إحرامي لأنني كنت أعتقد أن المحظور هو قص الشعر فقط لأن كثير ما يرد ذلك وأن تقليم الأظافر لا شيء فيه إلا أن شخصاً نبهني على ذلك جزاه الله خيراً لكنه شدد عليّ تشديداً جداً لأنه قال لابد من عودتك إلى الميقات أو إلى مكة المكرمة لتحرم من جديد هل هذا صحيح وما الذي يلزمني وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمك شيء في قص الأظافر لأنك قصصتها وأنت تظن أن ذلك لا بأس به ومن فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مختار فلا شيء عليه ولا فرق بين إزالة الشعر وتقليم الأظفار والطيب واللبس وغيرها كلها على حد سواء إذا فعل الإنسان شيئاً من المحظورات محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو غير مختار له فلا شيء عليه لقول الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذا عام ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهذا عام ولقوله تعالى في المكره (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) فإذا كان مكره على الكفر وهو أعظم المحرمات لا شيء عليه فما دونه من المحرمات من باب أولى وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس في النوم تفريط) وقال تعالى في خصوص الصيد في الإحرام (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ) وبهذه النصوص وغيرها من النصوص نستفيد أن فعل المحظور في العبادة أي عبادة كانت إذا كان صادراً عن نسيان أو جهل فإنه لا شيء فيه ولا يؤثر في العبادة شيء ومعاوية بن الحكم رضي الله عنه تكلم في صلاته وهو جاهل فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة والحاصل أن هذا الذي قلم أظفاره في اليوم الثامن لا شيء عليه إطلاقاً وأما من أفتاه بأنه يجب أن يرجع إلى الميقات أو إلى مكة ليحرم منها فهذه فتوى باطلة لا أصل لها وأحذر هنا وفي كل مناسبة أحذر المسلمين من طلبة العلم وغيرهم أن يتكلموا في الفتوى إلا إذا كان لهم مستند شرعي لأن المقام مقام خطير والمفتي معبر عن الله سبحانه وتعالى فيما أفتى به.
***(12/2)
قمت بتقليم أظفاري في اليوم الثامن وأنا في مني وعليّ إحرامي لأني كنت أعتقد أن المحلوق هو قص الشعر فقط وأثناء تقليمى لها قال لي أحد الجالسين معي في الخيمة إن هذا حرام وقد بطل إحرامك وعليك أن تعود إلي مكانك في مكة وتحرم من جديد ولما عرفت منه أن إحرامي بطل أكملت تقليم الأظفار ثم سألت شخصاً فقال لي لم يفسد إحرامك وإنما عليك نسك وأنا لا أعرف النسك وخجلت أن أساله فلم أساله أرجو إفادتي عن الآتي أولاً حكم تقليم الأظفار ثانياً حكم المضي وتكميلها ثالثاً ما الذي يلزمني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظفار حال الإحرام ذكر أهل العلم أنه لا يجوز إلحاقاً بحلق الرأس لما في الجميع من الترفه وإزالة الأذى وأما بالنسبة لما جرى عليك فانه لا شيء عليك وإحرامك صحيح لا شيء عليك لأنك جاهل لا تدري أن التقليم في هذه الحالة حرام وكل إنسان يفعل شيئاً من محظورات الإحرام وهو جاهل لا يدري أو ناسي لا يذكر فإنه لا شيء عليه لا نسك ولا صدقة ولا صيام لقوله تعالي (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالي (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقوله تعالي في خصوص الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فقوله (متعمداً) يدل علي أن غير المتعمد لا جزاء عليه وأما بالنسبة للذي أفتاك بأن إحرامك فاسد ويجب عليك أن ترجع فتحرم من موضعك فهذه الفتوى خطأ وإنني أوجه إلى هذا المفتي المتجري وإلى أمثاله ممن يتجرءون علي الحكم والإفتاء للناس بغير علم إنني أوجه لهم النصيحة بأن يخافوا الله عز وجل ويحذروا عقابه فإن الله تعالي يقول في كتابه الكريم (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فالقول على الله بلا علم منه القول في شريعته بلا علم فلا يحل لأحد أن يفتي أحداً في شيء إلا عن علم بأن هذا الشيء حكمه كذا وكذا وأما أن يفتيه بجهل فإن ذلك حرامُ عليه فليتق الله هؤلاء الجاهلون الذين يفتون الناس بغير علم فيضلوا ويضلوا فالواجب على المسلم إذا أشكل عليه شيء فليسأل أهل العلم الذين عرفوا بالعلم والورع والاستقامة فإنه ليس كل من عرف بأنه مفتي يكون آهلاً للفتوى فإننا نرى كثيراً من العوام يعتمدون في استفتاءاتهم على من ليس عندهم علم وإنما تقدموا مثلاً في إمامة مسجد أو ما أشبه ذلك فظنوا أن عندهم علم فصاروا يستفتونهم وهولاء بحكم منصبه وإمامته صار الواحد منهم يستحي أن يقول لا أعلم وهذا لا شك أنه من جهلهم أيضاً فإن الواجب على من سئل عن علم وهو لا يعلمه أن يقول لا أعلم وقد ذكر بعض من تكلموا عن حياة الأمام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة أن رجلاً أتاه من بلد بعيد في مسالة أرسله أهل البلد بها إلى الأمام مالك ليسأله فأقام عند مالك ما شاء الله ثم سأله عن هذه المسالة فقال له مالك لا أعلم فقال إن أهل بلدي أرسلوني إليك وكيف أقول لهم قال مالك لا أعلم وأنت إمام دار الهجرة قال اذهب إليهم وقل إني سألت مالكا فقال لا أعلم هذا مع ما أعطاه الله من العلم والإمامة في الدين فكيف لمن دونه، والنبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يسأل عن الشيء فلا يجيب عليه ويجيب الله عنه وانظروا إلى ما في القران كثيراً من قوله يسألونك عن كذا فيجيب الله عنه (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ، (ويَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذى) ، (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يتوقف عن الإجابة في ما لا يعلم فيه حكم الله فكيف بغيره من الناس على كل حال نصيحتي لإخواني المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالي وأن لا يتجرءوا على الفتوى بلا علم فإن ذلك ضلال وإضلال وأسال الله تعالي أن يرزقنا جميعاً الثبات والاستقامة وأن يجعلنا هداةً مهتدين.
***(12/2)
هذه الرسالة وردتنا من المستمع علي محمد مفرِّح يقول ما حكم تقليم الأظافر في الحج والشخص متلبس بالإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر في الحج لا ينبغي لأن ذلك من الترفه والحج موضوعه أن يكون الإنسان أشعث أغبر فلا ينبغي له أن يقلم أظافره وقد ذهب كثير من أهل العلم أو أكثرهم إلى أن تقليم الأظفار من محظورات الإحرام وأن ذلك حرام عليه وأنه إذا قلَّم ثلاثة أظفار فأكثر وجب عليه إما فدية يذبحها ويتصدق بها على الفقراء وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وإما صيام ثلاثة أيام وعلى كل حال فلا ينبغي للمرء أن يعرِّض نفسه لمثل هذه الأمور التي موضع خلاف بين أهل العلم والتي أجمع العلماء على أنه ينبغي أن يتجنبها المحرم.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائل إبراهيم مصطفى مصري الجنسية يقول أديت فريضة الحج في العام الماضي وقبل أداء الفريضة يوم ستة من ذي الحجة قمت بتقصير أظافري فهل علي كفارة مع العلم بأنني ليس عندي معرفة بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك كفارة ولا أثم لأنك جاهل لا تدري وليعلم أن هناك قاعدة شرعية في كتاب الله عز وجل أقرَّها الله تبارك وتعالى وهي رفع المؤاخذة بالذنب لمن كان جاهلا أو ناسيا وذلك في قول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) أي رفع عنا المؤاخذة بالنسيان والخطأ وهذا عام في جميع محظورات الإحرام وفي جميع محظورات الصلاة وفي جميع محظورات الصيام كل من فعل محظورا في هذه العبادات عن نسيان أو جهل فإنه غير مؤاخذ به لا إثم عليه ولا كفارة ولا فدية فطبق هذه على جميع محظورات العبادات لو تكلم الإنسان في الصلاة وهو جاهل فصلاته صحيحة لو أكل أو شرب وهو جاهل فصيامه صحيح لو احتجم وهو صائم يظن أن الحجامة لا تفطر فصيامه صحيح لو أفطر قبل غروب الشمس يظنها غربت ولم تغرب فصيامه صحيح المهم هذه قاعدة من الله ليس بكتاب فلان أو فلان قاعدة من الله عز وجل لعباده (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) .
***(12/2)
يقول ما حكم تقليم الأظافر في الحج والشخص متلبس بالإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن تقليم الأظافر في حال الإحرام لا يجوز قياساً على تحريم الترفه بحلق شعر الرأس وعلى هذا القول وهو قول جمهور أهل العلم يجب عليه أن يبتعد عن تقليم أظافر اليدين وأظافر الرجلين.
***(12/2)
السائل محمد السيد من الطائف استخدام الحزام الطبي وذلك أثناء الطواف فأنا لا يمكنني التحرك أو المشي بدون ذلك الحزام الطبي وهذا طبعاً حزام مخيط فهل يجوز لي أن أستخدم ذلك في الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يستخدم الإنسان في الحج وفي العمرة هذا الحزام ولو كان مخيطاً ويجب أن نعلم أن قول العلماء رحمهم الله يحرم على الرجل لبس المخيط أن مرادهم لبس القميص والسراويل والفنايل والكوت وما أشبهها فهذا يجب أن نفهم كلام العلماء على ما أرادوه ثم هذه العبارة لبس المخيط ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن أول من تكلم بها أحد فقهاء التابعين إبراهيم النخعي أما النبي عليه الصلاة والسلام فلم يقل للأمة لا تلبسوا المخيط بل سئل ما يلبس المحرم فقال (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) ولم يذكر لفظ مخيط إطلاقاً فيجب أن تفهم النصوص على ما أرادها الشارع لا ما أراده المتكلم بها.
***(12/2)
يقول رجل لبس ملابس الإحرام لكنه لم يترك الذراع الأيمن مكشوفاً وغطى الصدر والظهر والذراعين فهل عليه شيء وإذا أمسك بمظلة لحماية رأسه من الشمس فهل عليه شيء وكذلك لو لبس حزماً من الجلد حول وسطه فوق الإزار وهو مخيط فهل يؤثر هذا على صحة الإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسألة الأولى إذا لم يكشف كتفه الأيمن والواقع أن أكثر الحجاج يغلطون في هذه المسألة حيث يكشفون الكتف من حين الإحرام إلى أن يحلوا من الإحرام وهذا سببه الجهل وذلك لأن كشف الكتف الأيمن إنما يشرع في حال طواف القدوم فقط وعلى هذا فإذا أحرمت فإنك تغطي جميع الكتفين حتى تشرع في طواف القدوم فإذا شرعت في طواف القدوم اضطبعت بأن تكشف الكتف الأيمن وتجعل طرف الرداء على الكتف الأيسر فإذا فرغت من الطواف أعدت الرداء على ما كان عليه أي غطيت الكتفين جميعاً وبهذا يزول الإشكال الذي ذكره السائل فيكون الإنسان مغطياً كتفيه وقاية للحر أو البرد إلا أن يبدأ بالطواف.
وأما المسألة الثانية: وهي حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس فإن هذا لا بأس به ولا حرج ولا يدخل هذه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الرأس أعني رأس الرجل لأن هذا ليس تغطية بل هو تظليل من الشمس والحر وقد ثبت في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أسامة بن زيد وبلال أحدهما يقود به راحلته والثاني رافع ثوبه يظلله من الشمس حتى رمى جمرة العقبة) وهذا دليل على أنه أي النبي صلى الله عليه وسلم قد استظل بهذا الثوب وهو مُحْرِم قبل أن يتحلل.
وأما السؤال الثالث: فهو وضع الحزام على وسطه فإنه لا بأس به ولا حرج فيه وقوله مع أنه مخيط هذا القول مبني على فهم خاطئ من بعض العامة حيث ظنوا أن معنى قول العلماء يحرم على المحرم لبس المخيط ظنوا أن المراد به كان فيه خياطة وليس كذلك ومراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مخيطاً على قدر العضو ولبسه على هيئته المعتادة كالقميص والسراويل والفنيلة وما أشبهها وليس مراد أهل العلم ما كان فيه خياطة ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس وإن كان خيط بعضه ببعض.(12/2)
فضيلة الشيخ: يعني على هذا يجوز جميع أنواع الأحزمة وما يسمى منها بالكمر لحفظ النقود أو بعض الأنواع من الأحذية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كل هذه جائزة.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه الرسالة من السائل أ. ق. ي. ل. من الرياض يقول في أثناء السير نهاراً وأنا محرم وضعت طرف الإحرام على رأسي وحينما انتبهت رفعته من على رأسي ولم أعد لذلك مرة أخرى فهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء لأنك وضعته ناسياً والإنسان إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً فإنه لا شيء عليه ولكنه يجب عليه إذا ذكر أن يتخلى عن ذلك المحظور والدليل على أنه لا شيء عليه قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) .
***(12/2)
المستمع يقول لقد منّ الله علي وأديت فريضة الحج وحين انتهيت من الطواف والسعي رأيت صديقاً لي وضع رداءه على رأسه فوضعت ردائي على رأسي ولكن صديقي حج هذه الحجة التي حجها ليست له بل هي لإنسان متوفى فهل على إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا هذا الذي صنعت هو تغطية رأسك فإن كان ذلك في الحج وكان بعد أن رميت جمرة العقبة يوم العيد وحلقت رأسك وقصرته فلا حرج عليك لأن الرجل الحاج إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق وقصر تحلل من كل شيء من محظورات الإحرام إلا من النساء وكذلك لو كنت في يوم العيد رميت جمرة العقبة ثم نزلت إلى مكة وطفت وسعيت ثم وضعت رداءك على رأسك فإنه لا حرج عليك لأنك قد تحللت التحلل الأول أما إذا كنت في العمرة فإنه ليس عليك شيء لأنك جاهل لا تدري والجاهل بالمحظورات ليس عليه شيء إما إذا تعمدت ذلك عن علم فإن أهل العلم رحمهم الله يقولون إن الإنسان إذا فعل محظوراً متعمدا لا يفسد النسك في هذه الحال بل هو مخير بين أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح شاة يفرقها على الفقراء.
***(12/2)
السؤل: بارك الله فيكم هذا مستمع من باكستان غلام البوشي يقول هل يجوز تغيير لباس الإحرام وذلك لغسله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمحرم أن يغير لباسه إلى لباس آخر مما يجوز له لبسه سواء كان ذلك لحاجة أو لغير حاجة لأن الثوب لا يتعين بالإحرام فيه أي أنه لو أحرم في ثوب فإنه لا يتعين أن يبقى هذا الثوب عليه حتى ينتهي نسكه بل له أن يغير الثياب ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة وأما ما يظنه بعض الناس من أن الإنسان إذا أحرم بثوب لزمه أن يبقى فيه حتى ينتهي النسك فإن هذا لا أصل له في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في أقوال الصحابة بل ولا في كلام أهل العلم فيما نعلم فإذا اتسخ الثوب الذي أحرم فيه الإنسان فلبس غيره مما يجوز له لبسه وغسله أي غسل الثوب الأول فلا بأس.
***(12/2)
تقول هل يجوز للمرأة أن تلبس في الحج ملابس ملونة كالأبيض والأخضر والأسود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة في الإحرام أن تلبس ما شاءت من الثياب غير ألا تتبرج بزينة أمام الرجال الأجانب لأنه ليس للمرأة ثياب مخصوصة في الإحرام بخلاف الرجل فإن الرجل لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف أما المرأة فالمحظور في حقها لبس القفازين والانتقاب.
***(12/2)
هذه الرسالة من السائلة هـ. ن. ع. من القصيم عيون الجوى بعثت بعدة أسئلة تقول هل يجوز للمرأة المحرمة للحج أن تغير ملابسها متى شاءت وهل للإحرام ملابس معنية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تغير ثيابها إلى ثياب أخرى سواء كان ذلك لحاجة أو لغير حاجة لكن بشرط أن تكون الثياب الأخرى ليست ثياب تبرج وجمال أمام الرجال وعلى هذا فإذا أرادت أن تغير شيئاً من ثيابها التي أحرمت بها فلا حرج عليها وليس للإحرام ثياب تخصه بالنسبة للمرأة فلتلبس ما شاءت إلا أنها لا تلبس النقاب ولا تلبس القفازين والنقاب معروف هو الذي يوضع على الوجه ويكون فيه نقب للعينين وأما القفازان فهما اللذان يلبسان في اليد ويسميان شراب اليدين وأما الرجل فإن له لباسا خاصا في الإحرام وهو الإزار والرداء فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف.(12/2)
فضيلة الشيخ: سؤالها التالي في الواقع تضمنته إجابتكم أو بعضه تقول هل يجوز للمرأة أن تلبس الكفوف والجوارب في الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الجوارب فلها أن تلبسها في الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ عنها المرأة وأما الكفوف وهما القفازان فإنها لا تلبسها (لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى المرأة أن تلبس القفازين في حالة الإحرام) .
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج تقول فضيلة الشيخ هل يجوز أن تلبس المرأة اللباس الأسود الشرعي في حالة إحرامها للحج بدل اللبس الأبيض علما بأنها تلبس ذلك من بيتها وهل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم أو نساء الصحابة كن يلبسن اللباس الأبيض في حالة الإحرام أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة إذا أحرمت ليست كالرجل يلبس لباسا خاصا إزارا ورداء بل المرأة تلبس ما شاءت من الثياب التي أباح الله لبسها قبل الإحرام فتلبس الأسود والأحمر والأصفر والأخضر وما شاءت أما الأبيض فلا أعلم أن المرأة مطلوب منها أن تحرم بأبيض بل إن الأبيض في الحقيقة من التبرج بالزينة فإن اللباس الأبيض للمرأة يكسوها جمالا ويجلب انطلاق النظر إليها لذلك كونها تلبس اللباس الأسود مع العباءة أفضل لها وأكمل ولها أن تلبس الجوارب شراب الرِّجلين وأما القفازان شراب اليدين فإنه لا يجوز لها لبسها وعليها أن تغطي وجهها إذا قرب الرجال منها لئلا ينكشف أمام الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها وفي هذه الحال تغطي وجهها ولا يضرها إذا مس بشرتها خلافاً لقول بعض العلماء الذين يقولون أنها تغطي وجهها بساتر لا يمس بشرتها فإن هذا القول ضعيف ولا دليل عليه ولكنها لا تنتقب لأن (النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى المحرمة أن تنتقب) والحاصل أن لباس المرأة إذا أحرمت يكون السواد أو ما أشبهه مما يبعد النظر إليها.
***(12/2)
إبراهيم إلياس إبراهيم سوداني يقول في رسالته إذا حج الرجل أو الإنسان منفرداً وتروش ثلاث مرات وهو محرم هل يجوز التروش وهو محرم وأيضاً أرجو أن تفيدوني عندي جدي متوفى له الرحمة من الله ولم يحج هل يجوز لي أن أحج عنه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاغتسال للمحرم فلا بأس به لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وسواء اغتسل مرة أو مرتين أو أكثر ولكنه يجب أن يغتسل إذا احتلم وهو محرم فيغتسل من الجنابة وأما الحج عن جده الذي لم يحج فلا حرج عليه أيضاً أن يحج عنه لأن ذلك قد جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(12/2)
لقد وقعت في جريمةٍ نكراء وداهيةٍ دهياء في حج العام الماضي حيث سول لي الشيطان ووقعت على زوجتي وجامعتها جماعاً في منى ولكن هذا وقع في الليل وقال بعض طلبة العلم أن حجك قد فسد فصرعوني بهذا القول وركبت سيارتي وهربت إلى بلدي وتركت زوجتي مع أخيها وأنا لم أهرب إلا خوفاً من الله حيث إني أبقى في مشاعره المقدسة وأنا قد عصيته وليس لي حج أرجو الإفادة والمخرج الله يخرجكم من الظلمات إلى النور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب يحتاج إلى تفصيل وذلك أن جماعه إياها في مني إن كان بعد التحلل مثل أن يكون بعد يوم العيد بعد أن رمى وحلق أو قصر وطاف وسعي فهذا لا شيء عليه إطلاقاً لأنه قد تحلل من الحج أما إذا كان بعد الرمي والحلق وقبل الطواف يعني بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإن الحج لا يفسد ولكن يفسد الإحرام فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل ليحرم من جديد ليطوف طواف الإفاضة محرماً وعليه مع ذلك شاه يذبحها ويفرقها على الفقراء أما إذا كان الوطء في منى قبل الذهاب إلى عرفة فمعناه أنه جامع قبل التحلل الأول والثاني أيضاً وهذا يفسد حجه وعلى ما قاله أهل العلم يجب عليه المضي فيه ويجب عليه بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء ويجب عليه القضاء من العام القادم ولكن هذا الرجل في الحقيقة لا ندري إي الأحوال كان عليه فلا نستطيع أن نحكم على فعله وذهابه إلي بلده.(12/2)
فضيلة الشيخ: لو ذهب إلى بلده وهو قبل أن يخرج مثلاً إلى عرفة مثلاً جامع في اليوم الثاني وهو محرم ما حكم ذهابه إلى بلده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ذهابه لا يجوز ويجب عليه الرجوع لو فرض أنه سال في ذلك الوقت قبل أن ينتهي الحج وجب عليه الرجوع ليكمل الحج الفاسد ثم يقضيه العام التالي أما وقد فات الأوان الآن فإنه يجب عليه على ما تقتضيه قواعد المذهب يجب عليه أن يمضي في الحج هذا العام تكميلاً للحج الفاسد الأول لأنه لا زال على إحرامه لم يتحلل منه أو يتحلل بعمرة حيث فاته الحج بفوات الوقوف ثم يقضي الحج الفاسد الذي تحلل منه بعمرة بالفوات.(12/2)
فضيلة الشيخ: هل يلزمه شي عن لبس المخيط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه لأنه جاهل.
***(12/2)
في العام الماضي أديت فريضة الحج ولكني بعد أن أحرمت من الميقات بتنا قبل دخول مكة المكرمة وجامعت زوجتي فما الذي يترتب عليّ بالتفصيل علماً بأني قد ذبحت شاةً العام الماضي وحيث أني قد نويت الحج هذا العام أرجو أن أكون علي بينة من أمري وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل محرماً بالحج فإنه يكون قد أفسد حجه وعليه بدنة يذبحها هناك ويوزعها على الفقراء وعليه أيضاً أن يقضى ذلك الحج الفاسد في هذه السنة هو وزوجته إلا إذا كان زوجته مكرهةً أو كانت جاهلةً لا تعلم فليس عليها شيء.
***(12/2)
المرسل ع. ي. ض. من الرياض وفي الحقيقة أنه ينتهز فرصة الحج ويسأل هذا السؤال وإن كان الحج قد مضى يقول أفيدكم أنني قد حجيت مفرداً وقد أكملت الحج وعندما رميت جمرة العقبة وحلقت رجعت وفسخت الإحرام وهو يوم العيد ومعي زوجتي يقول إنه جامع زوجته، ويقول وأنا والله ثم والله لم أعلم أنه يفسد الحج، وأنا جاهل في هذا الكلام، وأنا أول مرة أحج ومعي زوجتي وأني حججت عام 1399هـ فما حكم حجي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم حجه صحيح ولا شيء عليه ما دام جاهلاً لأن الله سبحانه وتعالى يقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وقال تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ويقول سبحانه وتعالى في جزاء الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ) فكل هذه الآيات وكثير من النصوص سواها يدل على أن فاعل المحذور إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء، وعلى هذا نقول للرجل لا تعد لمثل ما فعلت.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين الذي يسأل فيها عن أشياء تدور عن الحج يقول فيها أنه في عام من الأعوام الماضية حج إلى بيت الله الحرام لكنه بعد أن أحرم وقبل أن يصل إلى مكة بات هو وزوجته فحصل بينهما الجماع فما الذي يترتب بالتفصيل علماً يقول أنني قد ذبحت شاة العام الماضي وحيث أنني قد نويت أو أنوي الحج هذا العام أرجو أن أكون على بينة من أمري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كنت جاهلاً أن هذا العمل محرم أنت وزوجتك فلا شيء عليكما وحجكما صحيح ولا فدية وإذا كنت تعلم أنت وزوجتك أن هذا محرم فإن النسك الذي وقع فيه الجماع يكون فاسداً فإن كنتما متمتعين فقد فسدت عمرتكما ويجب عليكما أن تقضيا بدلها وإن كنتما مفردين أو قارنين فقد فسد حجكما والمفهوم أنكما مضيتما في الحج وأكملتماه فعليه يجب عليكم إعادة هذا الحج هذه السنة ويجب على كل واحد منكما فدية وهي بدنة يذبحها كل واحد منكم وتصدقون بها على الفقراء في الحرم أو في المكان الذي وقع منكما فيه هذه المخالفة والله أعلم.
***(12/2)
هذه رسالة وصلت من مستمع للبرنامج من الرياض يقول فيها رجل واقع زوجته وهو محرم بالحج جهلاً منه ما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من المعلوم أن الجماع من محظروات الإحرام بل هو أعظم محظورات الإحرام قال الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) والرفث هو الجماع ومقدماته فالجماع أعظم محظورات الإحرام وإذا جامع الإنسان وهو محرم بالحج فإما أن يكون قبل التحلل الأول أو بعد التحلل الأول فإن كان قبل التحلل الأول ترتب على جماعه أمور:
أولاً: فساد النسك بحيث لا يجزئه عن نافلة ولا عن فريضة.
ثانياً: وجوب المضي فيه أي أنه مع فساده يستمر ويكمله ويبقى هذا النسك الفاسد كالنسك الصحيح في جميع أحكامه.
ثالثاً: القضاء من العام القادم يجب عليه القضاء من العام القادم سواء كان ذلك الحج فريضة أم نافلة أما إذا كان فريضة فوجوب القضاء ظاهر لأن الحج الذي جامع فيه لم تبرأ به ذمته وأما إذا كان نافلة فلأن نافلة الحج يجب المضي فيها لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وقد سمى الله تعالى الحج نذراً فقال (ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) بل قال الله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فسمى الله تعالى التلبس بالحج فرضاً فلهذا قلنا إنه يجب عليه قضاء هذا الحج الفاسد سواء كان فرضاً أو نفلاً.
الأمر الرابع: مما يترتب عليه أنه يذبح بدنة كفارة عن فعله يوزعها على الفقراء وإن ذبح عنها سبع من الغنم فلا بأس هذا حكم الجماع قبل التحلل الأول. أما إذا كان بعد التحلل الأول فإنه يترتب عليه فساد الإحرام فقط وعليه شاة يذبحها ويوزعها على الفقراء أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره أو يصوم ثلاثة أيام يخير بين هذه الثلاثة إما شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام ويجدد الإحرام فيذهب إلى أدنى الحل ويحرم منه ليطوف طواف الإفاضة محرماً فإن قلت متى التحلل الأول؟ التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد والحلق أو التقصير فإذا رمى الإنسان جمرة العقبة يوم العيد وحلق وقصر فقد تحلل التحلل الأول وأحل من كل المحظورات إلا من النساء (قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لأحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وهذا الحديث دليل على أن التحلل يليه الطواف بالبيت وهو يقتضي أن يكون الحلق سابقاً على التحلل كما قررناه قبل قليل بأن التحلل الأول يكون برمي جمرة العقبة يوم العيد مع الحلق أو التقصير فالجماع الذي قبل ذلك يترتب عليه الأمور الأربعة التي ذكرناها أنفاً والذي بعد ذلك يترتب عليه ما ذكرناه من فساد الإحرام دون النسك ووجوب فدية أو إطعام أو صيام ولكن إذا كان هذا الإنسان جاهلاً بمعنى أنه لا يدري أن هذا الشيء حرام فإنه لا شيء عليه سواء كان ذلك قبل التحلل الأول أو بعده لأن الله عز وجل يقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله قد فعلت ويقول (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ولكن لو قال قائل إنه إذا كان هذا الرجل عالم بأن الجماع حرام في حال الإحرام لكن لم يظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور ولو ظن أنه يترتب عليه كل هذه الأمور ما فعله فهل هذا عذر؟ فالجواب لا ليس هذا بعذر العذر أن يكون الإنسان جاهلاً بالحكم لا يدري أن هذا الشيء حرام وأما الجهل بما يترتب على الفعل فليس بعذر ولذلك لو أن رجلاً محصناً يعلم أن الزنا حرام وهو بالغ عاقل قد تمت شروط الإحصان في حقه لوجب عليه الرجم لكن لو قال لنا أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت قلنا له هذا ليس بعذر فعليك الرجم وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنا (ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يجب عليه ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة) مع أنه كان حين جماعة جاهلاً بما يجب عليه فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية وانتهك حرمات الله عز وجل ترتب عليه أثار تلك المعصية وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها.
***(12/2)
من مِزَيِّد مشقر الرواقي من الرياض وردتنا هذه الرسالة التي ملخصها يقول سمعت أن الحجاج مرخص لهم في مشاهدة النساء من غير المحارم والذي سمعت منه هذا الكلام روى لي دليلاً وهو قصة الفضل رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم فهل هذا فيه شيء من الصحة أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس فيه شيء من الصحة بل إن الواجب على الحاج أن يتحفظ من النظر أكثر من غيره ولهذا لا يجوز للحاج أن يستمتع بزوجته مع أنها حلال له لقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) بل أبلغ من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التزوج في الحج وعن الخطبة في الحج فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينَكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب) فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن عقد النكاح الذي قد يكون وسيلةً إلى الاستمتاع بالزوجة ونهى عما يكون وسيلة لعقد النكاح وهي الخطبة فما بالك بالنظر والتمتع بالنظر ولا سيما إلى النساء الأجنبيات فلا شك في تحريم النظر إلى النساء الأجنبيات في الحج وفي غير الحج وأما قصة الفضل فليس فيها دليل لمن استدل بها (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الفضل ينظر إلى المرأة وتنظر إليه صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر) فدل هذا على أن النظر لا يجوز وإلا لما صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى الشق الآخر.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل أحمد من الرياض يقول من احتلم وهو محرم هل يفسد حجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من احتلم وهو محرم فإن حجه لا يفسد لأن النائم مرفوعٌ عنه القلم كما أنه لو احتلم وهو صائم فإن صومه لا يفسد ولكن يجب على المحرم إذا احتلم أن يبادر بالاغتسال قبل أن يصلى ولا يحل له أن يتيمم اللهم إلا أن لا يجد الماء وذلك لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فاشترط الله سبحانه وتعالى للتيمم أن لا نجد ماءً وكثيرٌ من الناس يتهاون في الغسل من الجنابة إذا كان على سفر فتجده يمكنه أن يغتسل لكن يستحي أن يغتسل أمام الناس وهذا خطأ فالواجب على الإنسان أن يغتسل ما دام قد وجد الماء ولا يضره استعماله ولا ضرر عليه فيما إذا اغتسل عن احتلام لأن الناس كلهم يقع منهم هذا الشيء ثم على فرض أنه لا يقع وهو أمرٌ مفروضٌ لا واقع فإن الله لا يستحي من الحق فيأخذ الإنسان معه ماء ويبتعد عن الأنظار ويغتسل.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السؤال من المستمع م. ع. ع. من أبها سؤاله يقول فيه ما حكم تغطية الوجه بالنقاب في الحج فقد كنت قرأت حديثاً بما معناه (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) وقرأت قولاً آخر للسيدة عائشة رضي الله عنها وهن في الحج تقول كنا إذا ساوى بنا الرجال أسدلنا على وجوهنا وإذا سبقناهم كشفنا وجوهنا فكيف نربط بين القولين وأيهما أصح إذا طبقنا قول عائشة ففي هذه الأيام دائماً أو كثيراً ما تختلط المرأة بالرجال في أثناء سيرها في الحج وفي صلاتها فهل تغطي وجهها دائماً أم ماذا تفعل وهناك قول سمعته عن الإمام أبي حنيفة أن المرأة إذا غطت وجهها فعليها دم ما الصواب في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذا ما دل عليه الحديث وهو (نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المرأة) فالمرأة المحرمة منهية عن النقاب مطلقا سواء مروا بها الرجال الأجانب أو لم يمروا بها وعلى هذا فيحرم على المرأة المحرمة أن تنتقب سواء كانت في حج أو في عمرة والنقاب معروف عند النساء وأما حديث عائشة فلا يعارض النهي عن الانتقاب وذلك لأن حديث عائشة إنما كان النساء يفعلنه إذا مرَّ بهنّ الرجال وهذا أمر لابد منه إذا مر الرجال بنساء وهن محرمات فإنه يجب عليهن أن يسترن وجوههن لأن ستر الوجه عن الرجال الأجانب واجب وعلى هذا فنقول للمرأة لبس النقاب حرام عليها مطلقا وأما فتح وجهها فالأفضل لها كشف الوجه ولكن إذا مر الرجال قريباً منها فإنه يجب عليها أن تغطيه لكن تغطيه بغير النقاب.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة من جمهورية مصر العربية وتقيم في المملكة تقول في سؤالها ما حكم تغطية الوجه بالنسبة للمرأة المحرمة إذا كان الرجال الأجانب في كل مكان في الشارع وفي السيارة وفي الحرم نفسه وما المخرج من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (المرأة المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين) هل يجوز كشف الوجه حال الإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمحرمة ولا لغير المحرمة أن تكشف وجهها وحولها رجال أجانب بل الواجب ستر الوجه حتى في الإحرام فقد ذكرت (عائشة رضي الله عنها أنه إذا مر الرجال قريبا منهن سدلت إحداهن خمارها على وجهها) لئلا يراها الرجال الأجانب وأما (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النقاب) فنعم هو نهى عن النقاب لكن إذا كان حولها رجال فلابد من ستر الوجه بغير نقاب وإذا سترت وجهها في هذه الحال فلا شيء عليها.
***(12/2)
تقول السائلة هل يجوز لي لبس النقاب وأنا في حج أو عمرة لكن يكون على العينين غطاء خفيف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المحرمة لا يجوز لها أن تنتقب (لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنتقب المرأة) وأما تغطية وجهها بغير نقاب فلا بأس به إذا مر الرجال الأجانب عنها قريباً بل يجب عليها في هذه الحال أن تستر وجهها ولا بأس عليها إذا لمست بالغطاء في وجهها فالمرأة في حال الإحرام يشرع لها كشف الوجه إلا إذا مر الرجال قريب منها فإنه تستره وأما النقاب فحرام عليها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
***(12/2)
فضيلة الشيخ هذه المستمعة أختكم ن. ن. من المزاحمية تقول لقد حججت أكثر من مرة وكنت مرتدية الحجاب الشرعي الكامل إلا إنني لم ألبس قفازين وذلك لعلمي بأنه من محظورات الإحرام علي وذلك وأنا محرمة وإنما اخفيت اليدين داخل العباءة وغطيت وجهي كاملاً فهل في تغطية وجهي محظور أرجو الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس القفازين في حال الإحرام نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من محظورات الإحرام كما قالت السائلة وأما تغطية الوجه فالمشروع في حق المحرمة أن تكشفه إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها ففي هذه الحال يجب عليها أن تغطيه كما حكت ذلك عائشة رضي الله عنها أنهن كانوا إذا مر بهن ركبان وحاذوهم فإنهن يغطين وجوههن فإذا جاوزهن كشفن وجوههن وليس على المرأة حرج فيما لو مس حجابها وجهها خلافاً لقول بعض أهل العلم الذين يقولون لا بد أن يكون الحجاب غير مماس لوجهها.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائلة منى تقول شاهدت امرأة تطوف وعليها قفازات فما الحكم في ذلك تقصد في يديها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شاهدت المرأةُ امرأةً أخرى تطوف وعليها قفازات فلتسألها قبل أن تنكر عليها ولتقل لها هل أنت محرمة إذا قالت نعم فلتقل لها اخلعي القفازات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرمة (لا تلبس القفازين) وإن قالت إنها غير محرمة وإنما هذا طواف تطوع فلا حرج عليها أن تلبس القفازين في طواف التطوع وبهذه المناسبة أود أن أنبه على هذه المسألة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أنك لا تنكر على أحدٍ فعلاً منكراً حتى تعلم أنه منكر لأن إنكارك قبل ذلك تعجل وتسرع ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة وجلس لم ينكر عليه الجلوس حتى سأله (أصلىت) قال لا قال (قم فصلِ ركعتين وتجوز فيهما) فانظر كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مخاطبة من فعل فعلاً يحتمل أنه منكرٌ في حقه ويحتمل أنه غير منكر وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير أسوة وأما من أنكر على الشخص بمجرد فعل ما يراه منكراً فإن هذا تسرعٌ وتعجل.
***(12/2)
أيضاً تقول عندما نذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج والعمرة وغيرها نضع الحجاب فالبعض يقول إن عليك دم هل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ أم لا وهل يجوز أن تكشف الحجاب على الوجه ونحن بجوار الكعبة المشرفة أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة المسلمة لو مرت من عند رجال أو مر الرجال من عندها يجب عليها أن تغطي وجهها كما كانت نساء الصحابة رضي الله عنهم على هذا وفي هذه الحال لا فدية عليها لأن هذا أمر مأمور به والمأمور لا ينقلب محظوراً ولا يشترط أن لا يمس الغطاء وجهها بل لو مس الغطاء وجهها فلا حرج عليها فيجب عليها أن تغطي وجهها ما دامت عند الرجال وإذا دخلت الخيمة أو في بيتها كشفت الوجه لأن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها.
***(12/2)
أحسن الله إليكم امرأة ذهبت إلى مكة لأداء العمرة وعندما توضأت من الميقات لبست النقاب بدون أن تخرج عينيها لعدم وجود غطاء الوجه فهل عليها شيء في ذلك وهل عمرتها صحيحة وماذا يلزمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عمرتها صحيحة ولا يلزمها شيء لأنها مجتهدة إن أصابت فلها أجران وإن أخطأت فلها أجر والنقاب إذا لم تخرج العينان بمعنى أنها وضعت بعض الخمار على بعض حتى تغطت عيناها لا بأس به والمقصود من النهي عن النقاب، النقاب الذي ينتقب على حسب العادة يغطى الوجه ويفتح للعينين هذا هو الذي لا يجوز للمحرمة.
***(12/2)
أحسن الله إليكم المستمعة ع. ع. من خميس مشيط تقول سؤالي قبل حوالي خمس سنوات نوينا أداء العمرة وعندما وصلنا إلى الحرم قمت أنا وإحدى أخواتي بعمل غطاء الوجه بحيث يشبه النقاب بمعنى أنه كان يغطي الجبهة وبقية الوجه أما العينان فقد كانتا مكشوفة وقد قمنا بذلك ونحن نجهل حكم النقاب فماذا علينا الآن بعد ما عرفنا أن النقاب غير جائز للمحرمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكن شيء لأن كل إنسان يفعل محرماً في العبادة وهو لا يدري ليس عليه شيء ولهذا لو تكلم الإنسان في الصلاة جاهلاً مع أن الكلام حرام فصلاته صحيحة يعني مثلاً لو دخل شخص وسلم على رجلٍ يصلى فقال المصلى عليكم السلام وهو لا يدري أنه حرام فليس عليه شيء فقد ثبت في الصحيح أن معاوية ابن الحكم رضي الله عنه دخل المسجد وصلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعطس رجلٌ من القوم وقال الحمد لله فقال معاوية رضي الله عنه يرحمك الله يخاطبه فرماه الناس بأبصارهم منكرين عليه فقال واثكلى أمياه زاد على ما سبق فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت فلما سلم دعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال معاوية فبأبي هو وأمي ما كهرني وما نهرني وإنما قال (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التكبير وقراءة القرآن) أو كما قال ولم يأمره بإعادة الصلاة وقال في الصيام (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وهكذا جميع المحرمات في جميع العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة بعثت بمجموعة من الأسئلة تقول بأنها حجت وهي لابسة للقفازات ولم تكن تعلم بحكمها فهل حجها صحيح أم تعيد ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حجها صحيح هذه المرأة التي لبست القفازات وهي لا تعلم أنها حرام حجها صحيح وليس عليها إثم ولا فدية وذلك لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت ولقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وليعلم أن جميع المحرمات التي تكون في العبادات إذا فعلها الإنسان ناسيا أو جاهلا أو مكرها فلا شيء عليه وهذه قاعدة لسنا نأخذها من قول فلان وفلان أو من مؤلف فلان وفلان وإنما نأخذها من الكتاب والسنة أن كل من فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم أو فعله وهو ناسي فإنه لا شيء عليه لكن إذا علم من جهل وجب عليه أن يدع هذا المحرم وإذا ذكر بعد النسيان وجب عليه أن يترك هذا المحرم وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت ومن قوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ومن قوله تعالى في قتل الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (أفطروا في رمضان في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء) لأنهم كانوا جاهلين بالوقت ولهذه القاعدة العظيمة أدلة وشواهد نكتفي فيها بما ذكرنا فهذه المرأة التي لبست القفازين جاهلة أو ناسية ليس عليها شيء لا فدية ولا إثم وحجها صحيح.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائلة من دبي تذكر بأنها اعتمرت قبل ثلاث سنوات ولكن تقول أثناء الطواف والسعي كانت مغطية لوجهها وذلك تقول لحيائها مع علمي بأنه لا يجوز تغطية الوجه أثناء العمرة فما هو رأي فضيلتكم وهل عليها شيء يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة أصابت في الواقع أصابت الحق في كونها قد غطت وجهها في الطواف والسعي لأن حولها رجال ليسوا من محارمها فيجب عليها أن تغطي وجهها فهي مصيبة فيما فعلت المحرمة يحرم عليها النقاب وأما تغطية الوجه فإنها واجبة أعني تغطية الوجه إذا كان حولها رجال من غير محارمها وإن لم يكن حولها رجال من غير محارمها فكشف الوجه أولى وقد ذكرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أن الرجال إذا مروا قريبا منهن سدلت إحداهن خمارها على وجهها) .
***(12/2)
هذه السائلة أم غازي من خميس مشيط تقول لقد حججت أول مرة في عمري ولم أكن أعرف عن واجبات الحج ولا عن أركانه وأنا لا أقرأ ولا أكتب ولبست النقاب فوق ذلك غطوة وعندما وصلنا منى مشطت شعري ليلا فما الحكم في حجتي هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجتك هذه صحيحة ما دام أن الإخلال الذي حصل منك غاية ما فيه أنك فعلت هذه الأشياء الممنوعة جهلا منك والجاهل لا يؤاخذه الله عز وجل بما فعله بجهله لقول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله قد فعلت وهذه قاعدة عامة في جميع المحظورات في العبادات أن الإنسان إذا تركها ناسيا أو جاهلا فإنه لا يؤاخذ بذلك وليس عليه في ذلك فدية ولا كفارة ولا إثم وهذا من تيسير الله تعالى على عباده من مقتضى حكمته جل وعلا ورحمته وكون رحمته سبقت غضبه.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا على هذا التوجيه المبارك السائل يقول في هذا السؤال هل يجب على المرأة أن تلبس شراب لأرجلها إذا أرادت الحج أو العمرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمها ذلك لكن تستر قدميها بثوب طويل يكون ضافيا على القدمين وقولنا إن ذلك لا يجب عليها لا يعني أنه يحرم عليها أن تلبس الخفين بل لها أن تلبس الخفين وأما لبس القفازبن وهما شراب اليدين فإنه لا يجوز للمحرمة أن تلبسهما (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المحرمة أن تلبس القفازين) فإن قال قائل كيف تستر كفيها إذا أحرمت نقول تستر كفيها بعباءتها أو بخمار واسع طويل أو بثوب له أكمام طويلة المهم أنه يمكنها أن تستر الكفين دون أن تلبس القفازين.
***(12/2)
أحسن الله إليكم مجموعة من الشباب يقولون في هذه الرسالة كنا محرمين وفي طريقنا إلى مكة شربنا الشاي والقهوة وكان في القهوة زعفران فهل يلزمنا شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك عن جهل منهم فإنه لا يلزمهم شيء وإذا كان عندهم شك في هل هذا زعفران أو لا فلا يلزمهم شيء وإن تيقنوا أنه زعفران وقد علموا أن المحرم لا يجوز أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران فإنه إن كانت الرائحة موجودة فقد أساءوا وإن كانت غير موجودة وليس فيه إلا مجرد لون فلا حرج عليهم في هذا وإنني بهذه المناسبة أود أن يعلم إخواننا المستمعون أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لا إثم ولا فدية ولا جزاء فلو أن أحداً قتل صيداً في الحرم أو بعد إحرامه وهو لا يدري أنه حرام أو يدري أن قتل الصيد حرام لكن لا يدري أن هذا الصيد مما يحرم صيده فإنه لا شيء عليه كذلك لو أن رجلاً جامع زوجته قبل التحلل الأول يظن أنه لا بأس به فلا شيء عليه وهذا ربما يقع في ليلة مزدلفة بعد الانصراف من عرفة فإن بعض العوام يظنون أن معنى الحديث (الحج عرفة) أنه إذا وقف الإنسان بعرفة فقد انتهى حجه وجاز له أن يمارس محظورات الإحرام فيجامع زوجته ليلة مزدلفة ظناً منه بأن الحج انتهى فهذا ليس عليه شيء لا فدية ولا قضاء ودليل هذا قوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) وقوله تبارك وتعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقوله تبارك وتعالى في الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وفي الصيام قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وفي صحيح البخاري (عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت أفطرنا في يوم غيم يعني في رمضان ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء) لأنهم كانوا جاهلين وفي الصلاة تكلم معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاهلاً أن الكلام يبطل الصلاة فلما انصرف من صلاته جاءه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التكبير وقراءة القرآن) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالإعادة فهذه القاعدة العامة التي مَنَّ الله بها على عبادة تشمل كل المحرمات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه إثم وليس فيها فدية ولا كفارة.
***(12/2)
ما حكم الاغتسال بالصابون المعطر وقت الإحرام مثل كامي وغيره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به لأن هذه الرائحة ليست طيباً ولا تستعمل للطيب إنما هي لتطييب النكهة فقط.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل عبد الرحمن من مكة المكرمة يقول في الحج العام الماضي وفي ليلة المزدلفة المبيت في المزدلفة قام أحد الشباب خطيب في المسلمين وهذه بعض كلماته قال أيها المسلمون لقد توصل العلماء بأن الدخان مبطلٌ للحج وأنتم الآن في المزدلفة ومزدلفة حكمها حكم المسجد والذي يصر على تعاطي الدخان فهو مجرمٌ وعليه لعنة الله اللهم هل بلغت اللهم فاشهد ما حكم هذا القول مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً: الخطبة في ليلة المزدلفة ليست مشروعة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب في المزدلفة بل صلى المغرب والعشاء ثم نام إلى أن طلع الفجر.
ثانياً: إن قول هذا إن شرب الدخان مبطلٌ للحج خطأ فليس مبطلٌ للحج وأما قوله إن مزدلفة مسجد فهو خطأ أيضاً فإن مزدلفة كغيرها من الأراضي ولو كانت مسجداً لحرم أن يبول بها الإنسان ولحرم أن يكون بها جنباً إلا بوضوء ولحرم على الحائض أن تبقى فيها فهي ليست بمسجد إلا كما نصف بقية الأرض بأنها مسجد وأما قوله عليه لعنة الله فهذا قولٌ كذب إن أراد به الخبر ومحرم إن أراد به الدعاء فنصيحتي لهذا إن صح ما نقل عنه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن لا يتكلم إلا بعلم وأن لا يضل عباد الله والدخان بلا شك حرام عندنا يعني لا شك عندنا أن الدخان حرام ولكن فعل المحرم لا يبطل الحج لا يفسد الحج إلا ما ذكره العلماء وهو الجماع قبل التحلل الأول إذا كان الإنسان عالماً ذاكراً وما عدا ذلك حتى محظورات الإحرام لا تبطل الحج.
***(12/2)
المستمع شداد الرحيلي من المدينة المنورة يقول ما هي الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم وهل معنى هذا أننا لو وجدناها أو بعضها ونحن محرمون في داخل حدود الحرم أنه يجوز قتلها ولماذا هذه الخمس دون غيرها مع أنه قد يكون هناك من الدواب والسباع ما هو أخطر منها على الإنسان ومع ذلك لم تذكر أم أنه يقاس عليها ما شابهها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفواسق الخمس هي الفارة والعقرب والكلب العقور والغراب والحدأة هذه هي الخمس التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام (خمس كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم) فيسن للإنسان أن يقتل هذه الفواسق الخمس وهو محرم أو محل داخل أميال الحرم أو خارج أميال الحرم لما فيها من الأذى والضرر في بعض الأحيان ويقاس على هذه الخمس ما كان مثلها أو أشد منها إلا أن الحيات التي في البيوت لا تقتل إلا بعد أن يحرج عليها ثلاثاً لأنه يخشى أن تكون من الجن إلا الأبتر وذو الطفيتين فإنه يقتل ولو في البيوت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (نهى عن قتل الحيات التي في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين) فإذا وجدت في بيتك حية فإنك لا تقتلها إلا أن تكون أبتر أو ذات الطفيتين الأبتر يعني قصير الذنب فالأبتر هو قصير الذنب وذو الطفيتين وهما خطان أسودان على ظهره فهذان النوعان يقتلان مطلقاً وما عداهما فإنه لا يقتل ولكن يحرج عليه ثلاث مرات بأن يقول لها أحرج عليك أن تكوني في بيتي أو كلمة نحوها مما يدل على أنه ينذرها ولا يسمح لها بالبقاء في بيته فإن بقيت بعد هذا الإنذار فمعنى ذلك أنها ليست بجن أو أنها وإن كانت جناً أهدرت حرمتها فحينئذٍ يقتلها ولكن لو اعتدت عليه في هذه الحال فإن له أن يدافعها لو بأول مرة يدافعها فإن أدى إلى قتلها لم يندفع أذاها إلا بقتلها أو لم تندفع مهاجمتها إلا بقتلها فله أن يقتلها حينئذٍ لأن ذلك من باب الدفاع عن النفس.(12/2)
فضيلة الشيخ: إنما الأمر لا يقتصر على هذه أي التحريم أو الحل لا يقتصر على هذه الخمس بعينها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مشروعية قتل الفواسق لا تختص به هذه الخمس بل يقاس عليها ما كان مثلها أو أشد ضرراً منها.(12/2)
فضيلة الشيخ: هذا القياس متروك لاجتهاد الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الاجتهاد متروك لاجتهاد الشخص الذي يكون أهلاً لذلك بأن يكون عنده علم بموارد الشريعة ومصادرها وعلم بالأوصاف والعلل التي تقتضي الإلحاق أو عدمه.
***(12/2)
بارك الله فيكم المستمعة ص. م. ش. خميس مشيط تقول فضيلة الشيخ بأنها حجت العام الماضي وتحمد الله على ذلك تقول ولكنني في هذا الحج قلت كلمة خشيت أن تكون أثرت في حجي وهذه الكلمة قلتها وأنا أصعد مكان في منى وتعبت فقلت أعوذ بالله من هذا المكان وقلت ذلك جهلٌ مني ومن غير قصد وأريد أن أعرف هل هذا يؤثر في حجي وأيضاً عند الجمرات دعوت بصوتٍ مرتفع قليلاً وأظن أن الرجال سمعوا صوتي هل إذا سمعوا صوتي علي إثم في ذلك أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول وهو قولها أعوذ بالله من هذا المكان فلا أظنها استعاذت بالله من هذا المكان من أجل أنه مشعرٌ من مشاعر الحج لكن تعوذت من هذا المكان لصعوبته ومشقته عليها وهذا لا ينقص شيئاً من حجها.
وأما الثاني: وهو سماع الرجال صوتها فلا بأس به أصلاً سواءٌ في الحج أو في غيره فإن صوت المرأة ليس بعورة لقول الله تبارك وتعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) فنهي الله عز وجل عن الخضوع بالقول يدل على جواز أصل القول لأن النهي عن الأخص يدل على جواز الأعم وعلى هذا فالمرأة ليس صوتها عورة يجوز لها أن تتكلم لحاجة بحضرة الرجال إلا إذا خافت فتنة فحينئذٍ يكون هذا السبب هو الذي يقتضي منعها من رفع صوتها فإذا قال قائل أليست المرأة مأمورةً بخفض الصوت عند التلبية مع أن الأصل في التلبية أن تكون جهراً قلنا نعم الأمر كذلك تؤمر المرأة بخفض الصوت في التلبية وبخفض الصوت في أذكار الصلوات الفريضة إذا صلّتّ مع الجماعة وذلك لأن إظهار المرأة صوتها يخشى منه أن يتعلق بصوتها أحدٌ من الرجال يسمعه فيحصل بذلك فتنة ولهذا قلنا إنه لا بأس برفع المرأة صوتها في حضرة الرجال ما لم تخشَ الفتنة أما الخضوع بالقول فهذا حرام بكل حال.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل ي ح الزهراني مكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ هل يجوز أخذ النحل أو العسل من المشاعر المقدسة أو من الجبال الواقعة بين المزدلفة وعرفات أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس في هذا أن يجني الإنسان العسل في داخل حدود الحرم وذلك لأن النحل ليس من الصيد الذي يحرم قتله في الحرم وإذا لم تكن من الصيد فالأصل الحل.
***(12/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل س. س. من مكة المكرمة فضيلة الشيخ اشتريت قطعة أرضٍ داخل حدود الحرم وبنيت عليها عمارة ولكن عند البدء في العمل قلعت من الأرض شجرة فهل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان أن يقطع شيئاً من شجر الحرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ذلك ومن قطع شيئاً جاهلاً فإن أمكن رد الشجرة إلى مكانها ردها وإن لم يمكن فليس عليه شيء والذي يظهر من حال السائل أنه كان يجهل كون هذا حراماً يعني بمعنى أنه يعرف أن قطع الشجرة محرم لكن يظن أنها إذا كانت في مكانٍ يريد البناء عليه فهو جائز فعلى كل حال أرجو الله سبحانه وتعالى أن لا يكون على هذا الرجل شيء لا سيما وأن الظاهر أنه تاب إلى الله وندم مما صنع.
***(12/2)
المستمع إبراهيم من دمياط يقول عندما يسافر الإنسان إلى أهله من مكة فيحمل معه زمزم لأن في هذا الماء الشفاء والحمد لله لكن بعض الناس يقولون لو خرجت زمزم من مكة فلا تفيد شيئاً فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد سواء كان في مكة أم في غيرها فعموم الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (ماء زمزم لما شرب له) يشمل ما إذا شرب في مكة أو شرب خارج مكة وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونه إلى بلادهم.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل ما حكم إخراج تربة مكة منها وكذلك إخراج ماء زمزم من مكة نرجو منكم الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بإخراج تراب مكة إلى الحل ولا بأس بإخراج ماء زمزم إلى الحل.
***(12/2)
باب الفدية - فدية الأذى - المتمتع إذا لم يجد الهدي
فدية الوطء(12/2)
من فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه كأن مشط شعر رأسه فهل عليه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام بعد أن لبس إحرامه وهو لم يعقد النية بعد فلا شيء عليه لأن العبرة بالنية لا بلبس الثوب ولكن إذا كان قد نوى ودخل في النسك فإنه إذا فعل شيئاً من المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ولكن يجب عليه بمجرد زوال العذر ويذكر أنه كان ناسياً ويعلم أنه كان جاهلاً يجب عليه أن يتخلى عن ذلك المحظور مثال هذا لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم فلا شيء عليه ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب وكذلك لو نسي فأبقى سرواله عليه ثم ذكر بعد أن عقد النية ولبَّى فإنه يجب عليه أن يخلع سرواله فوراً ولا شيء عليه وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خياطة بل منسوجة نسجاً يظن أن المحرَّم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه ولكن إذا تبين له أن الفنيلة وإن لم يكن فيها توصيل فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شي عليه لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) لقوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ولقوله تعالى في خصوص الصيد وهو من محظورات الإحرام (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ) ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس والطيب ونحوهما أو من قتل الصيد وحلق شعر الرأس ونحوهما وإن كان بعض العلماء فرق بين هذا وهذا ولكن الصحيح عدم التفريق لأن هذا من المحظور الذي يعذر الإنسان فيه بالجهل والنسيان والإكراه واعلم أن الفدية في حلق الرأس ذكرها الله في القرآن في قوله (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الصيام ثلاثة أيام والإطعام إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع والنسك شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
***(12/2)
رسالة وصلت من الطائف المستمع رمز لاسمه بـ ص ع ح يقول إنه يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول فضيلة الشيخ أرجو الفتوى هل أستطيع العمرة في ثيابي وهل عليّ كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يقدر عليه من اللباس الآخر وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يفرقها على الفقراء أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق شعر الرأس حيث قال الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك) .
***(12/2)
من هاني عنبر من الأفلاج يقول أديت فريضة الحج مع جماعة في سيارة خاصة من طريق المدينة المنورة وعند الإحرام قال قائل لنا أن أنووا كالتالي اللهم لبيك عمرة، هذا في اليوم السادس من شهر ذي الحجة، وبهذا الشكل لما وصلنا مكة المكرمة طوفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة وقصرنا شعرنا وحللنا إحرامنا وبقينا غير محرمين حتى صباح اليوم الثامن، حيث أحرمنا من منى، ثم طفنا وسعينا وبتنا في منى ووقفنا على جبل عرفات وبتنا في المزدلفة وفي صباح يوم العيد ذهبنا إلى البيت العتيق وطوفنا طواف الإفاضة ثم رجعنا ورمينا جمرة العقبة وحللنا ولم نذبح، وفي اليوم الثاني والثالث رمينا الجمار الثلاث ولم نذبح، وطوفنا طواف الوداع ثم غادرنا مكة المكرمة إلى الرياض حيث إننا من المقيمين في الرياض، والسؤال هنا هل حجنا هذا جائز مع عدم ذبحنا الفدى، حيث إننا بعد طواف الوداع سرنا إلى الرياض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما عمرتهم فصحيحة لا غبار عليها لأنها على الوجه المشروع، وأما حجهم فهم أحرموا من منى، ولا حرج عليهم في الإحرام من منى، لكنهم طافوا وسعوا ولا ندري ماذا أرادوا بهذا الطواف والسعي، إن أرادوا به أنه طواف الحج وسعي الحج فهما غير صحيحين مع أنه ذكر في القضية أنهم طافوا يوم العيد، فإن أرادوا أن هذا الطواف والسعي للحج فهما غير صحيحين لأنهما وقعا في غير محلهما إذ محلهما بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وعلى هذا فيعتبران لاغيان، ثم إنه في القضية أنهم طافوا طواف الإفاضة ولم يسعوا للحج فبقي عليهم إذن السعي، وهو ركن من أركان الحج على القول الراجح عند أهل العلم، وبقي عليهم أيضاً الهدى، هدي التمتع فإنهم لم يذبحوه والواجب أن يذبح في أيام العيد أو أيام التشريق، وفي مكة، في الحرم، وعلى هذا فهم يحتاجون الآن إلى إكمال الحج بالرجوع إلى مكة والسعي بين الصفا والمروة وكذلك ذبح الهدي الواجب عليهم، المستطيع منهم ومن لم يستطع فليصم عشرة أيام، ثم بعد السعي يطوفون طواف الوداع ويرجعون إلى بلدهم.
***(12/2)
تمتعت بالعمرة إلى الحج ولم أذبح هدياً ولم أصم فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول السائل أنه متمتع بالعمرة إلى الحج ولم يهدِ هدياً ولم يصم ولكن يجب أن نعلم ما هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي ينبني عليه وجوب الهدي، التمتع بالعمرة إلى الحج أن يشرع الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويتحلل تحللاً كاملاً ثم يحرم بالحج في عامه ويكون عند إحرامه بالعمرة قد نوى أن يحج هذا هو المتمتع ويلزمه الهدي بشرط أن لا يرجع إلى بلده فإن رجع إلى بلده ثم أنشأ السفر إلى الحج وأحرم بالحج فقط فإنه يكون مفرداً لا متمتعاً والهدي الواجب هو ما يجزئ في الأضحية ويشترط له شروط:
الأول: أن يكون من بهيمة الأنعام فلا يجزئ الهدي من غيرها لقول الله تعالى (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) .
الثاني: أن يكون بالغاً للسن المجزيء وهو الثني من الإبل والبقر والمعز أو الجذع من الضأن لقول النبي صلى الله علية وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جدعة من الضأن) .
الثالث: أن يكون سليماً من العيوب المانعة للإجزاء وهي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والعجفاء يعني الهزيلة التي لا تنقي) .
والرابع: أن يكون في الزمان الذي يذبح فيه الهدي وهو يوم العيد وثلاثة أيام بعده فلا يجزيء ذبح الهدي قبل يوم العيد (لأن النبي صلى الله علية وسلم لم يذبح هديه إلا يوم العيد حين رمى جمرة العقبة) .
والخامس: أن يكون في الحرم أي داخل أميال الحرم إما في منى أو مزدلفة أو في مكة وكل فجاج مكة طريق ومنحر فلا يجزيء أن يذبح في عرفة أو في غيرها من أماكن الحل وقد سمعنا أن بعض الناس ذبحوا هداياهم خارج الحرم إما في عرفة أو في جهات أخرى ليست من الحرم وهذا لا يجزيء عند أكثر أهل العلم بل لا بد أن يكون الذبح في نفس الحرم أي داخل حدود الحرم فإذا ذبح في داخل حدود الحرم فلا بأس أن ينقل من لحمها إلى خارج الحل ويشترط لوجوب الهدي على المتمتع أن لا يكون من حاضري المسجد الإحرام فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي لقول الله تبارك وتعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) أي ذلك الحكم ثابت لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرم والحكم المذكور هو وجوب الهدي أو بدله لمن عدمه وحاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة أو الحرم أي هم من كانوا داخل حدود الحرم أو كانوا من أهل مكة ولو كانوا خارج حدود الحرم وإنما قلت أو كانوا من أهل مكة ولو كان خارج حدود الحرم لأن جهة التنعيم الآن قد صارت من مكة فإن الدور والمباني تعدت التنعيم الذي هو مبتدأ الحرم ومنتهى الحل وعلى هذا فمن كان من أهل التنعيم الذين هم خارج الحرم أومن وراءهم والبيوت متصلة لبيوت مكة فإنهم يعدون من حاضري المسجد الحرام ومن كان من الجهات الأخرى داخل حدود الحرم وغير متصل بمكة فإنه من حاضري المسجد الحرام أيضا فحاضرو المسجد الحرام إذن هم أهل مكة أو أهل الحرم فإن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه ليس عليه هدي ولا صوم وهذا السائل يقول إنه حج متمتعا ولم يهدِ ولم يصم نقول له الآن عليك أن تتوب إلى الله فإن كنت من القادرين على الهدي في عام حجك وجب عليك أن تذبحه اليوم ولكن في مكة وإن كنت من غير القادرين على الهدي في عام حجك فعليك الصوم فصم الآن عشرة أيام ولو في بلدك.
***(12/2)
المستمع عبد الله أدهم الشريف من الجمهورية العربية اليمنية لواء حجة يقول في سؤاله لقد حججت أنا وزوجتي قبل عشرة أعوام وفي ذلك الحين لم يكن لدينا نقود لشراء الفدية وقد قمنا بصيام ثلاثة أيام في الحج وعندما عدنا إلى البلد حصل منا الإهمال بسبب مشاغل الدنيا ولم نكمل الصوم وبقينا على هذا الحال حتى ما قبل خمسة أعوام فحججت أنا وحدي مرة أخرى وذبحت فدية ولكن لم أدرِ كيف حال حجتنا الأولى أنا وزوجتي حيث بقي علينا صيام سبعة أيام وأحيطكم علماً أن زوجتي قد توفيت رحمها الله وأنا الآن محتار كيف أعمل هل يجب علي الصوم في الوقت الحاضر عني وعن زوجتي المتوفاة أم ماذا نعمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل الذي فعلتم من صيام ثلاثة أيام في الحج حين كنتم لا تريدون هدياً هو عمل صحيح لكن تأخيركم صيام الأيام السبعة إلى هذه المدة أمر لا ينبغي والذي ينبغي للإنسان أن يسارع في إبراء ذمته وأن يقضي ما عليه والواجب الآن أن تصوم أنت عن نفسك سبعة أيام أما المرأة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فإذا صام عنها أحد أولادها أو أبوها أو أمها أو صمت عنها أنت فإن ذلك يكفي فإن لم يصم منكم أحد فأطعموا عن كل يوم مسكيناً ولكن أحب أن أنبه إلى أن الدم لا يحب على الحاج إلا إذا كان متمتعاً أو قارناً فأما المتمتع فهو الذي يأتي بالعمرة قبل الحج في أشهر الحج يحرم بها بعد دخول أشهر الحج ويحج في عامه وأما القارن فهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها لسبب من الأسباب أما إذا كان الإنسان قد حج مفرداً بأن أتى بالحج فقط ولم يأتِ بعمرة فإنه لا يجب عليه الهدي لأن الله تعالى إنما أوجب الهدي على المتمتع في قوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) والمتمتع في هذه الآية ذكر أهل العلم أنه يشمل المتمتع الذي يفرد العمرة عن الحج والقارن الذي يأتي بهما جميعاً.(12/2)
يافضيلة الشيخ: حجته الثانية ما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما حجته الثانية فلم يذكر فيها شيئاً يوجب النقص أو يوجب الهدى فهي صحيحة.(12/2)
يافضيلة الشيخ: يعني حتى وإن كان بقي عليه شيء على الحجة الأولى لا يؤثر مثل هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم
***(12/2)
بارك الله فيكم الصيام يا شيخ محمد هل هو في مكة أم عندما يرجع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام في كل مكان سواء في مكة أو في بلده وسواء كان متتابعاً أو متفرقاً.
***(12/2)
يقول ماذا يجب على الرجل إن واقع زوجته وهو محرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا واقع الرجل زوجته وهو محرم فإما أن يكون محرماً بعمرة أو محرماً بحج فإن كان محرماً بعمرة فإن عليه على ما ذكره أهل العلم إما شاة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وإما أن يصوم ثلاثة أيام وذلك على التخيير لكن إن كان مواقعته لزوجته قبل تمام سعي العمرة فإن عمرته تفسد ويجب عليه قضاؤها لأنها وقعت فاسدة أما إذا كان مواقعة زوجته في الحج فإنه يجب عليه بدنة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء إذا كان ذلك قبل التحلل الأول ويفسد نسكه أيضاً فيلزمه قضاؤه مثل لو جامع زوجته في ليلة مزدلفة فإنه يكون قد جامعها قبل التحلل الأول وحينئذٍ يفسد حجه ويلزمه الاستمرار فيه حتى يكمله ويلزمه أن يقضيه من العام القادم ويلزمه ذبح بدنة يذبحها ويوزعها على فقراء الحرم أما إذا كان مواقعته لزوجته في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني مثل أن يجامعها بعد أن رمي جمرة العقبة يوم العيد وبعد أن حلق أو قصر فإنه لا يفسد حجه ولكن الفقهاء رحمهم الله ذكروا أنه يفسد إحرامه أي ما بقي منه فيلزمه أن يخرج إلى الحل ويحرم ثم يطوف طواف الإفاضة وهو محرم ويسعى سعي الحج وفي هذه الحال لا تلزمه بدنة وإنما يجب عليه شاة أو صيام ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع لأن الفقهاء رحمهم الله يقولون كل ما أوجب شاة من مباشرة أو وطء فإن حكمه كفدية الأذى أي أنه يخير الجاني فيه بين أن يصوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يذبح شاة ويوزعها على الفقراء ثم إن كلامنا هذا في بيان ما يجب على الفاعل ليس معنى ذلك أن الأمر سهل وهين بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء وإن شاء لم يفعله بل الأمر صعب ومحرّم بل هو من الأمور الكبيرة العظيمة يتجرأ على ما حرّم الله عليه فإن الله يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخيّر وهي ترك الواجب والفدية يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا في ترك الواجب دم أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب وأن يذبح الدم ويوزعه على الفقراء مثال ذلك يقول بعض الناس إذا كان يوم العيد فأطوف وأسعى وأسافر إلى بلدي ويبقى علي المبيت في منى ورمي الجمرات وهما واجبان من واجبات الحج فأنا أفدي عن كل واحد منهما بذبح شاة يظن أن الإنسان مخير بين فعل الواجب وبين ما يجب فيه من الفدية والأمر ليس كذلك ولكن إذا وقع وصدر من الإنسان ترك واجب فحينئذٍ تكون الفدية مكفرة له مع التوبة والاستغفار.
***(12/2)
هذه الرسالة من نجران يقول أرجو عرض سؤالي هذا على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حيث إني قد سمعت له حديثاً في العام الماضي يتحدث فيه عن محظورات الإحرام وفيه شيء لفت نظري حيث إني جامعت زوجتي بعد أن تلبست بالإحرام للعمرة متمتعاً بها للحج فهل يبطل الحج هذا العام أم تبطل العمرة فقط وأعود للميقات لأخذ عمرة ثانية وليس في حجي شيء وما الفدية لهذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما حجه فلا يبطل لأن هذه العمرة منفصلة عنه بإحرام مستقل وتحلل وكذلك الحج صحيح ولا شيء فيه وأما عمرته التي أفسدها فإن الواجب عليه قضاؤها فإن كان قد قضاها قبل الحج وأحرم من الميقات بدلاً عن التي أفسدها فقد أدى ما عليه وعليه في هذه الحال شاة غير شاة الهدي التي هي للتمتع يذبحها من أجل وطئه لأن الوطء في العمرة كما قال أهل العلم يجب فيه شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام إذ القاعدة عندهم أن كل ما أوجب شاة بجماع أو مباشرة فإنه يلحق فدية الأذى وفدية الأذى يخير الإنسان فيها بين ثلاثة أشياء كما قال الله عز وجل (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فقد (بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وأن النسك ذبح شاه) أيضاً بالمناسبة أنصح إخواني المسلمين أن يصبروا فالمدة وجيزة وبسيطة وهم ما دخلوا في الحج والعمرة إلا وهم ملتزمون بأحكام الله تعالي فيهما فعلي المرء أن يصبر ويحتسب والحج نوع من الجهاد أما كون الإنسان لا يحبس نفسه عما حرم الله عليه في هذه المدة الوجيزة فهذا نقص في عزمه وعقله ودينه الواجب عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله عز وجل.
***(12/2)
باب دخول مكة - دخول الحرم - الطواف: أنواعه، سننه، شروطه - طواف الحائض(12/2)
من سالم عبد الله السالم وردتنا هذه الرسالة يقول فيها نريد أن نحج ويقول حججنا ونريد أن نعرف ما الذي ينبغي للمسلم أن يقوله عندما يريد الدخول في بيت الله الحرام أو في أي بيت من بيوت الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخل المسجد الحرام أو غيره من البيوت فإنه يسمي الله يقول: بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم هذا هو المشروع للدخول في كل مسجد ومن أعظم المساجد بل هو أعظم المساجد بيت الله الحرام.
***(12/2)
بارك الله فيكم سائل يسأل ويقول ما هو طواف القدوم وما هي كيفيته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف القدوم هو الطواف بالبيت العتيق أول ما يقدم مكة فإن كان في الحج أي محرما بالحج مفردا فهذا طوافه طواف سنة وليس بواجب ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عروة بن المضرس رضي الله عنه وهو في مزدلفة في صلاة الصبح سأله بأنه لم يدع جبلا إلا وقف عنده فقال له النبي عليه الصلاة والسلام (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر عروة أنه طاف بالبيت فدل هذا على أن طواف القدوم للحاج المفرد سنة وليس بواجب وكذلك من طواف القدوم إذا طاف للعمرة أول ما يقدم سواء كان متمتعا بالعمرة إلى الحج أو كان محرما بعمرة مفردة فإن هذا الطواف وإن كان ركنا في العمرة يسمى طواف القدوم أيضا لأنه متضمن لطواف العمرة الذي هو الركن ولطواف القدوم فهو بمنزلة من يدخل المسجد فيصلى الفريضة فتكون هذه الفريضة فريضة وتحية المسجد في آن واحد وذكرنا أن طواف القدوم يكون لمن حج مفردا ونقول كذلك يكون لمن حج قارنا لأن الحاج القارن أفعاله كأفعال المفرد تماما إلا أنه يمتاز عنه بأنه حصل على نسكين وأنه يجب عليه الهدي هدي التمتع لقول الله تبارك وتعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) وقد ذكر العلماء أو أكثرهم أن القارن كالمتمتع وبعضهم أطلق على القارن اسم المتمتع.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع صالح سليمان عبد الله من الأحساء المزروعية يقول ما الحكم في من ذهب لأداء فريضة الحج والعمرة قارناً هل يجزيه طواف القدوم للحج عن طواف العمرة وهل يجزئ السعي للحج عن السعي للعمرة أم عليه أن يطوف طواف القدوم للحج ثم الطواف بنية العمرة ثم السعي للحج ثم السعي للعمرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج وسعي الحج عن العمرة والحج جميعاً ويكون طواف القدوم طواف سنة وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن شاء أخره إلى يوم العيد بعد طواف الإفاضة ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط ولا يسعى لأنه سعى من قبله والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان عن العمرة والحج جميعاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً.
***(12/2)
هذه رسالة وصلت من المستمعة أختكم في الله ح. س. من الرياض تقول ما الفرق يا فضيلة الشيخ بين طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينها أن طواف القدوم إذا كان من القارن والمفرد فهو سنة وليس بواجب يعني لو تركه الحاج المفرد أو القارن فلا حرج عليه ودليل ذلك أن عروة بن المضرس رضي الله عنه رافق النبي صلى الله عليه وسلم في صباح يوم العيد صلى معه في المزدلفة صلاة الصبح وأخبره أنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم طواف القدوم وهذا يدل على أنه ليس بواجب، أما إذا كان طواف القدوم للمعتمر فإنه ركن في العمرة سواء أكانت العمرة عمرة تمتع أو عمرة مفردة، وأما طواف الإفاضة فإنه ركن في الحج وهو الذي يكون من بعد الوقوف في عرفة والوقوف في مزدلفة ولا يتم الحج إلا به وأما طواف الوداع فهو واجب من واجبات الحج وكذلك واجب من واجبات العمرة لكنه ليس من ذات الحج ولا ذات العمرة ولهذا لا يجب على من لم يغادر مكة، والفرق بين الطواف الواجب والطواف الركن أن طواف الركن لا يتم النسك إلا به، وأما الطواف الواجب وهو طواف الوداع فإن النسك يتم بدونه ولكن إذا تركه الإنسان فعليه فدية ذبح شاة في مكة يوزعها على الفقراء فصار الفرق كما يلي طواف القدوم سنة إلا طواف المعتمر فإنه ركن في العمرة، طواف الإفاضة ركن في الحج لا يتم الحج إلا به، طواف الوداع واجب يتم النسك بدونه ولكن في تركه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء.
***(12/2)
يقول سبق أن حججت من مدة خمس سنوات أو ست سنوات تقريباً يقول بدل أن أعمل السُنّة في الاضطباع عكست الأمر فجعلت طرف ردائي تحت إبطي الأيسر وغطيت منكبي الأيمن فهل علي شيء في ذلك من هدي أو فدي أو ما شابهها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك هدي ولا فدي فإن كان ذلك نسيان منك فنرجو أن يكتب لك الأجر كاملاً لأنك قصدت الفعل وأخطأت في صفته وإن كان هذا عن تخرص فنرجو الله تعالى أن يعفو عنك وألا تعود إلى التخرص في الدين بل تسأل أهل العلم حتى تعبد الله على بصيرة.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من سالمين سالم باعمار يقول في رسالته ما حكم الاضطباع في طواف الوداع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع لا اضطباع فيه لأن الإنسان ليس بمحرم فالإنسان يطوف طواف الوداع وعليه ثيابه المعتادة ليس عليه إزار ورداء وحتى لو فرض أنه ليس لديه ثياب معتادة كالقميص وشبهه وأن عليه رداءاً وإزاراً فإنه لا يضطبع في هذا الطواف لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة.(12/2)
فضيلة الشيخ: هو يقول في رسالته أسألكم هذا السؤال لأنني جعلت طواف الإفاضة يقوم مقام طواف الوداع وكانت علي أيضاً إحراماتي فاضطبعت في هذه الحال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول له لا اضطباع أيضاً لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة كطواف العمرة أو طواف القدوم.
***(12/2)
هذا الأخ محمد مفرحي السواحلي من تهامة عسير يقول يسأل عن حكم الاضطباع في طواف الوداع ويقول سبق أن حججت من مدة خمسة سنوات وبدلاً أن أعمل السنة في الإضطباع عكست الأمر فجعلت طرفي رداءي تحت إبطي الأيسر وغطيت منكبي الأيمن فهل علي شيء في هذين السؤالين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم وهو الطواف أول ما يصل الإنسان إلى مكة سوءاً كان طواف عمرة أو طواف قدوم في حق القارن والمفرد وليس في طواف الوداع اضطباع لأن الإنسان في طواف الوداع قد لبس ثيابه المعتادة فلا محل للاضطباع هنا وعلى كل حال فكون هذا الرجل أيضاً يعكس الاضطباع فيبدي الكتف الأيسر بدلاً عن الكتف الأيمن هذا أمر هو معذور فيه والله تعالى يثيبه على نيته ولكن الفعل لم يحصله فلا ثواب له على الفعل نفسه إنما له ثواب على النية التي أراد منها أن يوافق الصواب في فعله ولم يوفق له.
***(12/2)
السائل أنور مصري مقيم بالكويت يقول ما الحكمة من تقبيل الحجر يرجو بهذا الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من تقبيل الحجر بينها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال (إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) فهذه الحكمة التعبد لله عز وجل باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تقبيل هذا الحجر وإلا فهو حجر من الأحجار لا يضر ولا ينفع كما قال أمير المؤمنين فهذه الحكمة ومع ذلك فإنه لا يخلو من ذكر الله عز وجل لأن المشروع أن يكبر الإنسان عند ذلك فيجمع بين التعبد لله تعالى بالتكبير والتعظيم والتعبد لله عز وجل بتقبيل هذا الحجر اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبه يعرف أن ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الحجر بيده ثم يمسح على وجهه وصدره تبركاً بذلك فإنه خطأ وضلال وليس بصحيح وليس المقصود من استلام الحجر أو تقبيله، التبرك بذلك بل المقصود به التعبد لله باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك يقال في استلام الركن اليماني إن المقصود به التعبد لله باتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كان يستلمه ولهذا لا يشرع استلام بقية الأركان فالكعبة القائمة الآن فيها أركان أربعة الحجر والركن اليماني والركن الغربي والركن الشمالي فالحجر يستحب فيه الاستلام والتقبيل فإن لم يمكن فالإشارة والركن اليماني يسن فيه الاستلام دون التقبيل فإن لم يمكن الاستلام فلا إشارة والركن الغربي والشمالي لا يسن فيهما استلام ولا تقبيل ولا إشارة وقد (رأى ابن عباسٍ رضي الله عنهما أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان يطوف ويستلم الأركان الأربعة فأنكر عليه فقال له معاوية إنه ليس شيءٌ من البيت مهجوراً يعني كل البيت معظَّم فقال له ابن عباس (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين يعني الحجر الأسود والركن اليماني) فتوقف معاوية وصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا واجب على كل أحد سواءٌ كان صغيراً أو كبيراً كل الناس أمام الشرع صغار وفيه فضيلة ابن عباس رضي الله عنه وفضيلة معاوية رضي الله عنه نسأل الله أن يوفق رعيتنا ورعاتنا لما فيه الخير والسداد والتعاون على البر والتقوى.
***(12/2)
هذا السائل أبو أسامة من جدة يقول يا فضيلة الشيخ نرى في الحرم المكي بعض الناس يتعلق بأستار الكعبة وجدارها ويظل على هذه الحالة مدة من الزمن فما الحكم في ذلك، وكذلك ما الحكم في أناسٍ يأخذ في يده الدراهم ويمسح بالدراهم في الحجر الأسود أفيدونا أفادكم الله في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعلق بأستار الكعبة أو إلصاق الصدر عليها أو ما أشبه ذلك بدعةٌ لا أصل له فلم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه يفعلون ذلك وغاية ما ورد الالتزام فيما بين باب الكعبة والحجر الأسود فقط وأما بقية جهات الكعبة وأركانها فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أنهم كانوا يلتزمونها أو يلصقون صدورهم بها وكذلك ما ذكره السائل من أن بعض الحجاج يأخذ الدراهم ويمسح بها على الحجر الأسود فهو أيضاً بدعة لا أصل له والحجر الأسود لا يتبرك بمسحه وإنما يتعبد لله تعالى بمسحه كما (قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقبل الحجر الأسود إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبلك ما قبلتك) وليعلم أن العبادات مبناها على الاتباع لا على الذوق والابتداع فليس كل ما عنّ للإنسان واستحسنه بقلبه يكون عبادة لله حتى يأتي سلطان من الله عز وجل على أن ذلك مما يحبه ويقرب إليه وقد أنكر الله تعالى على الذين يتعبدون بشرعٍ لم يأذن به فقال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ على صاحبه غير مقبولٍ منه وغاية ما نقول لهؤلاء الجهال أنهم معذورون لجهلهم غير مثابين على فعلهم لأن هذا بدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كل بدعةٍ ضلالة) فنصيحتي لإخواننا الحجاج والعمار أن يعبدوا الله تعالى على بصيرة وأن لا يتقربوا إلى الله تعالى بما لم يشرِّعه وأن يصطحبوا معهم مناسك الحج والعمرة التي ألفها علماء موثوقون بعلمهم وأمانتهم والواجب على الموجهين لهم الذي يسمون المطوفين الواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يتعلموا أحكام الحج والعمرة قبل أن يتصدروا لهدي الناس إليها وإذا تعلموها فالواجب عليهم أن يحملوا الناس عليها أي على ما جاءت به السنة من مناسك الحج والعمرة ليكونوا هداةً مهتدين دعاةً إلى الله تعالى مصلحين أما بقاء الوضع على ما هو عليه الآن من كون المطوفين لا يفعلون شيئاً يحصل به اتباع السنة وغاية ما عندهم أن يلقنوا الحجاج دعواتٍ في كل شوط دون أن يهدوهم إلى مواضع النسك المشروعة ومن المعلوم أن تخصيص كل شوطٍ بدعاءٍ معين لا أصل له في السنة بل هو بدعة نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله فلم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جعل للشوط الأول دعاءً خاصاً وللثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع كذلك وغاية ما ورد عنه (التكبير عند الحجر الأسود وقول (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) بين الركن اليماني والحجر الأسود) و (كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول في ابتداء طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والخلاصة أي خلاصة الجواب على هذا السؤال أنه لا يشرع للإنسان أن يتمسح بكسوة الكعبة أو بشيءٍ من أركانها أو بشيءٍ من جهات جدرانها أو يلصق ظهره على ذلك بل هذا بدعةٌ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وغاية ما هنالك أنه ورد عنهم الالتزام وموضعه بين الحجر الأسود وباب الكعبة وكذلك ما يتعلق بتقبيل الحجر الأسود واستلامه واستلام الركن اليماني فنسأل الله تعالى لنا ولإخواننا أن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
***(12/2)
يقول ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة ومسح الخدود عليها ولحسها باللسان ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع التي لا ينبغي وهي إلى التحريم أقرب لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وغاية ما ورد في مثل هذا الأمر هو الالتزام بحيث يضع الإنسان صدره وخده ويديه على الكعبة فيما بين الحجر الأسود والباب لا في جميع جوانب الكعبة كما يفعله جهال الحجاج اليوم وأما اللحس باللسان أو التمسح بالكعبة ثم مسح الصدر به أو الجسد فهذه بدعة بكل حال لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظر الحجاج إلى أن المقصود بمسح الحجر الأسود والركن اليماني هو التعبد لله تعالى بمسحهما لا التبرك بمسحهما خلافاً لما يظنه الجهلة حيث يظنون أن المقصود هو التبرك ولهذا ترى بعضهم يمسح الركن اليماني أو الحجر الأسود ثم يمسح بيده على صدره أو على وجهه أو على صدر طفله أو على وجهه وهذا ليس بمشروع وهو اعتقاد لا أصل له ففرق بين التعبد والتبرك ويدل على أن المقصود التعبد المحض دون التبرك أن عمر رضي الله عنه قال وهو عند الحجر (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أُبين أن ما يفعله كثير من الجهلة يتمسحون بجميع جدران الكعبة وجميع أركانها فإن هذا لا أصل له وهو بدعة ينهى عنه (ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية رضي الله عنه يستلم الأركان كلها أنكر عليه فقال له معاوية ليس شيء من البيت مهجوراً فأجابه ابن عباس (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين) فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما فدل هذا على أن مسح الكعبة أو التعبد لله تعالى بمسحها أو مسح أركانها إنما هو عبادة يجب أن تُتبع فيه آثار النبي صلى الله عليه وسلم فقط.
***(12/2)
سؤال يقول بعض الحجاج يأتون إلى مكة في وقت مبكر وكل يوم ينزلون إلى الحرم للطواف والجلوس فيه مما يحدث زحمة في الحرم لكثرة القادمين للحج فهل هذا من السنة أو ما حكمه وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من السنة للحاج أن يُكثر الطواف بالبيت بل السنة في حقه أن يتبع في ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قدم إلى مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة وطاف طواف القدوم ثم طاف طواف الإفاضة يوم العيد ثم طاف طواف الوداع صبيحة اليوم الرابع عشر فلم يطف بالكعبة إلا ثلاث مرات فقط وكل هذه الأطوفة أطوفة نسك لابد منها فعمل بعض الناس الآن بترددهم على البيت في أيام الحج هذا ليس مشروعاً وقد أقول إنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى الأجر لأنهم يُضَيقون المكان على من يؤدون مناسك الحج والعمرة وليس ذلك من الأمور المشروعة فيحصل في فعلهم هذا أذية بدون قصدٍ مشروع فينبغي للمسلم أن يكون عابداً لله تعالى بحسب الهدى لا بحسب الهوى فالعبادة طريق مشروع من قبل الله ورسوله وليست طريقاً مشروعاً بحسب ما تهوى وما أكثر المحبين للخير الذين يعبدون الله تعالى بأهوائهم ولا يتبعون في ذلك ما جاء في شرع الله وهذا شيء كثير في الحج وفي غيره ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يُعَوّد نفسه على التعبد لما جاء عن الله ورسوله فقط ويمشي معه ولو ذهبنا نضرب لذلك أمثلة لكثرت لكننا لا بأس أن نذكر بعض الأمثلة مثلاً بعض الناس إذا جاء والإمام راكع تجده يسرع لإدراك الركعة وهذا خلاف المشروع فإن الرسول عليه الصلاة يقول (لا تسرعوا) وقال لأبي بكرة (لا تعد) لمَّا أسرع ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس في الطواف يبدؤون من قبل الحجر الأسود يقولون نفعل هذا احتياطاً ولكن الاحتياط حقيقة هو في اتباع السنة فالمشروع أن يبدؤوا من الحجر نفسه وأن ينتهوا أيضاً بالحجر نفسه والذي أدعو إليه إخواننا المسلمين أن يكونوا في هذا العمل وغيره متبعين للسنة بأن يتحروا البداءة من الحجر والانتهاء بالحجر ومن ذلك أيضاً أن بعض الناس عندما يتسحر في يوم الصيام يمسك عن الأكل والشرب قبل الفجر معتقداً أن ذلك واجب عليه حتى إن في بعض مذكرات المواقيت يُقولون وقت الإمساك وقت الفجر فيجعلون وقتين وقتاً للإمساك ووقتاً آخر للفجر وهذا أيضاً خلاف المشروع فإن الله تعالى يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (كلوا وأشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) فلا وجه لكون الإنسان يحتاط فيمسك قبل طلوع الفجر وإنما السنة أن يكون كما أمر الله وكما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولقد نبه النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الاحتياط للعبادة بالإمساك قبل طلوع الفجر أمرُُُ ليس بمشروع ولا بمحبوب إلى الله عز وجل في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَقَدّمَوا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فهذه ثلاثة أمثله في الصلاة وفي الحج وفي الصيام.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل إذا وقع على ثوب الإحرام دم قليل أو كثير فهل يصلى فيه وعليه الدم وماذا يفعل المحرم وهو يؤدي مناسك الحج مثلاً في السعي أو في الطواف أو الرمي أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم إذا كان طاهراً فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها كدم الكبد ودم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك وأما إذا كان الدم نجساً فإنه يغسل سواءً في ثوب الإحرام أو غيره وذلك هو الدم المسفوح فلو ذبح شاةً مثلاً وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه سواءً وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام أو على بدنه إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه وأما قوله وماذا على المحرم في الطواف والسعي فعليه ما ذكره العلماء من أنه يطوف بالبيت فيجعل البيت عن يساره ويبدأ بالحجر الأسود وينتهي بالحجر الأسود سبعة أشواطٍ لا تنقص وكذلك يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ لا تنقص يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة وما يفعله الحجاج معروفٌ في المناسك فليرجع إليه هذا السائل.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائل الذي رمز لأسمه بـ م م ح المنطقة الشرقية يقول هل نقض الوضوء مثل خروج الريح أثناء الطواف يبطل الطواف ويلزمني الإحرام مرة ثانية وإن لم أتوضأ فهل علي ذنب وماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا انتقض وضوء الطائف في أثناء الطواف فإن طوافه يبطل عند جمهور العلماء كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل بالإجماع وعلى هذا فيجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعيد الطواف من أوله لأن ما سبق الحدث بطل بالحدث ولا يلزمه أن يعيد الإحرام وإنما يعيد الطواف فقط وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الطائف إذا أحدث في طوافه أو طاف بغير وضوء فإن طوافه صحيح وعلى هذا فيستمر إذا أحدث في طوافه يستمر في الطواف ولا يلزمه أن يذهب فيتوضأ وعلل ذلك بأدلة من طالعها تبين له رجحان - قوله - رحمه الله ولكن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام لقوة دليله ورجحانه فإنه إذا فرغ من طوافه لا يصلى ركعتي الطواف لأن ركعتي الطواف صلاة تشترط لها الطهارة بإجماع العلماء.
***(12/2)
المستمع يقول في السنة الماضية قمت بأداء فريضة الحج طلباً للمغفرة وأداء ركن من أركان الإسلام وعند طواف الوداع أحدثت أثناء الطواف وكنت أجهل بالحكم أي نقضت الوضوء ووصلت حتى نهاية الطواف وصلىت بعدها ركعتين في المقام وجهلت الحكم أيضاً أو تجاهلت لكثرة الزحام ما هو الحكم في ذلك وماذا يجب أن أفعل وهل حجي مقبول أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما حجك فإنه صحيح لأن طواف الوداع منفصل منه فهو واجب مستقل وعلى هذا فلا يكون في حجك نقص ولكن إحداثك في أثناء الطواف مبطل له على قول من يرى أنه تشترط الطهارة من الحدث للطواف وإذا كان مبطلاً له فإنك تعتبر غير طائف طواف الوداع. وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وقال ابن عباس رضي الله عنهما (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) فقوله (خفف عن الحائض) يدل على أنه على غيرها واجب ولو كان غير واجب لكان مخففاً عنها وعن غيرها وقاعدة أهل العلم أو عامتهم على أن من ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء والذي فهمته من كلام السائل حيث قال جهلت أو تجاهلت أن في مضيه في طوافه وصلاته الركعتين بعده وقد أحدث فيه تهاون، تهاون في هذا الأمر نرجو الله تعالى له العفو والمغفرة فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما صنع وألا يعود بل إذا حصل له حدث في أثناء الطواف فليخرج وإن كان في ذلك مشقة عليه فليحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ إذا كان الإنسان معتمراً واغتسل ثم خرج من جرح فيه بعض الدم فهل يكمل عمرته وهل هذا الدم ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان معتمراً وكان فيه جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر على عمرته شيئاً وكذلك لو كان حاجاً وكان فيه جرح فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في حجه شيئاً وكذلك لو جرح أثناء إحرامه فخرج منه دم فإن ذلك لا يؤثر في نسكه شيئاً وقد ثبت (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم) ولم يؤثر ذلك على نسكه شيئاً وأما بالنسبة لنقض الوضوء مما خرج من الجرح من الدم فإننا نقول إنه لا ينقض الوضوء مهما كثر فالدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ولو كثر وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في نقض الوضوء بذلك وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح في نقض الوضوء به فإن الأصل بقاء طهارته ولا يمكن أن نعدل عن هذا الأصل وننقض الطهارة إلا بشيء متيقن لأن القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن وجد في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيئاً أم لا؟ قال (لا يخرج يعني من المسجد وكذلك من صلاته حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) وذلك لأن هذا الشك الطارئ على يقين الطهارة لا يؤثر كذلك الحدث المشكوك في ثبوته شرعاً لا يؤثر على الطهر المتيقن وخلاصة القول أن الدم الخارج من الجرح في أثناء الإحرام بحج أو عمرة لا يؤثر وأن الدم الخارج من غير السبيلين من غير القبل أو الدبر لا ينقض سواء قل أم كثر وكذلك لا ينتقض الوضوء بالقيء أو بالصديد الخارج من الجروح أو غير ذلك لأن الخارج من البدن لا ينقض إلا ما كان من السبيلين أي من القبل أو من الدبر.
***(12/2)
يقول إذا كان الرجل في الطواف بالبيت العتيق في الشوط الثاني أو الثالث أو ما بعده وخرج من أنفه دم ثلاثة أو أربعة نقاط هل يمكن أن يتم الطواف أو يتوقف فيعيد الوضوء أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يمكنه أن يتم الطواف إذا خرج من أنفه نقطتان أو ثلاث أو أربع أو أكثر وذلك لأن الذي يخرج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء مهما كثر فالدم الخارج من الأنف وهو الرعاف لا ينقض الوضوء ولو كثر والدم الخارج من جرح سكين أو زجاجة أو حجر لا ينقض الوضوء ولو كثر والحجامة لا تنقض الوضوء ولو كثر الدم والقيء لا ينقض الوضوء فكل ما خرج من غير السبيلين فإنه ليس بناقضٍ للوضوء وذلك على القول الراجح وذلك لعدم الدليل على أنه ناقض ومن المعلوم أن المتوضئ قد أتم طهارته بمقتضى الدليل الشرعي فلا يمكن أن تنتقض هذه الطهارة إلا بدليلٍ الشرعي ولا يوجد في الكتاب ولا في السنة أن ما خرج من غير السبيلين يكون ناقضاً للوضوء ومثل ذلك لو حصل له هذا في الصلاة يعني لو كان الإنسان يصلى فأرعف أنفه فإنه يستمر في الصلاة إذا كان يمكنه إكمالها فإن لم يمكنه إكمالها لغزارة الدم وعدم تمكنه من الخشوع فليخرج منها ثم إذا انتهى الدم عاد فصلى يعني ابتدأ الصلاة من جديد.
***(12/2)
بارك الله فيكم مستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بـ ع. ص. ج. الثقبة المملكة العربية السعودية تقول لقد حججت مع زوجي عام 1409هـ وبعد ما رمينا الجمرات يوم الثاني عشر توجهنا إلى مدينة جدة وفي اليوم التالي صلىنا الظهر ثم اتجهنا إلى مكة لكي نطوف طواف الوداع ومن ثمّ نتجه إلى مكان إقامتنا ولكن قبل أن نغادر جدة صافحني بعض الرجال الأجانب ولم أستطع أن أجدد وضوئي وطفت بالبيت طواف الوداع وأنا على هذه الحالة فما حكم طوافي هذا وماذا يترتب عليّ من ذلك وإن كان هناك من كفارة فهل يجوز لي أن أرسل بقيمتها إلى المجاهدين أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن خروج هذه المرأة وزجها إلى جدة قبل طواف الوداع ينظر فيه فهل جدة هي مكان إقامتهم إن كانت جدة مكان إقامتهم فإن خروجهم من مكة إليها قبل طواف الوداع محرم ولا ينفعهم الرجوع بعد ذلك والطواف بل عليهم الفدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء على كل واحد منهم شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هذا إذا كانت جدة مكان إقامتهم أما إذا لم تكن مكان إقامتهم ولكنهم خرجوا إليها لحاجة على أن من نيتهم أن يعودوا إلى مكة ويطوفوا للوداع ويخرجوا إلى مكان إقامتهم فإنه لا شيء عليهم وأما ما ذكرت من أنها سلمت على بعض الرجال قبل الطواف ثم طافت بعد ذلك بدون وضوء فإن ذلك لا يضر بالنسبة للطواف لأن مس المرأة للرجل أو مس الرجل للمرأة لا ينقض الوضوء حتى وإن كان بشهوة على القول الراجح ولكنّ مصافحتها للرجال الأجانب حرام عليها ولا يحل لها أن تكشف وجهها ولا أن تسلم على الرجال الأجانب ولو كانت كفاها مستورتين بقفاز أو غيره والواجب عليها أن تتوب إلى الله مما صنعت من مصافحة الرجال الأجانب وألا تعود لمثل ذلك وهنا أنبه على مسألة خطيرة في هذا الباب وهي أن بعض الناس اعتادوا على أن يسلم أخو الزوج على زوجته أي على زوج أخيه أو يسلم على ابنة عمته مصافحة وهذه العادة عادة سيئة محرمة ولا يحل لامرأة أن تسلم على رجل ليس من محارمها أبداً ولو كان ابن عمها أو ابن خالها أو ابن عمتها أو ابن خالتها أو أخا زوجها أو زوج أختها كل هذا حرام ولا يجوز والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم قد يقول قائل أنا أسلم عليها وأنا برئ وأنا واثق من نفسي ألا تتحرك شهوتي وألا أتمتع بمسها فنقول له ولو كان الأمر كذلك لأن هذه المسألة حساسة جداً والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولهذا جاء في الحديث (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وما ظنك بأن الشيطان يكون ثالثهما كذلك إذا مس الرجل المرأة فإن الشيطان سوف يجعل في نفسه حركات وإن كان بعيداً منها لكن هو على خطر ولهذا أحذر من أن تصافح المرأة من ليس من محارمها قد يقول قائل أنا لو تجنبت هذا ومدت إليّ يدها فقلت هذا لا يجوز، لأثر ذلك على العلاقة بيني وبينها أو بيني وبين أبيها إن كانت بنت عمي أو بينها وبين أخي إن كانت زوجته أو ما أشبه ذلك فأقول له (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) ولقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وإذا كان أقاربك من أخ أو عم أو أي أحد يجدون في أنفسهم عليك إذا أنت فعلت الحق أو تجنبت الباطل فليكن ذلك فإنه لا إثم عليك وإنما الإثم عليهم الإثم عليهم من وجهين الوجه الأول أنهم وجدوا عليك في أنفسهم وهم من أقاربك، والوجه الثاني أنهم وجدوا عليك لأنك فعلت ما تقتضيه الشريعة وأي إنسان يكره شخصاً فعل ما تقتضيه الشريعة فهذا إنسان في قلبه مرض بل الذي ينبغي أن من فعل ما تقتضيه الشريعة ولا سيما مع مخالفة العادات الذي ينبغي أن يجّل هذا الرجل وأن يعظمه ويكرمه وأن يكون له في قلوبنا منزلة أرقى وأعلى من منزلته السابقة.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول رجل انتقض وضوؤه في الطواف هل يجب عليه أن يعيد الطواف من البداية أم يبدأ من الشوط الذي انتقض فيه الوضوء وهل هذا الحكم ينطبق على السعي بين الصفا والمروة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أحدث الإنسان في أثناء الطواف فمن قال من العلماء إن الوضوء شرط لصحة الطواف قال يجب عليه أن ينصرف ويتوضأ ويعيد الطواف من أوله لأن الطواف بطل بالحدث ومن قال إنه لا يشترط الوضوء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال إنه يستمر ويتم بقية الطواف ولو كان محدثاً لأنه ليس هناك دليل صريح صحيح في اشتراط الوضوء في الطواف وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح فلا ينبغي أن نبطل عبادة شرع فيها الإنسان إلا بدليل شرعي ثم إننا في هذه العصور المتأخرة لو أوجبنا على هذا الذي أحدث أثناء الطواف في أيام المواسم وقلنا اذهب وتوضأ وارجع ثم ذهب وتوضأ ورجع وبدأ من الأول فانتقض وضوؤه مرة ثانية ثم قلنا له مرة ثانية اذهب وتوضأ فهذه المشقة لا يتصورها إلا من وقع فيها متى يخرج من صحن الطواف ثم متى يجد ماءاً يسيراً ويجد الحمامات كلها مملوءة ثم إذا رجع متى يصل وإلزام الناس بهذه المشقة الشديدة بغير دليل صحيح صريح يقابل الإنسانُ به ربه يوم القيامة ليس من التيسير الذي جاءت به الشريعة ولهذا نرى أن الإنسان إذا أحدث في طوافه لا سيما في هذه الأوقات الضنكة أنه يستمر في طوافه وطوافه صحيح وليس عند الإنسان دليل يلاقي به ربه وذلك بأن يشق على عباده في أمر ليس فيه دليلٌ واضح غاية ما هنالك (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما ومعلوم أن الطواف يفارق الصلاة ليس في إباحة الكلام بل في أشياء كثيرة فالطواف ليس في أوله تكبير ولا في آخره تسليم ولا فيه قراءة قرآن واجبة ويجوز فيه الأكل والشرب وأشياء كثيرة يخالف فيها الصلاة.
***(12/2)
هذه سائلة من الرياض تقول في السؤال امرأة ذهبت لأداء العمرة في نهاية شهر رمضان وفي طريقها إلى مكة نزلت عليها قطرات من الدم فاعتقدت أنها استحاضة ولم تلتفت لذلك لأن دورتها جاءتها في بداية الشهر فكانت تتوضأ لكل فرض وتصلى بالمسجد الحرام وقد أدت العمرة كاملة وقد لاحظت أن هذه الاستحاضة استمرت لمدة ثمانية أيام وهي الآن لا تدري ما إذا كانت استحاضة أو دورة شهرية ماذا تفعل هل هي آثمة في دخولها المسجد الحرام وماذا عليها وما حكم عمرتها هل هي صحيحة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القطرات لا تعتبر حيضاً لأن الحيض هو الدم السائل كما يدل على ذلك الاشتقاق لأن الحيض مأخوذ من قولهم حاض الوادي إذا سال وعلى هذا فعمرة هذه السائلة عمرةٌ صحيحة وبقاؤها في المسجد الحرام إذا كانت تأمن من نزول الدم إلى المسجد جائز لا إثم فيه وصلاتها صحيحة أيضاً.
***(12/2)
أحسن الله إليكم تذكر السائلة بأنها حجت وهي في السادسة عشرة من عمرها مع أحد محارمها وفي اليوم الثاني نزلت عليها الدورة ولم تخبر أحداً من محارمها خجلاً منها وأدت جميع المناسك فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أحذر إخواني المسلمين من التهاون بدينهم وعدم المبالاة فيه حيث إنهم يقعون في أشياء كثيرة مفسدة للعبادة ولا يسألون عنها ربما يبقى سنةً أو سنتين أو أكثر غير مبالٍ بها مع أنها من الأشياء الظاهرة لكن يمنعه التهاون أو الخجل أو ما شابه ذلك والواجب على من أراد أن يقوم بعبادة من صلاةٍ أو زكاةٍ أو صيامٍ أو حج أن يعرف أحكامها قبل حتى يعبد الله على بصيرة قال الله تبارك تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) قال البخاري رحمه الله باب العلم قبل القول والعمل ثم استدل بهذه الآية.
ثانياً: بالنسبة للسؤال نقول هذه المرأة لا تزال محرمة لأنها لم تتحلل التحلل الثاني حيث طافت وهي حائض وطواف الحائض فاسد فهي لا تتحلل التحلل الثاني إلا إذا أتمت الطواف والسعي مع الرمي والتقصير وعليه فنقول يلزمها الآن أن تتجنب الزوج إن كانت متزوجة لأنها لم تتحلل التحلل الثاني وتذهب الآن إلى مكة فإذا وصلت الميقات أحرمت بعمرة ثم طافت وسعت وقصرت ثم طافت طواف الإفاضة الذي كان عليها فيما سبق وإن أحبت أن تحرم بعمرة فهذا أفضل المهم لا بد أن تذهب وتطوف لأن حجها لم يتم حتى الآن وأن لا يقربها زوجها إن كانت قد تزوجت فإن كانت قد عقدت النكاح في أثناء هذه المدة فللعلماء في صحة نكاحها قولان:
القول الأول: أن النكاح فاسد ويلزم على هذا القول أن يعاد العقد من جديد.
والقول الثاني: أن النكاح ليس بفاسد بل هو صحيح فإن احتاطت وأعادت العقد فهذا خير وإن لم تفعل فأرجو أن يكون النكاح صحيحاً.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة أختكم في الله غادة ع س الجهني من المدينة تقول حجت والدتي قبل أربع سنوات ولكن قبل أدائها لفريضة الحج أي في يوم الخامس من ذي الحجة جاءتها العادة الشهرية وقد فكرت هذه الوالدة في تأجيل أداء الفريضة إلا أننا أصررنا على أن تؤديها لأننا كنا على أهبة الاستعداد حيث سمعنا بأنه يجوز للحائض أن تعتمر وتحج إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وبناء على ذلك اتجهنا إلى مكة المكرمة ولكن الوالدة ارتكبت العديد من المحظورات وهي جاهلة في ذلك فقد قامت بتمشيط شعرها ولا شك بأنه سوف يتساقط الشعر أثناء التمشيط كما أنها تنقبت عندما أرادت السلام على عمي وبعد ذلك قامت بأداء جميع الأركان والواجبات إلا أنها وعندما حان وقت طواف الإفاضة اغتسلت وطافت بالبيت على اعتقاد منها أنها قد طهرت إلا أنها اكتشفت بأنها لم تطهر حيث عاد نزول الدم مرة أخرى وعند ذلك تركت طواف الوداع حيث كانت تعتقد بأنه غير واجب عليها أفتونا مأجورين ماذا على الوالدة لأن الأهل سيسمعون هذه الإجابة وهل يجب عليها إعادة الحج جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل ما فعلته والدة السائلة عن جهل من المحظورات فليس عليها إثم ولا فدية فمشط رأسها لا يضرها وانتقابها لا يضرها لأنها كانت في ذلك جاهلة وبقية أفعال الحج وهي حائض لا يضرها الحيض شيئا ولم يبقَ عندنا إلا طواف الإفاضة وقد طافت كما في السؤال قبل أن تطهر من الحيض وحينئذٍ يجب عليها الآن أن تسافر إلى مكة لأداء طواف الإفاضة ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطوف طواف الإفاضة ولكن ينبغي أن تحرم بالعمرة من الميقات وتطوف وتسعى وتقصر للعمرة ثم بعد ذلك تطوف طواف الإفاضة وإنما قلنا ذلك لأنها مرت بالميقات وهي تريد أن تكمل الحج فالأفضل والأولى لها أن تحرم بالعمرة وتتم العمرة ثم تطوف طواف الإفاضة ثم ترجع إلى بلدها فإن رجعت من حين أن طافت طواف الإفاضة فهو كافٍ عن الوداع إلا إن بقيت بعده في مكة فلا تخرج حتى تطوف للوداع.
***(12/2)
هذه السائلة تقول فتاة ذهبت مع أهلها إلى مكة للعمرة وعندما وصلوا إلى الحرم أتتها الدورة فطافت وأكملت العمرة مع أهلها ولم تخبرهم لأنها خجلت من ذلك فماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء إذا كانت قد أحرمت من الميقات لأن هذا هو العمل الصحيح لكن إن كانت طافت وسعت قبل أن تغتسل فطوافها وسعيها غير صحيح أما الطواف فلأنها طافت على غير طهارة طافت على حيض وأما السعي فلأنه لا يصح السعي قبل الطواف في العمرة وعلى هذا فالواجب عليها إن كانت طافت وسعت قبل أن تغتسل الواجب عليها أن تذهب الآن إلى مكة لتطوف وتسعى وتقصر وأن تعتبر نفسها الآن في إحرام فلا يحل لها ما يحرم على المحرم من الطيب وغيره حتى تنهي عمرتها والذي يظهر لي من سؤالها أنها لم تغتسل لأنها مشت مع أهلها ولم تغتسل.
***(12/2)
تقول المستمعة إذا أحرمت المرأة للعمرة ثم أتتها العادة الشهرية قبل الطواف وبقيت في مكة ثم طهرت وأرادات أن تغتسل فهل تغتسل من مكة أم تذهب لتغتسل من التنعيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض أو أحرمت بالعمرة وهي حائض فعلاً ثم طهرت فإنها تغتسل في مكان إقامتها في بيتها ثم تذهب وتطوف وتسعى وتؤدي عمرتها ولا حاجة إلى أن تخرج إلى التنعيم ولا إلى الميقات لأنها قد أحرمت من الميقات لكن بعض النساء إذا مرت بالميقات وهي حائض وهي تريد عمرة لا تحرم وتدخل مكة وإذا طهرت خرجت إلى التنعيم فأحرمت منه وهذا خطأ لأن الواجب على كل من مر بالميقات وهو يريد العمرة أو الحج أن يحرم منه حتى المرأة الحائض تحرم وتبقى على إحرامها حتى تطهر ويشكل على النساء في هذه المسألة أنهن يعتقدن أن المرأة إذا أحرمت بثوب لا تغيره وهذا خطأ لأن المرأة في الاحرام ليس لها لباس معين كالرجل. فالرجل لا يلبس القميص ولاالبرانس ولاالعمائم ولاالسراويل ولاالخفاف والمرأة يحل لها ذلك فتلبس ما شاءت من الثياب فإذا أحرمت بثوب غيرته إلى ثوب آخر فلا حرج لذلك نقول للمرأة أحرمي إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة أو الحج وإذا طهرت فاغتسلي ثم اذهبي إلى الطواف والسعي والتقصير وتغيير الثياب لا يضر ولا أثر له في هذا الأمر أبداً.
***(12/2)
هذا يسأل عن الطواف بعد انقطاع الحيض يقول في رسالته هذه ذهبت إلى الحج أنا وأختي وكان على أختي الحيض وعندما أتى يوم النحر انقطع الحيض وبذلك فقد اغتسلت وتطهرت بعد انقطاع الدم وتطهرت وتوضأت ثم طافت طواف الإفاضة وبعد طواف الإفاضة وجدت أثر نقط فسألنا بعض أهل العلم قالوا إن ذلك من أثر المشي والإرهاق وليس بدم حيض وإنما هو مخلفات فما رأي فضيلتكم في هذا الطواف هل هو صحيح وماذا نفعل إذا كان ذلك الطواف غير صحيح وما هو الحكم وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف المذكور صحيح مادامت قد رأت الطهر قبل أن تطوف وهذه النقط الأخيرة قد تكون حدثت بسبب الإرهاق والمشي أو بأسباب أخرى فالمهم أنه ما دامت المرأة عرفت الطهر ورأت القصة البيضاء ثم طافت بعد ذلك وبعد أن اغتسلت فإن طوافها صحيح ولا حرج عليها.
***(12/2)
هذه رسالة وردت من المرسلة م. د. ق من القصيم الرس تقول في رسالتها أما بعد أشكركم على هذا البرنامج كما أشكر جميع الشيوخ الذين يساهمون في الإجابة مع تمنياتنا لكم بالتوفيق والنجاح وهذه أسئلتي أنا فتاة أديت فريضة الحج هذه السنة والحمد لله وما يشغل بالي هو أنني في يوم النحر ذهبنا إلى رمي الجمار سيراً على الأقدام من منى إلى الجمار ومن الجمار إلى الحرم الشريف وكنت مرتدية جوارب بدون نعلين وأثناء سيرنا كانت الشوارع متسخة وفيها مياه ونحن لا نستطيع الابتعاد عن الأماكن المتسخة من شدة الزحام ولما وصلنا إلى الحرم دخلت الحرم والجوارب متبللة ولا أستطيع خلعها لأنها من لباس الإحرام فدخلت الحرم وطفت وسعيت وهي نجسة وأنا لا أدري هل حجي صحيح أرشدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجها صحيح والماء الذي تطأه بقدمها إذا لم تتيقن نجاسته فالأصل فيه الطهارة ولا فرق في هذا بين أن يكون الماء كما ذكرت السائلة مما يضطر الإنسان إلى خوضه أو في أماكن السعة فإن الماء الذي لا يعلم الإنسان نجاسته ولا يتيقنها حكمه أنه طاهر لا ينجس ثوبه ولا ينجس نعله ولا شيء أبداً وأما قولها أنها لم تخلعها لأنها من لباس الإحرام فلعلها تعتقد كما يعتقد كثير من الناس أن من أحرم بثوب لا يمكنه أن يخلعه وهذا ليس بصحيح فإن المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام سواء لحاجة أم لغير حاجة إذا غيرها إلى ما يجوز لبسه حال الإحرام وأما ما اشتهر عند العامة أنه لا يغيرها فهذا لا أصل له فلو أن هذه المرأة خلعت هذه الجوارب إذا كانت قلقة منها ثم لبست جوارب نظيفة لم يكن عليها في ذلك بأس.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه المستمعة أم أحمد ومقيمة بالرياض تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ لقد أحرمت بالعمرة وأديت مناسكها غير أني طفت بالبيت الحرام أكثر من سبع مرات لأنني كنت مشغولة بالدعاء ولا أستطيع حفظ العدد فكنت أعد من الأول في كل مرة وتقريبا طفت أكثر من عشرين مرة وقلت في نفسي أطوف أكثر خيراً لي فهل هذا يجوز وهل عمرتي صحيحة أم غير صحيحة نرجوا التوضيح يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى بالمسلم والأجدر به أن يكون مهتماً بعبادته وأن يكون حاضر القلب فيها حتى لا يزيد فيها ولا ينقص ومن المعلوم أن المشروع في الطواف أن يكون سبعة أشواط فقط بدون زيادة ولا تنبغي الزيادة على سبعة أشواط ولكن إن شك هل أتم سبعة أو ستة ولم يترجح عنده أنها سبعة فإنه يأتي بواحد أي بشوط واحد يكمل به الستة ولا ينبغي أن يزيد عن العدد الذي شرعه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بل شرعه الله في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكون الإنسان يشتغل بالذكر والدعاء في الطواف لا يمنع أبداً أن يكون حاضر القلب في عدد الطواف أي عدد أشواطه لكن لو فرض أن الإنسان زاد على سبعة أشواط فإن طوافه لا يبطل لانفصال كل شوط عن الأخر بخلاف الصلاة فإنه لو صلى الرباعية خمسا لم تصح صلاته لأنها جزء واحد فإنه من حين أن يكبر يدخل في الصلاة إلى أن يسلم أما الطواف فإن كل شوط مستقل بنفسه وإن كان سبعة أشواط متوالية لكن إذا زاد ثمانية أو تسعة أو عشرة فإن ذلك لا يبطل الطواف.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل م. أ. ع. مصري يعمل بأبها في سؤاله يقول أديت فريضة الحج في عام مضى ولكن حينما دخلنا الحرم بقصد الطواف والسعي بالعمرة وكان معنا أحد إخواننا ممن سبقونا بأداء الفريضة وبعد أن بدأنا بالطواف وطفنا أربعة أشواط أعترض طريقنا وقال يكفي هذا الطواف فقلت له الذي أعرف أن الطواف سبعة أشواط قال الطواف حول الكعبة أربعة أشواط والباقي في المسعى وفعلاً اتجهنا إلى المسعى وسعينا سبعة أشواط وأكملنا بقية مناسك الحج فما الحكم في عملنا هذا وهل يلزمنا شيء لتصحيحه الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الفتوى التي أفتاكم بها هذا الرجل فتوى غلط وخطأ وهو بهذا آثم لأنه قال على الله ما لا يعلم ولا أدري كيف يتجرأ هذا على مثل هذه الفتيا بدون علم ولا برهان فعليه أن يتوب إلى الله من هذا الأمر وأن لا يفتي إلا عن علم إما بإدراكه لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إن كان أهلاً لذلك وإما بتقليده من يثق به من العلماء وأما الفتوى هكذا فلا ينبغي بل لا يجوز أن يفتي بغير علم لقوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال سبحانه (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وما أكثر الذين يخطئون في فتوى ولا سيما في الحج ولكن عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وألا يتجرأوا على الفتوى إلا بعلم لأن المفتي يعبر عن حكم الله عز وجل ويوقع عن الله ويفتي في دينه فعليه أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي عباد الله وفي دين الله تبارك وتعالى وينبغي لكم أنتم حين قال لكم إن أربعة أشواط تكفي أن لا تعتدوا بقوله وقد كان عندكم شبهة لأنه لابد من سبعة أشواط ولو أنكم سألتم في ذلك الوقت لأُجِبْتُم بالصواب ولكن مع الأسف أن كثيراً من الناس يتهاون في هذه الأمور ثم إذا مضى الوقت وانفلت الأمر جاء يسأل وأما الجواب عن مسألتكم هذه فإن عمرتكم لم تصح لأنكم لم تكملوا الواجب في طوافها فيكون حلكم منها في غير محله وإحرامكم للحج يكون إحرام بحج قبل تمام العمرة وتكونون في هذا الحال قارنين بمعنى أن حكمكم حكم القارن لأنكم أدخلتم الحج على العمرة وإن كان إدخالكم هذا بعد السعي في الطواف لكن هذا الطواف لم يكن صحيحاً حينما قطعتموه قبل إكماله فيكون حجكم الآن حج قران بعد أن أردتم التمتع ويكون الهدي الذي ذبحتموه هدي عن القران لا عن التمتع ويكون عملكم هذا مجزئاً ومؤدياً للفريضة فريضة الحج وفريضة العمرة وأما ما فعلتموه بعد التحلل من العمرة فإنه لا شيء عليكم فيه لأنكم فعلتموه عن جهل والجاهل لا شيء عليه إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولقوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) إلا أنني ألومكم حيث قصرتم في عدم السؤال في حينه ولو أنكم سألتم حين أنهيتم عناء العمرة حتى يتبين لكان هذا هو الأوجب عليكم.(12/2)
فضيلة الشيخ: إذن حجهم صحيح ولكنه بدل أن كان يقصدون به التمتع أصبح قراناً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ إذا طاف الإنسان أربعة أشواط ثم قطع الطواف من أجل الصلاة والزحام ثم أتمه بعد ذلك بعد خمس وعشرين دقيقة من الفصل فما حكم هذا الطواف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الطواف قد انقطع بطول الفصل بين أجزائه لأنه إذا قطعه لأجل الصلاة فإن المدة ستكون قليلة الصلاة لا تستغرق إلا عشر دقائق أو ربع ساعة أو نحو ذلك أما خمس وعشرون دقيقة فهذا فصل كثير يبطل بناء الأشواط بعضها على بعض وعلى هذا فليعد طوافه حتى يكون صحيحا لأن الطواف عبادة واحدة فلا يمكن أن تفرق أجزاءً وأشلاءً ينفصل بعضها عن بعض بمقدار خمس وعشرين دقيقة أو أكثر فالمولاة بين أشواط الطواف شرط لابد منه لكن رخص بعض العلماء بمثل صلاة الجنازة وصلاة الفريضة أوالتعب ثم يستريح قليلا ثم يواصل وما أشبه ذلك.
***(12/2)
سائلة رمزت لاسمها بـ ر. ي. القصيم بريدة تقول فضيلة الشيخ قمت بأداء العمرة مع أهلي وأنا مصابة في ألمٍ بالساق نتيجة كسرٍ بسيط والحمد لله ولكن الآلام تعاودني مع كثرة المشي وسؤالي هنا يا فضيلة الشيخ هو أنني أثناء الطواف بدأت أطوف وأجلس قليلاً لأستريح وأريح قدمي المريضة وهكذا ولكن الألم اشتد علي حتى جعلني أترك الشوط الأخير ماذا علي الآن وما الحكم إذا كان والدي قد طاف عني في الشوط الأخير وفي نفس الوقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف الذي وقع من هذه المرأة لم يصح وإذا لم يصح الطواف لم يصح السعي وعلى هذا فهي لا تزال الآن في عمرتها يجب عليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام ومنه معاشرة الزوج إن كان لها زوج ثم تذهب إلى مكة وهي على إحرامها وتطوف وتسعى وتقصر من أجل أن تكمل العمرة إلا إذا كانت قد اشترطت عند ابتداء الإحرام إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإنها قد تحللت الآن ولكن ليس لها عمرة لأنها تحللت منها وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين من التهاون في هذه الأمور فإن من الناس الآن من يسأل عن حجٍ أو عمرة لها سنوات أخل فيها بركن وجاء يسأل سبحان الله إن الإنسان لو ضاع له شاة لم يبت ليلته حتى يجدها فكيف بمسائل الدين والعلم فأقول إن الإنسان يجب عليه
أولاً: أن يعلم قبل أن يعمل
ثانياً: إذا قدر أنه لم يتعلم وحصل الخلل فالواجب المبادرة لكن بعض الناس يظن أن ما فعله صواب فلا يسأل عنه ولكن هذا ليس بعذر لماذا ليس بعذر؟ لأنه إذا فعل ما يخالف الناس فلا بد أن يسأل إذ أن الأصل أن مخالفة الناس خطأ فلو قدر مثلاً أن إنساناً سعى وبدأ بالمروة وختم بالصفا هذا خالف الناس وإذا خالف الناس فلا بد أن يسأل ما يسكت حتى يأتي لها ذكر لا بد أن يسأل فهو غير معذورٍ في الواقع ما دام فعل ما يخالف الناس ليس معذوراً بتأخير السؤال فعلى المرء أن يسأل ويبادر بالسؤال أحياناً لا يسأل ثم تتزوج المرأة أو الرجل وهو على إحرامه وحينئذٍ نقول لا يصح النكاح لا بد من إعادته فهذه المرأة لو فرضنا أنها تزوجت بعد أداء العمرة فالنكاح غير صحيح يجب أن تذهب وتكمل عمرتها ثم تعود وتجدد العقد لأنها تزوجت وهي على إحرامها فالمسألة خطيرة خطيرة خطيرة.
***(12/2)
أيضاً يقول قدمنا للحج ولما دخلنا السعي وجدنا الزحام ولم نستطع إكماله إلا شوطاً واحداً ثم خرجنا خوفاً على أنفسنا وأطفالنا الذين معنا وبعد مضي ساعة تقريباً صعدنا إلى الدور الثاني وأكملنا السعي مبتدئين من الشوط الثاني فهل يجوز هذا أم لا نرجو منكم إفتاءنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل لو أعدتم الشوط الأول حتى تكون الأشواط متوالية ولكن الأمر قد وقع وفات فليس عليكم شي لكن إعادة الأشواط السابقة أولى وأحسن لمن وقع منه مثل هذا الأمر وذلك خروجاً من خلاف من يرى أن المولاة في السعي شرط وليست بسنة.
***(12/2)
جزاك الله خيراً امرأة بدأت الطواف أثناء العمرة فنقص شوط كامل من الأشواط السبعة جهلا منها بعد أن ضاع وليها ماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليها إن وجدت وليها بعد مدة يسيرة أن تأتي بما نقص من أشواط واحدٍ كان أو أكثر وأما إذا لم تجده إلا بعد مدة تتقطع بها المولاة فإن عليها أن تعيد الطواف من جديد لأن الطواف عبادة واحدة لا بد أن يكون متواليا ولا يسمح بقطعه إلا إذا أقيمت الصلاة المفروضة أو حضرت جنازة أو تعب فاستراح قليلا ثم استأنف وأكمل.
***(12/2)
السؤال التالي أثناء طوافي للعمرة أو الحج حان وقت صلاة الظهر أو العصر أو أي فريضة أخرى فهل يصلى ثم يكمل بقية أشواط الطواف أم يصلى ويبدأ الطواف من جديد أم يكمل الطواف ثم يصلى متأخراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أقيمت الصلاة وأنت تطوف سواء طواف عمرة أو طواف حج أو طواف تطوع فإنك تنصرف من طوافك وتصلى ثم ترجع وتكمل الطواف ولا تستأنفه من جديد وتكمل الطواف من الموقع الذي انتهيت إليه من قبل ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلاً.
***(12/2)
يقول أيضاً هل يجوز للحاج وهو يسعى أن يجلس أو يقف ليستريح ثم يواصل ويجلس وهكذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز له هذا وقد ذكر أهل العلم أن الموالاة بين أشواطٍ السعي سنة وليست بشرط وعلى هذا فله أن يستريح ولو طال الزمن ثم يبتدئ السعي ولكن كلما كانت الأشواط متوالية فهو أفضل بحسب ما يستطيع.(12/2)
يافضيلة الشيخ: لكن طول هذا الزمن هل يباح له أن يخرج من المسعى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يُباح له أن يخرج من السعي يعني يذهب يقضي حاجته أو يشرب وما أشبه ذلك.
***(12/2)
هذه الرسالة وردتنا كما قلنا من عبد الله عبد العزيز من المنطقة الشرقية يقول هل يجوز للحاج أن يسعى ماشياً بعض الأشواط وراكباً في بعضها الآخر إذا كان يتعب من السير المتواصل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ولا حرج عليه في ذلك والدليل على هذا (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم سلمة أن تطوف وهي راكبة حيث اشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) .
***(12/2)
سؤال يقول هل هناك دعاءٌ خاصٌ في الطواف أو السعي للحج أو للعمرة وهل يجوز أن يقرأ القرآن فيهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك دعاءٌ خاص للحج والعمرة وليقل الإنسان ما شاء من دعاء ولكن إذا أخذ بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو أكمل مثل الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وكذلك ما ورد من الدعاء في يوم عرفة وما ورد من الذكر على الصفا والمروة وما أشبه ذلك فالشيء الذي يعلمه ينبغي أن يقوله والشيء الذي لا يعلمه يكفي عنه ما كان في ذهنه مما يعلمه وهذا ليس على سبيل الوجوب أيضاً بل هو على سبيل الاستحباب والمهم أنه ليس للحج ولا للعمرة دعاءٌ معينٌ لا بد منه بل الأمر كله فيه على سبيل الفضيلة وبهذه المناسبة أود أن أقول إن ما يكتب في هذه المناسك الصغيرة التي تقع في أيدي الحجاج والعمار من الأدعية المخصصة لكل شوط أقول إن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أيضاً من المفاسد ما هو معلوم فإن هؤلاء الذين يقرؤون هذه الأدعية يظنون أنها أمرٌ وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم يعتقدون التعبد بتلك الألفاظ المعينة ثم إنهم يقرؤونها وقد لا يعلمون معناها والمراد بها ثم إنهم يخصونها بالدعاء بكل شوط فإذا انتهى الدعاء قبل تمام الشوط كما يكون في الزحام سكتوا في بقية الشوط وإذا انتهى الشوط قبل تمام هذا الدعاء قطعوه وتركوه حتى لو أنه قد وقف على قوله اللهم ولم يأتِ بما يريد قطعه وتركه وكل هذا من الخطأ من الأضرار التي تترتب على هذه البدعة وكذلك أيضاً ما يوجد في هذه المناسك من الدعاء في مقام إبراهيم فإن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند مقام إبراهيم وإنما قرأ حين أقبل عليه (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وصلى خلفه ركعتين وأما هذا الدعاء الذي يدعون به ويشوشون به على المصلىن عند المقام فإنه منكر من جهتين:
الجهة الأولى: أنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فإنه بدعة.
الجهة الثانية: أنهم يؤذون به هؤلاء المصلىن الذين يصلون خلف المقام والمهم أن غالب ما يوجد في هذه المناسك غالبه مبتدع إما في كيفيته وإما في وقته وإما في موضعه.
***(12/2)
بالنسبة للركن اليماني كثير من الناس وخاصةً أيام الزحام لا يستطيعون مسه فيكبرون إذا حاذوه فما حكم هذا التكبير وما حكم الإشارة إليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التكبير لا أعلم له أصلاً ولا أعلم للإشارة أصلاً أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا لم يعلم لذلك أصل لا للإشارة ولا للتكبير فإن الأولى ألا يكبر الإنسان ولا يشير وأما الحجر الأسود فقد ثبت فيه التكبير والإشارة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما أننا في الطواف فإن من البدع أيضاً ما يوجد في هذه الكتيبات التي تجعل لكل شوطٍ دعاءً خاصاً فإن هذا ليس وارداً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينبغي للمسلم التزامه ولا العمل به أيضاً لأن كل شيء لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام مما يتعبد لله به فإنه بدعة ينهى عنه وهو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (كل بدعة ضلالة) ولو أن الإنسان اتخذ دعاءً عاماً مما وردت به السنة غير مخصص بكل شوط لقلنا إن هذا لا بأس به بشرط ألا يعتقد مشروعيته في الطواف ولو أن الإنسان دعا لنفسه بما يريد وذكر الله تعالى بما يستحضر من الأذكار المشروعة لكان هذا أولى فالوجوه إذن ثلاثة:
تارة: يذكر الإنسان ربه بما تيسر ويدعوه بما يحب فهذا خير الأقسام.
وتارة: يذكر الله تعالى بما ورد ويدعوه بما ورد غير مقيد بشوط معين فهذا لا بأس به إذا لم يعتقد الإنسان أنه سنة في الطواف.
والقسم الثالث: أن يدعو الله سبحانه وتعالى في كل شوط بدعاء مخصص له فهذا بدعة ولا ينبغي للإنسان أن يتخذه ديناً يتقرب به إلى الله عز وجل وهذه الطريقة يحصل بها في الحقيقة مفسدة من الناحية العملية غير الناحية الاعتقادية هي أن كثيراً ممن يتلون هذا الدعاء لا يفهمون معناه ولا يدرون ما يقولون ولهذا نسمعهم أحياناً يأتون بالعبارة على وجه تكون دعاء عليهم لا دعاء لهم لأنهم لا يفهمون ولا يعرفون ما يقولون وأحياناً يكونون غير عرب فلا يعرفون الحروف العربية فيكسرونها ويغيرون معناها ولهذا لو أن علماء المسلمين وجهوا المسلمين إلى الطريق السليم وقالوا إن الطواف لا حاجة إلى أن تدعو فيه بهذه الأدعية التي ليست من الكتاب ولا من السنة وإنما تدعون الله تعالى بما تُحُبون لأن لكل إنسان رغبة خاصة ومطلب خاص يسأله ربه لكان هذا أولى وأحسن وأسلم أيضاً من هذا التشويش الذي يحصل برفع الأصوات وقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه وهم يصلون ويجهرون فقال صلى الله عليه وسلم (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة أو قال في القرآن) والحديث رواه مالك في الموطأ وهو صحيح كما قاله ابن عبد البر وعلى هذه فنسلم إذا تجنبنا هذه البدع التي عليها كثير من الحجاج اليوم نسلم من التشويش ويكون الطواف هادئاً ويكون الإنسان خاشعاً وكل إنسان يدعو ربه بما يريد وأسال الله تعالى أن يحقق ذلك للأمة الإسلامية.
***(12/2)
سائل يقول ما حكم من حج ولم يأتِ بركعتي الطواف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ركعتي الطواف ليست ركناً من أركان الحج ولا العمرة وإنما هي من الأمور التي أمر بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من طوافه تقدَّم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) والذي نرى أن من حج ولم يأت بهما فإن حجه تام بمعنى أنه لا يجب عليه إعادته ولا يجب عليه في ذلك دم والله أعلم.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من عبد الله العبد الله القصيم بريدة يقول نرى في الأعوام الماضية بعض الحجاج يتحدثون في المسعى وهم يسعون وبعضهم مثلاً يضحك أو يُصَوِّت للآخر فما حكم مثل هذا العمل في المسعى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السعي من شعائر الحج لقول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فهو من شعائر الله المشروعة في الحج والعمرة وهو عبادة من العبادات واللائق بالمسلم إذا كان في عبادة أن يكون وقوراً وأن يكون خاشعاً لله سبحانه وتعالى مستحضراً عظمة من يتعبد له ومستحضراً بذلك الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فكون الإنسان يعبث ويضحك ويمرح ويُصِّوت هذا وإن كان لا يبطل سعيه لكنه يُنَقُصُه نقصاً بالغاً وربما يصل إلى درجةِ الإبطال إذا فعل ذلك استخفافاً بهذا المشعر أو بهذه الشعيرة فإنها قد تبطل هذه العبادة ولهذا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) فالمهم أن الكلام لا يُبطل السعي ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتكلم إلا بخير في الطواف.(12/2)
يافضيلة الشيخ: طيب أيهما أشد الكلام في السعي أم الكلام في الطواف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام في الطواف أشد لأن الطواف أخص من السعي لأن الطواف مشروع في كل وقت والطهارة فيه واجبة أو شرط على قول جمهور العلماء وأما السعي فإنما يشرع في العمرة أو في الحج فقط فلا يكرر والطهارة ليست شرط فيه ولا واجبة.(12/2)
يافضيلة الشيخ: نرى الآن حول الكعبة أناس يُطوفون فإذا التقى الآخر بالآخر سلم عليه وهذا قد يدخل في المباح الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم لكن يواصلون الحديث ويتشعب الحديث ويشتغلون في أمور الدنيا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا ينبغي أما السلام ورده فلا بأس به لأنه من الخير فلا بأس به لكن كونهم يسترسلون في هذا الأمر ثم إن كان الأمر توسع حتى حصل بيع وشراء كان ذلك محرماً لأن البيع والشراء في المساجد محرم لا سيما في أفضل المساجد وهو بيت الله الحرام.
***(12/2)
تقول السائلة أريد أن أعرف حكم السعي يعني بين الصفا والمروة هل يعتبر السعي من الصفا إلى المروة شوط ومن المروة إلى الصفا شوط أم شوطين أفيدونا وفقكم الله وقد كنا نجعل الذهاب من الصفا إلى المروة والعكس شوطاً واحداً ونحن نجهل ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما عملكم هذا فهو خلاف المشروع لكن نظراً لجهلكم يجزئكم ويكون السعي المشروع الذي تثابون عليه هو سبعة الأشواط الأولى فقط التي هي في حسابكم ثلاثة أشواطٍ ونصف والسعي بين الصفا والمروة من الصفا إلى المروة شوط والرجوع من المروة إلى الصفا هو الشوط الثاني وهكذا حتى تتم الأشواط السبعة ويكون الانتهاء بالمروة لا بالصفا وهذا هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون عليه ولم يقل أحدٌ بخلافه إلا قولاً يكون وهماً من قائله.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائل يقول أثناء تأديتي للعمرة أديت السعي بالزيادة لأنني كنت أظن أن السعي من الصفا إلى الصفا واحدة وليس مرتين فأرجو منكم الإفادة حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة حول هذا أن سبعة من هذه الأشواط هي الصحيحة والموافقة للشرع والسبعة الباقية فعلتها عن اجتهاد ونرجو الله تعالى أن تثاب عليها لكنها ليست مشروعة فالسعي من الصفا للمروة الشوط والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر على هذا فيكون ابتداؤك من الصفا وانتهاؤك بالمروة.
***(12/2)
صفة الحج والعمرة - يوم التروية - يوم عرفة – المزدلفة - يوم العيد: (الرمي، النحر، الحلق، الطواف، السعي) - التقديم والتأخير - المبيت بمنى ليالي التشريق - رمي الجمرات - التعجل وطواف الوداع - آداب الزيارة - العمرة (صفتها وتكرارها) - العمرة في رمضان(12/2)
بارك الله فيكم تقول هذه السائلة فضيلة الشيخ لقد أحرمنا في اليوم الثامن من ذي الحجة من ملاوي إلى منى وبتنا في منى وصباح ليلة الجمعة موافقة ليوم عرفة فخلعنا ملابسنا أي إحرامنا واستحممنا بالماء فقط فهل في ذلك حرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي فهمت من هذا السؤال انهم خرجوا من مكة من ملاوي إلى منى وانهم لم يحرموا إلا في منى وهذا يجزي ولكنه خلاف الأفضل للإنسان إذا أراد الإحرام بالحج وهو في مكة ألا ينطلق من مكانه حتى يحرم لأن الصحابة رضي الله عنهم خرجوا إلى منى محرمين وقد نزلوا في الأبطح قبل الطلوع فهذه المرأة التي أخرت إحرامها إلى منى ليس بحجها نقص إلا نقص مستحب فالأفضل لها لو أحرمت من مكانها الذي انطلقت منه.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، يقول المستمع عزت جودت مصري الجنسية مقيم بالمملكة صلىت الخمسة فروض يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة كل فرض أربع ركعات والمغرب ثلاث ولكن أعلمني أحد الإخوان بأنه لابد أن يكون قصراً فما حكم ذلك أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاتك صحيحة لأنك أتممت في موضع القصر ولكن السنة أن المسافر يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وإن أتم فإن صلاته ناقصة وليست بباطلة ولكن إذا كان الإنسان جاهلاً كحالك فإننا نرجو أن يوفيك الله أجرك كاملاً لأنك مجتهد ولم تفعل شيئاً محرماً وإنما فعلت شيئاً مفضولاً فقط.
***(12/2)
تسأل وتقول ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن أو التاسع خطأ هل يجزئهم وما معنى (الحج عرفة) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لو وقف الحجاج في اليوم الثامن أو في اليوم التاسع خطأ فإن ذلك يجزئهم لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وقد قال الله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) وأما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) فمعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج المبيت بمزدلفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والمبيت في منى ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج وأن من لم يقف بعرفة فلا حج له ولهذا قال أهل العلم من فاته الوقوف فاته الحج.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع من السودان رمز لاسمه بهذا الرمز أ. أ. يقول ما المشروع فعله يوم الوقوف بعرفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أعلم هل السائل يريد ما المشروع فعله للواقفين بعرفة أو لعامة الناس ولكن نجيب على الأمرين إن شاء الله تعالى أما الأول فإنه يشرع للواقفين بعرفة أن يستغلوا هذا اليوم بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم دفع من منى بعد طلوع الشمس ثم نزل بنمرة حتى زالت الشمس ثم ركب ونزل في بطن الوادي فصلى الظهر والعصر وخطب الناس عليه الصلاة والسلام ثم اتجه إلى الموقف الذي اختار أن يقف فيه وهو شرقي عرفة عند الجبل المسمى بجبل الرحمة فوقف هنالك حتى غربت الشمس يدعو الله سبحانه وتعالى ويذكره بما يدعوه به فينبغي للإنسان أن يستغل هذا اليوم بما فيه مصلحة ولا سيما آخر النهار يستغله بالدعاء والذكر والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ويحسن أن يدعو بشيء يعرف معناه ليعرف ماذا يدعو الله به أما ما يفعله بعض الناس يحملون كتباً فيها أدعية يدعون بها وهم لا يعرفون معناها فهذا قليل الفائدة جداً ولكن الذي ينبغي أن يقرأ أو أن يدعو بدعاء يعرف معناه حتى يعرف ماذا دعى ربه به وأما بالنسبة لغير الواقفين بعرفة فالذي ينبغي لهم أن يصوموا هذا اليوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) ويستغلوه أيضاً بالذكر والتكبير وقراءة القرآن لأن يوم عرفة أحد الأيام العشرة أعني عشر ذي الحجة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) .
***(12/2)
المستمعة م. ن. أ. من الدمام الخبر تقول في رسالتها ما هي الأدعية الواردة في يوم عرفة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية الواردة في يوم عرفة منها ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) وفيه أدعية أخرى يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث وأهل الفقه ولكن المهم أن يكون الإنسان حين الدعاء والذكر حاضر القلب مستحضراً عجزه وفقره إلى الله تبارك وتعالى محسن الظن بالله فإن الله تعالى يقول (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) وينبغي أن يكون في حال دعائه مستقبلاًَ القبلة ولو كان الجبل خلف ظهره وأن يكون رافعاً يديه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف عند الصخرات وقال (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ولا ينبغي للإنسان أن يتعب نفسه في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مع شدة الحر وبعد المسافة واختلاف الأماكن فربما يلحقه العطش والتعب وربما يضيع عن مكانه فيحصل عليه ضرر والنبي عليه الصلاة والسلام قال (عرفة كلها موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا القول إلى أنه ينبغي للإنسان أن يقف في مكانه إذا كان يحصل عليه تعب ومشقة في الذهاب إلى الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
***(12/2)
الحاج بكري مصطفى البكري يقول كل سنة أحج فيها إلى بيت الله الحرام أصعد على جبل المشاهدة الذي هو جبل الرحمة في عرفات وهذه السنة أجدني ضعيف بواسطة السن وأنا متردد أخشى أحج ولا أستطيع الصعود فما العمل وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول للأخ السائل رويدك أيها الأخ فإن الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة فهوبدعة لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة ولا أن يعمل به على أنه عبادة والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير وأحرص الناس على تبليغ الرسالة وأحرص الناس على دين الله ما صعده ولا أمر أحداً بصعوده ولا أقر أحداً على صعوده فيما أعلم وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن كل إنسان يجزؤه أن يقف في مكانه وأيضا لا يزدحم الناس على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
***(12/2)
هذه الرسالة من السائل محمد العبد الله الصالح من قطر يقول ما هو الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة ولا يكتفى بكونه سنة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص للنساء والضعفاء في الرحيل بعد نصف الليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على وجوبه قوله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن المضرس وقد اجتمع به في صلاة الفجر يوم مزدلفة فقال يا رسول الله إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي وما تركت جبلاً إلا وقفت عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى نطلع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة أن يدفعوا من منى في آخر الليل والترخيص يدل على أن الأصل العزيمة والوجوب بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج لأن الله تعالى أمر به في قوله (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) والنبي عليه الصلاة والسلام حافظ عليه وقال (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) أعني مزدلفة ولكن القول الوسط ما قاله أهل العلم إن المبيت بها واجب وليس بركن ولا سنة.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ تقول السائلة عند نزولنا من عرفات إلى المزدلفة سألنا سائق الأتوبيس الذي كنا نركب معه عن وصولنا المزدلفة فقال لنا نعم نحن في المزدلفة وبناء على كلامه نزلنا ووجدنا الناس قد ناموا فصلىنا ونمنا بها وصلىنا الفجر وغادرنا المكان إلى منى بعد الصلاة ولكن أثناء السير في الصباح حدث لي شك بأننا لم نبت في المزدلفة فهل علينا شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم شيء في ذلك لوجود القرائن التي تدل على أنكم بتم في مزدلفة فأنتم وجدتم الناس نازلين ونزلتم معهم ولم يتبين لكم خلاف ذلك أما لو تبين أنكم نزلتم قبل الوصول إلى مزدلفة فإنكم في حكم التاركين للمبيت لأن الواجب على الإنسان أن يحتاط وألا ينزل إلا في مكان يتيقن الغالب على ظنه أنه من مزدلفة.
***(12/2)
في قوله (وجمع كلها موقف) هل المراد بجمع هو مكان مزدلفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بها مزدلفة وسميت جمعاً لاجتماع الناس بها لأن الناس يجتمعون بها في الجاهلية والإسلام وقد كانوا في الجاهلية لا تقف قريش في عرفة وإنما يقفون بالمزدلفة لأنهم يقولون نحن أهل الحرم فلا نخرج عنه وإنما نقف في مزدلفة ولهذا والله أعلم سميت جمعاً لاجتماع الناس بها في الجاهلية والإسلام.
***(12/2)
أرجو إفادتي عن المشعر الحرام هل هو المسجد الموجود في مزدلفة أم هو جبل فقد قرأت في كتاب عندي أن المشعر الحرام جبل في مزدلفة وإذا كان المشعر جبل هل ينبغي للحاج أن يصعده ويدعو فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشعر الحرام يراد به أحياناً المكان المعين الذي بني عليه المسجد وهو الذي آتاه النبي عليه الصلاة والسلام حين صلى الفجر في مزدلفة ركب حتى أتى المشعر الحرام ووقف عنده ودعى الله وكبره وهلله حتى أسفر جداً والمراد بالمشعر الحرام جميع مزدلفة أحياناً وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم (وقفت هاهنا وجمعٌ كلها موقف) وقال الله عز وجل (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) وعلى هذا فيكون المشعر الحرام تارةً يراد به المكان المعين الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجبل المعروف في مزدلفة وعليه بُني المسجد وأحياناً يراد به جميع مزدلفة لأنها مشعر حرام وإنما قيدت بالمشعر الحرام لأن هناك مشعراً حلالاً وهو عرفة فإنه مشعر بل هو أعظم المشاعر المكانية فهو مشعر لكنه حلال لأنه خارج أميال الحرم بخلاف المشعر الحرام بمزدلفة الذي يقف الناس فيه فإنه حرامٌ ولم تسمِّ منى مشعراً حراماً لأنه لأن ليس فيها وقوف والوقوف الذي بين الجمرات في أيام التشريق ليس وقوفاً مستقلاً بل هو في ضمن عبادة رمي الجمرات.
***(12/2)
هذا المستمع رمز لاسمه بـ: أ. م. أ. أرسل بهذه الرسالة يقول أثناء حجي هذا العام وبعد عرفة ذهبت إلى المزدلفة فبت بها ولكن نسيت أن أذهب إلى المشعر الحرام هل علي إثم في هذا يا فضيلة الشيخ وإذا كان كذلك فما هي الكفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك إثم إذا بت في مزدلفة في أي مكان منها ولا ضرر عليك إذا لم تذهب إلى المشعر الحرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في المشعر الحرام وقال (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) جمع يعني مزدلفة كلها موقف فأي مكان وقفت فيه وبت فيه فإنه يجزئك والذي يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلف ويتحمل مشقة من أجل الوصول إلى المشعر بل يقف في مكانه الذي هو فيه إذا صلى الفجر فيدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جداً ثم يدفع إلى منى.
***(12/2)
أحسن الله إليكم السائل حامد أحمد العمري من مكة المكرمة يقول ما حكم الخروج من مزدلفة بعد الساعة الواحدة والنصف ليلا لرمي جمرة العقبة خوفا من الزحام الشديد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بذلك إذا غاب القمر وهو لا يغيب إلا إذا مضى أكثر الليل في ليلة العاشر فإنه لا بأس أن يدفع من مزدلفة إلى منى ليرمي جمرة العقبة لكن إذا كان الإنسان قوياً لا يشق عليه الزحام فإنه يبقى حتى يصلى الفجر ويدعو الله تعالى بعد الصلاة ثم ينصرف قبل أن تطلع الشمس إلى منى والذين يرخص لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل لهم أن يرموا إذا وصلوا منى ولو قبل الفجر وأما حديث النهي عن رميها أي رمي جمرة العقبة حتى طلوع الشمس ففي إسناده نظر.
***(12/2)
أحسن الله إليكم عبد الله من الطائف يقول في عامٍ مضى أديت فريضة الحج ومعي زوجتي ووالدة زوجتي وكان حجنا إفراد وبعد الوقفة بعرفات وعند غروب الشمس توجهنا إلى مزدلفة وبتنا بها إلى منتصف الليل ونظراً لوجود نساء معي وكذلك شدة الزحام وكذلك فأنا لا أستطيع مواجهة شدة الزحام قمنا برمي جمرة العقبة قبل فجر يوم العاشر وكذلك رمينا جمرات أيام التشريق بعد منتصف الليل من كل يوم وباقي نسك الحج أديناها في أوقاتها تقريباً فهل علينا شيء في ذلك وهل حجنا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يبين في أيام التشريق أنه رمى بعد منتصف الليل لليوم السابق أو لليوم المقبل فإن كان لليوم المقبل فالأمر غير صحيح وعليه على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله أن يذبح فديةً في مكة يتصدق بها على الفقراء وأما إذا كان لليوم الماضي مثل أن يرمي الجمرات ليلة اثني عشرة ليوم أحد عشر فلا بأس.
***(12/2)
له سؤال آخر يقول ما هو الوقت المخصص لرمي الجمرات بداية ونهاية وقد رميت الجمرة الأخيرة في الساعة التاسعة صباحاً وكنت مع كفيلي وهو الذي أصر على الرمي في هذا الوقت بالرغم من إلحاحي لتأخيرها حتى بعد الظهر فهل إذا أعدنا ذلك الرمي أما علينا شيء نفعله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وقت الرمي بالنسبة لرمي جمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم آخر الليل (وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة) أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد وإذا كان الإنسان في زحام أو كان بعيداً وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من يوم الحادي عشر وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر ويستمر إلى الليل وإذا كان هناك مشقة لزحام أو غيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر لا يحل الرمي قبل الزوال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال وقال للناس (خذوا عني مناسككم) وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يؤخر الرمي إلى هذا الوقت مع أنه في شدة الحر ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت ويدل لذلك أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرمي من حين أن تزول الشمس قبل أن يصلى الظهر وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمى قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل لأجل أن يصلى الصلاة صلاة الظهر في أول وقتها لأن الصلاة في أول وقتها أفضل والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لا يجوز قبل الزوال والله الموفق.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هل يجوز رمي الجمار في وقتٍ غير وقت السُّنة أو بعد المغرب مثلاً للذين يخافون من الزحام أو الاختناق والمزاحمة وللذين لا يستطيعون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في أيام التشريق يبتدئ رمي الجمرات من زوال الشمس أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم التالي إلا اليوم الثالث عشر فإنه من زوال الشمس إلى غروب الشمس لأن أيام الرمي تنتهي بغروب الشمس في الثالث عشر الوقت والحمد لله واسع نبدأ بجمرة العقبة جمرة العقبة من طلوع الشمس يوم العيد إلى طلوع الفجر يوم الحادي عشر ولمن يخشى من الزحام والتعب من آخر ليلة النحر إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر هذه جمرة العقبة الجمرات الثلاث يوم أحد عشر واثنا عشر وثلاثة عشر لمن تأخر من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم التالي إلا اليوم الثالث عشر فإنه ينتهي بغروب الشمس.
***(12/2)
يقول في هذا السؤال في اليوم العاشر قدمنا لرمي الجمرات من جمرة العقبة فوجدنا الحجاج يرمون من بعيد ورمينا معهم ورجعنا وظهر لي فيما بعد بإننا رمينا في الهواء أرجوا أيضاً الافادة بذلك وما هو المطلوب منا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المطلوب منكم إذا كنتم لم تعيدوا الرمي على وجه صحيح أن تذبحوا فدية في مكة وتوزعوها على الفقراء هناك هكذا قال أهل العلم في من ترك واجباً والرمي من الواجبات أي من واجبات الحج.
***(12/2)
أثابكم الله هذا السائل م. ط. ر. سوري مدرس باليمن يقول أديت فريضة الحج والحمد لله وأثناء رمي الجمرات كان الزحام شديداً وقد حاولت جهدي أن تصيب الحصيات الجمرة وكانت بعض الحصيات تطيش رغم محاولاتي ورغم إعادتي بعضها فالذي أعيده كان بعضه يطيش أيضاً فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أنه لا يجب أن تضرب الجمرة لأن هذه الأعمدة الموجودة في أحواض الجمار مجرد علامات على مكان الرمي والواجب أن يقع الحصى في نفس الحوض فإذا وقع الحصى في الحوض فهذا هو الواجب سواءٌ استقر في الحوض أو تدحرج منه فأنت احرص على أن تدنو من الحوض حتى يكون عندك يقين أو غلبة ظن بأن الحصى وقع في الحوض فإذا تيقنت أو غلب على ظنك لأن التيقن قد يتعذر في هذا المقام فإذا غلب على ظنك أنه وقع في الحوض فإن هذا كافٍ ولو طاشت بعض الحصيات ولم تقع في الحوض فلا حرج عليك أن تأخذ من تحت قدمك وترمي بقية الحصيات.(12/2)
فضيلة الشيخ: لو صعب عليه أن يأخذ من تحت قدميه كما تفضلتم لشدة الزحام ولكنه عاد ورجع مرةً أخرى واستأنف البقية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليه.(12/2)
فضيلة الشيخ: هل يكمل الباقي عدد الذي طاشت منه فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو تعذر نعم لو تعذر عليه ورجع وخرج من الزحام ثم أخذ حصى ورجع ورمى به فلا حرج يكمل الباقي فقط ثم إن كثيراً من العامة يعتقدون أن رمي الجمرات رميٌ للشياطين ويقولون إننا نرمي الشيطان وتجد من يأتي منهم بعنفٍ شديد وحنق وغيظ وصياح وشتم وسبٍ لهذه الجمرة والعياذ بالله حتى إني رأيت قبل أن تبنى الجسور على الجمرات رأيت رجلاً وامرأته وقد ركبا على الحصى يضربان بالحذاء العمود الشاخص ويسبانه ويلعنانه ومن العجيب أن الحصى يضربهما ولا يباليان بهذا وهذا من الجهل العظيم فإن رمي هذه الجمرات عبادةٌ عظيمة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) هذا هو الحكمة من هذه الجمرات ولهذا يكبر الإنسان عند كل حصاة ليس يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بل يكبر يقول الله أكبر تعظيماً لله الذي شرع رمي هذه الحصى وهو في الحقيقة أعني رمي الجمرات غاية التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى لأن الإنسان لا يعرف حكمةً من رمي هذه الجمرات في هذه الأمكنة إلا لأنها مجرد تعبدٍ لله سبحانه وتعالى وانقياد الإنسان لطاعة الله وهو لا يعرف الحكمة أبلغ في التذلل والتعبد لأن العبادات منها ما حكمته معلومة لنا وظاهرة فالإنسان ينقاد لها تعبداً لله تعالى وطاعةً له ثم إتباعاً لما يعلم فيها من هذه المصالح ومنها ما لا يعرف حكمته ولكن كون الله يأمر بها ويتعبد بها عباده فيمتثلون فهذا غاية التذلل والخضوع لله كما قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وما يحصل في القلب من الإنابة لله الخشوع والاعتراف بكمال الرب ونقص العبد وحاجته إلى ربه ما يحصل له في هذه العبادة فهو من أكبر المصالح وأعظمها.(12/2)
فضيلة الشيخ: أمكنتها أليست هي التي كان الشيطان يقف فيها يتمثل فيها لإبراهيم الخليل عليه السلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد فيه حديث والله أعلم بصحته وحتى على فرض صحته فإنه لا يعني أننا نحن نفعل ذلك كما فعله إبراهيم أرأيت السعي بين الصفا والمروة أصله سعي أم إسماعيل بينهما بعد أن أصابها الجوع والعطش لتتحسس هل حولها أحدٌ ونحن إنما نسعى لا لهذا الغرض إنما نسعى تعبداً لله عز وجل وتذللاً إليه وافتقاراً إليه بأن يغفر لنا ويرحمنا فهو وإن كان أصل العبادة عملاً معيناً لا يلزمنا بأن يستمر إلى يوم القيامة ثم هذا الرمل أيضاً الرمل وهو في الأشواط الثلاثة في طواف القدوم أول ما يصل الإنسان سواءٌ كان طواف قدوم أو طواف عمرة هذا أصله أن النبي عليه الصلاة والسلام فعله ليغيظ المشركين به الذين قالوا حين قدم النبي عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء قالوا إنه يقدم عليكم قومٌ وهنتهم حمى يثرب فأصل مشروعيته لهذا الغرض ومع ذلك نحن الآن نفعله لا لإغاظة المشركين لأن هذا زال لكنه بقي فيه التعبد فهذا يدلنا على أنه لا يلزم من كون هذا العمل المعين من الأنساك أصله كذا أن يكون عملنا له الآن هو السبب الذي شرع من أجله.(12/2)
فضيلة الشيخ: نعود للرمي إذا رمى الإنسان نفس العمود الشاخص في وسط الحوض وأصابه ولكن نفس الحصى لم تستقر في الحوض ولم تصب الحوض أصابت العمود فسقطت في الأرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجزئ إذا أصابت العمود ثم قفزت حتى صارت خارج الحوض فإنها لا تجزئ يجب عليه أن يرمي بدلها(12/2)
فضيلة الشيخ: إذاً المهم هو إصابة الحوض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المهم أن تقع في الحوض.
***(12/2)
بعد قدومي في إحدى السنوات من مزدلفة رميت جمرة العقبة ثم الثانية ثم الثالثة لكني لم أتأكد أي الجمار هي وعملت في اليوم الثاني كما عملت في يوم العيد ولم أبدأ من الجمرة التي تلي مكة المكرمة وإنما بدأت من التي تلي منى هل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما رميك الجمرات الثلاثة يوم العيد فإنه لم يصح منها إلا رمي جمرة العقبة لأنها هي التي ترمى يوم العيد ويكون رمي الوسطى والدنيا رمياً لاغياً وأما رميك الجمرات الثلاثة في اليومين التاليين وبدايتك من الجمرة التي تلي منى فهذا هو صحيح فإن الإنسان في يوم العيد لا يرمي إلا جمرة واحدة هي جمرة العقبة وفي الأيام بعده يرمي الجمرات الثلاثة مبتدئاً بالجمرة الأولى التي تلي منى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة التي تلي مكة.
***(12/2)
هذا المستمع ن م ن يقول في رسالته إنه حج لمدة سنوات يقول فبعد قدومي في إحدى السنوات من مزدلفة رميت جمرة العقبة ثم الثانية ثم الثالثة لكني لم أتأكد أي الجمار هي فهل علي شيء في ذلك وأقول لا أعلم أي جمار هي أي العقبة فأنا لا أعرف أي الثلاث جمرة العقبة فقلت أتخلص من الجميع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شي عليك في هذا ولكني أنصحك بأن تتحرى العلم بها من قبل الفعل حتى يكون فعلك على وجه الصواب ولكن مع هذا الآن أنت بفعلك هذا رميت جمرة العقبة يقيناً.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل م أمن القصيم يقول رميت الجمرة جمرة العقبة ولكن أظن أنني رميت من الجانب الذي خارج الحوض والسبب أن الحوض مملوء بالحصى ولم أنتبه لذلك إلا أثناء الرمي ما الواجب عليّ وهل يلزمني شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان إذا رمى الجمرات فإما أن يتيقن أن الحصاة وقعت في الحوض فإذا تيقن أنها وقعت في الحوض فهي مجزئة ولو تدحرجت وخرجت من الحوض.
الثاني: أن يتيقن أنها لم تكن في الحوض فهذه لا تجزئه.
الثالث: أن يغلب على ظنه أنها وقعت في الحوض فهذا يكفي.
الرابع: أن يغلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض فهذه لا تجزى.
الخامسة: أن يتردد ويشك هل وقعت أو لا بدون ترجيح فهذه لا تجزئ فصارت لا تجزئ في ثلاثة أحوال إذا تيقن أنها لم تقع في الحوض أو غلب على ظنه أنها لم تقع في الحوض أو تردد ففي هذه الحال يعتبر غير رامٍ وعليه على ما قاله العلماء رحمهم الله فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء إلا إذا كانت حصاة أو حصاتين فأرجو ألا يكون عليه شيء.
***(12/2)
يقول المستمع في هذا السؤال في حج العام الماضي 1407 هـ وبالخصوص في ليلة المبيت بمزدلفة حصل أن انصرفت إحدى قريباتي مع ابنها بعد منتصف الليل بحكم ما تعتبر من الضعفة حيث لا تقوى على رمي الجمرات بعد طلوع الشمس للزحام الشديد إلا أنها بعد انصرافها وكلت ابنها لكي يرمي عنها واحتجت بأنها لا تقدر على ذلك فهل يلزمها شيء حينما لم ترمِ بنفسها أول الجمرات نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رمي الجمرات من مناسك الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وفعله بنفسه وقال صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه وهو عبادة لأن الإنسان يقوم برمي هذه الحصيات في هذا المكان تعبداً لله عز وجل وإقامة لذكره فهي مبنية على مجرد التعبد لله سبحانه وتعالى لهذا ينبغي للإنسان أن يكون حين رميه للجمرات خاشعاً خاضعاً لله مهما حصل أو مهما كان ذلك وإذا دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت أو يؤخره في أخر الوقت لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب كان تأخيره أفضل لأن هذه المزية مزية تتعلق بنفس العبادة وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بحضر طعام ولا هو يدافعه الأخبثان) فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها لدفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام إذاً إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت لكن بمشقة وزحام شديد وانشغال بإبقاء الحياة وبين أن يؤخرها في أخر الوقت ولو في الليل لكن بطمأنينة وحضور قلب ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في أخر الليل حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من العبادات وأنه لا يجوز للقادر من رجل وامرأة أن ينيب عنه فيها فإنه يجب أن يرمي بنفسه إلا رجلاً أو امرأة مريضة أو حاملاً تخشى على حملها أو ما أشبه ذلك فلها أن توكل وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكر أنها لم ترمِ مع قدرتها فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب.
***(12/2)
هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها في الجمار وخصوصاً في الزحام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة ولا لغيرها أن توكل من يرمي عنها لأن الرمي من أفعال الحج وقد قال الله تبارك وتعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وقال تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نذورهم) وأما الزحام فليس بعذر لأنه يمكن التخلص منه بتأخير الرمي إلى وقت آخر أو بتقديمه إذا كان يجوز تقديمه ولهذا (أذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل ليصلوا إلى منى قبل زحمة الناس فيرموا الجمرة جمرة العقبة) ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم وكذلك (أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة رعاة الإبل أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم وهذا دليل على تأكد الرمي على الحاج بنفسه وكما ذكرت أن الزحام يمكن تلافيه أو التخلص منه بتقديمه إن كان يصح تقديمه أو بتأخيره فالذي يصح تقديمه مثلنا به وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد وأما الذي يمكن تأخيره فرمي الجمرات في أيام التشريق إذ يمكن أن يؤخر الرمي إلى الليل والرمي في الليل فيه سعة وفيه لطافة الجو وبرودته والرمي جائز في الليل لعدم وجود دليل صريح يمنع من الرمي ليلاً.
***(12/2)
السائلة أم صالح تقول عند رمي الجمرات لم أستطع الرمي لأنها كانت حامل وكان معي والدي ورمى عني فهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رمي الجمرات كغيره من أفعال النسك يجب على القادر أن يفعله بنفسه لقول الله تبارك وتعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ولا يحل لأحد أن يتهاون بذلك كما يفعله بعض الناس تجده يوكل من يرمي عنه لا عجزا عن الرمي ولكن اتقاء للزحام والإيذاء به وهذا خطأ عظيم لكن إذا كان الإنسان عاجزا كالمريض وامرأة حامل وما أشبه ذلك فله أن ينيب من يرمي عنه وهذه المرأة تذكر أنها كانت حاملا وعلى هذا فالرمي عنها لا بأس به وتبرأ ذمتها بذلك ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائلة ر. ع. م. من القصيم الطرفية تقول أديت فريضة الحج والحمد لله ولم أرمِ جمرة العقبة بسبب الزحام الشديد ووكلت زوجي ليرمي عني وأثناء رمي باقي الجمرات كنت مريضة فرمينا بعض الأيام ولم أتمكن من الرمي في بعض الأيام الأخرى فرمى عني زوجي فهل علي شيء في ذلك أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأيام التي رمى عنها زوجك وأنت مريضة فرميه مجزيء إن شاء الله تعالى وأما الأيام التي رمى عنك وأنت لست مريضة ولكن تخافين الزحام فإن الزحام لا يستمر، الزحام يكون في أول وقت الرمي ثم لا يزال يخف شيئا فشيئا إلى أن ينعدم بالكلية فلا يحصل زحام وإن كان يحصل مثلاً عشرات أو مئات من الذين يرمون الجمرات لكن هذا لا يحصل به الزحمة التي تمنع من القيام بواجب الرمي وعلى هذا فيكون توكيل الزوج في هذه الحال لا يجوز بل يُنتظر حتى يقف الزحام ثم ترمي المرأة بنفسها وأرى من الاحتياط لهذه المرأة أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك فإن لم تكن وَاجِدَةً فلا شيء عليها.
***(12/2)
السائلة من الزلفي ح. ع. خ تقول منذ خمس وعشرين سنة حججت فرضي ولم أرم الجمرات فطلب مني أخو زوجي أن يرمي الجمرات عني فهل بذلك كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:: فيه كفارة إذا رمى الجمرات أحد عن أحد والمرمي عنه يستطيع فإن رمي الثاني لا يجزئ لأن الواجب أن يرمي الإنسان عن نفسه بنفسه لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أما إذا كان لا يستطيع فلا بأس أن يرمي عنه أحد من الناس الذين حجوا معه في هذا العام فلتنظر هذه المرأة السائلة وتفكر هل هي تستطيع أن ترمي ولو بعد العصر أو في الليل فإن كانت تستطيع فعليها دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء وإن كانت لا تستطيع لا ليلا ولا نهارا فالرمي عنها صحيح.
***(12/2)
أحسن الله إليكم الوالد في الحج رمى عن زوجته وعن الأخت في حج الفرض خشية الزحام الشديد ما الحكم ذلك يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه لا يجوز للإنسان أن يوكل أحداً يرمي عنه ولو جاز ذلك لأذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يوكلوا من يرموا عنهم وأن يتأخروا في المزدلفة حتى يدفعوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو جاز التوكيل لأذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يوكلوا من يرمون عنهم فالرمي جزء من أجزاء الحج وقد قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وتهاون الناس فيه اليوم لا مبرر له أعني أن بعض الناس يتهاون في الرمي تجده يوكل من يرمي عنه بدون ضرورة لكن يريد أن لا يتعب يريد أن يستريح يريد أن يجعل الحج نزهة وهذا من الخطأ العظيم والذي يوكل غيره يرمي عنه وهو قادر لا يجزئ الرمي عنه وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء أما مسألة الزحام فالزحام مشكلته لها حل وهي أنه بدل أن يرمي في وقت الزحام يمكنه أن يؤخر إلى آخر النهار إلى أول الليل إلى نصف الليل إلى آخر الليل ما دام لم يطلع الفجر من اليوم الثاني لكن أكثر الناس كما قلت يتهاونون كثيرا في مسألة الرمي.(12/2)
فضيلة الشيخ: هل هذا في الفرض وفي التنفل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق بين الفرض والنفل لأن النفل يجب إتمامه كما قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا قبل نزول فرض الحج.
***(12/2)
يقول وأنا في مزدلفة بعد أن رجعت من عرفات وجدت سيدتين كبيرتين في السن ولم أعرف من أي بلد قالوا لي أنت شاب ونريد منك أن ترجم عنا وأعطوني الحصى رجم ليوم واحد أقصد رجم العقبة فقط وهما سيدتان قالوا أكمل لنا أنت فعلت لهم كما فعلت لنفسي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان المرأتان لا أدري هل هما من محارمه أو هما أجنبيتان منه فالظاهر أنه من سياق الكلام أنهما أجنبيتان وأنهما وجدهما في الشارع وعلى كل حال لا يصح أن يرمي عنهما ما دامتا قادرتين على الرمي بأنفسهما لأن الرمي كغيره من شعائر الحج يجب على الإنسان أن يقوم به بنفسه لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ولكن نظراً إلى الحالة التي حصلت فإنه لا يأثم لأنه جاهل ولكن على المرأتين فديتان تذبحانهما في مكة وتوزعانها على فقراء أهل مكة لأن العلماء رحمهم الله قالوا إن من ترك واجباً فعليه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء.
***(12/2)
بارك الله فيكم المستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ علي. أ. أ. يقول ما حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج فيقوم بعض كبار السن والنساء الكبيرات في السن بتوكيلنا نحن الشباب فنقوم بالرمي عنهم هل يجوز لنا هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن رمي الجمرات نسك من مناسك الحج يجب على الحاج أن يفعله بنفسه لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) فكما أن الإنسان لا يوكل أحداً يبيت عنه في مزدلفه أو يطوف عنه أو يسعى عنه أو يقف عنه بعرفة فكذلك لا يجوز أن يوكل عنه من يرمي عنه ولكن إذا كان الحاج لا يستطيع أن يرمي لضعف في بدنه أو لكونه كبيراً لا يستطيع أو أعمى يشق عليه الذهاب إلى رمي الجمرة مشقة شديدة أو امرأة حاملاً تخشى على نفسها وعلى ما في بطنها ففي هذه الحال يجوز التوكيل للضرورة ولولا أنه روي عن الصحابة ما يدل على ذلك من كونهم يرمون عن الصبيان لقلنا إن من عجز عن الرمي سقط عنه كغيره من الواجبات ولكن نظراً إلى أنه (ورد عن الصحابة أنهم كانوا يرمون عن الصبيان) لعجز الصبيان عن الرمي بأنفسهم فإننا نقول وكذلك من كان شبيهاً بهم لكونه عاجزاً عن الرمي بنفسه فإنه يجوز أن يوكل ولكن هنا مسألة وهي أن بعض الناس لا يستطيع الرمي في حال الزحام ولكنه لو كان المرمى خفيفاً لاستطاع أن يرمي فنقول لهذا لا يجوز لك أن توكل في هذه الحال بل انتظر حتى يخف الزحام فترمي إما في آخر النهار وإما في الليل لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الرمي في الليل للنهار الفائت لا بأس به فيمكن للإنسان أن يرمي في اليوم الحادي عشر بعد غروب الشمس أو بعد صلاة العشاء وفي هذا الوقت سيجد المرمى خفيفاً يتمكن من أن يرمي بنفسه.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائل إبراهيم مطر من جيزان يقول في سؤاله الأول هل يجوز لغير المحرم أن يرمي عن الحاج العاجز عن الرمي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً وقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنبه على هذه المسألة وهي مسألة التوكيل في الرمي فإن الناس استهانوا بها استهانة عظيمة حتى صارت عندهم بمنزلة الشيء الذي لا يؤبه له ورمي الجمرات أحد واجبات الحج التي يجب على من تلبس بالحج أن يقوم بها بنفسه لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا الأمر يقتضي للإنسان أن يتم جميع أعمال الحج بدون أن يوكل فيها أحداً ولكن مع الأسف الشديد أن بعض الناس صار يتهاون في هذا الأمر حتى أنك تجد الرجل الجلد الشاب يوكل من يرمي عنه أو المرأة التي تستطيع أن ترمي بنفسها توكل من يرمي عنها وهذا خطأ عظيم ولا يجزئ إذا وكل الإنسان أحداً يرمي عنه وهو قادر على الرمي لا يجزئه هذا التوكيل يقول بعض الناس إن النساء يحتجن إلى التوكيل من أجل الزحام والاختلاط بالرجال فنقول هذا لا يبيح لهن التوكيل (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لسودة بنت زمعة إحدى نسائه وكانت ثبطة ثقيلة لم يأذن لها أن توكل بل أذن لها أن تدفع من مزدلفة في آخر الليل قبل حطمة الناس) ولو كان التوكيل جائزاً لأمرها أن تبقى في مزدلفة حتى تصلى الفجر ثم تدفع وتوكل على الرمي لو كان التوكيل جائزاً ثم نقول مسألة الزحام ورادة حتى في الطواف وفي السعي بل هي في الطواف والسعي أخطر وأعظم لأن الناس في الرمي ليس اتجاههم واحداً هذا يأتي وهذا يذهب ثم إنهم يكونون على عجل ليس فيه تؤدة ولا تأمل بخلاف الطواف فإنه اتجاههم واحد ويكون مشيهم رويداً رويداً فالفتنة فيه أخطر أن يكون فيه الفساق والعياذ بالله ينال ما ينال من المرأة بملاصقتها في حال الطواف من أوله إلى آخره فالخطر فيه أعظم ومع ذلك ما قال أحد إن للمرأة مع الزحام في الطواف أن توكل من يطوف عنها وعلى هذا فيجب على الحاج فرضاً كان أم نفلاً أن يرمي بنفسه فإن كان عاجزاً كامرأة حامل ومريض وشيخ كبير لا يستطيع فإنه يوكل في هذه الحال ولولا أنه روي عن الصحابة أنهم كانوا يرمون عن الصبيان لقلنا إنه إذا كان عاجزاً لا يوكل بل يسقط عنه لأن الواجبات تسقط بالعجز لكن لما جاء التوكيل في أصل الحج لمن كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله وروى عن الصحابة أنهم كانوا يرمون عن الصبيان قلنا بجواز التوكيل في الرمي لمن كان عاجزاً عنه وأما من يشق عليه الرمي من أجل الزحام فإن ذلك ليس عذراً له في التوكيل بل نقول له ارم بنفسك في النهار إن كنت تستطيع المزاحمة وإن كانت المزاحمة تشق عليك فارمِ في الليل فإن الأمر في ذلك واسع لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وقَّت في أيام التشريق أول الرمي ولم يوقت آخره دل على أن آخره ليس له وقت محدود وإنما يرمي الإنسان حسب ما تيسر له الرمي في الليلُ فإن ذلك ليس ممنوعاً وليس الرمي عبادة نهارية بل الذين أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل كانوا يرمون إذا وصلوا كما روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها (أنها كانت ترمي ثم تصلى الفجر) وهذا دليل على أن الأمر في ذلك واسع فما حدده الشرع التزمنا بتحديده وما أطلقه فإن هذا من سعة الله سبحانه وتعالى وكرمه نعم لو فُرض أن الإنسان بعيد منزله ويشق عليه أن يتردد كل يوم إلى الجمرات فله أن يجمع ذلك إلى آخر يوم (لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لرعاة الإبل أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ثم يرموا في اليوم الثالث لليومين وأما مع عدم المشقة فلا يجوز له أن يؤخر رمي كل يوم إلى اليوم الذي بعده وأما الإجابة عن السؤال وهو هل يجوز أن يتوكل من ليس بِمُحْرِم في رمي الجمرات فإن الفقهاء رحمهم الله قالوا لا يصح أن يوكل إلا من حج ذلك العام والله الموفق.
***(12/2)
عبد البر من الرياض بعث بهذه الوريقة يقول إن وقت ذبح الهدي كما عرفت في سنوات ماضية لأنني حججت أكثر من مرة يبتدئ يوم العيد وهناك بعض الحجاج يذبحون هديهم قبل يوم العيد محتجين بقول بعض العلماء فهل يجزئهم ذلك أو نأمرهم بالإعادة وإذا كان يجزئهم ذلك فإننا نود أن نذبح معهم لنتخلص من مشاكل يوم العيد فما بعده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يذبح هديه قبل يوم النحر فيوم النحر هو المعد للنحر وكذلك الأيام الثلاثة بعده ولو كان ذبح الهدي جائزاً قبل يوم العيد لفعلة النبي صلى الله عليه وسلم (حينما أمر أصحابه أن يحل من العمرة من لم يكن معه هدي وأما هو صلى الله عليه وسلم فقال إني معي الهدي فلا أحل حتى أنحر) فلو كان النحر قبل يوم العيد جائزاً لنحر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم لأجل أن يطمئن أصحابه في التحلل من العمرة ولأجل أن يتحلل هو أيضاً معهم لأنه قال (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم) وامتناع الرسول عليه الصلاة والسلام من ذبح هديه قبل يوم النحر مع دعاء الحاجة إليه دليل على أنه لا يجوز والذين يفتون بهذا يقيسونه على الصوم فيمن لم يجد الهدي فإنه يجوز له أن يقدم صومه قبل يوم النحر ولكن هذا ليس شبيهاً به لأن الصوم كما قال الله عز وجل فيه (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) وهو إذا شرع في العمرة فكأنما شرع في الحج أعني المتمتع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (دخلت العمرة في الحج) ولهذا يجوز للمتمتع الذي لا يجد الهدي أن يصوم ثلاثة أيام من حين إحرامه بالعمرة وإلى آخر أيام التشريق ما عدا يوم النحر وعلى هذا فنقول إن القياس هنا قياس في مقابلة النص وهو أيضاً قياس مع الفارق فلا تتم فيه أركان القياس والصواب بلا ريب أنه لا يجوز أن يذبح الإنسان هديه إلا في يوم العيد والأيام الثلاثة بعده وأما قول الأخ إن الناس أحوج قبل يوم العيد فنقول له من الممكن أن تذبح الهدي في مكة إما في يوم العيد أو الحادي عشر أو في الثاني عشر أو في الثالث عشر وفي مكة تجد من يأخذه وينتفع به.
***(12/2)
يقول المستمع فهد في هذا السؤال من أين تقص المرأة شعرها بعد فك الإحرام أهو من مؤخرة الضفيرة أم من مقدمة الرأس جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقص المرأة من رأسها إذا كانت محرمة بحجٍ أو عمرة من أطراف الشعر من أطراف الضفائر إن كانت قد ضفرته أي جدلته أو من أطرافه إذا لم تجدله من كل ناحية من الأمام ومن اليمين ومن الشمال ومن الخلف.
***(12/2)
سائل يقول بعد السعي للعمرة قمت بقص شعرات من رأسي هل يصح ذلك أو يكون التقصير للشعر كله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن يكون التقصير للشعر كله في العمرة والحج وذلك بأن يكون التقصير شاملاً لجميع الرأس لا لكل شعرة بعينها، وما يفعله بعض الناس من كونه يقص عند المروة شعرات إما ثلاثاً أو أربعاً فإن ذلك لا يجزئ لأن الله تعالى قال (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ومعلوم أن أخذ شعرات ثلاث أو أربع من الرأس لا يترك فيه أبداً أثر التقصير ولا كأن الرجل قصّر فلابد من تقصير يظهر له أثر على الرأس وهذا لا يمكن إلا إذا عم التقصير جميع الرأس وتبين أثره وعليه فالذي أرى أن من الأحوط لك أن تذبح فديه في مكة توزع على الفقراء هناك لأنك تركت واجباً وهو التقصير وقد ذكر أهل العلم أن ترك الواجب فيه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء هنالك.
***(12/2)
يقول السائل إنني شخص أصبت بآفة في رأسي أتت علي جميع شعري حتى كأنه أصبح كراحة اليد وقد حجيت وسوف أحج إن شاء الله ولكن حيث إنه يتعذر أخذ شيء من رأسي فإني أعمد إلى شاربي وأطراف لحيتي وآخذ منها هل هذا صحيح أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ليس هذا بصحيح فإذا لم يكن لك شعر رأس سقطت عنك هذه العبادة لزوال محلها نظيره الرجل إذا كان مقطوع اليد من المرفق فما فوق فإنه لا يجب عليه غسل يده حينئذٍ إلا أنه يغسل إذا قطع من مفصل المرفق رأس العضد فقط لكن لو قطع من نصف العضد مثلاً سقط عنه الغسل نهائياً فالعبادة إذا فات محلها الذي علقت به سقطت فعلى هذا لا يجب عليك حلق الرأس لعدم وجود شعرالرأس وأما أخذ الشارب فهو سنة في هذا الموضع وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به لكن لا لهذا السبب الذي علق الحكم به هذا السائل وأما الأخذ من اللحية فإنه خلاف السنة وخلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (أعفو اللحى وحفوا الشوارب) فلا يأخذ منها شيئاً لا في الحج ولا في غيره.
***(12/2)
المستمع أحمد سعيد عبد الغفار يقول منّ الله عليّ وأديت فريضة الحج وعندما تحللت من إحرامي في اليوم العاشر من ذي الحجة عند رمي الجمرة الكبرى قصرت بعض الشعر ولم أكن أعلم بأن المقصود هو تقصير كل الشعر نقطة أخرى في اليوم الحادي عشر وبعد رمي الجمرات الثلاث أرهقت إرهاقاً شديداً لا أستطيع معه السير وخاصة لأن صحتي ضعيفة لست مريضاً ولكن لم أكن أستطيع السير على الأقدام إلا بوضع الثلج فوق رأسي وفي اليوم الثاني عشر وهو اليوم الثاني لرمي الجمرات الثلاثة أفادوني أصحابي بأنني لا أستطيع رمي الجمرات لشدة الزحام والحر وهذا فيه مشقة كبيرة عليّ خوفاً من أن يحدث لي مثل ما حدث في الأمس فوكلت أحد أصحابي برمي الجمار نيابة عني وبعدها ذهبت إلى طواف الوداع ثم إلى المدينة المنورة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسؤال هل حجي صحيح يا فضيلة الشيخ وهل يجب علي هدي لعدم تقصير الشعر علماً بأنني كما ذكرت لم أعلم وقتها بأن المقصود بتقصير الشعر هو الشعر كله وإذا كان هناك هدي فكيف أوديه ومتى وبالنسبة لتوكيل أحد أصحابي برمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة نظراً لما شرحته من ظروف صحتي هل هو صحيح أم ماذا أفعل أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما يتعلق بتقصير شعر الرأس حيث إنك لم تقصر إلا جزءاً يسيراً منه جاهلاً بذلك ثم تحللت فإنه لا شيء عليك في هذا التحلل لأنك جاهل ولكن يبقى عليك إتمام التقصير لشعر رأسك وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المستمعين إذا أرادوا شيئاً من العبادات ألا يدخلوا فيها حتى يعرفوا حدود الله عز وجل فيها لئلا يتلبسوا بأمر يخل بهذه العبادة فإنه كما قيل الوقاية خير من العلاج وخير من ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فكونك تعبد الله عز وجل على بصيرة عالماً بحدوده في هذه العبادة خير بكثير من كونك تعبد الله سبحانه وتعالى على جهل بل مجرد تقليد لقوم يعلمون أو لا يعلمون وما أكثر ما تقع هذه المشاكل من الحجاج والصوام والمصلىن يعبدون الله عز وجل على جهل ويخلون بهذه العبادات ثم بعد ذلك يأتون إلى أهل العلم ليستفتوهم فيما وقع منهم فلو أنك تعلمت حدود الحج قبل أن تتلبس به لزال عنك إشكالات كثيرة ونفعت غيرك أيضاً فيما علمته من حدود الله سبحانه وتعالى. أعود فأقول بالنسبة للتقصير يمكنك الآن أن تكمل ما يجب عليك فيه لأن كثيراً من أهل العلم يقولون إن التقصير والحلق ليس له وقت محدود ولاسيما وأنت في هذه الحال جاهل وتظن أن ما قصرته كاف في أداء الواجب وأما بالنسبة لتوكيلك في اليوم الثاني عشر من يرمي عنك فإذا كنت على الحال الذي وصفته في سؤالك لا تستطيع أن ترمي بنفسك لضعفك وعدم تحملك الشمس ولا تستطيع أن تتأخر حتى ترمي في الليل وترمي في اليوم الثالث عشر ففي هذه الحال لك أن توكل ولا يكون عليك في ذلك شيء لأن القول الصحيح أن الإنسان إذا جاز له التوكيل لعدم قدرته على الرمي بنفسه لا في النهار ولا في الليل فإنه لا شيء عليه خلافاً لمن قال إنه يوكل وعليه دم لأننا إذا قلنا بجواز التوكيل صار الوكيل قائماً مقام الموكل.
إلحاقاً للجواب للسؤال الأول قال السائل إنه بعد ذلك زار النبي صلى الله عليه وسلم ولي على هذه الجملة ملاحظة وهي أن الزيارة تكون لقبر النبي صلى الله عليه وسلم أما النبي عليه الصلاة والسلام فإنه بعد موته لا يزار وإنما يزار القبر ثم إنه يجب لمن قصد المدينة أن ينوي بذلك الذهاب إلى المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) فلا ينوِ قاصد المدينة السفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا من شد الرحال المنهي عنه تحريماً لا كراهة ولكن ينوي بذلك زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه لأن الصلاة في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على أبي بكر ثم على عمر ويزور كذلك البقيع وفيه قبر أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وقبور كثير من الصحابة وكذلك يزور قبور الشهداء في أحد وكذلك يخرج إلى مسجد قباء ويصلى فيه فهذه خمسة أماكن في المدينة، المسجد النبوي وقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرا صاحبيه والبقيع وشهداء أحد ومسجد قباء وما عدا ذلك من المزارات في المدينة فإنه لا أصل له ولا يشرع الذهاب إليه
***(12/2)
إذاً لو رمى جمرة العقبة وحلق يتحلل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتحلل التحلل الأول وإذا طاف وسعى تحلل التحلل الثاني.
***(12/2)
لو رمى جمرة العقبة وذبح هديه هل يجوز له أن يتحلل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يتحلل إلا بالرمي والحلق أو بالرمي والطواف فالتحلل يكون بفعل اثنين من ثلاثة وهذه الثلاثة هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف وأما الرمي وحده لا يحصل به التحلل وأما الذبح فلا علاقة له بالتحلل.
***(12/2)
هذه الرسالة من موسي محمد عقبى من الرياض يقول بعد السلام والتحية نشاهد كثيراً نشاهد في سنوات عديدة كثير من اللحوم تذهب هدراً في منى فهل يجوز لي في يوم العيد أن أرمي جمرة العقبة وأطوف بالبيت وأحلق رأسي وأتحلل وألبس ثيابي وفي اليوم الثالث أو الثاني أذبح فديتي لكي آكل منها وأجد من يأكلها أيضاً أو أنه لابد من ذبحها قبل التحلل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لابأس أن يذبح الإنسان هديه بعد التحلل وبهذه المناسبة أحب أن أبين أن الأنساك التي تفعل يوم العيد هي كالتالي أولاً رمى جمرة العقبة ثم ذبح الهدى ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف بالبيت والسعي هذا هو المشروع في ترتيب هذه الأنساك الأربعة هكذا كما فعلة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى جمرة العقبة ثم نحر أكثر بدنه بيده ثم حلق رأسه ثم طاف ولكن لو قدم بعضها علي بعض ولا سيما عند الحاجة فلا بأس في ذلك (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد في التقديم والتأخير فما سُئل عن شي قُدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) قضية هذا الرجل أي هذا السائل تنطبق علي هذا الحكم بمعني أنه يجوز أن يؤخر النحر إلى اليوم الثاني من أيام العيد ويتحلل قبله لأن التحلل لا يرتبط بذبح الهدى وإنما التحلل يكون برمي جمرة العقبة والحلق والطواف ففي الرمي والحلق أوالتقصير يتحلل التحلل الأول وإذا طاف وسعى حل التحلل الثاني أما النحر أو ذبح الهدى فإنه لا علاقة له بالتحلل.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من المرسل حماد حمدي الفارسي من قرية كلية ضواحي رابغ يقول فيها بعد ما رميت العقبة حلقت ثم ذهبت إلى مكان الاستراحة في منى ثم قمت بذبح الهدي ثم قال لي بعض الناس لا يجوز أن تحلق قبل أن تذبح وأنا لا أعلم ذلك فهل جائز أم علي شيء في ذلك أفتوني جزاكم الله عني خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حلقك قبل النحر لا بأس به ولا حرج فيه وليس عليك في ذلك فدية (لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مثل ذلك أو عنه فقال لا حرج) فالحاج يوم العيد يفعل الأنساك التالية يرمي جمرة العقبة ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه ثم يطوف ويسعى هذه ترتب على هذا النحو ويبدأ بها أولاً فأولاً على سبيل الاستحباب والأفضلية فإن قدم بعضها على بعض فإنه لا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال (افعل ولا حرج) .
***(12/2)
سائل يقول حججت وبعد انصرافي أنا ومن معي من مزدلفة ذهبنا إلى الحرم ولم نرم جمرة العقبة ثم عدنا إلى مني ونحرنا وحلقنا واسترحنا إلى العصر ثم ذهبنا للجمرة ورميناها هل فعلنا هذا موافق للشريعة الإسلامية أو علينا شيء في ذلك؟.
فأجاب رحمه الله تعالى: فعل الإخوان هذا وهو أنهم عندما ما نزلوا من مزدلفة ذهبوا إلى المسجد الحرام فطافوا طواف الإفاضة ثم رجعوا إلى منى. ونحروا ثم حلقوا واستراحوا وفي آخر النهار رموا جمرة العقبة , فعلهم هذا موافق للرخصة وليس موافقاً للأفضل , وذلك أن الأفضل في يوم العيد أن يفعل الإنسان كما يلي إذا وصل إلى منى بعد طلوع الشمس بدأ برمي جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات ثم ذبح هديه ثم حلق رأسه أو قصره والحلق أفضل وبهذا يحل التحلل الأول ثم ينزل إلى البيت ويطوف طواف الإفاضة ويسعي بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى مع طواف القدوم وبهذا يحل التحلل كله ثم يرجع إلى مني هذه أربعة أشياء يفعلها مرتبةً كالتالي رمي جمرة العقبة ثم ذبح الهدي ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف مع السعي ,هذا هو الأفضل ولكن إن قدم بعضها على بعض لا سيما عند الحاجة فلا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يسئل يوم العيد عن التقديم والتأخير فما سئل عن شي قُدِّم ولا أُخر إلا قال افعل ولا حرج) ففعل الإخوان هذا موافق للرخصة وليس موافقاً للأفضل ولا شيء عليهم ولا دم عليهم.
***(12/2)
يقول السائل هل يجوز لي أن أرمي جمرة العقبة وأطوف بالبيت وأحلق رأسي وأتحلل وألبس ثيابي قبل أن أذبح ذبيحتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لأن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق حل التحلل الأول وجاز له أن يلبس ثيابه وأن يفعل كل شيء كان محظوراً عليه في الإحرام ماعدا النساء فإذا انضاف إلى الرمي والحلق طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل له كل شيء حتى النساء وإن لم يذبح الهدي ولكن الأولى أن يبادر فيرمي جمرة العقبة أولاً ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه ثم يتحلل ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى هذا هو الأفضل.
***(12/2)
من دولة البحرين أختكم في الله مريم تقول: إذا لم تستطع المرأة أن تطوف الإفاضة يوم النحر وأخرت ذلك لأيام التشريق هل يجوز لها أن تطوف لوحدها بدون محرم أم يجب أن يكون المحرم معها أثناء الطواف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط في طواف المرأة أن يكون معها محرم إذا أمنت على نفسها ولم تخشَ الضياع فإن كانت لاتأمن على نفسها من الفساق أو كانت تخشى أن تضيع فلابد من محرم يكون معها حماية لها ودلالة على المكان وهذا عام في طواف الإفاضة وفي طواف الوداع وفي طواف التطوع.
***(12/2)
سائل يقول والدتي ذهبت إلى حج بيت الله الحرام إلا أنها طافت بالصفا والمروة سبعة أشواط قبل أن تطوف الكعبة فما تقولون عن ذلك أجيبوني وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن كان هذا في الحج فالصحيح أنه لا بأس به كما لو نزلت يوم العيد فطافت لطواف الإفاضة وسعي الحج وسعت قبل أن تطوف فإنه لا حرج عليها في ذلك (لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال سعيت قبل أن أطوف فقال لا حرج) وهذا أخرجه أبو داود وهو حديث جيد صححه بعض أهل العلم وهو ظاهر من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) وهذا في الصحيحين وأما إذا كان ذلك في العمرة فإن جماهير أهل العلم يرون أن السعي فاسد بتقديمه على الطواف وفي هذه الحال إذا كان السعي فاسداً فإن هذا الرجل يكون قد أدخل الحج على العمرة قبل إكمالها ويكون قارناً وأقصد بالرجل" المرأة " التي هي والدته تكون قارنة وحينئذٍ يكون نسكها تاماً ويرى بعض أهل العلم وهم قلة أن تقديم السعي على الطواف حتى في العمرة إذا كان عن جهل فإنه لا يضر فعلى كل حال والدتك حجها صحيح وعمرتها تامة سواء كانت متمتعة أم قارنه ولا شيء عليها.(12/2)
يافضيلة الشيخ: لكن كيف تنتقل من التمتع إلى القران؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إحلالها لا يمنع مادام النسك باقياً لأن من خصائص الحج والعمرة أن النية لا تؤثر فيهما بمعنى أن الإنسان لو نوى الخروج فنسكه باقٍ لا يخرج منه بالنية لو تحلل ورفض إحرامه وقد بقي عليه شيء من النسك فإنه لا ينفعه هذا التحلل يعني أنه لا يخرج من النسك بالنية وهذا من خصائص الحج وعلى هذا فإذا كانت تحللت على أنها أي عمرتها انقضت وهي لم تنقض فعمرتها باقية.(12/2)
يافضيلة الشيخ: لكن ألا يلزمها شيء عن هذا التحلل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما يلزمها شيء لأنها جاهلة.
***(12/2)
هذه السائلة أم إبراهيم من بغداد بعثت تقول أدينا فريضة الحج أنا وزوجي للعام الماضي والحمد لله فقد أدينا المناسك جميعاً عدا طواف الإفاضة بالنسبة لي فقط وأنا والحمد لله في كامل صحتي وقوتي ولكن لشدة الزحام وخوفاً من أن يغمى علي وقد بدأت فعلاً أكاد أختنق ثم خرجت في الشوط الأول من الطواف وأدى زوجي الطواف في اليوم الثاني فجراً وخرجنا من مكة المكرمة ولم يبق لدي الوقت الكافي أفيدوني أثابكم الله ماذا يجب علي أن أفعل بعد هذه المدة وأنا أنتظر جوابكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذه المسألة من المسائل الهامة التي لا ينبغي تأخير السؤال عنها إلى مثل هذا الوقت بعد مضي أحد عشر شهراً من الحج إن كنتِ أديته في العام الماضي أو أكثر إن كنتِ أديته قبل ذلك ومثل هذه الحال على حسب ما نعرفه من كلام أهل العلم ما زلت على حجك لأن طواف الإفاضة ركنٌ لا بد منه ولهذا (لما قيل للنبي عليه الصلاة والسلام إن صفية رضي الله عنها حائض قال أحابستنا هي) ولو كان أحد ينوب عن أحد في طواف الإفاضة ما كان هناك حبس لأمكن أن يطاف عن صفية ولا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام أحابستنا هي وعلى هذا فأنتِ لا تزالين في الحج والواجب عليك الآن أن تذهبي إلى مكة وأن تؤدي هذا الركن الذي فرضه الله عليك في قوله تعالى (ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وهو أيضاً على قواعد أهل العلم بل هذا ما جاءت به السنة أيضاً بأن التحلل الثاني لا يحصل إلا بطواف الإفاضة والسعي فنسأل الله أن يعيننا وإياك هذا ما نراه في هذه المسألة وإن رأيتِ أن تستفتي غيرنا في هذا فلا حرج.
***(12/2)
السائل رزق عيضة مطران حضرمي الجنسية عند آخر يوم في الحج وهي النفرة طفنا طواف الحج وسعينا ورحنا من مكة إلى جدة والمدينة في نفس اليوم عند خروجنا من المسجد الحرام ولا طفنا طواف الوداع حيث معنا جميع الأخوة يقولون يكفي عن طواف الوادع الذي هو طواف الإفاضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم طواف الإفاضة إذا أخره الإنسان إلى حين خروجه من مكة ثم طاف وسعى وخرج في الحال فإن ذلك يجزئه عن طواف الوداع لأن طواف الوداع المقصود به أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت وهذا حاصل بالطواف المستقل الذي هو طواف الوداع وبطواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج ونظير ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر داخل المسجد أن يصلى ركعتين ونهاه أن يجلس حتى يصلى ركعتين ومع ذلك إذا دخل والإمام في فريضة ودخل مع الإمام بنية هذه الفريضة سقطت عنه تحية المسجد فهذا مثله إذا طاف طواف الإفاضة عند خروجه سقط عنه طواف الوداع لأنه حصل المقصود بكون آخر عهده بالبيت الطواف.
***(12/2)
يقول هل طواف الإفاضة يغني عن طواف القدوم والوداع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يغني عن طواف القدوم والوداع إذا جعله آخر شيء لكن في هذه الحال لا نقول طواف القدوم لأن طواف القدوم سقط بفعل مناسك الحج ودليل سقوط طواف القدوم والاكتفاء بطواف الإفاضة حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه حين وافى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الفجر في مزدلفة وأخبره أنه قدم من طيء وأنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طواف القدوم ولا المبيت في منى ليلة التاسع وأما طواف الإفاضة فقد قال العلماء إذا أخره عند السفر وطاف عند السفر أجزأه عن طواف الوداع وهنا يبقى إشكال هل يسعى للحج بعد طواف الإفاضة الذي جعله عند السفر أو نقول يسعى أولاً ثم يطوف ثانياً؟ نقول إن هذا كله جائز إن سعى أولاً ثم طاف فقد (قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن قال له في منى سعيت قبل أن أطوف فقال له لا حرج) وإن طاف أولاً ثم سعى ثانياً فلا حرج أيضاً لأن هذا السعي تابعٌ للطواف فلا يضر الفصل بين الطواف والسفر لهذا السائل.
***(12/2)
السائل جمال أحمد من جدة يقول قدمت زوجتي للإقامة معي بجدة من مصر في الرابع من ذي الحجة وقامت بأداء عمرة الحج ثم تحللت بنية التمتع ثم قمنا بأداء الحج غير أنها لم تكرر السعي واكتفينا بالسعي الأول في العمرة عملاً بقول من قال بذلك من العلماء حيث قرأنا أن في الأمر خلافا بين العلماء وأرشدنا أحد الأخوة إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للقول بأن سعي العمرة يجزي عن سعي الحج لمن لم يكرر السعي وبناء عليه لم تسع وعدنا إلى جدة فنرجو من فضيلة الشيخ إرشادنا إلى الصواب بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن كثيراً من مسائل الفقه في الدين لا تخلو من خلاف وإذا كان العامي الذي لا يعرف يطالع كتب العلماء ويعمل بالأسهل عنده فإن هذا حرام ولهذا قال العلماء من تتبع الرخص فقد فسق أي صار فاسقا والمعلوم من اختيار شيخ الإسلام هو ما ذكره السائل أن المتمتع يكفيه السعي الأول الذي في العمرة وله أدلة فيها شبهة ولكن الصحيح أن المتمتع يلزمه سعيان سعي للحج وسعي للعمرة كما دل ذلك حديثا عائشة وابن عباس رضي الله عنهم وهما في البخاري عليهما جماهير أهل العلم والنظر يقتضي ذلك لأن كل عبادة من العمرة والحج في التمتع منفردة عن الأخرى ولهذا لو أفسد العمرة لم يفسد الحج ولو أفسد الحج لم تفسد العمرة ولو فعل محظورا من المحظورات في العمرة لم يلزمه حكمه في الحج بل الحج منفرد بأركانه وواجباته ومحظوراته والعمرة منفردة بأركانها وواجباتها ومحظوراتها فالأثر والنظر يقتضي انفراد كل من العمرة والحج بسعي في حق المتمتع وعلى هذا فإن كنت متبعا لقول شيخ الإسلام بناء على استفتاء من تثق به في علمه وأمانته فليس عليك شيء لكن لا تعود لمثل ذلك والتزم سعيين سعياً في الحج وسعياً في العمرة إذا كنت متمتعاً.
***(12/2)
هذا سائل يقول فضيلة الشيخ يوم الحج الأكبر هل هو يوم العيد أو يوم الوقوف بعرفة ولماذا سمي بهذا الاسم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يوم الحج الأكبر هو يوم العيد كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمي يوم الحج الأكبر لأن فيه كثيراً من شعائر الحج ففيه الرمي وفيه النحر وفيه الحلق وفيه الطواف وفيه السعي لمن كان متمتعا أو كان مفردا أو قارنا ولم يكن سعى بعد طواف القدوم فهي خمسة أنساك كلها تفعل في يوم العيد ولذلك سمي يوم الحج الأكبر أما يوم عرفة فليس فيه إلا نسك واحد الوقوف بعرفة وكذلك مزدلفة ليس فيها إلا نسك واحد وهو المبيت بها وكذلك ما بعد يوم العيد ليس فيه إلا نسك واحد وهو الرمي.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول السائل لم يكن عندنا مكانٌ للإقامة في منى فكنا ننتظر فيها في ليالي المبيت إلى ما بعد منتصف الليل ثم نغادرها إلى بيت الله الحرام فنقضي فيه بقية الليل فما الحكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن عملكم مجزئ من حيث الإجزاء ولكن الذي ينبغي لكم خلاف ذلك الذي ينبغي لكم أن تبقوا في منى ليلاً ونهاراً في أيام التشريق فإن لم يكن لكم مكان فلكم أن تبقوا حيث انتهى الناس يعني عند آخر خيمة ولو خارج منى إذا لم تجدوا مكاناً إذا بحثتم أتم البحث ولم تجدوا مكاناً في منى فكونوا عند آخر خيمة من خيام الناس وقد ذهب بعض أهل العلم في زمننا هذا إلى أنه إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فإنه يسقط عنه المبيت فإنه يجوز له أن يبيت في أي مكان في مكة أو في غيرها وقاس ذلك على ما إذا فُقد عضوٌ من أعضاء الوضوء فإنه يسقط غسله ولكن في هذا نظر لأن العضو يتعلق حكم الطهارة به ولم يوجد أما هذا فإن المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمةً واحدة فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج ونظير ذلك ما إذا امتلأ المسجد من الجماعة وصار الناس يصلون حول المسجد فإنه لا بد أن تتواصل الصفوف وأن يكون كل صفٍ إلى الصف الآخر حتى يكون الجماعة جماعةً واحدة فالمبيت نظير هذا وليس نظير العضو المقطوع.
***(12/2)
أيضاً يقول في رسالته إنني بعد أن قدمت إلى مكة لا زلت في الأبطح وأريد أن أذهب إلى منى لكنني أخشى من عدم وجود مكان فهل إذا نزلت في المزدلفة أو عرفة في اليوم الثامن وبعد العودة من عرفة هل يجوز لي ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النزول في منى في اليوم الثامن إلى صباح اليوم التاسع سنة وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعروة بن مضرس وقد صادفه في مزدلفة قال له (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر المبيت بمنى ليلة التاسع فأنت إذا لم تجد مكاناً في منى ذلك اليوم ونزلت في مزدلفة أو في عرفة أو في الأبطح فلا حرج عليك ولكن احرص على أن تجد مكاناً لأنك إذا لم تجد مكاناً في ذلك اليوم في اليوم الثامن فمن باب أولى أن لا تجد مكاناً في يوم العيد وما بعده ولهذا ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه في هذا الأمر.
***(12/2)
يسأل يقول وبعد العودة من عرفة تركت المبيت بمنى بحجة أنني لم أجد مكاناً هل يجوز لي ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك بعد العودة من عرفة إلا أن تكون في منى (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فيها ولم يرخص لأحد بترك ذلك إلا للرعاة أو السقاة) الواجب على الحاج بعد الرجوع من عرفة ومزدلفة أن يبقى في منى ويبيت بها ولا يجوز له أن يتخلف عن ذلك لكن إذا لم يجد مكاناً في منى وطلب طلباً حقيقاً دقيقاً فلم يجد فلا حرج عليه أن ينزل عند آخر الخيام مهما وصلوا إليه حتى لو وصلوا إلى مزدلفة وما وراء مزدلفة ونزل في آخرهم بحيث كان مع الحجيج فإنه لا حرج فقد كان بعض الناس يقول إذا لم تجد مكاناً في منى فلا حرج عليك أن تبيت في مكة أو في أي مكان شئت لأن هذا المكان سقط وجوب المبيت فيه بالتعذر فسقط الفرض كالإنسان إذا قطعت يده من فوق الفرض فإنه يسقط عنه غسلها ولكننا نقول الذي نرى في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يكون في أخريات القوم ليكون نهر الحجيج واحداً وهو نظير من أتى إلى المسجد ووجد الناس قد ملئوا المسجد فإنه يصلى في الشارع الذي حول المسجد ليتصل الناس مع بعضهم بعض والشارع له نظر كبير في اجتماع الناس على العبادة وعدم تفرقهم.
***(12/2)
من عبد السلام سفر من جدة وردتنا هذه الرسالة يقول فيها معلوم أن الحاج يلزمه المبيت في منى أيام التشريق لكن إذا كان الإنسان لا يريد أن ينام في الليل فهل له أن يخرج خارج منى ويبقى طوال الليل في الحرم مثلاً لأداء المزيد من العبادة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بقول أهل العلم إن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب المراد به أن يبقى في منى سواءَُ كان نائماً أم يقظاناً وليس المراد أن يكون نائماً فحسب وعلى هذا فنقول للأخ لا يجوز لك أن تبقى في مكة ليالي أيام التشريق بل يجب عليك أن تكون في منى إلا أن أهل العلم يقولون إذا قضى معظم الليل في منى كفاه ذلك.(12/2)
فضيلة الشيخ: هذا إذا كان يستطيع البقاء لأنه قد يتعذر بعض الناس مثلاً يقول لا أستطيع البقاء في منى لأني ليس لي مكان أو ليس لي خيمة ولم أجد مكاناً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يجد مكاناً في منى فإنه يجب أن ينزل عند منتهى آخر خيمة وليس له أن يذهب إلى مكة أيضاً بل نقول إنك إذا لم تستطع أن تكون في منى فانظر آخر خيمة من خيام الحجاج وكن معهم لأن الواجب أن يتصل الحجيج وأن يكون بعضهم إلى جنب بعض كما نقول مثلاً لو أن المسجد امتلئ بالجماعة فإن الناس يصفون بعضهم إلى جنب بعض.
***(12/2)
بعد أن رمينا جمرة العقبة وطفنا بالبيت عدنا إلى منى وذبحنا هدينا وطوفنا في مني نبحث عن مكان ننزل فيه فلم نجد مكاناً حتى خرجنا إلى مزدلفة ونزلنا وأقمنا خيمتنا خارج منى وجلسنا وبتنا ليالينا هناك وقد سمعنا أن الحاج لا يجوز له أن يبيت خارج منى وإذا كان لابد فإن على الحاج أن يأتي إلى منى ويقف فيه ثم يعود إلى متاعه وخيمته ويجزؤه ذلك نرجو إفادتنا وبعضنا قد ذبح فداه في مكاننا خارج منى فما حكم هذا الذبح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى للنزول فيه بعد البحث التام والتنقيب في مني كلها فإنه حينئذ يسقط عنه المبيت فيها ولكن يجب عليه أن يبيت في أطرف الناس بمعني أن تكون خيمته متصلة بخيام الحجاج حتى ولو كان ذلك في خارج مني في مزدلفة أو فيما وراء مزدلفة المهم أن تكون خيامه متصلة وليس معنى سقوط المبيت في منى أنه يبيت في مكة وفي إي مكان شاء لا بل نقول إنه لابد من أن يتصل الحجيج بعضهم ببعض فإذا امتلأت مني فإنهم يقيمون وينزلون فيما وراء منى ولكن لابد أن يتصل الحجيج بعضهم ببعضٍ كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين فإنهم يصلون في صفوف متصلة ولوفي الشوارع ولا حرج عليهم في ذلك وأما بالنسبة للذبح في مزدلفة فإن الذبح فيها وفي مكة وفي مني كله جائز كل ما كان داخل الحرم فإن ذبح الهدى فيه جائز ولا حرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل فجاج مكة طريق ومنحر) .
***(12/2)
يقول ما الذي يلزم من أخذه النوم خارج منى ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك بغير تفريط منه فإنه لا شيء عليه وإن كان هذا بتفريط منه فإنه يجب عليه عند جمهور أهل العلم يجب عليه الفدية يذبحها هناك في مكة ويفرقها على الفقراء لأنه ترك هذا الواجب غير معذور فوجب عليه الفدية لتجبر ما حصل من نقص وخلل.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا هذا سؤال من السائل عادل الحربي من مكة المكرمة يقول هل يجوز الخروج من منى بعد منتصف الليل في ليلة الحادي عشر والثاني عشر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مضى معظم الليل وهو في منى فله أن يخرج منها جعلا للأكثر بمنزلة الكل ولكن الذي أشير به على أخواني الحجاج أن يجعلوا حجهم حجا موافقا للسنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد كان عليه الصلاة والسلام يبقى في منى ليلاً ونهاراً ومع أنه في ذلك الوقت لا مكيفات ولا خيام على ما كانت عليه اليوم وهو صابر محتسب وقد جعل الحج نوعا من الجهاد في سبيل الله حين (سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هل على النساء جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) والحج ليس نزهة ولا طرباً، الحج عبادة فليصبر الإنسان نفسه على هذه العبادة ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها تأسياً كاملاً فيبقى في منى ليلاً ونهاراً وما هي إلا يوم العيد ويومان بعده لمن تعجل أو ثلاثة أيام لمن تأخر لكن الإنسان يأسف أن يسمع وقائع في الحج تدل على استهانة الفاعلين بالحج وأنه ليس عندهم إلا اسم لا حقيقة له حتى بلغنا أن من الناس من يبقى في بيته ليلة العاشر من الشهر من شهر ذي الحجة ثم في أثناء الليل يحرم ويخرج إلى عرفة ومعه الكبسات والأشياء التي يرفه نفسه بها ثم إذا بقي إلا قليلاً من الليل ذهب إلى مزدلفة ولقط الحصى كما يقول ثم مشى إلى منى ورمى الجمرات قبل الفجر ونزل إلى مكة وطاف وسعى ثم عاد في ليلته إلى بيته مع أهله ثم منهم من يخرج في النهار إلى منى ليرمي الجمرات ومنهم من يوكل أيضا هل هذا حج هذا تلاعب وإن كان على قاعدة الفقهاء قد يكون مجزئ لكن الكلام أين العبادة؟ رجل يذهب يتنزه بعض ليله ثم يرجع إلى أهله ويقول أنه حج وهذا والله مما يحز في النفس ويدمي القلب أن يصل الحد إلى هذا في إقامة هذه الشعيرة العظيمة نسأل الله لنا ولهم الهداية.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا أبو خالد الشمري من الجبيل الصناعية يقول في سؤاله قمت بأداء فريضة الحج العام الماضي بتوفيق الله تعالى وقد وقع مني خطأ وهو بعد ما وقفنا بعرفه وبعد رمي الجمرات أردت أن أطوف طواف الإفاضة وذهبت في ساعة متأخرة من الليل ولم أتمكن من الانتهاء من الطواف أي طواف الإفاضة إلا بعد أداء صلاة الفجر فهل علي كفارة وجزاكم الله عنا كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من السؤال أنه لا كفارة عليه لأن الرجل طاف طواف الإفاضة في وقته أي بعد الوقوف بعرفه والمبيت بمزدلفة ولا أعلم عليه شيئا إذا كان الأمر كما وصف في سؤاله.
***(12/2)
هذه السائلة تعمل بالمملكة العربية السعودية مدرسة تقول فضيلة الشيخ يوم العيد عيد النحر ذهبنا إلى مكة لطواف الإفاضة والسعي عند العصر وتأخرنا بها بعد الطواف حتى الساعة الثانية والنصف مساءً ليلاً بلا إرادةٍ منا حيث فقدت أبي من شدة الزحام وظللت أبحث عنه حتى التقينا وركبنا السيارة لندرك المبيت في منى ليلة الحادي عشر ووصلنا قبل الفجر بنصف ساعة فقط فهل بذلك نكون أدركنا المبيت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج عليكم في هذا وليس عليكم إثمٌ ولا فدية لأن هذا التأخر بغير إرادةٍ منكم وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أسقط المبيت في منى عن الرعاة وعن السقاة لحاجة الناس إلى ذلك فإن هذا الذي وقع منكم ضرورة والضرورة أولى بالعذر من الحاجة وعلى هذا فحجكم إن شاء الله تامٌ صحيح وليس عليكم إثمٌ ولا فدية.
***(12/2)
هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ هل الشخص إذا جلس في منى ثلاثة أيام لا يجب عليه الخروج إلى السوق فإن خرج هل تكون حجته باطلة أم لا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحاج يخرج إلى منى في اليوم الثامن ويغادرها في صباح اليوم التاسع ثم يعود إليها في صباح يوم العيد فأما وجوده فيها في اليوم الثامن فهو سنة وليس بواجب وأما وجوده فيها يوم العيد وما بعده فإن الواجب عليه أن يبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر في منى وأما ليلة الثالث عشر فإن شاء بات وإن شاء تعجل لقول الله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) والأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد العيد فالحاج يبقى في منى من يوم العيد إلى اليوم الثاني عشر إن تعجل أو إلى اليوم الثالث عشر إن تأخر لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون إن الواجب هو البقاء في الليل وأما في النهار فليس بواجب لكن لا شك أنه من السنة أن يبقى الإنسان في منى يوم العيد وأيام التشريق كلها أو يومين منها إن تعجل ليلاً ونهاراً يعني أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً وإن كان عليه شيء من المشقة لأن الحج نوعٌ من الجهاد لا بد فيه من مشقة وبناءً على ذلك لو أن أحداً نزل من منى إلى مكة لشراء شيء في هذه الأيام فإنه لا حرج عليه ولا بأس لأنه سوف يشتري ويرجع.
***(12/2)
نحن مجموعة من الحجاج رمينا الجمرات الثلاث في أيام التشريق في الصباح قبل الزوال فما الذي يلزمنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج بالناس في السنة العاشرة وأمرهم أن يأخذوا عنه مناسكهم لأنه عليه الصلاة والسلام هو الإمام المعلم المرشد وهو الذي يجب أن يهتدى به (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) والنبي عليه الصلاة والسلام لم يرمِ الجمرات الثلاثة في أيام التشريق إلا بعد زوال الشمس وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يتحينون هذا الوقت ولا يرمون إلا بعد زوال الشمس ولم أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لأحدٍ أن يرمي قبل زوال الشمس في مثل هذه الأيام لهذا يكون رميهم واقعاً في غير وقته أي قبل الوقت والعبادة إذا فعلت قبل وقتها فإنها لا تجزئ لا سيما وأن السؤال عليهم متيسر فالعلماء هناك كثيرون ولو سألوا أدنى طالبٍ للعلم لأخبرهم بما يجب فعلهم في مثل هذا الأمر فيكون فعلهم هذا في حكم الترك كأنهم لم يرموا هذه الأيام الثلاثة وعليه فيجب عليهم على حسب ما قاله أهل العلم فيمن ترك واجباً من واجبات الحج فدية أي ذبح شاةٌ في مكة يوزعونها على الفقراء ولا يأخذون منها شيئاً لأنها بمنزلة الكفارة وبهذا يتم حجهم إن شاء الله.
***(12/2)
من ليبيا الذي رمز لاسمه أخوكم في الإسلام م. ع. م. ر. يقول في رسالته شخص رجم في اليوم الأول من أيام التشريق الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق اعتقاداً منه أن وقت بعد الزوال يبدأ بعد منتصف النهار أي الثانية عشرة وكان في نيته حين خروجه من منى للرجم أنه تحرى الوقت الصحيح للرجم وسأل أحد المسلمين بالقرب من الجمرات فأجابه بأن وقت الزوال هو الثانية عشرة وحينما عاد لمسكنه بمكة أعلمه أحد الأصدقاء بأن وقت الرجم يحين بعد الثانية عشرة والنصف وحينها تبين له جهله وفي اليوم الثاني رجم بعد أذان الظهر أي الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة والآن بعد أن عاد إلى بلاده يسأل فصيلتكم هل يلزمه هدي بهذه الحالة أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أحب أن يكون تعبيره عن الرمي أي عن رمي الجمرات بلفظ الرمي لا بلفظ الرجم وذلك لأن هذا هو التعبير الذي عبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وكلما كان الإنسان في لفظه متبعاً لما في الكتاب والسنة كان أولى وأحسن أما بالنسبة لما فعله فإن رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال رُمي في غير وقته وفي غير الحد الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم الجمرات في أيام التشريق إلا بعد الزوال وقال (لتاخذوا عني مناسككم) ونحن نعلم أن رمي الجمرات قبل زوال الشمس أرفق بالناس وأيسر لهم لأن الشمس لم ترتفع بعد ولم يكن الحر شديداً وكون النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس وعند اشتداد الحر دليل على أنه لا يجوز الرمي قبل ذلك إذ لو كان جائزاً قبل ذلك ما اختار لأمته الأشق على الأيسر وقد قال الله تعالى في القرآن حين ذكر مشروعية الصوم قال (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ورمي الجمرات قبل زوال الشمس من اليسر ولو كان من شرع الله عز وجل لكان من مراد الله الشرعي ولكان مشروعاً وإذا تبين أن رمي الجمرات قبل الزوال قبل الوقت المحدد شرعاً فإنه يكون باطلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود على صاحبه وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج فإن عليه أن يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء إذا كان قادراً عليها فإن كان ذلك في مقدورك فافعل إبراء لذمتك واحتياطاً لدينك وإن لم يكن في مقدورك فليس عليك شيء ولكن عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتستغفره وأن تتحرى لدينك في كل شرائع الدين وشعائره حتى تعبد الله على بصيرة.
***(12/2)
أيضاً يقول أرشدوني وفقكم الله هل نبدأ باليوم الثاني من العيد فما بعده بجمرة العقبة أو بالجمرة التي تلي مكة المكرمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جمرة العقبة هي الجمرة التي تلي مكة ولكننا نقول إنك تبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم بالوسطى ثم بجمرة العقبة فتكون جمرة العقبة في اليومين التالين للعيد تكون هي الأخيرة وبهذه المناسبة عن رمي الجمرات أود أن أذكر إخواننا المسلمين أن رمي هذه الجمرات عبادة يتعبد بها الإنسان لله سبحانه وتعالى بالقول وبالفعل وهي اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وأنت عندما ترمي الجمرات تتعبد لله تعالى بالقول فتقول الله أكبر وتتعبد له بالفعل فترمي هذه الجمرات في هذه المواضع لمجرد التعبد لله سبحانه إذ إن الإنسان لا يعقل علة لها وكون بعض الناس يقولون إننا نرمي الشياطين هذا لا أصل له فالإنسان ليس يرمي الشيطان وإنما يرمي هذه الأماكن امتثالاً لأمر الله تبارك تعالى حيث أمرنا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (خذوا عني مناسككم) ثم إنه أيضاً ينبغي أن يكون الرمي بهدوء وخشوع لا بعنف وشدة وقسوة كما يفعل العامة الجهال وينبغي إذا رميت الجمرة الأولى في اليوم الحادي عشر والثاني عشر أن تبتعد قليلاً عن الزحام ثم تقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديك تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء طويل وكذلك إذا رميت الوسطى تقف بعدها وتدعو الله تعالى بدعاء طويل ثم تذهب وترمي جمرة العقبة ولا تقف بعدها.
***(12/2)
هذه الرسالة وردتنا من القويعية من مقدمها عبد الله الحصان يقول في رسالته إنني أديت فريضة الحج قبل سنوات والحمد لله أديت جميع واجبات الحج وأركانه إلا أنه في اليوم الثاني من أيام العيد لم أستطع أن أرمي الجمرات في هذا اليوم وذلك بسبب الزحام ويقول إنني ذهبت للمسجد الحرام لأؤدي طواف الحج ولكنني لم أستطع الرجوع إلى منى في ذلك اليوم إلا في وقتٍ متأخر من الليل وذلك بسبب الزحام الشديد الذي بسببه لم أستطع أن أرمي جمار ذلك اليوم إلا في اليوم الثالث فما حكم ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم ذلك أنه لا بأس به لا بأس فيما صنعت إذا لم تستطع أن ترمي في اليوم الأول ورميت في اليوم الثاني فإن هذا لا حرج عليك ولو أنك حينما وصلت إلى منى في الليل رميت لكان أفضل وأحسن من تأخيرها إلى اليوم الثاني لأن الليل يتبع النهار في الرمي لا سيما إذا كان هناك عذر كزحامٍ ومشقة وتأخرٍ في مكة وما أشبه ذلك فلو أنك حين قدمت من مكة ذهبت إلى الجمرات ورميتها ليلاً لكان أولى من تأخيرها إلى اليوم الثاني ولكن على كل حال ما صنعت فإنه مجزئٌ إن شاء الله.
***(12/2)
بارك الله فيكم في آخر سؤال للسائل مصري ومقيم بمكة المكرمة يقول يقوم بعض الحجاج الذين قدموا من مصر لأداء فريضة الحج بالمبيت في مكة أيام التشريق وتوكيل أحد الأقارب للرجم مكانهم فهل هذا جائز أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رمي الجمرات من أعمال الحج وهو من واجبات الحج فلا يجوز لأحد أن يوكل من يرمي عنه كما لا يجوز له أن يوكل من يطوف عنه أو يسعى عنه أو يقف بعرفة عنه أو يبيت في مزدلفة عنه لأن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وإتمام الحج والعمرة أن يأتي بجميع أفعالهما وأقوالهما وجوبا في الواجب وندبا في المستحب نعم لو فرض أن الإنسان لا يستطيع الوصول إلى الجمرات لمرض أو غيره فله أن ينيب من يرمي عنه لأنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرمون عن الصغار ولولا أنه ورد عن الصحابة أنهم يرمون عن الصغار لقلنا إن من عجز عن الرمي فليس عليه شيء لأن الواجبات تسقط بالعجز لكن لما كان الصحابة يرمون عن الصغار قلنا إن من عجز عن الرمي فإنه يوكل من يرمي عنه لكن لو قال أنا قادر إلا أني أخشى من الزحام قلنا له أجِّل الرمي إلى وقت لا يكون فيه الزحام فإذا قدرنا أن الزحام يشتد في رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال وبعد العصر فليؤجله إلى الليل لأن الرمي بالليل جائز ولا سيما عند الحاجة.
***(12/2)
بارك الله فيكم، هذه رسالة وصلت من عزت جودة مصري الجنسية مقيم بالمملكة يقول فضيلة الشيخ رجل أعطاني جمرات في اليوم الثاني عشر لكي أرمي بدلاً عنه بحجة أنه مسافر والمسافة بعيدة ولعلمكم بأنه ليس مريض فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نَظَرُنا أن هذا العمل لا يجزئه لأنه ترك واجباً من واجبات الحج وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) ومن وكّل غيره بذلك فإنه لم يقم بذكر الله في هذه الجمرات وعلى هذا فإن رمي هذا الوكيل لا يجزيء عن موكله، والواجب على موكله الآن أن يستغفر الله ويتوب إليه مما صنع وأن يذبح فدية توزع على الفقراء في مكة، يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء هناك لأنه ترك واجباً من واجبات الحج وقد قال أهل العلم إن الإنسان إذا ترك واجباً من واجبات الحج وجبت عليه فدية تذبح في مكة وتوزع جميعها على الفقراء هناك، وليعلم أن الحج عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه وأن الإنسان نفسه مكلف بها وبإتمامها كما قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) فالواجب على من شرع في حج أو عمرة أن يتمها بنفسه ولا يجوز أن يوكِّل فيها لا في الطواف ولا في السعي ولا في المبيت ولا في الرمي ولا في الوقوف بعرفة لابد أن تباشر أنت بنفسك هذه الأعمال، ولولا أن الصحابة كانوا يرمون عن الصبيان لقلنا إن من عجز عن رمي الجمرات فإنه لا يستنيب أحداً لأنها عبادة متعلقة ببدن الفاعل فإن قدر فذاك وإن لم يقدر سقطت عنه فإن كان لها بدل أتى ببدلها وإن لم يكن لها بدل سقطت بالكلية، وأما تهاون بعض الناس اليوم في التوكيل في رمي الجمرات فإنه يدل على أحد أمرين إما على نقص في العلم أو على ضعف في الدين وأما من كان عنده علم بشريعة الله فإنه يتبين له أن رمي الجمرات كغيرها من واجبات الحج لابد أن يقوم الإنسان به بنفسه ولا يجوز أن يوكل غيره فإن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) والإتمام يشمل إتمام جميع أعمالهما، فإن قال قائل إذا كان معي نساء فإن النساء ضعيفات لا يستطعن مقاومة هذا الزحام الشديد الذي قد يحصل به الموت أحياناً وذلك لجهل الناس وعدم معرفتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في هذه المناسك من الرفق والرحمة بإخوانهم فإذا ذهبنا بالنساء للرمي صار عليهن المشقة وربما يحصل عليهن ضرر فالجواب عن هذا أن نقول إن هذا الزحام ليس دائماً بل هذا الزحام يكون عند ابتداء وقت الرمي في الغالب ثم يخف الناس شيئاً فشيئاً فانتظر وقت خفة الناس ولو أن ترمي في الليل فإن الرمي في الليل جائز ولاسيما عند هذا الزحام الشديد، ولا يجوز أن توكل النساء من يرمي عنهن من أجل الزحام ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا الجمرات قبل زحمة الناس فأمرهم أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة مع أن المبيت بمزدلفة من شعائر الله ومن المشاعر العظيمة قال الله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) ومع هذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتطعوا جزءاً من هذه العبادة من أجل أن يسلموا من الزحام ولم يقل صلى الله عليه وسلم اجلسوا لا تدفعوا إلا معنا ووكلوا من يرمي عنكم، ولو كان هناك مجال للتوكيل لكان التوكيل أهون من أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة ورخص لهم أن يتقدموا وأن يرموا قبل الوقت الذي رمى فيه، والصحيح أنه يجوز أن يرموا ولو قبل الفجر متى أبيح لهم الدفع من مزدلفة أبيح لهم الرمي متى وصلوا إلى منى لأن رمي الجمرات تحية منى، وكذلك الرعاة (أذِنَ لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرموا يوماً ويَدَعُوا يوماً) ولم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمى عنهم في اليوم الذي هم فيه غائبون عن منى فلهذا يجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وأن يؤدي أفعال النسك بنفسه إلا ما عجز عنه وورد فيه التوكيل.
***(12/2)
المستمعة لها سؤال تقول يا فضيلة الشيخ والدتي في حجتها الأولى لم ترجم الجمرات الثلاث بل وكلت أخي وذلك لشدة الزحام فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرجو ألا يكون عليها شيء في ذلك مادامت في ذلك الوقت لا تستطيع أن ترمي وظنت أن التوكيل يجزئ عنها فوكلت ولكن عندي ملاحظة على قولها ترجم لأن الأولى أن لا يكون التعبير بترجم وإنما يكون التعبير بالرمي فيقال رمى الجمار ولا يقال رجم الجمار.
***(12/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل هل يجوز تأخير الرمي في اليوم الأول من أيام التشريق إلى أن يزول الزحام لكي لا أضايق الآخرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نقول لإخواننا المسلمين ما نعلمه من السنة رمي جمرة العقبة يوم العيد من آخر الليل ليلة العيد إلى طلوع الفجر ليلة الحادي عشر لكن الأفضل للقادرين أن لا يرموا حتى طلوع الشمس رمي جمرات أيام التشريق من الزوال أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني فيوم أحد عشر من زوال الشمس إلى طلوع الفجر يوم اثنا عشر وكذلك رمي يوم اثني عشر من الزوال إلى طلوع الفجر أي فجر يوم ثلاثة عشر يوم ثلاثة عشر من الزوال إلى غروب الشمس ولا رمي بعد غروب الشمس يوم ثلاثة عشر لأنه تنتهي أيام التشريق لكن في اليوم الثاني عشر من أراد التعجل فليحرص على أن يرمي قبل غروب الشمس لكن لو فرض أنه تأخر الرمي عن غروب الشمس للعجز عنه لكون المسير غير سريع أو لبقاء الزحام الشديد إلى غروب الشمس فلا بأس أن يرمي بعد غروب الشمس ويستمر ولا يلزمه في هذه الحال أن يبيت في منى لأن الرجل تأهب ونوى التعجل وفارق خيمته لكنه حبس إما من مسير السيارات وإما من كون الزحام شديداً حتى غابت الشمس ولا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق
أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى بعد الزوال وقال (خذوا عني مناسككم) ومن رمى قبل الزوال لم يأخذ عنه مناسكه بل تعجل.
ثانياً: ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يترقب بفارغ الصبر كما يقولون أن تزول الشمس بدليل أنه من حين أن تزول الشمس يرمي قبل أن يصلى الظهر ويلزم من هذا أن يؤخر صلاة الظهر ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لرمى قبل الزوال لأجل أن يصلى الظهر في أول وقتها.
ثالثاً: أنه ما كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أرحم الخلق بأمته ما كان ليؤخر الرمي حتى تزول الشمس فيشتد الحر مع جواز الرمي قبل ذلك لأن من المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) هذه ثلاثة أوجه:
الرابع: أنه لم يأذن للضعفة أن يرموا قبل الزوال كما أذن لهم ليلة العيد أن يتقدموا ويرموا الجمرة قبل طلوع الفجر وأما قول بعض الناس إن هذا مشقة نقول الحمد لله ما في مشقة، أكثر ما تكون المشقة عند الزوال يوم اثني عشر وعليه فليؤخر إلى العصرثم إذا بقي الزحام أخّر إلى المغرب وإذا بقي الزحام أخّر إلى العشاء لك إلى الفجر فأين المشقة قول بعض الناس ما يمكن أن يرمي مليونان من الناس في هذا المكان من الزوال إلى الغروب هذا أيضاً مغالطة.
أولاً: لأنه من يقول إن الحجاج يبلغون مليونين؟ هذه واحدة.
ثانياً: إذا بلغوا مليونين هل كلهم يرمي بنفسه كثير منهم يوكلون.
ثالثاً: إننا نقول ليس هناك دليل على أن وقت الرمي ينتهي بغروب الشمس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد أوله ولم يحدد آخره فالواجب على المسلمين أن يتبعوا ما دلت عليه السنة ويجب أن نعلم أنه ليس كلما حلت مشقة جاز تغيير أصول العبادة وإلا لقلنا إن الإنسان إذا شق عليه صلاة الظهر في وقت الظهيرة جاز أن يصلىها في أول النهار لأنه أيسر مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند اشتداد الحر في صلاة الظهر أن يبردوا بالصلاة ولم يقل قدموها في أول النهار.
***(12/2)
بارك الله فيكم يا فضيلة الشيخ يقول إنه ذهب إلى الحج في العام الماضي يقول وكانت نيتي أن أكمل مناسك الحج على أكمل وجه غير أنني رميت الجمرات في اليوم الثاني بعد صلاة الفجر فوجدت الناس يرمون فرميت مثلهم ولكن سمعت من بعض الأخوة يقولون رمي الجمرات بعد الزوال ونظراً لأنني لم أستطع الرمي مرةً أخرى في هذا اليوم من الإرهاق والزحام فأفيدوني في حكم حجي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما أفتاك به الأخوة من أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في الحادي عشر وكذلك في الثاني عشر وكذلك في الثالث عشر صحيح لأن الرمي في هذه الأيام الثلاثة لا يدخل وقته إلا بعد الزوال وعلى هذا فرميك بعد صلاة الفجر في غير وقته فيكون مردوداً غير مقبول لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وكان ينبغي لك أنهم لما أخبروك أن رميك بعد صلاة الفجر غير صحيح ذهبت في آخر النهار أو في الليل فرميت ولكن لما لم يحصل ذلك فإن عليك الآن أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء ويكون ذلك بدلاً عن الواجب الذي تركته وإنني بهذه المناسبة أنصح أخي هذا السائل وسائر إخواننا المستمعين أن لا يفعلوا العبادة إلا وقد عرفوا ما يجب فيها وما يحرم فيها حتى لا يتركوا واجباً ولا يقعوا في محرم وما أكثر الذين يحصل لهم خطأ في الحج ثم يأتون إلى العلماء يسألونهم بعد ذلك وربما قد يكون فات الأوان ولا يمكن تداركه وكل ذلك بسبب أن كثيراً من الناس لا يهتمون في عباداتهم بل يخرجون مع هذا العالم ويفعلون كما يفعل الناس وإن كانوا على جهل وحينئذٍ يندمون فأنت إذا أردت أن تعبد الله عز وجل على بصيرة فتعلم أحكام العبادة التي تريد أن تفعلها قبل أن تقوم بفعلها حتى يكون فعلك مبنيٌ على أساسٍ صحيح.
***(12/2)
بارك الله فيكم تقول يا فضيلة الشيخ ذهبت إلى الحج وعند الجمرات لم أستطع الرمي بسبب الزحام الشديد فوكلت عني أخي في جميع رمي الجمرات الثلاث فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أنه إذا كانت لا تستطيع أن ترمي بنفسها إما لمرضها أو لكونها حاملاً أو لكونها عرجاء لا تستطيع المشي إلى الجمرات ولا أن تستأجر من يحملها إلى ذلك فإنه يحل لها أن توكل أما إذا لم يكن هناك عذرٌ فإنه لا يحل لها أن توكل لأن الجمرات من شعائر الحج وجزءٌ من أجزائه وقد قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ومن إتمام الحج إتمام الرمي ومسألة الزحام يمكن التخلص منها بتأخير الرمي من النهار إلى الليل.
***(12/2)
ما حكم من خرج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد أن رمى الجمار الثلاث بعد الزوال وبات في مزدلفة وعاد صباح اليوم الثالث من أيام التشريق إلى منى وجلس به قليلاً ثم انصرف إلى البيت ووادع وخرج من مكة إلى أهله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة هو أنهم خرجوا من منى في اليوم الثاني عشر على أساس أنهم أتموا حجهم فرجوعهم بعد ذلك إلى منى في اليوم التالي لا يلزمهم المقام بها لأنهم قطعوا العبادة فإن عادوا فهم أحرار لهم أن يجلسوا فيها قليلاً أو كثيراً ثم ينصرفون ثم يطوفون للوداع ويخرجون إلى أهليهم.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل محمد س. م. من الرياض يقول في العام الماضي أديت فريضة الحج والحمد لله وقررت بعد رمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني عشر أن أتعجل وقد ركبت السيارة في وقتٍ ضيقٍ جداً ولم تكن هناك إمكانية لرؤية الشمس ولكن ريثما تجاوزت قليلاً اللوحة المكتوب عليها حدود منى أو بداية منى سمعت الآذان لصلاة المغرب وبدأ يراودني الشك من حين لآخر ولم أكن متيقن من أني خرجت من ذلك قبل الغروب أو بعده فماذا ينبغي عليَّ أن أفعل وهل حجي صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج صحيح وليس عليه شيء والإنسان إذا نوى التعجل وركب سيارته ومشى فليمض في سيره ولو غابت الشمس وهو في منى لأن الرجل تعجل ومشى لكن أحياناً تحجزه السيارات أو تتعطل سيارته بدون أن يختار البقاء فنقول امض في سيرك ولا حرج عليك.
***(12/2)
أيضاً يقول إذا تعجل الحاج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق ونزل منى لمتابعة عمله يعني ذهب إلى مكة وعاد إلى منى ونزل إلى منى لمتابعة عمل وغربت عليه الشمس هناك فهل يلزمه المبيت أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام قد تعجل وخرج من منى بعد أن رمى الجمرات بعد الزوال بنية أنه أنهى نسكه فقد انتهى نسكه فإذا عاد إلى منى بعد العصر مثلاً لمتابعة عمل فهو حر متى شاء خرج لأنه قطع نية العبادة وخرج فعلاً من منى قبل غروب الشمس فإذا عاد فهو حر إن شاء بقي وإن شاء لم يبق ولكننا ننصح هذا الأخ الذي سيبقى في منى في عمل أن لا يتعجل بل أن يبقى في منى على نية النسك ليكتب له أجر في ذلك فإنه إذا بقي على نية النسك فله أجر تلك الليلة وله أجر رمي الجمرات في اليوم الثالث عشر.
***(12/2)
السائل: جزاكم الله خيراً من حائل السائل ج ج كتب هذا السؤال يستفسر عن الأتى يقول أديت فريضة الحج منذ ثلاث سنوات وكان حجي قرآناً وأتممت مناسك العمرة وذهبت لأداء مناسك الحج وعند طواف الإفاضة أخرته مع طواف الوداع وبعد إتمام المناسك دخلت الحرم ولم أؤدِ الطواف وذهبت إلى جدة لشراء بعض الأغراض ثم عدت في نفس اليوم وطفت من يومها وخرجت من مكة حتى يكون أخر عهدي بالبيت وعلمت الآن بأنه كان يلزمني السعي قبل طواف الإفاضة والوداع وجهوني في ضوء هذا السوال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل من أهل حائل والمفهوم من سؤاله أنه حينما نزل من منى مستكملاً المناسك لم يطف طواف الإفاضة لأنه أخره للوداع ولم يسعَ بين الصفا والمروة ثم خرج إلى جدة لحاجة ورجع وطاف ومشى فبناء على سؤاله حيث قال إنه كان قارناً بين الحج والعمرة وقد طاف وسعى أول ما قدم نقول له لا سعي عليك لأن القارن إذا سعى بعد طواف القدوم كفاه عن السعي بعد طواف الإفاضة ولا حرج عليه أيضاً حين خرج إلى جدة قبل أن يطوف للوداع لأن جدة ليست بلده فهو في الحقيقة لم يغادر مكة إلى بلده أو محل إقامته ولكنه رجع من جدة ثم طاف طوافاً للوداع وسار إلى حائل مقر عمله وهذا العمل لا بأس به بقي أن يقال إنه قال في كلامه أنه قدم إلى مكة وأدى مناسك العمرة مع إنه يقول إنه كان قارناً بين الحج والعمرة والظاهر أن مراده بقوله أديت مناسك العمرة أنه طاف وسعى فظن أن ذلك عمرة مستقلة وإلا فهو على قرانه.
***(12/2)
سائل يقول نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع لم يبت في حدود مكة نهائياً وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت فهل هذا صحيح أم لا لأننا أحياناً نخرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولم نستطع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة وأن الطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام المتواجد من الحجاج وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولأبي داود (حتى يكون أخر عهده الطواف بالبيت) وعلى هذا فَأعِدَّ نفسك بأنك لا تخرج أو لا تطوف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك ثم تخرج مباشرة لكن يسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلى الصلاة إذا كانت قد دخل وقتها وأن يشتري حاجة في طريقه وهو ماشي وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه إعادة طواف الوداع وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة المكرمة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول سائل إننا لم نتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع لأن الطواف كان ليلاً ومعنا أطفال وغادرنا مكة في اليوم التالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه مغادر ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً او انتظار رفقة أو ما أشبه ذلك فلا تجب عليه إعادة الطواف وكذلك قال العلماء لو اشترى حاجة في طريقه لا لقصد التجارة فإنه لا تجب عليه إعادة الطواف ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار أو من النهار إلى الليل فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت.
***(12/2)
المستمع محمود أحمد عيسى من السودان يقول في رسالته قمت بأداء فريضة الحج هذا العام وكنا مجموعة من الإخوان وجميعنا مقيمون بمدينة جدة لقد قمنا بجميع المناسك ما عدا طواف الوداع إذ أننا عدنا رأساً من منى يرى البعض أنه يمكن القيام به قبل نهاية شهر ذي الحجة الحالي والبعض الآخر يرى فيما بعد بدون تحديد للزمن على شرط قبل مغادرة المملكة أفيدونا بوجه النظر الصحيح لديكم جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن طواف الوداع واجب على كل من حج أو اعتمر أن لا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع طوافاً بدون سعي لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الناس ينفرون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) فهؤلاء الجماعة المقيمون في جدة من السودان حينما لم يطوفوا طواف الوداع نقول لهم إنهم أساءوا وإن الواجب عليهم أن لا يغادرو مكة حتى يطوفوا للوداع لأنهم غادروا مكة إلى محل إقامتهم فيكونون داخلين في الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً وعلى هذا فنقول لهم إن كان عملهم هذا مستندا إلى فتوى أفتاهم بها أحد من أهل العلم الذين يثقون به فإنهم لا شيء عليهم لأن تلك وظيفتهم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وإذا أخطأ المفتي لم يلزم المستفتي شيء بقيامه بما أوجب الله عليه وأما إذا كان عملهم هذا غير مستند إلى فتوى لمن يثقون به فإنه يلزم كل واحد منهم أن يذبح فدية في مكة ويفرقها على الفقراء لتركهم واجب من الواجبات وترك الواجب عند جمهور العلماء يجب فيه دم يفرق على فقراء الحرم.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا هذه رسالة وصلت من السائل يوسف ح س من جدة ويقول في سؤاله قمنا بالحج متمتعين قبل عامين من الآن وقمنا بأعمال الحج كاملة إن شاء الله من طواف الإفاضة والسعي والمبيت والوقوف بعرفات والهدي ولكن ظناً منا بأنه ليس لنا طواف وداع أنا وجميع أفراد عائلتي فإننا لم نقم بطواف الوداع لأننا نقوم بزيارة مكة كل فترة وطواف الوداع للقادمين من خارج المملكة فقط هذا اعتقادنا فهل ما قمت به صحيح وإذا لم يكن صحيح فما العمل وما هي الكفارة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما قام به السائل من أعمال الحج فكله صحيح لكن الوداع تركه غير صحيح قال ابن عباس رضي الله عنهما كان الناس ينصرفون من كل وجه فقال صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) فأهل جدة ومن دون جدة أيضا إذا خرجوا من مكة بعد حج أو عمرة وجب عليهم طواف الوداع إلا إذا أخروا طواف الإفاضة وطافوه عند الوداع فإنه يجزئ عن طواف الوداع وكذلك في العمرة إذا طافوا وسعوا وقصروا ثم رجعوا إلى أهليهم فليس عليهم وداع لأن الوداع الأول كاف والقاعدة عند أهل العلم في مثل هؤلاء أنه يلزم كل واحد منهم دم أي فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء لتركهم هذا الواجب.
***(12/2)
سائل يقول هل للوداع أشوط معدودة أو يطوف الإنسان ما شاء واحداً أو خمسة أو عشرة المهم أن يطوف حول الكعبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أطلق الطواف المراد به الطواف المشروع وهو لا يقل عن سبعة أشواط ولا يزيد عليها كما أننا إذا قلنا صلاة فهي الصلاة المشروعة التي لها صفة معينة من ركوع وسجود وقيام وقعود فالطواف إذا أطلق فإنما المراد به الطواف بالبيت وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وفي رواية لأبي داود (حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) والطواف إذا أطلق فهو سبعة أشواط.
***(12/2)
سؤاله يقول أثناء تأديتي لفريضة الحج وبعد الرجوع من منى أديت طواف الإفاضة والوداع سوياً كنت نويت ذلك هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان أخر طواف الإفاضة إلى وقت السفر فإن طواف الإفاضة يجزئ عن طواف الوداع أما إذا كان قدم طوف الوداع بمعنى أنه طاف للإفاضة يوم العيد أو اليوم الثاني أو الثالث قبل أن ينهي الحج فإن هذا الطواف للوداع لا يجزؤه لكن يطوف للوداع إذا أراد أن يخرج.
***(12/2)
من سعيد يحيى محمد غيثي وردتنا هذه الرسالة يقول من مدرسة تحفيظ القرآن الكريم ببلاد الرين يقول رجل حج إلى بيت الله الحرام وأكمل جميع المناسك وطاف طواف الوداع ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط اعتقاداً منه أن الحج هكذا وهي عن طريقة الجهل فهل حجهُ جائز. وهل يلحقه إثم؟ وماذا يجب عليه أن يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: متى تاريخ خط الكلام هذا؟(12/2)
فضيلة الشيخ: هذا تاريخه في شهر 4 من عام 1401هـ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنه يؤسفني أن يكون هذا الكتاب يسأل فيه مقدمه عن أمر وقع قبل أربعة شهور فالواجب على المسلم أولاً إذا أراد أن يفعل عبادة أن يسأل عن أحكامها من يثق به من أهل العلم لأجل أن يعبد الله على بصيرة، والإنسان إذا أراد أن يسافر إلى بلد وهو لا يعرف طريقها تجده يسأل عن هذا الطريق وكيف يصل وأي الطرق أقرب وأيسر فكيف بطريق الجنة وهو الأعمال الصالحة فالواجب على المرء إذا أراد أن يفعل عبادة أن يتعلم أحكامها قبل فعلها هذه واحدة، ثانياً إذا قدر أنه فعلها وحصل له إشكال فيها فليبادر به، لا يأتي بعد أربعة أشهر يسأل، لأنه إذا بادر حصل بذلك مصلحة وهي العلم ومصلحة أخرى وهو المبادرة بالإصلاح إذا كان قد أخطأ في شيء، أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فنقول إن سعيه بعد طواف الوداع ظناً منه أن عليه سعياً لا يؤثر على حجه شيئاً ولا على طواف الوداع شيئاً فهو أتي بفعل غير مشروع له لكنه جاهل فلا يجب عليه شيء.
***(12/2)
يقول المستمع صالح محمد صالح الحاج إذا خرج في يوم التروية يريد أن يخرج إلى الحل من الحرم يريد أن يخرج إلى عرفة فهل يلزمه طواف وداع أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه طواف وداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى منى ثم إلى عرفة ولم يطف طواف الوداع فإذا قال قائل النبي عليه الصلاة والسلام ما زال في نسكه قلنا لكن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم حلوا من إحرام العمرة لأنهم لم يسوقوا الهدي وابتدؤا الحج من جديد في اليوم الثامن ومع ذلك ما أمروا أن يذهبوا إلى البيت فيطوفوا طواف الوداع فليس طواف الوداع في هذه الحال مشروعاً.
***(12/2)
سائلة تقول حججت بيت الله الحرام ثلاث مرات وفي كل مرة لم أتمكن من طواف الوداع لأعذار شرعية فأسافر دون الطواف ولم أقدم فدية في حينها فهل حجي صحيح ومقبول أم لا وهل يفرض علي الشرع شيئا الآن بعد فوات الوقت وما هو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج لمن لم يطف طواف الوداع حجه صحيح لأن طواف الوداع منفصل من الحج ولهذا لا يجب على أهل مكة ولو كان من واجبات الحج الداخلة فيه لكان واجبا على أهل مكة لكنه واجب مستقل لكل من أراد الخروج من مكة من حاج أو معتمر وإذا كان لهذه السائلة أعذار شرعية وهي الحيض فإن الحائض يسقط عنها طواف الوداع لقول بن عباس رضي الله عنهما (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) وعلى هذا فإن حجك صحيح وليس عليك شيء ما دام العذر عذرا شرعيا وهو الحيض لأن الأمر مخفف عنك والحمد لله.
***(12/2)
هذا السائل رمز لاسمه بـ ع. ر. ش. شرورة يقول فضيلة الشيخ أديت فريضة الحج أنا وزوجة والدي وعند طواف الوداع في اليوم الأول أتتها العادة الشهرية فلذلك أدينا طواف الوداع أنا وأخي وهي لم تطف طواف الوداع فما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحائض والنفساء لا يجب عليهما طواف الوداع لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) وفي الصحيحين من حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرادها فقيل إنها حائض فقال (أحابستنا هي) قالوا إنها قد أفاضت قال (فلتنفر إذاً) فالحائض ليس عليها وداع لا في حجٍ ولا عمرة أما إذا حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة فإنه لا بد أن تطوف طواف الإفاضة فإما أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف وإما أن تذهب وتبقى على ما بقي من إحرامها حتى تطهر ثم ترجع فتطوف.
***(12/2)
المستمعة أم مريم من الكويت تذكر بأنهم أدوا فريضة الحج في العام الماضي مع ابنتها وزوجها وبعد الرجوع إلى البلد أخبرتهم البنت بأن الدورة نزلت عليها وهي تطوف طواف الوداع ولم تخبرهم إلا بعد الرجوع إلى البيت فماذا يعملون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا تطوف بالبيت لقول النبي صلى الله عليه واله وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت قبل أن يصلوا إلى مكة قال (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) ولما ذكر له أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد فراغ الحج قال (أحابستنا هي) قالوا: إنها قد أفاضت قال (انفروا) وهذا يدل على أن الحائض لا يمكن أن تطوف بالبيت لأن الحائض ممنوعة من المكث في المسجد لا من المرور فيه وإذا كانت ممنوعة من المكث في المسجد فالطواف مكث في المسجد الحرام وإن كان مكثاً فيه حركة وعلى هذا فإن هذه المرأة التي حاضت في أثناء طواف الوداع ولم تخبر أهلها إن احتاطت وذبحت فدية في مكة توزع للفقراء فهو خير وذلك لأن طوافها بطل بحصول الحيض في أثنائه وإن لم تفعل فأرجو ألا يكون عليها شيء لأن هذه المرأة لو حاضت قبل أن تسعى بطواف الوداع سقط عنها طواف الوداع فإذا شرعت فيه وهي طاهر ثم حاضت في أثنائه فقد فعلت ما أوجب الله عليها وسقط عنها بقية الطواف بوجود الحيض فلا يتبين وجوب الفدية عليها ولكن إن فدت فهو خير وإن لم تفدِ فلا شي عليها
***(12/2)
أحمد م. ع. يمني من مدينة الحديدة يقول في رسالته إذا أديت العمرة هل على أن أطوف طواف الوداع فإني أؤدي العمرة بدون طواف الوداع فإذا كانت واجبة ماذا علي أن أفعل أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أتى الإنسان بعمرة طواف وسعي وحلق أو تقصير فلا يخلو من حالين إما أن يكون من نيته أن يخرج من مكة من حين انتهاء العمرة فهذا لا وداع عليه وإما أن يكون عازماً على البقاء بعد العمرة فإذا بقي بعد العمرة ولو ساعة واحدة فإن عليه أن يطوف للوداع لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وفي لفظ (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) وهذا شامل للحج والعمرة فإن العمرة قد دخلت في الحج ولهذا تسمى حجاً أصغر وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) وهذا عام شامل لكل ما يصنع في الحج أن يصنع في العمرة إلا ما خصه الدليل بالنص أو الإجماع كالوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ورمي الجمار فإن ذلك ليس مشروعاً في العمرة هذا هو القول الراجح عندي وقال بعض أهل العلم إن العمرة ليس فيها طواف وداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) قاله في حجة الوداع ولم يقله في العمرة ولكن الجواب على هذا الحديث يقال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحج لا ينفي أن يكون واجباً في العمرة لأنه أي قوله إياه في الحج هو ابتداء تشريعه فلم يكن طواف الوداع مشروعاً إلا من باب هذا القول ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى العمرة بالفعل مرتين قبل حجته مرة في عمرة القضاء ومرة في عمرة الجعرانة ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف بالوداع ولا أمر به ذلك لأن ابتداء وجوبه إنما كان في حجة الوداع والله أعلم.
***(12/2)
هذه الرسالة وردتنا من بلاد زهران جرداء بني علي يقول مرسلها أخوكم م. ز.س الزهراني يقول في رسالته هذه هل على المعتمر طواف وداع إذا ما بات في مكة أم هو فقط على الحجاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يقول إن المعتمر ليس عليه طواف وداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الناس عام حجة الوداع فقال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) فقد خاطبهم وهم في الحج ولم يخاطبهم بذلك في العمرة حينما اعتمروا عمرة القضية فدل هذا على أنه لا يجب إلا في الحج فقط وقال آخرون من أهل العلم إن طواف الوداع يجب على الحاج والمعتمر لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في عمرة القضية لا يمنع الوجوب لأن هذا مما تجدد وجوبه فلم يجب إلا في حجة الوداع وأيضاً فإن العمرة حج أصغر يسمى حجاً على سبيل التغليب وعلى سبيل المجاز لأن فيها الطواف والسعي وأيضاً الوجوب أن هذا الرجل دخل بعمرة فبدأ بطواف هو تحية القدوم فينبغي أن يختم بطواف وهو طواف الوداع وأيضاً فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العمرة بمنزلة الحج لوجوب الإحرام من الميقات لمن قصدها فكذلك يجب أن تكون مثله أي مثل الحج عند الخروج وأيضاً فقد روى الترمذي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنده الحجاج بن أرطاة أنه (أمر من حج أو اعتمر ألا يخرج حتى يطوف بالبيت) وأيضاً فإن طواف الوداع للعمرة أحوط وأبرا للذمة لذلك نرى أنه يجب على المعتمر أن يطوف طواف الوداع إذا خرج إلا إذا كان قد خرج فور انتهائه من العمرة فإنه لا وداع عليه حينئذٍ يعني أنه قدم مكة معتمراً فطاف وسعى وحلق أو قصر ثم خرج فوراً فهذا لا يجب عليه الوداع حينئذ لأن الطواف بالبيت قد حصل وقد ترجم على ذلك البخاري رحمه الله في صحيحه.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائل الذي رمز لأسمه بـ أأ يقول هل الوداع في العمرة واجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اعتمر الإنسان وخرج من مكة من حين انتهى من العمرة فلا وداع عليه اعتقاداً بالطواف الأول وأما إن بقى في مكة فإنه لا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف ولكن هل الطواف في العمرة واجب أو مستحب الذي نرى أنه واجب وأنه يجب على المرء أن لا يخرج من مكة بعد العمرة إلا بطواف الوداع إذا انتهى من جميع أموره لأن العمرة تسمى حجاً أصغر كما في حديث عمرو بن حزم المشهور الطويل ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ليعلى بن أمية (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) فيكون الأصل تساوي النسكين الحج والعمرة في الأحكام إلا ما دل الدليل على اختصاص الحج به كالوقوف والمبيت والرمي ولأن الطواف أحوط وأبرأ للذمة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) والقائلون بعدم الوجوب لا ينكرون أنه مشروع وأن الإنسان يثاب عليه ويؤجر عليه.
***(12/2)
أحسن الله إليكم يقول أنا الآن أعمل في مكة المكرمة منذ عامين فهل عندما أسافر في فترة إجازتي السنوية يجب أن أطوف طواف وداع مع العلم أنني أقوم بالحج سواء لي أو لأهلي المتوفين وهل يمكن عمل طواف الوداع ليلاً ثم السفر صباحاً هل يمكن النوم بعد الطواف وتناول الطعام أو شراؤه ثم السفر أو أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع واجب على كل إنسان غادر مكة وهو حاج أو معتمر فإذا قدمت للحج أو العمرة وأتيت بذلك فإنك لا تخرج حتى تطوف للوداع أما إذا قدمت إلى مكة لغير حج ولا عمرة بل لعمل أو لزيارة قريب أو ما أشبه ذلك فإن طواف الوداع لا يلزمك حينئذ لأنك لم تأت بنسك حتى يلزمك طواف الوداع ويجب أن يكون طواف الوداع آخر شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولكن العلماء رخصوا لمن طاف طواف الوداع رخصوا له بالأشياء التي يفعلها وهو عابر وماشي مثل أن يشتري حاجة في طريقه أو أن ينتظر رفقة متى جاؤوا ركب ومشى وأما من طاف للوداع ثم أقام ونوى إقامة لغير هذه الأشياء وأمثالها فإنه يجب عليه أن يعيد طواف الوداع.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائلة أم عبد الله لها هذا السؤال تقول نود أن نسأل هذا السؤال راجين من الله أن يجزيكم كل خير لقد قمنا والحمد لله في السنة الماضية بأداء فريضة الحج ولقد أدينا مناسك الحج بكل يسر وسهولة ونحمد الله على ذلك ولكن قبل أداء طواف الوداع أردنا شراء بعض الحاجات من مكة ولكن هناك من قام بقراءة فتوى فيها أنه لا بأس من شراء أي حاجات أو لوازم من مكة بعد الطواف فما كان منا إلا أن بادرنا بطواف الوداع ثم ذهبنا لشراء تلك اللوازم علماً بان ذلك لم يستغرق منا سوى ثلث ساعة فهل علينا شيء في ذلك نرجو التوضيح جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يكون طواف الوداع آخر شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف أحد منكم أو قال أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولكن العلماء رحمهم الله رخصوا أن يشتري الإنسان حاجة تتعلق بسفره أو تتعلق بحاجته عند قدومه بلده كالهدايا التي يشتريها الحجاج لأسرهم ولو كان ذلك بعد طواف الوداع أما لو اشترى تجارة فإنه لا بد أن يعيد الطواف هكذا قال أهل العلم ولكن نقول عليه أن يشتري هذه الأشياء قبل طوافه ليكون آخر عهده بالبيت الطواف.
***(12/2)
بعد طواف الوداع قمنا بشراء الهدايا للأهل وطعام العشاء بغير نسيان هل علينا فدية في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول أهل العلم أنه لا بأس إذا طاف الإنسان للوداع أن يشتري حاجة في طريقه مثل الهدايا ومؤونة الطريق قالوا وليس له أن يشتري شيئا للتجارة فإن اشترى شيئا للتجارة فلابد أن يعيد طواف الوداع.
***(12/2)
مشهور سعيد من جيزان يقول هل تجوز العمرة بعد مناسك الحج وقبل طواف الوداع حيث إني لم أنو إلا حجاً فقط وبعدها نويت للعمرة وأحرمت للعمرة من جدة أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمرة بعد الحج إذا حصل مثل ما حصل لعائشة رضي الله عنها حينما (أحرمت بالعمرة فحاضت قبل أن تصل إلى مكة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ففعلت وبعد انتهاء الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر فأمر أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم فأحرمت منه) فإذا جرى لامرأة مثل ما جرى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولم تطب نفسها إلا بفعل العمرة بعد الحج فهذا لا بأس به لورود السنة به وأما من سواها فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يقم أحد منهم بعمل عمرة بعد أداء الحج بل هذا عبد الرحمن بن أبي بكر كان مصاحباً لأخته وخارجاً إلى التنعيم ومع ذلك ما أتى بعمرة ولو كانت العمرة بعد الحج من الأمور المشروعة لكان عبد الرحمن بن أبي بكر يفعلها لأنها متيسرة عليه حيث إنه قد ذهب مع أخته إلى التنعيم فهذا دليل على أنه لا يشرع للحاج أن يأتي بالعمرة بعد الحج إلا إذا رجع إلى بلده ثم أتى بها من بلده مثل لو كان من أهل جدة فلما انتهى الحج خرج إلى جدة ثم رجع محرماً بالحج فلا حرج عليه هنا لأنه أتى بالعمرة من بلده.
***(12/2)
هذه رسالة وردت من المرسل عجي أحمد شامي الهيلي من القنفذة يقول لقد حج جماعة وأدوا جميع مناسك الحج وعندما أرادوا أخذ العمرة بعد إتمام المناسك قال لهم أحد الحجاج الذين معهم لا داعي لأخذ العمرة فحجكم تام فلم يعتمروا علماً بأنهم مفردين ولأول مرة يؤدوا الفريضة فهل حجهم تام أم لا وإذا لم يكن تاماً فماذا عليهم في ذلك وفقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجهم تام ما داموا أتوا به على الوجه المشروع وليس من شرط تمام الحج أداء العمرة لكن ماداموا لم يعتمروا من قبل فالعمرة واجبة عليهم إن استطاعوا إليها سبيلاً فمتى تهيأ لهم السفر إلى مكة ليؤدوا العمرة في أي زمن وجب عليهم أداؤها.
***(12/2)
سؤاله يقول أدى حاج مناسك الحج ولم يتمكن من الذهاب لزيارة المسجد النبوي وسافر مباشرة فهل من شروط قبول الحج أن يقوم الحاج بالزيارة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من ضرورة الحج أن يزور الإنسان المسجد النبوي ولا علاقة له بالحج وإنما زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون في كل وقت ولكن أهل العلم ذكروها في المناسك لأنه فيما سبق كان يشق على الناس أن يأتوا لزيارة المسجد النبوي فكانوا يجعلونها مع فعل الحج ليكون السفر إليها واحداً وإلا فلا علاقة لها بالنسك بل من اعتقد أنها لها علاقة بالنسك فإن اعتقاده ليس بصحيح لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
***(12/2)
سائل يقول لماذا تؤكدون على الحجاج في كل سني الحج أن ينوي زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قضاء مناسك الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال له شقان أحدهما قوله لم تؤكدون على الحاج أن يزور المسجد النبوي؟ نقول نحن لا نؤكد عليه ذلك ونقول إن زيارة المسجد النبوي لا تعلق لها بالحج وأنها عبادة مستقلة ليست من متممات الحج ولا ينقص الحج بفقدها ومن حج فلم يزر فحجه تام صحيح وليس فيه أي نقص ولكن أهل العلم ذكروا الزيارة بعد الحج لأن الأسفار في ذلك الوقت صعبة فيكون سفر المسلمين إلى الحج وإلى الزيارة واحداً أسهل عليهم لذلك صاروا يذكرون الزيارة بعد الحج وإلا فلا علاقة لها بالحج إطلاقاً وتكون الزيارة في أي وقت من السنة وأما الشق الثاني فهو قال إنكم تؤكدون أن ينوي زيارة المسجد فنحن نعم نقول ذلك إنه ينوي زيارة المسجد وهذا السؤال له تعلق بسؤال سابق ذكرناه قريباً وذلك لأن شد الرحل لزيارة القبور منهي عنها لأنها لا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة فقط على سبيل العبادة.
***(12/2)
المستمع مصري مقيم بالأردن مجدي صلاح محمد يسأل ويقول أريد أن أؤدي العمرة ما هي شروط العمرة وهل من الممكن أن أهبها لروح والدي المتوفى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمرة من شعائر الله عز وجل ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ولها واجبات وأركان وصفتها أن الإنسان إذا وصل إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة ولبس إزاراً ورداءً والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين وتطيب في رأسه ولحيته دون إزاره وردائه وقال لبيك اللهم عمرة لبيك اللهم لك لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ولا يزال يلبي حتى يشرع في الطواف فإذا وصل إلى المسجد الحرام دخله مقدماً رجله اليمنى قائلاً بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ثم يتقدم إلى الحجر الأسود فيستلمه بيده اليمني أي يمسحه ويقبله وهذا إن تيسر فإن لم تيسر فإنه يشير إليه ثم يجعل الكعبة عن يساره ويطوف سبعة أشواط يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى منها والرمل أن يسرع في المشي مع مقاربة الخطى بدون أن يهز الكتفين ويضطبع في جميع الطواف في كل الأشواط وصفة الاضطباع أن يخرج كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر وهذا الاضطباع لا يشرع إلا في الطواف فقط وليس مشروعاً من حين الإحرام كما يظنه العامة بل إذا شرعت في الطواف فاضطبع إلى أن تنتهي منه فقط وفي طوافك تدعو بما شيءت وتذكر الله عز وجل إلا أنك إذا مررت بالحجر الأسود تكبر كلما مررت به وتقول بينه وبين الركن اليماني (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وقد شاع عند كثير من الناس كتيبات فيها أدعية مخصوصة لكل شوط وهذه الأدعية المخصوصة لكل شوط ليست من السنة بل هي بدعة فلا ننصحك بها بل ادع الله سبحانه وتعالى بحاجتك التي في قلبك والتي تريدها أنت وتعرف معناها وتتضرع إلى الله عز وجل في تحقيقها أما هذه الأدعية المكتوبة فإن كثيراً من الناس يتلوها وكأنها حروف هجائية لا يعرف معناها أبداً فإذا فرغت من الطواف فصلّ ركعتين خلف مقام إبراهيم قريباً منه إن تيسر وإلا فلو بعيداً تقرأ في الركعة الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بعد الفاتحة وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بعد الفاتحة وتخفف هاتين الركعتين ولا تجلس بعدها بل تنصرف إلى المسعى واعلم أنه ليس هناك دعاء عند مقام إبراهيم لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغت من الركعتين فاتجه إلى المسعى فإذا قربت من الصفا فاقرا قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به ثم اصعد إلى الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك كبر واحمد الله وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم ادع الله بما شيءت وأنت لا تزال واقفاً عل الصفا ثم أعد الذكر مرة أخرى ثم أعد الذكر مرة ثالثة ثم انصرف إلى المروة تمشي مشياً معتاداً إلى أن تصل إلى العلم الأخضر العمود الأخضر فإذا وصلت إلى هذا العمود الأخضر فاسع يعني اركض ركضاً شديداً بشرط أن لا تؤذي أحداً حتى تصل إلى العلم الأخضر الثاني ثم تمشي مشياً معتاداً إلى المروة فإذا وصلت المروة فإنك تقول مثل ما قلت على الصفا فهذا شوط فإذا رجعت من المروة إلى الصفا فهو شوط آخر فإذا أتممت سبعة أشواط فقد تم السعي وحينئذٍ تحلق رأسك أو تقصره ويكون التقصير شاملاً لكل الرأس وليس لجزء منه أو لشعيرات منه وبهذا تمت العمرة وحللت منها ثم البس ثيابك فإن رجعت إلى بلدك من فورك فلا وداع عليك وإن تأخرت في مكة فلا تخرج من مكة حتى تطوف للوداع بدون سعي وعليك ثيابك لا تحتاج إلى ثياب الإحرام في هذه الحال وتخرج وتجعل طواف الوداع آخر أمورك هذه صفة العمرة قال أهل العلم وأركانها الإحرام والطواف والسعي واجباتها أن يكون الإحرام من الميقات والحلق أو التقصير وقول السائل هل يجوز أن أهدي العمرة إلى روح أبي نقول في جوابه إن كنت قد أديت العمرة عن نفسك فلا حرج عليك أن تجعل العمرة لأبيك وإن كنت لم تؤدها عن نفسك فأبدأ بنفسك أولاً على أننا نقول إذا لم تكن العمرة واجبة على أبيك فالأفضل أن تدعو لأبيك وأن تجعل العمرة لك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إلى الدعاء دون هبة الثواب فقال صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل صلى الله عليه وسلم أو ولد صالح يعتمر له أو يحج له أو يصوم له أو يصلى له أو يصوم له ولو كان هذا أفضل لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام لا يدع خيراً يعلمه إلا دل أمته عليه لكمال نصحه صلوات الله وسلامه عليه وشفقته على أمته وأنت سوف تحتاج إلى العمل بل محتاج إلى العمل حتى في الدنيا لأن في العمل صلاح القلب واستنارته وزيادة الخير قال الله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) وقال الله عز وجل (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) فاجعل الأعمال الصالحة لنفسك ولمن تحب اجعل له الدعاء فهذا هو الأحسن والأفضل.
***(12/2)
من جمهورية مصر العربية وردتنا هذه الرسالة من عبد الغفور محمود الصعيدي يقول ما حكم تكرار العمرة عدة مرات إذا حج الإنسان إلى مكة المكرمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكرار العمرة عدة مرات إذا حج الإنسان إلى مكة من الأمور غير المشروعة قال شيخ الإسلام رحمه الله إن ذلك غير مشروع باتفاق المسلمين وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يكرر العمرة أثناء وجوده في مكة في أيام الحج بل إن السنة ألا يكرر حتى الطواف بالبيت وإنما يطوف طواف النسك فقط وهو طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن خير ما يتمسك به المرء في عبادته ووصوله إلى رضوان الله سبحانه تعالى وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائل أحمد حسين يقول هل يصح للحاج أن يعتمر أكثر من عمرة في أيام الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشرع للحاج أن يعتمر إلا عمرة التمتع إذا كان متمتعاً أو عمرة القرآن التي تندمج في الحج إذا كان قارناً أما إذا كان مفرداً فإنه لا يشرع له بعد انتهاء الحج أن يأتي بعمرة لأن ذلك لم يكن معروفاً في عهد الصحابة رضي الله عنهم وغاية ما هنالك أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حاضت قبل أن تصل إلى مكة وهي قادمةٌ من المدينة فدخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي تبكي ثم أخبرته بما حصل لها فأمرها أن تحرم بالحج فأحرمت بالحج وبقيت على إحرامها حتى انتهى الحج فأصبحت بذلك قارنة فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) ولما انقضى الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة مستقلة كما أتى الناس المتمتعون بعمرة مستقلة فأذن لها وأخرج معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأحرمت عائشة ولم يحرم عبد الرحمن لأن ذلك لم يكن معروفاً عندهم فأي امرأةٍ حصل لها مثل ما حصل لعائشة فلا حرج أن تأتي بعمرةٍ بعد الحج وأما ما عدا هذه الصورة فإن ذلك ليس من السنة ولا ينبغي للإنسان أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم.
***(12/2)
بارك الله فيكم السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول كم الوقت الذي يجب أن يفصل بين العمرة والعمرة الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أن العمرة لا تتكرر في السنة وإنما تكون عمرة في كل سنةٍ مرة ويرى آخرون أنه لا بأس من تكرارها لكن قدروا ذلك بنبات الشعر لو حلق وقد روي ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا حمم رأسه أي إذا نبت واسود فحينها يعتمر لأن من واجبات العمرة الحلق أو التقصير ولا يكون ذلك بدون شعر وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في إحدى فتاويه أنه يكره الإكثار من العمرة والموالاة بينها باتفاق السلف فإذا كان بين العمرة والعمرة شهرٌ أو نحوه فهذا لا بأس به ولا يخرج عن المشروعية إن شاء الله وأما ما يفعله بعض الناس في رمضان من كونه يكرر العمرة كل يوم فبدعةٌ منكرة ليس لها أصلٌ من عمل السلف ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة وبقي فيها تسعة عشر يوماً ولم يخرج يوماً من الأيام إلى الحل ليأتي بعمرة وكذلك في عمرة القضاء أقام ثلاثة أيام في مكة ولم يأتِ بعمرة كل يوم ولم يعرف عن السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنكر من ذلك أن بعضهم إذا اعتمر العمرة الأولى حلق جزءً من رأسه لها ثم تحلل فإذا اعتمر الثانية حلق جزءً آخر ثم تحلل ثم يوزع رأسه على قدر العمر التي كان يأخذها وقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة وقد حلق شطر رأسه بالنصف وبقي الشطر الآخر وعليه شعرٌ كثيف فسألته لماذا فقال إني حلقت هذا الجانب لعمرة أمس والباقي لعمرة اليوم وهذا يدل لا شك على الجهل لأن حلق بعض الرأس وترك بعضه من القزع المنهي عنه ثم ليس هو نسكاً أعني حلق بعض الرأس وترك بعضه ليس نسكاً يتعبد به لله بل هو مكروه لكن الجهل قد طبق على كثير من الناس نسأل الله العافية وله سببان:
السبب الأول: قلة تنبيه أهل العلم للعامة في مثل هذه الأمور وأهل العلم مسئولون عن هذا ومن المعلوم أن العامي لا يقبل قبولاً تاماً من غير علماء بلده فالواجب على علماء بلاد المسلمين أن يبينوا للعامة في أيام المناسبات في قدومهم لمكة ماذا يجب عليهم؟ وماذا يشرع لهم؟ وماذا ينهون عنه؟ حتى يعبدوا الله على بصيرة.
أما السبب الثاني: فهو قلة الوعي في العامة وعدم اهتمامهم بالعلم فلا يسألون العلماء ولا يتساءلون فيما بينهم وإنما يأتي الواحد منهم يفعل كما يفعله العامة الجهال وكأنه يقول رأيت الناس يفعلون شيئاً ففعلت وهذا خطأ عظيم فالواجب على الإنسان إذا أراد أن يحج أو يعتمر أن يتفقه بأحكام الحج والعمرة على يد عالمٍ يثق به حتى يعبد الله على بصيرة وإنك لتعجب أيما عجب أن الإنسان إذا أراد أن يسافر إلى مكة مثلاً فإنه لن يسافر إليها حتى يبحث عن الطريق أين الطريق الموصل إلى مكة أين الطريق الأمثل من الطرق حتى يسلكه لكن إذا أراد أن يأتي إلى مكة لحجٍ وعمرة لا يسأل كيف يحج وكيف يعتمر مع أن سؤاله كيف يحج وكيف يعتمر؟ أهم لأنه سؤال عن دين وعن عباده فالذين يريدون الحج نقول لهم ابحثوا عن أحكام الحج قبل أن تحجوا كونوا في صحبة طالب علم يبين لكم ما يرشدكم استصحبوا كتباً تبحث في الحج والعمرة من العلماء الذين تثقون في علمهم وأمانتهم وديانتهم أمّا أن تذهبوا إلى مكة والواحد منكم فراغ من أحكام الحج فهذا تهاون وتساهل نسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول في السؤال هل بين أداء العمرة وقت محدد وهل يجوز بعد أداء العمرة الأولى أن آتي بعمرة ثانية لأحد أقاربي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا نرى أن هذا من السنة بل هو من البدعة أن الإنسان إذا أنهى العمرة التي أتى بها حين قدومه أن يذهب إلى التنعيم فيأتي بعمرة أخرى فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فقد مكث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما لم يخرج أحد منهم إلى التنعيم ليأتي بعمرة وكذلك في عمرة القضاء أتي بالعمرة التي أتى بها حين قدم ولم يعد العمرة مرة ثانية من التنعيم وعلى هذا فلا يسن للإنسان إذا أنهى عمرته التي قدم بها أن يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة لا لنفسه ولا لغيره وإذا كان يحب أن ينفع غيره فليدع له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) لم يقل ولد صالح يأتي له بعمرة أو يصوم أو يصلى أو يقرأ فدل ذلك على أن الدعاء أفضل من الأعمال الصالحة التي يهديها الإنسان إلى الميت فإن كان لابد أن يفعل ويهدي إلى ميته شيء من الأعمال الصالحة فليطف بالبيت وطوافه بالبيت لهذا القريب أفضل من خروجه إلى التنعيم ليأتي له بعمرة لأن الطواف بالبيت مشروع كل وقت وأما الإتيان بالعمرة فإنما هو للقادم إلى مكة وليس للذي في مكة يخرج ثم يأتي بالعمرة من التنعيم فإن قال قائل ما الجواب عن قصة عائشة رضي الله عنها حيث أذن لها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تذهب وتأتي بعمرة بعد انقضاء الحج قلنا الجواب عن ذلك أن عائشة رضي الله عنها حين قدمت مكة كانت قد أحرمت للعمرة ولكنه أتاها الحيض في أثناء الطريق ولم تتمكن من إنهاء عمرتها فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت فلما أنهت الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة مستقلة كما أتى بها زوجاته رضي الله عنهن قبل الحج فأذن لها ومع ذلك كان معها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما ولم يأت هو بعمرة مع أن الأمر متيسر ولم يرشده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك فإذا وجد حالٌ كحال عائشة رضي الله عنها قلنا لا حرج أن تخرج المرأة من مكة إلى التنعيم لتأتي بعمرة وفيما عدا ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخرج من مكة ليأتي بعمرة من التنعيم لا هو ولا أصحابه فيما نعلم.
***(12/2)
السائلة ماجدة من مكة المكرمة تقول فضيلة الشيخ أسأل عن حكم تكرار العمرة في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكرار العمرة في سفر واحد ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام ولا من هدي أصحابه فيما نعلم فها هو النبي عليه الصلاة والسلام فتح مكة في رمضان في العشرين من رمضان أو قريباً من ذلك وبقي عليه الصلاة والسلام تسعة عشر يوماً في مكة ولم يحفظ عنه أنه خرج إلى التنعيم ليأتي بالعمرة مع تيسر ذلك عليه وسهولته وكذلك أيضاً في عمرة القضاء التي صالح عليها المشركين قبل فتح مكة دخل مكة وبقي فيها ثلاثة أيام ولم يأتِ بغير العمرة الأولى مع أننا نعلم علم اليقين أنه ليس أحد من الناس أشد حباً لطاعة الله من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونعلم علم اليقين أنه لو كان من شريعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكرر الإنسان العمرة في سفرةٍ واحدة في هذه المدة الوجيزة لبيَّنه لأمته إما بقوله أو فعله أو إقراره، نعلم هذا فلما لم يكن ذلك لا من قوله ولا من فعله ولا من إقراره علم أنه ليس من شريعته وأنه ليس من السنة أن يكرر الإنسان العمرة في سفرةٍ واحدة بل تكفي العمرة الأولى التي قدم بها من بلاده ويدل لهذا أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرسل عبد الرحمن بن أبي بكر مع أخته عائشة إلى التنعيم أحرمت عائشة بالعمرة ولم يحرم عبد الرحمن ولو كان معروفاً عندهم أن الإنسان يكرر العمرة لكان يُحْرِمُ لئلا يحرم نفسه الأجر والأمر متيسر ومع ذلك لم يحرم والعجب أن الذين يفعلون ذلك أي يكررون العمرة في سفر واحد يحتجون بحديث عائشة والحقيقة أن حديث عائشة حجة عليهم وليس لهم لأن عائشة رضي الله عنها إنما فعلت ذلك حيث فاتتها العمرة الأولى فهي رضي الله عنها أحرمت من ذي الحليفة أول ما قدم النبي عليه الصلاة والسلام مكة أحرمت من ذي الحليفة بعمرة وفي أثناء الطريق حاضت بسرف فدخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي تبكي وأخبرته بأنه أصابها ما يصيب النساء من الحيض فأمرها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تُدخِل الحج على العمرة فأحرمت بالحج ولم تطف ولم تسعَ حين قدومهم على مكة وإنما طافت وسعت بعد ذلك فصار نساء الرسول عليه الصلاة والسلام أتين بعمرةً مستقلة وحج مستقل فلما فرغت من الحج طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة وقالت يذهب الناس بعمرةٍ وحج وأذهب بحج فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تأتي بعمرة فذهبت وأحرمت بعمرة ومعها أخوها عبد الرحمن ولم يحرم معها ولو كان هذا من السنة المطلقة لعامة الناس لأرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبد الرحمن أن يحرم مع أخته أو لأحرم عبد الرحمن مع أخته حتى يكون في ذلك إقرار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على هذه العمرة التي فعلها عبد الرحمن وكل ذلك لم يكن ونحن نقول إذا حصل لامرأة مثل ما حصل لعائشة يعني أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج ولكن جاءها الحيض قبل أن تصل إلى مكة وأدخلت الحج على العمرة ولم يكن لها عمرة مستقلة ولم تطب نفسها أن ترجع إلى أهلها إلا بعمرة مستقلة فإن لها أن تفعل ذلك كما فعلت عائشة فتكون القضية قضية معينة وليست عامة لكل أحد وحينئذٍ نقول لهذا للسائل لا تكرر العمرة في سفر واحد ائت بالعمرة الأولى التي قدمت بها إلى مكة وكفى وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا هو الحق في هذه المسألة وإنه بهذه المناسبة أرى كثيراً من الناس يحرصون على العمرة في ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان ويقدمون من بلادهم لهذا وهذا أيضاً من البدع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحث يوماً من الأيام على فعل العمرة في ليلة سبع وعشرين في رمضان ولا كان الصحابة يتقصدون ذلك فيما نعلم وليلة القدر إنما تختص بالقيام الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه حيث قال (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) والقيام في ليلة السابع والعشرين من رمضان أفضل من العمرة خلافاً لمن يخرج من مكة إلى العمرة في هذه الليلة أو يقدم بها من بلده قاصداً هذه الليلة أما لو كان ذلك من وجه المصادفة بأن يكون الإنسان سافر من بلده في وقتٍ صادف أن وصل إلى مكة ليلة سبعٍ وعشرين فهذا لا نقول له شيئاً لا نقول له لا تؤدي العمرة وفرق بين أن نقول يستحب أن يأتي بالعمرة في ليلة سبع وعشرين وبين أن نقول لا تأت بالعمرة في ليلة سبع وعشرين نحن لا نقول لا تأت بالعمرة ليلة سبع وعشرين ائت بها لكن لا تتقصد أن تكون ليلة سبعٍ وعشرين لأنك إذا قصدت أن تكون ليلة سبعٍ وعشرين فقد شرعت في هذه الليلة ما لم يشرعه الله ورسوله والمشروع في ليلة سبع وعشرين إنما هو القيام كما أسلفنا لذلك أرجو من إخواني طلبة العلم أن ينبهوا العامة على هذه المسألة حتى نكون داعين إلى الله على بصيرة داعين إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وحتى يتبصر العامة لأن العامة يحمل بعضهم بعضاً ويقتدي بعضهم ببعض فإذا وفق طلبة العلم في البلاد وكل إنسان في بلده على أن ينبهوا الناس على مثل هذه المسائل التي اتخذها العامة سنةً وليست بسنة حصل في هذا خيرٌ كثير والعلماء هم قادة الأمة هم سُرُج الأمة كما كان نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم سراجاً منيراً فإنه يجب أن يرثوه صلى الله عليه وسلم في هذا الوصف الجليل وأن يكونوا سُرُجاً منيرة لمن حولهم ونسأل الله تعالى أن يبصرنا جميعاً في ديننا.
***(12/2)
بارك الله فيكم تقول هل أتم الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية أم لم يتمها وكم عمرة اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عمرة الحديبية لم يكملها النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الأمر الواقع لأن قريشاً صدوه عن المسجد الحرام لكنه أتمها حكماً لأنه ترك العمل عجزاً ومن شرع بالعمل وتركه عجزاً عنه كتب له أجره قال الله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وأما عُمَرُ النبي صلى الله عليه وسلم فإنها كانت أربعاً إحداها عمرة الحديبية والثانية عمرة القضاء التي قاضى عليها قريشاً فإن من جملة الشروط التي وقعت بينهم في الصلح أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمر من العام القادم وقد فعل عليه الصلاة والسلام والثالثة عمرة الجعرانة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من غزوة حنين، والرابعة العمرة التي في حجته في حجة الوداع فإنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً جامعاً بين الحج والعمرة في إحرام واحد فهذه أربع عمر اعتمرها النبي صلى الله عليه وسلم وكلها كانت في أشهر الحج فعمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة وعمرته مع حجته كان الإحرام بها في أخر ذي القعدة وإتمامها في ذي الحجة لأن عمرة القارن تندرج في الحج وتؤول أفعاله أفعال الحج ولهذا كان القول الراجح أنه لا يلزم القارن طوافان وسعيان وإنما يكفيه طواف واحد وسعي واحد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف إلا طوافاً واحداً ولم يسع إلا سعياً واحداً، وأما طوافه حين قدم فهو طواف قدوم، وطوافه عند خروجه طواف وداع.
***(12/2)
نشاهد البعض من الناس في رمضان يكرر العمرة أكثر من مرة هل في ذلك بأس يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في ذلك بأس وذلك أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة في رمضان في عشرين من رمضان وبقي في مكة آمنا مطمئنا ولم يخرج هو وأصحابه ولا أحد منهم إلى التنعيم من أجل أن يأتوا بعمرة مع أن الزمن هو رمضان وذلك في عام الفتح ولم يعهد أن أحداً من الصحابة أتى بعمرة من التنعيم أبداً إلا عائشة رضي الله عنها لسبب من الأسباب وذلك (أن عائشة رضي الله عنها قدمت من المدينة في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم وكانت محرمة بالعمرة فحاضت قبل أن تصل إلى مكة فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت ومن المعلوم أن القارن لا يأتي بأفعال العمرة تامة بل تندرج أفعال العمرة بأفعال الحج فلما انتهى الناس من الحج طلبت عائشة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تعتمر فأمرها أن تخرج مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فتحرم بالعمرة) ففعلت ولما كان هذا السبب ليس موجودا في أخيها عبد الرحمن لم يحرم بعمرة بل جاء مُحِلاً وهذا أكثر ما يعتمد عليه الذين يقولون بجواز العمرة من التنعيم لمن كان في مكة وكما سمعت ليس فيه دليل بذلك لأنه خاص بحال معينة أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أما تكرارها فإن شيخ الإسلام رحمه الله نقل أنه مكروه باتفاق السلف ولقد صدق رحمه الله في كونه مكروهاً لأن عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه وهو من العبادة كيف يكون مطلوباً ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه لو كان خيراً لسبقونا إليه ولو كان مشروعاً لبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه مشروع إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره وكل هذا لم يكن فلو أن هؤلاء بقوا في مكة وطافوا حول البيت لكان ذلك أفضل لهم من أن يخرجوا ويأتوا بعمرة ولا فرق بين أن يأتوا بالعمرة لأنفسهم أو لغيرهم كآبائهم وأمهاتهم فإن أصل الاعتمار للأب والأم نقول فيه إن الأفضل هو الدعاء لهم إذا كان ميتين لقول الرسول صلى الله وعليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء عن الأب والأم ولم يرشد إلى أن نعمل لهما عمرة أو حجا أو طاعة أخرى الخلاصة أن تكرار العمرة في رمضان أو غير رمضان ليس من عمل السلف وإنما هو من أعمال الناس الذين لم يطلعوا على ما تقتضيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
***(12/2)
حفظكم الله يا فضيلة الشيخ يقول هذا السائل من جمهورية مصر العربية ما هي أركان الحج وما هي أركان العمرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر العلماء رحمهم الله أن أركان الحج أربعة الإحرام وهو نية الدخول في النسك والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي وأن أركان العمرة ثلاثة الإحرام وهو نية العمرة والطواف والسعي.
***(12/2)
وردتنا رسالة من جمهورية مصر العربية بعث بها المستمع عبد الغفار محي الدين يقول ما حكم من أخل بشيء من أركان الحج وما هي أركانه وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخل بشيء من أركان الحج فإما أن يكون ذلك لحصر أو لغير حصر ومعنى الحصر أن يمنع الإنسان مانع لا يتمكن به من إتمام حجه فإن كان بحصر فإنه يتحلل من هذا ويذبح هديه إن تيسر ويحلق وينتهي نسكه ثم عليه إعادة الحج من جديد في العام القادم إذا كان لم يؤدِ الفريضة فإن كان قد أدى الفريضة فالصحيح أنه لا تجب عليه الإعادة لأن هذا من وجوب الإتمام ولم يتمكن منه بهذا الحصر الذي حصل له والواجب يسقط مع العجز عنه وأما إذا كان لم يؤدِ الفريضة فإن الفريضة لا تزال في ذمته ويجب عليه أن يؤديها هذا إذا كان بحصر لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) وأما إذا كان بغير حصر يعني بمعنى أنه تركه لغير عذر مانع منه فإن كان ذلك هو الوقوف بعرفة فإن حجه لا يصح ولا يتم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) وإن كان طوافاً أو سعياً فالطواف والسعي من أركان الحج وجب عليه فعلهما ولو كان في بلده فإنه يجب أن يرجع ويطوف طوافاً أو سعياً فالطواف والسعي من أركان الحج ويجب عليه فعلهما ولو كان في بلده فإنه يجب أن يرجع ويطوف ويسعى لإتمام أركان نسكه هذا هو ما يتعلق بالسؤال.
***(12/2)
المستمعة حصة أمن الرياض تقول هل وردت أحاديث تدل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة أو أن فضلها كسائر الشهور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (عمرة في رمضان تعدل حجة) فالعمرة في رمضان تعدل حجة كما جاء به الحديث ولكن ليس معنى ذلك أنها تجزئ عن الحج بحيث لو اعتمر الإنسان في رمضان وهو لم يؤد فرض الحج سقطت عنه الفريضة لأنه لا يلزم من معادلة الشيء بالشيء أن يكون مجزئاً عنه فهذه سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن ولكنها لا تجزئ عنه فلو أن أحداً في صلاته كرر سورة الإخلاص ثلاث مرات لم يكفه ذلك عن قراءة الفاتحة وهذا قول الإنسان لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات يكون كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ومع ذلك لو قالها الإنسان وعليه عتق رقبة لم تجزئه عنها وبه نعرف أنه لا يلزم من معادلة الشيء بالشيء أن يكون مجزئاً عنه.
***(12/2)
هل العمرة في رمضان الفضل فيها هو محدد بأول رمضان ووسطه أو آخره كما يقول العامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمرة في رمضان ليست محددة بأوله ولا بوسطه ولا بآخره بل هي عامة في أول الشهر ووسطه وأخره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عمرة في رمضان تعدل حجة) ولم يقيدها صلوات الله وسلامه عليه فإذا سافر الإنسان في رمضان وأدى فيه عمرة كان كمن أدى حجة وهنا أقف لأنبه بعض الأخوة الذين يذهبون إلى مكة لأداء العمرة فإن منهم من يتقدم قبل رمضان بيوم أو يومين فيأتي بالعمرة قبل دخول الشهر فلا ينال الأجر الذي يحصل فيمن أتى بالعمرة في رمضان فلو أخر سفره حتى يكون يوم إحرامه بالعمرة في رمضان لكان أحسن وأولى كذلك يوجد بعض الناس الذين يأتون في أول الشهر لعمرة إذا كان في وسط الشهر خرجوا إلى التنعيم فأتوا بعمرة أخرى وفي أخر الشهر يخرجون أيضاً إلى التنعيم فيأتون بعمرة ثالثة وهذا العمل لا أصل له في الشرع بل أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً ولم يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة مع أنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة في رمضان ولم يخرج بعد انتهاء القتال إلى التنعيم ليأتي بعمرة بل أتى بالعمرة حين رجع من غزوة الطائف نزل الجعرانه وقسم الغنائم هناك، وأتى بعمرة من الجعرانه ثم خرج من ليلته عليه الصلاة والسلام وفي هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يخرج من مكة من أجل أن يأتي بعمرة من التنعيم أو غيره من الحل لأن هذا لو كان من الخير لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأننا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع ومبلغ عن الله سبحانه وتعالى ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره وكل ذلك لم يكن والاتباع وإن قل خير من الابتداع.
***(12/2)
من محمد عبد الغني محمد مسئول بمصنع الاسمنت بالرياض يطلب بيان حكم وشرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرةٍ في رمضان توازي حجة فيما سواه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أن الإنسان إذا اعتمر في شهر رمضان فإن هذه العمرة تعدل حجةً في الأجر لا في الإجزاء وقولنا لا في الإجزاء يعني أنها لا تجزئ عن الحج فلا تسقط بها الفريضة وإنما تعتبر هذه العمرة من أجل وقوعها في هذا الشهر تعدل في الأجر حجةً فقط لا في الإجزاء ونظير ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل) وهذا بلا شك في الأجر وليس في الإجزاء ولهذا لو كان عليه أربع رقاب فقال هذا الذكر لم يجزئه ولا عن رقبةٍ واحدة فيجب أن نعرف الفرق بين الإجزاء وبين المعادلة في الأجر فالمعادلة في الأجر لا يلزم منها إجزاء وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مراتٍ في ركعة ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عَدَلت القرآن كله حينما قرأها ثلاثة مرات.
***(12/2)
بارك الله فيكم في نهاية رسالة المستمع أحمد سعيد عبد الغفار يقول أولاً أشكر الله سبحانه وتعالى على أن منّ عليّ بالحج وبإذن الله سوف أقوم بتأدية العمرة فبماذا تنصحونني في جميع أداء مناسك العمرة وواجباتها علماً بأنني سوف أؤديها بمشيئة الله سبحانه وتعالى العمرة الثانية لوالدي المتوفى يقول وهل يجوز الدعاء لنفسي أثناء تأدية عمرة والدي لي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على سؤاله وهو أنه يريد أن يأخذ عمرة لأبيه المتوفى ويسأل هل يجوز أن يدعوا لنفسه في هذه العمرة الجواب أن نقول نعم يجوز أن يدعو لنفسه في هذه العمرة ولأبيه ولمن شاء من المسلمين لأن المقصود أن يأتي بأفعال العمرة لمن أرادها له أما مسألة الدعاء فإنه ليس بركن ولا بشرط في العمرة فيجوز أن يدعو لنفسه ولمن كانت له هذه العمرة ولجميع المسلمين.
***(12/2)
أحسن الله إليكم تقول فضيلة الشيخ أريد أن أذهب إلى مكة لأداء عمرة لي هل يجوز لي بعد أن أتحلل من العمرة أن أحرم بعمرة أخرى لوالدي المتوفى أهبها له ثم هل يجوز أن أتحلل من عمرة والدي وأحرم بعمرة أخرى لوالدتي أفتونا مأجورين يعني ثلاث عمرات في وقت واحد عمرة لي وعمرة لوالدي وعمرة لوالدتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع أن يأتي الإنسان بأكثر من عمرة في سفر واحد لأن العبادات مبناها على التوقيف ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يترددون إلى التنعيم ليحرموا مرة ثانية وثالثة ورابعة وها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين دخل مكة في عمرة القضية مكث ثلاثة أيام ولم يُعِدْ العمرة مرة أخرى وفي فتح مكة بقي تسعة عشر يوماً ولم يأت بعمرة وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقضية خاصة لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت مع نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع أحرمت بعمرة وفي أثناء الطريق حاضت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي تبكي فقال لها (ما يبكيك) فأخبرته يعني أنها حاضت فقال لها (إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) قال ذلك يسليها وأن هذا ليس خاصاً بها فكل النساء تحيض ثم أمرها أن تحرم بالحج ففعلت ولم تأت بأفعال العمرة لأنها لم تطهر إلا في يوم عرفة وانتهت فقالت يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحج وأرجع بحج قال لها (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) فصار طوافها وسعيها أجزءا عن نسكين ولكن رآها مصرة على أن تأتي بعمرة فأذن لها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأتي بعمرة وأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم لتأتي بعمرة ولم يأمر أخاها أن يعتمر ولا اعتمر أخوها أيضاً لأن ذلك ليس بمشروع فدخل أخوها مُحِّلاً ودخلت هي محرمة بعمرة وطافت وسعت وقصرت ومشت إلى المدينة فهذه قضية معينة في أوصاف معينة كيف يفتح الباب ويقال من شاء تردد إلى التنعيم وأتى بعمرة فنقول لا عمرتان في سفر واحد هكذا.
***(12/2)
الفوات والإحصار - ترك واجبات الحج - ترك أركانه
العجز عن البعض – المحصر - من رجع إلى بلده ولم يكمل نسكه(12/2)
جزاكم الله خير أم عبد الله مقيمة بالطائف تقول فضيلة الشيخ نعلم بأن من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه دم والسؤال هل لهذا الدم زمن معين أي في وقت من العام وهل له مكان معين ومن لم يجد هذا الدم فهل عليه صيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من وجب عليه فدية بترك واجب أو بفعل محظور أن يبادر بذلك لأن أوامر الله ورسوله على الفور إلا بدليل ولأن الإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل فقد يكون اليوم قادراً وغداً عاجزاً وقد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً وقد يكون اليوم حياً وغداً ميتاً فالواجب المبادرة أما في أي مكان فإنه يكون في الحرم في مكة ولا يجوز في غيره وأما إذا لم يجد الدم في ترك الواجب فقيل إنه يصوم عشرة أيام والصحيح أنه لا يجب عليه صوم بل إذا لم يجد ما يشتري به الفدية فلا شيء عليه لأنه ليس هناك دليل على وجوب الصيام ولا يصح قياسه على دم المتعة لظهور الفرق العظيم بينهما فدم ترك الواجب دم جبران ودم المتعة دم شكران.
***(12/2)
يقول بتنا على بعد أربعمائة متراً تقريباً من حدود مزدلفة ولم نعلم بذلك إلا في الصباح فماذا علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليكم عند أهل العلم فدية شاة تذبحونها وتوزعونها على فقراء مكة لأنكم تركتم واجباً من واجبات الحج وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الحجاج بأن ينتبهوا لحدود المشاعر في عرفة وفي مزدلفة فإن كثيراً من الناس في عرفة ينزلون خارج حدود عرفة ويبقون هناك إلى أن تغرب الشمس ثم ينصرفون ولا يدخلون إلى عرفة وهؤلاء إذا انصرفوا فإنهم ينصرفون بدون حج ولهذا يجب على الإنسان أن يتحرى حدود عرفة ويتعرف عليها وهي أميال قائمة والحمد لله بينة وكذلك في مزدلفة فإن كثيراً من الناس مع التعب من الانصراف من عرفة ينزلون قبل أن يصلوا مزدلفة فهؤلاء إذا لم يقوموا من مكانهم هذا إلا بعد طلوع الفجر وصلاة الفجر فإنه قد فاتهم الوقوف بمزدلفة فيلزمهم فدية يذبحونها ويوزعونها على الفقراء لأنهم تركوا واجباً وترك الواجب عند أهل العلم موجب للهدي.
***(12/2)
أيضاً يقول ما حكم من لم يستطع المبيت في مزدلفة لعذر قهري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أن يذبح هدياً ويتصدق به على الفقراء في الحرم يعني في مكة ثم تبرأ ذمته بذلك إن شاء الله.
***(12/2)
هذه رسالة من عبد الله بن محمد الحقيبي من القويعية يقول إنه قد حج في عام 98 من القويعية مع صاحب سيارة ولكن صاحب السيارة كان جاهلاً بمشاعر الحج من حيث الطرق ومع الأسف الشديد أننا نزلنا أيام مني الثلاث في الحوض بمكة وبتنا ليالي مني في هذا المكان وذبحنا هدينا فهل علينا في ذلك شيء علماً أننا لم يتيسر لنا الوصول إلى منى فما يجب علينا من الكفارة وهل تسقط عنا هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه السعادة والخير والتوفيق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ذبحهم الهدي هناك فلا بأس به لأنه يجوز الذبح بمني ويجوز الذبح في مكة ويجوز الذبح في جميع مناطق الحرم وأما بالنسبة لمكثهم الأيام الثلاثة في هذا المكان فإن كان الأمر كما وصف لم يتمكن من الوصول إلى منى فليس عليهم في ذلك شيء وإن كانوا مفرطين ولم يبحثوا ولم يستقصوا في هذا الأمر فقد أخطأوا خطأ عظيماً والواجب على المسلم أن يحتاط لدينه وأن يبحث حتى يتحقق العجز فإذا تحقق العجز فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وقد قال أهل العلم استنادا لهذه الآية الكريمة إنه لا واجب مع العجز فليس عليهم كفارة إنما عليهم أن يحتاطوا في المستقبل.
***(12/2)
السائلة ف ح ص الشمراني من الجنوب تقول في هذا السؤال سبق يا فضيلة الشيخ أن أديت فريضة الحج مع أخي ومعه زوجته وبرفقتنا زوج ابنتي ومعه أيضا والدته ولم أختر نسكاً معيناً عندما نويت الحج لجهلي بذلك وإنما نويت حج فقط كذلك أدينا طواف القدوم وصلىنا خمسة فروض في منى يوم التروية ثم وقفنا بعرفة ثم مرننا بمزدلفة لأخذ الحصيات وفي صبيحة يوم النحر ذهبت مع أخي لرمي جمرة العقبة فرميت الجمرة بسبع حصيات مرة واحدة ولاحظت عدم وصول هذه الجمرات إلى المرمى من شدة الزحام ربما تكون أصابت أحد الحجاج أو طاحت قريباً مني وبعد ذلك لم أرمِ في اليومين التاليين ولم أعلم في ذلك الوقت هل وكلت أخي بالرمي عني أم لا وسألت حالياً فأجاب بأنه لا يعلم وذلك لطول الوقت ما يقارب من خمسة عشر سنة ولكن يقول إذا أنا وكلته فقد رمى عني ولكنه ليس لديه يقين علماً بأننا أكملنا مناسك الحج من طواف إفاضة وسعي الحج وطواف الوداع عدا نقص الرمي أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أن الواجب على ما قرره الفقهاء رحمهم الله أن تذبح بدلاً عن الرمي شاة في مكة أو خروفا أو تيسا أو عنزا في مكة تذبحها وتوزعها على الفقراء لأنها تركت واجبا من واجبات الحج والضابط في ترك الواجبات عند الفقهاء أن من تركه فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء وبقى تنبيه على السؤال هي أنها تقول في مزدلفة أقمنا فيها لأخذ الحصى حصى الجمار يظن بعض الناس أنه لا بد أن تكون حصى الجمار من مزدلفة وهذا ليس بصحيح حصى الجمار تؤخذ من أي مكان (والنبي عليه الصلاة والسلام أخذها حين كان واقفاً يرمي جمرة العقبة) كما جاء ذلك في منسك ابن حزم رحمه الله.
***(12/2)
هذه الرسالة وردتنا من بطي الحربي من الكويت يقول المستمع بطي حججنا العام الماضي من الكويت لكن لم نبق في منى إلا يوم العيد واليوم الثاني وأجرنا من يرمي عنا اليومين الباقيين وسافرنا بعد الوداع طبعاً وننوي هذه السنة أن نعود إلى ما ذكرنا لكن في أنفسنا شيء مما صنعنا العام الماضي فما حكم هذا العمل وهل نعود هذه السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل الذي فعلوه ليس بصحيح ولا بجائز أيضاً فإن الواجب على المرء أن يبقى في منى بعد يوم العيد ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ويوم الثاني عشر إلى أن تزول الشمس فيرمي الجمرات ثم إن شاء أنهى حجه وتعجل وإن شاء بقى إلى اليوم الثالث عشر فرمى بعد الزوال ثم نزل وكثير من العامة يظنون أن معنى قوله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) يظنون أن يوم العيد داخل في هذين اليومين فيتعجل بعضهم في اليوم الحادي عشر وهذا ظن لا أصل له فإن الله يقول (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق فمن تعجل في يومين ويكون ذلك التعجل في اليوم الثاني عشر لأنه هو ثاني اليومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم وأما ما فعله الأخ فإنه يفعله بعض الناس أيضاً ويتعجلون قبل اليومين فمنهم من يوكل من يقضي عنه بقية حجه كما في هذا السؤال ومنهم من يزعم أنه يكفيه أن يذبح فدية عن المبيت وفدية عن الرمي ويخرج وهذا أيضاً ليس بصحيح والفدية ليست بدلاً عن ذلك على وجه التخيير بينها وبين هذه العبادات وإنما الفدية جبر لما حصل من الخلل بترك هذه العبادات فيكون فعلها جابراً لهذه السيئة التي فعلها وهي تركه لهذا الواجب وليست أي هذه الفدية سبيلاً معادلاً لفعل واجب وعليهم أنه في العام المقبل إن شاء يجب عليه أن يبقى في اليوم الحادي عشر وفي اليوم الثاني عشر وإذا رمى في اليوم الثاني عشر بعد الزوال فإن شاء تعجل ونزل وطاف للوداع ومشى وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر ورمى بعد الزوال ثم نزل وطاف للوداع وسافر.(12/2)
يافضيلة الشيخ: إذن نقول يجب عليه أن يبقى يوم العيد وهو اليوم العاشر واليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر هذا واجب للبقاء وإن أراد أن يتعجل في اليوم الثاني عشر فليتعجل في اليوم الثاني عشر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بعد الرمي بعد الزوال عندما تزول الشمس ويرمي.
***(12/2)
يقول قمت برمي الجمرات أول أيام العيد وثاني يوم وانصرفت معتقداً أن رمي التعجيل يومين أول أيام العيد وثاني الأيام وبعد عودتي إلى الرياض عرفني أحد الأخوان بأن الرمي المعجل يومين بعد أول أيام العيد لا يوماً واحداً مثل ما فعلت فما الذي يجب عليّ فيما سبق مع أني لم أطف طواف الوداع وهل حجي صحيح بذلك الشكل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حجك صحيح لأنك لم تترك فيه ركناً من أركان الحج ولكنك تركت فيه ثلاثة واجبات الواجب الأول المبيت بمنى ليلة الثاني عشر والواجب الثاني رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر والواجب الثالث طواف الوداع ويجب عليك على كل واحد منها دم تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء لأن الواجب عند أهل العلم إذا تركه الإنسان أعني الواجب في الحج إذا تركه الإنسان وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل فإن كثيراً من الحجاج يفهمون مثل ما فهم يفهمون أن معنى قوله تعالى فمن (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين يوم العيد واليوم الحادي عشر والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم لأن الله تعالى قال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) والأيام المعدودات هي أيام التشريق وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر وعلى هذا فيكون قوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي أن يصحح الإنسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لا يخطئ والله الموفق.
***(12/2)
جزاكم الله خير هذا السائل إبراهيم مطر من جيزان يقول في سؤاله رجل وقف في عرفة وفي ذلك اليوم مرض حتى خرج وقت الرمي وأيام التشريق فماذا يفعل هذا الحاج وقد ذهب وقت الرمي وتعدى وقت طواف الإفاضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن السؤال لم يفصل فيه يقول إنه مرض من يوم عرفة ولا ندري هل بقي في عرفة حتى غربت الشمس وهل بات بمزدلفة وهل بات بمنى فهذا السؤال فيه إشكال واضح فنقول إذا كان هذا الرجل الذي مرض في يوم عرفة مرض مرضاً لا يتمكن معه من إتمام النسك وقد اشترط في ابتداء إحرامه إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإنه يحل ولا شيء عليه ولكن إن كان هذا الحج فريضته فإنه يؤديه في سنة أخرى وإن كان لم يشترط فإنه على القول الراجح إذا لم يتمكن من إكمال حجه له أن يتحلل ولكن يجب عليه هدي لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) فقوله فإن أحصرتم الصحيح أنه يشمل حصر العدو وحصر غيره ومعنى الإحصار أن يمنع الإنسان مانع من إتمام نسكه وعلى هذا فيتحلل ويذبح هدياً ولا شيء عليه على ذلك إلا إذا كان لم يؤد فريضة الحج فإنه يحج من العام القادم أما إذا كان الرجل واصل المسير في حجه ووقف بمزدلفة ولكنه في منى لم يبت ولم يرم الجمرات فإنه في هذه الحال يكون حجه صحيح ومجزياً ولكن عليه دم لكل واجب تركه ويلزمه على هذا دمان أحدهما للمبيت بمنى والثاني لرمي الجمرات وأما طواف الوداع فيطوفه إذا أراد أن يخرج وطواف الإفاضة يبقى حتى يعافيه الله فيطوف لأنه أي طواف الإفاضة ليس له حدّ وحدُّه على القول الراجح إلى منتهى شهر ذي الحجة فإن كان العذر فحتى ينتهي عذره.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع إسماعيل عمر يقول في هذا السؤال الطويل فضيلة الشيخ لقد ذهبت هذا العام للحج وأول شيء طفت بالبيت وسعيت أقصد طواف القدوم وبعد ذلك ذهبت إلى منى ثم ذهبت إلى عرفات ورجعت إلى المزدلفة وبت بها ثم ذهبت يوم العيد إلى منى ورجمت جمرة العقبة وبت في منى وأصبحت في اليوم الثاني ورجمت الثلاثة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وذلك بعد الظهر وكررت ذلك في نفس اليوم وذلك يقيناً مني بأن أول أيام العيد هو من أيام التشريق الثلاثة والذي حسبته في نفسي هذا اليوم يوم عشرة يوم العيد هو أول يوم ويوم إحدى عشر هو ثاني يوم وبعد أن رجمت رجعت إلى عملي في جدة يوم إحدى عشر بعد العصر بعد طواف الوداع وكان ذلك يوم نهاية الحج بالنسبة لي أفيدوني عن ذلك هل عليّ شيء وكم يكون وفي أي مكان وفي أي وقت فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل الذي ساق قصة حجه قد فاته رمي اليوم الثالث هو اليوم الثاني عشر وفاته أيضاً المبيت في منى ليلة الثاني عشر أما المبيت في منى ليلة الثاني عشر فهي ليلة واحدة وأمرها سهل ويمكن أن يتصدق بشيء وأما الجمرات التي تركها يوم الثاني عشر فإنه قد ترك واجباً من واجبات الحج وقد ذكر أهل العلم أن من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه فدية شاة أو خروف أو تيس أو ماعز تذبح في مكة وتوزع على الفقراء جبراً لما فات.
***(12/2)
أحسن الله إليكم امرأة وكلت شخصاً لرمي الجمرة لكنه نسي ماذا عليه وماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تجب الفدية في هذه الحال لأن الرمي من واجبات الحج وقد قال العلماء إن ترك الواجبات فيه دم لكن على من يكون على المرأة أم على الوكيل؟ قد يقال إن الوكيل فرط لأنه لو انتبه وتأهب تأهباً تاماً ما نسي وقد يقال إن النسيان ليس بتفريط لأنه من طبيعة الإنسان والذي أرى أن يتصالحا في هذه المسألة إما أن يتحملا الفدية جميعاً كل واحد يعني نصفها وإما أن يرضيا أن يتحملها أحدهما.
***(12/2)
يقول عودة خضر سنين من عمان الأردن يقول لقد أديت فريضة الحج قارناً مع العمرة وطفت طواف العمرة قبل وقفة العيد بيومين وأديت العمرة ثم وقفنا يوم عرفة على جبل عرفات ومن ثمّ بتنا ليلة العيد في منى وفي صبيحة العيد بعد صلاة العيد قمت بطواف الوداع يوم عيد الأضحى ثم عدت وذبحت الهدي لله ورجمت يوم العيد وثاني وثالث يوم العيد أي أنني بت ليلتين في منى بعد العيد ثم إنني غادرت مكة وفكيت الإحرام ولم أتمكن من العودة إلى الكعبة للطواف حولها فهل طوافي يوم العيد يسد من غيره وأسألكم أفيدونا هل حجي هذا ناقص أم لا ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ يقول إنه حج قارناً ثم أدى عمرته قبل وقوفه بعرفة وهذا العمل أعني أداء العمرة قبل الوقوف بعرفة ليس عمل القارن بل هو عمل المتمتع وعلى كل حال خيراً فعل لأن القارن ينبغي له أن يحول نيته إلى عمرة ليصير متمتعاً كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي وفي قصته هذه ذكر أنه بات ليلة العيد بمنى وهذا لا يجوز يجب أن يكون مبيت ليلة العيد بمزدلة إلا أنه يجوز الإنصراف من مزدلفة للضعفة من الناس في آخر الليل لأن (النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء أن يدفعوا من مزدلفة بليل) أما غيرهم فيجب عليهم صلاة الفجر في مزدلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها حتى صلى الفجر وأتى المشعر الحرام حتى أسفر جداً وقال لعروة بن مضرس (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) وهذا يدل على وجوب الإقامة بمزدلفة إلى صلاة الفجر والأحاديث الأخرى التي أشرنا إليها وهو ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يدفعوا بليل دلت على جواز الدفع عند الحاجة في آخر الليل هذا مما يؤخذ على هذا الأخ في قصة حجه إذا كان قد ضبط ثالثاً ذكر الأخ أنه في يوم العيد طاف للوداع ولعله يريد بذلك طواف الإفاضة فأخطأ في تسميته بدليل أنه قال في آخر سؤاله إنه خرج من مكة وفك إحرامه ولم يتيسر له الرجوع للطواف حول البيت مما يدل على أنه أخطأ في التسمية في قوله إنه طاف طواف الوداع في يوم العيد وعلى هذا فإذا كان نوى بالطواف يوم العيد طواف الإفاضة يعني طواف الحج فهو صحيح وقد أدى ما وجب عليه من طواف الإفاضة وأما كونه خرج من مكة ولم يطف للوداع فهذا خطأ والواجب عليه أن لا يخرج من مكة حتى يطوف للوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) لكنه رخص للحائض والنفساء في ترك طواف الوداع لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية حين أخبر أنها طافت طواف الإفاضة قبل أن تحيض قال فلتنفر إذن ولحديث ابن عباس (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) وبقي أيضاً في قصة الأخ ملاحظة وهو أنه لم يذكر السعي في الحج وظاهر حاله أنه لم يسع فإن كان الرجل بقي على قرانه وأراد بقوله فيما سبق في أول سؤاله أنه أدى العمرة قبل الوقوف بعرفة أراد أنه أدى أعمال العمرة مع بقائه على القران فإن سعيه الأول يجزئه لأنه سعي بعد طواف القدوم وإن كان أراد بأنه أدى العمرة يعني حقيقة العمرة قبل الطواف وتحلل بين العمرة والحج فقد بقي عليه الآن سعي الحج فعليه أن يعود إلى مكة ليؤدي سعي الحج وحينئذٍ لا يجوز له أن يقرب أهله حتى يسعى لأن التحلل الثاني لا يكون إلا بالسعي.
***(12/2)
هذه رسالة من المستمع على سعيد عبد البديع من الرياض يقول حج أبي في العام الماضي وهو رجل عامي ويمشي على رجل واحدة معتمداً على عصا فسمع أن طواف الوداع ستة أشواط ونظراً لظروفه تركها فماذا يجب أن أفعله بالنسبة له حتى أطمئن على أداء هذه الشعيرة على الوجه الأكمل خصوصاً وأنني لم أتمكن من الحج هذا العام فهل أعطي لبعض الحجاج قيمة الدم ثم يذبحوا عنه أم أكلفه بالطواف عنه وهل إذا ذهبت لأداء عمرة أو أطوف أنا نيابة عنه أكون قد فعلت ما يجب افيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادام والدك لم يترك إلا طواف الوداع فقط فإن أهل العلم يقولون في من ترك واجباً من واجبات الحج يجب عليه أن يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء وعلى هذا فتوكل أحد الذاهبين إلى مكة ليشتري لك شاة أو معزاً ويتصدق بها على الفقراء هناك.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول السائل والدي أدى معنا فريضة الحج ونظراً لتعبه وكبر سنه لم يكمل طواف الشوط الأخير من طواف الوداع فقد طاف ستة أشواط فقط فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف لابد أن يكون سبعة أشواط يبتدئ بها من الحجر وينتهي بها إلى الحجر فإن نقص شوطاً واحداً أو خطوة واحدة لم يصح الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس علينا أمرنا فهو رد) وبناء على ذلك فإن طواف أبيك للوداع الذي نقص فيه شوطاً واحداً لم يصح فيكون كتاركه وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب والقاعدة عند العلماء أن ترك الواجب فيه فدية شاة أنثى من الضأن أو ذكر من الضان أو أنثى من الماعز أو ذكر من الماعز تذبح في مكة وتوزع على الفقراء وعليه فأبلغ أباك بأن عليه هذا ثم لا بأس أن يوكلك في القيام به.
***(12/2)
تقول السائلة بأنها فتاة ذهبت إلى مكة لأداء مناسك الحج وفي أثناء الحج في اليوم الثالث أصابها ضربة شمس فأغمي عليها فبقي لها من الحج رمي الجمرات في اليوم الثالث عشر وطواف الوداع أما رمي الجمرات فرمى عنها أخوها الجمرات وأما طواف الوداع فلم تستطع لأنها متعبة فهل عليها شيء في ذلك يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليها في ذلك على ما قاله الفقهاء رحمهم الله أن تذبح فدية في مكة توزع على الفقراء عن طواف الوداع.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا المستمع مصطفى شعبان مصري مقيم بمكة المكرمة النزهة بعث بسؤال يقول: لقد قمت منذ ثلاث سنوات بالحج لي وكنت لا أعلم كثيراً عن مناسك الحج وذهبت مع بعض أصدقائي الذين حجوا في الأعوام السابقة ولكننا عندما وصلنا إلى عرفات تاه البعض عنا وكان معهم كل حاجاتنا ولم يبق معي غير نقودي وواحد من أصدقائنا وأكملنا باقي مناسك الحج مثل باقي الحجاج نسير معهم ونفعل كما يفعلون حتى نزلنا من منى بعد رمي الجمرات بأنواعها ولا أدري أن علينا غير طواف الوداع ولم أعمل طواف الإفاضة ورجعت إلى جدة حيث إنني مصري وأعمل فيها وكنت أعزب ولم أعمل طواف وداع إلا عند مغادرة المملكة في فترة الإجازة ثم قمت بعد ما علمت بتقصيري في الحج في الحجة الأولى بالحج مرة ثانية لي وطبعاً بحثت في مناسك الحج وقرأت كثيراً عنها قبل ذهابي ثانياً حتى لا أقصر في شيء مرة أخرى والحمد لله وأخبروني أن الحجة الثانية تعوض النقص في الأولى فأريد معرفة حقيقة الأمر منكم هل علي شيء الآن بالنسبة لحجة الأولى التي مضى عليها أكثر من ثلاثة سنوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكرر في هذا السؤال ذكر هذه الإشكالات التي يقول فيها السائلون إنهم سألوا وقيل لهم كذا وأنا أحب أن أسأل من الذي يسألون هل هم يسألون عامة الناس أو يسألون أي إنسان رأوه؟ فإن كان الأمر كذلك فإنه تقصيرٌ منهم وهذا لا تبرأ به الذمة ولا يكون لهم به حجة عند الله لأن الله إنما يقول (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وسؤالك لمن لا تعلم أنه من أهل الذكر سؤال لا يفيد لأنه من ليس من أهل الذكر هو مثلك جاهل لا يصح أن يسئل أما إذا كانوا يسألون أهل علم ويثقون بعلمهم ودينهم فإنهم يكونون معذورين أمام الله عز وجل ولا يلزمهم شيء وحينئذٍ فهذا الذي أفتاه بأن حجة الأخيرة تجزئه عن حجته الأولى في إفتائه نظر لأن حجته الأولى لم تتم إذ أن طواف الإفاضة ركن لا يتم الحج إلا به وعلى هذا فكان ينبغي لهذا المفتي أن يأمره بأن يطوف طواف الإفاضة ليكمل حجه الأول ثم بعد ذلك يأتي للحج الأخير ويكون الحج الأخير تطوعاً.
***(12/2)
هذه رسالة من السائلة ط. ع. م. مصرية مقيمة بالمدينة المنورة تقول لقد قمت بأداء فريضة الحج في العام الماضي وأديت جميع شعائر الحج ما عدا طواف الإفاضة وطواف الوداع حيث منعني منهما عذرٌ شرعي فرجعت إلى بيتي بالمدينة المنورة أملاً بأن أعود في يومٍ من الأيام لأطوف طواف الإفاضة وطواف الوداع ولجهلٍ مني بأمور الدين فقد تحللت من كل شيء وفعلت كل شيء يحرم أثناء الإحرام فسألت عن رجوعي لأطوف فقيل لي لا يصح لك أن تذهبي لتطوفي فقد أفسدتي حجك وعليك الإعادة أي إعادة الحج مرةً أخرى في العام المقبل مع ذبح بقرة أو ناقة فهل هذا صحيح وإذا كان هناك حلٌ آخر فما هو وهل فسد حجي وعلي إعادته أفيدوني عما يجب علي فعله بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً من البلاء الذي يحصل بالفتوى بغير علم وأنتِ في هذه الحال يجب عليك أن ترجعي إلى مكة وتطوفي طواف الإفاضة فقط أما طواف الوداع فليس عليك طواف وداع ما دمتي كنتي حائضاً عند الخروج من مكة وذلك لأن الحائض ليس عليها طواف وداع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أمر الناس بأن يكون آخر بعهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) وفي روايةٍ لأبي داود (أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن صفية قد طافت طواف الإفاضة قال فلتنفر إذاً دل هذا على أن طواف الوداع يسقط عن الحائض أم طواف الإفاضة فلا بد لك منه وأما أنك تحللتي من كل شيء جاهلة فإن هذا لا يضرك لأن الجاهل الذي يفعل شيئاً من محظورات الإحرام لا شيء عليه لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقال الله قد فعلت ولقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فجميع المحظورات التي منعها الله تعالى على المحرم إذا فعلها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه لكن عليه متى زال عذره أن يعود ويقلع عما تلبس به.(12/2)
فضيلة الشيخ: المحظورات جميعها بدون استثناء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المحظورات جميعها بدون استثناء إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لكن متى ذكر أو علم أو زال إكراهه وجب عليه الإقلاع عما تلبس به من المحظور.
***(12/2)
رجل سافر إلى أرضه ولم يطف طواف الإفاضة فما حكم هذا مع العلم أنه قد أتي أهله في تلك الفترة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهل لأنه قد حلّ التحلل الأول دون الثاني ومن تحلل التحلل الأول دون الثاني أبيح له كل شيء إلا النساء ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإنهاء نسكه أما إتيانه أهله في هذه المدة فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه لأن جميع المحظوارات لا شيء فيها مع الجهل وإن كان عالماً فإن عليه شاة على ما قاله أهل العلم ويذبحها ويوزعها على الفقراء وعليه أيضاً أن يحرم ويطوف طواف الإفاضة محرماً لأنه فسد إحرامه بجماعه بعد التحلل.
***(12/2)
مسلمة طافت طواف الإفاضة في الدور الثاني من الحرم وبعد أن طافت شوطين تعبت فقطعت الطواف وخرجت من مكة يقولون هل يلزمها شيء وهل عليها إعادة الحج نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المرأة تعرف أنها تركت طواف الإفاضة لأنهم يقولون في السؤال إنها خرجت وأخشى أن تكون الذي تركت هو طواف الوداع.(12/2)
فضيلة الشيخ: لا هم يقولون طواف الإفاضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما داموا قالوا طواف الإفاضة وهم متأكدون منه فإن حجها لم يتم حتى الآن لأنه بقي عليها ركنٌ من أركانه وعليه فهي لا تزال محرمة لم تحل التحلل الثاني فلا يجوز إذا كانت ذات زوجٍ أن تتصل بزوجها حتى تذهب إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة حال رجوعها إلى مكة يرى بعض أهل العلم أنها إذا ذهبت إلى مكة من بلدها فإنها تحرم بعمرة أولاً فتطوف وتسعى وتقصر للعمرة ثم بعد ذلك تطوف طواف الإفاضة ثم إذا رجعت فوراً إلى بلدها فإنه لا يجب عليها أن تطوف طواف الوداع للعمرة لأنه في الحقيقة صار آخر عهدها بالبيت.(12/2)
فضيلة الشيخ: ألا يلزمها شيء لأنها سافرت ولم تطف أيضاً طواف الوداع لأنها لو كانت تستطيع طواف الوداع لطافت طواف الإفاضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الحال هي تركت طواف الوداع ولكنها معذورةٌ بالجهل فيما يظهر لي أنها تجهل هذا الأمر فإذا كانت معذورةٌ بالجهل فالأمر في هذا واسع ربما أنها أيضاً تعبت تعباً جسمياً لا تستطيع معه الطواف لا راكبة لا محمولةً ولا ماشية فإذا لم يكن عذر فإنه يجب عليها أيضاً ما يجب على تارك الواجب في الحج فيما قال أهل العلم وهو أيضاً فديةٌ تذبح بمكة شاة وتوزع على الفقراء من غير أن يأخذ منها صاحبها شيئاً.(12/2)
فضيلة الشيخ: إذا أدركت الذي يجب عليها ولم تذهب إلى مكة هل يلزمها شيء أو يبطل حجها أو مثلاً تطوف طواف الإفاضة في العام القادم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هي على كل حال الآن معلقة ما تم حجها ولا تحللت التحلل الثاني بحيث إنه لا يجوز لها جميع ما يتعلق بالنكاح من عقدٍ أو مباشرة أو غيره فهي الآن معلقة في الواقع ولا ينبغي أن تتهاون في هذا الأمر لا سيما والوسائل ولله الحمد متيسرة فيجب عليها أن تذهب وتطوف لتكمل حجها.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل أخوكم أبو الفداء يقول يا فضيلة الشيخ ما حكم من خرجوا لأداء العمرة من جدة فلما طافوا بالبيت وشرعوا في السعي سعى بعضهم شوطين والبعض الآخر ثلاثة أشواط ثم لم يستطيعوا أن يكملوا السعي لأجل الزحمة الشديدة في تلك الليلة وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي فخافوا على أنفسهم من الموت أو الضرر فعادوا إلى بيوتهم من غير حلق ولا تقصير ولم يفعلوا شيئاً حتى الآن ماذا عليهم جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إني أنصح هذا السائل ومن كان على شاكلته ممن يفعلون الخطأ ثم لا يبادرون بالسؤال عنه هذا تهاون عظيم بدين الله وشرعه وعجباً لهذا وأمثاله أن يقدموا ليلة السابع والعشرين لأداء العمرة وأداء العمرة في رمضان سُنَّة ثم تنتهك حرمة هذه العمرة فلا يكملونها ثم لا يسألون عما صنعوا نسأل الله لنا ولهم الهداية ونحن نتكلم أولاً على مشروعية العمرة ليلة السابع والعشرين وعلى ما صنعوا من قطع هذه العمرة أما الأول وهو مشروعية العمرة في ليلة سبعٍ وعشرين نقول إنه لا مزية لليلة سبعٍ وعشرين في العمرة وأن الإنسان إذا اعتقد أن لليلة سبعٍ وعشرين مزيةً في أداء العمرة فيها فإن هذا الاعتقاد ليس مبنياً على أصل فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم من أدى العمرة في ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان فله كذا وكذا ولم يقل من أدى العمرة ليلة القدر فله كذا وكذا بل قال (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) والعمرة ليست قياماً ثم نقول من قال إن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين؟ فليلة القدر قد تكون في السابع والعشرين وقد تكون في الخامس والعشرين وقد تكون في الثالث والعشرين وقد تكون في التاسع والعشرين وقد تكون في الأشفاع في ليلة اثنين وعشرين وأربعة وعشرين وستة وعشرين وثمانية وعشرين وثلاثين كل هذا ممكن نعم أرجاها أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين وأما هي بعينها كل عام فلا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه أُري ليلة القدر وأنه يسجد في صلاة الفجر من صبيحتها في ماءٍ وطين فأمطرت الليلة ليلة إحدى وعشرين فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الفجر وسجد في الماء والطين في صبيحة تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين) إذاً فليلة القدر تتنقل قد تكون هذا العام في سبعٍ وعشرين وفي العام التالي في سبعٍ وعشرين أو في خمس وعشرين فليست متعينةً ليلة سبعٍ وعشرين ولهذا نرى أن من الخطأ أن بعض الناس يجتهد في القيام ليلة سبعٍ وعشرين وفي بقية الليالي لا يقوم كل هذا بناءً على الخطأ في تعيين ليلة القدر والخلاصة أنه لا مزية للعمرة في ليلة سبع وعشرين لأن ليلة سبع وعشرين ليست هي ليلة القدر بعينها دائماً وأبداً بل تختلف ليلة القدر ففي سنة تكون سبعا وعشرين وفي السنة الأخرى في غير هذه الليلة أو في الليلة وفي سنوات أخرى في غيرها وهذا أمرٌ يجب على المسلم أن لا يعتقده أي يتجنب اعتقاد أن للعمرة ليلة سبع وعشرين مزية وأن ليلة سبعٍ وعشرين هي ليلة القدر في كل عام لأن الأدلة لا تدل على هذا أما بالنسبة لعمل السائل فهو عملٌ خاطئ مخالفٌ لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) السعي من العمرة بل هو ركنٌ فيها وعلى هذا فيجب عليهم الآن أن يلبسوا ثياب الإحرام وأن يذهبوا فيسعوا ويقصروا تكميلاً لعمرتهم السابقة وأن يتجنبوا من الآن جميع محظورات الإحرام مع التوبة والاستغفار من هذا الذنب الذي فعلوه.
***(12/2)
السائل محمد عسيري من أبها يقول ذهبنا للعمرة في نهاية شهر رمضان الماضي وأحرمنا من الميقات ثم توجهنا إلى مدينة جدة لغرض ترك بعض أفراد العائلة هناك وقبل أن نتوجه لقضاء العمرة وصلنا خبر بوفاة أحد الأقارب لنا بالمنطقة التي قدمنا منها وعند ذلك لم نتمالك أنفسنا وقمنا بخلع الإحرام والاتجاه فوراً حيث ذهبنا لحضور الدفن والعزاء لذا نود من فضيلتكم الحكم في ذلك وماذا يجب علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا السائل أخطأ خطأ عظيماً حيث فسخ الإحرام بدون أن يسأل أهل العلم وقد قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا الرجل فسخ الإحرام بدون ضرورة إذ أنه إذا مات أحد لهم في قريتهم فهل إذا توجهوا إليه يرجع حياً أبداً لن يرجع حياً إذن ما الفائدة والمسألة ساعات بل دون الساعة هم سوف يتجهون من جدة إلى مكانهم بل إلى بلادهم مارين بمكة لأنه أتى من المنطقة الجنوبية والعمرة نقدر أنها استوعبت ساعتين للزحام فلماذا لا يبقون على إحرامهم ويمرون بمكة ويطوفون ويسعون ويقصرون وهم في طريقهم فالواجب على هؤلاء أنهم لما بلغهم وفاة قريبهم أو صديقهم أو من يريدون أن يحضروا جنازته الواجب عليهم أن يستمروا في نسكهم وأن يكملوه ثم يغادروا وهل العمرة إلا طواف وسعي وتقصير وأما فسخ العمرة فهم آثمون به وعليهم الآن أن يلبسوا ثياب الإحرام وأن يتجنبوا جميع محظورات الإحرام وأن يذهبوا إلى مكة ويقضوا العمرة طوافاً وسعياً وتقصيراً لأنهم مازالوا الآن في إحرام ثم كون هذا السائل يرسل السؤال إلى برنامج نور على الدرب غلط أيضاً لأن برنامج نور على الدرب عنده من الأسئلة ما لا يحصيه إلا الله فمتى يأتي دور سؤاله وربما يضيع فكان من الأوفق والأحسن والأبرأ للذمة أن يسأل أحد العلماء الذين في بلده أو غيرهم حتى ينهي الأمر بسرعة نحن لا ندري الآن هذا السؤال ليس فيه تاريخ ربما كان أرسله بعد عيد الفطر مباشرة ما ندري ولم يأتِ الدور إلا الآن وإني لأرجو أن يكون هذا الرجل الآن قد تخلص من هذه المشكلة وسأل العلماء وأفتوه بما نرجو الله تعالى أن يقبله.
***(12/2)
هذه رسالة وردتنا من العراق من المرسلة ر م ع تقول في رسالتها ذهبت بقصد العمرة في شهر رمضان ولكنني لم أكمل العمرة فقد قمنا بطواف حول الكعبة والصفا والمروة وقد مرضت مرضاً شديداً هو الجنون ورجعنا إلى البلد بألم وحزن وبعد فترة قصيرة استيقظت من هذا المرض ولله الحمد ولكنني منذ ذلك أو منذ تلك الفترة وحتى الآن يوجد في قلبي وسواس من إلحاد والذي يعود إلى الكفر وعدم رضا الله وآلمني أن أقول هذا مع العلم أنني أؤدي جميع الفروض من صلاة وصوم وزكاة ولا أستطيع أن أمسح هذا الشعور من قلبي برغم محاولتي بالتوبة والدعاء إلى الله فأرجو منكم حل هذه المشكلة لأنني في غاية الحيرة والألم وهل أنا مذنبة وماذا أفعل ولكم جزيل الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لعمرتها فإن ظاهر كلامها أنها أدت العمرة لأنها تقول إنها طافت حول الكعبة وفي الصفا والمروة وما بقي عليها إلا التقصير إذا كانت لم تقصر وأما بالنسبة لما تجد في قلبها من هذه الوسواس فإن ذلك لا يضرها بل إن هذا من الدلالة على أن إيمانها خالص وصريح وصحيح وذلك لأن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم بمثل هذه الوسواس إذا رأى من إيمانه قوة وصراحة فإنه يريد أن يبطل هذه القوة ويضعفها ويزيل هذه الصراحة إلى شكوك وأوهام ودواء ذلك ألا تلتفت إلى هذه الوساوس إطلاقاً ولا تهمها ولا تكون لها على بال ولتمض في عبادتها لله عز وجل من طهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها وهذا يزول عنها إذا غفلت عنه فالدواء ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام أن ينتهي الإنسان عن ذلك ويعرض عنه وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يشتغل بفرائضه وسننه عن مثل هذه الأمور وسيزول بإذن الله.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل أخوكم صبري من جمهورية مصر العربية يسأل يقول جئت من مصر لأداء العمرة وأحرمت من الباخرة ونزلت جدة لكي أذهب إلى مكة ولم أتمكن من الوصول إلى مكة وذلك لظروف طارئة واضطررت لفك الإحرام وذهبت ثاني يوم لأداء العمرة فهل علي فدية أفيدوني مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك فدية لأنك جاهل وفكك الإحرام بدون عذر شرعي لا يبيح لك التحلل وليس له أثر فالواجب عليك في المستقبل إذا أحرمت بعمرة أو حج أن تبقى حتى تنهي العمرة والحج وتتحل منهما إلا إذا حصرت بمانع شرعي يبيح لك التحلل فحينئذ تتحلل وتذبح هديا لتحللك لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
***(12/2)
جزاكم الله خير يا فضيلة الشيخ أم عبد العزيز من محافظة العلا أرسلت بهذا السؤال تذكر بأنها امرأة ذهبت للعمرة في رمضان فأحرمت من ميقات ذي الحليفة بالمدينة النبوية مع أخيها وعندما أوشكت على دخول المسجد جاءتها الدورة الشهرية فمكثت خارج المسجد وواصل أخوها العمرة تقول وعندما انتهى سافرنا وغادرنا مكة إلى بلادنا علماً بأنني لم أفعل شيئاً من أعمال العمرة ماذا أفعل الآن هل أنا على الإحرام وهل يجب علي الذهاب فوراً إلى مكة لقضاء هذه العمرة أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هي الآن ما زالت على إحرامها فيجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام وعليها أن تذهب الآن فوراً إلى مكة فتقضي عمرتها والواجب على الإنسان أن لا يؤخر السؤال سؤال أهل العلم لأنه كلما أخر السؤال ازداد إثماً لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فانظر إلى هذه المرأة الآن بقيت هذه المدة لم تسأل عن حالها مع أنها قد تكون ذات زوج وزوجها يجامعها وهي محرمة وهذا شيء خطير فالواجب على الإنسان أن يسأل أولاً قبل أن يفعل فإن قدر أن فعل ثم حصل عنده شك فالواجب المبادرة بالسؤال.
***(12/2)
بارك الله فيكم سائل يقول فضيلة الشيخ هناك رجال ونساء أحرموا للعمرة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ثم عندما وصلوا الكعبة طافوا بالبيت ثم بدؤوا بالسعي ولكن لشدة الزحام في تلك الليلة خافوا على أنفسهم الخطر فخرجوا من المسعى بعد مرة أو مرتين من السعي ورجعوا إلى بيوتهم بدون إتمام السعي وبدون حلق أو تقصير طبعا العمرة ليست تامة ولكن هل عليهم شيء وماذا ينبغي لهم أن يفعلوا وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن العمرة كما قال السائل لم تتم حيث إن سعيها لم يتم والواجب عليهم أن يعودوا محرمين إلى مكة ويكملوا السعي ولكنهم يبدؤون به من الأول فيسعون سبعة أشواط ويحلقون أو يقصرون وما فعلوه من المحظورات قبل هذا فإنه لا شيء عليهم لأنهم جاهلون ولكنني آسف أن تمضي عليهم مدة وهم قد عملوا هذا العمل ويعلمون أن عمرتهم لم تتم ثم لم يسألوا عن ذلك في حينه لأن الواجب على المسلم أن يحرص على دينه أكثر مما يحرص على دنياه ولوكان الذي فاته شيء من الدنيا لبادر في استدراك ما فاته فما باله إذا فاته شيء من عمل الآخرة لم يهتم به إلا بعد مدة قد يمضي سنة أو سنتان أو أكثر وهو لم يسأل وهذا من البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس بل من المؤسف حقا أن بعض الناس يقول لا تسأل فتخبر عن شيء يكون فيه مشقة عليك ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتجدد الأحكام فيه أو تتغير أما بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه.
***(12/2)
جزاكم الله خيرا السائل م ع ع من المدينة النبوية يقول سافرت في إحدى السنوات قاصداً أخذ عمرة وزيارة بعض الأقارب بمدينة جدة وفي الطريق صار علي حادث وتعرض بعض الركاب الذين معي لإصابات بسيطة ووُقِّفت بذلك في مدينة رابغ لمدة ثلاثة أيام وعندما دخلت التوقيف تحللت من إحرامي وخرجت بعد ثلاثة أيام حيث شملني العفو وعدت إلى المدينة ولم أكمل عمرتي فهل علي شيء علما بأنني قد حججت بعدها أربع مرات وأديت العمرة أكثر من ست مرات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل قد اشترط عند إحرامه فقال اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فلا شيء عليه وإن لم يكن اشترط فقد اختلف العلماء رحمهم الله في الحصر بغير العدو فقال بعضهم أنه إذا حصر بغير عدو يبقى على إحرامه حتى يزول الحصر ثم يكمل وقال آخرون بل هو كحصر العدو وقد قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فيجب عليه أي من حصر عن إتمام النسك لمرض أو كسر أو نحو ذلك أن يذبح شاة في محل حصرة ولكن هذا السائل لم يفعل شيئاً من هذا وأدنى شيء نقول له أنه يلزمه فدية للحصر وعدم إكمال النسك يذبحها في المكان الذي حصر فيه أو في مكة ويوزعها على الفقراء.
***(12/2)
إذا أحرم الإنسان ونوى على عمل العمرة ولكن الظروف لم تسمح لضيق الوقت فهل عليه شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أحرم الإنسان بالعمرة وجب عليه إتمامها لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) حتى لو كانت نافلة وهذا من خصائص الحج أن الإنسان إذا شرع فيه يجب عليه أن يتمه ولكن إذا أحُصر بأن حصلت له ظروف قاسية لا يتمكن من إتمام العمرة فإنه يتحلل لكن إن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه أن محله حيث حُبس فإنه يتحلل ولا شيء عليه وفي هذه الحال أي في الحال التي يتوقع الإنسان فيها أنه لا يحصل له إتمام نسكه ينبغي له أن يشترط عند الإحرام إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني لأجل إذا حصل الحابس تحلل ولا شيء عليه أما إذا كان حصل له عذر قاهر لا يتمكن معه من إتمام العمرة ولم يشترط أن محله حيث حُبس فإنه في هذه الحال يتحلل وعليه دم لقوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) بعد قوله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) فعلى هذا نقول يجب عليك شاة تذبحها في المكان الذي حصرت فيه أو في مكة وتوزعها على الفقراء.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل سعيد محمد يقول كنت أعمل سائقاً وفي شهر الحج اتفق جماعة على الحج وكلموني على ذلك مع أني سائق سيارة ولكي أتنقل بهم بسيارتي بين المشاعر ونويت الحج معهم وعندما وصلنا مكة ودخلنا المسجد الحرام وطفنا طواف القدوم بعد ذلك خرجنا وإذا بهم غيروا رأيهم وقالوا لي أوقف السيارة في مكة وأنت أذهب وحج لوحدك وكنت قد اتفقت معهم على مبلغ معين من المال وأعطوني أقل منه بكثير وعندها غضبت ونزلت إلى جدة وقطعت حجي ومن يومها وأنا لا أعرف ماذا يترتب عليّ من جراء ذلك فهل لهم الحق أولاً في نقض هذا الاتفاق على الأجرة وثانياً ماذا عليّ في العدول عن الحج فهم أيضاً فقد عدلوا عن الحج وقطعوه من تلك اللحظة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للأجرة فإن لك الأجرة كاملة مادام الفسخ من قبلهم لأنه لا عذر منك أنت ولا تفريط وإنما هم الذين قطعوا ذلك على أنفسهم فيلزمهم أن يسلموا الأجرة كاملة أما بالنسبة للحج فإن كنتم قد تحللتم بعمرة يعني طفتم وسعيتم وقصرتم ثم حللتم على نية أن تأتوا بالحج في وقته فإنه لا شيء عليكم حيث انصرفتم من الإحرام قبل أن تحرموا وأما إن كان ذلك بعد الإحرام فإنه يجب عليك الآن أن تتحلل بعمرة لفوات الحج وعليك أن تأتي بالحج الذي تحللت منه بدون عذر وعليك أيضاً على ما قاله أهل العلم أن تذبح لذلك فدية لأنك أخطأت حينما تحللت بدون عذر.
***(12/2)
سائل يقول نويت في سنة من السنين الحج أعني حجة الإسلام وكنت مقيماً في السعودية وكنت لا أعلم شيئاً عن المناسك إطلاقاً وتواعدت مع رجل في مسجد الخيف في منى في اليوم الثامن من شهر الحج وذهبت إلى منى وإلى المسجد محرماً وبحثت فيه عنه عدة مرات ولكني لم أجده ثم ذهبت إلى مكة وفسخت الإحرام وجلست ولم أحج للسبب الذي ذكرته وهو أنني لا أعرف شيئاً فما هو الحكم علماً بأنني حججت بعد هذا العام بسنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن الأخ مفرط ومتهاون في أمر دينه وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما فعل وإن ذبح هدياً في مكة نظراً إلى أنه كالمحصر العاجز عن إتمام نسكه فحسن والواجب على المرء إذا أراد أن يتعبد لله بحج أو غيره أن يكون عارفاً لحدوده قبل أن يدخل فيه فالذي نرى لهذا الأخ أن يذبح هدياً في مكة لأنه بمنزلة المحصر لعجزه عن إتمام نسكه في ذلك العام وقد قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) .
***(12/2)
المستمع محمد قائد من الجمهورية العربية اليمنية إب له عدة أسئلة يقول في سؤاله الأول رجل نوى الحج فعندما أراد الذهاب إلى الحج وافته المنية وقد كان قد باع ما عنده من أجل الحج فما حكم هذا وهل يصح إذا نوى أن يكتب له حج أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل الذي عزم على الحج فباع ما عنده ليحج به فوافته المنية قبل أن يقوم بالحج نرجو أن الله عز وجل يكتب له أجر الحاج لأنه نوى العمل الصالح وفعل ما قدر عليه من أسبابه ومن نوى العمل وفعل ما قدر عليه من أسبابه فإنه يكتب له قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وإذا كان هذا الرجل الذي باع ماله ليحج لم يحج فريضة الإسلام فإنه يحج عنه بعد موته بهذه الدراهم التي هيأها ليحج بها حينئذٍ يحج بها عنه أحد أوليائه أو من غيرهم وذلك لما في المتفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم) وكان ذلك في حجة الوداع.
***(12/2)
هذه الرسالة من سعيد بن راشد الجابري من دولة تنزانيا يقول خرجت من بيتي قاصداً الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وبعد أن قطعت حوالي ستمائة ميل منعت من السفر وليس بي شيء أفعله فرجعت إلى بلدي فهل يلزمني شيء في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمك شي في هذه الحال مادمت لم تتلبس بالإحرام لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله وإن شاء رجع إلى أهله إلا أنه إذا كان الحج فرضاً فإنه يجب عليه أن يبادر به ولكن إذا حصل مانع كما ذكر السائل فإنه لا شيء عليه أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام فإنه له حكم آخر ولكن ظاهر السؤال أنه منع قبل أن يتلبس بالإحرام.(12/2)
فضيلة الشيخ: هل مجرد نية العزم على الحج لا يؤثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم مجرد النية لا يعتبر ملزماً.
***(12/2)
سائل من السودان رمز لاسمه بـ ص م يقول فضيلة الشيخ قدمت من بلدي السودان إلى المملكة العربية السعودية وكان ذلك في شهر ذي القعدة عام أربعة عشر وأربعمائة وألف من الهجرة ثم ذهبت إلى المدينة حين مجيئي من السودان وقمت بزيارة المسجد النبوي الشريف وفي قدومي إلى مكة المكرمة أحرمت من الميقات آبار علي بنية الحج وكان ذلك في اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة وأتيت البيت الحرام فطفت وسعيت ثم حللت إحرامي حيث إنني لم أستطع البقاء على الإحرام وكانت المدة المتبقية على الصعود ليوم عرفة أربعة عشر يوما أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أبين أنه يلحقني الأسف الشديد من هذه القصة التي ذكرها السائل أن الإنسان يفعل الشيء ثم بعد فعله إياه يسأل وهذا خطأ الواجب على الإنسان ألا يدخل في شيء حتى يعرفه فمن كان يريد الحج مثلا فليدرس أحكام الحج قبل أن يأتي للحج كما أن الإنسان لو أراد السفر إلى بلد فإنه يدرس طريق البلد وهل هو آمن أو مخوف وهل هو مستقيم أم معوج وهل يوصل إلى البلد أو لا يوصل هذا في الطريق الحسي فكيف في الطريق المعنوي وهو الطريق إلى الله عز وجل فأنا آسف لكثير من المسلمين أنهم على مثل هذا الحال التي ذكرها السائل عن نفسه والذي فهمته من هذا السؤال أن الرجل أتى من بلده قاصدا المدينة النبوية وأنه أحرم من ميقات المدينة النبوية وهو ذو الحليفة أي آبار علي لكنه أحرم قارنا بين الحج والعمرة والمحرم القارن بين الحج والعمرة يبقى على إحرامه إلى يوم العيد لكنه لما طاف وسعى وكان قد بقى على الحج أربعة عشر يوما تحلل وهذا هو المشروع له أن يتحلل ولو كان نوي القران يتحلل إذا طاف وسعى قصر ثم حل ولبس ثيابه فإذا كان اليوم الثامن أحرم بالحج والذي فهمته من السؤال أن الرجل تحلل ولكنه لم يقصر فيكون تاركا لواجب من واجبات العمرة وهو التقصير ويلزمه على ما قاله أهل العلم في ترك الواجب يلزمه دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء.
***(12/2)
أخوكم إبراهيم سليمان يقول إن لي خالاً توفي منذ حوالي سنتين أو أكثر ولخالي أخ أكبر منه وطلب مني أن أحج لهما وحجيت ولما ذهبت إلى الحج وفي يوم رمي الجمرات ضعت عن الإخوة الذين معي وتعبت في البحث عنهم ولم أذبح في اليوم الأول وذبحت في اليوم الثاني وقد حلقت رأسي في اليوم الأول فهل يجوز لي أم لا وهو يقول وقد حجيت عنهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النقطة التي أشرت إليها وهو قوله أنه طلب أن يحج عنهما فحج هو يمكن أن يكون حج عن واحد منهما أما إذا حج عنهما جميعاً في نسك واحد فإنه لا يجوز لأن النسك الواحد لا يتبعض لا بد أن يكون عن شخص واحد فإذا أراد شخص أن يحج عن أمه وأبيه مثلاً في سنة واحدة بنسك واحد فإن ذلك لا يجوز وإنما يحرم عن أبيه في سنة وعن أمه في سنة،وأما بالنسبة لما فعله من تأخير الذبح إلى اليوم الثاني والحلق في اليوم الأول فإنه لا بأس به وذلك أن الإنسان يوم العيد ينبغي أن يرتب الأنساك التي تفعل فيه كالتالي أولاً يبدأ برمي جمرة العقبة ثم بعد ذلك ينحر هديه ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة وهو طواف الحج ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم فإن كان قارناً أو مفرداً وقد سعى بعد طواف القدوم فإنه لا يعيد السعي مرة ثانية.
***(12/2)
هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول حججت متمتعا ولم أنحر ولم أقصر فما الحكم أجيبوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النحر لا يجب إلا على المتمتع والقارن وأما المفرد فإنه لا يجب عليه الهدي أما التقصير فإن عليك أن تذبح بدله فدية في مكة توزعها على الفقراء لأن أهل العلم يقولون من ترك واجباً من واجبات الحج فعليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء وإنني بهذه المناسبة أنصح أخواني المسلمين إذا أرادوا الحج أن يتعلموا أحكام الحج قبل أن يحجوا لأنهم إذا حجوا على غير علم فربما يفعلون أشياء تخل بنسكهم وهم لا يشعرون وربما لا يتذكرون ذلك إلا بعد مدة طويلة فعلى المرء إذا أراد أن يحج أن يتعلم أحكام الحج إما عن طريق العلماء مشافهة وإما عن طريق قراءة المناسك المكتوبة وهي كثيرة ولله الحمد.
***(12/2)
بارك الله فيكم يقول أديت فريضة الحج ولم أقصر من رأسي من جميع النواحي ولكنني أخذت البعض فما الحكم وهل الحج صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحج صحيح إن شاء الله والحكم أن عليك فدية تذبحها في مكة وتوزعها على الفقراء هناك كما قال أهل العلم فيمن ترك واجبا من واجبات الحج والحلق أو التقصير من واجبات الحج.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السؤال من المستمع أحمد محمد حسين من جمهورية اليمن الديمقراطية عدن يقول ما حكم من أحرم بالحج متمتعاً وطاف وسعى ولكنه لم يحلق أو يقصر بل حل من إحرامه وبقي إلى اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرم بالحج من جدة إلى منى وأدى المناسك كاملة حتى طواف الوداع فماذا عليه في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحاج ترك التقصير في عمرته والتقصير من واجبات العمرة وفي ترك الواجب عند أهل العلم دم يذبحه الإنسان في مكة ويوزعها على الفقراء وعلى هذا فنقول لهذا الحاج عليك على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية بمكة وتوزعها على الفقراء وبهذا تتم عمرتك وحجك وإن كان خارج مكة يوصي أن يذبح له الفدية بمكة.
***(12/2)
أحسن الله إليكم هذه سائلة للبرنامج تقول قمت بأداء فريضة العمرة ولكنني لم أقصر من شعري ظنا مني بأنها سنة للرجال فقط وأن النساء ليس عليهم تقصير وبعد أن رجعت من العمرة علمت بأن عليّ دم ولكن زوجي لا يريد أن يذبح عني وأنا لا أملك المال لكي أذبح عن نفسي فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا تفعلوا شيئا لأن الإنسان إذا وجب عليه شيء ولم يقدر عليه سقط عنه لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال العلماء رحمهم الله لا واجب مع العجز ولكني أنصح هذه المرأة وغيرها بنصيحة أرجو أن تكون نافعة وهي أن الإنسان إذا أراد أن يحج فليعرف أحكام الحج قبل أن يحج وإذا أراد أن يعتمر فليعلم أحكام العمرة قبل أن يعتمر وهكذا بقية العبادات حتى يعبد الله على بصيرة وعلى علم وحتى لا يقع في الزلل والخطأ ثم بعد ذلك يفتش عن من ينتشله من هذا الخطأ أنصح إخواننا المسلمين كلهم هذه النصيحة ألا يقوموا بشيء من العبادات حتى يتعلموها قبل أن يعملوها ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه على هذه المسألة فقال باب العلم قبل القول والعمل وصدق أما هذه فكما قلت أولاً لا شيء عليها لأنها عاجزة عن الفدية فتسقط عنها وليس هناك دليل على أن من عجز عن الفدية في ترك الواجب أنه يصوم عشرة أيام وما دام أنه لا دليل على ذلك فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به فنقول من وجب عليه دم وهو قادر عليه فليفعل ومن لم يجد سقط عنه إلا دم المتعة والقران فإن الله تعالى صرح بأن من لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
***(12/2)
هذا السائل أبو محمد يقول حصل لزوجة الوالد هذا العام في العمرة أن نسيت أن تقصر من شعرها وحلت من الإحرام بعد الطواف والسعي ولم تذكر التقصير إلا في الرياض فما الحكم جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا نسيت أن تقصر في العمرة ولم تذكر إلا وهي في الرياض فإنها تقصر ولا حرج عليها إن شاء الله وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواننا المسلمين أنهم إذا أرادوا أن يفعلوا عبادة أي عبادة كانت فليقبلوا إليها بجد وليشغلوا قلوبهم بها وليهتموا بها هذه ناحية والناحية الثانية أن يتعلموا أحكامها وماذا يجب عليهم فيها حتى يعبدوا الله تعالى على بصيرة وما أكثر الذين يسألون عن أشياء أخلوا بها في مناسكهم في الحج أو العمرة وربما يمضي عليهم سنوات كثيرة لم يتفطنوا إلا بعد مضي هذه السنوات وهذا لاشك أنه نقص، لأن أحدنا لو أراد أن يسافر إلى بلد فإنه لن يسافر إلا بهادٍ يدله الطريق أو بهاد يصف له الطريق حتى يعرف كيف يسير إلى هذه البلاد وإلى أين يتجه فما بالك بالسير إلى جنات النعيم أليس الأجدر بالإنسان أن يهتم به اهتماماً بالغاً وهكذا ينبغي في المعاملات فالتاجر ينبغي له أن لا يشتغل بالتجارة حتى يعرف ما يجوز منها وما لا يجوز؟ وهكذا فيما يسمونه بالأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق فالإنسان لا يطلق حتى يعرف حدود الله تعالى في الطلاق إلى غير ذلك من شرائع الدين وشعائره فإنه ينبغي للإنسان أن يتلقاها بهمة وعزيمة ونشاط وإحضار قلب وأن يقوم بها على علم وبصيرة فقد قال الله تبارك وتعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .(12/2)
يافضيلة الشيخ: أحسن الله إليكم إذاً هذه الزوجة فضيلة الشيخ ماذا يلزمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يلزمها كما قلت أن تقصر وهي في مكانها إلا إذا فات الأوان فإنها تذبح فدية تتصدق بها على فقراء الحرم.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل أبو بكر الأمين من جدة يقول إذا اعتمر الإنسان ولم يقصر شعره أو لم يحلق جهلاً منه أو نسياناً فهل تصح عمرته أم لا وإذا لم تكن صحيحةً فماذا عليه أن يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة وإنما هو من الواجبات وإذا تركه الإنسان ناسياً فإنه يحلقه متى ذكر إلا إذا فات الأوان فإنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء وإذا تركه جاهلاً وعلم فإنه يحلق إلا إذا فات الأوان فإنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء ولا إثم عليه في هذه الحال ما دام ناسياً أو جاهلاً ولا بد من الفدية إذا لم يكن التدارك وتكون لفقراء الحرم
***(12/2)
هذه السائلة يا فضيلة الشيخ تقول عندما أردنا العمرة قامت والدتي بتغسيل أختي الصغيرة بنية الإحرام والعمرة وعند السعي لم تكمل أختي هذه الأشواط لعجزها وذلك لصغر سنها وعمرها تقريباً ثلاث سنوات وسمعنا بأن علينا فدية لأنها لم تكمل العمرة فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصبي أو الصبية إذا كانا دون البلوغ وخرجا من الإحرام قبل إتمامه أي خرجا من النسك قبل إتمامه فلا حرج عليهما هذا وذلك لأنهما غير مكلفين وبناءً على هذا لا يكون على هذه الصبية شيء وبهذه المناسبة أود أن أقول إن تكلف الإنسان وتكليفه صبيانهم من ذكورٍ وإناث بالإحرام بالعمرة أو بالحج في أيام الضيق وأيام المواسم ليس بجيد ولا ينبغي للإنسان أن يفعله لأنه يكون فيه مشقة على الصبي الذي أحرم خصوصاً إذا قلنا بوجوب إتمام النسك وفيه أيضاً إشغال قلب وفكر بالنسبة لأهله وكون الإنسان يتفرغ لنسكه ويُبقي أولاده بلا نسك أفضل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر أمته بأن يحججوا الصغار غاية ما هنالك أن امرأةً رفعت إليه صبياً وقالت ألهذا حج قال (نعم ولك أجر) لكنه لم يأمر أمته بذلك فالذي أرى أنه من الخير أن يترك الصبيان بلا إحرام في أيام الضيق والمواسم لأن ذلك أيسر عليهم وعلى أهليهم.
***(12/2)
الهدي - الهدي الواجب تعينه - الهدي المستحب(12/2)
جزاكم الله خيراً هذا سائل
للبرنامج(12/2)
هذه الرسالة من سالمين محمد عطية من الرياض يقول إذا اشترى الحاج هديه وربطه في خيمته ثم انفلت منه وضاع بين الخيام ولم يجده هل يلزمه أن يشتري هدياً عوضاً عنه علماً أنه رجل فقير تعوزه النفقة أو هناك رخصة في ذلك نرجو الإفادة المقنعة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الهدى الذي هرب لا يجزئه بل يجب عليه أن يشتري بدله فإن لم يجد فإنه كما قال الله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وإذا اشترى بدله ثم وجده بعد ذلك فهو ملكه يتصرف فيه بما شاء لأنه ذبح بدله فحل البدل محله ولا يجب عليه في هذه الحال أن يذبح الأول لأن ذمته برئت بذبح البدل.
***(12/2)
عقيل موسى يقول في هذه الرسالة أنه يشاهد كثير من اللحوم تذهب هدراً في منى وفي المجازر ويسأل لو ترك ذبيحته إلى اليوم الثالث ثم ذبحها في منى وأكلها مع من بقي من الحجاج هل في ذلك شيء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا شيء إذا أخر الذبح عن أول يوم إلى اليوم الثاني أو الثالث لأنه أنفع وأجدر فلا حرج عليه بل قد يكون ذلك أفضل من ذبحها في أول يوم ثم رميها بدون أن ينتفع بها أحد كذلك أيضاً لو ذبحها في أول يوم بمكة وفرقها هناك على الفقراء فإنه لا بأس بذلك وأنا أنصح أيضاً إخواننا الحجاج إلى أن يحملوا اللحوم معهم من المجازر فإذا خرجوا بها إلى الأسواق وإلى الطرقات وجدوا من يأخذها لكن أكثر الناس يذبحها ويدعها لأنه يقول في هذا مشقة عليَّ في حملها وهذا قصور منه فالمشقة وإن حصلت فإنها امتثالاً لأمر الله (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) وأنت الآن إذا ذبحتها وتركتها ما أكلت ولا أطعمت والله يقولوا (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) فأنت مأمور بأن تأكل وأن تطعم وإذا لم يحصل ذلك إلا بحملها كان حملها من باب مالا يتم المأمور إلا به.
***(12/2)
هذه الرسالة من حوطة بني تميم وردتنا من عبد العزيز إبراهيم السعدون يقول فيها ما حكم من ذبح هديه ثم ذهب وولى وتركه في المجزرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان حينما ذبحه عنده من يأخذه فإن هذا لا بأس به فإذا ذبحه قال لهم خذوا هذا وإذا لم يكن عنده من يأخذه فإنه إما أن يكره له ذلك وإما أن يحرم عليه لما في هذا من إضاعة المال أولاً ولما فيه من مخالفة أمر الله تبارك وتعالى حيث قال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وهذا أي الأكل وإطعام البائس الفقير لا يتم إلا إذا حملها الإنسان أو إذا شاهد من يأخذها وهذا الذي يفعله كثير من الناس هو الذي أوجب الإشكال والخوض والكلام الكثير في لحوم الهدي الذي يكون في منى ولو أن الناس سلكوا ما وجههم الله إليه من الأكل والإطعام ما حصل هذا الأمر وأشكل على الناس لكان كل واحد منهم يأخذ ذبيحته ثم يأكل منها ويطعم من شاء فعلى كل حال تركها هكذا بدون أن ينتفع بها أحد إما مكروه أو محرم والأقرب عندي أنه محرم لأنه في الحقيقة إضاعة للمال ومخالفة لأمر الله تبارك وتعالى بالأكل منها والإهداء وإطعام البائس الفقير.(12/2)
فضيلة الشيخ: لكن إذا لم يستطع مثلاً لم يجد أحداً ولا يستطع أن يحملها فكيف يحصل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يستطع فمن المعلوم أن الواجبات تسقط بالعجز ولكن يجب أن يحاول فإذا لم يستطع مثل ألا يكون به قدرة على مزاحمة الناس وحملها فإنه يحمل ما يستطيع منها ويدع ما لا يستطيع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
***(12/2)
نحن مجموعة كبيرة من الحجاج حججنا مع صاحب سيارات وكان عددنا كبير وتعاقدنا معه ليقدم أكلاً بمقدارٍ معين من النقود لكل شخص وقد فوضه بعضنا لشراء فداءٍ فاشتراه وأحضره إلى المخيم في منى وقمنا بذبحه ثم طبخه وقدمه لنا وأكله من في المخيم فهل يجوز ذلك علماً بأنه سيشتري على حسابه ذبائح لو لم نعطه فداءنا في ذلك اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنه أساء في تصرفه هذا فأولاً هذا الذبح نسأل هل وقع في يوم العيد وما بعده أو وقع قبل ذلك إن كان وقع قبل العيد فإنه ليس في محله ولا يجزئهم ولكن الضمان على من تصرف وإن كان بعد العيد فإنه في محله بعد الذبح ولكنه فاته شيء واحد وهو أن هذا الهدي يجب أن يكون للفقراء فيه نصيب وأن يطعموا منه فعليهم الضمان بأقل ما يطلق عليه لحم يتصدقون به على فقراء الحرم هناك وهديهم مجزئٌ لوقوعه في محله.
***(12/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أخوكم في الله عبد الله ش. ب. يقول في هذا السؤال حججت متمتعاً ومعي مبلغٌ قليل من المال ظننت أنه لا يكفي لشراء الهدي فصمت ثلاثة أيام وأنفقت المال الذي عندي بصورةٍ فيها كثير من الإسراف والتبذير ثم ظهر لي في اليوم الحادي عشر أن المال الذي كان عندي قبل إنفاقه كان كافياً لشراء الهدي فندمت على ما حدث مني من تفريط ثم صمت السبعة أيام بعد العودة من الحج فهل بقي الهدي في ذمتي بسبب التفريط الذي حدث مني أم لا وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذمتك برئت بالصوم لأنك إنما صمت بناءً على أن المال الذي معك لا يكفي لكن نظراً لأنك أسرفت في الإنفاق وأنفقت في غير وجهه أرى من الاحتياط أن تذبح هدياً في مكة يقوم مقام هدي التمتع الذي كان واجباً عليك مع القدرة.
***(12/2)
رسالة بعث بها المستمع عاصم نبيل من الرياض يقول سبق أن حججت قبل سبع سنوات وكان حج تمتع صمت ثلاثة أيام في مكة حيث لم أستطع حين ذاك أن أضحي ورجعت لمقر عملي لكنها مضت سنتان ولم أستطع أن أكمل صيام سبعة أيام باقية علي وفي السنة الثالثة راسلت أحد معارفي في مكة وطلبت منه أن يضحي عني وقد قام بذلك مشكوراً ودفعت له قيمتها وهذه الأضحية كانت بنية الأضحية التي فاتتني سابقاً ولم أستطع الصيام عنها أيضاً والآن أريد أن أستفسر هل أجزأت تلك الأضحية المتأخرة أم يلزمني أن أكمل صيام سبعة أيام أم يلزمني شي آخر غير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ساقه السائل ظهر لي أنه كان متمتعاً ولم يجد الهدي وأنه صام ثلاثة أيام في الحج وبقي عليه سبعة أيام ثم أنه تشاغل عن هذه السبعة أو تثاقلها وأراد أن يذبح الهدي والجواب على ذلك أنه لو كان هذه في وقت الهدي قبل مضي أيام التشريق لكان تصرفه صحيحاً أي لو أنه بعد أن صام ثلاثة أيام أراد أن يذبح الهدي الذي هو الأصل وكان ذلك في وقت ذبحه لكان هذا التصرف صحيحاً أما بعد أن فات وقت الذبح بانتهاء أيام التشريق فإنه ليس عليه إلا الصيام وحينئذٍ فيلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام نسأل الله له العفو.
***(12/2)
هذا سؤال من المستمع إبراهيم يقول لقد أديت فريضة الحج ووجبت علي الفدية بسبب بعض الأخطاء في مناسك الحج وبسبب نقص المال لم أتمكن من ذبح الفدية في الحج فهل يجوز أن أفدي في بلدي وأطعمه إلى الفقراء عندي أم ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا لأن دم المتعة والقران يجب أن يكون في الحرم في مكة أو في منى أو في داخل أميال الحرم وإذا كنت في ذلك الوقت لا شيء عندك فإن الواجب كما أمر الله عز وجل أن تصوم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعة إذا رجعت لأهلك.(12/2)
فضيلة الشيخ: يظهر هذا الذبح الذي يجب عليه دم جبران لأنه يقول بسبب بعض الأخطاء في مناسك الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان دم جبران فلا بد أن نعرف ما هو هذا الشيء الذي حصل إن كان ترك واجب ففيه فديةً يذبحها في مكة لأنها تتعلق بالنسك.(12/2)
فضيلة الشيخ: ولا يجزئ في غير مكة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وإن كان فعل محظور فإنه كما ذكرنا فيما سبق يجزئ فيه واحدةٌ من ثلاثة أمور إما إطعام ستة مساكين ويكون في مكة أو في مكان فعل المحظور وإما صيام ثلاثة أيام وفي هذه الحال يصوم ثلاثة أيام لأنه ليس في مكة إلا أن يكون هذا المحظور جماعاً قبل التحلل الأول في الحج فإن الواجب فيها بدنة يذبحها في مكان فعل المحظور أو في مكة ويفرقها على الفقراء أو أن يكون جزاء صيد فإن الواجب مثله أو إطعام أو صيام فإن كان صوماً ففي مكانه وإن كان إطعاماً أو ذبحاً فإن الله يقول (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) فلا بد أن يكون هناك في الحرم.(12/2)
فضيلة الشيخ: وله أن يوكل في ذلك المقيم في مكة مثلاً إذا كان يعرف أحداً مقيماً في مكة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم له أن يوكل في هذا لأن النبي عليه الصلاة والسلام (وكّل علياً رضي الله عنه في ذبح ما بقي من هديه) .
***(12/2)
بارك الله فيكم، هذه مستمعة من الكويت أرسلت تقول فضيلة الشيخ الذي أعرفه أن العمرة ليس لها هدي ولكن في عمرة الحديبية ساق الرسول صلى الله عليه وسلم معه هدياً وعندما أحصر ذبح الهدي، السؤال ما سبب سوق الهدي مع أنه كان ذاهباً للعمرة وليس للحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الهدي نوعان، هدي واجب وهذا لا يكون إلا في حق المتمتع أو القارن لقوله الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وهدي تطوع وهذا يكون في حق المفرد في الحج وفي حق المعتمر وفي حق من لم يحج ومن لم يعتمر، فالمفرد له أن يهدي هدياً يتقرب به إلى الله والمعتمر له أن يهدي هدياً يتقرب به إلى الله ومن لم يحج ولم يعتمر وكان في بلد له أن يهدي هدياً يتقرب به إلى الله فيرسله إلى مكة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم (حين أرسل هدياً إلى مكة وهو مقيم في المدينة) وكما أهدى الهدي في عمرة الحديبية فالهدي نفسه عبادة يتقرب به إلى الله ولكن قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً فهو واجب على القارن والمتمتع وسنة في حق المفرد في الحج والمفرد بالعمرة ومن لم يحج ولم يعتمر وهناك هدي واجب من نوع أخر وهو ما يكون بسبب الإتلاف كالهدي الواجب في قتل الصيد قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) .
***(12/2)
_____ فتاوى الأضاحي _____(/)
كتاب الأضاحي - حكمها - التشريك فيها - العيوب المانعة - الأضحية عن الأموات - تقسيمها - الامتناع عن مس الشعر ونحوه(13/1)
يقول السائل ما الفرق بين الهدي والأضحية والفدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأضحية فهي ما يذبح في أيام عيد الأضحى تقرباً إلى الله عز وجل في عامة البلدان في مكة وغيرها وأما الهدي فهو ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم بمعنى أن يبعث الإنسان بشيء من الإبل أو البقر أو الغنم يذبح في مكة ويتصدق بها على فقراء الحرم أو يبعث بدراهم ويوكل من يشتري بها هدياً من إبلٍ أو بقرٍ أو غنم ويذبح في مكة ويتصدق بها على الفقراء ومن الهدي أيضاً ما يقوم به المحرم المتمتع الذي أتى بالعمرة ثم بالحج فيلزمه هدي يكون تقرباً إلى الله عز وجل وشكراً لنعمه حيث يسر له العمرة والحج أما الفدية فهي ما كانت عن ترك واجب أو فعل محظور مثال عن ترك الواجب أن يترك الإنسان رمي الجمرات فيجب عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء ومثال فعل المحظور أن يحلق المحرم رأسه فعليه فدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك هذا هو الفرق.
***(13/2)
من محافظة ليلى سائل يقول هل على كل مسلمٍ أن يضحي وهل يجوز اشتراك خمسة أفراد في أضحية واحدة نرجو بهذا إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأضحية هي الذبيحة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله في عيد الأضحى والأيام الثلاثة بعده وهي من أفضل العبادات لأن الله سبحانه وتعالى قرنها في كتابه بالصلاة فقال جل وعلا (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقال تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) و (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بأضحيتين إحداهما عنه وعن أهل بيته والثانية عن من آمن به من أمته) وحث الناس عليها صلوات الله وسلامه عليه ورغب فيها وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل الأضحية واجبة أو ليست بواجبة على قولين فمنهم من قال إنها واجبةٌ على كل قادر للأمر بها في كتاب الله عز وجل في قوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (فيمن ذبح قبل الصلاة أن يذبح بعد الصلاة) وفيما روي عنه (من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربن مصلانا) فلا ينبغي للإنسان أن يدع الأضحية ما دام قادراً عليها فليضح عنه وعن أهل بيته ولا يجزئ أن يشترك اثنان فأكثر اشتراك ملك في الأضحية الواحدة من الغنم ضأنها أو معزها أما الاشتراك في البقرة أو البعير فيجوز أن يشترك سبعة في الواحدة هذا باعتبار الاشتراك في الملك وأما التشريك بالثواب فلا حرج أن يضحي الإنسان بالشاة عنه وعن أهل بيته وإن كانوا كثيرين بل له أن يضحي عن نفسه وعن علماء الأمة الإسلامية وما أشبه ذلك من العدد الكثير الذي لا يحصيه إلا الله وهنا أنبه بأمرٍ يفعله بعض العامة معتقدين أن الأضحية إنما تكون عن الميت حتى إنهم كانوا فيما سبق يسأل أحدهم هل ضحيت عن نفسك؟ يقول أضحي وأنا حي؟ يستنكر هذا الأمر ولكن ينبغي أن يعلم أن الأضحية إنما شرعت للحي فهي من السنن المختصة بالأحياء ولهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ضحى عن أحدٍ من الذين ماتوا من أقاربه أو من زوجاته على وجه الإنفراد فلم يضح عن خديجة وهي زوجته وأول زوجاته رضي الله عنها ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة التي ماتت بعد تزوجه إياها لمدة غير طويلة ولم يضح عن عمه حمزة بن عبد المطلب الذي استشهد في أحد إنما كان يضحي عنه وعن أهل بيته وهذا يشمل الحي والميت وهناك فرق بين الاستقلال والتبع فيضحى عن الميت تبعاً بأن يضحي الإنسان عنه وعن آل بيته وينوي بذلك الأحياء والأموات وأما أن يضحي عن ميتٍ بخصوصه بعينه فهذا لا أصل له من السنة فيما أعلم نعم إذا كان الميت قد أوصى بأضحية فإنه يضحى عنه تبعاً لوصيته وأرجو أن يكون هذا الأمر الآن معلوماً وهو أن الأضحية إنما تشرع في الأصل في حق الحي لا في حق الميت فالأضحية عن الميت تكون بالتبع وتكون بوصية أما تبرعاً من أحد فإنها وإن جازت لكن الأفضل خلاف ذلك.(13/2)
فضيلة الشيخ: ماحكم اشتراك مجموعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرنا هذا أن الاشتراك في البعير والبقرة لا بأس أن يشترك فيها سبعة في بعيرٍ أو بقرة وأما في الغنم من ضأنٍ أو ماعز فهذا لا يجوز.
***(13/2)
أحسن الله إليكم السائل من الجزائر يقول وضحوا لنا حكم الأضحية وما شروطها وهل هي للأموات فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأضحية سنة مؤكدة وقال بعض العلماء إنها واجبة ولكل قوم دليل استدلوا به والاحتياط ألا يدعها الغني الذي أغناه الله تبارك وتعالى وأن يجعلها من نعمة الله عليه حيث شارك الحجاج في شيء من النسك فإن الحجاج في أيام العيد يذبحون هداياهم وأهل الأمصار يذبحون ضحاياهم فمن رحمة الله تبارك وتعالى أن شرع لأهل الأمصار أن يضحوا في أيام الأضحية ليشاركوا الحجاج في شيء من النسك ولهذا نقول القادر عليها لا ينبغي أن يدعها ثم الأضحية ليست للأموات الأضحية للأحياء وليست بسنة للأموات ودليل ذلك أن الشرع إنما يأتي من عند الله ورسوله والذي جاءت به السنة هي الأضحية عن الأحياء فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مات له أقارب ولم يضح عنهم وكل أولاده توفوا قبله إلا فاطمة رضي الله عنها ومنهم من بلغ الحلم ومنهم من لم يبلغ الحلم فأبناؤه ماتوا قبل أن يبلغوا الحلم وبناته متن بعد أن بلغن الحلم إلا فاطمة فقد بقيت بعده رضي الله عنها وأيضا مات له زوجتان خديجة وزينب بنت خزيمة ولم يضح عنهما واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضح عنه فهو لم يشرع الأضحية عن الميت بنفسه ولم يدعُ أمته إلى ذلك وعلى هذا فنقول ليس من السنة أن يضحي عن الميت لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا علمتُه وارداً عن الصحابة أيضا نعم إذا أوصى الميت أن يضحي عنه فهنا تتبع وصيته ويضحي عنه اتباعاً لوصيته وكذلك إذا دخل الميت مع الأحياء ضمناً كأن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته وينوي بذلك الأحياء والأموات وأما أن يفرد الميت بأضحية من عنده فهذا ليس من السنة.
أما الأضحية نفسها فلها شروط منها ما يتعلق بالوقت ومنها ما يتعلق بنفس الأضحية أما الوقت فإن الأضحية لها وقت محدد لا تنفع قبله ولا بعده ووقتها من فراغ صلاة العيد إلى مغيب الشمس ليلة الثالث عشر فتكون الأيام أربعة هي يوم العيد وثلاثة أيام بعده فمن ضحى في هذه المدة ليلاً أو نهاراً فأضحيته صحيحة من حيث الوقت وأما شروطها بنفسها فيشترط فيها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها فمن ضحى بشيء غير بهيمة الأنعام لم تقبل منه مثل أن يضحي الإنسان بفرس أو بغزال أو بنعامة فإن ذلك لا يقبل منه لأن الأضحية إنما وردت في بهيمة الأنعام والأضحية عبادة وشرع، لا يشرع منها ولا يتعبد لله بشيء منها إلا بما جاء به الشرع لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود.
الشرط الثاني في الأضحية أن تبلغ السن المعتبرة شرعا وهو في الضأن ستة أشهر وفي الماعز سنة وفي البقر سنتان وفي الإبل خمس سنوات فمن ضحى بما دون ذلك فلا أضحية له لو ضحى بشيء من الضأن له خمسة أشهر لم تصح الأضحية به أو بشيء من الماعز له عشرة أشهر لم تصح التضحية به أو بشيء من البقر له سنة وعشرة أشهر لم تصح الأضحية به أو بشيء من الإبل له أربع سنين وستة أشهر لم تصح الأضحية به لابد أن يبلغ السن المعتبر دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة يعني ثنية إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) . الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الأجزاء وهي أربعة أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال (أربع العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والعجفاء التي لا تنقي) أي ليس فيها مخ لهزالها وضعفها وما كان مثل هذه العيوب أو أشد فهو بمعناها له حكمها فهذه ثلاثة شروط عائدة إلى ذات الأضحية.
أما كيف توزع فقد قال الله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وقال سبحانه: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) فيأكل الإنسان منها ويتصدق منها على الفقراء ويهدي منها للأغنياء تألفاً وتحببا حتى يجتمع في الأضحية ثلاثة أمور مقصودة شرعية:
الأمر الأول: التمتع بنعمة الله وذلك في الأكل منها.
الأمر الثاني: رجاء ثواب الله وذلك بالصدقة منها.
الأمر الثالث: التودد إلى عباد الله وذلك بالهدية منها وهذه معان جليلة مقصودة للشرع ولهذا استحب بعض العلماء أن تكون أثلاثا فثلث يأكله وثلث يتصدق به وثلث يهديه.
***(13/2)
هذا السائل سوداني أبو حذيفة يذكر بأنه خارج السودان في العمل منذ ثلاثة سنوات يقول ولم أقم بواجب الأضحية ولم أقم أيضا بتوكيل أحد في ذبحها هل علي كفارة أفيدوني في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الأضحية ليست واجبة وأنها سنة لكنه يكره للقادر أن يدعها وهذا الأخ الغريب الذي ترك الأضحية لمدة ثلاثة سنوات لا إثم عليه لأنه لم يترك واجبا وإنما ترك أمراً مطلوبا إن تيسر له فعله وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لكن مثل هؤلاء الغرباء ينبغي لهم أن يوكلوا أهليهم بأن يقوموا بالأضحية في بلادهم حتى يحصل لهم الفرح والسرور بأضحيته في بلاده.
***(13/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل أيهما أفضل في الأضحية الكبش أو البقر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه إذا ضحى بالبهيمة كاملة فالأفضل الإبل ثم البقر ثم الغنم والضأن أفضل من المعز أما إذا ضحى بسبعٍ من البدنة أو البقرة فإن الغنم أفضل والضأن أفضل من المعز.
***(13/2)
أحسن الله إليكم من مكة المكرمة السائل الذي بعث بهذه الأسئلة ح. م. ع. يقول هل تقتصر الأضحية على رب الأسرة وهل تجزئ عنهم ذبيحة واحدة مع الدليل وكذلك الهدي والفدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأضحية فالشاة الواحدة تكفي عن الرجل وأهل بيته (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي بالشاة عنه وعن آل بيته) وأما الهدي فالهدي كل واحد ينفرد بهديه والفدية كل واحدٍ ينفرد بفديته لكن يجوز أن يشترك في الهدي سبعة في بقرة أو بدنة.
***(13/2)
يقول المستمع مشهور سعيد من جيزان هل تجوز أضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشربهم واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ذلك يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة ويتأتى بذلك فضيلة الأضحية.
***(13/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج من خميس مشيط رمز لاسمه ـ أ. أ. ع. المملكة العربية السعودية يقول ثلاثة أخوة يسكنون في بيت واحد ويعملون في مكان واحد مأكلهم ومشربهم واحد وفي عيد الأضحى يضحوا بأضحية واحدة ومعنى ذلك أن الثلاثة يذبحون أضحية كما ذكرت ويقولون بأنه يجزئ عنهم الثلاثة لأن أموالنا واحدة ونحن نشترك في كل شيء، ما الحكم في هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أن الحكم في هذا أن أضحيتهم هذه مجزئة لأن مالهم بمنزلة المال الواحد فتجزئ عنهم الأضحية الواحدة لأنهم بيت واحد وكان الصحابة رضى الله عنهم يضحون بالشاة عنهم وعن أهل بيتهم بخلاف ما لو كان كل واحد منهم مختصاً بماله فإن الأضحية الواحدة لا تجزئ عنهم ولهذا لو اشترك ثلاثة جيران في أضحية واحدة فإن ذلك لا يجزئ ولا تكون الشاةُ هذه شاةَ أضحيةٍ بل هي شاة لحم لأن من شروط الأضحية أن تكون على وفق الشرع ولم ترد الشريعة باشتراك اثنين فأكثر في شاة واحدة، وإنما كان الاشتراك في البقر والإبل يشترك السبعة في بقرة والسبعة في بعير ومن المعلوم أن من شرط العمل الصالح أن يكون على وفق الشريعة فمن عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود عليه كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أما هؤلاء الجماعة فهم في بيت واحد ومالهم واحد فهم بمنزلة رجل واحد فتجزئ الشاة عنهم جميعاً.
***(13/2)
بارك الله فيكم هذا السائل من القصيم بريدة الاسم ف. م. خ. الحربي يقول فضيلة الشيخ هل الأضحية تجزئ عن الحي والميت إذا اشتركوا فيها أفتونا بسؤالي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المضحي واحداً بمعنى أن رجلاً اشترى أضحية وجعلها لنفسه ولأبيه الميت أو أمه الميتة أو أقاربه الميتين فلا حرج وأما إذا اشترك إنسان حي مع وصيةٍ لميت مثل أن يشتري أضحيةً بأربعمائة ريال منها مائتان من الوصية ومائتان من عنده فإن هذا لا يجوز لأن الاشتراك في الأضحية الواحدة ممنوع إلا في الإبل والبقر فإنه يشترك سبعة في الإبل وفي البقرة سبعة وأما الغنم ضأنها ومعزها لا يشترك فيها اثنان أما التشريك في الثواب فلا بأس لو جعل الإنسان هذه الأضحية لعدة أناس فلا حرج ولكن التشريك في الملك والاشتراك على الشيوع هذا لا يجوز.
***(13/2)
يقول أيضاً ما هي العيوب التي تكون في بعض البهائم ولا تجعلها صالحةً للأضحية وما هو أول وقتٍ للذبح وآخره وهل يجزئ أن يذبح عن الإنسان غيره ولو لم يذكر أنها عن فلان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العيوب التي تمنع من الإجزاء بينها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام (أربعة لا تجوز في الأضاحي المريضة البين مرضها والعوراء البين عورها والعرجاء البين ضلعها والكبيرة أو الهزيلة أو العجفاء التي لا مخ فيها) فيها هذه هي العيوب الأربعة التي لا تمنع من الإجزاء ولا تجزئ الأضحية إذا كانت البهيمة متصفةً بهذه العيوب الأربعة وما كان بمعناها أو مثلها فهو مثلها في الحكم فالعوراء البين عورها هي التي يتبين لمن رآها أنها عوراء بحيث تكون العين ناتئةً أو غائرةً أو عليها بياضٌ بيِّن يتبين لمن رآها بأنها عوراء وأما إذا كانت العين قائمة وهي لا تبصر بها فإنها لا تمنع من الإجزاء أما المريضة البين مرضها فهي التي يظهر عليها آثار المرض وأعراض المرض بأن تكون غير نشيطة ولا تأكل وحارة وما أشبه ذلك مما يستدل بها على مرضها والعرجاء البين ضلعها يقول أهل العلم إنها هي التي لا تستطيع المشي مع الصحيحة وأما التي تستطيع المشي مع الصحيحة وتباريها وإن كانت تعرج فإنها لا بأس بها وأما الهزيلة التي لا مخ فيها فهي التي لا يكون في أعضائها مخ لأنها تكون غالباً غير طيبة اللحم فلهذا نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام ومثل العوراء العمياء لا تجزئ في الأضحية ومثل العرجاء البين ضلعها ما قطع إحدى أعضائها وكذلك لو كانت زَمْنى لا تمشي أبداً فإنها لا تجزئ ومثل المريضة البين مرضها الحامل إذا أخذها الطلق فإنها لا تجزئ حتى تصح وتمشي ومثل ذلك أيضاً التي بشمت من تمر أو غيره فإنها لا تجزئ حتى تفرغ لأنها معرضة للخطر.(13/2)
فضيلة الشيخ: بشمت يعني أكلت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني أكلت تمراً وانبشمت بحيث انسد دبرها فلا تتنفس وينتفخ بطنها فهذه وأمثالها لا تجزئ أما ما كانت فيها عيب في أذنها أو في قرنها أو في سنها أو في ذيلها فإنها تجزئ ولكن غيرها أحسن منها وأفضل.(13/2)
فضيلة الشيخ: ماهو أول وقتٍ للذبح وما هوآخره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وأما أول وقتٍ للذبح بعد صلاة العيد والأفضل أن يكون بعد الصلاة والخطبة وأما آخره فهو آخر أيام التشريق فيكون وقت الذبح أربعة أيام ويجزئ الذبح في هذه الأيام ليلاً ونهاراً.(13/2)
فضيلة الشيخ: يقول هل يجزئ أن يذبح عن الإنسان غيره دون أن يذكر أنها عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يوكل من يذبح إذا كان هذا الموكل يعرف أن يذبح والأفضل في هذه الحال أن يحضره أي يحضر الذبح من هي له والأفضل أن يباشر ذبحها هو بيده إذا كان يحسن وأن يضطجعها على الجنب الأيسر إن كان يذبح بيمينه فإن كان يذبح بيساره فإنه يضطجعها على الجنب الأيمن والمقصود بذلك راحة البهيمة والإنسان الذي يذبح باليسرى ما ترتاح البهيمة إلا إذا كانت على الجنب الأيمن ثم إن الأفضل أن يضع رجله على عنقها حين الذبح وبعد ذلك وأما أيديها وأرجلها فإن الأفضل أن تبقى مطلقةٌ غير ممسوكة فإن ذلك أريح لها ولأن ذلك أبلغ في إخراج الدم منها لأن الدم مع الحركة يخرج فهذا أفضل.(13/2)
فضيلة الشيخ: هل يشترط أن يذكر أنها عن فلان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن ذكر أنها عن فلان فهو أفضل لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال (هذا منك ولك عن محمد وآل محمد) وإن لم يذكره كفت النية ولكن الذكرأفضل ثم إن تسمية المضحى عنه تكون عند الذبح يقول بسم الله الله أكبر اللهم هذا منك ولك عن محمدٍ أو عن فلان وفلان ويسميه وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي منها له وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل ويكرر التسمية فهذا بدعة لا أصل له عن النبي عليه الصلاة والسلام.(13/2)
فضيلة الشيخ: هل يجوز توكيل غير المسلم في الذبح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما في غير القربى فيجوز في غير قربى يعني في غير الأضحية.
***(13/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل الفاضل إبراهيم يقول الأغنام الموسومة في أذنيها ولم ينقص من أذنيها شيء وإنما هو شق طولي في الأذن وهذا الوسم يستخدمه الرعاة في الأغنام للتعرف عليها عندما تذهب عند الآخرين من الرعاة هل هذا الوسم أو الشق يجعلها غير صالحة للأضحية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ذلك لا يضر وأن مقطوعة الأذن ومقطوعة القرن ومقطوعة الذيل كلها تجزئ لكن لا ينبغي أن يضحى بها لنقصها ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والعجفاء التي لا تنقي) وفي رواية أنه سئل ماذا يتقى من الضحايا فقال أربع وأشار بأصابعه وعدها وهذا يدل على أن ما سواها يجزئ لكن ما فيه العيب لا شك أنه مكروه وأنه ينبغي أن تكون الأضحية على أكمل ما تكون وعلى هذا فإذا شقت الأذن للوسم وضحي بها فلا بأس.
***(13/2)
يقول هل يجوز ذبح الطلي المخصي أضحية أو لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يذبح الخصي في الأضحية حتى أن بعض أهل العلم رجحه على الفحل قال لأن لحمه يكون أطيب والصحيح أن الفحل من ناحية أفضل بكمال أعضائه وأجزائه وهذا أفضل بطيب لحمه وعلى كل حال فإنه يجوز أن يضحي الإنسان بالخصي وقد جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحي بكبشين موجوءين) إي مخصيين.
***(13/2)
إذا اشترى إنسان ذبيحتين يقصد إحداهما للأضحية والأخرى لحماً فهل يشترط أن يعين التي سيضحي بها بعينها ولا يجوز له تبديلها بالأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس بشرط والذي ينبغي للإنسان أن لا يعين الأضحية إلا عند ذبحها لأجل أن يكون حراً في تبديلها وتغييرها فإذا أراد أن يذبحها يقول هذه أضحية فلان أضحية عني وعن أهل بيتي أو عن فلان الذي أوصى بها أو ما أشبه ذلك.(13/2)
يافضيلة الشيخ: ولو حصل وعينها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو حصل وعينها تعينت وإذا تعينت فإنه يتعلق بها حكم الأضحية ويجب عليه تنفيذها وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا أبدلها بخير منها فلا حرج.
***(13/2)
يقول هل تستحب الأضحية عن الأموات كما هي بالنسبة للأحياء حتى ولو لم يوصوا بها أم هي عبادةٌ خاصةٌ بالأحياء فقط إلا من أوصى من الأموات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن الأضحية مشروعةٌ في حق الأحياء فقط لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي عن الأحياء فقط إلا إذا أوصى بها الميت فإنها تفعل عنه وذلك لأن الميت إذا أوصى بها فقد أوصى بها من ماله وماله له أن يصرفه بما شاء في غير معصية الله فتنفذ كما أوصى وأما الحي فإنه يضحي عن نفسه ولكن لا مانع من أن يضحي ويقول هذا عن أهل بيتي وينوي به الأحياء والأموات فإن ظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام حيث كان يقول هذا عن محمد وعن آل محمد وعن أمة محمد ظاهره أنه يشمل الحي والميت أما أن يضحي عن الميت خاصة فهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد ماتت بنات النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من بناته في عهده ولم يضحِ عنهم وماتت زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه ولم يضحِ عنها واستشهد عمه حمزة رضي الله عنه ولم يضحِ عنه ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يشرعه لأمته إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره ولما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس بمشروع ولكن مع هذا لا نقول أنه محرم أو أنه بدعة أو أنه لا يجوز لأنه أشبه ما يكون بالصدقة كما قاس بعض أهل العلم الأضحية عن الميت بالصدقة عنه والصدقة عن الميت قد ثبتت بها السنة.
***(13/2)
بارك الله فيكم سائل يقول لي والدة متوفاة وأريد أن أضحي عنها من مالي فهل أشركها في أضحيتي وأهل بيتي أم أضحي عنها بأضحية خاصة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشرع للميت أضحية خاصة تخص به وإن كان هذا جائزاً لكنه ليس بمشروع إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فيما أعلم أنه ضحى عن أحد من الأموات أضحية مستقلة فالنبي عليه الصلاة والسلام قد ماتت زوجته خديجة وماتت زوجته زينب بنت خزيمة ومتن بناته إلا فاطمة ومات أبناؤه ومات عمه حمزة ولم يخص أحداً منهم بأضحية وإنما كان يقول عليه الصلاة والسلام عند تضحيته (اللهم هذه عن محمد وآل محمد) فيشمل آل بيته الأحياء والأموات وإذا كان كذلك فإن الأفضل في حق السائل ألا يخص أمه بأضحية خاصة وإنما يضحي بأضحية عنه وعن أهل بيته وتشمل الأحياء والأموات هذه هي السنة وإن بعض الناس يضحي بأضحية عن الميت أول سنة من موته يسمونها أضحية الحفرة أو أضحية الدفنة وهذا من البدع لأن تخصيص الميت بأضحية بهذا الاسم في أول سنة يموت لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه فيكون من البدع التي ابتدعها الناس وكل بدعة ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
***(13/2)
هذه سائلة تسأل عن الأضحية التي تعمل للمتوفى ما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأضحية هي التقرب إلى الله عز وجل في أيام عيد الأضحى في يوم العيد وفي ثلاثة أيام بعده التقرب إلى الله تعالى بذبح بهيمة الأنعام من إبل أو بقر أو غنم وهي سنة في حق الحي يضحي عنه وعن أهل بيته كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وإذا ضحى الإنسان عنه وعن أهل بيته ونوى أن يكون أجرها له ولأهل بيته الحي والميت فإن ذلك لا بأس به وأما الأضحية الخاصة للميت فلها حالان:
الحال الأولى: أن يكون الميت قد أوصى بها فإذا كان قد أوصى بها فإنها تفعل تنفيذاً للوصية لقوله تعالى حين ذكر الوصية (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن هاتين الآيتين تدلان على أن وصية الميت تنفذ ما لم تكن إثماً أو جنفاً.
أما الحال الثانية: كالأضحية عن الميت فإنه يضحي الإنسان بها عنه ابتداء فهذه قد اختلف فيها أهل العلم هل هي مشروعة أو غير مشروعة؟ فمنهم من قال إنها مشروعة كالأضحية عن الحي وكالصدقة عن الميت ومنهم من قال إنها غير مشروعة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد مات للنبي صلى الله عليه وسلم من أقاربه من مات ومن زوجاته كذلك ولم يرد أنه ضحى عن كل واحد منهم بخصوصه مات له بناته الثلاث وأبناؤه الثلاثة ولم يضح عن واحد منهم واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في أحد ولم يضح عنه وماتت زوجتاه خديجة وزينب بنت خزيمة ولم يضح عنهما ولو كان هذا من الأمور المشروعة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أقول إذا أردت أن تضحي عن ميت فضحي عنك وعن أهل بيتك وانوِ أنها لك وعن أقاربك الأحياء والأموات وفضل الله واسع.
***(13/2)
يقول هل يجوز لي أن أضحي لميت قريب لي من مالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التضحية للميت جائزة كالصدقة عنه لكن الأفضل أن يتصدق فالصدقة عن الميت أفضل من الأضحية لأن الصدقة عن الميت واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الأضحية فلم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرد أنه ضحى عن أحد من أقاربه ولهذا من أجاز الأضحية عن الميت إنما أجازها قياساً على الصدقة.
***(13/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع محمد عبد الله من الرياض يقول بأن له أخاً تعرض لحادث توفي بعدها هل يجوز لنا أن نضحي له أو نحج عنه إلى بيت الله الحرام نرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه هذا هو القول الراجح سواء في الصدقة أو في الحج أو في الصوم أو في الصلاة أو في غير ذلك فيجوز للإنسان أن يتبرع بالعمل الصالح لشخص ميت من المسلمين ولكنَّ هذا ليس من الأمور المطلوبة الفاضلة بل الأفضل أن يدعو له بدلاً من أن يتصدق عنه أو أن يضحي عنه أو أن يحج عنه لأن الدعاء له هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت عنه أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فذكر الولد الصالح الذي يدعو له ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له أو يحج له أو ما أشبه ذلك من الأعمال الصالحة مع أن الحديث في سياق العمل فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر العمل للميت بذلك الدعاء عُلِم أن الدعاء هو المختار وهو الأفضل ولهذا فإني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على الدعاء لأمواتهم بدلاً عن إهداء القرب لهم وأن يجعلوا القرب لأنفسهم لأن الحي محتاج إلى العمل الصالح فإنه ما من ميت يموت إلا ندم إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب قال الله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) وقال الله عز وجل (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فأنت أيها الحي محتاج إلى العمل الصالح فاجعل العمل لنفسك وادعُ لأمواتك من الأباء والأمهات والإخوان والأخوات وغيرهم من المسلمين هذا هو الذي تدل عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن مع هذا لو أن الإنسان تصدق عن ميت أو صام عنه أو صلى وقصد بأن يكون الثواب للميت فلا بأس بذلك إذا تبرع به.
***(13/2)
جزاكم الله خيراً من أسئلة هذا السائل يقول هل تجوز الأضحية عن الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز الأضحية عن الميت بمعنى أن يضحي الإنسان في أيام النحر أي في عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده أضحية ينويها عن الميت يقول مثلاً عند ذبحها اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عن فلان ولكن ليس هذا بأمرٍ مشروع ليس هذا بأمرٍ مشروع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى عن أحدٍ من أمواته فقد ماتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي من أحب النساء إليه ولم يضح لها واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب في أحد ولم يضح عنه ومات له ثلاث بنات في حياته ولم يضح عنهن ولو كان هذا أمراً مشروعاً لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره ولم يعلم أن أحداً من الصحابة ضحى عن أحدٍ من أمواته في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن لو ضحى عن ميت لم يمنع وإن كان بعض أهل العلم قال إنه لا ينفع الميت وقالوا إن الصدقة بثمن الأضحية عن الميت أفضل من الأضحية ولكن هاهنا مسألة إذا ضحى الإنسان عنه وعن أهل بيته ونوى أنه عن الحي والميت فأرجو أن يكون ذلك نافعاً إن شاء الله تعالى ومشروعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالأضحية عنه وعن أهل بيته فهذا محتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء والأموات ويحتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء فقط والشيء الذي ينبغي أن ينكر ما يفعله بعض الناس تجده يشتري الأضحية من ماله ويضحي بها عن أمواته ولا ينويها عنه وعن أهل بيته وهذا أمرٌ خلاف السنة بلا شك فالأضحية في الأصل عن الأحياء فقط التنبيه الآخر أنه إذا أوصى الميت بأضحية فهنا لا بد أن يضحى عنه إتباعاً لوصيته ويكون هذا من عمله لأنه أوصى به.
***(13/2)
هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ بالنسبة للأضحية عن الميت في تقاليدنا القديمة يقول بأن الميت له سبع أضاحي هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح أولا أن الأضحية عن الميت قد اختلف العلماء فيها إذا لم تكن وصية منه فمنهم من قال إنها مشروعة ومنهم من قال إنها ليست مشروعة ولا أعلم دليلا من السنة يدل على الأضحية عن الميت بخصوصه إذا لم تكن وصية وإنما قاسها بعض العلماء على الصدقة عن الميت والصدقة عن الميت قد جاءت بها السنة وأما كونه لا يُضَح عنه إلا بسبع فهذا ليس له أصل بل إذا أراد أحد أن يضحي عنه ضحى عنه بواحدة وكذلك بعض الناس يقول إن الأضحية عن الميت أول سنة يموت واجبة وتسمى عند بعضهم أضحية الحُفرة وهذا أيضا لا أصل له والذي أرى في الأضحية عن الميت ألا يضحى عنه بخصوصه إلا بوصية منه وأن الإنسان يضحي بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته وينوي بذلك الحي والميت من آل بيته وفي هذا كفاية إن شاء الله.
***(13/2)
لديه سؤال يقول فيه، يوجد عندنا عادة إذا دخل شهر ذي الحجة في العشر الأولى يذبح كل بيت ذبيحة ويقول اللهم اجعله لأرواح موتانا، وهذا شيء كل عام ويسمونه عندنا حج الأموات، هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، بل هو بدعة ولا يتقرب بالذبح لله إلا فما وردت به السنة وهي ثلاثة أمور، الأضاحي، والهدايا للبيت مكة، والثالث العقيقة، هذه هي الذبائح المشروعة، وأما ما عداها فليس بمشروع، ثم إن زعمهم أن هذا حج الأموات ليس بصحيح، فالأموات انقطعت أعمالهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) وهذا ليس من الصدقة الجارية، لأن معنى الصدقة الجارية أن الإنسان يوقف شيئاً ينتفع الناس به بعد موته، والعلم الذي ينتفع به من بعده إذا علم أحداً علماً نافعاً فعملوا به بعد موته أو علموه انتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له الذكر أو الأنثى من أولاده إذا دعا له انتفع به.
***(13/2)
السائل من الجزائر يقول يا فضيلة الشيخ ما هي الكيفية الصحيحة لذبح الأضحية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكيفية الصحيحة إذا كانت الأضحية من الغنم الضأن والماعز أن يضجعها على الجانب الأيسر ويضع رجله على رقبتها ويمسك بيده اليسرى رأسها حتى يتبين الحلقوم ثم يمر السكين على الحلقوم والودجين والمرئ بقوة فينهر الدم ويقول عند الذبح بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عني وعن أهل بيتي أما غير الأضحية فيفعل فيها هكذا لكنه يقول عند الذبح قبل أن يذبح يقول بسم الله والله أكبر فقط.
***(13/2)
الأضحية يا فضيلة الشيخ هل يصح أن يذبحها الجنب والمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وكذلك الأضحية يجوز أن يذبحها وهو جنب ويجوز للمرأة أن تذبح الذبيحة أيضاً ولو كانت حائضاً.
***(13/2)
جزاكم الله خيرا هذا سائل للبرنامج أرسل يقول فضيلة الشيخ كما نعلم بأن الأضحية توزع إلى ثلاثة أقسام ثلث يتصدق به وثلث يهدى وثلث لأهل الميت ولكن لي تسعة من أبناء العم يقوم كل منهم بعمل أضحيته في المطبخ وتقديمها لجميع الإخوان دون أن نتصدق بثلث أو أن نهدي ثلث فهل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة بالثلث من الأضحية ليست بالواجب لك أن تأكل كل الأضحية إلا شيئا قليلا تتصدق به والباقي لك أن تأكله لكن الأفضل أن تتصدق وتهدي وتأكل ثم إن الإهداء والصدقة إنما يكون باللحم النيئ دون المطبوخ وهذا سهل والحمد لله إذا كان يوم العيد وضحيت فأرسل إلى الفقراء ما تيسر وأهدي إلى جيرانك وأصدقائك ما تيسر وكل الباقي سواء أكلته في يوم العيد أو أيام التشريق أو ادخرته إلى أكثر من ذلك.
***(13/2)
سائل يقول جرى في التوزيع عادة في الأضحية أنها تكون بين الأقارب والجيران البحث عن الفقراء قد يصعب على بعض الناس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنه لا يصعب لكن يصعب على الهمم دون الأجسام كثير من الناس الآن يريد أن يريح نفسه حتى أنه مع الأسف برزت ظاهرة وهي أنهم يدعون الناس إلى إعطائهم الدراهم ليضحوا بها في بلاد أخرى وهذا غلط محض والدعوة إلى ذلك تؤدي إلى إبطال الفائدة من الأضحية لأن المقصود من الأضحية ومن أعظم المقاصد أن يتعبد الإنسان لله تعالى بذبحها بنفسه أو بحضوره إذا لم يكن يحسن الذبح وبأن يذكر اسم الله عليها وهذا لا يحصل إذا أعطى الدراهم تذبح في مكان آخر أيضا إظهار الشعيرة بين الأهل والأولاد وهذه الأضحية يتناقلها الصغار عن الكبار حتى إنه ليفرح الصبيان إذا كانت الضحايا في البيت في ليلة العيد أو قبل ذبحها فيما بعد ثم إن هذا حرمان لأهل البلد أهل البلد يحتاجون إلى لحم فقرائهم وأغنيائهم فيحرمون منها ثم إن هذا مخالف لأمر الله عز وجل حيث قال تبارك وتعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) ولا يمكن أن يأكل منها وهي بعيدة عنه ومن أجل تحقيق الأكل منها (أمر النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع حين نحرت إبله فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة ناقة) عليه الصلاة والسلام لكرمه مائة ناقة عن سبعمائة خروف أهدى مائة ناقة ونحر منها بيده الكريمة ثلاث وستين ناقه وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقي فنحره ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها تحقيقا لأمر الله عز وجل (فَكُلُوا مِنْهَا) وكيف يأكل الإنسان من أضحية تبعد عنه أميالا ومسافات بعيدة ثم إن هذه الدراهم التي تعطيها من تعطيها من الذين يجمعون هل تدري أتقع في يد أمين عالم عارف بأحكام الأضحية أم تقع في يد من ليس كذلك؟ لا ندري قد يذبحها بدون تسمية؟ قد يذبحها ولا ينهر الدم؟ قد يعطيها الأغنياء دون الفقراء؟ قد يذبح ما لم تبلغ السن؟ قد يذبح ما فيه عيب؟ متى نطمئن إلى أن الذي تولى الذبح كان أمينا عالماً بأحكام الأضحية وعالماً بما يضحي به وما لا يضحي به ثم هل نأمن أن يتهاون هذا فيؤخر الذبح عن وقته؟ لا سيما إذا كثرت الذبائح عنده افرض أن هذه الجهة أتاها ألف شاة وليس عندهم من يباشر الذبح إلا نفر قليل لا يتمكنون من ذبحها في أيام الذبح فيضطرون إلى تأخير الذبح إلى فوات الوقت إذاً نقول يا أخي المسلم إذا كنت تريد أن تبر إخوانك الفقراء في بلاد أخرى فأرسل لهم دراهم أرسل لهم قوتاً أرسل لهم ثياباً أرسل لهم فرشاً أما أضحية جعلها الله تعالى شعاراً وخصك بها في بلادك حتى تشارك أهل الحج في شيء من النسك فلا تفرط في هذه الخصيصة والشعيرة العظيمة وترسل دراهم مضمونه في أجواف الجيوب وحفاظات الدراهم فنصيحتي لإخواني الذين يجبون هذه الأضاحي أن يكفوا عن ذلك وألا يدعوا الناس لهذا نعم يدعونهم إلى التبرع بالمال والأعيان لا بأس لكن يدعونهم إلى إبطال شعيرة في بلادهم لتنقل إلى بلاد بعيدة مع الاحتمالات التي ذكرناها أخشى عليهم ولذلك أنصحهم أعني إخواني الذين يجمعون التبرعات لهذا أن يكفوا عن ذلك ثم أنصح الإخوان المواطنين عن إعطاء هؤلاء للأضحية وأقول ضحوا في بلادكم ضحوا في مكانكم ثم إني أيضا أنصح إخواني الذين يضحون في بلادهم أن يضحوا في بيوتهم عند أولادهم حتى تظهر الشعيرة دون أن يذبحوها في المسلخ ويأتوا بها لحماً ولا يخلو البيت الآن والحمد لله من مكان للذبح بل لو ذبحت في وسط الحمام فلا بأس لأن الدم نجس ولو اختلط بالنجاسة لا يضر الدم دم المذبوح نجس فيذبحها حتى يفرغ الدم النجس ثم يخرجها ويسلخها في مكان آخر إذا لم يكن له مكان للذبح والسلخ على أن كثيرا من المدن الكبيرة فيها استراحات للناس بإمكانهم أن يخرجوا بالأضاحي إلى الاستراحات ويخرجوا بالصبيان معهم إذا شاءوا أن يتفرج الصبيان على الأضحية ويذبحون هناك ويدخلون بها إلى البيت لحما المهم التوجيه إلى الذين يجمعون التبرعات لهذا الغرض أن يكفوا عن هذا والتوجيه للآخرين ألا يعطوهم شيئا لهذا الغرض وأن يضحوا في بيوتهم وأن يشعروا أن المراد بالأضاحي والهدايا هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها وذكر اسمه عليها جل وعلا دونما يحصل منها من مادة وهي الأكل واستمع إلى قول الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) هذه نصيحة أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه وأن ينفع بها عباده إنه على كل شيء قدير.
***(13/2)
يقول هل يجوز أن يهدى الكافر من لحم الأضحية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكافر إذا كان ممن يجوز أن يعطى إليه فإنه يهدى من طعام لحم الأضحية وإن كان ممن لا يجوز أن يهدى إليه فإنه لا يجوز أن يعطى من لحم الأضحية ولا من غيرها وميزان ذلك قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) يعني لا ينهاكم عن برهم بل تقسطوا إليهم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) فإذا كان الكافر من أمةٍ لا يعتدون على المسلمين ولا يقاتلونهم ولا يخرجونهم من ديارهم فلا بأس أن يهدى إليه من لحم الأضحية أو غيرها وإن كان بالعكس فإن الله تعالى يقول (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ) أي عاونوا على إخراجكم (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بأي ولايةٍ كانت.
***(13/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الرحمن عبد الهادي العتيبي من البجادية يقول ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن من أراد أن يضحي أو يضحى عنه فلا يأخذ من شعره أو ظفره شيئاً حتى يضحي وذلك من أول أيام عشر ذي الحجة وكيف ذلك وما هي الأشياء التي يمتنع من سيضحي عن فعلها وهل هذا النهي يصل إلى درجة التحريم أم أنه للاستحباب وهل يلتزم به المقيم والحاج على السواء أم هو خاصٌ بالمقيم دون الحاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح رواه مسلم وحكمه التحريم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئاً) وفي روايةٍ (ولا من بشره) والبشر الجلد يعني أنه لا ينتف شيئاً من جلده كما يفعله بعض الناس ينتف من عقبه من قدمه فهذه الثلاثة هي محل النهي الشعر والظفر والبشرة والأصل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم التحريم حتى يرد دليلٌ يسقطه إلى الكراهة أو غيرها وعلى هذا فيحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ في العشر من بشرته أو شعره أو ظفره شيئاً حتى يضحي وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده لأنه لما فات أهل المدن والقرى والأمصار لما فاتهم الحج والتعبد لله سبحانه وتعالى بترك الترفه شرع لمن في الأمصار هذا الأمر شرعه لهم ليشاركوا الحجاج في بعض ما يتعبدون لله تعالى بتركه وإنما قلت ذلك لأنه لا يجوز لإنسان أن يتعبد بترك شيء أو بفعل شيء إلا بنصٍ من الشرع فلو أراد أحدٌ أن يتعبد لله تعالى في خلال عشر أيام بترك تقليم الأظفار أو الأخذ من شعره أو بشرته لو أراد أن يتعبد بدون دليل شرعي لكان مبتدعاً آثماً فإذا كان بمقتضى دليل شرعي كان مثاباً مأجوراً لأنه تعبد لله تعالى بهذا الترك وعلى هذا فاجتناب الإنسان الذي يريد أن يضحي الأخذ من شعره وبشرته وظفره يعتبر طاعةً لله ورسوله مثاباً عليها وهذه من نعمة الله بلا شك وهذا الحكم إنما يختص بمن أراد أن يضحي فقط أما من يضحى عنه فلا حرج عليه أن يأخذ وذلك لأن الحديث إنما ورد لو أراد أحدكم أن يضحي فقط فيقتصر على ما جاء به النص ثم إنه قد علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن أخذ شيء من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم فدل هذا على أن هذا الحكم خاصٌ بمن يريد أن يضحي فقط ثم إن المراد من أراد أن يضحي عن نفسه لا من أراد أن يضحي وصيةً لآبائه أو أجداده أو أحدٍ من أقاربه فإن هذا ليس مضحياً في الحقيقة ولكنه وكيلٌ لغيره فلا يتعلق به حكم الأضحية ولهذا لا يثاب على هذه الأضحية ثواب المضحي إنما يثاب عليها ثواب المحسن الذي أحسن إلى أمواته وقام بتنفيذ وصاياهم ثم إنه نسمع من كثيرٍ من الناس من العامة أن من أراد أن يضحي وأحب أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته شيئاً يوكل غيره في التضحية وتسمية الأضحية ويظن أن هذا يرفع عنه النهي وهذا خطأ فإن الإنسان الذي يريد أن يضحي ولو وكل غيره لا يحل له أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو ظفره ثم إن بعض النساء في هذه الحال يسألن عمن طهرت في أثناء هذه المدة وهي تريد أن تضحي فماذا تصنع في رأسها نقول لها تصنع في رأسها أنها تنقضه وتغسله وترويه ولا حاجة إلى تسريحه وكده فإنه لا ضرورة إلى ذلك وإن كدته تكده برفق من أجل إصلاح الشعر وكذلك بالنسبة للرجل لا ينبغي أن يسرح شعره أو يكده في هذه الأيام وهو يريد أن يضحي وأما قول السائل هل هذا خاصٌ بأهل الأمصار أو بالذين يحجون أيضاً فنقول إن الحاج إذا اعتمر فلا بد له من التقصير فيقصر ولو كان يريد أن يضحي في بلده لأنه يجوز للإنسان إذا كان له عائلة لم تحج أن يشتري لهم أضحية أو يوكل من يشتري لهم أو يوكل أحداً من إخوانه أو أولاده بأن يشتري له أضحية ويضحي عنه وعن أهل بيته وفي هذه الحال إذا كان معتمراً فلا حرج عليه أن يقصر من شعر رأسه لأن التقصير في العمرة نسك.
***(13/2)
يقول هل يجوز قص الأظافر وحلق الشعر في العشر من ذي الحجة أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز ذلك لمن لا يريد الأضحية أما من كان يريد أن يضحي فإنه إذا دخل العشر لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي لحديث أم سلمة في ذلك.
***(13/2)
بارك الله فيكم أبو خالد من أبو ظبي يقول في سؤاله هل ترك قص الشعر والأظافر في عشر من ذي الحجة حتى يذبح المسلم أضحيته سنة واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهل ذلك يشمل الأسرة أي أسرة المضحي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إذا دخلت العشر يعني عشر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئاً) وفي رواية (ولا من بشرته شيئاً) وهذا نهي والأصل في النهي التحريم حتى يقوم دليل على أنه لغير التحريم وعلى هذا فلا يجوز للإنسان الذي يريد أن يضحي إذا دخل شهر ذي الحجة أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو ظفره حتى يضحي والمخاطب بذلك المضحي دون المضحى عنه وعلى هذا فالعائلة لا يحرم عليهم ذلك لأن العائلة مضحى عنهم وليسوا بمضحين فإن قال قائل ما الحكمة من ترك الأخذ في العشر؟ قلنا الجواب على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الحكمة هو نهي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا شك أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء حكمة وأن أمره بالشيء حكمة وهذا كاف لكل مؤمن ولقوله تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت (كان يصيبنا ذلك يعني في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وهذا الوجه هو الوجه الأَسَدُّ وهو الوجه الحاسم الذي لا يمكن الاعتراض عليه وهو أن يقال في الأحكام الشرعية الحكمة فيها أن الله ورسوله أمر بها.
أما الوجه الثاني في النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة في هذه الأيام العشر فلعله والله أعلم من أجل أن يكون للناس في الأمصار نوع من المشاركة مع المحرمين بالحج والعمرة في هذه الأيام لأن المحرم بحج أو عمرة يشرع له تجنب الأخذ من الشعر والظفر والله أعلم.
***(13/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة عائشة تقول ما حكم مشط الشعر في شهر ذي الحجة قبل ذبح الأضحية لغير الحاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخلت عشر ذي الحجة وكان الإنسان يريد أن يضحي فإنه ينهى أن يأخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئا لكن إذا احتاجت المرأة إلى المشط في هذه الأيام وهي تريد أن تضحي فلا حرج عليها أن تمشط رأسها ولكن تكده برفق فإن سقط شيء من الشعر بغير قصد فلا إثم عليها لأنها لم تكد الشعر من أجل أن يتساقط ولكن من أجل إصلاحه والتساقط حصل بغير قصد.
***(13/2)
أحسن الله إليكم تقول السائلة في آخر أسئلتها هل يجوز للمرأة أن تقصر من شعرها وأظافرها وغيرها خلال أيام العشر بحيث إن الحكم يمشي على الزوج بصفته المضحي عن أهله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم خلاصة هذا السؤال أنه إذا دخلت العشر عشر ذي الحجة وأراد الإنسان أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً فهل هذا الحكم يتناول أهل البيت؟ بمعني أن الزوجة لا تأخذ من شعرها وبشرتها وظفرها شيئا وكذلك بقية العائلة؟ والجواب:لا، فالمضحى عنه من الزوجات والأولاد بنين وبنات والأمهات وكل مَنْ في البيت ممن يضحي عنهم قيم البيت لهم أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وأراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل أن يضحى عنه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ولم يرد أنه يقول لهم امتنعوا من أخذ ذلك ولو كان امتناعهم واجبا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم.
***(13/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول هذا السائل ما حكم من حلق يوم عيد الأضحى قبل الذهاب إلى الصلاة علماً بأنه نصح عن ذلك ولكنه أصر على الحلاقة فنرجو بهذا التوضيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حلق يوم النحر قبل أن يذهب إلى الصلاة فلا حرج عليه إذا كان لا يضحي أما إذا كان يضحي فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى من أراد الأضحية إذا دخل شهر ذي الحجة أن يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته شيئاً) حتى يضحي فلا يحل للإنسان الذي يريد الأضحية أن يأخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئاً إذا دخلت العشر أعني عشر ذي الحجة حتى يضحي إلا أنه يستثنى من ذلك من أراد العمرة أو الحج فإنه يقصر إذا أتم عمرته أي طاف وسعى من أجل أن يحل وإنما استثني ذلك لأنه الآن صار نسكاً وكذلك من حج فإنه إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد حلق رأسه أو قصره ولو كان لا يدري هل ذبح أهله أضحيته أو لم يذبحوها وذلك لأن هذا الحلق أو التقصير نسك.
***(13/2)
_____ العقيقة _____(/)
كتاب العقيقة - حكمها - وقتها - سننها - قضاؤها - التسمية
الاسماء الممنوعة(14/1)
أحسن الله إليكم هذا السائل من سوريا فيصل أحمد ومقيم بالمملكة يقول في هذا السؤال أرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح لنا العقيقة معنا واصطلاحا وهل هي سنة مؤكدة أم مستحبة؟ ومن لم يفعلها هل هو آثم؟ أرجو في ذلك تفصيلا كاملا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيقة هي الذبيحة عن المولود وهي مأخوذة من العق وهو القطع لأن الذابح يقطع أوداجها وما يجب أن يقطع في حال الذبح وهي سنة للمولود الذكر اثنتان وتجزئ واحدة وللأنثى واحدة والسنة أن يكون ذبحها في اليوم السابع من ولادته قال العلماء فإن فات ففي أربعة عشر فإن فات ففي واحد وعشرين فإن فات ففي أي يوم ويأكل منها ويهدي ويتصدق وإن شاء جمع عليها أصحابه وأقاربه وجيرانه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على القادر والصحيح أنها ليست بواجبة على القادر وإنما يكره للقادر تركها.
***(14/2)
يقول السائل قد كتبت إليكم رسالة وقد ضمنتها هذا السؤال في بلادنا أود ان أبين لكم كيف نعق لأولادنا فمثلا إذا ولد لنا مولود يوم الأحد نعق له يوم الأحد المقبل نذبح خروف أو بقرة وأحيانا خروف فقط ونوزع اللحم إلى ثلاثة أقسام قسمين للأصهار وقسم واحد للزوج وإذا لم نرسل شيء للأصهار سيقع بيننا وبينهم نزاع وتهاجر وتقاطع وأحيانا يؤدي إلى الطلاق وذلك أن الأصهار يأتون ويأخذون المرأة ويتركون الجنين مع أبيه ونريد إفتاء في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نشكر الله عز وجل أن جعل هذا المنبر المبارك منبرا يصل صوته إلى مشارق الأرض ومغاربها وينتفع به المسلمون في كل مكان ونسأل الله تعالى أن يزيد الجميع من فضله وأن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا ورزقا طيبا واسعا أما ما ذكره عن صنيعهم في العقيقية فإن العقيقية سنة مؤكدة لا ينبغي للقادر عليها أن يدعها سنة تذبح في اليوم السابع من الولادة لا في اليوم الثامن كما قاله هذا السائل فإذا ولد في اليوم الأربعاء مثلا كانت العقيقية في يوم الثلاثاء وإذا ولد في يوم الثلاثاء كانت العقيقية يوم الاثنين وإذا ولد في يوم الاثنين كانت العقيقية في يوم الأحد وإذا ولد في الأحد كانت العقيقية في يوم السبت وهكذا ثم إن العقيقية لا تسن من غير الغنم لا تسن من البقر ولا من الإبل وإنما السنة أن تكون من الغنم عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة ومع قلة ذات اليد تكفي شاة واحدة عن الذكر ثم إنه لا ينبغي أن يكون بين الزوج وأصهاره شيء من الشقاق والنزاع من أجل توزيع هذه العقيقية بل توزع إما أثلاثا أو أنصافا يجعل للفقراء منها نصيب وللأهل والجيران منها نصيب وللأصدقاء منها نصيب وإن شاء صاحبها إن أدى ما للفقراء منها أن يطبخها ويجمع عليها فلا بأس والأمر في هذا واسع قال العلماء وإذا فات ذبحها في اليوم السابع فإنها تذبح في اليوم الرابع عشر وإذا فات في الرابع عشر فإنها تذبح في اليوم الحادي والعشرين وما بعد ذلك لا تعتبر الأسابيع ولكن ليحرص على أن يكون ذبحها في اليوم السابع.
***(14/2)
لو مضى أكثر من سنة أو سنة ولم يعق يافضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو مضي أكثر من سنة فلا حرج وموضوع التسمية ينبغي للإنسان أن يسمي ولده الذكر والأنثى حين ولادته لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم بشر أهله بابنه إبراهيم فقال (ولد لي الليلة ولد وسميته إبراهيم) هذا إذا كان قد هيأ الاسم وأعده قبل ولادة الطفل أما إذا كان لم يهيئه فإنه يجعله في اليوم السابع تبعا للعقيقة وينبغي للإنسان أن يحسن أسماء أولاده الذكور والإناث وأفضل الأسماء وأحبها إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعبد الله وعبد الرحمن أفضل ما يسمي به فإن لم يتيسر فأي اسم من الأسماء يضاف إلى الله فعبد الرحيم وعبد الكريم وعبد الوهاب وعبد الرزاق وما أشبهها ثم الأسماء التي يتعارفها الناس هي خير من الأسماء التي لا تعرف وقد اشتهر عند العامة ما يقولونه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خير الأسماء ما حمد وعبد) ولكن هذا لا أصل له ولا تصلح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
***(14/2)
سائل يسأل عن العقيقه ومتي تذبح وهل تجوز أن توزع علي الأهل وما السنة في توزيعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نشكر الله سبحانه وتعالي علي تيسير هذا المنبر الرائد النافع لعباد الله في هذه المملكة وخارجها ألا وهو نور على الدرب فإنه ولله الحمد نافع جدا ونشكر الحكومة وفقها الله على تيسير مثل هذا المنبر الذي ينتفع به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ممن يبلغهم صوته ونحث إخواننا المسلمين على الاستماع إليه لما فيه من الفائدة الكبيرة فإن الله تعالى قد يفتح فيه أبوباً كثيرة من العلم لسامعه وربما يحصل عنده أسئلة لولا سماع هذا البرنامج لم تكن منه على بال أما الجواب على سؤال الأخ عن العقيقه فالعقيقه سنة، سنة مؤكدة ينبغي للقادر عليها أن يقوم بها وهي مشروعة في حق الأب خاصة تذبح في اليوم السابع من ولادة الطفل فإذا ولد في يوم الخميس مثلا فإنها تذبح في يوم الأربعاء وإذا ولد في يوم الأربعاء تذبح في يوم الثلاثاء المهم أنها تذبح قبل يوم من اليوم الذي ولد فيه من الأسبوع الثاني وإنما ذكرت ذلك لئلا يتعب الإنسان في العدد متي يكون السابع فنقول السابع هو ما قبل يوم ولادته من الأسبوع الثاني فإذا ولد كما مثلت في الخميس كان يوم الأربعاء وإذا ولد يوم الأربعاء يذبح يوم الثلاثاء وهلم جرا منه ويكون عن الذكر شاتان متكافئتان أي متقاربتان في الكبر والسمن والوصف وعن الجارية الأنثى شاة واحدة وإن اقتصر على شاة واحدة في الذكر حصلت بها السنة لكن الأكمل شاتان تذبح في اليوم السابع كما قلت ولا بد أن تكون على وجه مجزئ بأن تبلغ السن المعتبر شرعا وهو ستة أشهر بالنسبة للضأن وسنة للمعز لقول النبي صلى الله عليه واله وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) وهذا عام في كل ما يذبح تقربا إلى الله عز وجل كالعقيقة والهدي والأضحية ولا بد أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الانتفاع وهي أربعة بينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سئل ماذا يتقى من الضحايا فقال (أربع وأشار بيده العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والعجفاء يعني الهزيلة التي لا تنقي) أي ليس فيها مخ وما كان مثل هذه العيوب فإنه بمنزلتها أما كيف تؤكل وتوزع فإنه يؤكل منها ويهدى ويتصدق وليس هنالك قدر لازم اتباعه في ذلك فيأكل ما تيسر ويهدي ما تيسر ويتصدق بما تيسر وإن شاء جمع عليها أقاربه وأصحابه إما في البلد وإما خارج البلد ولكن في هذه الحال لابد أن يعطي الفقير منها شيئا ولا حرج أن يطبخها ويوزعها بعد الطبخ أو يوزعها وهي نية والأمر في هذا واسع قلنا إنها تذبح في اليوم السابع لكن إذا لم يتيسر فإن العلماء يقولون تذبح في اليوم الرابع عشر فإذا ما تيسر فإنها تذبح في اليوم الحادي والعشرين ثم بعد ذلك لا تعتبر الأسابيع هكذا قال أهل العلم والأمر في هذا واسع لو أنه مثلا ذبح في الثامن أو العاشر أو ما أشبه ذلك أجزأ لكن الأفضل أن يحافظ على اليوم السابع.
***(14/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل يقول عدم تقطيع عظام العقيقة هل هو مشروع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض العلماء أنه ينبغي في توزيع العقيقة أن تكون مفاصل بمعنى أنه لا يكسر عظمها لتكون العطية التي يعطيها جزلة لأن ما بين المفصلىن من العظام فيه لحم إلا ما كان أسفل الأرجل فإنه عادة لا يكون فيه لحم لكنه من العادة أيضاً أن لا يتصدق به وحده فمن الحكمة في عدم تكسير عظامها أن العطاء يكون أجزل إذ أنه يكون عضواً كاملاً وذكر بعض العلماء حكمة أخرى في نفسي منها شيء وهي أنَّ ذلك تفاؤلاً بأن لا تنكسر عظام المولود لكن في نفسي من هذا شيء والمعنى الأول وهو أنه من أجل جزالة العطية أظهر وأقرب ولكن مع ذلك لو كسر العظام فلا بأس.
***(14/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل هل من السنة أن الرجل إذا أراد أن يسمي المولود أن يأخذه إلى رجل ذي صلاح وتقى ليحنكه ويسميه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التحنيك يكون حين الولادة حتى يكون أول ما يطعم هذا الذي حنك إياه ولكن هل هذا مشروع لغير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه خلاف فمن العلماء من قال التحنيك خاص بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم للتبرك بريقه عليه الصلاة والسلام ليكون أول ما يصل لمعدة هذا الطفل ريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الممتزج بالتمر ولا يشرع هذا لغيره ومنهم من قال بل يشرع لغيره لأن المقصود أن يطعم التمر أول ما يطعم فمن فعل هذا فإنه لا ينكر عليه أي من حنك مولودا حين ولادته فلا حرج عليه ومن لم يحنك فقد سلم.
***(14/2)
سائل يقول هل ثبت في السنة الصحيحة أن المولود يحلق رأسه في اليوم السابع من ميلاده ويتصدق بوزنه ذهباً إذا كان صحيحاً فهل هذا يفعل مع الولد فقط أم الولد والبنت يستويان في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد في هذا حديث في السنن اعتمده أهل العلم أنه يحلق في اليوم السابع ويتصدق بوزنه ورقاً ولكنه خاص بالولد فقط يتصدق بوزن الشعر ورقاً يعني فضة وأما الأنثى فلا يحلق رأسها.
***(14/2)
أحسن الله إليكم السائل أ. الرشدان ومرضي العنزي لهما هذا السؤال هل يجوز ذبح الماعز في العقيقة أم لا يجوز وهل يجوز ذلك أيضاً ذبحها في العرس أي في الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما سؤالهم عن ذبح الماعز في العقيقة فوجيه لأنه قد يظن الظان أنه لا يجزئ إلا الشاة من الضأن وليس كذلك فإنه يجزئ الواحدة من الضأن والماعز والأفضل من الضأن وأن تكون سمينة كثيرة اللحم وهي عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة تذبح في اليوم السابع قال أهل العلم فإن فات ففي اليوم الرابع عشر فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين ثم لا تعتبر الأسابيع بعد ذلك يعني بعد الحادي والعشرين يذبحها في أي يوم والماعز تقوم مقام الشاة والبعير والبقرة تقوم مقام الشاة لكن لا شرك فيها بمعنى لا يمكن أن يجمع سبع عقائق في بعير أو بقرة يعني لابد أن تكون نفسا مستقلة وأما السؤال الثاني عن ذبح الماعز في العرس فلا وجه له لأن المقصود في العرس إقامة الوليمة سواء بالدجاج أو بالماعز أو بالضأن أو بالبقر أو بالغنم.
***(14/2)
بارك الله فيكم السائلة سعاد من الأردن تقول في هذا السؤال عند ولادة مولود جديد ما هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء له وعن كيفية التعامل معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من سنة المولود حين يولد أن يؤذن في أذنه الأذان المعروف قال أهل العلم ليكون أول ما يسمعه هو الدعاء إلى الصلاة والدعاء إلى الفلاح مع تكبير الله وتوحيده وإذا كان اليوم السابع حلق رأس الذكر وتصدق بوزنه فضة وتذبح العقيقة في اليوم السابع وهي شاتان عن الذكر وشاة واحدة عن الأنثى تذبح في اليوم السابع ويؤكل منها ويوزع منها هدية وصدقة وأما التسمية فإن كان الاسم قد أعد من قبل الولادة فلتكن التسمية عند الولادة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل على أهله ذات يوم وقال (ولد لي الليلة ولد وسميته إبراهيم) وإن كانت التسمية لم تعد فلتكن في اليوم السابع عند ذبح العقيقة وينبغي للإنسان أن يحسن اسم ابنه واسم ابنته وأحب الأسماء إلى الله أعني أسماء الذكور عبد الله وعبد الرحمن وكذلك ما عبد لله عز وجل مثل عبد الكريم وعبد العزيز وعبد الرحيم وعبد الوهاب وعبد المنان وما أشبهه ثم أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف وما أشبهها ثم الأسماء الأخرى التي يعتادها الناس ما لم تكن إثما فإن كانت إثماً بحيث لا تليق بالبشر أو كانت أسماء لأصنام أو أسماء لرؤساء كفرة وما أشبه ذلك فإنه لا يسمى بها وكذلك الأسماء التي تدل على تزكية فإنه لا يسمى بها ولهذا (غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم بره إلى اسم زينب) لأن بره فيها تزكية.
***(14/2)
هذا السائل يقول السقط هل له عقيقة وأيضاً أسأل وأقول إذا مات بعد الولادة بيومين أو مضى عليه شهر أو أكثر فهل يعق عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السقط إذا مات قبل أربعة أشهر فليس بآدمي بل هو قطعة لحم يدفن في أي مكانٍ كان ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يبعث يوم القيامة وإذا كان بعد أربعة أشهر فقد نفخت فيه الروح وصار إنساناً فإذا سقط فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويسمى ويعق عنه لكن العقيقة عنه ليست كالعقيقة عمن ولد حياً وبقي يوماً أو يومين والعقيقة عمن بقي يوماً أو يومين ليست كالعقيقة عمن أتم سبعة أيام ولهذا بين النبي عليه الصلاة والسلام (أن العقيقة تذبح في اليوم السابع) فمن العلماء من قال إذا مات الطفل قبل اليوم السابع أو خرج ميتاً فإنه لا يعق عنه لأنه لم يأتِ الوقت الذي تسن فيه العقيقة وهو اليوم السابع ولهذا قلنا إن المسألة على الترتيب من سقط من بطن أمه قبل أن يتم له أربعة أشهر فهذا لا يعق ولا يسمى عنه وليس له حكم الآدمي فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن في أي مكانٍ من الأرض ومن سقط بعد أربعة أشهر ميتاً فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويسمى ويعق عنه ومن سقط حياً وبقي يوماً أو يومين ومات قبل السابع فهو كذلك أيضاً يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر مع الناس ويعق عنه لكن هذا والذي قبله فيه خلاف ومن بقي إلى اليوم السابع ثم مات بعده فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين ويسمى ويعق عنه.
***(14/2)
جزاكم الله خيرا السائل الذي رمز لاسمه بـ أأ يقول ما صحة الأذان في أذن المولود والإقامة في الأخرى جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان عند ولادة المولود سنة وأما الإقامة فحديثها ضعيف فليست بسنة ولكن هذا الأذان يكون أول ما يسمع المولود وأما إذا فات وقت الولادة فهي سنة فات محلها فلا تقضى.
***(14/2)
السائل ع. ج. ج. سوداني مقيم بليبيا يقول هل هناك زمن محدد لذبح العقيقة ثم متى يحلق شعر المولود مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شعر المولود يحلق في اليوم السابع إذا كان ذكرا وأما الأنثى فلا يحلق رأسها وإذا حلق شعر الرأس فإنه يتصدق بوزنه فضة كما جاء في الحديث وأما العقيقة فالأفضل أن تكون في اليوم السابع قال العلماء فإن فات اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين فإن فات ففي أي وقت على أنه لا حرج أن يذبح العقيقة في اليوم السادس أو الخامس أو العاشر أو الثاني عشر لكن هذه أوقات مفضلة فقط وهي ثلاثة السابع والرابع عشر والحادي والعشرين.
***(14/2)
بارك الله فيكم في سؤاله يذكر يا فضيلة الشيخ بأن له أولاد يقول ولم أقم بذبح التمائم كما نسميها وذلك لأنني لم أتمكن من الحصول على المبلغ لكي أقوم بذلك وكما تعلمون أنه لا يصح الذبح بالدين أو السلف فماذا أفعل أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء ما دمت لا تستطيع أن تقوم بهذا العمل لأن الله تعالى يقول في كتابه (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ويقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) فإذا كان الإنسان فقيراً عند ولادة أولاده فليس عليه تميمة لأنه عاجز والعبادات تسقط بالعجز عنها.
***(14/2)
يقول السائل إن أحد الأشخاص قال له لا يجوز تسمية المولود إلا بعد أسبوع هل هذا وارد أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المولود إذا كان اسمه قد هيئ من قبل فالأفضل أن يسمى من حين الولادة وإن كان لم يهيأ فالأفضل أن يكون يوم السابع دليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ولد ولده إبراهيم رضي الله عنه قال لأهله ولد لي الليلة ولد فسميته إبراهيم) فسماه حين ولادته عليه الصلاة والسلام أما في السابع فقال (كل غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق ويسمى) والجمع بين الحديثين أن ما ذكرنا إن كان اسمه قد هيئ فيسمى من حين الولادة وإن لم يهيأ قبل الولادة ينتظر حتى يكون اليوم السابع.
***(14/2)
أحسن الله إليكم السائل مختار من منطقة عشيرة الطائف يقول في هذا السؤال يذكر ويقول الحمد لله بأنه رزق بأربعة أطفال وهؤلاء الأطفال كان مولدهم في يوم الجمعة البعض من الناس يقولون له في هذا عبرة من الله عز وجل يقول أنا أريد أن أعرف هذا الحاصل منكم وفقكم الله وأرجو الإفادة في هذا الأمر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال لا أعلم فضلا في كون المولود يولد يوم الجمعة أو يوم الاثنين أو غيره من الأيام لكن الفضل كل الفضل أن يقوم الإنسان بتربية أولاده وتوجيههم التوجيه الحسن وأن يمتثل فيهم أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) .
***(14/2)
هذا سائل من السودان ومقيم بحائل كتب هذا السؤال بأسلوبه الخاص يقول فضيلة الشيخ عندي طفل مولود صغير عمره ستة أيام قبل العقيقة بيوم توفي ولم أكن أنا موجود وقت الدفن فدفن بدون الصلاة عليه ولم اسمه هل عليَّ شيءٌ في ذلك وإذا كان علي شيء ماذا أفعل الآن وقد مضى عليه ثلاث سنوات أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في حق هذا الطفل أن يغسل ويكفن ويصلى عليه سواءٌ كان أبوه حاضراً أم غائباً والقضية المسئول عنها أن هذا الطفل لم يصلَ عليه ولا أدري إن غسل وكفن أم لا لكن على كل حال الصلاة فإذا كان أبوه يعلم مكان قبره فليذهب إلى قبره وليصلِ عليه ولو بعد ثلاث سنوات فإن لم يعلم قبره صلى عليه صلاة الغائب يصلى عليه صلاة الغائب لتعذر حضوره بين يديه فإن قال قائل لماذا لا تقولون يذهب إلى المقبرة ويجعل القبور كلها بين يديه ويصلى قلنا لا نقول هذا لأنه حتى لو فعل هذا الفعل قد يكون محاذياً لوسط القبور وابنه في الطرف اليمين أو الشمال فلا يتمكن من محاذاته ولا سبيل إلى ذلك إلا أن يصلى عليه صلاة الغائب أما بالنسبة للتسمية فليسمه الآن ولا حرج وأما بالنسبة للعقيقة فليعق الآن لأن كون العقيقة في اليوم السابع سنة فقط ولو ذبحت في غير اليوم السابع أجزأت والعقيقة الأفضل أن تكون عن الذكر شاتين وعن الأنثى شاة واحدة وإن اقتصر في الذكر على شاة واحدة أجزأت لكن الاثنتان أفضل.
***(14/2)
جزاكم الله خيراً هذه سائلة من المنطقة الشرقية الأحساء ل. ن تقول هل الطفل الذي يولد ميتاً وكذلك الطفل الذي لا يعيش إلا يومين هل يعق عنه وهل يسمى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد نفخت فيه الروح وهو الذي بلغ أربعة أشهر فإنه يسمى ويعق عنه ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين ويبعث يوم القيامة وإن كان قبل نفخ الروح فيه أي قبل أربعة أشهر فليس عنه عقيقه ولا يسمى ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في المقابر وإنما يحفر له حفرة في مكان ما ويدفن.
***(14/2)
سائل يقول رجل لم يعق عن بناته حيث توفين وهن صغار فماذا يلزمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان وقت مشروعية العقيقة فقيرا فإنها تسقط عنه ولا شيء عليه وإن كان غنيا لكنه يقول اليوم أعق غدا أعق ومرت الأيام إلى يومنا هذا فإنه يعق الآن ولا شيء عليه وإن كان قد تعمد الترك فإنه لا ينفعه أن يعق الآن فالأحوال ثلاث إذا كان فقيرا حين مشروعية العقيقة فلا شيء عليه وإن كان غنيا ولكنه يقول اليوم غدا بعد غد فيعق الآن وإن كان غنيا ولكن تعمد أن يتركها فإنه لا يعق.
***(14/2)
بارك الله فيكم تقول السائلة من حائل ح ب ح يوجد عندنا امرأة في الأربعين وقد كبرت هذه المرأة وعندما كبرت علمت بأن أباها لم يعق لها فذبحت لنفسها عقيقة فهل هذا جائز يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن الإنسان يجوز له أن يعق عن نفسه إذا كان أبوه لم يعق عنه ويرى آخرون أن العقيقة مختصة بالأب فهو المسئول عنها أولا وأخرا فإن عق فله الأجر وإن لم يعق فقد فاته الأجر.
***(14/2)
هل تسقط العقيقة عن رجل لديه مجموعة من الأولاد لم يعق عنهم حيث توفي هذا الرجل ولم يعق عن أبنائه الخمسة فهل يجوز للأولاد أن يعقوا عن أنفسهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيقة سنة مؤكدة على القادر وهي شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى والأفضل ذبحها يوم السابع من الولادة فإذا ولد في يوم الثلاثاء مثلا فيوم عقيقته يوم الاثنين من الأسبوع الثاني وإذا ولد يوم الجمعة فيوم عقيقته يوم الخميس من الأسبوع الثاني وهكذا فإن فات السابع ففي اليوم الرابع عشر وإن فات الرابع عشر ففي اليوم الحادي والعشرين فإن فات ففي أي يوم هكذا قال الفقهاء رحمهم الله، وإذا كان الوالد في ذلك الوقت غير موسر فإنها تسقط عنه العقيقة سواء كان المولود ذكرا أو أنثى لأنها إنما تشرع لمن كان موسراً أما الفقير فإنه لا يكلف بها وهو عاجز عنها لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) فهذا الرجل الذي قد مات وعنده أبناء لم يعق عنهم ننظر إذا كان معسرا لم يتمكن من العق عنهم فإنها لا تقضى عنه لأنها ليست مشروعة في حقه وإن كان موسرا ولكن ترك ذلك تهاونا فإن كان في الورثة قوم قصر أي دون البلوغ أو عندهم تخلف في العقل فإنه لا يؤخذ من نصيبهم شيء لهذه العقيقة وإن كانوا أي الورثة مرشدين وأحبوا أن يعقوا من مال والدهم باتفاق الجميع فلا بأس وإن لم يكن ذلك وأراد كل واحد منهم أن يعق عن نفسه نيابة عن أبيه أو قضاءً عن أبيه فلا بأس.
***(14/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع محمد مصري الجنسية يقول رزقت بأولاد إناث وذكور وفيهم من هو على قيد الحياة وفيهم من توفى ولكن لم أذبح أي عقيقة لا للإناث ولا للذكور وهذا منذ زمن بعيد فماذا أفعل الآن أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هؤلاء الذين ماتوا أو كبروا ولدوا في حال فقر أبيهم وعدم قدرته على العقيقة فإنه لاشيء عليه لأنه حين وجود السبب كان غير قادر على تنفيذه أي تنفذ ما أمر به فلا شيء عليه أما إذا كان حين ولادة هؤلاء وحلول عقيقتهم غنياً يستطيع ولكن طالت به الأيام فإنا نرى أنه ينبغي له أن يعق الآن عن الأحياء وعن الأموات.
***(14/2)
سائلة تقول أيضاً قد توفي بعض أطفالها قبل أن يعق عنهم فهل تلزمها العقيقة بعد وفاتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيقة وهي الذبيحة التي تذبح للمولد في يوم سابعه وتكون اثنتين للذكر وواحدة للأنثى هي من شؤون الأب ومن مسئوليات الأب والأم ليس عليها عقيقة لأولادها وإنما من يخاطب بذلك الأب وحده فإن كان موسراً فإن الأفضل في حقه أن يذبح للغلام شاتين وعن الجارية شاة وإن كان معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها وليس عليه شيء.
***(14/2)
رسالة وصلت من العراق من مستمعة للبرنامج تقول في رسالتها والدتي توفيت وأريد أن أعمل لها عقيقة وعند الاستفسار من أحد الأئمة في أحد المساجد في بغداد قال إن العقيقة تعمل للحي وليس للميت ما حكم الشرع في نظركم في هذا ونرجو لهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيقة لا تشرع للميت وإنما تشرع عند الولادة في اليوم السابع من ولادة الإنسان يشرع لأبيه بتأكدٍ أن يعق عن هذا الولد سواء كان ذكراً أم أنثى لكن الذكر له عقيقتان والأنثى لها عقيقه واحدة تذبح في اليوم السابع ويؤكل منها ويتصدق ويهدى ولا حرج على الإنسان إذا ذبحها في اليوم السابع أن يدعو إليها أقاربه وجيرانه وأن يتصدق منها بشيء فيجمع بين هذا وهذا وإذا كان الإنسان غير واسع ذات اليد وعق عن الذكر بواحدة أجزأه كذلك قال العلماء وإذا لم يمكن في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر فإن لم يمكن ففي اليوم الحادي والعشرين فإن لم يمكن ففي أي يوم شاء هذه هي العقيقه وأما الميت فإنه لا يعق عنه ولكن يدعى له بالرحمة والمغفرة والدعاء له خير من غيره ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هريرة عنه (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فقال عليه الصلاة والسلام (أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يصوم له أو يصلى له أو يتصدق عنه أو ما أشبه هذا فدل هذا على أن الدعاء أفضل من العمل الذي يهدى إلى الميت وإن أهدى الإنسان إلى الميت عملاً صالحاً كأن يتصدق بشيء ينويه للميت أو يصلى ركعتين ينويها للميت أو يقرأ قرآن ينوينه للميت فلا حرج في ذلك ولكن الدعاء أفضل من هذا كله لأنه هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
***(14/2)
يقول هذا السائل ما هي خير الأسماء التي للمسلم أن يأخذ بها أو أن يسمي بها أبناءه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خير الأسماء بل أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وكأن السائل حينما قال ما هي خير الأسماء كأنه يشير إلى ما اشتهر عند العامة حديثاً وهو (خير الأسماء ما حمد وعبد) وهذا حديث ليس بصحيح بل هو موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي صح عنه أنه قال (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام) .
***(14/2)
يقول اختيار الأسماء للأطفال مثل أفنان وآلاء من القرآن هل في ذلك حرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على نفس الاسم هل فيه محظور فإنه لا يسمى به سواء كان مما جاء في القرآن أم لا أما إذا لم يكن فيه محظور فلا بأس به سواء كان مما جاء في القرآن أم مما لم يأتِ به.
***(14/2)
السائلة تقول عندي من الأولاد طفل أطلق عليه والده مناف وأنا أدري أنه كان اسم إله في الجاهلية وترجيت زوجي بتغيير هذا الاسم ولكنه يرفض الرجاء أن تحدثوه في ذلك ليسمع منكم وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنني قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أوجه إخواني المستمعين إلى اختيار الأسماء التي يسمون بها أبناءهم وبناتهم بحيث تكون أحب إلى الله ورسوله من غيرها فلذلك في أسماء الرجال عبد الله وعبد الرحمن وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وقريب من ذلك كل اسم أضيف إلى الله مثل عبد الوهاب عبد العزيز عبد الرحيم عبد الجبار عبد القهار وما أشبه ذلك فكل اسم مضاف إلى الله فهو خير مما لم يضف إلى الله عز وجل وأشرف لذلك وأفضله ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن للحديث الذي ذكرته آنفاً ثم ما كان من الأسماء أقرب إلى الصدق والواقع قال صلى الله عليه وسلم (أصدق الأسماء الحارث وهمام) لأنه ما من إنسان إلا وهو حارث وهمام فإذا سمى بحارث أو همام صار مطابقا تماما للواقع وكذلك يُختار أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محمد صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، موسى، عيسى، نوح وما أشبهها وكذلك في أسماء النساء ينبغي أن يختار من الأسماء أحسنها وأطيبها وألذها على السمع كاسم فاطمة فإن ذلك اسم بنت محمد صلى الله علية وسلم وعائشة وزينب وأسماء وما أشبهها من الأسماء الكثيرة ويا حبذا لو أن أحداً تتبع الإصابة في أسماء الصحابة وانتقى من أسماء الصحابة أسماء مناسبة لهذا العصر فإن في هذا خيرا كثيرا وسدا لما يتخبط فيه الناس اليوم من اختيار الأسماء العجيبة فلو حصل أن أحداً يتتبع ويختار ما كان مناسبا للعصر من أسماء الصحابة والصحابيات ونشره بين الناس ليختاروا من هذه الأسماء التي تذكرنا بسلفنا الصالح لكان في هذا خير كثير وسد لهذا الباب الذي انفتح على الناس فصاروا يتخبطون فيه خبط عشواء أما بالنسبة لمناف الذي وقع السؤال عنه فأنا لا أعلم أنه اسم إله من آلهة الجاهلية لأن أحد أجداد الرسول عليه الصلاة والسلام اسمه عبد مناف أو أنه جاء مثل عبد المطلب فعلى كل حال إن ثبت أنه اسم لصنم فإنه ينبغي تجنبه وإن لم يكن اسم لصنم فهو كغيره من الأسماء لا حرج فيه.
***(14/2)
جزاكم الله خير هذه رسالة وصلت من مستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بـ س ح ي تقول في هذا السؤال تذكر بأنها فتاة تبلغ من العمر العشرين عاما وقد كان لها أخت أكبر منها اسمها مطابق لاسمها وتوفيت قبل شهر ويقول بعض الناس بأنه لا يجوز أن يكون اسمك مطابق لاسم أختك المتوفاة لأنك قد تأخذين من أجرها أو هي قد تأخذ من أجرك فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح ولا حرج أن يكون للرجل ابنتان اشتركتا في الاسم أو ابنان اشتركا في الاسم لكن الأولى ألا يكون هنالك اشتراك لئلا يشتبه أحدهم بالأخر ولا أثر لاتفاق الاسمين لا أثر له في الثواب والله سبحانه تعالى بكل شي عليم يعلم من ثوابها كذا ومن ثوابها كذا.
***(14/2)
هل يجوز أن يسمى الإنسان بالعزيز والحكيم والعادل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يسمى الإنسان بهذه الأسماء بشرط أن لا يلاحظ فيها المعنى الذي اشتقت منه بأن تكون مجرد علم فقط ومن أسماء الصحابة الحكم وحكيم بن حزام وكذلك اشتهرت بين الناس اسم عادل وليس بمنكر أما إذا لوحظ فيه المعنى الذي اشتقت منه هذه الأسماء فإن الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم أبي الحكم الذي تكنى به لكون قومه يتحاكمون إليه وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله هو الحكم وإليه الحكم ثم كناه بأكبر أولاده شريح وقال له أنت أبو شريح) وذلك أن هذه الكنية التي تكنى بها هذا الرجل لوحظ فيها معنى الاسم فكان هذا مماثلاً لأسماء الله سبحانه وتعالى لأن أسماء الله عز وجل ليست مجرد أعلام بل هي أعلام من حيث دلالاتها على ذات الله سبحانه وتعالى وأوصاف من حيث دلالاتها على المعنى الذي تتضمنه وأما أسماء غيره فإنها مجرد أعلام إلا أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فإنها أعلام وأوصاف وكذلك أسماء كتب الله عز وجل فهي أعلام وأوصاف أيضاً.
***(14/2)
جزاكم الله خيرا سائلة تقول إن أكرمني الله عز وجل بطفل أريد أن أسميه بـ كريم فهل هذا الاسم حرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا أقول لها وأشير عليها إذا مَنَّ الله عليها بولد أن تسميه عبد الله أو عبد الرحمن بعد الاتفاق مع أبيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وكل مؤمن يحب ما يحبه الله عز وجل فإذا كان هذا أحب الأسماء إلى الله فليكن عبد الله أو عبد الرحمن اسم مولودها إن شاء الله تعالى ولكن لابد من مراجعة الزوج لأن الزوج هو الأصل في تسمية الولد ولكن مع ذلك ينبغي أن يشاور أمه أي أم الولد حتى يتفق الرأي على التسمية المطلوبة إن شاء الله.
***(14/2)
وضاح من سوريا يقول نحن نعلم بأن خير الأسماء ما حمد وعبد كما قال عليه الصلاة والسلام ولكن هناك من يكون اسمه عبد النبي وعبد الرسول فما الحكم في هذه الأسماء كما نعلم أن العبد يكون عبدا لله وليس سواه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل وفقه الله نحن نعلم أن خير الأسماء ما حمد وعبد ثم استدل بما نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن خير الأسماء ما حمد وعبد فأقول هذه المعلومة خطأ ليس خير الأسماء ما حمد وعبد ثانيا نسبة ذلك إلى الرسول أنه قال خير الأسماء ما حمد وعبد خطأ أيضا وخطأ عظيم لأن هذا الحديث موضوع لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تجوز نسبته إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام) وعلى هذا فنقول ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ثم ما أضيف إلى أي اسم من أسماء الله كعبد الرحيم وعبد الوهاب وعبد العزيز وعبد اللطيف وعبد الخبير وعبد البصير وما أشبهه وأما عبد النبي وعبد الرسول وعبد جبريل وعبد فلان أو فلان فهذا محرم قال ابن حزم رحمه الله اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب وإنما استثني ذلك لأن بعض أهل العلم قال لا بأس بعبد المطلب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) ولكن من العلماء من حرَّم عبد المطلب وقال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك خبرا وليس إنشاء فهو عبد المطلب لأن جده سمي بذلك ولا يمكن تغييره فهو خبر لا إنشاء وعلى هذا فلا يجوز أن يسمى أحد بعبد المطلب وهذا وجه قوي لا إشكال في قوته وعلى هذا فأقول إذا أردت يا أخي أن تسمي ابنك فسمه بأحسن الأسماء وأحب الأسماء إلى الله ما وجدت إلى ذلك سبيلا عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد العزيز،عبد الوهاب، عبد السميع، عبد اللطيف، عبد البصير، عبد الحكيم وهكذا.
***(14/2)
جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ هذا سائل يقول يا فضيلة الشيخ ما حكم التسمي بهذه الأسماء شمس الدين محي الدين قمر الدين وغير ذلك من الأسماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأسماء كلها حادثة لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في عهد أصحابه والذي وجد سيف الله أو أسد الله أما الأوصاف التي تنم عن ديانة فهذه إنما حدثت أخيراً وقد تصدق على من تسمى بها وقد لا تصدق فالذي أرى العدول عن هذه الألقاب كما أن فيها مفسدة أخرى وهي أن الملقب بها قد يزهو بنفسه ويعجب بها ويترفع بهذا اللقب على غيره.
***(14/2)
يقول المستمع عندي عامل اسمه عبد الرسول فقمت بتعديل اسمه في بطاقة الرواتب وفي ملفه إلى عبد رب الرسول فهل عملي صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل لا شك أنه صحيح من حيث الجملة لأنه لا يجوز أن يعبد أحد لغير الله كما نقل الإجماع على ذلك ابن حزم رحمه الله حيث قال (اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب) ولكن تغيير الاسم الذي اشتهر به الشخص لا يمكن من حيث الوضع النظامي إلا بمراجعة الأحوال المدنية حتى يتبين الأمر ولا يحصل إلتباس وعندي أنه لو حصل ما يوجب التغيير فإن الأفضل أن يغيره أصلاً أي أن يغير الاسم أصلاً فلا نقول عبد رب الرسول بل نقول عبد الله، عبد الرحمن، عبد الوهاب، عبد الحميد، عبد المجيد، وما أشبه ذلك أما عبد رب الرسول ففيه طول كما هو ظاهر ثم إن كل من سمع هذا التعبيد عرف أنه متكلف فيه شيء من التكلف ثم إن من سمع هذا التعبير سينقدح في ذهنه أن أصل هذا الاسم عبد الرسول وربما يكون عنده عناد ولا سيما إذا كان من أولئك الذين يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام كما يعظمون الله أو أكثر ربما يكون عنده عناد فيبقى الاسم على أوله على عبد الرسول فإذا غير أصلاً واجتث هذا الاسم أعني عبد الرسول إلى تعبيد لله عز وجل كعبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز وعبد الوهاب وما أشبهه كان أحسن وأفضل.
***(14/2)
رسالة وصلت من المستمع للبرنامج من الأردن أربد خلف أحمد يقول رزقت بمولود ذكر سميته إسلام فهل هذا الاسم فيه كراهية أو حرمة من جهة الشرع في نظركم فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن الذي ينبغي أن لا يسمي الإنسان ابنه أو ابنته باسم فيه تزكية (لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم بره إلى زينب) لما في اسم بره من التزكية ومثل ذلك اسم أبرار للأنثى فإنه لا ينبغي لما فيه من التزكية التي من أجلها غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم بره، والذي يظهر أن إسلام من هذا النوع وأنه ينبغي للإنسان أن لا يسمى به ولدينا أسماء أفضل من ذلك وأحسن وهي ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) فإذا اختار الإنسان لأبنائه اسماً من هذه الأسماء كان أحسن وأولى لما فيها من التعبيد لله عز وجل ولاسيما التعبيد لله أو للرحمن، ومثل ذلك عبد الرحيم وعبد الوهاب وعبد السميع وعبد العزيز وعبد الحكيم وأمثال ذلك، لكن أحسنها ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) .
***(14/2)
_____ الجهاد _____(/)
كتاب الجهاد - فضله - حكمه - أحكام البغاة -أحكام أهل الذمة(15/1)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم أيمن عبد المنعم من جمهورية مصر العربية يقول ما هو جزاء الشهيد ومكانته عند الله وهل يغفر الله عز وجل الكبائر التي اقترفها ذلك الشهيد قبل أن يتوب منها وهل يعتبر الشهيد من الستة الذين يظلهم الله في ظله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جزاء الشهيد ومكانته عند الله ما ذكره الله تعالى في قوله (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فقال بل أحياء عند ربهم يرزقون وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر معلقة تحت العرش وهم أعني الشهداء يغفر لهم كل ذنب اقترفوه إلا الدين فإن الدين لصاحبه يطالب به يوم القيامة وأما قول السائل هل هم من الستة الذين يظلهم الله في ظله فقد غلط في قوله الستة لأن الذين ورد فيهم الحديث سبعة قال النبي صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) .
***(15/2)
يقول الطالب في جامعة الملك عبد العزيز والدي يحتاجني في عمله وحاجة أهلي وأخي الأكبر في مدينة أخرى يطلب العلم، وأنا أريد أن أذهب إلى الجهاد ولم يرض أحد من الوالدين فهل يحق لي الذهاب مع العلم أن أخي يقدر أن يقوم مقامي بترك دراسته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لك أن تذهب إلى الجهاد وأهلك محتاجون إليك ومانعوك من السفر إلى الجهاد بل حتى وإن لم يحتاجوا إليك فإذا لم يأذنوا لك فإنه لا يحل لك أن تذهب إلى الجهاد لأن بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها قلت ثم أيّ؟ قال بر الوالدين قلت ثم أيّ؟ قال الجهاد في سبيل الله) فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله وأما أخوك فإن تفرغه لطلب العلم فيه خير كثير وأمر عظيم وطلب العلم كالجهاد في سبيل الله لأن الله تعالى جعله عديلاً له في قوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فجعل الله التفقه في الدين معادلاً للجهاد في سبيل الله وغزو المسلمين ليس بالسلاح فقط وإنما هو بالسلاح والفكر والخلق والغزو بالفكر لا يقاوم إلا بالعلم والأخلاق أيضاً لا تقاوم إلا بالعلم والاستقامة وربما يكون غزو الأعداء من سنين غزواً فكرياً أعظم فتكاً من السلاح المادي لأن النوع الأول من الغزو غزو يدخل بدون استئذان ويحتل بدون قتال فهو أنكى وأعظم من الجهاد المسلح بالسلاح المادي والمسلمين يجب عليهم هذا وهذا ولهذا قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاهد المنافقين بالسلاح المادي ولم يؤمر به، وإنما يجاهد المنافقين بالسلاح العلمي والبيان والإرشاد فسفر أخيك لطلب العلم وتغربه لطلب العلم لا شك أنه خير كثير أما أنت فالخير لك أن تبقى عند أهلك وأن تقوم ببر والديك وإذا كان لديك مال فجاهد بمالك لأن الجهاد بالمال كالجهاد بالنفس بل هو قرينه في كتاب الله عز وجل.
***(15/2)
رسالة م. ع. ظ. من معهد النماص العلمي يقول سمعنا من محدث أن أهل الأعراف هم أناس أو رجال خرجوا للجهاد في سبيل الله ولم يستأذنوا أهلهم في الخروج للجهاد ولكنهم خرجوا وقتلوا في سبيل الله وماتوا شهداء ولم يدخلوا الجنة ولا النار فهم على الأعراف بينهما حتى يقضي الله فيهم يوم القيامة فهل هذا صحيح أم لا؟ ثم لو كان صحيحا وأراد الإنسان الجهاد والهجرة في وقتنا الحاضر فهل مع أهل الأعراف إذا لم يستأذن والديه للخروج لأنهما قد لا يأذنا له فإذا كان الأمر كذلك فإنا قد قرأنا في القرآن الحث من الله عز وجل والترغيب في الجهاد بقوله تعالى (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) وقوله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حثه على الجهاد (من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) أو كما قال صلى الله عليه وسلم فما قولكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قولنا في هذا إن ما سمعت من أن أهل الأعراف هم قوم خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله بدون استئذان أهليهم هذا ليس بصحيح فإن أهل الأعراف على ما قاله أهل العلم هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا هم الذين غلبت عليهم السيئات حتى أدخلوا في النار ليطهروا من سيئاتهم ولا هم قوم غلبت حسناتهم حتى يدخلوا الجنة ولكنها تساوت حسناتهم وسيئاتهم فكان من حكمة الله عز وجل وعدله أن يوقفوا في الأعراف وآخر أمرهم أن يدخلوا الجنة بفضل الله تعالى ورحمته هؤلاء هم أهل الأعراف أما ما ذكرت من الجهاد في سبيل الله بدون استئذان الأبوين فإننا نقول في ذلك إذا كان الجهاد تطوعا فإنك لا تخرج إلا باستئذان الأبوين فإذا كان الجهاد واجبا فإنه لا يحتاج إلى إذن الأبوين بل لك أن تخرج وإن لم تستأذنهما وإن لم يرضيا بذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق اللهم إلا أن يكونا في ضرورة إلى بقائك فحينئذ تقدم دفع ضرورتهما على الجهاد وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله وسلم (ففيهما فجاهد) حيث كانا يضطران إلى وجود ابنهما عندهما وأما خروج الجهاد في سبيل الله والهجرة فإن هذا أمر معلوم بدلالة الكتاب والسنة والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام ومن أهم الأعمال الصالحة وأحبها إلى الله عز وجل (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ولكن ليعلم أن الجهاد في سبيل الله ليس هو مجرد قتال الكفار بل إن الجهاد في سبيل الله تعالى هو الذي يقاتل فيه الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وهذا هو الميزان الحقيقي الصحيح الذي يعرف به كون الجهاد في سبيل الله أو ليس في سبيل الله فمن قاتل دفاعا عن الوطن لمجرد أنه وطن فليس في سبيل الله ومن جاهد عن وطنه لأنه وطن إسلامي ولإعلاء كلمة الله فإنه في سبيل الله فالميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام ميزان بين واضح فمن قاتل دون ماله أو دون أهله أو دون نفسه وقتل فهو شهيد كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
***(15/2)
بارك الله فيكم ذكرتم في إجابتكم أن الجهاد اً إذا كان تطوعاً فإنه يستلزم أن يستأذن والديه وإذا كان واجباً لم يلزمه ذلك هل لنا أن نعرف الحالات التي يكون فيها الجهاد تطوعاً ويكون واجباً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال أهل العلم إنه يجب الجهاد إذا استنفره الإمام بأن قال له اخرج ثانياً إذا حاصره العدو أو حاصر بلده أو كان محتاجاً إليه في الجهاد بحيث يكون المجاهدون مفتقرون إلى وجود هذا الشخص لكونه يعرف أن يتصرف في الآلات المعينة التي يقاتل بها دون غيره فهو يجب إذا حصره أو حصر بلده عدو أو استنفره الإمام أو كان المجاهدون بحاجة إليه بعينه وكذلك أمر خامس إذا حضر الصف فإنه لا يجوز الفرار فإنه من كبائر الذنوب لقوله تعالى (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وفيما عدا ذلك يكون تطوعاً.
***(15/2)
هذه رسالة وردتنا من المرسل أحمد موسى القرني يقول في رسالته مما لا شك فيه أنه منذ أن قُتل عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقعت حروب كثيرة في الدول الإسلامية ثم اتسعت هذه الحروب وتعددت ألوانها وأشكالها بتعدد الممالك العربية والإسلامية ولا شك أنه إذا قامت الحرب بين دولتين عربيتين ومسلمتين فإن الذين يُقاتلون في هذه المعارك هم جنود مسلمون فنريد أن نعرف إذا تقاتل المسلمان في هذه الحالة هل يقع الإثم عليهما أو على الدول أو على رؤساء هذه الدول الذي يشعلون نار هذه الحرب نرجو الإفادة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال (لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) وقال صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فلا يجوز للمسلمين أن يقتل بعضهم بعضاً أو يقاتل بعضهم بعضاً ولكن من قوتل فله أن يدافع عن نفسه بأخف الضررين فإن لم يكن الدفاع إلا بالمقاتلة فله أن يقاتل وحينئذ يكون المقتول من البغاة في النار وأما المقتول من المدافعين عن أنفسهم الذين لم يجدوا دفاعاً دون القتل يكون في الجنة وإن قتل من البغاة فليس عليه شيء والواجب على المسلمين إذا اقتتلت طائفتان أن يسعوا في الصلح بينهما لقوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فتبين الآن أن لنا نظرين النظر الأول في حكم الاقتتال بين المسلمين وهو حرام لا يجوز لكن من بُغي عليه واعتدى عليه فله أن يدافع عن نفسه بأقل ما يمكن فإن لم يكن الدفاع إلا بقتال فله ذلك، النظر الثاني بالنسبة لبقية المؤمنين فإذا كانت الطائفتان المقتتلتان من المؤمنين فإنه يجب على بقية المؤمنين أن يصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى ولم توافق على الصلح فإنه يجب على المؤمنين أن يقاتلوها حتى تفيء إلى أمر الله فإذا فاءت وجب الصلح بما حصل بينهم من إتلافات وغيرها.(15/2)
يافضيلة الشيخ: ما ذنب الجندي في الطائفة أو في الدولة التي تبغي إذا كان خروجه أو امتناعه عن الحرب يعتبر خروجاً أيضاً عن سلطانه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس خروجاً عن السلطان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الطاعة في المعروف) وهذا ليس من المعروف أن يقاتل الرجل أخاه المسلم أو يقتله بل يجب عليه أن يرفض هذا الأمر ولا يخرج وفي هذا الحال قد يكون رفضه من أكبر الأسباب الداعية إلى عدم البغي لأنه إذا رفض هذا وهذا وهذا لم يكن بيد الباغي قوة يبغي بها على غيره.
***(15/2)
رسالة من إسحاق محمد نور حامد الحاج يسأل يقول هل يجوز للمسلمين أن يسمحوا للمسيحيين أن يبنوا كنائس داخل بلادهم ويقيموا شعائرهم فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال هام جداً وذلك أن كثيراً من الناس يظنون أن الفرق بين دين الإسلام والأديان الأخرى سواء كان ذلك من دين النصارى الذين ينتسبون إلى المسيح عيسى بن مريم أو من دين اليهود الذين ينتسبون إلى موسى بن عمران عليهما وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام يظنون أن الفرق بين هذه الأديان الثلاثة وغيرها أيضاً مما يدين به العالم كالفرق بين مذهب ومذهب في ملة واحدة وهذا ظن خطأ وذلك أن العباد كلهم عباد الله تعالي هو خالقهم ورازقهم وهو الذي أعدهم وأمدهم وهو الذي يكون إليه المرجع ويكون لديه الحساب يوم القيامة وهو سبحانه وتعالى يتعبد عباده بما شاء من شريعة ويمحو الله تعالى ما يشاء ويثبت ولكنه سبحانه وتعالى بين في كتابه العزيز الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم أن (مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) والإسلام هو الشريعة التي شرعها الله تعالى لعباده في كل زمان وفي كل مكان وفي حال قيام دعوة موسى عليه الصلاة والسلام كان الإسلام دين اليهود وفي حال قيام دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام كان الإسلام دين النصارى وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام محمد كان الإسلام دينه فقط قال الله تعالى (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) وقال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) فالناس والعالمون عام يشمل كل بني آدم بل إن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الجن والإنس وقال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إذن فدين الإسلام هو الدين الذي يجب أن يكون الخلق عليه من بني آدم ومن الجن أيضاً هذا هو الواجب وهو الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم على هذا اعتناق الإنسان ديناً غير دين الإسلام محرم عليه ولا يجوز له وعلى هذا فإذا أراد أحد من غير المسلمين أن يبني في بلاد المسلمين معابداً من كنائس وغيرها فإن ذلك لا يجوز لأن معناه إظهار غير دين الإسلام في بلاد الإسلام وهذا لا يجوز ولا يجتمع دينان في بلد واحد بل الدين واحد وهو الذي تعبَّد الله به عباده وعليه فيحرم على ولاة المسلمين أن يمكنوا أحداً من غير المسلمين من النصارى أو اليهود أو غيرهم أن يبنوا معابد في بلاد الإسلام سواء كانت كنائس أو صوامع أو بيعاً أو غيرها وإنما تبنى المساجد التي هي من خصائص المسلمين.
***(15/2)
المستمعة تغريد تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا وكان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلاً إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلاً وبقيت على هذا الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضاً هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير المسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير المسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير المسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما (طعامهم ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية) (وأجاب يهودياً على إهالة سنخة وخبز شعير) وأقر عبد الله بن مغفل على (أخذ الجراب من الشحم الذي رمي به في فتح خيبر) فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا؟ فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها (أن قوماً قالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) يعني أنهم جديدوا الإسلام، ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم (فقال: سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعاباً كثيراً لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوباًَ أو مسروقاً ومن الجائز أن يكون ثمنه حراماً ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فُعِلَ على وجهٍ تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجوا من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد قال الله عز وجل (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر فهو عدو لله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله عز وجل وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه.
***(15/2)
من جمهورية مصر العربية وردتنا هذه الرسالة من كمال محمد العطار مدينة قنا يقول فيها هل يجوز للحاكم المسلم أن يسوي بين المسلم والكتابي يهودياً كان أو نصرانياً دون أن يأخذ منهم الجزية وكيف تكون معاملتنا معهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الحاكم المسلم أن يعدل بين المسلم والذمي والعدل إعطاء كلٍ منهما ما يستحق فالمسلم له حقوق والكافر له حقوق والكافر أيضاً حقوقه تختلف فالذمي له حقوق والمعاهد له حقوق والمستأمن له حقوق والحربي ليس له حقوق والحاصل أنه يجب على الحاكم المسلم أن يعدل بين المسلمين وغير المسلمين فيما يجب من حقوقهم وأما بالنسبة للحاكم إن أراد به الحاكم القاضي فإنه يجب عليه أن يعدل أيضاً بينهم بحيث لا يفضل المسلم على الكافر في دخوله عليه مثلاً أو في جلوسه معه أو في تلقينه الحجة أو ما أشبه ذلك بل يجب عليه العدل في ذلك كله وقد أمر الله تبارك وتعالى بالعدل وأخبر أنه من خصال المؤمنين (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .
***(15/2)
أيضاً يقول في رسالته هل يجوز أكل أموال غير المسلمين أم هي محرمة كحرمة أموال المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أموال غير المسلمين إذا كانوا معصومين فإنه لا يجوز للمسلم أن يخونهم في أموالهم وأعراضهم والمعصوم من الكفار ثلاثة أصناف الذميون والمعاهدون والمستأمَنُون هؤلاء الثلاثة معصومون لا يجوز الاعتداء عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم وأما الكفار الذين ليس بيننا وبينهم عهد ولا أمان ولا ذمة وإنما هم حربيون فهؤلاء ليسوا معصومين فأموالهم ودماؤهم أيضاً وذرياتهم ونساؤهم حلالٌ للمسلمين ولهذا هم يعلنون الحرب علينا ونحن نعلن الحرب عليهم ثم إن المعاهدات تنقسم إلى قسمين معاهدات ثنائية ومعاهداتٌ جماعية عامة ويجب مراعاة شروط هذه وهذه حسبما يتفق عليه الطرفان.
***(15/2)
_____ البيوع _____(/)
آداب البيع وما ينهى عنه منه(16/1)
المستمع ح. ع. ع. جدة العمارية فضيلة الشيخ ما حكم من أنفق بضاعته باليمين الكاذبة وجهونا جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أنفق سلعته بالحلف الكاذب أي طلب نفاقها ورغبة الناس فيها أو زيادة ثمنها بالحلف الكاذب فإنه متوعد بالوعيد الشديد أن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب فعليه أن يتوب إلى الله مما صنع وألا يعود لذلك وأن يعلم أن رزق الله لا يستجلب بالمعاصي فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فليتقِ الله وليجمل في الطلب وليعلم أن الوسيلة المحرمة لجلب الرزق تنزع بركة الرزق وتوقع صاحبها في الإثم ويكون ما يأكله من أرباحها سحتاً وما نبت من السحت حري أن تكون النار أولى به وليعلم أن الرزق القليل الحلال الطيب خير من الكثير الخبيث الحرام وباب التوبة مفتوح إذا تاب الإنسان وأقلع عن هذا العمل وتصدق بما يسر الله له من الصدقة فلعل الله أن يتوب عليه ويهديه صراطاً مستقيماً.
***(16/2)
البائع الذي يحلف للزبون بكلمة صدقني هذا آخر شيء مثلا. هل هذا صحيح، حتى لا يجعل الله عرضة لكثرة الأيمان للتجارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال صدقني فهذا ليس يمينا لكنه طلب من المشتري أو من السائم أن يصدقه أما لو قال والله لقد اشتريتها بكذا أو والله لقد سيمت كذا وهو كاذب فهذا هو الذي اشترى بعهد الله ويمينه ثمنا قليلا والمنفق سلعته بالحلف الكاذب من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم كما رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومع هذا إذا قلنا إن قوله صدقني ليست يميناً فلا يحل له أن يخبر المشتري بخبرِ كذب سواء أخبره بصفة في السلعة وهو كاذب أو أخبره بأنه اشتراها بكذا وهو كاذب أو أخبره بأنها سيمت كذا وهو كاذب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (البيعان بالخيار فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما) .
***(16/2)
المستمع آدم على إبراهيم من السودان يقول ما حكم الشرع فضيلة الشيخ في التاجر الذي يجمع ماله بطريقة غير مشروعة نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن الإنسان إذا اكتسب ماله بطريقٍ غير مشروع فالواجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا العمل الذي يكتسب به المال عن طريقٍ غير مشروع وأعظم الطرق تحريماً في المكاسب طريق اكتساب المال بالربا فإن الله سبحانه وتعالى حرم الربا في كتابه في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) قال (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ومن الذي يستطيع أن يعلن الحرب على الله ورسوله وقال عز وجل (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) والربا يكون في أجناسٍ معينة من المال لا في كل المال بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل وسواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الإصناف فبيعوا كيف شيءتم) فالذهب والفضة وما كان بمعناهما هو الذي فيه الربا وكذلك الأصناف الأربعة الباقية المطعومة المكيلة هي التي فيها الربا هي وما شابهها في الجنس وأما ما سوى ذلك فليس فيه ربا ولهذا يجوز للإنسان أن يبدل سيارة بسيارتين أو سيارة بسيارة ودراهم أو بعيراً ببعيرين أو شاةً بشاتين أو ما أشبه ذلك مما ليس فيه ربا ومن المكاسب المحرمة أن يكتسب الإنسان المال بممارسة بيع وشراء ما لا يجوز مثل أن يتجر بالدخان فإن الدخان محرم لما فيه من الضرر البدني والمالي فإذا اتجر به الإنسان فإن الاتجار به محرم وكسبه حرام أيضاً ومن ذلك أن يبيع ما لا يجوز بيعه مثل أن يبيع كلباً أو خنزيراً أو نحو ذلك ومن هذا أيضاً أن يتجر بالخمور والمخدرات وغير هذا من الأشياء التي حرمها الله فكل من اكتسب شيئاً محرماً فإن عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويخرج من ماله مقدار الكسب الحرام إن علمه فإن لم يعلمه تحرى فأخرج ما تبرأ به ذمته.
***(16/2)
ماحكم الشرع في نظركم في التدخين وما حكم المتاجرة به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين الذي هو شرب الدخان اختلف أهل العلم فيه ما بين مبيح ومحرم كما هو الشأن في كل أمر جديد يقع على الساحة فإن العلماء تختلف اجتهاداتهم فيه ولكن في الأونة الأخيرة تبين للإنسان أنه لا يمكن القول بإباحته لما يشتمل عليه من الأضرار المستعصية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك وقد قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولما ثبت أنه ضرر فإننا نضيف إلى ضرر البدن الضرر المادي فإن به إفناء كثير من المال ولو أن الإنسان أحصى ما يتلفه في هذا السبيل لرأى أنه يتلف شيئاً كثيراً فيكون صرف المال فيه من باب إضاعة المال وقد قال الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فنهى عن إيتاء السفهاء وهم الذي لا يحسنون التصرف بأموالهم أن يؤتوا المال، وبين أن المال قيام أي تقوم به مصالح الدين والدنيا وإنما نهى عن إتيان السفهاء أموالهم، قال الله عنها (أَمْوَالَكُمْ) لأجل أن يكون الإنسان حريصاً على مال اليتيم كما يحرص على ماله وإلا فمن المعلوم أن المال لليتيم ومع ذلك نهى عن إتيان السفهاء ذلك لأن السفهاء لا يحسنون التصرف فيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، ولأن شارب الدخان تثقل عليه العبادات ولا سيما الصوم لأنها تحجزه عن شربه وإنه بهذه المناسبة مناسبة استقبال شهر رمضان عام عشرة وأربعمائة وألف أحب أن أوجه نصيحة قصيرة إلى الذين ابتلوا بشربه وأقول إن هذا الشهر المبارك شهر رمضان ميدان فسيح للتسابق إلى تركه أولاً لأنه شهر ينبغي أن تكثر فيه الأعمال الصالحة وثانياً أن الصائم لن يتناول هذا الدخان في النهار فإذا صبر عن شربه طول النهار فليتصبر أيضاً في الليل حتى يطلع الفجر فإذا دام على ذلك لمدة شهر كامل فإن ما في دمه من النيكوتين سوف يتحلل ويزول ويسهل عليه جداً أن يتركه فنصيحتي للإخوان الذين ابتلوا به أن يستعينوا الله عز وجل في هذا الشهر شهر رمضان على تركه ومن استعان الله بصدق وإخلاص أعانه الله عز وجل وخلاصة القول أن شرب الدخان محرم لأنه ضرر على البدن وضرر على المال وضرر على النفس وإذا كان الشيء محرماً كان الاتجار به محرماً وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه) فلا يحل الاتجار به وعلى من ابتلي بذلك أن يقلع عن هذا لأن الاتجار به حرام والكسب الحاصل به حرام.
***(16/2)
توجد بقالة لبيع المواد الغذائية والحلويات وأنا أعلم علم اليقين بأن هذه البقالة من مصدر حرام فهل يجوز أن نشتري من هذه البقالة وهل يصح أن أنصح عامة الناس بعدم الشراء من ذلك الدكان وما الحكم إذا كان لابد من الشراء من تلك البقالة جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليك أن تشتري من هذه البقالة وإن كان صاحبها قد أنشأها من مصدر حرام وذلك لأن المعاملة التي تجري بينك وبينه معاملة مباحة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من يهودي طعاماً لأهله ورهنه درعه ومات صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي كما أنه صلى الله عليه وسلم قبل هدية اليهود وقبل دعوتهم حين دعاه يهودي إلى خبز من شعير وإهالة سنخة لكن إن وجد بقالة أخرى ليس في مصدرها شبهة فهي أولى.
***(16/2)
يقول السائل إذا اشترى شخص سلعة بالتقسيط وتبين له أن الطريقة التي اشتريت بها السلعة طريقة غير جائزة أو محرمة فكيف يتصرف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أمكن أن يرد البيعة ردها وإذا لم يمكن فعليه أن يستغفر الله عز وجل ولا يعود ثم إن كان هو الذي أخذ الزيادة فليرد الزيادة على صاحبها مع الجهل وإن كان مع العلم فليتصدق بالزيادة تخلصاً منها.
***(16/2)
السائل من الدمام يقول فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الغش في البيع والشراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغش في البيع والشراء وجميع المعاملات محرم بل من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من غش فليس منا) والغش ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإذا كان الإنسان لا يحب أن يقوم بغشه أحد فكيف يرضى لنفسه أن يغش الناس وعلى هذا فالواجب على من ابتلي بهذه المصيبة أن يتقي الله عز وجل وان يكون صريحاً واضحاً في معاملاته وفي أخلاقه حتى يعرفه الناس ويعاملوه على بصيرة.
***(16/2)
مستمع للبرنامج من الامارات يقول والدي عنده مكائن وقرر هو وشركاؤه بيعها وإحدى هذه المكائن فيها عيب فهل علي إثم أن أبيعها دون إخبار المشتري بالعيب خوفاً من غضب والدي أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأحد أن يبيع سلعة معيبة إلا مبيناً عيبها (لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صاحب طعام فأدخل يده في الطعام فإذا في أسفله بلل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال أصابته السماء يا رسول الله فقال هلا جعلته فوق ليراه الناس) أو كلمة نحوها ثم قال (من غش فليس منا) وكاتم العيب كالمدلس بل أشد وعلى هذا فلا يحل لك أن تبيع هذه الماكينة التي فيها العيب إلا مبيناً عيبها حتى لو أمرك أبوك أن تبيعها بدون بيان فإنه لا يحل لك أن تطيعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعليك أن تنصحه وتبين له أن هذا حرام وأن الكسب من ورائه حرام وتقول له سأبين عيبها والرزق الذي يريده الله لك سوف يأتيك فإن أصر على بيان العيب فقل له لا أستطيع أن أبيعها لأن ذلك حرام عليّ وحرام عليك أيضاً وأنا مأمور ببرك ومن برك أن أمنعك من هذا الظلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا يا رسول الله هذا المظلوم فكيف نصر الظالم قال تمنعه من الظلم فذلك نصره)
***(16/2)
المستمع طه من مكة المكرمة فضيلة الشيخ يأتيني بعض البضائع فأخلط القديم مع الجديد علماً بأن هذا القديم ليس فيه شيء فاسد ولا خربان هل هناك شيء في هذا وهل لا بد أن أبين للمشتري فأقول هذا جديد وهذا قديم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هناك أشياء تتغير بالقدم وإن كانت لا تفسد فساداً بيّناً فهذه لا يجوز أن يخلط بها الجديد وتباع على أنها جديدة بل يجب أن يميز كل شيء على حدة لأن هذا من تمام البيان والنصح وهناك أشياء لا تتغير بتقدم الزمن فلا حرج أن تخلط هذه مع هذه، مثل لو كان عند الإنسان مواد حديدية لا تتغير بتغير الزمن ولم تتغير الصنعة فيها فخلط بعضها ببعض فلا حرج لأن الحكم لا يتغير والثمن لا يتغير والرغبات فيها لا تتغير فخلط بعضها ببعض ليس بغش ولا خديعة وليعلم أن المتبايعين إذا صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما فليجعل من له معاملة مع الناس هذا الحديث أمام عينيه دائماً وليجعل أمام عينيه أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وليجعل أمام عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) وليجعل أمام عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) وإذا بنى الإنسان معاملته على هذه الأسس العظيمة القيمة النيِّرة فليبشر بالخير وليعلم أنه ولو كسب قليلاً فإن الله سيجعل في هذا الكسب بركة وأنه لو حاد عنها وكسب كثيراً فلا خير في هذا الكثير تنزع منه البركة فلا يستفيد منه صاحبه شيئاً ويكون وإن كثر ماله كالمعدم وربما تسلط على ماله آفات تستنفذه وربما يصاب هو أو عائلته بأمراض تستنفذ ما كسب فليحذر الإنسان أن يعامل الناس بما لا يحب أن يعاملوه به والله ولي التوفيق.
***(16/2)
المستمع حامد شاكر من حريملاء يقول ما حكم بيع عسل النحل المغذى بالسكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس ببيع عسل النحل المغذى بالسكر لكن إن كان يختلف في الجودة عن عسل النحل الذي لا يتغذى بالسكر فإنه يجب عليه أن يبين للمشتري بأن هذا العسل من نحل يتغذى بالسكر لئلا يقع في الغش الذي تبرأ النبي عليه الصلاة والسلام من فاعله حيث قال (من غش فليس منا) ولئلا تفوته البركة في بيعه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) فعلى المرء أن يتعامل مع الناس بالصدق والبيان وأن يتعامل مع الناس بما يحب أن يعاملوه به فإن هذا هو حقيقة الإيمان لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) .
***(16/2)
حد الربح وحكم التسعير والاحتكار(16/2)
هل للربح حد معين في البيع والشراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للربح حد معين في البيع والشراء ما دام السوق كله قد ارتفع السعر فيه والإنسان قد يشتري السلعة بمائة مثلا ثم يرتفع السعر طفرة واحدة إلى مائتين فيبيع مائتين فهنا ربح مائة في المائة وأما إذا كان يزيد في الربح والسوق راكد لكنه هو أراد أن يُضر بالناس أو كان يزيد السعر لكون المشتري غريراً لا يعرف الأسعار فهذا حرام عليه ولا يحل له أن يبيع بأكثر مما يبيع به الناس قد يقول بعض الباعة أنا لو أذكر السعر المحدد لقام المشتري يماكسني لأنزل من السعر فنقول لا بأس حينئذٍ أن تزيد في السعر إذا كنت تظن إنه سيماكسك لكن إذا لم يماكسك فلا بد أن تقول له السعر الذي كان في السوق فمثلا إذا جاءك الرجل يشتري سلعة قيمتها مائة فقلت بمائة وعشرين ظنا منك أنه سوف يماكسك حتى تنزل إلى المائة لكن الرجل لم يماكسك وقبلها بمائة وعشرين ففي هذه الحال يجب عليك أن تقول له اصبر أنا قلت لك بمائة وعشرين لأنني ظننت أنك مثل كثير من الناس الذين يماكسون حتى ينزلوا السعر وما دمت لم تماكس فإن القيمة الحقيقية مائة فحينئذٍ لا بأس ويكون هذا دليل على صدق معاملته مع الناس وبيانه للواقع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) .
***(16/2)
أحمد صالح اليماني مقيم بحفر الباطن يقول في بلدنا عادة وهي إذا أراد أحد الناس أن يبيع نوعاً من بهيمة الأنعام الإناث ذات اللبن وهي أنهم يحبسون اللبن في ضرع هذه البهيمة لمدة يومين أو ثلاثة قبل الذهاب بها إلى السوق لبيعها حتى ينخدع المشتري لمنظرها ذلك فيشتريها بثمن زائد فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز أعني كون الإنسان إذا أراد أن يبيع بهيمة ذات لبن منع حلبها لمدة يومين أو ثلاثة حتى يمتلئ ضرعها فينخدع المشتري بذلك هذا عمل محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه في قوله (لا تصر الإبل والغنم) والتصرية حبس اللبن في ضرع البهيمة حتى يظن أنها ذات لبن كثير فهذا وقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أيضاً من الغش لأن هذا خداع لأخيك المسلم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من غش فليس منا) وهو أيضاً مناف لكمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ومن المعلوم أنك لا تحب لنفسك أن يخدعك أحد بمثل هذه الخديعة فإذا كنت لا تحب ذلك لنفسك فكيف تحبه لأخيك المؤمن إذاً تكون قد أحببت لأخيك ما لا تحب لنفسك فانتفى عنك كمال الإيمان ففي هذه العملية ثلاث مفاسد وقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام ووقوع فيما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منه ونقص في الإيمان فعلى المؤمن المتقي لربه أن يكون بيعه وشراؤه صريحاً واضحاً حتى يبارك له فيه لقول النبي عليه الصلاة والسلام (البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما) ثم إن المشتري الذي اشترى هذه البهيمة المصراة له الخيار بعد أن يحلبها ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر.
***(16/2)
هل هناك حدٌ شرعي يحدد الأرباح التجارية فيضعها في الثلث أو غيره فإنني سمعت أن من الناس من يحددها بالثلث ويستدل على ذلك بأن عملية البيع تكون مبنية على التراضي واختاروا الثلث ليرضي الجميع نرجو التوضيح والتفصيل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الربح الذي يكتسبه البائع ليس محدداً شرعاً لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في إجماع أهل العلم ولا علمنا أن أحداً حدده غاية ما في ذلك أن بعضاً من أهل العلم لما ذكروا خيار الغبن قالوا إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليلٌ أيضا فعلى كل حال فإننا نقول إنه لا حد للربح لعموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وعموم قوله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيراً اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار غريراً بالقِيَم والأثمان فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق كما يفعله بعض الناس الذي لا يخافون الله ولا يرحمون الخلق إذا اشترى منهم الصغير والمرأة والجاهل بالأسعار باعوا عليه بأثمان باهظة وإذا اشترى منهم من يعرف الأسعار وهو عالمٌ يعرف كيف يشتري باعوا عليه بثمن أقل بكثير إذن نقول في الجواب إن الربح غير محدد شرعاً فيجوز للبائع أن يربح ما شاء لعموم الآيتين الكريمتين (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ولأن الزيادة والنقص خاضعان للعرض والطلب فقد يكون الطلب شديداً على هذه السلعة فترتفع قيمتها وقد يكون ضعيفاً فتنخفض ومن المعلوم أنه قد يشتري الإنسان الشيء بمائة ثم تزيد الأسعار فجأة فيبيعها في اليوم الثاني أو بعد مدةٍ طويلة بمائتين أو بثلاثمائة أو أكثر نعم من احتكر شيئاً معيناً من المال وصار لا يبيعه إلا بما يشتهي فإن لولي الأمر أن يتدخل في أمره وأن يجبره على بيعه بما لا يضره ولا يضر الناس سواءٌ كان هذا المحتكر واحداً من الناس أو جماعةً لا يتعامل بهذا الشيء إلا هم فيحتكرونه فإن الواجب على ولي الأمر في مثل هذه الحال أن يجبرهم على البيع بربحٍ لا يضرهم ولا يضر غيرهم أما إذا كنت المسألة مطلقة والشيء موجودٌ في كل مكان لا يحتكره أحد فإنه لا بأس أن يأخذ ما شاء من الربح إلا إذا كان يربح على إنسانٍ جاهل غرير لا يعرف فهذا حرامٌ عليه أن يربح عليه أكثر مما يربح الناس في هذه السلعة.
***(16/2)
عبد الصمد عبد الله يقول ما هو المقدار الجائز شرعاً في الربح عندما يتاجر شخص بنوع من السلع هل هو نصف رأس المال أو الربع أو الثلث أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الربح في البيع والشراء ليس له تقديرٌ شرعاً فقد يربح الإنسان أكثر من رأس المال مرات عديدة حسب نشاط السوق وارتفاع الأسعار فكم من أناس اشتروا الشيء بثمن ثم باعوه بأضعافه وقد يربحون دون ذلك وقد لا يربحون شيئاً وقد يخسرون، الأمر في هذا راجع إلى قوة العرض والطلب والأسعار بيد الله عز وجل فهو المسعر القابض الباسط الرازق لكن المحظور هو أن يرفع الإنسان السعر عما جرى فيه العرف أو عما كانت عليه السلعة في السوق ويخدع بها الجاهل كما لو كان الناس يبيعون هذه السلعة بعشرة فباعها بخمسة عشر أو أكثر على إنسانٍ جاهل فإن هذا لا يجوز لما فيه من الخديعة والغش وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من غش فليس منا) وإذا كان الإنسان لا يرضى أن أحداً يعامله بهذه المعاملة فكيف يرضى أن يعامل غيره بها أما لو كان السوق قد ارتفع مثل أن يشتري هذه السلعة بعشرة ثم تزداد السلعة حتى تصل إلى ثلاثين أو أربعين فلا حرج أن يبيع بهذا السعر لأنه سعر الناس وأما (حديث عروة بن الجعد بن البارقي رضي الله عنه فقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً يشتري به أضحية فاشترى شاتين بالدينار ثم باع إحداهما بدينار ثم أتى بأضحيةٍ ودينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في بيعه فكان لو اشترى تراباً لربح فيه) وهذا لا يدل على ما ذكره السائل لأنه من الجائز أن يكون من باع الشاتين للبارقي بدينارٍ واحد عرف أن هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل من السعر وأيضا قد يكون عجلاً يريد أن يذهب إلى أهله فباعها برخص وقد يكون السعر زاد في هذه الساعة التي وقع فيها الشراء ثم البيع بعد ذلك على كل حال فيه احتمالات ولكن القاعدة الأصيلة أنه لا يجوز للإنسان أن يغلب غيره غلبةً لا يقتضيها ارتفاع السعر هذا هو الظاهر.(16/2)
ما الحكم في تاجر يبيع الأشياء بأسعار مختلفة للناس ولو كانت السلعة هي نفسها فيبيعها لواحد مثلا بعشرة ريالات وللآخر بعشرين ولثالث بخمسة وهل مثل هذا يجوز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الاختلاف بسبب اختلاف السوق وأن هذه السلعة تزداد يوما وتنقص يوما فهذا لا بأس به أن يبيع بسعر السوق وليس في ذلك محظور وأما إذا كان هذا الخلاف فيما يبيع به إنما هو من أجل شطارة المشتري وكونه جيداً في المماكسة أو غير جيد فإذا رأى أنه غير جيد غلبه وإذا رأى أنه جيد نزل له فإن هذا لا يجوز لأنه من الغش وخلاف النصيحة وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث تميم الداري أنه قال (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وكما أنه لا يرضى أن يفعل به أحد مثل ذلك فكيف يرضى لنفسه أن يفعله في إخوانه المسلمين فالواجب أن يكون بحسب ما تقتضيه الأسعار في المكان الذي هو فيه وألا يجعل لهذا سعراً ولهذا سعراً بسبب غباوة المشتري أما كونه يحابي بعض أصحابه وبعض أصدقائه في التنزيل من الثمن فهذا لا بأس به ولا حرج عليه أو كونه يبيع السلعة بما تساوي في الأسواق ثم يأتي رجل يلح عليه في المماكسة والتنزيل حتى ينزل له فإن هذا لا يضره لأنه ما خرج عن السعر المعتاد.
***(16/2)
ما حكم الشرع في رجلٍ يبيع بضاعته وهو زاهد فيها لدرجة أنه إذا قدمت له أي مبلغٍ قليل يرضى به ولا يبالي بذلك وذلك ليس من باب المساعدة فإنه يريد أن يتخلص من بضاعته تلك بأي طريقة وما الحكم الشرعي في كلٍ من البائع والمشتري هل عليهما إثمٌ في ذلك أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا شيء في الشرع لأن للإنسان أن يبيع سلعته بثمنها أو بقيمتها المعتادة وله أن يبيعها بأقل وله أن يبيعها بأكثر إذا رضي المشتري بذلك إلا إذا كان هذا البائع سفيهاً لا يحسن التصرف فإنه لا يجوز الشراء منه لأن تصرف السفيه غير صحيح حتى يأذن بذلك وليه الذي جُعل عليه من قبل الشرع أو من قبل الحاكم الشرعي.
***(16/2)
حسن عبد الله من السودان يقول بأنه اشترى دراجة في أحد الأعوام بمبلغ مائة وثلاثين جنيهاً وفي هذه الأيام وبعد انقضاء سبع سنوات من استعمالها حيث تقل قيمتها كلما صارت قديمة إذا أردت بيعها إلا أن شخصاً رفع قيمة هذه الدراجة بمبلغ ألف ومائتا جنيهٍ بزيادة ألف وسبعين فما الحكم في هذه الزيادة الكبيرة حيث إن الحديث يقول (الملح بالملح والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلاً بمثل وما زاد فهو ربا) أفيدونا بارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الزيادة لا بأس بها إذا كان ذلك من أجل ارتفاع قيمة هذه الدراجات، لأن هناك فرق بين قيمة الأشياء منذ سبع سنوات وقيمتها اليوم أما إذا كانت هذه الزيادة من أجل أن المشتري جاهل بالثمن وأنك خدعته وبعتها عليه بهذا المبلغ مع أنها لا تساويه فإن هذا حرام عليك لأنه لا يجوز التغرير بأحد من المسلمين لقول النبي عليه الصلاة السلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وكثيراً ما ترتفع الأسعار في أقل من هذه المدة أحياناً يشتري الإنسان الشيء بمائة وفي خلال سنة واحدة يرتفع إلى ألف أو أكثر فلا حرج عليك إذا بعتها بالزيادة وأما قولك إن هذا قد يكون ربا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء) فهذا لا يدخل في هذا الحديث الذي ذكرت لأن هذا الحديث المراد منه إذا بيع كل واحد من هذه الأشياء بجنسه مثل أن أبيع ذهباً بذهب فلا بد فيه من التساوي والتقابض في مجلس العقد أو أبيع فضة بفضة فلا بد من التساوي والتقابض في مجلس العقد أو تمراً بتمر فلا بد من التساوي والتقابض في مجلس العقد أما إذا بيع جنس بآخر كأن أبيع تمراً ببر فلا بأس بالزيادة لكن بشرط أن يكون ذلك يداً بيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يد بيد) .
***(16/2)
يقول في بعض السلع التجارية نكسب أكثر من النصف ولو لم نعمل هكذا لما ربحنا ولما غطينا الصرفيات هل في ذلك حرج يا فضيلة الشيخ
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الربح هو سعر البلد والتجار فيه مشتركون فإن هذا لا بأس به لأنه قد يكون الربح في هذا البلد كثيراً لوجود نفقات كثيرة عند ترحيل السلعة من البلد الأول إلى الثاني أو من أجل المخازن أو لأي سببٍ آخر أما إذا كان هذا من باب التضرر بالناس وعدم الرحمة فإن هذا لا يجوز ولهذا لو اجتمع التجار على أن يرفعوا سعر سلعةٍ معينة لا توجد إلا عندهم فإن هذا حرامٌ عليهم لا يجوز مثلاً لو اجتمع تجار الخضرة الذين يبيعوا الخضرة على ألا يبيعوا الكيلو إلا بكذا وكذا مما هو أزيد من قيمته ولم يوجد أحدٌ يتعاطى بيع هذه الخضراوات فإنه لا يحل لهم ذلك ولولي الأمر أن يتدخل وأن يقرر سعراً معيناً يحصل به الربح للبائع دون ضررٍ على المشترين المستهلكين.
***(16/2)
هل للتجارة حد في الربح وما حكم التسعيرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الربح ليس له حد فإنه من رزق الله عز وجل والله تعالى قد يسوق الرزق الكثير للإنسان فأحياناً يربح الإنسان في العشرة مائة أو أكثر فقد يكون اشترى الشيء بزمن رخص ثم ترتفع الأسعار فيربح كثيراً كما أن الأمر قد يكون بالعكس فقد يشتريها في زمن الغلاء وترخص رخصاً كثيراً فلا حد للربح الذي يجوز للإنسان أن يربحه نعم لو كان هذا الإنسان هو الذي يختص بإيراد هذه السلع وتسويقها وربح على الناس كثيراً فإنه لا يحل له ذلك لأن هذا يشبه بيع المضطر يعني البيع على المضطر لأن الناس إذا تعلقت حاجتهم بهذا الشيء ولم يكن موجوداً إلا عند شخص معيَّنٍ فإنه في حاجة للشراء منه وسوف يشترون منه ولو زادت عليهم الأثمان ومثل هذا يجوز التسعير عليه وأن تتدخل الحكومة أو ولاة الأمر فيضربون له ربحاً مناسباً لا يضره نقصه ويمنعونه من الربح الزائد الذي يضر غيره ومن هنا نعرف أن التسعير ينقسم إلى قسمين قسم يلجأ إليه ولاة الأمور لظلم الناس واحتكارهم وهذا لا بأس به لأنه من السياسة الحسنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحتكر ألا خاطئ) والخاطئ من ارتكب الخطأ العمد وإذا كان خاطئاً فإنه يجب أن يصحح مساره عن طريق ولاة الأمر فإذا احتكر الإنسان هذه السلعة ولم تكن عند غيره والناس في حاجة إليها فإن على ولاة الأمور أن يتدخلوا في هذا وأن يضربوا له الربح الذي لا يتضرر به البائع وينتفع به المشتري أما إذا كان رفع الأسعار ليس صادراً عن ظلم بل هو من الله عز وجل إما لقلة الشيء أو لسبب من الأسباب التي تؤثر في الاقتصاد العام فإن هذا لا يحل التسعير فيه لأن هذا ليس إزالة ظلم من هذا الشخص الذي رفع السعر فإن الأمور بيد الله عز وجل ولهذا (لما غلى السعر في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإن لأرجو أن ألقى الله عز وجل وما أحد منكم أن يطلبني بمظلمة في دم ولا مال) فأمتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر لهم لأن هذا الغلاء ليس من فعلهم وصنيعهم وبهذا نعرف أن التسعير على قسمين إن كان سببه إزالة الظلم فلا بأس به وإن كان ظلماً هو بنفسه بحيث يكون الغلاء ليس من ظلم الإنسان فإن التسعير حينئذ يكون ظلماً ولا يجوز.
***(16/2)
حامد أحمد قدسي بالسودان يقول الحكومة تعطي سلع التموين إلى التجار بأسعار مخفضة ليبيعوها للشعب بعد إضافة الربح المعقول فإذا كان هذا التاجر أخفى بعض هذه السلع لبيعها بالسوق الأسود، وقال للشعب نفذت، فهل هذا الربح الأكثر من المسموح له حلال أم حرام، علماً بأن أحد التجار استفتى عالماً فأفتى له بصحة ذلك، فنرجو الإفادة وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرجل إذا استفتى عالماً يثق بقوله ويعتقد أن ما قاله هو الحق فإنه لا يجوز له أن يسأل عالماً آخر، وإذا كان السؤال من غيره وسمع أنه سئل فأجاب فلا بأس أن يسأل كما أسلفنا، وأرجو أن يكون الأخ هذا من هذا القبيل أي أنه سمع أن عالماً سئل فأجاب، ونحن لا نوافق هذا العالم الذي أجاب بالصحة والحل ذلك لأن الحكومة قد خفضت السعر مراعاة للمواطنين، فما دامت قد خفضت السعر فمعنى ذلك أن هذه السلعة تساوي أكثر لولا تخفيض الحكومة، وإذا كان كذلك فإن الواجب عليه أن يكون نصيبه من الربح بالمقدار الذي قررته الحكومة، لأنها أي الحكومة حينما خفضت قيمة السلعة كأنها تقول بعتك هذه السلعة بكذا بشرط أن تبيعها بكذا، فإذا بعتها بأكثر فقد نقضت الشرط الذي بينك وبين الحكومة، وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقال تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) ثم إن هذا مع مخالفته لهذه الآيات هو في الحقيقة طمع ينافي كمال الإيمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعض وشبك بين أصابعه) ، ويقول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهذا الجشع والطمع، فالحكومة تريد نفع الناس وهو يريد الإضرار بهم وهذه أنانية مذمومة مخالفة لكمال الإيمان فنرى أنه لا يجوز للمرء الذي أخذ من السلع المدعومة من قبل الدولة أن يزيد في الربح عما قررته الدولة، لأن هذا بيع بشرط، ولأن هذا ينافي كمال الإيمان الذي يكون مقتضياً لأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.
***(16/2)
هذا السائل من تشاد يوسف شرف الدين يقول لي سؤال يدور حول الاحتكار وهو أني عملت في مال أبي كنا مشتركين في الربح واحتكرنا الطعام إلى أن ارتفع السعر ومعنى ذلك دفعت رأس المال إلى والدي وقسمنا الربح في ما بيننا ولقد أشكل علي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الاحتكار الحديث (لا يحتكر إلا خاطئ) وظننت أن المال الذي وقع لي في قسمتي هو حرام وسألت بعض الإخوة فقالوا بأن الاحتكار المحرم هو ما أضر بالناس وأما ما ليس به ضرر بالناس فهو ليس بحرام نرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح لنا هذه المسألة جزاه الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاحتكار فيما يحتاج الناس إليه محرم لأن ذلك مضر بهم وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يحتكر إلا خاطئ) والخاطئ هو مرتكب الذنب عمداً ولكن الاحتكار أنما يكون فيما لا يوجد عند غير هذا المحتكر وأما ما كان يوجد عنده وعند غيره وأراد أن يبقي السلعة عنده حتى يأتي موسمها فإن هذا لا بأس به ولا يعد هذا احتكاراً فلو أن شخصاً اشترى أرزا مثلا وقال أدخره إلى وقت موسمه والناس عندهم الأرز يبيعون كما يشاؤون فإن هذا لا يعتبر محتكراً أما إذا كان لا يوجد إلا عنده وحبسه حتى يأتي وقت الغلاء فإنه يكون محتكراً. قال أهل العلم ويلزم ولي الأمر أن يجبر المحتكر على أن يبيع ما احتكره كما يبيع الناس في الوقت الذي يحتاجون إليه لأن هذا من المصالح العامة.
***(16/2)
أحكام بعض أنواع البيوع - بيع المصحف وشراؤه(16/2)
فضيلة الشيخ أسأل عن حكم بيع المصاحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع المصاحف لا بأس به وهو مما تدعو الحاجة إليه أو الضرورة أحياناً ويظهر لك ذلك فيما لو كان الإنسان محتاجاً إلى مصحف وليس عنده مصحف لكن عنده دراهم يمكن أن يشتري بها فكيف يتوصل إلى اقتناء هذا المصحف إلا بالشراء وعلى هذا فبيع المصحف وشراؤه حلال ولا بأس به لدعاء الحاجة إليه وأما من منع ذلك فيحمل على ما إذا كان سبباً لابتذاله وامتهانه فيمنع لهذا السبب.
***(16/2)
مستمعة من المدينة المنورة تقول فضيلة الشيخ هل شراء المصحف ومن ثم بيعه محرم حيث يقول الله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) الآية أرجو بهذا إفادة مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع المصحف وشراؤه لا بأس به ولا حرج فيه وما زال المسلمون يتبايعون المصاحف من غير نكير ولا يمكن انتشار المصحف بين أيدي الناس إلا بتجويز بيعه وشرائه أو إيجاب إعارته لمن يستغني عنه كما ذكره بعض أهل العلم وأما الآية الكريمة التي ذكرها السائل فإن المراد بذلك من يكتبون الكتاب بأيديهم ويحرفونه بالزيادة والنقص ليشتروا به ثمنا قليلا فهنا يحق عليهم الوعيد لأنهم حرفوا كلام الله من أجل أن يتوصلوا إلى ما يريدون من أغراض الدنيا سواء كانت أموالاً أو جاها أو غير ذلك.
***
بيع التماثيل(16/2)
ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت للزينة وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها سواء كان حيوانا أوخيولاً أو أسوداً أو جمالاً أو غير ذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه فعلى من عنده شي من ذلك أن يتلفه أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان وهذا من تزيين الشيطان لهم وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه وأنه لا ينبغي لعاقل فضلاً عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثماً نسأل الله لنا ولهم الهداية وأما بيعها وشراؤها فحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) فلا يجوز استيرادها ولا توريدها ولا بيعها ولاشراؤها ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان والله عز وجل يقول لعباده (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وكذلك أيضاً يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها لأن تعليق الصور رفع من شأنها فيدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافاً بين أهل العلم هل يحرم أو لا وجمهور أهل العلم على حله فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشاً ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس.
***(16/2)
عبد الرحمن السيف يقول يوجد مناظر للزينة وفيها صور محنطة وعليها زجاج هذه المناظر فهل يصح أن تعلق للزينة في المجالس وغيرها أم لا أفتونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذه فيما نرى لا يجوز بذل الدراهم فيها بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يشتري مثل هذه الصور المحنطة لأنها ليست مقصودة قصداً شرعياً إذ ليس فيها فائدة لا في الدين ولا في الدنيا وإنما هي مناظر لا تفيد شيئاً فلا يجوز للإنسان أن يبذل الدراهم في شراء مثل هذه الصور المحنطة أما إذا اشتريت هذه الصور المحنطة للعلم والإطلاع على مخلوقات الله والتبصر بما فيها فهذه منفعة لا بأس الإنسان أن يشتريها لهذا الغرض كالذي يوجد في بعض أمكنة المعامل في المدارس هذه لا بأس بها ولا حرج من شرائها.
***
بيع الأعضاء(16/2)
طالبة بالمملكة من سريلانكا تقول في زماننا هذا كثر التبرع بالعين وربما بيعها ممن قد يئسوا من الحياة فأرجو إجابتكم على الحكم في الحالتين في التبرع والبيع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كما ذكرت السائلة حدثت أخيراً في الأزمان المتأخرة واختلف أهل العلم فيها فمنهم من أجاز للإنسان أن يتبرع بأحد أعضائه التي يبقى له منها شيء ثم اختلف هؤلاء هل يجوز أن يتبرع فقط أو له أن يبيع ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقاً وقال لا يجوز لأحد أن يتبرع أو أن يبيع شيئاً من أعضائه حتى وإن كان قد أيس من حياته وذلك لأن بدنه أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه فالإنسان مملوك وليس مالكاً وإذا لم يكن مالكاً لشيء من أعضائه وإنما هي أمانة عنده فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع ولا غيره وتبرعه بعضو في بدنه من جنسه قد يقوم البدن بدون ذلك العضو الذي تبرع به ولكن من المؤكد أن الله تعالى لم يخلق هذين العضوين إلا لفائدة عظيمة وذلك بأن يتساعدا على المصلحة التي أوكلت إليهما ثم إنه إذا تبرع بأحد هذين العضوين لم يبق له إلا عضو واحد وفي هذه الحال ربما يتعطل ذلك العضو فيكون هذا المتبرع فاقداً للمنفعة كلها ثم إنه إذا تبرع به لغيره فإن تحقق المفسدة فيه قد حصلت حيث فقد ذلك العضو وحصول المصلحة للمتبرع له به أمر محتمل لأن العملية قد لا تنجح فمثلاً لو أن أحداً تبرع بكليته لشخص فإنها إذا نزعت منه فقدها وهذه مفسدة ثم إذا زرعت في المتبرع له فإنها قد تنجح وقد لا تنجح فنكون هنا قد ارتكبنا مفسدة لمصلحة غير متيقنة والذي يترجح عندي أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بشيء من أعضاء بدنه وإذا لم يجز التبرع فالبيع من باب أولى وأما التبرع بالدم فإن التبرع بالدم للمحتاج إليه لا بأس به وذلك لأن الدم يخلفه غيره فإذا كان يخلفه غيره صار النقص الذي يحصل على البدن مفقوداً ويكون هنا فيه مصلحة إما متيقنة أو محتملة لكن بدون وجود مفسدة ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمنعه فالتبرع بالدم لمن احتاج إليه جائز بشرط أن يقرر الطبيب أنه لا ضرر على هذا المتبرع إذا تبرع بدمه.(16/2)
فضيلة الشيخ: هذا حكم البيع فما حكم الشراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حرم البيع في شيء فإنه يحرم الشراء.(16/2)
فضيلة الشيخ: لو أردت أن أشتري من غير المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق في هذا بين المسلم وغيره.(16/2)
فضيلة الشيخ: إذا كنت مضطراً لهذا العمل ربما أنقذ به حياة شخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ربما تنقذ به حياة شخص لكنك لا تتيقن أن تنقذ به حياة شخص ولهذا لو كانت المسألة من باب الأكل للمضطر من الميتة التي لها حرمة لا من باب زرع العضو في البدن الذي قد ينفر منه البدن ولا يقبله لو كانت المسألة أكلاً للميته التي لها حرمة لكان يجوز لك أن تأكل ما له حرمة ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو اضطر الإنسان إلى الأكل وليس عنده إلا ميت من بني آدم هل يجوز له أن يأكل منه أو لا يجوز فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأكل الحي شيئاً من الميت ولو أدى إلى موت الحي لاحترام الميت كاحترام الحي وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أكل الحي من هذا الميت لدفع ضرورته قال لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت وهذا قول قوي بلا شك ولكن الأكل تندفع به الضرورة يقيناً ولهذا لما حرم الله الميتة أباح للمضطر أن يأكل منها لأن ضرورته تندفع بذلك يقيناً بخلاف الدواء والعلاج ومن ثمّ قال أهل العلم إنه لا يجوز التداوي بالمحرم ويجوز للإنسان أن يأكل المحرم لدفع جوعه ففرق بين شيء تحصل به المصلحة يقيناً وتندفع به المضرة وبين شيء لا يتيقن فيه ذلك فإنه لا يرتكب المحظور المتيقن لحصول شي غير متيقن.
***
بيع الوقف(16/2)
يقول في قريتنا مسجد قديم ومندثر وقد عمل بعض الناس عندنا على تخريبه فهدموا جزءا منه ثم توقفوا وقاموا ببيع بعض الأخشاب التي هدمت ونظراً لحاجتي إلى تلك الأخشاب فقد اشتريت بعضها وانتفعت بها في بناء بيت لي فهل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء في هذا ما دام المسجد قد هدم ليعاد بناؤه على وجه أكمل وأنفع وإن بيعه في مثل هذه الحال لا بأس به ولا بأس أن يشتري الإنسان منه ما يريد أما لو كان هدمه جناية للتخريب فقط فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه شيئاً لأن هذا الفعل غير مأذون فيه.
***(16/2)
ما حكم بيع الأراضي الموقوفة وما حكم المشتري في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأراضي الموقوفة إذا تعطلت مصارفها ومنافذها بحيث لا ينتفع بها فإنها تباع ويصرف ثمنها في شيء ينتفع به وأما إذا كانت مصالحها باقية فإنه لا يجوز بيعها وتبقى على وقفها ولكن مع ذلك فالصورة الأولى التي يجوز بيعها لابد من مراجعة الحاكم الشرعي في هذا الأمر حتى لا يحصل تلاعب بالأوقاف فيدعي كل إنسان ناظر على أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه ثم يبيعه لهوى في نفسه والحاصل أن بيع الأراضي الموقوفة إذا تعطلت منافعها جائز بل واجب حتى يمكن الانتفاع بالوقف وأما إذا لم تتعطل منافعها فإنها تبقى على ما هي عليه.
***(16/2)
إذا كان شخص حفر بئراً أو اشتراها ليجعلها في سبيل لله لمن أراد أن يشرب أو من أراد أن يأخذ من هذا الماء فما حكم الشرع في نظركم فيمن يأخذ الماء من هذه البئر ويبيعها على الناس الآخرين إما ليشربوا وإما ليسقوا به مزارعهم أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب فيما وقف أن يتصرف فيه الناس على حسب شرط الواقف فإذا كان هذا الواقف إنما وقفه لينتفع به الناس ويشربوا منه ما يحتاجون إليه فإنه لا يحل لأحد أن يأخذ من هذا الماء ليبيعه لا سيما إذا كان ماء البئر قليلاً بحيث إذا أخذه غوره على من بعده وأما إذا كان الواقف أراد بهذا البئر مطلق الانتفاع سواء انتفع الإنسان بشرب الماء من هذا البئر أو ببيعه فإن الأمر يكون واسعاً المهم أن الاشياء الموقوفة تستعمل على حسب شرط الواقفين.
***
بيع الشيء جزافاً(16/2)
إذا اشترى شخص طعاماً من محل بدون وزن وإنما جزافاً فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يشتري الطعام جزافاً ما دام يشاهده فلا حرج عليه.
***
بيع الحيوان بالكيلو(16/2)
أبو عبد الله من القصيم يقول يا فضيلة الشيخ أسأل عن بيع الذبيحة وهي حية بالكيلو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا شيئاً ولكن الذي يظهر لي أن ذلك لا يجوز لأن بيعها وهي حية فيه غرر قد يكون بطنها مملوءة من الطعام فتثقل بذلك وقد يكون ليس في بطنها شيء فتخف وقد تكون مريضة وربما يكون المرض سبباً في ثقلها والصحة نشاط وخفة على كل حال الذي يظهر لي المنع من ذلك لكن إذا ذبحت فإنه يبين ما فيها يشق بطنها ويزال ما فيه من بقايا الطعام ثم تباع بالكليو إذا نظفت.
***
جمعية اليانصيب(16/2)
في بلادنا جمعية اليانصيب الخيري يرصد ريعها للفقراء والمحتاجين وهي عبارة عن أرقام مختلفة تصدر بكمية كبيرة من الأوراق ذات الأرقام وإذا جاء موعد السحب على هذه الأوراق فمنها ما يربح ومنها ما يخسر فما حكم الإسلام في هذه الأوراق الرابحة حيث يقوم الشخص بشرائها بقيمة رمزية وقد تربح مبلغاً كبيراً جداً وقد تخسر وهل يجوز التصدق من هذه المبالغ التي كسبها على الفقراء والمعوزين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العملية عملية محرمة في الإسلام قرنها الله تعالى بالشرك وشرب الخمر لأنها من الميسر قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فلا يجوز للمرء أن يقامر سواء كان بهذه الطريقة أم بطريقة أخرى غيرها لأن القمار ميسر بلا شك ميسر محرم وهو كما سمع المستمع مقرون بالخمر والأنصاب والأزلام والصدقة من هذا الربح الخبيث غير مقبولة لأنها صدقة من كسب خبيث محرم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) ولكن من تاب إلى الله من هذا العمل وقد أخذ ربحاً بهذه الطريقة فإن عليه أن يتصدق بما أخذ أو أن يصرفه في مصالح عامة تخلصاً منه لا تقرباً به تخلصاً منه لأنه لا طريقة إلى الخلاص إلا بهذا وقد قال الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لا تقرباً به لأنه لو تقرب به لتصدق به على أنه ملكه لا على أنه مخرجه من ملكه وحينئذ لا تبرأ ذمته منه ولا يقبل منه لأنه كسب خبيث والله تعالى لا يقبل إلا طيباً وأنا أنصح إخواني المسلمين وأوصيهم بما أوصى به الله عباده بتقوى الله سبحانه وتعالى بترك هذه المعاملات المبنية على الغرر والقمار بأي لون كانت وبأي اسم سميت فإن الحقائق لا تتغير باختلاف الصور ولا بالأسماء المزخرفة وفيما أباح الله لنا من البيع والشراء والتأجير وغير ذلك من المعاملات فيه غنى عن هذه المعاملات المحرمة.(16/2)
فضيلة الشيخ: هل يجوز بناء مسجد من هذا أو إنشاء صدقة جارية من هذا الكسب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلت أنه إذا فعل ذلك تخلصاً منه فلا حرج عليه تبرأ به ذمته لكن ليس له أجر من هذا العمل إنما له أجر بالتخلص منه والتوبة منه أما نفس ما يجري من العمل وانتفاع المسلم به فإنه ليس له أجر به لأنه ليس من ماله أما إذا فعله على سبيل الصدقة لنفسه والتقرب به إلى الله فإن ذلك لا ينفعه ولا يقربه إلى الله عز وجل ولا يتخلص به ولا تبرأ به ذمته وأما باعتبار انتفاع المسلمين به فسينتفعون به لكن صاحبه لا ينتفع به.
***(16/2)
ما حكم الاشتراك في اليانصيب وذلك بأن يشتري الشخص تذكرة ثم إذا حالفه الحظ حصل على مبلغ كبير علماً بأنه يريد أن يقيم بهذا المبلغ مشاريع إسلامية ويساعد بذلك المجاهدين حتى يستفيدوا من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصورة التي ذكرها السائل أن يشتري تذكرة ثم قد يحالفه الحظ كما يقول فيربح ربحاً كبيراً هذه داخلة في الميسر الذي قال الله تعالى فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فهذا الميسر وهو كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم لا يدري فيها العامل هل يكون غانماً أو يكون غارماً كله محرم بل هو من كبائر الذنوب ولا يخفى على الإنسان قبحه إذا رأى الله تعالى قرنه بعبادة الأصنام وبالخمر والأزلام وما يتوقع فيه من منافع فإنه مغمور بجانب المضار قال الله تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وتأمل هذه الآية حيث ذكر المنافع بصيغة الجمع وذكر الاسم بصيغة المفرد فلم يقل فيهما آثام كبيرة ومنافع للناس بل قال (إِثْمٌ كَبِيرٌ) إشارة إلى أن المنافع مهما كثرت ومهما تعددت فإنها منغمرة في جانب هذا الإثم الكبير والإثم الكبير راجح بها فإثمهما أكبر من نفعهما مهما كان فيهما من النفع الحاصل بهذه المنافع إذا لا يجوز للإنسان أن يتعامل باليانصيب وإن كان غرضه أن ما يحصله سوف يضعه في منافع عامة كإصلاح الطرق وبناء المساجد وإعانة المجاهدين وما أشبه ذلك بل إنه إذا صرف هذه الأموال المحرمة التي اكتسبها بطريق محرم إذا صرفها في هذه الأشياء يريد التقرب بها إلى الله فإن الله لا يقبلها منه ويبقى عليه الإثم ويحرم من الأجر لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن صرفها في هذه المصالح والمنافع كبناء المساجد تخلصاً منها فهذا من السفه إذ كيف يكتسب الإنسان الخطيئة ثم يحاول التخلص منها والعقل كل العقل الذي يؤيده الشرع أن يدع الخطيئة أصلاً دون أن يتلطخ بها ثم يحاول أن يتخلص منها وعلى هذا فإنه لا يجوز للإنسان أن يكتسب هذا المال الحرام لأجل أن يقيم عليه أشياء يتقرب بها إلى الله ولا أن يكتسبه وهو أن ينوي إذا حصله تخلص منه بصرفه فيما ينفع العباد بل الواجب على المؤمن أن يدع المحرم رأساً ولا يتلبس به
***(16/2)
بيع العينة والتقسيط والتورق(16/2)
ما هو بيع العينة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع العينة أن يبيع الإنسان شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه بأقل منه نقداً مثال ذلك أن يبيع سيارة بخمسين ألفاً لمدة سنة ثم يشتريها ممن باعها عليه بأربعين ألفاً نقداً هذه هي مسألة العينة وهي حرام لأنها حيلة على الربا إذ أن هذا الذي باع السيارة بخمسين ألفاً ثم اشتراها بأربعين نقداً كأنه أعطى هذا الرجل أربعين ألفاً نقداً بخمسين ألفاً إلى سنة وهذه السيارة حرف جاء لمعنى ولهذا يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال فيها إنها دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة يعني ثوباً وقد ورد ذم التبايع بالعينة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالحرث وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزع من قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم) وهذه المسألة أعني مسألة العينة يمكن أن نقول بضابط فيها وهي كل عقد يتوصل به إلى الربا فإنه من العينة في الواقع.
***(16/2)
الذين يدينون الناس من طرقهم ما يلي يسأل المدين ما السلعة التي تريدها فيقول سيارة موديل كذا وكذا والسعر قريب من كذا وكذا فيذهب الدائن ويشتري هذه الموصوفة ثم يقوم ببيعها على المدين بالتقسيط ما الحكم في مثل ذلك.
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم التحريم يعني أن هذا العمل حرام لأنه حيلة واضحة فبدل من أن يقول الدائن للمدين خذ هذه خمسون ألفاً اشتر بها السيارة التي تريد وهي عليك بعد سنة بستين ألفاً بدل أن يقول هكذا يقول اذهب واختر السيارة التي تريد وأنا اشتريها لك نقداً فيما بيني وبين البائع وأبيعها عليك بالتقسيط بزيادة على الثمن هذه حيلة واضحة غريبة جداً وهي أخبث من أن يعطيه خمسين ألفاً ويقول هي بالستين ألفاً إلى سنة لأن هذه الصورة رباً صريح والإنسان يفعله وهو خائف وخجل من الله عز وجل وربما يمن الله عليه بتوبة أما الصورة التي فيها اذهب واختر السيارة وأنا أشتريها وأبيعها عليك مؤجلاً بثمن أكثر فهو يعتقد أنها حلال ولا يكاد يقلع عنها وهي جامعة بين مفسدة الربا ومفسدة الخداع وإذا كان بنو إسرائيل عوقبوا بحيلة أدنى من ذلك بلا شك فما بالك بهذه الحيلة بنو إسرائيل حرم الله عليهم الشحوم فماذا صنعوا قالوا نذيب الشحوم ثم نبيعها ونأخذ الثمن وحينئذ لم نأكل الشحوم فالحيلة هذه درجتان الإذابة والبيع وأخذ الثمن بدل عن الأكل وفي الحيلة التي ذكرت في السؤال حيلة واحدة ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة من التشبه باليهود فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين يريدون أن يكون مطعمهم حلالاً ومشربهم حلالاً وغذاؤهم حلالاً أن يتوبوا إلى الله عز وجل من هذه الحيل (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .
فضيلة الشيخ: إذن ما هي الطريقة الصحيحة في البيع.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الطريقة الصحيحة في البيع وهذا جزاك الله خيراً تنبيه حسن أن الإنسان إذا ذكر للناس ما هو ممنوع يذكر لهم ما هو مباح الطريقة الصحيحة للبيع أن يكون عند الإنسان سيارات معدها للبيع بالنقد وبالتقسيط فمن جاء وأخذها نقداً فقد أخذها نقداً ومن جاء وطلب التقسيط أخذها بالتقسيط.
***(16/2)
السائل: هذه رسالة وردت من الخماسين من وادي الدواسر من السائل محمد إبراهيم سلطان يقول عندي كمية من أكياس الأرز وهي بمستودع لنا بوادي الدواسر ويأتي إلي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين وإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي مثلهم أناس بعد ما يصير على حظي ويشترونه وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا أفيدونا ولكم جزيل الشكر.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل أي بين ربا النسيئة وربا الفضل وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة وأحيانا يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان وهو أنه سيدينه كذا وكذا من الدراهم العشرة اثنتي عشر أو أكثر أو أقل ثم يأتيان إلى صاحب الدكان ليجريا معه هذه الحيلة وقد سمى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه الطريقة الحيلة الثلاثية وهي بلا شك حيلة على الربا ربا النسيئة وربا الفضل فهي حرام ومن كبائر الذنوب وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحيل عليه بل التحيل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً ولهذا ذكر عن أيوب السختياني رجمه الله أنه قال في هؤلاء المتحيلين قال إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله فإن المتحيل مخادع في منزلة المنافق مع الكافر الصريح يظهر أنه مؤمن وهو كافر هذا المتحيل على الربا يظهر أن بيعه وعقده بيع صحيح وحلال وهو في الحقيقة حرام وقد جعل الله سبحانه وتعالى كفر المنافقين أعظم من كفر الذين يصرحون به حيث قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) كذلك هذا المتحيل على الربا أشد إثماً ممن يأتي الربا الصريح ثم إنه أسوأ حالاً لأن هذا المتحيل يشعر بأنه على طريق سليم ويستمر ولا يخجل من الله ولا ينزع عن غيه بخلاف الذي يأتي شيئاً صريحاً فإنه يشعر بالخجل من الله ويشعر بأنه ارتكب المعصية ويحاول أن يتخلص منها بالتوبة لذلك هذا أسوأ حالاً ومآلاً من الذي يأتي الربا الصريح أما موضوع العدّ وهو في مكانه وجعلوا ذلك من باب القبض فإنه أفتى به بعض الناس نفسه أو غيره استناداً إلى قول الفقهاء رحمهم الله ويحصل قبض معدود بِعَدِّه وعندي أنه لا بد من حيث الوجهة الشرعية لابد من القبض وهو الاستيلاء التام الذي يكون الشيء في قبضتك وتحت حوزتك لكن إذا بيع بالعد لابد مع ذلك بالإضافة إلى كونه في قبضتك وفي حوزتك لابد من عدِّه فإذا كان هذا مراد الفقهاء فهو مرادهم وإن لم يكن مرادهم فهذا هو ما تقتضيه الأدلة الشرعية أن القبض أن يكون الشيء في قبضتك لكن إذا كان قد بيع بِعَدّ أو كيل أو وزن أو ذرع لابد من وجود هذه الأشياء ليتم القبض ويؤيد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع يعني حيث تشترى في المكان الذي اشتريت به حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وهذا مسلك من مسالك تحريم هذه المعاملة التي أشار إليها الأخ فالمسلك الأول أنها حيلة وخداع على الربا ربا الفضل والنسيئة والمسلك الثاني أنها معصية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نهي أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ومن المؤسف جداً وحقاً أن كثير من الناس يتعاملون بها كما أشار إليها الأخ ظناً منهم أن ذلك من باب التورق الذي أجازه بعض أهل العلم ولكن ذلك ليس من التورق ولهذا تجد أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا أتى على ذكر التورق ذكر خلاف أهل العلم فيه ولما ذكر هذه الحيلة الثلاثية قال إن هذه من الربا بلا ريب فدل ذلك على أنها ليست من مسألة التورق في شيء وهو واضح أيضاً فإن التورق كما قال أهل العلم أن يحتاج الإنسان إلى دراهم فيشتري ما يساوي مائة بمائة وعشرة مثلاً إلى أجل فهنا تجد في مسألة التورق أن الشراء وقع على عين السلعة وأنها مقصودة وأنه لا اتفاق بين الدائن والمدين على الربح قبل الملك لأن الدائن والمدين في الصورة التي أشار إليها السائل اتفقا على الربح قبل الملك وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن) يعني ما لم يكن في ضمانك وتحت ملكك وقهرك فالربح فيه منهي عنه وهذا يربح فيما لم يضمن وما لم يكن في ضمانه أعني الدائن ثم إن هذه المعاملة تختلف عن التورق لأن التورق كما أشرنا إليه أن يشتري السلعة بعينها يريدها يعينها ليبيعها فتجده يقلبها وينظر فيها وينظر نوعها وجنسها لكن هذه الحيلة أو هذه الصورة التي أشار إليها السائل الدائن لا يهمه ما في هذه الأكياس ربما تكون هذه الأكياس قد أكلتها السوس أو أكلتها الأرضة وربما تعفنت لأنها لا تُحمل ولا تُنظر ولا يُفَكّر فيها بل في ظني لو أن صاحب المستودع أتي بأكياس مملوءة رملاً وقال هذه الأكياس سكر ثم باعها على الدائن وباعها على المدين وذلك اشتراها بنقص في ظني أن المعاملة ستمشي لأنه حسب ما نسمع أنهم لا يفكرون لا يقلبون ولا ينظرون فبالله عليكم أيها الناس قارنوا بين هذه الحيلة وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم (قاتل الله اليهود إنه لما حرم الله عليهم شحومها جملوه يعني أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) فانظروا أيهما أقرب إلى صورة الحرام فعل اليهود الذين دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الله لهم أي بلعنه إياهم على قول أو بإهلاكه إياهم على ما نراه أي معناه قاتل الله كذا أي أهلكهم لأن من قاتل الله فهو مغلوب مقتول فالمسلم يجب أن ينظر أيهما أقرب إلى صورة المحرم ما فعله اليهود الذي دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بما دعا عليهم به أو هذه الصورة التي يفعلها هؤلاء المتحيلون الذين نرجو الله سبحانه تعالى أن يفتح لهم وأن يهيئ لهم طريقاً مباحاً. الطريق المباح مثلاً ولو أطلت في الجواب لأن الحاجة أو الضرورة دعت لها أن يستعملوا طريقة السلم الذي كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبذل الدائن دراهم يشتري بها سلعة تسلم إليه من المدين عند حلول الأجل مثل أن يقول هذه عشرة آلاف ريال نقداً خذها على أن تأتي إليّ بعد سنة بسيارة موديلها كذا وكذا السيارة تساوي نقداً اثنا عشر ألف ريال لكنها من أجل التقديم صارت بعشرة يكون الدائن ربح ألفين وذلك استفاد من الدراهم وانتفع بها هذه الطريقة طريقة سليمة جاء بها الشرع لكن الناس لا يستعملونها لماذا لأن الدائن يقول إذا فعلت هذا الشيء ربما يأتي وقت الحلول والسيارات رخيصة فلم يكن عندي ربح فلذلك يتهربون منها وهناك أيضاً طريقة أخرى وهي أنه إذا احتاج الرجل إلى سلعة معينة بدل من أن يفعل هذه الطريقة المحرمة يذهب إلى صاحب السلعة ويشتريها هي بعينها وهي تساوي عشرة مثلاً يقول بعنيها باثني عشر ألفاً أو خمسة عشر ألفاً أو ما أشبه ذلك فيكون المراد بهذا العقد نفس السلعة المعينة وهذه الطريقة سليمة لا بأس بها
على كل حال من خلصت نيته وراقب الله عز وجل واتقى الله فإن الله سيجعل له من أمره يسراً وسوف يرزقه من حيث لا يحتسب.
***(16/2)
عندنا بعض التجار الذين يدينون لمدة سنة يكون مثلاً عنده مائة أو مائتا قطمة هيل في دكانه ويجيء الذي يريد أن يتدين منه هذه القطم ويقول له التاجر استلم منه مثلاً عشرة، عشرين حسب الذي استدان منه ويتسلمها الضعيف ثم يجيء آخر يستدين ثم يدينها إياه مرةً ثانية وهي بمكانها ما حركت ويدينها عدة أشخاص فهل هذا يجوز على أنه يدينها عدة أشخاص وهي بمكانها هل هذا فيه شيء من الربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة التي ذكرها السائل ابتلي بها كثيرٌ من المسلمين مع الأسف الشديد وهي في الواقع مرة ومحزنة لكنها مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم (لتركبن سنن من كان قبلكم قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن) هذه المسألة هي من الحيل التي كان اليهود يرتكبون مثلها أو أقل أو أكثر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نفعل مثل فعلهم من هذه الحيل من المعلوم أن الرجل لو أعطى شخصاً عشرة آلاف ريال نقداً سلمها له ورقاً وقال هذه العشرة باثني عشرة ألفاً إلى سنة من المعلوم للجميع أن هذا ربا وأنه محرم وأن المرابي عليه من الوعيد والعقوبة ما هو معلومٌ لكل مسلمٍ فالله تعالى يقول في الذين يرابون (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) والنبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) وقال (هم سواء) والحديث في مسلم وفيه أحاديث كثيرة تدل على غلظ هذا العمل عمل الربا وأنه من كبائر الذنوب العظيمة فإذا كان معلوماً أن ما صورناه من قبل من الربا وهو صريح فإن التحيل على هذا بأي نوعٍ من أنواع الحيل يعتبر وقوعٌ فيه إذاً الحيلة على المحرم لا تقلبه مباحاً بل تزيده قبحاً إلى قبحه لأن الحيلة على المحرم يجتمع فيها أمران محظوران أحدهما الوقوع في المحرم والثاني المخادعة لله ورسوله ونحن نضرب مثلاً بما هو أكبر من ذلك وهو الكفر فالكافر الصريح الذي يعلن في كفره هو واقعٌ في الكفر وقد فعل هذا الذنب العظيم لكن المنافق الذي يظهر الإسلام ويظهر بمظهر الرجل الصالح وهو يبطن الكفر هذا أشد ذنباً وأعظم ولهذا جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار الذين يصرحون بالكفر فالمتحيل على الربا أشد من المعطي بالربا صراحةً أو أشد من الآخذ للربا صراحةً لأنه جمع بين المحظورين محظور الربا ومحظور التحيل والخداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئٍ ما نوى) وهذا الحديث يسد على المتحيلين جميع أنواع الحيل يقال لهم أنتم قصدتم هذا ولكم ما قصدتم إنما لكل امرئٍ ما نوى والعملية التي أشار إليها السائل هي موجودة بكثرة مع الأسف ومنتشرة وهي من ظهور الربا الذي ينذر بالهلاك والخطر على هذه الأمة ومن العجب أنه لو وجد حانات خمر وزنا لكان كل الناس ينكرونها لكن توجد هذه الحانات الربوية والناس ساكتون لا أحد ينكر ولا أحد يشمئز منها وذلك لأنها كثرت وكما قيل إذا كثر المساس قل الإحساس هذه الأكياس من الهيل كما قال الأخ تبقى في دكان التاجر مدة سنين أو شهوراً أو أسابيع أو ما شاء الله يأتي التاجر ويشتريها منه حسب ما اتفق مع الفقير على الربح لأنه يتفق أولاً مع الفقير على أني أدينك العشرة بإحدى عشرة أو خمسة عشر أو أكثر أو أقل ثم يذهب هذا التاجر وهذا المستدين إلى صاحب الدكان ويشتري التاجر منه السلعة بثمن يتفقان عليه ثم مع ذلك في الحال في نفس المجلس يبيعها على المستدين حسب ما اتفقا عليه من الربح أو من المرابحة ثم بعد ذلك يبيعها المستدين على صاحب الدكان بأنزل مما باعها صاحب الدكان به على التاجر ثم يأخذ الدراهم ويخرج بها في جيبه هذه هي القضية الألعوبة والمكر والخديعة وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة وسماها الصفقة الربوية الثلاثية هذا معنى ما سماها به لأنه غاب عني لفظه الآن ومع ذلك قال هذه حرامٌ بلا ريب وربا وكان يرحمه الله يحكي في مسألة التورق قولين لأهل العلم ثم يختار هو التحريم فدل ذلك على أن هذه المسألة ليست هي مسألة التورق التي يقول بعض الناس إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق ونحن نقول هكذا إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق لكن ليس مسألة التورق بهذه الحيلة الظاهرة البينة مسألة التورق كما قالها الفقهاء رحمهم الله إذا احتاج الإنسان إلى نقد واشترى ما يساوي مائة بمائة وعشرين إلى أجل وطبعاً اشتراه على الوجه السليم الصحيح وليس فيه العشرة بإحدى عشرة والعشرة بخمسة عشر ولا شيء أنا احتجت مثلاً إلى دراهم فأتيت إلى صاحب الدكان قلت بع علي هذا الشيء إلى زمن هو الآن يساوى مائة قلت له بمائة وعشرين وأخذته وذهبت بعته هذه هي مسألة التورق أما هذه المسألة فليست من التورق في شيء ولا تنطبق على التورق إطلاقاً ذلك لأنهما أولاً يتفقون على المرابحة فيكون التاجر باع على المستدين ما لا يملك بربح وهذا وإن لم يكن معيناً لكنه في ذمته ثانياً أنها يحصل فيها بيع الشيء قبل حوزته وقبضه ثالثاً يحصل فيها بيع الشيء قبل نقله عن محله وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وكون بعض الناس يقول أنا قبضتها لأنني عددتها فمجرد العدد ليس قبضاً بلا شك ولا أحد يقول إنه قبض لأن القبض معناه أن يكون الشيء في قبضتك وفي حوزتك وأي شيء يكون على العدد أن تقبضه أي شيء يكون من القبض ولكن العلماء يقولون ما يحتاج إلى عدد فلا بد من عدده لقبضه بمعنى إنه لا يتم قبضه إلا بعده وهذا أمرٌ صحيح وأما مثلاً نقول مجرد إنسان يمسحه بيده أو يعده بإشارته يكون هذا قبضاً فهذا غير مسلم إطلاقاً ثم إن هذه الصفقة في الحقيقة غير مرادة لأن التاجر لا يقلب هذا الهيل ولا يسأل عن نوعه ولا يسأل عن عيبه وسلامته وربما يكون هذا قد فسد من طول الزمن وربما تكون الأرضة قد أكلته وهم لا يعلمون بل إني أعتقد أن صاحب الدكان لو أتى بأكياسٍ من الرمل وصفها وقال للناس هذه سكر لهؤلاء الذين يتاجرون بهذه الطريقة لأخذوها على أنها سكر بناءً على عادتهم أنهم لا يقلبون ولا ينظرون ولا يفعلون شيئاً ولقد حكى لي بعض الناس وهو ثقة أنه جاء ليستدين من شخص فذهبوا إلى صاحب دكان عنده بضاعة ولكن هذه البضاعة لا تساوي القدر الذي يريده المستدين فقال نبيع ثم ندبر لها شأناً فباعها صاحب الدكان على التاجر أولاً ثم باعها التاجر على الفقير ثانياً ثم باعها الفقير على صاحب الدكان ثالثاً ثم باعها صاحب الدكان مرةٌ ثانية على التاجر ثم التاجر على المستدين حتى أكملت ما يريده هذا المستدين.
فضيلة الشيخ: يعني تبايعوها أكثر من مرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تبايعوها أكثر من مرة فقيمتها لا تساوي هذا القدر لكن لعبوا هذه اللعبة المستديرة حتى وصلوا إلى الدراهم التي يريدها المستدين وحدثني شخصٌ آخر أيضاً أنهم جاؤوا إلى صاحب الدكان وعنده سكر وكان السكر يساوي مائةً بسعره حاضر فقال أنا أريد كذا وكذا من الدراهم فقال هذا سكر لا يساوي نصف ما تريد قال إذاً نرفع سعره نرفع قيمته يعني حتى يصل إلى الحد الذي تريده فرفعوا السعر من مائة رفعوه حتى يكون قيمة هذا السكر القليل بالغةً ما يريد هذا المستدين ومثل هذه الحيل جميعاً انفتحت على الناس من الأم من الباب الأول الذي سأل عنه هذا السائل فلا شك عندنا في أن هذه المعاملة من فعلها واقع في الربا بل هو زائدٌ على الذين يرابون صراحةً بأنه يخادع الله ورسوله والذين آمنوا وما يخدع إلا نفسه وما يشعر وسوف يندم عندما يحضره أجله ولقد ذكر ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أن رجلاً حضره الموت فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله فجعل يقول العشرة إحدى عشرة العشرة إحدى عشرة يعني أنها ملكت قلبه والعياذ بالله ابتلي بها عند موته حتى نسي بها شهادة الحق فنحن ننصح إخواننا المسلمين الابتعاد عن هذه المعاملات المحرمة التي فيها خداع لله ورسوله والمؤمنين ونقول لهم إن ما صنعتم بهذه الطريقة أشد مما يصنعه الذين يرابون صراحةً في البنوك وغيرها فإنهم أهون منكم في ذلك لأنهم يفعلون الربا وهم يعتقدون أنه ربا ويجدون في نفوسهم خجلاً من الله عز وجل وانكساراً ويؤملون التوبة المهم إنهم يعرفون أنهم على خطأ وأنهم مستحقون للعقوبة فتجدهم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه لكن مثل هؤلاء المتحيلين يرون أنهم على طريقةٍ سليمةٍ حلال فيبقون على ما هم عليه ولا يكادون يرجعون أبداً عن هذا الغي وهذا الضلال نسأل الله لنا ولهم السلامة ثم إنه حسب ما نعلم أن ما يؤخذ من الربح في البنوك أقل مما يأخذه هؤلاء من هؤلاء الفقراء والفقراء لا يدرون يظنون أن هذه الطريقة صحيحةً وسليمة يقولون كوننا نعمل عملاً لا إثم فيه ولو زاد علينا الربح أهون من كوننا نعمل عملاً محرماً ولكني أقول لهم إن هذه الطريقة أشد إثماً من طريقة البنوك لأنها كما أسلفنا رباً وخداع ولكن يبقى النظر أنه من سياسة التعليم الصحيح الذي كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا سد الباب من طريقٍ محرم أحب أن يُفتح للناس بابٌ من طريقٍ مباح حتى لا يقفوا حيارى نقول في هذه الحالة الطريق السليم إلى ذلك أن الرجل إذا احتاج سلعةً معينة بنفسها مثل أن يحتاج إلى سيارة أو إلى مواد بناء أو إلى غيرها فليذهب إلى أهل المعارض أو الذين يبيعون هذه الأدوات وهذه الأعيان ويشتري منهم العيِّنة التي يريدها بنفسها بثمنٍ أكثر مؤجلةً وبهذا يسلم من الإثم فمثلاً إذا كان يحتاج إلى أسمنت مثلاً ذهب إلى أهل الأسمنت واشترى منهم ما يساوي عشرة آلاف باثنتي عشر ألفاً وأمر به وكذلك المواد الأخرى من حديد ومواد صحية وما أشبه ذلك وبهذا يسلم يقول أنا لا أريد مواد أو أعيان أنا أريد دراهم لأجل التزوج أو ما أشبه ذلك نقول لا حاجة بك إلى هذه المعاملة المحرمة فإما أن تشتري الأغراض التي للزواج بمثل ما أشرنا إليه في مواد البناء وإما أن تصبر حتى يغنيك الله لأن الله يقول (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) ولا ينبغي للإنسان أن يستدين ليتزوج فهذا الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي ولم يكن له بها حاجة قال (التمس ولو خاتماً من حديد ولم يجد فزوجه بما معه من القرآن) ولم يرشده إلى أن يستدين أو يستقرض من أحد بل إنما زوجه بما معه من القرآن فالمهم أن مثل هذا أقصد الحاجة إلى الزواج لا ينبغي للإنسان أن يستبيح لنفسه هذه الطريقة المحرمة من أجله.
***(16/2)
يقول السائل إن بعض التجار الذين يُدَيّنُون إذا حل الدين على هذا الفقير قال الفقير أنا أريدك تصبر علي شهرين أو ثلاثة أشهر أقل أو أكثر قال له الدائن صاحب الحق لا أنا سوف أقلبها عليك تأتي إلي وأشتري لك مثلاً كيساً من الهيل وأبيعها عليك ثم تستلمها وتبيعها وتسلمني حقي فهل هذا جائز أم يدخل في الربا أفتونا وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز بل هو ربا إلا أنه رباً مُغَلف بالخيانة والخداع لمن؟! لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا هو الربا الذي كان يفعلونه في الجاهلية إذا حل الدين قال صاحب الحق للمدين إما أن توفي وإما أن تربي فإذا أربا وحل مرة ثانية أربا عليه مرة ثانية وثالثة وهكذا وهذا هو المشار إليه في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) فهذا عمل خبيث لأنه جامع بين الربا والخداع فهو بمنزلة فعل المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر هذا أظهر أن معاملته معاملة سليمة أنها بيع وشراء في قطم هذا الهيل وهي في الحقيقة عين الربا إلا أنه متحيل عليه والمتحيل على محارم الله أعظم جرماً ممن يفعلها على وجه صريح لأنه يجمع بين مفسدة هذا المحرم وبين مفسدة الخداع لله سبحانه وتعالى وهذا من الاستهزاء بالله والتحدي له ولهذا قال أيوب السختياني رحمه الله قال في هؤلاء المتحيلين يُخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وهؤلاء المخادعون على الربا في مثل هذه الصورة التي ذكرها الأخ أو في غيرها من الصور لا يمكن أن ينزعوا عما هم عليه لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه سليم والمعتقد بأن ما هو عليه سليم لا يمكن أن ينزع عنه فهم يقولون كما يقول المنافقون إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون فلا يكادون ينزعون عن فعلهم أما الذي يأتي الربا صريحاً فإنه يعرف أنه ارتكب محرماً وتجده دائماً هذا الفعل بين عينيه تجده خجلاً من الله عز وجل يتذكر ذنبه كل ساعة ويمكن أن يحدث توبة أما المتحيل فهو على العكس وهذه مفسدة عظيمة تحصل لمن يرتكبون محارم الله بالحيل وهذه المسألة يظن بعض طلبة العلم أنها مسألة التورق التي اختلف فيها أهل العلم وأباحها الفقهاء في المشهور من مذهب الإمام أحمد وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحرمها ويجزم بتحريمها ويُراجع في ذلك ولكنه يأبى إلا أنها حرام أعنى مسألة التورق لكن هذه المسالة ليست كمسألة التورق ولا يمكن أن تقاس عليها لأنها رباً صريح ومسألة التورق هي كما قال الفقهاء في تصويرها أن يحتاج رجل إلى دارهم فيشتري سلعة من شخص تساوي مائة بمائة وعشرين مثلاً إلى أجل ثم يأخذها ويتصرف فيها ويقضي حاجته بقيمتها أما هؤلاء فإنهم قد اتفقوا صراحة على المراباة قبل أن يحدث هذا العقد الصوري الذي ليس بمقصود وبينهما فرق ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام مسألة التورق ذكر فيها قولين عن أهل العلم ولكنه لما ذكر هذه الصورة أن يتفق شخص مع آخر على أن يعطيه دراهم العشرة بثلاثة عشر أو أحد عشر أو ما أشبه ذلك قال إن هذه من الربا بلا ريب ولم يحكِ فيها خلافاً فدل هذا على الفرق بين المسألتين وما ذكره الأخ هو أعظم مما قلت أيضاً لأنه صريح أنه يرغم هذا المعسر على الربا مع أن الله يقول (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فأوجب الله تعالى إنذار المعسر أما هذا فإنه عصى الله فلم ينظره ولم يرحم هذا الفقير بل زاد عليه الدين وعلى كل حال فنصيحتي لإخواني التجار أن يقلعوا عن هذه المعاملة إلى ما أباح الله لهم من أنواع التجارات من المضاربات والمشاركات وغيرها حتى يخرجوا من الدنيا بسلام لا يحملوا أنفسهم نار هذه الدراهم وغرمها ويكون لغيرهم ثمارها وغنمها.
***(16/2)
السائل محمد بتال يقول في هذا السؤال طلب مني أحد الأخوة أن أشتري له سيارةً ليقوم بشرائها مني بالتقسيط وحدد لي النوع والموديل وقمت أنا وهو بالبحث عن السيارة وتحصلنا عليها وقام هو بشرائها ودفعت أنا قيمة هذه السيارة وهو مبلغ وقدره ثمانية وعشرون ألف ريال وبعتها له في الحال بمبلغ وقدره سبعة وثلاثون ألف ريال وأربعمائة ريال على أن يسدد هذا المبلغ لي بالتقسيط بواقع ألف وخمسمائة ريال شهرياً فهل ما قمت به وتم بيني وبين المشتري صحيح شرعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح بل هو خداع ومكر وحيلة لأن حقيقة هذه المعاملة أنك أقرضته ثمانية وعشرين ألفاً بسبعة وثلاثين ألفاً وأربعمائة وشراؤك هذه السلعة صوري غير مقصود ولولا أنه أتى إليك وطلب منك شراء هذه السيارة ما اشتريتها فهذه حيلة ولا تغتر أيها المسلم بكثرة استعمالها بين الناس فإنه يقال إذا كثر الإمساس قل الإحساس وكم من عادات اعتادها الناس وهي محرمة بل أحياناً من الشرك ولا يدرون عنها أما هذه فهي حيلةٌ مكشوفة ظاهرة وأما التاجر لم يشترِ السلعة إلا لك ولم يشترها ويبعها عليك من أجل عينيك ولكن من أجل الربا الذي يأخذه أي فرقٍ في المال بين أن تقول خذ ثمانية وعشرين ألفاً نقداً وهي عليك مقسطة بسبعٍ وثلاثين ألفاً إلى سنة أو أن تقول اشترِ السيارة التي تريد أو أشتريها أنا ثم أبيعها عليك مقسطة لا فرق والعبرة بمعاني الأمور لا بصورها.
***(16/2)
يقول السائل في بيع التقسيط ما هو البيع الصحيح ونرجو أمثلة على ذلك لأنه كثر في زماننا هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع التقسيط له أمثلة كما قال السائل والمثال الجائز هو أن يشتري السلعة الموجودة عند البائع - من قبل تساوي ألفاً - بألفٍ وخمسمائة إلى سنة وهو يريد السلعة نفسها وهذا جائز بالإجماع أو يريد أن يتجر بهذه السلعة بأن يشتريها في هذا البلد ويذهب بها إلى بلدٍ آخر ليزيد ثمنها هذا أيضاً جائز بالإجماع مثال ذلك أتى رجل إلى شخص عنده فيلا تساوي أربعمائة ألف نقداً فقال أريد أن أشتريها منك بخمسمائة ألف مؤجلة إلى سنة فاتفقا على ذلك فلا بأس في هذا بالإجماع لأن الرجل اشتراها ليسكنها لكن زاد في ثمنها من أجل أنه ثمنٌ مؤخر ومعلومٌ أن الثمن المؤخر يختلف عن الثمن المقدم أو إنسان اشترى سلعةً بثمنٍ مؤجل يريد بها الربح فهذا أيضا جائز كإنسان اشترى من شخص فيلا تساوي أربعمائة نقداً بخمسمائة إلى أجل يريد أن يربح فيها فلعلها تكون بستمائة إلى أجل أو بخمسمائة نقداً فيربح هذا لا بأس به بالإجماع الصورة الثالثة أن يأتي شخصٌ إلى آخر إلى تاجر فيقول أنا محتاج إلى سيارة صفتها كذا وكذا فيقول التاجر اذهب إلى المعرض وتخير السيارة التي تريد ثم ائتني حتى اشتريها من المعرض ثم أبيعها عليك بثمنٍ مؤجل أكثر مما اشتراها به فهذا حرام وذلك لأن البائع لم يشتر السلعة إلا من أجل الطالب الذي طلبها ولولا طلبه إياها لما اشتراها فيكون كالذي أقرض المحتاج إلى السيارة أقرضه دراهم إلى أجل بزيادة وما شراء التاجر لهذه السيارة ليبيعها على هذا المحتاج إلا حيلة فقط وإلا فليس له غرض في السيارة هذا حرام وإن كان بعض الناس قد يفتي بجوازه فإن قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) يدل على منعه لأن هذا التاجر ما نوى إلا الزيادة ما له غرض بالسيارة وقول بعضهم إن التاجر يقول إذا اشتريتها فأنت أيها المحتاج بالخيار هذا وإن قاله فهو تدليس يعني من المعلوم أن الذي احتاج السلعة لن يردها يريدها على كل حال هذه ثلاثة صور الصورة الأخيرة غير جائزة صورة رابعة تسمى مسألة التورق وهي أن يحتاج الإنسان إلى دراهم فيأتي إلى صاحب المعرض ويشتري منه السيارة التي تساوي خمسين ألفاً بستين ألفاً إلى سنة وقصد المشتري الدراهم فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة فمنهم من قال إنها جائزة لأن البائع يقول أنا ما لي وللمشتري وغرضه أنا بعت سيارة والمشتري يفعل ما شاء واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ذلك حرام وأنه من العينة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والورع أن يتركها الإنسان وألا يتعامل بها فهذه أربعة صور في مسألة البيع بالتقسيط.
***(16/2)
فضيلة الشيخ هذا السائل عبد الله أ. أ. من الرياض يقول ما حكم شراء الأثاث والسيارات بالتقسيط
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الأثاثات والسيارات إذا كانت عند البائع وكان المشتري يقصدها بعينها لا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وأما إذا لم تكن عند البائع ولكنه يعينها المشتري أي الطالب ثم يذهب البائع ويشتريها ثم يبيعها عليه فهذا لا يجوز لأن هذه حيلةٌ على الربا إذ أن هذه المعاملة تعني أنه أقرضه الثمن بالربا بزيادةٍ ربوية لأن التاجر اشتراها مثلاً بمائة وباعها على هذا بمائة وعشرين وإن كانت عند البائع وفي ملكه واشتراها المشتري لا يريدها بعينها وإنما يريد أن يبيعها وينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وفيها خلافٌ بين العلماء فمنهم من أجازها ومنهم من منعها وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والاحتياط ألا يتعامل الإنسان بها لا سيما إذا كان تعامله من أجل التجارة لأن الإنسان قد يربح وقد لا يربح مع أنه قد خسر بزيادة الثمن عليه من أجل التأجيل.
***(16/2)
هذا السائل علي من الأردن يقول هل البيع بالتقسيط جائز لأن التاجر يقول بأن سعر هذه المادة مائة دينار على أن يدفع المبلغ نقدا و150ديناراً تقسيطاً على كذا من الأشهر فما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذلك جائز ولا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وهذا المشتري عرضت عليه السلعة بثمنين ثمن النقد والثمن المؤجل ولنفرض أن ثمن النقد مائة وأن المؤجل مائة وخمسون فأخذ بالمؤجل في نفس المجلس وذهب بالسلعة فثبت في ذمته مائة وخمسون على وجه التحديد والتعيين فهذا بيع لا بأس به لان المشتري خير بين هذا أو هذا وليس هذا من الربا في شيء لأن الربا أن تبيع دراهم بدراهم لا أن تبيع سلعة ثمنها حاضر كذا وثمنها مؤجل بكذا وليس هذا من البيعتين في بيعة لأن هذا بيعة واحدة لكنه خير الإنسان بين بيعتين فاختار واحدة منهما والبيعتان في بيعة أصح ما قيل في معناهما أن يبيع الإنسان شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن اشتراه منه بثمن نقد أقل مثال ذلك أن يبيع عليه بيتا بمائة ألف لمدة سنة ثم يرجع البائع ويشتري البيت ممن اشتراه منه بثمانين نقداً وهذه هي المحرمة وهي بيعتان في بيعة لأن حقيقة الأمر أن المبيع واحد ورد عليه صفقتان ويراد به التحيل إما من قريب أو من بعيد على أن يسلم ثمانين ويستلم بدلها مائة وهذا حيلة على الربا بلا شك ولكن في مسألة التقسيط يجب أن يلاحظ أمر هام وهو أنه لا بد أن تكون السلعة عند البائع مالكاً لها قبل أن تتفق معه فإن لم تكن عنده أي ليس مالكاً لها فإن النبي صلى الله علية وسلم قال (لا تبع ما ليس عندك) .
***(16/2)
يقول لقد اقترضت مالاً للزواج وهو يسير ولكن بعد الزواج بفترة تعطلت سيارتي وكثر عطلها واضطررت أن أشتري سيارة أخرى ولكنني لم أجد المال الذي يساعد فاضطررت إلى شراء سيارة بالتقسيط ولكن التقسيط يأخذ مالاً كثيراً وأرباحاً كثيرة مثلاً السيارة قيمتها تسعة وثلاثون ألفاً وثمانمائة يأخذ صاحب التقسيط زيادة خمسة آلاف ومائة فهل عملي هذا جائز أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت مضطراً إلى السيارة وليس عندك دراهم تستطيع أن تشتري بها فلا حرج أن تأخذ سيارة بالتقسيط ولكن لاحظ أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يمكنهم أن يأخذوا سيارة عادية بالتقسيط قيمتها أقل ولكنهم يذهبون فيشترون سيارة فخمة أكثر مما يحتاجون إليه وربما تكون هذه السيارة لا تكون إلا للأغنياء أو الكبراء فيشتريها مباهاة وهذا خطأ ولا نرى أن إنساناً عاقلاً يجعل على ذمته من الديون ما يجعل من أجل المباهاة فقط بل نقول إذا اضطررت فخذ بقدر الضرورة ولا تزد.
***(16/2)
المستمع ع. الشدوخي من القصيم يقول قام أحد الإخوة بشراء سيارة بالتقسيط وقال له البائع خذ السيارة واخرج بها من المحل وهذا هو الاستلام الشرعي ونحن نقوم ببيعها لك إذا جاء من يطلبها فأرجو الإفادة في هذا السؤال مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن بيع التقسيط يكون على نوعين النوع الأول أن تكون السلعة عند البائع مالكاً لها قبل عقد بيع التقسيط فيبيعها بثمن مؤجل بأكثر من ثمنها حالاً مثال ذلك أن يكون عند شخص سيارة فيأتي شخص آخر ليشتريها منه بثمن مؤجل وتكون قيمة هذه السيارة بالثمن الحال ثلاثين ألفاً وبالثمن المؤجل خمسة وثلاثين ألفاً فيشتريها المشتري بالثمن المؤجل بخمسة وثلاثين ألفاً فهذا البيع جائز لدخوله في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ولأن هذا نظير السلم الذي كان يُفعل في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن السلم يعجل فيه الثمن ويؤخر فيه المثمن وهذا بالعكس عجل فيه المثمن وأخر فيه الثمن لكن المعنى واحد وهو تعجيل أحد العوضين وتأجيل أحدهم ولكن اختلف العلماء فيما إذا كان مقصود المشتري الدراهم لكنه توصل إلى الحصول عليها بهذا العقد فمن العلماء من منع ذلك كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن هذا حيلة على الربا ومنهم من أجاز ذلك وقال إن المشتري له الحق أن يتصرف في السلعة بما شاء من بيعها أو إبقائها وهذه المسألة تسمى مسألة التورق والورع بلا شك ترك التعامل بها ولكن إن دعت الضرورة إليها ولم يجد المشتري من يقرضه ولا وجد وصولاً إلى السلم المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان مضطراً إلى ذلك فإنه بهذه الثلاثة الشروط أرجو ألا يكون بها بأس أما النوع الثاني من بيع التقسيط فهو ألا تكون السلعة عند البائع ولكن المشتري يعينها ثم يأتي إلى تاجر من التجار ويقول أنا أريد السلعة الفلانية فاشترِها لي وبعها علي بثمن مؤجل أكثر مما اشتريتها به مثل أن يكون المشتري يحتاج إلى سيارة يستعملها فيجدها في المعرض ولكن ليس عنده ثمنها فيذهب إلى تاجر من التجار ويقول أنا أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني وليس عندي ثمن فيذهب التاجر ويشتري هذه السيارة بثمن حال ثم يبيعها على هذا الطالب لها بثمن مؤجل أكثر مما اشتراها به وهذا النوع حيلة على الربا ووقوع في المحذور الذي يكون في الربا وذلك لأن حقيقته أن التاجر أقرض هذا الطالب قيمة السلعة التي يريدها بزيادة والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر نفعاً للمقرض فإنه ربا ولأن هذا العقد الذي صدر من التاجر عقد غير مقصود لأنه لم يشتر هذه السلعة إلا بعد أن جاء هذا الطالب فقد اشتراها من أجله من أجل الزيادة الربوية التي يحصل عليها ودليل ذلك أن التاجر لم يكن يفكر أن يشتري هذه السيارة لولا أن هذا الطالب جاء وعرض عليه هذه الصفقة وتعليل بعضهم بأن التاجر لا يُلزم الطالب بها إذا اشتراها له تعليل عليل وذلك لأنه من المعلوم أن الطالب لم يأت أو لم يعرض على التاجر شراء هذه السلعة له إلا وإنه عازم على أن يتملكها ولو كان عند التاجر شك حقيقي في أن هذا الطالب لا يقبل السلعة بعد شرائها ما اشتراها له هذا من المؤكد المعلوم حسب العادة وحسب الوضع الذي عليه حال هذا الطالب لذلك فإني أنصح إخواني المسلمين من تعاطي مثل هذه العقود التي ظاهرها الإباحة ولكن مقصودها ما يوقع في التحريم وليعلم أن الحيل على محارم الله لا تجعلها حلالاً بل تزيدها خبثاً إلى خبثها وتحريماً إلى تحريمها لأن الحيل على محارم الله يقع فيها محذوران المحذور الأول الوقوع في المعنى الذي حرمه الله ورسوله والثاني الخداع لله عز وجل والله سبحانه وتعالى لا تلتبس عليه الأمور يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو سبحانه وتعالى يوم القيامة يحاسب الناس على ما في صدروهم كما قال الله تعالى (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) أي تختبر السرائر وقال عز وجل (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) وبنو آدم لن يغنوا عن الإنسان شيئاً فهو وإن تظاهر عندهم بالعمل المباح إذا كان المقصود به الشيء المحرم لن يغنيهم عن الله شيئاً وليعلم اللبيب العاقل المؤمن أن رزق الله سبحانه وتعالى لا ينال بمعاصيه وأن الله سبحانه وتعالى قد كتب على الإنسان وللإنسان ما اقتضته حكمته في الأزل فالغني غني والفقير فقير فليتق الله وليجمل في الطلب فإن رزق الله لاينال بمعاصيه يقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ويقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) أسأل الله تعالى أن يعصمنا جميعاً من معاصيه وأن يوفقنا إلى مراده.
***(16/2)
يقول إذا أراد شخص شراء سيارة من تاجر مثلاً يقول له هذه السيارة تساوي أربعة آلاف دينار مثلاً نقداً وإذا أردت الدفع بالتقسيط ممكن ولكن ستدفع كل شهر مائتي دينار لمدة خمسة وعشرين شهراً فينتج عن ذلك فارق في المبلغ من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف فيقولون إن هذه العملية تجارية فما الحكم الشرعي في نظركم في التعامل بمبدأ التقسيط والزيادة كما سبق شرحه نرجو بهذا إفادة
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن يعلم أن الأصل في جميع البيوع الحل إلا ما دل الشرع على منعه وتحريمه لعموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) فإذا تبايع رجلان فإننا نقول إن هذا البيع صحيح إلا بدليل يدل على منعه فالواجب اتباع الدليل فإذا لم يقم الدليل على منعه فلا يحل لأحد أن يمنع عباد الله من معاملاتهم بدون إذن الله وبناء على هذه القاعدة العامة ننظر في الصورة التي سأل عنها هذا السائل حيث يقول إنه يريد أن يشتري سيارة تساوي أربعة آلاف دينار بخمسة آلاف دينار مؤجلة إلى خمسة وعشرين شهراً فنقول إن هذه المعاملة لا تتضمن محظوراً شرعياً فليس فيها ربا ولا جهالة ولا غرر بل هي واضحة، الثمن معلوم والمبيع معلوم والأجر معلوم وليس هناك ربا فهذه المعاملة صحيحة لأن هذه الزيادة ليست زيادة دراهم على دراهم لكنها زيادة في ثمن السلعة المعينة فأنا حين اشتريت هذه السيارة بخمسة آلاف دينار مؤجلة لم اشتر دنانير بدنانير وإنما اشتريت سيارة قيمتها خمسة آلاف دينار وإذا كان يجوز للإنسان أن يبيع سيارة تساوي أربعة بخمسة آلاف دينار نقداً فإن بيعها مؤجلاً بخمسة آلاف دينار من باب أولى لأن فيه إرفاقاً بالمشتري ولا يشك عاقل أن الناس يفرقون بين الثمن الحاضر والثمن المؤجل فإنه ليس الثمن المنقود الحاضر كالثمن الغائب المؤجل وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والسلف في هذا الحديث هو تقديم الثمن وتأخير السلعة المشتراة فيأتي إلى الفلاح ويقول أو يأتي الفلاح إليه ويقول أعطني مائة درهم بمائتي صاع من البر إلى سنة فيأخذ الفلاح الثمن وينتفع به وإذا حل الأجل أخذ المشتري البر وتصرف فيه وهنا نعلم حسب العادة والفطرة أنه لم يكن ثمن هذا البر المؤجل تسليمه كثمن البر المقدم الذي يكون عند تسليم الثمن بل سيكون البر في هذه الصورة أعني البر المؤجل أكثر من البر الذي يعطى عند استلام الثمن فإذا كان الصاع من البر يساوي درهمين نقداً فإنه يكون بدرهمين إلا قليلاً إذا كان البر مؤجلاً وهذا أمر تقتضيه العادة والفطرة ولا فرق بين هذا وبين الصورة التي قالها السائل فإن هذا تأجيل للمثمن والصورة التي قالها السائل تأجيل للثمن وقد ظن بعض الناس إن هذا من باب الربا ولكن هذا ليس بصواب فإنه يكون من باب الربا لو اشترى السيارة بأربعة آلاف دينار ثم رجع إلى البائع وقال ليس عندي أربعة آلاف دينار وأريد أن تنظرني إلى سنة بخمسة آلاف دينار فهذا لا شك أنه ربا ولا يحل أما إذا كان عقد على السيارة من أول الأمر بخمسة آلاف مؤجلة فهذا لا بأس به ولكن يبقى النظر ماذا أراد المشتري بهذه السيارة بهذا الشراء إن كان أراد السيارة بعينها فلا شك في جوازه حتى إن بعض العلماء حكى الإجماع على ذلك أما إذا كان يريد ثمن السيارة أي أنه يريد أن يأخذ السيارة الآن ثم يبيعها لينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وفيها خلاف بين أهل العلم فمن أهل العلم من أجازها نظراً لصورة العقد ومنهم من منعها نظراً للقصد ولكننا نقول هذا الرجل الذي اشترى السيارة من أجل ثمنها إن باعها على بائعها فهذا بلا شك حرام إذا باعها بأقل مما اشتراها به لأن هذه هي مسألة العينة وهي حيلة ظاهرة على الربا يعني لو اشتريت هذه السيارة من الرجل بخمسة آلاف دينار ثم عدت وبعتها عليه بأربعة آلاف وخمسمائة نقداً كان ذلك حراماً لأنه في الواقع دراهم بدراهم دخلت بينهما سيارة غير مقصودة لكن إذا بعتها على شخص آخر غير الذي اشتريتها منه فهذه هي مسألة التورق وفيها خلاف والتورع عنها أولى لكن إن دعت الضرورة إليها فلم تجد من يقرضك ولا من يسلمك وأنت في ضرورة إليها فإن هذا لا بأس به ولكن بشرط أن تكون السلعة التي اشتريتها ملكاً للبائع وعنده في محله ثم تأخذها أنت وتبيعها في مكان آخر وبهذا نعرف أن ما يفعله كثير من الناس الآن يأتي الدائن والمدين إلى شخص آخر عنده سلعة فيشتريها الدائن ثم يبيعها على المدين وهي في مكانها لم تنقل ثم يبيعها المدين على صاحب المحل أو على غيره قبل أن ينقلها نعلم أن هذه المعاملة محرمة وليست بجائزة بلا شك لأنها من بيع السلع في مكانها وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ولأن الحيلة فيها ظاهرة جداً.
***(16/2)
السائلة أم ياسر تسأل عن حكم شراء الذهب بالتقسيط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط على نوعين النوع الأول أن يشترى بالدراهم فلا بد من التقابض في مجلس العقد فإذا اشترت امرأة حلي ذهب بخمسة آلاف ريال فلا بد أن تسلم خمسة آلاف ريال في مجلس العقد ولا يجوز أن تشتريه بالتقسيط لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في بيع الذهب بالفضة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) والثاني أن يشتري الذهب بغير الدراهم مثل أن يشتريه بقمح فتقول المرأة اشتريت منك هذا الحلي بمائة صاع قمح كل شهر عشرة أصواع فلا بأس لأن البيع هنا وقع بين شيئين لا يحرم بينهما النسأ أي التأخير وعلى هذا نقول إذا بيع حلي الذهب بذهب فلا بد من أمرين التساوي في الوزن والقبض قبل التفرق فإذا بيع بفضة أو دراهم نقدية فلا بد من أمرٍ واحد وهو التقابض قبل التفرق وإذا بيع بغير ذلك فلا بأس من بيعه بالأقساط وتأجيل الثمن.
***(16/2)
ما حكم شراء الذهب بالتقسيط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط إن اشتري بغير العملة الورقية وبغير الذهب وبغير الفضة فلا بأس به مثل أن يشترى بطعام من تمر أو بر أو يشترى بسيارات وما أشبه ذلك فإنه لا حرج فيه لأنه لا ربا بين الذهب والفضة وبين المطعومات ولا ربا بين الذهب والفضة وبين المصنوعات أما إذا اشترى الذهب بالتقسيط بعملة ورقية أو بذهب أو بفضة فإن ذلك حرام لأن بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي وزنا والشرط الثاني التقابض في مدة العقد وإذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة اشترط فيه شرط واحد وهو التقابض في مدة العقد قبل التفرق لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء يد بيد) ولقوله عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) .
***(16/2)
ما رأي الدين في البيع والشراء بالتقسيط علماً بأن سعر البيع في حالة التقسيط يكون أزيد من البيع واستلام المبلغ الفوري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به بإجماع أهل العلم أن الإنسان إذا اشترى السلعة لحاجته إليها بثمن مؤجل سواء كان يحل دفعة واحدة أو يحل على دفعات فإنه لا بأس بذلك وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على حله ومن المعلوم أنه إذا كان بالتقسيط فسيزيد ثمنه لأن البائع لا يبيع شيئاً يُؤجل ثمنه مساوياً لشيء ثمنه منقود وهذا من الأمور التي من محاسن الشريعة حله لأن البائع ينتفع بزيادة الثمن والمشتري ينتفع بتأجيل الثمن عليه وأما إذا تم البيع على أنه نقد ثم جاء المشتري إلى البائع وقال أجله عَلّي بزيادة فإن هذا لا يجوز لأنه من الربا مثل أن يبيع عليه هذه السيارة بعشرة آلاف مثلاً ثم لا يجد المشتري هذه العشرة فيرجع إلى البائع ويقول لم أجد العشرة ولكن أجلها عليَّ باثنى عشر ألفاً فإن هذا لا يجوز لأن المشتري ثبت في ذمته دراهم حاَّلة فتأجيلها بزيادة عين الربا فيكون محرماً.
***(16/2)
ما صحة البيع بالأقساط حيث أن المبلغ بالأقساط يزيد عن المبلغ النقدي وذلك بداعي أنه عقد جديد بين البائع والمشتري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البيع إلى أجلٍ جائز لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ومن المعلوم أن البيع إلى أجل ستكون القيمة فيه أكثر فإذا كنا نبيع هذه السيارة بأربعين ألفاً نقداً فلن نبيعها مؤجلاً إلا بخمسين ألف وكلاهما جائز فيجوز أن تبيع الشيء بنقد بثمنٍ أقل مما لو بعته بمؤجل ويجوز أن تبيعه بمؤجل بثمنٍ لو بعته بنقدٍ كان أقل ولك أن تخير المشتري عند العقد فتقول تريدها بأربعين ألفاً نقداً أو بخمسين ألفاً نسيئة ثم إذا اختار أحد الثمنين تبيعها عليه وليس هذا من باب بيعتين في بيعة كما توهمه بعض أهل العلم لأن هذه بيعة واحدة والتخيير في مقدار الثمن فقط والعقد وقع على أحدهما والبيعتان في بيعة هي مسألة العينة مثل أن يبيع الإنسان الشيء بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه نقداً بأقل مثل أن يبيع السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يشتريها بأربعين ألفاً نقداً هذه مسألة العينة المحرمة وأما التخيير بين الثمنين ثم لا ينصرف الطرفان إلا وقد أخذا بأحدهما فهذا لا بأس به.
***(16/2)
فضيلة الشيخ من مسائل البيوع بيع التورق نرجو أن تحدثنا عن هذا البيع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التورق مأخوذٌ من الورق وهي الفضة وأصله أن الرجل يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه ولا يجد من يعطيه دراهم في سلعةٍ مؤجلة إلى سنة وهو ما يعرف في الشرع بالسلم يأخذ المحتاج دراهم من شخص بسلعةٍ موصوفة مضبوطةٍ بصفات يسلمها له بعد سنة مثلاً وهذا جائز كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين وأظنه قال والثلاث فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) أقول إذا احتاج الإنسان إلى الدراهم ولم يجد من يقرضه ولا من يسلم إليه الدراهم على الوجه الذي ذكرنا واشترى سلعة تساوي مائة بمائة وعشرين إلى سنة ثم باعها وانتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وسميت تورقاً لأن المشتري فيها محتاجٌ إلى الورق أي الفضة وهي النقد وللعلماء فيها خلافٌ معروف فمنهم من أجازها ومنهم من منعها وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حتى إنه روجع في ذلك مراراً ولكنه أبى رحمه الله أن يحلها لأنها تفتح باب الحيل والخداع ولهذا كانت نتيجتها الآن سيئة ولا أظن أحداً من أهل العلم يقول بجوازها وذلك لأنهم صاروا يأتون إلى التاجر ليستدينوا منه فيبيع عليهم ما يبيع ثم يذهب التاجر والمستدين لصاحب دكان عنده هذه السلعة فيشتريها التاجر شراءً صورياً ليس مقصوداً ولهذا لا يقلبها ولا ينظر فيها ولا يكاسر ويماكس فيما يعيِّنه البائع من الثمن يأخذها بأي ثمنٍ اتفق وعلى أي صفةٍ كانت وفي ظني أنه لو كانت أكياس السكر رملاً ما ذهب التاجر يفتشها لاشتراها على أنها سكر لأنها تشترى وتباع على المدين والمدين يبيعها على صاحب الدكان وهذا لا شك أنه محرم وأنه لا ينطبق على مسألة التورق ولهذا كان شيخ الإسلام رحمه الله إذا ذكر هذه المسألة لم يذكر فيها خلافاً في التحريم وإذا ذكر مسألة التورق ذكر فيها قولين لأهل العلم ثم توسعت الأمور حتى وقع الناس في أكل الربا أضعافاً مضاعفة فإذا حل الدين قال استدن مني وأوفني فيستدين منه على هذه الصورة التي هي لعب بأحكام الله عز وجل فيشتري منه ويوفيه ويزيد عليه الدين ومنهم من يأتي بأمورٍ أخرى منكرة ليس هذا موضع بسطها نسأل الله لإخواننا الرزق الطيب الحلال وإنني بهذه المناسبة أنصح الإخوان الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يقلعوا عن هذا وأن يتقوا يوماً يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون وأن يعلموا أن كل شيء يكسبونه عن طريقٍ محرم فإنه لا خير لهم فيه بل هو خسارةٌ في الدنيا والآخرة تنزع البركة منه وإن تصدقوا منه لم يقبل منهم وإن أنفقوه لن يبارك لهم فيه وإن خلفوه بعدهم كان غرماً عليهم وغنيمةً للورثة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما يعملون خبير.
***(16/2)
إذا طلب شخص من آخر أن يدينه مبلغاً من المال غائبة فذهب واشترى سيارة بمائة ألف ريال فباعها على هذا المدين بمبلغ مائة وعشرين ألف ريال لمدة سنة مثلا فما حكم ذلك مع العلم بأنه لم يشتر السيارة إلا بعد أن أخبره المدين بحاجته إلى المبلغ المذكور.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله وتسمى مسألة التورق ويسميها الناس في العرف الوعدة فمن العلماء من أجازها بشرط أن تكون مملوكة عند البائع من قبل وأن يكون المشتري محتاجا إليها أي إلى الفلوس ومن العلماء من منع ذلك منعاً باتاً ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد منع التورق وقال إنه حرام وقال تليمذه ابن القيم وكان يراجع في ذلك كثيراً ولكنه يأبى أن يفتي بالحل يقول شيخ الإسلام رحمه الله إن هذا من باب الحيل على بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل مع التفاضل والحيل على المحرمات ممنوع شرعا قال النبي صلى الله علية وآله وسلم (قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحومها جملوه أي أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) وقال عليه الصلاة والسلام (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل) وهذا صحيح أن الحيل على المحرمات لا تبيحها بل لا تزيدها إلا قبحاً وتحريماً ولكن الشيء الذي لا إشكال في تحريمه وهو يأتي شخص إلى آخر ويقول أريد أن تشتري لي هذه السيارة من المعرض الفلاني وتبيعها لي بربح فيذهب ويشتريها ثم يبيعها عليه بربح ونحن نعلم أن البائع لو لم يشتر منه هذه السيارة ما اشتراها من المعرض فيكون هذا البائع أولاً باع ما ليس يملكه وثانيا أن معنى هذه الصفقة أو مضمون هذه الصفقة أنه أقرضه قيمة السيارة بزيادة فيكون قرضاً جر نفعاً والقرض الذي يجر نفعاً من الربا كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله وأيضا فإن هذا البائع الذي اشترى السيارة للمحتاج يبيعها في مكان شرائها وهذا منهي عنه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحقيقة أن هذه الطريقة ستضر بالناس في حين أن فاعلها يظن أنها تنفعهم لأن الناس يتجرؤون على الديون إذا رأوا هذه الطريقة السهلة سيشترون أشياء كثيرة ليس لهم بها حاجة لكن من أجل يباهوا غيرهم في بناء المنازل وفي السيارات الفخمة وفي غير ذلك من المسائل التي هم في غنى عنها فهذه الطريقة ترهق الناس بالديون وربما يعجز أهل المدين عن التسديد فيؤدي ذلك الى إفلاس البائع ففيها مضار عظيمة على المجتمع من الناحية الاقتصادية وتسهيل الديون عليهم في ذممهم حتى ترهقهم.
***(16/2)
يقول السائل هل يجوز شراء سيارة بالتقسيط وفي نيتي البيع مباشرة لهذه السيارة مع شخص آخر لأنني محتاج أرجو بهذا إفادة مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أن هذا ليس بجائز ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول بأن هذا حيلة على أخذ دراهم بدراهم مع التفاضل ولكن تدخل بينهم هذه السيارة ليكون ظاهر العقد عقداً صحيحاً ومن العلماء من أجاز ذلك وقال إن البائع إذا باع على المشتري فإنما يبيع عليه هذه السيارة والمشتري حر في أن يبيعها وينتفع بثمنها أو يبقيها وينتفع بأجرتها أو يبقيها ليستعملها أو يبقيها إن احتاج باعها وإلا فهي باقية وعلى كل حال فالإنسان الناصح لنفسه يتجنب هذه المعاملة إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يجد من يقرضه ولا من يعطيه سلماً بأن يدفع إليه الدراهم ويقول هذه الدراهم تعطيني بها سيارة بعد تمام السنة ويتركها له هذا السلم جائز لأن الصحابة كانوا يفعلونه في الثمار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار سنة وسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وعلى هذا فإذا تعذر أن يجد من يقرضه أو من يدفع إليه دراهم سلماً فأرجو ألا يكون بذلك بأس إذا كان محتاجاً إلى هذا ولكن لا يبيعها على من اشتراها منه لأنه إذا باعها على من اشتراها منه صارت مسألة العينة مثل أن يشتري منه السلعة بألف إلى سنة ثم يشتريها بثمان مائة نقداً فإن هذا لا يجوز لأنه حيلة على بيع الربا وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وهذه بيعتان في بيعة فله أوكسهما يعني له أقلهما أو الربا يقع في الربا ذلك.
***(16/2)
لدي رغبة في شراء سيارة بالتقسيط لأكمل بها فلتي ولكن سمعت من أحد أهل العلم يقول بأن هذا حرام وأن عملية التورّق هي أخية الربا فماذا تنصحونني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنصحك ألا تتعامل هذه المعاملة لأن فيها شبهة وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنها حرام وكان يراجع في ذلك كثيرا ويأبى إلا أن تكون حراما لكن لو أنك عرفت المواد التي تحتاجها وذهبت إلى من عنده هذه المواد وقلت له أنا أشتريها منك بكذا وكذا أي بأكثر من شرائها نقدا فباعها عليك فإن هذا لا بأس به لأن هذا شراء بثمن مؤجل والثمن المؤجل لا بد أن يكون زائدا على الثمن المنقود.
***(16/2)
السائل أحمد من الرياض يقول ما هي مسألة التورق وما حكمها جزاكم الله خيرا
فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة التورق تسمى في بعض المناطق الدين فإذا قالوا فلان تدين من فلان يعني تعامل معه بتورق وتسمى في بعض المناطق بالوِعدة أو الوَعدة يعني العدة وهي أن يكون الإنسان محتاجاً إلى دراهم وليس عنده شيء ولا يجد من يقرضه فيذهب إلى شخصٍ ما ويشتري منه سلعةً تساوي عشرة آلاف باثني عشر ألفاً لمدة سنة أو بأربعة عشر ألفاً لمدة سنتين وكل ما زاد الأجل زاد الربح فإذا اشترى السلعة باعها وانتفع بدراهمها هذه هي مسألة التورق وسميت تورقاً لأن الإنسان لا يقصد بهذه المعاملة إلا الورق يعني الدراهم ولهذا سميت تورقاً من تفعّل إذا طلب الشيء وقد اختلف العلماء في حكمها فمنهم من قال إنها مكروهة ومنهم من قال إنها جائزة ومنهم من قال إنها محرمة وممن قال بهذا القول الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إنه مروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وإنها مثل الربا لكنه رباً بحيلة قال ابن القيم رحمه الله وقد كرر الطلب من شيخه رحمه الله ابن تيمية في هذه المسألة وأبى إلا أن تكون حراماً وقد توسع الناس فيها اليوم توسعاً عظيماً فصار الرجل يأتي إلى الشخص يشتري منه أكياس الهيل أو السكر أو الرز أو ما أشبهها بثمنٍ مؤجل زائدٍ عن الثمن الحاضر ثم يأتي المستدين فيبيعها أحياناً يبيعها على الذي باعها إليه أولاً وهذه مسألة العينة ولا شك في تحريمها وأحياناً يبيعها على شخصٍ آخر بأنقص مما تساوي نقداً اليوم فيكون هذا المستدين مغلوباً من وجهين الوجه الأول الزيادة الحاصلة من البائع والوجه الثاني النقص الذي حصل من مشتري السلعة ويبيعون هذه السلعة قبل قبضها وقبل نقلها من مكانها وقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ومن أجل التوسع فيها صار الناس يستهينون بالدين فتجد الرجل يتدين ليشتري أموراً كمالية لا يقوم بها مثله فتتراكم عليه الديون فإذا حلت ولم يوفِ ذهب يستدين مرة أخرى أو ذهب يتورق في مسألة أخرى مرة أخرى فإذا حل الدين مرةً ثانية تورق مرةً ثالثة وهلم جراً حتى يتراكم على الإنسان ديونٌ كثيرة وهو لا يشعر لهذا ننصح إخواننا المسلمين عن التعامل بهذه المعاملة ولاسيما الذين يأخذون الدين لأنه يغلبون ويفلسون من أجل هذه الديون التي سهلت لهم وأصبحوا رهينةً بذلك.
***(16/2)
يقول هذا السائل ما حكم بيع العينة وبيع التورق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع العينة أن يبيع الإنسان شيئاً بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه بثمنٍ أقل نقداً مثل أن يبيع هذه السيارة بستين ألفاً مؤجلة بأقساط ثم يعود ويشتريها من صاحبها بأربعين ألفاً نقداً هذه مسألة العينة وهي حرام لأنها حيلةٌ على الربا بصورة بيعٍ غير مقصود وأما إذا باعها المشتري على شخصٍ آخر بأقل مما اشتراها به يريد دراهمها فهذه مسألة التورق وقد اختلف فيها العلماء فمنهم من ألحقها بمسألة العينة ومنهم من قال إنه لا بأس بها والاحتياط ألا يتعامل بها.
***(16/2)
الزيادة في الثمن مقابل الأجل(16/2)
علي أحمد الزهراني الباحة بلاد زهران يقول اشتريت سيارة بعشرين ألفاً نقداً ودينتها بثلاثين ألفاً لسنة أيعتبر ذلك حراماً أم حلالاً نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال من وجهين الوجه الأول صيغة العقد هل هذا الذي اشترى السيارة بعشرين ألفاً ثم باعها بثلاثين هل كانت السيارة عنده قبل أن يطلبها المستدين قد اشتراها وأبقاها عندها في حيازته ثم جاء هذا الرجل ليشتريها إلى مدة سنة ثم باعها عليه بثلاثين أو أنه إنما اشتراها بعشرين بعد طلب المستدين أن يشتري له فإن كانت الصورة الأولى أي أن هذه السيارة كانت عنده من قبل ثم جاء هذا يشتريها منه بهذا الربح فإننا ننظر في هذه المسألة من الوجه الثاني وهو هل هذا الربح الزائد الكثير جائز أو ليس بجائز الذي يظهر لي من عموم الأدلة مثل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ومثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) ولم يحدد الله كسباً الذي يظهر لي أن ذلك جائز ما دام المشتري بالغاً عاقلاً رشيداً لأنه غير مجبرٍ على هذا الثمن ولأن المالك حر يبيع بما أراد لكن ينبغي للإنسان أن يرحم عباد الله سبحانه وتعالى فإن الراحمين يرحمهم الرحمن وإذا علم أن هذا المشتري إنما اشترى من أجل الضرورة والحاجة فليرفق به ولا يأخذ عليه إلا ربحاً يسيراً حتى يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) أما إذا كانت الصورة الثانية وهو أن المستدين جاء إلى هذا التاجر وقال أريد أن تشتري لي السيارة وأربحك فيها كذا وكذا فذهب فاشتراها له من المعرض ثم باعها عليه وهي في المعرض فإن هذا لا يجوز لأن حقيقته أن هذا التاجر دين هذا الفقير حيث أقرضه ثمن هذه السيارة بربح وزيادة ومن المعلوم أن القرض إذا جر نفعاً كان ربا وعلى هذا فلا تجوز هذه الصورة وهنا نأخذ قاعدة وهي أنه إذا كان شراء التاجر أو السلعة من أجل طلب المستدين ليبيعها عليه بأكثر فإن هذا ربا ولا يجوز أما إذا كانت السلعة موجودة عند التاجر فجاء الرجل واشتراها بأكثر من ثمنها نقداً لأنه اشتراها بثمن مقسط فإن هذا لا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) .
***(16/2)
هذا المستمع أحمد القاسم من سورية يقول فضيلة الشيخ هناك معاملة وهي مثلا سيارة أو دار ثمنها أربعمائة ألف يبيعها التجار للمشترى بمبلغ خمسمائة ألف على أن يكون الدفع بعد سنة أو أكثر فهل هذا يعد من الربا أجيبونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع الإنسان سلعة سيارة أو غيرها قيمتها أربعمائة ولكنه باعها إلى أجل بخمسمائة فإنه ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس من الربا في شي لأنه باع عيناً بدراهم وبيع العين بالدراهم لا يجرى فيه الربا إنما يجرى الربا بين النقود بعضها مع بعض وأما هذا فلا يضر.
***(16/2)
صالح من خميس مشيط يقول هل بيع الأغنام حوالة بزيادة قيمتها خمسين في المائة صحيح وحلال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حوالة إذا كان يقصد تأجيلاً يعني بيعها مؤجلة بزيادة خمسين في المائة فلا حرج في ذلك مادام المشتري رشيداً يُحسن التصرف وبالغاً عاقلاً فإنه لا بأس أن يبيعها عليه مؤجلة بزيادة خمسين في المائة أو أكثر أو أقل لكن لابد أن يكون الأجل معلوماً بأن يقول اشتريت منك هذه الشاة إلى مدة سنة أو سنتين أو ما أشبه ذلك فإذا كان المشتري فقيراً ويعرف البائع أنه فقير فقال اشتريتها منك إلى ميسرة يعني إلى أن ييسر الله علي فهذا لا بأس به لأن هذا هو مقتضى العقد فإن المشتري إذا كان فقيراً لم يجز للبائع أن يطالبه بالثمن حتى ييسر الله عليه فكأن هذا الشرط تأكيد لما هو واجب على البائع وهذا القول هو الصحيح وقد دل عليه حديث في السنن عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قدم له بز من الشام فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم لو أرسلت أو بعثت إلى فلان فاشتريت منه ثوبين إلى ميسرة الحاصل أن التأجيل المجهول لا يجوز وأما التأجيل المجهول بما هو مقتضى العقد كأن يقول إلى أن ييسر الله عليَّ فهذا لا بأس به والله أعلم.
***(16/2)
من جمهورية مصر العربية حامد عبد الحميد مقيم في الدمام بالمملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال رجل صاحب محل تجارة يقوم بالبيع عن طريق النقد وعن طريق الدين فيعطي الذي يأخذ بالنقد بسعرٍ أقل من الذي يأخذ بالدين ما حكم الشرع في نظركم في هذا التعامل وهل هو حلالٌ أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا التعامل حلالٌ ولا بأس به يعني إذا كان عند الإنسان سلعة وكان يبيعها بالنقد بمائة وبالمؤجل بمائة وعشرين فإن هذا لا بأس به ومثل هذا جائزٌ بالإجماع لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) ولأن هذا نظيره السلم الذي كان حلالاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلم في شيء فليسلم في كيلٍ معلوم وزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) ومعلوم أن السلم وهو تقديم الثمن وتأخير السلعة لا بد أن يكون فيه تفاوت بين سعر السلم وسعر الحاضر والمسألة التي ذكرها السائل هي عكس السلم صورةً ولكنها بمعناه حقيقةً.
***(16/2)
السائل ع. م. ص فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يقول لرجل أبيعك هذه السيارة إلى العام القادم بستين ألف ريال وإذا لم تسدد المبلغ سيكون المبلغ سبعين ألف ريال في العام الذي يليه وهذا الكلام في بداية العقد فأرجو الإفادة في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقد حرام لأنه ربا وإذا كان البائع شاكا في وفاء المشتري فليجعلها بالثمن الأعلى من الأول وإلى الأمد المتأخر من الأول فإن الإنسان إذا باع ما يساوي ألفا في الحاضر بألفين إلى مدة سنتين لاحرج عليه لدخوله قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أو باعه بألف وخمسمائة إلى سنة فلا شيء عليه أما أن يقول بعتك ما يساوي ألفا بألف وخمسمائة إلى سنة فإن لم تسدد فبألفين فإن هذا حرام لا يحل لأنه ربا.
***(16/2)
الشروط في البيع(16/2)
إذا اشترى الشخص حطباً واشترط على البائع أن ينقله بسيارته إلى المنزل ولكن تعطلت السيارة فهل يجوز للمشتري خصم شيء من قيمة الحطب مقابل عدم نقل الحطب بالسيارة.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشترى الرجل من شخص حمولة حطب واشترط على البائع أن يحملها إلى بيته ولكن تعطلت السيارة فلم يستطع فإن للمشتري أن يخصم على البائع مقدار ما فاته من حمل الحطب لأن البائع قد التزم به ومعلوم أنه بالتزامه به سوف تزيد قيمة الحطب فإذا لم يفِ البائع بما شرط عليه فإن للمشتري أن يخصم مقدار ما فاته من هذا الشرط لكني أرى من باب المشورة والنصيحة أنه إذا كان عدم إيصال الحطب إلى بيت المشتري بغير اختيار البائع ألا يسقط من الثمن شيئاً لأن هذا معذور والإنسان ينبغي أن يكون له كرم وإحسان إلى إخوانه لكن قل لي لو أن البائع لما تعطلت السيارة وقال المشتري لابد أن نخصم من الثمن مقدار ما فات قال أنا أستأجر سيارة وأوصل ففي هذه الحال لا يكون للمشتري أن يخصم شيئاً.
***(16/2)
ما حكم الشرع في التاجر الذي يبيع لك شيئاً ويشترط عليك شيئاً آخر لتأخذه معه نظراً لعدم إقبال الناس على هذا النوع من البضاعة وما حكم البيع هل هو صحيح أم لا وهل يلحقني إثمٌ في شراء ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا لا بأس به أي لا بأس في أن يقول لك البائع أنا لا أبيع عليك هذه السلعة إلا أن تشتري السلعة الأخرى فإن رضيت بذلك فلا حرج لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولقوله (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) فالأصل في الشروط كالأصل في العقود وهو الإباحة والحل حتى يقوم دليلٌ على المنع فإذا اشترط عليك البائع أن تشتري السلعة الأخرى مع ما تريده من السلع فلا حرج عليك في أن تشتري منه إلا إذا كان اشترط عليك سلعة يجري فيها الربا مع الثمن الذي اشتريت به مثل أن تشتري طعاماً بطعام كبرٍ ببر مثلاً فيشترط عليك أن تشتري منه براً آخر فإن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى التفاضل في بيع الجنسين بعضهما ببعض والجنس إذا بيع بعضه ببعض لا يجوز التفاضل فيه لقوله عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) ذكرنا أنه لا بأس إن اشترط البائع على المشتري أن يشتري سلعةً أخرى مع ما يريده إلا إذا تضمن ذلك محظوراً شرعياً كذلك مثال آخر لو طلبت أن تشتري منه ساعة مثلاً فقال لا أبيع عليك هذه الساعة إلا أن تشتري مني سلعة أخرى سلعة لهو آلة موسيقية مثلاً فإن هذا لا يجوز لا يجوز لأن هذا الشرط يتضمن محظوراً شرعياً فيكون باطلاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)
***(16/2)
العربون(16/2)
يقول السائل هل العربون الذي يدفعه المشتري للبائع ثم يبطل البيع بسبب رفض المشتري السلعة هل هو من حق البائع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم العربون هو أن البائع إذا خاف من المشتري أن يفسخ البيع طلب منه العربون فمثلاً إذا باع عليه أرضاً بعشرة آلاف ريال وقال أنا أريد منك عربوناً قدره ألف ريال فأعطاه إياه فإن تم البيع فالعربون من الثمن ويسلم تسعة آلاف فإن لم يتم فالعربون للبائع لأنه هكذا جرى بينهما وهذا الشرط لا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً وهو من مصلحة الطرفين أما المشتري فمصلحته أنه تخلص من السلعة التي قدم لها العربون ومعلوم أنه لن يؤثر غرامة العربون إلا لتلافي خسارة أكبر منها وأما البائع فإن من مصلحته في العربون أنه يأخذ هذا العربون عوضاً عن نظرة الناس إلى المبيع الذي فسخه المشتري فالمهم أن بيع العربون صحيح فإن تم البيع فالعربون أول الثمن وإن لم يتم البيع فالعربون للبائع.
***(16/2)
فضيلة الشيخ نعمل بمجال تقسيط العقارات في بعض الأحيان ونظرا لكثرة العملاء نضطر إلى إعطائهم مواعيد متأخرة بعض الشيء على أن نقوم بدفع جزء أو عربون من قيمة العقار إلى مالكه ونوقع معه عقداً يذكر به بأنه من حق مالك العقار أن يلزمنا بالشراء في الوقت المحدد بالعقد الموقع من كلينا ولا يجوز لنا التأخر عن هذا الموعد على الإطلاق فهل يعتبر العقار المقصود ملكا للشركة يجوز لها بيعه على الغير بالتقسيط وقبض الدفعة المقدمة وتوقيع عقد البيع أم يلزم إتمام الاقتراض ودفع باقي القيمة مع ملاحظة أن البائع له الحق في إلزامنا بالشراء بالوقت المحدد وكما ذكرنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا البيع لم يتم لأن إعطاء العربون وهو ما قدم من الثمن يعني أنه إن تم البيع فهذا العربون من الثمن وإن لم يتم فهو للبائع وهذا البيع لم يتم حتى الآن فلا يجوز بيعه فالواجب الانتظار حتى يتم البيع فإذا تم البيع فلهم بيع ما تم بيعه.
***(16/2)
بعض الزبائن يأتون إلى المكتب العقاري ويسألون عن سكن وإذا شاهدوا المحل دفعوا عربوناً لكي يكون على حظهم العربونً خمسمائة ريال سعودي تقريبا ويذهبون إلى مكاتب أخرى ويبحثون في محل مثل الدور أو شقق أو الدكان وإذا وجدوا عقاراً أفضل لم يأتوا إلينا هل العربون الذي أخذناه حلال لنا أم لصاحب العقار المنزل وأحياناً لا يأتون إطلاقاً نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العربون هو الذي يقدم عند عقد البيع أو الإجارة على أن المقدم لهذا العربون إن أتم العقد فهو من الثمن أو من الأجرة وإن لم يتم العقد فهو لصاحب العقار أو البائع فعلى هذا فإذا أعطاكم المستأجر خمسمائة ريال على أنها عربون ولم يحضر وأيستم من حضوره فهي لكم ولكنها تكون لصاحب العقار ولصاحب المكتب منها مقدار أجرته فإذا كان له على المائة خمسة ريالات فإنه يأخذ على هذا على هذا العربون نصف العشر.
***
معنى بيعتين في بيعة(16/2)
بارك الله فيكم يقول ما معنى النهي عن بيعتين في بيعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) أي في مبيعٍ واحد وهذا النهي يحمل على ما بينته السنة في موضعٍ آخر أي يحمل على بيعٍ يتضمن الربا الصريح أو الذي تحيل عليه وصورة هذه المسألة أن يبيع الإنسان شيئاً بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه من المشتري بأقل منه نقداً مثاله أن يبيع سيارة بستين ألفاً إلى مدة سنة مقسطة إلى سنة ثم يشتريها ممن باعها عليه بأقل نقداً كأن يشتريها بأربعين ألفاً فهذه هي البيعتان في بيعة لأن هذا المبيع وهو السيارة بيع مرتين المرة الأولى بالثمن المؤجل الكثير الثانية بالثمن المنقود اليسير وهذا لا شك أنه يفتح باب التحيل على الربا فيكون المعنى بدلاً من أن يعطيك أربعين ألفاً إلى سنة ثم توفيه ستين ألفاً بدلاً من ذلك يأتي بهذه السيارة ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في مسألة العينة دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة يعني هذه حقيقتها ولهذا حذر النبي صلى الله عليه على آله وسلم منها حين قال (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر يعني إلى الحرث ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً في قلوبكم لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) .
***(16/2)
الربا والصرف - تعريف الربا وأنواعه وحكمه(16/2)
المستمع ع. ش. ع. من الصومال يسأل عن الربا فضيلة الشيخ ما هو وما مراتبه إن كان له مراتب وما هي عقوبته عند الله سبحانه وتعالى أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الربا في اللغة الزيادة ومنه قوله تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) أي زادت وأما في الشرع فهو زيادةٌ في أشياء مخصوصة منع الشارع من الزيادة فيها حين التبادل أو تأخير القبض حين يجب في القبض قبل التفرق ولهذا يقول أهل العلم إن الربا نوعان ربا فضل وربا نسيئة فربا الفضل يعني ربا الزيادة وربا النسيئة يعني ربا التأخير ولكن يجب أن نعلم أولاً أنه ليس كل رباً يكون من الربا المحرم بل إن الربا المحرم في أشياء مخصوصة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وقال (من زاد أو استزاد فقد أربى) فإذا بعت ذهباً بذهب فلا بد من شرطين الشرط الأول التساوي في الوزن لا في القيمة لأن القيمة لا تهم بل لا بد أن يكون التساوي في الوزن والثاني القبض قبل التفرق مثال ذلك شخص أبدل حلياً من الذهب بحليٍ آخر من الذهب وزنهما سواء لكن قيمتهما تختلف فهذا يشترط فيه القبض قبل التفرق وأما اختلاف القيمة فلا يضر لقول النبي عليه الصلاة والسلام (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) فأما إذا اختلفت الأصناف مثل أن يبيع ذهباً بفضة فإن ربا الفضل هنا لا يثبت وتجوز الزيادة فيجوز مثلاً أن يبدل مثقالاً من الذهب بخمسين مثقالاً من الفضة ولكن يشترط التقابض قبل التفرق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم) إذا اتفق الجنس فلا بد من شرطين التساوي في الوزن والثاني القبض قبل التفرق وإذا اختلف الجنس كذهب بفضة فلا بد من شرط واحد التقابض قبل التفرق هذا بالنسبة للذهب بالفضة بالنسبة للطعام البر والشعير والتمر والملح إذا باع شيئاً بجنسه فلا بد فيه من التساوي بالكيل لا بالوصف ولا بد من التقابض قبل التفرق فإذا باع صاع بر من نوعٍ معين بصاع بر من نوعٍ معين فلا بد من التقابض قبل التفرق فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فقد وقعا في الربا ربا النسيئة وصار العقد باطلاً وكذلك لو باع صاعاً بصاعين فإنه ربا ولو حصل القبض لأنه من جنسٍ واحد ولهذا لما جاء بلال بتمرٍ جيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله (من أين هذا) قال يا رسول الله كنت أشتري الصاع من هذا بصاعين والصاعين بالثلاثة ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم أي ليأكل طعاماً جيداً والطعام تمر والتمر من الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوّه) وهذه كلمة توجع (لا تفعل رده) ثم أرشده إلى أن يبيع التمر الردئ بالدراهم ويستلم الدراهم ويشتري بها تمراً جيداً وهذا يدل على أن الجنس إذا بيع بجنسه لا يجوز فيه التفاضل ولو كان من أجل اختلاف الوصف بالجودة والرداءة بل لا بد من التساوي كذلك أيضاً الشعير والتمر وغير ذلك مما يجري فيه الربا إذا بيع الشيء بجنسه فلا بد من أمرين هما التساوي في المكيال إن كان مكيلاً وفي الوزن إن كان موزوناً وإن بيع بغير جنسه فإنه لا بد من شرطٍ واحد وهو القبض قبل التفرق ولا يشترط التساوي لأن اشتراط التساوي متعذر إلا أن السنة قد دلت على أنه إذا كان اختلاف الجنس لكون أحد الجنسين نقداً وثمناً فلا بأس في تأخير القبض وذلك فيما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين أي يقدمون الثمن للثمار التي سيأخذونها بعد سنة أو سنتين فقال رسول صلى الله عليه وسلم (من أسلف في شيء فليسلف في شيء معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) وعلى هذا فإذا كان أحد العوضين نقداً فإنه يجوز التفرق قبل القبض وإن كان العوضان نقداً ولكن الجنس مختلف فلا بد من التقابض قبل التفرق أما ما طلبه السائل من ذكر النصوص التي فيها الوعيد على الربا فإنه وردت في الربا آياتٌ كثيرة وأحاديث كثيرة تدل على عظمه وفظاعته ومن ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله عز وجل (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) نصيحتي لإخواني المسلمين أن يبتعدوا عن الربا كله ربا الفضل وربا النسيئة وأن يعلموا أن رزق الله عز وجل لا يستجلب بمعاصيه وأن ما يملكونه بالربا فلا خير فيه ولا بركة قال تعالى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) وفي قوله تعالى (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) دليلٌ على أن الأموال التي تكون من الربا لو تصدق بها الإنسان لم تقبل لأنها لو قبلت لربت عند الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى يقبل أو يأخذ الصدقة من كسبٍ طيب فيربيها لصاحبها كما يربي الإنسان فلوه حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل.
***(16/2)
أرجو إيضاح معنى ربا الفضل وربا النسيئة
فأجاب رحمه الله تعالى: ربا الفضل يعني ربا الزيادة مثل أن يبيع الإنسان درهماً بدرهمين أو ديناراً بدينارين أو صاعاً من التمر بصاعين من التمر هذا ربا الفضل وربا النسيئة تأخير القبض فيما يجب فيه القبض فمثلاً الواجب فيما إذا باع الإنسان تمراً بتمر أن يكون التمران متساويين وأن يكون القبض قبل التفرق وإذا باع تمراً بشعير فالواجب أن يكون التقابض قبل التفرق فإن تأخر القبض صار الأول أي بيع التمر بتمر مثله فيه ربا النسيئة وكذلك إذا باع تمر بشعير وتأخر القبض فيكون فيه ربا نسيئة وقد يجتمع ربا النسيئة والفضل إذا باع تمراً بأكثر منه مع تأخر القبض فهذا فيه ربا الفضل من أجل الزيادة وفيه ربا النسيئة من أجل تأخير القبض وربا النسيئة هو تأخير القبض فيما يجب فيه التقابض قبل التفرق من الربويات والفضل هو الزيادة فيما يشترط فيه التساوي.
***
قبول هدية المرابي(16/2)
يا شيخ هل يجوز قبول الهدية من شخص نعلم أنه يتعامل بالربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يقبل هدية مَنْ يتعامل بالربا ويجوز أن يبايعه ويشتري منه ويجوز أن يجيب دعوته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود واشترى من يهودي طعاماً لأهله إلا إذا علمنا أننا إذا كففنا عنه ولم نبايعه ولم نشتر منه ولم نقبل هديته ارتدع عن الربا فحينئذ نفعل ذلك لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى.
***
ما يجري فيه الربا(16/2)
أبو سعيد من حضرموت يقول فضيلة الشيخ ما معنى هذا الحديث قال صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والملح بالملح يداً بيد سواءً بسواء فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أو كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث السؤال هو هل إذا اشتريت براً أو تمراً يشترط أن أدفع القيمة في الحال لأنه في حديثٍ آخر يقول (إذا اختلفت هذه الأنواع فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) أرجو توضيح هذه المسألة بأدلة واضحة حتى نفهم الجواب ولكم الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما قال الأخ السائل وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح) هذه ستة أشياء (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وتفصيل ذلك أنك إذا بعت براً ببر وجب عليك أمران الأمر الأول التساوي في المكيال بأن يكون كلاهما سواءً والأمر الثاني التقابض قبل التفرق لقوله (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) وإذا بعت براً بشعير وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق ولا يجب التماثل لاختلاف الجنس وهذا معنى قوله (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شيءتم) يعني بزائدٍ أو ناقص (إذا كان يداً بيد) وإذا بعت ذهباً بذهب وجب عليك أمران التساوي في الوزن والتقابض قبل التفرق وإذا بعت ذهباً بفضة وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق وأما التساوي فلا يجب عليك بقي ما لو اشتريت براً بذهب فإن ظاهر الحديث أنه لا بد من التقابض قبل التفرق لقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وشراء البر بالذهب فيه اختلاف صنفين وعلى هذا فيجب التقابض قبل التفرق هذا ظاهر عموم الحديث ولكن هذا الظاهر غير مراد فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز السلم في الثمار وهو أن يُشترى من الفلاح تمرٌ بدراهم منقودة مع تأخر قبض التمر قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أسلم في شيء فليسلم في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) ففي هذا الحديث نصٌ صريح على جواز شراء التمر المؤجل بنقدٍ معجل وعلى هذا فيكون هذا النص مقدماً على ظاهر العموم في الحديث الذي ذكرناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم) .
***(16/2)
ع. م. يقول نرجو إيضاح معنى (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) مع التمثيل مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد) أن الإنسان إذا باع ذهباً بذهب فلا بد فيه من أمرين الأمر الأول أن يكون مثلاً بمثل أو وزناً بوزن والثاني أن يكون يداً بيد أي يكون التقابض قبل التفرق مثال ذلك رجل باع مثقالاً من الذهب بمثقالٍ من الذهب وتقابضا قبل التفرق من المجلس فهذا البيع صحيح لانطباق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عليه فهو (مثل بمثل ويداً بيد) ومثال ما لا يصح أن يبيع مثقالاً ونصفاً من الذهب بمثقالٍ وثلث من الذهب فهذا البيع لا يصح لأنه ليس مثلاً بمثل بل أحدهما مثقالٌ ونصف والثاني مثقالٌ وثلث فلم يحصل التماثل فلا يصح البيع ويسمى هذا ربا الفضل ولو باع عليه مثقالاً من الذهب بمثقالٍ من الذهب لكن تأخر القبض مثل أن يعطيه المثقال من الذهب ولكن لا يقبض منه عوضه من الذهب إلا بعد مدة ولو ساعة فإن البيع لا يصح لأنه ليس يداً بيد وكذلك نقول في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفضة بالفضة أي إنه إذا باع فضة بفضة فلا بد من هذين الشرطين الأول أن يتماثلا في الوزن والثاني أن يحصل القبض قبل التفرق مثاله أن يبيع مثقالاً من الفضة بمثقالٍ من الفضة مع التقابض في المجلس فالبيع هنا صحيح لانطباق الحديث عليه فهو مثلٌ بمثل ويدٌ بيد ومثال ما لا يصح أن يبيع مثقالاً وثلثاً من الفضة بمثقالٍ ونصف من الفضة يداً بيد فهنا لا يصح البيع لعدم التماثل بينهما أو يبيع مثقالاً من الفضة بمثقال من الفضة مع تأخر القبض في أحدهما عن مجلس العقد فهنا لا يصح البيع لعدم كونه يداً بيد والخلاصة أنه إذا بيع الذهب بالذهب فلا بد فيه من أمرين التماثل وزناً والتقابض في مجلس العقد وإذا بيعت فضة بفضة فلا بد من أمرين التماثل في الوزن والتقابض في مجلس العقد هذا هو معنى الحديث منطوقاً ومفهوماً
***(16/2)
المستمع من القصيم أو التاجر من القصيم ن. س. ف. يقول أنا أحد التجار الذين يتعاملون بالذهب بيعاً وشراءً وفي بعض الأحيان نبيع الذهب إلى تاجرٍ آخر وليس لديه السيولة الكاملة لدفع المبلغ المطلوب مما يضطرنا إلى إمهاله ليومٍ أو يومين لحين توفر المبلغ لديه أرجو من فضيلتكم إفادتنا عن هذا العمل عموماً هل هو جائز أم لا مع العلم أن هذا العمل الآنف الذكر لا يتم إلا بيننا معشر التجار حيث توجد الثقة المتبادلة والضرورة التجارية للقيام بهذا العمل أرجو إفادتي ولكم خالص شكري وتقديري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ سواءً بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) فبيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي في الوزن بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر والشرط الثاني التقابض في مجلس العقد من الطرفين بحيث يسلم لك وتسلم له بدون تأخير فإن اختلف أحد الشرطين فالعقد باطلٌ وربا وقد عُلم ما جاء في الربا من الوعيد الشديد في القرآن وفي السنة وقال الله تعالى في المرابين (وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) و (لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا خمسة آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) فأما إذا بيع الذهب بالفضة أو بما كان بديلاً لها كالأوراق النقدية فإنه يشترط فيه شرطٌ واحد وهو التقابض في مجلس العقد بمعنى أن يقبض كلٌ من البائع والمشتري بدون تأخير لقوله صلى الله عليه وسلم (فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وعلى هذا فتبايع التجار للذهب بدون أن يقبض البائع الثمن من المشتري محرم حتى ولو كان يثق به بل الواجب أن يكون يداً بيد ومن المؤسف أن كثيراً من تجار الذهب الذين يبيعون الحلي يتهاونون في هذا الأمر ومن الغرائب ومن العجائب والعجائب جمةٌ أن هؤلاء الذين يبيعون ويؤخرون استلام الثمن أنهم يضرون أنفسهم من الناحيتين الدينية والدنيوية أما الناحية الدينية فإنهم يخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (يداً بيد) أما الدنيوية فإنه لا شك أن البيع بالنقد أعظم للبائع وأسلم لأنه ربما تمهله واثقاً به ولا تأتيه الأمور على ما ينبغي فقد يمرض أويموت أويضيع منه الشيء فيماطلك إلى غير ذلك من الأسباب التي توجب تأخير التسليم إلى أمدٍ لا ترضاه أنت أيها البائع أو تفضي لعدم التسليم بالكلية لحق البائع لهذا نرى أنه من الخطأ بل ومن السفه أيضاً أن يتبايع الناس بالذهب بدون قبض وأنت لا حرج عليك إذا قلت للمشتري إما أن تسلمني الثمن وإلا فلا بيع وكثيرٌ من السلع الآن تباع نقداً وإذا لم يكن مع الإنسان نقدٌ فإنهم لا يبيعون عليه وحينئذٍ يضطر أن يأخذ الثمن معه قبل أن يقف على صاحب الحاجة ويشتريها.
***(16/2)
ما حكم بيع القمح أو الشعير بضعف ثمنها إلى مدة سنة مع العلم بأن سعرها الآن مثلاً عشرة وبعد سنة عشرين هل يعتبر ذلك ربا أم لا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أن الربا من كبائر الذنوب وأن الله توعد على فعله وعيداً لم يكن مثله في شيءٍ من المعاصي التي هي كفر كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال الله تعالى في المرابين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) ولكن يجب أن نعلم في أي شيء يكون الربا، يكون الربا في ستة أصناف بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فهذه الأصناف الستة إذا بعت شيئاً بجنسه فلابد فيه من أمرين التساوي والتقابض قبل التفرق مثال ذلك أن تبيع ذهبا بذهب فلابد من أن يتساويا في الوزن والقبض قبل التفرق بعت فضة بفضة كذلك لابد أن يتساويا في الوزن وأن يكون التقابض قبل التفرق، بعت براً ببر فكذلك يجب التقابض قبل التفرق ويجب التساوي في المكيال وكذلك الشعير وكذلك التمر وكذلك الملح أما إذا بعت جنساً بآخر كما لو بعت براً بشعير فلا بأس من التفاضل أي لا بأس أن يزيد أحدهما على الآخر ولكن لابد من التقابض فإذا بعت صاعاً من البر بصاعين من الشعير فهو جائز لكن لابد من التقابض قبل التفرق لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وإذا بعت ذهباً بفضة متفاضلاً فلا بأس وكذلك إذا بعت ألف غرام من الذهب بعشرة آلاف غرام من الفضة فلا بأس بشرط التقابض قبل التفرق وماعدا هذه الأصناف الستة فإنه لا ربا فيه أصلاً إلا ما كان مثلها كالذرة التي تشابه الشعير أو البر والعنب الذي يشابه التمر وما أشبه ذلك والمراد بالعنب إذا كان زبيباً لأنه قبل ذلك يلحق بالفاكهة وأعلم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أقر الصحابة حينما قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والإسلاف أن يقدم الثمن ويؤخر المبيع مثل أن تعطي الفلاح ألف ريال بألفي كيلو من التمر بعد سنة وبناءً على ذلك يتبين الجواب على هذا السؤال وأنه لا حرج على الإنسان أن يبيع براً مؤجلاً إلى سنة بدراهم نقداً كما كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه.
***
مسائل في بيع الذهب(16/2)
المستمع أبوعلي يقول إذا اشتريت مصاغاً ذهبياً وأعطيت صاحب المحل شيكاً فهل يعتبر بذلك استلاماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشترى الإنسان ذهباً وأعطى البائع شيكاً بالثمن فإن ذلك لا يعتبر قبضاً بل هو حوالة وعلى هذا يكون هذا العقد باطلاً لأنه لم يحصل فيه القبض والقبض إنما يكون بأخذ العوض فإذا اشترى إنسان ذهباً بعشرة آلاف وأعطى البائع شيكاً على مصرف من المصارف فإن هذا لا يعتبر قبضاً والبيع باطل والذهب للبائع وليس في ذمة المشترى شيئ من ثمنه لبطلان البيع والطريق السليم أن يذهب المشتري إلى المصرف ويأخذ عشرة آلاف بيده ثم يأتي بها إلى مكان البائع ويتم العقد على هذا فيحضر البائع الذهب وتكون هذه الدراهم مع المشترى ويكون كل واحد منهم يقبض من الآخر في مجلس العقد.
***(16/2)
من أسئلة السائل أبو عبد الله يقول إذا اشتريت ذهباً من محل وأعطيته شيكاً مصدقاً أو أعطيته بطاقة الصرف الآلي وسحب من حسابي إلى حسابه مباشرة هل يعتبر هذا قبضاً علماً بأن المبلغ يدخل في حسابه مباشرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعتبر قبضاً ما دام نقل إلى حساب البائع مباشرة في مجلس العقد فلا بأس وكيفية ذلك أن يكون المشتري في دكان البائع ولكلٍ من البائع والمشتري حساب في بنك معين فيتصلان على صاحب البنك يقول المشتري انقل كذا وكذا من حسابي إلى حساب فلان فيقول فعلت هذا قبض أما الشيك المصدق فإنه ليس بقبض ولكنه حوالة والتصديق يعني إقرار البنك بأن عنده هذا الرصيد فقط والدليل على أنه ليس بقبض أن هذا الشيك المصدق لو ضاع لرجع البائع على المشتري وقال إن الشيك ضاع قبل أن أستلم ما فيه فإن قال قائل إذا لم تمكن هذه الحال قلنا الأمر سهل لا تأخذ البيع اذهب وأئت بالدراهم من البنك الذي عنده حسابك ثم سلمها للبائع واعقد العقد من جديد ولا تعتمد على العقد الأول لأنه باطل ولأنه قد يزيد الذهب أو ينقص فيما بين إحضار الدراهم وبين الاتفاقية.
***(16/2)
يقول ما حكم بيع الذهب ديناً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب ديناً إن كان لشيء لا يحل النسأ فيه بينهما فهو حرام مثل أن يبيعه بدراهم فإن ذلك حرام عليه ولا يجوز وأما إذا كان بما يجوز أن يباع به نسيئة فلا حرج في ذلك مثل أن يبيع الحلي بشيء من الثياب أو من المعدات أو من السيارات ونحو هذا فإنه لا بأس به.
***(16/2)
ما حكم بيع الذهب المستعمل استعمالاً بسيطاً بسعر جديد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب استعمالاً يسيراً بسعر جديد إن كان غشاً من البائع فهو حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من غش فليس منا) وإن كان بغير غش مثل أن يعلم البائع المشتري بأنه مستعمل فيكون المشتري قد دخل على بصيرة ويخبره أيضاً بأن الثمن الذي حده به هو ثمنه جديداً فإن هذا لا بأس به إذا رضي المشتري بذلك وكان ممن يجوز منه التبرع.
***(16/2)
رجل اشترى قطعة ذهبية بملغ مائتي دينار واحتفظ بها مدة من الزمن إلى أن زادت قيمة الذهب أضعافاً فباعها بثلاثة آلاف دينار فما حكم هذه الزيادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الزيادة لا بأس بها ولا حرج ومازال المسلمون هكذا في بيعهم وشرائهم يشترون السلع وينتظرون بها زيادة القيمة ربما يشترونها لأنفسهم للاستعمال ثم إذا ارتفعت القيمة جداً ورأوا الغبطة في بيعها باعوها ومع أنهم لم يكن عندهم النية في بيعها من قبل المهم أن الزيادة متى كانت تبعاً للسوق فإنه لا حرج فيها ولو زادت أضعافاً مضاعفة.(16/2)
فضيلة الشيخ: لكن لو كانت الزيادة في ذهب بأن بادل بها بذهب آخر وأخذ زيادة في الذهب الآخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا وزناً بوزن كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ويداً بيد أيضاً فإذا بعت ذهباً بذهب ولو اختلف في القيمة يعني أحدهما أطيب من الآخر فإنه لا يجوز إلا مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فلو أخذت من الذهب عيار ثمانية عشر مثقالين بمثقال ونصف من الذهب عيار أربعة وعشرين فإن هذا حرام لا يجوز لأنه لابد من التساوي ولو أخذت مثقالين بمثقالين من الذهب ولكن تأخر القبض في أحدهما فإنه لا يجوز أيضاً لأنه لابد من القبض في مجلس العقد ومثل ذلك أيضاً بيع الذهب بالأوراق النقدية المعروفة فإنه إذا اشترى الإنسان ذهباً من التاجر أو من الصائغ لا يجوز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة إذ أن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الفضة وبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس العقد قبل التفرق.(16/2)
فضيلة الشيخ: هل تجوز الزيادة أو النقص إذا اختلف الجنس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اختلف الجنس فإنه لا بأس بالزيادة والنقص لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يد بيد) .
***(16/2)
السائلة أم ياسر تسأل عن حكم شراء الذهب بالتقسيط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط على نوعين النوع الأول أن يشترى بالدراهم فلا بد من التقابض في مجلس العقد فإذا اشترت امرأة حلي ذهب بخمسة آلاف ريال فلا بد أن تسلم خمسة آلاف ريال في مجلس العقد ولا يجوز أن تشتريه بالتقسيط لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في بيع الذهب بالفضة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) والثاني أن يشتري الذهب بغير الدراهم مثل أن تشتريه بقمح فتقول المرأة اشتريت منك هذا الحلي بمائة صاع قمح كل شهر عشرة أصواع فلا بأس لأن البيع هنا وقع بين شيئين لا يحرم بينهما النسأ أي التأخير وعلى هذا نقول إذا بيع حلي الذهب بذهب فلا بد من أمرين التساوي في الوزن والقبض قبل التفرق فإذا بيع بفضة أو دراهم نقدية فلا بد من أمرٍ واحد وهو التقابض قبل التفرق وإذا بيع بغير ذلك فلا بأس من بيعه بالأقساط وتأجيل الثمن.
***(16/2)
ما حكم شراء الذهب بالتقسيط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط إن اشتري بغير العملة الورقية وبغير الذهب وبغير الفضة فلا بأس به مثل أن يشترى بطعام من تمر أو بر أو يشترى بسيارات وما أشبه ذلك فإنه لا حرج فيه لأنه لا ربا بين الذهب والفضة وبين المطعومات ولا ربا بين الذهب والفضة وبين المصنوعات أما إذا اشتراه الذي اشترى الذهب بالتقسيط بعملة ورقية أو بذهب أو بفضة فإن ذلك حرام لأن بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي وزنا والشرط الثاني التقابض في مدة العقد وإذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة اشترط فيه شرط واحد وهو التقابض في مدة العقد قبل التفرق لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء يد بيد) ولقوله عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) .
***(16/2)
السائل عبد الله الحسن يقول تذهب بعض النساء لشراء ذهب ويقول لهم صاحب المحل خذوا هذا السلعة وسددوا لي ما يتيسر لكم إلى أن يستوفي المبلغ الذي في ذمتهم هل هذا يجوز.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز لأن بيع الذهب بالدراهم لابد أن يكون يداً بيد فإن الدراهم نقد عوض عن فضة وبيع الذهب بالفضة يشترط فيه أن يكون يداً بيد كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف) يعني الأصناف التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد) قال (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) أما لو بيع الذهب بغير هذه الأصناف مثل أن يباع الذهب بتمر أو بسيارة أو ما أشبه ذلك مما لا يتوافق معه في علة الربا فإنه لا بأس بالتفرق قبل القبض.
***(16/2)
امرأة تعمل في بيع وشراء الذهب تقول عندي حلق صغير للبنات وغوايش وخواتم ويقوم بعض النسوة بأخذ ما يردن من الذهب ويدفعن لي الثمن بعد شهر أو شهرين لأنني أثق بهن وهن من جاراتي في الحارة هل يصح هذا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهب بالذهب وإن شيءت فقل مبادلة الذهب بالذهب لا تجوز إلا بشرطين:
الشرط الأول التماثل والتساوي في الوزن فلا يجوز البيع من الذهب بالذهب مع زيادة مع أحدهما سواء كانت هذه الزيادة من جنس الذهب أو من فضة أو من أوراق عملة كل هذا لا يجوز.
الشرط الثاني التقابض في مجلس العقد ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه واله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثل بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) قال هذا إذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة فانه لا يجوز التفرق من مجلس العقد إلا إيقافه من الطرفين وبناءً عليه نقول في جواب هذه المرأة السائلة إنه لا يجوز أن تعطي الذهب من يشتريه ولا يسلم الثمن إلا بعد مدة لأن ذلك ربا ولكن تقول للمشترية التي تطلب هذا الذهب تقول ائت بالثمن ويتم العقد والمشترية ربما تجد من يقرضها وتشتري به هذه الحلي فإذا قدر أنها أيست وأنها تحتاج إلى هذا الحلي فلها أن تتفق مع البائعة فتقول اجعلي هذا الذهب عندك حتى آتي بالثمن ثم نعقد البيع بعد أن أحضر الثمن فإن هذا لا بأس به لأن المرأة قد يعجبها نوع من الحلي عند البائعة وتخشى أن يُشترى ويفوتها فلتتفق مع البائعة بأن تبقيه عندها حتى تتحصل الثمن ثم تأتي وتشتري فيه بالسعر الذي يكون عند الشراء.
***(16/2)
فضيلة الشيخ حسن بريك من الليث السائل يقول اشترى شخص ذهباً بثمانية آلاف ريال ودفع نقداً ثلاثة آلاف ريال رهن بالمبلغ الباقي خمسة آلاف ذهب يوزن في ذلك اليوم على أن يسدد المبلغ في مدة متفق عليها وإذا لم يسدد المبلغ في مدة متفق عليها وإذا لم يسدد في الموعد المحدد فإن الذهب يصبح من حق صاحب المحل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان يشتري ذهباً بدراهم إلا أن يسلم الثمن قبل التفرق ويستلم الذهب قبل التفرق وهذه المعاملة التي ذكرت في السؤال نقول أما ما سلم ثمنه فالبيع فيه صحيح وأما ما لم يسلم ثمنه فالبيع فيه فاسد الذهب لصاحب الدكان والدراهم عند صاحبها فليبلغ الآن صاحب الدكان أن الصفقة تبعضت صحت فيما قبض ثمنه وبطلت فيما لم يقبض ثمنه والذهب لصاحبه إن زاد فهو زائد أي أن زادت قيمته في الأسواق فهي زائدة وهي لصاحب الدكان وإن نقصت فهي على صاحب الدكان والدراهم عند صاحبها لم يسلمها حتى الآن.
***(16/2)
مقيم في دولة الكويت حسين محمد أبو عبد الرحمن يقول اشترينا ذهباً من أحد المحلات ثم بعد أيام قليلة أردنا أن نستبدل هذا الذهب بذهب آخر وهذا حسب الاتفاق على الترجيع أم لا فاستبدلناها بذهب قيمته أقل من قيمة الذهب الأول فأخذنا الجديد مع الفارق من المال فهل هذا البيع والشراء جائز؟ نرجو التفصيل في هذا يا سماحة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به إذا آخذتم الذهب ودفعتم القيمة على أنه إن صلح لكم وإلا رددتموه وأخذتم بدله لأن هذا عبارة عن فسخ البيع الأول وتجديد بيع آخر أما لو لم يكن بينكم اتفاق في الأول واشتريتم الذهب جازمين عليه ثم بعد ذلك رددتموه على البائع وقلتم أبدل لنا هذا الذهب بذهب آخر مع الفارق فإن ذلك لا يجوز لأن هذا بيع لا فسخ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (الذهب بالذهب مثل بمثل سواء بسواء يد بيد) .
***(16/2)
يقول ما حكم أخذ الفرق عليه بالبيع يعني على الذهب إذا باع ذهباً وأخذ الفرق أو باع ذهباً بذهب وأخذ الفرق بينهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع ذهباً بذهب وأخذ الفرق بينهما فإن كان هذا الفرق في مقابلة زيادة الذهب الثاني فهذا مختلف فيه من العلماء من أجازه كشيخ الإسلام ابن تيمية وقال إنه يجوز أن تبيع حلياً زنته عشرون مثقالاً بحلي زنته خمسة وعشرون مثقالاً وتجعل مع الناقص دراهم تقابل خمسة المثاقيل الزائدة على عشرين ويقول إن هذا لا ينافي قول النبي صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب مثلاً بمثل) لأننا هنا نجعل الزائد أو نجعل الدراهم في مقابلة الزائد الذي هو خمسة مثاقيل ونجعل عشرين مثقالاً من الخمس وعشرين يقابل عشرين مثقالاً التي معها الدراهم ويتحقق بذلك ما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم من كون الذهب بالذهب مثلاً بمثل والمشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك لا يجوز وقالوا إن عموم الحديث (مثلاً بمثل) يشمل هذه الصورة وهذه الصورة لا شك أن فيها زيادة في أحد الجانبين من غير الجنس وزيادة من الجنس في الجانب الآخر وقالوا إن ذلك لا يجوز والاحتياط ألا يفعل. هذا هو الأحوط وأن يبيع صاحب الذهب القليل ذهبه خارجاً يعني على إنسان آخر ثم يأخذ ثمنه ويضيف إليه الدراهم التي سيضيفها إليه من قبل ويشتري الذهب الجديد هذا أسلم وأحوط وأبرأ للذمة.(16/2)
فضيلة الشيخ: أو مثلاً يبيع على صاحب المحل ويقبض نقوده وإن شاء اشترى منه أو من غيره ويشتري إن أراد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا لا ينبغي إذا كان من نفس صاحب الذهب لا سيما إذا كان هناك مواطأة من قبل أو اتفاق على أنه يبيع عليه ويشتري منه فإن هذا يكون حيلة إنما لو أنه باعه على صاحب الدكان وأخذ الدراهم وذهب يطلب من محل آخر فلم يستقم ولم يشتر شيئاً ثم رجع إلى الأول فهذا لا بأس به كما قال ذلك الإمام أحمد رحمه الله.
***(16/2)
هل يجوز البدل في الذهب مثلاً آخذ خاتم صديقتي وأعطيها خاتماً بدلاً منه وكلٌ منا يعرف قيمة الخاتمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان وزن هذين الخاتمين سواءً وليس فيهما خلطٌ سوى الذهب فإنه لا بأس في ذلك إذا كان يداً بيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب الفضة بالفضة) إلى أن قال (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) أما إذا كان أحدهما أكثر من الآخر وزناً فإن ذلك لا يجوز حتى وإن دفع الناقص الفرق بين الناقص والزائد لقول النبي عليه الصلاة والسلام (مثلاً بمثل سواءً بسواء) فإذا قال قائل إذاً كيف نصنع نقول تبيع إحداهما خاتمها على شخص وإما تشتري هذا الخاتم الأخرى.
***
تبادل العملات والاتجار بها(16/2)
السائل محمد عبد الله يقول ما حكم التجارة في العملات النقدية
فأجاب رحمه الله تعالى: التجارة في العملات النقدية لا بأس بها لكن يجب إذا تعامل بالنقود أن يكون التقابض في المجلس من الطرفين فإذا أردت أن تصرف دراهم سعودية بدولار أمريكي فلا باس لكن بشرط أن يكون التقابض من الجانبين في المجلس قبل التفرق.
***(16/2)
السائل عبد الحكم العراق يقول ما حكم بيع عملة بعملة أخرى بالأجل أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بيع عملة بعملةٍ أخرى مع التأجيل لا يجوز على القول الذي أختاره ومن المعلوم أن هذه العملات الورقية لم تخرج قديماً وإنما خرجت حديثاً ولهذا اختلف العلماء في حكمها حتى أوصلها بعض العلماء إلى ستة أقوال وأختار منها أنا أنه لا يجوز فيها النسيئة ويجوز فيها الفضل بمعنى أنه لا يجوز أن أبدل ديناراً بدولار مع التأجيل سواءٌ كان ذلك مؤجلاً أو تأخر القبض وهو غير مؤجل فإذا أردت أن أبيع دولاراتٍ بدنانير فوجب أن آخذ الدولارات وأسلم الدنانير في المجلس بدون تأخير وهكذا أيضاً لو أردت أن أبيع الدولارات بالريالات السعودية فإنه لا بد من أن آخذ العوض في المجلس يداً بيد أما الزيادة والنقصان فليست بحرام وذلك لاختلاف الجنس وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل ويداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) واختلاف الجنس يكون باختلاف الدولة المصدرة لهذا النقد وباختلاف المادة التي صنع منها هذا النقد وبناءً على هذا فإذا صرف الإنسان عشرة ريالات سعودية من الورق بتسعة ريالات سعودية من المعدن فإن ذلك لا بأس به لكن لا بد أن يكون يداً بيد وخلاصة الجواب أن هذه الأوراق النقدية يجري فيها ربا النسيئة بمعنى أنه يحرم تأخير القبض من الجانبين أو من أحدهما عن مجلس العقد وأما ربا الفضل فليس بحرام لاختلاف الجنس فتجوز الزيادة والنقصان ولا حرج في هذا وعليه فإذا أبدلت عملة بعملة أخرى على وجه التأجيل فإن ذلك حرام لا يجوز أو صرفت عملة بعملة أخرى على وجهٍ حال لكن لم يقبض العوضان في المجلس فإن ذلك أيضاً لا يجوز.
***(16/2)
حامد شاكر من حريملاء عندما يريد أحد الأشخاص تحويل أمواله من عملة إلى عملة أخرى فماذا يلزمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يلزمه إذا أراد أن يبدل عملة بعملة أخرى أن يقبض كل من الطرفين البائع والمشتري العوض الذي انتقل إليه بمعنى أن تكون المبايعة يداً بيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) فلا بد في المصارفة بين العملات من التقابض في مجلس العقد ولا يجوز تأخير القبض.
***(16/2)
استدنت من أحد الأصحاب مبلغاً بعملة أجنبية ووعدته أن أردها له بعملة بلاده ولكنها ستزيد في هذه الحالة وهو يعلم وهو لم يطالبني بزيادة حيث أنه صديقي وليس في نيته التعامل بالربا ثم إني لجأت للتقدير فوجدت التقدير مقارب للمبلغ الذي ذكرته له فدفعت له هذا المبلغ بعد أن استفتيت قلبي لكن لازلت خائفاً أفيدوني رحمكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن استبدال العملات بعضها ببعض من باب الصرف وليس من باب القرض وإذا كان من باب الصرف فإنه يشترط فيه أن يكون يداً بيد فلا يجوز أن تأخذ منه عملة ثم ترد إليه بعد حين عملة أخرى من غيرها لأن هذا معناه الوقوع في الربا وهو ربا النسيئة فالعملات النقدية حكمها في التبادل بينها حكم بيع الذهب بالفضة لابد فيها من التقابض قبل التفرق وعلى هذا فالواجب عليك لو استفتيت أهل العلم قبل أن تستفتي قلبك والواجب عليك ألا ترد عليه إلا مثل العملة التي أخذت منه ولا يجوز أن تبدلها بغيرها وهذا ينبغي أن يكون طريقك في المستقبل وإذا أمكن أن ترد العملة التي أعطيتها إياه ثم ترد عليه مثل ما أخذت فهو الواجب عليك.
***(16/2)
السائل طاهر حسن يقول أنا مقيم بالمملكة ولدي أولاد في بلدي مما يدعوني لإرسالي إليهم مصاريف إما عن طريق البنك أو عن طريق شخص يتعامل في التحويل أو تبديل العملات ويتم ذلك عبر الاتصال التلفوني ولم يكن هناك تقابض مع الطرف المحول فهل علي شيء في ذلك علماً بأنني قرأت حديثاً في منهاج المسلم يخص الصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيعوا الذهب بالفضة كيف شيءتم يداً بيد) ومن شروط صحة جواز الصرف التقابض في المجلس وأنا يتعذر علي ذلك فهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه يمكن أن تحول الدراهم بالعملة التي في البلد الذي أنت فيه فإذا بلغت المحال عليه صرفها إذا شاء بسعر يومها في ذلك البلد مثال ذلك تحول عن طريق البنك الدراهم على أنها سعودية فإذا وصلت البنك في بلدك وأتى المحال له ليقبضها ويريد أن يحولها إلى عملة بلدك فليسأل كم السعر ثم يصارف البنك الذي حولت إليه في سعرها في وقتها ويقبض هذه طريقة لا بأس بها ولا فيها كلافة فليلزمها فإنها جائزة أما التحويل وصرفها إلى نقود البلد المحال عليه بدون قبض فهذا لا يجوز.
***(16/2)
المستمع م. ك. س. من الدمام يقول بعض العملات ترتفع أحيان وأحياناً تنخفض فمع انخفاضها نقوم بشرائها حتى ترتفع قيمتها ونبيعها بعد ذلك بثمن أكثر هل يجوز لنا ذلك مع إيضاح الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يشتري العملات عند رخصها فإذا زادت قيمتها باعها كما يجوز أيضاً أن يشتري بقية السلع حال رخصها فإذا زادت باعها دليل ذلك عموم قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فكل بيع فالأصل فيه الحل حتى نتيقن إنه ربا ولهذا نقول في العملات إنه لا بد أن يستلم كل من الطرفين العوض الذي آل إليه فإذا صارفت شخصاً بعملة فلا بد أن يسلمني ولا بد أن أسلمه في مجلس العقد فإن لم يحصل التسليم صار هذا من باب الربا الذي حرمه الله إذن يجب علينا أن ننتبه إلى هذه المسألة وهو أن تبادل العملات لا بد فيه من التقابض من الطرفين في مجلس العقد وأنه لا يجوز تأخير القبض.
***(16/2)
نحن نشتغل في المملكة وبعد فترة من الزمن نرسل مصاريف للأهل بالسودان مع بعض الاخوة السودانين ونقوم ببيع الريالات لهم مقابل الجنيه السوداني ويقوم هؤلاء الناس بتسليم المبلغ بالجنيهات السودانية إلى الأهل فهل في ذلك ربا أرجو التوضيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الكلام في الجواب عن هذا السؤال أود أن أبين أن الله سبحانه وتعالى حرم في كتابه الربا وقال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وجاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في ذنب سواه إلا الشرك فقال الله تعالى وتبارك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله سبحانه وتعالى (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وثبت عن النبي صلى الله علية وآله وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فالربا أمره عظيم وشأنه خطير ومن نبت جسمه على الربا فقد نبت جسمه على السحت والعياذ بالله والمرابون من هذه الأمة يشابهون اليهود الذين قال الله فيهم (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) ولا أظن مسلما يرضى لنفسه أن يكون مشابهاً لليهود بل لو قلت لأي واحد من المسلمين أنت يهودي لنفر من ذلك أشد النفور ولخاصمك على هذه الكلمة التي وصمته بها وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا أين يكون وكيف يكون فقال عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا) فهذه الأصناف الستة هي التي يكون فيها الربا إذا باع الإنسان جنساً منها بمثله فإنه يجري فيهما ربا الفضل وربا النسيئة ولابد لتوقي هذين النوعين من الربا من التساوي بينهما وزناً فيما يوزن وكيلا فيما يكال والتقابض قبل التفرق لقوله عليه الصلاة والسلام (مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد) وإذا بيع جنس بآخر موافقا له في علة الربا فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل التفرق لقوله عليه الصلاة والسلام (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) أما إذا كان لا يوافقه في علة الربا كبيع البر بالذهب أو الفضة فإنه لا يجري الربا بينهما فلا يشترط فيهما تقابض ولا يشترط فيهما تماثل وعلى هذا يجوز أن تبيع صاعاً من البر بدرهم أو درهمين أو دينار أو دينارين وإن لم تقبض العوض لأنه لا ربا بين مكيل وموزون وعلى هذا يتنزل التبادل في العملات كالجنية السوداني والريال السعودي فانه لا باس أن يحصل التفاضل بينهما ولكن لا بد من التقابض في مجلس العقد قبل التفرق فإذا كان عند الإنسان السوداني في السعودية دراهم سعودية وأراد أن يحولها إلى جنيهات سودانية فإنه يذهب إلى أهل الصرف ويعطيهم الدراهم السعودية ويأخذ بدلها في الحال جنيهات سودانية ثم يرسلها إلى أهله أو يرسل دراهم سعودية إلى أهله وهم هناك يصرفونها إلى جنيهات سودانية ويأخذون العوض فوراً هذه هي الطريقة السليمة إما هذا وإما هذا وأما أن يعطي دراهم سعودية هنا ويأخذ عنها عوضاً جنيهات سودانية في السودان فإن هذا لا يجوز لأنه ربا نسيئة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) .
***(16/2)
ما هو حكم الدين في استبدال أوراق نقدية في بلد ما بأوراق نقدية في بلد آخر بالزيادة أعطيكم مثالاً ألف دينار جزائري تساوي في البنك حوالي ألفاً ومائة فرنك فرنسي يقول إن كثير من المواطنين يستبدلون ألف دينار بثلاثة آلاف فرنك فرنسي هل هذا يعد ربا أم لا أرجو شرحاً وافياً ودمتم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله من المعلوم أن هذه الأوراق النقدية حدث التعامل بها في الآونة الأخيرة نظراً لخفتها وتيسر نقلها وسهولة العدد وغير ذلك مما هو معروف لهذه الأوراق النقدية وقد اختلف أهل العلم فيما يلحقونها به هل يلحقونها بالذهب أو بالفضة أو بالعروض والذي يترجح عندي أنها تلحق بالنقود لكنها تلحق بالنقود المختلفة نوعاً بمعني أننا نجعلها إذا اختلفت اختلاف كاختلاف الذهب والفضة فمثلاً ما ذكره السائل نقول إن الأوراق النقدية الفرنسية غير الأوراق النقدية المغربية أو الجزائرية أو التونسية أو ما أشبه ذلك ونجعل هذا الخلاف كالخلاف بين الذهب والفضة ونقول إذا بيع نقد من هذا بنقد من هذا فانه لابد فيه من التقابض في مجلس العقد أي قبل أن يتفرق المتصارفان ويكون يداً بيدٍ , لكن التفاضل لا بأس به فإذا قدر أن قيمة هذا النقد ألفاً ألف ومائة وباعه يعني في البنك وباعه وتبايعه الناس فيما بينهم بألف ومائتين أو بألف وثلاثمائة أو بألف وخمسمائة أو بثلاثة آلاف كما ذكر السائل فانه لا باس به لأننا نرى أن الممنوع منه هو ربا النسيئة فقط بين هذه الأوراق النقدية أما ربا الفضل فليس ممنوعاً وذلك لأنها هي بنفسها ليست هي المعدن المعين الذي يجب فيه التساوي وإنما هي خاضعة وقابلة لزيادة النقد حسب العرض والطلب فالزيادة فيها والنقص فيها لا بأس به لأنه خاضع للعرض والطلب ولكن الممنوع هو التفرق قبل القبض.
***(16/2)
كنت في أحد البلدان وعند سحبي مبلغاً من المال بعملة ذلك البلد من آلة السحب يحسبون صرف العملة وكذلك يحسبون مبلغاً آخر يقولون مقابل استخدام الآلة فهل يعتبر هذا من الربا
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان حقاً أن الآلة يعني تستهلك شيئاً وجعل هذا السحب في مقابل استعمال الآلة فلا بأس به لأنه كالأجرة وأما مسألة الصرف بأن يضع دراهم سعودية مثلاً ويأخذ جنيهاً استرلينياً فهذا لا يجوز لأنه في المعاملات النقدية لا بد أن يكون التعامل يداً بيد نعم لو فرض أن هذا الصندوق فيه دراهم سعودية وجنيه استرليني وأدخل البطاقة فهنا نقول إنه جائز لأنه سيكون يداً بيد.
***
بيع العملة الورقية بالمعدنية(16/2)
المستمع ح. ب. ب. ويقول ما حكم فضيلة الشيخ بيع الهلل التسع بعشرة ريالات ورقية من أجل التكليم في التلفون والهاتف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه لا بأس بذلك وأن ربا الفضل بين العملات لا يجري وإنما يجري ربا الفضل فيما كان من جنس واحد لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) فإذا اشترى الإنسان ريالات من الحديد تسعة بعشرة من الورق وكان ذلك يداً بيد أي أن كلاً منهما يقبض العوض في محل العقد فإن هذا لا بأس به أما لو تأخر القبض في أحدهما فإن البيع ليس بصحيح يعني بمعنى لو أعطاه عشرة في الضحى وقال ائتني في العصر أعطيك تسعة ريالات فإن هذا لا يجوز.
***(16/2)
المستع من الدمام أ. س. ع. سمعت فتوى من أحد أهل العلم بأنه يجوز استبدال العملة الورقية بأخرى معدنية مع التفاضل والزيادة في أحدهما كأن يستبدل خمسين ريالاً ورقية بثمانية وأربعين معدنية فما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذا وإن كان هذا يجوز فأرجو توضيح العلة في ذلك أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا جائز ولكن بشرط التقابض في مجلس العقد فيجوز أن أعطيك عشرة ريالات ورقية بتسع ريالات معدنية أو خمسين ريالاً ورقياً بثمانية وأربعين معدنية أو بالعكس بأن أعطيك عشرة ريالات ورقية بإحدى عشرة ريالاً معدنية لأنه أحياناً تكون الرغبة في هذا وأحياناً تكون الرغبة في هذا وذلك لاختلاف الجنس وإن كانت القيمة في نظر الحكومة واحد لكن الجنس مختلف والتقويم هذا تقويم نظامي ليس تقويماً حقيقياً بدليل أن الحكومة لو شاءت لجعلت بدل الريال الورقي ريالين من هذا الريال المعدني أو أكثر أو أقل فإذا كان هذا ثمناً بحسب نظام الحكومة لا بحسب الواقع فإن التفاضل لا بأس به وهكذا نقول في جميع الأوراق النقدية إذا اختلف جنسها فإنه يجوز فيها التفاضل لكن بشرط التقابض في مجلس العقد وهذا الذي قلته قول وسط بين من يقول إنه لا بد من التساوي والتقابض وبين قول من يقول إنه لا يشترط التقابض ولا التساوي فهذا القول وسط أن ما عدا الذهب والفضة إذا اختلف جنسه فإنه يجوز فيه التفاضل ولكن بشرط القبض في مجلس العقد أما الذهب والفضة فإنه إذا بيع الذهب بالذهب فلا بد من أمرين التساوي وزناً والتقابض في مجلس العقد وإذا بيعت الفضة بالفضة فلا بد من هذين الأمرين أيضاً التساوي وزناً والتقابض في مجلس العقد وإذا بيع ذهب بفضة وإن كان كل منهما نقداً كالدراهم والدنانير فلا بد من التقابض في مجلس العقد وأما التساوي فليس بشرط.
***(16/2)
يوجد جوار الحرم المكي أشخاص عند كبينة الهواتف الموجودة في جوار الحرم وإذا طلب أحد الإخوة أن يصرف ريالات حديد للاتصال يقولون الريال الحديد بريالين من الورق أو ثلاثة ريالات حديد بخمسة ريالات من الورق أرجو من فضيلة الشيخ إرشادي في هذا هل هذا حرام أم حلال مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من يقول إنه لا يحل أن يصرف تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية لأن قيمة هذا هي قيمة هذا وأنت لو ذهبت إلى السوق لتشتري شيئا قيمته ريال ورق لاشتريته بريال من المعدن والعكس بالعكس وإذا كان كذلك فإن الزيادة تكون من الربا ويرى آخرون من العلماء أن هذا لا بأس به وأنه يجوز أن يصرف عشرة ريالات بتسعة من المعدن لكن بشرط أن يكون ذلك يداً بيد وهذا أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) وعلى هذا فيجوز أن تعطيه عشرة ريالات ورقية ويعطيك تسعة ريالات معدنية.
***
فوائد البنوك الربوية(16/2)
أمين سلمي مصري الجنسية يقول بإنه اقترض مبلغاً من البنك لعمل مشروع لمزرعة دواجن وهذا المبلغ بفائدة سنوية بضمان أرض ملك وعملت المشروع حيث إنه لم يكن الربح مجزئاً لسداد هذا الدين حتى اضطررت إلى للحضور للمملكة للعمل لكي أقوم بالسداد سؤالي هل هذا المبلغ يعتبر ربا وما هي الزكاة التي تدفع عن هذا المشروع أفيدونا لكي أريح ضميري وقلبي جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن مسألتين المسألة الأولى اقتراض الرجل من البنك بفائدة وهذا ربا بلا شك وذلك لأن بيع النقد بالنقد نسيئة لا يجوز فإن ضاف إلى ذلك ربح يجعل على كل سنة صار جامعاً بين نوعي الربا وهما ربا الفضل وربا النسيئة والربا ليس بالأمر الهين بل هو من كبائر الذنوب العظيمة التي قال الله فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وأخبر عز وجل إنه حرم الربا وقال (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) و (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) أي في اللعنة والعياذ بالله وقال عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد) وأخبر أن (من زاد أو استزاد فقد أربا) وقال (وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يداً بيد) فإذا استقرضت من شخص مالاً بفائدة فليس هذا بقرض في الحقيقة ولكنه بيع لأن القرض يقصد به الإرفاق والإحسان وهذا الذي جرى بينكما لا يقصد به الإرفاق والإحسان وإنما يقصد به المعاوضة والربح والتكسب فهو ربا وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل من ذلك وألا تعود لمثله وأما وجوب الزكاة في هذا المشروع فكل ما كان مهيئاً للبيع من هذا المشروع فإن فيه الزكاة أما الآلات والأدوات الباقية التي تستعمل للإنتاج فإنه ليس فيها زكاة لأنها ليست عروض تجارة لأنها معدة للاستعمال وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة) .
***(16/2)
أخبركم بأنني محتاج جدا لشراء سيارة ولا أجد ما أشتري به فذهبت إلى أحد المصارف فقالوا نشتري لك هذه السيارة ولكن بعد أن توقع على التزامك بالشراء وبسداد المبلغ وعليه فوائد بأقساط شهرية وبعد ذلك نشتري لك السيارة فما الحكم في مثل هذه البيوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في مثل هذه البيوع أنها حرام لأنها حيلة واضحة على الربا فإن البنك بدل أن يعطيك خمسين ألف ريال نقدا تشتري بها السيارة ويقسطها عليك بستين ألفا بدلا من هذا يقول اختر السيارة التي تريد ثم نشتريها لك ثم نبيعها عليك وهل هذا إلا حيلة على رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والمسائل المحرمة إذا تحيل الإنسان عليها بما ظاهره الإباحة صارت أعظم إثما من انتهاك المحرم صريحا لأن منتهك المحرم صريحا يشعر بأنه مذنب ويكون لديه خجل من الله عز وجل ويحاول أن يتوب أما المتحيل فيرى أنه على صواب ويبقى في تحيله وكأنه لم يفعل شيئا محرما وليعلم أن المتحيلين على محارم الله يشبهون اليهود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) واليهود لما حرم عليهم الصيد يوم السبت أعني صيد السمك صار السمك يأتيهم يوم السبت بكثرة ولا يأتيهم في غير يوم السبت فطال عليهم الأمد فجعلوا شباكا يوم الجمعة فيأتي الحيتان يوم السبت ويسقط في هذا الشباك ثم يأتون يوم الأحد ويأخذونه فماذا كانت العقوبة قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فجعلهم معتدين مع أن ظاهر حالهم أنهم لم يصيدوا يوم السبت لكن جعلهم الله معتدين ثم قلبهم إلى قردة لأن القرد أشبه ما يكون بالإنسان وكذلك الذين حرمت عليهم الشحوم فأذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم (قاتل الله اليهود إنه لما حرمت عليهم شحومها أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها) هذه الحيلة التي ذكرها السائل في المبايعة أقرب إلى الربا الصريح من حيل اليهود فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل وأن يعلم أن الأمور معتبرة بمعانيها لا بأشكالها وصورها.
***(16/2)
المستمع أحمد يقول استدان عمي من البنك مبلغاً كبيراً ثم أعاده بعد مدة بفائدة تعود على البنك فهل على عمي إثم وعلى من يقع الإثم في مثل هذه الحالة
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم على من تعامل بالربا أثم كبير وعظيم وقد وعد من وقد ورد من الوعيد في الربا ما لم يرد على ذنب أخر سوى الشرك فقال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ومن الذي يرتضى أن يؤذن الحرب بين الله ورسوله قال تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فأكل الربا داخل في لعنة الله وموكل الربا وهو الذي يدفعه بأخذه داخل في لعنة الله وشاهدا الربا داخلان في لعنة الله وكاتب الربا داخل في لعنة الله فعلى المرء المسلم أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يتجنب الربا وأن يعلم أن رزق الله تعالى لا ينال بمعصيته وأن المال من كسب طيب ولو قل خير من المال من كسب خبيث ولو كثر وليعلم أن الكسب الخبيث إن تصدق به المرء لم يقبل منه وإن أنفقه لم يبارك له فيه وإن خلفه كان زاد له إلى النار فمادام الإنسان في مهلة وما دام في حياة فليتب إلى الله ليستغفر الله مما حصل منه من الربا وما سلف فنرجوا الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن عمّك وأن يوفقنا وأياه لسداد العيش وطيب المعشر إنه جواد كريم.
***(16/2)
السائل محمد أ. أ. القصيم يقول إذا سافرت خارج المملكة وطلبت مبلغاً عن طريق بطاقة الصرف الآلي فإنها تعطيني مبلغاً بعملة ذلك البلد ولكنه لا يخصم من رصيدي إلا بعد عدة أيام هل في هذا تقابض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا تقابض لأنه تأخر القبض ومثل هذا إذا كان يحتاج إلى عملة البلد التي سافر إليه نقول اشتر عملة البلد الذي سافرت إليه في بلدك ثم سلمها للبنك وقل لهم حولوها على البلد الفلاني وبهذا تكون العملية سليمة أما أن تتفق معه على أنه يبدل العملة السعودية بعملة البلد الذي سيسافر إليه ويتأخر القبض فهذا ربا نسيئة لا يجوز.
***
بيع الدين بالدين(16/2)
السائل ع. م. ص فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يقول لرجل أبيعك هذه السيارة إلى العام القادم بستين ألف ريال وإذا لم تسدد المبلغ سيكون المبلغ سبعين ألف ريال في العام الذي يليه وهذا الكلام في بداية العقد فأرجو الإفادة في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقد حرام لأنه ربا وإذا كان البائع شاكاً في وفاء المشتري فليجعلها بالثمن الأعلى من البداية وإلى الأمد المتأخر من البداية فإن الإنسان إذا باع من يساوي ألفا في الحاضر بألفين إلى مدة سنتين لاحرج عليه لدخوله قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أو باعه بألف وخمسمائة إلى سنة فلا شيء عليه أما أن يقول بعتك ما يساوي ألفاً بألف وخمسمائة إلى سنة فإن لم تسدد فبألفين فإن هذا حرام لا يحل لأنه ربا.
***(16/2)
القرض(16/2)
هل في القرض أجر وهل يجب كتابة ورقة عند القرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القرض وهو الذي يعرف عند عامة الناس بالتسليف سُنَّة وفيه أجر وهو داخلٌ في عموم قول الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ولا ضرر على المستقرض بطلب القرض فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقرض أحياناً فهو مباح بالنسبة للمستقرض وسنة بالنسبة للمقرض ولكن يجب على المقرض أن لا يحمل منةً على المستقرض فيمنّ عليه فيما بعد أو يؤذيه بذكر هذا القرض فيقول مثلاً أنا أحسنت إليك فأقرضتك وهذا ما تفعله بي وما أشبه ذلك لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) وأما كتابة القرض فإن كان القرض من مال المقرض فالأفضل الكتابة لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وله أن يدع الكتابة لا سيما في الأمور اليسيرة التي لا يلتفت إليها الناس عادةً ولا يكتبونها عادة وأما إذا كان القرض لغيره كما لو كان بيده مال يتيم وهو وليٌ عليه واقتضت المصلحة إقراضه فإنه يجب عليه أن يكتبه لأن هذا من حفظ مال اليتيم وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) .
***(16/2)
إذا اقترضت مبلغا من أحد الأشخاص الذين يحصلون على المال بطرق غير مشروعة فما الحكم هل هذا القرض محرم إذا رددته فيما بعد بدون زيادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس محرما يعني يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا لكن معاملته إياه بطريق سليم فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي أن اشتري منه سلعة بثمن ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت فقد قبل هديتهم وقد قبل دعوتهم وقد باع واشترى منهم صلى الله عليه وسلم قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة واشترى منهم فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً ومات ودرعه مرهونة والخلاصة أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها.
***(16/2)
م ت ع يقول فضيلة الشيخ أقوم الآن ببناء منزل لي ولكن النفقة قليلة وأرغب في اقتراض مبلغ لا يزيد عن مائة ألف ريال وعندي ولله الحمد مقدرة على السداد على أقساط شهرية ولكنني متردد لما ورد من النصوص في شأن الدين فما نصيحتكم لي ولإخواني المسلمين مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لك ولإخواني المسلمين البعد كل البعد عن الاستدانة باستقراض أو غيره لأن الدين أمره عظيم حتى إن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شي إلا الدين وحتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يصلى على من مات مديناً لا وفاء له حتى فتح الله وصار عليه الصلاة والسلام يلتزم بقضاء الديون عن الأموات ولكن إذا كنت محتاجا حاجة ملحة في كمال بيتك وعندك ما يمكنك الوفاء منه ولكنه ليس حاضراً في الوقت الحاضر واستقرضت من أحد قرض مؤجلا أو غير مؤجل فأرجوا أن لا يكون في ذلك بأس ولكن احرص كل الحرص على أن لا تستقرض ولا تستدين من أحد وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً
***(16/2)
يقول السائل أقرضت رجلاً مبلغاً من المال بعملة الدولار وقد اتفقت معه على أن يرد المبلغ بالدولار أيضاً إلا أن ثمن دولار اختلف عن ذلك اليوم الذي أقرضته فيه وذلك بالزيادة وأصبح هناك فرق في السعر كبير هل هذا الفرق يعتبر ربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أقرض الإنسان شخصاً دولارات فإنه يثبت في ذمة المقترض دولارات فقط سواء اشترط ذلك أم لم يشترط وكذلك لو أقرضه دراهم سعودية فإنه يثبت له في ذمته دراهم سعودية سواء اشترط ذلك أم لم يشترط ولا يلزمه أي لا يلزم المقترض أن يوفي سواها سواء زادت قيمتها أم نقصت أم بقيت على ما هي عليها فإذا أقرضه الدولار وهو يساوي خمس ريالات مثلاً ثم زاد سعره حتى صار يبلغ عشرة ريالات فإنه يلزمه أن يوفيه دولارات ولو زادت عليه القيمة بالنسبة للريال السعودي ولو أقرضه دولارات وهي تساوي وقت القرض الدولار خمسة ريالات ثم نقص الدولار حتى صار لا يساوي إلا ثلاثة فإنه لا يلزمه إلا الدولارات المهم أن من اقترض شيئاً لم يثبت في ذمته إلا ما اقترضه فقط ولكن لو أراد المقترض أن يوفي المقرض من عملة أخرى واتفقا على ذلك فلا بأس ولكن بشرط أن تكون بسعر يومها وألا يتفرقا وبينهما شيء لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم وبالدراهم فنأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) والخلاصة أنه لا يلزم المقترض الذي اقترض الدولارات إلا الدولارات سواء زادت قيمتها أم نقصت.
وقوله هل هذا ربا يعني لو زادت القيمة أقول ليس هذا بربا وذلك لأن الواجب عليك هو أداء ما اقترضت سواء زاد أو نقص.
***(16/2)
السائل من اليمن يقول إذا اقترض شخص من الناس مبلغا ثم تغير صرف العملة فهل يرجع المال بسعره القديم أم الجديد خاصة بأن هناك عملات تغيرت أسعارها بشكل كبير جدا وضحوا لنا ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اقترض شخص من آخر نقدا فإنه يرده إليه بجنسه يعني اقترض ريالات يمنية فإنه يردها ريالات يمنية سواء ارتفعت قيمتها أم انخفضت كما أنه لو اقترض صاعا من البر فإنه يرد صاعاً من البر سواء زادت القيمة أم نقصت ولو اقترض صاعاً من الرز فإنه يرد صاعاً من الرز سواء زادت القيمة أم نقصت وهكذا أيضا النقد إذا اقترض نقدا فإنه يرد مثله سواء زاد أم نقص نعم لو ألغي النقد بالمرة فإنه يرجع إلى بدله يعني لو ألغي النقد الذي استلفه ووُضِع بدله نقد آخر فإنه يرد بدله من هذا النقد الجديد
***(16/2)
سافرت في إحدى المرات إلى إحدى البلاد واقترضت مبلغاً من المال من أحد الأشخاص ولكن فقدت ذلك المال وقد أخبرته بذلك فلم يصدق ولم يقتنع وأصر على أن أعطيه نقوده في وقت ضيق حدده هو فما العمل وهل يلزمني دفع ماله حتى لو كان سرق مني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا استقرضت مالاً من شخص فإن هذا المال يكون ديناً في ذمتك ويكون المال الذي استقرضته ملكاً لك وعلى هذا فإذا سرق أو احترق أو سقط وضاع فإنه على نصيبك وليس على نصيب المقرض بل المقرض ثبت حقه في ذمتك ديناً عليك فعيك أن توفيه إياه وعلى هذا فالذي يطالبك بما أقرضته يجب عليك أن تؤديه إليه لأنه كما قلت إذا كان قد أقرضك فأنت تملك المال المقرَض ويبقى سداده ديناً في ذمتك توفيه لصاحبه وكونه عينه لمدة معينة هو على ما اتفقتم عليه إذا كان قد أقرضك إلى شهر أو إلى سنة أو إلى أكثر أو أقل فإنه يكون على ما اتفقتما عليه ويتعجل بحسب التأجيل أو بحسب الأجل الذي اتفقتما عليه هذا هو الصحيح في هذه المسألة أن القرض يجوز تأجيله ولا يجوز للمقرض إذا أجله أن يطالب به قبل تمام الأجل وإن كان بعض أهل العلم رحمهم الله يقولون أن القرض لا يتأجل بتأجيله وأما المقرض لو أجله فله أن يطالب به قبل الأجل وأن الأجل عندهم لاغ والصواب أن الأجل إذا اتفق عليه ثابت لا تجوز المطالبة بالقرض قبل أن يتم.(16/2)
فضيلة الشيخ: وهذا المال الذي سرق منه يضمنه لصاحبه حتى لو كان سرق من حرز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المال مال المقترض ما دام قرضاً فهو في ملك المقترض وثبت في ذمته نعم لو كان المال وديعة يعني قال له خذ هذا المال عندك وديعة أو خذ هذا المال أده إلى أهلي في البلد الفلاني فحينئذ إذا ضاع هذا المال بدون تفريط من هذا الذي أخذه وبدون تعدٍّ فإنه لا ضمان عليه أما إن فرط ووضعه في مكان ليس محرزاً أو تعدى فأنفقه لحاجته فإنه بذلك يكون ضامناً فأما إذا لم يكن تعد ولا تفريط وكان المال لصاحبه وديعة عند هذا الرجل أو أعطاه إياه ليدفعه إلى شخص أو إلى أهله في بلد آخر وضاع بلا تعد ولا تفريط أو سرق فإنه لا شيء عليه.
***(16/2)
عبد اللطيف رسلان من المدينة المنورة يقول سمعت في أحد البرامج الدينية التي تتحدث عن الربا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) وكرر هذا القول على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحسب ما أعرفه من اطلاعي على بعض الكتب وبخاصة كتاب التاج الجامع لكتب السنة الصحيحة لم أر هذا النص مسنداً للنبي عليه السلام وكل ما أعرفه أنه قاعدة فقهية فأرجو التكرم بإفادتي عن المرجع وراوي هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف في عزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناه صحيح وذلك لأن القرض إنما يقصد به الإرفاق ودفع حاجة المقترض فإذا تعدى إلى أن يشتمل على منفعة للمقرض مشروطة أو متواطأ عليها فإنه يخرج عن موضوعه الذي من أجله شرع وإلا ففي الحقيقة لولا أنه من أجل الإرفاق لكان يحرم أن تعطي شخصاً درهماً ثم يعطيك بعد مدة عوضه درهماً آخر لأن هذا في الحقيقة ربا نسيئة إذ هو مبادلة نقد بنقد مع تأخير القبض لكن لما تضمن الإرفاق والإحسان ودفع الحاجة أبيح بهذا الغرض فإذا جر منفعة إلى المقرض خرج عن موضوعه الذي من أجله أبيح وعلى هذا فكل منفعة يكتسبها المُقرض من هذا القرض فإنه إذا كان ذلك باشتراط أو مواطأة يكون محرماً عليه هذا الأمر وكذلك أيضاً لو أن المقرض صار يأخذ بدون اشتراط ويقبل الهدية من هذا الرجل المقترض فإن أهل العلم يقولون إن كان من عادته أن يهدي إليه فليقبل وإن لم يكن من عادته أن يهدي إليه وإنما أهدى إليه من أجل القرض فإنه لا يجوز له قبول هذه الهدية إلا أن ينوي مكافأته عليها أو احتساب ذلك من دينه.
***(16/2)
المستمع محمد نبيل الزرقاء مصري مقيم بحائل يقول احتجت في يوم ما إلى مبلغ من المال فأعطاني صديق ذهبا لكي أبيعه لسد حاجتي وطلب مني أن أرد له قدر وزن الذهب ذهبا آخر جديدا وأن أضيف للوزن عددا من الجرامات يعطيني قيمتها نقدا فمثلا أعطاني ذهبا مستعملا وزنه خمسين جراما على سبيل الدين وطلب مني أن أرد له هذا الوزن ذهبا جديدا وأن أضيف للوزن ثلاثين جراما وزنا جديدا وأعطيه قيمتها نقدا وقد اتفقت بدل أن أعطيه قيمتها نقدا أن ينقص قدرها من الذهب القديم فهل في مثل هذا التعامل إثم أم يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن القرض من الإحسان فإذا أقرض الإنسان شخصاً محتاجاً فإن في ذلك إحساناً إليه والله يحب المحسنين ولهذا كان مندوباً إليه ولكن يجب في هذا القرض أن يتمشى مع أحكام الشرع فإذا أقرضك شيئاً فإنك ترد مثله إذا أقرضك حُلياً ذهباً ترد مثله وإذا أقرضك ثوباً ترد مثله من غير زيادة في العدد ولا في الكيفية فإذا شرط عليك المقرض أن ترد أجود منه أو أكثر منه كان ذلك محرماً ورباً وذلك لأن القرض إرفاق وليس معاوضة وطمعاً فإذا عدل به عن جهة الإرفاق إلى جهة المعاوضة والطمع صار بيعاً ومعلوم أن بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا يداً بيد مثلاً بمثل وعلى هذا فإن ما صنعته مع صاحبك في استقراض الحلي بهذا الشرط محرم ولا يجب عليك الآن إلا أن ترد له مثلما أخذته منه والذي اشترط عليك من الزيادة يعتبر شرطاً لاغياً لا يجوز لك الوفاء به فضلا عن كونه يجب عليك الوفاء به فعليكما جميعاً أن تلتزما بما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق) فإذا كان هكذا فإن الواجب على المؤمن بالله ورسوله أن يتبع ما جاء به الشرع في عباداته ومعاملاته والخلاصة أنه إذا أعطاه هذا الذهب قرضا والمقترض هو الذي يبيعه لنفسه فإذن المقترض ثبت الآن في ذمته حلي ما ثبتت دراهم أما إذا كان هذا المقرض أعطاه هذا الذهب وقال خذ هذا بعه على ملكه هو فإذا بعته فقد أقرضتك ثمنه فمعنى هذا أنه اقترض الآن دراهم وليس ذهباً وحينئذٍ فيرد عليه مثل الدراهم التي باع بها هذا الحلي أما إذا كان أقرضه نفس الحلي فإنه يرد عليه مثل حليه بوزنها وكيفيتها إذا أمكن أو بأقل إذا رجا المقرض لأنه إذا أعطاه دون حقه دراهم هذا لا بأس به وهو خير أيضا.
***(16/2)
السائل محمد أ. أ. من القصيم يقول شرعت في بناء فيلا وأثناء البناء قال أحد الإخوان أريد أن أشتريها منك فوعدته بأني سأبيعه هذه الفيلا وطلبت منه الإشراف عليها مقابل أجرة له وبدأ يعمل وانتهت المبالغ التي عندي فبدأ يخرج من ماله الخاص وبعد نهاية العمارة بعتها وخصمت الدين الذي له هل هذا قرض جر نفعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس قرضاً جر نفعاً لأن المنتفع هو المشتري أيضاً ولكن ليحذر الإنسان أن يبيع الفيلا أو الدار أو الشقة قبل تمام بنائها لأن مثل هذه الأمور لا يمكن إدراكها بالوصف فإذا بيعت بالوصف فقد لا يأتي الوصف على ما أراده المشتري ولهذا قال أهل العلم يشترط أن يكون المبيع معلوماً برؤيةٍ أو صفة في غير الدار ونحوها مما لا يمكن أن يحيط به الوصف.
***(16/2)
سائل من جمهورية مصر العربية أ. أ. يقول اقترضت من زوجتي مبلغ ألف جنيه منذ عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين وهي الآن تريد أن أرجع ذلك المبلغ ألفي جنيه فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اقترضت من زوجتك ألف جنيه فثبت في ذمتك ألف جنيه فقط هي الآن تطالبك بألفي جنيه وليس لها الحق في هذا وليس لها إلا ما أقرضتك فقط وهو ألف جنيه وما زاد على ذلك فإنه لا يلزمك حتى لو اتفقت معها من قبل على أن تعطيك ألف جنيه بألفي جنيه فالاتفاقية لاغية باطلة لأنه ربا والربا في كتاب الله محرم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ملعونٌ فاعله وكل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط.
***(16/2)
ما رأيكم فيمن يقرض أخاه قرضا لأجل غير مسمى على شرط أن المقترض يدفع للمقرض كل يوم مائة ريال أو أكثر أو أقل من البضاعة التي يتاجر فيها فما حكم ذلك فتح الله علينا وعليكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أن هذا شرط فاسد ولا يحل للمقرض أن يكتسب شيئا من وراء هذا القرض لا مالا ولا عينا ولا منفعة ولا إجارة ولا شيئاً أبدا لأن القرض إحسان محض فإذا دخلته المعاوضة والمزايدة صار بيعا وصار ربا مثلا إذا أعطيتك عشرة ريالات قرضا ثبت في ذمتك عشرة ريالات تعطيني إياها متى تيسر لك ولو كان هذا بيعا لم يصح لو قال بعتك عشرة ريالات بعشرة ريالات ولم يحصل التقابض صار بيعا فاسدا لكن لما كان الإقراض إحسانا والإحسان مطلوب وفائدة الإحسان هذه عكس ما يريده المرابون أحله الشرع، أن تقرض بعشرة ويعطيك عشرة فإذا اشرطت عليه أن يعطيك اثنتي عشرة عن عشرة صار هذا معاوضة ودخل في باب البيوع فصار ربا ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله في هذا قاعدة مفيدة وقالوا (كل قرض جر منفعة فهو ربا) .
***(16/2)
هذا المستمع إبراهيم ناصر يقول فضيلة الشيخ ما الحكم إذا أعطيت شخصاً مبلغاً من المال مثلا خمسة آلاف ريال ثم قلت له بعد سنة ترجعها سبعة آلاف ريال هل هذا يجوز أم لا أفيدونا بهذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل يقول ما حكم ما إذا أعطيت شخصا خمسة آلاف ريال ويردها لي بعد سنة سبعة آلاف ريال هل هذا جائز أو لا؟ والجواب على ذلك أن هذا ليس بجائز بل هذا ربا جامع بين ربا الفضل وربا النسيئة ربا الفضل بما حصل من الزيادة وربا النسيئة بما حصل من تأخير القبض فهو حرام والربا خطره كبير وعقوبته وخيمة قال شيخ الإسلام رحمه الله أعني به ابن تيمية قال إنه لم يرد في النصوص وعيد مثل ما ورد من الوعيد على الربا في ذنب دون الشرك أي أنه أعظم ما ورد في الوعيد مما دون الشرك فمن ذلك قوله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) فإن هذه الآية تدل على أن من تعاطى الربا أضعافا مضاعفة فإن وعيده النار وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) أي في اللعن لأنهم متعاونون على ذلك والنصوص في هذا كثيرة متعددة ولا يغرنك أيها الأخ المؤمن تهاون الناس في هذا الأمر وتكاثرهم عليه فإن الله تعالى يقول في كتابه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وعليك باتباع الوحيين الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة فإن هذا هو الحق وليعلم أن ما حصل من زيادة من الربا فإنه في الحقيقة نقص، نقص في دين العبد ونقص في بركة مال العبد وإثم وعقوبة على العبد أما كونه نقصاً في دينه فلأن المعاصي تنقص الإيمان وتخرقه وربما تمزقه أشلاءً والعياذ بالله فإن المعاصي ولاسيما الكبائر كأكل الربا بريد الكفر كما قال ذلك أهل العلم لأن المعصية تؤثر في القلب فإذا جاءت الأخرى زاد التأثير وهكذا حتى يطبع على القلب فلا يصل إليه الخير ولاسيما كبائر الذنوب كالربا وأما كونه نقصا في مال العبد فلأن الكسب الحرام وإن زاد المال كمية به فإنه ينقص كيفية تنزع منه البركة ويلقى في قلب صاحبه الشح حتى لا ينتفع بماله والعياذ بالله فيخلفه إلى من بعده ويكون عليه غرمه ولغيره غنمه وهذا مشاهد ولهذا تجد أكثر الناس شحا وإمساكا هم الذين يتلقون ما يسمونه بالأرباح على وجه المحرم واستمع إلى قول الله تعالى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) وأما كونه عقوبة وآثاما فلما سمعت أيها المؤمن من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية فالواجب عليك أن تتوب إلى الله وتقلع عن الربا ولا تغتر بما يتكلم فيه الناس من أن هذا يفيد البلد اقتصاديا وأن فيه مصلحة للآخذ والدافع فإنه والله وإن زاد البلد اقتصاديا من حيث الكمية فإنه يزيده شرا وفسادا من حيث الآثار والعقوبات وإن شيئا قليلا من المال الحلال خير من أضعاف أضعافه من المال الحرام وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن من كسب مالا من محرم فإنه إن أنفقه لم يبارك له فيه وإن تصدق منه لم يقبل منه وإن خلفه كان زاده إلى النار) وليحذر آكل الربا أو غيره مما حرمه الله ليحذر مما قاله النبي عليه الصلاة والسلام فيه حيث ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لآكل الحرام فهل ترضي أن تمد يديك إلى ربك يا رب يا رب ثم لا يقبل منك من أجل لقمة أكلتها حرمها الله عليك من أجل أنك تغذيت بالحرام فهو طعامك وشرابك ومسكنك فاتق الله يا أخي المسلم وتعامل بالمعاملات الجائزة المباحة ينزل الله لك البركة في كسبك وفي رزقك واتق الله وأجمل في الطلب فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها نسأل الله أن يحمينا وإخواننا مما يغضبه علينا وأن يرزقنا الاستقامة في ديننا والصلاح في ديننا ودنيانا.
***(16/2)
المستمع علي القباطي يقول رجل اقترض مالاً من رجل ولكن المقرض اشترط أن يُعطى قطعة أرض زراعية من المقترض رهناً بالمبلغ يقوم بزارعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يُرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في مثل هذا القرض المشروط
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب وبالنسبة للمقترض جائز مباح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بكراً ورد خيراً منه) وإذا كان هذا العقد أعني القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحوَّل إلى عقد معاوضة وربح أعني الربح المادي الدنيوي لأنه بذلك يخرج عن موضوعه إلى موضع البيع والمعاوضات ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض فإنه في الصورتين يكون البيع حراماً وربا لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لوجود جانب الإرفاق وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق فيكون حراماً والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر منفعة فهو ربا وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضه ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع لأن ذلك جر منفعة من المقرض يخرج القرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق والإحسان.
***(16/2)
لدي قطعة أرضٍ زراعية ولا أريد زراعتها وأنا محتاجٌ لمبلغٍ من المال فهل يجوز أن آخذ المبلغ من أحد الأشخاص على أن أرهن له الأرض ليزرعها لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك أدفع له ماله وآخذ أرضي فهل هذا جائزٌ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير جائز لأنه من الربا فإنك إذا استقرضت منه مالاً ومنحته أرضك صار هذا قرضاً يراد به المعاوضة وهو قرضٌ جر منفعةً وقد قال أهل العلم كل قرضٍ جر منفعةً فهو ربا فهذا الرجل لولا أنك أعطيته الأرض ليزرعها وينتفع بها ما أقرضك وحينئذٍ يكون القرض مقصوداً به المعاوضة لا الإرفاق وأصل جواز القرض أنه إرفاق وإلا لكان حراماً ووجه ذلك أنك لو أردت أن تشتري من إنسانٍ درهماً بدرهمٍ بدون قبضٍ في المجلس فإنه يكون ربا لكن إذا استسلفت منه درهماً على وجه القرض وستعطيه له بعد مدة صار ذلك جائزاً لماذا لأنه لا يقصد بهذا القرض المعاوضة والاتجار والتكسب وإنما يراد به الإرفاق بالمحتاج فإذا خرج عن مقصوده الأصلى وهو الإرفاق إلى المعاوضة والمرابحة صار داخلاً في الربا لأن ذلك هو الأصل في إبدال الدراهم بالدراهم ومن ثم نقول كل قرضٍ جر منفعةً للمقرض فإنه ربا فهو حرامٌ ولا يجوز.(16/2)
فضيلة الشيخ: ما هو الفرق بين هذه الحالة وبين الرهن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرهن يكون للراهن لا للمرتهن فالمرتهن غاية ما فيه أنه يتمكن من التوثق في حقه فقط وإذا حل الأجل ولم يوفِ بيع هذا الرهن ولم يأتِ المرتهن إلا مقدار حقه فقط يعني لا يأخذ أزيد فإذا رهنت هذا البيت أو هذا العقار بمائة ألف وحل الأجل ولم توفِ فإنه يباع ويستلم المرتهن مقدار ماله فقط والباقي يرده عليك فإذاً لم يحصل له إلا مجرد التوثقة في حقه.
***(16/2)
إذا كان شخص عنده دين لشخص ما وأعطاه حاجة ثمنها يساوي هذا الدين الذي عنده هل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للدائن إذا أهدى إليه المدين شيئاً أن يقبل منه إلا إذا نوى احتسابه من دينه أو نوى مكافأته بمثله أو أحسن منه مثال ذلك لو كان لشخص على آخر مائة ريال ثم أهدى إليه المطلوب ما يساوي خمسين ريالاً فإنه لا يجوز له قبوله إلا إذا أراد أن يخصمه من دينه ويبقى على المدين خمسين ريالاً فقط أو إذا نوى مكافأته عليه بإعطائه ما يساوي خمسين أو أكثر أما أن يأخذ هذه الهدية التي تساوي نصف دينه ثم يطالب بدينه كاملاً فإن ذلك لا يجوز.
***(16/2)
يقول السائل ماحكم من أخذ مبلغا من المال وقدره ما يقارب عشرين ألف ريال ثم أنكر هذا المبلغ وجحده حيث لا توجد ورقة ولا يوجد شهود وقال سوف أتحمل الضرب والسجن ولكن لن أدفع ريالاً واحداً مع العلم بأن هذه سلفة وهل يعتبر السلف ديناً أم ماذا أفتونا في هذا السؤال وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان أن يجحد ما يجب عليه لأخيه لا من قرض ولا من ثمن مبيع ولا من أجرة بيت أو سيارة أو غير ذلك فمن فعل واقتطع هذا المال بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان والعياذ بالله والسلف إحسان من المسلف إلى المستسلف أي من المقرض إلى المقترض وعجبا من هذا الرجل الذي قابل هذا الإحسان بالإساءة والعياذ بالله فأنكر فهذا إثمه أعظم من إثم من لا منة عليه بالدين الذي عليه وسؤال السائل هل السلف من الدين أم لا نقول نعم هو من الدين لأن الدين شرعا كل ما ثبت في الذمة فهو دين سواء كان ثمن مبيع أو أجرة أو قرضاً أو غير ذلك.
***(16/2)
إذا مات المدين وهو لم يستطع سداد ما عليه من دين لأنه معسر هل يأثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يبني على استدانته إن كان أخذ أموال الناس يريد أدائها فإنه لا يأثم ويؤدي الله عنه وإن كان أخذها يريد إتلافها فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ولذلك يجب على الإنسان إذا استدان شيئاً أن ينوي الوفاء والأداء حتى ييسر الله له الأمر حتى لو اشترى سلعة بثمن لم ينقده للبائع فإنه ينوي الأداء حتى ييسر الله له ذلك.
***(16/2)
أبو طارق يقول أرجو أن تفتوني مأجورين عن الاشتراك في الجمعيات التي يدفع كل واحد فيها مبلغاً من المال في كل شهر كل واحد يدفع عشرة جنيهات ثم يأخذها واحد منهم بترتيب يتفقون عليه.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا باس بهذا لأن هذا من باب التعاون وإقراض المحتاجين فمثلاً إذا كانوا عشرة واتفقوا على أن يبذل كل واحد منهم ألف ريال ويعطى واحداً حصل لهذا الواحد إضافة تسعة آلاف على مرتبه وهذا قد ينفعه أحياناً وهو من باب التعاون وسد حاجات الآخرين ولا حرج فيه إطلاقاً وأما ما توهمه بعض الناس من أنه قرض جر نفعاً فيقال أين النفع الرجل أقرض ألفاً وعاد عليه ألف فقط وحين إذن لم يكن القرض قد جر نفعاً إلى المقرض لأنه أقرض ألفاً واستوفى ألفاً والمسألة والحمد لله ليس فيها إشكال وإن اشتبهت على بعض الناس.
***(16/2)
مجموعة من الأشخاص يشتركون في جمعية في آخر كل شهر يستلم كل شخص مبلغاً من المال يسمونها الجمعية فما رأيكم هل هذا يعتبر ربا أم حلال أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صورة المسألة فيما نعلم عن هذه الجمعية أن يكون هناك جماعة موظفون يعطون كل واحد منهم ألف ريال من الراتب مثلاً فيعطون لرقم واحد كل واحد منهم يعطيه ألف ريال فإذا قدرنا أنهم عشرة صار هذا الواحد يأخذ في أول شهر عشرة آلاف ريال وراتبه ثم في الشهر الثاني يكون هذا للثاني إلى أن يتم العشرة وهذا جائز ولا إشكال في جوازه وهو من التعاون على البر والتقوى ومن سد حاجات الإخوان وليس هذا من باب كل قرض جر منفعة فهو ربا لأنه لم يجر للمقرض شيئا إذ أنه لم يأته أكثر مما أقرض فهو أقرض تسعة آلاف كل شهر ألف وسيأخذ تسعة آلاف فقط وأما كونه انتفع باجتماع العشرة آلاف في أول شهر عنده فهو حق كل إنسان يقرض شخصا ثم يستوفي منه سوف يحصل له الشيء مجموعاً في آن واحد ولا يضر على كل حال هذه المعاملة جائزة ولا إشكال فيها.(16/2)
فضيلة الشيخ: وقد يتفقون يا شيخ محمد فيقول هذا الأول وهذا الثاني وهذا الثالث وقد يضعون قرعة في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اتفقوا على أن فلاناً هو الأول وفلان هو الثاني فالأمر واضح وإن اقترعوا في الشهر الثاني لا يدخلون الأول معهم في القرعة لأنه قد أخذ حقه.
***(16/2)
سائل من الأحساء يقول بأنه مشترك في جمعية أي يضع المشتركون سهما من أموالهم ويكون السهم مثلا بألف ريال ليجمعوا مبلغاً يستلمه الشخص لقضاء حاجاته في نهاية كل شهر فلو كان مقدار الشهور اثنا عشر شهرا واستلم هذا الشخص حصته في الشهر الثاني عشر هل يكون في ذلك زكاة بعد أن أكتمل نصاب المال أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا هذه الجمعية أبين للأخ السائل أنه لا باس بها أي لا بأس أن يتفق الموظفون في جهة ما على أن يقتطع من رواتبهم من كل واحد ألف ريال ليعطوه واحدا والشهر الثاني يعطونه الآخر وفي الثالث وهلم جرا وليس هذا من باب القرض الذي جر نفعا لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض والمصلحة للجميع فالذي انتفع بالجمعية الأول حرم في الثاني وصار الانتفاع للثاني ثم للثالث ثم للرابع وهلم جرا أما الزكاة فإنه يجب عليه أن يزكي ما قبضه إذا كان قد تم عليه الحول لأنه دين على موسر إذا أنه قد علم أن هؤلاء المشتركين سوف يوفون نصيبهم في كل شهر والدين على الموسرين تجب فيه الزكاة.
***(16/2)
صلاح إبراهيم يقول استقرضت من البنك العقاري وعمرت لي مسكناً ورأيت أن استقرض باسم ولدي لكي يكون عندنا أكثر من منزل لنستفيد من إيجاره، علماً أن هذه المساكن ستكون لابني من بعدي هل يجوز لي ذلك أم لا أفيدوني أثابكم الله؟ في الحقيقة نرجو بسط الحديث عن عارية الاسم أو الوكالة وهي غير صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نحن يؤسفنا كثيراً أن يقع المسلمون في هذا التكالب العظيم على جمع الدنيا وهم يقرؤون قول الله عز وجل (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) فإن هذه القضية العامة الكلية تدل بمنطوقها على حصول الفلاح لمن وقاه الله شح نفسه، وتدل بمفهومها على حصول الخسارة لمن لم يوق شح نفسه، وهذا هو الواقع، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) ، تعس يعني هلك وخسر، فهؤلاء الذين عبدوا الدنيا وأرادوا أن يحصلوا عليها بكل طريق سواء أكانت هذه الطريق كذباً وخداعاً أم صدقاً وبياناً، أي أنهم لا يبالون، المهم أن يقع المال في أيديهم، هؤلاء والله خسروا الدنيا والآخرة لأنهم لا يمكن أن يخلدوا للمال، ولا أن يخلد المال لهم، ولا يدرون متى ينتقلون عنه فربما يصبحون ولا يمسون، أو يمسون ولا يصبحون، فيكون عليهم الغرم في جمع هذا المال، ولمن بعدهم الغنم، عليهم العار ولغيرهم الثمار، والواجب على المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى في معاملته ويتعامل بالصدق والبيان، ومثل هذه المعاملة التي ذكرها السائل جمعت بين أمرين الكذب، والخداع للمسؤولين، أما الكذب فإنه جعلها باسم ولده وهي له، وهذا كذب، فإن الذي له ليس لولده، وما يدريه لعل ولده يموت قبله ويكون ماله لأبعد الناس من عصباته، ثم على فرض أن يموت الأب قبله فقد يكون هناك أسباب تمنع ميراث الولد كما لو ارتد والعياذ بالله، والردة وإن كانت عملاً عظيماً ولكنها مع الأسف في الوقت الحاضر صارت كثيرة والناس لا يشعرون بها فإن من أقسام الردة ترك الصلاة، فإن من ترك الصلاة فهو كافر، كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لو مات أحد من ورثته وهو تارك للصلاة فإن هذا التارك لا يرث من ماله شيئاً ولا يحل له منه درهم واحد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة الثابت في الصحيحين (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) فما يدريه لعل هذا الولد الذي يبقى بعده لا يرثه، إما لارتداده بترك الصلاة أو غيرها، حتى الاستهزاء بالدين أيضاً من أسباب الردة الذين يستهزئون بالدين بأصله أو شيء من فروعه الثابتة هم مرتدون كافرون، قال الله تعالى (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) ، أو وربما لا يرثه لغير هذا السبب كما لو قتله الولد خطأً، مثل أن يكون معه في السيارة والولد، هو الذي يقود السيارة، ثم يحصل حادث بسبب الولد، بسبب تفريطه أو تعديه فيموت الوالد فهنا لا يرث الولد من والده شيئاً على المشهور من مذهب الحنابلة وإن كان القول الراجح أنه يرث من أبيه ما عدا الدية، يرث من أبيه، من مال أبيه ما عدا الدية التي سوف يسلمها لبقية الورثة، المهم أن قوله أي السائل إن هذا البيت سيعود إلى ابني من بعدي أمر ليس بلازم، فقد لا يعود لابنه من بعده للأسباب التي أشرنا إليها، هذا أحد المحذورين في هذه المعاملة حيث قدم الطلب باسم ولده وهو له، وهو الكذب(16/2)
فضيلة الشيخ: ينطبق أيضاً على الزوجة والأخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينطبق على كل أحد
المحذور الثاني، الخداع للدولة التي ترعى مصالح الشعب، والحقيقة أني اسأل الله تعالى أن يعين الدولة والمسؤولين فيها على خداع بعض الناس وكذبهم وافترائهم وما أكثر ما نسأل عن مثل هذه الأمور في البنك العقاري، وكذلك في بنك التسليف الزراعي وغيرها يحصل من هذا شيء كثير، ويبررون هذه المحرمات بأعذار تافهة، ليست إلا كما قال إبليس عن نفسه (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ، أعذار لا توجب ما فعلوه لأنه كذب وخداع، فخداع الدولة وتلبيس الأمر عليها ووضع الصورة أمامها على خلاف ما هي عليه، هذا من الأمر المحرم، فهذان المحذوران، هذا الكذب والخداع وهما خلقان من أخلاق المنافقين كما جاء به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له أن يعمل مثل هذا العمل، لا مع ولده، ولا مع رجل أجنبي كما نسمع أن بعض الناس الذي استفاد من البنك العقاري يشتري أرضاً لنفسه ثم يذهب إلى شخص ويستعير منه اسمه بعوض أو بغير عوض، ثم يكتب الأرض باسمه كذباً وبهتاناً، ثم يذهب إلى البنك فيقدم الصك إليه باسم هذا الرجل الذي استعير اسمه كذباً وبهتاناً، وطبعاً أصحاب البنك لا يعلمون الغيب يمشون على ما قدم لهم فيحصل بذلك من الضرر والمفاسد ما هو معلوم، والذي ننصح به إخواننا المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في معاملاتهم وأن يكونوا دارجين فيها على ما رسمه الله تبارك وتعالى لهم في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك هو الخير والصلاح، وكما أن الله سبحانه وتعالى يشرع العبادات فلا يتقرب أحد إلى الله إلا بما شرعه الله ولا يقبل الله من أحد عبادة سوى ما شرعه، فكذلك أيضاً يجب عليهم أن يتمشوا في معاملاتهم على ما رسمه الله لهم لأنه سبحانه وتعالى أعلم بمصالحهم وأعلم بما يصلح مجتمعهم وأحكم فيما شرعه، فالله تعالى لا يشرع لعباده منعاً أو إيجاباً إلا ما فيه مصلحتهم لأنه غني عنهم آمنوا أم كفروا، ولكن من أجل مصالحهم يشرع لهم الأحكام في العبادات والمعاملات ويحثهم ويرغبهم في تقواه سبحانه وتعالى في هذه الأمور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فتجد أن الله سبحانه وتعالى إذا شرع لعباده طريقاً في المعاملات تجده يأمرهم بتقواه سواء أكان ذلك في الأموال أم في الحقوق، واقرأ قوله تعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.. إلخ) .(16/2)
فضيلة الشيخ: نعم، إنه لا يجوز للإنسان أن يقترض باسم مستعار لابنه أو زوجته وهو يريد أن يبني له شخصياً، لكن نخشى أن يكون هناك لبس على بعض المستمعين، فلو مثلاُ اقترض باسم ابنه أو زوجته وهو نائب عنهم والمسكن لنفس الزوجة أو لنفس الابن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به، إذا كان النظام يسمح به فلا بأس من أن يهدي الأرض إلى ابنه، يهبه إياها هبة صحيحة ويطلب من البنك باسمه (باسم الابن) ، لكن لابد أن يكون على وجه صحيح لا تحايل، يعني لا مانع من ذلك، ولابد أيضاً أن تراعى شروط الصندوق، هل يسمحون للولد أن يأخذ قرضاً وهو عند أبيه، ساكن معه أو لا يسمحون.
***(16/2)
فضيلة الشيخ إذا كان للشخص والدٌ كبير وقادرٌ على العلم وحالته المادية طيبة وقال لابنه سأكتب هذه الأرض لك وأعطيك فيها شقة بعد أن أنتهي من بنائها وذلك بغرض أخذ القرض باسم الابن وبعد أن أخذ القرض وعمر عمارة أجرها ولها الآن ما يقارب من ثلاث سنوات يؤجرها علماً بأن الابن لم يستلم من الإيجار شيئاً فهل يحل للأب في هذه الحالة الإيجار على ضوء الشريعة وهل للابن حقٌ فيه أم لا وأفاد الأب أنه سيكتب العمارة وقفاً فهل يحل له ذلك أم لا؟ علماً بأن الابن فقير ومديون أفيدونا في أسئلتي هذه بجوابٍ شافٍ وكاف علماً بأن الابن لم يقصر مع أبيه والأب ليس محتاجاً للعقار ويذكر أيضاً السائل ويقول بأن العقار له إيجار يقدر بمائة وخمسين ألف ريال سنوياً وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن هذا الأب إنما كتب الأرض باسم ابنه ليتحيل بذلك على أخذ قرضٍ من صندوق التنمية وهذا العمل الذي عمله محرم لأن فيه حيلةً على الحكومة حيث أظهر لها الأمر على خلاف ما هو عليه وهذا خيانة وخيانة ولاة الأمور محرمة والواجب على المؤمن أن يكون صريحاً في معاملاته وأن لا يخادع عباد الله وإذا كانت هذه نيته فقد فعل محرماً وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع أما إذا كان يريد أن يمنحك هذه الأرض منحةً حقيقية فإنه لا يحل له أن يمنحك دون إخوتك لأن الإنسان لا يجوز له أن يفضل بعض أولاده على بعض في العطية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالعدل بين الأولاد فإذا كان للإنسان أولاد ذكور وإناث فإنه إذا أعطى أحداً منهم وجب عليه أن يعطى الآخر مثله إلا الأنثى فتعطى نصف الذكر لأن هذه قسمة الله عز وجل في الميراث وقسمة الله تعالى أعدل قسمة فإذا كان عند الإنسان أولاد من الذكور والإناث فإنه تكون عطيته إياهم بالسوية بالنسبة للذكور وبالسوية بالنسبة للإناث أما بالنسبة للذكور مع الإناث فإن للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا كان أبوك قد أعطاك إياها عطيةً حقيقة فإنه لا يحل له أيضاً أن يعطيك إياها عطيةً حقيقية إلا أن يعطي إخوتك كما أعطاك وحينئذٍ ينظر في الأمر خلاصة الجواب أنه إذا كان أبوك قد جعل هذه الأرض باسمك من أجل أن يتحيل على الأخذ من صندوق التنمية العقارية فهذا حرامٌ عليه لأنه كذب وخيانة للدولة وأما إذا كان أعطاك هذه الأرض عطيةً حقيقية فإنه إن كان لك إخوة أو أخوات فإنه لا يحل له أن يفضلك عليهم وإن لم يكن لك إخوةٌ ولا أخوات فهي لك أما ما صنعه أبوك بعد أن بنى عليها العمارة فإن جواب هذا لا يكون عندي وإنما يكون عند المحاكم الشرعية.
***(16/2)
محمد العبد الله السبيعي وصنهات بن ردن الشلوي وعبد الرحمن الهذلي وزملاؤه يقولون نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية فإذا أذنوا لكم فلا حرج أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه أولاً لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه لأن ذلك يكون سبباً لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف وثانياً لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) وأمر بالوفاء بالعهد فقال (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقداً مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطاً وبما يلزمك شرعاً أمر واجب عليك لأنك سوف تسأل عنه وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضاً من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطاً على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)
الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة أن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتباً ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئاً ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضاً ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه ثم إن عمل الناس عندنا على هذا فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه وبستانه بيده وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه والناس يعدون هذا رهناً لازماً ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معيناً وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق.
***(16/2)
يقول السائل توفي والدي وعليه بقية من قرض للصندوق العقاري فهل يسقط هذا الدين أم يلزمنا أن نسدده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدين من المعروف أنه مؤجل كل سنة يحل قسط منه فإذا كان الميت قد أدى جميع الأقساط التي حلت عليه وهو في حياته فقد برأت ذمته وباقي ما للصندوق موثقاً بهذا الرهن أعني رهن البيت ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعليه دين ليهودي ثمن شعير اشتراه لأهله) وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا اليهودي درعه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مات وذمته بريئة فإذا كان في الدين رهن يحرز ويكفي وكان ما حل من الدين في حياة الميت قد أوفي فإن ذمته تبرأ نظراً لأن الدين موثق بهذا الرهن ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قدم إليه الميت سأل (أعليه دين) أعني أعليه دين وليس له وفاء فإن قالوا نعم ترك الصلاة عليه فقدم ذات يوم إليه رجل من الأنصار ليصلى عليه فلما سأل (أعليه دين) قالوا نعم فتأخر صلوات وسلامه عليه وقال (صلوا على صاحبكم) فقام أبو قتادة رضي الله عنه فقال يا رسول الله الديناران عليّ قال النبي صلى الله عليه وسلم (حق الغريم وبرئ منه الميت) قال نعم فتقدم وصلى عليه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الميت إذا ضمن دينه وكان الضامن ملياً فإنه تبرأ ذمته بالكلية ولا يلحقه شيء من إثم الدين واستدل بهذا الحديث لكن في الحديث رواية تدل على أنه لابد أن يكون هناك أثر على الميت حتى يقضي الضامن ما تضمنه من دينه.
***(16/2)
بيع السلم وبيع الأصول والثمار(16/2)
فضيلة الشيخ يقوم بعض التجار بشراء الثمار قبل النضوج لمدة عام أو عامين فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الثمار قبل نضوجها بعام أو عامين ينقسم إلى قسمين الأول أن يشتري موصوفاً في ذمة البائع بأن يشتري منه مائة صاع من البر تحل بعد سنة أو سنتين بثمن مقبوض في مجلس العقد فهذا جائز وهذا هو السلم الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان الناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والثاني أن يشتري ثمر هذا النخل بعينه لمدة سنة أو سنتين فهذا حرام ولا يجوز لأنه بيع معدوم ومجهول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع) فهذا هو حكم هذه المسألة.
***(16/2)
عدنان من سوريا من دير الزور يقول البعض من الناس يشترون كيلو القمح قبل البدار بمبلغ ثمان ليرات لكن عند استلام المشتري للقمح في موسم الحصاد يكون سعر كيلو القمح الواحد إحدى عشرة ليرة ويأخذ مصاري بهذا فهل هذا حرام أم حلال وما شروط السلف أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المشتري قد حدد الوقت الذي يستلم فيه البضاعة فهذا لا بأس به مثل أن يقول أعطيتك مائة ليرة بعشرة أصواع بر تحل في محرم وهو الآن في رجب فلا بأس بهذا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة وجد الناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين بمعنى أن الفلاح يأخذ الدراهم من التاجر بتمر بعد سنة أو سنتين فأقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لكن بشروط قال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وبناءً على هذا نقول إذا اشترى الكيلو بثمان ليرات مؤجلاً إلى سنة أو نصف سنة أو ما أشبه ذلك ثم كان عند التسليم قد ارتفع سعره إلى أحدى عشرة فلا بأس.
***(16/2)
السائل محمد أبو حمدي مصري مقيم بالسعودية يقول إذا اشترى تاجر من مزارع ثمرة قبل حصادها بمبلغ ثمانين ريالاً للوحدة التي تباع بها سواء كانت الكيلو أو المد أو نحو ذلك علماً أن قيمتها بعد الحصاد أكثر فهل هذا البيع جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشتد الحب وكمل فإنه يجوز بيعه لأن الخطر فيه حينئذ قليل وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد) وإذا باعه فلا بأس أن يبيعه بالتقدير بمعنى أن كل صاع مثلاً بكذا أو أن يبيعه جملة جزافاً بأن يبيعه هذه القطعة من الأرض المزروعة أو من هذا الزرع على هذه القطعة من الأرض بكذا وكذا فإذا باعه بثمن ولو كان يباع بأكثر منه لو نُقَّى ثم بيع في السوق فلا حرج في ذلك.
***(16/2)
محمد قاسم أبو إدريس سوداني يعمل باليمن يقول ما الحكم الشرعي في بيع المحصول قبل أن يظهر الزرع على وجه الأرض أو قبل ظهور الثمرة وبعد خروج الزرع على وجه الأرض هل جائز هذا أم محرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا محرم، لا يجوز بيع المحصول حتى يبلغ نموه وحتى يشتد إذا كان حباً وحتى ينضج إذا كان عنباً أو نحوه المهم حتى يطيب أكله ويكون صالحاً للأكل فأما بيع المحصول قبل ذلك فإنه حرام أما بيع ما يجز في الحال فإنه إذا انتهى إلى جزه جاز بيعه كما لو كان هناك أعلاف تباع على أنها علف أو مزارع تباع على أنها علف فإنها تباع إذا آن جزها وقطعها ولا حرج في ذلك وإنما كان الأمر هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه) وذلك لأنه أقطع للنزاع وأبعد عن الخصومات حيث إن المشتري حينما يشتريه ينتفع به بخلاف ما لو بيع الثمر من أجل الثمر قبل أن يبدو صلاحه فإنه قد تعتريه آفات يحصل بها النزاع والخصومات والمشاكل وهذه من حكمة الشرع أن نهى عن كل بيع يوجب الخصومات والعداوة والنزاع لأن كل شيء يوجب ذلك فإنه يحدث به من تصدع المؤمنين والتباغض والتباعد بينهم ما ينافي كمال الإيمان.
***(16/2)
الرهن(16/2)
أبو طارق يقول أرجو أن تفتوني مأجورين عن الاشتراك في الجمعيات التي يدفع كل واحد فيها مبلغاً من المال في كل شهر كل واحد يدفع عشرة جنيهات ثم يأخذها واحد منهم بترتيب يتفقون عليه.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا باس بهذا لأن هذا من باب التعاون وإقراض المحتاجين فمثلاً إذا كانوا عشرة واتفقوا على أن يبذل كل واحد منهم ألف ريال ويعطى واحداً حصل لهذا الواحد إضافة تسعة آلاف على مرتبه وهذا قد ينفعه أحياناً وهو من باب التعاون وسد حاجات الآخرين ولا حرج فيه إطلاقاً وأما ما توهمه بعض الناس من أنه قرض جر نفعاً فيقال أين النفع الرجل أقرض ألفاً وعاد عليه ألف فقط وحين إذن لم يكن القرض قد جر نفعاً إلى المقرض لأنه أقرض ألفاً واستوفى ألفاً والمسألة والحمد لله ليس فيها إشكال وإن اشتبهت على بعض الناس.
***(16/2)
هل تجوز الزيادة في الرهن مثلاً إذا اقترض مبلغاً من المال وطلب صاحب الدين رهناً أكثر من القرض فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في هذا أي لا حرج على المقرض أن يطلب من المستقرض رهناً أكثر من القرض فمثلاً إذا أقرضه عشرة آلاف وطلب رهناً يساوي عشرين ألفاً أو أكثر فلا حرج كما أنه لا حرج أيضاً في أن يطلب رهناً أقل من الدين مثل أن يقرضه عشرة فيطلب رهناً يساوي خمسة.
***(16/2)
محمد العبد الله السبيعي وصنهات بن ردن الشلوي وعبد الرحمن الهذلي وزملاؤه يقولون نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية فإذا أذنوا لكم فلا حرج أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه أولاً لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه لأن ذلك يكون سبباً لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف وثانياً لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وأمر بالوفاء بالعهد فقال (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقداً مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطاً وبما يلزمك شرعاً أمر واجب عليك لأنك سوف تسأل عنه وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضاً من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين
الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطاً على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)
الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة أن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتباً ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئاً ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضاً ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه ثم إن عمل الناس عندنا على هذا فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه وبستانه بيده وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه والناس يعدون هذا رهناً لازماً ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معيناً وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق.
***(16/2)
سوداني مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول عندنا في السودان مشكلة رهن الأرض الزراعية وذلك بأن يقوم صاحب الأرض الذي يرغب في رهن أرضه الزراعية باستلام مبلغ من المال من المرتهن ثم يباشر المرتهن زراعة هذه الأرض ولا يعطي لصاحب الأرض شيئا من هذه الغلة ومتى أراد صاحب الأرض فك الرهن فإنه يعيد المبلغ إلى المرتهن وترد إليه أرضه وليست هناك مدة معينة باستعادة الأرض فقد يستمر الرهن عشرات السنين ونوعا آخر من الرهن يوجد عندنا أيضا وهذا تحدد مدته بسنة واحدة فيدفع المرتهن مبلغا لصاحب الأرض ثم يقوم باستثمارها لمدة عام واحد وهذا النوع يشبه النوع الأول من حيث أن صاحب الأرض لا يعطى شيئا من الغلة ويختلف عن النوع الأول من حيث أن النوع الأول لا تحدد فيه المدة التي ستعاد فيها الأرض لصاحبها ولكنه متى أراد استعادتها تعاد إليه فما حكم هذين النوعين من التعامل بالرهن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إعطاء الأرض لمن يستغلها له ثلاثة وجوه
الوجه الأول أن يكون بجزء مما يخرج منها وهذه هي المزارعة مثل أن يقول خذ هذه الأرض وأزرعها ولي ثلث الناتج أو ربعه أو عُشره أو جزء مشاع منه على ما يتفقان عليه وهذه جائزة وقد (عامل النبي عليه الصلاة والسلام أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع)
الوجه الثاني أن يعطيه الأرض يزرعها بأجرة معلومة منقطعة عن الخارج منها مثل أن يقول خذ هذه الأرض لمدة عشر سنوات كل سنة تعطيني ألف درهم فهذا أيضا جائز ولا حرج فيه وقد قال رافع بن خديج رضي الله عنه حين ذكر المزارعة الممنوعة فقال (فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به)
والوجه الثالث الصورة الشيء الثالث أن يعطيه الأرض منحة ينتفع بها الزارع بدون مقابل هذا أيضا جائز ولا بأس به وهو من الإحسان المندوب إليه فإذا كان هذا الذي أعطى الأرض منحة يأخذ من الزارع شيئا يؤمن به نفسه فإن هذا لا بأس به ولعل هذه المسألة الأخيرة هي التي يقصدها السائل وحينئذ تكون جائزة.
***(16/2)
إننا نرهن كثيراً من هذه النخيل ومنذ أكثر من خمسة عشر سنة ونحن نسقيها ونلقحها وعند الحصاد يأتي المرتهن ليأخذ الحصاد ويستمر الوضع وكذا حتى يستطيع الراهن أن يرجع النقود إلى المرتهن فهل هذا هو الرهن الشرعي وهل يأثم الراهن في ذلك إذا كان محتاجاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرهن الشرعي يقتضي هذا يعني يقتضي أن يكون المال تبعاً للرهن فيكون للمرتهن السلطة في بيعه والاستيفاء منه إلا إذا كان الراهن موثوقاً بحيث يأذن له المرتهن ببيعه وتصفيته ثم تسليم ثمنه إلى المرتهن.
***(16/2)
هل يجوز للمرتهن أن يستفيد من الرهن كأن تكون مزرعة يقوم بإصلاحها المرتهن فهل يجوز له أن يأخذ ما يخرج منها دون أن يعطي الراهن شيئاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز ذلك والذي أذن فيه هو المركوب والمحلوب فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً) يعني اللبن إذا أخذ المرتهن البقرة أو الشاة وأنفق عليها فإنه له أن يشرب اللبن لكن بقدر النفقة فلو قدر أن اللبن قيمته أكثر من النفقة فالقيمة محفوظة للراهن مثال ذلك أنفق عليها كل يوم عشرة لكنه يبيع من لبنها كل يومٍ بعشرين فالعشرة الزائدة تحفظ للراهن وتكون رهناً تبعاً لأصلها كذلك الظهر الذي يركب البعير والحمار يركب بنفقته إذا كان مرهوناً أي بقدرها وأما ما سوى ذلك فإن النماء يكون تبعاً للراهن أي يكون ملكاً للراهن لكنه يتبع الرهن في كونه مرتهناً عند المرتهن.
***(16/2)
المستمع علي القباطي يقول رجل اقترض مالاً من رجل ولكن المقرض اشترط أن يُعطى قطعة أرض زراعية من المقترض رهناً بالمبلغ يقوم بزارعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يُرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في مثل هذا القرض المشروط
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب وبالنسبة للمقترض جائز مباح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بكراً ورد خيراً منه) وإذا كان هذا العقد أعني القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحوَّل إلى عقد معاوضة وربح أعني الربح المادي الدنيوي لأنه بذلك يخرج عن موضوعه إلى موضع البيع والمعاوضات ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض فإنه في الصورتين يكون البيع حراماً وربا لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لوجود جانب الإرفاق وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق فيكون حراماً والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر منفعة فهو ربا وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضه ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع لأن ذلك جر منفعة من المقرض يخرج القرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق والإحسان.
***(16/2)
يسأل هذا السائل عن حكم التأمين في الإسلام وعن صوره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التأمين من عقود الغرر وكل عقد يتضمن غرراً فإنه باطل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) ولأن الغرر من الميسر وقد حرمه الله تعالى في كتابه فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ووجه كونه من الميسر أن الْمُؤَمِّنَ يدفع عوض التأمين ولنقل أنه خمس آلاف في السنة ثم قد يحصل عليه حادث يستوعب أكثر مما دفع مرتين أو ثلاثة وربما لا يحصل عليه حادث إطلاقا وربما يحصل عليه حادث يستغرق دون ما دفع فهو في الحقيقة عقد غرر ومخاطرة وليس بجائز فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل وأن يبتعد عن هذه العقود الغررية التي أحدثها الرأسماليون من أجل ابتزاز أموال الناس.
***(16/2)
هذا المستمع آدم شريف من بورسودان يقول نحن مجموعة من الإخوان في الله اتفقنا على إنشاء صندوق مالي بأن يدفع كل واحد منا كل شهر مبلغاً محددا من المال ويجمع في هذا الصندوق بغرض مساعدة أي من الأفراد المشتركين فيه في أي حالة شدة يتعرض لها ومن ذلك فلو توفي أحد أسرته فإنه يدفع له منه مساعدة وهكذا فهل في هذا مانع شرعي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا مانع شرعي بل إن هذا من التعاون على البر والتقوى وتحديد ذلك بمبلغ معين لا يضر لأن المقصود به أن يكون هذا الصندوق منتظماً إذ لو لم يقيد بمبلغ معين ما انضبط ولا حصل على المال الكافي ولكن ينبغي أن يكون هذا المال المعين أن يكون بالنسبة لا بالقدر المعين فيقال مثلاً يؤخذ من راتب العشر، نصف العشر، ربع العشر دون أن يقال على كل فرد مائة درهم مثلاً لأن الدخل يختلف فالأفضل أن يكون ذلك بالنسبة إلى ما يحصله المرء ثم إنه ينبغي أن يجعل هذا عوناً لمن حصل عليه حادث يعني حصل عليه ما لا يمكنه دفعه من كسر أو مرض أو ما أشبه ذلك وأما أن يجعل معونة لمن حصل منه الحادث فهذا لا ينبغي لأننا إذا وضعنا هذا الصندوق وجعلناه لكل من حصل عليه حادث أو منه حادث أوجب أن يتهور السفهاء ولا يبالوا بالحوادث التي تقع منهم لأنه حيث علم أن هناك صندوقاً يؤمن ما يلزمه من ضمان بسبب هذا الحادث فإنه لا يبالي سواء حدث منه الحادث أو لم يحصل لهذا أقول إن هذه الصناديق موجودة حتى في هذه البلاد السعودية ولكن ينبغي أن تكون هذه الصناديق التعاونية معونة فيمن حصل عليه الحادث الذي يحاج إلى مساعدة مالية لا من حصل منه الحادث للوجه الذي ذكرته وهو أن هذا يؤدي إلى التساهل والتهور وعدم المبالاة بالحوادث التي تقع من الإنسان وأما قول السائل إنه إذا مات أحد من عائلته أعانوه فهذا في النفس منه شيء ولا ينبغي أن يقيد ذلك بالموت لأنه قد يموت أحدٌ من الأسرة ويخلف مالاً كثيراً يستغني به الإنسان عن المعونة فالأولى أن يكون أمر المعونة مقيد بالحاجة لأي سبب كان حتى لا يحصل نزاع فيما بينهم أو حتى لا تصرف الأموال في غير مستحقيها.
فضيلة الشيخ: هل نقيس على حالة الصندوق هذه ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معين من كل شخص يريد أن يؤمن على مثلاً بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا نقيسه على هذا فإن شركات التأمين هذه لا شك أنها محرمة وأنها من الميسر الذي قرنه الله تعالى بالخمر وعبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام كما قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وذلك لأن هذا العقد غرر دائر بين الغنم والغرم وكل عقد هذه حاله فإنه من الميسر إذ أن الإنسان يكون فيه حاله دائرة بين أن يكون غانماً أو غارماً وأضرب لك مثلاً بأنه إذا كان عندي سيارة وأعطيت شركات التأمين مبلغاً من المال كل شهر مثلا لنفرض أنه مائة ريال فمعنى ذلك أنها ستطلب في السنة ألفا ومائتي ريال قد يحدث حادث على سيارتي يستهلك خمسة آلاف ريال لإصلاحها وحينئذ تكون الشركة غارمةً لأنه أخذ منها أكثر مما بذل لها وقد يكون الأمر بالعكس قد تمضي السنة والسنتان والثلاث ولم يحصل على سيارتي حادث وحينئذ أكون أنا غارماً لأنه أخذ مني مبلغاً من المال بغير حق وهذا بعينه هو الميسر لأنه يشبه الرهان الذي قد يكون الإنسان فيه غانما وقد يكون فيه غارماً ولأنه نفس ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام حيث (نهى عن بيع الغرر) فإن هذا يشبهه إن لم يكن هو إياه ثم إن في هذا التأمينات في الحقيقة إضراراً بالمجتمع وإخلالا بالأمن لأن هذا الذي قد أمن على حادث سيارته قد يؤديه هذا التأمين إلى التهور وعدم المبالاة بالصدم والحادث لأنه يرى أنه مؤمن له ولهذا ينبغي حفظاً لأمن المجتمع أن تمنع هذه التأمينات أو هذه الشركات فالذي أرى فيه هذا أنه يجب على كل مؤمن أن يجعل اعتماده على ربه سبحانه وتعالى وأن يبتعد عن المعاملات المحرمة لأن هذا المال الذي بأيدينا هو عارية إما أن يؤخذ منا ويتلف في حياتنا وإما أن نؤخذ منه ونتلف ويبقى لغيرنا فالواجب على المؤمن ألا يجعل المال غاية بل يجعله وسيلة وليتذكر دائماً قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) وليتذكر دائماً قول الله عز وجل (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) أي لعلي أنفق مالي من جملة ما يدخل في هذه الآية لعلي أنفق مالي الذي تركته فيما يقربني إلى الله من الأعمال الصالحة فقال الله عز وجل (كلا) أي حقاً (إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فنصيحتي للمسلم ألا يتشبه بالكفار الذين يجعلون المال غاية لا وسيلة ويجعلون الدنيا مقراً لأن مقر المؤمن هي دار الآخرة التي هي خير وأفضل وأعظم من هذه الدنيا بكثير كما قال الله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وليعلم أنه إذا اتقى الله عز وجل في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وولايته التي ولي عليها من أهله من زوجات وغيرهم فإن الله تعالى قد ضمن له وهو لا يخلف الميعاد أن يرزقه من حيث لا يحتسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) فأنت يا أخي المؤمن اصبر والرزق سيأتيك إذا سعيت له بالأسباب المشروعة غير المحظورة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنه ألقي في روعي إنه لن تموت نفس حتى أن تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطالب) ونسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من الربا والميسر وأن يسهل لهم معاملاتهم الطيبة التي يأكلونها رغداً هنيئاً لا تبعة عليهم في الدنيا ولا في الآخرة لكن قد يقول قائل إذا ابتليت بهذا الأمر فقدمت إلى بلد أو كنت في بلد يرغموني على هذا التأمين فماذا أصنع هل أعطل سيارتي واستأجر أم ماذا أصنع أقول في هذا إنه إذا أرغمت على هذا التأمين فلا حرج عليك أن تدفع ما أرغمت عليه ولكن إذا حصل عليك حادث فلا تأخذ منهم إلا مقدار ما دفعت لا تأخذ منهم ما يكون بهذا الحادث إذا كان أكثر مما أعطيتهم وبهذا تكون خرجت من التبعة لأنك ظلمت في هذا العقد المحرم الذي أجبرت عليه وبدفع هذه الفلوس التي أجبرت على دفعها فإذا ظلمت فإنك تأخذ قدر مظلمتك باختيارهم هم لأنهم هم الذين سيدفعون إليك هذا بمقتضى العقد الذي أجبروك عليه فلا أرى بأساً أن تأخذ منهم مقدار ما دفعت فقط على هذا الحادث الذي حصل لك وإذا كان الحادث أقل مما دفعت فهم لم يعطوك إلا بقدر الحادث وهذا لا شك أنك ستأخذه.
***(16/2)
الأخت أم ع العنوان الأردن شمال مدينة اربد تقول في رسالتها ما هو التأمين على الحياة وهل هو حرام أو حلال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التأمين على الحياة ما أعرف معناه تماماً ولكن ما أظن أحداً يؤمن على الحياة لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا ينفع فيه التأمين وإذا كان التأمين يراد به أن الإنسان يدفع دراهم في مقابل أنه إذا مات يُضمُن لورثته شيء معين من المال فهذا حرام لأنه من الميسر إذ أن الدافع مغامر فلا يدري أيكسب أكثر مما دفع أو أقل وكل معاملة تكون دائرة بين الغنم والغرم فإنها من الميسر المحرم الذي لا يجوز إلا ما استثناه الشرع في مسألة الرهان على الخف والنصل والحافر.
***(16/2)
الحوالة(16/2)
ما حكم تحويل ريالات سعودية من المملكة مثلاً إلى دولارات إلى خارج المملكة عن طريق الحوالات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة لها صورتان جائزتان:
الصورة الأولى أن يصرف الدراهم السعودية في المملكة بدولارات ويأخذ الدولارات ثم يحول هذه الدولارات إلى بلده وهذا لا إشكال في جوازه لأنه صرف دراهم سعودية بدولارات مقبوضة.
والصورة الثانية أن يحول الدراهم السعودية إلى البلد الثاني على أنها دراهم سعودية ثم هناك يتعاقد وكيله مع الجهة التي حولت إليها الدراهم السعودية على أن تبدل الدراهم السعودية بدولار بسعره في ذلك المكان فيصرف الدراهم السعودية إلى دولارات بسعرها في ذلك المكان وهذا أيضاً لا إشكال في جوازه.
الصورة الثالثة فيها إشكال وهي أن يعطيه دراهم سعودية هنا ويقدر قيمتها من الدولار ويتم العقد بينهما ثم يحول الدولارات إلى البلد الثاني فهذه محل نظر لأنها مصارفة بدون قبض العوض لكني أقول إن شاء الله تعالى وأسأل الله أن يعفو عني إن أخطأت أقول إذا دعت الضرورة إلى هذا ولم يكن سبيل إلى إيصال الدراهم لبلد الصارف إلا بهذه الطريقة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس لما في ذلك من التيسر على المسلمين وعدم وجود دليل قطعي يمنع ذلك.
***(16/2)
المرسل م. م. ي من الرياض يسأل عن التحويل بواسطة النقود يقول ما حكم تحويل الدراهم عن طريق البنك بمعنى أن أدفع ريالاً سعودياً هنا في السعودية، ويعطي لي درهماً مغربياً هناك بموجب الشيك يسلم إليّ وأبعثه إلى المغرب عن طريق البريد وبعد ذلك يستلم به المبلغ المبعوث هناك والمتفق عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فهمنا من هذا السؤال أنه يريد صرف نقد بنقد بدون قبض بمعنى أنه يصرف دراهم سعودية إلى دراهم مغربية بدون أن يقبض العوض هذا وجه، وجه آخر أنه يقبض الشيك الذي حول إلى دراهم مغربية وقد سلم دراهم سعودية، أما الأول فإنه ربا لأننا نرى أن التعامل في هذه الأوراق النقدية يجري فيه ريا النسيئة بمعنى أنه لا يصرف بعضها إلى بعض إلا يداً بيد لأنها نقود اختلف نوعها فتكون بمنزلة الذهب والفضة، والذهب والفضة إذا بيع أحدهما بالآخر فلابد أن يكون يداً بيد، وأما تحويله إلى شيك فهو أيضاً مثل الأول لأن الشيك يعتبر ورقة تحويل وليس قبضاً للعوض وبهذا لو فرض أنه لم يجد رصيداً للجهة التي حول إليها بهذا الشيك يرجع به على الأول ولا يعتبر مستلماً لما حول به، ما دام أن الشيك بيده حتى يقبض عوضه، فلا فرق بين أن يسلم شيكاً به أو يكتب معه كتاب ويبلغ به الجهة الأخرى هذا هو رأينا في هذه المسألة، هذه الأوراق النقدية اختلف فيها الناس اختلافاً كثيراً على نحو ستة أقوال لأهل العلم لكن الذي يترجح لي هو ما أشرت إليه أنه يجري فيه ربا النسيئة دون ربا الفضل فنقول الآن الطريق السليم إلى هذا أن تشتري من هنا دراهم مغربية وتعطيها للبنك يحولها لك إلى المغرب مثلاً أو تشتري دولاراً أمريكياً من هنا وتعطيه البنك يحوله لك في أمريكا وهكذا، وأما أن تعطيهم عملة سعودية ثم تقبض عوضها عملة أخرى في البلد الذي حولت عليه فلا يجوز هذا.
فضيلة الشيخ: لو اشتريت مثلاً نقوداً مغربياً ووضعتها في البنك لن تستلمها نفس العملة هناك وإنما تبقى أيضاً ورقة لتسلم هناك عملة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بارك الله فيك هذا لما اشتريت عملة مغربية صرفتها بعملة سعودية هذا هو الصرف صار يداً بيد، ثم أعطى البنك هذه دراهم مغربية ليحولها إلى المغرب مثل ما إني أعطي البنك في الرياض دراهم سعودية ليحولها إلى القصيم دراهم سعودية ولكن هذا من باب البيع، هذا يسميه العلماء سفتجة بمعنى إنه يأخذ منك دراهم في هذا المكان ثم يحولها لك في المكان الآخر تقبض منه.
***(16/2)
نحن نشتغل في المملكة وبعد فترة من الزمن نرسل مصاريف للأهل بالسودان مع بعض الاخوة السودانين ونقوم ببيع الريالات لهم مقابل الجنية السوداني ويقوم هؤلاء الناس بتسليم المبلغ بالجنيهات السودانية إلى الأهل فهل في ذلك ربا أرجو التوضيح مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الكلام في الجواب عن هذا السؤال أود أن أبين أن الله سبحانه وتعالى حرم في كتابه الربا وقال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وجاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في ذنب سواه إلا الشرك فقال الله تعالى وتبارك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله سبحانه وتعالى (ف مَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وثبت عن النبي صلى الله علية وآله وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فالربا أمره عظيم وشأنه خطير ومن نبت جسمه على الربا فقد نبت جسمه على السحت والعياذ بالله والمرابون من هذه الأمة يشابهون اليهود الذين قال الله فيهم (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) ولا أظن مسلما يرضى لنفسه أن يكون مشابهاً لليهود بل لو قلت لأي واحد من المسلمين أنت يهودي لنفر من ذلك أشد النفور ولخاصمك على هذه الكلمة التي وصمته بها وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا أين يكون وكيف يكون فقال عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا) فهذه الأصناف الستة هي التي يكون فيها الربا إذا باع الإنسان جنساً منها بمثله فإنه يجري فيهما ربا الفضل وربا النسيئة ولابد لتوقي هذين النوعين من الربا من التساوي بينهما وزناً فيما يوزن وكيلا فيما يكال والتقابض قبل التفرق لقوله عليه الصلاة والسلام (مثلاً بمثل سواء بسواء يدا بيد) وإذا بيع جنس بآخر موافقا له في علة الربا فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل التفرق لقوله عليه الصلاة والسلام (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) أما إذا كان لا يوافقه في علة الربا كبيع البر بالذهب أو الفضة فإنه لا يجري الربا بينهما فلا يشترط فيهما تقابض ولا يشترط فيهما تماثل وعلى هذا يجوز أن تبيع صاعا من البر بدرهم أو درهمين أو دينار أو دينارين وإن لم تقبض العوض لأنه لا ربا بين مكيل وموزون وعلى هذا يتنزل التبادل في العملات كالجنية السوداني والريال السعودي فانه لا باس أن يحصل التفاضل بينهما ولكن لا بد من التقابض في مجلس العقد قبل التفرق فإذا كان عند الإنسان السوداني في السعودية دراهم سعودية وأراد أن يحولها إلى جنيهات سودانية فإنه يذهب إلى أهل الصرف ويعطيهم الدراهم السعودية ويأخذ بدلها في الحال جنيهات سودانية ثم يرسلها إلى أهله أو يرسل دراهم سعودية إلى أهله وهم هناك يصرفونها إلى جنيهات سودانية ويأخذون العوض فورا هذه هي الطريقة السليمة إما هذا وإما هذا وإما أن يعطي دراهم سعودية هنا ويأخذ عنها عوضا جنيهات سودانية في السودان فإن هذا لا يجوز لأنه ربا نسيئة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) .
***(16/2)
مسألة كثيرة التداول الآن بين الناس , يأتي شخص ليسافر خارج المملكة ليسافر مثلاً إلى لندن أو إلى أمريكا أو إي جهة أخرى فيذهب إلى البنك مثلاً يأخذ منه شيكاً مقابل نقود يدفعها للبنك ويحوله البنك في هذا الشيك إلى إي بنك في الدولة الخارجية وربما أن البنك تصرف في النقود قبل أن يصل المسافر وهذا لا يعد قبضاً فهل هذا جائز أو غير جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أن مثل هذه الحالة إذا كان صرفاً بمعنى أنه سيسلمه عملة حسب عملة البلد التي فيها البنك ثم البنك سوف يحولها إلى عملة البلد الذي سوف يسافر إليه فهذا في الحقيقة صرف ولا يجوز هذا العمل لأنه سيتأخر القبض , أما إذا أعطاه هذا الرجل من عملة البلد الذي سيسافر إليه وقال خذ هذه مثلاً مائة دولار وهو يريد أن يسافر إلى أمريكا حولها لي إلى مائة دولار بالبنك الأمريكي مثلاً هناك فهذا لا بأس به لأن هذا ليس ببيع , أنا ما بعت مثلاً نقداً سعودياً مثلاً بنقد أمريكي إنما أعطيته نقداً أمريكياً ليحوله إلى نقد أمريكي نفسه.
***(16/2)
السائل طاهر حسن يقول أنا مقيم بالمملكة ولدي أولاد في بلدي مما يدعوني أن أرسل إليهم مصاريف إما عن طريق البنك أو عن طريق شخص يتعامل في التحويل أو تبديل العملات ويتم ذلك عبر الاتصال التلفوني ولم يكن هناك تقابض مع الطرف المحول فهل علي شيء في ذلك علماً بأنني قرأت حديثاً في منهاج المسلم يخص الصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيعوا الذهب بالفضة كيف شيءتم يداً بيد) ومن شروط صحة جواز الصرف التقابض في المجلس وأنا يتعذر علي ذلك فهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه يمكن أن تحول الدراهم بالعملة التي في البلد الذي أنت فيه فإذا بلغت المحال عليه صرفها إذا شاء بسعر يومها في ذلك البلد مثال ذلك تحول عن طريق البنك الدراهم على أنها سعودية فإذا وصلت البنك في بلدك وأتى المحال له ليقبضها ويريد أن يحولها إلى عملة بلدك فليسأل كم السعر ثم يصارف البنك الذي حولت إليه في سعرها في وقتها ويقبض هذه طريقة لا بأس بها ولا فيها كلافة فليلزمها فإنها جائزة أما التحويل وصرفها إلى نقود البلد المحال عليه بدون قبض فهذا لا يجوز.
***(16/2)
الصلح(16/2)
المستمع أبو عبد الله يقول صدم رجل سيارة أحد الأخوان واتفقوا على أن تقدر الورشة قيمة الإصلاح للسيارة وبالفعل تم ذلك وأعطاه الرجل المبلغ المطلوب ولكن السيارة أصلحت بأقل فهل يلزمه رد الباقي للرجل علما بأن الحادث قد أثر على السيارة وقيمتها تنزل عند البيع فأرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المصالحة مصالحة مقطوعة منتهية ووجد من يصلح السيارة بأقل مما اصطلحا عليه فإن الزائد له لاسيما وأن الزائد ربما لا يفي بنقصان السيارة عن قيمتها لو لم تصدم لأنه ليست المسألة مسألة قطع الغيار بل قطع غيار وما حصل على السيارة من النقص بسبب الصدمة وهذا أمر ربما لا يتفطن له كثير من الناس وكل أحد يعرف الفرق بين قيمة السيارة المصدومة ولو كانت قد صلحت وبين قيمتها غير مصدومة والمهم أنه إذا كان الاصطلاح اصطلاح قطع نزاع وانتهاء فإن ما زاد مما اصطلحا عليه يكون لصاحب السيارة وأما إذا كان الصلح بينهما على إصلاح السيارة فإنه في هذا الحال يجب على صاحب السيارة إذا زاد المبلغ الذي أعطيه على إصلاحها أن يرده إلى صاحبه أو يستحله منه والفرق بين هذه والتي قبلها أن التي قبلها مصالحة على قطع نزاع ولكن هذا القطع أعني قطع النزاع مربوط بما يظن من قيمة الإصلاح وأما هذه فهي مصالحة على الإصلاح نفسه فيكون ما زاد من الدراهم التي أخذها صاحب السيارة لصاحب الدراهم يرد إليه.
***(16/2)
بيننا وبين المسجد مزرعة ونذهب إلى المسجد مع وسطها ولم نستأذن أهلها لأنهم كثيرون ومتفرقون وقد استأذنا بعضاً منهم فهل يلحقنا إثم إذا مشينا معها إلى المسجد علماً أن الطريق إلى المسجد بعيد جداً وبعضنا كبير السن لا يستطيع الذهاب مع الطريق لبعده وازدحام السيارات فيه جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم بأس في العبور من هذه المزرعة بشرطين أن لا يحصل ضرر على ما تمرون به من الأشجار والزروع وأن لا يحصل أذى على أهل المرزعة فإن كان يحصل عليهم أذى يتأذون بمروركم عندهم أو كان في ذلك ضرر على الأشجار والزروع فإنه لا يحل لكم.
***(16/2)
الحجر(16/2)
وردتنا هذه الرسالة من القصيم ومن بريدة من المرسلة ط. م. ب. تقول عندنا ولد وبنت وهما في سن العاشرة والبنت عمرها إحدى عشرة سنة تقول ويأتيهما بعض النقود من الزوار الذين يأتون إلينا أو من أقاربنا ويشترون بهذه النقود التي تبلغ العشرة والعشرين إلى أن تصل إلى المائة هل يجوز لنا أن نحتال عليهم ونكذب لنأخذ هذه النقود منهم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء صغار والصغار يجب على أوليائهم أن لا يمكنَّوهم من التلاعب بأموالهم لقول الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) وقوله (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وحفظ الأموال أمرٌ واجب فهؤلاء هذا الولد وهذه البنت تؤخذ الأموال التي تُعطى إليهم إذا كانت كثيرة ويعطون منها ما تطيب به نفوسهم يشترون به ما يتلهون به مما يكون مباحاً لأمثالهم والباقي يُحفظ لهم هذا هو الواجب على أوليائهم وأما أن يُمكِّنوهم من التلاعب بالأموال فهذا حرامٌ على أوليائهم أن يمكنوهم منه.
***(16/2)
هل لسن البلوغ عمر معين فإن كان ففي أي سنة يبلغ الرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن البلوغ له سن معينة وهو تمام الخمس عشرة سنة واستدل أهل العلم على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت فعدت إليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني يعني ورآني قد بلغت) فإذا تم الإنسان خمس عشرة سنة فقد بلغ وقد يبلغ الإنسان قبل أن يتم له خمس عشرة سنة وذلك بنبات العانة وهي الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل وقد يبلغ قبل ذلك وذلك بنزول المني بشهوة فإنه متى نزل منه المني بشهوة يقظة أو مناماً صار بالغاً وإن لم يكن له إلا اثنتا عشرة سنة.
***(16/2)
المستمع م. س. ع. يقول لي أختٌ توفيت وكان لديها مجموعةٌ من الحلي الذهبية وقد أنجبت ابنتين وابناً واحداً فقامت والدتي وأخذت رأي زوجها ووالدها في بيع الذهب وجعل قيمته لعدة حججٍ تعطيها لشخصٍ يقوم بالحج لأختي المتوفاة فوافق زوجها ووالدها على ذلك فقامت والدتي ببيعه وبقي منه ما قيمته عشرون ألف ريال فهل يجب أخذ رأي الأولاد علماً أنهم قصر فلا يتجاوز عمر الكبرى من البنات خمس سنوات وجميعهم تحت كفالة والدتي التي هي جدتهم منذ توفيت أمهم وهل لهم الحق في المطالبة بما تركته أمهم من مالٍ بعد بلوغهم سن الرشد وهل يلحق والدتي إثمٌ على تصرفها ببيع الذهب وإنفاق شيء منه في الحج لأمهم وماذا عليها أن تفعل الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن هذا التصرف لا يحل بالنسبة لميراث القصر لأن القصر لا يجوز لأحدٍ أن يتبرع بشيءٍ من مالهم حتى ولا للميت الذي خلف هذا المال فإن الله تعالى يقول (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وعليه فإنه يجب أن تضمن هذه الأم المتصرفة لأولاد المرأة القصر ما نقص عن ميراثهم لأنها هي التي أتلفته عليهم على وجهٍ لم يأذن به الشرع ويجب على إخواننا المسلمين أن لا يتصرفوا في شيء حتى يسألوا أهل العلم ليكونوا على بصيرةٍ من أمرهم فيتصرفوا تصرفاً يرضاه الله ورسوله وأما كون الإنسان يستحسن الشيء فيتصرف فيه مع تعلق حق غيره به فإن هذا لا يجوز ولا يحل.
***(16/2)
المستمع خلوي غازي محمد المطيري من السر يقول توفيت زوجتي وكانت أوصت بثلث مالها لولدها حين يبلغ سن الرشد وقد حفظت ذلك الثلث إلى أن بلغ ولدها سن الرشد فدفعته ولكنه سيئ التصرف فيه ولا يعمل لتنميته وزيادته بل يصرف منه حتى يتناقص ودون عمل على زيادته وأنا أسأل أولاً هل مثل هذه الوصية صحيحة أم لا وهل أترك ولدها يتصرف كيف يشاء في هذا الثلث أم أسترده منه حتى أعلم منه حسن التصرف أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه وصية صحيحة ولكنها قالت في وصيتها أنه يكون في يدك حتى يبلغ ابنها سن الرشد ومعنى بلوغ ابنها سن الرشد أن يكون رشيداً فلا يحل لك أن تسلمه إليه حتى تعلمه أنه قد صار رشيداً في تصرفه ومادام الأمر قد وقع فإنه لابد أنه أن تُبلغ الأمر إلى المحكمة التي في بلدكم حتى تقوم بما يجب نحو هذا الموضوع.
***(16/2)
لي والد كبير في السن وهو قد وصل إلى مرحلة التخريف وله أرض كبيرة ونرغب في تخطيطها وبيعها على شكل قطع سكنية ولكن يقول البعض من الأخوة ما دام الوالد على قيد الحياة فلا حق لكم في التصرف هل يجوز لي أن آخذ صك ولاية من المحكمة لأجل مصلحته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان تصرفه غير سديد فلا بد أن تبلغ بذلك المحكمة حتى تتخذ الإجراء اللازم.
***(16/2)
الوكالة(16/2)
ما هي شروط الوكالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شروط الوكالة أن تكون فيما يملكه الموكل وفيما يجوز أن ينفذه الوكيل.
***(16/2)
شخص يعمل أمين صندوق في إحدى المؤسسات ومدير المؤسسة وكيل لورثة أبيهم ويقوم هذا الوكيل وهو أخوهم بإصدار أوامره لأمين الصندوق بصرف مكافآت العمال وصدقات وتبرعات وقروض لدعم المحتاجين فهل على أمين الصندوق اثم فيما لو تعدى الوكيل الصلاحيات المتاحة له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تعدى الوكيل الصلاحيات الممنوحة له وأمين الصندوق يعلم بذلك فإنه لا يجوز له أن يصرف شيئاً من الصندوق لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان وعليه أن ينصح الوكيل ويخوفه من الله ومن المعلوم أن الوكيل والأصح أن نقول إن الولي على مال القصار لا يحل له أن يتبرع بشيء من أموالهم ولا بالصدقة وأما القرض فإنه قد يجوز بشرط أن يكون المقترض مليّاً أو يقيم ضامناً مليّاً أو يرهن رهناً يمكن الوفاء منه وبشرط آخر هو أن يكون للمولى عليهم مصلحة في هذا القرض ولا أريد بالمصلحة الزيادة لأن الزيادة في القرض من الربا ولكن أريد مصلحة إذا كان قرضه لهذا الرجل يحميه من اعتداء الغير عليه ويحفظه فهذا مصلحة للمولى عليه فإن اجتمع هذان الشرطان الأول المصلحة والثاني انتفاء الخطر بإقامة ضامن بحيث يكون المستقرض مليّاً أو يقيم ضامناً مليّاً أو يدفع رهناً يحرز ويمكن القضاء منه فإن ذلك لا بأس به وحينئذٍ نقول تصرفات الولي في مال المولى عليه تنقسم إلى ثلاثة أقسام قسم جائز وهو ما كان فيه مصلحة كالبيع والشراء والاتجار إذا رأى المصلحة في ذلك وقسم ممنوع على كل حال كالصدقات والتبرعات وقسم جائز بشرط وهو القرض والشرط هنا أشرت إليه أولاً وهو أن نضمن هذا المال بحيث يكون المقترض مليّاً أو يقيم ضامناً ملياً أو يدفع رهناً محرزاً والثاني أن يكون في ذلك مصلحة.
***(16/2)
الرسالة من الخبر في المنطقة الشرقية وردت لنا من المستمع ي ش س ي يقول أخذت من قوم سلعة باتفاق تم بيني وبينهم على أن أبيع سلعتهم وأخبرهم بقيمتها وأشتري لهم سلعة أكبر حجماً وأكثر قيمة على أن يدفعوا لي الفلوس الزيادة وعلمت كل الذي طلبوه مني وأخذت وأخبرتهم بقيمة سلعتهم التي بعتها ووافقوا ورضوا بنفس الاتفاق السابق وعندما جئت لهم بالسلعة الجديدة رفضوا دفع المبلغ الزيادة وأرادوا تسعير سلعتهم بالسعر الحالي علماً بأنه أضعاف ذلك اليوم أفيدونا ما الذي أعمله مع هؤلاء القوم هل أحاكمهم على الحق حسب الاتفاق أم أستلم منهم بخسارة علّيُ وهل يسكون ربا إذا أخذوا مني هذه الفلوس وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حق لك فإن شيءت فسامحتهم فلا حرج عليك وإن شيءت فحاكمتهم فلا حرج عليك ولكن لابد أن تثبت بأنهم وكَّلُوك في بيع هذه السلعة وأن تشتري لهم السلعة الحاضرة ولو زاد ثمنها على ثمن الأولى فإذا ثبت ذلك لزمهم ما التزموا به.
***(16/2)
رجل وكلّ شخصاً ليبيع له عقاراً فوضع هذا العقار عند مكتب لبيعها ثم أتى إلى الوكيل شخص يطلب هذه الأراضي فهل إذا باعها عليه يأخذ السعي لوحده وهل لصاحب المكتب حق في السعي مع أن صاحب المكتب لم يبع هذه العقار أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة ترجع إلى عرف الناس فإن اقتنع كل من الوكيل وصاحب المكتب بما يقول صاحبه فذاك وإن لم يحصل اقتناع فإن مرجعه إلى المحكمة الشرعية.
***(16/2)
الرياض رمز لاسمه بـ ع. أ. يقول بجوار بيتي أرض معروضة للبيع ولكن إذا علم صاحب الأرض بأنني أريدها رفع السعر أكثر فهل أكلم شخصاً يذهب إليه فإذا وافق على البيع حضرنا جميعاً وعندها لا يستطيع أن يرفع سعر الأرض أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج عليك إذا علمت أن صاحب الأرض لو علم أنك تريد شراءها لرفع السعر أن توكل شخصاً يشتريها منه وذلك لأن التوكيل في البيع والشراء من الأمور الجائزة ومن المعلوم أن الموكل قد يقيم وكيلاً عنه لأغراض متعددة وهذا الغرض من الأغراض المقصودة والعجب أن ما ذكره السائل قد يكون صحيحاً واقعاً وهو مما يؤسف له لأن الأولى إذا كان الجار هوالذي يريد شراء الأرض أن يكرمه صاحب الأرض وينزل له من القيمة ويفضله على غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) .
***(16/2)
توفي والدي يرحمه الله منذ ثلاث سنوات ونحن أكثر من عشرة من الوارثين كلنا قد بلغ سن الرشد ذكوراً وأناثاً فأود أن أعرف هل لأخي الأكبر حق شرعي في شراء أي شيء من أموالنا جميعاً باستثناء أموال جدي وجدتي هما أيضاً من ضمن الورثة فمثلاً إذا قام أخي بشراء سيارة كمصلحة للجميع علماً بأن هذا الشراء يتم برضى الجميع وأخي هو المسئول عن إدارة أموالنا برضانا وتوكيل منا فهل لأحد أن يتدخل بهذا الشراء بحجة أن أخي يلعب بأموالنا ونحن طبعاً نرفض مثل هذا التدخل كما أن البعض ممن تدخل من الأهل يقول بأن السيارة لا بد أن تحسب من إرث أخي فقط فهل هذا صحيح ونحن جيمعاً لنا مصلحة في شراء هذه السيارة نرجو الافادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ماخلفه أبوك من الميراث فهو بينكم حسب ما فرضه الله عز وجل لذوي الفروض فروضهم والعصبة وهم الأبناء والبنات لهم ما بقي للذكر مثل حظ الانثيين وإذا كان كلكم بالغاً عاقلاً رشيداً فالأمر إليكم وليس لأحد سواكم وإذا كنتم واثقين بأخيكم الكبير أن يفعل ما شاء مما يراه مصلحة فلا اعتراض لأحد عليكم والذي أرى ألا تسمعوا إلى أقوال الناس لأن الناس منهم أصحاب هوى ومنهم من هو مستعجل لا يتأنى في الأمور ومنهم من هو مغرض يريد أن يفرقكم ويلقي العداوة بينكم فما دام أخوكم قد أرضاكم ورأيتم حسن تصرفه فلا تلتفتوا إلى أحد بشيء والأمر في أموالكم إليكم ولا اعتراض لأحد فأنتم إذا كنتم بالغين عقلاء رشيدين أحراراً في التصرف بأموالكم حسب ما تقضيه الشريعة الإسلامية.
***(16/2)
الشركة(16/2)
هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً لغير المسلم في التجارة أو الزراعة أو غير ذلك من وجوه الشركات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يشارك غير المسلم لأنه لا يثق به وإن وثق به من حيث الأمانة فإنه لا يثق به من حيث العمل قد يتعاطى معاملات محرمة في الإسلام وهو لا يدري أو يدري ولكنه يقول إنه غير ملتزم بها ثم إن مشاركة غير المسلم توجب بمقتضى العادة الميل إليه ومحبته وإلفه وكل ذلك أمر ينقص من دين المرء فلا ينبغي للإنسان أن يشارك غير المسلم في تجارته أما التحريم فلا يحرم لأنه لا يتعلق بمسألة الدين بشرط ألا يكون له ميل إليه ومحبة له ومودة له.
***(16/2)
يوجد شخصان اشتركا في تجارة منهم واحد يشرب الدخان فيقوم بأخذ ثمن السجائر من المال المشترك المشتركين فيه وهو رأس المال فما حكم أخذه لذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لأحد الشركاء أن ينفرد بالإنفاق على نفسه دون شركائه لأن المال مشترك وتصرف الإنسان بنفسه خاصة بالمال المشترك خيانة وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) ولكن الإشكال فيما لو استأذن من صاحبه أن يشتري من المال المشترك دخاناً يدخن به فهل يجوز لشريكه أن يأذن له لأنه إن أذن له شاركه في الإثم وإن امتنع فهذا هو المطلوب أن يقول له أنا لا آذن لك أن تشتري من المال المشترك بيننا لنفسك دخاناً لأن شرب الدخان حرام لما يترتب عليه من المضار الدينية والدنيوية المالية والبدنية.
***(16/2)
هذه السائلة أ. ب. ت. من الدمام بعثت بسؤالٍ تقول فيه كان والدي وعمي شريكين في مكتبٍ تجاري توسعت أعماله ومساهماته حتى نالت المصانع والشركات وجزءٌ من رأس المال التأسيسي لمؤسسةٍ تتعامل بالربا وقد توفي عمي رحمه الله ولكن والدي تولى الشركة والتي يقوم بإدارتها أبناء الشريكين وقد تقدمت لوالدي بالنصيحة في إلغاء أسهم تلك المؤسسة الربوية التأسيسية وقد انتقل والدي إلى رحمة الله من عهدٍ قريب ومنذ وفاته لم نتحدث مع إخوتي وأبناء عمي عن الميراث أبداً وقد حضر إلينا كاتب العدل وقرأ علينا نموذج الصكوك المطبوعة والتي فيها البيع والشراء والمساهمات ومن ضمنها مساهمة تلك المؤسسات وبعد ذلك طلب منا الموافقة والتوقيع وأنا في نفسي تلك اللحظة أعرف تمام المعرفة أن المساهمة في مثلها والقرض والاقتراض منها أمر محرم ولكنني لم أستطع أن أقول أي شيء أمام كاتب العدل لأنني أحرص أشد الحرص على مشاعر إخوتي ولو أنني كنت أود أنهم قرؤوا علي هذا النموذج قبل حضور كاتب العدل لأناقشهم فيه فهل علي شيء وما هو الذي يجب علي فعله الآن إزاء هذا الموقف أرجو إفادتي وجزاكم الله عنا كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في هذا السؤال إنه تضمن أمرين أحدهما المساهمة مع شركةٍ تتعامل بالربا وهذا محرمٌ ولا يجوز فإن أي أحدٍ يتعامل بالربا لا يجوز المشاركة معه لأنه سيؤدي إلى إدخال الربا على مال هذه الشركة فيختلط الحلال بالحرام فلا يجوز ذلك وأما بالنسبة لما سألتي من عدم بيان الأمر أمام كاتب العدل فإن ذلك محرم والواجب عليك أن تجعلي تقوى الله تعالى مقدمة على كل شيء حتى على مشاعر إخوانك وغيرهم وأن تقولي الحق فإن الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) ولكن وبعد أن وقع هذا الأمر يمكن أن تتخلصي منه بطلب القسمة وأن تأخذي نصيبك من هذا المال وأن تتصرفي فيه بانفراد أو تطالبيهم بإخراج هذه الشركة التي تتعامل فالربا عن الشركة في بقية المال فإذا لم يمكن هذا فلا بد أن تأخذي نصيبك من هذا المال المشترك وأن تتجري فيه على وجهٍ لا يكون فيه ربا وبهذا تتخلصين من هذا العمل.
***(16/2)
المستمع ي س غ من جدة يقول لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثاً عن الربح ولكن الذي يحدث أن بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلاً مائة ريال يبيعه بمائتين أو أكثر حسب قيمة هذه السندات في وقته ذاك فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه لكن بشرط أن يكون معلوماً بين البائع والمشتري فيعرف أن له مثلاً عشرة أسهم، خمسة عشر سهماً من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلاً فإذا كان معلوماً فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في شركات أو في مساهمات عقارية أو غير هذا.
***(16/2)
الطيب علي الصادق سوداني مقيم بالدوادمي يقول عندي مبلغ من المال أعطيته أحد الأخوان ليشتغل به في التجارة واتفقنا على أن الفائدة تكون بيننا فما الحكم في ذلك هل حلال أم حرام وأمرت أيضاً هذا الأخ الذي أعطيته المبلغ بأن يخرج لي زكاة هذا المبلغ كل ما يحول عليه الحول فالتزم لي بذلك ولكن مضت عليه سنتان لم أعرف عنه شيئاً هل أخرجها أم لا فما الحكم بالنسبة لي أنا إذا كان لم يخرجها هل يجب علي إخراجها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن مسألتين المسألة الأولى هل هذه المعاملة صحيحة وهي أن تعطي شخصاً مالاً يتجر به وما حصل من الربح فهو بينكما والجواب على ذلك أن هذه معاملة صحيحة وهي جائزة بالإجماع وتسمى المضاربة وذلك لما فيها من المصلحة للطرفين فالعامل حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال منه المال وذاك منه العمل فصاحب المال حصل له بماله هذا الربح مع راحته وعدم تعبه وذاك العامل حصل له نصيبه من الربح مع تعبه لكن بدون مال يشغله بهذه المعاملة والمهم أن هذه المعاملة جائزة ولا حرج فيها وأما المسألة الثانية التي تضمنها هذا السؤال فهي أنك وكلته بإخراج زكاتك كل عام وهذه الوكالة أيضاً صحيحة فإن التوكيل في إخراج الزكاة جائز وكذلك التوكيل في ذبح الهدي جائز في ذبح الأضحية كذلك جائز وإذا كنت قد شككت هل أدى الزكاة في السنتين الأخيرتين فاسأله إن كان قد أخرج الزكاة فقد أخرجها بوكالتك إياه ويكون إخراجه مجزئاً وإن كان لم يخرجها فأخرجها أنت.
فضيلة الشيخ: إن أخرجها واتضح له بعد ذلك أن صاحبه هذا الموكل قد دفعها فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخرجها وتبين أن صاحبه قد أخرجها فإن ما أخرجه أخيراً يكون تطوعاً لأن ذمته برئت بإخراج وكيله ويكون هذا المال صدقة حتى ينبغي أن نعرف قاعدة ذكرها أهل العلم وهي أن كل فرض أداه الإنسان يحسب أنه عليه فتبين أنه لم يكن فإنه ينقلب نفلاً ومن هذا لو أن الإنسان صلى قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل فإنه إذا دخل الوقت يجب عليه أن يصلى في الوقت وتكون صلاته الأولى نفلاً وكذلك لو صلى ظاناً أنه أخل في صلاته بشيء يوجب عليه الإعادة ثم تبين له إنه لم يخل فإن صلاته الثانية تكون نفلاً.
***(16/2)
لدي مبلغ من المال وأريد أن أستثمره أو أقوم بتشغيله لدى تاجر أدوية وهذا التاجر رفض أن أكون شريكه له في العمل بالمبلغ الذي ساهمت به وهذا المبلغ كبير ولكن سوف يضم مالي مع ماله ويشتغل به على أن يعطني نسبة من الأرباح شهرياً أو كل ثلاثة أشهر حسب الاتفاق بيننا فضيلة الشيخ هل تعد هذه النسبة من المال والربح الحلال والكسب المشروع من تجارة أو تعد مثل الفوائد البنكية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المعاملة معاملة صحيحة وهي من المضاربة والمضاربة أن يعطي الشخص مالاً لشخص آخر ويقول له اتجر به ولك من الربح كذا وكذا بالنسبة يعني لك من الربح نصفه أو ربعه أو ثلثه أو أقل أو أكثر وهي جائزة ولكن لو قال أعطني من الربح كل شهر مائة أو ما أشبه ذلك هذا لا يحل لأنه لابد أن يكون نصيبه من الربح نصيباً مشاعاً ليشتركا في المغنم والمغرم ولا فرق بين أن يشتغل العامل الذي أعطي المال يتجر به لا فرق بين أن يشتغل بالمال منفرداً أو يضمه إلى مال له ويتجر بهما جميعاً.
***(16/2)
عمر اليوسف ويقول هل يجوز إعطاء شخص مبلغاً من المال ليعمل به ويتم اقتسام المربح الخاص مناصفة أي نسبة كانت أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذه المعاملة التي سأل عنها السائل وهي أن يقوم شخص بدفع دراهم معلومة لآخر ويقول اتجر بهذه الدراهم فما حصل من الربح فهو بيننا أنصافاً أو لي ربعه ولك ثلاثة أرباع أو لي ثلاثة أرباع ولك ربعه حسب ما يتفقان عليه نقول إن هذه المعاملة لا بأس بها وهي جائزة وقد نقل بعض العلماء إجماع المسلمين على جوازها وهذه تسمى المضاربة مأخوذة من قوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وفيها مصلحة الطرفين فصاحب المال ينتفع بالربح الحاصل من تشغيل ماله والعامل ينتفع بما حصل من الفائدة من هذه الدراهم التي كان لا يجدها لولا أن الله يسر له هذا الرجل ولكن يجب أن نعلم أن هذا العقد لابد أن يكون خالياً من شبه القمار والميسر بمعنى أن يكون الغرم والغنم بين صاحب المال والعامل على السواء وذلك بأن يكون الجزء المشروط للعامل جزءاً مشاعاً معلوماً كالنصف والربع والثلث والثمن والعشر وما أشبهها وبناء على ذلك لو قال خذ هذه الدراهم اتجر بها لك ربحها في الشهر الأول ولي ربحها في الشهر الثاني فإن هذا لا يجوز لأنها قد تربح كثيراً في الشهر الأول ولا تربح في الثاني وقد يكون العكس وكذلك لو قال خذ هذه الداراهم اتجر بها وربحها في مكة لك وربحها في المدينة لي فإن هذا أيضاً لا يجوز لأنها قد تربح كثيراً في مكة ولا تربح في المدينة أو بالعكس وكذلك لو قال خذ هذه الدراهم واتجر بها وربحها من السيارت لك وربحها من الأقمشة لي فإن هذا أيضاً لا يجوز لأنها قد تربح كثيراً من السيارات دون الأقمشة أو بالعكس وكذلك لو قال خذ هذه الدراهم اتجر بها لك ربحها ألف ريال والباقي لي أو لي من ربحها ألف ريال والباقي لك فإن هذا لا يجوز وذلك لأنها قد تربح ألف ريال فقط فيكون من له الألف رابحاً والثاني غير رابح وقد لا تربح ألف ريال وقد تربح عشرات الآلاف فهذا أيضاً لا يجوز وكذلك لا يجوز إذا قال خذ هذه الدراهم اتجر بها فما حصل من الربح فلك نصفه ولي نصفه وما حصل من خسارة فعليك نصفها وعلي نصفها فإن هذا لا يجوز أي أنه لا يجوز أن يشترط شيئاً من الخسارة على العامل بل الخسارة كلها على صاحب المال فلا بد من مراعاة هذه الأمور التي تفسد هذه المعاملة فإذا لم يكن فيها مانع يمنع من صحتها فإنها صحيحة ولا حرج فيها.
***(16/2)
المستمع عبد الله أأ من الرياض يقول بأنه تشارك مع زميل له في عمل مشروع طيب تجاري، الزميل الأول دفع المال يقول وأنا بجهدي وعرقي وجدي وعلاقاتي هذا ما اتفقنا عليه ورضي كلٌ منا بالعمل والفكرة والمشروع وحيث إنه لم يعمل معي فأنا الذي أقوم بإدارة المشروع والتعقيب والشراء والبيع أما هو فكما ذكرت فلا يعمل شيئاً إلا إذا صفينا الربح آخر كل ستة شهور يعود إلينا ويأخذ ما كسبناه يقول ولكن بعد نجاحنا ومكسبنا الحلال خلال سنتين تغيرت النية حيث أفاد بأن يأخذ أكثر من نصف المربح نظرا لأنه مساهم بالمال واحترت أنا لأنني لم أكتب معه ورقة نظرا لالتزامه ودينه فبماذا ترشدونني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقد الذي ذكره أخونا هو عقد مضاربة وعقد المضاربة عقد شرعي فإذا انطبقت الشروط صحة المضاربة عليه صار عقدا صحيحا والمضاربة أن يكون من أحد الشريكين المال ومن الآخر العمل كما في هذا السؤال ويكون بينهما الربح على ما اشترطاه قد يشترطان أن الربح بينهما نصفين وقد يشترطان أن الربح بينهما أثلاثا للعامل الثلث ولصاحب المال الباقي أو بالعكس المهم أن توزيع الربح يكون على حسب ما شرطاه فإذا اشترطا أن الربح بينهما نصفان فهو بينهما نصفان وإذا اشترطا خلاف ذلك فعلى ما شرطاه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والأمر بإيفاء العقود يشمل أصل العقد ووصفه الذي هو الشروط ولقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) والعقد بين الطرفين عهد والتزام من كل واحد منهما للآخر بما يقتضيه العقد إلا أن عقد المضاربة من العقود الجائزة أي التي يملك كل واحد من المتعاقدين أن يفسخ العقد إذا لم يكن في ذلك ضررٌ على الآخر فإذا كان في الستة أشهر الماضية على أن الربح بينكما نصفين ثم طالب صاحب المال أن يكون حظه من المال أكثر فهو حر وأنت أيضا حر إن شيءت فوافق على ما طلب وإن شيءت فافسخ الشركة وإذا تفرقتما عن حسن نية فأرجوا الله سبحانه وتعالى أن يغني كلاً من سعته وإن بقيتما على حسن نية فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله قال (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) وخلاصة الجواب أن العقد بينكما إن شيءتما استمررتما عليه على الشرط الأول وإن شيءتما عدلتما في الشروط حسب تراضيكما وإن شيءتما فسختم العقد لأن العقد عقد المضاربة من العقود الجائزة.
***(16/2)
هناك شخص يعرض علي أن أعطيه رأس مالٍ لمشروعٍ تجاري أو شركة وحيث أنني ليس لدي أي خبرةٍ في التجارة وأخشى على مالي من الضياع ولكنه هو يريد التجارة فهو يقترح علي أن يجنبني الخسارة بمعنى أن يضمن لي نسبة ربحٍ ثابتة شهرياً وليس لي دخلٌ لا بالحساب الكلي لهذه التجارة ولا بالخسارة لو حدثت علماً بأنه كأي مشروعٍ تجاري خالٍ من أي معاملاتٍ محرمة أو تجارة فيما لا يرضي الله فهل ما يقترحه علي بأن يجعل لي نسبة ربحٍ ثابتة شهرياً حلالٌ أم حرام وهل يدخل هذا تحت الربا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حرام ولا يجوز للإنسان أن يعطي ماله شخصاً يفرض عليه كل شهرٍ قدراً معيناً سواءٌ ربح المال أم خسر لأن هذا من الميسر إذ أن المال قد يربح شيئاً كثيراً يكون ما أعطاك بالنسبة إليه شيئاً قليلاً وقد يربح شيئاً قليلاً يكون ما أعطاك بالنسبة إليه كثيراً وقد لا يربح شيئاً فيخسر هذا العامل من ماله ومثل هذا ما جاء به النهي في باب المزارعة من حديث رافع بن خديج قال (كان الناس يؤاجرون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذينات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام) يعني كانوا يجعلون لصاحب الأرض شيئاً معيناً معلوماً إما أصوعاً معلومة من الزرع وإما جهةً معينة من الأرض وهذا محرم فهذا الذي ذكرت مثله ولكن الطريق السليم إلى ذلك أن تعطيه مالك يتجر فيه ويكون له من الربح نسبة معينة كنصف الربح أو ربعه أو ثلثه أو ما أشبه ذلك مما تتفقان عليه فيكون هو منه العلم وأنت منك المال والربح بينكما حسب ما تتفقان عليه وهذه هي المضاربة التي أجازها أهل العلم.
***(16/2)
السائلة ن ف تقول عندي مبلغ من المال ما يقارب من ألفي ريال أعطيت هذا المبلغ لرجل يبيع ويشتري فيه وفي آخر العام أعطاني عشرين ألفاً وأنا لا أدري كيف أشتغل بها هل هذا حرام أم حلال فأرجو إفادتي في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حلال لا إشكال في جواز أخذه لأن الرجل الذي أعطى هذا المال لم يعطه إياه إلا على وجه الأمانة فلولا أن صاحب المال قد ائتمنه ورأى أنه أهل للائتمان لم يعطه المال وإذا كان كذلك فالأصل في تصرفات المسلمين أنها على الوجه الشرعي ولا ينبغي أن نسأل كيف تصرفت فيها لأن الأصل السلامة اللهم إلا أن يرد شبهة فحينئذ لا بأس أن نسأل وما دام لم ترد الشبهة فالأصل السلامة وهذا الربح الذي حصل للسائلة ربح حلال لا غبار عليه وبهذه المناسبة أود أن نبين أن هذا النوع من التصرف وهو إعطاء المال لشخص يتاجر به وكونه له نصيب من الربح يسمى عند العلماء المضاربة وفيه خير وبركة لا سيما حسن النية فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) وهذا النوع من العقود فيه بركة كما قلت من بركته أنه ينمي المال لصاحب المال بلا تعب منه وأنه يفتح باب العمل والرزق للطرف الآخر الذي ليس عنده مال فيكون هذا مكتسباً بعمله وصاحب المال مكتسب بماله فلو أن الناس سلكوا هذا وأعطوا من يثقون به دراهم يتجر بها ويكون الربح بينه وبين صاحب المال على حسب ما يتفقان عليه لحصل خير كثير لهؤلاء العاطلين الذين لا يريدون أن يعملوا بأبدانهم عند الناس كصناعيين أو بنائين أو ما شابه ذلك وليس عندهم مال يتجرون به فإذا أحسن إليهم أحد من الناس وقال خذ هذا المال تصرف به بالبيع والشراء وما أحل الله والربح بيننا كان في هذا خير كثير ومع النية الصالحة يبارك الله للشريكين في هذا المال.
***(16/2)
يقوم بعض مدراء المدارس بجمع مبالغ نقدية من الطلبة للمساهمة في فتح ما يسمى بالمقصف لتقديم بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات وبعض اللوازم المدرسية للطلاب على أن يوزع الأرباح في آخر العام بين الطلبة ولكن ما يثير شكي في هذا الموضوع أن بعضهم يحدد للطلاب ربحاً معيناً فيقول مثلاً الذي يدفع عشرة ريالات يأخذ آخر العام خمسة عشر أو عشرين فما الحكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه لا يجوز أن يحدد الربح لأن هذا المال يجب أن يكون ربحه قليلاً كان أو كثيراً للذين بذلوه وساهموا في ذلك ولا حرج أن يجعل شيئاً من الربح للقائمين على ذلك ولكنه يكون شيئاً مشاعاً فيقال مثلاً للقائمين على هذا المقصف العاملين فيه لهم نصف الربح أو لهم الثلثان أو لهم الثلث أو الربع حسب ما يراه مدير المدرسة ملائماً للعدل أو يجعل الربح كله للمساهمين ويجعل للقائمين على هذا المقصف أجرة شهرية معينة وأما أن يُجعل ربح معلوم بالتعين لا بالإشاعة للمساهمين فإن هذا لا يجوز وذلك لأن المقصف قد يربح بقدر هذا الجزء المعين وقد يربح أكثر وقد يربح أقل وهذه معاملة مبنية على الخطر وكل معاملة مبنية على الخطر فإنها تكون من الميسر الذي قال الله تعالى فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
***(16/2)
المساقاة والمزارعة(16/2)
السائل هادي ناصر يقول ما هي المساقاة والمزارعة وما حكمهما والحكمة من تشريعهما مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المساقاة والمزارعة نوعان من المعاملات التي أحلها الله تعالى ورسوله لعباده وليعلم أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع والتحريم إلا ما قام الدليل على مشروعيته وكون الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه يدل على رحمة الله تعالى بعباده وحكمته لأن الناس يحتاجون إلى معاملات متعددة وربما تحدث أشياء لا يحيط بها الحصر ولو حصرت للناس لكان فيها تضييق ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل المعاملات حلالاً إلا ما قام الدليل على منعه ومن ذلك المساقاة والمزارعة المساقاة تكون على الشجر والمزارعة تكون على الأرض مثال ذلك إنسان عنده بستان فيه أشجارٌ من نخيلٍ وأعنابٍ وتين وبرتقال وغيرها فيتفق مع شخص على أن يقوم هذا الشخص بسقيها ومؤنتها وما يصلحها بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من ثمرتها فيقول مثلاً خذ هذا النخل قم على إصلاحه ولك نصف الثمرة أو ربع الثمرة أو ما يتفقان عليه ولا يحل أن يقول خذ هذا النخل أو البستان قم عليه ولك من ثمرته مائة صاع أو مائة كيلو أو لك الجانب الشرقي ولي الجانب الغربي أو لك الجانب الشمالي ولي الجانب الجنوبي وما أشبه ذلك لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال (كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن كراءٌ للناس إلا هذا فلذلك زجر عنه أي زجر عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأما شيء معلوم مضمونٌ فلا بأس به) والشيء المعلوم المضمون هو السهم المشاع وذلك لأنك إذا جعلت للعامل شيئاً مقدراً غير مشاع أدى إلى الغرر العظيم إذ قد لا تنتج الثمار إلا هذا القدر الذي جعلته للعامل وحينئذٍ تبقى أنت بلا فائدة وقد تنتج الثمار شيئاً كثيراً كان العامل يظن أن ما اشترطه لنفسه يساوي العشر مثلاً أو النصف فإذا صار الإنتاج كثيراً صار لا يساوي إلا أقل مما قدر فيكون في هذا جهالة وكذلك إذا كان يساقيه على شيء معلوم بالمكان بأن يقول لك الشرقي ولي الغربي أو ما أشبه ذلك فإنه ربما يهلك الشرقي المشروط للعامل فيخسر بدون فائدة وربما يهلك الغربي المشروط لصاحب الأرض أو لصاحب النخل فيتضرر كذلك فلهذا لا تصح المساقاة إلا على سهم معلوم مشاع كنصفٍ وثلثٍ وربع وما أشبه ذلك واختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز أن يؤجر النخل بأجرة معلومة كل سنة لصاحب النخل ويكون للعامل الثمرة كلها بأن يقول خذ هذا النخل لمدة عشرة سنوات لك ثماره وتعطينا كل سنة مائة ألف أو أقل أو أكثر فجمهور العلماء على أن ذلك ليس بجائز لاحتمال الغرر لأن النخل قد يثمر ثمراتٍ كثيرة وقد لا يثمر إلا قليلاً وقد لا يثمر أصلاً تصاب الثمرة بآفاتٍ تفسدها ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجاز ذلك وقال كما يجوز إجارة الأرض بأجرةٍ معلومة ويكون الزرع كله للمزارع فكذلك إجارة النخل ولا فرق واستدل لذلك بأثرٍ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضمن بستان أسيد بن حضير رضي الله عنه في قضاء دينٍ له وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو عندي أقرب إلى الصواب لعدم الفارق المؤثر بين إجارة الأرض للزرع وإجارة الأرض للاستثمار وعلى هذا فتكون المساقاة لها وجهان الوجه الأول أن يعطي الفلاح النخل يقوم عليه بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من ثمره كنصفٍ وربعٍ وما أشبه ذلك الوجه الثاني الإجارة بأن يقول خذ هذا النخل لمدة عشرة سنوات قم عليه ولك ثمره وتعطيني كل سنة عشرة آلاف ريال مائة ألف ريال حسب ما يتفقان عليه وأما المزارعة فإنها تكون على الزرع الذي ليس بشجر وهي أن يعطى الرجل أرضه لشخص يزرعها بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من الزرع كالثلث والربع ونحو ذلك فيقوم المزارع بزراعة الأرض ويكون ما يخرج من الأرض بينهما على حسب ما اشترطاه لكن لا بد أن يكون جزءً مشاعاً معلوماً فلو قال مثلاً لك من الزرع مائة صاع والباقي لي فإن ذلك لا يصح لأن الزرع ربما لا يكون إلا بمقدار مائة صاع فيخسر العامل وربما يكون أصواعاً كثيرة لم تكون في تقدير المالك فيخسر المالك وهذا شبيهٌ بالقمار ولذلك نهي عنه وهكذا أيضاً لو قال لك الزرع الشرقي ولي الزرع الغربي أو لك الشمالي ولي الجنوبي فإن ذلك لا يصح أيضاً لأنه ربما يهلك الجانب الذي لأحدهما فيكون الآخر مغبوناً والمزارعة على وجهين كالمساقاة هذا أحدها أن يعطيه الأرض بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ على ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وما أشبهها والوجه الثاني أن يعطيه الأرض إجارة بأن يقول خذ هذه الأرض وازرعها لمدة عشر سنوات وكل سنة تعطيني كذا وكذا من الدراهم لا مما يخرج منها فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وإن كان هذا يسمى إجارة لكنه نوعٌ من المزارعة
***(16/2)
هل يجوز السقي بأجرة وكيف تتم المساقاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يريد هل يجوز أن نستأجر شخصا يروي النخلة أو الزرع فهذا جائز كذلك المساقاة أن أدفع نخلي إلى شخص يقوم عليه بسهم من ثمره فلا بأس أو يقوم عليه بأجرة شهرية مقطوعة فلا بأس (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) .
***(16/2)
سائل من الرياض يقول ما هي المساقاة وما هي المزارعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المساقاة هي أن يدفع صاحب النخل نخله إلى شخصٍ يقوم عليه بالسقي وغيره وتكون الثمرة بينهما أي بين صاحب النخل وبين العامل إما أنصافاً أو أثلاثاً ثلثٌ للعامل وثلثان لصاحب الأرض على حسب ما يتفقان عليه فإذا أعطى صاحب الملك هذا الفلاح نخله ليقوم عليه بجزءٍ مشاع معلومٍ منه فهذه هي المساقاة أما المزارعة فهي أن يدفع أرضه لشخصٍ يزرعها ويقوم على الزرع ويكون الزرع بينهما حسب ما يتفقان عليه أنصافاً أو أرباعاً او أثلاثاً ولكن لا بد أن يكون السهم جزءاً مشاعاً معلوماً وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه عامل أهل خيبر حين فتحها بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع) ولا يصح في المساقاة ولا المزارعة أن يُشترط لأحدهما جزء معين بالقدر أو معينٌ بالمكان بمعنى أنه لا يصح أن يقول أعطيتك نخلي مساقاةً على أن يكون لي من ثمره طنٌ ولك الباقي أو في الزرع كذلك أو يقول لك زرع الجهة الشرقية من الأرض ولي زرع الجهة الغربية من الأرض أو يقول لك زرع الشعير ولي زرع البر أو يقول في المساقاة لك ثمر السكري ولي ثمر البرحي أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز لا بد أن يكون السهم جزءاً مشاعاً معلوماً للطرفين.
***(16/2)
لي أرض زراعية وقد سلمتها إلى أحد الفلاحين ليزرعها لنفسه مقابل عشرين ليرة في المائة آخذها منه هل هذا جائز وبماذا يسمى هذا النوع من التعامل الزراعي شرعا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز هذا يجوز لك أن تعطي أرضك من يزرعها بسهم من منتوجها بسهم مشاع كعشرين في المائة وهو الخمس أو أربعين في المائة وهو الخمسان أو خمسين في المائة وهو النصف وهكذا وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه عامل أهل خيبر حين فتحها عاملهم بما بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) أي بنصفه فيجوز لمن عنده أرض أن يعطيها من يزرعها بسهم مشاع من منتوجها ويسمى هذا معاملة ويسمى أيضا مزارعة.
***(16/2)
ما حكم مزارعة الكفار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة للمزراعة فإن شاركه كعامل فلا بأس به وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع) وهم كانوا كفاراً فإذا كان أعطاه أرضاً ليزرعها أو يغرسها أو ما أشبه ذلك بجزء ما يخرج منها فلا بأس به
***(16/2)
سائل من السودان يقول رجل عنده أراضٍ زراعية واتفق مع شخص آخر أن يزرع هذه الأراضي ويعطيه نسبة خمسة وعشرين في المائة من الإنتاج علما بأن الرجل الذي يزرع هذه الأراضي عليه جميع التكاليف الزراعية هل تصح هذه النسبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تصح هذه النسبة يعني يجوز لرجل عنده أرض زراعية أن يعطيها لمزارع يزرعها ويتفق معه على نسبة معينة كخمسة وعشرين في المائة وهو الربع أو خمسين في المائة وهو النصف أو ثمانين في المائة وهو معلوم ولكن لا يصح ان يقول خذ هذه الأرض وازرعها ولي الجانب الشرقي منها ولك الجانب الغربي أو يقول خذ هذه الأرض ازرعها ولي الحنطة ولك الشعير أو يقول خذ هذه الأرض وازرعها فيكون الزرع سنة لك وسنة لي فهذه الصور الثلاث لا يحل فيها عقد المزارعة أما إذا كانت النسبة معلومة بجزء مشاع فإن ذلك لا بأس به وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) .
***(16/2)
أخذت أرضاً زراعية من شخص ما ودفعت له رهنا فيها قدره خمسة آلاف ريال لمدة ثلاث سنين وزرعتها تلك المدة وحصدت ثمارها لنفسي ولم أعطه شيئاً منها ورغم ذلك كان المحصول يعادل نصف قيمة الرهن فقط وبعد نهاية المدة استلم أرضه وأعاد إلى ثمن الرهن كاملاً فما الحكم الشرعي في هذا التعامل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بمفهوم كما ينبغي ولكن يبدو لي أنه قد اتفق مع صاحب الأرض على أن يعطيه شيئاً من المحصول وأن صاحب الأرض استوثق لنفسه بأخذ هذا الرهن وأنه لما انتهت المدة التي تمت بينهما لم يعطه شيئاً من محصول الأرض وأخذ الدراهم التي رهنها عند صاحب الأرض ثم انصرف فإذا كان الأمر كما فهمت من هذا السؤال فإنه يجب عليك الآن أن تذهب إلى صاحب الأرض وأن تعطيه نصيبه من الغلة التي أخذتها من هذه الأرض وأن تتوب إلى الله عز وجل من هذه المعاملة وأن تكون صريحاً في معاملاتك لا تخفي معاملة على أخيك المسلم الذي جرى بينك وبينه مثل هذه المعاملات.
***(16/2)
الإجارة(16/2)
يقول السائل ماحكم نقض الاتفاق بين الأجير وصاحب العمل استغلالا لحاجته بمعرفته بأنه سيرضخ لطلباته فقد حصل وأن اتفقنا مع هذا الكفيل على أن يعطينا راتباُ شهرياً ويتحمل هو مصاريف الأكل والشرب وبعد مضي مدة رجع في كلامه وقال تحملوا أنتم مصاريف أكلكم وشربكم فإن رضيتم وإلا فعودوا إلى بلدكم وتحت وطأة الحاجة والضرورة عندنا رضينا بذلك فهل يجوز له ذلك بعد أن وافق على شرطنا ونحن في بلدنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لولا أني أخشى أن تكون هذه المعاملة السيئة موجودة مع غير كفيلكم ما أجبت عليها ولكني أقول إن هذا العمل عمل محرم وهو غير لائق بالمؤمنين وإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويقول سبحانه وتعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وإذا كان الاتفاق بينكم وبين هذا الرجل على أن يقوم بما أديتموه ثم بعد ذلك يستغل الفرصة فيمتنع من إقامتهم فيقول إما أن تبقوا ويكون المصروف عليكم أو ترجعوا إلى بلادكم فلا شك أن هذا والعياذ بالله عمل محرم وخداع لا يليق بالمؤمن فنصيحتي له أن يخاف الله تعالى ويتقيه وأن يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأنكم سوف تتعلقون به يوم القيامة مطالبين بحقكم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) وأن يعلم أن ما خلفه من هذا المال الذي وفره بهذه الطريق المحرمة فإنه يكون عليه ناراً والعياذ بالله يعاقب عليه يوم القيامة ويكون ثماره لمن يأتي بعده من الورثة إنني أؤكد عليه مادام في زمن المهلة وزمن الحياة أن يتقى الله عز وجل وأن يرد إليكم ما اتفقتم معه عليه وأن يتحللكم مما صنع بكم من هذا المماطلة وهذه المخادعة ونسأل الله لنا وله حسن الختام والعاقبة الحميدة.
***(16/2)
م ع أالسعودية جدة مواطن عربي بالمملكة يقول إنني مواطن عربي أعمل بالمملكة العربية السعودية وإنني أعمل مع الكفيل السعودي على خير وجه ومنذ فترة جاءتني فرصة عمل خارجية أي بعيداً عن المؤسسة ونتج عن عملي هذا أنني حصلت على أجر وهذا بغير علم الكفيل ويعلم الله أنني كنت محتاجاً إلى هذا المبلغ فإنني أتسأل هل هذا المبلغ الذي حصلت عليه حرام مع العلم أن هناك شرط من شروط التعاقد يقول بعدم العمل لدى الغير بأجر أو بدون أجر أفيدوني وفقكم الله إلى هداية المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول ما دام بينك وبين كفيلك شرط وهو أن لا تعمل عند غيره بأجر ولا بغيره فإنه لا يجوز لك أن تعمل عند غيره بأجر فإن فعلت فهو محرم عليك ويجب عليك في مثل هذه الحال أن تبلغ كفيلك بما فعلت لأن فعلك هذا منافٍ لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والأمر بالوفاء بالعقود أمر بالوفاء بأصلها ووصفها وهو الشرط الذي اشترط فيها إذا لم يكن مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب عليك إذن مراجعة كفيلك في هذا الأمر.
***(16/2)
عبد المطلب سوداني مقيم بشقراء يقول ما توجيه فضيلة الشيخ إلى رجلٍ استأجر عاملاً براتبٍ اتفقا عليه فيما بينهم ولكن عند نهاية الشهر نقص من أجره بحجة أن عمله قليل أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا استأجر الإنسان أجيراً واستوفى حقه من الأجير كاملاً ونقص من أجره يعني لم يعطه الأجرة كاملة فإن الله تعالى خصمه يوم القيامة قال الله تعالى ثلاثة في الحديث القدسي (ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة رجلٌ أعطى بي ثم غدر ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) أما إذا كان الأجير قد نقص شيئاً من العمل المتفق عليه فهذا ينظر فيه قد يكون لعذر وقد يكون السبب المستأجر وقد يكون لغير عذر ولكنه متلاعب ولكل حالٍ حكمه.
***(16/2)
لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج
فأجاب رحمه الله تعالى: في ذلك حرج إذا أجرت الدكاكين للحلاقين فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء يحلقون الرأس ويحلقون اللحية بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس هذا هو العادة والغالب وعلى هذا فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى فحينئذٍ لا بأس وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإيجارة لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقاً محرماً كحلق اللحى ويدل لذلك أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر.
***(16/2)
ما حكم الإسلام في خلو الرجل مثلاً هنالك شخص مؤجر دكان من آخر ومرت السنين وجاء صاحب الدكان إلى المؤجر لكي يُخلي له الدكان ولم يُطع المستأجر إلا بعد أن يدفع له صاحب الدكان مبلغاً من المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كان هذا المستأجر له مدة معينة وجاءه صاحب الدكان يطلب منه الخروج قبل انتهاء هذه المدة فلا حرج عليه أن يطلب عوضاً عن إسقاط حقه فيما بقي من المدة مثال ذلك أن يكون قد استأجر هذا الدكان عشر سنين ثم يأتيه صاحب الدكان بعد مضي خمس سنين ويطلب منه أن يُفرِّغ الدكان له فلا حرج على المستأجر حينئذٍ أن يقول أنا لا أخرج وأدع بقية مدتي إلا بكذا وكذا لأن هذا معاوضة على حق له ثابت بمقتضى العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أما إذا كانت المدة قد انقضت وكان بقاء المستأجر في هذا الدكان بمقتضى قانون من الدولة فإنه لا يجوز له أن يمتنع من الخروج إلا بعوض بمعنى أنه لا يجوز له أن يطلب عوضاً عن الخروج من هذا الدكان الذي قد تمت مدته بل يجب عليه أن يسلم الدكان إلى صاحبه بعد فراغ المدة ولا يأخذ منه عوضاً على ذلك لأن بقاءه في دكان بدون إذن مالكه مع انتهاء مدة الإجارة ظلم له والظلم محرم كما قال الله تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) .
***(16/2)
لي مجموعة من العقار الشقق وأريد أن أؤجرها وعلمت من صاحب المكتب أن بعض هؤلاء الذين سيستأجرون هذه الشقق لا يصلى فما نصيحتكم لي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي للإنسان إذا كان لديه عقار يؤجره سواء كان عمارة مشتملة على شقق كثيرة أو بيتا خاصا ألا يؤجره إلا لمن يُرضى في دينه وخلقه مساعدة لهذا المستأجر على مهماته وقضاء لحاجاته أما إذا كان المستأجر ممن عرف بالشر والفساد وترك الواجبات ولا سيما الصلوات فإنه لا ينبغي أن يؤجره لكني لا أجزم بالتحريم أي بتحريم تأجيره لأن هذا المستأجر لم يستأجر المكان ليختبئ فيه عن الصلاة لو كان الأمر كذلك لجزمت بالتحريم لكنه استأجره ليسكنه سكنا مباحاً فإذا عصى الله فيه فإن ذلك لا يقتضي تحريم تأجيره.
***(16/2)
والدي أجّرَ عمارة على رجل لا يصلى ومكث ثلاث سنوات لا يؤدي الصلاة مع الجماعة هو وأولاده وبما أن المسجد قريب من العمارة لا يزيد عن خمسين متراً انتهى العقد بيننا وبينه وهو مستأجر يرغب في تجديد العقد وقلت لوالدي لا تجدد عقد هذا الرجل لأنه لا يصلى فهل على والدي حرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الإنسان حرج إذا أجّرعلى من يترك واجباً من الواجبات التي لا تخرجه من الإسلام وترك صلاة الجماعة لا يخرج من الإسلام لكن التارك آثم إلا أننا نشير على الأب إذا أراد تجديد العقد أن يشترط على المستأجر المحافظة على الصلاة مع جماعة لما في ذلك من المعونة على البر والتقوى ولما في ذلك من كف ألسن الناس عن القيل والقال فإن التزم بهذا الشرط فهذا المطلوب وإن لم يلتزم فالأفضل أن يؤجرها شخصاً تقياً لله عز وجل فإن معاملة المتقين أفضل من معاملة غير المتقين.
***(16/2)
فضيلة الشيخ رجل عنده أرض كبيرة واقترح عليه أحد الناس أن يبني عليها قصر أفراح ولكنه خشي أن يستخدم هذا القصر في بعض المحرمات كالغناء المحرم وغيره فهل ترون أن يقيم هذا القصر أم لا فضيلة الشيخ.
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أراء إذا كان هذا الرجل بإمكانه أن يقيم قصراً يمنع فيه من الغناء والعزف وغير ذلك مما يصنعه بعض الناس في ليالي العرس أن يبني هذه الأرض قصرا لما في ذلك من الخير ودفع الشر أما إذا كان ليس في قدرته ذلك وأنه سيؤجر القصر مفلتاً يفعل فيه الناس ما شاؤوا فلا يبنِ هذا القصر وإني أقول له إذا بناه على النية الأولى أنه سيمنع المنكرات فيه فليبشر بالخير وليعلم أن الله سيهيئ له من يسرع إليه ليقيم حفل زواجه به لأن أهل الخير ولله الحمد كثير وإذا بناه لهذا الغرض وعرف الناس ذلك فأنهم سوف يقبلون إليه سراعا.
***(16/2)
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية يقول نشاهد البعض في بلاد المسلمين يستأجرون قارئاً للقرآن الكريم هل يجوز للقاريء أن يأخذ أجراً على قراءته وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك وهل قراءة القرآن على الميت حرام إذا كانت للأجر نرجو بهذا إفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استئجار القارئ ليقرأ القرآن محرم ولا يجوز وذلك لأن قراءة القرآن من العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه وما كان من باب القربات فإنه لا يجوز أخذ العوض الدنيوي عليه ولا يجوز لأحد أن يعطي القارئ أجراً فيعينه على إثمه لا سيما ما يفعله بعض الناس عند موت الميت يستأجرون قراءً ثم يعطونهم من تركة الميت وقد يكون في تركة الميت وصية وقد يكون له أيتام صغار وقد يكون عليه دين فتجدهم يأخذون من هذه التركة أموالاً طائلة من أجل أن يقرأ القارئ لميتهم وإني أقول لهؤلاء إن قراءة هذا القارئ ليس فيها أجر لأنه ما أريد بها وجه الله والشيء الذي لا يراد به وجه الله ليس فيه أجر وحينئذٍ لا يكون فيها إلا العناء وبذل المال في غير فائدة فالواجب على المسلم الحذر من هذا الشيء وعدم القيام به فالقارئ آثم والذي يعطيه الأجرة على قراءته آثمٌ أيضاً لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان وأما أخذ الأجرة على إقراء القرآن أي على تعليم القرآن فهذا مختلفٌ فيه والراجح أنه جائز لأن الإنسان يأخذه على تعبه وعمله لا على قراءته القرآن وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (إن أفضل ما أخذتم عليه أجراً أو قال أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجل الذي لم يجد مهراً قال (زوجتكها بما معك من القرآن) أي يعلمها ما معه من القرآن فتبين بهذا أن الاستئجار لقراءة القرآن محرم وفيه إثم وليس فيه أجر ولا ينتفع به الميت وأما الأجرة على تعليم القرآن فالصحيح أنها جائزة ولا بأس بها بقي أن يقال لو أن أحداً من الناس قرأ للميت بدون أجرة فهل ينتفع الميت لذلك فنقول إن في هذا خلافاً بين العلماء فمنهم من يقول إن الميت لا ينتفع بأي عملٍ من الأعمال إلا ما جاءت به السنة فقط كالصدقة مثلاً والصوم عنه أو إذا مات وعليه حج نذر أو فريضة الإسلام وما لم ترد به السنة فإنه لا ينتفع به الميت لقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) وهذا العموم يخصص بما جاءت به السنة وما عداه فيبقى حكم العموم شاملاً له ولأن العبادات من الأمور التوقيفية فيوقف فيها ما جاءت به الشريعة ومن أهل العلم من قال إن الميت ينتفع بذلك لأن الأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام قضايا أعيان فهي تدل على أن جنس هذا العمل أي العبادة نافعٌ لمن عمل له وهذا هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وهو المشهور من مذهبه وهو أرحج وقد ذكر الجمل في حاشيته على تفسير الجلالين على قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر من عشرين وجهاً كلها تدل على انتفاع الميت بعمل الغير له لكن مع هذا نقول إنه ليس من الأفضل أن تقرأ القرآن أو تصلى أو تتصدق وتهدي إلى الميت بل هو من باب الجائز لا من باب الأفضل المطلوب فالدعاء أفضل منه الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب له لأن الدعاء هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من عملٍ صالح أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهنا قال (أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل يعمل له مع أن الحديث في سياق العمل ولو كان العمل من الأمور المطلوبة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(16/2)
المستمع فضل من السودان يقول هل يجوز أخذ أجر على قراءة القرآن وعلى الأذان وعلى الصلاة أم لا يجوز ذلك
فأجاب رحمه الله تعالى: الإمام يشغل منصباًَ دينياً عظيماً وإذا كان منصبه منصباًَ دينياً فإنه لا يحل له أخذ الأجرة عليه لأن أمور الدين لا تجوز المؤاجرة عليها وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقوم لا أصلى بكم القيام في رمضان إلا بكذا وكذا فقال رحمه الله نعوذ بالله ومن يصلى خلف هذا وأما أخذ الرَّزق من بيت المال على الإمامة فإن هذا لا بأس به لأن بيت المال يصرف في مصالح المسلمين ومن مصالح المسلمين إمامتهم في مساجدهم فإذا أعطي الإمام شيئاً من بيت المال فلا حرج عليه في قبوله وليس هذا بأجرة وكذلك لو قدر أن المسجد بناه أحد المحسنين وتكفل بجعل شيءٍ من ماله لهذا الإمام فإنه لا بأس بأخذه لأن هذا ليس من باب المؤاجرة ولكنه من باب المكافأة ولهذا لم يكن بين الإمام وصاحب هذا المسجد اتفاق وعقد على شيء معلوم من المال وإنما هذا الرجل يتبرع كل شهر بكذا لهذا الإمام وهذا ليس من باب المؤاجرة في شيء
***(16/2)
المستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ م. س. ل. مصري الجنسية يعمل بالرياض يقول عندي ولد يحفظ القرآن والحمد لله ومتفقه في الدين جيداً ويعمل إمام جامع يخطب ويصلى لكنه يأخذ على ذلك أجراً من صاحب المسجد هل هذا الأجر هو كل ما له عند الله من الأجر عن الإمامة لأنه أخذه من الدنيا أم يكون له أجر نرجو منكم إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العوض الذي يعطاه من قام بطاعة من الطاعات المتعدي نفعها للغير تنقسم إلى ثلاثة أقسام
أحدها أن يكون ذلك بعقد الإجارة مثل أن يتفق هذا العامل القائم بهذه الطاعة مع غيره على عقد إجارة ملزمة يكون فيها كل من العوضين مقصوداً فالصحيح أن ذلك لا يصح كما لو قام أحد بالإمامة أو بالأذان بأجرة ذلك لأن عمل الآخرة لا يصح أن يكون وسيلة لعمل الدنيا فإن عمل الآخرة أشرف وأعلى من أن يكون وسيلة لعمل الدنيا الذي هو أدنى قال الله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) .
القسم الثاني أن يأخذ عوضاً على هذا العمل على سبيل الجعالة مثل أن يقول قائل من قام بالأذان في هذا المسجد فله كذا وكذا أو من قام بالإمامة في هذا المسجد فله كذا وكذا فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن ذلك جائز لأن هذا العمل ليس أجرة وليس ملزماً.
القسم الثالث وهو أن يكون العوض مبذولاً من بيت المال تبذله الدولة لمن قام بهذا العمل فهذا جائز ولا شك فيه لأنه من المصارف التي يصرف إليها بيت المال وأنت مستحق له بمقتضى هذا العمل فإذا أخذته فلا حرج عليك ولكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأعواض التي تباح لمن قام بمثل هذه الوظائف لا ينبغي أن تكون هي مقصود العبد فإنه إذا كانت مقصوده حرم من أجر الآخرة أما إذا أخذها ليستعين بها على طاعة الله وعلى القيام بهذا العمل فإنها لا تضره وليعلم أن أخذ الأجرة على القراءة على المريض لا بأس بها لأنها ليست من هذا الباب وقد ورد في السنة على ما يدل على جوازها.
***(16/2)
عثمان نوح صالح أبو جليلة يقول أنا أعمل في مصلحة حكومية ولكن راتبي الشهري الذي أتقاضاه لا يكفيني لأنني أعول أسرة كبيرة وأنا أعلم أولاد المسلمين كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة والتوحيد ولم أطلب من آبائهم أجراً على ذلك لكنهم جعلوا لي خمسة عشر ريالاً عن كل تلميذ في الشهر الواحد نظراً منهم لظروفي المعاشية فما حكم هذا المبلغ الذي أتقاضاه أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا المبلغ الذي تتقاضاه لا حرج عليك فيه لأنه جاء بدون شرط على أن القول الراجح أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن بخلاف أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فإنها محرمة وذلك لأن التعليم نفعه متعدٍ فإنه ينفع المتعلم فإذا أخذت أجرة على تعليم كتاب الله فلا حرج في ذلك وأما أخذ الأجرة على تلاوته فإن ذلك محرم لأن تلاوة القرآن لا تقع إلا قربة وعبادة وكل عمل لا يقع إلا قربة وعبادة فإنه لا يصح أخذ الأجر عليه لأنه يكون الإنسان مقدماً للدنيا على الآخرة في مثل هذه الحال أما إن كنت تسأل عن هل الأولى أن تأخذ أو ألا تأخذ فإننا نقول لك الأولى أن لا تأخذ وأن تحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى على تعليم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوحيد ولكن مع الحاجة كما وصفت عن نفسك لا بأس به لأنك تأخذ لدفع حاجتك واستعفافك عن الناس واستغنائك عنهم.
***(16/2)
أنا أقرأ القرآن وهناك بعض الناس عندنا في القرية يأتون إلي بمبلغ من المال ويقولون خذ هذا المبلغ وأقرأ به من ما تيسر من القرآن الكريم على نية أحد الأقرباء من مات أو به مرض لعل الله أن يشفيه وأنا بدوري اقرأ من القرآن ما تيسر وأدعي لذلك المريض بالشفاء أو للميت بالرحمة قائلاً اللهم إني أسألك أن تشفي فلاناً أو ترحم فلاناً أفيدونا هل ما أخذته من مال في هذه الحالة حلال أم حرام مع العلم أنني لم آخذ هذا المال إلا لأنني بحاجة إليه وبماذا تنصحوني أن أفعل
فأجاب رحمه الله تعالى: أخذك هذا المال محرم لأن الإنسان لا يجوز أن يأخذ مالاً على قراءة القرآن فإن قراءة القرآن من العبادات والعبادات يجب أن تكون خالصة لله تعالى لا يجوز للإنسان أن يريد بها عرضاً من الدنيا وعلى هذا فالمال الذي أخذته لا يحل لك ويجب عليك أن ترده إلى أهله إلا إن عفوا عنك وعليك أن تتوب إلى الله تعالى مما جرى منك وأما كونك محتاجاً فإنه لا يبرر لك أخذ هذا المال لأنه بغير حق وأما إذا ذهبت إلي المريض نفسه وقرأت عليه ما يرجى أن يكون فيه شفاء كفاتحة الكتاب فإن هذا لا بأس أن تأخذ شيئاً مما يعطونك إياه بل لا بأس أن تقول لا أقرأ على هذا المريض إلا بهذا الشيء المعين وذلك لأن هذه القراءة يستفيد منها المقروء عليه والعوض الذي تأخذه عوض على عمل لا على نفس القراءة.
***(16/2)
سؤاله الثاني يقول. يقول الله تعالى في سورة البقرة (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) ما معنى هذه الآية وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يفترون عليه كذباً فيكتبون بأيديهم كلاماً ثم يقولون للناس هذا من عند الله من أجل أن ينالوا به حظاً من الدنيا إما جاهاً أو رئاسة أو مالاً أو غير ذلك ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعاً على كتابتهم الباطلة وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة أما الذين يكتبون الحجب وهو ما يعلق على المريض لشفائه من المرض أو على الصحيح لوقايته من المرض فإنه ينظر هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها أو كتب فيها أشياء محرمة كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك فإن تعليقها لا يحل بكل حال وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم والراجح أنه لا يحل تعليقها وذلك لأن التعبد لله سبحانه وتعالى بما لم يشرعه الله بدعة ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سبباً لم يجعل الله سبباً نوع من الشرك وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء لا من القرآن ولا من غيره ولا أن يعلق على الصحيح شيء لا من القرآن ولا من غيره وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك فإنه لا يجوز.
***(16/2)
توجد أرض لشخص يقال إنه أخذها من واحد قال له إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكاً فيجب أن تقرأ كل يوم جزءاً من القرآن بعد صلاة الفجر وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه وأولاده لا يقرؤون القرآن وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده فيقول كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة فكيف يتصرف فيها وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصيغة على وجهين إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم فإن هذه الأجرة لا تصح لأن القراءة من أعمال القرب وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءاً فيكون هذا قد أوقفها على القراء فمن لم يكن قارئاً فإنه لا يستحق منها شيئاً وعلى هذا أو على التقديرين كليهما لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية وهي التي تتولى أمرها والله الموفق.
***(16/2)
الأخت ك. م. ع. من العراق محافظة البصرة تقول توفي رجل كان يتصف بالكرم وحسن الخلق ولكنه لم يكن يصلى ولا يصوم وبعد وفاته دفع أهله مبلغ ثلاثة آلاف دينار لشخص آخر لكي يصلى عنه قضاء ما فاته من صلوات ويصوم عنه فهل يصح ذلك شرعاً وما حكم أخذ المال عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل الذي توفي وهو لا يصلى ولا يصوم توفي والعياذ بالله على الكفر لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم والذي تؤيده نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم أن تارك الصلاة كافر أما جاحد الصلاة فإنه كافر ولو كان يصلى والنصوص الواردة إنما وردت في الترك لا في الجحود فلا يمكن أن نلغي هذا الوصف الذي اعتبره الشرع بأن نحمله على الجحود كما فعل بعض أهل العلم يحمل النصوص الواردة في تكفير تاركها على من تركها جحوداً فإن هذا الحمل يستلزم إلغاء الوصف الذي علق الشارع الحكم عليه واعتبار وصف آخر لم يكن مذكوراً كما أن هذا الحمل متناقض وذلك لأن الجاحد كافر ولو صلى حتى لو كان يصلى مع الجماعة ويتقدم إلى المسجد وهو يعتقد أن الصلوات الخمسة غير مفروضة عليه وأن ما يفعله على سبيل التطوع فإنه كافر تبين بهذا أن حمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جحوداً حملٌ غير صحيح وليس في محله وعلى هذا فيكون هذا الرجل الذي مات وهو لا يصلى يكون كافراً يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف والعياذ بالله أما ما بذلوه لهذا الرجل ليصوم عنه ويصلى عنه فإن هذا ليس بصحيح لأنه لا يصح عقد الإجارة على أي عمل من أعمال القربة فلا يصح أن يقول شخص لآخر أؤجرك على أن تصلى عني أو تصوم عني وإنما اختلف العلماء في الحج على خلاف ليس هذا موضع ذكره وهذا المال الذي أخذه أخذه بغير حق فالواجب عليه أن يرده إلى أهله لأنه أخذه بغير حق والصلوات التي صلاها لا تنفع هذا الميت لأنه غير مسلم وغير المسلم لا ينفعه أي عمل من الأعمال حتى عمله هو بنفسه لا ينفعه لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) ولقوله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) .
فضيلة الشيخ: هذا لأنه غير مسلم فقط أم لأنه أيضاً لا يجوز الإجارة عن القرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرنا الوجهين حتى لو كان مسلماً لا يجوز أن يؤاجر من يصلى عنه أو يصوم عنه.
***(16/2)
المستمع فرج الحربي من جدة يقول والدي توفي وترك ميراثاً مع وصية بثلث مما يملك صدقة عنه لله وبعد وفاة الوالد وقبل تقسيم الميراث توفيت الوالدة تاركة وصية بثلث من ميراثها صدقة لله تعالى وبقي من الورثة أربع بنات وابنان ولم يتفقوا على كيفية قسمة الميراث مع الوفاء بوصيتي الأب والأم فكيف العمل في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تركة والدكم فإنها يؤخذ منها الثلث أولاً من أجل صرفه إلى الوصية ثم يقسم الباقي فتأخذ والدتكم وهي زوجته إن كانت باقية في ذمته حتى مات تأخذ الثمن والباقي يكون بينكم للذكر مثل حظ الأنثيين يكون لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم واحد وأما بالنسبة لتركة والدتكم فإنها ينزع منها الثلث أولاً من أجل صرفه فيما أوصت فيه ثم يقسم الباقي وهو الثلثان بينكم أيها الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
***(16/2)
أنا مدرس أدرس القرآن وآخذ على ذلك أجراً فهل علي فهل في ذلك شيء يا فضيلة الشيخ
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في أخذ الأجر على تعليم القرآن شيء بل قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) وكما أن الإنسان يشتري المصحف ليقرأ فيه بالدراهم كذلك لا حرج عليه أن يؤجر شخصاً يعلمه القرآن لكننا نقول الأولى بالشخص إذا أغناه الله عز وجل أن لا يأخذ على تعليم القرآن أجراً لأنه يكتسب من الأجر إذا علم القرآن بدون أجرٍ دنيوي يكتسب أجراً عظيماً لأن قاريء القرآن له في كل حرف عشر حسنات والمعلم الذي لم يدرك المتعلم القرآن إلا به لا شك أنه يؤجر بمثل أجر القارئ لأنه دل على خير والدال على الخير كفاعله ولهذا ننصح إخواننا الذي يعلمون الناس كتاب الله عز وجل سواء في حلق المساجد أو كان في بيوتهم إذا كان الله قد أغناهم ننصحهم أن لا يأخذوا على تعليمهم أجراً من الدنيا ليتوفر لهم أجر الآخرة (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فعلى هذا ننصح إخواننا بما ذكرنا ولكن لو أخذوا على هذا أجراً فلا بأس.
***(16/2)
هل يجوز لشخص أن يقرأ الفاتحة وبعد إكمال التعزية يقبض مالاً من صاحب التعزية فهل المال يعتبر حلالاً أم حراماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا يجوز للمرء أن يأخذ شيئاً على تلاوة القرآن وإنما يجوز الأخذ على تعليم القرآن لأن التعليم عمل يتعدى نفعه إلي الغير بخلاف القراءة المجردة هذا من حيث أخذ المال وعليه فيجب على أخينا السائل أن يرد ما أخذه على صاحبه وأما قوله عن قراءة الفاتحة عند التعزية فنقول له إن هذا من البدع فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه يقرؤون الفاتحة عند التعزية وإنما كانوا يعزون المصاب بالميت بما يليق بحاله أي بما يكون سبباً لتقويته على تحمل هذه المصيبة لأن التعزية معناها التقوية وقد عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى بناته بقوله لرسول أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فمثل هذه الكلمات العظيمة لاشك أنها تؤثر على المصاب تأثيراً بالغاً يتحمل به المصيبة ويصبر عليها حيث يؤمن بأنه إذا احتسب على الله تبارك وتعالى أجر الصبر على هذه المصيبة وفاه أجره بغير حساب وكذلك بأن لله تعالى ما أخذ وله ما أبقى فالملك ملكه يتصرف فيه كما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى لا يتعداه ولا يتقدم عليه فلا فائدة من الجزع وإن كان الإنسان بلا شك سوف يحزن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم (القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولكن على المرء أن يصبر ولا يحدث قولاً ولا فعلاً ينم عن التضجر وعدم الصبر.
***(16/2)
كيف يتصرف من أخذ بيتنا صبرة ولماذا سميت صبرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصبرة مأخوذة من الصبر وهو الحبس وذلك لأن الأرض المصبرة والبيت المصبر محبوس عند المتصبر والمتصبر في عرف الناس كالمالك في تصرفه في رقبة الملك المتصبر فتجده يحرث ويزرع ويدق المطاب للماء حفر الآبار للماء وإذا كان في أرض سكنية يبني عليها ويؤجرها ويتصرف تصرف الملاك مادامت الصبرة باقية بخلاف المستأجر فلا يملك أن يتصرف فيما استأجره من بيت أو أرض إلا على وفق الشروط التي تم عقد الإجارة عليها.
***(16/2)
السائل س ع أمن جدة هل يجوز الأخذ من العمال الذين تحت كفالتي فائدة خمسة وعشرين في المائة أو آخذ شهرياً خمسمائة ريال لأنهم بالراتب الشهري لا يعملون بإخلاص أفيدونا جزاكم الله كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استجلاب العمال من الخارج إذا كان بين هذا المستجلب وبين الحكومة وفقها الله شروطا معينة فالواجب عليه أولاً مراعاة هذه الشروط لأن الله تبارك وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ويقول تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) فالواجب على من استجلب هؤلاء العمال أن يراعي
أولاً الشروط الواقعة بينه وبين الحكومة ولا يخرج عنها فإذا كانت الحكومة ترضى أن يتعامل الجالب مع هؤلاء العمال كما يريد فإنه لا بأس أن يتفق معهم على نسبة معينة بشرط أن يكون له أثر في هذا العمل الذي اتفق معهم على نسبة معينة فيه بأن يكون هو الذي يتقبل الأعمال من الناس ويكون له تأثير ويكون هو المطالب وهم المنفذون فإذا اتفق معهم في مثل هذه الحال على شرط معين أي على سهم معين فلا حرج فيه ولكن كما أسلفنا لابد أن يكون ذلك لا يخالف ما اتفق مع الحكومة عليه.
فضيلة الشيخ: لكن لو أراد أن يعطيهم نسبة على العمل الذي يقومون به في مكانه أو في عمله أعطاهم نسبة حافزاً لهم على العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو أراد أن يعطيهم نسبة زائدة عن الأجور التي اتفق عليها فلا حرج في ذلك لأن هذه تعتبر مكافأة أو مجازاة على نشاطهم.
***(16/2)
يقول السائل إذا استقدم الشخص عمالاً للعمل لديه وقد استغنى عن بعضهم في العمل وتركهم يعملون في السوق بموجب نسبة يأخذها منهم في الشهر أو مبلغ معين يأخذه منهم في السنة هل ذلك إثم وهل المبلغ الذي يأخذه منهم حلال أم حرام أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أتى الإنسان بعمالٍ فزادوا عن حاجته فإنه بإمكانه أن يردهم إلى ديارهم إذا كانت المدة التي بينه وبينهم قد انتهت أو يتنازل لهم إلى كفيلٍ آخر حسبما يقتضيه النظام فإن لم يتمكن من ذلك فإنه لا يحل له أن يأخذ عليهم نسبة من أعمالهم التي ليس له فيها أثر وكثيرٌ من الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية ليس لهم همٌ إلا الطمع والجشع فتجدهم يستقدمون عمالاً كثيرين لا يحتاجون إلا إلى قليل منهم وربما لا يحتاجون منهم أحداً أبداً ويتركهم في الأسواق ويضرب عليهم ضريبة كل شهر سواءٌ عملوا أم لم يعملوا ولا شك أن هذا غلط مخالفٌ للأنظمة من وجه وظلمٌ لهؤلاء العمال من وجهٍ آخر لأنه ربما يحصل العامل هذه الضريبة التي ضربها عليه كفيله وربما لا يحصلها فيكون في هذا ظلمٌ له والواجب على المسلمين أن يتقوا الله عز وجل وأن يجملوا في الطلب وأن يطلبوا الرزق من أبوابه الحلال حتى يحصل لهم ما وعدهم الله به في قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) .
***(16/2)
سعاد محفوظ من الشرقية تقول في رسالتها أنا مدرسة في المدارس المسائية وفي أحد الأيام تغيبت عن المدرسة بسبب المرض والنظام لا يسمح بغياب المدرسة مع العلم بأن مديرة المدرسة اقتنعت بالغياب ولم تعتبر هذا الغياب وتقاضيت أجر هذا اليوم أفيدوني عن ذلك الأجر هل هو حلال أم حرام وما العمل بذلك الأجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تخلف الإنسان عن العمل لعذر فإن أقام عنه من يقوم مقامه فإنه يستحق الأجر كاملاً وإن لم يقم غيره مقامه فإن ذلك يرجع إلى ما تقضيه الأنظمة أنظمة الحكومة التي يعمل فيها فإذا كانت الأنظمة تقتضي إنه إذا تخلف يوماً بعذر فإنه يستحق الأجر الكامل فلا حرج عليك بأن تأخذي الراتب كاملاً وإذا كانت الأنظمة تقتضي أن من تخلف ولو لعذر فلا حق له في ذلك اليوم فإنه يجب عليك أن تردي هذا إلى المدرسة.
***(16/2)
رجل يعمل عند شخص آخر ولكن صاحب العمل أنكر عمل هذا العامل بقصد حرمانه من أجرته فتقدم العامل بشكوى إلى الجهة المسؤولة فطلبوا منه إحضار شهود على عمله ولكن الأشخاص الذين يعرفون عمله هم إما جيران له أو عمال عنده والجميع يجاملون صاحب العمل فرفضوا الإدلاء بشهاداتهم فما الحكم في صاحب العمل الذي يريد حرمان هذا العامل من أجرة تعبه وما الحكم في هؤلاء الأشخاص الذين كتموا شهادة الحق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذين كتموا شهادة الحق سواء في هذا السؤال الذي سأل عنه مقدمه أو في غيره كل من كتم شهادة يعلم بها فإن الله يقول في حقه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وإثم القلب والعياذ بالله مؤد إلى انحراف البدن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) وأما بالنسبة لصاحب العمل الذي أنكر الأجير حقه فإنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) فهذا الذي جحده سيكون الله تعالى خصمه يوم القيامة فمن كان الله خصمه فإنه مخصوم مغلوب فأنا أنصح صاحب العمل إن كان ما يقوله العامل صدقاً أنصحه بأن يتقي الله تعالى في هذا العامل وأن يؤديه حقه قبل أن يأخذه يوم القيامة من حسناته.
***(16/2)
السائل يقول ن. ب. س. بأنني أعمل عند شخصٍ بمرتبٍ شهري ومع أنني أقوم بواجبي بشكلٍ كامل يقوم هذا الشخص بتأخير المرتب المستحق أكثر مما هو متعارفٌ عليه ثلاثة شهور أو أربعة شهور ويتذرع بأن ليس لديه ما يدفع مع العلم بأني سمعت من بعض العمالة عنده بأنه لا يعطي من هو مستحق في ذمته بشكلٍ كامل فهل يجوز أن آخذ أجري من دون علمه من باب الحيطة.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان إذا ظلمه أحد ولم يوفه حقه أن يأخذ من ماله بغير علمه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) وأخذه بلا علمه خيانة إلا في النفقة فقط فإن للذي له النفقة إذا لم يقم بها من تجب عليه أن يأخذ من ماله بغير علمه وذلك لأن هنداً بنت عتبة سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت إن أبا سفيان رجلٌ شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي أفآخذ من ماله بغير علمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف.
***(16/2)
هذا مستمع من بلجرشي رمز لاسمه بـ غ. ح. يقول فضيلة الشيخ هل تعاملي مع عامل استقدمته بمبلغ سبعمائة ريال مثلاً، وعند وصوله السعودية تعاملت معه بالنسبة علماً بأنها أصلح من راتبه وأكثر، هل هذا جائز أم لا رغم أنني لا أتعب معه في شيء إلا بالكفالة وفي السكن نرجو من فضيلتكم إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة على هذا السؤال لا تتعلق بهذا البرنامج وإنما ترجع إلى النظم المرعية لدى الدولة فيرجع هذا السائل إلى الجهات المختصة فيما يتعلق بالعمال ويسأل فإذا أذنوا له في أن يعاملهم بالنسبة فلا حرج أن يعاملهم بالنسبة بشرط أن يكون هو المتقبل للعمل القائم بما يتطلبه العمل ويكون عليه هو شيء وعلى العمال العمل وتكون نسبة الربح بينه وبينهم على ما يشترطون، إنما لابد أن تكون الدولة قد علمت بهذا ووافقت عليه.
***(16/2)
السائل جعفر من القصيم بريدة يقول إذا كان الرجل يشتغل في شركة وعمله هذا يتطلب التجول في المزارع وإصلاح الماكينات والآلات الزراعية وبعد الانتهاء من هذا العمل يعطيه صاحب العمل مبلغاً من المال غير محدد ولم يطلب العامل ذلك بل بالعكس يحاول عدم تناوله ولكنه يصر على إعطائه إضافة إلى راتبه من الشركة هل هذا يعد حلالاً أم لا يجوز له تناوله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الورع أن لا يقبل هذا الشيء وأن يدعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عاملاً على الصدقة يقال له عبد الله بن اللتبية فلما رجع بالصدقة قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فخطب النبي عليه الصلاة والسلام وأنكر ذلك وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى له أم لا) فدل ذلك وهو قوله (هلا جلس في بيت أبيه وأمه) على السبب الذي من أجله حذر أصحاب الأعمال العامة من قبول ما يهدى إليهم فهذا العامل لو أنه جلس في بيته ما أهدى إليه صاحب البستان شيئاً فلولا أنه عمل ما أهدي إليه وعمله هذا له أجر مستحق على الشركة فلهذا ينبغي له أن لا يقبل منه شيئاً فإن هذا أسلم وأورع.
***(16/2)
لو أعطي عامل في ورشة زيادة على أجرته وذلك لحسن عمله وخلقه فهل هذه الزيادة تكون للعامل أم لصاحب الورشة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون للعامل لأنك إنما أعطيته إياها من أجل حسن معاملته أما صاحب الورشة فله الأجرة المعتادة.
***(16/2)
بعض الزبائن يأتون إلى المكتب العقاري ويسألون عن سكن وإذا شاهدوا المحل دفعوا عربوناً لكي يكون على حظهم تقريباً خمسمائة ريال سعودي ويذهبون إلى مكاتب أخرى ويبحثون في محل مثل الدور أو شقق أو الدكان وإذا وجدوا عقاراً أفضل لم يأتوا إلينا هل العربون الذي أخذناه حلال لنا أم لصاحب العقار المنزل وأحياناً لا يأتون إطلاقاً نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العربون هو الذي يقدم عند عقد البيع أو الإجارة على أن المقدم لهذا العربون إن أتم العقد فهو من الثمن أو من الأجرة وإن لم يتم العقد فهو لصاحب العقار أو البائع فعلى هذا فإذا أعطاكم المستأجر خمسمائة ريال على أنها عربون ولم يحضر وأيستم من حضوره فهي لكم ولكنها تكون لصاحب العقار ولصاحب المكتب منها مقدار أجرته فإذا كان له على المائة خمسة ريالات فإنه يأخذ على هذا على هذا العربون نصف العشر.
***(16/2)
السائل س. س. هـ. مصري مقيم بالمدينة المنورة بعث بهذه الرسالة يقول في سؤاله الأول هل يعتبر المتوفى في عملية جراحية بسبب المخدر أو خطأ من الطبيب هل يعتبر شهيداً وماذا على الطيب الذي وقعت الوفاة تحت يده أو بسببه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر هذا شهيداً لأن هذا الموت حدث باختيار منه وبفعل منه وإن كان هو لم يقصده لكنه ليس كالحريق ولا الغريق ولا من مات بهدم ونحوه لأن أولئك الذين ماتوا بهذه الأسباب لم يكن ذلك ناشيءاً عن فعلهم وأما بالنسبة للطبيب الذي عالجه فإن كان الطبيب ماهراً وكانت هذه الوفاة بسبب العملية نفسها دون خطأ من الطبيب فإنه لا شيء عليه وأما إذا كانت بخطأ منه أو كان غير ماهر فإنه يضمن لأنه إن كان غير ماهر فقد تعدى حيث لا يجوز لأحد أن يتطبب بشخص وهو لا يعلم الطب وإن كانت بخطأ منه فإن إتلاف الأموال والأنفس لا يعتبر فيه القصد بالنسبة للضمان ولهذا قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) وهذا بخلاف إذا مات من العملية نفسها فإن العملية نفسها إذا كانت من ماهر عارف بالجراحة ليس فيها خطأ وليس فيها تعدٍ فلا يكون الطبيب في هذه الحال ضامناً.
***(16/2)
السبق والمسابقات(16/2)
فضيلة الشيخ ما حكم المسابقة على عوض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسابقة على عوض محرمة إلا فيما استثني شرعا وهذا مبين بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) أي لا عوض على المسابقة إلا في هذه الثلاثة النصل والخف والحافر أما النصل فهو السهام يعني المراماة بالبندق ونحوها، والخف الإبل، والحافر الخيل، وإنما استثنيت هذه الثلاثة لأن التمرن عليها والمسابقة عليها مما يعين على الجهاد في سبيل الله وعلى هذا فنقول المسابقة على ما يختص بالحرب من مركوب أو غيره بعوض جائزة قياسا على الإبل والخيل والسهام وعدى ذلك بعض العلماء إلى المسابقة في العلوم الشرعية قالوا لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله وعلى هذا فالمسابقة على الأمور الشرعية جائزة بعوض وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبناء على ذلك فالمسابقة بعوض على الأقدام لا تحل والمسابقة بعوض على المصارعة لا تحل والمسابقة بعوض على جودة الخط أو الإملاء لا تحل لعدم دخول ذلك في النص لفظا أو معنى وهناك مسابقة ثالثة وهي المسابقة على المحرم كالنرد والشطرنج ونحوها فإنها حرام بعوض أو بغير عوض وعلى هذا فتكون المسابقة ثلاثة أقسام القسم الأول حرام والثاني حلال بغير عوض حرام بعوض والثالثة حلال بعوض وبغير عوض فالثلاثة التي ذكرناها النصل والخف والحافر المسابقة فيها حلال بعوض وبغير عوض والمسابقة على الأقدام ونحوها مما هو حلال المسابقة عليها بعوض حرام وبغير عوض حلال والمسابقة على الشيء المحرم حرام بكل حال.
***(16/2)
المستمع عبد الواحد بن خليفة حمد التونسي من مكة المكرمة يقول من الناس من يجيب على أسئلة مسابقة القرآن التي تذاع من الإذاعة أو بعض المسابقات الأخرى من إذاعات مختلفة تكون إذاعتها خلال شهر رمضان المبارك ثم بعد إجابته لها يكررها أو يكرر كتابتها عدة مرات ويكتب عليها أسماء أقاربه وربما أصدقائه فإذا فازوا أعطاهم شيئاً مقابل استخدام أسمائهم وهذا باتفاقه معهم على ذلك هذا صنف من الناس وهناك صنف آخر من يبحث عن الإجابة وهي جهود غيرهم ثم ينقلها ويرسلها فإذا فاز يأخذ هو الجائزة التي هي مقررة لمن استفاد بمعلومات تلك الأسئلة وصرف جهده ووقته فيها وهناك صنف ثالث قد يكون أكثر خطراُ وهو ما يحدث في بعض الدول الإسلامية بأن يجيب المرء عن الأسئلة ثم يصورها مراراً ويبيع تلك الصور في الشوارع والأسواق كأوراق اليانصيب فيرسلها المشتري بعد نسخها بيده والفوز والجائزة له وقد يكون من بينهم غير المسلمين فما الحكم الشرعي فيما يحصل من مكافآت بهذه الطريقة أهي حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذه الأسئلة الثلاثة أو على بيان أحكام هذه الأصناف الثلاثة أقول إنه يشكر البرنامج الذي يجعل هذه الجوائز للمتفوقين لما في العلم والفهم لا سيما إذا كان فيما يتعلق بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأحكام الشرع ولكن أخشى على الذين يدخلون هذه المسابقات أن يكون غرضهم من ذلك نفس المادة أو نفس المكافأة المادية فيضيع بذلك أجرهم فيما إذا كان من الأمور الشرعية بل يأثمون بذلك فإن طلبهم العلم الشرعي بهذا الغرض طلب غير صحيح وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام) أن من طلب علماً وهو مما يبتغى به وجه الله لا يريده إلا لينال به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة (وهذا خطر عظيم فلا يجوز للمرء أن يدخل في مسابقة شرعية من أجل الحصول على هذه المكافأة المادية لأنه جعل الأفضل والأكمل وسيلة لما هو أدنى فإن علم أحكام الله عز وجل وعلم معاني كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أسمى وأعلى من أن يجعل وسيلة لينال الإنسان بها عرضاً من الدنيا وبعد هذا فإن ما ذكره الأخ من الأصناف الثلاثة كله محرم.
أما الصنف الأول وهو أن يجيب بعدة أجوبة ويكتب على كل جواب اسم أحد من أقاربه أو أصدقائه فلأنه كذب وتزوير وخيانة للبرنامج ويكون سبباً لأكل المال بغير حق بل بالباطل وجمع ثلاثة أوصاف كل واحد منها يثبت به التحريم الكذب والخيانة وأكل المال بالباطل وعلى هذا فيكون هذا الفعل محرماً.
وأما الصنف الثاني وهو أن يأخذ أجوبة من الناس يكتبونها له ثم يقدمها فهو أيضاً محرم لأن هذا الرجل نقل الجواب من غيره فهو جواب غيره وليس جوابه وليس من هذا أن يبحث الرجل عن جواب هذه الأسئلة إما في الكتب أومن أفواه أهل العلم بذلك لأن المقصود من هذا البرنامج هو أن يصل الإنسان إلى العلم وليس كل أحد يكون عالماً للشيء بنفسه بل لابد من المراجعة إما عن طريق الكتب وهو الأفضل والأولى وإما أن يستعين بأحد من الناس فهذا جائز لا بأس به ويدل لذلك أن الذين يقدمون هذه البرامج لا يحرمون أو لا يمنعون من أن يستعين أحد بأحد ولو كانوا يريدون ذلك لبينوه فكونك تأخذ الجواب مكتوباً من غيرك وتقدمه هذا حرام وكونك تستعين بأحد من الناس بالبحث أو بالكتب فهذا لا بأس به ولا حرج فيه
أما الصنف الثالث وهو أن يكتب الجواب ثم يبيعه في الأسواق فهو أيضاً حرام على المشتري لأن المشتري قدم جواباً لغيره فيكون كذباً وزوراً على هذه البرامج ثم إن فيه شيئاً من الغرر لأنك قد تشتري هذه الورقة المتضمنة للجواب ثم لا تربح فيكون فيه شي من الغرر والميسر وهذا حرام.
فضيلة الشيخ: وآكل الثمن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وآكل الثمن أيضاً آثم لأنه أعان على محرم وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
فضيلة الشيخ: مادام الاستعانة بين مجموعة هذا جائز لو حصل أن اجتمع مثلاً ثلاثة أو أربعة أشخاص وبحثوا جميعاً في حل هذه الأسئلة وبعث كل واحد منهم برسالة بعد أن توصلوا إلى الحل مثل هذا هل فيه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس في شي لأنه كما قلت المقصود من هذه الأسئلة أن يتحرك الناس ويبحثوا فيما بينهم أو في الكتب حتى يصلوا إلى العلم.
***(16/2)
محمد التويجري من بريدة شارع دخيرة يقول ما حكم الرهان أو بعبارة أخرى الحق وهو عندما يحصل خلاف عند اثنين عند رواية قصة أو اختلاف بأشياء أخرى مثل أن يقول واحد للآخر إن صح ما أقول لك فعليك أن تدفع مبلغا من المال قدره كذا ذبيحة أو غير ذلك وإن لم يصح فأنا مستعد بدفع ما ذكر نرجو توضيح ذلك هذا ونسأل الله العزيز القدير أن يوفقنا وإياكم للحق والصواب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا رهان وقمار وميسر وليس بحق وتسميته حقاً عند بعض العوام لا يجعله حقاً كما أن تسمية الخمر بالشراب الروحي عند من يسميه بذلك لا يجعله حلالاً طيباً فهذه المراهنة أو المغالبة بهذا العوض هي باطل وتسميتها حقاً لا يجوز أيضاً لأن معنى ذلك إلباس الباطل لباس الحق وهذا قلب للحقائق وتسمية للشيء بغير اسمه وهذه الطريق أو هذه المغالبة محرمة لا تجوز لأنها من الميسر والميسر محرم لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) والسبق هو العوض المأخوذ على المغالبة وعلى هذا فلا يجوز هذا العمل الشائع بين كثير من الناس إلا أن بعض أهل العلم قال إن المغالبة على مسائل العلم الشرعي بعوض لا بأس به لأن ذلك من الجهاد فإن الدين قام بالعلم وقام بالقتال فإذا كان قام بالعلم وبالقتال لتكون كلمة الله هي العليا فإنه يدل على أن المغالبة على مسائل العلم الشرعية بالعوض جائزة لا بأس بها ولكنه بشرط أن يكون مقصود كل المتغالبين مقصوده الوصول إلى الحق لا أن يكون مقصوده التغلب فقط لأن طلب العلم لأجل المغالبة من الأمور المنهي عنها.
***(16/2)
الوديعة(16/2)
المستمع عبد الله من السودان يقول بأنه يعمل في دكان ويأتي إليه البعض من الأقارب والأصدقاء ببعض المال على شكل أمانة ويدخل هذه الأمانة في أعماله ويستفيد منها وإذا طلبوها يدفع لهم نفس المبلغ الذي أودعوه له فقط فهل عليه شيء في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه شيء في هذا فإن الإنسان إذا أعطي دراهم على أنها أمانة عنده يعني وديعة فإنه لا يحل له أن يتصرف فيها بشيء فلا يحل له أن يدخلها في صندوق المعرض ولا يحل له أن يتصرف فيها لنفسه فإن فعل ذلك فهو خائن واقع في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مخالف لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ولكن إذا كان يشق عليه أن يفرزها وحدها في مكان معين فإنه يقول لمن أعطاه إياها ائذن لي أن أجعلها في الصندوق مع عموم الدراهم التي عندي أو ائذن لي أن أتصرف فيها وحينئذٍ تكون قرضا يجب عليه رد مثلها إذا طلبها صاحبها.
***(16/2)
راشد سليمان الصغير الوصابي وهو موجود في محطة الغنيمان بمفرق ثابت طريق سدير يقول أودع أحد الأصدقاء أمانةً لدي عبارة عن ذهب وأوراق وغيرها منذ ما يقرب من عام ثم سافرت لليمن وعند عودتي تفقدتها فوجدت أن ما في الأمانة من ذهبٍ قد فقد وضاع ويقدر ثمن الذهب المفقود حالياً بحوالى ثمانمائة ريال تقريباً وما زال صديقي لا يعلم عن فقد الذهب شيئاً فهل أشتري له بدلاً منه أم أصارحه بالحقيقة وأعطيه ثمنه نقداً ولفضيلتكم الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صارحه بالحقيقة وأخبره بما وقع ثم إن كنت قد حفظت هذه الأمانة في حرز مثلها وأنك رأيت أن بقاءها عندك أحرز مما لو أعطيتها إنساناً آخر فإنه لا ضمان عليك في هذه الحال لأنك قمت بما يجب عليك من الحفظ وأما إذا كنت قد فرطت ووضعتها في مكانٍ يكون عرضةً لأخذها فإنك تضمنها وعلى كل حال فصارح صاحبك حتى يتبين الأمر.
***(16/2)
الديون والأمانات(16/2)
لدينا صندوق خيري ونحن أبناء منطقة واحدة ونجمع كل شهر مبلغاً معيناً من المال ويوضع عند أمين الصندوق هل يحق لأمين الصندوق أن يأخذ من هذا المبلغ شيئاً إذا احتاج إليه ليسدده فيما بعد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأمين الصندوق أن يأخذ منه شيئاً ليسدده فيما بعد وهكذا كل أمين على شيء كولي اليتيم والوكيل وغيرهما لا يحل لهم أن يأخذوا شيئاً لأنفسهم ولو كان بنية الإرجاع فيما بعد لأن الأمين مؤتمن فلا يحل له أن يتجاوز ما ائتمن عليه.
***(16/2)
كان عندي أمانة مبلغ من المال لأحد الأشخاص ونظراً لحاجتي الشديدة له تصرفت فيه وضيعته في استعمالي الشخصي وقلت لصاحبه بأنه ضاع ولكن الآن أريد أن أرد هذا المبلغ بعد فترةٍ طويلة ودون أن يعلم هذا الشخص فماذا أفعل مأجورين هل أتصدق به أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولاً تصرفك فيه بدون إذن صاحبه حرامٌ عليك وأنت آثمٌ بذلك غير مؤدٍ للأمانة وقد قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فعليك أن تتوب إلى الله ولن تقبل توبتك حتى ترد المال إلى صاحبه فعليك أن ترده إليه وأن تعتذر منه وتسترضيه ولا فكاك لك من ذلك إلا بهذا حتى لو تصدقت به أو أعطيته إياه بدون علمه فإن ذلك لا يكفي لا بد أن تعلمه وتقول له يا فلان إني احتجت ذات يوم وبناء على ما بيني وبينك من الثقة استقرضت المال وأدتني الحاجة إلى أن أكذب عليك وأقول إنه ضاع فالآن أرجو منك السماح وهذا مالك وإني أرجو من صاحبك أن يعذرك وأن يقبل عذرك لأن في هذا أجراً وثواباً عند الله تعالى.
***(16/2)
إنني رجل غير مديون أي لا يطلبني أحد البتة لكن لي بعض النقود عند الآخرين فهل يلزمني كتابتها علماً أني لو توفيت فأنا مسامحهم ولو توفى أحد منهم فأيضاً أنا مسامحه في ذلك.
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول جزاك الله خيراً على هذه الهمة العالية وما وجب لك من الحقوق على الناس فإن كتابته أولى وأحسن لأن في ذلك رداً لمالك ولنفسك ولمن يأتي من بعدك ثم إن فيه ضبطاً لصاحبك الذي أنت تطلبه لأنه قد يأتيك يوماً من الدهر وقد نسي ما عليه فيقول لك ما هو الذي علي لك حتى أوفيك إياه فإذا لم يكن مكتوباً قد تنساه أنت وينساه هو وحينئذٍ يقع في النفوس حرج من هذا الأمر وإن كان باب الصلح واسعاً ولله الحمد لكن الذي ينبغي للمرء أن يقيد ماله كما أنه يجب عليه أن يقيد ما عليه لا سيما إذا لم يكن فيه بينة قال النبي صلى الله عليه وسلم كما صح في حديث ابن عمر (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده) .
***(16/2)
طه عبد المقصود من مكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ أعمل في محل حلوى أي بائع حلوى فيحدث أن يكون هناك بعض من الأخطاء في الحساب مع الزبائن بالنقص أحياناً وبالزيادة أحياناً أخرى فماذا أفعل علماً بأنني لا أرى الأشخاص مرة أخرى فانصحوني ووجهوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما يحصل من الخطأ من الحساب وهو غير متعمد فلا إثم عليك فيه لكنني أشير عليك بأن ما حصل من نقص عليك أن تعفو عمن حصل منه هذا النقص لقول الله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وأما ما حصل من زيادة تدخل عليك فإن كنت تعلم صاحبها فالواجب عليك ردها إليه وإن كنت لا تعلم صاحبها أو تعلمه ثم نسيته أو بحثت عنه فلم تجده فهنا تصدق بالزيادة التي دخلت عليك عن صاحبها التي هي له والله سبحانه وتعالى يعلم ذلك وبهذا تبرأ ذمتك وهذا الحكم أعني التصدق بما لا يُعلم من هو له أو علم ثم نسي أو بحث عنه فلم يوجد هذا الحكم عام في كل ما كان على هذا الوجه أن يتصدق به الإنسان عن صاحبه والله سبحانه وتعالى عالم بصاحبه ويوصل إليه ثواب هذه الصدقة.
***(16/2)
عندي نقود لرجل ولكنني بحثت عنه ولم أجده فماذا يجب علي أن أفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أيست منه ولم تعلم له وارثاً فتصدق بهذه الفلوس عنه ثم إن جاء يوماً من الدهر فخيره وقل له إني أيست منك وتصدقت بالدراهم فإن أجزتها فالأجر لك وإن لم تجزها فهذه دراهمك والأجر لي.
***(16/2)
يقول عملت موظفاً في إحدى الشركات بوظيفة محاسب لعدة سنوات وكان المؤسس لهذه الشركة قد أصيب بمرض أقعده عن العمل وأصبح مختل العقل ولم يكن لديه قدرة على التفكير والتمييز فوكل أحد الورثة بجميع أعماله وكان هذا الوكيل يأمر بصرف الرواتب والمكافآت والأعطيات والصدقات وغيرها يقول وأيضاً فقد حصل تقصير مني في أداء العمل جهلاً ونسياناً وكنت أظن بأن الوكيل يقوم مقام المالك في الأمر والنهي وبعد وفاة صاحب المؤسسة تحللت من الوكيل الشرعي وقد أباحني عن كل خطأ وتقصير إلا أنه لازال في نفسي شيء من الحزن والألم في التقصير الكثير الذي حصل مني فهل يلزمني أن أتحلل من جميع الورثة وماذا أفعل لتبرأ ذمتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد جرى منك تقصير عمداً فإن عليك أن تتحلل ورثة مَنْ وكلك لأنك غير معذور بذلك وأما إذا كان الذي حصل منك خطأ وأنت حين التصرف تظن أنك مصيب وأنك على حق فإنه لا ضمان عليك ولا يلزمك أن تتحلل الورثة فانظر في أمرك إن كان الأمر كما قلت أولاً أي أنه حصل منك تقصير تعرف أنه تقصير ولكنك تهاونت فعليك أن تتحللهم وإن كان الأمر على غير ذلك وأنك عملت العمل ترى أنه عمل موافق مفيد فلا شيء عليك.
***(16/2)
أعمل في أحد المؤسسات الخاصة الصغيرة وأعمل بائعاً في محل للجرد وأتحمل مسؤولية ذلك حيث إن صاحب المحل يتأخر كثيراً في دفع رواتبي مثلاً يتأخر في دفع الراتب أكثر من ثلاثة شهور وهو يعلم جيداً بأنني أتحمل مسؤولية أسرة في بلدي ومع ذلك لا يبالي مما اضطرني أن آخذ مبالغ من المال الموجود في عهدتي لكي ألتزم بالإنفاق على أسرتي في بلدي علماً بأنني آخذ أقل من حقي لديه حتى يغطي جزء من المتأخر لدي من الرواتب والسؤال هل يجوز لي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يأخذ من مال غيره ولو كان مدينا له إلا بإذنه وذلك أن الأصل في مال الغير أنه حرام محترم لقول الله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ولكننا نوجه النصيحة الخالصة لكفيلك الذي أنت تعمل عنده نحذره من المماطلة بحق الأجراء لأن المماطلة بحقهم ظلم لا يزداد به الإنسان إلا إثماً ولا يزداد بها ماله إلا فشلا ونقصاناً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مطل الغني ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة) والعجب لهؤلاء الكفلاء الذين يماطلون بحق العمال عندهم أنهم يعلمون علم اليقين أنهم لن يوفوا هؤلاء العمال أجرهم مرتين فلماذا يماطلون بهم هل المماطلة تقتضي أن ينقص من أجور العمال شيئاْ فليتقوا الله تعالى في هؤلاء الذين فارقوا بلادهم وأهليهم من أجل لقمة العيش ثم يماطل به هؤلاء الكفلاء لأن ذلك ضرر من وجهين الوجه الأول المماطلة والوجه الثاني أن هؤلاء العمال لهم عوائل في بلادهم يحتاجون إلى الإنفاق فيبقى هؤلاء الأهل متضررين لعدم دفع نفقاتهم من قبل عائلهم الذي موطل بحقه ويا سبحان الله كيف يرضى هؤلاء الكفلاء أن يماطلوا هؤلاء العمال الفقراء ويؤخروا أجورهم إلى شهرين أو ثلاثة أو أكثر وهم لو نقص العامل من عمله شيئاً يسيراً لعاقبوه على ذلك إن قوماً هذا شأنهم لداخلون في قول الله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) نسأل الله الهداية والتوفيق للخير لجميع المسلمين.
***(16/2)
يقول أقرضت شخصاً مبلغاً من المال ولم أستلم منه وثيقةً تثبت هذا الدين في ذمته وقد مكث مدةً طويلةً عنده وعندما طالبته به أنكر ورفض إعطائي فهل يجوز لي أن أختلس من ماله بقدر مالي عنده بدون علمه وهل هذا يشتمل عليه معنى قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وإن لم يكن كذلك فما معنى الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تختلس شيئاً من ماله بهذه الدعوى وإنما الواجب عليك إذا كنت تريد إثبات حقك أن تُشهد على صاحبك حتى إذا أنكر فإذا البينة عندك وإذا لم يكن عندك بينة وأنكر فإن الحكم في الشرع أن يوجه إليه اليمين فيحلف أنه ليس في ذمته لك شيء وحينئذٍ يبرأ براءةً في الظاهر حسب الظاهر للقاضي والباطن يحاسبه الله عليه يوم القيامة إذا كان كاذباً فإنه والعياذ بالله يلقى الله وهو عليه غضبان كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيمن حلف على يمينٍ فاجرة يقتطع بها مال امرئٍ مسلم يلقى الله وهو عليه غضبان) ولكنه ظاهراً قد برئ ولا يحل لك أن تختلس شيئاً من ماله لأنك تعتبر خائناً حينئذٍ أو معتدياً وأما قوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) فهذا في الحقوق التي لا يبرأ منها من أنكرها أما هذا الرجل فإنه برئ منها بإنكارها وتوجيه اليمين عليه وحينئذٍ إذا حلف فليس لك عليه حقٌ في الدنيا أما في الآخرة فلك الحق ثم الآية الكريمة (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) ظاهرة في العدوان البين أما هذا فليس هناك عدوانٌ بيّن لأن الأمر بينك وبينه فلا يمكن أن يسلطك على ماله مع أن الشرع قد حكم ببراءته ظاهراً.
***(16/2)
حارس يعمل عند صاحب عمارة ويقول إن صاحب العمارة لم يعطه راتبه ووجد لصاحب العمارة ثلاثمائة ريال فأخذها فهل يجوز له أخذها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بعنوان مسألة الظفر وهي على القول الراجح لا تجوز بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق على شخص وهذا الإنسان لم يؤده حقه فهل يجوز أن يأخذ شيئاً من ماله إن قدر عليه بمقدار حقه نقول الصحيح أنه لا يجوز إلا إذا كان سبب الحق ظاهراً مثل لو كان الحق نفقةً مثل الزوجة تأخذ من مال زوجها إذا لم يقم بواجب النفقة وكالقريب يأخذ من مال قريبه إذا لم يقم بواجب النفقة فهذا لا بأس به وكذلك الضيف يأخذ من مال من استضافه إذا لم يقم بواجب الضيافة فهذا لا بأس به لكن بشرط أن لا يكون في ذلك فتنة وألا يكون في ذلك سببٌ للعداوة والبغضاء والشجار وأما مسألة هذا السائل أنه يطلبه حقاً خاصاً ليس سببه ظاهراً فإنه لا يجوز له أن يأخذ هذه الدراهم التي قدر عليها من ماله بل إنما الواجب أن يكف يده عما وجد ثم يخاصم صاحبه وأبواب المحاكم مفتوحة ولله الحمد.
***(16/2)
هنالك شخص يطلب آخر مبلغا من المال ويخجل أن يطلبه منه لأنه قليل فهل يجوز له أن يأخذه على وجه الخفية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان إذا كان له على شخص دين أن يأخذه منه بطريقة الخفية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) ولم يرد أن يأخذ صاحب الحق حقه خفية إلا في باب النفقات فإن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وبني فهل علي من جناح إن أخذت من ماله بغير علمه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف) فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي بنيها وهذا يدل على أن من له نفقة على شخص وهذا الشخص يبخل عليه بالنفقة فله أن يأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيه بالمعروف وألحق العلماء رحمهم الله في ذلك ما كان سببه ظاهرا كالضيف إذا نزل بشخص وامتنع من ضيافته فإن للضيف أن يأخذ من ماله ما يكفيه لضيافته بالمعروف من غير علمه لأن الحق في هذا ظاهر فإن الضيف إذا نزل بالشخص يجب عليه أن يضيفه يوما وليلة حقاً واجباً لا يحل له أن يتخلف عنه أما الديون فإنه لا يحل للإنسان أن يأخذ من مال المدين بغير علم.
***(16/2)
إذا باع الرجل سلعة إلى أجل فما هي الطريقة الشرعية لتوثيق الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطرق ثلاثة
الأول الرهن بأن يقول للمشتري أعطني رهناً فيعطيه رهناً إما نفس السلعة التي باعها عليه وإما عقاراً وإما سيارة المهم أن يأخذ به رهناً فهذه توثقة إذا حل الدين ولم يوف فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه.
الطريق الثاني الضمان ضمان المدين بأن يأتي برجل ثقة غني وفيّ ويقول هذا الرجل يضمنني بدين فإذا حل الأجل أجل الدين فإن لصاحب الحق وهو الدائن أن يطالب الضامن بما ضمنه له
الطريق الثالث الكفالة وهي أن يكفل شخص المدين بإحضاره إلى الدائن حين حلول أجل الدين والفرق بين الضمان والكفالة أن الضمان ضمان الدين وأما الكفالة فهي ضمان إحضار المكفول فإذا أحضر الكافل المكفول بريء منه.
***(16/2)
م خ ع مقيم بالكويت يقول بأنه شاب كان يعمل مع شخص وقتاً إضافياً وكان في كل فترة يعطيه هذا الشخص الحساب كاملاً بعد أن يسأله عن عدد الأيام التي اشتغل معه فيها وبعد ذلك يقول اكتشفت بخطأ في المبالغ التي أخذتها بزيادة مع العلم بأن هذا المال أنفق في بناء منزل.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تبين الخطأ فالواجب الرجوع إلى الحق والواجب على هذا الذي أخذ أكثر مما لا يستحق أن يرد ما زاد على صاحبه فإن قدر أنه مات رده على ورثته لأنه ما زال باقياً في ذمته ولا يبرأ إلا بتسليمه لمن هو له.
***(16/2)
البائع الذي يخطئ في الحساب قد يعطي للزبون بالزيادة وبالأقل وبدون قصد هل يدفع الخسارة ويأخذ الزيادة نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على البائع إذا علم أن المشتري أعطاه أكثر مما له يجب عليه أن يرده إليه إن علمه فإن كان قد مات رده إلى ورثته فإن لم يعلمه وأيس من رجوعه فإنه يتصدق به عنه وأما إذا تبين أن المشتري أعطاه أنقص مما له فله أن يبحث عن هذا المشتري ويطالبه بالناقص لكن هل يقبل أو لا يقبل هذا أمر يرجع على المحكمة.
***(16/2)
كنت أعمل عند صاحب مزرعة وعندما جاء ليدفع لي أجري أخطأ في الحساب وزاد لي وأنا الآن محرج جداً أن أردها عليه علماً بأنه قد خصم علي أياماً دون وجه حق فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تسلمها له وإذا سلمتها له فلن يقول لك شيئاً بل ربما يحمدك أن يزيد الشيء عندك وترده عليه وليس في هذا محذور إطلاقاً فالواجب أن تردها عليه وتقول إننا أخطأنا في الحساب وهذا زائدٌ فخذه
***(16/2)
علي دين لرجل متوفى وهو مبلغ بسيط الآن لا يساوي شيئاً لكن في وقته كان يساوي ما يعادل الآن شراء ثوب هل يجوز لي أن أدفع هذا المبلغ لأحد أبنائه أم أتصدق به عنه
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن تسلمه لورثته من الأبناء والبنات والأم والأب والزوجة أو الزوجات لأنه لما توفي انتقل ملك ماله إلى ورثته فإما أن تسلمهم القيمة وإما أن تخبرهم وإذا سمحوا عنك برئت ذمتك.
***(16/2)
حمد علي من السودان يقول تسلفت من شخص مبلغا من المال ووافته المنية قبل أن أرد له هذا المال وله أبناء صغار وكبار ماذا أفعل في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توفي الإنسان وله أطلاب على الناس فإن هذه الأطلاب تنتقل إلى الورثة قَلَّت أو كثرت فهذا الرجل الذي أقرضك ثم توفي يكون المال الذي عندك لورثته فعليك أن تخبرهم به ثم تسلمه للجميع إلا أن يكون لهم وكيل خاص قد ثبتت وكالته شرعا فلك أن تعطيه إياه وحده وهو يقسمه بين أهل الميراث وهذا السؤال يجرنا إلى شيء آخر وهو أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتهاون بالدين ويتهاون بقضاء الدين أما التهاون بالدين فإن بعض الناس يستدين لأمور كمالية لا حاجة له بها بل قد يستدين لأمور محرمة تلحقه بالمسرفين والله تعالى لا يحب المسرفين وهذا غلط سفه في العقل وضلال في الدين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرشد الرجل الذي طلب منه أن يزوجه ولم يكن عند هذا الرجل مهر فقال (التمس ولو خاتما من حديد) فقال لا أجد ولم يقل له استقرض من الناس وإنما قال له (هل معك شيء من القرآن) قال نعم قال (زوجتك بما معك من القرآن) هذا مع أن الزواج أمر ضروري وأمر مشروع فهو ضروري من حيث الفطرة مشروع من حيث السنة ومع ذلك لم يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يستقرض وبعض الناس يستهين بالدين من حيث القضاء فتجده قادرا على الوفاء لكنه يماطل ويقول لصاحب الحق ائتني غدا وإذا جاء قال ائتني غدا وإذا جاء قال ائتني غدا حتى يمل صاحب الحق وربما يدع صاحب الحق حقه لكثرة الترداد على من عليه الحق وربما لا يتيسر له أن يرفع الأمر إلى المحاكم إما لكون الشيء زهيداً أو لقرابة بينه وبين المدين يخشى أن تنقطع الصلة بينهما إذا رفعه إلى الحاكم أو لكون الحاكم لا يحكم إلا بالهوى فيضيع حقه ثم إن المتهاون بقضاء الدين إذا مات بقيت نفسه معلقة بالدين حتى يقضى عنه والمبادرة بقضاء الدين عن الميت في وقتنا هذا قليلة جدا أكثر الورثة والعياذ بالله إذا مات صاحبهم الذي ورثهم المال والمال كان ماله فإذا مات وعليه الدين تباطأ الورثة في قضاء الدين وتواكلوا كل يكل الأمر إلى الآخر فتنعموا بالمال وصاحبه شقي في قبره وهذا حرام عليهم ولهذا قال العلماء رحمهم الله يجب على الورثة الإسراع في قضاء الدين حتى قال بعضهم ينبغي أن يقضى دينه قبل أن يُصلى عليه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يفتح الله عليه بالمال إذا قدمت إليه الجنازة وعلى الميت دين ليس له وفاء تأخر عن الصلاة عليه فقدم إليه رجل ذات يوم فلما خطى خطوات قال (هل عليه دين) قالوا نعم يا رسول الله: ديناران فتأخر وقال (صلوا على صاحبكم) فقال أبو قتادة: يا رسول الله الديناران علي قال (حق الغريم وبرئ منه المدين، قال نعم يا رسول الله فتقدم وصلى عليه) وهذا يدل على أهمية الدين فنصيحتي لإخواني أولا ألا يتهاونوا بالدين ابتداء وأن يسددوا ويقاربوا وألا يحاولوا أن يكونوا كالأغنياء في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومواطنهم ومراكبهم ليلغون الفرق بين الغني والفقير، وأن يقتصروا على ما تدعوا الضرورة إليه فيما يستدينونه من الناس وأقول على ما تدعو إليه الضرورة دونما تدعوا إليه الحاجة لأن الإنسان إما أن يستدين لحاجة أو لضرورة أو لإسراف فليجتنب الاستدانة للإسراف وللحاجة ولا يستدين إلا للضرورة ومرادنا بالاستدانة هنا ليس الدين المعروف عند الناس والذي هو تلاعب بأحكام الله عز وجل فيما يعرف عندهم بالدين ولكن المراد بذلك الدين الحلال والذي دلت السنة على جوازه فلا يستدن إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك وإلا فليستعفف وليقتصر على أدنى ما يسد ضرورته وإذا أغناه الله عز وجل فليفعل ما يليق بحاله فإنه أيضا من التطرف أن يكون الغني كالفقير في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه ومن التطرف أيضا أن يكون الفقير كالغني يحاول أن يلحق بالغني فكلاهما محظور فإن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه وفق الله الجميع لما فيه الخير.
***(16/2)
استدنت مبلغاً من المال من بعض الأشخاص وقد أنفقت ذلك المبلغ ولا أملك المبلغ حتى أرده إلى هؤلاء الأشخاص لأنني رجل فقير وإني في حيرة من أمري لخوفي أن يدركني الموت قبل أن أتمكن من سداد الدين فما الحكم في ذلك إذا لم يسامحني هؤلاء الأشخاص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) فإذا كان هذا الفقير الذي استدان من الناس بنيته أنه سيوفي فإن الله تعالى سيوفي عنه إما أن ييسر له ذلك في الدينا قبل أن يموت وإما أن ييسر الله له من يوفي عنه وإما أن يوفي الله عنه يوم القيامة ولكن أنا أحب أن أقدم نصيحة لبعض الناس الذين يتهاونون بالدين ويستدينون لأشياء ليس لهم بها حاجة فضلاً عن أن يكون لهم به ضرورة فيثقلون كواهلهم بالديون من أجل الأمور الكمالية ولا يحتاجون إليها ولكن من أجل المباهاة وهذا خطأ منهم وتقصير فإذا كان الإنسان ليس عنده شيء فليقتصر على ما أعطاه الله فقط ولا يستدين من أجل أمور ليس له بها ضرورة فإن الدين شأنه عظيم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وثبت عنه إذا أتى بجنازة عليها دين ولم يترك الميت وفاء لهذا الدين أنه لا يصلى عليه كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن رجلاً من الأنصار توفي وعليه ديناران ثم جاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فخطا خطوات ثم قال هل عليه من الدين قالوا نعم يا رسول الله ديناران فتأخر وقال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة رضي الله عنه الديناران عليّ يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام حق الغريم وبريء منه الميت قال نعم فتقدم وصلى) ثم لما فتح الله عليه بالفتوح صار عليه الصلاة والسلام يقول أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم وصار يقضي الديون عن الأموات ويصلى عليهم وإذا كان هذا شأن الدين فلا ينبغي للعاقل فضلاً عن المؤمن أن يتهاون به.(16/2)
يقول السائل لي أخ متوفى وعليه دين ونحن مع ظروف الحياة لا نستطيع أن نسدد هذا الدين ونحن نعلم أيضا أن الميت لا يدخل الجنة إلا عند سداد دينه وللعلم صاحب المبلغ يطالب به فنرجو من فضيلتكم أن تفتونا في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول السائل إننا نحن نعلم أن من عليه دين لا يدخل الجنة حتى يقضى دينه فهذا غير صحيح ولا أصل له لكن هناك حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه) ولكن في هذا الحديث مقالا فإن من العلماء من ضعفه وقال ها هو (النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة بدين كان عليه صلى الله عليه وسلم) ولكن يجب علي الورثة اذا مات مورثهم وعليه دين وله تركة يمكن قضاء الدين منها أن يبادروا بقضاء دينة من تركته لأنهم لا حق لهم في التركة إلا بعد الدين والوصية كما جاء ذلك في آيات المواريث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) فلا حق للورثة في المال الموروث إلا بعد قضاء الدين وأما إذا لم يخلف تركة فان قاموا بالوفاء عنه فهم علي خير وهم مأجورون علي ذلك وان لم يوفوا عنه فإنه لا إثم عليهم أما الميت الذي لم نجد له تركة نوفي منها فإن كان أخذ أموال المال يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه يوم القيامة ويرضي الغرماء وإن كان قد أخذها يريد إتلافها فان الله يتلفه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني المسلمين من التهاون بالدين أخذا وقضاء فإن من الناس من لا يهمه أن يستدين لأمور ليس في حاجة إليها وإنما هي أمور كمالية لا تدعو الحاجة إليها ومن الناس من يستدين لأمور ضرورية ويكون عنده الوفاء ولكنه لا يوفي بل يماطل يقول لصاحب الحق غدا بعد غدٍ كلما جاء قال غدا بعد غدٍ فيأثم بذلك لقول النبي صلى الله علية وسلم (مطل الغني ظلم) .
***(16/2)
ليلى تقول لي جد متوفى منذ عشر سنوات وله دين يصل إلى مبلغ كبير وله عدة زوجات ومنهن أبناء وبنات ولكن لم يسدد دينه حتى الآن مع العلم أن أبناءه ليس فيهم الاستطاعة لقضاء الدين ليس لصغرهم ولكن لعجزهم المادي فما مصير هذا الجد من ناحية الشرع هل عليه ذنب وهل على الأبناء ذنب وهل صحيح بأنه لا يحاسب على أعماله حتى يسدد ما عليه من دين وما العمل جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى:: إذا كان هذا الميت له مال يمكن الاستيفاء منه فإن الواجب على الورثة المبادرة بقضاء دينه وإذا لم يكن له مال فليس على الورثة شيء لقول الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وأما الميت فإن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه وإن كان أخذها يريد إتلافها أتلفه الله فهو على نيته إن كان الرجل أخذ أموال الناس بنية الأداء ولكن اخلفت الأمور فلم يتمكن فالله عز وجل يقضي عنه دينه ويرضي غرماءه ولا يلحقه في ذلك ذنب ولا إثم وإن كان سيء النية أخذ أموال الناس يتلاعب بها ولا يريد أداءها فإن الله تعالى يتلفه ويعاقبه على ذلك.
***(16/2)
عبد الله من السودان يقول في سؤاله بأنه يعمل في دكان ويأتي إليه بعض الأقارب والأصدقاء ببعض المال على شكل أمانة ويدخل هذه الأمانة في أعماله ويستفيد منها وإذا طلبوها يدفع لهم نفس المبلغ الذي أودعوه له فقط فهل عليه شيء في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه شيء في هذا فإن الإنسان إذا أعطي دراهم على أنها أمانة عنده يعني وديعة فإنه لا يحل له أن يتصرف فيها بشيء فلا يحل له أن يدخلها في صندوق المعرض ولا يحل له أيضاً أن يتصرف فيها بنفسه فإن فعل ذلك فهو خائن واقع في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مخالف لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ولكن إذا كان يشق عليه أن يحرزها وحدها في مكان معين فإنه يقول لمن أعطاه إياها إئذن لي أن أجعلها في الصندوق مع عموم الدراهم التي عندي أو إئذن لي أن أتصرف فيها وحينئذٍ تكون قرضاً يجب عليه رد مثلها إذا طلب ذلك صاحبها.
***(16/2)
مستمع للبرنامج من أبو ظبي أمير عثمان أحمد يقول ماذا يفعل من أخذ من إنسان شيئاً على أن يرده إليه ولكن قبل أن يرده إليه توفي ذلك الدائن فهل يتصدق بهذا المال أم ماذا يفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا استدان الإنسان من شخصٍ شيئاً أو أخذه منه على سبيل العارية أو على سبيل الوديعة أو على سبيل الرهن أو غير ذلك ثم مات صاحب الحق فإن الواجب على الآخذ أن يسلم ذلك إلى الورثة لأن الورثة هم المستحقون لمال مورثهم من بعده فإن كان لا يعلم الورثة أو كان هذا المستحق ليس له وارث فإنه يسلمه إلى بيت المال لأن بيت المال وارث من لا وارث له لكن فيما إذا كان له ورثة إلا أنه يجهلهم ينبغي أن يتصدق به عنهم لأن كل مال مجهولٌ صاحبه أي كل مالٍ جهلت صاحبه فإنك تتصدق به عنه ثم إن علمته بعد فخيَّره وقل له إنني تصدقت به عنك فإن شيءت أمضيت وإن شيءت منعت فإن أمضى فالأمر واضح يكون الأجر للمتصدَّق عنه وإن لم يمضِ فإن المتصدِّق يضمنه له ويكون الأجر للمتصدِّق.
***(16/2)
توفي رجلٌ وله علي بعض النقود فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن تبحث عن ورثته حتى تسلم نقود الميت إليهم لأن الإنسان إذا مات انتقل ماله إلى ورثته فإن عجزت عن معرفتهم فتصدق بها عن صاحبها أي انوها لمن هي له والله جل وعلا بعلمه وقدرته وسلطانه يوصلها إلى من هي له.
***(16/2)
أخذت أشياء من أصحابها دون أن يعلموا وأنا أعلم أنهم يستحقون ذلك لأنهم لا يخافون الله والآن أنا لا أعلم أين أصبحوا حتى أخبرهم بذلك أو أقدر قيمة ما أخذته منهم وأنا لا أعرف لهم مكان فماذا أفعل أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عند الإنسان مال لأحد وجهل صاحب هذا المال ولم يتمكن من العثور عليه ولا على ورثته إذا كان قد مات فإن طريق الخلاص منه أن يتصدق به لمن هو له والله عز وجل يعلم من هو له وبذلك يبرأ منه فإن كان عيناً فإنه يقدر قيمتها ويتصدق بها وإن كانت دراهم أو دنانير فإنه يتصدق بنفس الدارهم والدنانير.
***(16/2)
سيف بن بدر أبو ظبي - يقول ما حكم الذي عليه دين لأحد من الناس ويريد أن يوفي الدين لأصحابه ولكن بعد البحث عنهم لم يجد أحداً منهم فمنهم من سافر ومنهم من انتقل من مكانه القديم أي دكانه إلى جهة غير معروفة ماذا ينبغي عليه أن يعمل في هذه الفلوس التي عنده وهي حق هؤلاء الناس أفيدوني بارك الله فيكم.
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذا الذي في ذمته ديون للناس أن يبحث عنهم حتى لو انتقلوا إلى مكان آخر فالواجب أن يبحث عنهم في المكان الذي انتقلوا إليه وليبحث عن ورثته إن كانوا قد ماتوا لأن هذا حق آدمي معين فيجب عليه إيصاله إليه مهما كانت الكلفة والمشقة فإن أيس من العلم بهم ولم يَرْجُ العثور عليهم فإن في هذه الحال يتصدق به عنهم أو يجعله في مسجد من المساجد في عمارة المسجد أو شراء برادة له أو ما أشبه ذلك وينوي به أنه عن من يستحق هذا المال والرب عز وجل يعلم ذلك فيوصله إلى صاحبه وتبرأ منه ذمة المطلوب فخلاصة الجواب أنه إذا كان يمكنه ولو مع مشقة أن يوصله إلى أهله وجب عليه وإن لم يمكن وتعذر ولا يرجو أن يجده في المستقبل فإنه يتصدق به عنه.
***(16/2)
مصطفى شعيب محمد سوداني يعمل بالمملكة يقول أنا أعمل بمهنة تصلىح الساعات ولكني أعاني من مشكلةٍ تضايقني كثيراً جعلتني أفكر في ترك هذه المهنة وهي أن كثيراً من الناس يحضرون ساعاتهم إلي لإصلاحها ثم أعطيهم موعداً لأخذها بعد إصلاحها ولكن كثيراً منهم لا يعود ويمضى وقتٌ طويلٌ على هذه الساعات وهي عندي فما الحكم في هذا وهل يجوز لي التصرف فيها ببيعٍ ونحوه أم لا.
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذه المسألة إذا كنت لا تعرف الرجل الذي أعطاك هذه الساعة وأيست من رجوعه أن تبيع هذه الساعة ثم تتصدق بها وتقيد ثمنها عندك فإذا جاء صاحبها فخيَّره وقل له إني أيست منك وإني بعت الساعة وتصدقت بثمنها فإن شيءت فأمضِ هذا والأجر لك وإن شيءت ضمنتُ لك قيمة ساعتك والأجر لي فتخيره ولهذا ينبغي لك أيها الأخ إذا أتاك أحدهم بساعته لإصلاحها ينبغي لك أن تكتب اسمه وعنوانه ورقم هاتفه إذا كان له هاتف حتى إذا تغيب عنك يوماً من الدهر اتصلت به على عنوانه أو رقم هاتفه وبذلك تسلم من هذه المشكلة ويمكنك أن تؤدي الحق إلى صاحبه.
***(16/2)
إذا مات شخصٌ وعليه دينً ولم يخلف مالاً بحيث يقضى هذا الدين منه فهل يجب على ورثته أن يؤدوا عنه ذلك الدين أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على ورثته أن يؤدوا هذا الدين عنه سواءٌ كانوا من الأباعد أو من الأقارب لكن إن كان هذا الميت والداً فينبغي لأولاده أن يوفوا عنه لأن ذلك من بره وأما الوجوب فلا يجب لأننا لو أوجبنا هذا لكنا نؤثمهم بترك الوفاء وهذا يخالف قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ولأننا لو قلنا بوجوب وفاء الدين عن الميت الذي لم يخلف تركة لكان في هذا فتح بابٍ لهؤلاء الذين لا يبالوا بارتكاب الديون فيقول الواحد أنا سوف أتدين وإذا مت فإن أهلي أو ورثتي يقضون عنه الدين فلا يبالي بعد ذلك بما استدانه وألحقه ذمته ثم إني أقول إن الميت إذا مات وعليه دين فإن كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه فإن الله تعالى يؤدي عنه من فضله وكرمه فيرضي أهل الحق.
***(16/2)
أحمد حمدان سوداني يعمل بالمملكة يقول أخذت من بعض الوافدين إلى بلادنا مبلغاً من المال وحضرت إلى هنا في المملكة العربية السعودية وعندما رجعت إلى بلادي وجدت ذلك الرجل قد توفي وسألت عن أقرب الناس إليه ولم أجد وأريد التخلص من دينه ذلك الذي علي فماذا أفعل به كي أبرئ ذمتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمت قد جهلت ورثة هذا الرجل ولم تعلم له وارث وارثاً فإن هذا يكون لبيت المال لأن الرجل إذا مات وليس له وارث فإن ماله يدفع إلى بيت المال لكن بشرط أن يكون بيت المال منتظماً ويتصرف فيه على حسب الشرع أما إذا كان ضائعاً فإن الأولى أن يتصدق به فإن قدر أن يأتي أحدٌ من ورثته بعد ذلك فإنك تخيرهم فتقول أنا تصدقت بهذا المال فإن شيءتم فهو لكم وأجره لكم وإن شيءتم أعطيتكم المال ويكون الأجر لي.
***(16/2)
مرغني محمد أحمد معار بالجمهورية العربية اليمنية لواء قاعدة يقول عملت معلماً بمدرستين في السودان فأسندت لي في كل مرة الشؤون المالية للمدرسة وكان ذلك بتفويض من لجنة المدرسة المكونة من الأباء والمعلمين ورغم مراعاتي للأمانة وحرصي إلا أنني أحسست أنني أتلفت جزء من هذه الأموال دون قصد فصار في ذمتي إلا أنني لا أعرف له قيمة محدودة كما أن لجان المدرسة تبدلت عدة مرات وتلاميذ تلك الفترة انتقلوا إلى مراحل أخرى فهل يجوز تقدير ذلك المبلغ وإعادته إلى المدرسة في شكل مكتبة مثلاً تحاشياً للحرج وضماناً لعودته لأصحابه بطريق غير مباشر أم ماذا ترون أرشدوني أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ الذي ذكر أنه كان أميناً مالياً على مدرسة وأنه تصرف تصرفاً بغير قصد وهو الآن يسأل عن طريق الخلاص منه الحقيقة أن هذا السؤال مجمل ولا ندري كيف هذا التصرف الذي تصرف فنقول لا يخلو هذا التصرف من حالين
إحداهما أن يكون تصرفه لمصلحة نفسه فيكون فهذا قد أخطأ خطأً عظيماً وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يعيد ما أتلفه على المدرسة في مصلحتها الآن حسب ما تبرع به المتبرعون سابقاً بمعنى إذا كانوا تبرعوا بمعاش الطلاب فليصرف لمعاش الطلاب وإذا كانوا تبرعوا للمصلحة العامة للمدرسة فليصرف للمصلحة العامة للمدرسة وهكذا وعليه مع ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى
أما الحال الثانية إذا كان هذا التصرف لمصلحة المدرسة ولكنه اجتهد ثم تبين له أنه أخطأ في اجتهاده فإنه في هذه الحال لا ضمان عليه لأنه غير متعدٍ ولا مفرط وإنما هو اجتهد وظن أن المصلحة في هذا العمل ثم تبين له بعد ذلك أن المصلحة في عدمه فهذا ليس عليه إثم وليس عليه ضمان لأن الأمين إذا لم يتعدَ ولم يفرط فإنه لا إثم عليه ولا ضمان عليه فنرجو من الأخ السائل أن يحقق في الموضوع هل هذا التصرف الذي ذكر خاص بنفسه أو عام لمصلحة المدرسة.
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أنه كما تفضلتم خاص بالحالة الأولى بمعنى أنه يخص الأعيان من الطلبة وغيرهم وكما يذكر بأنهم قد تفرقوا عن هذا البلد وربما بعضهم بعيد عنه فهل يحق له أن يصرف هذا المال في مشروع يعود على المدرسة بالنفع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يصرفه لما يعود لمصلحة الطلاب ما دام أنه صرف في الأول لمصلحة الطلاب كأرزاقهم ومعاشهم فليصرف لمصلحة الطلاب الحاضرين الموجودين لأن المقصود هو جنس الطلاب وليس أعيانهم حتى الذين تبرعوا فيما سبق ليسوا يقصدون أنهم فلان ابن فلان إنما يقصدون مصلحة الطلاب في هذه المدرسة فالمقصود الجنس.
***(16/2)
إذا كان علي دين لناس فهل الأول يسدد الدين أم يوفي النذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الدين سابقاً على النذر قدمه وإذا كان النذر سابقاً عن الدين قدمه لأن هذا يتعلق بالذمة وما كان متعلقاً بالذمة فإن انشغال الذمة بالأول فإنه يوجب أن تكون غير قابلةٍ بالانشغال بالثاني حتى يفرغ منه هذا إذا لم ينذر شيئاً معيناً بأن يقول هذه مثلاً لله علي نذر أن أتصدق بهذه الدراهم أو بهذا الطعام المعين فإنه في هذه الحال يقدم النذر لأنه عينه وصار هذا الشيء المعين مشغولاً بالنذر.
***(16/2)
رجل عليه ديون كثيرة وعليه نذر أيهما الذي يقدم الأول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توفي الإنسان وعليه ديون لله عز وجل من نذر أو كفارة أو زكاة وديون للآدميين فإن القول الراجح في هذه المسألة هو المحاصَّة بين الديون التي لله عز وجل والتي للآدميين وكيفية المحاصة أن نحصي ما عليه من الدين ثم ننسب ما خلفه من المال إليه فإذا قدر أن نسبة ما خلفه من المال إلى الديون النصف أعطينا كل ذي دين نصف دينه وإذا كانت النسبة الربع أعطينا كل ذي دين ربع دينه وإذا كانت النسبة الثلثين أعطينا كل ذي دين ثلثي دينه وهكذا
***(16/2)
اللقطة(16/2)
من القصيم إذا وجد الإنسان لقطة في غير الحرم، وهو لا يريد أن يعرفها، فهل يأخذها أو يتصدق بها لصاحبها، أو يتركها في مكانها، وإذا تركها قد يأتي طفل ويأخذها وتذهب على صاحبها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يلتقط اللقطة وهو لا يريد أن يعرفها، بل الواجب أن يلتقطها ليعرفها ويحفظها لصاحبها، وحينئذ نقول إذا كان لا يريد تعريفها فليدعها، فربما جاء صاحبها فوجدها، وربما جاء من يأخذها فيعرفها، وربما جاء طفل فأتلفها، فالاحتمالات كلها موجودة وبراءة ذمته هو بتركها، فليتركها ولا يأخذها إذا كان لا يريد تعريفها. ولكن هناك شيء ينبغي أن نعرفه وهو أن الشيء اليسير الذي لا تتبعه همة الناس لا بأس أن يأخذه الإنسان لنفسه ما لم يكن عارفاً بصاحبه فيأخذه ويؤديه له، يعني في الخمسة والعشرة وما يساوي ذلك من الأغراض هذا إذا أخذه الإنسان لنفسه فله ذلك ما لم يكن عارفاً بصاحبه فيأخذه ويسلمه له ولو كان قليلاً.
***(16/2)
ماحكم اللقطة إذا التقطها إنسان وبعد البحث عن أهلها لم يظهر لها أحد هل هي حرام أم لا أفيدونا بالحل أو عدمه وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الملتقط التقط هذه اللقطة وهي المال الضائع التقطها بنية أنه سيعرفها ويتطلب وصولها إلى صاحبها وعرفها سنة ولم يأت صاحبها فأنها تكون حلالاً له داخلةً في ملكه يتصرف فيها كما يشاء وأما إذا جاء صاحبها في أثناء الحول أو بعده ووصفها وصفاً منطبقاً عليها فإنه يجب أن يدفعها إليه
فضيلة الشيخ: وإذا أكلها أو أنفقها ثم جاء صاحبها إليه ووصفها بما يوضحها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا يجوز أن يتصرف فيها قبل تمام الحول بل يجب عليه حفظها إلا إذا كانت مما لا يبقي إلى تمام الحول كبعض المأكولات مثلاً التي تفسد ببقائها أو كان بقاؤها يتطلب نفقات كبيرة فيبيعها الإنسان ليسلم من النفقات عليها فهذا لا بأس , بل يجب عليه حينئذٍ أن يتصرف، هذا التصرف لأنه من كمال شكره ولكن لا يتصرف حتى يعرف إثباتها فإذا جاء صاحبها قال له إن هذه اللقطة التي وجدتها تصرفت فيها بكذا وكذا لحفظها أو للوقاية من النفقات الكثيرة التي يتطلبها بقاؤها أما إذا تم الحول فهي ملكه يتصرف فيها بما يشاء ثم إذا جاء صاحبها وجب عليه أن يرد عليه مثلها أو يتفق معه على ما يتفقان عليه.
***(16/2)
أبو عبد العزيز يقول في رسالته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخبركم يا فضيلة الشيخ أنني أحبكم في الله وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة فضيلة الشيخ سقط في الطريق قطعتان من الموكيت المستعمل من أحد المارة فقام عمال الشارع وأخذوا قطعة وأخذت الأخرى وقاموا بوضعها على الرصيف والتي معي وضعتها في المحل - الدكان - وهي سقطت في الساعة الخامسة والنصف مساءً تقريباً حتى المغرب ولم يحضر صاحبها وفي اليوم الثاني قمت بإخراجها حول المحل وبشكلٍ واضح لكي يتعرف عليها صاحبها ولم أجد أحداً يسأل عنها أكثر من أسبوع وأنا أخرجها كل يوم حتى المغرب وبعد ذلك قمت بإدخالها في المحل هل استعملها أم أدفع ثمنها وأنويها صدقة لصاحب هذه القطعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فعلى موجه السؤال السلام ورحمة الله وبركاته واسأل الله تعالى أن يحبه كما أحبني فيه وأقول له إنه إذا سقط من سيارة شيء فإن كان لا يؤبه له ولم يستطع العثور على صاحب السيارة فهو له أي لواجده كما لو سقط شيء يساوي ريالين أو ثلاثة أو عشرة فإننا في هذا الوقت الحاضر لا نأبه إذا ضاعت العشرة ونحوها من الفلوس وربما يكون في زمنٍ مضى ربما يكون العشرة يؤبه لها وتطلب ويسأل عنها لكن في زماننا هذا ولله الحمد ولكثرة ما في أيدي الناس من النقود صارت العشرة ونحوها لا يؤبه لها فإذا كان لا يساوي العشرة ولم تتمكن من معرفة صاحبها فهي لك ومع هذا لو تبرعت وتصدقت بها إن كانت مما يتصدق به أو قومتها بدراهم وتصدقت بالدراهم وأبقيتها هي عندك لكان هذا أحسن من تملكها بلا عوض وأما إذا كنت تعلم صاحب السيارة فإن الواجب عليك أن تخبره بها ولو كانت قليلة فلو سقط من صاحب السيارة مفتاح لا يساوي ريالين وأنت تعلم صاحب هذه السيارة فإن الواجب عليك إيصاله إليه أو إخباره بذلك بأنه سقط منك هذا المفتاح وهو عندي لأنه يفرق بين المعلوم وبين المجهول وأما إذا كان الساقط من السيارة شيئاً يؤبه له وتتبعه همة أوساط الناس فإن الواجب عليك أن تعرفه سنةً كاملة بمعنى أن تبحث عن صاحبه سنةً كاملة فإن جاء صاحبه فهو له وإن لم يأتِ فهو لك وهكذا يقال أيضاً فيما نجده في الأسواق من اللقط فإن الشيء الزهيد الذي لا يساوي إلا شيئاً لا تتبعه همة أوساط الناس يكون لواجده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى تمرة في السوق وقال (لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) وأما إذا كان شيئاً تتبعه همة أوساط الناس ويبحث عنه الرجل الذي ضاع منه فإنه لا بد من تعريفه أي طلب صاحبه والسؤال عنه لمدة سنةٍ كاملة فإن جاء صاحبه وإلا فهو لواجده فأنت انظر إلى هذا الموكيت الذي وجدته فإذا كان لا يساوي إلا شيئاً يسيراً زهيداً فهو لك إذا تعذر عليك معرفة صاحب السيارة مع أن الأولى كما قلت أن تقوِّمه وتتصدق بثمنه لصاحبه أو تتصدق به على أحدٍ ينتفع به أما إذا كان مما يؤبه له وتتبعه همة أوساط الناس فلا بد من تعريفه لمدة سنةٍ كاملة لعل صاحبه يجده فإن لم يوجد فهو لك ومع هذا فنقول في هذه الحال الأولى أن تتصدق بقيمته عن صاحبه أو تتصدق به هو إذا كان مما ينتفع به. وإنما جعلنا الأولى أن يتصدق به أو يقومه فيتصدق بقيمته لأنه في الحقيقة ليس لقطةً محضة وليس معلوماً عين صاحبه فهو بين بين ولذلك نقول الأحوط والأولى أن يتصدق به أو يتصدق بقيمته ويتملكه.
***(16/2)
إبراهيم يقول بأنه وجد ماشية في الطريق وأخذها وقام ببيعها بمائة ريال يقول قد كنت محتاجاً إلى النقود في ذلك الوقت والآن رزقني الله فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ هل أشتري ماشية وأقوم بتركها بدل الأولى أم أتصرف في هذه النقود وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من وجد ماشية أن يبحث عن أهلها ونعني بالماشية ما يجوز التقاطه كالغنم وأما ما يحرم التقاطه كالإبل فإنه لا يجوز له أن يتعرض لها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال (دعها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) ولكن إذا كانت الضالة غنما أو شبهها مما لا يحمي نفسه من صغار السباع فله أن يلتقطها ولكن بشرط أن يكون ذلك بنية ردها إلى صاحبها وأن ينشدها لمدة سنة كاملة فإن جاء صاحبها وإلا فهي له والسائل كما يتبين من سؤاله لم يفعل ذلك فهو لم ينشد هذه الضالة بل أخذها وباعها وأنفق ثمنها فالواجب عليه إذن أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يتصدق بالثمن الذي باعها به وإن كانت تساوي أكثر مما باعها به فليتصدق بما تساوي وقت بيعها مع التوبة إلى الله ولينوي بهذه الصدقة عمن هي له والله سبحانه وتعالى يعلم من هي له.
***(16/2)
المستمعة م. ن. من الجوف تقول إذا وجدت شيئاً ضائعاً وصاحب هذا الشيء غير معروف أي لقطة مثل ذهب أو نقود أو أسورة صغيرة أو كبيرة هل أدفع عنه صدقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وجد الإنسان لقطة من دراهم أو حلي فينظر إذا كانت شيئاً يسيراً لا يهتم به الناس إذا ضاعت منهم فإنها له ولا يحتاج أن يبحث عن صاحبها لكن إن علمه وجب عليه أن يعيدها إليه مثال ذلك وجد إنسان خمسة ريالات وخمسة ريالات لا يهتم بها الناس ولا يبحثون عنها في وقتنا هذا إذا ضاعت لأن الأمور ولله الحمد وافرة والخير كثير لكن إذا علمت صاحب هذه الخمسة فيجب أن تدفعها له سواء طلبها منك أو لم يطلبها أما إذا كان الذي وجدته مما يهتم الناس به ويبحثون عنه فإن الواجب عليك أن تبحث عن صاحبه سنة كاملة تعرف هذه اللقطة في الأسواق وحول المساجد لمدة سنة في أول الأمر تكرر هذا التعريف كل يوم ثم في الأسبوع مرتين ثم في الأسبوع مرة ثم في الأسبوعين مرة وهكذا حتى تتم السنة فإذا تمت السنة ولم يأت صاحبها فهي لك وإذا كان يبعد وجود صاحبها كالدراهم توجد في الطرق البرية فان العثور علي صاحبها قد يكون مستحيلا وذلك لان البلدان حولها كثيرة ففي أي بلد تعرفها فمثل هذا لو أن الإنسان تصدق به لكان خيرا أو يعطيه القاضي. والقاضي يتصرف فيه بما يراه موافقا للشرع.
***(16/2)
عبد الله أبو شايع من الميدنة عبد الله أبو شايع من الرياض يقول أنا رجل أملك سيارة وانيت فركب معي رجل يحمل بضاعة تقدر بثمانمائة ريال فأوصلته إلى المكان الذي يريده وعندما نزل نسي حاجته وذهب وأنا أيضاً ذهبت دون علم بها وعندما وصلت إلى بيتي شاهدت بضاعة في السيارة فذهبت مسرعاً أبحث عن صاحبها لعلي أدركه فلم أجده فبحثت عنه مدة أسبوع ولم أجده أيضاً أرشدوني جزاكم الله خيراً ماذا أفعل في هذه البضاعة التي بين يدي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك في هذه البضاعة أن تنشد عنها وتعرفها بوسائل الإعلام المتبعة في بلادك فإذا مضى سنة ولم يأت صاحبها فإنها لك لأن هذه حكمها حكم اللقطة لأنك تجهل صاحبها أما لو كنت تعلمه فإنه يجب عليك أن تعلم عن اسمه حتى يحضر إليك وتسلمه ماله.
***(16/2)
س ج من سلطنة عمان يقول كنت مسافراً أنا وولدي وعمره ست عشرة سنة في طلب المعيشة وذات يوم التقط ولدي حافظة نقود وجدها ملقاة على الأرض بأحد الشوارع وبداخلها ستمائة درهم ولا نعرف صاحب هذه الحافظة وقد صرفناها في شؤوننا الخاصة بجهلي بحكم مثل هذا فماذا نفعل الآن وماذا يترتب علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليكم أن تتصدقوا بما يقابل هذه الدراهم بنية أنها لصاحبها تخلصاً منها ولعل الله أن يعفو عنكم وإلا فالواجب على من وجد لقطة تتبعها همة أوساط الناس وتتعلق بها أطماعهم فالواجب عليه أن يعرفها لمدة سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي له وأما كونه يصرفها في أغراضه الخاصة بمجرد وجودها فإن هذا لا يجوز فعليكم أن تتوبوا لله سبحانه وتعالى وأن تتصدقوا بها لصاحبها ونسأل الله لنا ولكم المغفرة.
***(16/2)
المواطن ع. م. أ. الجهمي يقول أفيدكم بأنني أحد سكان الرياض فقد خرجت من بيتي خامس العيد هذه السنة 1400من الهجرة ذاهباً لمصلى العيد فوجدت في الشارع العام مبلغاً من المال وقد حفظته عندي ولا أعلم ماذا أتصرف فيه أفيدوني جزاكم الله خيراً ولأن المبلغ محفوظ عندي وأنا في انتظار جوابكم وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من وجد مبلغاً من المال كثيرا يهتم الناس بفقده أن ينشد عنه لمدة سنة فإن جاء صاحبه وإلا فهو له، أتمني لو وجد في كل بلد مكان خاص لهذه اللقط أعني الأشياء الضائعة من قبل الدولة تحفظ فيها لأجل أن يستريح الناس وينشطوا على أخذ هذه الضائعات لأن كثيراً من الناس أهل الورع إذا رأى دراهم في السوق أو رأى متاعاً لا يأخذه خوفا من أن ينشغل بتعريفه لو كان هناك جهة مسئولة من قبل الدولة لكان يسهل على كل واحد أن يأخذه ويؤديه إلى تلك الجهة واتمنى لو يحصل ذلك فإنه مفيد جداً ولعل الجهات المسئولة عن هذا الشيء تدرسه ليحصل المقصود بذلك.
***(16/2)
ماحكم لقطة الحرم وغيره وما حكم أخذها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما لقطة الحرم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) يعني لا تأخذ لقطة الحرم إلا إذا كنت ضامناً على نفسك أن تبقى تبحث عن صاحبها إلى أن تموت وإذا مت فأوص بأن هذه لقطة الحرم تبحث عن صاحبها ومعلومٌ ما في هذا من المشقة إذاً لا تأخذها دعها فربما يرجع صاحبها ويجدها ونحن إذا قلنا لكل واحدٍ في مكة لا تأخذ اللقطة بقيت اللقطة حتى يأتيها صاحبها فتكون من جنس الإبل في غير مكة تترك ويأتي صاحبها ويجدها ولكن إذا قال قائل أنا إن تركتها أخذها من لا يبالي ولا يعرفها بل أخذها من يدخلها في جيبه متملكاً لها وحينئذٍ أيهما أولى أن أبقيها ويأخذها من لا يعرفها أو آخذها وأعرفها ثم إن لم أجد صاحبها تصدقت بها عنه في مكة أو أعطيتها القاضي الجواب الثاني يعني في هذه الحال نقول خذها وابحث عن صاحبها فإذا لم تجده تصدق بها عنه في مكة وإلا فأعطها القاضي.
***(16/2)
ماحكم لقطة الحرم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لقطة الحرم يعني حرم مكة كغيره مما يلقط فتعرف سنة كاملة فإن جاء صاحبها وإلا فهي لمن وجدها هذا الذي عليه جمهور العلماء فيما نعلم وقال بعض أهل العلم إن لقطة مكة لا تملك بالالتقاط وأن الواجب على من التقطها أن يعرفها مدى الدهر لقول النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) وهذا الحكم حكم خاص في مكة ولو كان هو الحكم العام الذي يكون في مكة وغيرها لم يكن لتخصيصها بذلك فائدة وعلى هذا القول فإن الإنسان إذا وجد لقطة بمكة فإما أن يعرفها دائما حتى يجدها ربها وإما أن يدفعها إلى المسؤلين عن الضائع وإذا دفعها إليهم فقد برئت ذمته وقد رتب للُّقطِ التي حول الحرم رتب أناس يستقبلون هذه اللقط ويسمون فيما أظن لجنة حفظ الضائع أو كلمة نحوها.
***(16/2)
إني شاهدت إنساناً يلقط التباسي وفناجيل وبطاطين وجميع ما يخلفه الحجاج في منى وعرفات هل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يلتقط ما بقي من الحجاج إذا كان الحجاج قد تركوه رغبة عنه فإنه لآخذه من أخذه ملكه لأن صاحبه تركه فليس ملكاً لأحد وأما إذا كان هذا المخلف تركه الحاج ناسياً فإنه لا يجوز أخذه إلا على وجهين أحدهما أن يكون الأخذ من قبل الدولة لحفظه لأهله أو لتتصرف فيه بما تراه على حسب ما تقتضيه الشريعة أو إنسان آخر يأخذه لينشده دائماً فإن لقطة الحرم لا تحل إلا لمنشد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) أي إلا لمعرف بها مدى الدهر وليست لقطة الحرم كغيرها تملك بعد سنة لأن لقطة الحرم لها من الحرمة ما ليس لغيرها ومن المعلوم أنه إذا كان الملتقط في الحرم لا يحل له الالتقاط إلا إذا كان يعرفها دائماً فإن أحداً لا يمكن أن يلتقطها فيشغل نفسه وذمته بها فإذا تركها ثم جاء الآخر وتركها والثالث الرابع وتركها بقيت في مكانها فعاد إليها صاحبها فوجدها وهذه هي الحكمة من هذا الحُكْم الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) حتى تبقى الأموال محترمة في أماكنها فيأتيها أهلها فيجدوها.
فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة للوضع الحالي لو ترك هذا الذي يريد أن يستفيد بها لأتتها أمانة مكة المكرمة وذهبت بها إلى أمكنة إما للإحراق أو للدفن ومعروف أن عمال النظافة لم يخزنوا مثل هذه الأشياء وتضيع على المسلمين عامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول كما ذكرنا أنها لا تؤخذ إلا على وجهين الوجه الأول من قبل الدولة والدولة هنا تتصرف فيها على حسب ما تقتضيه الشريعة فمثلاً إذا كانت هذه المخلفات التي تأخذها الأمانة مما يمكن الانتفاع به فإنه لا يجوز إتلافه بل الواجب حفظه ويباع ويصرف في مصالح المسلمين أو يعطى لمن ينتفع به من الفقراء أما إذا كان لا يمكن الانتفاع به كما لو فرض أن المخلف نعلاً واحدة من نعليه فهنا لا يمكن الانتفاع به ويحرق أو يدفن فالمهم أن المسؤول عن هذا الأمر من قبل الدولة يجب عليه ألا يضيع المال بل إذا كان مما يمكن الانتفاع به فإنه يباع ويصرف ثمنه في المصلحة العامة أو حسب ما يقتضيه نظر ولي الأمر.
فضيلة الشيخ: وغالباً الحجاج على ما عرفنا من مشاهدتهم وكثرة أيضاً الاختلاط بهم أنهم يتركون هذه الحاجات لأنها لا تساوي قيمة نقلها إلى بلدانهم وعموماً أنهم سينقلونها على أظهرهم وعلى أكتافهم فهم يتركونها لهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال إذا تركوها رغبة عنها فقد ذكرنا أنه يجوز لمن وجدها أن يأخذها وتكون ملكاً له.
***(16/2)
وجدت سواراً من الذهب في المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان وأخذته وعرضته للبيع وكان سعره ما يقارب من أربعمائة وعشرين ريالاً تصدقت بجزء منه وأخذت الباقي فما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل خطأ لأنه الواجب على من وجد لقطة أن يعرفها يعرف نوعها وصفتها وجميع ما يحتاج إلى تعريفه ثم ينشدها لمدة سنة كاملة ليعرف صاحبها فإن جاء صاحبها فذاك وإلا فهي له، ولا يحل له أن يتصرف فيها أو يتملكها قبل تمام السنة إلا إذا كان التصرف لمصلحتها مثل أن تكون هذه اللقطة مما يفسد سريعاً فيبيعها من أجل الحفاظ عليها فلا بأس ولكن لا يتملكها قبل تمام السنة، وتصحيح الخطأ الذي وقع من هذه السائلة الآن أن تتصدق ببقية الثمن الذي باعت السوار به لأنه ليس ملكاً لها وتتوب إلى الله مما صنعت ومن تاب تاب الله عليه.
***(16/2)
السائل هـ ح ط سوداني مقيم في المنطقة الشرقية يقول فضيلة الشيخ في حج عام أحد عشر وأربعمائة وألف هجرية وجدت مبلغاً من المال بما يقدر بمائة وعشرون ريالاً سعودياً بالمشاعر المقدسة بمنى وقمت بتوزيعه هذا المبلغ على الفقراء والمساكين في المشاعر والحرم المكي ووزعت ذلك على خمسة ريالات وستة ريالات حتى انتهى فهل عملي صحيح أرجو التوضيح
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل هذا غير صحيح لأن لقطة الحرم لا تحل إلا لمنشد أي لا يحل أخذها إلا لمن أراد أن ينشد عنها مدى الدهر كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال وهو يتحدث عن أحكام مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) فالواجب على من وجد لقطة في الحرم المكي الواجب عليه أن ينشدها مدى الدهر فإن قال إن ذلك لا يمكن لي قلنا أعطها ولاة أمر البلد كالقاضي أو نحوه وعليه فنقول إن هذا التصرف الذي تصرفته حينما وزعت هذه النقود التي وجدتها تصرف غير صحيح فعليك أن تتوب إلى الله عز وجل وأن تستغفره مما وقع منك وأن لا تعود لمثله وليس عليك ضمان هذا الدراهم لأنك أنفقتها على هذا الوجه باجتهاد منك وتبين خطأ فعلك ولم تدخل عليك هذه الدراهم بل هي خارجة منك
***(16/2)
ما حكم من فقد حذاءه بالحرم ثم أخذ واحداً مكانه من نفس النوع علماً بأنه تحفظ أكثر من مرة وكان يشتري غيره إلا أن ذلك تكرر معه أكثر من مرة تقريباً فاضطر إلى أن يأخذ غيره أرجو منكم الإفادة.
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يأخذ غير نعاله إذا فقد نعاله في مجمع النعال في المساجد العادية أو في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي لأنه لا يتيقن أن النعال التي أخذها هي نعال التي أخذ نعاله فقد تكون هي نعل غير الذي أخذ نعاله لكن لو فرض أنه دخل المسجد رجلان ووضعا نعالاهما في مجمع النعال ثم خرج أحدهما قبل الآخر فأخذ نعل صاحبه ثم خرج الثاني ولم يجد نعله وإنما وجد نعل الذي أخذ نعله فحينئذٍ لا بأس أن يأخذ هذه النعال إذا أيس من رجوع صاحبها إليها وكيف يعلم ذلك يعلم هذا إذا مر هذا الوقت والوقت الثاني علم أن صاحبها لن يرجع إليها وقد يقال له أن يأخذ هذه النعال التي بقيت إذا كانت دون نعاله يعني أن نعاله جديدة وهذه قديمة أو ما أشبه ذلك يعني أقول قد يقال إنه يأخذها فوراً ولا يحتاج إلى أن ينتظر حتى ييئس من صاحبها.
***(16/2)
ما حكم من وجد في مكان حذائه حذاء غيره هل يأخذه ويلبسه أم يتركه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتركه ولا يجوز له أخذه لأنه من الجائز أن يكون نعله قد أخذه غير صاحب هذا النعل فيكون هذا قد أخذ ما ليس له نعم قال بعض العلماء إذا كان النعلان متشابهين أعني نعله والنعل الذي بقي فهنا لا حرج أن يأخذه لأن ظاهر الحال أن صاحب النعل قد غلط فأخذ نعله أي نعل هذا الذي ضاعت نعله يظنه نعل نفسه وهذا القول له وجه لا شك ولكن الورع أن لا يفعل بل يعتبرها لقطة فإن شاء أخذه وعرفه وإن شاء تركه.
***(16/2)
الوقف(16/2)
من الإمارات أبو حمد أأ يقول أيهما أفضل للمسلم الذي أنعم الله عليه هل يقوم ببناء المساجد أم يتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر إلى أيهم أحوج فإذا كان في الناس في مسغبة شديدة يحتاجون إلى المال فالصدقة عليهم أفضل لأن فيها فك رقاب وأما إذا كان الناس في خير وهم محتاجون إلى المساجد فالمساجد أفضل فينظر أيهما أحوج أن يبني المساجد أو أن يتصدق على الفقراء فدفع الحاجة مقيد بالشدة كلما كان الناس أشد حاجة إلى الشيء كان بذل المال فيه أفضل على أن المساجد فيها مزية وهي أنها من الصدقة الجارية لأن أجرها يستمر ما دام الناس ينتفعون بها.
***(16/2)
الصدقة الجارية هل تصل إلى الميت والمال هل يصل إلى الميت في الأجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يسأل عن الصدقة الجارية يجب أن نعلم أن الذي قام بها هو الميت نفسه قبل أن يموت , كرجل بنى مسجداً فهذا صدقة جارية ورجل أوقف برادة ماء هذا صدقة جارية , رجل حفر بئراً يستقي به الناس هذا صدقة جارية , رجل أصلح طرقاً وعرة ليسهلها على الناس هذا صدقة جارية.
أما الصدقة التى تكون من بعض الأقارب بعد موت الإنسان فهذه تصل إلى الميت لكن ليست هي المرادة بقول الرسول (صدقة جارية) , وحينئذ يبقى النظر هل الأولى والأفضل للإنسان أن يتصدق عن والديه أو يصلى عن والديه أو يصوم عن والديه بعد موتهما أو الأفضل الدعاء لهما. الجواب الأفضل الدعاء لهما استرشاداً بتوجيه الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك حين قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية ,أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له) .
***(16/2)
صالح آدم من جدة يقول والدي متوفى وأنا إذا بنيت له مسجداً وقلت يا ربي هذا المسجد لوالدي المتوفى هل يكون له صدقة جارية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يكون له صدقةٌ جارية لكنه ليس هو الذي أنشأها بل الذي أنشأها أنت فما دام هذا المسجد يصلى فيه وينتفع فيه فأجره لأبيك ولكنني سأدلك على خير من هذا وهو أن تدعو لأبيك وأن تجعل الأعمال الصالحة لك لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والمراد بالصدقة الجارية الصدقة التي أنشأها الميت قبل أن يموت وأما الولد فلم يقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو ولدٌ صالحٌ يتصدق له قال (صالح يدعو له) فأرشد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الدعاء دون العمل فالذي أشير به على هذا الأخ وعلى من يسأل سؤاله أن يدعو للميت ويكثر من الدعاء له وأما الأعمال الصالحة فيخصها لنفسه.
***(16/2)
ع ع ي من تعز يقول هناك امرأة قريبة لي كانت تسكن في بيتنا وعندها أملاك ورثتها عن والدها ووالدتها وزوجها وأولادها المتوفين وقد أمرتني أن أبحث لها عن موضعين يكون ريعهما وقفاً لإعادة بناء مسجد قديم مهدم وقد عينت الموقعين وحينما أرادت الذهاب لمشاهدتهما والتوقيع على المستندات الخاصة بذلك حصل لها حادث سيارة توفيت على إثره فهل يلزم ورثتها الوفاء بهذا الوقف ففيهم من يعارض ذلك وأشدهم معارضة زوج ابنتها فهل يملك ذلك وهل يلزم موافقتهم على إتمام الوقف أم يؤخذ من تركتها رغماً عنهم وإن لم يكن لدي شهود على إيقافها آن ذاك أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما ذكره السائل أنه لم يتم الوقف حتى الآن وأن الوقف يتوقف على مشاهدتها للمكان وعلى تنفيذها له وهذا الأمر لم يحصل وعليه فإن ذلك يكون ملكاً للورثة إن كان قد تم شراؤه وإن لم يتم شراؤه فإن الأمر فيه واضح ولكن ينبغي للورثة في مثل هذه الحال أن يوافقوا على ما نوته هذه الميتة التي ورثوا المال من قبلها لأجل أن يكون النفع لها بعد مماتها فيما نوته من التقرب إلى الله تعالى بمالها أما إذا كانت المرأة هذه قد وكلته بالشراء والتوقيف فاشتراه ووقفه وتوقف الأمر على مشاهدتها للاطمئنان فقط فإن الوقف حين إذن يكون نافذاً ولا حق لأحد في المعارضة فيه لأنه قد تم بواسطة التوكيل لهذا الوكيل المفوض والذي أمضى ما وكل فيه إلا أنه أراد أن تطمئن هذه الموقفة على المكان الذي عينه ونفذ فيه الوقف.
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن المضي في إثبات الوقف كان يترتب على زيارتها تلك فوافق الورثة جميعهم ما عدا زوج هذه البنت هل يملك الحق في المعارضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زوج البنت لا يملك الحق في المعارضة وذلك لأنه لا حق له في هذا المال وإنما الحق لزوجته لأنها ابنة المتوفاة وزوجته أيضاً لا يلزمها طاعته في هذا الأمر أي لو قال لها لا تنفذي هذا فإنه لا يلزمها طاعته فيه لأن الزوجة حرة في مالها وليس محجوراً عليها فيه بل هي تتصرف فيه كما شاءت إذا كانت رشيدة وإذا لم يثبت ما ذكر ببينة أي ما ذكره السائل من أن هذه المرأة وكلته على الحصول على أرض توقفها إذا لم يثبت هذا ببينة فإنه لابد من تصديق الورثة لدعوى هذا الوكيل فإن لم يصدقوه لم يثبت شيء.
***(16/2)
أحمد صالح زيد يمني مقيم بالمملكة حفر الباطن يقول لقد أوقف جدي قطعة أرض زراعية يصرف ريعها في تلاوة للقرآن بكامله على رأس كل سنة يعود ثوابها له أي للواقف وجعل هذه المهمة إلى أكبر أبنائه سناً وأرشدهم فكان أبي متولياً ذلك بعد وفاة والده ولكن زوجة أبيه تطالبه بما يخصها من هذا الوقف فهل لها أو لباقي الورثة شيء من الوقف وما حكم الوقف بهذا الشكل وهل يبقى على هذا الحال أم يباع وتصرف قيمته في شيء آخر أما ماذا أرشدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول هذا الوقف الذي أوقفه جدك لا يخلو إما أن يكون وقفاً منجزاً في حال صحته أو يكون وقفاً موصىً به بعد موته أو يكون وقفاً حصل منه في مرض موته المخوف فإن كان وقفاً موصىً به أو في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط أي إلا ما يقابل ثلث تركته فإذا كان هذا الوقف زائداً على ثلث التركة فإن ما زاد عن الثلث يكون راجعاً إلى الورثة إن أجازوه إلا فلهم أن يبطلوا الوقف فيه وأما إذا كان الوقف في حال صحته فإنه ينفذ كله فلا حق لأحد من الورثة في الاعتراض عليه لأن الإنسان حر التصرف في ماله إذا كان في حال الصحة فهو حر التصرف فيه بالنسبة للورثة يتصرف به كما أذن الله به وأما ما ذكره جدك من كونه يوقف على من يقرأ ختمة على رأس كل سنة فإن الأولى أن يصرف إلى ما هو أفضل من ذلك يصرف في عمارة المساجد ويصرف في طبع الكتب النافعة ويصرف في الإنفاق على طلبة العلم الفقراء وما أشبه ذلك من طرق الخير التي هي أفضل مما ذكره هذا الواقف وصرف الوقف إلى جهة أفضل مما عينه الواقف جائز عند بعض أهل العلم استدلالاً بالحديث الثابت في قصة الرجل الذي قال يا رسول الله إني نذرت إن فتح عليك مكة أن أصلى ركعتين في المسجد الأقصى أو قال في بيت المقدس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (صلِّ هاهنا) فأعاد عليه سؤاله فقال (صلِّ هاهنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذاً) فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يغير جهة البر إلى ما هو أفضل منها وإن كان قد عينها أي المفضولة من قبل وهذا القول هو القول الراجح إلا أنه في هذه الحال ينبغي أن يرجع في ذلك إلى المحكمة حتى لا يحصل تلاعب من نظار الأوقاف في الأوقاف.
***(16/2)
إذا كان شخص حفر بئراً أو اشتراها ليجعلها في سبيل لله لمن أراد أن يشرب أو من أراد أن يأخذ من هذا الماء فما حكم الشرع في نظركم فيمن يأخذ الماء من هذه البئر ويبيعها على الناس الآخرين إما ليشربوا وإما ليسقوا به مزارعهم أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب فيما وُقِف أن يتصرف فيه الناس على حسب شرط الواقف فإذا كان هذا الواقف إنما وقفه لينتفع به الناس ويشربوا منه ما يحتاجون إليه فإنه لا يحل لأحد أن يأخذ من هذا الماء ليبيعه لا سيما إذا كان ماء البئر قليلاً بحيث إذا أخذه غوره على من بعده وأما إذا كان الواقف أراد بهذا البئر مطلق الانتفاع سواء انتفع الإنسان بشرب الماء من هذا البئر أو ببيعه فإن الأمر يكون واسعاً المهم أن الاشياء الموقوفة تستعمل على حسب شرط الواقفين.
***(16/2)
من قطر يقول رجلٌ أوصى بثلث ماله وقفاً فضاعت الوصية وقسمت التركة وبعد فترةٍ من الزمن عثر على الوصية فما الحكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن يؤخذ ثلث نصيب كل وارث ثم ينفذ به الوقف على مقتضى هذه الوصية هذا إذا كان قد أوصى بوقف ثلث ماله أو أوصى بثلث ماله يصرف للفقراء أو ما أشبه ذلك أما إذا كانت الوقفية وقفاً ناجزاً وكانت في حال الصحة فإنه ينفذ الوقف كله فإذا كان عقاراً مثلاً رفعت أيدي الورثة عن هذا العقار لأنه تبين أنه وقف وكذلك إن كانت أرضاً أوقفها لتكون مسجداً مثلاً فإن الأرض تنزع من أيدي الورثة وتصرف حيث شرطها الواقف وحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الوصية وبين الوقف الناجز فالوصية لا تثبت إلا بعد الموت فلو أوصى بوقف بيته مثلاً فإن الوصية لا تنفذ إلا بعد موته ولا تكون إلا في الثلث فأقل ولا تكون لأحدٍٍ من الورثة وللموصي أن يرجع فيها ويبطلها وله أن ينقص منها وله أن يزيد لكن بعد الموت لا ينفذ إلا ما كان بقدر الثلث فأقل أما الوقف الناجز فإنه ينفذ من حينه ولا يملك الموقف أن يتصرف فيه ولا يمكن للموقف أن يرجع فيه أيضاً وينفذ ولو كان يستوعب جميع المال إلا أن يكون في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا مقدار الثلث فقط أعني مقدار ثلث التركة.
***(16/2)
توجد أرض لشخص يقال إنه أخذها من واحد قال له إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكاً فيجب أن تقرأ كل يوم جزءاً من القرآن بعد صلاة الفجر وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه وأولاده لا يقرؤون القرآن وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده فيقول كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة فكيف يتصرف فيها وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصيغة على وجهين إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم فإن هذه الأجرة لا تصح لأن القراءة من أعمال القرب وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءاً فيكون هذا قد أوقفها على القراء فمن لم يكن قارئاً فإنه لا يستحق منها شيئاً وعلى هذا أو على التقديرين كليهما لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية وهي التي تتولى أمرها والله الموفق.
***(16/2)
تقول السائلة لدي كمية من الذهب عاهدت الله تعالى أن أجمع عليه وأبني به مسجد وألا أبيع منه شيئاً إلا عند حلول موعد البناء لأبني به المسجد وكنت أزكي عليه كل عام ولكن علمت قريبا بأن الوقف لا زكاة فيه فلم أزك هذا العام فهل يعتبر ما لدي وقفاً لا زكاة فيه والشيء الآخر فضيلة الشيخ هل يجوز لي التصرف في هذا الذهب للمتاجرة فيه مثلا حتى يزداد لأنني قد تركت العمل لأسباب قهرية مما جعل وزن هذا الذهب كما هو عليه منذ سنتين أفتوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتطلب مني شيئين الشيء الأول الإجابة على نفس السؤال والشيء الثاني حكم المعاهدة مع الله عز وجل على الأعمال الصالحة وأبدأ بهذا أولا فأقول معاهدة الله سبحانه وتعالى على الأعمال الصالحة هي النذر والنذر نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال (إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء) وكثير من الناس ينذر لله عز وجل أو يعاهد الله عز وجل على فعل الطاعات ليحمل نفسه على فعلها فكأنه يريد إرغام نفسه على أن تفعل وقد نهى الله عز وجل عن مثل هذا في قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعني عليكم طاعة معروفة أي أن تطيعوا الله سبحانه وتعالى بنفوس مطمئنة غير مضطرة إلى فعل ما أمرت به ثم إن عاقبة النذر أحيانا تكون وخيمة إذا نذر الإنسان شيئا لله في مقابلة نعمة ثم حصلت تلك النعمة فلم يف بما عاهد الله عليه فإن العاقبة وخيمة جدا كما قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أكثر الناذرين الذين ينذرون أشياء في مقابلة نعمة من الله أو اندفاع نقمة ثم يندمون وربما لا يوفون تجد الإنسان إذا أيس من شفاء المرض قال لله علي نذر إن شفاني الله من هذا المرض أو شفى أبي وأمي أن أفعل كذا وكذا من العبادات بعضهم يقول أن أصوم شهرين بعضهم يقول أن أصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وبعضهم يقول أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر بعضهم يقول أن أصوم سنة كاملة وما أشبه ذلك ثم إذا حصل ما نذر عليه ندموا وقاموا يطرقون باب كل عالم لعلهم يجدون الخلاص لهذا ننصح إخواننا المسلمين عموما وهذا السائل خصوصا ألا ينذروا شيئا لله عز وجل ونقول أطيعوا الله تعالى بلا نذر اشكروا الله تعالى على نعمه بلا نذر اشكروا الله على اندفاع النقم بلا نذر الأمر الأول الذي جعلناه أخيرا وهو الجواب عن السؤال فنقول إن هذه المرأة نذرت بمعاهدتها لله عز وجل أن تجعل ما يحصل لها من الذهب في بناء مسجد فيجب عليها أن تجمع ما يأتيها من الذهب لتبني به المسجد ولا يحل لها أن تتصرف بهذا الذهب تصرفا يخل بالنذر أما إذا كان تصرفا لمصلحة النذر مثل أن تتجر بالذهب حتى ينمو ويسهل عليها إنفاذ ما عاهدت الله عليه فهذا لا بأس به إذا كان يغلب على ظنها السلامة والربح وأما ما ذكرت من أن الوقف ليس فيه زكاة فهذا صحيح لكن هذا الذهب ليس وقفا الآن هي لم توقف الذهب ولكنها عاهدت الله أن تجمع لتبني به مسجدا فهو الآن في ملكها فعليها زكاته كما كانت تزكيه من قبل.
***(16/2)
هل يمكن أن نجري وقفاً بكتاب أو كتابين نافعين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تسأل تقول هل يجوز أن يوقف الإنسان كتاباً أو كتابين أقول نعم يجوز هذا وطلب العلم نوع من الجهاد وكما أننا نوقف الخيل والإبل على الجهاد في سبيل الله فكذلك نوقف الكتب الدينية على طلبة العلم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خالد بن الوليد رضي الله عنه لما قيل إنه منع الزكاة قال (أما خالد فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) يعني وقفها فيجوز أن يوقف الإنسان الكتب النافعة على طالب العلم سواء على سبيل العموم أو على شخص معين من طلبة العلم فيقول هذا الكتاب وقف على فلان فإن مات فعلى فلان أو يقول على فلان فإن مات ففي المكتبة الفلانية وإذا لم يقل إن مات فعلى كذا فهذا يسمى وقفاً منقطع الانتهاء فإذا مات الرجل الموقوف عليه فالصحيح أنه يصرف في المصالح العامة للمسلمين يجعل في مكتبة يرتادها المسلمون وينتفعون بها.
***(16/2)
لدينا أوقاف وهي لم تزرع ولم يعتنِ أهلها بها ويزرعون أراضيهم الأخرى ويتركونها ونخشى أن يكون ذلك سبباً لانقطاع المطر أرجو الإرشاد والنصح لمثل هؤلاء ودمتم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال هذه الأماكن الأوقاف لا يجوز للنظار عليها الذين يتولونها لا يجوز لهم أن يهملوها بل الواجب أن يرعوها حق رعايتها فإن كان يمكن استغلالها وفيه مصلحة فإنها تستغل وتؤخذ مساحتها وإلا فإنها تباع ويصرف ثمنها في أشياء ينتفع بها الموقوف عليهم والواقفون وأما تبقى هكذا هملاً فهو لا يجوز وهو خلاف الأمانة التي تجب علي من تولاها أن يقوم بها ثم إنه بهذه المناسبة أحب أن أبين لإخواننا المستمعين أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوقف شيئاً أن يجعله من الأشياء المستمر نفعها المعلوم كبناء المدارس وبناء المساجد وإصلاح الطرق وما أشبه ذلك مما يحصل به النفع المستمر الذي لا يوجب إشغال ذمة المتولين على هذه الأوقاف ولا يوجب أيضاً نزاعهم وخصومتهم كما نجد الأوقاف الخاصة التي توقف على الذرية وشبههم فإنه يحصل فيها من الخصومة والملاحاة والمحاكم أحياناً مالا ينبغي أن يكون بين الأقارب لهذا نرى أن الأفضل للإنسان إذا أراد أن ينفع نفسه أن يبذل ما يقدر الله له في حياته في أمورٍ نافعة مستمرة كما أشرنا إليه أولاً من بناء المساجد والمدارس وإصلاح الطرق وطبع الكتب النافعة وما أشبهها.
***(16/2)
إذا تعطلت مصلحة الوقف هل يجوز بيعه في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تعطلت منافع الوقف ومصالحه فإنه يجب بيعه وليس يجوز فقط بل يجب أن يباع ويصرف في عمل بر لكن في مثل هذه الحال لابد من مراجعة الحاكم الشرعي حتى لا يحصل تلاعب في الأوقاف.
فضيلة الشيخ: في مثل هذه الحالة بعد وجوب البيع هل يجوز للواقف نفسه أن يشتريه أو ابنه مثلا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه المسألة أنه إذا أخرجت في مزاد علني وانتهت القيمة التي دفعت فيه فإنه لا حرج على ابن الواقف أن يشتريه أما الموقف نفسه فإنه لا يجوز أن يشتريه وذلك لأن أخرجه لله وما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه ولهذا لما حمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي حمله عليه ثم أراد أن يبيعه قال عمر فظننت أنه يبيعه برخص فأردت أن أشتريه فسألت النبي عليه الصلاة والسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشترهِ ولا تعد في صدقتك) فما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز أن يرجع إلى ملكه بعقد اختياري أما لو رجع إلى ملكه قهرا مثل أن يتصدق على قريبه بشيء ثم يموت قريبه ويكون هو وارثاً لهذا القريب فإنه يتملك ما تصدق به عليه لأن الملك بالميراث ملك قهري لا اختياري.
***(16/2)
في حال بيع الوقف هل تصرف قيمته للفقراء دفعة واحدة وينتهي الأمر أم تصرف في أشياء أو في صدقات جارية يستفيد منها المسلمون باستمرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن يشترى بقيمة هذا الوقف ما يكون بدلاً عنه مثلاً عقار أو أرض أو شيء تجري منفعته ولا يجوز أن تصرف هذه القيمة في صدقة ناجزة عاجلة لأنه بذلك يتعطل الوقف.
***(16/2)
عبد الله محمد الجنوبي من بيشة يقول بعد التحية لدي مشكلة وهي أنني عمرت مسجداً في طرف بلادي ولدي جماعة تبعد بيوتهم عن المسجد المشار إليه خمسمائة متر ولا يصلون معي بحجة أن المسجد بعيد عنهم ويرغبون مني مشاركتهم في عمارة مسجد آخر يكون قريباً منهم وأكون أيضاً إماماً لهم فما هو رأيكم في المسجد الذي سبق وأن عمرته من مدة خمسة عشر سنة هل يجوز لي هجره أنا وأولادي أو هدمه أو أبقيه أفتوني جزاكم الله خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المسجد الذي عمرته لهؤلاء ولكنه صار بعيداً عليهم ويرغبون أن تنقله إلى مكان يكون أقرب إليهم وليس ثمت أحد محتاج إلى المسجد الأول فإنه لا بأس أن تنقله إلى المسجد الذي يرغبونه ويكون المسجد الأول ملكاً لك تتصرف فيه كما شيءت لأن الصحيح جواز نقل المسجد من مكانه إلى آخر لمصلحة المصلىن كما أنك ذكرت في السؤال أنهم لا يتمكنون من الحضور إليه وعلى هذا فسيبقى المسجد مهجوراً لا يصلى فيه أحد إذا لم يكن أناس آخرون يصلون به وهذا مما يؤكد عليك أن تنقله إلى المكان الذي يمكن أن ينتفع المسلمون به ويصلون.
***(16/2)
من القصيم شخص له أرض سبالة في شارع يمر عليها الناس فأرادت الشركات استثمار القريبة من الشارع والقيام بتعويضه عنها فأراد أن يسأل ما هو الأفضل يا فضيلة الشيخ ترك الأرض هذه السبالة وليمر عليها الناس وفي هذا توسعة للمسلمين أو إعطائها للشركة وأخذ التثمين والاستفادة منه في بناء مسجد أو مكتبة إسلامية أو مشاريع خيرية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى في جواب هذا السؤال أن يعرض المسألة على القاضي الذي في بلده حتى ينظر وثيقة السبالة كيف وقفها صاحبها وحتى ينظر هل في الناس ضرورة أو حاجة في بقائها أو لا وحتى ينظر هل في بيعها ليصرف ثمنها إلى مسجد أو غيره من مصالح المسلمين مصلحة راجحة أو لا فعلى كل حال المرجع في ذلك إلى القاضي.
***(16/2)
علي صالح حسن السلمي من جدة يقول أوقف رجلا أرضا لولي وقد جعل في كل سنة مولدا لذلك الولي الآن قد ترك عمل المولد والواقف توفي فهل يبقى هذا الوقف على ما كان عليه أو يصرف إلى أي جهة أخرى أو يقسم على الورثة أفيدونا ماذا علينا أن نعمل فيه بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يكون في شيئين الشيء الأول زكاة الأوقاف وما ينبغي للإنسان أن يجعل مصرفا لوقفه فالوقف لا ريب أنه مما يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى ولهذا قال أهل العلم إنه إذا كان على جهة عامة فلابد أن يكون على بر أي على طاعة وعلى هذا فإني أوجه إلى إخواني الذين يريدون أن يوقفوا شيئا من أموالهم أن يحرصوا على أن تكون جهة المصرف جهة مشروعة محبوبة لله سبحانه وتعالى ليكون وقفهم وقف بر يثابون به عند الله سبحانه وتعالى وأحذرهم من أن يوقفوا وقف جنف وإثم مثل ما يفعله بعض الناس يوصي بوقف في شيء من ماله على بعض ورثته والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت من الثلث ولا تجوز لوارث وذلك لأن الوصية لوارث من تعدي حدود الله عز وجل حيث أنه سبحانه وتعالى قدر لكل وارث ما يستحقه من تركة الموروث فلو أوصى لأحدهم بشيء صار في ذلك متعديا لحدود الله سبحانه ولهذا توعد الله من تعدى حدوده حين ذكر آية المواريث فقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا كان الأمر كذلك وهو أنه ينبغي للموقف أن يجعل وقفه في أمر يكون برا وطاعة فإن أحسن ما أرى أن توقف الأموال على المصالح العامة كالمساجد تعميرها وصيانتها وتوفير ما تحتاج إليه من فرش وبرادات ماء ومكيفات ونحو هذا أو في طباعة الكتب النافعة السليمة في العقيدة والمنهاج حتى يكون ذلك داخلا في الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في سبيل الله كما يكون بالسيف والسنان يكون كذلك بالقلم والبيان هذه مسألة أما المسألة الثانية في الجواب على هذا السؤال فإن الواقف لم يبين كيفية الوقف هل جعله خاصاً لمولد هذا الولي فقط أو أنه جعله وقف بر ويخرج منه شيء لهذا المولد فإن كان الأول فالوقف ليس بصحيح لأن الجهة التي صرفه إليها ليست جهة بر فإن أعياد الموالد ليست من الأمور المشروعة بل هي من الأمور البدعية التي لم يكن عليها رسول الله صلى الله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه ولا الأئمة المهديون من بعدهم وعلى هذا فلا يكون هذا الوقف صحيحا أمنا إذا كان الوقف على جهة بر وفيه هذا النوع مما يصرف إليه فإن الوقف يبقى صحيحا ولا يصرف في هذا النوع ويصرف في أعمال بر أخرى هذا هو الجواب على هذا السؤال.
***(16/2)
علي محمد أحمد ناجي يذكر أن والده بنى مسجداً له ولإخوته وهذا المسجد قديم ولكنه صغير وأخيراً قامت الحارة عنده وكثر السكان ويريد أهل هذا الحي أن يهدموا المسجد وينقلوا أحجاره لبناء مسجد أوسع من ذلك، فهل يجوز بناء مسكن في مكان المسجد القديم الذي يراد هدمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تقررت المصلحة في نقل المسجد من مكانه إلى مكان آخر ونقل فإن حكم الأرض أعني أرض المسجد السابق يزول وذلك لزوال اسم المسجد عنها فيجوز أن تجعل بيتاً وأن تجعل محلاً للزراعة وأن يتصرف بها تصرفاً كاملاً لأنه انتقل عنها حكم المسجد.
***(16/2)
مبروك العوفي من خليص يقول لدي قطعة أرضٍ ولها صكٌ شرعيٌ قديم ومكتوبٌ في الصك وقفٌ لله تعالى ومكتوبٌ عليه وقفٌ لله ملعونٌ بائعها وملعونٌ شاريها مع العلم بأني استقل هذه الأرض بالزراعة وآكل من دخلها فهل هو حلالٌ أم حرامٌ أم ماذا وهل يصح الوقف بهذا الأسلوب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوقف صحيح إذا كان من مالكٍ وتمت شروط الوقف ولكن ما ينبغي للموقف أن يستعمل مثل هذه العبارات باللعن إنه يكفي إذا أوقفها أن يثبت ذلك بطريقٍ شرعي ومن غير أو بدل فالإثم عليه سواءٌ قرن ذلك باللعنة أم لم يقرن وأما التصرف في هذا الوقف فإنه إذا تعطلت منافع الوقف جاز بيعه والتصرف فيه وتؤخذ قيمته وتجعل في مكانٍ آخر ينتفع به ولكن ينبغي أن يكون هذا التصرف بعد مراجعة المحكمة حتى تتبين الأمر وتتحققه ثم تأذن بنقله إلى مكانٍ آخر.
***(16/2)
جابر عامر عسيري يسأل عن وقف موقوف من مدة لأجداده وهو وقف لله يقول وقد كنت أقوم بشيءونه حتى عام 91 ثم انتقلت عنه في وظيفة والآن أصبحت بعيداً عنه وليس لدي إمكانية حتى أقوم بشغله وأفرّق الذي يخرج منه على المساكين الآن أصبح مهجوراً بدون شغل أرجو إفادتي عن ذلك ولكم الشكر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الوقف لا يجوز أن يضاع بل الواجب على الناظر إذا كان لا يتمكن من مباشرة القيام عليه بالنظر، الواجب عليه أن يسنده إلى ثقةٍ عارف حتى يتمكن من إصلاحه وتصريفه حسب نص الواقف الذي لا يخالف الشرع فإذا لم يجد أحداً يقوم به فإنه ينبغي أن يراجع المحكمة الشرعية ليأخذ إذناً في بيعه ونقله إلى مكان يتمكن من النظر عليه فيه إذا رأت المحكمة ذلك.
***(16/2)
جاهر موسى حسن في البارخين من بلاد أهل العدان يقول جاهر إن عند والده بعض الأغنام وقد كانت وقفاً وماتت الأغنام ويوجد عنده قطعة أرض وقفاً وقد مات والدي وأنا صاحب وظيفة وقد قسمت هذه الأرض وقامت فيها الأشجار ولم أجد أحداً يحيي هذه الأرض لكي تستثمر ثمرتها هذا أرجو إفادتي ماذا افعل علماً أنني قد وضعت فلوساً لمن يحرثها ولكن للأسف لم أجد أحداً يقوم بزراعتها نرجو التفصيل في ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله أما بالنسبة للأغنام الوقف التي تلفت فإنه لا يلزمه شيء بدلها إلا إذا كان تلفها بسبب تفريط منه أو تعدٍّ فإنه يجب عليه ضمانها، وذلك لأن الوقف إذا كان عيناً فتلفت بطل لفوات المحل وأما بالنسبة للأرض التي لم يجد لها زارعاً على الرغم من أنه وضع لها دراهم لمن يزرعها فلم يجد فإنها تعتبر من الأوقاف التي تعطلت منافعها ومثل هذا يجب أن ينظر فيه إلى الأصلح من استبداله بوقف آخر أو ضرب حكورةٍ عليه تستغل والمرجع في ذلك إلى المحكمة الشرعية.
***(16/2)
من الطفل عبد الرحمن من المدينة المنورة يقول أنا طفل أبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة ومتمسك بالصلوات المكتوبة مع الجماعة وعندما نذهب إلى رحلةٍ في البر أبني مسجداً صغيراً على استطاعتي وأفرشه وأؤذن في كل فرض في المسجد الذي عملته وأصلى بإخوتي الأصغر مني سناً في هذا المسجد وبعد الصلاة أحدث على أخوتي بما أعرفه من أحاديث نبوية وهكذا أعمل في كل رحلة إلي البر فأرجو منكم إفادتي بالحكم على عملي هذا علماً بأني مولعاً جدا ببناء المساجد في أي مكان وأي وقت فأرجو إفادتي إذا كان يجوز هدم هذا المسجد الذي عملته وبناء أي مشروع محله علماً بأنه صغير جداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول نشكرك أيها الطفل على هذا العمل النبيل ونرجو لك التوفيق والثبات وهذا عمل طيب إذا كانت همتك تنصرف إلى بناء المساجد فإن من بنى لله مسجداً بنىّ الله له بيتاً في الجنة وهذه المساجد التي تبنيها إذا كنت تبنيها على الطرق وببناءٍ مُحكمٍ مُعدٍ للبقاء فإنه لا ينبغي أن تهدمها بل تبقى حتى تنفع المسلمين وأما إذا كانت في جوانب بعيدة عن الطرق ولا ينتفع بها إلا من نزل بها أو عليها وهي غير مبنيةٍ ببناءٍ محكم فإنه لا حرج عليك أن تهدمها وإن أبقيتها فلا حرج أيضاً ما لم تكن الأرض مملوكة فإن كانت الأرض مملوكة للغير فإنه لا يجوز لك إحداث بناء فيها.
***(16/2)
عبد الرحمن محمد الشهري من بيشة يقول لدينا مسجد ويوجد له أوقاف سابقة من عدة أشخاص وهذه الأوقاف عبارة عن أرض زراعية تزرع بمختلف أنواع الحبوب وكانت تصرف قيمتها بعد بيعها على المحتاجين الذين يسألون في شهر رمضان وحيث إنه هذه الأيام ولله الحمد لم يعد هناك من يتجول في الشوارع بحثاً عن هذه المادة إلا نادراً أرجو إفادتي وتوجيهي بما ترونه في موضوع هذه الأوقاف هل يجوز تحويلها في مصالح أخرى للمسجد أو لمن كان محتاجاً من المواطنين ولو في غير شهر رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الذي فهمت من السؤال في أوله أن هذه الأوقاف للمسجد كذا، فما دامت للمسجد فإنها تصرف في مصالح المسجد من أول مرة ولا يصرف للمساكين لا في رمضان ولا في غيره إلا ما فضل عن حاجة المسجد وذلك لأن الواجب في الأوقاف أن تصرف حيث شرطه الواقف إلا إذا كان هذا الشرط يشتمل على أمر محرم فإنها لا تصرف إليه أو إذا كان ناظر الوقف يرى أن صرفها في غير هذه الجهة أفضل وأنفع للمسلمين وأكثر ثواباً لصاحبها فلا حرج عليه لأن القول الراجح أن صرف الوقف إلى ما هو أنفع وأفضل لا بأس به ولو خالف شرط الواقف ودليلنا على ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل استفتاه فقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذن) فإذا كان النذر والنذر يجب الوفاء به إذا كان طاعة يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه فكذلك الوقف يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه وأنفع ولكن مع هذا نرى أنه إذا أراد الناظر أن يغيره فإنه يستأذن المحكمة لأجل أن يكون على بصيرة من أمره فهذا الرجل الذي عنده هذه الأوقاف إذا كان المسجد يحتاجها فإنه يصرفها في المسجد ثم إن فضل شيء بعد المسجد يصرفه في الفقراء سواء في رمضان أو في غيره وسواء كان الفقراء من حي هذا المسجد أو من أحياء أخرى من البلد.
***(16/2)
فهد أبو نائف من الطائف يقول هناك وقف يسمى وقف الجحوف بالطائف وينص الوقف على أن تكون عائداته لأحفاد أربع نساء على شرط أن يكون مستحق هذا الوقف من أحفاد النساء الأربع فقراء معدمين لا يملك أحدهم قوت يومه وبما أن الله تعالى قد أنعم علينا من نعمته وفضله وأن العشر من دخل الوقف يقدر بمائتي ألف ريال في الوقت الحاضر يخصص بالكامل لناظر هذا الوقف مما يعني انتفاء شرط الفقر والعوز فما رأي الشرع في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعلم أن شروط الواقف إذا حددها فإنه يعمل بها إلا أن تكون في معصية الله فإنه إذا كانت في معصية الله فلا حرج أن نصرفها إلى غير ما شرط الواقف بل يجب علينا ذلك لقوله تعالى (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ونفي الإثم لا يعني نفي الوجوب في محله أما إذا كانت شروط الواقف لا تتضمن معصية فإنه يعمل بحسب شرطه ولا حرج أن ينقل الوقف إلى جهة أصلح وأنفع لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له يوم الفتح إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال (صل هاهنا) فأعاد عليه فقال (صل هاهنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذن) فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصرف ما نذره إلى ما هو أفضل وأولى ومثل ذلك أيضاً الوقف وحيث إن الواقف كما قال السائل شرط للاستحقاق أن يكون المستحق معدماً فقيراً لا يملك قوت يومه فإنه لا يجوز لمن يملك قوت يومه من أحفاد هذا الواقف أو من أحفاد بناته أن يأخذ شيئاً من الوقف لعدم استحقاقه حيث إن الواقف شرط هذا الشرط الذي لا ينطبق عليه فالغلة إذن تصرف إلى جهات أخرى من أعمال البر التي ينتفع بها الموقف.
فضيلة الشيخ: للسائل بقية في سؤاله لم انتبه لها يقول بما أنني أقل المستحقين حيث إنني طالب وأعول أسرة وقد حرمت من ريع هذا الوقف بناءً على أمر ناظره فهل يحق له التصرف في هذا الوقف بهذا الشكل وحرماني من شيء منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت لا ينطبق عليك شرط الواقف فإنك لا تستحق شيئاً وتصرف الناظر المخالف لما يقتضيه الشرط والشرع عليه إثمه وأنت عليك أن تعرف أنك إذا لم تكن معدماً لا تجد قوت يومك فإنك لا تستحق من هذا الوقف شيئا باعتباره وقفاً.
فضيلة الشيخ: وما يأخذه الناظر حلال عليه هذا العشر الذي يبلغ مائتي ألف ريال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ينبغي أن يراجع فيها المحكمة.
***(16/2)
أبو محمد يقول هل يجوز أخذ المصحف من المسجد ثم إرجاعه
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أخذ المصحف من المسجد ثم إرجاعه لأن المصاحف الموجودة في المساجد أوقاف على جهة عامة كل من دخل المسجد فإنه ينتفع به فإذا أخذها أخذ فإن هذا يقتضي اختصاصه بها وحجبها عمن سواه وهذا حرام ولا يحل له حتى وإن أبدلها بمصحف آخر فإنه لا يحل له فلتبق المصاحف في المساجد على ما هي عليه ومن أراد أن يقرأ فيها فليقرأ فيها وهي في نفس المسجد.
***(16/2)
أخذ صديقي مصحفاً من الجامع ليقرأ فيه ثم أعطاه لي فماذا علي أن أفعل هل أعيده إلى المسجد أم أحتفظ به أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن الأوقاف التي في المساجد لا يجوز لأحد أن يخرجها من المسجد ولو للانتفاع بها فلا يجوز أن يخرج مصحفاً يقرأ فيه في بيته ولا أن يخرج أي كتابٍ موقوفاً في المسجد ليطالعه في البيت ولا أن يخرج آلة من آلات الكهرباء أو غيرها لينتفع بها في بيته فما خص للمسجد فإنه لا يجوز إخراجه منه وقد ظن بعض الناس أن المصاحف التي في المساجد لما كانت وقفاً عاماً لكل من دخل المسجد أنه يجوز للإنسان أن ينتفع بها وحده في بيته وهذا ظنٌ خطأ لأنك ربما تأخذها فيأتي أناس في المسجد يحتاجونها فتكون أنت حرمتهم منها حتى لو كثرت المصاحف فإنه قد يدخل المسجد أناس كثيرون وعلى كل حال فكل ما خص للمسجد فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يختص به في بيته بل ولا أن يختص به في المسجد بحيث يأخذ المصحف ويقرأ منه فإذا فرغ منه وضعه في موضعٍ خاص لا يطلع عليه أحد لأجل أن يقرأ منه إذا حضر إلى المسجد لأن الأشياء العامة يجب أن تكون للعموم أما بالنسبة لسؤال السائل الذي قال إن صاحبه أعطاه مصحف أخذه من المسجد فإن الواجب عليه أن يرد هذا المصحف في المسجد الذي أخذه صاحبه منه.
***(16/2)
بالنسبة لأخذ الأشياء التابعة للمسجد مثل سلم المسجد حيث يأتي بعض الناس وعندهم أعمال في بيوتهم ويأخذون مثل هذه الأشياء من المسجد ويستخدمونها في احتياجاتهم هل على الإمام إثمٌ إذا أعطاهم هذه الأشياء أم يحق له الرفض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإمام ولا للمؤذن ولا لقيم المسجد ولا لأحدٍ من الجماعة أن يأذن في أخذ هذه الآلات والانتفاع بها خارج المسجد لأن هذه موقوفة للمسجد فلا يجوز أن تستعمل في غيره لا يجوز لأحدٍ أن يأخذها ويستعملها ولا يجوز لأحدٍ أن يأذن له حتى لو فرض أن المسجد ليس بحاجةٍ إليها مثل أن يكون هناك سلم قديم أو فرش قديمة فيأخذها بعض الناس ويستعملها لأن هذه للمسجد فإذا كان مستغنياً عنها صرفت في مسجدٍ آخر وأما أن يستعملها الناس لأغراضهم الشخصية فهذا حرامٌ وفاعله آثم والعياذ بالله.
***(16/2)
الأشياء الموقوفة في المسجد كالمصاحف والسجاد إذا فسدت وقل استعمالها هل يجوز إخراجها من المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز إخراجها من المسجد إذا أبدلت بخيرٍ منها فأما إخراجها ويبقى المسجد غير مفروش فلا يجوز لأن بقاءها وهي قديمة خيرٌ من عدمها أما إذا أخرجت من أجل أن يوضع بدلها شيء جديد فلا بأس وفي هذه الحال ينبغي إذا أخرجوها أن لا يخرجوها على وجه الإتلاف بل يتصدق بها على من يحتاجها من الفقراء أو المساجد الصغيرة التي يكفيها الشيء اليسير.
***(16/2)
توجد عند والدي أرض يقال لها السبيل مسجد المذكور ووالدي يقوم بواجب هذه الأرض ويأخذ النصف مقابل القيام بها والنصف الآخر للمسجد يسجله عنده بعد تحديد القيمة ويظل المبلغ عنده رصيداً دون أن يعمل به شيئا لصالح المسجد فهل يجوز ذلك أم يجب ترك هذا السبيل للمسجد بالكامل وهل على والدي شيء لعدم قيامه بأي عمل لصالح المسجد من المبلغ الموجود عنده وهل هو ملزم بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن جدك الذي أوقف هذا السبيل قد جعل له ناظراً عليه من الذرية أو من غيرهم وإذا كان والدك هو الناظر عليه فإنه عليه أن يفعل ما هو أحسن لهذا الوقف من تنميته أو تنمية مغله وله أن يأخذ إذا لم يتبرع بقدر عمله لأنه لا يلزم أن يعمل بشيء بدون أجرة فله أن يأخذ ما يأخذه غيره بحسب العادة وحسب العرف وأما ما يحصل من المغل فالواجب عليه أن يصرفه في مصالح هذا المسجد ولا يعطله فإن كان المغل أكثر مما يحتاجه المسجد وكان المغل يتوفر كل سنة فإنه يصرف الفاضل عن حاجة المسجد إلى مسجد آخر ليكثر بذلك أجر الموقف ولا يعطل هذا المغل.
***(16/2)
في قريتنا مسجد قديم ومندثر وقد عمل بعض الناس عندنا على تخريبه فهدموا جزءا منه ثم توقفوا وقاموا ببيع بعض الأخشاب التي هدمت ونظراً لحاجتي إلى تلك الأخشاب فقد اشتريت بعضها وانتفعت بها في بناء بيت لي فهل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء في هذا ما دام المسجد قد هدم ليعاد بناؤه على وجه أكمل وأنفع وإن بيعه في مثل هذه الحال لا بأس به ولا بأس أن يشتري الإنسان منه ما يريد أما لو كان هدمه جناية للتخريب فقط فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه شيئاً لأن هذا الفعل غير مأذون فيه.
***(16/2)
ما حكم بيع الأراضي الموقوفة وما حكم المشتري في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأراضي الموقوفة إذا تعطلت مصارفها ومنافذها بحيث لا ينتفع بها فإنها تباع ويصرف ثمنها في شيء ينتفع به وأما إذا كانت مصالحها باقية فإنه لا يجوز بيعها وتبقى على وقفها ولكن مع ذلك فالصورة الأولى التي يجوز بيعها لابد من مراجعة الحاكم الشرعي في هذا الأمر حتى لا يحصل تلاعب بالأوقاف فيدعي كل إنسان ناظر على أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه ثم يبيعه لهوى في نفسه والحاصل أن بيع الأراضي الموقوفة إذا تعطلت منافعها جائز بل واجب حتى يمكن الانتفاع بالوقف وأما إذا لم تتعطل منافعها فإنها تبقى على ما هي عليه.
***(16/2)
امرأة أوصت عند وفاتها بجميع ذهبها بأنه للمسجد وللماء البارد مع العلم بأن الماء البارد متوفر في هذا المسجد حيث يوجد هناك برادات هل يجوز بيع هذا الذهب وشراء مكيفات للمسجد مع العلم بأن الورثة لا يمانعون من تنفيذ هذه الوصية بكاملها وليس بالثلث حسب الشرع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا وافق الورثة على تنفيذ هذه الوصية فتنفذ كما قالت المرأة فإذا قدر أن المسجد مستغنٍ عن تبريد الماء بما فيه من البرادات فتصرف إلى مسجدٍ آخر يشترى له بذلك برادات لأن شرب الماء أفضل من المكيف ولكن لنحرص على أن يكون البديل مثل المسجد الأول مثل بكثرة الناس وانتفاعهم بالماء.
***(16/2)
قمت مرة بطلب مساعدة لشراء مكبر صوت لمسجد القرية عندنا وحصلت على الفلوس من محبي الخير ثم ذهبت لشراء مكبر الصوت ولكنني جعلت نفقة الذهاب والرجوع من نفقة الفلوس التي جمعتها للمسجد علماً بأن السفر كان بعيداً وأنا ليس معي فلوس فهل هذا العمل جائز وماذا يلزمني إذا أخطأت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل جائز ولا حرج فيه لأن هذا من مصلحة مكبر الصوت ولكن عليك أن لا تستعمل أفضل الرواحل إذا كان يمكن أن تستعمل ما دونها فمثلاً نقول لا تستأجر سيارة فخمة مع وجود سيارة دونها يحصل بها المقصود لأنك مؤتمن والأمين يجب عليه أن يسعى لحصول الشيء بأدنى كلفة.
***(16/2)
الهدية والهبة والعطية(16/2)
ما حكم أخذ الهدية وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ الهدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبول الهدية من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بعض أهل العلم قال يجب قبول الهدية إذا تمت الشروط، والشروط هي أن لا يكون هذا المهدي ممن عرف بالمنة أي أن لا يكون من المنانين لأن قبول هدية المنانين قد تجلب الأذية فقد يقوم هذا الشخص الذي أهدى بالكلام بين الناس بأني أهديت إلى فلان كذا وأهديت إليه كذا وما أشبه ذلك ففي هذا الحال للإنسان مناص في عدم قبول الهدية لئلا يتأذى بِمَنِّ ذلك الشخص ومنها أن يكون المهدي ماله حلال فإن كان ماله حرام فلا حرج على الإنسان أن يرد هديته اتقاء للمحرم وإن كان في ماله حرام وحلال فليقبل الهدية ولا حرج عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت ثم إنه ينبغي لمن قبل هدية أن يكافئ المُهدي فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقال (من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) .
***(16/2)
يقول السائل من ليبيا هل يؤجر الإنسان في إهداء الهدية وهل هي كالصدقة.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يثاب الإنسان على الهدية لأنها إحسان والله تعالى يحب المحسنين ولأنها سبب للإلفة والمودة وكل ما كان سبباً للإلفة والمودة بين المسلمين فإنه مطلوب ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (تهادوا تحابوا) وقد تكون أحياناً أفضل من الصدقة وقد تكون الصدقة أفضل منها والفرق بينها وبين الصدقة أن الصدقة ما أريد بها ثواب الآخرة والهدية ما أريد بها التودد والتقرب إلى الشخص قد يكون توددك إلى هذا الرجل فيه مصلحة كبيرة للمسلمين مثل أن يكون هذا ولي أمر المسلمين فتهدي إليه ما يناسب حاله ومقامه فيكون في ذلك جلب للمودة وقبوله للمناصحة منك ويحصل بهذا خير كثير والصدقة لا شك أنها إذا نواها الإنسان بإخلاص تقرب إلى الله عز وجل وتنفع المسكين فالهدية قد تكون أفضل من الصدقة وقد تكون الصدقة أفضل من الهدية بحسب النتائج التي تنتج عن هذه وهذه.
***(16/2)
ما حكم قبول الهدية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبول الهدية سنة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقبل الهدية ولكن ينبغي لمن أُهدي له شيء أن يكافئ من أهدى إليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من صنع إليكم معروفا فكافئوه) فإن لم تكن المكافأة مناسبة فإنه يدعو له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) وهذا أعني قبول الهدية ما لم يخش الإنسان أن يكون من المُهدي مِنَّةٌ عليه في المستقبل بحيث يقطع عُنُقَهُ كلما حصلت مناسبة فيقول أنا فعلت بك وفعلت بك وأهديتك وصنعت إليك معروفا وما أشبه هذا ففي مثل هذه الحال لا ينبغي أن يقبل الهدية لما في ذلك من إذلال نفسه أو التعرض لذلك.
***(16/2)
عندنا العادة عندما يريد شخص أن يتزوج يرسل بطاقات إلى من يريد أن يحضر من الناس إلى الزواج فيأتي هذا المدعو إلى يوم الزواج ثم يأكل من وليمة هذا المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال علماً بأن هذا يسمى الرفد ثم يأتي زواج هذا الذي دعي ويدفع مائتي ريال ثم يرسل له بطاقة كما أرسل له بطاقة حضور ثم يأتي للزواج ويأكل من وليمة المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال كأن ذلك تبادل هل يجوز هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مما جرت فيه العادة في بعض البلاد أن الرجل إذا تزوج رفده أصحابه وأقاربه ومعارفه بما يتيسر فإذا تزوج الرافد رفده هذا المتزوج الأول بما يتيسر أيضاً وهم لا يريدون بهذا المعاوضة ولذلك لو لم يتزوج الرافد لم يأخذ من الزوج شيئاً فالمسألة مسألة مهاداة جرت بها العادة وليس مسألة بيعٍ وشراء فعلى هذا يكون جائزاً لأن الأصل فيما يعتاده الناس الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في الأعيان الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على أنها مشروعة فهذه القواعد الثلاث ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها ويفهمها الأصل في العادات الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في الأعيان أي الأشياء الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على أنها مشروعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي لفظٍ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منا فهو رد) أما الأعيان فالأصل فيها الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وأما العادات فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ومفهومه أن ما كان في كتاب الله فليس بباطل وكذلك يروى عنه أنه قال (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) والعادات نوعٌ من الشروط فهي أمورٌ سار الناس عليها واعتبروها سائرةً بينهم وسائدةً بينهم فإذا لم يدل دليل على منعها فهي جائزة.
***(16/2)
ما حكم الهدايا التي تقدم للعروس أو للزوجة في صبيحة يوم الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الهدايا لا شك أنها من الأمور المستحبة لأن الهدية توجب المحبة والإلفة ولا سيما إذا كانت العادة جارية بذلك فإننا تذهب عن الإنسان عار البخل هذا بالنسبة للمهدي أما بالنسبة للمهدى إليه وهي الزوجة فإن قبولها لهذه الهدية من هدي النبي عليه الصلاة والسلام فإنه صلى الله عليه وسلم (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) .
***(16/2)
من أهديت له هدية فهل يجوز له أن يهديها لغيره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لمن أهدي له هدية أنه يهديها لآخر فإذا أهدى محمدٌ إلى عبد الله هدية جاز لعبد الله أن يهديها لعبد الرحمن لأنها ملكه يتصرف فيها كما يشاء.
***(16/2)
ماحكم الضيافة عند رجل ماله مختلط حرام مع حلال حيث إنه يعمل في محل يبيع فيه الدخان مثلاً وأشياء محرمة وبعض الأشياء الأخرى الحلال كبيع كتب وكراسات وأقلام وغير ذلك ما حكم عمله في ذلك حيث أن هذا الرجل يهدي إليّ بعض الأشياء هل أقبلها أم أرفضها أفتونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم عمل هذا الرجل في هذا المحل جائز ولكن بشرط أن يبتعد عن المعاملات المحرمة كالربا وبيع الدخان وغيره مما حرم الله عليه ليكون كسبه طيباً حلالاً وأما بالنسبة لهداياه إليك ونزولك عليه ضيفاً فإن هذا لا بأس به ولا حرج عليك في ذلك فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قبل الهدية من المرأة اليهودية حينما أهدت إليه شاة في غزوة خيبر) و (أجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة يهودي دعاه في المدينة على خبز شعير وإهالة سنخة) وعامل اليهود بيعاً وشراء حتى إنه عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير اشتراه لأهله وهذا يدل على جواز معاملة من اختلط ماله بحرام لأن اليهود كما وصفهم الله تعالى (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) .
***(16/2)
هل يجوز قبول الهدية من شخص نعلم أنه يتعامل بالربا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يقبل هدية مَنْ يتعامل بالربا ويجوز أن يبايعه ويشاريه ويجوز أن يجيب دعوته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود واشترى من يهودي طعاماً لأهله إلا إذا علمنا أننا إذا كففنا عنه ولم نبايعه ولم نُشارهِ ولم نقبل هديته ارتدع عن الربا فحينئذ نفعل ذلك لا نبيع معه ولا نشتري ولا نقبل هديته لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى.
***(16/2)
أهدي إلينا طعام من مال حرام - مال ربا - فرددناه إلى صاحبه فرده إلينا فاستحيينا وأخذناه فهل نعطيه للفقراء أم يجوز لنا أن نأكله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تأكلوه وسبحان الله كيف يرد هذا السؤال لا تأكلونه وتعطونه الفقراء المهم أن من في ماله حرام إذا أهدى إلى أحدٍ شيئاً فقبول الهدية لا بأس به بدليل أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هدية من اليهود واليهود عامتهم يأكلون الربا والسحت ولم يردها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يستفصل كما أنه صلى الله عليه وعلى آله سلم بايع اليهود فقد مات صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة بطعامٍ اشتراه لأهله مرهونة عند يهودي وهذه خذها قاعدة كل من اكتسب مالاً محرماً فإنه حرامٌ عليه وحده أما على الآخرين إذا أخذوه بطريقٍ مشروع فليس حراماً عليهم ما لم نعلم أن هذا مال شخصٌ معين فإننا لا نأخذه مثل أن يهدي إلينا السارق ما سرقه ونحن نعلم أنه سرقه فهذا لا يجوز لنا قبوله لأنه محرمٌ لعينه وهذه قاعدة إذا علمها الإنسان زالت عنه الإشكالات وتيسرت له الأمور.
***(16/2)
من اليمن المستمع محمد عبد الله المستمع يسأل عن الهدية التي تهدى لرجل لك عنده معاملة ما حكم أخذ هذه الهدية وهناك حديث (تهادوا تحابوا) أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الهدية لا شك أنها تجلب المودة والمحبة والإلفة بين الناس وهذا أمر يشهد به الواقع ولكن إذا تضمنت مفسدة أكبر من مصلحتها فإن القاعدة الشرعية تقتضي أن تكون حراماً ألا ترى إلى قول تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ولما كان إثمهما أكبر من نفعهما حرمهما الله عز وجل فالهدية إذا تضمنت محظوراً صارت حراماً مثل أن تهدي إلى شخص موظف لدى الدولة وملزم بأن يقوم بعمل تلك المصلحة فتهدي إليه هدية ليقوم لك بالعمل الذي يقوم به بمقتضى وظيفته فإن الهدية هنا تكون حراماً لأن قبول الهدية حرام وما كان سبباً للحرام فهو حرام وفي الصحيح في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللتبية عاملاً على الصدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (هدايا العمال غلول) فلا يحل لأحد قائماً على عمل بالدولة أن يقبل هدية من له عنده معاملة لأن ذلك شبيه بالرشوة بل هو في الحقيقة رشوة لأن هذا المهدي إنما أهدى ليتوصل إلى حقه الذي يجب على المهدى إليه أن يقوم به خلاصة الجواب أنه يجب على من كان قائماً على وظيفة من الوظائف أن يتقي الله في نفسه وأن يقوم بها على الوجه الذي تبرأ به الذمة وأن لا يمنع حقوق الناس من أجل أن يضطرهم إلى بذل المال له هذا من جهة المهدى إليه أما من جهة المهدي فإنه لا يحل له أن يهدي إلى أحد قائماً على عمل من أجل أن يقوم بما يلزمه من العمل نعم لو فرض أن حقك لا يمكن أن يستخلص إلا بشيء فهنا قد نقول إنه لا حرج عليك لأنك تريد استنقاذ حقك ولكن الحرج والإثم على الآخذ.
***(16/2)
مجموعة من المعلمات قمن بعمل حفلة تكريم للمديرة تقديراً لجهودها في المدرسة وقدمن الهدايا لها في آخر العام هل في ذلك بأس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدعوة فلا بأس -الدعوة العادية- وأما تقديم الهدايا فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على الرجل الذي بعثه عاملاً على الصدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا) وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (هدايا العمال غلول) ولأن الهدية إلى العامل توجب أن يحابي هذا العامل من أهدى إليه فيتقاضى عن تقصيره أو يمنحه ما لا يستحق والحاصل أنه لا يجوز للمديرة أن تقبل هدايا المعلمات أما الدعوة فلا بأس بها.
***(16/2)
ما حكم الهدية في مكان العمل مع أني لا أقصد من ورائها شيئاً بل الحب في الله فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من هذا السؤال أن الإنسان يهدي هدية إلى قائم بالعمل له به تعلق مثل أن يهدي الرجل إلى القاضي هدية بين يدي الحكومة يعني المحاكمة عند القاضي ومثل أن يهدي التلميذ هدية إلى أستاذه قرب الامتحان أو في غير وقت الامتحان من أجل أن يحابيه في التهاون معه في الواجبات أو يحابيه في إطلاعه على الأسئلة أو ما أشبه ذلك المهم أن الهدية لمن يكون بينه وبينه علاقة في العمل لا تحل ولا تجوز إلا إذا كان هناك عادة بينهما في التهادي فلا بأس لأن هذا يكون بناء على العادة.
***(16/2)
ما ردكم على من تهدي علبة عطر لامرأة أخرى هل يجوز هذا علما بان المهدى إليها تذهب إلى الشارع وهي متعطرة بهذا العطر وهل يلحق صاحبة الهدية إثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إهداء الطيب إلى المرأة لا بأس به في الأصل لأن الهديه تجلب المودة وتذهب السخيمة وللمهدي أجر وإذا استخدمتها المهدى إليها على وجه محرم فالإثم عليها لكن إذا كانت المهدى إليها قد عُرفت أنها تخرج إلى الأسواق متطيبة وأنها سوف تستعمل هذا الطيب لخروجها إلى الأسواق فإنه لا يجوز أن يهدى إليها شيء من الطيب لأن ذلك من باب المعونة على الإثم والعدوان وقد قال الله تبارك وتعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) .
***(16/2)
طالبة بالمملكة من سريلانكا تقول في زماننا هذا كثر التبرع بالعين وربما بيعها ممن قد يئسوا من الحياة فأرجو إجابتكم على الحكم في الحالتين في التبرع والبيع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كما ذكرت السائلة حدثت أخيراً في الأزمان المتأخرة واختلف أهل العلم فيها فمنهم من أجاز للإنسان أن يتبرع بأحد أعضائه التي يبقى له منها شيء ثم اختلف هؤلاء هل يجوز أن يتبرع فقط أو له أن يبيع ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقاً وقال لا يجوز لأحد أن يتبرع أو أن يبيع شيئاً من أعضائه حتى وإن كان قد أيس من حياته وذلك لأن بدنه أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه فالإنسان مملوك وليس مالكاً وإذا لم يكن مالكاً لشيء من أعضائه وإنما هي أمانة عنده فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع ولا غيره وتبرعه بعضو في بدنه من جنسه قد يقوم البدن بدون ذلك العضو الذي تبرع به ولكنه لاشك أن الله تعالى لم يخلق هذين العضوين إلا لفائدة عظيمة وذلك بأن يتساعدا على المصلحة التي أوكلت إليهما ثم إنه إذا تبرع بأحد هذين العضوين لم يبق له إلا عضو واحد وفي هذه الحال ربما يتعطل ذلك العضو فيكون هذا المتبرع فاقداً للمنفعة كلها ثم إنه إذا تبرع به لغيره فإن تحقق المفسدة فيه قد حصلت حيث فقد ذلك العضو وحصول المصلحة للمتبرع له به أمر محتمل لأن العملية قد لا تنجح فمثلاً لو أن أحداً تبرع بكليته لشخص فإنها إذا نزعت منه فقدها وهذه مفسدة ثم إذا زرعت في المتبرع له فإنها قد تنجح وقد لا تنجح فنكون هنا قد ارتكبنا مفسدة لمصلحة غير متيقنة والذي يترجح عندي أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بشيء من أعضاء بدنه وإذا لم يجز التبرع فالبيع من باب أولى وأما التبرع بالدم فإن التبرع بالدم للمحتاج إليه لا بأس به وذلك لأن الدم يخلفه غيره فإذا كان يخلفه غيره صار النقص الذي يحصل على البدن مفقوداً ويكون هنا فيه مصلحة إما متيقنة أو محتملة لكن بدون وجود مفسدة ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمنعه فالتبرع بالدم لمن احتاج إليه جائز بشرط أن يقرر الطبيب أنه لا ضرر على هذا المتبرع إذا تبرع بدمه.
فضيلة الشيخ: هذا حكم البيع فما حكم الشراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حرم البيع في شيء فإنه يحرم الشراء.
فضيلة الشيخ: لو أردت أن أشتري من غير المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق في هذا بين المسلم وغيره.
فضيلة الشيخ: إذا كنت مضطراً لهذا العمل وربما أنقذ به حياة شخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قولك ربما تنقذ به حياة شخص غير متيقن ولهذا لو كانت المسألة من باب الأكل لا من باب زرع العضو في البدن الذي قد ينفر منه البدن ولا يقبله لو كانت المسألة أكلاً لكان يجوز لك أن تأكل ما له حرمة ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو اضطر الإنسان إلى الأكل وليس عنده إلا ميت هل يجوز له أن يأكل منه أو لا يجوز فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأكل الحي شيئاً من الميت ولو أدى إلى موت الحي لاحترام الميت كاحترام الحي وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أكل الحي من هذا الميت لدفع ضرورته قال لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت وهذا قول قوي بلا شك ولكن الأكل تندفع به الضرورة يقيناً ولهذا لما حرم الله الميتة أباح للمضطر أن يأكل منها لأن ضرورته تندفع بذلك يقيناً بخلاف الدواء والعلاج ومن ثم قال أهل العلم إنه لا يجوز التداوي بالمحرم ويجوز للإنسان أن يأكل المحرم لدفع جوعه ففرق بين شيء تحصل به المصلحة يقيناً وتندفع به المضرة وبين شيء لا يتيقن فيه ذلك فإنه لا يرتكب المحظور المتيقن لحصول شي غير متيقن.
***(16/2)
هل يجوز للرجل أن يوزع ماله على ورثته وهو حي حسب القسمة الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال أهل العلم إنه يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته على حسب الميراث الشرعي ولو كان حيا ولكننا نرى أن لا يفعل ذلك وذلك لأن الأمور قد تتبدل فهو الآن يعتقد أنه في غنى عن هذا المال وربما يطرأ عليه حاجة توجب أن يكون لديه مال وكم من إنسان يفعل ذلك أي يقسم ماله بين ورثته ثم يطرأ عليه حاجات يتمنى لو أن ماله بيده ولكن قد فات الأوان ثم إننا نقول أنت قسمت الآن مالك بين ورثتك وربما تكون أنت الوارث لهم فلا يدرى من يموت أولا فالذي ينبغي للإنسان أن يبقي ماله حتى يقضي الله أمره فإذا مات وزعت التركة على حسب ما تقضتيه الشريعة.
***(16/2)
ما حكم الشرع في نظركم في الشخص الذي يفرق بين الأولاد ويفضل البعض على البعض في الأعطية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذا محرم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بشير بن سعد الأنصاري وقد فضل ابنه النعمان في عطية قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (إني لا أشهد على جور) وتبرأ من الشهادة عليه وقال (أشهد على هذا غيري) ، فلا يحل لأحد أن يحابي بعض أولاده دون بعض بل عليه أن يسوى بينهم في العطية بما قد سوى الله بينهم وذلك أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين هذا في العطية المحض أي التبرع المحض أما ما كان لدفع الحاجة فإن العدل بينهم أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه سواء كان بقدر ما أعطى الأخر أو أكثر أو دون فمثلا إذا كان الابن الكبير يحتاج إلى كتب للدراسة وإلى أعمال أخرى للدراسة وأعطاه ما يشتري به الكتب والأعمال الأخرى ولم يعط الآخرين الذين لا يحتاجون مثله فليس ذلك من التفضيل بل هذا من العدل فإذا بلغ هؤلاء مثل ما بلغ الأول واحتاجوا مثل ما احتاج أعطاهم مثل ما أعطى الأول وهنا مسألة وهي أن بعض الناس يزوج أولاده الكبار الذين بلغوا النكاح في حياته ثم يوصي بمثل ما زوج الكبار للصغار الذين لم يتزوجوا يوصي لهم بعد موته بقدر ما أعطى الكبار وهذا حرام ولا يجوز تنفيذ هذه الوصية ويرد ما أوصى به لهؤلاء في التركة ويقسم بين الورثة قَسْم الميراث الشرعي.
***(16/2)
والد موسر وله ولد وبنات كلهم قد تزوجوا ودائماً الوالد ما يفرق بين الولد والبنات في النفقة سواء قبل الزواج أم بعده وقد اشترى للولد أرضاً وكتبها باسمه مما جعل البنات يجدن في أنفسهن من ناحية الأب شيئاً والأخ هذا له دلال فهل يأثم الوالد بهذه التفرقة مع العلم بأن هذا الوالد عالم بأمور دينه وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه بشير بن سعد نحله نحلة فقالت أمه أي زوجة بشير لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فذهب بشير إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليخبره ويرشده فسأله النبي صلى الله عليه وسلم (هل أعطى أبناءه مثل ما أعطى النعمان) قال: لا قال: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وكيفية العدل بين الأولاد في النفقة أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج من النفقة سواء كان مماثلاً لإخوانه أو لا ومن المعلوم أن الأولاد يختلفون في الحاجة إلى النفقة فالغني منهم لا يحتاج إلى نفقة والفقير يحتاج والكبير الذي دخل المدرسة يحتاج إلى نفقة لكتبه ومقرراته ولباسه والصغير الذي لم يدخل المدرسة لا يحتاج إلى ذلك فيعطي الكبير ما يحتاجه وإن كان لم يعط الصغير مثله والبالغ الذي وصل حد الزواج يزوجه إذا كان لا يستطيع الزواج بنفسه ولا يعطي إخوانه مثل ما أعطاه من المهر ونفقة الزوجة وغير ذلك المهم أن العدل في النفقة أن يعطي كل واحد ما يحتاج سواء أعطى الآخرين مثله أم لا وهنا مسألة لا يتفطن لها كثير من الناس وهي أن الولد الكبير قد يحتاج إلى سيارة يذهب بها إلى المدرسة وقضاء حوائجه والصغار لا يحتاجون إليها فهل يشتري سيارة للكبير ويخصه بها لاحتياجه إليها أم ماذا نقول لا يشتري له سيارة بل يشتري السيارة له أي للأب ويعطيها للابن عارية لأن الابن لا يحتاج إلا إلى منفعة السيارة لا إلى السيارة فيمنحه منفعتها وإذا قدر أن مات الابن عادت إلى الأب وإذا قدر أن مات الأب عادت إلى تركة الأب أعني السيارة وبهذا يكون عادلاً بين الأولاد هنا مسألة أخرى أيضاً يكون لإنسان أبناء متعددون يحتاج أحدهم إلى الزواج فيزوجه والآخرون لم يصلوا إلى حد الزواج من الناس من يوصي بمقدار المهر لأبنائه الذين لم يتزوجوا في حياته ولم يبلغوا حد الزواج ولم يطلبوا الزواج وهذا حرام لأنها وصية لوارث وهي أيضاً باطلة فللورثة أن يبطلوا هذه الوصية وأن يضموا ما أوصى به إلى بقية التركة أما ما يتعلق بسؤال السائل فنقول إن تخصيص ولده بالأرض دون بقية الأولاد من بنين وبنات محرم ولا يحل له والطريق إلى ذلك إما أن يردها وإما أن يعطي البنين مثل ما أعطى هذا الابن والبنات نصف ما أعطى لأن التعديل بين الأولاد والبنات أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما هي قسمة الله تعالى في المواريث ولا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل هذه طريق إما أن يستردها أو أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل أو يقدرها عليه بقيمة أي بقيمة عدل بحيث تكون هذه القيمة قيمتها لو اشتراها غير الولد فإذا رضي الابن بذلك أي بأن تكون عليه بالشراء صارت بيعاً وليس فيها محاباة فإن قيل لو أن الأولاد سمحوا لأبيهم بذلك سواء كانوا بنين أو بنات لكن الأب يعلم أنهم إنما سمحوا بذلك حياءً فإن هذا السماح لا عبرة فيه وهو سماح وجوده كالعدم ولا يحل للأب أن يعتمد عليه أما إذا علم أن سمحوا من طيب نفس لما بين أفراد العائلة من المحبة والمودة فلا حرج عليه لأنه إنما خصه بهذه الأرض برضى من الجميع لكن ما في السؤال يدل على أن البنات لم يرضين بذلك وعلى هذا فلا بد أن يسلك واحدة من الأمور الثلاثة التي ذكرناها إما أن يرد الأرض وإما أن يعطي البنات نصف ما أعطى هذا الابن والبنين مثل ما أعطى هذا الابن وإما أن يبيعها عليه بثمن مثلها لو باعها على أجنبي.
***(16/2)
رجل تصدق على أبنائه الذكور ولم يعط شيئا لبناته هل تعتبر هذه الصدقة صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانت هذه الصدقة لدفع حاجة الأولاد الذكور وكانت النساء مستغنيات إما بأموالهن أو أموال أزواجهن إن كن متزوجات فلا بأس بذلك لأن الإنفاق واجب على الأب لأولاده إذا كانوا فقراء وهو غني فإذا كان يعطي الأولاد من الصدقة ما تقوم به حاجتهم فلا بأس لأن هذا إنفاق فلا بأس أن يخص به المحتاج دون غيره أما إذا كانت هذه الصدقة تبرعاً محضاً فإنه لا يحل للرجل أن يعطي الذكور دون الإناث ولا أن يفضل بعض الذكور على بعض لأن بشير بن سعد رضي الله عنه أهدى لابنه النعمان بن بشير أهدى له هدية إما غلاما وإما بستانا وإما الاثنين فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له النبي صلى الله وعليه وعلى آله وسلم (ألك بنون، قال: نعم، قال: أفعلت هذا بكل أولادك، أو كلمة نحوها، قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرجع بشير بن سعد رضي الله عنه فيما أعطاه لابنه النعمان وهذا دليل على تحريم التفضيل بين الأولاد في العطية إلا ما كان لدفع الحاجة فقد سبق بيانه ولكن لو فرض أنه لم يفعل ثم مات أعني الأب قبل أن يسوى بين الأولاد فهل يطيب لهذا الْمُفَضَّلْ فالجواب لا تطيب له ويجب عليه أن يردها في التركة وأن يرثها الورثة أجمعون.
***(16/2)
أحمد سلمان مسعود العبدلي الفيفي من جبل فيفا يقول أنا رجل كبير طاعن في السن وقد تزوجت نساء كثيرات ولدي ثلاثة أولاد وثمان بنات ولي أموال من بيوت وأراضٍ وقد وزعت البيوت والأراضي على ورثتي على ثلاثة أقسام فجعلت للابن الأكبر من زوجة سابقة ولثلاث من أخواته ثلث المال وللابن الثاني الذي هو من زوجتي الحالية وثلاث من أخواته أيضاً ثلث المال الثاني وللابن الأصغر وهو أيضاً من الزوجة الباقية وأختي وأمي الثلث الأخير من المال فجعلت لكل ذكر وثلاث إناث ثلثاً ولكن الأولاد من الزوجة السابقة والتي هي ليست على ذمتي احتجوا على هذا فقالوا إن الأولاد الذين مع أمهم هم أكثر منا نصيباً ذلك أنهم يرثون أمهم لو ماتت قبلهم ونحن ليس لنا غير هذا ولذلك فقد أصبحت في حيرة من هذه القسمة فأسأل هل هي صحيحة بهذا الشكل أم لا وماذا يجب عليَّ أن أفعل إن لم تكن صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أود أن أنصح هذا وأمثاله ممن يقسمون أموالهم على ورثتهم في حياتهم أنصحهم ألا يفعلوا ذلك لأن الله تعالى إنما جعل هذا القسمة بعد الموت ولأن الإنسان قد يحتاج في المستقبل إلى ماله فيكون أخذه واسترداده منهم بعد أن أخذوه وملكوه يكون فيه شي من الصعوبة ولأنه قد يموت أحد من هؤلاء قبل موت هذا المورث الذي قسم ماله بين ورثته فلينتظر الإنسان وليبقِ ماله بيده فإذا ارتحل عن الدنيا ورثه من يرثه على حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية وأما بالنسبة لعمل هذا الرجل الذي وزع ماله أثلاثاً جعل لأحد الأبناء مع ثلاث من أخواته ثلثاً وللثاني مع الثلاث ثلثاً وللثاني مع اثنتين وزوجته ثلثاً أقول إن هذا التوزيع فيه نقص وهضم على الأخيرين وهما الزوجة ومن معها وهو الابن وأختاه فيه هضم لحقهم لأن حقهم أكثر من الثلث حقهم مع الأم أكثر من الثلث إذ أن هذه المسألة تقسم من ستة عشر سهماً سهمان للأم لأنها زوجة والباقي أربعة عشرة سهما تقسم على الأولاد للذكر مثل حظ الانثيين فيكون للذكور الثلاثة ستة أسهم وثمانية أسهم للبنات لكل واحدة سهم وبهذا يتبين أن نصيب الزوجة مع الابن والبنتين أكثر من الثلث فإذا رضيت الزوجة ومن معها بذلك وكان من معها بالغين عاقلين فلا حرج وإلا فليعدل القسمة على حسب ما قلناه في هذه المسألة إذا كان يريد أن يقسم على حسب الفرائض التي قسمها الله عز وجل على أني أحب أن يعيد النظر في هذا المسألة وأن يبقي ماله في ملكه حتى يقضي الله عليه ما أراد فلا يدري ربما يطلق الزوجة أو تموت أو ربما يموت أحد من الأولاد من الذكور أو الإناث فتختلف المسألة.
***(16/2)
محمد عبد الرحمن مصطفى مصري يعمل بالمملكة الخرج يقول والدي يملك قطعة أرض ويملك منزلاً نعيش فيه وقد قام بتقسيم هذه الأرض لي أنا وإخواني الذكور الأربعة لنتصرف فيها بما نشاء من بناء ونحوه والمنزل قسمه بين أخواتي الخمس وقد سافرت للعراق للعمل وحينما عدت وأردت الزواج وليس لي مسكن مستقل لكي أتزوج فيه فقمت بإصلاح بعض أجزاء البيت للسكن فيه رغم أن والدي قد كتبه باسم أخواتي فهل قسمة والدي هذه شرعية أم لا وإن كان أخواتي يردن أن يبعن البيت فهل لي حق الأولوية في الشراء من غيري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القسمة إذا كانت قد وقعت برضى منكم وكان كل منكم بالغاً عاقلاً رشيداً فلا حرج على أبيكم فيها وأما إذا كانت قد وقعت بغير رضى منكم فإنه لا يجوز للأب أن يتصرف هذا التصرف ويفضل بعض أولاده على بعض وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما أخبره بشير بن سعد بأنه نحل ابنه النعمان نحلة قال له عليه الصلاة والسلام (أفعلت ذلك بولدك كلهم) قال لا فقال النبي عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فعطية الأب لأولاده الذكور والإناث يجب أن تكون على سبيل العدل فإذا أعطى الذكر سهمين أعطى الأنثى سهماً وإذا أعطاها سهماً أعطاه سهمين أما أن يحابي أحدهم دون الآخر فإن هذا حرام عليه ولا يصح وإذا كانت وقعت هذه القسمة برضى منكم وإجازة ثم طلبت من أخواتك أن تصلح شيئاً من البيت لتستقر فيه أنت وزوجتك ورضين بهذا فلا حرج سواء على سبيل العارية أو على سبيل التمليك وأما إذا أردن بيعه فإنك أنت وغيرك سواء لأنك لا تملك منه شيئاً حتى نقول إنَّ لك حق الشفعة وإذا كنت لا تملك فأنت وغيرك سواء لكن لاشك أن من صلة الرحم إذا كان لك رغبة فيه أن يراعينك في هذا فلا يبعن إلا بعد مراجعتك ومشاورتك إن كان لك نظر فيه أخذته وإلا تركته.
***(16/2)
السائل يقول نحن عدد من الإخوة ولنا أختان ووالدنا رحمه الله قبل وفاته خصص ثلاثة من إخوتنا وكتب لهم خمسة أفدنة باسمه وهو يجهل الحكم الشرعي في ذلك فإذا ارتضينا نحن ذلك فهل على والدنا إثم وإذا كان كذلك فكيف نبرئ ذمة والدنا وإذا لم يقبل شخص منا فما العمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوالد حيث كتب لهم ما كتب من الأفدنة جاهل بذلك فلا شيء عليه وبناء على هذا فإذا أجاز بقية الإخوة ما كتب والدهم لإخوتهم فلا حرج وهم بذلك مأجورون مثابون عند الله عز وجل لما في ذلك من موافقة أبيهم فيما يهوى ويريد ولما في ذلك من سد باب النزاع والعداوة والبغضاء بينهم وبين إخوتهم وأما إذا كان الوالد يعلم أن ذلك حرام ولا أظنه إن شاء الله يعلم أن ذلك حرام ويتجاسر عليه لكن إن فرضنا ذلك فإنه لا يطيب للإخوة الذين تبرع لهم والدهم أن يختصوا به دون إخوتهم إلا برضى الإخوة فإذا رضي الإخوة صار هذا حلالاً للذين تبرع لهم والدهم بذلك وإن لم يرضوا وجب رده في التركة.
***(16/2)
رجل عنده الكثير من الأملاك ولقد سجل بعضاً من أملاكه باسم أولاده وليس بالتساوي فهل يجوز له ذلك الفعل أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يسجل شيئاً من أملاكه باسم أحد أولاده وإن فعل فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرد ما سجل باسم أولاده إلى ملكه أو يعطي الأولاد الآخرين مثل ما أعطى هؤلاء فيسجل لهم من أملاكه مثل ما سجل لمن سبقهم ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
***(16/2)
ع أأ من الدمام يقول أنا أعمل في المملكة من مدة ست سنوات وكل ما أتحصل عليه من مال أرسله لوالدي بمصر وقام والدي بشراء قطعة من الأراضي الزراعية من المبالغ التي أرسلها له وبتشجيع مني مع العلم أننا ثمانية أخوة خمس بنات وثلاثة بنين وقام والدي بتسجيل الأرض المشتراة باسمه هو فأرجو الإفادة عما إذا كان لي حق في مطالبتي لوالدي بأن يسجل الأرض أو بعضاً منها باسمي علماً بأن أخواتي البنات كلهن متزوجات والبنين صغار وهي مشتراة من المال الذي بعثته له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سؤالك أيها الأخ عن هذا المال الذي ترسله إلى والدك واشترى الأرض بتشجيع منك وسجلها باسمه نقول لك إنه لا حق لك في المطالبة أن تسجل هذه الأرض أو بعض منها باسمك لأن المال الذي تبعث به إلى والدك يأخذه بنية أنه له فهو ملكه ويدل لهذا أن أباك سجل هذه الأرض باسمه هو مما يدل على أنه تملك هذا المال لنفسه واشترى هذه الأرض لنفسه فحينئذٍ لا يجوز لك أن تطلب تخصيصك بشيء منها بل ولا يحل لأبيك أن يخصصك بشيء منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولو خصصك بشيء منها لم يكن ذلك من العدل لأن سبب الحديث هو أن بشير بن سعد خصص ابنه النعمان بن بشير بشيء من ماله إما بستان وإما غلام فقالت أمه لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال النبي عليه الصلاة والسلام (إني لا أشهد على جور) وقال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وخلاصة الجواب أن هذه الأرض تبقى لأبيك فهي ملكه ثم إن قدر الله أن يموت أبوكم قبلكم فإنكم تأخذونها بالإرث حسب شريعة الله.
فضيلة الشيخ: فيما لو أرسل نفس الباعث ما يثبت أن هذا المال خاص به ويكون أمانة عند والده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو أرسل هذا المال على أنه وديعة عند أبيه فهو له يخصه أو أرسله على أنه يطلب منه أن يشتري له به سلعة أرضاً أو غيرها فاشتراها بنية أنها لابنه فهو على ما نوى.
***(16/2)
السائلة تقول أنا وحيدة أبي ووالدي ولله الحمد خيره كثير وفي بعض الأوقات آخذ من نقوده وهو لا يعلم ولا يسألني بذلك هل آثم بذلك مع أن له أولادا من زوجة ثانية مطلقة والأولاد يعيشون مع والدتهم في بيتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأحد ان يأخذ من أحد شيئاً إلا بحق وهذه البنت إن كانت تأخذ من جيب والدها دراهم لحاجتها لذلك وأبوها إذا طلبت منه لا يعطيها فلا حرج عليها في هذا لان هند بنت عتبة سألت النبي صلى الله عليه واله وسلم بل شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها بأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك) أما إذا كان أبو هذه المرأة السائلة لا يمنعها شيئا إن سألته من ما تحتاج إليه فانه لا يجوز لها أن تأخذ من من جيبه شيئاً لا يعلم به ثم إنها إذا كانت لا تحتاج إلى شيء لا يحل لها أن تأخذ من جيب أبيها شيئا ولو علم بذلك إلا أن يعطي أولاده الآخرين ما يستحقون في مقابل هذه العطية وذلك أن الأب والأم يجب عليهما العدل في أولادهما فلا يعطيان أحدا دون الآخر فإذا كان أب عنده أولاد فانه لا يخص واحداً منهم بشيء خارج عن حاجة النفقة دون الآخرين لحديث النعمان بن بشير من سعد رضي الله عنهما أن أباه منحه عطية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أو فسألت أمه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال عليه لصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والعدل بين الأولاد يكون بما حكم الله به في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر ألفا أعطى الأنثى خمسمائة وإذا أعطاه خمسمائة أعطى الأنثى مائتين وخمسين هذا هو العدل ولا يحل أن يفضل أحداً على أحد إلا على الوجه الشرعي كما ذكرت آنفا بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين أما في النفقة فيعطي كل إنسان ما يحتاج ولو لم يعط الآخر مثله إذا كان لا يحتاجها فإذا قدرنا ان أحد الأولاد يحتاج إلى كتب وإلى دفاتر وإلى أقلام والولد الآخر لا يحتاج إلى ذلك فإنه إذا أعطى الأول ما يحتاجه لم يلزمه عنوة أن يعطي الآخر مقابل ذلك وإذا كان أحد الأولاد محتاجاً إلى الزواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه من المهر لأن هذا من باب دفع الحاجة لكن إذا بلغ الآخرون وأرادوا أن يتزوجوا فليزوجهم كما زوج الأول وهاهنا مسألة يجب التنبه لها وهي أنه قد يحتاج أحد الأبناء إلى سيارة للمدرسة أو لغيرها مما تتعلق به مصالحه والآخرون لا يحتاجون إليها فهل يشتري له سيارة ويعطيها إياه ويكتبها باسمه أو يشتري سيارة باسم الأب ويعطي الابن هذه السيارة ويقوم بها علي حاجاته الجواب الثاني، الثاني هو الواجب يعني أن يشتري السيارة باسمه أي باسم الأب ويعطيها الابن يقضي بها حاجاته ولا يكتبها باسم الابن لأنه إذا قدر أنه مات الأب فإن السيارة سترجع إليه أي إلى الأب وتقسم في التركة بخلاف ما لو ملّكها إياه تمليكا نعم لو قال الابن أنا أريد أن تكون ملكا لي لا عارية عندي ففي هذا الحال نقول تكتب على الابن بقيمتها وتكون قيمتها قرضا في ذمة الابن إذا رغب في ذلك ولا يجوز لأبيه أن يحابيه في هذه الحال بأن يقيدها عليه بعشرة آلاف وهي تساوي اثني عشر ألفا أو أكثر مثلا ويبيعها عليه بل يبيعها عليه أو يقيدها عليه بقدر ما تساوي لو اشتراها غير الابن.
***(16/2)
المستمع مشعل يقول بأن والدي يثق في وأنا في خدمته وأحياناً تبقى معي نقود قد حصلت عليها من العمل في سيارة والدي وهي تانكي سيارة نقل الماء ثم إني أحياناً أشترى بالنقود أغراضاً منزلية لبيت والدي وأحياناً أشتري بها وقوداً للسيارة أو لسيارة والدي وأحياناً تبقى معي وأتصرف فيها فهل علي في ذلك اثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما تنفقه من هذه الدراهم في حاجات بيت الوالد أو حاجات سيارته فإنه لا بأس به وإن كان الأفضل أن تستأذن منه وأما ما تنفقه في سيارتك وفي نفقاتك الخاصة فإنه حرام عليك ولا يحل لوالدك أن يأذن لك في ذلك إذا كان لك إخوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) نعم لو اتفقت مع والدك أنك تستعمل سيارته في الأجرة على أن يكون لك نصف الأجرة مثلاً وكان هذا الجزء هو الجزء الذي يشترط لغيرك لو استعمل السيارة فهذا لا بأس به لأنك أخذت هذا واستحققته بسبب العمل في سيارة والدك أما إذا كنت تعمل في سيارة والدك على أنك متبرع وعلى أنه من بر والدك فإنه لا يحل لك أن تأخذ في مقابل ذلك أجراً.(16/2)
من الأردن إربد المستمع رمز لاسمه بـ أ. أ. أ. يقول هل يجوز لرب الأسرة أن يفضل بعض الورثة على بعض نرجو من فضيلتكم إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يفضل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده لأنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطيه الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فإذا أعطى الإنسان أحد أبنائه مائة درهم مثلاً وجب عليه أن يعطي الأبناء الآخرين على مائة درهم ويعطي البنات على خمسين درهماً أو يرد مائة الدرهم التي أعطاها لابنه الأول أي يأخذها منه نعم لو فرض أن أولاده كلهم من الذكور والإناث كانوا قد بلغوا الرشد وسمحوا له بالتفضيل فإن هذا لا بأس به وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة أما النفقة الواجبة فيعطي كلاً منهم ما يستحق فلو قدر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج وزوجه ودفع المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر فإنه في هذه الحال لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا الذي احتاج إلى الزواج ودفع عنه المهر لأن التزويج من النفقة وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلاً يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم ويكون عنده أولاد آخرون صغار فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين النكاح وهذا حرام ولا يجوز لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث والوصية لوارث محرمة قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فإن قال أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله فإننا نقول إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم كما زوجت إخوتهم وإن لم يبلغوا فليس واجباً عليك أن تزوجهم أرجو أن ينتبه الإنسان لهذا.
***(16/2)
ما حكم الشرع في نظركم في عدم إنصاف الوالدين لأبنائهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العدل بين الأولاد واجب لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما ثبت عنه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وعن أبيه (أن أباه نحله نحلة يعني أعطاه عطية فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألك بنون قال نعم فقال أعطيتهم كلهم مثله قال لا فقال عليه الصلاة والسلام أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ثم قال اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) في هذا الحديث أن ترك العدل بين الأولاد جور وأن العدل واجب فيجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده ولكن يفضل الذكر على الأنثى فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل وقد قال الله تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وهذا في عطية التبرع أما في العطية التي يراد بها دفع الحاجة فالعدل في هذه أن يعطي كل إنسانٍ منهم ما يحتاجه فإذا قدر أن الرجل له أولاد منهم من بلغ سن الزواج وطلب الزواج وزوجه أبوه فإنه لا يجب عليه أن يعطي إخوانه الآخرين مثل المهر الذي أعطاه هذا الولد بل لا يجوز له ذلك لأن هؤلاء الآخرين لم يحتاجوا إلى المهر حتى يعطيهم وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى حالٍ أو إلى أمرٍ يفعله بعض الناس وهو أنه يزوج أولاده الكبار الذين بلغوا سن الزواج وطلبوه ويكون له أولادٌ صغار فيوصي لهم بشيء من المال يكون مهراً لهم إذا احتاجوا إلى الزواج يوصي لهم بعد موته فإن هذه الوصية حرام ولا تصح لقول النبي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) وهؤلاء الأولاد الذين لم يتزوجوا إن أبقاه الله حتى أدرك سن زواجهم وقدر أن يزوجهم زوجهم وإلا فإن أمرهم إلى الله ويتزوجون بالمال الذي يحصل لهم من الميراث أو الذي يكتسبونه من جهاتٍ أخرى.
***(16/2)
المستمعة اعتدال تقول أنا سيدة مصرية ومتزوجة منذ ثلاثين سنة وما زلت مع زوجي ولي بنت وولد البنت تزوجت والولد سيتزوج إن شاء الله ولي منزل بثلاثة أدوار بست شقق وأنا سيدة مؤمنة بالله لم أترك الصلاة فرضاً واحداً وأعبد الله بجميع ما أمرني الله به من عبادة ولي موضوع أرجو أن تفيدوني فيه أريد أن أكتب المنزل لابنتي وابني وأحرم زوجي من الميراث فسألت بعض الناس فمنهم من قال ربما تموتين قبل زوجك فسيرث ويمكن سيتزوج من بعدي والتي سيتزوجها سترث فيه وأصبح واحدة غريبة ستأخذ الحصة التي كان أولادك سيأخذونها والبعض قال حرام بعد وفاتك سيطرد من المنزل والذي سيتسبب في طردهم الغرباء وهو زوج ابنتك وزوجة ابنك أرجو الإفادة بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لي ملاحظات على ما جاء في سؤال هذه المرأة منها أنها قالت أنا سيدة وكررت هذا مرتين وكلمة سيدة أصبحت الآن وصفاً عاماً لكل امرأة حتى وإن كانت لا تستحق من السيادة شيئاً وأصبحت عرفاً مرادفة لكلمة امرأة وهذا فيما أظن متلقى من غير المسلمين لأن عبارات المسلمين التي أخذت من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها التعبير عن المرأة بسيدة وإنما حدث هذا أخيراً فالذي أرى أن تسمى المرأة بالمرأة أو بالأنثى أو بالفتاة أو بالعجوز إذا كانت كبيرة وما أشبه ذلك وأما أن ينقل لفظ السيدة الدال على السؤدد والشرف والوجاهة فيسمى به كل امرأة فإنه أمر لا ينبغي ومن الملاحظات أنها وصفت نفسها بوصف يدل على التزكية حيث قالت إنها امرأة تطيع الله في كل ما أمر به والله عز وجل يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) وأما الجواب عن سؤالها وهي أنها تريد أن تكتب منزلها لأولادها دون زوجها فإن كان هذا الكتاب وصية أي أنها تريد أن توصي بهذا المنزل لأولادها بعد موتها فإن ذلك حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا وصية لوارث) وفرض الله سبحانه وتعالى المواريث وقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا أوصى شخص لأحد ورثته بزائد على ميراثه فقد تعدى حدود الله أما إذا كتبت المنزل لأولادها في حياتها بأن وهبته لهم في حياتها دون زوجها فإن هذا لا بأس به إذا كانت حين الهبة صحيحة غير مريضة مرض الموت المخوف فإن هبتها لأولادها منزلها دون زوجها هبة صحيحة.
***(16/2)
زائد غرم الله الشهري من النماص يقول لي والدة وقد ورثت نصيبها من بعد أبيها المتوفى فأعطته لأخيها الشقيق علماً أن لها ثمانية أولاد بين ذكور وإناث فهل تجوز مثل هذه الهبة شرعاً وما مقدار نصيب أولادها من إرثها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة كما قال السائل ورثت من أبيها ثم أعطت أخاها جميع ما ورثته من أخيها وأحد أبنائها يسأل هل هذه العطية جائزة فنقول إذا كانت هذه العطية في حال صحتها فإنها جائزة فلها أن تتصرف في مالها بما شاءت غير أنها لا تفضل أحداً من أولادها على أحد أما أن تعطي أخاها أو أحداً من أقاربها سوى أولادها فلها الحق في ذلك ولا أحد يمنعها منه وأما سؤاله ما نصيبه من إرثها فإن أراد ما نصيبه من إرثها من أبيها فليس لهم حق فيه مادامت الأم على قيد الحياة وإذا ماتت فإن إرثها يقسم على حسب ما تقتضيه الشريعة في وقت موتها ولا يمكن الحكم عليه الآن أما إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراث التي ورثته من أبيها في مرض موتها المخوف أو ما في حكمه فإنه لا ليس لها أن تتصرف فيما زاد على الثلث فإن كان إرثها من أبيها أكثر من ثلث مالها فإنه يتوقف على إجازة الورثة وأما إذا كان أقل من ثلث مالها عند موتها فإن عطيتها تامة.
***(16/2)
عندي ولدان أحدهما في المدرسة والثاني صغير أعطي الأكبر مصروفاً يومياً للمدرسة لإفطاره فهل يلزمني أن أعطي الأصغر مثل ذلك لتحقيق العدل نرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن العدل بين الأولاد واجب في العطية لحديث النعمان بن بشير (أن أباه نحله نحلة فقالت أمه لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم فذهب ليشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فسأله النبي عليه الصلاة والسلام هل فعل هذا بجميع بنيه فقال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرد بشير رضي الله عنه هذه النحلة التي نحلها ولده فدل هذا على أنه يجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية والتعديل بين الأولاد يكون بأحد أمرين إما اما برد مافضّل به من فضّل وإما بإعطاء الآخرين مثله ولكن مامعنى التفضيل - التفضيل أن يفضل بين الاولاد فيما تقتضي الحال التسوية بينهم فيه وليس أن يعطي أحد الاولاد مايحتاجه لأن إعطاء أحد الأولاد ما يحتاجه إذا كان الآخر لا يحتاج مثله لايعد تفضيلا ولايعد جوراً وبناء على ذلك فإن الجواب على هذا السوال أن نقول للسائل إن إعطائك الولد الذى يدرس مايحتاجه في المدرسة لا يعد تفضيلا ولايلزمك أن تعطي الابن الصغير مثله بل لا يجوز لك أن تعطي الابن الصغير مثله لأنك لو أعطيت الابن الصغير مثله لأعطيته أمراً فاضلاً عن حاجته فيكون في هذا جور وأبلغ من هذا أن أحد الأولاد احتاج الى زواج فزوّجه فإنه لايلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطي هذا المتزوج وقد ذهب بعض الناس إلى عمل يظنه صواباً وهو خطأ فتجده يكون له أبناء صغار وكبار فيزوج الأبناء الكبار ثم يوصي بشيء من ماله لتزويج الأولاد الصغار الذين مات عنهم وهم صغار وهذا لا يجوز لأن هذا من باب الوصية للوارث وقد قال الله عز وجل (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (لا وصية لوارث) فالأولاد الصغار الذين لم يبلغوا سن الزواج لا يجوز لوالدهم أن يوصي لهم بشيء من ماله نظير ما زوج به الكبار بل نقول انتظر حتى إذا بلغ هؤلاء الصغار مبلغ النكاح فزوجهم وبهذا تكون عادلاً ولهذا أمثلة كثيرة إذا كان الأولاد يختلفون في كبر الأجسام فمن المعلوم أنك إذا كسوت كبير الجسم لا يلزمك أن تضيف إلى كسوة صغير الجسم شيئاً من المال مقابل ما زاد على أخيه بل تعطي كل إنسان ما يحتاجه والخلاصة أن العدل بين الأولاد أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاجه وإذا أعطى أحداً بلا حاجة فحينئذٍ يكون مفضلاً فعليه أن يرد هذا التفضيل أو أن يعطي الآخرين مثله.
***(16/2)
السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول لديها ثلاثة أولاد كل واحدٍ منهم في بيتٍ مستقل وهي تعيش مع أكبرهم وهو بارٌ بها ويقوم على توفير سبل المعيشة ويتكفل في طعامها وعلاجها أما الثاني والثالث فهم يصرفون عليها فقط يقومون بالسلام عليها تقول وأنا أقوم بإعطاء الكبير الذي أعيش معه أكثر نقوداً وميلاً منهم حيث إنه يقوم على رعايتي ويهتم بي ويحج بي ويعتمر بي فهل عليه شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ميلها إلى الكبير لكونه يحسن إليها فهذا أمرٌ طبيعي فإن النفوس ميالةٌ إلى من يحسن إليها وأما تفضيله بدراهم فهذا لا يجوز لأن بره ثوابه الأجر عند الله عز وجل فلا يحل لها أن تخصه بشيء من المال من أجل بره بها بل تدعو له بالخير والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة وفي هذا كفاية.
***(16/2)
يوجد عندي أولاد فيهم واحد قائم بخدمتي ويقف معي في كل حاجة والآخرون لا يسألون عني فأما الكبير فلا يرد عليَّ تحية الإسلام مع العلم بأنه يسكن بجواري وأما الصغير فعمله في مدينة أخرى ولا يقوم بزيارتي في السنتين سوى مرة واحدة ويوجد عندي أراضي فهل يجوز أن أختص أو أخص الذي معي بشيء من هذه الأراضي مقابل خدمته لي ووقفته معي وسؤاله عني حيث لا يسأل عني سواه بعد الله عز وجل.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يعمل معك فإن كان متبرعا يريد بذلك ثواب البر فلا تعطه شيئاً وأما إذا كان يتشوف إلى أن تجعل له شيئا فهنا لا حرج أن تجعل له أجرة بقدر ما يعطاه غيره فمثلا لو قدر أن هذا الولد أجنبي ليس ولدا لك وأجرته في الشهر خمسمائة ريال فأعطيه خمسمائة ريال ولا حرج ما دام يعمل عندك أو أعطه سهما من الربح بقدر ما يعمل به من المال كمضارب أجنبي أما الآخران اللذان ذكر عنهما ما ذكر فإني أنصحهما أن يتوبا إلى الله عز وجل وأن يبرا بوالدهما أخشى عليهما من العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ومن بر بأبيه بر به أبناؤه.
***(16/2)
إذا كان شخص عنده ولد واحد فقط وبنات أكثر من أربعة ولديه مال وقد باع هذا المال على الولد دون البنات أو وهبه دون البنات فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما هبته للولد دون البنات فإن هذا حرام ولا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وأما بيعه على الولد فإن باعه بثمن المثل أي بما يساوي لو باعه على غيره فهذا لا بأس به لأنه ليس في ذلك هبة ولا محاباة وأما إذا باعه بأقل من ثمن المثل فإن ذلك حرام ولا يجوز لأن ذلك من باب تفضيل بعضهم على بعض.
فضيلة الشيخ: لو باعه فهل يعتبرهذا الثمن تركة يستحقها الجميع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع الثمن لأبيه فإذا مات أبوه وبقي عنده منه شيء فهو يكون تركة.
***(16/2)
سليمان عيسى من تشاد يقول أنا الآن أعمل بدولة تشاد في التجارة وقد قدمت من السودان بعد أن سافر والدي إلى المملكة العربية السعودية وكان عنده قطعة أرض في السودان وكان عنده أيضاً منزل وقد كلفني ببيع الأرض والذهاب بثمنها له في السعودية وقد بعت الأرض فعلاً وبعد مدة سافرت إليه في المدينة المنورة حيث يقيم وفي ذلك الوقت وهب لي المنزل الموجود في السودان وللعلم فإن لي أختين وحين عودتي من السودان بعت المنزل وسافرت بقيمته إلى دولة تشاد واستقريت فيها واشتريت لي منزلاً هناك وكونت تجارة مما بقي معي من ثمن المنزل الذي بعته في السودان فهل هذه الهبة لي من والدي صحيحة أم إن لأختي حقاً في تجارتي ومنزلي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تخصيص والدك إياك بهذا البيت بدون أختيك حرام ولا يجوز لأن النبي صلى الله علي وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وعلى هذا فإنه يجب على والدك الآن أن يسترد ما أعطاك أو أن يستسمح أختيك أو أن يعطيهما مثل ما أعطاك لكل واحدة منهما نصف ما أعطاك لأن العطية يكون فيها للذكر مثل حظ الأنثيين هذا هو العدل إذ لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل وقد جعل الله تعالى للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى هذا فنقول لوالدك إذا أراد أن يتخلص من هذا الأمر لك واحد من ثلاثة طرق فإما أن تأخذ من ولدك الذي خصصته بهذا البيت ما أعطيته منه وإما أن تستسمح البنتين حتى يسمحا بذلك وإما أن تعطي كل بنت نصف ما أعطيت الولد وبذلك تبرأ ذمتك وإلا فإنك آثم وهذا من الجور الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (لا أشهد على جور) .
فضيلة الشيخ: لو لم يتمكن والده من فعل أحد هذه الأمور الثلاث بسبب بعده عنه ولكن نفس الولد الذي هو السائل أشرك أختيه في تجارته ومنزله بهذا القدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو فعل هذا لكان جيداً وتبرأ به بذلك ذمة الوالد.
***(16/2)
مبارك فائز عوض من جمهورية مصر العربية بعث بهذا السؤال يقول والدي متوفى يرحمه الله وقد كان متزوجاً من امرأتين إحداهما هي والدتي التي أنجبتني وله منها تسعة أولاد وهو متزوج من امرأة أخرى وله منها ثلاثة أولاد وفي حياته قام بتقسيم أملاكه خوفاً من الخلاف بين الأولاد ولكنه قام بتقسيم تلك الأملاك عندما كان له من الزوجة الأولى ثلاثة أولاد ومن الثانية ست أولاد فقط ثم بعد التقسيم أنجبت الثانية ثلاثة أولاد والآن هو متوفى فماذا علينا أن نفعل من بعده وهل عليه أثم في قسمته تلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قسمة ماله بين أولاده لا حرج عليه فيها مادامت القسمة على مقتضى العدل بأن يكون الذكر مثل حظ الأنثيين ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يفعل لأنه إذا قسم ماله بينهم أخرجه عن ملكه وربما يحتاج إليه في حياته ثم إنه قد يحدث له أولاد جدد كما في هذا السؤال فالذي ينبغي للإنسان أن لا يقسم ماله على ورثته في حياته حتى وإن قدر أنه لا يرجو أولاداً في المستقبل وذلك لما أشرنا إليه من كونه قد يحتاج إلى ماله ويكون قد أخرجه من ملكه وأما قوله أنه قسم ذلك لئلا يكون بين الأولاد خلاف بعد موته فهذا سوء ظن والله سبحانه تعالى قد جعل الميراث يقسم بعد موت المورث قد لا يليق بالإنسان أن يقسم ماله على ملكه فإذا توفاه الله عز وجل فإن الأمر معلوم لا يمكن أن يقع به اشتباه لأن الله تعالى بين المواريث بياناً كافياً شافياً كما قال الله تعالى في آخر آية من آيات المواريث (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
***(16/2)
عبد الفتاح السباعي السيد مصري مهندس زراعي يعمل بالأردن يقول في رسالته نحن ثلاثة إخوة ولنا أخ من والدي أي أن والدته متوفية وكان هذا الأخ عاقاً لوالده أي والدي وكان يتشاجر معه كثيراً وقد ساعده أبي منذ مدة في شراء منزل له وفي إحدى المرات التي تشاجر معه فيها قرر والدي أن يكتب المنزل الذي نقيم نحن فيه مع والدنا قرر أن يكتب هذا المنزل لنا خوفاً من أخي أن يتشاجر معنا بعد وفاة والدي وهذا مقابل أنه ساعده في شراء منزل له كما قلت سابقاً وشاء الله أن مات أخي هذا وله أولاد بعضهم متزوج ووالدي ما زال حياً وسؤالي هل تعتبر ذمة والدي الآن بريئة منه على الرغم أنه كان عاقاً له أو ندفع نحن لأولاده مقداراً من المال مقابل كتابة والدي المنزل لنا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أبين أنه يجب على المرء أن يعدل بين أولاده في العطية والهبة وألا يفضل منهم أحداً على أحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد حين أعطى ولده النعمان ما لم يعط إخوته قال له النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال له (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) والتسوية بين الأولاد في العطية تكون كما قسم الله تعالى لهم في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا في غيرما يكون دفعاً للحاجة فأما ما كان دفعاً للحاجة فإنه يعطى كل إنسان مقدار حاجته فإذا قدر أن للإنسان أولاداً واحتاج أحدهم إلى النكاح وكان الآخرون صغاراً فزوج هذا الكبير الذي احتاج إلى الزواج فإنه لا يلزمه أن يعطي الصغار مثل ما دفع لهذا من المهر أو ما أعطاه من مؤونة النكاح لكن إذا بلغوا ما بلغه هذا واحتاجوا إلى الزواج لزمه أن يزوجهم كما زوج الأول ولقد كان بعض الناس إذا زوج أولاده الكبار وكان له أولاد صغار يوصي لهم أي للصغار بشيء من ماله مقابل ما زوج به الكبار وهذا حرام ولا يجوز ووصيته في مثل هذه الحال باطلة لأنها وصية لوارث وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) بعد هذا نجيب على السؤال فنقول إن مساعدة والدك لأخيكم من أبيكم في شراء منزل له من باب الجور والحيف وكان الذي ينبغي أن يجعل ما ساعده به قرضاً في ذمته ومن الواجب عليه لما ساعده في منزله أن يعدل بينكم بأن يعطى كل واحداً منكم مثل ما أعطاه هذا بالنسبة للذكور ونصف ما أعطاه بالنسبة للإناث وحيث إنك ذكرت أنه كتب منزله لكم فينظر إذا كان ذلك بقدر ما أعطى أخاكم فقد برئت ذمة الوالد وحل لكم ما أخذتموه ولا يلزمكم أن تعطوا أولاد أخيكم شيئاً وأما إذا كان البيت الذي كتبه لكم نصيب كل واحد منكم أكثر مما أعطى أخاكم فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعطي أولاد أخيكم حتى يساويه بكم وذلك لأنه كان واجباً عليه أن يعدل عليكم في حياة أخيكم وحق أخيكم لا يسقط بموته فيكون لورثته من بعده.
***(16/2)
رجل له أولاد بلغوا سن الرشد وكل واحد منهم متزوج واحد منهم يكاتفه ويعاونه في أعماله ويطيعه ويتفقد شيءون والده في مزرعته أو عماراته وما أشبه ذلك أما البقية فيصدون عن مثل هذه الأعمال وكل واحد يقوم بحاله الخاصة ولكن الوالد جعل لهذا الولد الذي يساعده حق زائد على إخوانه أنه يسكنه معه بدون مقابل أجرة أما البقية يستأجرون في عمارات أخرى أفيدونا في مثل هذه القضايا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم قبل الاجابة على هذا السؤال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وذلك حين جاءه بشير بن سعد الأنصاري يخبره بأنه نحل ابنه النعمان بن بشير نحلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا فقال صلى الله عليه وسلم (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة عليه وقال إني لا أشهد على جور وهذا يدل على أن الرجل إذا أعطى أحداً من أولاده مالم يعط الآخرين فإنه جائر والجور حرام مخالف للعدل ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وكيفية العدل أنه إذا كان في نفقة واجبة فإنه يعطي كل واحد ما يحتاجه في نفقته قل أو كثر فلو قدر أن له أولاداً ثلاثة أحدهم قد بلغ سن الزواج ويرغب أن يتزوج والثاني دون ذلك والثالث دونه لكن الثاني يدرس في كلية أو ثانوية يحتاج إلى كتب يراجعها والثالث دونه ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الثاني من الكتب فهنا نقول العدل أن تزوج الأول ولو خسرت عليه ما خسرت من الدراهم ولا يلزمك أن تعطي الاثنين مثله والعدل في الثاني أن تعطيه ما يحتاجه للكتب وإن كنت لا تعطي الثالث مثله لأن الثالث لا يحتاجها وتعطي الثالث ما يحتاج إليه فلو قدر أن الثاني حاجته من الكتب تبلغ خمسمائة ريال فاشتر له كتباً بخمسمائة ريال والثالث لا يحتاج إلا خمسين ريالاً فاشتر له كتب بخمسين ريالاً والأول الذي كان يتزوج يحتاج إلى عشرين ألفاً للزواج زوجه بعشرين ألفاً ولا يعد هذا جوراً لأن هذا قيام بما يجب من النفقة لكن بعض الناس يقول أنا سأوصي لولدي الذي لم يتزوج بمقدار المهر الذي ساعدت به أخاه الذي تزوج فنقول هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا وصية لوارث) لكن إن أدرك الصغير سن الزواج فزوجه وإن لم يدرك ومتَّ قبل أن يدرك ذلك فلا حرج عليك لأن الزواج من النفقة فيعطى كل واحد منهم ما يحتاج إليه فقط أما إذا كانت العطية تبرعاً محضاً لا لحاجة فإنه يجب التعديل بينهم ولا يُعطى أحد دون الآخر وكيفية التعديل على القول الراجح أن يعطى الذكر مثل حظ الانثيين فإذا كان عنده ابن وبنت وأراد أن يعطيهم منحة تبرعاً لا في مقابل واجب النفقة فإنه إذا أعطى الولد ألفين يعطي البنت ألفاً فقط وبعد هذا نجيب على سؤال السائل الذي ذكر أن له ثلاثة أولاد وأن أحدهم يعمل مع أبيه في مزرعته وفي تجارته وفي عقاره وأنه يسكنه مجاناً وأن إخوته الآخرين يسكنون بالأجور من عند أنفسهم فنقول إنه لا حرج عليه أن يسكن ولده بإحدى بيوته مجاناً بشرط أن تكون أجرة هذا البيت تساوي أجرة عمله مع أبيه فإذا قدر أنه لو كان عاملاً أجنبياً لاستحق كل شهر ألف ريال وكانت أجرة البيت تساوي اثني عشر ألفاً ريالاً فإن هذا لا بأس به لأن السكنى بمقدار أجرة عمله أما لو قدر أن أجرة البيت أكثر مما يستحق مثل أن يكون استحقاقه لو استأجره عشرة آلاف ريال وأجرة البيت باثني عشر ألفاً فإنه لا يجوز أن يسكنه مجاناً بل لا بد أن يأخذ منه ألفي ريال وهي الزائدة على ما كان يستحقه لو كان أجيراً اللهم إلا إذا كان الابن فقيراً لا يملك أن يدفع الزيادة فإنه حينئذٍ يكون تسكينه من باب الإنفاق عليه ولا حرج وعلى هذا فنقول إذا كان أحد الأولاد قائماً بتجارة أبيه وأراد أبوهم أن يجعل له أجرة شهرية تقدر بأجرة الإنسان الأجنبي الذي ليس ولداً له فإن هذا لا بأس به ولا يعد ذلك جوراً ولا تفضيلاً لهذا الولد.
***(16/2)
علي بسيوني مصري نحن أربعة إخوة نعيش مع والدنا في مسكن واحد بحكم العادات القروية في القرية المصرية وكل ما نكسبه خلال يومنا من عمل في الأرض نعطيه لأبينا الذي يقوم بالصرف على الأسرة كلها حتى أولادنا وزوجاتنا ولنا أختان متزوجتان ومن خلال كسبنا الحلال والحمد لله وفر والدنا مبلغاً من النقود اشترينا به قطعة أرض أصر والدنا أن يكتبها لنا نحن الذكور فقط وقال إنها من تعبكم ولم يذكر شيئاً لأخواتنا الإناث هل ما فعله والدنا حلال يا فضيلة الشيخ أرجو منكم إفادة بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنه يجب على المرء أن يعدل بين أولاده لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقو الله واعدلوا بين أولادكم) ولا يحل له أن يخص أحداً منهم بعطية إلا فيما تقضيه ضرورة ذلك المعطى كما لو احتاج أحدهم لعلاج أو لزواج فإنه يعطيه والقضية التي ذكرها السائل إذا كان والدهم وهم يعطونه كسبهم نوى أنه قرض في ذمته ثم بعد ذلك اشترى لهم به هذه الأرض وأعطاهم إياها فلا حرج عليه في ذلك لأن هذا هو مالهم وأما إذا كان يأخذ المال منهم على أنه ملكه ثم بعد ذلك أعطاهم هذه الأرض دون بقية إخوتهم أو أخواتهم فإن هذا من التفضيل الذي لا يجوز وقد ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن أباه بشيرا نحله نحلة فقالت له أمه عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ليشهده سأله النبي صلى الله عليه وسلم هل أعطى بنيه مثل ذلك فقال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وبهذه المناسبة أود أن أذكر مسألة يكثر السؤال عنها وهي أن بعض الناس يكون له أولاد ذكور فيبلغ كبارهم سن الزواج ويزوجهم ثم يوصي في ماله بعد موته بشيء من المال ليزوج به الصغار بعد موته لأنه زوج الكبار في حياته وهذا لا يجوز لأنه لا وصية لوارث فإن الورثة قد قسم الله بينهم تركة مورثهم بمقتضى علمه وحكمته فلا يجوز أن تتعدى حدود الله سبحانه وتعالى في ذلك وهؤلاء الصغار الذين توفي أبوهم قبل أن يبلغوا الزواج ليس عليه أن يزوجهم قبل أوانه وإذا لم يكن عليه أن يزوجهم قبل أوانه فإنهم إذا بلغوا أوان الزواج بعد موته يزوجون من نصيبهم من تركة أبيهم.
***(16/2)
م. ح. م. من الخبر المملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ اشتريت من والدي قطعة أرض بسعرٍ رمزي هل يجوز ذلك وخاصةً أن لي عشرة إخوة من الأب أرجو إفادتي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولما أراد بشير بن سعد أن يُشهد النبي صلى الله عليه وسلم على عطيةٍ نحلها ولده النعمان قال له النبي صلى الله عليه وسلم (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وهذا يدل على أنه لا يحل لأحدٍ أن يفضل بعض أولاده على بعضٍ في العطية وأن ذلك من الجور الذي أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشهد عليه وقال في تحقيق التبرؤ منه (أشهد على هذا غيري) وعلى هذا إذا كان أبوك قد منحك أرضاً أو باع عليك أرضاً بثمنٍ رمزي فإن هذا البيع ليس بصحيح ولا يحل له أن يبيعك أرضاً إلا كما يبيعها على غيرك بثمن المثل المعتاد في ذلك المكان وفي ذلك الزمن وتصحيح هذا التصرف الآن أن تقدر الأرض بقيمتها حين باعها عليك في ذلك الوقت وأن تجرى عليك بتلك القيمة إلا إذا أعطى أبوك إخوتك مثل ما أعطاك فلا بأس بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان قال (ألك بنون) قال نعم قال فسأله هل أعطى جميعهم مثل ما أعطى ابنه النعمان قال لا فرد بشير بن سعد رضي الله عنه هذه العطية إذاً فتصحيح هذا الأمر إما أن تُرد الأرض إلى الوالد أو تُقَوَّم بقيمتها في ذلك الوقت أو يعطي إخوانك مثل ما أعطاك عطية الأولاد تكون كما قسم الله عز وجل في كتابه للذكر مثل حظ الانثيين وهاهنا أمرٌ يجب التفطن له وهو أن العدل في الإنفاق يكون بإعطاء كل واحدٍ منهم ما يحتاج إليه فإذا كانت الأنثى تحتاج إلى حليٍ يلبسه مثلها فاشترى لها أبوها حلياً لتلبسه فإنه لا يلزمه أن يعطي مثل قيمته للأبناء لأنه إنما أعطاها لدفع حاجتها وكذلك لو احتاج أحدهم أحد الأولاد إلى علاجٍ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثلما أنفق على علاج هذا الولد الذي احتاج إليه وكذلك لو احتاج أحدهم إلى زواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل المهر والنفقات التي زوجها زوج بها الولد ولكن العدل في ذلك أنه إذا بلغ الثاني مبلغ الزواج فإنه يزوجه وقد كان بعض الناس إذا كان له أولادٌ كبار فزوجهم وأولادٌ صغار لم يبلغوا سن الزواج يوصي لهم بمثل المهر بعد موته وهذا خطأٌ ولا يجوز لأن الوصية للوارث محرمة لأن الله عز وجل لما قسم المواريث قال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) فأخبر عز وجل أن هذا القسم الذي تولاه سبحانه وتعالى بنفسه فريضة صادرٌ عن علمٍ وحكمة وغايةٌ محمودة وقال تعالى في الآية الثانية (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) لما ذكر المواريث قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) فهؤلاء الأولاد الصغار الذين زوج الوالد إخوتهم الكبار الذين بلغوا الزواج لا يجوز له أن لا يجوز لوالدهم أن يوصي لهم بمثل المهر ولكن إذا بلغوا الزواج في حياته فليزوجهم وخلاصة القول أنه يجب على الإنسان أن يعدّل أو أن يعدل بين أولاده في العطية وكذلك يجب عليه أن يعدل بينهم في النفقة والعدل في النفقة أن يعطي كل واحدٍ منهم ما يحتاجه من النفقة قل ذلك أو كثر والنقطة الأخيرة التي نبهنا عليها هي أن بعض الناس إذا زوج أولاده الصغار في حياته أوصى بمثل ما زوجهم به للصغار من بعد موته وهذا لا يحل ولا يجوز لأنه وصية لوارث والوصية للوارث محرمة باطلة لا يجوز تنفيذها وقد علم السامع ما استدللنا به من القرآن والسنة في هذا الباب.
***(16/2)
عندما كانت والدتي على قيد الحياة وهبت لي ولأخي الأكبر مني قطعة أرض مساحتها ما يقارب من عشرين قيراطاً لكنها اشترطت أن ندفع لأخواتنا وهن أربع من النساء مبلغ ستمائة جنية مصري وعندما توفيت دفعنا لكل واحدة مائة وخمسين جنيهاً كما اشترطت والدتنا فهل هذا الإجراء صحيح أم أنه مخالفٌ للشريعة علماً بأن الأختين الكبيرتين كانتا موافقتان على هذا الإجراء نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إنه لا يجوز للإنسان أن يهب أحداً من أولاده أكثر من ما وهب الآخر أو أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين وأمكم قد خصتكم بعطيةٍ دون أخواتكم فيجب عليكم التحلل من أخواتكم وأن تعطونهن ما تطيب به نفوسهن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للبشير بن سعد حين نحل ابنه النعمان بن البشير نحلةً لم يعطِ إخوانه مثلها قال عليه الصلاة والسلام (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فسماه النبي صلى الله عليه وسلم جوراً والجور ظلمٌ لا يجوز للإنسان أن يستمر عليه فمن بركم لأمكم أن تتفقوا مع أخواتكم وأن تتحللوا منهن ولا يكفي أن تبذلوا لكل واحدةٍ منهن مائة وخمسين جنيهاً بل لا بد أن ترضونهن بما تطيب به نفوسهن إذا كنتم تريدون إبراء ذمة والدتكم وإنني بهذا المناسبة أقول إنه لا يجوز للإنسان أن يعطي أحداً من أولاده أكثر من الآخرين ولا أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين هذا في التبرع المحض أما في الأمر الذي يكون من باب سد الحاجة والنفقة فإن العدل أن يعطي كل إنسانٍ ما يحتاجه فمثلاً البنت تحتاج إلى حلي والولد يحتاج إلا غترة طاقية ومعلومٌ أن الحلي أكثر قيمةً من الغترة والطاقية فإذا أعطى البنات حلياً ولم يعطِ الأولاد الذكور ما يقبل ذلك فإنه لا حرج عليه لأن ذلك من باب النفقة وسد الحاجة وكذلك لو احتاج أحد الأولاد الذكور إلى زواج فأعطاه من ماله وزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مقابل ما أعطاه هذا المتزوج وإنما يلزمه إذا بلغ الآخرون سن الزواج أن يزوجهم كما زوج أخاهم الكبير وقد ذهب بعض الناس إلى عملٍ محرم ويظنه جائزاً وهو أنه يوصي لأولاده الذكور الصغار إذا زوج الأولاد الكبار يوصي للصغار بشيء يتزوجون به بعد موته وهذا حرامٌ عليه إلا إذا أجازها بقية الورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) فإذا قال أنا قد زوجت الأبناء الكبار قلنا نعم أنت زوجتهم في وقت تزويجهم وأما الصغار فإنه لم يحن وقت تزويجهم فإعطاؤك إياهم أو وصيتك لهم بمثل ما زوجت به الكبار يعتبر تبرعاً لا يحل فهذه النقطة أود من إخواني المستمعين أن ينتبهوا لها فإنهم إذا أوصوا للصغار بشيء صاروا آثمين وإن لم يوصوا به بشيء لهم كانوا سالمين من الإثم.
***(16/2)
مصطفى أ. أ. يقول نحن أربعة من الإخوان نعيش مع والدنا الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بالنعمة ونحمد الله على ذلك إلا أن الوالد يفضل ويكرم ويعطف على أخ لنا أصغر لأنه من زوجة ثانية وقد كتب له بعض الأملاك باسمه فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن عليكم أن تقوموا ببر الوالد وتصبروا على ما حصل منه من جور لأنكم مأمورون ببر الوالدين أما بالنسبة لوالدكم فإنني أحذره من هذا العمل وأقول له اتق الله واعدل بين أولادك ويجب عليه أن يرد ما كتبه لابنه من الأملاك وما آثر به ابنه من الأمور الأخرى إلا إذا سمحتم بذلك فلا حرج عليه أن تبقى هذه الأملاك عند ابنه الذي آثره عليكم أما مع عدم السماح فيجب عليه أن يرد ما أعطاه لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه لما وهب ابنه النعمان بن بشير هبة أمره النبي صلى الله عليه وسلم فردها رد ما وهب ابنه حيث قال له الرسول عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
***(16/2)
محمد عوض سوداني يقول في هذا السؤال لدي أبناء وبنات وأهدي لهم بعض النقود ولكن ليس بالتساوي هذه الهدية على حسب مستواهم أفيدوني بعملي هذا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان في إعطاء أولاده من ذكور وإناث أن يُعَدِّلَ بينهم فيعطي الذكر مثلي ما يعطي الأنثى يعني إذا أعطى الأنثى عشرة أعطى الذكر عشرين هكذا قسم الله تعالى بين الأولاد في الميراث فقال تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ولا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل هذا في غير الحاجة أما ما أعطاهم من أجل الحاجة والنفقة فكل إنسان يُعطى ما يحتاجه فإذا قدرنا أن الأنثى تحتاج إلى مائة في اللباس والذكر لا يحتاج إلا إلى خمسين أعطى الذكر خمسين وأعطى الأنثى مائة وإذا كان الأمر بالعكس فإنه يعطي كل واحد منهم ما يحتاجه فصار الجواب إذا كانت الهدية تبرعا محضا فلا بد من التعديل بأن يعطي الذكر مثلي ما للأنثى وإذا كانت للنفقة فإن التعديل بينهم أن يعطي كل إنسان ما يحتاجه لنفرض أن عنده ابنين أحدهما صغير لا يحتاج إلى كتب ولا قرطاس ولا أقلام ولا غيرها والآخر يدرس فيحتاج إلى كتب وقرطاس وأقلام فيعطي هذا الدارس ما يحتاجه للمدرسة وذاك لا يعطيه شيئا وولعلنا في هذه المناسبة نذكر بعض إخواننا الذين يكون لهم أولاد متعددون فيكبر بعضهم ويزوجهم ويبقى الصغار فتجده يوصي لهم بشيء من ماله يتزوجون به بعد موته وهذا حرام عليه لأن الزواج من النفقة فمن احتاجه قام بحاجته فيه ومن لم يحتاجه فإنه لا يجوز له أن يعطيه شيئا وعلى هذا فإذا كان للإنسان ثلاثة أبناء وزوج اثنان منهم في حياته وبقي الصغير لم يصل إلى حد الزواج ثم إن هذا الأب أوصى للصغير بمقدار المهر الذي أعطاه أخويه فإن ذلك حرام والوصية باطلة فإذا مات فإن هذه الوصية ترد في التركة إلا أن يسمح عنه بقية الورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) .
***(16/2)
إذا رضي الأولاد بعطية أبيهم لأخيهم فهل يحل له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا رضي الأولاد وهم بالغون مرشدون بما فضل به والدهم لأخيهم فإن هذا لا بأس به لأن الحق لهم.
***(16/2)
من ليبيا مستمع للبرنامج يقول ابني الكبير لديه منزل من عمله في التجارة فهل لابني الآخر أحقية في هذا المنزل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا المنزل الذي لدى ابنك من عمله هو من كسبه هو فليس لأخيه حقٌ فيه لأن كل إنسانٍ له ماله الخاص وأما إذا كان هذا البيت مما تفضلت به عليه فإن الواجب عليك أن تتفضل على بقية إخوانه بمثله فإن لم تفعل فالواجب عليك أن ترده وأن تجعل هذا البيت من مالك وإذا قدر عليك الموت صار ميراثاً بعدك.
***(16/2)