ما حكم إحضار الطعام إلى المساجد بنية الصدقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إحضار الطعام إلى المساجد ليأكله الفقراء لا بأس به لكن لا على سبيل الدوام لأنه إذا كان على سبيل الدوام فقد يصبح المسجد بيتاً ومقراً أما إذا كان لأمر طارئ كالإفطار في رمضان فهذا لا بأس به بشرط أن لا يتأذى أهل المسجد ولا يتلوث المسجد وعمل الناس اليوم على هذا أما أن نجعل المسجد كأنه مقهى أو مطعم فهذا لا يجوز فالمساجد ما بنيت لهذا ففرق بين الأمور العارضة الطارئة وبين الأمور المستمرة الدائمة.
***(8/2)
هل يجوز بناء المنارات على المساجد وهل هي سنة أم بدعة وهل كان ذلك معروفاً في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم أن بناء المنارات كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن المسلمين اتخذوا المنارات وأقروها ولم نعلم أن أحداً أنكرها اللهم إلا أن يكون بعض الناس ينكرونها لعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أنها تؤدي غرضاً حميدا فإنها العلامة الظاهرة للمسجد وارتفاع الأذان منها يكون أبلغ وأوسع وأشمل فالغرض منها غرضٌ مقصودٌ محمود.
***(8/2)
ما هي فضيلة الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام) وفي مسند الإمام أحمد (أن الصلاة بالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما عداه) وعلى هذا فتكون الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا السائل من الرياض يقول هل الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلة تعتبر كالصلاة داخل المسجد النبوي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في الزيادة التي في المسجد النبوي أو في المسجد الحرام تابعةٌ للمسجد وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن ما زيد في المسجد فهو منه ولو بلغت الزيادة مساحةً كبيرة فمن صلى في هذه الزيادة فهو كمن صلى في المسجد الأول الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن في صلاة الجماعة كلما قرب الإنسان من الإمام فهو أفضل وكذلك يقال في الزيادة التي في المسجد الحرام فإنها تابعةٌ له لكن في صلاة الجماعة كلما قرب الإنسان من الإمام فهو أفضل.
***(8/2)
يقول السائل مصلى المدرسة هل يأخذ أحكام المساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مصلى المدرسة أو المصلى في البيت الذي أعده الإنسان للصلاة فيه لا يأخذ حكم المساجد وإنما هو مصلى يحترم لكون الناس يصلون فيه أما أن يعطى حكم المسجد من كونه إذا دخل فيه لا يجلس حتى يصلي ركعتين وإذا كان جنبا لا يجلس فيه إلا بوضوء ويعتكف فيه وما أشبه ذلك من أحكام المساجد فلا فالمصلى في مكان العمل والمصلى في البيت ليس بمسجد وليس له أحكام المسجد لكنه مكان اجتماع يصلى الناس فيه.
***(8/2)
المستمع من السودان يقول هل يجوز للرجل أن يذهب إلى المسجد ومعه أطفاله الصغار دون الرابعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأطفال الذين دون الرابعة في الغالب لا يحسنون الصلاة لأنه لا تمييز لهم والسن الغالب للتمييز هو سبع سنين وهو السن الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا بلغوه فقال عليه الصلاة والسلام (مروا أولادكم أو أبناءكم بالصلاة لسبع) وإذا كان هؤلاء الأطفال الذين في الرابعة لا يحسنون الصلاة فلا ينبغي له أن يأتي بهم إلى المسجد اللهم إلا عند الضرورة كما لو لم يكن في البيت أحد يحمي هذا الصبي فأتى به معه بشرط ألا يؤذي المصلين فإن آذى المصلين فإنه لا يأتي به وإذا احتاج الطفل أن يبقى معه في البيت فليبق معه وفي هذه الحال يكون معذوراً بترك الجماعة لأنه تخلف عن الجماعة لعذر وهو حفظ ابنه وحمايته.
***(8/2)
أحسن الله إليكم السائل عبد الباسط من جمهورية مصر العربية يقول فضيلة الشيخ يوجد بجانبنا مسجد يبعد عنا كيلو ولا نصلى فيه إلا صلاة الجمعة ويصلى فيه التلاميذ صلاة الظهر وبعض المارة يصلون فيه صلاة العصر هل تجوز الصلاة فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز الصلاة في هذا المسجد ما دامت الجماعة تقام فيه لكن الصلاة في مسجد تقام فيه جميع الصلوات أفضل إلا أن هذا المسجد الذي أشار إليه السائل إذا كانت الجماعة لا تقام إلا بحضوره فإن حضوره أفضل.
***(8/2)
أحسن الله إليكم هذه رسالة وصلت من مستمعة للبرنامج أم عبد الرحمن تقول في هذا السؤال إذا ذهبت المرأة مع زوجها للعمرة وبعد الانتهاء من العمرة ذهبوا إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم هل يجوز للمرأة أن تصلى في الروضة التي ما بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تصلى في كل المسجد لكن بشرط أن لا تزاحم الرجال فإن كان لا يتيسر لها ذلك إلا بمزاحمة الرجال فلا تفعل والمسجد النبوي حكمه واحد في الثواب حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) .
***(8/2)
أحسن الله إليكم في آخر أسئلة هذا السائل من الجزائر يقول ما حكم الصلاة في مسجدٍ بني على ملكيةٍ خاصة لأحد الخواص ولم يتنازل عن هذه الأرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا بني المسجد على أرض شخصٍ باختياره وطوعه فلا بأس أن يصلى فيه وتكون هذه البنية أعلاها مسجد وأسفلها مملوك ولا حرج في ذلك.
***(8/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من أسئلة السائلة أم ياسر تقول في مسجد الحي في القسم النسائي يوجد درجٌ مفروش فهل يعتبر هذا الدرج من المسجد أم لا وما حكم الصلاة عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الدرج داخل باب المسجد فهو من المسجد وإذا كان خارج باب المسجد فليس منه وأما الصلاة فيه فإن كان الإنسان إذا صلى اتجه إلى القبلة فلا بأس وإن كان لا يتجه إلى القبلة فإنه لا يجوز فكيف يصلى إلى غير القبلة.
***(8/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ إذا قدمت من مكة إلى المدينة ومررت بمسجد قباء هل أصلى ركعتين علماً بأنني لن أبقى بالمدينة طويلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ابدأ أولاً بالمسجد النبوي أفضل لأن المسجد النبوي أفضل من قباء ثم إذا نزلت في بيتك أو في شقةٍ استأجرتها فتطهر واخرج إلى مسجد قباء فإن من تطهر في بيته وخرج إلى مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان كمن أدى عمرة هذا الأفضل وإن بدأت بقباء لأنه على طريقك فلا حرج.
***(8/2)
صلوات غير مشروعة(8/2)
جزاكم الله خيراً من الجزائر السائل ع ع يقول في بلدتنا نحيي ليلة القدر وذلك بالقيام بعد صلاة المغرب بدقائق وتوزيع الأكل والشراب في المسجد ويستمر القيام إلى طلوع الفجر فما حكم هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل غير صحيح أولاً لأن ليلة القدر لا تعلم عينها فلا يدرى أهي ليلة سبع وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو تسع وعشرين أو إحدى وعشرين أو ليلة ثنتين وعشرين أو أربع وعشرين أو ست وعشرين أو ثمانٍ وعشرين أو ثلاثين لا يعلم بأي ليلة هي فقد أخفاها الله تبارك وتعالى أخفى علمها على عباده من أجل أن تكثر أعمالهم في طلبها وليتبين الصادق ممن ليس بصادق والجاد ممن ليس بجاد فهي ليست ليلة سبع وعشرين بل هي في العشر الأواخر من ليلة إحدى وعشرين إلى ليلة الثلاثين كل ليلة يحتمل أن تكون ليلة القدر فتخصيصها بسبع وعشرين خطأ هذا واحد.
ثانياً الاجتماع على هذا الوجه الذي ذكره السائل ليس من عمل السلف الصالح وما ليس من عمل السلف الصالح فهو بدعة وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدع وقال (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فعلى المسلمين في آخر الأمة أن ينظروا ماذا صنع أول الأمة وليتأسوا بهم فإنهم على الصراط المستقيم وقد قال الإمام مالك رحمه الله (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) .
فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن لا يتعبوا أنفسهم ببدعة سماها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضلالة وأن ينفرد كل منهم بعبادته من ليلة إحدى وعشرين إلى الثلاثين تحرياً لليلة القدر وأن يجتمعوا مع الإمام على ما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يزيد على إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا غيره كما قالت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي هي من أعلم الناس بحال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان قالت كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعاً وهذه الأربع يصليها على ركعتين ركعتين يعني الأربع الأولى بتسليمتين والأربع الثانية بتسليمتين وليس كما توهمه بعض الناس أنه يجمع الأربع بتسليمة واحدة فإن حديث عائشة نفسه ورد مفصلاً من طريق آخر أنه كان يصلى ركعتين ركعتين ومجمل حديثها يفسر بمفصله وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى) والأصل أن فعله لا يخالف قوله ولذلك نبين لإخواننا ونعتقد أنه واجب علينا أن نبين أن الذين ظنوا أن معنى الحديث أنه يصلى أربعاً بتسليمه واحدة ثم يصلى أربعاً بتسليمة واحدة لم يصيبوا في ظنهم بل صلاة الليل مثنى مثنى في رمضان وفي غيره فإذا قال قائل كيف قالت يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن فالجواب أن الأربع الأولى متشابهة في الطول في القراءة والركوع والسجود والقعود ثم يستريح بعدها قليلاً كما يفيده العطف بثم لأن ثم تدل على المهلة ثم يصلى أربعاً قد تكون مثل الأولى وقد تكون أقل منها وقد تكون أكثر يعني في التطويل ثم يستريح ثم يصلى ثلاثاً هي الوتر وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أنبه إخواني الأئمة على مسألة قد يفعلها بعض الناس وهي أنه يصلى في رمضان بالناس القيام ثم يجعل القيام كله سرداً فيصلى تسع ركعات فرداً لا يجلس إلا في الثامنة يتشهد ثم يقوم ويصلى التاسعة ويتشهد ويسلم محتجاً بأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك في وتره ونحن نؤيده على أنه ينبغي نشر السنة لكن نشر السنة كما وردت فهل قام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه بهذا العدد إن كان هناك حديث فليرشدنا إليه ونحن له إن شاء الله متبعون وداعون ولكن لا يستطيع أن يثبت أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه هذا العدد بتسليم واحد وإذا لم يكن كذلك فإن الإنسان إذا صلى لغيره فلا يشق عليهم ولهذا زجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أطال الصلاة بالناس وقال إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ولا يخفى على إنسان أن مثل هذا القيام يشق على الناس فمن يبقى طيلة هذا القيام لا يحتاج إلى نقض الوضوء يعني إلى البول أو الغائط أو غير ذلك فقد يكون في الجماعة من يحتاج إلى هذا وقد يكون في الجماعة من له شغل يريد أن يصلى مع الإمام تسليمتين وينصرف وقد يكون أشياء أخرى فيدخل هذا الفعل فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التطويل ثم إن الناس إذا جاؤوا بعد أن كبر لهذا الوتر ماذا ينوون أكثر الناس ينوي أنه تهجد لا وتر فيفوت الإنسان الذي دخل معه نية الوتر ويبقى حيران فأنا أشكر كل إنسان يحب أن يطبق السنة بقوله وفعله وأرجو الله لي وله الثبات على ذلك لكن كوننا نطبق السنة على غير ما وردت فهذا خطأ فنقول لإخواننا من صلى الوتر تسعاً على هذا الوصف في بيته كما فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أصاب السنة وأما من قام به في الناس فقد أخطأ السنة لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله أبداً والعاقل البصير يعرف أن هذا الدين يسر سهل فكيف نشق على الناس بسرد تسع ركعات ونشوش عليهم نيتهم ويبقى الناس بعد هذا متذبذبين أننوي الوتر أو ننوي التهجد أم ماذا أسأل الله أن يوفقني وإخواني المسلمين لاتباع الهدى واجتناب الهوى وأن يهدينا صراطه المستقيم.
***(8/2)
هل توجد صلاة لكل يوم وهل توجد صلاة لكل ليلة مثل صلاة ليلة الأحد أربع ركعات نقرأ فيها الإخلاص ثلاث مرات ونستغفر بعد الصلاة سبعين مرة وصلاة يوم الأحد يقرأ فيها القارئ (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) مرة واحدة ويقرأ بعد الصلاة (قل هو الله أحد) عشر مرات وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أنه كان يصلىها فعلاً نرجو الإفاضة في الإجابة على هذا السؤال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصلاة التي أشارت إليها السائلة صلاة الأحد وليلة الأحد ليس لها أصل من الشرع فهي بدعة (وكل بدعة ضلالة) وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها وما أقر أحداً من أصحابه على فعلها وإذا انتفت فيها هذه الأمور الثلاثة السنة القولية والفعلية والإقرارية تبين أنها من البدع لأن كل شيء يتقرب به الإنسان إلى ربه ويتخذه دينا وليس له أصل من الشرع فإنه بدعة وضلالة حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم لا فرق في ذلك بين ما يحدث من صلاة أو صدقة أو صيام وغيره فكل عمل يتقرب به الإنسان إلى الله سبحانه تعالى فلا بد أن يكون له أصل من الشرع وذلك لأن العبادات مبنية على أمرين أساسيين لا بد منهما هما الإخلاص لله عز وجل والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا أشار الله تعالى في قوله (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) فلا بد من الحنيفية ولا بد من الإخلاص والحنيفية هي الشرع واتباعه وعدم الميل عنه يمينا أو يسارا ونصيحتي لهذه المرأة ولغيرها ممن يحبون الخير ألا يعملوا عملاً يتقربون به إلى الله حتى يعرفوا أن له أصلاً من الشرع ليكون بذلك مقبولاً عند الله عز وجل فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود على عامله مهما كان هذا العمل مما يستحسنه هذا العامل فإنه لا خير فيه إذا لم يكن على وفق الشريعة الإسلامية.
***(8/2)
عندنا وبعد الصلاة يقوم شخص لقراءة الفاتحة وينتهي بقوله إلى حضرة النبي ما حكم هذا يا فضيلة الشيخ بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا أنه بدعة من البدع التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وكل ما ابتدع في الدين فإنه لا ينفع صاحبه بل يضره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً من ذلك (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) وهذا العمل الذي يكون بعد الصلاة وهي قراءة الفاتحة أو آية الكرسي بصوت مرتفع يسمعه الحاضرون لا شك أنه من البدع التي ينهى عنها ويؤمر الناس بدلاً عنها بأن يقوموا بما وردت به السنة من الأذكار التي تكون أدبار الصلوات فإذا سلم الإنسان من صلاته استغفر ثلاثاً وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يسبح فيقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة تلك تسعة وتسعون ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وإن شاء قال سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة والحمد لله مثلها والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة وإن شاء قال سبحان الله عشراً والحمد لله عشراً والله أكبر عشراً وإن شاء قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة حتى تكون مائة ويقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد وقول أعوذ برب الفلق وقول أعوذ برب الناس فمثل هذه الأذكار هي الأذكار المشروعة التي وردت بها السنة وأما ما لم ترد به السنة فلا ينبغي للإنسان أن يثبته بل ينهى عن ذلك لأن كل بدعة ضلالة.
***(8/2)
بارك الله فيكم نستفسر يا شيخ محمد عن صلاة اسمها صلاة الاستغفار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم أن هناك صلاةً تسمى صلاة استغفار لكن إذا توضأ الإنسان وأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه كما صح ذلك من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فإذا أسبغت الوضوء وصلىت صلاةً لا تحدث فيها نفسك فإنه يغفر لك ما تقدم من ذنبك حتى الذنب الذي فعلته آخر شيء.
***(8/2)
يقول السائل أهل قريتنا عندهم عادة في رمضان وهي صلاتهم خمس فروض الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وذلك بعد صلاة آخر جمعة في رمضان ويعتبرونها قضاء عن أي فرض لم يصله الإنسان أو نسيه في رمضان فما الحكم في هذه الصلاة وهل لها أصل في الشريعة الإسلامية أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه الصلاة أنها من البدع وليس لها أصل في الشريعة الإسلامية وهي لا تزيد الإنسان من ربه إلا بعداً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فالبدع وإن استحسنها مبتدعوها ورأوها حسنة في نفوسهم فإنها سيئة عند الله عز وجل لأن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم يقول (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وهذه الصلوات الخمس التي يعيدها الإنسان أو التي يقضيها في آخر يوم في رمضان لا أصل لها في الشرع ثم نقول هل الإخلال لم يكن إلا في خمس صلوات فقط ربما كان في عدة أيام لا في عدة صلوات والمهم أن ما علمت أنك مخل فيه فاقضه متى علمت ذلك بدون تأخير لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وأما أنك تفعل هذه الصلوات الخمس احتياطاً كما زعمت فإن هذا منكر ولا يجوز.
***(8/2)
يوجد في بلدتنا بعض الناس يسجدون سجدتين عقب كل صلاة مباشرة بعد أن يسلموا تسليم الصلاة وعند سؤالهم عن ذلك أجابوا أنهم يسجدون السجدة الأولى شكراً لله على توفيقه لهم أن أدوا الصلاة المكتوبة في جماعة وأما السجدة الثانية فهي شكر على الشكر فهم يزعمون أن لهذا العمل أصلا في السنة فهل صحيح قولهم هذا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على قياس قولهم إنهم إذا سجدوا السجدة الثانية يجب أن يسجدوا سجدة ثالثة لشكر الله على شكرهم ثم يسجدوا سجدة رابعة وهكذا ويبقون دائماً في سجود, ولكنني أقول إن هاتين السجدتين بدعتان وإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بما لم يشرعه لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهاتان السجدتان لا شك أنهما غير مشروعتين والواجب عليهم الانتهاء عن ذلك والكف عنه والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما وقع منهم سابقاً والله تعالى يتوب على من تاب.
***(8/2)
تقول السائلة نسمع بأنه يستحب بعد صلاة المغرب صلاة ست ركعات أو أكثر وهي تسمى صلاة الأوابين فهل هذه الصلاة ذكرت فيها أحاديث نبوية وهل أداوم على صلاة هذه الركعات وإذا كانت هذه الصلاة غير مسنونة أو لم تذكر فيها أحاديث فهل يستحب أن أصلى نفلا مطلقا أم ماذا؟ أفيدونا يا أصحاب الفضيلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المغرب لها سنة راتبة بعدها وهي ركعتان كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى بعدها ركعتين وأما الست الركعات التي تسمى صلاة الأوابين فلا أعلم لها أصلاً وأما التنفل المطلق ما بين المغرب والعشاء فإنه لا حرج عليك في هذا لأن جميع الأوقات التي ليس فيها وقت نهي كلها يشرع فيها الصلاة نفلاً مطلقاً فإن الصلاة خير موضوع والإكثار منها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى وقد مدح الله تعالى الذين هم على صلاتهم دائمون فأنت إذا تنفلتي فيما بين المغرب والعشاء نفلاً مطلقاً ولو كثر عدده فلا حرج عليك في هذا.
***(8/2)
يقول السائل دخلت المسجد فرأيت رجلا يصلى فقلت له ما هذه الصلاة فقال إنها صلاة التوابين فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أن الإنسان إذا أذنب ذنبا فينبغي له أن يصلى ركعتين ويتوب يعني ينبغي أن يتوضأ ويصلى ركعتين ويتوب لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه (أنه توضأ وقال إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا) ثم قال يعني النبي صلى الله عليه وسلم (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) .
***(8/2)
_____ فتاوى الجنائز _____(/)
الأحكام الطبية(9/1)
السائلة تذكر أنها تعرضت لحادث وكانت حاملاً وعندما بلغ الجنين خمسة أشهر أمرني الطبيب بإنزاله لأنه خطر على حياته وسؤالها تقول هل عليها إثم في إنزال الجنين علما بأنني كنت غير موافقة ولكن هذا قدر الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا بلغ الجنين في بطن أمه أربعة أشهر بعث الله تعالى إليه ملكا فنفخ فيه الروح وإذا نفخ فيه الروح صار إنساناً كاملاً لا يحل إسقاطه بأي حال من الأحوال حتى لو قرر الأطباء أنه إذا لم ينزل كان خطراً على حياة أمه فإنه لا يجوز تنزيله ولو ماتت الأم بعدم تنزيله وذلك أنه إذا نفخت فيه الروح صار إنساناً حياً سوياً ولا يحل لأحد أن يقتل أحداً من أجل إبقاء حياته فإن قال قائل في هذه الحالة: إذا ماتت الأم فسيموت الطفل فالجواب أن نقول وعلى هذا التقدير فليكن لأن موت الأم حينئذ ليس بفعلنا بل هو بفعل الله عز وجل بخلاف ما إذا نزل الحمل ومات بسبب تنزيله فإن موته يكون من فعلنا ولا يحل لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن.
***(9/2)
نحن نعلم من القرآن الكريم أن تمام الرضاعة حولان كاملان فهل هذا دليل على جواز استعمال وسيلة منع الحمل خلال فترة الرضاعة لأننا نعلم أنه إذا حدث حمل أثناء الرضاعة يجف لبن الأم وبذلك يُحْرِم الرضيع من أول حقوقه أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الآية الكريمة التي أشار إليها هي قوله تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) وهذه الآية لا تدل على أنه ينبغي استعمال حبوب الحمل في هذه المدة وذلك لأن استعمال حبوب الحمل خلاف ما ينبغي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتزوج الودود الولود ولا شك أن كثرة الأمة عزٌ لها وقوة ومنعة ولهذا امتن الله بها على بني إسرائيل في قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وذكَّر قومَه شعيبٌ به حين قال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) فالذي ينبغي للأمة الإسلامية أن تكثر من أسباب كثرة النسل ما أمكنها ذلك وإذا قدر أن المرأة حملت في أثناء الرضاع ثم نقص اللبن فإن الله تعالى سيجعل لهذا الطفل جهة أخرى يرضع منها قال الله تعالى (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) والله عز وجل لا يحرم عباده رزقه لقوله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) .
***(9/2)
إذا اتفق زوجان على استعمال حبوب منع الحمل وذلك ليس لأسباب مرض الزوجة بل اتفقا أن يكون لهما أربعة أولاد فقط وتحقق حلمهما واستعملت الزوجة بعد ذلك الحبوب بموافقة زوجها فما حكم ذلك وما حكمها لو استعملتها بعدم موافقته فهل في هذا إثمٌ ومخالفةٌ للشريعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما استعمال المرأة حبوب منع الحمل بدون رضا زوجها فهو حرامٌ عليها لأن لزوجها الحق في الأولاد وكثيرٌ من الناس إنما يتزوج لطلب الأولاد وأما استعمالها للحبوب بإذن زوجها فهذا إن كان ثمة حاجة من كون المرأة يرهقها الحمل ويشق عليها إذا توالى عليها الحمل لا سيما إذا كانت ممن يحمل سريعاً فإنه لا حرج حينئذٍ في استعمالها بإذن الزوج وأما إذا لم يكن ثمة داعٍ ولا حاجة فإنه لا ينبغي استعمالها لأن ذلك ينافي ما هو المطلوب شرعاً من كثرة الأولاد فإن كثرة الأولاد أمرٌ مطلوب ومحفوظٌ أيضاً وهو من عز الأمة وقد امتن الله تعالى به على بني إسرائيل حيث قال (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وذكرَّه شعيب قومه حيث قال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) والنبي عليه الصلاة والسلام يباهي بأمته الأنبياء يوم القيامة وكون هذا الرجل وزوجته يتفقان على أن يكون أولادهما أربعةً فقط هذا خطأٌ منهما فإن هؤلاء الأربعة قد يموتون أو يموت بعضهم ثم إنه من الذي قال إن حد الأولاد أربعة فقط بل كلما كثروا فهو أفضل وأعز للإنسان وعسى الله أن يجعل فيهم خيراً وبركةً وعلماً وجهاداً في سبيل الله فلا ينبغي هذا الفعل منهما.
***(9/2)
المستمع أشرف رجب خليفة من جمهورية مصر العربية محافظة سوهاج يقول في رسالته عندنا في قريتنا الصغيرة تأتي عربة محملة بالدقيق للبقالين كل يوم أحد من كل أسبوع فيقوم البقالون بتوزيع هذا الدقيق ومن كثرة الناس وازدياد السكان منهم من يأخذ دقيقاً ومنهم من لا يأخذ فالسؤال هل يجوز في هذه الحالة أن تتعاطى النساء حبوب منع الحمل لكي تنخفض نسبة السكان وكل إنسان يجد قوته من الدقيق أفيدونا أفادكم الله وبارك فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب تناول النساء حبوب منع الحمل لهذا الغرض الذي ذكره السائل وهو تقليل النسل خوفاً من ضيق الرزق يتضمن سوء ظن بالله عز وجل وأن الله تعالى لا يرزق من خلقه ولو أن الإنسان أيقن بأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها واعتمد على الله سبحانه وتعالى في جلب الرزق له ولعائلته ما طرأ على باله مثل هذا التصرف المشين الذي يتضمن ما يتضمنه من سوء ظن بالرب عز وجل كما أن هذا التصرف لهذا الغرض فيه شبه من المشركين الذين نهى الله تبارك وتعالى عن فعلهم في قوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي الآية الثانية (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) فعلى المؤمن أن يكون واثقاً بربه مصدقاً بوعده وأن يعلم علم اليقين أنه ما ولد مولود إلا وقد كتب رزقه وأن الله عز وجل هو الذي تكفل بأرزاق عباده كما قال الله تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ولقد حكى لي بعض الثقات وكان من الدلالين الذين يبيعون السلع لأصحابها بأجرة حكى لي أنه كان ذا دخل محدود وأنه حين تزوج شعر بأن هذا الدخل ازداد ولما أتاه الولد الأول من أولاده شعر بزيادة أكثر وهو كان قد أتاه ولدان يقول فلما جاءني الولد الثاني ظهرت لي الزيادة ظهوراًَ بيناً لأن الإنسان إذا اعتمد على ربه ووثق بوعده فإن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فتناول حبوب منع الحمل لهذا الغرض فيه هاتان المفسدتان سوء الظن بالله عز وجل ومشابهة المشركين من بعض الوجوه أما تناول حبوب منع الحمل لغير هذا الغرض كما لو كانت الأم ضعيفة الجسم أو كثيرة المرض ويشق عليها الحمل مشقة غير معتادة فتناولت الحبوب لأجل الراحة بعض الوقت وكان ذلك بإذن الزوج وبعد مراجعة الطبيب والأمن من الضرر فإن هذا لا بأس به والله أعلم.
***(9/2)
السائل ناصر أحمد جمهورية مصر العربية محافظة قنا يقول أسأل عن حكم الشرع في تعاطي المرأة حبوب منع الحمل هل يجوز أن تأخذه أم لا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا ينبغي أن يوجه السؤال لعالم يخطئ ويصيب فيقال له ما حكم الشرع إلا أن يقيد فيقال ما حكم الشرع في نظرك وعليه فنقول نرى أن استعمال حبوب منع الحمل ممنوع وذلك لما يترتب عليه من الأضرار البدنية التي قد تتعدى إلى الجنين فيتشوه ولما يترتب عليه من الأضرار الشرعية حيث أن الحيضة من استعمال هذه الحبوب لا تترتب ولا تنتظم فتتشوش العبادة على المرأة ولا تدري الذي أصابها حيض هو أم غير حيض فقد تدع الصلاة في وقت لا يجوز تركها وقد تصلى في وقت لا يجوز فيه الصلاة لكن لو احتاجت المرأة إلى تقليل الحمل لسبب شرعي فلتستعمل أشياء أخرى تمنع الحمل سوى هذه الحبوب.
***(9/2)
تقول السائلة أم مجاهد من الرياض تقوم بعض النساء باستخدام حبوب منع الحمل لسنوات طويلة حتى تصل إلى سن اليأس وذلك لسبب قوي لأن زوجها وهو إنسان مقتدر وغني لا يصرف عليها وعلى أبنائها وبناتها حيث أنه متزوج من ثلاث نساء ولا يعدل بينهن ولديه منهن إحدى عشر بنتا وستة أبناء فلا يهتم بتربيتهم ولا الاهتمام بهم ولا يهتم بالصرف عليهم في المأكل والمشرب والملبس والمسكن حيث قامت إحدى زوجاته ببيع ذهبها حتى تستطيع أن تصرف منها في تدريس أبنائها وتوفير المأكل والمشرب لهم حيث إنها غير متعلمة أمية وأحيانا كانت تقوم بدور الحاضنة لأطفال أختها الموظفة فتقوم أختها بإعطائها مبلغ بسيط من المال نظير هذه الحضانة لأطفالها فهل على هذه المرأة شيء باستخدام هذه الحبوب لسنوات طويلة حيث إنها لا تستطيع تحمل المسؤولية وحدها بالقيام بتربية الأبناء والصرف عليهم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإفتاء أقول إنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجاته وأولاده من بنين وبنات إذا كان قادرا على هذا وليعلم أنه إذا أنفق ماله قياما بالواجب واجب النفقة في حياته سلم من غائلة المال ومن إثم المال وإن لم يفعل فسوف ينفق من بعده قهرا عليه فيبوء بالإثم والعياذ بالله ويجمع لهؤلاء القوم الذين شح عليهم في حياته فعليه أن يتقي الله وأن يقوم بالواجب من الإنفاق على الزوجات الثلاث وعلى أولادهن من بنين وبنات فإن لم يفعل فلكل واحدة أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي أولادها كما أفتى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة حين شكت إليه زوجها أنه شحيح لا يعطيها ما يكفيها وأولادها فأذن لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أولادها أما الإفتاء فأقول لا تستعمل حبوب منع الحمل من أجل قلة الأولاد أي ليقل أولادها فإن أولادها رزقهم عند الله عز وجل وكلما كثر الأولاد انفتح للرزق أبوابا قال الله تبارك وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) وقال تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) وقال في الآية الثانية (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ولكن كثرة الرزق بكثرة الأولاد لها شرط مهم وهو تقوى الله وصحة التوكل عليه لقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ*وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) فأقول لهذه السائلة لا تستعملي حبوب منع الحمل واستعيني بالله وتوكلي عليه واعلمي أن رزق أولادك ليس إليك بل إلى من خلقهم جل وعلا.
***(9/2)
السائلة أم نشوى من المنطقة الشرقية تقول هي امرأة متزوجة من رجل من أقاربها يكبرها في السن وقد أنجبت منه الأبناء والبنات وهو يصلى ويصوم ولكنه أحياناً يرتكب بعض المحرمات التي تنسيه دينه وأهله فيترك كل شيء إضافة إلى سوء عشرته معهم في البيت وسوء أخلاقه فلا تعرف منه الكلمة الطيبة ولا السلام عندما يدخل البيت ولو كان غائباً عنها مدة أسبوع وقد جعلتها هذه الأمور تكرهه كثيراً وتتمنى أن يفارقها إلي الأبد أو يفارق الحياة وقد أخذ ابنها الأكبر يقلد أباه في فعل بعض المحرمات ولذلك فهي تكرهه أيضاً لتقليده أباه في فعل الحرام وعدم خوفه من الله فتدعو عليه بالموت لذلك فهي تسأل أولاً عن حكم الاستمرار في الحياة مع هذا الزوج وثانياً عن حكم الدعاء على الولد وهل في ذلك تفريق بين الأولاد في المعاملة لأن من أولادها من تحبهم وتعطف عليهم وثالثاً تريد أن تعمل عملية تمنع أن تحمل من هذا الرجل الخبيث كما تصفه فهي تكره أن تنجب منه زيادة خوفاً أن يسلكوا مسلكه ورابعاً إن هي فارقته فمع من يكون الأولاد فهي تخشى عليهم إن بقوا مع والدهم أن يؤثر عليهم ويفسد أخلاقهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال نوجه نصيحة إلى هذا الرجل إن كان ما قالته زوجته فيه صدقاً أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يرجع عما وصفته به زوجته حتى تستقر له الحياة وتطيب له فإن الله عز وجل وعد وعداً مؤكداً بأن من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن أن يحييه حياة طيبة قال الله عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وإذا رجع إلى الله عز وجل وتاب إليه وأناب وحافظ على ما أوجب الله عليه سيجد لذة وطعماً للإيمان وانشراحاً لشعائر الإسلام وتطيب له الحياة ويكون كأنه ولد من حينه ثم إن ما سألت عنه هذه المرأة من محاولة فراق زوجها أرى ألا تفارقه مادام لم يخرج عن الإسلام بذنوبه ولكن تصبر وتحتسب من أجل الأولاد وعدم تفرقهم وعليها أن تكرر النصيحة لزوجها فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهديه على يديها وأما الدعاء على ولدها بالموت فهذا خطأ ولا ينبغي للإنسان إذا رأى ضالاً أن يدعو عليه بالموت بل الذي ينبغي أن يحاول النصيحة معه بقدر الإمكان ويسأل الله عز وجل له الهداية فإن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى والقلوب بين أصبعين من أصابعه سبحانه وبحمده يقلبها كيف يشاء وكم من شيء أيس الإنسان منه في تصوره فيسر الله تعالى حصوله فلا تستبعدي أيتها المرأة أن يهدي الله سبحانه ولدك ادعي له بالهداية وكرري له النصح والله على كل شيء قدير وأما محاولتها أن تمتنع من الإنجاب منه فهذه نظرية خاطئة وذلك لأن الإنجاب أمر محبوب في الشريعة وكلما كثرت الأمة كان ذلك أفضل وأكثر هيبة لها ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة حيث قال سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) وقال شعيب لقومه (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بتزوج الودود الولود لتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة والأمة كلما كثرت قويت مادياً ومعنوياً كما هو ظاهر وهو على العكس من تصور بعض الظانين بالله ظن السوء الذين يظنون أن الكثرة توجب ضيق المعيشة وهؤلاء أساؤوا الظن بالله عز وجل وخالفوا الواقع وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال سبحانه وتعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) وأولئك الأمم الذين ضاقت عليهم العيشة بكثرتهم إنما أتوا من حيث قلة اعتمادهم على الله عز وجل وتوكلهم عليه ولو أنهم توكلوا على الله وصدقوا بوعده ما ضاقت عليهم المعيشة وأما سؤالها الرابع عن أولادها ماذا يكونون لو فارقت زوجها فهذا أمره إلى المحكمة هي التي تبت في هذا الأمر وتنظر في الحال والواقع أي الأمرين أصلح أن يكونوا عند أبيهم أو عند أمهم.
فضيلة الشيخ: والمعتبر في هذا صلاح أمر الأولاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعتبر في هذا صلاح الأولاد لأن الحضانة إنما وجبت من أجل حماية الطفل وصيانته وإصلاحه ولهذا قال أهل العلم إن المحضون لا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه ولو كان أحق من غيره من حيث الترتيب لأن المدار كما قلت على إصلاح الولد وصيانته عما يضره.
***(9/2)
هل أخذ وسيلة لمنع الحمل لفترة معينة وهي فترة رضاعة الطفل حتى لا يؤثر الحمل الجديد بحرمانه من إكمال الرضاعة هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب أن نعلم أن الحمل لا يؤثر على الرضيع ثانيا لو أرادت المرأة أن تمنع الحمل وقت الإرضاع لمشقة الحمل عليها فلا حرج أن تستعمل ما يمنع الحيض أو ما يمنع الحمل لكن بإذن الزوج لأن الزوج له حق في الأولاد.
***(9/2)
ما حكم تحديد النسل أو بعضه خصوصاً إذا لم يكن هناك مانع طبي للحمل ولكن التحديد للخوف من الرزق على المستوى الفردي وما حكم إذا كانت الدولة تأخذه كسياسة لها خصوصاً أن بعض المرتزقة ممن يقال لهم علماء ويفتون لإرضاء الحاكم والحصول على أموال يفتون كل يوم أن الإسلام لا يحرم تحديد النسل ويلعبون بحديث العزل فما الحكم بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول أن منع الحمل على نوعين أحدهما أن يكون الغرض منه تحديد النسل بمعنى أن الإنسان لا يتجاوز أولاده من ذكور أو إناث هذا القدر فهذا لا يجوز لأن الأمر بيد الله عز وجل ولا يدري هذا المحدد لنسله فلعل من عنده من الأولاد يموتون فيبقى ليس له أولاد والنوع الثاني من الحمل لتنظيم النسل بمعنى أن تكون المرأة كثيرة الإنجاب وتتضرر في بدنها أو في شؤون بيتها وتحب أن تقلل من هذا الحمل لمدة معينة مثل أن تنظم حملها في كل سنتين مرة فهذا لا بأس به بإذن الزوج لأن هذا يشمل العزل الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه ولم ينه عنه الله ولا رسوله. موضوع تحديد النسل أو تنظيمه للخوف من الرزق هذا لا شك أنه سوء ظن بالله عز وجل وأنه يشبه من بعض الوجوه ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتل أولادهم خشية الفقر وهذا لا يجوز لأن فيه هذين المحظورين هما سوء الظن بالله سبحانه وتعالى والثاني مشابهة عمل الجاهلية من بعض الوجوه والواجب على المسلم أن يؤمن بأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وأن الله تعالى إذا رزقه أولاداً فسيفتح له أبواباً من الرزق حتى يقوم بشؤون هؤلاء الأولاد ورزقهم ثم إن بعض الناس قد يقول أنا لا أحدد النسل أو لا أنظمه من خوف ضيق الرزق ولكن من خوف العدل عند تأديبهم وتوجيههم وهذا أيضاً خطأ فإن تأديبهم وتوجيههم كرزقهم فالكل بيد الله عز وجل وكما أنك تعتمد على الله عز وجل في رزق أولادك كذلك أيضاً يجب أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى في أدب أولادك وهدايتهم فإن الله تعالى هو الهادي سبحانه وبحمده (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) وعلى هذا فالذي ينظم نسله أو يحدده خوفاً من عدم القدرة على تأديبهم هو أيضاً مسيء الظن بربه تبارك وتعالى وإلا فالله سبحانه وتعالى بيده الأمور والذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل شيئاً من ما يقلل الأولاد إلا إذا دعت الحاجة لذلك أو الضرورة ثم ينبغي أن يعلم المستمعون أن كثرة الأمة وكثرة النسل من نعم الله عز وجل ولهذا شعيب عليه الصلاة والسلام ذكَّر قومه بهذه النعمة فقال (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) وكذلك منّ الله بها على بني إسرائيل حيث قال (وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) فكثرة الأمة لا شك أنه سبب لعزتها وقيامها بنفسها واكتفائها بما لديها عن غيرها وربما لكثرتها تكون سبباً لفتح مصادر كثيرة من الرزق كما أشرنا إليه أولاً بأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ونحن نعلم أن بعض الدول غزت دول أكبر منها وأشد منها قوة منها بسبب فقر أفرادها لأنهم صاروا يفتحون معامل ومصانع وينتجون إنتاجاً بالغاً ولهذا يجب على الأمة الإسلامية أن تعرف أن محاولة تحديد النسل أو تنظيمه إنما هو من كيد أعدائنا بنا وهي مخالفة لما يرمي إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولِما يوده من تكثير هذه الأمة وتحقيق مباهاته صلى الله عليه وسلم بها الأنبياء
***(9/2)
ما حكم تعاطي الحبوب المنشطة لأجل الحمل علماً بأن المرأة متزوجة من فترة طويلة وليس لديها أطفال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر يرجع إلى استشارة الطبيب في هذا فإذا قال إن تناول هذه الحبوب المنشطة للحمل لا يضر فإنه ينبغي استعمالها تحصيلا للحمل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) .
***(9/2)
رسالة وصلت من شاب من جمهورية مصر العربية أمين توفيق يقول بأنه يعمل في المملكة العربية السعودية في مدينة الزلفي يقول لقد رزقت بمولود ولله الحمد وفي يده اليمنى إصبع زيادة هل هناك حرج لو أزلت هذا الإصبع رغم أنه كان لي أخ قبل ابني له إصبع زيادة في يده وقد ذهبت إلى الدكتور وأزال هذا الإصبع الزيادة هل هناك حرج في نظركم في الشرع في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب ليس هناك حرج في إزالة هذا الإصبع الزائد لأنه من باب إزالة العيوب وما كان من باب إزالة العيوب فإنه لا بأس به ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفاً من وَرِق أي من فضة فلما أنتن جعله من ذهب وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وهنا يجب أن نعرف الفرق بين العملية التي قصد بها إزالة العيب وبين العملية التي يقصد بها زيادة الجمال ولهذا نقول إن العملية التي يقصد بها إزالة العيب لا بأس بها لأن المقصود بها التخلي مما يشوه كما دل على ذلك الأثر السابق وأما العملية التي يقصد بها زيادة التجميل فإنها محرمة ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النمص بل لعن فاعله وعن الوشم وعن الوشر وهو برد الأسنان للتحسين ونهى أيضاً عن الوصل وصل الشعر لأن فيه زيادة جمال للأنثى فكل عملية يقصد بها التجميل فهي محرمة قياساً على النمص والوشم وكل عملية يقصد بها زوال العيب فإنها جائزة ولا بأس بها قياساً على اتخاذ الصحابي أنفاً من الذهب وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له وعلى هذا فقطع الأصبع الزائدة وقطع الثالول وما أشبهها مما يكون عيباًَ مشوهاًَ لابأس به ولكن بشرط أن يستشار الأطباء المختصون حتى لا يعرض الإنسان نفسه للخطر.
***(9/2)
يقول السائل منحني الله سبحانه وتعالى طفلين وظهر عند كل طفلٍ من هؤلاء أربعة وعشرين أصبعاً زيادة فما رأي فضيلتكم لو قطعتها عند الدكتور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز قطع الأصبع الزائدة والظاهر أن هذا لا يجوز لما فيه من الخطر على صاحب الأصبع وفي وقتنا هذا الخطر والحمد لله قليل والضرر بعيد فالذي نرى أنه لا بأس في هذه الحال من قطع الأصابع الزائدة المشوهة للخلقة أما إذا كانت الأصابع زائدة لكنها لا تشوه الخلقة فالذي ينبغي أن تبقى كما هي عليه.
***(9/2)
عندي ولد عم تزوج أختي وأنجبت له ولداً وبنتاً وهذه البنت بيدها ستة أصابع والأصبع السادس صغير فهل يجوز إزالته بواسطة عملية جراحية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز إزالة الأصبع من يد أو رجل بواسطة عملية جراحية بشرط أن نأمن الخطر على هذا الذي نريد أن نزيل ما زاد من أصابعه ومثل ذلك لو كانت الزيادة في غير الأصبع أحياناً تكون الزيادة في الأذن يخرج منها شيء زائد أحياناً تكون الزيادة في الرأس شيء يتدلى من الرأس فالمهم أنه كل ما كان عيباً يشوه الخلقة فإنه لا حرج أن تجرى له عملية لإزالته وتجميل موضعه بشرط أن يكون الضرر والتلف مأموناً.
***(9/2)
ما حكم كشف غير الوجه مثل العورة عند الدكتور لحاجة ماسة للعلاج للمرأة التي لم تنجب والزوج يعلم بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن المرأة تكشف عند الطبيب ما تدعو الحاجة إلى كشفه من العورة فما دونها لكن نقول ما تدعو الحاجة إلى كشفه بحيث تكون محتاجة إلى هذا الكشف ولا يوجد نساءٌ طبيباتٌ يقمن بهذا العمل فإذا لم يوجد طبيباتٌ يقمن بهذا العمل فإنه لا بأس أن تكشف عند الطبيب الرجل لما في ذلك من الحاجة إليه.
***(9/2)
إنني كسبت صنعة وهي زرق الإبر الطبية ويتردد عليَّ رجال ونساء وأثناء زرق الإبر فإني ألامس أجسام النساء هل هذا فيه شيء من الحرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس فيه شي من الحرام إذا دعت الحاجة إليه بأن لم يوجد في المكان سوى هذا الرجل الذي يزرق الإبر فإن وجد امرأة تقوم مقامه فإنه لا يجوز للرجل ذلك ثم إذا جاز هذا عند الحاجة فإنه يجب عليه عند ملامسته جسد المرأة يجب عليه أن لا يكون لديه شعور بالشهوة أو تحريك لها بل يشعر نفسه بأنه طبيبُ معالج حتى يبتعد من محل الفتنة.
***(9/2)
ما حكم الكشف على عورة المرأة لمعرفة أعراض المرض وما حكم الطلبة الذين تكشف لهم عورات المريضات للتعلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كشف المرأة ما يجب عليها ستره من أجل مصلحة الطب ببيان ما فيها من مرض وتشخيصه هذا لا بأس به لأنه لحاجة والحاجة تبيح مثل هذا المحرم إذ القاعدة المعروفة عند أهل العلم أن ما حرم تحريم الوسائل أباحته الحاجة وما حرم تحريماً ذاتياً تحريم المقاصد فإنه لا يبيحه إلا الضرورة وذكروا لذلك أمثلة وهي النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من المرأة للحاجة كما يجوز نظر الخاطب إلى ما لا يجوز النظر إليه من أجل مصلحة النكاح وكما في هذه المسألة التي سأل عنها الأخ فإنه يجوز للطبيب أن يكشف عن المرأة ويعرف المرض ويشخص أعراضه.
***(9/2)
بيننا طلبة غير مسلمين من أهل الكتاب ويكشفون معنا على عورات النساء المسلمات فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك لا بأس به عند الحاجة كما أسلفنا لكننا نزيد شرطاً ثانياً هو أن نأمن من هؤلاء بحيث نثق بأمانتهم والكافر قد يؤمن في هذه الأمور فإذا أمنا جانبه ودعت الحاجة لذلك فلا بأس به كما أن المسلم أيضاً ينبغي أن نزيد هذا القيد فيه فكم من مسلم لا يؤتمن على فروج المسلمات وما يستتر منه.
***(9/2)
إذا كان هناك ضرس من الأضراس أطول من الباقية هل يجوز لي أن أقصه أو أحكه حكاً حتى أساوي به الباقين أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يتأذى بهذا الضرس الزائد فلا حرج عليه في قصه فقص الزائد منه لإزالة الأذى عنه وكذلك إذا كان يتألم منه لسبب طوله فإنه لا بأس من أن يقص الزائد منه حتى يزول ذلك الضرر وإلا فيبقيه على ما هو عليه.
***(9/2)
أنا شاب أبلغ من العمر عشرين سنة ومقبل على حياة زوجية ولكن الذي يعكر علي حياتي هو أنه يوجد في وجهي حبوب سوداء التي تسمى حبة الخال كثيرة ولكن بعضها ملفت للنظر مما يلفت الأنظار نحوي حيث أني كنت عرضة لاستهزاء بعض الناس خصوصاً الصغار أو الأطفال يضحكون مني فكيف الكبار لذلك تجدني منطوي على نفسي وغارق في التفكير وأخيراً قررت أن أزيل بعضها وهي اثنتان فهل في هذا شيء وماذا لو أني أزلتهما في عمليةٍ جراحية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغيير خلق الله سبحانه وتعالى على نوعين نوع يراد به التجميل ونوعٌ يراد به إزالة السيئ فأما ما يراد به التجميل كالنمص والوشم والوشروالنمص نتف شعر الوجه والوشم غرز الجلد بلونٍ أسود أو أخضر أو نحو ذلك من الزركشة التي نراها في أيدي بعض الناس أو وجوههم والوشر هو برد الأسنان لتجميلها فلجها أو تصغيرها أو نحو ذلك وظاهر النصوص بل صريحها أن ذلك محرم بل من الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنوع الثاني على سبيل إزالة المؤذي والعيب فهذا لا بأس به بل قد دلت السنة على أن بعضه مطلوب كما في حديث سنن الفطرة من تقليم الأظفار وحف الشوارب والختان فإن هذا في الحقيقة إزالة أشياء مؤذية تنفر منها الطباع السليمة وقد جاء الشرع بطلب فعلها من هذا النوع بل أقول إنه من نوعٍ آخر يكون مباحاً إذا حصل للإنسان أشياء مؤذية وأراد أن يزيلها كما ذكر هذا السائل من بعض الحبوب التي يسميها العامة الخال أو حبة الخال فإنه لا بأس أن يزيلها الإنسان ولو بإجراء عملية إذا غلبت السلامة في إجراء هذه العملية ولهذا أمر الشرع بمداواة الأمراض وشبهها على وجهٍ مشروع ولا شك أن هذه العيوب البدنية الجسمية أنها نوعٌ من الأمراض ثم إنها إن لم تكن مرضٌ يؤثر على الجسم بانحطاط قوته فهي مرضٌ نفسيٌ لأن الإنسان يتضايق منها كثيراً كما ذكر هذا الأخ الذي سأل فعليه نقول لا بأس من إجراء العملية لإزالة هذه الأشياء بشرط أن تغلب السلامة ويغلب على الظن النفع بهذه العملية.
***(9/2)
المستمع أيضاً يقول ما الحكم في إجراء عمليات التجميل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التجميل المستعمل في الطب ينقسم قسمين أحدهما تجميل بإزالة العيب الحاصل على الإنسان من حادث أو غيره فهذا لا بأس به ولاحرج فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لرجل قطع أنفه في الحرب أذن له أن يتخذ أنفاً من ذهب لإزالة التشويه الذي حصل بقطع أنفه ولأن الرجل الذي عمل عملية التجميل هنا ليس قصده أن يطوِّر نفسه إلى حسن أكمل مما خلقه الله عليه ولكنه أراد أن يزيل عيباً حدث أما النوع الثاني فهو التجميل الزائد الذي ليس من أجل إزالة العيب فهذا محرم ولا يجوز ولهذا (لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة والواشمة والمستوشمة) لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب أما بالنسبة للطالب الذي يقرر من ضمن دراسته هذا العلم فلا حرج عليه أن يتعلمه ولكنه لا ينفذه في الحال التي يكون فيها حراماً بل ينصح من طلب منه هذا النوع من التجميل ينصحه بأن هذا حرام ولا يجوز ويكون في هذا فائدة لأن النصيحة إذا جاءت من الطبيب نفسه فإن الغالب أن المريض أو من طلب العملية يقتنع أكثر مما يقتنع لو أن أحداً غيره نصحه في ذلك.
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمعة أم أسامة تقول بأنها امرأة ضعيفة الجسم وقد ولدت طفلاً بصعوبة لدرجة أنني كنت أصرخ لأنهم أعطوها تقول مادة سائلة يقولون بأنها طلق صناعي لأن طلقها تقول ضعيف ومع هذا الطلق الصناعي تقول كأنني أشعر كأني أفقد عقلي وتعبت كثيراً بعد الولادة وظل التعب لمدة سنة تقريباً تقول بأنها حملت بعد ذلك بابنها الثاني فنصحها البعض بالذهاب إلى مستشفى خاص وأعطوها إبرة تخدير لأنها لن تتحمل الطلق الصناعي أيضاً وأيضاً تقول بعد أن أعطوني إبرة التخدير لم أشعر بألم الولادة ونمت قليلاً هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ لأنني الآن تقول بأنها حامل في شهرها الثالث أرجو الإفادة جزاكم الله خيرا لأن البعض أخبرني بأن هذا لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المرأة يشق عليها الطلق والولادة وأخذت من الأدوية المباحة ما يعينها على ذلك فإنه هذا لا بأس به وهو من باب التنعم بنعم الله سبحانه وتعالى والله سبحانه وتعالى من كرمه وجوده وفضله يحب لعباده أن يتنعموا بنعمه التي مَنَّ بها عليهم ويحب من عبده أن يرى أثر نعمته عليه واستعمال هذه المسكنات أو المقويات في الطلق أو ما أشبه ذلك من الأشياء المباحة لا بأس به ولا حرج لأن الله سبحانه وتعالى يحب اليسر لعباده كما قال الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) .
***(9/2)
هل يجوز تشريح جثة المسلم بعد إصابته في حادث نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه والمسلم محترم في حياته وبعد مماته ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حياً) أخرجه أبو داوود إذا علم ذلك فإن تشريح جثة الميت المسلم بعد وفاته لا يجوز إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة لذلك وإذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك فإن هذا يُقدر بقدر الحاجة ثم يعاد الجسم كما كان بمعنى أننا إذا انتهينا من الشيء الذي نحتاج إلى فحصه مثلاً فإنه ينظف الجسم ويخاط ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
***(9/2)
تقول السائلة لقد ابتليت بمرض الصرع والحمد لله وإنني أصرع ما بين الحين والحين ولقد أمرني الدكتور باستعمال حبوب وهذه الحبوب تصيب الجسم بتمديد وقد سمعت أنه يوجد بها مواد محرمة لكونها مخدرة مع العلم أنني إذا تركتها مرضت أفيدونا أفادكم الله لما فيه الخير والصلاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدواء الذي أشارت إليه إذا كان نافعاً لها في تخفيف صرعتها وإزالتها فإنه لا بأس به وهذه المواد المخدرة إذا أعطت الجسم استرخاءً فإنما ذلك لمصلحته وليس لمضرته فإذا قالوا أي الأطباء إن هذا أنفع لها وأنه لا يضر على جسمها في المستقبل فإنه لا بأس به ولا حرج وهذه الكمية البسيطة التي توجد فيه من أشياء مخدرة هي لا تبلغ درجة التخدير حسب كلامها وإنما فيها استرخاء الجسم وامتداده وهذا لا يوجب التحريم لا سيما وأن فيه المصلحة التي تربو على هذه المفسدة لكن إن خشي في المستقبل أن يكون سبباً لانهيار الجسم فحينئذٍ تمُنع وتُنصح بأن تصبر على ما أصابها والله تبارك وتعالى يثيب الصابرين.
***(9/2)
هذه رسالة وردتنا من الطالبة في كلية الطب جامعة الرياض تقول المستمعة ح ع أرجو من فضيلتكم إفتائي فيما يلي بحكم دارستي في كلية العلوم أو في كلية الطب احتفظ ببعض العظام فما حكم ذلك وإذا احتفظت بالهيكل العظمي في غرفتي الخاصة هل هذا يعتبر من الصور المجسمة أرجو إفتاءنا في ذلك علماً أن دراستنا تعتمد على الدراسات النظرية والإطلاع على المجسمات الملموسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول إن هذا الهيكل هل هو هيكل إنسان أو هيكل حيوان آخر إن كان هيكل حيوان آخر فلا بأس من الاحتفاظ به ولا بأس من تشريحه ولا بأس أيضاً من كل عمل يكون فيه مصلحة للطب لأن الله تعالى يقول (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) فمتى كانت في هذه المخلوقات التي خلقها الله مصلحة لنا في ديننا ودنيانا فإنه ليس علينا حرج في أن ننتفع بها ولهذا يجوز لنا في الحيوان الذي أباح الله لنا يجوز لنا أن نذبحه ونقضي على حياته لأجل أن نستفيد بلحمه أما إذا كان هيكل إنسان فإن كان الإنسان محترماً كالمسلم والذمي والمعاهد والمستأمن فإنه لا يجوز للمرء أن يمثل به وأن يحتفظ بهيكله وإذا كان إنسان غير محترم فإن هذا محل نظر ويحتاج إلى بحث ومراجعة وإصدار فتوى عامة ينتفع بها المسلمون أما بالنسبة للهيكل غير هيكل الإنسان فإنه لا بأس في الاحتفاظ به لدراسته أو لغير ذلك وليس هذا من الصور المجسمة لأن الصور المجسمة هي التي يصورها العبد مضاهاةً لخلق الله عز وجل فيصنعها مضاهٍ بها خلق الله أما ما كان من مخلوقات الله فإن هذا ليس من الصور قطعاً.
***(9/2)
ما الحكم الشرعي في نقل الدم في حالة إسعاف مصاب مهدد بالموت عن طريق التبرع من مسلم لكافر أو العكس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التبرع بالدم بنقله إلى مصاب إذا كان هذا المصاب مضطرا وكان ينتفع من هذا الدم الذي ينقل إليه فإن الدم حينئذ يحل له لأن الله حرم الدم في سورة المائدة بقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) إلى أن قال (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإذا اضطر المريض إلى حقن الدم به فإنه لا بأس أن يحقن به أما بالنسبة للمتبرع فإذا كان لا يضره أخذ الدم منه فلا حرج عليه أن يتبرع فإذا كان المتبرع له مسلما فإن هذا من الإحسان إلى المسلمين وإذا كان غير مسلم وهو ممن تجوز الصدقة عليه فإنه لا بأس أن يتبرع له لقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وأما إن كان من قوم يؤذون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم ويقاتلونهم فإنه لا يتبرع له بدم ولا غيره
***(9/2)
هل يعتبر المتوفى في عملية جراحية بسبب المخدر أو خطأ من الطبيب شهيداً وماذا على الطبيب الذي وقعت الوفاة تحت يده أو بسببه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر هذا شهيداً لأن هذا الموت حدث باختيار منه وبفعل منه وإن كان هو لم يقصده لكنه ليس كالحريق ولا الغريق ولا من مات بهدم ونحوه لأن أولئك الذين ماتوا بهذه الأسباب لم يكن ذلك ناشيءاً عن فعلهم وأما بالنسبة للطبيب الذي عالجه فإن كان الطبيب ماهراً وكانت هذه الوفاة بسبب العملية نفسها دون خطأ من الطبيب فإنه لا شيء عليه وأما إذا كانت بخطأ منه أو كان غير ماهر فإنه يضمن لأنه إن كان غير ماهر فقد تعدى حيث لا يجوز لأحد أن يتطبب بشخص وهو لا يعلم الطب وإن كانت بخطأ منه فإن إتلاف الأموال والأنفس لا يعتبر فيه القصد بالنسبة للضمان ولهذا قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) وهذا بخلاف إذا مات من العملية نفسها فإن العملية نفسها إذا كانت من ماهر عارف بالجراحة ليس فيها خطأ وليس فيها تعدٍ فلا يكون الطبيب في هذه الحال ضامناً.
***(9/2)
هذه المستمعة أمل من الأردن تقول في هذا السؤال هل يجوز استعمال الأسنان الصناعية في الفم عند سقوط الأسنان الطبيعية وذلك للحاجة لها وهل يجوز التبرع بأعضاء الميت بعد موته لإنقاذ حياة شخصٍ آخر من الموت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان إذا سقطت أسنانه أن يستعيض عنها بأسنان أخرى صناعية لأن ذلك من إزالة العيب كما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة رضي الله عنهم الذي انقطع أنفه أن يتخذ أنفاً من فضة فأنتن فأذن له أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب كذلك أيضاً الأسنان إذا سقطت فللإنسان أن يضع بدلها أسناناً صناعية ولا حرج عليه في ذلك وأما التبرع بعضوٍ من الأعضاء بعد الموت لمن يحتاج إليه من الأحياء فهذا موضع خلافٍ بين العلماء فالحنابلة رحمهم الله نصوا على تحريم ذلك وأنه لا يحل قطع عضوٍ من الإنسان ولو أوصى به بعد موته ذكروا ذلك في كتاب الجنائز ومن العلماء من رخص في ذلك بشروطٍ معينة.
***(9/2)
السائلة طالبة بالمملكة من سريلانكا تقول في زماننا هذا كثر التبرع بالعين وربما بيعها ممن قد يئسوا من الحياة فأرجو إجابتكم على الحكم في الحالتين في التبرع والبيع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كما ذكرت السائلة حدثت أخيراً في الأزمان المتأخرة واختلف أهل العلم فيها فمنهم من أجاز للإنسان أن يتبرع بأحد أعضائه التي يبقى له منها شيء ثم اختلف هؤلاء هل يجوز أن يتبرع فقط أو له أن يبيع ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقاً وقال لا يجوز لأحد أن يتبرع أو أن يبيع شيئاً من أعضائه حتى وإن كان قد أيس من حياته وذلك لأن بدنه أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه فالإنسان مملوك وليس مالكاً وإذا لم يكن مالكاً لشيء من أعضائه وإنما هي أمانة عنده فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع ولا غيره وتبرعه بعضو في بدنه من جنسه قد يقوم البدن بدون ذلك العضو الذي تبرع به ولكنه لاشك أن الله تعالى لم يخلق هاذين العضوين إلا لفائدة عظيمة وذلك بأن يتساعدا على المصلحة التي أوكلت إليهما ثم إنه إذا تبرع بأحد هذين العضوين لم يبق له إلا عضو واحد وفي هذه الحال ربما يتعطل ذلك العضو فيكون هذا المتبرع فاقداً للمنفعة كلها ثم إنه إذا تبرع به لغيره فإن تحقق المفسدة فيه قد حصلت حيث فقد ذلك العضو وحصول المصلحة للمتبرع له به أمر محتمل لأن العملية قد لا تنجح فمثلاً لو أن أحداً تبرع بكليته لشخص فإنها إذا نزعت منه فقدها وهذه مفسدة ثم إذا زرعت في المتبرع له فإنها قد تنجح وقد لا تنجح فنكون هنا قد ارتكبنا مفسدة لمصلحة غير متيقنة والذي يترجح عندي أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بشيء من أعضاء بدنه وإذا لم يجز التبرع فالبيع من باب أولى وأما التبرع بالدم فإن التبرع بالدم للمحتاج إليه لا بأس به وذلك لأن الدم يخلفه غيره فإذا كان يخلفه غيره صار النقص الذي يحصل على البدن مفقوداً ويكون هنا فيه مصلحة إما متيقنة أو محتملة لكن بدون وجود مفسدة ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمنعه فالتبرع بالدم لمن احتاج إليه جائز بشرط أن يقرر الطبيب أنه لا ضرر على هذا المتبرع إذا تبرع بدمه.
فضيلة الشيخ: حكم البيع وعرفناه حسب ما ترون ولكن حكم الشراء لو أراد أن يشتري وربما من غير مسلم يشتري عضواً من الجسد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حرم البيع حرم الشراء إذا حرم البيع في شيء فإنه يحرم الشراء ولا فرق في هذا بين المسلم وغيره.
فضيلة الشيخ: إذا أنا مضطر لهذا العمل ربما أنقذ به حياة شخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ربما تنقذ به حياة شخص لكنك لا تتيقن أن تنقذ به حياة شخص ولهذا لو كانت المسألة من باب الأكل لا من باب زرع العضو في البدن الذي قد ينفر منه البدن ولا يقبله لو كانت المسألة أكلاً لكان يجوز لك أن تأكل ما لا حرمة له ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو اضطر الإنسان إلى الأكل وليس عنده إلا ميت هل يجوز له أن يأكل منه أو لا يجوز فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأكل الحي شيئاً من الميت ولو أدى إلى موت الحي لاحترام الميت كاحترام الحي وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أكل الحي من هذا الميت لدفع ضرورته قال لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت وهذا قول قوي بلا شك ولكن الأكل تندفع به الضرورة يقيناً ولهذا لما حرم الله الميتة أباح للمضطر أن يأكل منها لأن ضرورته تندفع بذلك يقيناً بخلاف الدواء والعلاج ومن ثم قال أهل العلم إنه لا يجوز التداوي بالمحرم ويجوز للإنسان أن يأكل المحرم لدفع جوعه ففرق بين شيء تحصل به المصلحة يقيناً وتندفع به المضرة وبين شيء لا يتيقن فيه ذلك فإنه لا يرتكب المحظور المتيقن لحصول شي غير متيقن.
***(9/2)
أنا أعمل طبيباً وهناك مشكلة تواجه الأطباء كثيرا وهي أنه قد يموت المريض ولم يعرف مرضه أو يكون قد عرف ولكن للأغراض العلمية وتطوير العلاج يستلزم الأمر أخذ عينة من جثة المريض أو من جثة الميت ويكون ذلك إما بوخز إبرة في جسمه أو إجراء عملية جراحية لاستئصال قطعة أو عضو لدراسته ثم يدفن هذا الجزء في المقبرة فما حكم ذلك العمل وإن كان جائزاً فهل يجب استئذان أهل الميت قبل ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت القضية كما قال السائل وخز إبرة أو شبهها ممالا يحصل به جرح الجسم ولا قطع شيء منه فإن هذا جائز لما فيه من المصلحة وعدم الضرر على هذا الميت أما إذا كانت المسألة تحتاج إلى قطع شيء من الميت فإن ذلك لا يجوز إلا لمصلحة تتعلق بذلك الميت نفسه مثل أن يكون الغرض الاطلاع على سبب موته هل هو موت طبيعي أو بسبب شيء أعطي إياه أو ما أشبه ذلك يعني عند الشك في موته هل هو بسبب طبيعي أو أن أحداً اعتدى عليه بما يقتضي موته فمثل هذا لا بأس أن يؤخذ من الميت جزء يجرى عليه اختبار ثم بعد ذلك يعاد إلى نفس البدن بدن الميت ويدفن معه وأما إذا كان الغرض من ذلك مصلحة خارجية عن الميت ولا تعلق للميت بها فإنه لا يجوز لأن الميت محترم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (كسر عظم الميت ككسره حياً) وهذه مصلحة لا تتعلق به شخصياً فلا يجوز أن نعتدي عليه لمصلحة غيره
***(9/2)
يقول السائل كثير من الأدوية الموجودة في الصيدليات تحتوي على نسبة من الكحول وقد يصعب الاستغناء عنها لحاجة الناس إليها فما حكم استعمالها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم استعمالها إذا كان هذا الجزء المختلط من الكحول بهذه الأدوية لا يؤثر أي أنه ليس له تأثير بحيث يسكر لو تناوله الإنسان أو تناول شيئاً كثيراً منه فإن ذلك لا يضر لأن الكحول التي فيها لم يصبح لها أثر أما إذا كانت هذه الكحول نسبة كبيرة بحيث إذا تناول الإنسان منها شيئاً أو أكثر سكر فإنه لا يجوز ويجب أن يستبدل عنها عقاراً يكون خالياً من ذلك وقد بلغني أنهم توصلوا الآن إلى الاستغناء عن هذه الكحول بمواد أخرى ولعلها تكثر إن شاء الله بين المسلمين.
***(9/2)
هل يجوز الاستخدام الظاهري للروائح والعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول كما في تطهير الجروح وغيرها أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج في الجواب عليه إلى أمرين الأمر الأول هل الخمر نجس أو ليس بنجس وهذا مما اختلف فيه أهل العلم وأكثر أهل العلم على أن الخمر نجس نجاسة حسية بمعنى أنه إذا أصاب الثوب أو البدن أو البقعة وجب التطهر منه ومن أهل العلم من يقول إن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس هناك دليل على أن الخمر نجس وإذا لم يثبت بدليل شرعي إن الخمر نجس فإن الأصل الطهارة وإذا كان الأصل الطهارة فإن من قضى بنجاسته يطالب بالدليل قد يقول قائل الدليل من كتاب الله في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والرجس بمعنى النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أي هذا المطعوم المذكور من الميتة ولحم الخنزير والدم المسفوح (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس والدليل على أن المراد بالرجس هنا النجس قول النبي صلى الله عليه وسلم في جلود الميتة (يطهرها الماء والقرظ) فإن قوله يطهرها يدل على أنها كانت نجسة وهذا أمر معلوم عند أهل العلم فإذا كان الرجس بمعنى النجس فإن قوله تعالى في آية تحريم الخمر (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أي نجس ولكن يجاب على ذلك بأن المراد بالرجس هنا الرجس العملي لا الرجس الحسي بدليل قوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وبدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية كما هو معلوم والخبر هنا رجس من عمل الشيطان خبر عن الأمور الأربعة عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وإذا كان خبراً عن هذه الأربعة فهو حكم عليها جميعاً بحكم تتساوى فيه ثم إن عند القائلين بأن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية دليلاً من السنة فإنه لما نزل تحريم الخمر لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني منها والصحابة رضي الله عنهم أراقوها في الأسواق ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق لما يلزم من تنجيس الأسواق وتنجيس المارين بها بل قد ثبت في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي أهدى راوية خمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إنها حرمت) فساره رجل أي تكلم مع هذا الصحابي رجل آخر سراً يقول له بعها فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره أنه يقول له بعها فقال صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولما يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر فدل ذلك على أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية هذا هو الأمر الأول الذي يحتاجه هذا السؤال أما الأمر الثاني فهو إذا تبين أن الخمر ليس بنجس وهو القول الراجح عندي فإن الكحول لا تكون نجسة نجاسة حسية بل نجاستها معنوية لأن الكحول المسكرة خمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر) وإذا كانت خمراً فإن استعمالها في الشرب والأكل بأن تمزج في شيء مأكول ويؤكل حرام بالنص والإجماع وأما استعمالها في غير ذلك كالتطهير من الجراثيم ونحوه فإنه موضع نظر فمن تجنبه فهو أحوط وأنا لا أستطيع أن أقول إنه حرام لكني لا أستعمله بنفسي إلا عند الحاجة إلى ذلك كما لو احتجت لتعقيم جرح أو نحوه والله أعلم.
***(9/2)
امرأة من ليبيا تقول أنها فتاة تبلغ من العمر ما يقارب من السادسة والعشرين متحجبة تحمد الله على ذلك وتعمل ممرضة بعيادة تقوم بمداواة الجرحى وتقوم أيضاً بإعطاء الإبر للناس للرجال والنساء مما تضطر معه إلى لمس المريض لمداواته تقول هذا عملي ليس لي مصدر رزق غيره هل عملي هذا فيه شيء يا فضيلة الشيخ أفيدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن عملها هذا ليس فيه شيء لأن الحاجة إذا دعت إلى تمريض المرأة للرجل فلا حرج في ذلك وسواء لزم من ذلك أن تمسه أم لم يلزم لكن ينبغي لها أن تضع على يديها قفازين حتى لا تباشر المس بالنسبة للرجال.
***(9/2)
هل كتمان المرض صدقة يؤجر عليه صاحبه وماذا لو سأل شخص عن صاحب المرض أو المريض نفسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كتمان المرض خير من إعلانه لكن إعلانه والإخبار به لا على وجه الشكوى لا بأس به فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (وا رأساه) فإذا سئل المريض لا بأس عليك ما الذي فيك وقال: فِيَّ كذا وكذا بدون أن يقصد بهذا التشكي وإنما يقصد الإخبار فلا بأس ولهذا كان بعض المرضى يقول إخباراً لا شكوى فِيَّ كذا وكذا ومن المعلوم أن العاقل لا يمكن أن يشكو الخالق إلى المخلوق لأن الخالق أرحم به من نفسه وأمه والشكاية للمخلوق تنافي الصبر لأن مضمونها التسخط من قضاء الله وقدره وما أصدق قول الشاعر:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
***(9/2)
هذه رسالة وصلت من طالب بكلية الطب بمصر يقول هل اسقاط الجنين الذي علم عن طريق الأشعة بأنه مشوه خلقياً يعتبر حرام ومثال ذلك كأن يكون ناقصاً لعضو كساق أو غير ذلك مع العلم بأنه يمكن أن يعيش ولكن لم يكن ذلك سبباً يدعو لوفاته عقب ولادته مباشرة يقول هذا السائل لكن هناك حالات يكون الجنين ناقص لعضو هام وبالتالي فهو يتوفى عقب الولادة كأن يكون ناقصاً للمخ أو للقلب أو الرئتين أو غير ذلك من الأعضاء التي لا يمكن الحياة بدونها فهل إنزال مثل هذا الجنين وفي مثل هذه الحالة يعتبر حرام حتى لا تتعب الأم بإكمال الحمل مع العلم بأنه لن يعيش أفيدونا جزاكم الله خيرا.
فأجاب رحمه الله تعالى: إني أقول قبل الإجابة على هذا السؤال لقد كثر السؤال عن مثل هذه القضية أعني تشويه ما في بطون الأمهات وهذا لا شك أن له سبباً فالسبب الأول هو المعاصي التي تقع من الناس عموماً أو من هذه المرأة أو زوجها خصوصاً لأن كل مصيبةٍ وقعت فهي بسبب الذنوب قال الله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وهذه جملة شرطية وأسماء الشرط تفيد العموم أي كل مصيبةٍ أصابتكم فإنها بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقد يصاب الإنسان بالمصيبة مع استقامته ليرفع الله بذلك درجاته ويزيد في ثوابه لكن الأصل أن المصائب سببها الذنوب السبب الثاني أنه قيل إن استعمال الحبوب المانعة للحمل من أسباب تشوه الأجنة واستعمال الحبوب المانعة للحمل في عصرنا هذا كثير لأن النساء يردن الترف يردن أن لا يتعبن بالحمل يردن أن لا يتعبن بالحضانة يردن أن يبقين مستريحات ولا أدري أنَسَيْنَ ذكريات أمهاتهن اللاتي يعانين من مشقة الحمل ومشقة الوضع ما لا تعانيه النساء في هذا الوقت لوجود المخففات للآلام وغير ذلك فإذا صح ما أخبرت به من أن حبوب الحمل التي تستعمل لمنع الحمل تكون سبباً للتشويه فإن هذا يقتضي أن تمتنع النساء من أكل هذه الحبوب حتى ولو توالى عليهن الحمل بترك أكلهن فإن كثرة الولادة من نعم الله عز وجل على الإنسان وعلى الأمة وهو من الأمور التي يحبها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم المهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بأن نتزوج الودود الولود فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين السبب وبين المسبب فعلى كل حال نحن ننصح إخواتنا المسلمات عن استعمال حبوب منع الحمل ونقول إن كثرة الحمل من نعم الله عز وجل على الزوجين وعلى الأمة جميعاً ثم إن الإنسان إذا اعتمد على ربه وسأله المعونة أعانه الله في أعباء الحمل وفي أعباء الحضانة ويسر الله له الأمر أما ركون المرأة إلى الكسل والترف وأن لا تتعب بالحمل ولا بالوضع ولا بالحضانة فإن هذا نعتبره قصور نظر فعلى كل حال التشويهات في الأجنة كثر السؤال عنها وسبب هذه التشويهات فيما نراه هو ذلك السببان اللذان ذكرناهما فإذا تبين أن الجنين مشوه فإن كان قد بلغ أربعة أشهر ونفخت فيه الروح فإنه لا يجوز أبداً محاولة إسقاطه لأن هذا يؤدي إلى قتل نفسٍ محرمة وقتل النفس المحرمة من أكبر الكبائر حتى لو أدى ذلك إلى موت أمه فإنه لا يجوز إسقاطه في هذه الحال لأنه لا يجوز إتلاف نفسٍ لإحياء نفسٍ أخرى وأضرب مثلاً للسامع والمستمع برجلٍ اشتدت فيه الضرورة إلى الأكل ولم يجد إلا آدمياً معصوماً فهل يجوز أن يذبح هذا الآدمي المعصوم من أجل أن يُذهِب ضرورته كل الناس يقولون لا يجوز فكذلك هذا الجنين إذا نفخت فيه الروح فإنه لا يجوز إنزاله ليموت ولو أدى ذلك إلى موت أمه ببقائه في بطنها فإذا نفخت الروح في الجنين فلا يجوز إنزاله إنزالٌ يموت به مهما كانت الحال سواءٌ كان مشوهاً بعدم يدٍ أو عدم رجل أو عدم عضو أو عدم عين أو عدم أنف أو بأي حالٍ من الأحوال يبقى حتى يخرجه الله عز وجل ثم يفعل الله به ما يشاء وأما إذا كان ذلك قبل نفخ الروح فيه فينظر إذا كان التشويه يسيراً محتملاً كفقد أصبع من الأصابع مثلاً أو زيادة أصبع وما أشبه ذلك مما يمكن إزالته أو مما لا يعتبر شيئاً مروعاً فإنه لا ينزل ما دام قد كان مضغة وخلق وإن كان تشويهاً بالغاً كفقد عضوٍ كامل كفقد يدٍ أو رجل أو جمجمة أو ما أشبه ذلك فلا بأس من إنزاله حينئذٍ فإنه لم يكن نفساً حتى الآن كما يدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الصادق المصدوق فقال (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك) فهذه أربعة أشهر (ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وأجله وشقيٌ أو سعيد فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) فبين في هذا الحديث الشريف أن الجنين تنفخ فيه الروح إذا تم له أربعة أشهر وعلى هذا فمتى تم له أربعة أشهر فإنه لا يجوز إنزاله إنزالاً يموت به على أي حالٍ كان.
***(9/2)
عن صحة قول: أنين المريض تسبيح وصياحه تكبير وتقلبه من جانبٍ إلى جانب جهادٌ في سبيل الله هل هذا الكلام صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح بل أنين المريض إذا كان يعبر عن الشكوى فهو حرام ولهذا دخل رجلٌ على الإمام أحمد رحمه الله وهو في مرضه فوجده يئن فقال له إن فلاناً من التابعين وأظنه طاووساً يقول إن أنين المريض يكتب عليه لقوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فأمسك رضي الله عنه أعني الإمام أحمد أمسك عن الأنين فإذا كان الأنين يعبر عن الشكوى فهو حرام وإذا كان بمقتضى الطبيعة وشدة المرض فإنه لا يؤاخذ عليه الإنسان لكنه لا يؤجر عليه وكذلك تقلبه من جنبٍ إلى جنب فإنه ليس فيه أجر نعم إذا كان فيه راحةٌ لبدنه فإن الإنسان يؤجر عليه من أجل طلب الراحة لبدنه لأن طلب الإنسان الراحة لبدنه أمرٌ يثاب عليه حتى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا أكل من ماله يبتغي بذلك وجه الله فإنه يؤجر ويكون أكله هو من ماله صدقة.
***(9/2)
هل يجوز لامرأة مسلمة أن تعالج عند امرأة نصرانية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تعالج المرأة المسلمة عند امرأة نصرانية بشرط أن تكون هذه النصرانية موثوقا بها نأمن من غشها وخداعها وإذا تيسر أن تكون الطبيبة مسلمة فهو أفضل وأحسن لقوله تعالى (وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) .
***(9/2)
بعض النساء يذهبن بأولادهن عند امرأة تعالج الأمراض بالطب العربي مثل الأشجار وغير ذلك ولكن أحيانا يدخل من ضمن العلاج لبن الأتان أنثى الحمار يشربه الطفل المريض فهل يجوز إعطاء الطفل هذا العلاج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لأحد أن يتداوى بألبان الحمير لأن ألبان الحمير محرمة ولم يجعل الله تعالى شفاء عباده بما حرم عليهم لأنه لو كان لهم فيها خير ما حرمها ولا يجوز للطبيبات أن يخلطن الدواء بشيء من ألبان الحمير وهن بذلك آثمات فعليهن أن يتقين الله وأن يبتعدن عن خلط الدواء بشيء محرم.
***(9/2)
عندنا في السودان الأطباء توصلوا إلى معرفة الجنين داخل الرحم رحم أمه هل هو ذكر أم أنثى هل ذلك يخالف الآية الكريمة (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا ينافي الآية الكريمة لأنهم إنما يعلمون بعد أن يخلق والملك الذي يؤمر بأن يكون الجنين ذكراً أو أنثى يعلم ذلك أيضاً فإذا ثبت الشيء حساً فإنه لا يمكن أن يناقض القرآن أبداً لأن القرآن لا يأتي بالمحال وعلى هذا فنقول العلم المتعلق بما في الأرحام يشمل عدة أشياء أولاً هل هو ذكر أو أنثى وهذا قد يختلف من زمان إلى زمان يعني قد يكون هناك زمان لا يمكن العلم بأنه ذكر أو أنثى ثم يرتقي الطب ويعلم فالثاني العلم هل يموت قبل خروجه أو يخرج حياً والثالث إذا خرج حياً هل تطول مدة بقائه في الدنيا أو لا والرابع هل هذا سيكتب واسع الرزق أو رزقه ضيق وهل يكتب سعيداً أم شقياً كل هذه العلوم تتعلق بالحمل بعضها نعلم علم اليقين أنه لن يستطيع أحد أن يصل إليها وحينئذٍ لا ينافي علم كون الجنين ذكراً أو أنثى قول الله تعالى (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ) .
***(9/2)
وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة ومثلها العين التي تقع في تهامة لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض والشافي هو الله سبحانه وتعالى وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من كثير من الأمراض التي بهم والأمراض الصعبة فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيراً حسياً في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به وذلك لأن الطب على نوعين أحدهما ما ثبت به الشرع فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه إنُما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض القسم الثاني من أقسام الطب شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب وهذا كثير جداً من الأدوية المستعملة قديماً وحديثاً فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب لأنه لم ينزل فيها شرع فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيراً في بعض الأمراض فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها.
***(9/2)
وضحوا لنا كيفية توجيه المحتضر في الموت من حيث الجهات أين يكون رأسه ورجلاه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يسن توجيه المحتضر إلى القبلة ولكنني لا أعلم لهذا سنة خاصة وأما كون رأسه إلى اليمين أو اليسار فالأمر في هذا واسع سواء إلى اليمين أو اليسار.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل يقول حدثونا عن ثمرة الذكر عند الخاتمة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثمرة الذكر عند الخاتمة أن من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه ختم لنا ولكم بها فإنه يكون من أهل الجنة (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) .
***(9/2)
المستمع مصطفى حامد جمهورية السودان الخرطوم يقول فضيلة الشيخ الإنسان في أطوار النطفة والعلقة والمضغة يتحرك في بطن أمه ولم يكن قد دخلته الروح هل دخول الروح فيما بعد يمثل العقل والفكر عندما تنزع منه الروح في نهاية عمره يموت علما بأنه كان حياً في الأربعة الأشهر الأولى في حياته وقبل دخول الروح كيف تفسير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول السائل أنه يتحرك قبل أن تنفخ فيه الروح فليست هذه حركة حياة ولكنها حركة ريح ولعل ذلك من أجل أن يتوسع مكانه في الرحم وليس عندي في هذا علم طبي في هذه المسألة ولا علم شرعي وأقول إن ثبت ما قاله السائل أن يتحرك قبل الأربعة أشهر فهذا وجهه والله أعلم أما بعد أن تنفخ فيه الروح وذلك بعد أن يمضي عليه أربعة أشهر فإنه يتحرك لأنه صار إنسانا حيا وهو لا تنفخ فيه الروح قبل أربعة أشهرلحديث بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق فقال (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) ومنذ أن يمضي عليه أربعة أشهر في بطن أمه تنفخ فيه الروح إلى أن تخرج منه عند انتقاله من الدنيا إلى الآخرة والروح لا يمكن أن نعلم كيفيتها لأننا لا نعلم كيفية الشيء إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه ونحن لم يحصل لنا واحد من هذه الأمور الثلاثة بالنسبة للروح ولهذا قال الله تبارك وتعالى (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) لكن ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن الميت إذا قبض _يعني إذا قبضت روحه_فإن بصره يتبع روحه) أي يشاهد الروح خارجة من جسده ولكن لا يمكن أن يدرك كيفيتها وحقيقتها التي هي عليها ولو أدركها في هذه الحال لم يكن لنا سبيلا إلى الوصول إلى علمها.
***(9/2)
هل يتألم المؤمن في وقت نزع الروح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الموت له سكرات وله شدة قال الله تبارك وتعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن للموت سكرات) والنزع يعني نزع الروح من البدن شديد لكنه يخف عن شخص ويشتد على آخر وقد يشدد الله سبحانه وتعالى النزع على الميت لذنوب ارتكبها فيكون في هذا التشديد كفارة له وإلا فلابد أن يكون هناك شدة لأن مفارقة الروح لهذا الجسد الذي ألفته مدة الحياة لابد أن يكون له أشد الأثر لكن الناس يختلفون في الشدة والخفة أحسن الله الخاتمة لنا ولكم.
***(9/2)
هل أرواح الأموات تتعارف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض أهل العلم أنها تتعارف وأنها تتزاور ولا يحضرني في هذا دليل من القرآن أو من السنة.
***(9/2)
التلقين متى يكون وقته عند الاحتضار أم بعد الموت أو عند إدخاله اللحد عندما يدخل الميت القبر ثم يضعون عليه التراب ويجتمع الناس حول القبر ويأتي الشيخ ويقرأ آيات من القرآن ثم يلقنه في هذه اللحظة فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التلقين إنما يكون عند الموت عند الاحتضار يلقن لا إله إلا الله كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام عند موت عمه أبي طالب حيث حضر فقال (قل يا عم لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) ولكن عمه أبا طالب والعياذ بالله لم يقل هذا ومات على الشرك وأما التلقين بعد الدفن فإنه بدعة لعدم ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولكن الذي ينبغي أن يفعل ما رواه أبو داود حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وأما القراءة عنده أو تلقينه فهذا بدعة ولا أصل له أعني عند القبر أما عند الموت فإنه يلقن كما قلت.
***(9/2)
هل الموت يوم الجمعة من علامات حسن الخاتمة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا الموت يكون في كل يوم على حد سواء ولو كان للأيام مزية لكان يوم الاثنين أولى بها لأنه اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن لا أعلم ليوم من الأيام مزية في الموت فيه.
***(9/2)
السائل يقول لقد سمعت وقرأت بأن من مات في يوم الجمعة أو في ليلتها من المسلمين فإن له منزلة جيدة فما رأيكم بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة ليس بصحيح لأن الإنسان إنما يثاب على عمل فعله بنفسه وكان له فيه اختيار وموت الإنسان يوم الجمعة ليس باختياره لو حضره الموت يوم الخميس لا يستطيع أن يؤخره إلى يوم الجمعة ولا يستطيع أن يقدمه إن كان أجله يوم السبت إلى يوم الجمعة وكل حديث ورد في فضل الموت في يوم معين فإنه ليس بصحيح لأن الثواب على الأعمال التي تقع من العبد اختياراً.
***(9/2)
إنسان قال لا إله إلا الله لكنه عند موته قالها وهو بعيد عن النفاق لكنه كان على غير سبيل الهدى في حياته الدنيا وإنما لو أوقف في هذا الموقف تذكر أعماله المنافية للإسلام وأراد أن يتوب وأن يقبل على الله عز وجل بعد ما رأى الموت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو إذا رأى الموت ولم يكن له عمل صالح من قبل فقد قال الله عز وجل (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) هذا لا ينفعه إيمانه بعد أن يشاهد الموت لأنه صار إيماناً عن مشاهدة لكن المقصود إذا كان الإنسان عنده إيمان وعنده سيئات من قبل، ثم قال هذا عند موته، ولا يقولها إلا مخلصاً فإنها تمحو السيئات التي سبقت منه.
***(9/2)
كيف كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كان عليه الصلاة والسلام يعود المرضى ويؤنسهم ويشرح صدورهم بعيادتهم ويرقيهم أحيانا وهكذا ينبغي للإنسان أن يعود إخوانه المرضى سواء كانوا في المستشفيات أو كانوا في بيوتهم لما في ذلك من إدخال السرور عليهم وإدخال السرور على المريض نصف الدواء في الوقع لأن نفسه تنبسط وصدره ينشرح وينسى الألم لا سيما إذا كان العائد له ذو قيمة في المجتمع فإن العيادة تتضاعف أجرها وينبغي لمن عاده أن يدخل السرور عليه وأن يقول له أنت اليوم خير من أمس والإنسان خير من أمسه سواء كان في شفاء أو في زيادة مرض إن كان في شفاء فهو صحة وعافية وإن كان في زيادة مرض فهو أجر وثواب ويذكره مثلا التوبة لكن بصفة لا يشعر فيها المريض أنه يعني دنو أجله مثل أن يقول له أنت الآن والحمد لله وإن انحبست عن الدنيا فقد تفرغت للعمل الصالح من قراءة القرآن والذكر والاستغفار وما أشبه ذلك من الكلمات التي تفيده بدون أن يشعر بأنك ترى دنو أجله كذلك أيضا ينبغي أن تسأله عن كيفية وضوئه وطهارته وكيفية صلاته لأن من الناس من يصلى خطأ مثال ذلك أن أحد الناس عاد مريضا في بلده في بلد المريض فسأله كيف صلاتك كيف طهارتك فأخبره فقال أما الصلاة فلي خمسة عشر يوما أجمع وأقصر وهو غير مسافر فانظر كيف ظن أنه متى جاز الجمع جاز القصر والأمر بالعكس متى جاز القصر جاز الجمع ولا عكس قد يجوز الجمع ولا يجوز القصر فالجمع في البلد جائز إذا وجدت أسبابه والقصر غير جائز كذلك بعض الناس مثلا يظن أن المريض إذا عجز عن الإيماء برأسه صلى بأصبعه فنصب أصبعه حال القيام ثم حناه قليلا حال الركوع ثم حناه أكثر حال السجود وهذا غلط لم يقل أحد من العلماء فيما نعلم إن المريض يصلى بأصبعه فتخبره مثلا تقول له صلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا توميء بالركوع والسجود وتجعل السجود أخفض فإن لم تستطع فعلى الجنب توميء برأسك والأمر واسع وتبين له أنه إذا كان يشق عليه أن يصلى كل صلاة في وقتها فله أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء المهم أن الموفق يجعل عيادته للمريض بمنزلة العيادة والتعليم حتى يفيد ويفيد ومن ذلك أيضا أن يذكره الوصية فيقول يا فلان إن كان لك وصية بقضاء دين عليك أو زكاة أو كفارة أو ما أشبه ذلك فيخبره بما يجب عليه في هذا.
***(9/2)
هل يجوز لأهل الميت أن يستخدموا ملابس الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب وفرش وكتب وأدوات كتابة وماصة وكرسي كل شيء حتى شماغه وغترته التي عليه تنتقل إلى الورثة وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم فلو قالوا أي الورثة وهم راشدون ثياب الميت لواحد منهم ولبسها فلا بأس ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها فلا بأس ولو اتفقوا على أن يبيعوها فلا بأس هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم.
***(9/2)
غسل الميت(9/2)
ما هو السر من تغسيل الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك فقال للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وأمر به أيضا في قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف في حجة الوداع فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اغسلوه بماء وسدر) ولأنه يغسل من أجل أن ينظف فيقدم على ربه عز وجل وهو في غاية النظافة ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام للنساء اللاتي يغسلن ابنته (ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) يعني متى ما دعت الحاجة إلى الزيادة على السبع فإنه يزاد على السبع ولكن يقتصر بذلك على الوتر بمعنى أن تكون الغسلة الأخيرة وترا.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا المرأة التي تتوفى في ساعة النفاس هل تدفن بملابسها وتغسل وتكفن وما كفارة من فعل ذلك بزوجته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة التي تموت في نفاسها كغيرها بمعنى أنه يجب أن تغسل وأن تكفن في المشروع لغيرها وثيابها تبقى تركة لها ومن فعل ذلك بزوجته سابقا بمعنى أنه دفنها في ثيابها فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه صنيعه هذا وكان الواجب عليه أن يسأل قبل أن يعمل ونحن نأسف إلى أن كثيرا من الناس الآن يفعلون الأشياء المخطئة ثم لا يبحثون عنها إلا بعد الفعل بعد أن يقع البلاء يأتي ويسأل وهذا ليس من الأمور الحميدة بل نقول اسأل قبل أن تعمل لئلا تتورط وتقع في المحذور أي فائدة للإنسان أنه إذا فعل المحذور جاء يسأل قد يترتب على هذا الفعل أشياء كبيرة من حيث لا يشعر.
***(9/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة أم مصعب من الرياض هل يحق للمرأة أن ترى زوجها بعد أن يغسل ويكفن وقبل أن يلحد لأنني سمعت من يقول بأنه لا يحق لها ذلك لأنه يصبح محرَّماً عليها.
فأجاب رحمه الله تعالى: ما سمعته غير صحيح فللزوجة أن ترى زوجها بعد موته بل لها أن تغسله مع أنه لا يجوز للمرأة أن تغسل الرجل ولا للرجل أن يغسل المرأة إلا الزوجين فإنه يجوز أن يغسل الرجل زوجته وأن تغسل المرأة زوجها. ومن المعلوم أن الغاسل سوف يرى المغسول فلا حرج عليها أن تنظر إليه وأن تغسله كما ذكرنا.
***(9/2)
من أسئلة هذه السائلة تقول بالنسبة لسن الذهب بالنسبة لشخصٍ متوفى هل ينزع منه هذا السن ويضم إلى التركة أم يتصدق بثمنه أم يدفن في مكانٍ آخر لأنه يعتبر من الأموال التي لا ترافق الميت في قبره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات الإنسان وفيه سن ذهب فإنه يخلع إلا إذا لزم من خلعه سقوط الأسنان فلا يخلع ويبقى مع الميت حتى يظن أنه قد بلي وأكلته الأرض ثم يستخرج بعد ذلك ما لم يعف الورثة عن بقائه معه إلى الأبد فإن عفوا فلا حاجة إلى أن ينبش فيما بعد.
***(9/2)
إذا مات الميت والذهب في فمه كأن يكون ضرس أو أسنان هل يجوز قلع الذهب أم يبقى في الميت ويدفن معه في قبره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أتكلم عن الجواب عن هذا السؤال أود أن أقول إن مما ابتلي به كثير من الناس اليوم استعمال الذهب مع تحريمه فكثيرٌ من الرجال الآن نجدهم يستعملون الذهب في الخواتم والسلاسل والأسنان وهذا حرامٌ عليهم ولا يجوز لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم التختم بالذهب على الرجل حتى شبهه عليه الصلاة والسلام بالجمرة يجعلها الإنسان في يده وأخبر أن الذهب والحرير حرام على ذكور أمته وبين الله تبارك وتعالى في القرآن أن الحلية من خصائص النساء (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) فالرجل ليس بحاجة إلى أن يكمِّل جماله بلباس الذهب لأن مهمته ليست بالتجمل لغيره الذي يكون به داعية إلى نفسه فمهمته أسمى وأعلى من أن يحط نفسه إلى درجة النساء اللاتي يتحلين بالذهب ليتجملن به أمام أزواجهن ولا فرق بين لباس خاتم الذهب على الرجل وبين أن يقصد به ما يسمى بالدبلة والدبلة التي يفعلها الخاطب أو المتزوج بالنسبة لزوجته هي فيما يبدو فيها محظوران أحدهما التشبه بالنصارى لأنها موروثة عنهم والثاني اعتقادٌ فاسد حيث يكتب الرجل اسم زوجته فيما يلبسه وتكتب المرأة اسم زوجها فيما تلبسه معتقدين بذلك أنه من أسباب الرابطة بينهما أو من علامات الارتباط بينهما وكل ذلك خُرافة وعقيدة باطلة لا أصل لها ولا يجوز الاعتماد عليها ولا التأويل عليها أما بالنسبة للأسنان فالأسنان إذا احتاج الرجل إلى أن يضع له ضرساً أو سناً من الذهب فلا حرج عليه في هذا سواءٌ وضعه مستقلاً أو وضعه تلبيساً على شيء يحتاج إليه وكذلك المرأة لا بأس أن تُلبس السن شيئاً من الذهب لتتجمل به لزوجها وتتحلى به له فإذا مات الميت وعليه شيءٌ من هذا الذهب فإنه يجب خلعه لأن في بقائه مفسدتين المفسدة الأولى أنه إضاعة للمال وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) وفي القرآن ما يشير إليه حيث قال سبحانه وتعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) والمفسدة الثانية تفويت هذا المال على مستحقيه من الورثة لا سيما إذا كانوا صغاراً وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والميت إذا مات انتقلت أمواله وحقوقه المالية إلى ورثته من بعده (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) فالحاصل أنه لا يجوز إبقاء سن الذهب أو ضرس الذهب على الميت بعد موته بل يجب خلعه لكن إن حصل بذلك مُثْله مثل أن لا ينخلع إلا بانخلاع ما حوله من الأسنان مثلاً أو الأضراس أو كان يُخشى الانفجار بخلعه فإنه لا بأس أن يبقى ثم إن كان الورثة ذوي رشد ومكلفين وسمحوا بذلك فهو لهم وإلا فإنه إذا ظُنَّ أن الميت قد بلي يستخرج من القبر.
فضيلة الشيخ: لكن سيترتب على استخراجه من القبر أشياء أخرى وهو قد يرى أن الميت على غير الوضع الذي وضع عليه ثم يكون عرضةً لألسنة الناس أو من هذا القبيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه المسألة إذا احتيج إلى نبش القبر في هذه المسألة أو غيرها مثلاً قد يقع من إنسان حول القبر حين الدفن يقع منه شيء ثمين ونحتاج إلى نبشه لتسليمه لصاحبه وقد يوجه الميت إلى غير القبلة جهلاً فنحتاج إلى نبشه لنوجهه إلى القبلة المهم أننا إذا احتجنا إلى نبشه فليس بمانعٍ أن يخشى أن يكون على غير الصفة المرغوب فيها لأننا في هذه الحال نقول لا يتولى نبشه إلا أناس أهل دينٍ وستر وثقة يتولون ذلك فهذا لا يضر ثم إن هذه المسألة احتمال أليس كذلك؟ احتمال وبقاء المال في القبر مفسدة محققة ولا يترك الشيء المحقق لوجود شيء محتمل
***(9/2)
هذه رسالة وردتنا من مكة المكرمة من المرسلة م م ي ق تقول في رسالتها هل يجوز تركيب أسنان الذهب وإذا مات الميت هل تؤخذ هذه الأسنان الذهب التي في فمه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسنان الذهب لا يجوز تركيبها للرجال إلا لحاجة مثل أن تنقلع سنه ويحتاج إلى ربطها بشيء من الذهب أو تتغير بتكسر وغيره ويحتاج إلى تلبيسها ذهباً هذا بالنسبة للرجال وأما بالنسبة للنساء فإذا اعتدن التجمل بتلبيس بعض الأسنان الذهب فإن هذا لا بأس به لأنه المرأة يجوز لها أن تتحلى بالذهب بما جرت به العادة فإذا كان من عادة النساء مثلاً أن يتحلين بالذهب في أسنانهن فإنه لا حرج في ذلك وفي تلك الحالين حال الحاجة للرجل وحال التجمل للمرأة إذا مات الميت فإن هذا الذهب يخلع منه لأن بقاءه فيه إضاعة للمال والمال قد انتقل إلى الورثة بموت المورث ولكن إن خشي من ذلك مثلة بمعنى أننا لو خلعناه لانخلعت الأسنان الأخرى فإنه يبقى مع الميت وبقاؤه مع الميت إذا بلي يستخرج منه وإن سمح الورثة فلا حرج في ذلك لأنه مالهم وإذا تنازلوا عنه فلا حرج عليهم فيه.
***(9/2)
ما حكم الشرع في نظركم في الذي يموت وبه سن من ذهب أو سلك من ذهب في العمود الفقري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السلك الذهبي في العمود الفقري فإنه لا يؤخذ لأنه لا يمكن أخذه إلا بُمثلة والتمثيل بالميت حرام ولا يجوز لقول النبي عليه الصلاة والسلام (كسر عظم الميت ككسره حياً) وأما السن أو الشريط الذي يمسك السن فإنه يؤخذ لأنه مال وإبقاؤه في الميت إضاعة للمال إلا إذا كان يخشى منه مُثلة في أسنان الميت بحيث تتحطم عند أخذه فإنه يبقى وكذلك لو رضي الورثة وهم راشدون أن يبقى في الميت فلا حرج في ذلك.
***(9/2)
هذه رسالة بعثت بها المرسلة ريحانة الزهراني تقول توفيت معهم امرأة في السفر ولم يجدوا من يغسلها، وذهبوا بها إلى قرية ولم يجدوا من يقوم بالتغسيل وكان معها رجلان لم يعرفا طريقة تغسيل الميت فاجتهدت وغسلتها ودفنت بعد أن بقيت معهم يوم وليلة، وبعد ذلك عرفت أنها على غير هدى في تغسيلها، فهل عليها كفارة في ذلك، وقد حصل هذا قبل ثلاثين سنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الميت ليس بالأمر الصعب إذ أن الواجب هو أن يعم بدن الميت كله غسلاً بالماء، وهذا أمر لا يعسر أحداً فعله فهو سهل، لكن المشروع في تغسيل الميت هو أن يوضع على سرير الغسل على ظهره مستلقياً ثم ينجى أي يغسل فرجه، وفي هذا الحال يجب أن تكون عورته مستورة وأن يكون الغاسل قد لف على يديه خرقة حتى لا يمس عورته، فإذا تم تنجيته بدأ بمواضع الوضوء منه، فيبدأ بفمه وأنفه فيأتي بخرقة مبلولة نظيفة وينظف بها أسنانه وداخل فمه، وداخل أنفه أيضاً، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ورأسه ورجليه، ثم يغسل بقية بدنه مبتدئاً بالجانب الأيمن منه، والواجب الغسل مرة، ولكن إذا كان الميت يحتاج إلى أكثر يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك حسب ما تدعو الحاجة إليه، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً وهو طيب معروف يسحق ويورد بالماء الذي يكون في الغسلة الأخيرة لأجل أن تبقى رائحته في الجسم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن كانت امرأة يضفر شعرها ثلاث ضفائر يعني يجدل ثلاث جدائل ويلقى من ورائها كما فعل بابنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا كله على سبيل الاستحباب أما الواجب فهو أن يعم بدنه بالغسل مرة واحدة، هذا هو الواجب، وكل أحد يمكنه أن يعرف ذلك، أما القضية التي وقعت وذكرت السائلة أنها لم تكن على الطريق المشروع فنحن لم يتبين لنا الآن كيف هذه الطريقة التي غسلتها بها لأنها قد تكون على وجه مشروع أو على وجه مجزئ على الأقل، فإذ كان على وجه مجزيء فذلك هو المطلوب، وإذا قدرنا أنها ليست على وجه مشروع لا إجزاء ولا استحباباً فإن الآن قد فات الأمر، وهي قد اجتهدت، والمجتهد إذا أخطأ فليس عليه إثم، بل له أجر.
فضيلة الشيخ: تقول في التغسيل أنها غسلتها حسب معرفتها بطريقة عادية يصب الماء عليها وهي على لوح من خشب وقلبتها يميناً وشمالاً ثم قامت بتكفينها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحمد لله، هذا عمل مجزئ، مادام أن الماء قد عم جميع البدن فقد أجزأ.
***(9/2)
يلاحظ على كثير من الشباب هداهم الله بالرغم من أنهم خالفوا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بحلق اللحى إلا أنهم تشبهوا بالغرب من تربية السوالف وهي حلق النصف أو نصف الذقن إلى نصف الخد وتربية الشنبات الطويلة وإذا فرضنا أن هذا الرجل توفي هل يقص شاربه الطويل وتحلق السوالف أم يدفن بهذه الهيئة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول هذه الهيئة التي ذكر لا شك أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنها موافقة لهدي غير المسلمين ولذلك يجب الحذر منها ويجب اتباع السنة في هذه الأمور وهي إعفاء اللحى وحف الشوارب وقولي يجب اتباع السنة إنما أريد المعنى الأعم لا السنة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها لأن إعفاء اللحى واجب وفرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خالفوا المشركين: أعفوا اللحى وحفوا الشوارب) فالواجب على المسلم أن يتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر وأما قص الشارب إذا مات فإن العلماء يقولون إنه إذا طال فإنه يقص هو والأظفار وأما ما بقي من العوارض في مثل هؤلاء الذين يفعلون ما ذكره السائل فإنه لا يحلق لأن الأصل أن حلق العوارض محرم لأن العوارض من اللحية وليست اللحية كما يفهمه كثير من الناس أنها الذقن وهو مجمع اللحيين فالذقن الذي في أسفل هذا هو مجمع اللحيين وأما اللحية فإنها تشمل العوارض والشعر الذي على الخد وكذلك الشعر الذي في الذقن كما هو معروف في كتب اللغة.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذان سؤالان من السائل محسن محمد أبو زيد مصري مقيم بالعراق يقول عثرت على طفل ميت ومجرد من الثياب في ماء نهر جار وهذا الطفل حديث الولادة وكان جسمه متهتكاً فلم أستطع غسله مثل الموتى وحسب شريعة الإسلام فهل علي إثم في دفني له دون غسل وما الذي أفعله لو تكررت مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تكررت مثل هذه الحالة وصار غسل الميت متعذراً فإن أهل العلم يقولون ييمم بمعنى أن الحي يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجه الميت وكفيه ثم يكفنه ويصلى عليه ويدفنه وأما ما جرى منك فإنه لا ينبغي للإنسان في مثل هذه الأمور المشكلة أن يفعل الشيء قبل أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) ولا سيما في مثل هذا الأمر الذي تعمله لغيرك لا لنفسك فإنه يجب عليك الاحتياط وعدم التسرع في الأمور حتى تسأل أهل العلم وهذا الطفل الذي فعلت به ما فعلت إذا كنت لم تصل عليه وأنت تعرف قبره فصل على قبره وإلا فصل عليه صلاة الغائب لأنه يجب على المسلمين أن يصلوا على أمواتهم فالصلاة على الميت كما هو معلوم من فروض الكفايات.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للغسل فيما إذا كان متعذراً غسل الميت مثلاً لإصابة بالغة أو تهتك في بشرته كما أخبر ففي كل هذه الحالات ييمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ييمم هكذا قال أهل العلم إذا تعذر غسله لاحتراق أو غيره ييمم وإذا قدر أنه قد تقطع أوصالاً كما يحصل والعياذ بالله في بعض الحوادث فإن هذه الأوصال تجمع وتغسل ويربط بعضها ببعض وتكفن جميعاً وتستوفى بقية الإجراءات.
***(9/2)
هذه رسالة من المستمع خلفان محمد ناصر البوسعيدي من سلطنة عمان يقول هل يجوز للرجل أن يغسل ميتاً كان لا يصلى ولا يصوم ويشرب الخمر أم لا يجوز وهل يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين وتقام عليه الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يغسل ميتٌ لا يصلى ولا يصوم والأهم أنه لا يصلى فإذا كان هذا لا يصلى والعياذ بالله ولو كان يزعم أنه مسلم فليس بمسلم فهو كافر فإذا مات فإنه لا يجوز تغسيله ولا أن يكفن ولا أن يصلى عليه ولا أن يدفن في مقابر المسلمين وإنما يغمس في ثيابه في حفرة في مكانٍ بعيد وذلك لأن الكافر كافر لا يطهره صلاةٌ ولا دعاءٌ ولا غيره وبهذه المناسبة أود أن أحذر من مات عندهم ميت وهم يعلمون أنه لا يصلى ولم يتب أحذرهم من أن يتقدموا به إلى مساجد المسلمين ليصلى عليه المسلمون فإن هذا من إيقاع المسلمين في الإثم وإن كان من لا يدري لا إثم عليه لكن هم يوقعون الناس في الإثم لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فكل كافر فإنه لا يجوز أن يصلى عليه ولا يقام على قبره بالدعاء له وهذه مسألة يقع فيها بعض الناس إما ستراً على ميتهم أو جهلاً منهم بالأمر ولكن طاعة الله ورسوله فوق كل اعتبار فالمؤمن إذا علم أنه لا يجوز أن يصلى على من مات كافراً فإنه إذا مات له ميت وهو يعلم أنه كافر بأي سببٍ من أسباب التكفير فإنه يجب عليه أن يخشى الله وأن لا يصلى على هذا الميت ولا يقدمه للمسلمين يصلون عليه وها هنا مسألة وهي أنه قد يقدم إلى الإنسان شخصٌ يشك فيه هل هو مسلم أو كافر لأنه مثلاً تقرر عنده أنه ممن لا يصلى مثلاً فيموت هذا الذي تقرر عنده أنه لا يصلى ثم يقدم إليه ليصلى عليه فيشك في أنه مسلم أو كافر فماذا يصنع؟ أن يصلى عليه لأن الأصل أن المسلم باقٍ على إسلامه ولكنه عند الدعاء له يشترط فيقول اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه والله تعالى يعلم حاله هل هو مؤمن أو لا وبهذا يسلم من التبعة يسلم من أن يدعو لشخصٍ كافر بالرحمة والمغفرة والاستثناء في الدعاء أو الشرط فيه أمرٌ واردٌ في القرآن ففي آيات اللعان قال الله تعالى (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) وقال في المرأة (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فالاستثناء في الدعاء وارد كالاستثناء في العبادة أيضاً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لضباعة بنت الزبير حينما أرادت الحج وهي شاكية فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) فالمهم أن الانسان يستثني في مثل هذه الحال اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وقد ذكر ابن القيم في أعلام الموقعين عن شيخه ابن تيمية رحمه الله أنه أشكل عليه مسائل من مسائل الدين أو الفقه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان من جملة ما أشكل عليه أنه تقدم له جنائز لا يدري هل هو مسلم أم لا فقيل له عليك بالشرط يا أحمد يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام عليك بالشرط يا أحمد وهذا سند ابن القيم عن شيخه ابن تيمية سندٌ صحيح لأن الرجلين كلاهما ثقة ولا يقول قائل إننا اعتمدنا هنا على إثبات حكمٍ شرعيٍ برؤيا لأن هذه الرؤيا يؤيدها القرآن كما أشرنا إليه قبل قليل في قصة اللعان وهو أن الاستثناء في الدعاء سائغٌ وعلى هذا فإن هذه الرؤيا موافقة لقواعد الشريعة فيعمل بها.
***(9/2)
هذه الرسالة من المستمعة من العراق تقول لقد وضعت بنتاً ميتةً في شهرها التاسع فقد أخذت والدتي ووالدة زوجي الطفلة ودفناها بدون غسل ولا تكفين فهل عليهما شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليهما في ذلك شيء لأنهما تركتا أمراً واجباً وهو تغسيل هذا السقط وتكفينه والصلاة عليه والسقط إذا بلغ أربعة أشهر يعني إذا كان حملاً له أربعة أشهر وسقط فإنه يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً وذلك لأنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح وهناك حديث لأبن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربعة كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) وإذا نفخ فيه الروح صار حياً إنساناً له ما للإنسان الحي وعليه ما عليه فإذا سقط وقد تمت له الأربعة أشهر وجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً.
***(9/2)
إذا ولد مولود ذكر صغير لمدة شهر ثم مات هل يغسل ويصلى عليه أفيدونا بارك الله فيكم
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل لا يمكن لأنه يقول إذا ولد مولود ذكر لمدة شهر فهذا السؤال لا يمكن إذا كان يريد بقوله لمدة شهر أي لمدة شهر من الحمل به وذلك لأن مدة شهر من الحمل به لا يتبين بها هل هو ذكر أو أنثى وإن الذكورة والأنوثة لا تتبين إلا حين يكون الجنين مضغة ولا يكون مضغة إلا بعد مضي ثمانين يوماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه ابن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه ملك ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد) وأما إن كان السائل يريد بقوله صغير بعد شهر أي بعد شهر من ولادته فهذا صحيح فنقول في الجواب عليه إنه إذا مات الطفل بعد خروجه لمدة شهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين إذا كان أبواه أو أحدهما مسلماً بل إنه إذا خرج من بطن أمه بعد مضي أربعة أشهر فإنه يغسل ويدفن في مقابر المسلمين إذا كان أبواه أو أحدهما مسلماً حتى وإن لم يتم له تسعة أشهر في بطن أمه لأنه بعد تمام أربعة أشهر يكون إنساناً حيث إن الملك ينفخ فيه الروح ولهذا قال أهل العلم الطفل السقط إذا بلغ أربعة أشهر يغسل ويصلى عليه يعني يغسل ويكفن ويصلى عليه.
***(9/2)
من السودان يا فضيلة الشيخ يسأل عن الصفة الصحيحة التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في غسل الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصفة المشروعة في غسل الميت هي أن الإنسان يغسل فرج الميت ثم يشرع في تغسيله فيبدأ بأعضاء الوضوء فيوضئه إلا أنه لا يدخل الماء فمه ولا أنفه وإنما يبل خرقة وينظف أنفه وفمه بها ثم يغسل بقية الجسد ويكون ذلك بسدر والسدر هو المعروف يدق ثم يوضع في الماء ثم يوضع باليد وهو في الماء حتى يكون له رغوة فتؤخذ الرغوة ويغسل بها الرأس واللحية ويغسل بقية البدن بتفل السدر لأن ذلك ينظفه كثيراً ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً والكافور طيب معروف قال العلماء من فوائده أنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام وإذا كان الميت كثير الوسخ فإنه يزيد في غسله لقول النبي عليه الصلاة والسلام للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك) ثم بعد هذا ينشفه ويضعه في كفنه.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا مصري مقيم بالمملكة يقول هل يجوز أخذ أجرة مقابل تغسيل وتكفين الموتى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الأجرة أو هذا العطاء بدون شرط فلا شك في جوازه ولا حرج فيه لأنه وقع مكافأة لهذا الغاسل المكفن على عمله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) أما إذا كانت هذه الأجرة مشروطة فإنها بلا شك تنقص أجر الغاسل المكفن لأن الغاسل المكفن ينال أجراً كبيراً لأن تغسيل الميت وتكفينه من فروض الكفاية فيحصل للغاسل والمكفن أجر فرض الكفاية لكن إذا أخذ على ذلك أجرة فإن أجره سوف ينقص ولا حرج عليه إذا أخذ أجرة على هذا لأن هذه الأجرة تكون في مقابل العمل المتعدي للغير والعمل المتعدي للغير يجوز أخذ الأجرة عليه كما جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن على القول الصحيح.
***(9/2)
المستمع علي عيسى الحارثي مكة المكرمة يقول في رسالته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد لقد قرأت في أحد الكتب إنه إذا مات الإنسان ودخل عليه المغسل يصيح صيحة يسمعها جميع المخلوقات إلا الثقلين وإذا نزع عمامته من رأسه يصيح صيحة يسمعها جميع المخلوقات إلا الثقلين وسبب ذلك أن جسمه لا يطيق أن يمسه أحد هل هذا القول صحيح يا فضيلة الشيخ أفتونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول غير صحيح ولا أصل له لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما الثابت (أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يثبت الله الذين آمنوا فيقول المؤمن ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي وأما الكافر أو المنافق فيقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته _ لأنه لم يدخل الإيمان قلبه والعياذ بالله _ فيضرب بمرزبة من حديد أي بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس والجن قال النبي صلى الله عليه وسلم (ولو سمعها الإنسان لصعق) وفي هذا الحديث إثبات لعذاب القبر الذي دل عليه ظاهر القرآن وصريح السنة وأجمع المسلمون عليه في صلواتهم ففي القرآن يقول الله تعالى في آل فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) ويقول تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) فقوله اليوم (أل) فيه للعهد الحضوري أي هذا اليوم الذي يكونون فيه في غمرات الموت وهو دليل واضح على إثبات عذاب القبر وقوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) وأما السنة فقد تواترت في ذلك والمسلمون كلهم يقولون في صلاتهم أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال فعذاب القبر ثابت بدلالة الكتاب والسنة ولا شك فيه ولهذا يجب على المرء أن يكون حذراً مما يكون سبباًَ لعذاب القبر ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي في أمر شاق عليهما أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرس في كل قبر واحدة فقالوا لم فعلت هذا يا رسول الله قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر قوماً يضعون على قبور ذويهم شيئاً من الأغصان الرطبة مستدلين بهذا الحديث ولا دلالة فيه على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يضعه على قبر كل ميت وإنما وضعه على قبر هذين الرجلين اللذين كانا يعذبان فهل أنت أيها الإنسان ترى أن من وضعت عليه هذا الغصن تراه يعذب في قبره إنك إن رأيت ذلك فقد ظننت به ظن السوء وظن السوء بالمسلم محرم إذا كان ظاهره العدالة وعليه فإن وضع هذه الأغصان الرطبة على القبور مخالف للسنة وتهمة للميت بأنه يعذب نسأل الله العافية
***(9/2)
هذا السائل على حسن من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال توفي والدي وقمت بتغسيله وبعد ذلك جاء رجل من المسلمين مكلف بتغسيل الموتى فقام بتغسيل والدي وعند التكفين وجدت جرحا في يد والدي من فعل التغسيل فهل علي شيء أفعله عن هذا الجرح سواء كان صدقة أو كفارة حيث أن ضميري يعذبني على هذا الجرح الذي حدث لوالدي أثناء التغسيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك في هذا إثم إذا كان الجرح بغير اختيارك أو كان بفعل الغاسل الثاني ثم ليعلم أنه إذا غسل الميت الغسل المجزئ فإنه لا يعاد مرة ثانية ويقال لهذا الموكل بتغسيل الموتى على وجه النظام يقال له إنه قد تم تغسيله ولا حاجة إلى إعادة الغسل وأما فيما يتعلق بالجرح فقد علم السائل الآن أنه لا شيء عليه ولا ينبغي أن يتذكر ذلك بل يعرض عنه حتى لا يؤنبه ضميره بما ليس بمحل تأنيب.
***(9/2)
السائل أحمد عبده يقول امرأة ماتت وليس في القرية مغسلة تغسلها وزوجها قد مات من قبلها السؤال هل يجوز لأولادها أن يغسلوها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من العلماء من يقول إنها في هذه الحال إذا ماتت وليس معها نساء ولا زوج فإنها تيمم ولا تغسل ومنهم من قال إنه لا بأس أن تستر عورتها ويصب عليها في اللي أو في الإبريق بدون مس لغير المحارم وعندي في هذا تردد فالله أعلم.
***(9/2)
سيدة أسقطت طفلاً ميتاً في الشهر السابع متكونا وكانت السيدة في حالة مرضٍ شديد لدرجة إنها لم تستطع حمل الطفل ولم يكن بالقرب منها أحد تطلب إليه حمل الطفل ودفنه فرجعت إلى خدرها وتركته وفي الصباح حاولت السير إلى مكان إسقاط الطفل فوجدته قد أكلته السباع والكلاب وحيث أن تلك السيدة تعيش الآن في قلقٍ وحيرة من أمرها خوفاًمن العقوبة أو عقوبة ما حدث وتأمل إرشادها إلى ما يجب أن تفعله وهل عليها إثمٌ في ذلك وما كفارته ونأمل التكرم بالرد إذا تكرمتم علينا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً وأنه لا يجوز لها أن تعمل مثل هذا العمل وأن الذي ينبغي بل يجب عليها أنها أبقته عندها في البيت حتى تتصل بأحدٍ في الصباح ويقوم باللازم من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولكن إذا كان الأمر كما حكى كما هو مشروحاً الآن فإن عليها أن تتوب إلى الله وتستغفر ولا تعود لمثله وعليها كذلك أيضاً هي أو غيرها أن تصلى على هذا الطفل لأنه لم يصلَ عليه والصحيح كما قال أهل العلم أن الصلاة على الميت لا تتقيد بشهرٍ ولا بسنة بل أي ميتٍ لم يُصلَّ عليه فإنه يصلى عليه متى أمكن ذلك وعلى هذا إن هذا الطفل تصلى عليه هي أو من علم بحاله من المسلمين ولعل الله ييسر أن نصلى عليه نحن إن شاء الله ويكون ذلك الخير خيراً على خير.
***(9/2)
السائل عبد الله محمد يقول ماهي المواقف التي إذا مات فيها الشخص أو إذا مات فيها الإنسان يكون شهيدا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن المطعون والمبطون والحريق والغريق وما أشبههم هؤلاء كلهم من الشهداء وكذلك المقتول ظلما هو شهيد لكن هؤلاء ليسوا كشهيد المعركة أي ليسوا كالشهيد الذي قتل في سبيل الله لأن الشهيد الذي قتل في سبيل الله وصف الله تعالى ثوابهم بقوله (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ولهذا لا يصلى عليهم ولا يكفنون بل يدفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها بدون صلاة لأن بارقة السيوف على رأسه وعرض رقبته لعدوه وعدو الله كافية في الامتحان والشفاعة لكن هؤلاء الشهداء نطلق عليهم أنهم شهداء كما أطلق عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ولكن لا نلحقهم بالشهداء الذين قتلوا في سبيل الله لأن هؤلاء أتوا إلى المعركة باختيارهم مع علمهم بشراسة العدو وأما أولئك فإنهم قتلوا بغير اختيار منهم ولهذا تجدهم يدافعون عن أنفسهم.
***(9/2)
المستمع صابر من السودان يقول في هذا السؤال هل يدخل في إطار الشهداء الغريق والحريق والمرأة التي ماتت في حالة الوضع وما الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هؤلاء يدخلون في الشهداء لأن السنة وردت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شهادتهم لا تساوي شهادة المقتول في سبيل الله فإن المقتول في سبيل الله لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه وإنما يدفن في ثيابه التي قتل فيها بدون صلاة ويبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك وهذا لا يحصل للشهداء الذين جاءت بهم السنة ولكنهم يحصلون على أجرٍ عظيم إلا أنهم لا يساوون الشهيد المقتول في سبيل الله من كل وجه وإنني في هذه المناسبة أود أن أنبه على مسألةٍ شاعت أخيراً بين الناس وهي أن كل إنسانٍ يقتل في الجهاد يصفونه بأنه شهيد حتى وإن كان قد قتل عصبية وحمية وهذا غلط فإنه لا يجوز أن تشهد لشخصٍ بعينه أنه شهيد حتى وإن قتل في الجهاد في سبيل الله لأن هذا أمرٌ لا يدرك فقد يكون الإنسان مريداً للدنيا وهو مع المجاهدين في سبيل الله ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك) فقوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يدل على أننا نحن لا نعلم ذلك وقد ذكر البخاري رحمه الله هذا الحديث تحت ترجمة بابٌ لا يقال فلانٌ شهيد وذكر صاحب فتح الباري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (إنكم تقولون فلانٌ شهيد وفلانٌ شهيد ولعله يكون قد أوقر راحلته يعني قد غل في سبيل الله من المغانم يعني أنه قد غلّ من الغنائم يعني فلا تقولوا ذلك ولكن قولوا من قتل في سبيل الله أو مات فهو شهيد) وصدق رضي الله عنه فإن الشهادة للمقتول بأنه شهيد تكون على سبيل العموم فيقال من قتل في سبيل الله فهو شهيد وما أشبه ذلك من الكلمات العامة أما الشهادة لشخصٍ بعينه أنه شهيد فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم حين صعد على الجبل هو وأبو بكر وعمر وعثمان فارتج بهم قال (اثبت أُحد فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان) وإذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحدٍ بعينه بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك لا يشهد لأحدٍ بعينه أنه شهيد لأن من لازم الشهادة له بأنه شهيد أن يكون من أهل الجنة.
***(9/2)
المستمع م. ص. يقول في سؤاله سمعت من بعض الإخوة أن من مات بالهدم أو الحرق فهو شهيد ولكن هل يتساوى هذا مع الشهيد في سبيل الله ومن مات بواحد من هذا وهو لا يصلى فهل يعتبر شهيدا ًنرجو النصح والإفادة بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل فيمن مات بهدم أو حرق أو غرق فهو شهيد صحيح صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا يعطى حكم الشهيد المقتول في سبيل الله فإن الشهيد المقتول في سبيل الله يغفر له كل شيء إلا الدَّين والشهيد المقتول في سبيل الله لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن في ثيابه بدمائه كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم سنة أُحد لأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك ولأن المقتول في سبيل الله لا يفتن في قبره أي لا يأتيه الملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه اكتفاء بالمحنة العظيمة التي حصلت له بالجهاد في سبيل الله حيث عرض رقبته وعرض نفسه للتلف والهلاك إعلاء لكلمة الله عز وجل فكفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة وهذه الأحكام لا تثبت للشهيد الذي مات بالأسباب التي ذكرها السائل لكن يرجى له أن يكون شهيداً ثم إن هاهنا نقطة أحب أن أقولها وهي أن من قتل في سبيل الله فهو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد ولكننا لا نشهد لشخص معين بأنه شهيد وإن قتل في المعركة وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذه المسألة قال باب لا يقال فلان شهيد واستدل بالحديث الصحيح (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه أو قال كَلْمُهُ يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك) فقوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يُكلم في سبيله) إشارة إلى اعتبار النية ونحن لا نعلم بنية هذا المقتول وإن كنا نعامله بالظاهر فيما يتعلق بالتغسيل والتكفين والصلاة لكننا لا نحكم له في الباطن وهو أنه شهيد من أهل الجنة ولكننا نقول يرجى أن يكون من الشهداء ومعلوم أن هذا الذي قتل في سبيل الله في عصرنا لم يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه شهيد ومعلوم أيضاً أننا لو شهدنا بأنه شهيد لزم من ذلك أن نشهد له بأنه من أهل الجنة وهذا لم يتحقق بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم فالورع أن لا يقال فلان شهيد وإن قتل في سبيل الله أي لا يقال له بعينه ولكن نقول يرجى أن يكون من الشهداء أو نقول بما قال به الرسول صلى الله عليه وسلم (من قتل في سبيل الله فهو شهيد) على سبيل العموم وأما قول السائل من مات بهذه الأسباب هل يكون شهيداً وهو لا يصلى فجوابنا على هذا أن نقول لا ولا كرامة فإن من مات وهو لا يصلى فليس بشهيد حتى لو كان مقتولاً في الصف وهو يجاهد الكفار وهو لا يصلى فإنه ليس بشهيد وذلك لأن من لم يصلِّ كافر والكافر لا ينفعه عمله إطلاقاً قال الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وقال الله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) فمن مات على الكفر فإن جميع أعماله حابطة مهما كانت حتى وإن كان مجاهداً في سبيل الله وقتل في المعركة ولكنه لا يصلى فليس له أجر وليس شهيداً ولا كرامة له ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف.
***(9/2)
هل الذي يخرج من البيت وهو ليس بمريض وبعد لحظات يحصل له حادث ويتوفى هذا الشخص في حادث سيارة هل يعتبر ذلك شهيد وهل هذا يعتبر مرض الطاعون لأن صاحب مرض الطاعون شهيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الميت بحادث يكون من الشهداء إن شاء الله لأنه كالميت بهدم أو غرق أو نحو ذلك ولكن ليعلم أننا لا نحكم على الشخص بعينه إنه شهيد حتى وإن عمل عمل الشهداء لأن الشهادة للشخص بعينه لا تجوز كما لا تجوز الشهادة للشخص بعينه بالجنة إن كان مؤمنا أو بالنار إن كان كافرا ولكن نقول إن من مات بحادث أو مات بهدم أو بغرق أو بحرق أو بطاعون فإنه من الشهداء ولكن لا نخصه بعينه ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن لا نشهد لأحد بعينه بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نرجو لهذا الرجل أن يكون من الشهداء فإن قال قائل أليس السبب الذي يستحق أن يوصف به أنه شهيد قد وجد قلنا بلى لكنه وجد ظاهرا ولا ندري فلعل هذا الرجل الذي مات يكون في قلبه من الموانع التي تمنع أن يلحق بالشهداء مالا نعلمه نحن.
***(9/2)
إذا كان المسلم لا يؤدي فريضة الصلاة ولا الصوم وقتل في الجهاد فهل يعتبر شهيداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الذي قتل في الجهاد لا يصلى ولا يصوم فإنه يموت كافراً ومأواه جهنم وبئس المصير لأن الذي لا يصلى كافرٌ مرتد على القول الراجح والكافر لا ينفعه جهادٌ ولا صدقة ولا صيام ولا غير ذلك من الأعمال الصالحة لأن الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرط الإسلام قال الله تبارك تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) وقال عز وجل (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) وقال تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
***(9/2)
محمد مسعد الفرح يقول لقد قرأت حديثاً للصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما تعدون الشهيد فيكم قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال إن شهداء أمتي إذاً لقليل قالوا من هم يا رسول الله قال من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات بالبطن فهو شهيد والغريق شهيد) رواه مسلم والسؤال هل من مات غريقاً وهو سكران تكتب له الشهادة علماً بأن الغريق يعد شهيداً حسب نص الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه إلى أن في عصرنا هذا أصبح اسم الشهيد رخيصاً عند كثير من الناس حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً للشهادة وهذا أمر محرم فلا يجوز لأحدٍ أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين:
أحدهما أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فارتج الجبل بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة بعينه شهدنا له بأنه شهيد تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له في ذلك.
والقسم الثاني ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة على وجه العموم كما في الحديث الذي أشار إليه السائل بأن (من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد والغريق شهيد) إلى غير ذلك من الشهداء الذين ورد الحديث بالشهادة العامة من غير تخصيص رجل بعينه وهذا القسم لا يجوز أن نطبقه على شخص بعينه وإنما نقول من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد ولا نخص بذلك رجلا بعينه لأن الشهادة بالوصف غير الشهادة بالعين وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذه المسألة في صحيحه فقال باب لا يقال فلان شهيد واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) وقوله أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بمن يكلم في سبيله) أي بمن يجرح وساق تحت هذا العنوان الحديث الطويل المشهور في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان شجاعاً مقداماً لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فامتدحه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساق البخاري رحمه الله الحديث بطوله وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وهذا الاستدلال الذي استدل به البخاري رحمه الله على الترجمة استدلال واضح لأن قوله صلى الله عليه وسلم (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يدل على أن الظاهر قد يكون الباطن مخالفاً له والأحكام الأخروية تجري على الباطن لا على الظاهر وقصة الرجل التي ساقها البخاري رحمه الله تحت هذا العنوان ظاهرة جداً فإن الصحابة رضي الله عنهم أثنوا على هذا الرجل بمقتضى ظاهر حاله ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إنه من أهل النار فاتبعه رجل من الصحابة رضي الله عنهم ولزمه فكان آخر عمل هذا الرجل أن قتل نفسه بسيفه فنحن لا نحكم بالأحكام الأخروية على الناس بظاهر حالهم وإنما نأتي بالنصوص على عمومها والله أعلم هل تنطبق على هذا الرجل الذي ظاهره لنا أنه متصف بهذا الوصف الذي علق عليه الحكم أو لا وقد ذكر صاحب فتح الباري وهو شرح صحيح البخاري المشهور أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال (إنكم تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلاناً شهيداً ولعله يكون قد أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذلك ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد) قال في الفتح وهو حديث حسن وعلى هذا فنحن نشهد بالشهادة على صفة ما جاء بها النص إن كانت لشخص معين شهدنا بها للشخص الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت على سبيل العموم شهدنا بها على سبيل العموم ولا نطبقها على شخص بعينه لأن الأحكام الأخروية تتعلق بالباطن لا بالظاهر نسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وبناء على هذا فإن قول السائل لو غرق الإنسان وهو سكران فهل يكون في الشهداء فإننا نقول لن نشهد لهذا الغريق بعينه أنه شهيد سواء كان قد شرب الخمر وسكر ثم غرق حال سكره أم لم يشربها ثم إنه بمناسبة ذكر السكر يجب أن نعلم أن شرب الخمر من كبائر الذنوب وأن الواجب على كل مسلم عاقل أن يدعها وأن يجتنبها كما أمره بذلك ربه عز وجل فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومن شربها حتى سكر فإنه يعاقب بالجلد فإن عاد جلد مرة أخرى فإن عاد جلد مرة ثالثة فإن عاد في الرابعة فإن من أهل العلم من قال يقتل لحديث ورد بذلك ومنهم من قال إنه لا يقتل وإن الحديث منسوخ ومنهم من فصل كشيخ الإسلام ابن تيمية فقال إنه يقتل إذا جلد ثلاثاً أو أربعاً ولم ينته قال شيخ الإسلام إنه يقتل إذا لم ينته الناس بدون القتل يعني بحيث انتشر شرب الخمر في الناس ولم ينتهوا عنه بعد تكرر العقوبة عليهم فإذا لم ينتهوا إلا بالقتل فإنه يقتل وعلى كل حال فإن الواجب على المؤمن اجتناب ذلك وأن نسعى جميعاً إلى الحيلولة دون انتشاره بكل وسيلة والله الموفق.
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمع طه عمر الغندور له سؤال يقول هل من مات خارج بلاده شهيد وهل يحاسب وكيف يحاسب في القبر فقد سمعت بأن الشهيد لا يحاسب أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الميت خارج بلده ليس بشهيد لأن القول بأن موت الغريب شهادة ليس له مستند من الشرع والشهيد هو الذي يقتل في سبيل الله وهو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذه نية أعني كونه يريد بقتاله أن تكون كلمة الله هي العليا نية محلها القلب ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك) فأشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إلى أن الشهادة لا تنال إلا بنية صادقة والنية الصادقة هي ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله فقال (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وعليه فإنه لا يجوز الجزم بأن من قتل في الجهاد يكون شهيداً بعينه لأن هذا أمر يحتاج إلى توقيف وأما على سبيل العموم مثل أن يقال من قتل في سبيل الله فهو شهيد فهذا جائز. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند حسن أنه قال (إنكم تقولون فلان شهيد وفلان شهيد ولعله أن يكون قد أوقر راحلته ولكن قولوا من مات أو قتل في سبيل الله فهو شهيد) أي على سبيل العموم هذا بالنسبة للحكم عليه بالشهادة في الآخرة أما الحكم عليه بالشهادة في الدنيا فإن هذا هو الأصل أي أن نعامل هذا الذي يقاتل في قتال يظهر منه أنه لإعلاء كلمة الله هو أن نعامله معاملة الشهداء في أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه وإنما يدفن في ثيابه على ما هو عليه مع المسلمين أما بالنسبة للسؤال في القبر فإنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله لا يفتنون في قبورهم وقال كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة) .
***(9/2)
رسالة بعثت بها الأخت ع. ح. السلمي من مكة المكرمة الكامل تقول إذا غسل الإنسان الميت فإنه يغتسل بعد ذلك وهذه عادة عندنا ولكن بعض الناس يقول إذا اغتسل الإنسان بعد غسل الميت فإنه يفقد الأجر الذي اكتسبه فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الميت من فروض الكفاية وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته (اغسلوه) وكذلك ابنته لما توفيت قال للنساء (اغسلنها) فإذا غسل الإنسان الميت وباشر تغسيله فإنه يسن له أن يغتسل بعد ذلك وإذا اغتسل بعد ذلك فإنه لا يضيع أجره لأنه عمل عملاً صالحاً بل فرضاً من فروض الكفاية فإذا كان مخلصاً لله تعالى في ذلك ناله الأجر واغتساله لا يؤثر شيئاً في أجره إطلاقاً بل إن اغتساله مما يثاب عليه كما قال بعض أهل العلم أنه سُنّة وكم من أشياء يقولها العامة ليس لها أصل ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يحيد على ما يقوله العامة حتى يسأل أهل العلم فيبينوا الخطأ من الصواب.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع يونس علي سوداني يقول فضيلة الشيخ هل يجوز للغريب بأن يغسل الميت ويصلى عليه على الرغم من وجود أقاربه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الميت فرض كفاية إذا قام به من يكفي كفى، ويُغسِّل الميت وصيه إن أوصى بأن يغسله فلان فإن لم يوصِ فأولى الناس به أقاربه فإن لم يكونوا يعرفون التغسيل فليغسله من يتولى ذلك عادة وهو معروف، ففي بعض الدول يكون لدى البلديات أناس معينون لتغسيل الأموات الذكور للذكور والإناث للإناث وفي بعض الدول لا يكون هذا ولكن يكون في الحي أناس معروفون يندبهم الناس إلى تغسيل موتاهم الذكور للذكور والإناث للإناث.
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمع ناصر يقول رجل مسلم تزوج امرأة كتابية وله منها بنون وبنات سؤالي هل يجوز تغسيل الأطفال والصلاة عليهم إن ماتوا وهم على النصرانية وأيضا دفنهم في مقابر المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تزوج الرجل المسلم من امرأة كتابية كان أولاده مسلمين وذلك لأن الأولاد يتبعون خير الأبوين في الدين ويتبعون الأب في النسب ويتبعون الأم في الرق والحرية وفي باب الحيوانات يتبع الولد أخبث الأبوين هذه القاعدة معروفة عند العلماء فإذا تزوج مسلم نصرانية كان أطفاله مسلمين فإذا مات أحد من هؤلاء الأطفال فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ثم يدفن في مقابر المسلمين قلت ويتبع الأب في النسب فإذا تزوج قرشي بتميمية فإن الولد يكون قرشيا ولا يكون تميميا والعكس بالعكس لو تزوج تميمي بقرشية فإن الولد يكون تميميا ولا يكون قرشيا ويتبع في الرق والحرية الأم فلو تزوج حر بأمة ومعروف أنه لابد من تزوج الحر بالأمة من شروط ثم أتت بولد فإن ولده يكون رقيقا لمالك الأم أي يكون عبدا لمالك الأم ولو تزوج عبد بحرة وأتت بولد فإن أولادها يكونون أحرارا وليسوا عبيدا لمالك أبيهم قلت في الحيوانات يتبع أخبث الأبوين ولهذا نقول إن البغل الذي تولد من نزو الحمار على الفرس نجس محرم تبعا لأبيه الحمار ولا يكون طاهرا مباحا تبعا لأمه الفرس وذلك تغليبا لجانب الحرمة لأنه لا يمكن اجتناب هذا الحرام المختلط بالحلال إلا باجتنابهما جميعا وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولهذا قال العلماء إن الولد في الحيوانات يتبع شر الأبوين وأخبث الأبوين
***(9/2)
تكفين الميت(9/2)
المستمع علي محمد يقول أرجو من فضيلتكم إعطائي وصفاً كاملاً لصفة تكفين الميت والصلاة عليه وما هو الدعاء الذي يدعى به في صلاة الجنازة كما أرجو من فضيلتكم إخباري عن الكتب التي تعالج هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكتب التي تبحث في هذا الموضوع فهي كتب الفقهاء رحمهم الله وكذلك أهل الحديث فالكتب الحديثية تبحث في هذا الموضوع سواءٌ كانت مرتبة على الأبواب أو على المسانيد وأدلك على كتابٍ معين مثلاً كتاب منتقى الأخبار الذي ألفه مجد الدين عبد السلام بن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله فهو كتاب قيم مفيد وعليه شرحٌ للشوكاني رحمه الله فبإمكانك أن تأخذ منه فائدة كبيرة وكذلك كتاب الجنائز من صحيح البخاري الذي عليه فتح الباري لابن حجر العسقلاني وكذلك كتب الفقه على جميع المذاهب فكلها تبحث في الموضوع وتبينه ويستفيد منها المرء المسلم أما مسألة صفة التكفين فإن النبي عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثوابٍ بيض بدون قميصٍ ولا عمامة فيؤتى بالخرق الثلاث ويبسط بعضها فوق بعض ثم يوضع الميت عليها ثم ترد أطرافها على الميت من الجوانب ومن عند الرأس والرجلين وتعقد حتى لا تتفرق عند حمل الميت وإذا وضع في القبر فكت العقد أما بالنسبة للصلاة عليه فإنه يقدم بين يدي المصلىن ويكون رأسه عن يمين الإمام أو عن يساره لا فرق بين هذا وهذا خلافاً لما يفهمه كثيرٌ من العامة من أن لا بد أن يكون رأسه إلى يمين الإمام ويتقدم الإمام وحده للصلاة عليه ويكون الناس خلفه وأما ما يظنه بعض العامة من أنه لا بد أن يكون أولياء الميت إلى جنب الإمام فهذا ليس له أصل لكن الذين يقدمونه إذا قدموه إلى الإمام تأخروا إلى الصفوف فإن لم يكن لهم مكان فلا حرج عليهم أن يصفوا وراء الإمام لكن لا يصفنا على حذائه لأن السنة تقدم الإمام على المأمومين ويكبرون عليه أربعة تكبيرات أو خمس أو أكثر حسب ما جاءت به السنة يقرأ في الأولى سورة الفاتحة بعد التعوذ والبسملة وفي الثانية يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كما في التشهد اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت فيقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفو عنه وأكرم نزله ووسِّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وأفسح له في قبره ونور له فيه ويدعو أيضاً بما شاء مما يحضره من الدعاء وبعد التكبيرة الرابعة يقول (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم يسلم وإن كبر ثم سلم بدون دعاء فلا بأس وإن كبر خمساً فلا أعلم ماذا يقول بين الرابعة والخامسة ولكن لو قسم الدعاء السابق فجعل بعضه بعد الرابعة وبعضه بعد الخامسة فإن ذلك لا بأس به يعني أنه جعل بعضه بعد الثالثة وبعضه بعد الرابعة فلا بأس به ثم بعد هذا يسلم تسليمةً واحدة عن يمينه وفي هذه التكبيرات يرفع يديه عند كل تكبيرة فقد جاءت بذلك السنة فقد صح هذا من فعل ابن عمر رضي الله عنهما وروي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالسنة أن يرفع المصلى على الجنازة يديه مع كل تكبيرة.
***(9/2)
يقول السائل ما الحكمة من تكفين الميت بالأبيض قبل الدفن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكفين الميت واجب وفرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بعرفة (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه) ولا يجب أن يكون الكفن أبيض لكن السنة أن يكون أبيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، وهذا هو السنة المعروفة من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، بل قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر بالتكفين في الثياب البيض وقال: (إنها من خير ثيابنا) .
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمع س أب من اليمن يقول في هذا السؤال هل كفن الميت يا فضيلة الشيخ رقعة واحدة أم أن هناك عدة طبقات لأن عندنا في بلدنا شيخ قال لا يجوز تكفين الميت إلا إذا كان خمس طبقات هل هذا صحيح أرشدونا إلى الطريق الصحيح مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: كفن الميت تكفي فيه قطعة واحدة تستر جميع الميت سواء كان رجلاً أم امرأة وأما الكفن الأكمل والأفضل فإنه يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض يجعل بعضها فوق بعض ثم يوضع الميت عليها ثم ترد طرف اللفائف العليا على الميت ثم الوسطى ثم الأخيرة ثم تثنى على رأسه وعلى رجليه وتربط حتى لا تنتشر عند حمله والصلاة عليه فإذا وضع في قبره فإنها تحل أما المرأة فمن العلماء من قال أنها كالرجل ومن العلماء من قال أنها تكفن في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين وإن تيسر ذلك فهو خير وإن لم يتيسر فثوب واحد يستر جميعه كاف في ذلك
***(9/2)
يقول مررت بظروف مالية صعبة وكان عندي بنت عمرها سنة وماتت هذه الطفلة يقول ولم يكن عندي ما أكفنها به ودفنتها بعد تغسيلها بما كان عندي وهو فستان على جسدها فهل على شيء وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء ما دام هذا الفستان ضافيا يغطي جسدها كله فإن الكفن لا يشترط أن يكون من ثوب معين بل كل ثوب مباح ستر جسد الميت فإنه يجزئ التكفين به وعلى هذا فإن عملك هذا ليس عليك فيه شيء وهو عمل يحصل به فرض الكفاية.
***(9/2)
بارك الله فيكم أبو أسامة من الأردن يقول بأن والده متوفى منذ فترة بسيطة ولكن عند تجهيزه للدفن أو بعد تجهيزه استدعاني أحد أقربائي من أجل وداع والدي ولكن في ذلك الوقت كان مكفناً ومجهزاً ولم أودعه بسلام أو تقبيل أو غير ذلك ما حكم الشرع في ذلك علماً بأنني والحمد لله كنت باراً به ودعاني أنا وإخواني قبل وفاته دعا لنا بالتوفيق والنجاح هل علينا شيء أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وداع الميت بعد موته ليس بسنة مطلوبة ولكن العلماء قالوا لا حرج أن يقبل الميت بعد موته استدلالاً بفعل أبي بكر رضي الله عنه حين دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وكان مسجىً بثوب فكشف عن وجهه ثم قبله وقال له (بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً والله لا يجمع الله عليك موتتين) وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في وداع الميت يجعلونه في مكان يمر من عنده أقاربه وأصحابه فإن هذا بدعة لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولم أعلم أنه جرى في هذه المناسبة أكثر مما حصل من أبي بكر رضي الله عنه بل كان الميت إذا مات أسرعوا في تجهيزه من التغسيل والتكفين والصلاة عليه ودفنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء بدأ الناس يحدثونه في أمر الجنائز ألا وهو تأخير دفن الميت حتى يقدم أهله وأقاربه وأصحابه من مكان بعيد فربما يبقى يوم أو يومين وهو لم يتجهز فهذا خطأ فإن الميت إذا كان مؤمناً كان أحبّ شيء إليه أن يقدم إلى ما أعد الله له من النعيم ولهذا إذا خرجوا بالرجل من بيته وكان صالحاً فإن نفسه تقول قدموني قدموني فالذي ينبغي لأهل الميت أن يبادروا بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه ولا حرج أن ينتظروا ساعة أو ساعتين أو نحو ذلك في مدة وجيزة لانتظار القريب الذي قد يتأثر إذا لم يحضر جنازته ثم على فرض أن القريب لم يحضر جنازته فلا حرج عليه أن يخرج إلى المقبرة ويصلى على قبره كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي كانت تقمّ المسجد أي تنظفه من القمامة فماتت ليلاً وكرهوا أن يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بها مخافة المشقة عليه كأنهم قللوا من شأنها رضي الله عنها فلما سأل عنها أخبروه بأنها ماتت فقال: (هلا كنتم أعلمتموني) أي أخبرتموني بذلك ثم قال: (دلوني على قبرها) فدلوه على قبرها فصلى عليها صلوات الله وسلامه عليه فالقريب والصديق إذا فاتته الصلاة قبل الدفن فإنه يصلى عليه بعد الدفن ولو طالت المدة.
***(9/2)
السائل يقول عندما يموت شاب غير متزوج في بلادنا فإن النساء يزغردن عند خروجه من المنزل ما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزغردة أصلها عبث ولهو وأصوات منكرة سواء كان لخروج الميت الشاب من بيته أو لزواج أو لفرح بالعيد أو ما أشبه ذلك فينهى عنها مطلقا فإن تعلقت بخروج الميت الشاب الذي لم يتزوج من بيته صارت أقبح وأقبح وأخشى أن تكون هذه نوعا من النياحة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لعن النائحة والمستمعة) وقال (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) .
***(9/2)
من اليمن الديمقراطية عدن سائلة تقول في رسالتها توفي والدي دون أن يكون بجانبه أحد من أولاده الكبار حيث كانت والدتي في الحج فقام عمي شقيق والدي من أبيه بواجبه تجاه أخيه على أكمل وجه وأكثر فصرف الكثير من جيبه الخاص السؤال هل يلزم علينا أن ندفع لعمنا أمواله التي صرفها يوم وفاة والدنا مع العلم بأننا حاولنا ولمرات عديدة أن نسلمه أمواله ولكنه رفض استلامها بحجة أنهم إخوان ما حكم الشرع في نظركم في والدنا الذي كفن بكفن وذبحت له الذبائح بمال غير ماله أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا حرج في ذلك أي في أن يقوم العم عمكم بتجهيز أخيه من ماله وهو بذلك متبرع يريد الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى والذي أحب لكم أن تقبلوا ما تبرع به وأن لا تحرجوه بإلزامه بأخذ ما تبذلونه له والأمر في ذلك واسع وهو مشكور على عمله ومأجور عليه إن شاء الله تعالى ولكن ورد في سؤال السائلة أنه قام بتجهيزه وبالذبائح التي تذبح له وهذه الذبائح لا أدري ما هي لأنه ليس في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح للأموات بعد مماتهم بل إن السلف الصالح كانوا يعدون طبخ الطعام عند أهل الميت والاجتماع إليه يعدون ذلك من النياحة ولا ريب أن ذبح الذبائح أيام الموت أو بعد أسبوع من الموت أو بعد أربعين يوماً من الموت أو ما أشبه ذلك مما يصنعه بعض الناس لا ريب أن هذا من البدع التي لم يفعلها سلفنا الصالح وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يجب على المؤمن أن يتبعه وأن يتمسك به فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن في خطبه أن (خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) وهذه الذبائح التي تذبح في هذه المناسبة مع كونها بدعة تفضي إلى الإثم هي أيضاً إضاعة مال وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) وهي إثم لاسيما إذا كان الورثة قصراً وأخذت هذه الأموال من التركة فيكون ذلك من قربان مال اليتامى بما لا خير فيه وقد الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) والله المستعان.
***(9/2)
الكفن هل عليه زكاة أم لا مع العلم بأني أحتفظ بكفني منذ حوالي عشرة سنوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاحتفاظ بالكفن ليس من السنة إلا لأمر مشروع كما فعل الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبة أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له كيف سألتها فقال أريد أن تكون كفني فكانت كفنه وهذا لا يتصوره في وقتنا هذا وعلى هذا فليس من السنة أن يعد الإنسان كفنه ولا أن يعد مدفنه أي قبره وإذا كان في مقبرة مسبلة كان إعداد القبر حراماً لأنه يتحجر به مكاناً غيره أحق به لأن المقبرة لمن مات أولاً ولا يحل لأحد أن يحفر في مقبرة مسبلة قبراً له ثم إنه لا يدري هل يموت في هذه الأرض أو يموت في أرض أخرى كما قال الله تعالى (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ومن المعلوم إن الإنسان إذا أعد الكفن لن يصحبه معه في أسفاره وذهابه ومجيئه وكذلك القبر إذا حفر له قبر في أرض فإنه لا يدري لعله يموت في غيرها فالحاصل إن إعداد الكفن وإعداد القبر ليس من السنة ولا ينبغي فعله فالإنسان إذا مات سيجد من يكفنه إن شاء الله تعالى وأما هل عليه زكاة فإنه لا زكاة عليه لأن العروض ليس فيها زكاة إلا إذا أعدت للتجارة.
***(9/2)
الصلاة على الميت(9/2)
جزاكم الله خيرا السائل أبو عبد الله من القصيم يقول في هذا السؤال إذا غلب على الظن بأن الميت لا يصلى فهل يمتنع المسلم من الصلاة عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمتنع من الصلاة عليه ولو غلب على ظنه أنه لا يصلى ما لم يتيقن أنه لا يصلى ولكن إذا كانت غلبة الظن مبنية على قرائن قوية فإنه إذا أراد الدعاء له يقيد ذلك فيقول اللهم إن كان مؤمناً اللهم فاغفر له وارحمه إلى آخر الدعاء والدعاء بالشرط قد جاء به الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية اللعان في شهادة الرجل على امرأته بالزنى قال (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فهذا دعاء بشرط وفي حديث الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى حين ابتلاهم الله عز وجل وفي القصة أن الملك أتى الأبرص والأقرع كلا منهما في صورته التي كان عليها وقال له أي الملك أنا فقير وعابر سبيل أسألك يعني أن يمده بشيء يتبلغ به في سفره فقال كل منهما الحقوق كثيرة وإنما ورثت المال هذا كابراً عن كابر فقال له الملك إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت فقيد هذا الدعاء بالشرط وفي دعاء الاستخارة يقول الرجل (اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي) فإذا قدم الميت الذي يغلب على الظن أنه لا يصلى بدون يقين أنه لا يصلى فإن الإنسان يقول اللهم إن كان هذا مؤمنا فاغفر له وارحمه وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن أشياء مشكلة عليه منها أنه يقدم جنائز للصلاة عليها يشك الإنسان في أنه مبتدع لا يصلى عليه أو متمسك بالسنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عليك بالشرط يا أحمد والشرط أن يقول اللهم إن كان مؤمنا على السنة فاغفر له وارحمه ... الخ أما إذا علمت أنه لا يصلى فإنه لا يحل لك أن تصلى عليه لا أنت ولا غيرك لقول الله تبارك وتعالى (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) فنهى الله تعالى أن يصلى على هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
***(9/2)
يقول السائل من لحق الإمام بعد التكبيرة الثانية في صلاة الجنازة فهل يكملها أو يسلم مع الإمام وما الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لحق الإمام في التكبيرة الثالثة من صلاة الجنازة فليدع بدعاء صلاة الجنازة لأنه وافق الإمام في هذا الموضع فيتابعه فيه ولأن أهم المقصود في صلاة الجنازة الدعاء للميت فيدعو للميت فإذا كبر الإمام الرابعة وهي تكون له ثانية فإن بقي الميت بين يديه لم يحمل فإنه يقضي ما فاته بتكبيره ودعائه فيكبر ويقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر ويسلم وإن خاف أن تحمل قبل تكبيره ذلك فإن أهل العلم يقولون يخير بين أن يسلم مع الإمام أو يتابع التكبير ويسلم. ولم أجد في ذلك دليلاً مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا كلام أهل العلم. والله أعلم.
***(9/2)
ما هي صفة صلاة الجنازة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث التكبير ورفع اليدين أفتونا بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صفة صلاة الجنازة أن يتقدم المصلى إلى الميت فإن كان رجلاً وقف عند رأسه وإن كانت أنثى وقف عند وسطها ثم يكبر رافعاً يديه ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ الفاتحة ثم يكبر رافعاً يديه ويقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ثم يكبر رافعاً يديه فيدعو يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان وهذا دعاء عام يقال في الصغار والكبار اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفوا عنه وأكرم نزله ووسِّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه اللهم افسح له في قبره ونور له فيه وهذا للكبار أما الصغير فيقول بعد الدعاء العام اللهم اجعله فرطاً لوالديه وذخراً وشفيعاً مجابا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بسلف صالح المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم ثم يكبر رافعاً يديه التكبيرة الرابعة واستحسن بعض العلماء أن يقول بعدها (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وبعضهم استحسن أن يقال اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وبعضهم استحسن أن لا يقول شيئاً بل يكبر ويقف قليلاً ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وإن كبر خمساً فلا بأس فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد بعض أهل العلم أنه لا بأس أن يكبر ستاً أو سبعاً فإن صحت بذلك السنة فالأمر على ما قالوا وإن لم تصح السنة بذلك فالاقتصار على ما ورد هو الطريق السوي.
***(9/2)
هل للصلاة على الميت وقتٌ محدد بأن تكون بعد الفرائض مثلاً أم تجوز في كل وقت وهل لها عددٌ معين من المصلىن أم أنها تؤدى ولو بمصلٍ واحد وهل يجوز أن تصلى فوق المقابر أم لا وما هي صفتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الجنازة ليس لها وقتٌ محدد وذلك لأن الموت ليس له وقتٌ محدد فمتى مات الإنسان فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه في أي وقت من ليلٍ أو نهار ويدفن في أي وقتٍ من ليل أو نهار إلا في ثلاثة أوقات فإنه لا يجوز الدفن فيها وهي من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول يعني قبل الزوال بنحو عشر دقائق وحين تضيف للغروب حتى تغرب وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح فهذه الثلاثة الأوقات لا يحل فيها الدفن حتى لو وصلنا إلى المقبرة فإننا ننتظر حتى تنتهي هذه الأوقات.
فضيلة الشيخ: هل النهي للتحريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النهي للتحريم لحديث عقبة بن عامر أنه قال (ثلاث ساعات نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا) .
فضيلة الشيخ: هل هناك علة في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الله أعلم لا نعرف ما هي العلة في تحريم الدفن في هذه الأوقات أما تحريم الصلاة في هذه الأوقات فإن الرسول بين ذلك بأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان وأن الكفار يسجدون لها وأن الصلاة يكون فيها نوعٌ من المشابهة للكفار الذين يسجدون للشمس وليس لصلاة الجنازة عددٌ معين بل لو صلى عليه واحدٌ فقط أجزأ ذلك.
فضيلة الشيخ: يقول أيضاً هل تصلى فوق المقابر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تصلى في المقبرة ولهذا استثنى أهل العلم صلاة الجنازة من النهي عن الصلاة في المقبرة وقالوا أنه يجوز أن تصلى صلاة الجنازة في المقبرة كما تجوز الصلاة على القبر فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى على القبر في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد فماتت ليلاً فدفنها الصحابة ثم إن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال (دلوني على قبرها) فدلوه فصلى عليه.
فضيلة الشيخ: بقي صفة صلاة الجنائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صفة الصلاة على الميت فهي: بالنسبة للرجل يوضع أمام المصلى ويقف الإمام عند رأسه إذا كان ذكراً سواءٌ كان صغيراً أو كبيراً يقف عند رأسه ويكبر التكبيرة الأولى ثم يقرأ الفاتحة وإن قرأ معها سورةً قصيرة فلا بأس بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه من السنة ثم يكبر الثانية فيصلى على النبي صلى الله عليه وسلم اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ثم يكبر الثالثة فيدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا اللهم من أحييته منا فاحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفو عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر الرابعة قال بعض أهل العلم ويقول بعدها (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وإن كبر خامسةً فلا بأس لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل إنه ينبغي أن يفعل ذلك أحياناً أي أن يكبر خمساً لثبوت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام وما ثبت عنه فإنه ينبغي للمرء أن يفعله على الوجه الذي ورد يفعل هذا مرة وهذا مرة وإن كان الأكثر أن التكبير أربع ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه أما إذا كانت أنثى فإنه يقف عند وسطها لا يقف عند رأسها وصفة الصلاة عليها كصفة الصلاة على الرجل إذا اجتمع عدة جنائز فإنه ينبغي أن يكونوا مرتبين فيكون الذي يلي الإمام الرجال البالغون ثم الأطفال الذكور ثم النساء البالغات ثم البنات الصغار هكذا بالترتيب وعلى هذا فيقدم الذكر ولو كان صغيراً على المرأة بمعنى يقدم أن يكون هو الذي يلي الإمام وأما رؤوسهم فيجعل رأس الذكر عند وسط المرأة ليكون وقوف الإمام في المكان المشروع، ومن جملة هذا البحث أنه يوجد كثيرٌ من العامة يظنون أن من الأفضل أن يقف الناس الذين يقدمون الجنازة أن يقفوا مع الإمام بل إن بعضهم يظن أنه لا بد أن يقف واحدٌ أو أكثر مع الإمام في صلاة الجنازة وهذا خطأ من أهل الميت أو من غيرهم إذا لم يوجد له أهلٌ قريبون إذا كان رجلاً مجهولاً مثلاً يظن بعض العامة في نجد أنه لا بد أن يكون مع الإمام أحد وهذا خطأ فالإمام السنة أن يكون وحده وإذا كان المقدمون للجنازة ليس لهم مكانٌ في الصف الأول فإنهم يصفون بين الإمام وبين الصف الأول المهم أن يكون الإمام وحده منفرداً متقدماً على الجماعة وليس لاشتراط أو لمشروعية كون المصلين الذين قدموا الجنازة مع الإمام كما يظن بعض العامة هذا ليس له أصل.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للصفوف هل يشترط إتمام الصف الأول فالأول وسد الفرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الصفوف ينبغي فيها مثل غيرها أن يكمل الصف الأول فالأول وأن تسد الفرج.
فضيلة الشيخ: لو تعددت الصفوف بدون أن تكتمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا خلاف السنة وإن كان بعض أهل العلم رأى أنه ينبغي أن لا تنقص عن ثلاثة حتى وإن لم يتم الصف الأول وقالوا إنه ينبغي إذا كانوا لا يملؤون الصفوف ينبغي للإمام أن يجزئهم ثلاثة صفوف.
***(9/2)
يقول هذا السائل توفيت والدتي التي تسكن في البر مع أولادها ولم أكن عندها عند الوفاة نظراً لظروف العمل وبعد الموقع وعندما علمت بنبأ وفاتها ذهبت فوجدتهم قد دفنوها قبل وصولي بيوم فسلمت وصلىت عليها عند القبر ثاني يوم من دفنها هل يجوز ذلك.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز يجوز أن يصلى الإنسان على القبر إذا لم يصلِّ عليه قبل الدفن لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي كانت تقم المسجد حين ماتت في الليل ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فقال (دلوني على قبرها) فدلوه على قبرها فصلى عليها صلى الله عليه وسلم صلى على قبرها ولكن لا يصلى على القبر في وقت النهي لأنه ليس هناك ما يوجب هذا يعني ليس هناك ما يدعو إلى أن يصلى عليه في وقت النهي إذ من الممكن أن يصلى عليه إذا انتهى وقت النهي.
***(9/2)
جزاكم الله خيراً السائل أبو أحمد يقول إذا صلىنا على أكثر من ميت رجل وطفل كيف يكون الدعاء.
فأجاب رحمه الله تعالى: تدعو أولاً بالدعاء العام ثم تدعو بالدعاء الخاص للميت الذي بلغ ثم تدعو بالدعاء الخاص بالطفل.
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمع محمد طه من سوريا دير الزور يقول فضيلة الشيخ هل تجوز صلاة الجنازة على العصاة إذا مات أحدهم على المعاصي مثل ترك الصلاة أو صيام شهر رمضان أرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على العصاة جائزة بل هم أحق من غيرهم لأن الصلاة على الميت شفاعة له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فأهل المعاصي محتاجون إلى من يشفع لهم عند الله عز وجل بالدعاء والمصلون على الأموات يدعون لهم بالمغفرة والرحمة يقول الداعي في دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفو عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقّه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وادخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه وهذا دعاء إذا استجيب صار فيه خير كثير للميت وأما تمثيل السائل بتارك الصلاة وتارك الصيام فإن تمثيله بتارك الصيام صحيح فإن تارك الصيام عاص من العصاة ليس بخارج عن الملة وأما تارك الصلاة فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أنه كافر مرتد خارج عن الملة ولا يجوز أن يصلى عليه أحد من المسلمين وهو يعلم حاله لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) ولأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار له وقد قال الله عز وجل (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) والمرتد الذي كانت ردّته ثابتة بالكتاب والسنة قد تبين لمن علم بذلك أنه من أصحاب الجحيم ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في الذي لا يحافظ على الصلوات أنه يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف رؤساء الكفر والعياذ بالله وعلى هذا فالتمثيل بتارك الصلاة على أنه من العصاة غير صحيح على القول الراجح بل نقول إن تارك الصلاة كافر مرتد لا تجوز الصلاة عليه لمن علم بهذا ولا يجوز لأهله الذين يعلمون أنه لا يصلى أن يقدموه إلى المسلمين للصلاة عليه لأنهم يغرون المسلمين بذلك ولا يجوز لأهله كذلك أن يدعو له بالمغفرة والرحمة وقد مات على هذا.
***(9/2)
فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة وردتنا من بلاد زهران من المرسل فهد المحمد الحارثي يقول في رسالته هل يجوز ترك الجنازة إلى الصباح وهي ميتة بعد صلاة العشاء أو تغسل وتكفن وتدفن في وقتها يعني بدون صلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن المشروع في الجنازة المبادرة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة) ولكن لا بأس أن تؤخر الساعة والساعتين لمصلحتها لمصلحة الجنازة مثل أن يكون الغرض من ذلك تكثير المصلىن عليه والمشيعين له لأن هذا غرضٌ مقصود ولكن بشرط أن لا يكون التأخير كثيراً كما يفعل بعض الناس فإن هذا خلاف السنة وخلاف المشروع والميت إذا كان مؤمناً فإنه محتاجٌ إلى أن يُسَرع في تجهيزه وتسليمه إلى مثواه لأجل أن ينال السرور والفرح الذي يحصل له بعد موته فإن المؤمن إذا مات ووضع في قبره وجد النعيم الذي وعده الله به قال الله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فهو يرى نعيم الجنة وسرورها من حين ما يوضع في قبره فالذي ينبغي وهو من المشروع ومن الإحسان بالميت المبادرة في تجهيزه إلا إذا انتظر به انتظاراً غير كثير من أجل مصلحته وأما إذا أراد أحدٌ أن يدفن ميته في الليل بدون الصلاة عليه فهذا لا يجوز لأنه تجب الصلاة على المسلم إذا مات وعلى هذا فإذا مات في الليل وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وكان المصلون قليلاً حصل المقصود ولا بأس أن يدفنوه في الليل ولكن كما قلت إذا انتظروا به إلى الفجر لأجل كثرة المصلىن فهذا لا بأس به.
***(9/2)
هذه رسالة من الأخت سامية من الدمام تقول أحياناً في المسجد الحرام ينادى للصلاة على الميت فهل يجوز للنساء أن يؤدين هذه الصلاة مع الرجال سواء على ميت حاضر أو غائب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المرأة كالرجل إذا حضرت الجنازة فإنها تصلى عليه ولها من الأجر مثل ما للرجل لأن الأدلة في هذا عامة ولم يستثنَ منها شيء وقد ذكر المؤرخون أن المسلمين كانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى الرجال ثم النساء وعلى هذا فلا بأس بل إنه من الأمور المطلوبة إذا حضرت الجنازة وفيه امرأة أن تصلى مع الرجال على هذه الجنازة.
***(9/2)
هذه الرسالة بعث بها السائل أبو يونس من جمهورية اليمن الديمقراطية يقول ما حكم تأدية صلاة الجنازة على ميت غائب وهل لها زمن محدد أم تجوز في أي وقت ولو بعد مضي زمن طويل على الوفاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الميت الغائب جائزة إذا كان الغائب في غير البلد، وليس لها مدة محدودة فيصلى عليه إذا كان لم يصلَّ عليه من قبل وإن طالت المدة، لكن الذي نرى أنه يصلى عليه إن كان هذا الميت قد مات في زمن يكون المصلى فيه مميزاً أما لو كان هذا الميت قد مات قبل أن يخلق هذا الإنسان فإنه لا تشرع الصلاة عليه ولهذا لو قال قائل الآن سوف أصلى على أبي بكر أو على عمر أو على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة أو على غيرهم من الناس ممن ماتوا قديماً لقلنا إن هذا ليس بالمشروع لكن لو مات إنسان في زمن أنت فيه موجود ومن أهل الصلاة يعني مميزاً فإن لك أن تصلى عليه صلاة الغائب وقال بعض أهل العلم إنه لا يصلى على الغائب إلا في حدود شهر فقط وما زاد على الشهر فإنه لا يصلى عليه ولكن الصحيح أنه لا بأس إلا أنه يشترط ما ذكرت لأنه إذا مات قبل أن تولد مثلاً فإنك لست مخاطباً بالصلاة عليه أصلاً وكذلك لو مات في سن لم تبلع فيه حد التمييز فإنك لست من أهل الصلاة عليه.
***(9/2)
يقول السائل هل التسليم في صلاة الجنازة يمين ويسار أم يمين فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التسليم في صلاة الجنازة عن اليمين فقط ولكنه إذا سلم عن اليمين وعن الشمال فلا حرج لأن الأمر في ذلك واسع وقد روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر أنه كان يسلم عن يساره أيضا.
***(9/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول عند وفاة أحد من الناس نقوم بتغسيله وتكفينه في بيته ونحمله إلى المقبرة ونضعه على بعد عشرة أو عشرين متراً في المقبرة ونصلى عليه فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز الصلاة على الميت في المقبرة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى على القبر بعد الدفن والصلاة على الميت لا فرق بينها وبين الصلاة على القبر لأن الكل صلاة على ميت ولكن جرت العادة عند عامة الناس الذين نشاهد ونسمع أنه يذهب بالميت إلى المسجد حتى لو كانت غير أوقات الصلاة لأنه إذا ذهب به إلى المسجد ومروا به من عند الناس فقد يتبعهم أحد ويصلى على الميت وكلما كثر المصلون على الميت كان أفضل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من رجلٍ مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فربما يكون في حضورهم إلى المسجد فائدة وهي أن يتبعهم أناسٌ من الذين حضروا إلى المسجد يصلون على الميت يكثرون المصلىن وهم أيضاً يؤجرون على الصلاة على الميت فالأفضل هو هذا أن يذهب به إلى المسجد ويصلى عليه في المسجد ثم يخرج به إلى المقبرة وإن ذهبوا به رأساً بدون أن يدخلوا به المسجد فلا حرج ولكن لو قال قائل هل الأفضل أن نبادر بدفنه أو نؤخره إلى الصلاة قلنا إذا كانت الصلاة قريبة فالأفضل تأخيره إلى الصلاة أي إلى صلاة الجماعة لأن ذلك أكثر للمصلىن وربما يكون أكثر للمتبعين أيضاً أما إذا كان في وقتٍ طويل فإن المبادرة بدفن الميت أفضل وأولى لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالإسراع بذلك فقال عليه الصلاة والسلام (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم) .
***(9/2)
هل تجوز الصلاة على المنتحر وهل يجوز أن يكفن وهل يجوز أيضا أن يدفن في مقابر المسلمين؟ وهل يعد مرتدا عن الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنتحر قاتل لنفسه والعياذ بالله سواء انتحر بآلة أو بنار أو بترد من شيء عال أو بغير ذلك المهم أنه قاتل نفسه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) نسأل الله العافية ولكنه مع ذلك يصلى عليه لأنه مسلم إلا إذا رأى الإمام وهو ولي الأمر العام أو إمام المسجد الذي له قيمة في المجتمع أن لا يصلى عليه هو بنفسه نكالا لغيره فإنه لا بأس أن يدع الصلاة عليه ويقول صلوا عليه ويدفن مع المسلمين لأنه مسلم.
***(9/2)
بارك الله فيكم هل يصلى على المنتحر ويغسل أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المنتحر والعياذ بالله قتل نفسه عمداً بغير حق وانتحاره من سفاهته لأنه بانتحاره يظن أنه يتخلص مما هو فيه من المحنة والضيق لكنه يتخلص إلى شيء أضيق وأشد محنة فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً فيها) والعياذ بالله من قتل نفسه بحديدة فهو في جهنم ينحر نفسه بهذه الحديدة وكذلك أيضاً من تحسى سماً حتى مات فإنه يتحساه في نار جهنم من تردى من جبل أو من أسقط نفسه من جدار فإنه يفعل به ذلك في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً فالانتحار ليس فيه فكٌ من مشكلة ولا إزالة للغم ولا للهم بل فيه زيادة في السوء على المنتحر وإذا انتحر إنسان فإنه إذا كان مسلماً يصلى عليه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه لكن إذا رأى أمير القبيلة أو قاضي البلد أو الكبير في البلد الذي له قيمته في المجتمع أن لا يصلى عليه فإن ذلك خير لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجلٍ قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه أما غيره من الناس فيصلون عليه ويدعون له بالرحمة لأنه لا يكون مرتداً بانتحاره ولكنه فعل كبيرةً عظيمةً من الذنوب نسأل الله العافية والخلاصة أن المنتحر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين إذا كان مسلماً ولكن إذا رأى كبير القوم أن لا يصلى عليه ردعاً لغيره فهذا حسن اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(9/2)
إذا مات الشخص ودفن هل تجوز الصلاة عليه وهو في القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الميت بعد دفنه لمن لم يصل عليه أولاً مشروعة لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على القبر بعد دفن الميت حيث لم يصل عليه من قبل ولكن هل تحدد المدة التي يصلى فيها على القبر أم هي مطلقة قال بعض العلماء أنها تحدد بشهر وأنه لا يصلى على القبر بعد مضي شهر وقال آخرون بل يصلى عليه ولو زادت المدة على شهر وهذا هو الصحيح بشرط أن يكون هذا الميت مات في زمن يكون المُصلى عليه من أهل الصلاة فإن كان هذا الميت قد مات قبل أن يبلغ المُصلى عليه سبع سنوات فإنه لا يصلى عليه ولهذا لا يشرع لنا أن نصلى على أهل البقيع الذين ماتوا من أزمنة بعيدة فالصحيح أنها لا تتقيد بمدة إلا أنه لابد أن يكون هذا الذي يريد الصلاة على القبر ممن أدرك الصلاة على الميت بمعنى أن الميت مات وله سبع سنين أو نحوها.
***(9/2)
بالنسبة للصلاة على الميت بعد دفنه ما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الميت بعد دفنه جائزة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى على القبر وذلك في قصة امرأة كانت تقم المسجد أي تنظفه فماتت في الليل فلم يبلغ الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لئلا يزعجوه فلما أصبح صلى الله عليه وسلم وعلم بذلك قال (هلا كنتم آذنتموني) فكأنهم حقروا من شأنها ثم قال (دلوني على قبرها) فدلوه على قبرها فصلى على قبرها فيصلى على القبر كما جاءت به السنة لكن بشرط أن يكون صاحب القبر قد مات بعد أن بلغ المُصلى عليه الذي يريد أن يصلى عليه سن التمييز بمعنى أنك لا تصلى على قبر قد مات صاحبه قبل أن تولد ولذلك لا أعلم أحدا من العلماء قال إن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه إنه يصلى عليهم صلاة الجنازة فالصلاة على القبر جائزة ولكن بشرط أن يكون المصلى قد بلغ سن التمييز حين موت صاحب القبر لأنه إذا بلغ سن التمييز كان من أهل الصلاة.
***(9/2)
ولد مولود وسقط في الشهر السادس وقد أتي كامل النمو ذكر إلا أنه تم دفنه دون أن يغسل ودون الصلاة عليه فما هي الكفارة في مثل هذه الحالة هل هي على الوالد أم على الوالدة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك كفارة ما دام سقط بدون سبب ولكن عليهم الآن أن يصلوا عليه وتحصل الصلاة بواحد ولو في البيت فيصلى عليه صلاة الجنازة إلا إذا كان يعرف مكان دفنه فليذهب إلى مكان دفنه وليصل على القبر لأن الصلاة على الغائب لا تجوز حيث أمكن الصلاة على القبر ولهذا لم يصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرأة التي كانت تقم المسجد فماتت فدفنوها ليلا ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال (دلوني على قبرها) فدلوه عليه فصلى عليه وعلى هذا فنقول يخرج أبوه أو أحد من إخوانه إلى مكان قبره إن كانوا يعرفونه فيصلون عليه صلاة الجنازة.
***(9/2)
يعتقد البعض من الناس أنه لابد أن يكون رأس الميت عن يمين الإمام أثناء الصلاة على الميت فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح بل لا فرق بين كون رأس الميت على يسار الإمام أو على يمين الإمام وإنما يشرع أن يكون رأس الميت على اليمين مستقبل القبلة في القبر لأنه سوف يوضع على جنبه الأيمن وإذا وضع على جنبه الأيمن مستقبلا به القبلة فلابد أن يكون الرأس على يمين مستقبل القبلة وأما حال الصلاة عليه فلا أعلم أن أحدا قال ينبغي أن يكون على يمينه أو على يساره والأمر واسع في هذا
فضيلة الشيخ: وبالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة والرجل سواء لكن الموقف هو الذي يختلف فيه الرجل والمرأة فالرجل يكون وقوف الإمام عند رأسه والمرأة يكون وقوف الإمام عند وسطها.
***(9/2)
هل الإخبار عن وفاة شخصٍ في الجريدة من أجل أن يصلى عليه جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الميت الغائب غير مشروعة إلا من لم يصل عليه ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى على الغائب إلا على النجاشي فقط لأن النجاشي كان في بلدٍ أهلها غير مسلمين والصحابة من بعده لا نعلمهم إذا مات أحدٌ له دوره في الإسلام يصلون عليه وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء القول الأول أنه لا يصلى على غائبٍ قد صلى عليه مطلقاً سواءٌ كان له دورٌ في الإسلام لكونه عالماً أو تاجراً ينفع الناس من ماله أو لم يكن له دور والقول الثاني أنه يصلى على كل ميت أياً كان سواءٌ صلى عليه أو لم يصلَّ عليه وسواءٌ كان له دور في الإسلام أو لا حتى إن بعضهم بالغ في هذا وقال إنه ينبغي على الإنسان إذا أراد أن ينام أن يصلى صلاة الغائب على من مات في هذا اليوم من المسلمين فابتدع في دين الله ما ليس منه هذان قولان القول الثالث أنه إن كان له دورٌ في الإسلام بكونه عالماً أو كان غنياً كثير الصدقة أو ما أشبه ذلك فإنه يصلى عليه تشجيعاً لغيره أن يعمل مثل عمله وإن لم يكن له دور فلا يصلى عليه والذي يظهر لي من السنة أنه لا يصلى على غائب إلا من لم يُصلَّ عليه فقط.
***(9/2)
إذا فاتتني صلاة الجنازة فهل يجوز أن أصلىها منفرداً أو مع جماعةٍ أخرى وهل يلزم جميع من حضروا للصلاة أن يصلوا أم أنها فرض كفاية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على الميت فرض كفاية وليست فرض عين وإذا فاتت الإنسان الصلاة على الميت صلى على قبره لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على القبر وأما أن يعيد الصلاة عليه وهو في المسجد والميت قد حمل إلى المقبرة فلا يصح لأنه لا بد من حضور الميت بين يدي المصلى أو أن يكون المصلى يصلى على قبره.
***(9/2)
أحسن الله إليكم هذا سائل سوري يقول أنا سوري وأسأل هذا السؤال شاهدت عند الصلاة على الميت بعض المشايخ يصلون صلاة الجنازة ويكون الميت إن كان رجلاً يكون رأسه باتجاه الشرق وإن كانت امرأة فالعكس وبعض المشايخ يقولون لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن أهل الشمال قبلتهم الجنوب فكأن السائل يقول إذا وضعت الجنازة عرضاً بين يدي الإمام هل يكون رأسها للشرق أو للغرب بمعنى هل يكون الرأس عن يمين الإمام أو عن يسار الإمام نقول كله سواء، سواء كان هذا أو هذا ولكن الأفضل تحديد موقف الإمام ما هو الأفضل الأفضل بالنسبة للمرأة أن يكون حذاء وسطها وبالنسبة للرجل أن يكون حذاء رأسه.
***(9/2)
ما حكم الجنازة إذا وضعت أمام المصلىن ليصلوا صلاة الفرض ثم يصلوا عليها
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في ذلك إذا علمنا أنها لا تشغلهم أما إذا علمنا أنها تشغلهم فإنه يكره أن يستقبل المصلى ما يشغله وكونها لا تشغل المصلىن مثل أن تكون في زاوية من زوايا المسجد ليست في وسط الصف.
***(9/2)
بالنسبة لصلاة الجنازة وصلاة العيدين والكسوف أيضا هل يقال دعاء الاستفتاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الجنازة قال العلماء إنه لا يستفتح لها لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود ولا تشهد فهي مبنية على التخفيف وأما صلاة العيدين صلاة الاستسقاء صلاة الجمعة فهي كغيرها من الصلوات يستفتح لها
***(9/2)
إذا دخلت المسجد وهم يصلون على جنازة هل أكمل معهم الجنازة أم أصلى صلاة الفريضة وشكراً لكم وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنك تصلى معهم صلاة الجنازة ثم تقبل على فريضتك لأنك إذا صلىت الفريضة فاتت الجنازة وإذا صلىت على الجنازة لم تفوت الفريضة فالأولى في مثل هذه الحال أن تدخل معهم في صلاة الجنازة ثم إذا أنهيتها تصلى صلاة الفريضة وذلك لأن تشاغلك بالفريضة يستلزم فوات صلاة الجنازة وتشاغلك بصلاة الجنازة لا يستلزم فوات صلاة الفريضة.
***(9/2)
حمل الميت ودفنه - حمل الميت(9/2)
هل يجوز للمسلم أن يشيع جنازة غير المسلم أو العكس أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمسلم أن يشيع جنازة غير المسلم لأن اتباع الجنائز من حقوق المسلم على المسلم وليس من حقوق الكافر على المسلم وكما أن الكافر لا يبدأ بالسلام ولا يفسح له الطريق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطروهم إلى أضيقه) فإنه لا يجوز إكرامه باتباع جنازته أياً كان هذا الكافر حتى ولو كان أقرب الناس إليك وأما تشييع الكافر للمسلم فهو محل نظرٍ عندي ولا أجزم بالجواب عليه الآن.
***(9/2)
السائل علي بن كمال مصري ومقيم بالطائف يسأل عن حكم اتباع النساء للجنائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اتباع النساء للجنائز محرم وزيارتهن القبور محرمة أما زيارتهن القبور فإنها من كبائر الذنوب (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور) وأما اتباعهن الجنازة ففيه حديث أم عطية رضي الله عنها قالت (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) ومن العلماء من قال إن هذا النهي نهي كراهة لقولها ولم يعزم علينا ومنهم من قال إنه نهي تحريم لأن العبرة بالحديث لا بما قالت تفقها والحديث (نهينا عن اتباع الجنائز) وأما قولها (ولم يعزم علينا) فهذا تفقه من عندها والأصل في النهي التحريم فيكون اتباع النساء للجنائز يكون حراما وهذا هو الأقرب.
***(9/2)
هل يجوز المشي بالجنازة بصوت مرتفع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجنازة ينبغي للمشيعين لها أن يكونوا متأملين متفكرين في مستقبلهم وأنهم سوف يُحْمَلُونَ على الأعناق كما حمل هذا الميت إن عاجلا وإن آجلا وحينئذٍ يهتمون بأمورهم ويوطنون النفس على الأعمال الصالحة ولهذا كره العلماء أن يتحدث المشيعون بأمور الدنيا أو أن يضحكوا وكأنهم في مجلس نزهة وطرفة وأما الذكر معها بأصوات عالية أو قول اذكروا الله أو وحدوا الله فهذا كله من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على اتباع الجنائز فإن النبي صلى الله وعليه وسلم قال (من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين وفي رواية أصغرهما مثل أحد) .
***(9/2)
ما حكم رفع الصوت أثناء حمل الجنازة وما المشروع أثناء حملها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع الصوت أثناء حمل الجنازة أيضاً من البدع كالذين يرفعون أصواتهم فيقولون هللوا كبروا هذا من البدع وإنما المشروع لحامل الجنازة ومشيعها أن يتذكر بقلبه حاله ومآله وأنه سيكون له هذه الحالة التي عليها الميت إن قريباً أو بعيداً فيتفكر في أموره ويستعد لهذه النقلة التي سيكون إليها ولا بد.
***(9/2)
ماحكم الشرع في نظركم في الآتي إذا حملوا الميت على النعش يقولون وبصوت مرتفع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويردد البقية بصوت مرتفع هل هذا من السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس من السنة أعني رفع الصوت بالذكر عند حمل الجنازة والسير به بل إن رفع الصوت بالذكر في هذه الحال من البدع فالذين يشيعون الجنائز في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع لهم صوت في ذكر ولا غيره وإنما هم يحملون الميت والواحد يتفكر في مآله وأنه سيكون كما كان هذا الميت سيكون محمولا بعدما كان حاملا سيكون في بطن الأرض بعدما كان على ظهرها سيكون محاسبا بعد أن كان عاملا متمكنا من العمل سيكون مرتهناً في قبره بعد أن كان طليقا يمشي من قصره إلى متجره إلى مسجده فالحاصل أن الذي ينبغي لحامل الجنازة أن يكون مفكرا متأملا في مآله الذي لابد منه وأما الذكر ورفع الصوت به فإن هذا ليس من هدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من المرسل علي أحمد اليماني بجدة يقول بسم الله عندنا في القرية في اليمن إذا توفي أحد المسلمين يخرج أهل القرية يرددون بصوتٍ عالٍ جداً لا إله إلا الله محمد رسول الله فهل يجوز أن يرددوا هذا بصوتٍ عالٍ حتى يسمع الذي في القرية المجاورة لنا مع العلم أن النساء يخرجن معهم إلى قرب المقبرة.
فأجاب رحمه الله تعالى: كل هذا من الخطأ فإن المشروع في مشيع الجنازة ومتبعها المشروع أن يكون خاشعاً وأن يكون متذكراً للحال التي عليها هذا الميت وأنه سيكون هو عن قريبٍ أو بعيد على ما كان عليه هذا الميت فيعتبر ويتبصر ويعرف حال الدنيا وأن مآلها إلى الفناء ورفع الصوت بالذكر خلف الجنازة هو من البدع التي لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يفعلونها وكل عبادةٍ بل كل عملٍ يعتقده الإنسان عبادة ويتقرب به إلى الله فإنه إذا لم يكن له حظٌ من الشرع فهو بدعةٌ مردودٌ على فاعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وكذلك من الخطأ اتباع النساء للجنائز (فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن اتباع الجنائز) فلا ينبغي للمرأة أن تتبع الجنازة وإذا تبعتها فإن على الرجال أن ينهوها وأن يطردوها عن متابعة الجنازة.
***(9/2)
رسالة من اليمن من أحد الإخوة المستمعين يقول عند حمل الميت إلى المقبرة يرددون لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله بصوتٍ جماعي وفي المساء يجتمعون في بيت الميت ويهللون لا إله إلا الله خمسة وسبعين مرة بزعمهم أن عملهم هذا يخفف عن الميت الذنوب فما حكم الشرع في نظركم في عملهم هذا وما هي السنة في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع التي ابتدعها مبتدعوها وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدع تحذيراً بالغاً حتى قال (كل بدعةٍ ضلالة) فالواجب الكف عن هذا والميت لا ينتفع بهذا الشيء الذي يعملونه وهو بدعة لأن البدعة ليس فيها أجر فإذا لم يكن فيها أجر للفاعل فكيف يكون فيها أجر للمفعولة له وكذلك اجتماعهم في بيت الميت وقولهم لا إله إلا الله خمسة وسبعين مرة هذا أيضاً من البدع هذا من البدع في ذاته وفي عدده فعليهم أن ينتهوا وأحسن ما يفعل للميت أنه إذا فرغ من دفنه وقف على القبر واستغفر له سأل الله عز وجل أن يثبته فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فيقف الإنسان عند القبر ويقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته بالقول الثابت اللهم ثبته بالقول الثابت اللهم ثبته بالقول الثابت أو يقتصر على قوله اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته ثم ينصرف هذه هي السنة.
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من المرسل سليم عبد اللطيف يقول فيها عن اتباع الجنازة اشتغلت سنتين في المملكة العربية السعودية وأنا أعبد الله حتى جاء يوم سفري إلى المغرب وهناك سألت إمام المسجد وقلت له لماذا لا تذهب مع الجنازة إلى المقبرة فأجابني وقال لا يجوز الذهاب مع الجنازة لأنها حرام وهذا الإمام يصلى بالجماعة في المسجد وليس متزوج هل يجوز له الصلاة بالجماعة أم لا أفيدونا وأنا في حيرة وشكراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اتباع الجنازة سنة لأنه من حق المسلم على المسلم وفيه أجر عظيم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان يا رسول الله قال مثل الجبلين العظيمين وفي رواية أصغرهما مثل أحد) فينبغي للإنسان أن يحرص على اتباع الجنائز ولو تكرر ذلك في اليوم أكثر من مرة أو مرتين لأنه كلما عمل ازداد له الأجر ولهذا لما حُدِّث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الحديث قال (لقد فرطنا في قراريط كثيرة) ثم بدأ يتبع الجنائز رضي الله عنه وقول الإمام الذي أشار إليه السائل إن اتباع الجنازة حرام لا أدري ما هو السبب في قوله هذا لأني أستبعد أن يكون أحدٌ من المسلمين يجهل حكم هذه المسألة حتى يظن أنه حرام ما أظن أحداً يظن ذلك ولعل الإمام يرى أن هذا الميت ليس مسلماً ومن المعلوم أن اتباع جنازة غير المسلم محرم لا يجوز فلعله يرى هذا ولكني أقول للإمام هذا ولغيره إنه إذا عُرضَتْ جنازة والإنسان يشك في كونه مسلماً سواء من الأجانب الذين لا نعرف عن حالهم شيئاً إلا أنه مسلم أو كان من المواطنين الذين كثر في بعضهم النفاق وكثر في بعضهم الردة كترك الصلاة مثلاً فإن الإنسان إذا قدمت له جنازة على هذا الوجه الذي يشك فيه فإن ثمت طريقاً يتمكن فيه من الخلاص وذلك بأن يشترط فيقول إذا تقدم للصلاة عليها وأراد الدعاء لها يقول اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه وعافيه إلى آخره ... فيستثني ويشترط ويدل لهذا أن الاشتراط في الدعاء واقع في القرآن وفي آيات اللعان يقول الرجل والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وتقول المرأة والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فعُلِّق الدعاء بالشرط فكذلك هنا وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأنه سأله عن أشياء منها أنه قدم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أموات يجهل حالهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عليك بالشرط يا أحمد وأحمد اسم شيخ الإسلام ابن تيمية عليك بالشرط يعني معناه اشترط عند الدعاء له إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه وبهذا يتخلص من الشك أو الإثم إن صلى عليه وهو غير مسلم إذاً أجبنا على الشق الأول وهو اتباع الجنازة وبينا أنه سنة وأن فيه أجراً كبيراً.
***(9/2)
حمل الميت ودفنه - الدفن(9/2)
يقول في هذا السؤال سمعنا أن كل إنسانٍ بمشيئة الله تعالى يدفن في المكان الذي خلق منه هل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا أصلاً من الكتاب والسنة أن الإنسان يدفن في المكان الذي خلق منه لكن على سبيل العموم قال الله تعالى في الأرض (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) والإنسان لا يدري بأي أرضٍ يموت لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) .
***(9/2)
هذه سائلة للبرنامج تقول ما حكم قراءة القرآن على الميت قبل الدفن وبعده وهل يجوز أن أقرأ سورة يس على الميت بسبب أنها تهون عليه من سكرات الموت وتخفف عنه من عذاب القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القراءة على الميت بدعة ليس لها أصل من السنة ولا من عمل الخلفاء الراشدين فيما نعلم وإنما يُدعى للميت بعد الموت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شق بصره وخرجت روحه فقال عليه الصلاة والسلام (اللهم اغفر لأبي سلمة وافسح له في قبره ونور له فيه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه) ثم أغمض صلى الله عليه وسلم عينيه أي عيني أبي سلمة فرجَّ الناس من أهله فقال عليه الصلاة والسلام (لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون) وهذا يدل على الترغيب في الدعاء للميت حين موته فأما قراءة القرآن عليه فلا أصل لها أما قراءة يس على المحتضر يعني على الذي في سياق الموت فهي مسألة اختلف فيها بناء على الحديث الوارد فيها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروى عنه (اقرؤوا على موتاكم يس) وذكر أهل العلم أن من فوائد قراءتها أنها تخفف النزع على الميت ولا أعلم أن أحداً قال إنها تخفف من عذاب القبر لكن بعض أهل العلم ضعف هذا الحديث وإذا كان الحديث ضعيفا فلا حجة فيه ثم إذا قلنا باستحباب قراءتها على الميت فإنه إن عرف الإنسان أن الميت قوي العزيمة رابط الجأش فليقرأها بصوت مسموع وإن كان يخشى أن المريض المحتضر ينزعج إذا سمع قراءة يس فإنه يقرؤها بصوت خفيف.
***(9/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل يقول الذي يموت في بلاد بعيدة عن أهله وأقاربه ويدفن في تلك البلاد التي لا يوجد له أقارب فيها هل هذا يضره بشيء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يضره بشيء لأن الإنسان مهما كان دفنه في أي أرض سوف يبعث يوم القيامة من مكانه ولهذا لا ينبغي للميت أن يوصي قبل موته بأن يدفن في البلد الفلاني أو البلد الفلاني لما في ذلك من الأتعاب والإرهاق لأهله ووصيته بهذا لا يلزم تنفيذها لأنها متعبة من وجه ولا نعلم أحداً من السلف فعلها فيما إذا كانت البلاد الأخرى بعيدة أما لو مات في ضواحي البلد وأوصى أن يدفن في البلد نفسها فهذا لا بأس به لكن ما يحتاج إلى سفر فإن هذا ليس من عمل السلف فيما أعلم والإنسان سيجد من نعيم القبر وعذاب القبر ما يستحقه سواء دفن في بلده أو في بلد آخر.
***(9/2)
بارك الله فيكم بالنسبة للوصية إذا أوصى الميت بنقله إذا مات إلى قرية معينة أو مكان معين
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول الأولى ألا يوصي الإنسان بدفنه في مكان معين ولا سيما مع البعد والمشقة لأن ذلك يحرج من وراءه من الأقارب وغيرهم وأرض الله واحدة وسواء في الشرق أو في الغرب وإن كان بعض البقع التي عرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام اختار الدفن فيها كالبقيع مثلا تكون أفضل لكن لا نقول إن الإنسان ينقل من بلد بعيد إلى البقيع إنما لو كان حول المدينة وأوصى أن يدفن في البقيع بدون مشقة فهذا لا بأس به.
***(9/2)
المستمعة من حفر الباطن تقول هل يجوز للمسلم أن يكتب في وصيته مكان دفنه أم لا يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمسلم أن يوصي بدفنه في مكانٍ معين ولكن لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك لما فيه من إرهاق من بعده والتعب عليهم وأرض الله سبحانه وتعالى كلها واحدة فالأولى للإنسان أن يدع هذا الأمر إلى ما يتيسر لمن بعده في أن يدفن في المحل الذي يقدر الله عز وجل أن يدفن فيه ويدفن مع المسلمين فالقبر إما روضةٌ من رياض الجنة وإما حفرةٌ من حفر النار في أي مكانٍ دفن الإنسان.
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من الأردن يقول فيها الأخ خليل زيد محمد النعامي هل يجوز بناء القبر، وإذا لم يجز أفيدوني ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري هل يريد ببناء القبر اتخاذ مكان للإنسان يدفن فيه مبنياً، أو أنه يريد ببناء القبر البناء عليه، فإن كان الأول وهو أن يتخذ مكاناً يدفن فيه فإن السنة هو أن يكون القبر ملحداً، أي أن تحفر حفرة ويجعل في مقدمة القبر من ما يلي القبلة حفرة أخرى بمقدار جسم الميت يدفن فيها فإن هذا هو السنة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فمن اتخذ قبراً مبنياً ببناء فإنه يكون مخالفاً للسنة وأما إذا كان يريد البناء على القبور فإن هذا محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون أصحاب هذه القبور مع الله سبحانه وتعالى.
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول فضيلة الشيخ التعجيل في دفن الميت هل هو سنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التعجيل في دفن الميت وفي تجهيزه أيضاً كتغسيله وتكفينه والصلاة عليه من السنة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أسرعوا بالجنازة) ولأن الميت إذا كان من أهل الصلاح فإن روحه تقول قدموني قدموني تريد أن تصل إلى باب الكرامة لكن لا بأس أن ينتظر به ساعات لانتظار كثرة الجمع عليه وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من كون الميت يموت ثم ينتظر قريبه الذي يقدم من أمريكا أو من غيرها من البلاد البعيدة وربما يبقى يومين أو ثلاثة فهذا جناية على الميت وغير مشروع بل نقول يدفن الميت وإذا جاء قريبه صلى على قبره.
***(9/2)
ما المشروع عمله يا فضيلة الشيخ في أثناء الدفن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع في الدفن أن يوضع الميت على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة وأن يغطى باللبن وأن يدفن عليه التراب ويدخلوه في القبر ممن يعرف كيفية الدفن سواء كان من محارم المرأة أو من غير محارمها.
***(9/2)
السائل سعد عبد الوهاب من خميس مشيط يقول في هذا السؤال عندما يموت الشخص ويوضع في قبره هل يشعر بذلك وهل يعلم بأنه انتقل إلى الدار الآخرة وهل يذكر أهله وأولاده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه يشعر أنه انتقل إلى الدار الآخرة فيشعر من حيث أن يأتيه ملك الموت ليقبض روحه ويعلم أن روحه خرجت من جسده بنظره إليها فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الروح إذا قبضت تبعها البصر ولهذا يشخص بصر الميت - دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شق بصره يعني انفتح فأغمضه النبي عليه الصلاة والسلام وقال (إن الروح إذا قبض أتبعه البصر) ثم قال (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه) دعا له بخمس دعوات عظيمة عظيمة (اللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونوِّر له فيه واخلفه في عقبه) وما كان في الدنيا فقد أدرك فإن الله تعالى خلفه في عقبه بأن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد انقضاء عدتها ثم صار أولاد أبي سلمة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فخلفه النبي صلى الله عليه وسلم في عقبه واستجابةً لدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والحاصل أن الميت يدري أنه مات وأنه انتقل إلى الدار الآخرة أما كونه يدري إذا وضع في قبره أو ما أشبه ذلك فهذا لم يرد فيه فيما أعلم سنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو من أمور الغيب التي لا يجوز الجزم بها إلا بنص من الكتاب والسنة الصحيحة.
***(9/2)
السائل: ما هو القرين وهل يرافق الميت حتى في قبره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القرين هو شيطان مسلط على الإنسان بإذن الله عز وجل يأمره بالفحشاء وينهاه عن المعروف كما قال الله عز وجل (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) ولكن إذا منَّ الله على العبد بقلب سليم صادق متجه إلى الله عز وجل مريد للآخرة مؤثر لها على الدنيا فإن الله تعالى يعينه على هذا القرين حتى يعجز عن إغوائه ولذلك ينبغي للإنسان كلما نزغه من الشيطان نزغ فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمر الله , قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) والمراد بنزغ الشيطان أن يأمرك بترك الطاعة أو يأمرك بفعل المعصية فإذا أحسست من نفسك الميل إلى ترك الطاعة فهذا من الشيطان أو الميل إلى فعل المعصية فهذا من الشيطان فبادر بالاستعاذة منه يعذك عز وجل وأما كونه أي هذا القرين يمتد إلى أن يكون مع الإنسان في قبره فلا فالظاهر والله أعلم أنه بموت الإنسان يفارقه لأن مهمته التي كان مسخراً لها قد انتهت إذ أن الإنسان إذا مات انقطع عمله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
ما حكم تلقين الميت بعد دفنه وذلك على القبر بأن يقال له يا عبد الله اذكر العهد الذي خرجت عليه إذا جاءك الملكان فقل لهما الله ربي ومحمد نبيي والقرآن إمامي والإسلام ديني وغير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تلقين الميت بعد دفنه مبني على حديث أبي أمامة رضي الله عنه وقد تنازع الناس في صحته والصواب أنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة وأن تلقين الميت بعد دفنه بدعة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه في حديث يركن إليه وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فيقف بعد الدفن على القبر ويقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته ثلاث مرات ثم ينصرف وإنما اخترنا أن يقوله ثلاث مرات لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان غالبا إذا دعا يكرر الدعاء ثلاث مرات وأما تلقينه بما ذكر السائل يا فلان ابن فلانة ينسبه إلى أمه اذكر ما خرجت عليه من الدنيا من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... الخ فهو حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(9/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من الأمارات العربية المتحدة العين هذا السؤال يقول ما رأيكم فيمن يلقنون الميت بعد دفنه وهم يحتجون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لقن ابنه إبراهيم بعد دفنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن تلقين الميت بعد دفنه ليس بصحيح ولم ترد به سنةٌ صحيحة لا في إبراهيم رضي الله عنه ولا في غيره وأما حديث أبي أمامة المشهور فإنه حديثٌ ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولم يقل لقنوه ثم إن تلقين الميت لا فائدة منه في الواقع لأن الميت لا يسمع مثل هذا ولن يجيب إذا كان ليس على إيمان مهما لقن لا يجيب إذا كان على غير إيمان أي إذا مات على غير إيمان فإنه لا يمكن أن يستجيب بالصواب وإذا مات على الإيمان فإنه يجيب بالصواب سواءٌ لقن أم لم يلقن والخلاصة خلاصة الجواب أنه لا مشروعية لتلقين الميت بعد دفنه وأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا في ابنه ولا غيره.
***(9/2)
السائل من اليمن يقول هل ورد في السنة أنه بعد الدفن يقوم رجل بتلقين الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فيه حديث عن أبي إمامة (أنه يلقن ويُدعى بأمه ويقال له اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله) إلى آخره ولكن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما السنة جاءت بأن يقف على القبر ويستغفر للميت ويسأل الله له التثبيت فيقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ويكون هذا الدعاء أفراداً بمعنى أن كل واحد يدعو به للميت دون أن يكون بصوت واحد.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع من الجزائر سرير الحاج عبد القادر من المحمدية يقول فضيلة الشيخ هل يجوز قراءة القرآن أثناء الدفن وهل يجوز رفع الصوت بذكر أو قراءة قرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن على القبر ليست مشروعة ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ على القبر حين دفنه أو أن يقرأ على القبر حين دفن الميت ولا أن يرفع صوته بالذكر وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دفن الميت وقف على القبر قال (استغفروا لأخيكم وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فيسن عند دفن الميت إذا فرغ منه أن يقول اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم اغفر له اللهم ثبته ثم ينصرف هذا هو المشهور وأما الذكر بصوت مرتفع أو بأمر الناس بذلك اذكروا الله أو يقف عند الجنازة أو عند القبر ويقول ما تقولون في فلان من أجل أن يثنوا عليه خيرا فإن هذا كله ليس من السنة بل هو من البدعة.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من محمد أحمد من السودان المستمع يقول في سؤاله هل تجوز الموعظة بعد الدفن بعد دفن الميت نشاهد بعض الإخوان يقوم بالحديث أو بتقديم موعظة بعد الانتهاء من الدفن وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الموعظة قبل الدفن أو بعد الدفن نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا دفن الميت قام يعظ الناس ولكنه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) هذا هو الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام وغاية ما خرج عن الموعظة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم في جنازة رجل من الأنصار فأنزله إلى القبر ولما يلحد يعني لم يتم لحده فجلس الناس وجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله وجعل ينكت بعود في يده الأرض ثم حدثهم عليه الصلاة والسلام عن حال الإنسان واحتضاره هذا هو غاية ما سمعت من الموعظة ومن المعلوم أن هذه ليست موعظة مقصودة بذاتها وإنما لما كانوا جالسين ينتظرون لحد القبر وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس معهم موعظة جالس كالمتحدث وليس قائماً يعظ بصوت مرتفع كأنه خطيب وهنا فرق بين هذا وهذا وفرق بين الشيء العارض وبين الشيء الدائم المستمر قد يقول قائل إن الناس في هذه الحال وعند دفن هذا الميت وفي المقبرة أقرب إلى لين القلب وقبول الموعظة فينبغي أن نستغل هذا الموقف فيقال هذا طيب ولكن ما دمنا لم نجد سلف لنا في هذه المسألة من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه وهم أحرص الناس على بذل النصيحة وعلى تحري المواقف التي تكون فيها النصيحة أنفع وأنجع فإنه لا ينبغي لنا أن نتقدم بمثل هذا فالمهم أننا نعرف الفرق بين الشيء الراتب والدائم الذي يقوم الإنسان كأنه خطيب بين الناس يعظ يتكلم وبين الشيء العارض يتحدث فيه الإنسان تحدث الجالس ولهذا نقول لو أن الناس جلسوا ينتظرون لحد القبر وإصلاحه وما أشبه ذلك وتكلم أحد بما يلين القلب فإن هذا بلا شك لا بأس به فيجب التفريق بين الشيء العارض والدائم والشيء الذي يكون بصفة خطيب واعظ والشيء الذي يكون بصفة متحدث يتحدث إلى من حوله حديث الجالس إلى جلسائه.
***(9/2)
بالنسبة للوعظ عند القبور ماذا تقولون أو عند الدفن ماذا تقولون فيه بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول فيه إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعله أحيانا لكنه ليس يفعله على سبيل الخطابة بحيث يقوم ويعظ الناس بصوت مرتفع والمحفوظ عنه أنه أتى مرة إلى البقيع وهم يدفنون جنازة فجلس وجلس الناس حوله فجعل ينكت بعود ووعظهم عليه الصلاة والسلام وكذلك وعظ عند القبر حيث قال (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) لكنه ليس على سبيل الخطابة ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أحدا من الصحابة قام يعظ الناس عند الدفن على وجه الخطابة.
***(9/2)
بالنسبة للوعظ عند الدفن يا فضيلة الشيخ وهناك أحكام متعلقة بالدفن لعلكم توجهون المستمعين لها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوعظ عند الدفن إن كان وعظاً عادياً بمعنى أن الإنسان جالس ينتظر تلحيد الميت وحدث أصحابه بما يلين قلوبهم فهذا خير فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما أن يقوم خطيباً في الناس فلا لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقوم خطيباً في الناس بعد الدفن ولا حال الدفن ولو كان ذلك من الأمور المشروعة لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما لم يفعله علم أنه ليس من السنة لكن الإنسان الجالس الذي حوله أناس فيحدثهم لا يقال إنه خطيب فالموعظة عند القبر لا يلزم منها أن يكون الإنسان خطيباً وعليه فلا يصح أن نقول إن البخاري رحمه الله يرى أن يقوم الإنسان خطيباً في الناس عند الدفن حينما ترجم باب الموعظة عند القبر لأنه رحمه الله لم يقل باب الخطبة عند القبر وفرقٌ بين هذا وهذا فالمهم أن حديث الناس الذين حول الإنسان وهو جالس بما يتعلق بالموت والدفن وما أشبه ذلك مما يرقق القلب سنة جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما القيام خطيباً فليس من السنة.
***(9/2)
يقول هذا السائل من اليمن فضيلة الشيخ عندنا عادة وهي عند وضع الميت في القبر يصيح منادى بأعلى صوته كما ينادى المؤذن تماما فهل هذا صحيح أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل هذا من البدع التي أحدثها الناس عند دفن الميت حيث ينزل واحد في القبر أو يكون على حافة القبر ثم يؤذن الأذان كاملا أو يقتصر على التكبيرات الأربعة الأولى وكل هذا من البدع فإن المشروع عند دفن الميت أن يقول من يضعه في لحده بسم الله وعلى ملة رسول الله فقط ولا يزيد على هذا فإذا دفن الميت وتم دفنه وقف عليه وسأل الله له التثبيت واستغفر له لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) .
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع قاسم عبده يمني مقيم في الخبر يقول فضيلة الشيخ هل يجوز أن يقف المشيعون بعد الانتهاء من الدفن ويدعوا دعاءً جماعياً للميت ويتقدم بالدعاء أحدهم وهم يؤمِّنون على ذلك أم أن كل واحدٍ يسأل للميت التثبيت وحده سراً أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا أنه إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فيستغفر كل إنسان له ويسأل الله التثبيت له كل إنسانٍ على حده لا يجتمع الجميع على دعاءٍ واحد لأن ذلك من البدع حيث إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرشد إلى ذلك ولم يفعله بنفسه بل كان يقف ويقول (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) ولم يكن يدعو وهم يؤمِّنون ولا أرشد إلى هذا ثم إنه لا يحتاج إلى طول البقاء عند القبر يستغفر له ثلاثاً ويسأل الله له التثبيت ثلاثاً ثم ينصرف فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا؛ دعا ثلاثاً فيقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته وينصرف ولا حاجة إلى طول القيام وعلى هذا فنقول إذا اجتمعوا وصاروا يدعون بدعاءٍ واحد أو يدعو بهم واحد ويؤمنون فإن ذلك من البدع ومن رآهم من طلبة العلم فليبين للناس أن هذا ليس من السنة.
***(9/2)
عند الانتهاء من الدفن يدعو الإمام ويؤمن الحاضرون الذين حوله، فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع أن يدعو الإمام أو غير الإمام بمن حوله للميت ويؤمن الحاضرون لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل ورد خلافه فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولم يكن يدعو بهم استغفاراً للميت وسؤالاً لتثبيته وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين كل من يسمع كلامي هذا أن يتمشوا في هذه الأمور على ما جاءت به السنة وعمله السلف الصالح وأن لا يحدثوا عندها شيئاً لم يشرعه الله ورسوله فيكون من المبتدعين وكل بدعة ضلالة إذا دفن الميت وفرغ من دفنه يقف الإنسان عند القبر ويقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته ثم ينصرف هذا ما تدل عليه السنة وأما الوقوف طويلاً وقراءة الآيات آية الكرسي أو الفاتحة أو يس أو غيرها من السور فلا أصل له.
***(9/2)
بعض الناس بعد أن يدفن الميت يبقون عند قبره مدة يستغفرون الله ويذكرون الله ويتكلمون أيضاً مع الميت ويتمسكون بقصة عمرو بن العاص الذي طلب من مشيعيه أن يبقوا عند قبره مدة نحر الجزور نريد حكم هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوقوف عند القبر والاستغفار له وسؤال التثبيت للميت فهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا فرغ من دفنه وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وأما ما ذكر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه فإن هذا من الأمور الاجتهادية التي يعتبر هدي غيره مخالفٌ لها لأن ذلك لم يفعله أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي فهو رضي الله عنه قال لعلِّي - يقول لمن خاطبهم بالبقاء عنده - استأنس بكم حتى أراجع رسل ربي يعني الملائكة الذين يسألون الميت فهذا مجرد اجتهادٍ منه رضي الله عنه قد يوافق عليه وقد لا يوافق ولكنه ليس على الصورة التي سأل عنها هذا السائل.
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع من المدينة المنورة ورد في الحديث الصحيح أن الميت عندما يوضع في قبره يسأل عن ثلاث من ربك وما دينك ومن نبيك بينما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينتظر عند الميت بعد دفنه مقدار ما تنحر الجزور السؤال الأسئلة المذكورة أعلاه الثلاثة لا تستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق فهل هناك أسئلة أخرى تستغرق مقدار نحر الجزور آمل إفادتي مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يمكثون عند القبر بمقدار ما تنحر الجزور وإنما جاء ذلك عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أما الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) فالذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام أن نقف بعد دفن الميت إذا فرغنا من دفنه أن نقف عليه وأن نقول اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم اغفر له اللهم ثبته ثلاث مرات ثم ننصرف هذا هو الوارد فليقتصر عليه.
***(9/2)
هذه رسالة وصلت من المستمع من جمهورية مصر العربية يقول فضيلة الشيخ عندنا في مصر بالنسبة لدفن الميت أنهم يدفنون الميت على ظهره ويده اليمنى فوق اليسرى وجدت هنا في المملكة يدفنون الميت على جنبه الأيمن الرجاء الإفادة عن هذا مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب أن الميت يدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن الكعبة قبلة الناس أحياء وأمواتاً وكما أن النائم ينام على جنبه الأيمن كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك الميت يضجع على جنبه الأيمن فإن النوم والموت يشتركان في كون كل منهما وفاة كما قال الله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) فالمشروع في دفن الميت أن يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولعل ما شاهده السائل في بلاده لعله كان نتيجة عن جهل من يتولى ذلك وإلا فما علمت أن أحداً من أهل العلم يقول إن الميت يضجع على ظهره وتجعل يداه على بطنه.
***(9/2)
مسجد يحيط به سور وفي داخل هذا السور يوجد قبر، والقبر ليس داخل المسجد بل داخل السور المحيط بالمسجد والقبر فهل يجوز ذلك وهل يؤثر هذا على صحة الصلاة في المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه يجب عليك فوراً من حين ما تسمع هذا الجواب أن تتصل بالمحكمة لديكم حتى ينظر القاضي ماذا يأمر به نحو هذا القبر لأنه لا يجوز أن يبقى القبر داخل رحبة المسجد ولينظر إذا كان القبر هو الأول فيفسح القبر ويخرج من المسجد بتدخيل سور المسجد عنه حتى يكون خارجه وإذا كان المسجد هو الأول فإنه ينبش القبر ويدفن في مقابر الناس.
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول توفي عندنا رجل وبعد مضي سبعة أشهر على وفاته رأى أحد أقاربه في المنام رؤيا أنه ينادي أخرجوني من القبر وابنوا لي مقاما وفعلا نفذوا هذه الرؤيا فأخرجوه من القبر وتجولوا به في البلد وبنوا له مقاما ويعتقدون الآن أنه نبي فما الحكم في هذا العمل وهل من نصيحة إلى مثل هؤلاء الناس الذين ضعفت عقائدهم إلى هذه الدرجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا العمل أنه عمل محرم وأن المرائي التي ترى في المنام إذا كانت مخالفة للشرع فإنها باطلة وهي من ضرب الأمثال التي يضربها الشيطان ومن وحي الشيطان فلا يجوز تنفيذها أبدا لأن الأحكام الشرعية لا تتغير بالمنامات والواجب عليهم الآن أن يهدموا هذا المقام الذي بنوه له وأن يردوه إلى مقابر المسلمين هذا هو الواجب ونصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يعرضوا كل ما يرونه في المنام على الكتاب والسنة فما خالف الكتاب والسنة فهو مطرح ومردود ولا عبرة به ولا يجوز للإنسان أن يعتمد في أمور دينه على هذه المرائي الكاذبة لأن الشيطان أقسم بعزة الله عز وجل أن يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين فمن كان مخلصا لله متبعا لدينه مبتغيا لوجهه فإنه يسلم من إغواء الشيطان وشره وأما من كان على خلاف ذلك فإن الشيطان يتلاعب به في عباداته وفي اعتقاداته وفي أفكاره وفي أعماله فليحذره يقول الله عز وجل (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) .
***(9/2)
هذه رسالة من المستمع حسن إبراهيم زيلعي مقيم بخميس مشيط يقول رجلٌ بنى مسجداً وأوصى بأنه إذا مات يدفن في مؤخرة المسجد من الداخل وقد توفي الرجل ودفن في المحل الذي أوصى أن يدفن فيه وبعد فترة جاء أناسٌ وأبعدوا علامات القبر وتركوا سطحه متساوياً مع أرضية المسجد والآن يوجد أناسٌ يصلون على سطح القبر دون العلم بوجوده فما الحكم في صلاتهم وماذا علينا أن نفعل بهذا المسجد أو بالقبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الوصية غير صحيحة لأن المساجد ليست مقابر ولا يجوز الدفن في المسجد وتنفيذ هذه الوصية محرم والواجب نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين فالذي يجب عليهم إذاً أن ينبشوا عظامه ثم يدفنوها في قبرٍ في المقبرة.
***(9/2)
المستمع عبد الرحمن خالد الأحمر سوداني ومقيم بالقصيم يقول في رسالته يوجد في المسجد الذي بجوارنا قبر صاحب هذا المسجد ويقع داخل سور المسجد لكنه بني على اتجاه القبلة أي في الجهة المعاكسة للقبلة فهل تجوز الصلاة فيه أم ينطبق عليه ما ينطبق على الوضع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان لا يجوز أن يصلى في هذا المسجد ماذا علينا بالنسبة لصلاتنا التي مضت علماً بأنه أقرب المساجد لنا وإذا أردنا أن نغيره إلى مسجد آخر فإننا سنتخلف عن بعض الصلوات مع الجماعة وذلك لبعد بقية المساجد الأخرى أفيدونا بهذا السؤال بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان هذا المسجد مبنياً على القبر فإن الصلاة فيه محرمة ويجب هدمه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد تحذيراً لما صنعوا) وأما إذا كان المسجد سابقاً على القبر فإنه يجب إخراج القبر من المسجد ويدفن في ما يدفن فيه المسلمون ولا حرج علينا في هذه الحال إذا نبشنا هذا القبر لأنه دفن في مكان لا يحل أن يدفن فيه فإن المساجد لا يحل فيها دفن الموتى والصلاة في المسجد إذا كان سابقاً على القبر صحيحة بشرط ألا يكون القبر من ناحية القبلة فيصلى الناس إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور وبالإمكان إذا لم يتمكنوا من نبشه أن يهدموا سور المسجد وأن يخرجوا القبر من وراء السور إذا كان القبر ليس من ناحية القبلة.
***(9/2)
المستمع عبد الحكيم مهدي أرسل برسالة يقول فيها هل يجوز دفن الميت داخل المسجد علماً بأنني أرى الكثير من بعض الناس يقومون بدفن أمواتهم في مؤخرة المساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يدفن الميت في المسجد لأن المسجد ليس مقبرة ولأنه يخشى من الفتنة بهذا القبر الذي دفن في متعبد المسلمين حتى ولو أوصى الرجل بأن يدفن في المسجد فإنها وصية باطلة لا يجوز تنفيذها ويدفن مع المسلمين حتى تكون اتجاهات القبور واحدة فإن قدر أن دفن في المسجد فإنه يجب أن ينبش ويخرج من المسجد لئلا يطول بالناس الزمن فيعبدوا هذا القبر.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة من السائل جابر بن جابر أبو هادي يمني الجنسية مقيم بالرياض يقول لقد ورثت بيتاً من المرحومة والدتي وقد انهدم هذا البيت وجددت عمارته ويوجد بجانبه قبور كثيرة وبينما كنا نحفر أساسه عثرنا على عظام بالية يبدو أنها من القبور المجاورة فأخذت هذه العظام ودفنتها في مكان آخر بعيداً عن البيت وقد أكملت عمارته مع العلم أن بيوتنا تقع كلها بجوار قبور وقد ورثنا هذه البيوت عن أجدادنا ولا نملك بيوتاً غيرها ولا أرضاً لنبني فيها بعيداً عن هذه المقابر فهل يحق لنا السكن في هذا البيت وهل نقلي لهذه العظام إلى مكان جديد علي فيه إثم أم لا أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه القبور قبور مسلمين فإن أصحابها أحق بالأرض منكم لأنهم لما دفنوا فيها ملكوها ولا يحل لكم أن تبنوا بيوتكم على قبور المسلمين ويجب عليكم إذا تيقنتم أن هذا المكان فيه قبور يجب عليكم أن ترفعوا البناء وأن تدعوا القبور لا بناء عليها وكونه لا بيوت لكم لا يقتضي أن تحتلوا بيوت غيركم من المسلمين فإن القبور بيوت الأموات ولا يحل لكم أن تسكنوها ما دمتم عالمين بأن فيها أمواتاً وبقي علينا تنبيه وهو قولك المرحومة والدتي المرحومة فإن بعض الناس ينكر هذا اللفظ يقولون إننا لا نعلم هل هذا الميت من المرحومين أو ليس من المرحومين وهذا الإنكار في محله إذا كان الإنسان يخبر خبراً أن هذا الميت قد رحم لأنه لا يجوز أن نخبر أن هذا الميت قد رحم أو عذب بدون علم قال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لكن الناس لا يريدون بذلك الإخبار قطعاً فالإنسان الذي يقول المرحوم الوالد أو المرحومة الوالدة أو المرحومة الأخت أو الأخ أو ما أشبه ذلك لا يريدون بهذا الجزم أو الإخبار أنهم مرحومون وإنما يريدون بذلك الدعاء أن الله تعالى قد رحمهم والرجاء وفرق بين الدعاء والخبر ولهذا نحن نقول فلان رحمه الله فلان غفر الله له ولا فرق من حيث اللغة العربية بين قولنا فلان المرحوم وفلان رحمه الله لأن جملة رحمه الله جملة خبرية والمرحوم بمعنى الذي رحم فهي أيضاً خبرية فلا فرق بينهما أي بين مدلولهما باللغة العربية فمن منع المرحوم يجب أن يمنع فلان رحمه الله على كل حال نقول لا إنكار في هذه الجملة أي في قولنا فلان المرحوم وفلان المغفور له وما أشبه ذلك لأننا لسنا نخبر بذلك خبراً ونقول إن الله قد رحمه وأن الله قد غفر له ولكننا نسأل الله ونرجوه فهو من باب الرجاء والدعاء وليس من باب الإخبار وفرق بين هذا وهذا.
***(9/2)
المستمعان سالم أحمد القيلي ومحمد ناجي يمنيان مقيمان بجدة يقولان نحن نعمل في مجال المقاولات المعمارية وعند بداية عملنا في حفر أساسٍ لإحدى العمائر وعندما حفرنا وجدنا آثار مقابر قديمة جداً وعندما أخبرنا صاحب العمارة في ذلك قال احفروا وارموا بالعظام التي وجدتموها في الشعب وقد نفذنا ما أمرنا به فهل علينا وعليه الإثم في ذلك وماذا يجب علينا وعليه فعله الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المقابر مقابر مسلمين فإن عملكم هذا محرم ولا يجوز لكم أن تفعلوا ذلك وفي مثل هذه الحال الواجب مراجعة ولاة الأمور يعني إذا حفر أحدٌ في مكان يريد أن يؤسس فيه بيتاً أو نحوه ووجد آثار مقابر فإنه يجب عليه أن يكف عن العمل وأن يرجع في ذلك إلى ولاة الأمر من أجل التحقق من هذه المقابر وعصمة أهلها.
***(9/2)
بارك الله فيكم من سوريا حلب هذا السائل يقول أملك قطعة أرض ويوجد بها من الناحية الشمالية الغربية قبر لا يعرف صاحبه ويظهر أن له سنين طويلة فماذا أفعل مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يمكن إخراج هذا القبر يعني إبرازه من وراء الحائط دون أن يحصل بذلك فتنة فهذا هو الواجب وإذا لم يمكن فلا بد من مراجعة المحاكم الشرعية في هذا وتنظر في الأمر ثم تحكم بما يريها الله عز وجل
***(9/2)
توجد بقرب قريتنا مقبرة وقد جعلت من فوقها الطرق ويجلس الناس عليها فهل يجوز لهم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تجعل مقابر المسلمون طرقا يتطرق الناس بها أو يجلسون عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الجلوس على القبر) وقال (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر) والواجب أن ترفعوا هذا للمسؤولين لديكم إما للبلدية أو للمحكمة أو لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو للمسؤولين عن هذا الأمر حتى يزال هذا الطريق وتحترم مقابر المسلمين.
***(9/2)
رسالة وردت من المستمع حمدان حامد الهلالي من وادي ضعان يقول نحن من البدو ولكننا غير متنقلين بل مقيمان بوادي وبه مقبرة قديمة لا زال يقبر فيها حتى وقتنا الحاضر وهي على الطريق بين ضلعين يقسمها طريق للسيارات بحيث تصبح نصفين وهي مقبرة واحدة ويتخللها أيضاً بعض الطرق الصغيرة للمواشي وللسير على الأقدام وقد فتحنا طريقاً للسيارات ولم نستطع أن نصرف الناس الذين يسكنون في هذا الوادي من استعمال تلك الطرق المذكورة لعدم استجابتهم لنصائحنا المتكررة كذلك الحيوانات تسير عليها كل وقت كالبقر والغنم وغيرها فكيف التخلص من هذه المشكلة عندما نسير عليها كل وقت هل نأثم بذلك أم لا أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على سؤال الأخ أود أن أبين أن لأصحاب القبور حقوقاً بأنهم مسلمون ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوطأ على القبر وأن يجلس عليه وقال (لأَنْ يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر) وكما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن امتهان القبور فإنه نهى أيضاً عن تعظيمها بما يفضي إلى الغلو والشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه وهذه القضية التي ذكرها السائل عن هذه المقبرة القديمة التي أصبحت ممراً وطريقاً للمشاة والسيارات ومرعاً للبقر والمواشي يجب عليهم أن يرفعوا أمرها إلى ولاة الأمور لاتخاذ اللازم في حمايتها وصيانتها وفرش طرق حولها يعبر الناس منها إلى الجهات الأخرى والحكومة وفقها الله لا تقصر في هذا الأمر وعلى الرعية أن يبينوا للحكومة ما يكون فيه المصلحة للإسلام والمسلمين ليكونوا متعاونين على البر والتقوى.
***(9/2)
يقول جمعة يوجد لدينا مقبرة لها أكثر من ثلاثين سنة ويجلس عليها الناس ويمشون عليها، فما حكم ذلك العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر وقال (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر) فالجلوس على القبور محرم، لا يجوز، والواجب على المسلم أن يتجنب جعل المقابر طرقاً، وأن تحمى هذه المقابر بالجدران أو بالشبوك المنيعة حتى تحترم ولا تهان.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا يقول إذا مات الرجل وقبر وفي أسنانه ذهب وقد مضى على قبره عدة سنوات هل يجب أن يحفر القبر وتخرج الأسنان أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا يجب إذا مات الميت وفي أسنانه ذهب يجب أن تقلع أسنان الذهب لأن دفنها مع الميت إضاعة مال وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال فإن كان لا يمكن خلعها إلا بضرر على اللثة أو على بقية الأسنان فإنها تبقى حتى يبلى الميت ثم ينبش القبر وتستخرج منه وتضم إلى التركة تورث مع التركة وفي هذه الحال إن سمح الورثة وهم راشدون يصح تبرعهم إن سمحوا أن تبقى للميت فهم في ذلك أحرار لهم أن يفعلوا هذا.
***(9/2)
لدينا مقابر يوضع عليها كثير من القاذورات والقمائم التي لا تتصور وأن هذا لا يرضى به الله ولا رسوله وهذا مما يؤثر في النفس فأرجو من سماحتكم إرشادنا والنصح في مثل من يضع هذه القاذورات على المقابر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن مقابر المسلمين يجب احترامها وصيانتها عن الأذى وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر وأن يجلس عليه وقال (لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه وتمضي إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على القبر) وذلك لما فيه من إهانة صاحب القبر وهذا الحديث يؤخذ منه أن جميع ما يكون فيه إهانة لأهل القبور فإن ذلك مما أتى الشرع بالتحذير منه والتخويف والواجب في مثل هذه الحال أن من شاهد هذا في مقابر المسلمين يتصل بالمسؤولين عن صيانة المقابر ويخبرهم بهذا حتى يقوموا بصيانتها وحمايتها عن هذه المؤذيات كما أنه أيضاً يجب عليه أن ينصح من يشاهده يلقي القمائم فيها ويبين له أن هذه دار إخوانه المؤمنين وأنه لا ينبغي بل ولا يجوز أن يلقي فيها ما يكون فيه إهانةٌ لهم وعدم القيام بحقهم والشارع كما نهى عن إهانة القبور كذلك نهى عن تعظيمها كما في البناء والتجصيص فلا يجوز أيضاً تعظيم القبور بالبناء عليها وتجصيصها وإشادتها بالعلامات الكبيرة الظاهرة البارزة فإن علي بن أبي طالب قال لأبي الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تدع صورةً إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وكثيرٌ من القبور نرى بعض الناس يضعون عليها العلامات الكبار الحصى الكبار الطويلة المشرفة ومثل هذا أيضاً لا ينبغي فإنما تكون العلامات في المقابر ما يحصل فيه الكفاية في الدلالة على صاحب القبر فقط وأما أنها تكبر وتبيض أو تحمر بالبوية أو ما أشبه ذلك فهذا مما لا ينبغي، الدين وسط بين هذا وهذا.
***(9/2)
الرسالة التي بين يدينا الآن فقد وردتنا من عمر صالح محمد الشهري يقول في رسالته إن البعض من الناس يضعون الكثير والكثير من القاذورات على المقابر فما حكم ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المقابر مقابر المسلمين مقابر محترمة يجب على المسلم احترامها لأنها مساكن إخوانه المسلمين ولا يدري متى تكون أيضاً مسكناً له فإن الإنسان لا يدري بأي أرض يموت ولا يدري أيضاً متى يموت ولا يجوز أن تُلقى القمامات والأوساخ على قبور المسلمين ولا بينها أيضاً وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يحرم على الإنسان أن يبول أو يتغوط على قبور المسلمين أو يفعل ذلك بين القبور وإن لم يكن على القبر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ما ثبت عنه من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) فإذا كان هذا النهي ثابتاً عن الجلوس عليها فكيف بإلقاء القاذورات والزبل وغيرها مما تنفر منه النفس على قبور المسلمين وبين قبور المسلمين.
***(9/2)
رسالة بعث بها المستمع محمد هيجان الفاهمي العسيري من الرياض يقول أقدمت على بناء مسكن لي ولعائلتي في أرض في قريتي هي من ملكي وملك أجدادي وقد اكتشفت أن بجوار هذا المسكن قبرا لأحد عباد الله وقد قمت بإزالته تماما من موقعه علما بأن عمر هذا القبر يزيد على مائتي عام فهنا أسأل ماذا يجب علي أن أفعله كفارة لما قمت به إن كنت أخطأت في ذلك هل علي إثم أم أنه لا يلحقني شيء علما بأنني قد وضعت القبر في مكان آخر غير موقعه الأول وليس في المقبرة العامة بل في مكان خال فأرشدوني إلى ما يجب علي فعله الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أنه إذا كان هذا القبر خارجاً عن البناء والمسكن فإن الأولى بك ألا تتعرضه لأن صاحب القبر يملكه حتى يكون ترابا ورميما ولكن ما دام الأمر قد وقع منك فإن عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتستغفره ثم إن وضعك إياه في غير المقبرة هذا أيضا خطأ فإن هذا المكان الذي وضعته فيه قد يكون مملوكا لإنسان وإذا قدر أنه ليس بمملوك فإنه ربما يصل إليه البنيان والعمران فينقل مرة ثانية والذي أرى في هذا الأمر أن تراجع المحكمة التي عندكم أو تنقله من المكان الذي وضعته فيه أخيراً أو تبقيه على ما كان عليه عليك أن تراجع المحكمة حول هذا الموضوع ليقضي القاضي بما يراه صوابا.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد حسين يقول في بلدتنا تبنى المقابر بالطوب الأحمر الذي دخل النار أو بالطوب الأسمنتي ويكون ارتفاع القبر أكثر من متر وتبيض هذه المقابر بالأسمنت وإذا دفن الميت في هذه المقابر لا يهال عليه التراب بل تغلق بالطوب أيضاً وإذا كان الإنسان ينكر هذا العمل وغير راضٍ عن هذا العمل ولا يستطيع التغيير وبالتالي يدفن في هذه المقابر فما هو رأيكم حفظكم الله وهل على الإنسان إثم بعد ما ذكَّر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع إذا كان الأمر كما ذكر السائل أن القبور تبنى بالطوب وترفع نحو متر أن هذه ليست قبوراً ولكنها حُجَر مبنية ربما تكون على قدر الميت الواحد وربما تكون على قدر ميتين فأكثر وليس هذا هو المشروع في القبور المشروع في القبر أن يحفر في الأرض حفرة على قدر الميت ويدفن فيها الميت هكذا هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ولذلك يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يعودوا إلى الدفن الصحيح الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا مات الإنسان ولم يكن له بدٌ من هذه المقابر التي هي في الحقيقة حجرٌ لا قبور فليس عليه إثم لأن ذلك ليس باختياره نعم لو كان هناك أرض فلاة يمكنه أن يقول ادفنوني فيها وهي ليست مملوكة لأحد فربما يكون هذا جيداً وأحسن مما وصفه هذا السائل.
***(9/2)
في بلدنا ندفن موتانا في بناء من الطوب الأحمر المحروق أولاً في النار وهو عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل مبنية بالطوب الأحمر ومن جهة ومقضية من أعلى ومنهم من يرفع البناء على الأرض مخالفا الشريعة ومنهم من لا يرفعه من الأماكن من جهة وارتفاع المياه في باطن الأرض لجأ إلى هذه الطريقة السابقة وكنا ممن يفعل ذلك الآن فهل يجوز الدفن في هذه التي تسمى الفساقي بحيث لا نرفعها عن الأرض إلا شبراً حسبما تأمر به الشريعة الإسلامية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنة في القبور أن يحفر للميت في الأرض ثم يلحد له بأن يحفر حفرة في جانب القبر مما يلي القبلة ثم يوضع فيهه الميت والطوب الذي ذكرت يكون محرقاً بالنار وقد ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يجعل في القبر شيء مما مسته النار وعلى هذا فأنتم احرصوا على أن تجدوا مقبرة لا يلحقها الماء حتى تقبروا موتاكم على وجه مشروع الذي ينبغي فإن لم تتمكنوا إلا من هذه الأرض فإنه بإمكانكم أن تجعلوا شيئاً من الأحجار يحول بين الميت وبين الماء ثم بعد ذلك تضعون عليه أيضاً أحجاراً وتدفنونه ويكون هذا أقرب شيء إلى المشروع.
***(9/2)
رسالة من الأخ المستمع أبو العرابي حسين من المملكة المغربية يقول هل يجوز دفن أكثر من شخصٍ في قبرٍ واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع أن يدفن كل إنسانٍ في قبرٍ وحده كما جرت به السنة قديماً وحديثاً سنة المسلمين قديماً وحديثاً ولكن إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى جمع اثنين فأكثر في قبرٍ واحد فلا بأس به فإن النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد كان يدفن الرجلين والثلاثة في قبرٍ واحد وفي هذه الحال ينبغي أن يقدم إلى القبلة أكثرهم قرآناً لأنه الأفضل.
فضيلة الشيخ: يعني لا يكونون في وضعٍ على بعضهم بل توضع بينهم حواجز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكون بعضهم إلى جنب بعض وليس بعضهم فوق بعض.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول في بلدتنا عندما يموت الميت يتم دفنه بجوار أموات آخرين في قبر واحد يضمهم جميعاً فهل إذا دفن شخص صالح بجوار شخص فاجر مات على غير الصلاة فهل يتأذى الرجل الصالح بعذاب هذا الفاجر وإذا كان يتأذى فكيف نوفق بين ذلك وبين قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن السنة أن يدفن الميت في قبر وحده ولا يجمع الأموات في قبر واحد إلا عند الحاجة مثل أن يكثر الأموات ويصعب دفن كل واحد في قبر كما صنع في شهداء أحد رضي الله عنهم وكما يحصل في الحروب التي يهلك فيها طائفة كبيرة في آن واحد وما أشبه ذلك وعلى هذا فالعادة التي ذكرها السائل عندهم يجب أن يبحث فيها بين العلماء الموجودين في البلد حتى يتخذ فيها القرار الموافق للشرع وأما جمعهم في قبر واحد إذا دعت الحاجة إلى ذلك فإنه يقدم الأقرأ للقران والأتقى يقدم إلى القبلة ويكون الثاني وراءه وإذا قدر أن أحد منهم كان صالحاً والأخر كان بالعكس فإن ذلك لا يؤثر على الصالحين لأن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا ولهذا الناس يوم القيامة يعرقون أي يصيبهم العرق من الحر فمنهم من يبلغ إلى كعبيه ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ إلى حقويه ومنهم من يلجمه وهم في مكان واحد ومع ذلك يختلفون هذا الاختلاف بل أبلغ من هذا أن يوم القيامة خمسون ألف سنه وهو على المؤمنين يسير سهل حتى جاء أنه يكون بقدر فريضة أداها المؤمن ومنهم من يكون عليه عسير شاق كما قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) فأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا وأما قول السائل كيف يجمع بين هذا إذا كان يتأذى به وكيف نجمع بينه وقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فقد علم من جوابي أنه ليس هناك دليل على أنه يتأذى به لأن أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا لكن هناك إشكال في أمر لم يذكره السائل وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه يعني إذا مات الميت ودفن فإنه يعذب ببكاء أهله عليه وهذا هو الذي قد يشكل الجمع بينه وبين قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) حيث أن الميت يعذب بفعل غيره وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديث وبين الآية فمنهم من قال إن هذا في الكافر يعذب وأهله يبكون عليه بفراقه ومنهم من قال أن هذا فيمن أوصى به أي أوصى أهله أن ينوحوا عليه ويبكوا عليه فيعذب لأنه أوصى به ومنهم من قال هذا في حق من رضي به لكون أهله يفعلونه في موتاهم ولم يوص بالنهي عنه ومنهم من قال إن العذاب ليس عذاب عقوبة لكنه عذاب تألم وتأذي واستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن السفر قطعة من العذاب) والمسافر لا يعذب عذاب عقوبة لكنه يعذب عذاب ألم قلبي ويهتم لهذا الشيء أي للسفر وهذا القول هو أرجح الأقوال أي أن الميت يحس بهذا البكاء ويتألم ألماً قلبياً أن يكون أهله وأشفق الناس عليه يتأثرون هذا التأثر ويبكون والمراد بالبكاء الذي يعذب عليه الميت أو يعذب به الميت ما سوى البكاء الذي لا يأتي بمقتضى الطبيعة يعني البكاء المتعمد وأما البكاء الذي يأتي بمقتضى الطبيعة فإن هذا لا يعذب عليه لا الباكي ولا المبكى عليه لأنه بغير اختيار الإنسان وأما الاجتماع للعزاء وصنع الطعام واجتماع الناس من أطراف البلد بل ومن القرى المجاورة فهذا كله لا أصل له وليس من عمل السلف الصالح بل قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) ولهذا أوجه نصيحتي إلى إخواننا الذين اعتادوا مثل هذا أن يدعوا هذا الشيء وأن يغلقوا الأبواب ومن أراد أن يعزيهم وجدهم في السوق وجدهم في المسجد والنساء يمكن أن يرخص للنساء القريبات من الميت أن يحضرن إلى أهل الميت ويحصل العزاء لكن بدون اجتماع بدون طعام بدون نياحة بدون ذكر محاسن الميت لأن ذكر محاسن الميت ندب والندب منهي عنه وأحسن ما يفعل للميت بعد موته الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
يقولون حصل أن ماتت طفلة وعمرها ستة أشهر وقبرت مع طفل قد سقط وهو في الشهر السادس في بطن أمه فهل هذا يجوز أم لا وإن كان لا فما حكم الذين قبروهما في قبر واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع أن يدفن كل ميتٍ في قبرٍ وحده هذه هي السنة التي عمل المسلمون بها من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا ولكن إذا دعت الحاجة إلى قبر اثنين فأكثر في قبر واحد فلا حرج في هذا فإنه ثبت في الصحيحين وغيرهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الرجلين والثلاثة من شهداء أحد في قبر واحد) لدعاء الحاجة إلى ذلك وهذه الطفلة وهذا السقط اللذان جمعا في قبر واحد لا يجب الآن نبشهما لأنه قد فات الأوان ومن دفنهما في قبر واحد جاهلاً بذلك فإنه لا إثم عليه ولكن الذي ينبغي لكل من عمل عملاً من العبادات أو غيرها أن يعرف حدود الله تعالى في ذلك العمل قبل أن يتلبس به حتى لا يقع فيما هو محظور شرعاً.
***(9/2)
أحسن الله إليكم السائل سعد الجهني من المدينة النبوية يقول فضيلة الشيخ توفيت لي ابنة تبلغ من العمر ثلاثة أشهر وعندما أتيت إلى القبور وجدت جنازة امرأة فقال لي الحضور ادفن ابنتك هذه مع المرأة في قبر واحد فدفنتها هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي مضى لا يسأل عنه وأرجو الله تعالى أن يحشرهم مع أهل البر والصلاح والسنة أن يكون كل إنسان في قبر على حده إلا عند الضرورة كما لو كثر الموتى وقلَّ من يحفر القبور فلا بأس أن يجمع الاثنان أو أكثر في قبر واحد كما فعل في شهداء أحد رضي الله عنهم ويقدم إلى القبلة أكثرهم قرآناً.
***(9/2)
هذه الرسالة من محمد عبد الله الشهري من قرية ربوع السرو يقول في رسالته هل القبر إذا زاد عن الأربعين عام أو أكثر هل يجوز أن يدفن معه جنازة ثانية في نفس القبر أم لا بحيث أن عندنا مقابر ضيقة والسلام عليكم ورحمة الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المدة التي يبلى لها الميت في قبره ليس لها حد لا أربعون سنة ولا مائة سنة ولا أكثر ولا أقل لأن ذلك يختلف باختلاف الأراضي فمن الأراضي ما يكون حاراً يأكل اللحم والعظم بسرعة ومنها ما يكون بارداً يكثر فيه اللحم والعظم باقياً ثم إن من الناس من يُكرم فلا تأكله الأرض وذلك ثابتٌ في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث قال صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أما غير الأنبياء فليس بمؤكد لا بالنسبة للشهداء ولا لغيرهم لكن قد يُكرم الإنسان فيبقى جسمه لا تأكله الأرض وعلى كل حال إذا كنتم مضطرين إلى الدفن في المقبرة القديمة لعدم وجود أمكنة فإنه من الممكن اختبار هذا بأن يحفر القبر فإذا وجد فيه جثة دفن ويحفر مكاناً آخر حتى يكون الميت التالي وحده ليس معه أحد.
***(9/2)
المستمع للبرنامج ثابت من اليمن يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ يوجد عندنا البعض من الناس عندما يموت الشخص منهم وعند قبره يصب على قبره الأسمنت ويكتب التاريخ والاسم وتاريخ العمر فوق القبر فهل هذا العمل يجوز أم لا أفتونا أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى مقدمة وهي أن المقبرة دور الأموات ليست دوراً للأحياء حتى تزين وتشيد ويصب عليها الإسمنت ويكتب عليها الكلمات الرثائية والتأبينية وإنما هي دار أموات يجب أن تبقى على ما هي عليه حتى يتعظ بها من يمر بها، وقد ثبت في الصحيح من حديث بريدة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) وإذا فتحنا الباب للناس ليقوموا بتزيين القبور وتشيدها والكتابة عليها صارت المقابر محلاً للمباهاة ولم تكن موضع اعتبارٍ للأحياء، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يجلس عليه فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأمور التي يكون فيها المغالاة في القبور من البناء والكتابة ونحوها وعن الأمور التي فيها الإهانة للقبور وأصحابها فنهى عن الجلوس على القبر، وليعلم أيضاً أن أهل المقابر مرهونون بأعمالهم يتمنى الواحد منهم أن يكون في ميزان حسناته أو في كتاب حسناته حسنة واحدة كما جاء في الحديث (ما من ميت يموت إلا ندم إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب) وأهل القبور لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا يملكون لغيرهم كذلك نفعاً ولا ضرا من باب أولى حتى ولو كانوا من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين فإنهم لا يملكون لأحد نفعاً ولا ضرا بل هم محتاجون إلى غيرهم يدعو لهم ويسأل الله لهم المغفرة والنجاة من النار، وبناء على هذه المقدمة يتبين للسائل حكم ما سأل عنه من صب الأسمنت على القبر وكتابة الاسم عليه وتاريخ الوفاة والولادة، وربما يكتب عليه ما جرى لهذا الميت من أعمال في حياته أوغير ذلك، وهذا كله داخل فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إما باللفظ وإما بالمعنى ولهذا أنا من هذا المنبر أوجه النصيحة لإخواني المسلمين في كل مكان لكل من يسمع أو ينقل إليه كلامي أن يتقي الله عز وجل في أصحاب القبور وأن تبقى قبور المسلمين على ما كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه المرضيين، وأما التباهي بها وصب الأسمنت عليها أو نصب الحصى الطويلة على القبر حتى يكون مشرفاً بيناً من بين سائر القبور فإن هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وما من شك في أنه لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وهو التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا السائل من ليبيا من طرابلس يقول ما حكم بناء القبور والكتابة عليها وقراءة القرآن على الميت وخصوصاً سورة يس مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البناء على القبور محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبنى على القبور وأشد من ذلك أن يبنى عليها مسجد فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فلا يجوز أن تبنى القبور على المساجد وإذا بني قبرٌ على مسجدٍ وجب هدمه ولم تصح الصلاة فيه أما لو سبق المسجد القبر ودفن في المسجد قبرٌ بعد بناء المسجد فإن هذا حرام أي حرامٌ أن يدفن في المسجد ميت فيجب نبشه ويدفن مع الناس وأما الكتابة على القبر فإن كانت كتابةً شركية مثل أن يكتب عليه هذا ولي الله فادعه أيها المضطر وما أشبه ذلك فهذه لا شك في تحريمها وإن كانت كتابة عادية ننظر فإن كانت كتابة فيها الافتخار والفخار والمفاخرة بهذا الميت فهي حرام (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الكتابة على القبر) وإن كانت لمجرد التعريف على صاحب القبر مثل أن يكتب هذا فلان بن فلان فأرجو أن لا يكون بهذا بأس ويكون النهي عن الكتابة محمولاً على الكتابة المحرمة.
***(9/2)
ماحكم وضع علامة بسيطة على القبر ليتسنى للزائر أن يستدل على القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وضع علامة على القبر ليتسنى لقاصد زيارته أن يستدل بها عليه لا بأس بها لكن بشرط أن لا تكون هذه العلامة ظاهرة يشتهر بها القبر ويشرف على القبور التي حوله، بل تكون علامة يعرفها الإنسان بدون أن تشهِّر هذا القبر.
***(9/2)
يقول السائل بعد دفن الميت يوضع على القبر إذا كان رجلاً علامتان من حجر يسمى شاهد وإذا كانت امرأة توضع ثلاثة أحجارٍ متتالية فما صحة وضع هذه الأحجار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وضع الأحجار على القبر يراد به العلامة فقط والواحدة تكفي ولا فرق بين الذكر والأنثى لكن اعتاد الناس أن يجعلوا حجرين أحدهما عند رأس الميت والثاني عند رجليه ليتبين أن القبر من هنا إلى هنا حتى لا يأتي أحدٌ فيحفر على القبر الذي كان موجوداً خصوصاً مع طول المدة لأنه مع طول المدة يندفن القبر ولا يبقى إلا النصائب فلذلك كان الناس ومن عهدٍ قديم يجعلون نصيبتين إحداهما عند رأس القبر والثانية عند رجل القبر وهذا لا بأس به ولكنه لا يفرق بين الذكر والأنثى بأن يجعل على الأنثى ثلاث نصائب يدعون أن واحدة عند وسطها واثنتان عند رأسها ورجليها هذا لا أصل له وليس معروفاً عندنا في بلادنا كما أنه لا ترفع النصائب رفعاً يكون به القبر بيناً كما يفعل بعض الناس فإني أخشى أن يكون هذا من الإشراف وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن لا تدع صورةً إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) مشرفاً أي عالياً على غيره بل تجعل النصائب في المقبرة على حدٍ سواء كذلك لا يكتب على النصيبة وهي الحجر الذي يوضع شيء من القرآن أو شيء من السنة أو شيء من الذكر بل تجعل علامة فقط.
***(9/2)
نرى كثيراً من مقابر المسلمين الآن يوضع عليها أعمدة طويلة مثلاً خشب أو أغطية حقائب كبيرة أو علب ملونة لكي يستدلوا بها للزيارة فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً قد يدخل في القبر المشرف البين الظاهر وهذا أيضاً مما لا ينبغي , الذي ينبغي للإنسان أن يقتصر على أقل ما تحصل به العلامة فقط.
***(9/2)
هذه رسالة وردتنا من الدمام من محسن بن محسن أحمد يقول في رسالته يوجد عندنا إذا مات الميت وحفر قبره وأدخلوه اللحد يؤذن الشخص في القبر هل يجوز الأذان أمام الميت وما العمل في ذلك أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أصل للأذان عند إدخال الميت إلى قبره بل إنما يدخل الميت على قبره ويوضع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ثم يلحد بعد ذلك فإذا سوي التراب عليه وانتهى من الدفن فإنه يوقف عليه ويسأل له التثبيت ويستغفر له كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) .
***(9/2)
السائل من اليمن يقول فضيلة الشيخ وجدت في إحدى القرى أناس يضعون قطعة جريد بجانب الميت بدعوى أنها تلين من جسد الميت وفوق القبر يوضع قارورة مملوءة بالماء والحبوب فما حكم عملهم هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الله أعلم أنه يريد أن يجعلونها في القبر هذا الذي يظهر وعلى كلٍ نقول وضع الجريدة مع الميت في القبر أو في الكفن أو على القبر بعد الدفن كل ذلك من البدع التي ينهى عنها وهي لا تنفع الميت ومن زعم من الناس أن وضع الجريدة على القبر بعد الدفن له أصلٌ في السنة وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين في المدينة فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير - أي في أمرٍ شاقٍ عليهما - أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فقال يا رسول الله لم صنعت هذا قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) قالوا فهذا النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه يخفف العذاب عن هذين الرجلين ما لم ييبسا فلنضع جريدة رطبة على الميت يخفف عنه العذاب فنقول هذا بدعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يضعها على كل قبر وإنما وضعها على قبرين كشف له أنهما يعذبان ووضع الجريد على الميت أو على القبر يعني أن صاحب القبر يعذب وهذا سوء ظنٍ بالميت ورجمٌ بالغيب فنحن لا نعلم هل يعذب أو لا لذلك ينهى عن هذا من وجهين أولاً أنه بدعة والثاني أنه إساءة ظن بالميت بل والثالث أنه رجم بالغيب أما الأمر الثاني العجيب الذي ذكره السائل وهو أنهم يضعون جرة ماءٍ وحولها حبوب فلعلهم يريدون أن يفطر بها الميت كل صباح يمكن يريدون هذا وهذا غلط غلطٌ عظيم هذا عبث ولا فائدة منه إطلاقاً ولا علمنا أحداً قاله والواجب على هذا الأخ الذي رأى أهل هذه القضية أن يكون نصحهم وبين لهم أن هذا بدعة وعبث وسفه ولعله فعل ذلك لكن لم يذكره في السؤال فإن كان قد حصل فهذا المطلوب وعليه أن يتابع ويخرج إليهم وينظر هل كفوا عن هذا أم لا وإن لم يكن فعل أي لم ينصحهم فلينصحهم فلعل الله أن يهديهم على يديه فيكون له في ذلك خير.
***(9/2)
هل وضع الماء على القبور ينفع الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينفع الميت ومن فعل ذلك معتقدا هذا فعقيدته هذه غير صحيحة إنما يرش القبر عند الدفن لئلا تتفرق أجزاء التراب بالريح أو غيرها هذا هو المقصود من رش القبر عند الدفن وأما أن الميت ينتفع به فالميت لا ينتفع به والماء أيضا لا يصل إليه وجسمه ليس بحاجة إلى الماء.
***(9/2)
قراءة القرآن على الأموات(9/2)
المستمع فكري لبيب مصري يعمل في المملكة يقول لي هذا السؤال يا فضيلة الشيخ هل قراءة القرآن على القبور تفيد الميت وهل يسمع الأحياء أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن على القبور ليست من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه رضي الله عنهم وعلى هذا فتكون بدعة وأفضل مكان يقرأ فيه القرآن هو بيوت الله المساجد كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) وأما القراءة عند القبور فليست من السنة بل هي من البدعة وأما كونها تنفع الميت فإنها لا تنفع الميت لأن البدعة لا تنفع صاحبها ولا غيره ولكن العلماء اختلفوا فيما لو قرأ القارئ قرآناً على غير وجه البدعة ونوى أن يكون ثوابه لشخص معين هل يصل إليه هذا الثواب أو لا يصل؟ فقال بعض أهل العلم إن الأصل في العبادات التوقيف وأنه لا يصل إلى الميت إلا ما دلت السنة على وصوله كالصدقة مثلاً وقضاء الصوم الواجب وقضاء الحج الواجب وما عدا ذلك مما لم ترد به السنة فإنه لا ينفع الميت ولا يصل إليه واستدلوا بقول الله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) قالوا هذه الآية عامة بأن الإنسان ليس له إلا ما سعى إلا ما جاءت به السنة فيكون ما جاءت به السنة مخصصاً لهذا العموم ونقتصر عليه ولا شك أن هذا القول كما سمعت قول قوي لقوة تعليله ووضوح دليله وقال بعض أهل العلم إن الإنسان إذا عمل طاعة ونوى أن يكون ثوابها لشخص من المسلمين فإن ذلك ينفعه سواء كانت هذه العبادة مما جاءت به السنة أي مما جاءت السنة بجواز جعل ثوابها لشخص معين أم لا وقالوا إن ما جاءت به السنة قضايا أعيان لا عموم لها ولا تمنع من أن يقاس عليها مثلها فإذا كانت السنة جاءت بجواز إهداء ثواب الأعمال لشخص معين في أشياء معينة فغيرها مثلها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله كلمة عامة في هذا فقالوا أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت أو حي من المسلمين نفعه ذلك ومع هذا فإني أقول إن خيراً من هذا كله أن يدعو الإنسان للميت فإن دعاءه للميت أفضل من الصدقة له وأفضل من الصيام له وأفضل من العمرة له وأفضل من الطواف له وأفضل من أي عمل صالح يجعله للميت ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهنا قال النبي عليه الصلاة والسلام (أو ولد صالح يدعو له) لم يقل أو ولد صالح يصوم له أو يصلى له أو يقرأ له أو يتصدق له بل قال ولد صالح يدعو له فعدل عن ذكر الأعمال إلى الدعاء مع أن سياق الحديث في ذكر الأعمال فعدوله عن ذكر الأعمال مع أنه مقتضى السياق يدل على أن الدعاء أفضل من جعل ثواب الأعمال للميت وعلى هذا فإني أنصح إخواني أن يجعلوا الأعمال الصالحة لأنفسهم لأنهم هم محتاجون إلى هذه الأعمال وأن يتفضلوا على إخوانهم الأموات بالدعاء فإن هذا هو الأفضل والأجدى والأنفع وأما قول السائل وهل يسمع الميت يعني قراءة الحي أو دعاءه له أو ما أشبه ذلك فهذه مسألة اختلف العلماء فيها فمنهم من قال إن الميت في قبره لا يسمع شيئاً مما يقال عنده حتى السلام عليه لا يسمعه ولا يرده وضعفوا الحديث الذي فيه (أن الرجل إذا وقف على قبر الرجل فسلم عليه وهو يعرفه في الدنيا فإن الله يرد عليه روحه فيرد عليه السلام) مع أن ابن عبد البر صحح هذا الحديث حكاه عنه ابن القيم في كتاب الروح وأقره أقول من العلماء من قال إن الميت لا يسمع شيئاً إلا ما دلت السنة عليه مثل وقوف النبي عليه الصلاة والسلام على القتلى المشركين الذين قتلوا في بدر وألقوا في قليب هناك وقف عليهم فجعل يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم (يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقا) قالوا يا رسول الله كيف تكلِّمُ قوماً قد جيفوا فقال (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) فأخبر أنهم يسمعون قال (ولكنهم لا يجيبون) وكذلك ما ورد في الحديث الصحيح (أن الميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان يسألانه عن ربه ونبيه ودينه) فقال (حتى إنه ليسمع قرع نعالهم) قالوا فما جاءت به السنة فإنه يجب القول بمقتضاه وأما ما لم تأت به السنة فالأصل أن الموتى لا يسمعون ولكن في الاستدلال بهذا نظر لأن قوله (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) يعني بذلك موتى القلوب الذين قلوبهم في أكنة مما يدعوهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يخرج إلى المقابر يدعو أهل المقابر لدينه وإنما كان يدعو قوماً مشركين لكنهم والعياذ بالله موتى القلوب لا يسمعون هذا هو معنى الآية وعلى هذا فنقول إن ما ورد به السنة من سماع الموتى يجب علينا الإيمان به وما لم تأت به السنة فموقفنا فيه الوقوف ونقول الله أعلم ولكن الدعاء للميت هو الذي شرعه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (أو ولد صالح يدعو له) وكذلك قول المؤمنين الذين جاؤوا من بعد الصحابة يقولون (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فهذا هو المشروع في حق الأموات أن ندعو الله لهم بالمغفرة والرحمة وما ينفعهم من الدعاء.
***(9/2)
من جمهورية مصر العربية السائل محمد إبراهيم محمود يقول السادة أصحاب الفضيلة العلماء بعد التحية الرجاء الإفادة عما يلي هل القرآن يفيد الميت أم لا؟ فبعض الناس أصروا على أن القرآن لم يفد الميت، الرجاء إفادتنا وشكراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر يقع على وجهين أحدهما أن يأتي إلى قبر الميت ويقرأ عنده وهذا لا يستفيد منه الميت، لأن الاستماع الذي يفيد مستمعه إنما هو في حال الحياة حيث يكتب للمستمع ما يكتب للقارئ، وهنا الميت ميت، انقطع عمله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) والوجه الثاني أن يقرأ الإنسان القرآن تقرباً لله سبحانه وتعالى ويجعل ثوابه لأخيه المسلم أو قريبه فهذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يرى أن الأعمال البدنية المحضة لا ينتفع بها الميت ولو أهديت له لأن الأصل أن العبادات مما يتعلق بشخص العابد لأنها عبارة عن تذلل وقيام بما كلف به وهذا لا يكون إلا للفاعل فقط، إلا ما ورد النص من انتفاع الميت به فإنه حسب ما جاء في النص يكون مخصصاً لهذا الأصل، ومن العلماء من يرى أن ما جاءت به النصوص من وصول الثواب إلى الأموات في بعض المسائل يدل على أنه يصل إلى الميت من ثواب الأعمال الأخرى ما يهديه إلى الميت، وبناء على هذا الخلاف بين أهل العلم نقول له إن قراءتك القرآن تقرباً إلى الله ثم جعلك الثواب للميت المسلم ينبني على هذا الخلاف إن قلنا بأنه ينتفع به ويصل إلى ثوابه فهو واصله وإلا فلا، لكن يبقى النظر هل هذا من الأمور المشروعة أم من الأمور الجائزة، يعني هل نقول إن الإنسان يطلب منه أن يتقرب إلى الله تعالى بتلاوة القرآن ثم يجعلها لقريبه أو أخيه المسلم، أو أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها؟ الذى نرى أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها، وإنما يندب إلى الدعاء للمسلمين والاستغفار لهم وما أشبه ذلك مما نسأل الله تعالى أن ينفعهم به، وأما أن تفعل العبادات وتهديها فهذا غاية ما فيه أن يكون جائزاً فقط، وليس من الأمور المندوبة.
***(9/2)
ما حكم قراءة القرآن على الأموات في المقابر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن على الأموات في المقابر بدعة والإنسان إلى الإثم فيها أقرب منه إلى السلامة والمشروع لمن زار القبور أن يقول ما قاله إمامنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو دعاءٌ مشهور (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) هذا هو المشروع أما قراءة القرآن فلا تشرع في المقبرة لذاتها نعم لو كان الإنسان حافظاً للقرآن عن ظهر قلب وكان في المقبرة ينتظر قبر أحد فله أن يقرأ القرآن لكن يقرأه سراً لا جهراً ولا يعتقد أن لقراءة القرآن في المقبرة مزيةً على قراءته في غيرها.
***(9/2)
من جمهورية مصر العربية بعث أحمد محمود علي خليل يقول نحن عندنا في مصر بعد ما يموت الميت ونقبره فإذا تم أربعين يوماً فإننا نحضر أحد المشايخ ونعطيه أجرة على أن يقف عند قبر صاحبنا الميت ويقرأ عليه من القرآن أرجو من فضيلتكم إفادتي هل جائز أو حرام؟ وإذا كان جائزاً فهل يستفيد منه الميت أو لا يستفيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الأمور المشروعة بل هو من الأمور المبتدعة، وكل بدعة ضلالة، وخير مكان يقرأ فيه القرآن بيوت الله عز وجل وهي المساجد وكذلك البيوت يقرأ فيها القرآن، أما المقابر فليست محلاً لقراءة القرآن وإنما هي محل للسلام على الموتى والدعاء لهم، لا الدعاء عندهم ولا دعاؤهم، فهم لا يُدْعَوْن ولا يدعى عند قبورهم، وإنما يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، لأنهم مفتقرون لذلك، وأما القراءة للميت سواء عند قبره أو في مكان آخر بالأجرة فإنها حرام، لا تجوز، وهي أيضاً لا ثواب فيها، لقول الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فقراءة القرآن من أفضل العبادات فإذا صرفت للدنيا وابتغي بها الدنيا، صارت باطلة حابطة، لا تنفع القارئ بل تضره، ولا تنفع المقروء له لأنه لا ثواب له، والمقروء له إنما ينتفع بالثواب، وهنا لا ثواب لأن القارئ أراد بعمله الدنيا، وعلى هذا فاستئجار الإنسان للقراءة للأموات أو غير الأموات محرم، ولا ينتفع به المقروء له، لأنه لا أجر فيه، وفيه أيضاً إتلاف للمال، وصرف للمال في غير وجهه لاسيما إذا أخذ من تركة الميت وفيهم أي في الورثة من هم صغار أو سفهاء فإن ذلك تعد عليهم، على كل حال الخلاصة أن هذا العمل لا يجوز، وأن الميت لا ينتفع به.
***(9/2)
هذه رسالة من عبد الصمد عبد الرحيم يقول فيها هل يجوز إقامة الفاتحة على الميت الذي يموت على ترك الصلاة وشرب الخمر، أو على كل ميت، والحزن على الميت مدة طويلة مع لبس الثوب الأسود فبما توجهون الناس أثابكم الله وغفر لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات الإنسان وهو لا يصلى فإنه لا يجوز أن يدعى له بالرحمة ولا أن يُهْدَى إليه ثواب شيء من الأعمال الصالحة، بل ولا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين والواجب على أهله إذا مات وهو لا يصلى الواجب عليهم أن يخرجوا به في الصحراء بعيداً عن المنازل ويحفروا لها حفرة ويدفنوه فيها، ولا يحل لأحد علم من ميته أنه لا يصلى لا يحل له أن يغسله أو يكفنه ثم يقدمه إلى المسلمين يصلون عليه، لأن الله يقول (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) وهذه مصيبة عمت في عصرنا هذا فإن بعض الناس لا يصلى، يشهد عليه أنه لا يصلى ويعرف ذلك أهله ثم يموت ثم يقدمونه إلى المسلمين ليصلوا عليه، وهذا لا شك أنه حرام عليهم، وأنه خيانة خدعوا بها المسلمين، فكما أنه لا يجوز أن نأتي بيهودي أو نصراني لنصلى عليه فكذلك لا يجوز أن يأتي بمرتد لأن نصلى عليه، بل حال المرتد أسوأ من حال اليهودي والنصراني، ولهذا المرتد لا يقر على دينه بل يؤمر بالإسلام أي بالعودة إليه وإلا قتل، والمرتد لا تحل ذبيحته، واليهودي والنصراني يقر على دينه وتحل ذبيحته، ومعنى يقر على دينه ليس معناه أنه يقر على أنه دين صحيح، فإن اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان كلها نسخت بهذا الدين الإسلامي وأصبحت ليس ديناً يدان الله به، بل قال الله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) لكن يقر على دينه بمعنى أننا لا نلزمه بالإسلام إذا كان خاضعاًً لأحكام الإسلام وباذلاً للجزية.
***(9/2)
المستمع خلف العمر من سوريا من الحسكة من ثانوية رميلان سؤاله يقول هو أن الرجل إذا توفي وضعوا عند قبره قراءٌ للقرآن بالأجرة إلى يوم الجمعة هل يستفيد الميت من هذه القراءة على قبره وهل هذه القراءة جائزة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل من الأمور المنكرة التي لم تكن معروفةً في عهد السلف الصالح وهو الاجتماع عند القبر والقراءة وأما كون الميت ينتفع بها فإننا نقول إن كان المقصود انتفاعه بالاستماع فهذا منتفٍ لأنه قد مات وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) فهو وإن كان يسمع إذا قلنا بأنه يسمع في هذه الحال فإنه لا ينتفع لأنه لو انتفع لزم منه أن لا ينقطع عمله والحديث صريح في حصر انتفاع الميت بعمله بالثلاث التي سقنا الحديث بها وأما إذا كان المقصود انتفاع الميت بالثواب الحاصل للقاريء بمعنى أن القارئ ينوي بثوابه أن يكون لهذا الميت فإذا تقرر أن هذا من البدع فالبدع لا أجر فيها بل (كل بدعةٍ ضلالة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن تنقلب الضلالة هداية ثم إن هذه القراءة وحسب فحوى السؤال تكون بأجرة والأجرة على الأعمال المقربة إلى الله باطلة والمستأجر للعمل الصالح إذا نوى بعمله الصالح هذا الصالح من حيث الجنس وإن كان من حيث النوع ليس بصالح كما سأبين إن شاء الله إذا نوى بالعمل الصالح أجراً في الدنيا فإن عمله هذا لا ينفعه ولا يقربه إلى الله ولا يثاب عليه لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فهذا القارئ الذي نوى بقراءته أن يحصل على أجرٍ دنيوي نقول له هذه القراءة غير مقبولة بل هي حابطة ليس فيها أجرٌ ولا ثواب وحينئذٍ لا ينتفع الميت بما أهدي إليه من ثوابها لأنه لا ثواب فيها إذن فالعملية إضاعة مال وإتلاف وقت وخروجٌ عن سبيل السلف الصالح رضي الله عنهم لا سيما إن كان هذا المال المبذول من تركة الميت وفيها قصر وصغار وسفهاء فيؤخذ من أموالهم ما ليس بحق فيزداد الإثم إثماً والله المستعان.(9/2)
فضيلة الشيخ: يسأل خلف العمر هل صحيح أنهم إذا ظلوا يقرؤون على قبره إلى يوم الجمعة فإن الجمعة تعطيه للأخرى إلى يوم القيامة ولم يعد يحاسب في القبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح لأن أصل هذا العمل كما أسلفنا ليس من السنة بل إنه من البدع والبدعة لا تفيد شيئا لا تقرباً إلا الله ولا نتائج في الثواب والرزق.
***(9/2)
المستمع يسأل عن قراءة القرآن على القبر بعد دفن الميت وعن قراءة القرآن للميت في البيوت ونسميها رحمية للأموات ونعطي القراء مالاً ما حكم الشرع في عملنا هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح من أقوال أهل العلم أن القراءة على قبر الميت بعد دفنه بدعة لأنها لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن هو نفسه يفعلها بل غاية ما ورد في ذلك أنه دفن الميت ووقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولو كانت القراءة عند القبر خيراً وشرعاً لأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أو فعلها حتى تعلم الأمة ذلك وكذلك إذا اجتمع الناس في البيوت على القراءة على روح الميت فإن هذا أيضاً لا أصل له وما كان السلف الصالح رضي الله عنهم يفعلون هذا والواجب على الإنسان إذا أصيب بمصيبة أن يصبر ويحتسب عند الله ويقول ما قاله الصابرون (إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) وأما الاجتماع عند أهل الميت وقراءة القرآن وصنع الطعام وما أشبه ذلك فكله من البدع التي لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فالواجب الحذر منها والبعد عنها.
***(9/2)
المستمع محمد طه من سوريا - دير الزور- يقول هل تجوز قراءة القرآن على الميت وعندما يدفن الميت يقرأ عليه سورة ياسين والفاتحة مرتين ما حكم الشرع في نظركم في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال يحتاج إلى مقدمة نافعة وهي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلنه في خطبة يوم الجمعة فيقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وهذه القاعدة العظيمة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر من مخالفتها هي القاعدة التي يجب أن يسير الإنسان عليها في دينه في عقيدته في قوله في فعله في تركه (خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وإذا طبقنا هذا العمل الذي أشار إليه هذا السائل وهو أن يُقرأ على الميت بعد دفنه سورة ياسين وسورة الفاتحة أو قبل دفنه سورة ياسين وسورة الفاتحة إذا طبقناه على القاعدة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنها لأمته وجدنا أن هذا العمل بدعة وكل بدعة ضلالة وأقصى ماورد في ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اقرؤوا على موتاكم يس) والقراءة هنا ليست عليه بعد موته لأنه لا يستفيد منها شيئاً وإنما يستفيد منها إذا كان قد حضره الأجل فقُرِئت عنده وهو يسمع فإن ذلك قد يشرح صدره بعض الشيء بما ذكر الله فيها من حصول الإيمان وفضيلته للمؤمن ومآله حيث ذكر الله تعالى أنه قيل للرجل الداعي إلى الله الذي قال (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) وأما بعد خروج الروح فإنه لا يقرأ عليه شيء لا الفاتحة ولا ياسين وكذلك بعد الدفن لا يقرأ عليه شيء لا الفاتحة ولا ياسين وأقصى ما جاء في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ومعلوم أن الميت (إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) وهذا الحديث يوجب للمؤمن أن ينتهز فرص الحياة ويعمل قبل أن لا يستطيع العمل يأخذ من حياته لموته ومن صحته لسقمه ومن غناه لفقره ومن فراغه لشغله حتى يكون حازماً منتهزاً للفرصة فالميت إذا مات فإن أفضل ما نهديه إليه أن ندعو الله له بالمغفرة والرحمة وأن يفسح له في قبره وأن يوسع له فيه وينور له فيه وأن يدخله الجنة ويعيذه من النار وأن يتجاوز عن سيئاته إلى غير ذلك من الدعاء النافع الذي ينتفع به الميت أما الأعمال الصالحة ينبغي أن يكون الإنسان الحي منتهزاً لها يجعلها لنفسه لأنه هو أيضاً سيحتاج ونحن الآن في مهلةٍ من الزمن كرماء في الزمن لا يهمنا ما ضاع منه ولا ما بذلنا منه في أمور لا تنفعنا ولكن عند حضور الأجل وانقطاع الأمل نعرف قدر الوقت فيقول الإنسان عند موته (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) ويقول (رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) فنصيحتي لنفسي ولإخواني انتهاز الفرصة مادام الإنسان في زمن المهلة وأن يكثر من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله لنفسه هو وأما من مات من أقاربه أو إخوانه وأصحابه فليكثر لهم من الدعاء فإن الله تعالى إذا استجاب له دعوة يحصل بها النجاة من النار ودخول الجنة وهذا غاية ما يتمناه الإنسان.
فخلاصة الكلام أن الجواب على هذا السؤال أنه لا يسنُّ قراءة الفاتحة ولا يسن بعد الموت لا قبل الدفن ولا بعد الدفن.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا السائل أحمد سعد من الأردن يقول عندي بعض الأسئلة هناك بعض الأمور والعادات المنتشرة في مجتمعنا منها على سبيل المثال لا الحصر قراءة القرآن عند القبور وأيضاً قراءة الفاتحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه من البدع أعني قراءة القرآن عند القبور ودليل ذلك أنه لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين ومن المعلوم أن قراءة القرآن عبادة عظيمة للقاريء بكل حرف منها عشر حسنات فلا يخص القراءة بمكان إلا إذا كان ذلك ثابتاً بالكتاب والسنة أنه يسن تخصيص هذا المكان بالقرآن وكذلك أيضاً قراءة الفاتحة ليست مشروعة إلا فيما جعلها الله تعالى مشروعة فيه كالصلاة مثلاً أو القراءة على المرضى وأما أن تقرأ في كل شيء ويقال الفاتحة أو تبتدأ بها الحفلات أو ما أشبه ذلك فهذا من البدع والمشروع لزائر القبور أن يسلم على أهل القبور بما جاء فيه السنة (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) أما قراءة القرآن عندهم فإنهم لا ينتفعون بها وهي من البدع.
***(9/2)
هذا السائل علي السلفي من اليمن تعز يقول اسأل عن قراءة يس عند قبر الميت هل هي واردة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا لم يرد قراءة شيء من القرآن عند قبر الميت وإنما الذي ورد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وأما قراءة الفاتحة أو قراءة يس أو غيرهما من القرآن فهذا ليس بسنة إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(9/2)
ما حكم قراءة سورة يس جماعة عند الدفن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وهذا أيضاً من البدع قراءة يس عند الدفن من البدعة وكونها جماعة من البدع أيضاً فهي بدعة فوق بدعة وقد جاء في الحديث (اقرؤوا على موتاكم يس) وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم وقال لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن صححه قال المراد اقرؤوها على المحتضر الذي حضر أجله ويعرف احتضار المرء بمن يشاهده بعلامات واضحة فيقرأ سورة يس وقد قيل إن قراءة سورة يس عند المحتضر تسهل خروج الروح والله أعلم أما قراءتها عند القبر جماعة فهذا بدعة لا شك فيه.
***(9/2)
هل ورد في السنة قراءة سورة يس بصوت مرتفع في المقبرة بصورة جماعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد ذلك في السنة لا بصوت مرتفع ولا بصوت منخفض ولا بصوت مجتمع عليه ولا بصوت منفرد وإنما جاء في الحديث (اقرؤوا على موتاكم يس) وهذا الحديث ليس متفق على صحته ولا على حسنه بل فيه خلاف هل هو صحيح أو ضعيف والمراد به إن صح أن يقرأ على المحتضر سورة يس يعني إذا علمنا أن رجلا احتضر أو امرأة احتضرت فإنه يقرأ عليه يس بصوت يسمعه المحتضر لما في ذلك من ذكر مآل المؤمن وذكر الجنة والنار وذكر شيء من آيات الله عز وجل وهذا قد يكون سببا لحسن الخاتمة بالنسبة لهذا الميت الذي قرأنا عليه هذه السورة.
***(9/2)
سمعت حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما معناه أنه عند زيارة القبور يستحب قراءة سورة يس وقد سمعت من برنامجكم بأن قراءة القرآن عند القبور لا يجوز فأوضحوا لي ذلك مأجورين.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمر كما سمعت في البرنامج من أن القراءة على القبور ليست بمشروعة لأنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما المشروع إذا زار المقبرة أن يقول ما قاله النبي صلى الله عليه وآله سلم ومن ذلك (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) .
***(9/2)
المستمع علي محمود أحمد الجمهورية العراقية محافظة نينوى يقول هل يجوز قراءة القرآن على قبر الميت والدعاء له وما نوع الدعاء وهل يجوز أن يبكي عليه يقول أيضاً هل يجوز أن يصام عنه أن يصلى بدلاًَ عنه لأننا نقوم بختم القرآن عوضاً عنه ونهدي هذه الختمة إلى روحه وإذا كان المتوفى صديق أو قريب هل يجوز لشخص أن يحج عن نفسه وعن المتوفى في نفس الوقت أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب قراءة القرآن على القبور بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وإذا كانت لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فإنه لا ينبغي لنا نحن أن نبتدعها من عند أنفسنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) والواجب على المسلمين أن يقتدوا بمن سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يكونوا على الخير والهدى لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) وأما الدعاء للميت عند قبره فلا بأس به فيقف الإنسان عند القبر ويدعو له بما تيسر مثل أن يقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم قه عذاب النار اللهم ادخله الجنة اللهم افسح له في قبره وما أشبه ذلك وأما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فهذا إذا قصده الإنسان من البدع أيضاً لأنه لا يخصص مكان للدعاء إلا إذا ورد به النص وإذا لم يرد به النص ولم تأت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعني تخصيص مكان للدعاء أياً كان ذلك المكان إذا لم يرد به الشرع يكون تخصيصه بدعة وأما الصوم للميت والصلاة عنه وقراءة القرآن وما أشبه ذلك من العبادات فإن هناك أربعة أنواع من العبادات تصل إلى الميت بالإجماع وهي الدعاء والواجب الذي تدخله النيابة والصدقة والعتق وما عدا ذلك فإنه موضع خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من يقول إن الميت لا ينتفع بثواب الأعمال الصالحة إذا أهدي له في غير هذه الأمور الأربعة ولكن الصواب أن الميت ينتفع بكل عمل صالح جعل له إذا كان الميت مؤمناً ولكنا لا نرى أن إهداء القرب إلى الأموات من الأمور المشروعة التي تطلب من الإنسان بل نقول إذا أهدى الإنسان ثواب عمل من الأعمال أو نوى بعمل من الأعمال أن يكون ثوابه لميت مسلم فإنه ينفعه لكنه غير مطلوب منه أو مستحب له ذلك والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى هذا العمل بل ثبت عنه في الصحيح صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أو ولد صالح يعمل له أو يتعبد له بصوم أو صلاة أو غيرهما وهذا إشارة إلى أن الذي ينبغي والذي يشرع هو الدعاء لأمواتنا لا إهداء العبادات لهم والإنسان العامل في هذه الدنيا محتاج إلى العمل الصالح فليجعل العمل الصالح لنفسه وليكثر من الدعاء لأمواته فإن ذلك هو الخير وهو طريق السلف الصالح رضي الله عنهم.
***(9/2)
إهداء الثواب للأموات(9/2)
يقول هذا السائل من الرياض ما هو الشيء الذي ينفع الميت بعد موته ويكون جاريا له إلى يوم القيامة هل هي الكتب الشرعية أو الماء السبيل وما المقصود بالصدقة الجارية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول السائل إلى يوم القيامة فهذا لا يمكن لأحد أن يجزم به فالأعيان مهما كانت لا يمكن للإنسان أن يجزم ببقائها إلى يوم القيامة لكن الصدقة الجارية هي التي فعلها الميت قبل أن يموت والمراد الشيء الثابت في المساجد والمدارس والكتب ومساكن الفقراء وما أشبه ذلك هذه تبقى للميت وتنفعه بعد موته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) وأفضل هذه الثلاثة العلم، العلم الذي ينتفع به لأن الصدقة الجارية تفنى والولد الصالح يموت والعلم يبقى وإذا شيءت أن تعتبر فاعتبر بالعلماء الذين ماتوا قبل مئات السنين تجد أن كتبهم بين أيدي الناس اليوم ينتفعون بها فكأنهم يدرسونهم ولهذا أحث شبابنا على طلب العلم الشرعي الذي ينفعون به أنفسهم في حياتهم وبعد موتهم وينفعون به المسلمين بل وينفعون به الإسلام، والعلم الشرعي لا يعدله شيء العلم الشرعي أعني تعلم العلم الشرعي أفضل من الجهاد في سبيل الله لأن الأمة تحتاج إليه في جميع ميادين الحياة أي تحتاج إلى العلم والجهاد دفاعٌ عن الإسلام وينتفع به في جهة الجهاد فقط وربما يكون الانتفاع به عاماً لكنه ليس كالعلم قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته) قال لا يعدله شيء وهو إمام أهل السنة المحدث الفقيه يقول لا يعدله شيء إنني أحث الشباب على تعلم العلم الشرعي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الاستعانة على ذلك بكلام أهل العلم السابقين الذين أفنوا أعمارهم بالبحث والتنقيب في المسائل والدلائل.
***(9/2)
يقول السائل هل تجوز الصلاة عن المتوفى وكيف تكون النية وهل يجوز أن نحج عن المتوفى أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة عن المتوفى ليست بمشروعة حتى وإن علم أنه قد ترك الصلاة رجاء أن يشفى كما يفعله بعض الجهال من المرضى يكون شديد المرض وتصعب عليه الصلاة أو يكون في ثيابه النجاسة أو على فراشه نجاسة ولا يستطيع أن يتطهر منها فيؤخر الصلاة رجاء أن يشفى ثم يقضي الصلاة ولكنه يموت قبل ذلك وهذا الفعل منكر والواجب على المريض أن يصلى على حسب حاله حتى ولو لم يتيسر له أن يتطهر في بدنه أو ثوبه أو مكان صلاته فإنه يصلى ولو كان نجساً إذا لم يستطع أن يطهر ما أصابه من النجاسة ولا يحل له أن يؤخر الصلاة بل يصلى على حسب حاله لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإذا قدر أنه مات وعليه صلوات فإنه لا يشرع قضاؤها لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح ولكن ينبغي لأهله وقرابته أن يكثروا من الاستغفار وطلب التوبة من الله عز وجل لهذا الشخص وأما الحج والصوم فإنه يقضى عنه إذا فرط فيه يعني بحيث يكون قد قدر على أن يصوم ولكنه لم يصم حتى مات وهذا يقع كثيراً مثل أن يكون الإنسان مسافراً في رمضان فيفطر ثم ينتهي رمضان ويتمكن من القضاء ولكنه يموت قبل القضاء فهذا يقضى عنه لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فإن لم يصم عنه وليه فلا إثم عليه ولكن يكفر عن الميت عن كل يوم بإطعام مسكين وأما الحج فيقضى عنه أيضاً إذا كان قد فرط في أدائه مثل أن يكون مستطيعاً الحج ولكنه فرط فلم يحج فإنه يقضى عنه.
***(9/2)
المستمعة تقول عندما كنت في مكة المكرمة وصلني نبأ أن قريبة لنا قد توفيت فطفت لها سبعاً حول الكعبة وأهديتها لها فهل يجوز ذلك أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لك أن تطوفي سبعاً تجعلين ثوابه لمن شيءت من المسلمين هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن أي قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها لمسلم ميت أو حي فإن ذلك ينفعه سواء كانت هذه القربة عملاً بدنياً محضاً كالصلاة والطواف أم مالياً محضاً كالصدقة أم جامع بينهما كالأضحية ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه وأن يخص من شاء من المسلمين بالدعاء له لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا مات الإنسان انقطع علمه إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
تقول السائلة نحن نذهب ولله الحمد كل سنة إلى مكة المكرمة للعمرة في رمضان المبارك وفي كل مرة أنوي العمرة لأبي ومرة أخرى أنويها لأمي ولكنني في آخر مرة نويتها لهما معاً فعندما سألت عن أمر هذه العمرة قيل لي بأنها تحسب لك ليس لهما هل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح عند أهل العلم رحمهم الله يقولون إن النسك لا يمكن أن يقع عن اثنين النسك لا يقع إلا عن واحد إما للإنسان وإما لأبيه وإما لأمه ولا يمكن أن يلبي عن شخصين اثنين فإن فعل لم يصح لهما وصار النسك له ولكني أقول أنه ينبغي للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه من عمرة وحج وصدقة وصلاة وقراءة قرآن وغير ذلك لأن الإنسان محتاج إلى هذه الأعمال الصالحة سيأتيه يوم يتمنى أن يكون في صحيفته حسنة واحدة ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن يصرفوا الأعمال الصالحة إلى آبائهم وإلى أمهاتهم لا أحيائهم ولا إلى أمواتهم وإنما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء للأموات حيث قال صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فتأمل قوله (يدعوا له) لم يقل أو ولد صالح يقرأ له القرآن أو يصلى له ركعتين أو يعتمر عنه أو يحج عنه أو يصوم عنه بل قال (أو ولد صالح يدعو له) مع أن السياق في العمل الصالح فدل هذا على أن الأفضل للإنسان أن يدعوا لوالديه دون أن يعمل لهما عملاً صالحاً يجعله لهما ومع ذلك فإنه لا بأس أن يعمل عملاً صالحاً يجعله لوالديه أو أحدهما إلا أن الحج والعمرة لا يلبى بهما عن اثنين.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع بابكر محمد أحمد يقول أسأل فضيلة الشيخ عن الصدقة عن الميت هل تجوز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الصدقة عن الميت تجوز وقد أقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي صحيح البخاري (أن رجلاً قال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال نعم) ولكن أفضل من الصدقة للميت الدعاء له ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات بن آدم أو قال الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو لد صالح يتصدق له أو يصوم له أو يصلى له أو يقرأ له مع أن الحديث في الحديث عن العمل فدل هذا أنه ليس من المشروع أن يقوم الإنسان بعبادة يجعلها لأحد من أقاربه لكن لو فعل لم ينكر عليه إلا أن يدل على ما هو أفضل وهو الدعاء.
***(9/2)
تقول السائلة فضيلة الشيخ في حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) هل الدعاء والترحم والاستغفار يصل أجره إلى روح الميت إذا كان أخ أو قريب وما هو توجيهكم لمن يأخذ أجرة ومال مقابل القراءة بالقرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول فنعم الدعاء يصل إلى الميت والأفضل أن نعبر إلى الميت لا إلى روح الميت بل نقول إلى الميت كما قال عليه الصلاة والسلام (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) أي للميت وأما استئجار من يقرأ القرآن للميت فهذه أجرة باطلة وليس فيها ثواب للقاريء وإذا لم يكن فيها ثواب للقاريء فإنه لن يصل الميت منها شيء وما يفعله بعض الناس من استجلاب قاريء يقرأ بأجرة عند موت الإنسان فهذا باطل لا أصل له في الشريعة ثم هذه القراءة لا تنفع الميت لأنه ليس فيها ثواب وليس فيها إلا إضاعة المال إما على التركة وإما على حساب الآخرين.
***(9/2)
هل يجوز أن أهدي ثواباً إلى أجنبي لا أعرفه ولا يعرفني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تهدي ثواباً لشخص لا تعرفه إذا كنت تعلم أنه مسلم أما إذا كان كافراً فلا يجوز.
***(9/2)
هل يجوز للمرأة أن تتصدق عن رجل ميت من غير الأقارب سواء بالمال أو بالصلاة أو بالصيام أو قراءة القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ذلك جائز وأن أي مسلم يتبرع لشخص من المسلمين بصلاة أو صدقة أو صيام أو حج أو عمرة فإن ذلك جائز لكننا لا ننصح بهذا ونقول من أراد أن ينفع أخاه فليدع له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فقال يدعو له ولم يقل أو ولد صالح يتصدق عنه أو يصلى عنه أو ما أشبه ذلك.
***(9/2)
ما هي أحسن الصدقات للميت وكيف تصل له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أقول إن الأفضل أن يدعو الإنسان للميت دون أن يتصدق عنه أي لو جاءنا سائل يقول هل الأفضل أن أدعو لأبي بالمغفرة والرحمة أو أن أتصدق له بألف ريال قلنا الأفضل أن تدعو له بالمغفرة والرحمة ولكن إذا أراد الإنسان أن يتصدق عن الميت فلا يمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر سعد بن عبادة حينما تصدق عن أمه بمخرافه أي بستانه لكننا لا نأمر الإنسان بهذا أي لا نقول تصدق عن والديك ولا صلِّ لهما ركعتين ولا صم لهما يوماً ولا حج عنهما ولا اعتمر عنهما لا نأمره ولكن لو فعل لا ننهاه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا وهو أعلم بشريعة الله من غيره وأنصح الخلق للخلق أرشدنا إلى أن ندعو للميت لا أن نعمل له عملاً صالحاً.
فضيلة الشيخ: حفظكم الله لماذا ينصرف الناس عن الدعاء ويهتمون مثلاً بالصدقات والحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السبب أولاً الجهل لأنهم لا يعلمون بهذا الحديث الذي ذكرت ولا ينتبهون له ثانياً العاطفة يظنون أننا إذا تصدقنا عن الميت فكأنما هو نفسه تصدق مع أنه قد يكون في حال حياته بخيلاً لا يتصدق أبداً فمن أجل هذا صار الناس فيهم عاطفة على أمواتهم يعملون لهم.
***(9/2)
المستمع إبراهيم من دمياط مقيم بمكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ ما هو أفضل شيء أفعله لأخي المتوفى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أفضل شيء يفعله الأحياء للأموات الدعاء ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فبين الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الدعاء هو الذي ينفع الميت وبهذه المناسبة أود أن أنبه كثيراً من الناس الذين يعتنون في إهداء الأعمال الصالحة إلى الأموات ويعدلون عما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء فتجد الإنسان مثلاً في رمضان يختم القرآن عدة مرات فيجعل الختمة الأولى لأمه ثم لأبيه ثم لجدته ثم لخاله ثم لعمه إلى آخره ولكن لا يجعل لنفسه شيئاً وهذا من قلة الفقه فالمشروع أن تكون الأعمال الصالحة للإنسان نفسه وأن يدعو لمن شاء من الأموات من المسلمين ولا أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أحداً من أصحابه أن يتصدقوا أو يصلوا عن أمواتهم أويصوموا عن أمواتهم إلا في الأمور الواجبة كما في حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولكنه عليه الصلاة والسلام يجيز أن يتصدق الإنسان عن أبيه أو عن أمه وما أشبه ذلك.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا السائل عمر عبد الله من جدة يقول إهداء الموتى كالوالدين هل الأفضل أن يكون قراءة القرآن بالنية لهما أو الدعاء لهما أو التسبيح والإهداء لهما أو أن نعمل لهما عمرة وحجا أيهما أفضل لهما في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أفضل ما في هذه الأشياء المذكورة هو الدعاء لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يذكر العمل مع أن سياق الحديث في العمل فلما عدل عنه صلى الله عليه وسلم أي عن ذكر العمل للوالدين إلى ذكر الدعاء لهما علم أن الدعاء لهما أفضل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن إطلاقاً أن يختار لأمته إلا ما هو الأنفع لها في دينها ودنياها وحينئذ يتبين أن كون الإنسان كلما سبح كلما صلى كلما اعتمر كلما قرأ القرآن من غير الواجب عليه يذهب يهديه إلى الموتى من أقاربه فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم وخير طريقٍ طريقُ من سلف لذلك أنصح إخواني المسلمين أن يجعلوا الأعمال الصالحة لأنفسهم لأنهم سيحتاجون إليها كما يحتاج هؤلاء الأموات إلى العمل الصالح وليسترشدوا بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كونهم يدعون لأمواتهم.
***(9/2)
من المستمع محمد حمد الله باتي يقول فيها هل يجوز إهداء الصلاة بعد صلاة الفرض إلى الوالد أو الوالدة المتوفى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح عندنا أن ذلك جائز وانه يجوز للمرء أن يهدي ثواب الأعمال الصالحة غير الواجبة إلى من شاء من المسلمين ولكن مع ذلك هو أمر لا ينبغي وليس بسنة بمعنى أنه ليس مطلوباً من المرء أن يفعل فإن فعل فلا حرج عليه والدعاء للوالدين أفضل من إهداء القرب إليهما لأنه أي الدعاء أمر مشروع بالاتفاق ونافع باتفاق أهل العلم وأما إهداء القرب فإنه موضع خلاف بين العلماء ونشير وننصح إخواننا الذين يحبون أن ينفعوا والديهم أو غيرهم من المسلمين أن ينفعوهم بالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والرضوان لأن ذلك أجدى وأنفع بإجماع المسلمين.
***(9/2)
سؤال المستمع محمد العبد العزيز التويجري من بريدة يقول هل يجوز إذا مات الميت أن يتصدق له الإنسان إما ولده أو غيره بشيء مثل الصلاة النافلة يصلىها وينوي ثوابها للميت أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصدقة عن الميت فلا بأس بها يجوز أن يتصدق فإن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي قد افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) فيجوز للإنسان أن يتصدق عن أبيه إذا مات وعن أمه وعن إخوته وأقاربه وكذلك عن غيره من المسلمين وأما الصلاة عنه فهذه قد اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يرى أنه يجوز للإنسان أن يصلى للميت ويجعل ثوابها له وقاسوا ذلك على الصدقة ومنهم من قال إنه لا يجوز لأن الأصل في العبادة أن العبد هو الذي يُكلف بها لا يعملها لغيره ولقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) ولكن المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يصلى ويجعل ثوابها لميته إذا كان مسلم.
***(9/2)
هل يجوز لي أن أهدي ختمة القرآن لوالدي علماً بأنه يعرف القراءة والكتابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأب أو إلى غيره من الناس لا بأس به ولكن من الأفضل أن يدعو الإنسان لوالده دون أن يعمل له عبادة ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يقرأ له أو يصلى له أو يصوم له أو يحج له أو يضحي له وإنما قال (أو ولد صالح يدعو له) ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من الناس أن يتعبد لغيره تطوعاً نعم الشيء الواجب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه لقوله صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) أما الشيء المتبرع به فلا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به لكنه أجازه حين استفتي عن ذلك فقد سأله رجل فقال إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) واستفتاه سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يجعل مخرافه لأمه فأجاز له ذلك أي على سبيل الصدقة أما الأمر بهذا وجعله مشروعاً للأمة فلا أعلم في ذلك سنة وعلى هذا فأقول إنه ينبغي للإنسان أنه إذا أراد الأفضل أن يدعو لأمواته من آبائه وأمهاته وإخوانه وأبنائه وبناته وأن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه لأنه هو نفسه سيحتاج إليها في المستقبل فإن الإنسان إذا مات تمنى أن يكون في صحيفته حسنةٌ واحدة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (ما من ميتٍ يموت إلا ندم إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب) .
***(9/2)
المستمع فهد يقول في هذا السؤال امرأةٌ تسبح ملء مسبحة عدة مرات الحمد لله ولا إله إلا الله ثم تقرأ الفاتحة إلى روح والديها فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التسبيح ينبغي أن يعقد بالأصابع كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال (إنهن مستنطقات) وعده بالمسبحة لا ينبغي لأنه خلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولأن التسبيح بالمسبحة يؤدي إلى الغفلة فإن الإنسان يكون قد وضع في هذه المسبحة حباتٍ بقدر ما يريد أن يسبحه فتجده يعدد هذه الحبات وقلبه وبصره وسمعه مشتغلٌ بغيره ولأنها قد تؤدي إلى الرياء كما نشاهده من بعض الناس الذين يجعلونها على رقابهم قلائد من المسابح كأنهم يقولون للناس انظروا إلينا فإننا نسبح بعدد هذا الحصى أو بعدد هذا الخرز وأما قراءة الفاتحة وإهداءها لأرواح والديها فهذا وإن كان جائزاً لكن الأفضل تركه وأن تدعو لوالديها فإن هذا خيرٌ من أن تجعل القرآن أو غيره من الأعمال الصالحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يعمل له أو يصلى أو يقرأ أو يصوم أو ما أشبه ذلك فاجعل العبادات لنفسك وادع لوالديك وغيرهم ممن تحب من المسلمين دعاءً فإن هذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إن التعبد لله بتخصيص القراءة بالفاتحة لا أعلم له أصل صحيح أن الفاتحة أفضل سورةٍ في كتاب الله لكن هذا لا يقتضي أن نتعبد لله تعالى بتلاوتها وحدها وأما قراءة قل هو الله أحد فقد جاءت السنة بجواز تخصيصها فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام قال (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قالوا كيف ذلك يا رسول الله قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) .
***(9/2)
أثابكم الله هذه رسالة من السائلة رقية الحماد من القصيم الرس تقول لي والد متوفى وقد حج والحمد لله أكثر من مرة واعتمر ولكن إذا ذهبت إلى البيت العتيق وصلىت بالحرم سنة لأبي المتوفى فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يتصدق عن والده أو والدته أو أقاربه أو غير ذلك من المسلمين أو غير هؤلاء من المسلمين ولا فرق بين الصدقات والصلوات والصيام والحج وغيرها ولكن السؤال الذي ينبغي أن نقوله هل هذا من الأمور المشروعة أو من الأمور الجائزة غير المشروعة نقول إن هذا من الأمور الجائزة غير المشروعة وأن المشروع في حق الولد أن يدعو لوالده دعاءً إلا في الأمور المفروضة فإنه يؤدي عن والده ما افترض الله عليه ولم يؤده كما لو مات وعليه صيام فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولا فرق في ذلك بين أن يكون الصيام صيام فرض بأصل الشرع كصيام رمضان أو صيام فرض بإلزام الإنسان نفسه كما في صيام النذر فهنا نقول إن إهداء القرب أو ثوابها إلى الأقارب ليس من الأمور المشروعة بل هو من الأمور الجائزة والمشروع هو الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) فقال (أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يصلى له أو يصوم له أو يتصدق عنه فدل هذا على أن أفضل ما نحله الولد لأبيه أو أمه بعد الموت هو الدعاء أو ولد صالح يدعو له فإذا قال قائل إننا لا نستطيع أن نفهم أن يكون هذا الشيء جائزاً وليس بمشروع وكيف يمكن أن نقول إنه جائز وليس بمشروع نقول نعم إنه جائز وليس بمشروع جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيه (فإن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال نعم) وكذلك سعد بن عبادة رضي الله عنه حيث جعل لأمه نخله صدقة لها فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أمته بهذا أمراً يكون تشريعاً لهم بل أذن لمن استأذنه أن يفعل هذا ونظير ذلك أن الشيء يكون جائزاً وليس بمشروع قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية فكان يقرأ لأصحابه ويختم بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلما رجعوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (سلوه لأي شيء كان يصنعه) فقال إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أخبروه أن الله يحبه) فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمله هذا وهو أنه يختم قراءة الصلاة بقل هو الله أحد ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرعه إذ لم يكن عليه الصلاة والسلام يختم صلاته بقل هو الله أحد ولم يأمر أمته بذلك فتبين بهذا أن من الأفعال ما يكون جائزاً فعله ولكنه ليس بمشروع بمعنى أن الإنسان إذا فعله لا ينكر عليه ولكنه لا يطلب منه أن يفعله فإهداء القرب من صلاة وصدقة وصيام وحج للوالدين والأقارب هو من الأمور الجائزة ولكن الأفضل من ذلك هو أن يدعو لهم لأن هذا هو الذي أرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (أو ولد صالح يدعو له) .
فضيلة الشيخ: هل قراءة القرآن تدخل في هذا هناك من يقرأ القرآن ثم يهديه إلى شخص ميت قريب له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن تدخل في ذلك لأن القرآن فيه أجر عظيم في كل حرف عشر حسنات ولكن لا يدخل في ذلك ما يفعله بعض الناس يستأجر قارئاً يقرأ القرآن للميت فإن هذا من البدع وليس فيه أجر لا للقاريء ولا للميت ذلك لأن القارئ قرأ للدنيا فقط وكل عمل صالح يقصد به الدنيا فإنه لا يقرب إلى الله ولا يكون فيه ثواب عند الله وعلى هذا فيكون هذا العمل يعني استئجار شخص يقرأ القرآن على روح الميت يكون عملاً ضائعاً ليس فيه سوى إتلاف المال على الورثة فليحذر منه فإنه بدعة ومنكر.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائل أحمد طيفور سيد أحمد من السودان يقول هل يجوز أن أصلى تطوعاً وأهب ثوابها لأخي المتوفى فقد قرأت في جريدة دينية مصرية عن هذا السؤال أن الصلاة وإن كانت من الأعمال البدنية التي لا تقبل النيابة إلا أن بعض الأئمة يرى أن للإنسان أن يصلى تطوعاً ويهب ثوابها للمتوفى وقد روي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال (إن الميت ينتفع بجميع العبادات البدنية من صلاة وصيام وقراءة كما ينتفع بالعبادات المالية كالزكاة والصدقات ونحوها) فهل ما قرأته هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة الصحيح فيها ما قرأت من أن جميع العبادات بدنية كانت أم مالية كلها تصل إلى الميت وينتفع به وينتفع بثوابها بشرط أن يكون الميت مسلماً أما الكافر فلا ينتفع بشيء ولكن مع هذا نقول إن الأفضل الدعاء للميت وأن تجعل الأعمال الصالحة لك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) فقال عليه الصلاة والسلام أو ولد صالح يدعو له ولم يقل ولد صالح يصوم له أو يصلى له أو يحج له أو ما أشبه ذلك ولو كان شيء أفضل من الدعاء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت الأعمال أفضل من الدعاء لبينها لأنها حقيقة عمل واستثناؤها يكون استثناء متصلاً لقوله (إذا مات الإنسان انقطع عمله) فلو كانت الصلاة أفضل مثلاً لقال صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو عمل صالح من ابنه مثلاً فلما قال (أو ولد صالح يدعو له) علم أن الدعاء أفضل من إهداء القرب إلى الأموات ولكن مع هذا لو أهداها فإن الميت ينتفع بها ويكون للمهدي أجر الإحسان إلى هذا الميت بشرط أن يكون الميت مات على الإسلام.
***(9/2)
المستمع محمد عبد الله من الرياض يقول بأن له أخ تعرض لحادث توفي بعدها هل يجوز لنا أن نضحي له أو نحج عنه إلى بيت الله الحرام نرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه هذا هو القول الراجح سواء في الصدقة أو في الحج أو في الصوم أو في الصلاة أو في غير ذلك فيجوز للإنسان أن يتبرع بالعمل الصالح لشخص ميت من المسلمين ولكنَّ هذا ليس من الأمور المطلوبة الفاضلة بل الأفضل أن يدعو له بدلاً من أن يتصدق عنه أو أن يضحي عنه أو أن يحج عنه لأن الدعاء له هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت عنه أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلى من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فذكر الولد الصالح الذي يدعو له ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له أو يحج له أو ما أشبه ذلك من الأعمال الصالحة مع أن الحديث في سياق العمل فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر العمل للميت إلى الدعاء عُلِم أن الدعاء هو المختار وهو الأفضل ولهذا فإني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على الدعاء لأمواتهم بدلاً عن إهداء القرب لهم وأن يجعلوا القرب لأنفسهم لأن الحي محتاج إلى العمل الصالح فإنه ما من ميت يموت إلا ندم إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب قال الله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) وقال الله عز وجل (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فأنت أيها الحي محتاج إلى العمل الصالح فاجعل العمل لنفسك وادعوا لأمواتك من الأباء والأمهات والإخوان والأخوات وغيرهم من المسلمين هذا هو الذي تدل عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن مع هذا لو أن الإنسان تصدق عن ميت أو صام عنه أو صلى وقصد بأن يكون الثواب للميت فلا بأس بذلك إذا تبرع به.
***(9/2)
تذكر امرأة بأن لها ولداً يبلغ من العمر الخامسة والعشرين مات في حادث سيارة تريد أن تحج له وتتصدق عنه وتضحي عنه هل هذه الصدقات والحج تذهب إليه وتفيده في مماته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا إذا كان هذا الابن لم يحج الفريضة فلا بأس بالحج عنه لأن (امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها أنها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فأذن لها صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أمها) أما إذا كان قد حج الفريضة فإن الدعاء له أفضل من الحج عنه وأفضل من الصدقة عنه وأفضل من الأضحية عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء ولم يرشد إلى غيره مما يفعله الناس اليوم من الصدقة والأضحية والصوم والصلاة ونحوها ولكن لو فعلت هذا فلا بأس ولا حرج عليها أن تتصدق عن ابنها أو أن تحج عنه أما الأضحية فالأفضل أن تكون الأضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً الأحياء والأموات لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته.
***(9/2)
من الأردن مأدبة فلاح الدين يقول أنا رجل مسلم لي زوجة انتقلت إلى رحمة الله تعالى وكانت مطيعة لي وعزيزة علي وتقيم الصلاة ومن مكانتها لنفسي وحتى تبقى ذكراها في نفسي وأوفيها بعض حقها علي فإني أصلى مع كل فرض صلاة فرض آخر وأهب ثواب وأجر هذه الصلاة لها وإنني أرجو فضيلتكم إفادتنا هل يجوز ذلك أم لا وماذا يمكن أن أقدم شيئاً بدلاً من ذلك إن كان لا يجوز وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز لأن الميت لا فرائض عليه بل ولو كان عليه صلاة تركها فإنها لا تقضى عنه ولكن بدلاً من ذلك يا أخ أن تدعو الله لها بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة وما أشبه ذلك من الدعاء وأما أن تصلى فريضة لها مع كل فريضة فهذا لا يجوز لأنه لا أصل له.
***(9/2)
جزاكم الله خيراً هذه رسالة من السائلة عزة حسن الشهري من أبها المجاردة تقول كان لها زوج عاشت معه مدة لا تقل عن خمس وثلاثين سنة وكان يقوم بكل حقوقها الشرعية إلى درجة أنه يشركها معه في صدقته أو صلاته فتسأل هل يجوز لها أن تتبع صلاتها بركعتين يكون ثوابهما لزوجها وما هي الأعمال التي تفعلها ويصل ثوابها إلى زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مبنية على إهداء القرب للأموات بمعنى إهداء الثواب ثواب العمل إذا عمله الإنسان لميت من أمواته وهذه المسألة وردت السنة بما يدل على جوازها فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لسعد بن عبادة أن يتصدق لأمه بمخرافه وكذلك أذن للرجل الذي قال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) فالصحيح أن إهداء القرب إلى الأموات جائز والثواب يصل إليهم ولكنه ليس من المشروع يعني ليس من الأمر المطلوب فعله ولهذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه حينما قال (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) فقال يدعو له ولم يقل يعبد له أو يعمل له عملاً صالحاً أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فإنه ليس من الأمر المشروع بل هو من الأمر الجائز فعله ومع ذلك فليس من الحسن أن يكون الإنسان يهدي إلى هؤلاء الأموات دائماً كما تريده السائلة كلما صلت صلت لزوجها ركعتين فإن هذا العمل لم يكن معروفاً عند السلف وإنما كانوا يفعلونه ليس على سبيل الاستمرار والدوام والسنة الراتبة فإذا قال قائل كيف تقولون أنه ليس بمشروع مع أنه فعل بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم قلنا نعم فإن الشيء قد يكون جائزاً غير مشروع ولو فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا الرجل الذي بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية فكان يقرأ لأصحابه فيختم بقل هو الله أحد كلما صلى فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (سلوه لأي شيء يصنع ذلك) فقال الرجل إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أخبروه أن الله يحبه) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العمل ومع ذلك فإنه لم يشرع لأمته أن يفعلوا كفعله وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً لم يكن يفعل كفعل هذا الرجل.
***(9/2)
يقول السائل تطالب زوجتي بأن أقول لها باللفظ عفوت لك عن نصف أو ربع أو خمس ما أناله من ثواب بسبب ما تصدقت به من مالي في حضوري وغيابي من طعام وكساء ودراهم في حدود ما سمحت لها به بالتصرف فيه برضاً مني فهل يصح أن ألفظ ذلك بالتحديد بالنصف أو الربع أو الخمس إلى آخره أم أن الله وحده هو الكفيل بإعطاء كل ذي حق حقه وإن كان ذلك التحديد يصح فأنا لا أمانع من إعطاء جزء لها لأن رحمة الله وثوابه أوسع مما نتصور وما عنده لا ينفد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن آخر السؤال هو الجواب بمعنى أن فضل الله واسع والمرأة التي تتصرف حسب ما يقول زوجها بالمعروف وبقصد الثواب يكتب لها من الثواب كما يكتب لزوجها من غير أن ينقص من أجر زوجها شيئ وعلى هذا لا حاجة إلى أن يتناصفا الأجر بل نقول إن الأجر لكل واحد منكما على وجه الكمال وفضل الله واسع والمعين على الشيء كفاعل الشيء.
***(9/2)
هل يجوز أن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم اجعل ثواب ذلك لزوجي المتوفى أو فلان المتوفى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز هذا يجوز للإنسان أن يذكر الله ويجعل ثوابه لأحد من أقاربه لكن الدعاء له أفضل يعني قول المرأة اللهم اغفر لزوجي أفضل من أن تقرأ له قرآناً أو تسبح تسبيحاً وتجعل ثوابه له والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل يسبح له أو يقرأ له أو يصلى له أو يصوم له أو يتصدق له بل قال أو ولد صالح يدعو له هذا هو الأفضل فالذي ينبغي لنا أن نسترشد بما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه أفضل وأكمل على أن بعض أهل العلم يقول العبادات البدنية لا يصح جعل ثوابها للميت وإن جعل فإنه لا يصل إلى الميت.
***(9/2)
السائل توفيق من الأردن يقول: هل للميت من صدقة بعد موته من قبل أهله وهل الصيام وقراءة القرآن والتسبيح والتكبير يهدى إلى الميت علما بأنني أذكر حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه بأن في كل تسبيحة صدقة بكل تحميدة صدقة وكل تكبيرة صدقة وهل إذا كان التسبيح يجوز إهداؤه للميت هل يعتبر من الصدقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة عن الميت جائزة لأن (سعد بن عبادة رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيتصدق عن أمه بمخراف له في المدينة فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولأن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أمه افتلتت نفسها فماتت ولم تتكلم قال وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) فدل هذا على أن الصدقة للميت جائزة وأن الميت ينتفع بها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات وعليه صيام فرض رمضان أو نذر أو كفارة فإن وليه يصوم عنه يعني إذا شاء وكذلك الحج عن الميت حج الفريضة بنذر أو بأصل الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فقال (حجي عنها) واختلف العلماء رحمهم الله فيما عدا ما جاءت به السنة من الأعمال الصالحة هل يهدى إلى الميت وهل ينتفع الميت به على قولين والصحيح أنه جائز، جائز أن يهدى إلى الميت التهليل والتسبيح والتكبير وصدقة المال وغيرها من الأعمال الصالحة لكن الأفضل عدم ذلك يعني الأفضل أن لا يتصدق وأن لا يهلل للميت وأن لا يسبح للميت لأنه لو كان الأفضل ذلك لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه أمته حتى يقوموا به ولم يكن من عادة السلف أنهم يفعلون هذا على الوجه الذي يفعله الناس اليوم حتى إن بعضهم ربما يجعل أكثر النوافل التي يقوم بها لأمواته من أم أو أب أو عم أو خال أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فخلاصة الجواب أن الدعاء للميت أفضل من الصدقة والتهليل والصلاة والصيام والعمرة والحج ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية - يعني هو نفسه يفعلها - أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يتعرض إلى العمل ما قال أو ولد صالح يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلى عنه أو يحج عنه أو يعتمر عنه قال (أو ولد صالح يدعو له) فيكون الدعاء للميت أفضل من الصدقة عنه لكن لو تصدق فهو جائز ويصل إلى الميت وينتفع به بإذن الله.
***(9/2)
يقول السائل بالنسبة للأضحية عن الميت ما حكمها يا فضيلة الشيخ وما الأفضل للميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يهدي للميت ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فتأمل قوله (يدعو له) حيث عدل عن العمل إلى الدعاء فهو يقول في أول الحديث (انقطع عمله إلا من ثلاثة) فعدل عن العمل إلى الدعاء وهو دليلٌ واضحٌ أن الدعاء للميت أفضل من العمل له لأننا نعلم علم اليقين كما نعلم بضوء الشمس في رابعة النهار إذا لم يكن فيها سحاب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعدل إلى المفضول دون الفاضل لم يقل أو ولد صالح يضحي له ولم يقل أو ولد صالح يتصدق عنه ولم يقل أو ولد صالح يصلى له ركعتين ولم يقل أو ولد صالح يقرأ له ختمة ولم يقل أو ولد صالح يعتمر له ولم يقل أو ولد صالح يحج له كل هذا لم يقله فلماذا عدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذكر العمل إلى ذكر الدعاء لأن إهداء الأعمال ليس بمشروع وإن كان جائزاً يعني بمعنى أننا لا نأمر الناس أن يهدوا الأعمال إلى موتاهم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر به، أعمالنا لنا نحن في حاجةٍ إليها وسيأتينا اليوم الذي نتمنى أن في أعمالنا زيادة حسنة ونحن إذا أهدينا أعمالنا إلى الأموات فليس لنا فيها أجر يعني ليس لنا فيها أجر العمل لأن العمل تخلينا عنه إلى المهدى له وإنما فيها أجر الإحسان إلى هذا الرجل الذي أهدينا له العمل ثم إننا نقول للأخ الذي يريد أن يهدي لوالده أو أمه أو ما شابه ذلك ادعُ لهما اللهم اغفر لوالدي اللهم اسكنهما فسيح جنتك وما أشبه ذلك إذا حصل هذا صار أفضل من آلاف الركعات والذي أشير به على إخواننا أن يحرصوا على الدعاء لأمواتهم وأن يجعلوا الأعمال الصالحة لأنفسهم أما مسألة الأضحية عن الميت فإلى ساعتي هذه لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضحى عن أحدٍ من الأموات ولا أعلم ذلك عن الصحابة ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماتت زوجته خديجة وهي من أحب النساء إليه ومات له ثلاثة بنات زينب ورقية وأم كلثوم واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضحِّ عن واحدٍ منهم غاية ما هنالك أنه ضحى بأضحية وقال اللهم هذا عن محمد وآل محمد ولم نعلم ماذا قصد بقوله آل محمد هل أراد كل قرابة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزوجاته أو أراد آل محمد الأحياء الذين في البيت ولهذا قال بعض أهل العلم إن الأضحية عن الميت ليست مشروعة وأن ثوابها يرجع للمضحي وليس للميت وقالوا إن الصدقة بقيمة الأضحية أفضل من الأضحية لأن الصدقة عن الميت ثبتت بها السنة كما استأذن سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مخرافه في المدينة لأمه المخراف نخل يخرف وأتاه رجل أي أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) ولم يستأذنه أحدٌ في الأضحية وخير من أن يضحي عن الميت استقلالاً أن يضحي عنه وعن أهل بيته وينوي بقوله قرابته الأموات والأحياء.
***(9/2)
المستمعة من الأردن تقول في هذا السؤال ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث أن على كل مسلم في كل يوم تطلع فيه الشمس صدقة وبأن التسبيح والذكر صدقة وفي كثير من الأحيان نقوم بتسبيح الله وذكره وأن في قلبي إن أجر ثواب ما أقوله صدقة لوالدتي المتوفاة وإذا قمت بالطبخ فأقول إن أجر هذا العمل أي أجر الطبخ صدقة عن والدتي رحمها الله فهل هذا العمل صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل غير صحيح بالنسبة للصدقة التي تصبح على كل سلامى من الناس فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) والسلامى هي العظام أي على كل عظم من عظام الرجل أو المرأة صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعانة المحتاج وما أشبه ذلك صدقة فإذا نوى الإنسان بهذه الأعمال أنها صدقة عن ميت من الأموات فإنها لا تجزئ عنه لأن أجرها صار لمن جعلها له وإني بهذه المناسبة أود أن أقول للسائلة إن الأولى للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه وأن يجعل لوالديه الدعاء وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
عندي قطعة أرض فقمت ببناء مسجد لابني المتوفى هل يجوز ذلك عنه وإذا قمت بتعليق لوحة على باب المسجد وكتبت عليها مسجد فلان رحمه الله فهل يجوز ذلك عنه أفيدوني جزاكم الله خيرا
فأجاب رحمه الله تعالى: بناء المساجد من أفضل القرب التي تقرب إلى الله عز وجل وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن (من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة) ولكن هل من المستحب والمشروع أن نبني المساجد للأموات أو نبنيها لأنفسنا وندعوا للأموات الجواب الثاني أن نبني المساجد لأنفسنا لأننا محتاجون للعمل الصالح أما الأموات فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرشدنا ماذا نفعل لهم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرشد إلى الدعاء لا إلى أن يُعمَل له عمل صالح مع أن سياق الحديث للعمل ولو كان العمل للأموات من الأمور المشروعة لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكننا حينما نقول إنه ليس من الأمور المشروعة لا نقول إنه حرام لأن السنة دلت على جوازه فقد ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها أو قال أيجزئ أن أتصدق عنها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (نعم) وأذن لسعد بن عبادة أن يجعل مخرافه في المدينة وهو نخل يخرف صدقة لأمه ويترتب على سؤال الأخ السائل أنه جعل المسجد لابنه المتوفى فهل يمكن أن نقول إنه لا يجوز أن يخص ابنه المتوفى بهذا المسجد دون إخوته الباقين إن كان له إخوة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) أو نقول أن العدل واجب في أمور الدنيا أما أمور الآخرة فلا يجب فيها العدل فالأول أقرب عندي وأنه لا يخص أحد من أولاده بأعمال صالحة دون الآخرين لأنه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقوله لبشير بن سعد حين أراد أن يشهد النبي صلى الله عليه سلم على عطيته لابنه النعمان قال (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) والخلاصة أننا نقول لهذا الرجل الذي ينبغي أن تجعل المسجد لك وثوابه لك وأما ابنك فالدعاء له أفضل من أن تجعل له هذا المسجد وفي سؤاله قال أنه كتب عليه أن هذا مسجد فلان بن فلان فهذا حسن من وجه وسيء من وجه آخر أما كونه حسن فإن الناس إذا شاهدوا هذا الاسم دعوا لمن بناه وقالوا غفر الله لمن بناه وجزاه الله خيرا وما أشبه ذلك ولكنه سيئ من وجه أخر لأنه يخشى من الرياء وإن الإنسان فعل ذلك ليرائي به الناس والرياء إذا شارك العمل فإنه يبطله لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) .
***(9/2)
هذه السائلة تقول توفي لي ولد وهو في الخامسة عشرة من عمره وكان يصلى مرة في البيت ومرة في المسجد ولكنني أراه في المنام كثيراً وهو يقول أعطوني. أعطوني فأقوم وأتصدق عنه على الفقراء فهل من توجيهٍ في ذلك يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن كون الإنسان يصلى مع الجماعة مرة ويتركها مرة أخرى تقصيرٌ منه وإخلالٌ بالواجب وهو آثمٌ بذلك إذا علم وجوب صلاة الجماعة في المساجد وعلى هذا فإذا مات إنسان وهو مقصرٌ في واجباته فالذي ينبغي لأهله أن يدعو له بالمغفرة والعفو لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد إلى هذا في قوله (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) وربما يخفف عن الإنسان في قبره بدعاء أهله وأصحابه له وربما يرفع عنه العذاب رأساً بالدعاء له وهذا من فائدة الأخوة الإيمانية فإن المؤمنين يدعو بعضهم لبعض (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وكل مصلٍّ يقول في صلاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لكن قد لا يستحضر الإنسان عند هذا الدعاء العام شخصاً معيناً فإذا دعا لشخصٍ معين عرف أنه مفرطٌ في واجب أو منتهكٌ لمحرم في حال حياته فإنه قد يخفف عن هذا الميت من العذاب أو يرفع عنه العذاب بسبب هذا الدعاء، الدعاء للميت أفضل من الصدقة عنه لأنه لو كانت الصدقة أفضل لأرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) أقول لو كانت الصدقة أفضل لقال أو ولدٍ صالح يتصدق له لأن سياق الحديث في العمل والصدقة من العمل فلما عدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذكر العمل إلى ذكر الدعاء علم أن الدعاء للميت أفضل من قراءة القرآن له وأفضل من الصدقة له وأفضل من العمرة له وأفضل من الحج له إلا أن تكون العمرة والحج فريضتين فهذا فيهما رأيٌ آخر وأما كون هذه المرأة تتصدق كلما رأت الميت يقول أعطوني. أعطوني فلا أرى لها ذلك لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على المنامات والمرائي والشيطان قد يتمثل بصورة الميت كما يتمثل بصورة الحي إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الشيطان لا يتمثل به فمن رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام على الوصف المطابق لما نقل من وصفه صلوات الله وسلامه عليه فقد رآه حقاً ومع ذلك فالأحكام الشرعية لا تثبت بالمنامات لكن قد تكون قرائن تشير إلى شيء ما وأما أن تثبت بها أحكام شرعية فلا؛ ثم إن كانت قرائن تشير إلى شيء ما فلننظر هل هذه الإشارة صحيحة من الواقع أو ليست بصحيحة حسب حالة الإنسان وما يحتف بها من القرائن.
***(9/2)
هذا السائل من تشاد منصور حسن يقول في عندنا بعض العادات وهي إذا توفي شخص من الأسرة يقوم الأهل أهل المرحوم بذبح بقرة أو جمل أو عدد من الغنم ويقولون بأنها صدقة هل هذا العمل صحيح أفيدونا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بصحيح لأنه من البدع فما علمنا أن السلف الصالح كانوا إذا مات فيهم الميت ذبحوا شيئاً يتصدقون به عنه لكن الصدقة عن الميت جائزة لا في حين موته لأنها إذا اتخذت سنة في حين الموت صارت بدعة وخير من الصدقة للميت أن يدعو الإنسان له لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له أو يصلى له أو يصوم له مع أن سياق الحديث في العمل فدل ذلك على أنه ليس من المشروع أن الإنسان يعمل عملاً للميت من نفسه ولو كان مشروعاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما بقوله وإما بِحَثِّهِ على ذلك فلما لم يكن هذا عُلِم أن هذا ليس بمشروع لكنه ليس بممنوع وهناك مرتبة بين المشروع والممنوع وهي الجائز ولهذا لما استفتى سعد بن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في مخرافه أي في بستان له في المدينة أن يتصدق به عن أمه أذن له، ولما جاءه رجل يقول: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال: (نعم) فهذه فتاوى وليست سنة عامة أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم للأمة وقال أيها الناس تصدقوا عن موتاكم فهو خير أو صلوا عنهم فهو خير أو صوموا عنهم فهو خير فلما لم يرد عنه مثل ذلك علم أن هذا ليس بسنة ولكنه ليس بممنوع.
***(9/2)
يقول رجل توفي وخلَّف بعده عيالاً وإخواناً وهم يحبون التصدق عنه بمثل الذبيحة ومثل دفع المال ودفع الطعام والملابس ونحو ذلك , يقولون كل هذا الدفع والفعل عن روح الميت فلان , هل هذا العمل يزيد في عمل الرجل الميت من الأعمال الخيرية وهل هي تنفع الميت هذه الصدقات التي تصدق بها أقاربه وتقربه إلى الصالحين عند الحساب أفيدونا جزاءكم الله خير الجزاء وأعظم أجركم والمسلمين كافة؟.
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة عن الميت تنفع سواء بمال أو طعام لقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجلاً فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) فهذا العمل الصالح ينفع الميت وربما يكفِّر الله به عنه من خطاياه لكن ينبغي أن يعلم أن العمل للأموات لا ينبغي الإكثار منه فإنه وإن كان جائزاً في الشرع فإنه لا ينبغي الإكثار منه كما يفعل بعض الناس يكثرون دائماً الصدقات لأمواتهم وإنما يتصدق الإنسان لنفسه وهو محتاج إلى العمل الصالح سيموت كما مات هذا الرجل ويحتاج إلى العمل كما احتاج إليه هذا الرجل وفعلها دائماً ليس من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ولكن فعل ذلك أحياناً لا بأس به وهو نافع للميت والإنسان أولى بعمل نفسه من غيره وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) وإذا كان السلف الصالح هم أحرص منا على فعل الخير وعلى نفع أمواتهم لم يكونوا يفعلون ذلك كثيراً فإنه ينبغي لنا أن نتأسى بهم وألا نكثر من هذا الفعل وهذا العمل ولكن إذا فعله الإنسان أحياناً فلا حرج.
فضيلة الشيخ: أخشى أن يفهم بعض المستمعين أن هذه دعوة إلى عدم الأعمال الصالحة للموتى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا لسنا ندعو إلى تركها مطلقاً وإنما ندعو إلى عدم الإكثار منها وإنما تفعل أحياناً ولهذا ليس من عمل السلف الصالح الإكثار من ذلك أما ما أوصي به من مثل هذه الأعمال فهذا يعمل فيه حسب الوصية لأنها ليست من مال الفاعل وإنما هي من مال الموصي ويعمل بحسبها كما لو أوصى رجل بالإطعام عن المساكين في كل يوم أو ما أشبه ذلك فإنه يعمل به لأن ذلك من ماله يعمل به في الحدود الشرعية وهي أن تكون الوصية من الثلث فأقل.
فضيلة الشيخ: أيضاً ربما أن هذه الإعمال المتكررة والكثيرة قد تؤدي إلى غرس المحبة الزائدة في نفوس الناشيءين ويعتقدون أن في هذا الرجل مثلاً شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ربما تؤدي إلى الغلو.
***(9/2)
المستمع محمد الطرشان دمشق يقول في رسالته ما حكم الشرع في نظركم فيما لو ذبح الإنسان خروفاً وقال اللهم اجعل ثوابه في صحيفة الشيخ فلان ابن فلان هل في ذلك شيء من البدع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ذبح الإنسان خروفاً أو غيره من بهيمة الأنعام ليتصدق به عن شخص ميت فهذا لا بأس به وإن ذبح ذلك تعظيماً لهذا الميت وتقرباً إلى هذا الميت كان شركاً أكبر وذلك لأن الذبح عبادة وقربة والعبادة والقربة لا تكون إلا لله كما قال الله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) فيجب التفريق بين المقصدين فإذا قصد بالذبح أن يتصدق بلحمه ليكون ثوابه لهذا الميت فهذا لا بأس به وإن كان الأولى والأحسن أن يدعو للميت إذا كان أهلاً للدعاء بأن كان مسلماً وتكون الصدقة للإنسان نفسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى أن يتصدقوا عن أمواتهم بشيء وإنما قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلى عنه فدل هذا على أن الدعاء أفضل وأحسن وأنت أيها الحي محتاج إلى العمل فاجعل العمل لك وأجعل لأخيك الميت الدعاء وأما إذا كان قصده بالذبح لفلان التقرب إليه وتعظيمه فهو شرك أكبر لأنه صَرَفَ شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى.
***(9/2)
هذا السائل من الرياض يقول فضيلة الشيخ ما حكم ما يسمى عشاء الوالدين في رمضان والخميس والاثنين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم لهذا أصلا من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عمل السلف الصالح ولا شك أن الصدقة في رمضان من أفضل الصدقات لشرف الزمان ولأن شهر رمضان شهر الجود والكرم وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ولكن اعتاد الناس منذ زمن بعيد أن يصنعوا طعاما في ليلة الجمعة وبعضهم في ليلة الإثنين ويدعو الفقراء إليه وكان الناس في بلادنا هذه من قبل في حاجة شديدة يفرح الفقراء إذا دعوا إلى مثل هذا الطعام فيطعم الناس منه وكان غالب ما يكون من هذا الطعام ناتجاً عن وصية يوصي بها الآباء والأمهات فمن ثم أطلقوا عليه عشاء الوالدين يعني العشاء الذي أوصى به الوالدان ثم تدرج الناس إلى أن صاروا يذبحون الذبائح في ليلة الاثنين أو ليلة الجمعة ويجمعوا من حولهم من الجيران سواء كانوا من الأغنياء أو الفقراء وتكون حفلة فإذا كان هؤلاء يتقربون إلى الله بالذبح بخصوصه كانوا بلا شك مبتدعة لأن الذبح لا يتقرب به إلى الله إلا في مواطنه كالذبح في أيام النحر في عيد الأضحى وذبح العقيقة والهدي الذي يهدى إلى الحرم بمكة وما سوى ذلك فإنه لا يتقرب إلى الله بنفس الذبح ولهذا أخشى إن طال بالناس الزمان أن يعتقد الجهال أن رمضان كعيد الأضحى يكون محلاً للتقرب إلى الله تعالى بالذبح فيه وهذه مسألة خطيرة لأنها مبنية على عقيدة فاسدة والخلاصة أن العشاء الذي يسمى عشاء الوالدين في رمضان لا أصل له لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله ولا من عمل السلف الصالح.
***(9/2)
فرحان سالم من طريف المملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في أناسٍ يذبحون في رمضان ويخصصون ذبائحهم بأحد الأقارب بعد موته ويدعون الأهل والأصدقاء لهم وينوون الأجر لهؤلاء الموتى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن التقرب إلى الله تعالى بالذبح في رمضان بدعة يجب النهي عنه لأن التقرب إلى الله بالذبح له أيام مخصوصة وهي أيام الأضحى فلا يجوز للإنسان أن يتعبد إلى الله بالذبح في رمضان أو في غيره للأموات أو الأحياء لما أشرنا إليه من أن الذبح له أوقاتٌ معينة وهي أيام الأضحى يوم العيد وثلاثة أيامٍ بعده إلا أن العقيقة عن المولود سنة تذبح في يوم سابعه وسنتكلم عنها إن شاء الله تعالى قريباً المهم إن هؤلاء الذين يذبحون البهائم في رمضان ينوون بها أقاربهم الأموات نقول لهم إن عملكم هذا بدعة لا تتقربوا إلى الله بالذبح في رمضان نعم لو أرادوا أنهم يذبحون لا للتقرب لله بالذبح ولكن من أجل اللحم بدلاً من أن يشتروا من السوق لحماً قالوا نذبحه هنا في البيت ولم يقصدوا التقرب إلى الله بالذبح فهذا لا بأس به فلا بأس أن يذبح الإنسان الذبيحة من أجل لحمها لا تقرباً إلى الله بها إلا حيث شرع التقرب إلى الله بها كالأضاحي والعقائق والصدقة عن الأموات جائزة كما جاءت به السنة من حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه وحديث الرجل الذي قال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت لتصدقت فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله أفأتصدق عنها قال (نعم) ولكن الدعاء للأموات أفضل من إهداء القرب إليهم يعني لو دعوت للميت كان أفضل من أن تقرأ القرآن له أو أن تكبر أو أن تسبح أو تحمد له أو أن تتصدق له لأن الدعاء للميت أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم تأتِ السنة بالحث على فعل القرب للأموات وإنما جاءت السنة بإباحته وإجازته فقط وهناك فرق بين ما تحث السنة عليه وبين ما تجيزه في قضايا معينة وأما العقيقة التي أشرنا إليها في أول الكلام فهي الذبيحة التي تذبح للمولود للذكر اثنتان إن تيسرتا وإلا أجزأت واحدة وللأنثى واحدة تذبح في اليوم السابع قال العلماء فإن لم يمكن ففي اليوم الرابع عشر فإن لم يمكن ففي اليوم الحادي والعشرين فإن لم يمكن ففي أي يوم كان بعد الحادي والعشرين ولكن لا شك أن الأفضل أن تكون في اليوم السابع وأنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن تكون في اليوم السابع من الولادة فإذا ولد مثلاً في يوم الأربعاء كانت العقيقة في يوم الثلاثاء وإن ولد في يوم الثلاثاء كانت في يوم الاثنين وإن ولد في يوم الاثنين كانت في يوم الأحد وإن ولد في يوم الأحد كانت في يوم السبت وإن ولد في يوم السبت كانت في يوم الجمعة وإن ولد في يوم الجمعة كانت في يوم الخميس وإن ولد في يوم الخميس كانت في يوم الأربعاء وإن ولد في الأربعاء كانت في يوم الثلاثاء يعني إنها تكون في الأسبوع الثاني قبل اليوم الذي ولد فيه بيوم.
***(9/2)
هذا المستمع من الأردن يقول في سؤاله لدينا عادة قديمة وهي عندما يحل علينا شهر رمضان نقوم بذبح الذبائح ونسميها عشاء الموتى وندعو الأهل والأقارب والأصدقاء ما الحكم في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا بدعة ولو كان خيرا لسبقنا إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لو كان خيرا لدلنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه وحثهم عليه وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن لا بأس أن يكثر الصدقة في شهر رمضان بالطعام واللباس والدراهم والجاه والنفع البدني وغير ذلك (لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) وأما الذبح في رمضان فإن قصد به التقرب إلى الله بالذبح فهو بدعة بلا شك لأن التقرب إلى الله بالذبح إنما يكون في أيام الذبح في عيد الأضحى والأيام الثلاثة التي بعدها أو في الهدي الذي يهدى إلى مكة في الحرم أو في العقيقة التي تذبح للمولود في اليوم السابع من ولادته وما عدا ذلك فإنه لا يتقرب إلى الله بالذبح فيه لكن لو أراد الإنسان أن يتصدق بلحم وذبح ذبيحة من أجل أن يتصدق بلحمها لا تقربا إلى الله بذبحها فإن هذا ليس من البدعة لأن تفريق اللحم ليس بدعة ولكن التقرب إلى الله بذبح لم يكن مشروعا هو الذي من البدعة وأما قول السائل إننا نسميها عشاء الموتى فإننا نقول إن الموتى لا يتعشون ولا يأكلون ولا يشربون ولا ينتفعون بهذا إلا ما كان صدقة وقربة إلى الله فإنه إذا تصدق عن الميت بما يقرب إلى الله ونواه للميت نفعه على القول الراجح من أقوال أهل العلم إن لم يكن في هذا إجماع في الصدقة ولكن مع ذلك ليس هذا من الأمور المطلوبة المشروع للعبد أن يفعلها بالنسبة للموتى بل الدعاء للموتى أفضل من الصدقة لهم وأفضل من الحج لهم وأفضل من الصيام لهم وأفضل من الصلاة لهم وأفضل من التسبيح لهم ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم العمل في هذا الحديث مع أن سياق الحديث في الأعمال ولو كان العمل للميت من الأمور المشروعة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وعلى هذا فإننا نقول أفضل ما تهدي إلى الميت في رمضان وغيره أن تدعو الله له كما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(9/2)
بعض الناس يعملون وليمة ويدعون إليها الأقارب والجيران ويقولون هذا عشاء للأموات هل يصل هذا الثواب وما رأي فضيلتكم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي أن خير من ذلك أن يتصدق بالدراهم على الفقراء لأن ذلك أنفع للفقراء أما هذه الوليمة التي تجعل كوليمة فرح ويدعى إليها الأصحاب والأقارب فهذه وإن كانت فيها خير لكن الصدقة أفضل منها ثم إني أقول الأموات بحاجةٍ إلى شيء أهم من ذلك وهو الدعاء والدعاء أنفع لهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولم يذكر الصدقة له ولا الصيام عنه ولا الصلاة له ولا الحج عنه بل عدل عن ذلك إلى ذكر الدعاء فنصيحتي لإخواني إذا كانوا يريدون أن ينفعوا أمواتهم أن يدعوا لهم وأما الأعمال الصالحة فليجعلوا ثوابها لهم لأنهم هم سيحتاجون إلى الثواب فليسترشدوا بإرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تأخذهم العاطفة فيحرموا أنفسهم من العمل ويجعلوه للأموات مع أن هناك طريقاً خيراً من ذلك وهو الدعاء للميت.
***(9/2)
تقول السائلة إذا أسميت طعاماً أو أي شيء ودفعته إلى بعض اليتامى أو الجيران المستحقين وقلت أجره لوالدي المتوفى ولكن هذا المال من مال زوجي وليس من مالي الخاص فهل يجوز هذا ويصل أجره إلى والدي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إهداء الثواب أو الأجر للوالد فهو على ما تقدم في جوابنا أنه يصل ولكن هذا ليس من الأمر المشروع الذي يطلب من الإنسان فعله وأما كونه من مال زوجك فإذا كان الزوج قد أذن بذلك وقد رضي فإنه لا حرج.
***(9/2)
إذا توفي الرجل فإن أهله يعطون صدقة قمحاً أو دراهم ويدعون بأنها سقوط للصلاة فهذه الصدقة التي يدفعها أهل الميت هل تسقط من فروضه الخمسة في اليوم والليلة شيئاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا. لا تُسقِط شيئاً وكونه يتصدق عما فرط فيه من الصلوات هذا أيضاً أمرٌ بدعي لأن الصلاة لا تقضى عن الميت لا بعينها ولا ببدلها وإنما يستغفر له إذا كان فرط فيها ولم يَصِل إلى حد الكفر فإنه يستغفر له لعل الله أن يتوب عليه أما الصدقة للميت لا لأجل أنها بدلٌ عن الصلاة فهذه جائزة ولكنها ليست من الأمور المطلوبة ففي صحيح البخاري أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال (نعم) فهذا دليل على أن الصدقة ينتفع بها الميت لكن لا تجعل كما ذكر السائل بديلاً عن الصلاة المفروضة عليه.
***(9/2)
يقول في اليوم السابع من بعد ما يتوفى الميت يرسل أهل الميت إلى رجال دين ويأتي هولاء ويقومون بأداء الصلاة جماعةً وقراءة القران ويذكرون الله بأقوال منها لا إله إلا الله الله الله الله أستغفر الله يقولون ذلك مائة مرة وأكثر ثم يصلون علي النبي بقولهم اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي الصادق بعدد ما خلقت يا ربنا وأنت الخالق وعلى آله وصحبه وسلم يقولونها عدة مرات وفي كل هذه الأذكار يسمع بعضهم بعضاً ويشاركهم الجالسون في ذلك ثم يدعون الله بالعفو والمغفرة وقبول أجر عملهم هذا للميت فما حكم عمل هؤلاء وهل يثابون على عملهم خصوصاً أنهم يببتغون بذلك الأجر من الله ولا يأخذون أي عوضٍ مادي كما أنهم اتخذوا من هذه العادة سبباً لحث الناس على طاعة الله وامتثال أمره واجتناب نواهيه وأن أكثر الناس لا يفهمون إلا القليل عن الإسلام وقسم كبير من المصلىن لا يفهمون تأدية الصلاة على الوجه المطلوب ولا يحضرون الصلاة في المساجد يقول ولا يجدون من يرشدهم كما أن رجال الدين يبينون في الناس عملهم هذا أنه لايدفع عن فقيدهم النار ولا يدخله الجنة إذا لم يقم هو في حياته بأداء ما أوجبه الله عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه من البدع المنكرة التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لم تأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع غاية التحذير فقال (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وكل عبادةٍ يتقرب بها الإنسان إلى ربه وليس لها أصل من الشرع فإنه لا يثاب عليها وإن نوى بها الخير وإن نوى بها التقرب إلى الله عز وجل لأن التقرب إلى الله تعالى لا يكون إلا بواسطة شرعه وشرعه ما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإني لضاربٌ لك مثلاً لو أردت أن تصل إلى مدينة من المدن وسلكت طريقاً غير طريقها لضللت عنها هكذا أيضاً إذا أردت الوصول إلى الله عز وجل وسلكت طريقاً غيرطريقه وشرعه الذي جاءت به رسله فإنك لن تصل إليه ولهذا قال أهل العلم إن من شرط قبول العبادة أن تكون مبنية على أمرين الإخلاص لله عز وجل وهذا قد يكون متوفراً لدى هؤلاء المحدثين والثاني المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا مفقود عند هؤلاء المحدثين ولذلك عملهم هذا لا يقربهم إلى الله عز وجل وإنما يزيدهم من الله بعداً وأما كون هذا وسيلةً إلى أن يعرف الناس كيف يصلون وكيف يتضرعون إلى الله وكيف يعبدون الله فإننا نقول هذه الوسيلة المحدثة هي بدايتها منكرة ولا يمكن أن تكون الأمور المنكرة وسيلة للإصلاح أبداً حتى وإن أصلحت قليلاً فإنها تفسد كثيراً وإنما وسائل الإصلاح ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من تعليم الشريعة بطريق القول المكتوب والمنطوق وبطريق الفعل كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أمته هكذا أحياناً يصلى بهم فيصعد على المنبر ويقوم ويركع ويرفع وهو على المنبر ثم ينزل فيسجد ثم يقول (إني فعلت هذا لتأتموا بي ولتتعلموا صلاتي) وهكذا أصحابه من بعده كانوا يعلمون الأمة بطريق القول والفعل كما كان عثمان رضي الله عنه يأمر بإناء من ماء فيتوضأ أمام الناس ويقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ مثل وضوئي هذا وعلى كل حال الطريق إلى تعليم الناس هي الطريق التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام أما أن نفتي في عبادات لم تأت بها الشريعة ونقول إننا نريد بذلك أن نعلم الناس الشريعة ففي الحقيقة أننا علمناهم البدعة ولم نعلمهم الشريعة.
***(9/2)
بارك الله فيكم السائل مصري ومقيم بمكة المكرمة يقول يوجد في بعض القرى إذا توفي أحد يقوم أهل المتوفى بتوزيع صدقة على المقابر عبارة عن خبز أو فواكه ولكن أحد الأئمة منعهم من ذلك وقال لهم الأفضل أن توزعوا ذلك في المسجد فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل هذا بدعة أعني الصدقة على الميت حين موته من البدع سواء تصدق بها في المقبرة على الفقراء الموجودين هناك أو في المسجد وإنما قلت بدعة لأن الصدقة قربة إلى الله عز وجل والقربة إلى الله عبادة والعبادة لا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلا بإذن من الشرع ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتصدق عن الميت حين موته ولا عن الصحابة فيما أعلم لا في المسجد ولا في المقبرة ولا في بيت المتوفى ونحن إنما أمرنا باتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهج السلف الصالح قال الله تبارك وتعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وقال الله تبارك وتعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) وقال تعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ) وقال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وليست الشريعة والقربة إلى الله تعالى تكون بالذوق والهوى وإنما تكون بالشريعة الإسلامية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فنصيحتي لمن اعتادوا ذلك أي الصدقة عن الميت حين موته في المقبرة أو في المسجد أن يَدَعُوا هذا وأن يبدلوه بالدعاء للميت في الصلاة عليه في المسجد وفي الدعاء له بعد دفنه فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ الناس من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) .
***(9/2)
هل يجوز عند ختمي للقرآن أن أقول هذه القراءة إلى وجه فلان الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مبني على جواز إهداء القرب للأموات والصواب أعني القول الراجح أنه يجوز إهداء القرب إلى الأموات المسلمين سواء كانوا من أقارب الفاعل أو من غير أقاربه لأنه ثبت في عدة قضايا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الصدقة عن الميت والصوم عن الميت والحج عن الميت ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منع القراءة عن الميت أو الذكر عن الميت أو ما أشبه ذلك فالصواب أن إهداء القرب أي إهداء ثوابها إلى الأموات جائز إذا كانوا مسلمين فإذا قرأ الإنسان شيئاً من القرآن بنية أنه لفلان قريبه أو بعيده فلا بأس على القول الراجح ولكن أرشد الناس إلى شيء أحسن من ذلك وهو الدعاء للميت فإن الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب إليه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فذكر الولد وذكر الدعاء ولم يذكر العمل ولو كان العمل للأموات مطلوباً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا سيما وأنه يتحدث عن الأعمال وانقطاعها بالموت وعلى هذا فنقول لمن أراد أن يصلى لأبيه أو أمه أو يتصدق لهما أو لغيرهما نقول إن الأفضل لك أن تدعو لوالديك وأن تجعل الأعمال لنفسك.
***(9/2)
ختم المصحف على روح الميت ما حكمه في الشرع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ختم المصحف على روح الميت أن الإنسان يقرأ القرآن ينوي ثوابه للميت وهذا مختلف فيه بين العلماء فمنهم من قال إن هذا عمل صحيح يثاب عليه الميت ومنهم من قال أنه عمل غير صحيح وأنه يقتصر فيما يُهدى إلى الميت من القربات على ما جاءت به السنة فقط ولكن الأقرب أنه عام أي أنه يجوز أن يقرأ القرآن كله أو بعضه ينوي بثوابه الميت ولكن هذا ليس أمرا مطلوبا مستحبا يطلب من الإنسان أن يفعله بل الأفضل إذا كان يريد أن ينفع الميت أن يدعو له لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء دون العمل مع أن الحديث في سياق العمل فدل هذا على أنه ليس من المشروع أن الإنسان يعمل أعمالا صالحة وينوي بها أحداً من الأموات سواء قريباً أم بعيداً بل الأفضل له والمشروع في حقه أن يدعو للميت وأن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه لأنه هو بنفسه سوف يكون محتاجا إلى هذه الأعمال الصالحة فكيف يهديها لغيره، غيره حقه عليه أن يدعو له كما جاء في الحديث وأما أن يجعل له من أعماله شيئا فهذا ليس بمشروع ولذلك أحث إخواني الذين يريدون أن ينفعوا أمواتهم من الأمهات والآباء والأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات أحثهم على أن يدعو لهم فإن ذلك هو الخير والأفضل والأوفق لما جاءت به السنة
***(9/2)
هل صحيح إذا قرأنا فافتتحنا على روح الميت فهل يستفيد منها أم لا وهل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع قراءة الفاتحة في المقابر ووضع أكاليل الزهور على القبور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما القراءة للميت بمعنى أن الإنسان يقرأ ثم يجعل ثوابها لشخص ميت فهذه محل نزاع بين أهل العلم منهم من قال إنها تصل إليه لأنها عمل صالح مقرب إلى الله فيصل إليه ثوابها كالصدقة وقد ثبت في الصحيح أن الصدقة تصل إلى الميت بعد موته ومنهم من قال إنها لا تصل لأن الأصل أن العبادات يكلف بها فاعلها ولا تصل إلى غيره إلا ما وردت به السنة واستدلوا بقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) معناه أنه لا يستحق من سعي غيره شيئاً وإنما ينتفع بسعيه هو فقط وأما إذا سعى إليه غيره فهذا شيء آخر وكذلك الحديث (انقطع عمله) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم انقطع العمل له ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطع عمله لكن إذا عمل له غيره فهذا شيء آخر والذي يترجح عندي أن جميع الأعمال الصالحة تصل إلى الميت من قراءة وصلاة وذكر إلا الأعمال الواجبة فإن الواجب مطالب به العبد بنفسه لا يمكن أن يجعل ثوابها لأحد هذا واحد ولكن هل من السنة أن تفعل إذا قلنا بأنها تصل إلى الميت؟ نقول لا ليس من السنة فهي من الأمور الجائز فعلها لا من الأمور المشروع فعلها ولكن إذا فعلت فتصل ولكننا لا نقول للإنسان ينبغي أن تفعل أما الدعاء للأموات فهذا مطلوب ومشروع وهذا من دأب المؤمنين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وأما ما ذكره من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن وضع الزهور والأكاليل فوق القبور فلا فليس في ذلك نهي لأنه غير معروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأظنه متلقاً من غير المسلمين ولكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو شبيه به فقد (نهى أن يرفع القبر) (ونهى أن يجصص) لما فيه من الإشادة به ووضع الزهور شبيه بهذا فوضع الزهور على القبور من الأمور المذمومة من ناحيتين أولاً لأنها متلقاة من غير المسلمين والشيء الثاني لأنها تَشْبه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من تشريف القبور يعني تعليتها ومن تجصيصها لهذا ينهى عنه وأما نهيه عن قراءة الفاتحة فهذا لا أعلم فيه نهي ولكن الذي كان من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا خرج إلى القبور سلم عليهم ودعا لهم.
***(9/2)
هل قراءة القران يصل ثواب هذه القراءة إلى الميت وهل تجوز القراءة من المصحف إذا كان الإنسان بدون وضوء يعني مثلا محدث حدثاً أصغراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول وهو وصول ثواب القراءة إلى الميت فإنه موضع نزاع بين العلماء فمنهم من قال إنه لا يصل ثوابها إلى الميت وإن نواه الإنسان لأن العبادات توقيفية ولم يرد عن النبي صلى الله علية وسلم مثل هذا ومنهم من قال بل هذا جائز لأنه ورد انتفاع الميت بجنس العبادات كالصدقة والحج والصوم وغيرها مثلها إذ ليس هناك نص يمنع من إيصال الثواب إلى الميت ولكن هنا مسالة أحب أن ننبه عليها وهي أن كثيراً من الناس يحرصون على أن يجعلوا ثواب أعمالهم من قراءة أو صلاة أو صيام أو تسبيح أو تهليل وتكبير للأموات ويفعلون هذا كثيراً وليس هذا من عادة السلف رحمهم الله، السلف نظروا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلامن صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فصاروا يدعون لآبائهم وأمهاتهم ومن سبقهم من الناس لا أن يجعلوا لهم من أعمالهم شيئا والذي ينبغي للإنسان أن يجعل القراءة لنفسه والصلاة لنفسه والصدقة لنفسه والصوم لنفسه وأن يدعو لمن شاء من أبويه أو أحدهما وكذلك يدعو لمن يشاء من أقاربه وأصدقائه وما أشبه ذلك أما المسألة الثانية وهي قراءة القرآن إذا كان محدثاً حدثاً أصغراً من المصحف فنقول له لا بأس أن تقرأ القرآن إذا كنت محدثا حدثاً أصغراً لكن بشرط أن لا تباشر المصحف بالمس بل تجعل بينك وبينه حائلا منديلاً أو قفازاً أو ما أشبه ذلك.
***(9/2)
بارك الله فيكم هل يجوز لشخص أن يختم القرآن نيابةً عن شخصٍ آخر إذا كان ذلك الشخص أميّ ولا يجيد القراءة.
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل لهذا الشخص الذي يجيد القراءة ويريد أن يهدي لشخصٍ آخر الأفضل له أن يجلس معه ويعلمه حتى يكون في ذلك أجرٌ للجميع وأما ختم القرآن له فإن هذا يؤدي إلى أن يتهاون الثاني بتعلم القرآن ويقول ما دام هذا الرجل سيختم القرآن لي فقد كفاني فلا ينبغي أن يفتح هذا الباب بل الأفضل كما أسلفت أن يعلم هذا الأمي كتاب الله ليحصل على أجر التعليم.
***(9/2)
أحسن الله لكم وبارك فيكم يا فضيلة الشيخ محمد هذا السائل من اليمن يقول هل قراءة الفاتحة إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أرواح الأموات من السنن المشروعة حيث إنه يوجد في آخر بعض المصاحف كتب عليها اللهم تقبل ثواب ما قرأناه ونور ما تلوناه هدية وصلة منا إلى روح نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أرواح آباءنا.
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الموضوع في بعض المصاحف بدعة ولا يقر عليه وينبغي لمن وقع في يديه مصحف مثل هذا أن يطمس هذا المكتوب وإن أمكن أن ينزع الورقة كلها إذا لم يكن في الجانب الآخر قرآن فلينزعها أما إهداء ثواب العبادات إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن هذا أيضاً من البدع فإنه لا يشرع لنا أن نهدي شيئاً من ثواب العبادات إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ذلك لم يعهد من الصحابة رضي الله عنهم وهم أشد منا حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرع منا إلى الخير ومع ذلك فلم يهد أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من العبادات لا من قراءة القرآن ولا من الذكر ولا من الصلاة ولا من الصدقة ولا من الحج ولا من العمرة وأيضاً فإن إهداء ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من السفه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حصل له أجر ما عمل الإنسان فإنه هو الدال على الخير ومن دل على خير فكفاعله فلم يكن من إهداء ثواب القرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا حرمان الفاعل من أجر هذه العبادة وعلى الإنسان أن يتمسك بهذه المسألة فإنه الخير كله، وكذلك يقال بالنسبة إلى إهداء القرب إلى الأقارب من الأباء والأمهات إنه ليس بسنة لكنه جائز واختلف العلماء رحمهم الله في إهداء ثواب القرآن وغيره من العبادات البدنية المحضة هل يصل إلى الميت أو لا يصل ولا ريب أن الأفضل للإنسان إذا أراد أن ينفع أباه وأمه أن يدعو لهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
السائل من سوريا مقيم بالمملكة يقول أنا أقرأ القرآن وأهديه لنبينا صلى الله عليه وسلم ثم للوالدين وأموات المسلمين فهل هذا العمل صحيح وجهوني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لإهداء النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أشد منا حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يفعلون هذا ولأن هذا سفه من الفاعل إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم في غنى عن عمله لأن أي عمل صالح يفعله أحد من أمة الرسول عليه الصلاة والسلام فللرسول صلى الله عليه وسلم مثله بدون أن يجعل أجره للرسول لأن من دل على خير فهو كفاعله والرسول صلى الله عليه وسلم هو دال أمته على الخير وأما بالنسبة للوالدين والمسلمين فهذا وإن كان عملاً جائزاً لكن الأفضل من ذلك أن يدعو لوالديه وللمؤمنين ودليل ذلك من القرآن والسنة قال الله تعالى في كتابه العزيز (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فوصف الله الذين جاؤوا من بعدهم بأنهم يدعون لهم أي لمن سلف لم يصفهم بأنهم يعملون أعمالاً صالحة ويجعلون ثوابها لهم وهذا من اتباع من سلف بإحسان كما قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وأما من السنة بالنسبة للوالدين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية) يعني يجعلها هو بنفسه قبل أن يموت كالمساجد مثلاً وسبيل المياه وما أشبه ذلك (صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) لم يقل أو ولد صالح يصلى له أو يقرأ القرآن له أو يصوم له أو يتصدق له كل هذه عدل عنها الرسول عليه الصلاة والسلام بل قال ولد صالح يدعو له ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدلنا إلا على ما هو خير لنا ولو كانت عباداتنا التي نتعبد لله بها نهديها لوالدينا خير من دعائنا لهم لبينه الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فنقول للسائل الأجدر بك والأفضل والأولى أن تجعل ثواب الأعمال الصالحة لك ولا تهديها لأحد ومن أحببت من المسلمين والأقارب فادعوا الله لهم.
***(9/2)
في بعض البلدان الإسلامية والعربية الأخرى إذا أراد شخص أن يأتي إلى المملكة العربية السعودية وخاصة إذا أراد أن يمر على الحرم يقول له بعض الأشخاص اقرأ لنا سورة الفاتحة لروح محمد فما حكم هذا القول وما حكم قراءة الفاتحة في هذا المجال أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هذا أيضاً من البدع التي أحدثها الجهّال في دين الله فالسلف الصالح ما كانوا يفعلون ذلك أبداً ما كان الواحد منهم إذا سافر إلى المدينة يقول له صاحبه اقرأ لنا الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم أو سلم لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك إنما هذا من البدع التي أحدثها بعض الجاهلين وإهداء ثواب القرب للنبي صلى الله عليه وسلم من البدع أيضاً حتى ولو كان على غير هذه الصورة حتى لو صلى الإنسان ركعتين أو تصدق بدرهمين وأراد أن يكون ثواب ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه من البدع أيضاً لأن السلف الصالح لم يكونوا يفعلون ذلك وهو من قصور النظر فإن هذا الذي أهدى ثواب هذا العمل الصالح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنى إهدائه إلا حرمانه من ثواب هذا العمل حرمان العامل من ثواب هذا العمل وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم له أجر ما عملت سواء أهديت له أم لا فإنه عليه الصلاة والسلام هو الذي دل أمته على الخير وهو الذي له أجر الفاعلين لأن من دل على الخير كان له من الأجر مثل فاعله وعلى هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام غير محتاج إلى أن يهدى إليه بشيء من أعمالنا نعم كل عمل صالح نتقرب به إلى الله فللنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجورنا وعلى هذا فلا حاجة للإهداء نقول معنى الإهداء على هذه الحال أن العامل حرم نفسه من ثواب هذا العمل فقط.
***(9/2)
الزيارة(9/2)
هل زيارة قبور الصالحين تثلم من التوحيد الإلهي إن لم يجعل الزائر المقبورين أرباباً دون الله وهل من فرق بين الألوهية والربوبية.
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة قبور الصالحين وغيرها من قبور المسلمين تنقسم إلى قسمين زيارة شرعية وزيارة بدعية فالزيارة الشرعية هي أن يزورهم الإنسان للاتعاظ وتذكر الآخرة والدعاء لهم يعني يسأل الله لهم أن يغفر لهم ويرحمهم فهذه جائزة وشرعية أيضاً مطلوبة من العبد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) ولإرشاده صلى الله عليه وسلم من زار القبور أن يقول (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين) إلى آخره والدعاء معروف ومشهور وأما القسم الثاني فهي الزيارة البدعية أو الشركية وهي أن يزور الإنسان قبور الصالحين والمسلمين لأجل أن يدعوهم ويستغيث بهم في قضاء الحوائج وحصول المنافع فهذا حرام ولا يجوز بل يكون من الشرك إما الأكبر أو الأصغر حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية أو يزورهم لأجل أن يدعو الله عند قبورهم اعتقاداً منه أن الدعاء عند القبور أفضل من دعاء الله تبارك وتعالى في مكان آخر فهذا أيضاً من البدع فإنه لا خصوصية للقبور في إجابة دعاء الله تبارك وتعالى وعلى هذا فإذا زار قبول الصالحين على الوجه الأول المذكور في القسم الأول فهذا لا بأس به ولا حرج وأما سؤاله ما الفرق بين الألوهية والربوبية الفرق بينهما أن الألوهية هي العبادة فتوحيد الألوهية معناه توحيد الله تعالى بعبادتك أي أن تعبد الله مخلصاً له الدين كما قال الله عز وجل (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) وأما توحيد الربوبية فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية وهي الخلق والتدبير الكوني والشرعي كما قال الله عز وجل (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) ويتضح ذلك بالمثال فالرجل الذي يؤمن بالله رباً ومدبراً خالقاً متصرفاً كما يشاء ولكنه يسجد لصنم هذا مقر بالربوبية لكنه كافر بالألوهية والإنسان الذي لا يعبد غير الله ولكنه يعتقد أن هناك خالقاً مع الله أو معيناً له فإن هذا مشرك بالربوبية كافراً بها وإن كان في العبودية مقراً لكن هذا أيضاً لا ينفعه الإقرار به كما أن من أشرك في الألوهية لا ينفعه الإقرار بالربوبية إذ لابد من التوحيدين جميعاً توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وإنما ذكرنا ذلك لمجرد بيان الفرق وإلا فالحكم واحد فمن أشرك بالله في ألوهيته فهو مشرك وإن أقر بالربوبية ومن أشرك بالله في الربوبية فهو مشرك وإن أقر بالألوهية وأخلص.
***(9/2)
بارك الله فيكم، فضيلة الشيخ يجهل الكثير من العامة الدعاء المأثور عند زيارة الرجال لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو قبر الصحابة رضوان الله عليهم، حدثونا عن هذا الدعاء فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء المأثور منه (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) والمقصود من زيارة القبور العظة والعبرة والدعاء لأصحاب القبور، وليس المراد بذلك التبرك بتربهم أو دعائهم أو اعتقاد أن الدعاء عندهم أقرب إلى الإجابة أو ما أشبه ذلك مما يظنه كثير من الجهال، وإذا كان الإنسان لا يعرف الدعاء المأثور عند زيارة القبور فإنه يمكنه أن يدعو بما شاء، لأن من المقصود بالزيارة الدعاء لأهل القبور.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع محمد يقول فضيلة الشيخ إذا مررت بالمقبرة المسورة هل أسلم عليهم أم لا بد من الدخول إلى المقبرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا متوقف في هذا أحياناً أقول يسلم لأن المقبرة تعتبر دارا لهؤلاء الأموات وأحياناً أقول لا يسلِّم لو مر الإنسان في بيت رجل وهو يعلم أن الرجل في نفس البيت فإنه لا يسلّم حتى يلاقيه ويدخل إليه أو يقف عند بابه مستأذنا فأنا أتوقف في هذا ولكن إن سلَّم فأرجو أن لا يكون فيه بأس.
***(9/2)
هل يجوز شد الرحال لزيارة قبر أيٍّ كان من الصالحين الأموات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز ذلك أي لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل لزيارة قبر من القبور أياً كان صاحب هذا القبر وذلك لأن زيارة القبور من العبادة كما سبق فإذا كانت من العبادة فإنه لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى مكان يختص بتلك العبادة سوى المساجد الثلاثة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) وما سوى هذه الأماكن لا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إليه تعبداً لله وتقرباً إليه وزيارة القبور كما أسلفنا هي من العبادة فلا يجوز للإنسان أن يشد الرحل إلى القبر لأنها عبادة تختص بهذا المكان وهذا ممنوع في غير المساجد الثلاثة.
***(9/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل والدي متوفى منذ فترة طويلة وهو بعيدٌ عني ولا أستطيع أن أقوم بزيارته إلا بعد السنتين أو الثلاثة فهل باستطاعتي أن أبره بشيء وأنا بعيدٌ عنه أفيدونا مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بزيارة الموتى هو الدعاء لهم والدعاء لهم واصلٌ في أي مكانٍ كان الداعي لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له) فأنت ادع الله لوالدك في أي مكانٍ كنت بعيداً كنت أم قريباً ولا حاجة إلى زيارة قبره نعم لو كنت في نفس البلد جئت لحاجة وذهبت تزور أباك فلا بأس به أما أن تشد الرحل إلى قبره لتزوره فهذا منهيٌ عنه.
***(9/2)
المستمع الشريف من الأردن يقول هل المسلم إذا ألقى السلام على قبر مسلم ميت يعرفه يرد الله عليه روحه ويرد عليه السلام ما صحة هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب هذا الذي ذكره السائل جاء فيه حديث مرفوع صححه ابن عبد البر وهو أنه (ما من مسلم يمر بقبر رجل مسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) وقد صححه ابن عبد البر نقل ذلك ابن القيم عنه في كتاب الروح وأقره ومن العلماء المتأخرين من ضعف هذا الحديث وقال إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
***(9/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل من السودان كنت أعرف شخصاً قبل عشرين عاماً وافترقنا بعد هذه المدة وكان لا يصلى منذ معرفتي له وقد توفي لا أدري هل أدعو له بالمغفرة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدعو له بالمغفرة ما دام مات وهو لا يصلى لأنه إذا مات وهو لا يصلى مات كافراً والعياذ بالله كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم قال الله تعالى في كتابه الكريم (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فاشترط لثبوت الأخوة في الدين ثلاثة شروط الشرط الأول التوبة من الشرك والثاني إقامة الصلاة والثالث إيتاء الزكاة ومن المعلوم أن الشرط لا يتم المشروط إلا به وإذا انتفت الأخوة في الدين انتفى الدين هذا من القرآن أما من السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وأما أقوال الصحابة فقد نقل إجماعهم غير واحدٍ من أهل العلم أنهم أجمعوا على كفر تارك الصلاة وهم صدر الأمة وأعلم الأمة بشريعة الله عز وجل ولم يرد حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صريح في أن تارك الصلاة مؤمن وليس بكافر إنما وردت أحاديث عامة تخص بأحاديث كفر تارك الصلاة فمن مات وهو لا يصلى فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالمغفرة والرحمة وإنما يخرج به إلى فلاةٍ من الأرض فيحفر له ويرمس فيها رمساً لأنه لا حرمة له ولولا أن يخشى من تأذي الناس برائحته وتأثر أهله به لقلنا يطرح على ظهر الأرض طرحاً كسائر الجيف كما قال بذلك أهل العلم في المبتدعة الذين بدعتهم مكفرة وخلاصة الجواب أن هذا الصاحب الذي مات وهو لا يصلى لا يجوز لصاحبه ولا لغيره أن يدعو له بالمغفرة والرحمة.
***(9/2)
المستمعة من جدة تسأل عن حكم الشرع في نظركم في زيارة النساء لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم عند قدومهن للصلاة في المسجد النبوي الشريف، وهل صحيح أن أمهات المؤمنين رضى الله عنهن جميعاً قمن بذلك أم لا نرجو الإفادة جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة المرأة للقبور على نوعين، النوع الأول أن تكون قاصدة لذلك بحيث تخرج من بيتها إلى المقبرة للزيارة فهذا حرام، ولا يحل لها أن تقوم به لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) ، ولأن في زيارتها مفسدة فإن المرأة غالباً ضعيفة قليلة الصبر يخشى عليها إذا ذهبت إلى القبور أن تحدث من البكاء ما يصل إلى حد النياحة، ثم إنها قد تتعرض في ذهابها إلى المقبرة للفساق إما بالمكالمة أو المضايقة أو غير ذلك لأن الغالب أن المقابر تكون في مكان غير مسكون بل بعيد عن البلد وغير مأهول بحيث لا يمشى عليه أو يمشي حوله إلا أناس قليلون فتكون هذه المرأة الزائرة عرضة للفتنة، أما النوع الثاني فأن تزور المقبرة بلا قصد بحيث تمر بها عابرة فتقف وتسلم على أهل المقابر فهذا لا بأس به وعليه يحمل حديث عائشة رضى الله عنها حيث علمها النبي صلى الله عليه وسلم ما تقول لأهل القبور وهذا القول الذي قلناه فيه جمع بين الأدلة والفرق بين القصد وعدمه ظاهر في مسائل كثيرة، وعلى هذا التنويه ينبني حكم زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، على أن بعض أهل العلم قال إن زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضى الله عنهما ليست زيارة حقيقية وذلك لأن قبورهم قد أحيطت بجدر بحيث لا يعد الواقف من ورائها زائراً للقبر، ولكن في النفس من هذا شيء والذي يظهر لي أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه كزيارة القبور الأخرى لا يحل للمرأة أن تزور هذه القبور على سبيل القصد ثم إنني أقول إذا كانت زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه دائرة بين الاستحباب والإباحة والتحريم فالأحوط والأسلم للمرأة أن لا تقوم بها أي بزيارة هذه القبور الثلاثة ويكفيها أنها تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في صلاتها فهي تقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتسليمها هذا يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت في أقصى الشرق أو الغرب.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول ما حكم زيارة النساء للقبور وما يحملنه معهن من بخور إلى أن يتم دفن الميت هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للنساء أن يتبعن الجنائز ولا يحل لهن أن يزرن القبور قالت أم عطية (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) (ولعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زائرات القبور) فلا يحل لامرأة أن تتبع الجنازة ولا أن تزور المقبرة وأما قول أم عطية رضي الله عنها (ولم يعزم علينا) فقد قال بعض أهل العلم إن هذا تفقه من عندها وإننا مطالبون بما دلت عليه السنة وهو قولها (نهينا عن اتباع الجنائز) فإذا ثبت النهي فالأصل فيه التحريم وقولها (ولم يعزم علينا) هذا تفقه من عندها وعلى كل حال فالنساء منهيات عن اتباع الجنائز وزائرات القبور ملعونات نعوذ بالله من ذلك.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا هذه سائلة للبرنامج من جمهورية مصر العربية تقول في هذا السؤال أفيدوني في زيارة القبور للنساء هل هو حرام أم حلال لأن هناك أحاديث تحرم وأحاديث تحلل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) وقال صلى الله عليه وسلم (المرأة التي تزور المقابر لا تشم رائحة الجنة) وأنا أرغب في زيارة والدة زوجي أفيدوني بارك الله فيكم ونفع بكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة المرأة للقبور محرمة بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن زائرات القبور) أما الحديث الذي ساقته السائلة فلا أعلمه ثابتاً بلفظه وعلى هذا فلا يحل للمرأة أن تزور القبور فإن فعلت فهي آثمة مرتكبة كبيرة من كبائر الذنوب وأما قوله النبي صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) فهذا خاص بالرجال ودليل التخصيص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن زائرات القبور) ونقول للمرأة ماذا تريدين من زيارة القبر سيكون الجواب أنها تريد أن تدعو للميت صاحب القبر فنقول لها الدعاء للميت جائز عند قبره وفي أي مكان فأنت ادعي للميت ولو في بيتك ويغني ذلك عن زيارته.
***(9/2)
يقول هذا السائل ما رأي فضيلتكم في زيارة المرأة لقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة فمنهم من قال إنه يحرم عليها أن تزور قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن زائرات القبور) ومنهم من قال لا بأس بذلك لأنها وإن وقفت عند الحجرة فإنها لم تزر القبر إذ بينها وبين القبر جدران ثلاثة فهي لن تصل إليه وغاية ما هنالك أنها وقفت حول القبر وأرى أن المسألة ما دامت قد اختلف فيها العلماء ولم يؤثم أحد من العلماء المرأة إذا لم تزر قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرى ألا تزور القبر أولا أن هذا وإن كان بينها وبين القبر هذه الجدران تسمى عند الناس زيارة وثانيا ما دام العلماء مختلفين في هذه المسألة منهم من يقول تأثم ومنهم من يقول لا تأثم أو تؤجر فالسلامة أسلم وهي إذا سلمت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أي مكان من الأرض فإن سلامها يبلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(9/2)
هل يجوز للمرأة أن تزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة ليست من أهل الزيارة للقبور لأنها ضعيفة سريعة التأثر قوية العاطفة فيحصل في زيارتها من المنكرات ما جعلها غير مأمورة بزيارة المقبرة بل هي منهية عنها بل (لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور) وهذا إذا خرجت المرأة من بيتها لزيارة المقبرة قاصدة لها أما إذا زارت المقبرة عرضاً مثل أن تمشي إلى حاجة لها فتمر بالمقبرة فتقف وتسلم على أهل القبور فإن ذلك لا بأس به فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ما تدعو به إذا زارت القبور وهكذا نقول في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم إن المرأة لا تقصد زيارته قصداً أولياً ولكن لو مرت من هناك مارة بمقدم المسجد فوقفت عند القبر وسلمت عليه فإن هذا لا بأس به ولكن ذلك مشروط بألا يُخشى منه الفتنة وأن لا يكون فيه مزاحمة للرجال فإن كان فيه مزاحمة الرجال أو خوف فتنة فإنها تُنهى عن ذلك والله أعلم.
***(9/2)
هذه السائلة من الرياض تقول أنا أعلم بأن زيارة القبور للنساء محرمة ولا تجوز ولكن إحدى الأخوات تقول بأنني أريد أن أزور قبر أمي برفقة أبي هل يجوز لها ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لها ذلك لأن المرأة ممنوعةٌ من زيارة القبور سواءٌ بنفسها أو مع محرمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) وإذا كانت تريد أن تنفع أمها فلتدعو الله لها ومتى دعت الله في أي مكان واستجاب الله دعاءها فإن الأم سوف تنتفع بهذا الدعاء نعم لو أن المرأة خرجت من بيتها لغير زيارة القبور ثم مرت بالمقبرة فلا بأس أن تقف وتسلِّم على أهل القبور بالسلام المعروف (السلام عليكم أهل دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وينصرف.
***(9/2)
سؤال أحمد محمود علي خليل يقول النساء يخرجن معنا عند القبور وفي يوم العيد نذهب ونعيد على الميت فما حكم ذلك أرجوكم تفيدوني لأنني محتار من هذا الفعل في مجتمعنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً من البدع، تخصيص أيام العيد لزيارة المقبرة أمر بدعي لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، فزيارة القبور مشروعة كل وقت ليلاً ونهاراً في أيام الأعياد وغيرها، أما بالنسبة لزيارة النساء للقبور فهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) ، ولا يرخص للمرأة أن تزور المقبرة إلا إذا مرت بها بدون قصد فوقفت وسلمت على أهل القبور فلا حرج، وأما أن تخرج من بيتها بقصد الزيارة فهذا لا يجوز.
***(9/2)
الأخت السائلة أم نعمان مقيمة بالرياض الصالحية تقول توجد في الطريق إلى بيت أهلي مقبرةٌ وقد دفنت جدتي فيها فحينما أريد الذهاب إلى بيت أهلي أمر منها مروراً دون الوقوف بها فأقرأ الفاتحة وسور الإخلاص والمعوذتين وأسلم على الأموات عموماً وأدعو لهم بالرحمة والمغفرة فهل علي إثمٌ في ذلك رغم أنني أفعل ذلك أثناء مروري دونما قصدٌ للزيارة ودونما توقف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك إثمٌ في هذا إذا سلمتي عليهم على أهل القبور ودعوتي لهم بالرحمة والمغفرة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وأما قراءة الفاتحة والإخلاص وغيرها من القرآن فإن هذا من البدع فلا ينبغي أن تفعلي ذلك واجتنبيه ويكفي السلام والدعاء الوارد في السنة.
***(9/2)
أم مقبل من العراق لها رسالة طويلة تقول في رسالتها هل أستطيع أن أزور قبر ابني حيث إنه مات وقد سمعت من بعض الناس أنهم يقولون إن الوالدة إذا ذهبت إلى القبر قبل طلوع الشمس ولم تبك وقرأت سورة الفاتحة يمكن لولدها أن يراها بحيث تكون المسافة بينهما مثل ثقوب المنخل وإذا بكت عليه حجبت عنه ما صحة هذا بارك الله فيكم وما حكم زيارة النساء للقبور أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرت من أن المرأة إذا زارت قبر ابنها يوم الجمعة قبل طلوع الشمس وقرأت الفاتحة ولم تبك فإنه يكشف لها عنه حتى تراه كأنما تراه من خلال المنخل نقول إن هذا القول ليس بصحيح وهو قول باطل لا يعول عليه وأما حكم زيارة النساء للقبور فقد اختلف العلماء فيها فمنهم من كرهها ومنهم من أباحها إذا لم تشتمل على محظور ومنهم من حرمها والصحيح والراجح عندي من أقوال أهل العلم أن زيارة النساء للقبور حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) واللعن لا يكون على فعل مباح ولا يكون أيضاً على فعل مكروه بل لا يكون إلا على فعل محرم بل إن القاعدة المعروفة عند أهل العلم تقتضي أن تكون زيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب لأنه رتب عليها اللعنة والذنب إذا رتبت عليه اللعنة صار من كبائر الذنوب كما هو الأصل عند كثير من أهل العلم أو أكثرهم وعلى هذا فإن نصيحتي لهذه المرأة التي توفي ولدها أن تكثر من الاستغفار والدعاء له وهي في بيتها وإذا قبل الله ذلك منها فإنه ينتفع به الولد وإن لم تكن عند قبره.
***(9/2)
بارك الله فيكم من أسئلة المستمع سراج هذا السؤال يقول هناك البعض من النساء يقمن بزيارة القبور معللات ذلك بكبر سنهن ماذا تنصحونهن بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ننصح هؤلاء النساء اللاتي يزرن القبور أن يتجنبن ذلك وأن يتبن إلى الله عز وجل من ذلك العمل لأن زيارة المرأة للقبور كبيرة من كبائر الذنوب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها مساجد والسرج) فعليهن أن يتبن إلى الله وأن يبتعدن عن هذه الزيارة ولا فرق بين المرأة الكبيرة والمرأة الشابة لأن العلة واحدة وهي أنها امرأة ولا يشكل على هذا ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما تقول في الدعاء للأموات فأعلمها بالدعاء الذي يقال عند زيارة القبور بأن هذا محمول على ما إذا مرت المرأة بالمقبرة من غير قصد الزيارة ففي هذه الحال لا بأس أن تقف وأن تدعو بما جاءت به السنة من الدعاء لأصحاب القبور وأما أن تخرج من بيتها تريد الزيارة فهذا محرم بل هو من كبائر الذنوب.
***(9/2)
بارك الله فيكم امرأة تقول سمعت في إحدى حلقات برنامج نور على الدرب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور من النساء فهل تحرم هذه الزيارة إن كانت للدعاء للأموات من الأقارب وغيرهم دون نياحة أوشق أو لطم علماً بأن لي أخت في اليمن توفيت قريباً وأنا الآن أريد أن أقوم بزيارة إلى اليمن إن شاء الله فهل يحرم عليّ زيارة قبر أختي يرحمها الله للدعاء لها والسلام عليها أفيدونا أيضاً بهذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن زيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله وهذا وعيد وقال أهل العلم رحمهم الله في حد الكبيرة ما فيه عقوبة في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو لعنة أو غضب أو نفي إيمان أو ما أشبه ذلك من العقوبات التي ترتب على المعصية فإن ذلك يدل على أنها من كبائر الذنوب فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة ولا أن تزور قبر أحد من الناس ولكن لو خرجت لحاجة لها ومرت بالمقبرة ووقفت وسلمت على أهل القبور ودعت لهم فإن هذا لا بأس به كما يدل عليه ظاهر حديث عائشة الذي أخرجه مسلم وأما أن تخرج من بيتها لقصد الزيارة أي زيارة القبور فإن ذلك من كبائر الذنوب وحرام عليها.
***(9/2)
هل يجوز للمرأة زيارة القبور للدعاء للميت وقراءة القرآن والفاتحة عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تزور المقابر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء عنه (أنه لعن زائرات القبور) ولأن المرأة لو فتح لها هذا الباب لكان في ذلك فتنةٌ لها وفتنةٌ بها فإن المرأة لا تكاد تصبر إذا وقفت على قبر أمها أو أبيها أو أحد ممن تحبه لا تصبر وربما يتجدد لها حزنها دائماً كلما زارت المقبرة وربما يتعرض لها أحدٌ بسوء لأن المقابر في الغالب تكون خارج البلد أو في مكانٍ نائي منه فلهذا كان من الحكمة أن تمنع من زيارة القبور وأما الدعاء للميت فيمكن أن تدعو له وهي في بيتها لأن الدعاء لا يشترط له مكانٌ معين وأما قراءة القرآن عليه فقراءة القرآن على الميت بدعة سواءٌ من الرجال أو من النساء لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل كان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل) ولم يرد عنه أنه كان يقرأ على القبور أو على المقبرة عموماً بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسلم على أهل المقابر ويدعو لهم بالرحمة والمغفرة.
***(9/2)
بارك الله فيكم إذا زارت المرأة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فمرت بشهداء أحد وأهل البقيع علماً بأنها لم تدخل إلى القبور بل من خلف الشبك الموجود وتردد الدعاء الوارد عند زيارة القبور فهل عليها إثمٌ في ذلك أرجو الإفادة
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على المرأة إثمٌ إذا مرت بالمقبرة أن تقف وتدعو لأهل القبور لأنها لم تأتِ إلى هذه المقبرة لزيارتها وإنما خرجت من بيتها لحاجتها ومرت بهذه بالمقبرة مروراً غير مقصودٍ للزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تدعو بالدعاء المأثور سواءٌ كان ذلك في شهداء أحد أو غيرهم لكن الغالب أن المرأة بالنسبة لشهداء أحد لا تصل ذلك المكان إلا وهي تقصد أن تزور قبور الشهداء هناك, نعم ربما تخرج إلى هناك لتنظر مواقع غزوة أحد وفي حال تجولها في هذا المكان تمر بهذه القبور فنقول كما قلنا بالأول إنها إذا وقفت وسلمت فإنه لا حرج في هذا.
***(9/2)
بارك الله فيكم عرفنا فضيلة الشيخ أن زيارة القبور خاصة فقط للرجال وهي محرمة على النساء ونظراً لكثرة الرسائل التي تصل إلى هذا البرنامج من البلدان العربية والإسلامية تقول ما الحكمة في منع النساء من زيارة القبور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن فهمك جيد حيث فهمت من قولي إن زيارة القبور سنة للرجال، أما الزيارة للنساء غير مشروعة وهو كذلك فإن المرأة لا يسن لها زيارة القبور بل القول الراجح من أقوال أهل العلم أن زيارتها للقبور محرمة بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ولا يكون اللعن إلا على إثم كبير ولهذا جعل أهل العلم من علامة الكبيرة أن يرتب عليها اللعن لأنه عقوبة عظيمة والعقوبة العظيمة لا تكون إلا على ذنب عظيم، ولكن إذا مرت المرأة بالمقبرة فلا حرج عليها أن تقف وتدعو لأصحاب القبور وأما أن تخرج من بيتها قاصدة الزيارة فهذا هو المحرم، والحكمة من ذلك أن في زيارة النساء للقبور مفاسد منها أن المرأة ضعيفة قوية العاطفة فربما لا تتحمل إذا وقفت على قبر قريبها كأمها وأبيها وما أشبه ذلك أن تصبر وإذا لم تصبر حدث لها من البكاء والعويل والنياحة ما يكون ضرراً عليها في دينها وبدنها، ومنها أنها إذا مكنت من الزيارة فخرجت إلى المقبرة، والمقبرة غالباً تكون خالية من الناس الأحياء فإنها قد يتعرض لها الفساق وأهل الفجور في هذا المكان الخالي فيحصل عليها الشر والفساد، ومنها أن المرأة إذا خرجت من بيتها إلى المقبرة وهي كما أشرت أنفاً قوية العاطفة ضعيفة العزيمة ربما تتخذ ذلك ديدناً لها فتضيع بذلك مصالح دينها ودنياها وتبقى نفسها معلقة بهذه الزيارة، ولو لم يكن من الحكمة إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) لكان ذلك كافياً في الحذر من زيارة القبور وفي البعد عنها لأن الله سبحانه وتعالى إذا قضى أمراً في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك هو الحكمة لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقد سئلت عائشة رضى الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وهذا يدل على أن الحكمة كل الحكمة في امتثال أمر الله ورسوله واجتناب نهي الله ورسوله.
***(9/2)
المستمع فلاح مهدي من العراق يقول عندما يدفن الميت يتركه أهله أربعون يوماً لا يزورنه وبعد ذلك يذهبون إلى زيارته بحجة أنه لا يجوز زيارة الميت قبل أربعين يوماً فما الحكم في هذا من الناحية الشرعية مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نبين أن زيارة القبور سنة في حق الرجال أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها فقال صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم الآخرة) والزائر الذي يزور القبور يزروها امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبارً بحال هؤلاء الأموات الذين كانوا بالأمس معه على ظهر الأرض يأكلون كما يأكل ويشربون كما يشرب ويلبسون كما يلبس ويتنعمون في الدنيا كما يتنعم فأصبحوا الآن مرتهنين في قبورهم بأعمالهم ليس عندهم صديق ولا حميم وإنما جليسهم عملهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا مات الإنسان تبعه ثلاثة ماله وأهله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع المال والأهل ويبقى العمل) فيعتبر الزائر بحال هؤلاء، والفائدة الثالثة أنه يتذكر الآخرة وأن المقر والمرجع هو الآخرة وأن الدنيا دار ممر وليس دار مستقر ومع ذلك فليست القبور هي المثوى الأخير بل بعدها ما بعدها من اليوم الآخر الذي هو كما وصفه الله يوم آخر لا يوم بعده، وأما البقاء في القبور فهو زيارة كما قال تعالى (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) وقد ذكر أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ هذه الآية (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فقال والله ما الزائر بمقيم وإن وراء هذه الزيارة لأمر إقامة، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى كلمة يقولها بعض الناس من غير روية ولا تدبر لمعناها وهو أنهم إذا تحدثوا عن الميت قالوا ثم آووه إلى مثواه الأخير أو كلمة نحوها المهم أنهم يقولون إلى مثواه الأخير وهذه الكلمة لو أردنا أن ندقق في معناها لكانت تتضمن إنكار البعث لأنه إذا كان القبر هو المثوى الأخير فمعناه أنه لا بعث بعده وهذا أمر خطير لأن الإيمان بالله واليوم الآخر شرط في الإيمان والإسلام، لكن الذي يظهر لي أن العامة يقولونها من غير تدبر لمعناها ومن غير روية ولكن يجب التنبه لذلك وإنه يحرم على الإنسان أن يطلق هذه العبارة فإن كان يعتقد ما تدل عليه فهو كفر لأن من اعتقد أن القبر هو المثوى الأخير وأنه ليس بعده شيء فقد أنكر اليوم الآخر، الفائدة الرابعة من زيارة القبور أن الزائر يسلم على أهل القبور ويدعو لهم فيقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية هذه أربع فوائد في زيارة القبور، وأما من يزور القبور للدعاء عندها فإن ذلك من البدع فالمقبرة ليست مكان يقصد للدعاء حتى يذهب ليدعو الله عند قبر رجل صالح أو ما أشبه ذلك وأشد من ذلك من يذهب إلى المقبرة ليدعو أصحاب القبور ويستغيث بهم ويستعين بهم فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، قال الله عز وجل (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال الله عز وجل (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة فمن دعا غير الله لقضاء حاجته من هؤلاء الأموات فقد أشرك بالله شركاً أكبرا وليعلم أن زيارة القبور لا تختص بيوم معين ولا بليلة معينة بل يزورها الإنسان ليتذكر الآخرة ولقد زار النبي صلى الله عليه وسلم البقيع ذات مرة في الليل وهو دليل على أن الزيارة لا يشترط لها يوم معين، أما فيما يتعلق بسؤال السائل وهو أن أهله لا يزورونه إلا إذا تم له أربعون يوماً فهذا لا أصل له بل للإنسان أن يزور قبر قريبه من ثاني يوم دفن ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلق قلبه به وأن يكثر التردد إلى قبره لأن هذا يجدد له الأحزان وينسيه ذكر الله عز وجل ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر وربما يبتلى بالوساوس والخرافات والأفكار السيئة بسبب هذا.
***(9/2)
عندما يمضي سبعة أيام على الميت يقوم أهل الفقيد من النساء بالذهاب إليه في المقبرة، ويقومون بالبكاء مرة أخرى، وعندما يكمل خمسة عشرة يوماً يكررون نفس الطريقة، ومرة أخرى عندما يكمل الأربعين ويقومون بالحزن عليه لمدة عام أو أكثر ويحرمون الصغار من اللعب والمرح، هل يجوز أم لا نرجوا من فضيلتكم الإفادة أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا العمل لأن زيارة المرأة للمقابر إذا خرجت من بيتها لهذا القصد، فإنها ملعونة والعياذ بالله لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) ، وهؤلاء خرجن لزيارة القبور وللنياحة أيضاً عند القبر، لأن الظاهر من حال هؤلاء أن لا يقتصرن على البكاء المجرد بل إنهن لابد أن يكون ثَمَّ نياحة وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة) ، وكذلك الإحداد لمدة عام كله من المنكر الذي لا يجوز فإنه (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحتد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) ، وما عدا ذلك من الإحداد فكله محرم ولا يجوز، وليعلم المؤمن أنه إذا صبر على المصيبة أعانه الله عز وجل وسدد خطاه وأنساه مصيبته وأثابه عليها مع الاحتساب، وإذا تسخط وحزن استمرت المصيبة في قلبه وازداد بذلك حسرة على حسرته، فليتق الله عز وجل وليرض به رباً فإن لله حكمة فيما أخذ وفيما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
***(9/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ ما حكم زيارة الميت يوم الجمعة وتخصيص ذلك اليوم نرجو بذلك إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الميت لا تخص زيارته بيوم الجمعة بل تزار القبور في أي وقت كان وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه زارها ذات ليلة من الليالي والمقصود بزيارة الموتى والقبور تذكر الموت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت أو قال تذكركم الموت وفي لفظ تذكر الآخرة) وذلك أن الرجل إذا مر بالمقابر وجد هذه الدور الكثيرة التي سكنها أناس كانوا معه يسكنون القصور كانوا يمشون على الأرض والآن هم مرتهنون في بطن الأرض كانوا يتمكنون من الأعمال الصالحة والآن لا يتمكنون من الأعمال الصالحة كان يمكنهم أن يتوبوا إلى الله من سيء الأعمال والآن لا يمكنهم أن يتوبوا إلى الله يتذكر مثل هذه الأمور ثم يقول لنفسه ألست أنا سأكون مثلهم قد يكون عن قريب أو بعيد هو قريب في الواقع فيتذكر ويستعتب ويتوب ويقبل إلى الله عز وجل بهذه الزيارة وأما زيارة المقابر من أجل الاستنجاد بالمقبورين ودعائهم أو دعاء الله عند قبورهم كل هذه بدعة عظيمة ومنها ما يوصل إلى الشرك الأكبر كدعاء المقبورين والاستنجاد بهم فالواجب على المؤمن أن يفرق بين الزيارة الشرعية والزيارة البدعية والزيارة الشركية فيقوم بالشرعية ويدع البدعية والشركية.
***(9/2)
أحسن الله إليكم يسأل السائل أيضاً من جمهورية مصر العربية ويقول البعض من الناس يذهب إلى القبور وخصوصاً يوم وقفة عرفة ويوم العيد حيث تمتلئ المقابر بالرجال والنساء ما توجيه فضيلتكم لهؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أوجه إلى هؤلاء النصيحة لا سيما النساء فإن النساء لا يحل لهن أن يزرن القبور لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور فالمرأة لا يحل لها أن تزور قبر أي إنسان لأنها إذا فعلت ذلك عرضت نفسها للعنة والعياذ بالله واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى أما بالنسبة للرجال فإن الرجال يسن لهم أن يزوروا القبور لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة وفي لفظٍ تذكر الموت) لكن اتخاذ يوم عرفة أو يوم العيد وقت للزيارة على وجهٍ معتاد بدعة بلا شك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخصص يوماً من الأيام لا أيام السنة ولا أيام الأسبوع لزيارة القبور ولكن نقول كلما مضى حين وحين فَزُر المقبرة لا سيما إن رأيت من قلبك قسوةً ونسياناً للموت أما أن تجعل يوم عرفة ويوم العيد وقتاً للزيارة فهذا لا يجوز إلا بدليل ولا دليل على هذا.
***(9/2)
أحسن الله إليكم إبراهيم أبو حامد يقول هناك أناس يذهبون إلى المقابر فور انتهاء صلاة العيد بقصد السلام على موتاهم وذلك في كل عيد بصفة مستمرة فما حكم ذلك العمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أنه لا أصل له من عمل السلف الصالح واعتقاد أن ذلك سنة يجعله بدعة لكن هذا شيء اعتاده الناس وينبغي لطلبة العلم أن ينبهوهم على أن ذلك غير مشروع فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يخرج يوم العيد لزيارة القبور ولم يأمر أمته أن يخرجوا لزيارة القبور وشيء لم يعتاده الرسول عليه الصلاة والسلام من العبادات أي مما يتعبد به الإنسان يكون بدعة إذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(9/2)
المستمع بسيوني إبراهيم متولي يقول في رسالته عندنا في القرية وفي ليلة عيد الفطر أو ليلة عيد الأضحى المبارك عندما يعرف الناس بأن غداً عيد يخرجون إلى القبور في الليل ويضيئون الشموع على قبور موتاهم ويدعون الشيوخ ليقرؤوا القرآن على القبور ما صحة هذا الفعل جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل فعل باطل محرم وهو سبب للعنة الله عز وجل (فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) والخروج إلى المقابر في ليلة العيد ولو لزيارتها بدعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه كان يخصص ليلة العيد ولا يوم العيد بزيارة المقبرة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فعلى المرء أن يتحرى في عباداته وكل ما يفعله مما يتقرب به إلى الله عز وجل أن يتحرى في ذلك شريعة الله سبحانه وتعالى لأن الأصل في العبادات المنع والحظر إلا ما قام الدليل على مشروعيته وما ذكره السائل من إسراج القبور ليالي العيد قد دل الدليل على منعه وعلى أنه من كبائر الذنوب كما أشرت إليه قبل قليل من أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) .
***(9/2)
بارك الله فيكم المستمع حامد يقول لدينا ظاهرة منتشرة وهي توجه كثيرٍ من الناس إلى المقابر بعد الفراغ من صلاة العيد فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل بدعة لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعتاد زيارة القبور في يوم العيد وإنما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بزيارة القبور أمراً مطلقاً عاماً فقال عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فينبغي للإنسان أن يزور القبور كل وقت سواء في الليل أو في النهار وليس ذلك مقيداً بوقت من الأوقات لا في يوم الجمعة ولا في يوم العيد بل قد نقول إنه كلما قسى قلبه ونسي الآخرة فينبغي له أن يخرج إلى المقابر ويزورها لأجل أن تذكره بالآخرة كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (فإنها تذكركم الآخرة) .
***(9/2)
عندما كنت في السودان موجوداً للعزاء في والدي رحمه الله وجميع موتى المسلمين ذهب إخوتي وأخواتي صبيحة عيد الأضحى إلى المقابر لزيارة قبر والدي بعد مضي أسبوع من وفاته وطلبت منهم عدم الذهاب بالرغم من حزني على فراقه لنا خاصة وإنني بعيد منه كما ذكرت فإنني طلبت منهم عدم الذهاب إلى المقابر في أول يوم للعيد لأنه يوم فرح المسلمين ولا يجوز الحزن فيه بل إبداء السرور والإيمان بقضاء الله وقدره وطلبت من إخوتي ومن رافقهم من نسوة بعدم الذهاب لأن زيارة النساء عموما للمقابر ليس فيها من الخير شيء خاصة في زماننا هذا إلا أنهم ذهبوا مع إخواني امتثالا لما هو شائع من تقاليد وعادات أرجو من فضيلتكم التكرم إذا كنت محقا في ما ذكرت لهم بعدم الذهاب إلى المقابر في ذلك اليوم وخاصة النساء جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحق معك إن شاء الله في هذه المسألة وأنت أديت الواجب عليك من نصحهم وما ذكرت من أنه لا يجوز للنساء زيارة القبور هو الحق فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى النساء عن زيارة القبور بل (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) وأما زيارة القبور في يوم العيد خاصة فإن ذلك من البدع فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخص يوم العيد بزيارة المقبرة بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزور المقبرة متى سنحت له فرصة وأمر بزيارة القبور عموما في أي وقت فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت (وفي) رواية تذكر الآخرة) .
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من بلاد بني مالك بجيلة المركز الفرعي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعث بها المرسل يقول ابنكم البار هلال سراج المالكي يقول في رسالته سؤالي هو أن هناك أهل قرية من إحدى قرى بني مالك الحجاز بمنطقة بجيلة وأهل تلك القرية عندهم عادة دون غيرهم من أهل القرى والقبائل وهي أنهم عقب انتهائهم من صلاة المشهد في كل يوم عيد سواءٌ كان عيد الأضحى أو عيد الفطر يذهبون إلى زيارة قبور أهليهم ومن في تلك المقبرة من أموات المسلمين وذلك من أجل السلام عليهم وفي أثناء الطريق يتضرعون إلى الله ويدعون ومن جملة تضرعهم ودعائهم قولهم الله الله أنا يا الله عبداً ضعيفاً يطلب الغفران إلى أن يقولون أربع تكابير أربع تكابير وهم واقفون ولكنهم لم يشدوا رحال وعند مشاهدتهم المقبرة وعلى بعد حوالي ثمانين متر تقريباً يرفعون أصواتهم تحت تذلل وخشوعٍ بقول لا إله إلا الله ثم يتقدم أحد القراء وهم واقفون ثم يسلم على الميتين بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم السلام عليكم إلى آخر الدعاء يقول نريد أن تذكروا لنا حكم هذه الزيارة وحكم ما يقال فيها وما يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول زيارة القبور مستحبة للرجال كل وقت ليلاً ونهاراً في أيام الأعياد وفي غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وفيها فائدتان عظيمتان إحداهما تذكر الآخرة والثانية الدعاء لهؤلاء الأموات من المؤمنين والمسلمين وإذا كانت من العبادات فإنه يجب على المؤمن أن يكون فيها متبعاً لا مبتدعاً متبعاً في هيئتها وفي زمنها وهذا الزمن الذي خصصه هؤلاء وهو ما بعد صلاة العيدين يخرجون إلى المقبرة هذا الزمن ليس وارداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم يخص المقبرة بزيارةٍ بعد صلاة العيد وعلى هذا فتخصيصها بهذا اليوم أو الذهاب إلى المقبرة في هذا اليوم يعتبر من البدع التي لا يجوز للمرء أن يتقيد بها وإن كان الأصل أن الزيارة مشروعة ولكن تخصيصها في هذا اليوم أو فيما بعد الصلاة هو من البدع هذا واحد فهي بدعة زمنية كذلك أيضاً الصيغة التي يؤدون بها هذه الزيارة لكونهم يذهبون مجتمعين ويقولون هذا الدعاء إذا أقبلوا على المقبرة وهذا الذكر ثم يتقدم القارئ فيقرأ هذا أيضاً من البدعة في صيغة الدعاء وفي كيفية الزيارة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه يذهب هو وأصحابه مجتمعين ولا أنهم يعملون كما يعمل هؤلاء من الدعاء بهذه الدعوات في مكانها المعين وحين إقبالهم إلى المقبرة فالواجب على هؤلاء الإخوان أن ينتهوا عن هذا وأن يتوبوا إلى الله وأن يزوروا المقبرة كلما سنحت لهم الفرصة واشتدت بهم الغفلة عن الآخرة حتى يتذكروا بها ما يصيرون إليه كما صار إليه هؤلاء الأموات الذين كانوا من قبل أحياءً على ظهر الأرض وأن يكونوا متبعين للرسول صلى الله عليه وسلم في جميع عباداته لأننا لو قلنا إن كل من استحسن شيئاً تقرب به إلى الله أصبح الدين غير منضبط وأصبح لكل قومٍ دين لأن هؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به وهؤلاء يستحسنون كذا فيدينون لله به وحينئذٍ تتفرق الأمة شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون والواجب الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويسعنا ما يسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للبدعة الزمنية التي ذكرتم وهي زيارة المقابر في يوم العيد قد يقول قائل أن هذا اليوم الذي هو يوم العيد يتفرغ الناس من أعمالهم ويتذكرون أقاربهم ويزورون الأحياء لذلك يشركون الأموات في الزيارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول رداً على هذا ليس الأوقات كلها مشغولة إلا يوم العيد ففي يوم الجمعة وقت فراغ وفي يوم الخميس وقت فراغ خصوصاً للموظفين ثم إن يوم العيد ليس الحامل للناس على هذا هو الفراغ وإنما الحامل أنهم يعتقدون أن الخروج إلى المقبرة في هذا اليوم بمنزلة التزاور بين الأحياء والمعايدة ولهذا يقول بعضهم لبعض ما ذهبت تعايد أمواتك هذا هو المعروف عندهم فهم يعتقدون أن للزيارة يوم العيد بذاته خاصيةً ليسوا يقولون لأننا نتفرغ ثم إن الفراغ في الحقيقة ليس مقروناً بوقتٍ معين فالفراغ قد يتفرغ الإنسان في غير يوم العيد وقد ينشغل في يوم العيد.
***(9/2)
السائل محمد أحمد بدر مصري يعمل بالعراق أيضاً يقول عندنا عادة في يوم العيد بعد أداء صلاة العيد نقوم بزيارة المقابر فنجد هناك النساء يقمن بالبكاء والنواح فوق المقابر فما حكم هذا العمل منا ومن النساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما حكم العمل منكم فإنه من البدع فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يخصص المقابر بالزيارة في يوم العيد ولا يمكن للمرء أن يخصص وقتاً من الأوقات وعبادة من العبادات إلا بدليل من الشرع لأن العبادة تتوقف على الشرع في سببها وفي جنسها وفي قدرها وفي هيئتها وفي زمانها وفي مكانها لابد أن يكون الشرع قد جاء في كل هذه الأشياء فإذا خصصنا عبادة من العبادات في زمن معين بدون دليل كان ذلك من البدع فتخصيص يوم العيد بزيارة المقبرة بدعة ليست واردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه وأما بالنسبة لزيارة النساء فإن زيارة النساء محرمة لا يجوز للنساء أن يزرن القبور لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) فكيف إذا حصل من زيارتهن ما ذكره السائل من البكاء والنياحة فإنه يكون ظلماً فوق ظلم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة) وأخبر (أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) والعياذ بالله فعلى النساء أن يتقين الله عز وجل وأن يبتعدن عن محارمه ولا يزرن المقابر وإذا كن يردن أن يدعون للأموات فليدعون وهن في بيوتهن والله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء.
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من الهفوف، من بخيت سعيد الدوسري يقول فيها نذهب أيام العيد للسلام على موتانا والترحم عليهم ويصر بعض أقاربنا من النساء على الذهاب معنا، ويقلن نحن ندخل على الله أن لا تحرمونا أحبابنا علماً أنهن لا ينحن ولا يجزعن في ذلك، هل نذهب بهن معنا أم لا؟ وفقكم الله
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى المقابر أيام الأعياد من البدع، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يخصون أيام الأعياد بزيارة القبور، لذلك ينهى الإنسان أن يزور القبور أيام الأعياد على اعتبار أن ذلك من السنن المقيدة بهذه الأيام، وإنما زيارة القبور مسنونة كل وقت، حتى في الليل كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع ذات ليلة وسلم عليهم، أما النساء فلا يجوز تمكينهن من الخروج من بيوتهن إلى زيارة القبور لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسروج) ، وكونهن أي النساء المذكورات يقلن للرجال ندخلكم على الله ما تحرمونا أحبابنا هذا لا يبرر لهم السماح لهن بالذهاب إلى المقبرة، فإن المستجير بالله عز وجل إذا استجار بالله من شخص منعه المحرم فإن الله تعالى لا يجيره، لأن الله لا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين، ولو كان من استجار بالله أو استعاذ به من أمر واجب عليه أو من فعل محرم عليه، لو كان ذلك سائغاً لكن ذلك مخالفاً لتحريم الله سبحانه وتعالى لما حرم، أو لإجابه لما أوجب لاقتضى أن يفعل الإنسان ما حرم الله عليه بهذه الوسيلة، وأن يترك ما أوجب الله عليه بهذه الوسيلة، فكل من استعاذ بالله أو استجار به ليمكن من فعل محرم فإنه لا يجار لأن الله لا يجيره.
***(9/2)
حفظكم الله يا فضيلة الشيخ السائل من الجزائر يسأل عن حكم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه والدعاء عند قبره؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غير شد رحل بأن يكون الإنسان قد قدم المدينة للصلاة بالمسجد النبوي مشروعة لأنه أحق الناس بزيارة قبره إذا لم يحتج إلى شد رحل فيقف أمامه أمام قبره وظهره إلى القبلة ويقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته صلى الله عليك وجزاك عن أمتك خيراً ثم يخطو خطوة واحدة عن يمينه ليكون تجاه أبي بكر رضي الله عنه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيرا ثم يخطو خطوة واحد عن يمينه ليكون تجاه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فيقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيرا ثم ينصرف ولا يقف للدعاء لأن هذا أعني الوقوف للدعاء ليس مأثوراً عن الصحابة رضي الله عنهم.
***(9/2)
أحسن الله إليكم يقول فضيلة الشيخ حفظكم الله أنا من سكان المدينة النبوية فهل يسن كلما دخلت المسجد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذهب من ناحية القبر للسلام أو التوجه تلقاء القبر في أي مكان من المسجد وأؤدي السلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يسن للإنسان كلما دخل المسجد النبوي أن يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويسلم عليه لأن هذا لم يكن من عهد السلف الصالح ولاشك أننا لا نحب الرسول عليه الصلاة والسلام كما يحبه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ومع هذا فلم يعهد أن أحدا منهم يتردد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلما دخل المسجد ذهب يسلم عليه ولم يعهد أيضا أن الواحد منهم يقف في أقصى المسجد ويوجه وجهه إلى القبر ويسلم عليه أبدا والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام مشروع في نفس الصلاة الإنسان يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته لكن مع الأسف الشديد أن كثيرا من الناس يتعبدون لله تعالى بما يجهلون نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
***(9/2)
السائل خليفة من المدينة المنورة يقول في سؤاله هل يجوز رفع اليد والدعاء أثناء السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم باتجاه بيته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المستحبة وهي أولى وأول ما يدخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة) ولكن يجب على الإنسان حين زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعتقد أنها عبادة لله وليس عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً يقول الله تبارك لرسوله صلى الله عليه وسلم (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهذه حقيقة حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله فالأمر كله إلى الله عز وجل النفع والضرر للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره كله لله عز وجل وهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ولو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وهو صلى الله عليه وسلم يمسه الضر كما يمس غيره ولهذا قال (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) ولكنه صلى الله عليه وسلم يمتاز عن غيره بأنه نذير مبين لقوم يؤمنون ولقد قاله الله تعالى له وأمره أن يعلن أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد ضراً ولا رشدا كما قال تعالى (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) وأمره أن يعلن شيئاً آخر فقال (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) فالواجب على من زار قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يؤمن بذلك أي بما وصف الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وألا يتجاوزه غلواً وألا يتأخر عنه تقصيراً فللرسول صلى الله عليه وسلم ما له بما جعله الله عز وجل له وللرب عز وجل ما له بما اختص به نفسه سبحانه وتعالى ثم إذا سلم فلا يطيل لأن الإطالة مخالفة لهدي السلف الصالح يقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبر فيقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صلِّ وسلم عليه واجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ثم يخطو عن يمينه خطوة ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه ويقول السلام عليك يا خليفة رسول الله رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا ثم يخطو خطوة أخرى عن يمينه ليكون أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول السلام عليك يا أمير المؤمنين رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا أو كلمات نحوها ثم ينصرف ولا يقف يدعو عند القبر وينبغي أن لا يكثر من هذه الزيارة خلافاً لمن يجعلها أي هذه الزيارة كلما صلى فريضة جاء فزار أو كلما صلى الفجر جاء فزار فإننا نعلم والله علم اليقين أننا لسنا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحبه الصحابة ولا نعظمه أكثر مما يعظمونه وإذا كانوا لا يفعلون مثل هذا فهم أسوتنا وقدوتنا قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فرضى الله عز وجل عمن كانوا بعد المهاجرين والأنصار لا يكون إلا لمن اتبعهم بإحسان أي أخذ بطريقتهم غير مقصر فيها ولا متجاوزاً لها وإنك لتعجب من قوم يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أكثر من تعظيم الصحابة له لكنهم يخالفونه في الأعمال تجد عندهم تقصيراً في كثير من السنن التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعبد الناس بها لربهم جلا وعلا بل إنك تجدهم مقصرين في الواجبات بل ربما تجد فيهم انتهاكاً للمحرمات ربما يكون فيهم من يحلق لحيته ربما يكون فيهم من يشرب الخمر ربما كان فيهم من يتتبع النساء بالمغازلة أو بالنظر المحرم أو ما أشبه ذلك فعجباً لهؤلاء أن يخالفوا السلف من الجهتين في الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام وفي التقصير في سنته وهديه وليس تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقف عند قبره لنزوره زيارة غير مشروعة وإنما تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بمحبته واتباعه ظاهراً وباطناً واعتقاد أن سنته خير السنن وأن هديه أكمل الهدي وألا نتجاوز ما شرعه لا تقصيراً ولا إفراطاً هذا هو تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام ولقد تحدى الله تعالى قوماً ادعوا أنهم يحبون الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فقال (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فنصيحتي لإخواني المسلمين ألا يتجاوزوا حدود ما أنزل الله على رسوله وأن لا يغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الغلو الجائر الذي يحرمون به خير سنته وخير هديه ولقد يعجب المرء أن يقف بعض الناس أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم متجها إلى قبره حانياً رأسه مغمضاً عينيه جاعلاً يديه على صدره كما يفعل في الصلاة بل هو أشد خشوعاً من وقوفه بين يدي الله عز وجل وهذا لا شك من الجهل العظيم وأستغفر الله إن كان هذا من تفريط العلماء وعدم بيان الحق لهؤلاء العامة الذين لا يفعل أكثرهم ما يفعل إلا أنه يظن أنه محسن ولكنه ليس بمحسن.
***(9/2)
هل صحيح إذا زار شخص قبر النبي عليه الصلاة والسلام حين يسلم عليه لا يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم سلامه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي من الأدلة الشرعية أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع سلامه عليه وأنه يبلغ إياه وكذلك أيضا أهل القبور إذا سلم عليهم فإنهم يسمعون لأن المسلم يقول السلام عليكم بكاف الخطاب وقد ورد حديث صححه ابن عبد البر وذكره ابن القيم في كتاب الروح ولم يتعقبه أنه (ما من رجل مسلم يمر بقبر رجل مسلم يعرفه فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه فرد عليه السلام) وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى قتلى المشركين في بدر وقال لهم (يا فلان ابن فلان يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعد ربي حقاً) فقال له عمر أو غيره ما تكلم يا رسول الله من أناس جيفوا فقال (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يسمعون وأما قوله تعالى (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فالمراد أنك لا تسمع الموتى إسماع إدراك ينفعهم فإن الميت لا يسمع إذا دعي وإذا نودي بحيث يجيب من دعاه وهذا هو المقصود من قوله (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) بدليل قوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) فنفى السماع عنهم لعدم انقيادهم فكذلك الموتى ينتفي عنهم السماع أو الإسماع لأنهم لا ينتفعون بذلك ولا يجيبون من أسمعهم هذا هو ما ظهر لي في هذه المسألة أنّ من سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمعه.
فضيلة الشيخ: لكن في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) هل المقصود بهم الموتى الذين فارقوا الحياة الدنيا أم الموتى الذين لم يستفيدوا من الرسالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو فيه احتمال إن أراد بالموتى يعني أنه شبّه حال هؤلاء الذين لا يستجيبون بالموتى وأنهم موتى القلوب وفيه احتمال أن المراد الموتى الموت حقيقة الذين ماتوا حقيقة وأنا أشرت إليها بأنه استدل بها من قال إن الموتى لا يسمعون كلام الأحياء مطلقاً وقالوا أيضاً عن قول الرجل إذا مرّ بالمقبرة السلام عليكم دار قوم مؤمنين إن هذا الخطاب لهم وإن كانوا لا يسمعون لأنه قد يخاطب من لا يسمع ويخاطب بكاف الخطاب وهو لا يسمع وليس بروح قالوا ويدل على ذلك قول عمر رضى الله عنه للحجر الأسود (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ولكن جوابنا على هذا أن يقال إن عدم سماع الحجر وعدم فهمه أمر واضح لأنه لم تحله روح من قبل وليس به شيء من عقل من قبل بخلاف الميت فإن الميت ترد عليه روحه بعد موته وإن كان رداً لا يساوي أو يماثل وجودها في بدنه في حال الحياة.
***(9/2)
كثيراً ما نسمع إذا أراد شخص أن يسافر إلى المدينة يقول له الأشخاص الباقيين سلم لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه منتشرة أيضاً في الآونة الأخيرة جداً ...
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه خطأ من الخطأ والجهل والبدعة لأن السلام عمل بدني لا تصح فيه الاستنابة الأعمال البدنية لا تصح فيها الإستنابة ولهذا لو قال شخص لآخر صلِّ عني ركعتين ما نفع هكذا أيضاً لو قال سلم لي على النبي عليه الصلاة والسلام ومن عجبٍ أن يعدل هذا الرجل عن نقل الملائكة الذين ينقلون سلام الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أحفظ وأثبت من بني آدم ثم نحملها هذا الرجل الذي يمكن أن يموت قبل أن يصل وربما ينسى وربما يحدث له علل وموانع تمنع من تنفيذ هذه الوصية وعلى كل حال هذا من البدع الذي يجب التحذير منها.
***(9/2)
هذه الرسالة من عودة أحمد من كركوك بالعراق يقول إنني أتساءل في زيارتي المقابر ويقولون إن قراءة سورة "ألهاكم التكاثر" عند دخول المقبرة يؤجر قارئها وهل البكاء في المقبرة حرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور مستحبة للرجال لكن المقصود بها هو الاتعاظ والتذكر تذكر الإنسان مآله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وكذلك يقصد منها الدعاء للأموات كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى المقبرة سلم عليهم ودعا لهم وأما قراءة ألهاكم التكاثر عند دخول المقابر فلا أعلم فيها سنة فلا يسن للزائر قراءتها لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما البكاء في المقبرة فلا بأس به إذا لم يصل إلى حد النياحة أو الندب ولكننا ننصح من علم من نفسه أنه إذا ذهب إلى المقبرة تذكر قريبه أو صديقه ثم جعل يبكي لأن ذلك مما يجدد الأحزان والشيء الذي يجدد الأحزان لا ينبغي للإنسان أن يتذكره بل يبتعد عنه حتى ينسى هذه المصيبة ويشتغل بمصالح دينه ودنياه.
***(9/2)
هل تجوز قراءة الفاتحة على الموتى وهل تصل إليهم أفيدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب قراءة الفاتحة على الموتى لا أعلم فيها نصاً من السنة وعلى هذا فلا تقرأ لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على ثبوتها وأنها من شرع الله عز وجل ودليل ذلك أن الله أنكر على من شرعوا في دين الله ما لم يأذن به الله فقال تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وإذا كان مردوداً كان باطلاً وعبثاً وينزه الله عز وجل أن يتقرب به إليه وأما استئجار قاريء يقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت فإنه حرام ولا يصح أخذ الأجرة على قراءة القرآن ومن أخذ أجرة على قراءة القرآن فهو آثم ولا ثواب له لأن القرآن عبادة ولا يجوز أن تكون العبادة وسيلة إلى شيء من الدنيا قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وإذا كان هذا القارئ آثماً فلا ثواب له وإذا لم يكن له ثواب فإنه لن يصل الميت من قراءته شيء لأن وصول الثواب إلى الميت فرع عن ثبوته لهذا القارئ ولا ثواب لهذا القارئ فلا يصل للميت شيء من الثواب وعلى هذا فيكون استئجار هؤلاء القراء إثماً ومعصية وإضاعة للمال وإضاعة للوقت ونصيحتي لإخواني الذين ابتلوا بهذا أن يقلعوا عنه وأن يتوبوا إلى الله تعالى منه وأن يستعيضوا عنه بما دلت عليه النصوص من الدعاء للميت فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فإذا أراد الإنسان أن ينفع ميته بشيء فليكثر من الدعاء له ولا سيما في أوقات الإجابة كآخر الليل وحال السجود وبين الأذان والإقامة ومن تمشى على شريعة الله ونبذ البدع في دين الله نال خيراً كثيراً.
***(9/2)
يقول في الآونة الأخيرة ظهرت عندنا عادة ونستطيع أن نسميها بدعة وهي عندما يموت ميت يرفعون صوت قراءة القرآن بمكبرات الصوت في بيت العزاء وعندما يحملونه بسيارة الموتى إلى المقبرة فإنه أيضاً يرفعون صوت القراءة غالباً بالمكبرات حتى صار الواحد لمجرد سماعه القرآن يتبادر إلى ذهنه أن هنالك ميتاً فيتشاءم من سماعه القرآن وبالأحرى أصبح لا يفتح على قراءة القرآن إلا عند موت إنسان ما الحكم بهذه الظاهرة الغريبة يا شيخ محمد وهل لكم من كلمة خير توجهونها عبر برنامجكم للناس بهذا الخصوص حتى لا يبتعد الناس أكثر وأكثر عن القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن نقول إن هذا العمل بدعة بلا شك فإنه لم يكون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه والقرآن إنما تخفف به الأحزان إذا قرأه الإنسان بنفسه بينه وبين نفسه لا إذا أعلن به على مكبرات الصوت التي يسمعها كل إنسان حتى اللاهون في لهوهم حتى يستعملون المعازف وآلات اللهو تجدهم يسمع القرآن وتسمع هذه الآلات وكأنما يلغون في هذا القرآن ويستهزئون به ثم إن اجتماع أهل الميت لاستقبال المعزين هو أيضاً من الأمور التي لم تكن معروفة حتى أن بعض العلماء قال إنه بدعة ولهذا لا نرى أن أهل الميت يجتمعون لتلقي العزاء بل يغلقون أبوابهم وإذا قابلهم أحد في السوق أو جاء أحد من معارفهم بدون أن يعدوا لهذا اللقاء عدته ودون أن يفتحوا الباب فإن هذا لا بأس به وأما اجتماعهم وفتح الأبواب لاستقبال الناس فإن هذا شيء لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كان الصحابة يعدون اجتماع أهل الميت وصنع الطعام من النياحة والنياحة كما هو معروف من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) نسأل الله العافية فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يتركوا هذه الأمور المحدثة فإن ذلك أولى بهم عند الله وهو أولى بالنسبة للميت أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وبنياح أهله عليه يعذب يعني يتألم من هذا البكاء وهذه النياحة وإن كان لا يعاقب عقوبة الفاعل لأن الله تعالى يقول (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) والعذاب ليس عقوبة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن السفر قطعة من العذاب) بل إن الألم والهم وما أشبه ذلك يعد عذاباًَ ومن كلمات الناس العابرة يقول عذبني ضميري إذا اعتراه الهم والغم الشديد والحاصل إنني أنصح إخواني عن مثل هذه العادات التي لا تزيدهم من الله تعالى إلا بعداً ولا تزيد موتاهم إلا عذاباً.
***(9/2)
جزاكم الله خيراً البعض من الناس يأتون كل يوم جمعة ويدفعون مبلغاً من المال لأناس امتهنوا قراءة القرآن عند القبور ظناً منهم بأن ذلك ينفع الموتى فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في جواب السؤال الأول إن هذا لا ينتفع به الميت ثم هؤلاء الذين يقرؤون من أجل ما يعطون من المكافئة محروم من الأجر لأن كل إنسان أراد الدنيا بعمل الآخرة فليس له في الآخرة من خلاق وليس له نصيب من الأجر فمن استأجر قارئاً يقرأ القرآن إما عند القبور وإما عند المصيبة فإنه لا أجر لهذا القارئ وبالتالي لا أجر لمن استأجره ثم إن استئجاره أيضاً فيه ظلم له لأنهم يعوِّدوه على أن يتعبد عبادة يريد بها الدنيا وقد قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
***(9/2)
يقول عند زيارتي لمقبرة أو مرقد لأحد الرجال الصالحين بعد السلام أقرأ سورة الإخلاص ثمانية مرات وأدعو الله للأموات أو صاحب المرقد مبتدئاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أختم قراءتي ودعائي بقولي وأهدي لهم مني ثواب سورة الفاتحة وأقرأها فهل عملي هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول قراءة سورة الإخلاص ثمانية مرات بعد السلام هذا لا أصل له من الشرع وهو من البدع المستحدثة عند فاعليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) وكذلك إهداء سورة الفاتحة لهم هو أيضاً من الأمور التي لم يأت بها الشرع عند زيارة القبور , وإنما شرع النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور أن يقول الزائر (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستاخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) فهذا السلام الجامع بين الدعاء لهم وبين السلام والتحية هو خير ما يقوله المرء بما في ذلك من اتباع السنة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ثمت أمرٌ أفضل من ذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أعلم الناس بما هو أنفع وأنصح الناس للخلق فلا يمكن أن يدع الشيء الأفضل ثم يرشد أمته إلى ما دونه بهذا ننصح أخانا السائل ألا يتجاوز ما جاءت به السنة عند زيارة القبور وأما صلاة الركعتين التي أشار إليها في آخر السؤال عند القبر فهذا إذا كان في مقبرة فإنه لا يجوز لأن الصلاة في المقبرة حرامٌ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور) فالصلاة إلى القبر بمعنى أن يكون القبر بينك وبين القبلة هذا حرام ولا يجوز وكذلك أيضاً المقبرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) فالمقبرة ليست محلاً للصلاة وإنما يستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه (أنه خرج إلى جنازة رجل دفن أو امرأة كانت تقم المسجد فلما علم بها خرج إليها فصلى على القبر صلى الله عليه وسلم) ولا يستثنى شيء من الصلاة تصلى في المقبرة إلا صلاة الجنازة.
فضيلة الشيخ: يقول وهل يجوز الدعاء له وهل يجب على من دخل مقبرة أن يقرأ سورة يس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا. لا يجب أن يقرأ سورة يس ولا يشرع أن يقرأ أيضاً بل نقول له لا تقرأ وإنما تفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما ذكرناه في أول الجواب.
***(9/2)
المستمع من العراق يقول بعض من الناس الذي يصلى والذي لا يصلى عند ما يمر من المقبرة يقرأ سورة الفاتحة هل ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مثل هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور مشروعة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها وقال عليه الصلاة والسلام (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكر الآخرة وفي لفظ تذكر الموت) والأمر كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم فإن الرجل إذا مر بالمقبرة ورأى هذه الأجداث وتصور وقت كان أصحابها فيها وأنهم الآن مرتهنون بأعمالهم وأن هؤلاء القوم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يذهبون ويأكلون ويشربون ويتمتعون بزخارف الدنيا تذكر حاله هو أيضاً بأنه سيكون عن قريب مثل هؤلاء مرتهن بعمله لا يستطيع زيادة في حسناته ولا نقصاً من سيئاته فيتذكر ويعتبر ويزداد استعداداً للموت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور لكن أمره هذا خاص بالرجال أما النساء فقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة لكن لو مرت المرأة بالمقبرة بدون قصد زيارة ووقفت ودعت بما يسن الدعاء به فإن هذا لا بأس به كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم وأما خروجها من بيتها لقصد الزيارة فإن هذا داخل في لعنة الله وأما من زارها فإن المشروع له أن يقول (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لا حقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وأما قراءة الفاتحة عند زيارة القبور فإنه لا أصل لها ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لا ينبغي للإنسان قراءتها لأنها غير مشروعة بل ينبغي له أن يدعو بالدعاء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه آنفاً.
***(9/2)
أحمد محمد أحمد من مصر العربية يقول في رسالته عندما نمر على القبور نسلم على أهلها ونقرأ الفاتحة هل هذا العمل صحيح أفيدونا مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زار الإنسان المقبرة فإنما يزورها للدعاء لهم والاعتبار بحالهم يزور المقبرة للدعاء لأهل القبور والاعتبار بحالهم وتذكر الآخرة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور بعد أن نهى عنها فقال صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة) وشرع لأمته إذا زاروا القبور أن يدعوا لأهل القبور فيقولوا (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وأما قراءة الفاتحة عند زيارة القبور فإنه لا أصل لها بل وليست بسنة ولا ينبغي للإنسان أن يقرأ الفاتحة في هذه الحال وإنما يفعل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه أمته من السلام المقرون بالدعاء وقد تلوناه قبل قليل.
***(9/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم وفي علمكم هل الدعاء في المقابر جائز يذهب البعض من الناس إلى المقابر ويدعون ويقولون ندعو للأموات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الخروج إلى المقابر والسلام على أهل القبور والدعاء لهم فهذا سنة جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الخروج إلى المقابر لدعاء الله تعالى عندها فهذا بدعه بدعة منكرة فإن الله تعالى يدعى في كل مكان إلا في الأماكن القذرة التي ينزه الله تبارك وتعالى عن دعائه فيها فهو يدعى في المساجد وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان ولم يرد خبر في دعاء الله تبارك وتعالى في المقبرة فلهذا نقول من قصد المقبرة لدعاء الله تعالى فيها فإنه مبتدع ينكر عليه فعله أما إذا كان يذهب إلى هناك لاعتقاده بركة الشيخ الفلاني أو الشيخ الفلاني فهذا أشد وأشد فعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله ويقلع عن هذا الذنب وينصح إخوانه الذين يفعلونه وفي ظني أن غالب من يفعل ذلك لا يحملهم عليه إلا الجهل والتقليد الأعمى وإلا فلو أن الإنسان رجع إلى مجرد التفكير لوجد أن هذا سفه أن يخرج إلى المقبرة ليدعو الله هناك.
***(9/2)
يقول هذا السائل يا فضيلة الشيخ أخبرني أحد المصلىن في مسجد الحي بأنه يوجد في بلاده أن بعض المسلمين هداهم الله يوزعون الورود والرياحين وأشباه ذلك على قبور موتاهم والدعاء لهم برفع اليدين تجاه القبور فأخبرته بأن هذا لا يجوز وأن هذا بدعة فما نصيحتكم لمثل هؤلاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يكون عملهم على منهج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج إلى المقابر يسلم عليهم ويدعو لهم ولم يكن يحمل معه الزهور توضع على قبورهم ولم يكن عليه الصلاة والسلام يدعو لهم مستقبل القبلة رافعاً يديه بل كان يقول (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) ثم كذلك أيضاً لا يدعو هؤلاء المقبورين فإن دعوتهم شركٌ أكبر والعياذ بالله لأنه لا يمكن أن يقدروا على إجابته أبداً قال الله تبارك وتعالى (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) .
***(9/2)
هل ورد في زيارة القبور يوم الجمعة فضل عن بقية الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يخص يوم الجمعة بزيارة المقبرة وكذلك لا يخص يوم العيد بزيارة المقبرة وعلى هذا فلا ينبغي أن نخصص يوم من الأيام لزيارة القبور فزيارة القبور مستحبة كل وقت ليلا أو نهارا في أي شهر وفي أي يوم وتخصيص يوم معين للزيارة لا أصل له في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
***(9/2)
هل زيارة القبور وقراءة الفاتحة على أولياء الله تجوز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب زيارة القبور سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نهى عنها كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في قوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكركم الآخرة) رواه مسلم فزيارة القبور للتذكر والاتعاظ سنة فإن الإنسان إذا زار هؤلاء الموتى في قبورهم وكان هؤلاء بالأمس معه على ظهر الأرض يأكلون كما يأكل ويشربون كما يشرب ويتمتعون بدنياهم فأصبحوا الآن رهناً لأعمالهم إنْ خيراً فخير وإنْ شراً فشر فإنه لا بد أن يتعظ ويلين قلبه ويتوجه إلى الله عز وجل بالإقلاع عن معصيته إلى طاعته وينبغي لمن زار المقبرة أن يدعو بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به وعلمه أمته (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستاخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) يقول هذا الدعاء ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة عند زيارة القبور وعلى هذا فقراءة الفاتحة عند زيارة القبور خلاف المشروع عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما زيارة القبور للنساء فإن ذلك محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة هذا إن خرجت من بيتها لقصد الزيارة فأما إذا مرت من المقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج عليها أن تقف وأن تسلم على أهل المقبرة بما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته فيفرق بالنسبة للنساء بين من خرجت من بيتها لقصد الزيارة ومن مرت بالمقبرة بدون قصد فوقفت وسلمت فالأولى التي خرجت من بيتها لأجل الزيارة قد فعلت محرماً وعرضت نفسها للعنة الله عز وجل وأما الثانية فلا حرج عليها.
***(9/2)
التعزية(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع يوسف محمد يقول كيف يكون العزاء على الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العزاء على الميت هو أن يذكر للإنسان المصاب بالميت ما يكون به تقوية له على الصبر وتحمل المصيبة وأحسن ما يعزى به ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته حين أصيب طفل لها فقال عليه الصلاة والسلام لرسول أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى مرها فلتصبر ولتحتسب) هذا أحسن ما يعزى به المصاب وأن عزاه بغير ذلك من العبارات التي تفيد تصبير الرجل على المصيبة وتحميله للصبر عليها فإن ذلك لا بأس به لكن المحافظة على ما جاءت به السنة أولى من غيرها ثم إن العزاء ليس بالأمر الذي يعتبر شيئا لازما بحيث تفتح له الأبواب وتشعل له الأضواء وتقام له الكراسي وتصنع له الأطعمة هذا كله من البدع المحدثة التي ينهى عنها لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون صنع الطعام والاجتماع عليه عند أهل الميت من النياحة والنياحة محرمة بل من كبائر الذنوب لذلك نرى أن التعزية المشروعة أنك متى وجدت المصاب في البيت أو في السوق أو في المسجد إذا كان من أهل السوق والمسجد ورأيته محزون أن تصبره وأن تقول له اصبر واحتسب فلله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى وما كان فلن يتغير عن ما كان وهذه الدنيا كل راحل عنها وما أشبه ذلك من الكلمات التي تجعله يتحمل هذه المصيبة وأما ما أشرت إليه من ما يفعله بعض الناس في العزاء ويقيمونه كأنما يقيمون ليالي العرس فإن هذا بدعة منكر لا سيما أنه يحصل أحياناً اجتماع مختلط وأحياناً يحصل اجتماع على قاريء يأجرونه أن يقرأ على روح الميت زعموا وهو في الحقيقة لا ينتفع الميت بقراءته لأن هذا القارئ غالبا إنما يقرأ بالفلوس ومن قرأ للفلوس فلا ثواب له لأن ما يراد به وجه الله إذا أريدت به الدنيا فإنه باطل قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فنصيحتي لإخواني الذين اعتادوا هذه العادة السيئة أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يغلقوا أبوابهم وأن لا يفتحوا لأحد كما أنصح لإخواني الذين يأتون من بعيد يتوافدون على أهل الميت لإقامة العزاء كما زعموا أنصحهم أن لا يحركوا ساكنا وأن يبقوا في بلادهم وأن يتصلوا على المصابين بالهاتف ويعزوهم أو يكتبوا لهم رسائل يعزونهم بها وأما هذه الوفود الجياشة التي تأتي من كل مكان فهي في الحقيقة تعب بدني ومالي وديني لأنه اجتماع على غير أمر مشروع بل على أمر محدث فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعون لهم بإحسان هل كانوا يقيمون مثل هذا العزاء هذه سيرهم بين أيدينا لم يكونوا يفعلون ذلك أبدا وإنما هذا أمر محدث ولا يبعد أن يكون سببه استعمار النصارى لبعض البلاد الإسلامية فإن النصارى وغيرهم من الكفار يرون أن هذه المصائب مصائب مادية محضة فيريدون أن يسلوا أنفسهم بمثل هذه الاجتماعات عن التفكير فيها لكن المؤمن لا يتسلى بمثل هذه الأمور المؤمن يتسلى بإيمانه يتسلى بتوكله على الله واعتماده عليه يتسلى برضاه بقضائه وقدره يتسلى بأمور معنوية روحية ليست مادية محضة كما يفعل الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لكن تلقفها بعض الناس وأخذوا بها ثم صارت عادة ونسأل الله لنا ولإخواننا أن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
***(9/2)
تقول السائلة من السويد أحيانا نضطر لزيارة بعض المسلمين لأداء الواجب كالتعزية أو التهنئة ولكنهم لا يجلسون النساء على حدة والرجال على حدة أي لا يلتزمون بهذا الأمر الشرعي فهل نقوم بمقاطعتهم ولا نقوم بزيارتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عبرت هذه السائلة عن التعزية والتهنئة بالواجب وليس هذا بصواب فالتعزية ليست واجبة إنما هي سنة وليست سنة لكل قريب مات له قريب ولكنها سنة لتعزية المصاب بالميت سواء كان قريبا أو غير قريب وإذا كانت العلة هي المصيبة فمن كان لم يصب بالموت من قريبه فإنه لا يعزى ومن أصيب بموت صديقه أو زميله فإنه يعزى فليست العلة في التعزية القرابة ولكنها الإصابة متى علم أن هذا الإنسان مصاب فإنه يعزى ويقال له اصبر واحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى وهذه الدار ليست دار بقاء والذي لم يمت اليوم يموت غدا وما أشبه ذلك من الكلمات التي تسليه وترفع عنه حر المصيبة وعلى كل ليست واجبة أعني التعزية بل هي من المستحب فإذا لزم من الحضور إلى التعزية اختلاط النساء بالرجال فإنها لا تجوز لأنه لا يمكن أن يفعل شيء مندوب لشيء محرم وكذلك التهنئة من باب أولى فإن التهنئة ليست بواجبة غاية ما في ذلك أنها مباحة فهي أقصر من التعزية لأن التعزية سنة للمصاب وهذه مباحة فقط فإذا لزم من التهنئة المخالطة بين الرجال والنساء فإنه لا يجوز الذهاب إليها إلا من كان له سلطة بحيث إذا ذهب أمكنه أن يعزل النساء عن الرجال فحينئذٍ يكون ذهابه واجباً من أجل إزالة هذا المنكر.
***(9/2)
متى يكون العزاء هل هو بعد سماع نبأ وفاة الميت أم بعد الدفن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العزاء يكون من حين أن يموت الميت يعزى به لأنه انتقل عن الدنيا وذهب وليس من شرط ذلك أن يكون بعد الدفن ثم إنه أيضاً لا يتقيد بالأقارب فقط قد يكون الإنسان مصاباً بصديقٍ له أو بصاحبٍ له أكثر من إصابته بقريبه فكل مصاب بالميت من قريب أو صديق أو صهر أو غير ذلك يسن أن يعزى والمقصود من التعزية كما أسلفت تقوية الإنسان على تحمل هذه المصيبة.
***(9/2)
ماذا يقول المعزِّيِ وماذا يقول المعزَّىَ؟.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن كلمة تعزية معناها تقوية يعني تقوية المصاب على تحمل المصيبة والصبر عليها وعلى هذا فمن مات له ميت ولم تلحقه مصيبة بموته لا يعزى يعزى على أي شيء؟! ومن مات له ميت وأصيب به وحزن عليه فإنه يعزى سواء كان من أقاربه أو أصدقائه أو زملائه أو أهل بلده المهم أن نعلم أن هذا الرجل حزن لفراق هذا الميت فإننا نعزيه ما معنى نعزيه؟ أي نأتي بكلمات يتعزى بها ويستعين بها على الصبر ومن أحسن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال لإحدى بناته وعندها صبي في النزع قال (فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى هذا فيه أكبر تعزية فلتصبر يعني على المصيبة ولتحتسب يعني ثوابها عند الله عز وجل فإن لله ما أخذ وله ما أعطى تفويض الأمر إلى الله له ما أخذ وله ما أعطى، الخلق كله ملك لله عز وجل فلماذا نحزن أن تصرَّف في ملكه كما شاء كل شيء عنده بأجل مسمى يعني معناه شيء مؤجل لا يمكن تغييره الحزن لا يرد غائباً ولا يحي ميتاً كل شيء بأجل مسمى محدد لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون هذه الكلمات العظيمة إذا وردت على قلب مصاب اطمأن قال إن صبرت واحتسبت أثبت على الصبر وعلى الاحتساب وإن نظرت إلى أن الملك ملك الله يتصرَّف فيه كما شاء اقتنعت هذا ملكه يفعل ما يشاء وإذا علمت أن كل شيء مؤجل علمت أن هذا الذي مات لا يمكن أن يتقدم ولا يتأخر لابد أن يقع الأمر كما كتب فيتسلى بهذا ويخف عليه الحزن وربما إذا تكرر هذا الدعاء من أشخاص يزول الحزن بالكلية إذن أحسن ما يعزى به هذا الكلام اصبر واحتسب لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى وإذا قال كلمات أخرى مما يناسب مثل أن يقول هذه هي الدنيا ونحن صائرون إلى ما صار إليه ولم يخلد أحد وما جعل الله لبشر الخلد وما أشبه ذلك فأرجو أن لا يكون به بأس ولو اقتصر على الوارد لكان فيه خير أما بالنسبة للمعزَّى فيقول جزاك الله خيراً وأعاننا وإياك على الصبر وما أشبه ذلك من الكلمات المناسبة.
***(9/2)
هذه رسالة وردتنا من مقدمها سالم عبده غالب من الأحساء العيون يقول تكلم أحد خطباء الجمعة فقال إن التعزية لأهل الميت لا تجوز إلا في المقبرة وأنها لم يفعلها لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم بينوا لنا عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نبين ذلك بأن نقول مقصود الأخ الخطيب أن الاجتماع للتعزية أمر ليس بمشروع مثل أن يجتمع أهل الميت وأقاربه في البيت فيأتي الناس إليهم فإن هذا ليس بمشروع وهو كما قال الخطيب فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولهذا قال بعض أهل العلم إن جلوس الإنسان للتعزية في بيته مكروه وبعضهم قال إنه محرم فلا يجوز وإنما يُعزى الإنسان حيث وجد في المسجد في السوق في المقبرة في أي مكان مادام لم ينس المصيبة أما إذا نسيها وزال أثرها عنه فإنه لا فائدة من إعادة التعزية لأنها تكون أي التعزية في هذه الحال تذكيراً للمصيبة والمقصود بالتعزية التقوية على تحمل الصبر على المصيبة فإذا فاتت بنسيانها وطول المدة فإنه لا يعزى.
***(9/2)
تقول السائلة هل يكفي في العزاء المصافحة دون التقبيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العزاء هو ما يقال للمصاب بمصيبة من كل كلام يقويه على المصيبة ويبين له أجر الصبر والاحتساب وليس فيه مصافحة وليس فيه تقبيل أيضاً فإن ذلك لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن العزاء ليس مخصوصاً بالكلمات المعروفة عند الناس وهي قولهم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك بل العزاء بما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم إحدى بناته حين أرسلت إليه رسولاً تخبره بأن طفلة لها محتضرة وتطلب منه الحضور فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرسول الذي أرسلته إحدى بناته قال له (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فهذه هي الكلمات التي فيها العزاء. العزاء العظيم لأنها كلمات جامعة نافعة صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله تعالى بالبينات والهدى ثم إنه يجب عند العزاء أن تجتنب النياحة وهي البكاء برنة كما تنوح الحمامة فإن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) والعياذ بالله ولهذا كره أهل العلم أن يصنع أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه للاجتماع لأن هذا يفتح باب النياحة وباب الندب ويبقي أثر المصيبة حتى لا ينسى والذي يجب على المصاب أن يحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى وأن يصبر وأن يعلم أن المقدور كائن لا محالة وأن المقدِّر له هو الله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع عوض الله يقول في سؤاله هل يجوز الدعاء للميت بعد موته أو في مجلس من المجالس أرجو إفادة في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تدعو لأخيك المسلم بعد موته وفي حياته سواء كنت منفرداً أو كنت في مجلس من المجالس وقد أثنى الله عز وجل على المؤمنين الذين جاؤوا من بعد المهاجرين والأنصار (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .
***(9/2)
ماحكم ما يفعله كثير من الناس من الإعلان في الصحف أو في المجلات عن قبول التعزية في منزل فلان أو التعزية في منزلنا الكائن في كذا وكذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الإعلان هنا مكروه أو محرم بناء على القول بأن الاجتماع لها مكروه أو محرم فإن قلنا إن الاجتماع لها محرم صار الإعلان عنها محرماً وإن قلنا أن الاجتماع لها مكروه صار الإعلان عنها مكروهاً ولا ينبغي أيضاً للمصاب أن يعلن هذا حتى لو فُرض أنه مباح فإنه لا ينبغي أن يعلن لأن معنى إعلانه أنه يقول للناس تعالوا عزوني وهذا أمر لا يستساغ طبعاً وليس بمحمود شرعاً.
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول يا شيخ محمد التعزية في الجرائد ما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعزية بالجرائد أخشى أن تكون من النعي المذموم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن النعي) والغالب أن المقصود بالتعزية في الجرائد الإعلان عن موت هذا الرجل الذي يعزى به وإلا فيمكن للمعزي أن يكتب كتاباً لأهل الميت أو يتصل بهم بالهاتف ويغني عن الإعلان.
***(9/2)
تقول بأنها فتاة توفي والدها قريباً وقد نصحها كثيرٌ من الناس بأن لا تبكي على والدها فهل بكائي تقول على والدي يضره علماً بأنه تقول في بعض المرات لا أستطيع أن أمنع نفسي من البكاء وخصوصاً إذا رأيت ثيابه وأغراضه وأذكر ما يقوم به من مساندةٍ لنا وجهونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إنه ليس عليها حرج في بكائها على أبيها لأن هذا أمرٌ فطري ولا يمكن للإنسان أن يدفعه لا سيما إذا تذكر الإنسان مصابه أو رأى شيئاً من آثاره من كتبٍ أو ثيابٍ أو مجالس أو ما أشبه ذلك ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يعتصم بالله تبارك وتعالى وأن يتصبر ولا يكثر ذكر مصابه بمفقوده لأنه كلما أكثر تذكره تجدد الحزن والإنسان مأمورٌ بأن يطرد الأحزان عن نفسه وأن يدخل عليها السرور بقدر المستطاع أما الإنسان الذي يستجلب البكاء فهذا هو الذي ينهى عنه لا سيما إذا كان معه نياحة أو ندبة فالنياحة أن يأتي بصوت البكاء كنوح الحمام، والندبة أن يندب الميت فيقول يا أبتاه يا من يأتي إلينا بكذا ويأتي للبيت بكذا وما أشبه ذلك وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين بما قد يقع وهو قليل والحمد لله في بعض الصحف تجد الكاتب يكتب عن صاحبٍ له مات فيخاطبه ويقول يا فلان يا من نستأنس به في مجالسنا يا من نخلو وإياه صباحاً ومساءً يا من يعلمنا بأحاديثه الطيبة وما أشبه ذلك وهذا من الندب المنهي عنه فينبغي للإنسان أن لا يثير الأحزان في نفسه ولا في غيره أيضاً.
***(9/2)
المستمعة أم عارف تقول في هذه الرسالة إننا قبائل ولنا عادات في العزاء وهي إذا مات الميت عند أحدٍ منا أو عند أقاربنا يكون العزاء عنده ثلاث أيام بلياليهن دون أن يكون في هذا أي كلفة ولا تقدم القهوة ولكن يحضرون الناس عند صاحب المصاب من أقاربه يدومون ثلاثة أيام متواصلة وأنا علمت من برنامجكم أن الاجتماع هو نوع من النياحة فهل في ذهابي إلى التعزية حرج نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أن موت الحبيب مصيبة يصاب بها العبد كما قال الله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) وهذه المصيبة يجب عليه أن يقابلها بالصبر وينبغي له أن يحتسب أجرها لله عز وجل فإن هذه المصائب مكفرةٌ للذنوب وإذا صبر الإنسان عليها أثيب ثواباً آخر ثواب الصابرين فليصبر وليحتسب وليقل ما أرشده الله إليه (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وما جاءت به السنة (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) فإن الإنسان إذا فعل ذلك بإيمان آجره الله عليها وأخلف له خيراً منها كما جاء ذلك في حديث أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها أبو سلمة وكان من أحب الناس إليها فقالت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها وكانت تقول: مَن خيرٌ من أبي سلمة؟! يعني تتوقع من هذا الذي يكون خيراً منه فلما انتهت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان خيراً لها من أبي سلمة ثم إن المصاب ينبغي لإخوانه المسلمين إذا رأوا مصاباً متأثراً بالمصيبة أن يفعلوا ما يقويه على مكابدة هذه المصيبة وتحملها فيعزونه بما يكون عزاءً له وتقويةً له وأحسن ما يعزى به ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما إحدى بناته أرسلت له تخبره أن صبياً لها كان منهكاً أو كان في النزع فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أرسلته (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) هذه الكلمات العظيمة النيرة إذا تأملها الإنسان صبر واحتسب وعلم أنه لا راد لقضاء الله وأن الأمر من الله إليه وأن الحزن والغم لا يأتيان بخير بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (يعذب الميت ببكاء أهله عليه) يعني يشق عليه ذلك ويتألم ويهتم وليس هذا عذاب عقوبة لأنه (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ولأن البكاء الذي يحصل للإنسان بمجرد الطبيعة وليس يتكلفه ليس فيه شيء فلا يعاقب عليه لا الباكي ولا الميت لكن الميت يحس بهذا البكاء ويتألم ويتعذب وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم (السفر قطعةٌ من العذاب) ليس معنى أن السفر قطعةٌ من العقوبة المهم أنه ينبغي للمسلم إذا رأى أخاه متأثراً أن يعزيه بالكلمات التي تقوي قلبه وتعينه على تحمل هذه المصيبة وليس المراد من العزاء إقامة المآتم والاجتماع بالناس يَفِدون من كل وجه وربما يصنعون أطعمة وربما يوقدون اللمبات الكثيرة وربما يضربون الخيام حول البيت وما أشبه ذلك من الأمور المنكرة التي ليس فيها إلا عنوان الاحتجاج على قدر الله عز وجل وعدم الرضا بقضائه أو إظهار الفرح والسرور بفقد هذا الميت لأن مثل هذا الفعل ينبيء بأحد أمرين إما السخط على قضاء الله وقدره ومقابلة ذلك بمثل هذه الأمور وإما أن الإنسان يفرح بموته ويجعل هذا كالنزهة لكن الغالب القصد الأول أن هذا إظهار السخط والألم والحزن وما أشبه ذلك وقد كان السلف يعدون الاجتماع إلى أهل الميت من النياحة فالواجب الحذر من هذا الشيء وحفظ الوقت وحفظ المال وحفظ التعب وإتعاب الناس وإزالة هذه الأشياء المنكرة ثم إن بعض الناس يهدي إلى أهل الميت أطعمة وغنماً وما أشبه ذلك يتشبثون بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) وهذا في الحقيقة لا مستند لهم فيه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لقد أتاهم ما يشغلهم) فآل جعفر لما أتاهم خبر موته حزنوا لذلك ولم يكن لديهم التفرغ لصناعة الطعام فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصنع لهم طعام ونحن الآن في وقتنا ولله الحمد لا يشغلنا مثل هذا الشيء عن إصلاح الطعام لأن إصلاح الطعام ميسر وسهل تقوم به الخدم إن كان هناك خادم أو يشترى من أدنى مكانٍ من المطاعم وليس في ذلك مشقة أبداً ثم إن الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر أن يصنع لآل جعفر طعاماً وليس أن يهدى إليهم الذبائح والغنم وما أشبه ذلك فالذي أدعوا إليه إخواني المسلمين أن يوفروا على أنفسهم التعب وإضاعة الوقت وإضاعة المال وأن يكفوا عن هذا الأمر لأنه ليس لهم فيه خير بل هم إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة
***(9/2)
ما حكم الذهاب من مدينةٍ إلى أخرى لتقديم التعزية أو للصلاة على الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل أن هذا لا باس به لكني أخشى أن ينفتح على الناس بابٌ بالمباهاة فيه فيتعب الناس ويتعبون لأنه إذا صار هذا عادة صار المتخلف عنه عرضةً للكلام وانتهاك عرضه فصار ما ليس بسنةٍ سنةً فالذي أرى أنه لا ينبغي أن يذهب للصلاة على الميت إذا كان مسافة قصر أو للتعزية اللهم إلا أن يكون قريباً جداً كالأب والأم والأخ والأخت والعم وابن الأخ والخال وابن الأخت فهذا قد يقال إنه لا بأس به لقوة القرابة ولأن هذا لا يتأتى لكل أحد فلا يخشى أن ينفتح الباب على الناس والتعزية المراد بها التقوية على تحمل المصيبة ليست تهنئة تطلب من كل واحد فهي تقوية للمصاب أن يصبر ويحتسب فإذا لم يكن مصاباً بميت فلا يعزى أصلاً لأن بعض الناس قد لا يصاب بموت ابن عمه مثلاً لكونه في خصامٍ معه قبل موته وتعب فلا يهمه أن يموت أو يحيى فمثل هذا لا يعزى. يعزى على ماذا؟! بل لو قيل إنه يهنأ بموته إذا كان متعباً له لكن إذا رأينا شخصاً مصاباً حقيقة متأثراً فإننا نعزيه تعزيةً تشبه الموعظة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إحدى بناته حينما أرسلت إليه أن ابنها أو ابنتها في سياق الموت فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي جاء يدعوه (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) مثل هذا إذا ورد على النفس اقتنع الإنسان وهانت عليه المصيبة أما أن نذهب لنعزي فنزيد الحزن حزناً ونجلس نتذكر محاسن الميت وأفعاله في حياته ومعاملته الحسنة فهذا من الندب المنهي عنه لذلك اتخذ الناس اليوم التعزية على وجهٍ ليس بمشروع ففي بعض البلاد تقام السرادقات والإضاءات والكراسي وهذا داخل وهذا خارج حتى إنك لتقول إن هذه حفلة عرس ثم يأتون بقاريء يقرأ القرآن، يقرأ القرآن بأجرة مالية فيباع كتاب الله تعالى بالدراهم والدنانير وهذا الذي يقرأ القرآن لا يقرأ إلا بأجرة ليس له ثواب وليس له أجر ولا ينتفع بذلك الميت فيكون بذل المال له إضاعةً للمال ولا سيما إذا كان من التركة وفي الورثة أناسٌ قاصرون فيكون انتهب من مال هؤلاء القصار مالاً بغير حق بل بباطل إني أوجه النصيحة لإخواني إذا أصيبوا بموت أحد أقاربهم أو أصدقائهم أن يتحملوا ويصبروا ويقولوا ما يقول الصابرون إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها مات أبو سلمة رضي الله عنه عن زوجته أم سلمة وكانت تحبه حباً شديداً ويحبها وقد سمعت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن من أصيب بمصيبةٍ فقال اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها أن الله تعالى يأجره في مصيبته ويخلف له خيراً منها) فلما مات أبو سلمة قالت اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها وكانت تقول في نفسها من خيرٌ من أبي سلمة يعني تفكر من هذا الذي يأتي فيكون خيراً لأنها مؤمنة بأن قول الرسول حق وأنه لا بد أن يخلف الله عليها خيراً منها من أبي سلمة لكن تقول من هذا فلما انتهت عدتها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكان الرسول صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة بلا شك وقبل الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم حين دخل على أبي سلمة رضي الله عنه وقد شخص بصره ومات فرأى بصره شاخصاً فأغمضه عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه خمس دعوات لو وزنت بهن الدنيا لرجحت بالدنيا كلها شيء منها علمناه لأنه شوهد في الدنيا وهو قوله واخلفه في عقبه فإن الذي خلفه في عقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة وكان ابن أبي سلمة عمر وأخته ربائب الرسول صلى الله عليه وسلم أما الدعوات الأخرى الغيبية فإننا نرجو الله تعالى أن الله قبلها كما قبل ما شاهدناه والحاصل أنني أنصح إخواني نصيحةً لله عز وجل أن يَدعوا هذه العادات التي ليست من هدي السلف الصالح، والسلف الصالح والله خيرٌ منا في طلب التقرب إلى الله عز وجل ونفع الميت، ما فعلوا هذا أبداً وقد صرح علماؤنا الحنابلة وكذلك الشافعية ولعل غيرهم كذلك أن الاجتماع للتعزية من البدع وبعضهم لم يصرح بأنه بدعة لكن قال بأنه مكروه وإن شيءتم فراجعوا كتب العلماء في ذلك حتى يتبين لكم أسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يوفقنا لسلوك منهج السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
***(9/2)
بارك الله فيكم هذا سؤال من أحد الأخوة المستمعين يقول ما حكم شد الرحال من بلدٍ إلى بلدٍ آخر للعزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن العزاء لا يحتاج إلى شد الرحل في الوقت الحاضر لأن لدينا ولله الحمد إمكانيات فالهاتف موجود الفاكس موجود ولا حاجة إلى شد الرحل نعم لو فرض أن الذي مات من أقرب الناس إليك كأخيك مات عند أمك وأبيك فذهبت إليهما للعزاء فهذا قد يقال إنه إن شاء الله لا بأس به أما مجرد أنه صاحب أو قريب بعيد فهذا لا ينبغي أن يشد الرحل إليه لما في الاجتماع على العزاء من البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعن جرير ابن عبد الله البجلي قال كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة
***(9/2)
جزاكم الله خيرا ما حكم ذهاب المرأة للتعزية لإحدى قريباتها أو صديقاتها علماً بأنها لن تلتقي بها دون الذهاب إليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس في هذا أن تذهب إلى صديقتها أو قريبتها لتعزيها بشرط أن لا يكون هناك اجتماع بل تعزي وتنصرف أو تعزي وتجلس قليلاً وتنصرف أما الاجتماع للتعزية فقد ذكر فقهاؤنا رحمهم الله أنه مكروه لأن هذا يجدد الأحزان ويقويها.
***(9/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هل صحيح أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صحيح أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه لأن ذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العلماء اختلفوا رحمهم الله في تخريج هذا الحديث فحمله بعضهم على أن المراد به الكافر أنه يعذب ببكاء أهله عليه دون المؤمن ولكن هذا خلاف ظاهر الحديث لأن الحديث عام وحمل هؤلاء الحديث على الكافر فراراً من أن يعذب الإنسان بذنب غيره لا يحصل به المقصود لأن تعذيب الكافر ببكاء أهله عليه هو تعذيب للإنسان بذنب غيره أيضاً، وقال بعض العلماء المراد بذلك أن يوصي به يعني أن يكون الميت قد أوصى أهله أن يبكوا عليه فيكون هو الآمر بهذا الشيء فيلحقه من عذابه، وقال آخرون هو في الرجل الذي يعلم من أهله أنهم يبكون على أمواتهم ولم ينههم عن ذلك قبل موته لأن سكوته مع علمه بأنهم يفعلونه دليل على رضاه به والراضي بالمنكر كفاعل المنكر فهذه ثلاثة أوجه في تخريج الحديث ولكن كلها مخالفة لظاهر الحديث لأن الحديث ليس فيه قيد بأن المراد به من أوصى بذلك أو من رضي به والحديث على ظاهره أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ولكنه ليس عذاب عقوبة لأنه لم يفعل ذنباً حتى يعاقب عليه ولكنه عذاب تألم وتضجر من هذا البكاء لأنه يعلم بذلك فيتألم ويتضجر والتألم والتضجر لا يلزمه أن يكون ذلك عقوبة ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في السفر (إنه قطعة من العذاب) وليس السفر عقوبة ولا عذاب السفر عقوبة، لكنه همٌّ واستعداد وقلق نفسي فكذلك عذاب الميت في قبرة من هذا النوع لأنه يحصل من تألم وقلق وتعب وإن لم يكن ذلك عقوبة ذنب.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا هذه السائلة أم عبد الواحد من اليمن تقول هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) وفي رواية (بمنيح أهله عليه) وقد أشكل هذا الحديث على كثير من العلماء وقالوا كيف يعذب الإنسان بفعل غيره فأجاب بعضهم بأن المراد بذلك الميت الذي أوصى أهله أن ينوحوا عليه ويبكوا عليه وأجاب آخرون بأن المراد بذلك الميت الذي يعلم من أهله أنهم يفعلون ذلك ولم يوصهم بتركه والصحيح أنه لا حاجة لهذا التأويل وأن المراد بالتعذيب تألم الميت في قبره وإن لم يكن عقوبة عليه ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السفر (إنه قطعة من العذاب) ومعلوم أن المسافر لا يعذب عذاب عقوبة ولكنه عذاب ألم وتعب فالمعنى أن الميت يتألم ويتعب من بكاء أهله عليه وهذا في البكاء الذي يتكلفه الإنسان أو يحدث به صوتاً ونياحة وأما البكاء الذي تمليه الطبيعة فإنه لابد منه في غالب الأحوال وليس فيه إثم وليس فيه تعذيب للميت لأن هذا أمر غير متقصد ولا يمكن الانفكاك عنه وعلى هذا فنقول إن بكاء أهل الميت عليه له ثلاث حالات الحال الأولى أن يعذب عليه الميت عذاب عقوبة وذلك فيما إذا أوصى أهله بذلك وفعلوه تنفيذاً لوصيته الثاني أن يعذب عذاب تألم وتوجع وليس عذاب عقوبة وذلك فيما إذا بكوا بكاء خارجاً عن مقتضى الطبيعة من غير أن يوصيهم به والثالث بكاء لا يعذب عليه الميت لا عذاب عقوبة ولا عذاب ألم أي تألم وهو ما إذا كان بكاء بمقتضى الطبيعة غير متكلف فيه ولا متقصد فيه.
***(9/2)
أحسن الله إليكم هذا المستمع محمد محمود عبد الرحمن من الأردن يقول لأهل قريتي عادةٌ عندما يموت أحدهم تقوم النساء بالبكاء وشق الجيوب واللطم على الخدود والنياحة فيقوم بعض رجال الدين بنصيحتهن ولكن دون فائدة وزيادةً على ذلك فإنهن يتبعن الجنازة إلى المقبرة بحالتهن تلك ويقمن بحثو التراب على رؤوسهن في الطريق وكذلك الرجال إذا وصلت الجنازة إلى المقبرة ودفنوها فإنهم يجلسون على القبر يبكون وينوحون وبعد مضي مدة أربعين يوماً يعملون عشاءً للميت يدعون إليه كل من حولهم بدون استثناء وينتهي العشاء بأن تراق القهوة والشاي على الأرض فما رأيكم في هذه العادة وما هو الحكم فيمن يفعلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العادة عادةٌ منكرة وبدعةٌ ضالة فالواجب على المسلم عند المصيبة أن يرضى بقضاء الله وقدره وأن يعلم أن هذه المصيبة لا بد أن تقع مهما عمل لأنها قد كتبت وجفت الأقلام وطويت الصحف ومهما كان فلا بد أن يكون ما قدر الله عز وجل، كما كان المسلمون يقولون ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإذا اطمأن الإنسان إلى هذا وعلم أنها من الله عز وجل رضي وسلم كما قال علقمة في قوله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، فوظيفة الإنسان عند المصائب الصبر واحتساب الأجر حتى لا يحرم الثواب فإن المصاب حقيقةً من حرم الثواب وإذا وقعت بك مصيبة فقل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإنك إن فعلت ذلك آجرك الله في مصيبتك وأعظم لك خيراً منها وهذا أمرٌ قاله النبي عليه الصلاة والسلام وشهد به الواقع، أم سلمة رضي الله عنها كانت تحت أبي سلمة وكانت تحبه حباً شديداً فلما توفي أبو سلمة رضي الله عنه قالت اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها وكانت تقول في نفسها من خيرٌ من أبي سلمة فما انقضت عدتها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لها خيراً من أبي سلمة وهذا أيضاً تشهد به وقائع كثيرة، فالإنسان إذا صبر واحتسب فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب والجزع والحزن والنياحة لا ترد المصيبة بل توجب الوقوع في الإثم فإن النياحة على الميت من كبائر الذنوب فقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة) النائحة التي تنوح والمستمعة التي تستمع إلى نياحها وكذلك يجب على الرجال ولاة أمور هؤلاء النساء أن يمنعوهن ويجب على ولاة الأمور على البلد أي ذوي السلطة يجب عليهم أن يمنعوا مثل هذا في المقابر وفي الأسواق وأن يمنعوا النساء من اتباع الجنائز حتى يكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً عارفاً بالله راضياً بقضاء الله وقدره.
***(9/2)
هذه رسالة وصلت من بغداد من أحد الإخوة المستمعين يقول هل يجوز لبس الثوب الأسود على المتوفى وخاصة إذا كان على الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لبس السواد عند المصائب شعار باطل لا أصل له والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإنه إذا قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله سبحانه وتعالى يأجره على ذلك ويبدله بخير منها وقد جرى هذا لأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها حين مات أبو سلمة زوجها وابن عمها وكان من أحب الناس إليها فقالت هذا قالت وكنت أقول في نفسي من خير من أبي سلمة فلما انتهت عدتها خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً من أبي سلمة وهكذا كل من قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله تعالى يأجره على مصيبته ويخلف له خيراً منها أما التزيّ بزي معين كالسواد وشبهه فإن هذا لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم.
***(9/2)
السائلة من الكويت تقول اعتادت النساء عندنا على لبس العباءة السوداء أثناء العزاء بمن فيهن أهل البيت فهل هذا يعتبر من لبس السواد يعني يعتبر من النياحة علما بأن هذا عرف دارج عندنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل مظهر يكون به إظهار الحزن والسخط من قضاء الله وقدره فإنه محرم لأن الواجب على الإنسان أن يرضى بقضاء الله وقدره ويصبر على المصائب حتى يكون من الصابرين الذين قال الله فيهم (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) فإذا كان لباس السواد ينبيء عن السخط وعدم الصبر كان ذلك حراما وإذا كان لا ينبيء عن هذا ولكنه علامة فقط فهو أهون.
***(9/2)
يقول هل صحيحٌ ما يقال عن الأموات إن الأرواح ترد إلى أهلها الميتين في يومي الاثنين والخميس لترد على الزوار ولذلك يزورون المقابر في هذين اليومين ويدعون للأموات ويقرؤون الفاتحة وبعض سور القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أصل له وزيارة المقابر مشروعةٌ كل وقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وينبغي للزائر أن يفعل ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله من السلام عليهم دون القراءة فقد كان يقول عليه الصلاة والسلام مما يقوله (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) ولا تنبغي القراءة على القبر لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يرد عنه فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يتخذه أو أن يعمله واعلم أن المقصود بالزيارة أمران أحدهما انتفاع الزائر بتذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ فإن هؤلاء القوم الذين وهم الآن في بطن الأرض كانوا بالأمس على ظهرها وسيجري لهذا لزائر ما جرى لهم فيعتبر ويغتنم الأوقات والفرص ويعمل لهذا اليوم الذي سيكون في هذا المثوى الذي كان عليه هؤلاء أما الأمر الثاني فهو الدعاء لأهل القبور بما كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو به من السلام وسؤال الرحمة وأما أن يسأل هؤلاء الأموات أو أن يتوسل بهم فإن هذا محرم ومن الشرك ولا يجوز ولا فرق في هذا بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر غيره فإنه لا يجوز أن يتوسل أحدٌ بقبر النبي عليه الصلاة والسلام أو بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته فإن هذا من الشرك لأنه لو كان هذا حقاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك فإنهم لا يتوسلون به بعد موته استسقى عمر رضي الله عنه ذات يوم فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ثم قام العباس رضي الله عنه فدعا وهذا دليلٌ على أنه لا يتوسل بالميت بعد موته مهما كانت درجته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى وإنما يتوسل بدعاء الحي الذي ترجى إجابة دعوته لصلاحه واستقامته في دين الله عز وجل فإذا كان الرجل ممن عرف بالدين والاستقامة ثم توسل بدعائه فإن هذا لا بأس به كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأما الأموات فلا يتوسل بهم أبداً ودعاؤهم شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة نسأل الله العافية قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وبهذه المناسبة أود أن أذكر أنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يذهبون إلى القبور لدعائهم والاستنصار بهم والاستغاثة بهم وهذا شرك أكبر لا يزيدهم إلا خساراً وإلا عذاباً ونكالاً فعليهم أن يتوبوا إلى الله وأن يسألوا النصر من عند الله سبحانه وتعالى وأن يستغيثوا به وحده فإن هؤلاء الأموات لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فكيف يملكون لغيرهم هم بحاجةٍ إلى أن يدعى لهم فكيف يدعون.
***(9/2)
عمي قتل في المعركة وقد بلغ بنا الحزن عليه أن قررنا زيارة قبره كل خميسٍ وجمعة ولبسنا السواد مدة خمسة وثلاثين يوماً وقد رفع أهله قبره عن الأرض فما الحكم في هذه الأعمال هل هي صحيحةٌ أم مخالفةٌ لكتاب الله وسنة رسوله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأعمال غير صحيحة والواجب على المرء إذا أصيب بمصيبة أن يتلقاها بالصبر والاحتساب لأن الحزن لا يرد شيئاً من المقدور وقد قال الله تعالى في القرآن (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته وقد مات لها طفل قال للرسول الذي أرسلته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمى) فالواجب عليكم أيها المصابون بفقد حبيبكم الصبر والاحتساب والدعاء له بالمغفرة والرحمة حيث إنه مسلم وعلى هذا فإن زيارتكم لقبره أو تقرير هذه الزيارة لقبره كل خميس وجمعة ليس بمشروع ولا ينبغي وكذلك لبسكم السواد فإنه من البدع وإظهار الحزن وهو شبيهٌ بشق الجيوب ولطم الخدود الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله حيث قال (ليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوى الجاهلية) وأما رفع القبر فإنه أيضاً خلاف السنة ويجب أن يسوى بالقبور التي حوله إن كان حوله قبور أو ينزل حتى يكون كالقبور المعتادة لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لأبي هياجٍ الأسدي (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) .
***(9/2)
هذه رسالة وردتنا من المرسل غريف خضر كردوشي من سوريا العربية يقول عندنا في العشائر يوم يموت الميت نذبح له عشاء يكلف أربعة آلاف ليرة سورية ونعمل له سَبع جُمَع تكلف الجمعة له ثلاث مائة ليرة سورية هل يجوز هذا الأمر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر لا يجوز أولاً لأنه من البدع وثانياً لأن فيه إتلافاً للمال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وثالثاً أنه لا يخلو غالباً من أمور محرمة كالندب والنياحة وشبه ذلك فالواجب على المسلمين أن لا ينظروا إلى ما هم عليه الآن بل ينظروا إلى ما تقدم عن سلفهم الصالح فإنهم خير قرون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وهم قدوة هذه الأمة فيجب على المسلم أن يكف عن مثل هذه الأعمال التي ذكرها الأخ في سؤاله.
***(9/2)
ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في قراءة الفاتحة للميت في الليل أو في المغرب أو في صلاة الصبح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تخصيص الفاتحة للقراءة للميت في أي وقت من الأوقات من البدع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل بدعة ضلالة) ولا أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا في أثر في استحباب قراءة الفاتحة للأموات فعلى هذا لا ينبغي لنا أن نفعل ما لم يفعله أسلافنا الصالحون فإن الخير في هديهم نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أتباعهم وليعلم أن كل عبادة فإنه يشترط لقبولها شرطان أساسيان الشرط الأول الإخلاص لله عز وجل فيها بأن لا يحمل الإنسان على فعلها مراءات الناس أو سماعهم أو شيء من أمور الدنيا والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتحقق المتابعة إلا إذا كانت العبادة موافقة للشرع في أمور ستة موافقة للشرع في سببها وفي جنسها وفي قدرها وفي صفتها وفي زمانها وفي مكانها فإن خالفت الشرع في واحدة من هذه الأمور الستة لم تكن موافقة له ولم يتحقق بها اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وحينئذ لا تكون مقبولة ولا صحيحة بل تكون مبتدعة إذا قصد الإنسان التعبد لله بها ولم يثبت أصلها في الشرع.
***(9/2)
بارك الله فيكم من السودان رسالة بعث بها المستمع بشارة محمد يقول ما حكم الشرع فضيلة الشيخ في نظركم حول نقاش دار بيني وبين شخص آخر بخصوص تلاوة القرآن والإكثار من الدعاء بعد وفاة شخص مسلم وقد قال لي هذا الشخص بأن هذا بدعة أرجو أن تفيدوني يا فضيلة الشيخ حتى أقطع الشك والحيرة من ذهني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن عند المصائب إن كانت تلاوة جماعية يجتمع الناس عليها ويقرؤون القرآن أو يأتون بقارئ يستأجرونه لقراءة القرآن فإن هذا بدعة وكل بدعة ضلالة وأما إذا أصيب الإنسان بمصيبة سواء كانت موتاً أم غير موت ثم أخذ كتاب الله يقرأه ليسكن أحزانه فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه ويذكر أن أحد العلماء مات له ابن بالغ توجه في طلب العلم فلما خرجوا به ليدفنوه وكان الجمع كثيراً فقام أحد الحاضرين وقال بأعلى صوته (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) فضج الناس بالبكاء فقام أبو الميت وهو أحد العلماء من الحنابلة وهو علي بن عقيل رحمه الله قام وقال يا هذا إن القرآن إنما نزل لإزالة الأحزان وليس لتهييج النفوس يعني أن كلام هذا الرجل هيج الناس وأبكاهم وأحزنهم والقرآن إنما نزل لإزالة الأحزان والتسلي به عما سواه والخلاصة أن قراءة القرآن عند المصائب إن كانت جماعية كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية عند موت الميت فهي بدعة ينهى عنها ويجب القضاء عليها وإن كانت فردية مثل أن يقوم الرجل المصاب فيتلوا كلام الله عز وجل ليتسلى به عند هذه المصيبة فهذا لا بأس به وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام عند المصيبة بموت أحد أو غيره أن يقول (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراًَ منها فإنه إذا قال ذلك آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها) فيقول المصاب إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإذا فعل ذلك آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها.
***(9/2)
هذه الرسالة من جدة، العمارية، أحمد محمد الصادق علي أحمد خليفي يقول السادة في هذه الرسالة يحدث في مصر عندما يموت رجل أو امرأة تقوم النساء بالبكاء وتقوم بعضهم بوضع التراب والطين على أنفسهن وتقول الفراق صعب هل هذا صحيح أم غلط، نرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غلط، غلط كبير لأن الواجب على المرء أن يرضى بالله رباً ويرضى بقضائه وقدره فلا يسخط ولا يفعل ما يدل على التسخط فوضع التراب أو الطين على أنفسهن بسبب هذه المصيبة وقولهن الفراق صعب كل هذه من الأمور التي تتضمن الاعتراض على القدر، وعدم الرضا بالله سبحانه وتعالى، وقد يكون شبيهاً بشق الجيوب ولطم الخدود الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، فقال (ليس منا من لطم الخدود أو قال ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) ، والعاقل البصير يعرف أن هذا التسخط لا فائدة منه، مع كونه ضرراً في الدين لا فائدة منه في الدنيا، لأنه لن يرد المصيبة بل سيزيد المصيبة، ولهذا قال بعض السلف إما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سلو البهائم، فالإنسان لابد أن ينسى هذه المصيبة على ممر الزمان، فإذا كان لابد من نسيانها فكونه يصبر صبر الكرام الذي يثاب عليه خير من كونه يتجزع ويتسخط ثم في النهاية يسلو كما تسلو البهيمة.
***(9/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل يا فضيلة الشيخ حفظكم الله كيف نفرق بين عشاء الميت والصدقة لأن كثيرا من الناس يقومون بهذا العشاء في اليوم الأول والثاني أو الثالث من وفاة الفقيد وهناك من يقوم بهذه الوليمة كعشاء للميت هل هذه واردة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة للأموات جائزة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقرها فقد استفتاه رجل فقال (يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها قال نعم) واستفتاه سعد بن عباده رضي الله عنه في مخراف له أي في بستان يخرف يتصدق به عن أمه فأفتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجواز لكننا لا نقول إن هذا مستحب يعني لا نقول للناس تصدقوا عن موتاكم بل نقول إن تصدقتم فلكم أجر الإحسان وأجر الصدقة للميت وإن لم تتصدقوا فإننا لا نطالبكم بالصدقة ولا نقول إنها سنة عن الميت لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسنها لأمته وإنما هي قضايا أعيان استفتي فيها فأفتى فيها بالجواز وفرق بين الجواز الذي لا ينكر على فاعله والمشروع الذي يطالب به العبد وأقول لإخواني الذين يسمعون كلامي هذا أقول لهم إنكم تريدون الخير للميت لا شك ولكن لماذا لا نتأسى بإرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فجعل وظيفة العمل الدائم للميت هو دعاء الولد الصالح له ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له مع أن سياق الحديث في الأعمال لكنه صلى الله عليه وسلم عدل عن ذلك إلى الدعاء ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يعدل عن شيء إلى آخر إلا والخير في الآخر فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بشريعة الله وأفصح الخلق بالتعبير وأعلمهم بمراده فكيف نعدل عن شيء أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء نجده في نفوسنا فقط فلو استشارني رجل وقال أيهما أفضل أن أتصدق عن أبي بألف أو أن أدعو له بالمغفرة والرحمة قلت ادعو له بالمغفرة والرحمة خير من أن تتصدق له بألف وإذا كنت تريد الصدقة اجعل الصدقة لنفسك فإنك سيمر بك يوم بل أيام تتمنى أن يكون في حسناتك صدقة بدرهم هذا ما أود أن أنصح به إخواننا أما ترتيب العشاء للميت في أول يوم وثاني يوم وثالث يوم من موته أو على ممر الأسبوع أو ممر السنة أو ما أشبه ذلك فكل هذا بدعة لأن ترتيب الأعمال الصالحة على وجه معين وقتا أو مكانا بدون دليل شرعي يجعل هذه العبادة بدعة، يجعلها بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) فلابد من موافقة العبادة للشريعة في الأمور التالية: السبب والجنس والقدر والصفة والزمان والمكان إذا لم توافق العبادة أو إذا لم يوافق العمل الشريعة في هذه الأمور الستة فإنه يكون بدعة ولا ينفع صاحبها ومن أين لهؤلاء الدليل على أن الميت يسن أن يتصدق عنه في الأيام الثلاثة الأولى من موته أو على ممر الأسبوع أو ممر السنة أو ما أشبه ذلك أما لو تصدق عنه بطعام في أي وقت كان، فهذا لا بأس به لأن الصدقة بالطعام كالصدقة بالدراهم وقد تكون أنفع من الصدقة بالدراهم وقد تكون الصدقة بالدراهم أنفع حسب الحال والوقت.
***(9/2)
ما الحكم في عمل أربعين للمتوفى يقرأ فيها القرآن ويجتمع الناس للتعزية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه من البدع التي يصنعها بعض الناس إذا تم الميت أربعين يوماً أقاموا له مأتماً يجتمعون فيه إلى بيت الميت ويقرؤون القرآن وينيرون المكان وهو في الحقيقة من باب تجديد الحزن المنهي عنه وكذلك نقول في اجتماع الناس بعد الوفاة في بيت يقرؤون فيه القرآن ويوقدون فيه الشموع واللمبات ويصفون الكراسي كل هذا من البدع والسنة لمن مات له ميت أن يغلق بابه وألا يجلس لأحد لكن من كان من أقاربه الذين يعتبر عدم حضورهم إلى بيته قطيعة رحم فلا حرج عليهم أن يحضروا إلى البيت ويعزون المصاب وينصرفوا أما إقامة الولائم التي هي مآتم الحقيقة وهي مآثم أيضاً فإن هذا من البدع والمنكرات التي لا يليق بالمسلم أن يفعلها وقد كان السلف الصالح يعدون صنع الطعام والاجتماع إلى أهل الميت من النياحة وهذه المسألة يعني اجتماع أهل الميت في بيته على الوجه الذي ذكرته توجد في كثير من البلدان الإسلامية ولكني أرجو الله عز وجل بما منّ الله به من اليقظة في الشباب أن يكون الجيل المقابل قاضياً على هذه العادات التي لم تكن من عادات السلف.
***(9/2)
المستمعة سمية من السودان تقول في السودان توجد الكثير من المنكرات والبدع في المآتم فمثلاً في المآتم نجد النائحات والنساء يتواجدنّ في كتل حول الميت ما حكم الشرع في هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أعلمه من الشرع (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة) والنائحة هي التي تبكي على الميت برنة تشبه نوح الحمام وإنما لعنها النبي عليه الصلاة والسلام لما يترتب على النوح من تعاظم المصيبة وشدة الندم وإلقاء الشيطان في قلوب النساء ما يلقيه من التسخط على قدر الله عز وجل وقضاؤه وهذه الاجتماعات التي تكون بعد موت الميت يكون فيها الندب والنياحة كلها اجتماعات محرمة اجتماعات على كبائر الذنوب فالواجب على المسلمين الرضا بقضاء الله وقدره وإذا أصيب الإنسان بمصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإن الإنسان إذا قال ذلك بصدق نية وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى يخلف عليه خيراً من مصيبته ويأجره عليها ولقد جرى ذلك لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين مات عنها زوجها أبو سلمة فقالت رضي الله عنها مؤمنة مصدقة بكلام النبي عليه الصلاة والسلام قالت هذا القول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، فماذا كان؟! أخلف الله لها خيراً منها فإنها حين انقضت عدتها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة والأجر عند الله سبحانه وتعالى فوظيفة الإنسان عند المصائب الصبر والتحمل واحتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى أما هذه المجتمعات المشتملة على الندب والنياحة فإنها اجتماعات محرمة يجب على المسلمين إنكارها والبعد عنها.
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول عندنا عادة عندما يتوفى أحد فإن أهله من بعده قبل إقامة العزاء يحضرون سجلاً لتسجيل أسماء المعزين الذين سيفدون إلى العزاء ويدفعون مالا لأهل الميت مواساة في فقيدهم فهل هذا المال حلال أم حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العملية بدعة لم تكن معروفة عند السلف وإنما المعروف الذي جاءت به السنة أنه لما جاء نبأ وفاة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) فإذا علمنا أن المصابين بهذا الميت قد انشغلوا عن إصلاح غدائهم أو عشائهم لما أصابهم من الحزن فإنه لا بأس بل من السنة أن نبعث إليهم طعاماً لنكفيهم المؤونة والتعب والشغل في هذا اليوم وأما أن يسجل المعزون وأن يرى المعزون أن عليهم ضريبة يدفعونها فهذا من البدع وإذا كان كذلك فإن المال المأخوذ على بدعة لا يحل ولا يجوز والواجب على الإنسان أن يصبر ويحتسب ويأخذ عوض مصيبته من الله عز وجل فإن واجب المؤمن إذا أصيب بمثل هذه المصائب بل بأي مصيبة أن يقول ما أثنى الله على قائليه: (والَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وكما ثبت في الحديث الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (ما من مسلم يصاب بمصيبة ثم يقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله وأخلف له خيراً منها) .
***(9/2)
بالنسبة السفر للتعزية ما رأيكم فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن لا يسافر الإنسان لا سيما مع وجود الهواتف الحمد الله الآن يمكن أن يتصل عليه بالهاتف ويصبره ويقول له اصبر احتسب لله ما أخذ وله ما أعطى إلا أن يكون قريباً قريباً جداً كأخ وما أشبه ذلك ويريد أن يسافر إذا رأى أن هذا مما يهون المصيبة على المصاب وليس فيه مشقة ولا ترك وظيفة واجبة فربما يسمح في ذلك على أني أود الاكتفاء في التعزية بالمهاتفة.
***(9/2)
سؤالي هذا عن بعض العادات في المآتم فإذا مات شخص تجمع الناس إلى عدة أيام تنتهي في اليوم السابع أو ينهوه في يومه التالي مما يسمى بالختمه ويذبحون فيها بعض الحيوانات وهؤلاء المتجمعون يتبرعون كلُّ بما يستطيع وتدفع لصاحب المأتم وهؤلاء الذين دفعوا هذه المبالغ يأتون في اليوم السابع ويأكلون مما ذبح ويرون أنهم شاركوا الميت, والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذلك نرجو توضيح ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأن كل بدعة جاءت بعده في دين الله تعالى فإنها ضلالة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في قولته العامة الشاملة: (كل بدعة ضلالة) وهذه البدع التي أحدثت عند موت الميت من هذه المآتم التي يجتمع الناس لها ويحدثون ما يحدثون من الأطعمة وكذلك القراءات كل بدعة يجب النهي عنها والتحذير منها والذي ينبغي للمصاب أن يقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) فإنه إذا قال ذلك فإنه يأجره الله تعالى في مصيبته ويخلفه خيراً منها، وكما جرى ذلك في عدة أمور من أظهرها وأبرزها ما جرى لأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها حين مات زوجها أبو سلمة وكانت تحبه حباً شديداً وقد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من مؤمن يصاب بمصيبة فيقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها) فكانت عند مصيبتها في أبي سلمة فقالت ذلك إيماناً بقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تقول في نفسها من خير من أبى سلمة فلما اعتدت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خير لها من أبى سلمة فرضي الله عنها هذا الذي يؤمر به الإنسان أما عمل الختمة فإن هذا ينبني على مسألة اختلف فيها أهل العمل وهي إهداء القرب إلى الأموات فإن أهل العلم اتفقوا على جواز إهداء قرب معينة واختلفوا فيما سواها ومما اختلفوا فيه إهداء قراءة القرآن إلى الأموات هل تصل إليهم أو لا تصل إليهم؟ ولكن ما يفعله هؤلاء من إحضار القراء بالأجرة هذه لا تصل إليهم قطعاً وذلك لأن هذا الرجل الذي يقرأ إنما يقرأ لينال أجراً من الدنيا فعمله ليس خالصاً لله والعبادة إذا لم تكن خالصة لله فإنها لا تكون مقبولة وإذا لم تكن مقبولة فإنه لا ينتفع بها الميت وعلى هذا إذا استأجروا من يقرأ ختمةً لهذا الميت فإن الأجرة باطلة لا تصح وثواب العمل لا يصل إلى الميت إن قلنا فيه ثواب مع أننا لا نقول إن فيه ثواباً وذلك أنه ليس عملاً خالصاً لله عز وجل وقد قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وعلى هذا فلا يجوز استئجار رجل ليقرأ الختمة لروح الميت لأن هذه الإجارة باطلة والثواب إن قدر لا يصل إلى الميت لفقدان العقد وإذا لم يقدر فيه ثواب وهو الذي يتنزل على الأدلة الشرعية فإنه يكون حينئذٍ خسارة مادية على أهل الميت بدون فائدة للميت.
فضيلة الشيخ: ربما يقول شخص آخر لماذا مثلاً يحج الإنسان عن إنسان آخر ويدفع له مقابل هذا الحج ولا يقرأ للميت ويدفع له مقابل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة واردة في الحقيقة ولهذا المشهور في مذهب الحنابلة أن الاستئجار للحج لا يصح وأن الأجرة تقع باطلة ويكون ثواب الحج للحاج لا للمحجوج عنه ونحن نقول كذلك إذا كان الحاج قصده المال فالذي حج قصده المال فإن الإجارة لا تصح ويكون العقد باطلاً أما إذا كان الرجل الذي حج قصده بذلك مصلحة أخيه وقضاء حاجته أو قصده مع ذلك أن يصل إلى المشاعر المقدسة ويعمل فيها خيراً فهذا قصد طيب ولا حرج فيها فنحن نقول إذا استؤجر إنسان ليحج عن شخص فإن كان هذا المستأجر قصده المال فإنه كما قال شخ الإسلام ليس له في الآخرة من خلاق ليس له نصيب من ثواب الآخرة ولا يصح حجه عن هذا الرجل لأنه عقد باطل وأما إذا كان قصده بذلك قضاء حاجة أخيه أو المصلحة للوصول إلى هذه المشاعر وفعل ما يفعل فيها من فعل الخير فلا حرج عليه في ذلك.
***(9/2)
يقول يوجد لدينا في بيشة عادة وهذه العادة هي إقامة أهل البلد في بيت الميت إذا مات يجتمعون أهل البلد كلهم في بيت الميت إذا مات ينتظرون قدوم الناس الذين يردون سنة العزاء ويذبحون الغنم وتقام العزائم بواسطة الطلاق (يعني علي الطلاق أن تفعل كذا) وغير ذلك علماً بأن الناس القادمين قريبون من البلد التي فيها الميت ووسائل النقل متوفرة وليس هناك عذر للإقامة حتى أن البعض يحسب حساب الأكل ويأتي في وقتٍ مبكر زيادة على ذلك الذبيحة بعد الذبيحة في بيت الميت ليلاً ونهارا ولكن ليست من حقه بل من حق الجماعة ماذا ترون حيال ذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى حيال هذا أن ذلك من الأمر المنكر لما فيه من إضاعة المال ومن الاجتماع الذي ينافي في الحقيقة حالة الموت وحالة الحزن لأنه بين أمرين إما أن يحصل نياحة وندب وأحزانٌ متوالية فهذا خلاف الشرع وليس هذا من العزاء في شيء لأن العزاء معناه تعزية الإنسان أي تصبيره وإعانته على الصبر على ما أصابه من هذه المصيبة وليس المراد بالتعزية تهييج الأحزان عليه بالنياحة والندب وشبهها وإما أن يكون هذا الاجتماع اجتماع فرحٍ ولهوٍ وضحك ونحو ذلك فهذا أيضاً ينافي حال الموت وما ينبغي أن يكون الإنسان عليه في مثل هذه الحال فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه والدين وسط ومما يحصل من مضار هذا الاجتماع إضاعة الأموال الكثيرة فيه فإنه كما ذكر السائل يقول كل ذبيحةٍ وراء ذبيحة وكذلك أيضاً ما يحصل من هذه التلزيمات بل الإرغامات على الأكل حتى إنه كما ذكرت يحلف بالطلاق ليأكلوا وهذا أيضاً من العمل الذي لا ينبغي فالحلف ينبغي بل يجب أن يكون الحلف بالله عز وجل (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولا ينبغي للإنسان أن يأتي بصيغةٍ أخرى تدل على الحلف غير اليمين بالله عز وجل إذا دعت الحاجة إليه المهم أن هذا أمرٌ منكر وأن الواجب على أهل الميت الصبر والاحتساب وأن يتعزوا بما أمرهم الله به (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أقول أن يتعزوا بما أثنى الله على فاعله وقد يقول قائل إن الله ما أمر بهذه الآية بهذا القول نقول إن الثناء على الفاعل أو القائل يدل على أن هذا الفعل أو القول أمرٌ مطلوب وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (أن من أصيب بمصيبة ثم قال اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها) فهذه حالة المصاب أو حال المصاب ينبغي أن يستعمل ما دلت الشريعة على استعماله من قولٍ أو فعل أما الاجتماع المذكور فإنه حرام لما يفضي إليه من هذه المفاسد.
***(9/2)
هذه الرسالة وردتنا من المستمع سعيد أبو بكر من المدينة المنورة يقول ما حكم الولائم أو الاحتفالات التي يجتمع فيها كثير من المسلمين بعد أسبوع من دفن الميت وبعد أربعين يوماً أيضاً ليدعوا الله بالسعادة مع دليل من الكتاب والسنة يدل على بطلانه أو جوازه إذا تكرمتم.؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا الأمر أنه عمل مُحَدث لم يكن من عمل السلف الصالح ولا شك أن الدعاء من العبادة فإحداث دعاء على هيئة معينة وفي وقت معين بدون إذن من الشارع هو من إحداث العبادة التي ليست في دين الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) وهذا العموم المحاط بكل لا مخصص له أبداً ودعوى من قال إن الحديث على إضمار محذوف كل بدعة سيئة فهي ضلالة هذه الدعوة باطلة يبطلها لفظ الحديث ومعناه لأن اللفظ الأصل فيه أنه متكامل لا يحتاج إلى إضمار ولا حذف وأما المعنى فإنه لو قيل كل بدعة سيئة ضلالة لم يكن لكلمة بدعة فائدة إطلاقاً لأن السيئ ضلالة سواء كان مبتدعاً أو غير مُبتدع حتى لو كان هذا السيئ من الأمور المنصوص عليه كالربا والزنا وما أشبه ذلك قلنا إنه سيئ مع أنه ليس بمُبتدع لأنه ذكر حكمه الشرع وبين فالمهم أن الذين أضمروا أو قالوا إن في الحديث إضماراً قولهم مردود بمقتضى اللفظ والمعنى، وعلى هذا فالدعاء الذي ذكره الأخ السائل الذي يجمع في أسبوع أو في الأربعين يوماً هو من هذا النوع يكون بدعة وضلالة دليل هذا من القرآن الكريم قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) فدل هذا على أنه لا يمكن لأحد أن يأذن أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله وأن من شرع من الدين ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه شريكاً مع الله وجعل اتباعه مع الله شريكاً في العبادة ومشروعية العمل لعباد الله وأما من السنة فهو ما أشرنا إليه من قوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة) وهذا القول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب به يوم الجمعة ليبين للناس أن هذا الأمر خطير لما فيه من الاعتداء على الله ورسوله وعدم الأدب مع الله ورسوله وانتقاص الشريعة حيث أكملها بما زعم أنه حسناً ولو كان ذلك حسناً لكان مشروعاً فهذا يتضمن انتقاص الشريعة كذلك أيضاً يتضمن أن الرسول عليه الصلاة والسلام إما قاصر وإما مقصِّر لأنه إن كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري عن حكم هذه المسألة التي شرعها هذا الرجل فهو قاصر وحاشاه من ذلك وإن كان يدري ولم يبلغها لأمته فهو مقصر أيضاً وحاشاه من ذلك فالمهم أن جميع البدع في الحقيقة كلها تتضمن القدح في الدين والاعتداء على الله ورسوله والتقدم بين يدي الله ورسوله وهي أيضاً إما أن يدعي مبتدعوها أن لهم دليلاً أو لا يدعون فإن كانوا لا يدعون دليلاً فهي باطلة من أصلها لأنه لا دليل عليها وإن ادعوا دليلاً لها من كتاب أو سنة قلنا لهم هذا الدليل الذي ادعيتموه إما أن يكون مستلزم لما قلتم من المشروعية أو غير مستلزم فإن كان غير مستلزم لما قلتم من المشروعية فلا دليل فيه لكم وإن كان مستلزماً لزم أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام جاهلاً بدلالته أو عالماً بها ومقصراً في عدم فعلها وعدم الدعوة إليها وحينئذ يستلزم أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام إما قاصراً في علمه أو مقصراً في دعوته وعمله وعلى كل حال فلا خير في البدعة وبهذا يعرف بلاغة الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله العام الشامل (كل بدعة ضلالة) .
***(9/2)
يوجد بعض العادات عند العزاء فبعد مرور أربعين يوما من الوفاة يقوم أهل الميت بالذبح ودعوة الأقرباء والمعارف والأكل من هذه الذبيحة مع العلم بأن هؤلاء الذين يدعون إلى هذه الوليمة ليسوا في حاجة وأيضا يعتبر هذا نوع من أنواع النياحة المحرمة فهل عليّ إثم عند حضور مثل هذه المناسبات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لابد أن نعرف ما حكم هذه العادة فنقول هذه العادة بدعة منكرة فيها مضيعة للوقت ومفسدة للمال وإعزاز للبدعة ودخول في النياحة فقد قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) والواجب الكف عنها وإماتتها وطيها من الوجود وأما حضورها فلا يجوز حضورها والواجب على من دعي إليها أن ينصح من دعاه ويقول اتق الله في نفسك واتق الله في ميتك لا تكن سببا في تعذيبه بالبكاء عليه أو النياحة ووفر مالك ووفر وقتك وخف ربك والميت مات وقد راح فعليك يا أخي المسلم ألا تداهن في دين الله وألا تحكِّم العادة في شريعة الله وألا تحابي أحدا في دين الله بل قل الحق ولو كان مُرّاً ما لم يترتب على هذا مفسدة عظيمة أعظم بكثير مثل أن يأمر إنسان بمعروف أو أن ينهى عن منكر يترتب على أمره بالمعروف والنهي عن المنكر منكر أعظم فهنا يكون الحكمة المداراة ومحاولة إزالة المنكر شيئا فشيئا.
***(9/2)
الرجاء إفادتنا عن بدع المآتم فيما يستعمل للميت لليلة خمسة عشر وليلة أربعين هل هذا صحيح أم لا؟ وهل ينصب للميت يوم أم ثلاثة الرجاء إفادتنا وشكراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المآتم كلها بدعة سواء كانت ثلاثة أيام أو على أسبوع أو على أربعين يوماً لأنها لم ترد عن السلف الصالح رضى الله عنه ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولأنها إضاعة مال وإتلاف وقت، وربما يحصل فيها من المناكر من الندب والنياحة ما يدخل في اللعن لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن النائحة والمستمعة) التي تنوح والتي تستمع إليها، ثم إنه إن كان من مال الميت من ثلثه أعني، فإنه جناية عليه لأنه صرف له في غير طاعة، وإن كان من أموال الورثة فإن كان فيهم صغار أو سفهاء لا يحسنون التصرف فهو جناية عليهم أيضاً، لأن الإنسان مؤتمن في أموالهم فلا يصرفه إلا فيما ينفعهم، وإن كان لعقلاء بالغين راشدين فهو أيضاً سفه، لأن بذل الأموال فيما لا يقرب إلى الله أو لا ينتفع المرء به في دنياه من الأمور التي تعتبر سفهاً ويعتبر بذل المال فيها إضاعة له، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) .
***(9/2)
بارك الله فيكم يقول الموعظة في المأتم عندنا في السودان يجتمع الناس في صيوان ويقصدهم من يريد التعزية هل الموعظة في هذه الحالة تجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المآتم التي يصنعها أهل الميت بعد موته من البدع التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفيها من المفاسد أن هؤلاء الذين يجتمعون يحصل عندهم ندب ونياحة والنياحة من الأمور المنكرة بل هي من كبائر الذنوب (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستنيحة) ولهذا كره أهل العلم أن يجتمع أهل البيت لتلقي المعزين لئلا يحصل مثل هذه المفاسد والذي ينبغي في مثل هذه الحال أن تبقى الأمور على ما هي عليه بدون تغيير ومن لاقى المصاب بالميت عزاه في السوق أو في المسجد أو في أي مكان آخر أما أن يتهيأ الناس ويعدوا أنفسهم لاستقبال المعزين هذا أمر لا ينبغي وقد صرح بعض أهل العلم بكراهته.
فضيلة الشيخ: والذين يأخذون بحديث (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم)
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول هذا على العين والرأس قال (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم) ولكنه لم يقل لآل جعفر اصنعوا طعاما للناس يأتون إليكم ليأكلوه ثم إنه علل بعلة قد لا توجد في كثير من الأحيان قال (أتاهم ما يشغلهم) في وقتنا الآن والحمد لله لا يشغل الناس شيء عن صنع الطعام وإذا لم يتمكنوا من صنعه بالبيت فما أسهل أن يأتوا إلى أدنى مطعم لهم يشترون ما شاؤوا والحكم إذا علل بعلة فإنه يزول بزوال تلك العلة وهل قال الرسول عليه الصلاة والسلام اصنعوا لهم طعاما يجمعون الناس عليه أبداً ولو قال اصنعوا طعاما يجمعوا الناس عليه لكان هذا أشد شغلا لهم من صنعة الطعام.
***(9/2)
يقول في القرى التي نسكن فيها عندما يموت أحدهم يتجمع أقرباء وأصدقاء ومعارف الميت لتشيعه ودفنه وتعزية أهله وتقديم المعونات المادية لهم بشكل يكفي ليقوم أهل الميت بتأجير طباخ لإعداد الطعام للمشيعين والمعزين والفترة تصل أحياناً من ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وفي اعتقادهم أن مثل هذا العمل يقوي الصلة بينهم ويوثق عرى المحبة وفي اعتقادهم أن هذا الطعام صدقة مقبولة إلى روح الميت يأكل منه الغني والفقير والصغير والكبير والمرأة والمحتاج وقد سبق أن الميت أو أخاه أو أباه أعطى هؤلاء الناس الذين يعطون أهله مثل أعطياتهم فهل هذا العمل صحيح وهل يصح للمسلم أن يأكل من مثل هذا الطعام ويحضر مثل هذا المجلس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بصحيح ولكن إنما نقول أن هذا العمل نعني به جمع التبرعات بالصدقات والمآتم المذكورة فإنه ليس بصحيح وأما اجتماع الأصدقاء والأقارب لتشييع الميت والخروج بجنازته فهذا لا بأس به وهو من السنة فإن تشييع الميت لا شك أنه من السنة خصوصاً إذا كان له حق من قرابة أو صداقة أو تعليم أو غير ذلك وأما هذه المآتم التي تصل إلى ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو أربعين يوماً فإنها من البدع التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها أمتة , فالنبي عليه الصلاة والسلام ما فعلها ولا فعلها أصحابه رضي الله عنهم ولا السلف الصالح وهم أحرص منا على الخير والذي ننصح به إخواننا في هذه البلاد التي تفعل مثل ما ذكره السائل الذي ننصحهم أن يوفروا على أنفسهم التعب والعناء وبذل المال بل إتلاف المال في هذه المسائل التي ليست من الشرع في شيء وإذا أراد أحد من أولياء الميت أن ينفعه فليتصدق عنه بصدقةٍ تكون خفيةً وليست على هذا الوجه الذي يعلنه هؤلاء والله الموفق.
فضيلة الشيخ: هل يصح للمسلم أن يأكل من مثل هذا الطعام ويحضر مثل هذا المجلس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا، المسلم لا ينبغي له أن يحضر مثل هذه المآتم بل يكره له ذلك أو يحرم عليه لأن هذا تشجيع للبدع ومن أعان بدعة فهو كفاعلها فيأثم فنحذر إخواننا من حضور هذه المآتم ومن التشجيع عليها ومن إقرارها بل يجب على المسلم إنكارهذه الأشياء.
***(9/2)
المستمع شوقي محمد أبو سعد يقول إنني أرجو من فضيلة الشيخ توجيه كلمة لأولئك الذي يعتقدون بأن إقامة المأتم شيء ضروري ومهم بالنسبة إلى الميت مع العلم بأن هذا الشيء يأخذ مجال التسابق فيمن يأتي بقاريء أحسن ويأخذ مالاً أكثراً نرجو بهذا نصيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فإن النصيحة التي أوجهها إلى من ابتلوا بهذه العادات المخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فنصيحتي إليهم أن يعلموا علم اليقين أن الاجتماع على هذه المآتم من الأمور البدعية التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ويعلموا أيضاً أن هذه المآتم إذا اشتملت على نذب ونياحة كان الاجتماع عليها من كبائر الذنوب لأن النياحة من الكبائر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن النائحة والمستمعة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها جاءت يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) والعياذ بالله ومن وافقها على نياحتها واستمع إليها كان له من الإثم مثل ما كان لها قال الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يعني إن قعدتم معهم فإنكم مثلهم (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) وليعلم هؤلاء أن الميت لا ينتفع من ذلك بشيء وذلك أن القارئ الذي يجلبونه إلى ذلك المكان لا يقرأ إلا بأجرة وإذا كان لا يقرأ إلا بأجرة فإنه لا أجر له من ثواب الآخرة حيث أراد بعمله هذا الدنيا ومن أراد بعمله الدنيا لم يكن له من ثواب إلا ما حصله في دنياه وما حصله في دنياه لا يصل إلى الميت يقول الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وعلى هذا فإن هذا العمل ليس فيه إلا إضاعة الوقت وإضاعة المال واكتساب الآثام فنصيحتي لإخواني الذين أصيبوا بمصيبة ميتهم أن يفعلوا ما أرشد الله إليه ورسوله في قوله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون ويقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإنه إذا قال ذلك آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها وليصبر وليحتسب على مضض مرارة هذه المصيبة فإن الله تعالى يقول (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ويقول جل ذكره (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
***(9/2)
ما حكم قراءة الفاتحة مع رفع اليدين عند تعزية أحد أقارب الميت وإذا كان ذلك لا يجوز فماذا يقال عند التعزية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة الفاتحة عند التعزية مع رفع اليدين بدعة ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يعزي أصحابه بذلك وإنما التعزية معناها التقوية أي تقوية المصاب على تحمل المصيبة فبأي لفظٍ عزيت به صاحبك حصل المقصود وقد عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بناته حيث قال للرسول الذي أرسلته إليه (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) فمثل هذه الكلمات من أحسن ما يكون عند التعزية أن يؤمر الإنسان المصاب بالصبر واحتساب الأجر على الله عز وجل وأن يبين له أن الكل ملكٌ لله سبحانه وتعالى له ما أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجلٍ مسمى معين لا يتقدم ولا يتأخر فالحزن والتسخط ونحو ذلك من الأشياء التي تنافي الشرع هي لا ترد قضاءً ولا تزيل مصيبة والأحسن للإنسان أن يصبر ويحتسب وأحسن ما يعزى به الإنسان ما عزى به النبي عليه الصلاة والسلام ابنته من هذه الكلمات.
***(9/2)
هذا مستمع للبرنامج من إربد العراق يقول في هذا السؤال هل قراءة سورة الفاتحة في التعزية جائزة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة سورة الفاتحة في التعزية بدعة لا أصل لها وليعلم أن التعزية معناها التقوية أي تقوية المصاب على الصبر فإذا أصيب الإنسان بمصيبة بموت قريب أو صديق أو فقد مال أو غير ذلك من المصائب ورأيته متأثراً فإنه ينبغي لك أن تعزيه أي أن تقويه على تحمل الصبر على هذه المصيبة بما يناسب المقام وليس للتعزية ألفاظٌ مخصوصة ولكن يكون هذا على حسب المقام ومن أحسن ما يعزى به ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إلى إحدى بناته حيث قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) وذلك أن أحد بناته كان عندها طفلٌ أو طفلة فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً تطلب منه أن يحضر فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرسول الذي جاء إليه (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) وأما التزام صيغةٍ معينة وهي قول عظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك فإن هذا لا أصل له.
***(9/2)
من مصر يقول المرأة التي تقرأ القرآن بالمايكرفون مكبر الصوت في المآتم ما حكم ذلك مأجورين
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً المآتم بدعة مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة المسلمين وفيها ضياعٌ للوقت وضياعٌ للمال وربما تؤخذ من تركة الميت وله ضعفاء فتؤخذ من ميراثهم وربما يكون فيها نياحة وغير ذلك مما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ووظيفة الإنسان عند المصيبة أن يصبر ويحتسب الأجر من الله وأن يقول ما قاله الصابرون إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها فإذا قال ذلك آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها ولهذا أنصح إخواني المسلمين في أقطار الأرض كلها أن يتوبوا إلى الله من هذه المآتم وإقامتها وأن يصبروا ويحتسبوا وقراءة القرآن في هذه المآتم سواء من امرأةٍ أو من رجل بدعة وأخذ الأموال عليه أكلٌ للأموال بالباطل فلا يجوز أخذ المال على هذه القراءة وينهى عن القراءة في هذه المواطن لعدم ورودها عن الصحابة رضي الله عنهم والحاصل أن نقول المآتم كلها بدعة يجب إلغاؤها ثانياً القراءة فيها بأجرة محرمةٌ وباطلة وليس فيها ثواب سواءٌ كان القارئ رجلاً أم امرأة ويتضاعف الأمر إذا كان القارئ امرأة.
***(9/2)
ما حكم صنع الطعام من الجيران مثلاً ثم يرسلونه لأهل الميت ولمدة ثلاثة أيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مشروع مرة واحدة بشرط أن يحصل لأهل الميت ما يشغلهم عن صنع الطعام لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء نبأ جعفر بن أبي طالب (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم) فقوله فقد أتاهم ما يشغلهم يدل على أن العلة في أنهم انشغلوا بهذه المصيبة وإذا زالت هذه العلة فإن المعلول ينتفي أي إذا لم يكن لأهل الميت ما يشغلهم عن إصلاح الطعام فإنه ينتفي صنع الطعام لهم وإرساله إليهم ثم إن ما يفعله بعض الناس ذاك اليوم من صنع أطعمة كثيرة وإرسال غنم كثير واجتماع أمم كثيرة عند أهل الميت لمدة ثلاثة أيام فإنه من البدع التي يجب بيانها للناس وإرشادهم إلى تركها لأن فيها ضياع وقت وضياع مال مخالفة للسنة وربما يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء وفيها إنشغال للناس عن الذكر المأمور به عند المصيبة وهو الاسترجاع أن يقول الإنسان إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها فيشتغلون بهذه الأمور المحسوسة عن الأمور الشرعية وهي الاسترجاع وأسأل الله أن يأجره على المصيبة وأن يخلف له خيرا منها وإنني في هذه المناسبة أوجه النصيحة لإخواني الذين اعتادوا هذه العادات وأقول اربعوا على أنفسكم اتبعوا ما كان عليه سلف الأمة فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تتعبوا أنفسكم وغيركم بمثل هذه الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان هذا الأمر التي أنتم إلى الإثم أقرب منكم إلى السلامة فريحوا أنفسكم وريحوا أهليكم وريحوا أقاربكم وريحوا أصحابكم وتحصلون مع ذلك على موافقة هدي السلف الصالح.
***(9/2)
أقرأ في مجالس الفواتح بما يسمى (الفراكيئيات) أي النياحة على الميت أمام أهله وحسب طلبهم فهل هذا العمل حلال أم حرام مع العلم بأنني أكسب رزقي من هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النياحة على الميت من كبائر الذنوب ليست حراماً فقط هي حرام وكبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله علية وسلم (لعن النائحة والمستمعة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) فعليك أن تتوب إلى الله وأن تقلع عن هذا العمل واعلم أن ما كسبته من هذا العمل فإنه سحت محرم عليك إن نبت جسدك عليه فإنه كالنابت على الأموال الأخرى المحرمة واعلم أيضا أنك إذا اتقيت الله عز وجل وتركت هذا العمل لله فإن الله تعالى سوف يفتح لك من أبواب الرزق ما لم يكن لك في الحسبان قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) .
***(9/2)
بارك الله فيكم هل يجوز أن يحضر للتعزية أحدُ العلماء ليحمل أهل الميت على الصبر ويذكرهم بفناء الدنيا ويبين لهم فوائد الصبر ويسليهم بحيث يكون في مجلس التعزية روضة من رياض الجنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من السنة أن يحضر واعظ في مجلس التعزية ليعظ أهل الميت ويسمعه الحاضرون بل إن الاجتماع للتعزية مكروهٌ كما صرح بذلك كثيرٌ من العلماء بل أطلق بعضهم عليه أنه بدعة لذلك نحث إخواننا المسلمين على أن لا يفعلوا ذلك أي أن لا يجلسوا للتعزية يستقبلون الناس أولاً لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه وثانياً أن لسان حال هذا الجالس الذي فتح بابه للناس كأنه يقول يا أيها الناس ائتوا إلي فإني مصابٌ فعزوني وهذا أمرٌ لا يليق بالعاقل بل الإنسان المصاب ينبغي له أن يتصبر ويتحمل دون أن يقول للناس بلسان الحال أو لسان المقال تعالوا عزوني وثالثاً أن هذه المجالس قد بالغ فيها بعض الناس حتى أصبحوا يجعلونها كأنها حفل زواج، تمرُّ في بعض المناطق في البيت مضاءً بقناديل الكهرباء مفتوح الباب قد بسط بالرمل أو بالفرش وبالكراسي والناس هذا داخلٌ وهذا خارج وكأنهم في محفل عرس وهذا لا شك أنه ليس من السنة بل إنه خلاف السنة قطعاً بل إنه يجعل الناس يحسون بهذه الأمور إحساساً ظاهرياً بدنياً يريدون أن يسلوا أنفسهم بهذه المظاهر فقط لا برجاء الثواب وتحمل الصبر لأن هذه عبارة عن سرورٍ ظاهري جسدي فقط لكن إذا بقي البيت على ما هو عليه وبقي أهلهم على ما هم عليه وتصابروا فيما بينهم وحث بعضهم بعضاً على الصبر كان هذا هو السنة ولهذا لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) ولم يقل واذهبوا إليهم واجتمعوا إليهم وكلوا معهم إنما قال (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) يعني عن صنع الطعام لأن النفوس مهما بلغت لا بد أن تتكدر ولا سيما إذا كان المصاب جللاً عظيماً لكن كون الناس يجتمعون وتصنع الولائم وتبعث إليهم أو ربما يصنعونها هم فإن الصحابة يعدون صنع الطعام واجتماع الناس إليه من النياحة ولهذا نقول لإخواننا خففوا على أنفسكم اربعوا على أنفسكم لا تكلفوها مثل هذه الأعمال التي لا تزيدكم إلا إيغالاً في البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ونحن نقول هذا الكلام ونقول لمن سمعه إذا كان عندك شيء من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يؤيد هذا فاهده إلينا وأنت مشكورٌ على ذلك ونحن بحول الله سننقاد له أما إذا لم يكن عندك شيء فلماذا تحدث أمراً لم يصنعه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه ألم تسمع قول الرسول عليه الصلاة والسلام) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) إذاً فنقول لا تدع عالماً يحضر مجلس أهل الميت من أجل أن يلقي فيهم المواعظ بل إذا رأينا أن بعض الناس قد بلغ به الحزن مبلغاً عظيماً فإننا نأتي إليه واحداً من العائلة أو واحداً من طلبة العلم المعروف عنده يأتي إليه ويتكلم معه كلاماً عادياً في المجلس ويقول اتق الله اصبر احتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى هذا أمرٌ مكتوب قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة والمكتوب لا بد أن يقع قال النبي عليه الصلاة والسلام (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وتشددك في الحزن والبكاء لا يرفع من الأمر شيئاً بل يزيد الأمر شدة ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيأتي إنسان عادي بصفة عادية يتكلم مع هذا الذي بلغت به المصيبة مبلغاً عظيماً ويخفف عليه وأما الاجتماع وجلب الوعاظ للوعظ وما أشبه ذلك فكل هذا من البدع.
***(9/2)
هل العزاء محدّد بمكانٍ معين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العزاء معناه تقوية المصاب على تحمل المصيبة وهو سنة إذا رأيت أخاك مصاباً متأثراً بمصيبة أن تعزيه وتقويه وتذكره بما في الصبر من الأجر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى) فيصبره ليهون عليه المصيبة وينسيه إياها أما ما يفعله بعض الناس عند العزاء من كونه يفتح بابه ويشعل اللمبات ويصفّ الكراسي ويأتي بالأطعمة وربما أتى بشخصٍ يقرأ القرآن وما أشبه ذلك فإنه مما أحدثه الناس وهو من البدع التي تتضمن من المفاسد ضياع الوقت وضياع المال وبيع القرآن إذا أتوا بقارئٍ يقرأ بأجرة وربما تكون سبباً للنياحة والندب ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يرون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة والنياحة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن النائحة والمستمعة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران ودرعٌ من جرب) والتعزية لا تختص بمكان، يعزى الإنسان في المسجد يعزى في السوق يعزى في المدرسة لأن المقصود من التعزية وحقيقة التعزية أن الإنسان إذا رأى أخاه مصاباً متأثراً يقول لأخيه اصبر احتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى أو ما أبقى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى وما حدث لا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يتقدم أو يتأخر ولا يزيدك الحزن إلا بؤساً وما أشبه ذلك من الكلمات التي تحمله على الصبر واحتساب الأجر وترك التحزن.
***(9/2)
قراءة القرآن ثلاثة أيام في منزل الميت وذبح الذبائح يوم الوفاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه من البدع من البدع المحرمة وإضاعة أموال وتجديد أحزان ولم يكن من عادة السلف الصالح رضي الله عنهم أن يجتمعوا في بيت الميت ليتلقوا العزاء وإنما هذه أمور محدثة ولا ريب أن هدي السلف الصالح هو الأكمل والأفضل فأدعو إخواني المسلمين في كل مكان إلى أن يلتزموا بهدي السلف الصالح فإن ذلك خير والالتزام بهديه هو الذي عناه الله عز وجل بقوله (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) فلا بد من أن نتبعهم بإحسان لا نتجاوز طريقتهم ولا ننقص عنها.
***(9/2)
حفظكم الله يقول هذا السائل في بلدتنا إذا توفي شخص يأتون الأقارب بعد دفنه برجلٍ يقرأ القرآن مقابل بعض المال لمدة ثلاثة أيام أيام العزاء فما رأي فضيلتكم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أنه عملٌ بدعي وأنه لا ينفع الميت ولا ينفع الحي لأن هذا الرجل القارئ يأتي يقرأ بأجرة وأخذ الأجرة على قراءة القرآن يبطل الثواب وحينئذٍ تبقى قراءة هذا الرجل بدون ثواب فلا ينتفع بها الميت وإذا كان العوض من التركة وفي الورثة من هو قاصر صار في هذا تحريمٌ آخر وهو إتلاف مال القاصر بغير حق والواجب ترك هذه العادة وترك الاجتماع عند أهل الميت؛ الميت راح وذهب وموقفنا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها.
***(9/2)
السائلة حنان من الدوحة قطر تقول لقد تعود الناس عندنا إذا توفي أحد أفراد العائلة يجتمع الناس للعزاء في الثلاثة الأيام الأولى ويقرؤون في هذه الفترة القرآن الكريم ويكملون ما يستطيعون من ختمات للقرآن يتجمعون بعدها ويقرأ أحد الشيوخ أو أحد النسوة دعاء ختم القرآن يأخذونه من كتاب اسمه دعاء ختم القرآن من تأليف أحمد بن محمد البراك ويقول هذا المؤلف إنه كتب هذا الكتاب في الهند وداعاً لشهر رمضان لينتفع به المسلمون وفيه دعاء أول السنة وآخرها ودعاء ليلة النصف من شعبان واستوقفتني هذه الجملة لعلمي بضعف الأحاديث الواردة في تخصيص ليلة النصف من شعبان ثم يذكر في الكتاب كجزء من الدعاء سورة الفاتحة وآيات من سورة البقرة وآل عمران وسور أخرى ومن الكلام الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي أسلم قال من يشهد يا محمد أن ما تقول صدق فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة من شاطئ الوادي الأيمن فجاءت إليه وهي تشق الأرض شقاً فاستشهدها رسول الله وقال لها يا شجرة من أنا قالت أنت رسول الله حقاً فغادرت إلى مكانها معلنة له بالرسالة نطقاً وقول آخر عن رسول الله أنه أجار البعير وضمن الغزالة وكلمه الضب وخاطبه الثعبان وأخضر العود اليابس في كفه ويكرر هذا الدعاء بعدد الختمات التي تمت للقرآن فيسألون الله فيه أن يكون ثوابه صدقة للميت فهل تجوز القراءة للميت وما مدى صحة ما ورد في هذا الكتاب أفيدونا بما تعلمون حول هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي أشارت إليه السائلة لم يكن عندي منه شيء ولا أعلم به ولكن ما ذكر من اجتماع أهل الميت للعزاء ثلاثة أيام وقراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الميت فإن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كره أهل العلم أن يجتمع الناس للعزاء في بيوتهم أو في مكان خاص والغالب أنه إذا حصل مثل هذا الاجتماع ولا سيما اجتماع النساء الغالب أنه لابد أن يكون مصحوباً بنياحة أو ندب وكلاهما محرم (فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة) وعلى هذا فالواجب على المسلمين التخلي عن هذه البدع وأن ينظروا إلى طريقة من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ويتمشوا على طريقتهم ولاشك أن الصحابة رضي الله عنهم قد أصيبوا بالأموات كغيرهم من الناس ولم يكن يحدث منهم ذلك وغاية ما ورد في هذا أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) وأما إهداء القرآن إلى الميت أو قراءة القرآن للميت فإن أهل العلم اختلفوا هل يصل ثوابها إليه أم لا والصحيح أنه يصل ثوابها إليه ولكن استئجار من يقرأ القرآن له هذا هو الذي يكون حراماً لأن قراءة القرآن قربة والقربة لا يصح أخذ الأجرة عليها فلو استأجروا شخصاً يقرأ القرآن للميت فإن عقد الإجارة محرم والقارئ لا يملك الأجرة بذلك وليس له ثواب من قراءته لأنه أراد بها غير وجه الله والميت لا ينتفع بها حينئذٍ لأنها ليست مقبولة يترتب عليها الأجر والثواب وحينئذٍ يكون أهل الميت الذين بذلوا هذه الدراهم خاسرين وقد فات الميت ما يرجونه من الثواب وأما ما ذكره من الآيات التي أشار إليها الآيات التي تدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فالآيات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة وأعظمها هذا القرآن العظيم الذي لا يزال معجزة حتى يأتي أمر الله عز وجل وقد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الكونية الأرضية والأفقية شيء كثير من أراد أن يراجعه فليرجع إلى ما ذكره أهل العلم في ذلك مثل البداية والنهاية لابن كثير مثل ما ختم شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه الجواب الصحيح به فإن فيه مقنعاً وكفاية.
***(9/2)
المستمع مصطفى عمر من ليبيا يقول في سؤاله ما حكم الشرع في نظركم في هؤلاء الناس الذين يقرؤون القرآن على الميت في بيته يأكلون الطعام ويقولون هذه صدقة أرجو إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن حبس الميت في بيته بعد تجهيزه خلاف السنة والسنة أن يبادر أهل الميت بدفنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونها عن رقابكم) فلا ينبغي أن يحبس الميت في بيته ثم إن حبسه في بيته إذا انضم إلى ذلك أن يقرأ عليه كان هذا أشد وأشد لأن القراءة على الميت بعد موته من البدع فهاهم الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقرؤون على موتاهم بعد موتهم فإنما كانوا يجهزونهم ويصلون عليهم ويدفنونهم حتى إن امرأة كانت تقم المسجد التي ماتت في الليل فجهزوها في الليل وصلوا عليها ودفنوها فلما سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أنها ماتت ليلاً وأنهم كرهوا أن يخبروه بذلك فقال عليه الصلاة والسلام (دلوني على قبرها) فدلوه فلما وصل إلى القبر صلى عليها عليه الصلاة والسلام ولم يقرأ عليها ولم يَدْعُ لها دعاء جماعياً بل صلى عليها صلاة الجنازة وانصرف هذا هو السنة وإني أدعوا إخواني المسلمين أدعو كل من سمع كلامي هذا أن لا يعملوا بما هم عليه الآن حتى يعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريقة الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم لأن هذا هو الذي أمرنا به قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتمسكين بسنته القائمين بشريعته وأن يتجاوز عنا ويعفو عنا إنه جواد كريم.
***(9/2)
السائل حسن محمد من اليمن يقول في قريتنا البعض من النساء إذا مات زوجها تقوم بدفع مبالغ كبيرة لقاريء القرآن كأجرة له على أن يقرأ القرآن على الميت كاملا فما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل محرم على القارئ وعلى باذل المال أما تحريمه على القارئ لأنه أراد بالعمل الصالح نصيبه من الدنيا وقد قال الله تبارك وتعالي (فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي من نصيب وقال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وأما الباذل فوجه التحريم في حقه أنه أعان على محرم وأغرى هذا القارئ لقراءةٍ محرمة ثم إن الميت لن ينتفع بهذه القراءة لأنها قراءة لا ثواب فيها ولا أجر فيكون بهذا قد أضاع المال وبذله في غير فائدة وإذا كان المال من التركة وللميت وصية بالثلث صار جناية على الميت بنقص ثلثه وإذا كان من التركة وللميت ورثة صغار كان ذلك جناية على الورثة الصغار ولهذا نقول لهذه المرآة ولغيرها ممن يعمل عملها اتقوا الله في أموالكم اتقوا الله في إخوانكم الذين أغريتموهم أن يقرؤوا القرآن الذي لا فائدة لهم منه ولا فائدة للميت منه ابتغاء ثواب الدنيا (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) .
***(9/2)
قراءة القرآن بعد موت الميت في المسجد لمدة ثلاثة أيام من بعد صلاة المغرب إلى وقت الأذان بأن يجتمع الناس مع أهل الميت في المسجد ويقرأ كل شخص لوحده في هذه الثلاثة أيام ما يتيسر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع المنكرة التي يجب على أهل العلم أن يبينوها للناس ويحذروهم منها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذر منها فقال (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) والعلماء ورثة الأنبياء فعليهم أن يبينوا للناس ما بينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليحققوا بذلك إرث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة ودعوة.
***(9/2)
السائل من السودان يقول هل تجوز قراءة القرآن على الأموات وذلك في المآتم التي تعمل لهم وقد يستمر هذا المأتم لمدة ثلاثة أيام وكذلك نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا هل هذه المآتم التي تقام للأموات جائزة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المآتم التي تقام للأموات أدنى ما يقال فيها أنها مكروهة لأنها بدعة لم تكن من عادة السلف الصالح وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كل بدعة ضلالة) وما ينفق فيها من الأموال إن كان من تركة الميت وفيهم صغار فإن ذلك جناية على الصغار وأكل لأموالهم بالباطل ثم إن ما يقرأ فيها وما يتلى من كتاب الله ليس فيه أجر لأن غالب القراء الذين يقرؤون إنما يقرؤون بأجرة والقارئ إذا قرأ القرآن بأجرة لم يكن له ثواب عند الله وثوابه ما ناله من أمر الدنيا وإذا لم يكن له ثواب عند الله لم ينتفع الميت بقراءته لأنه ليس فيها أجر فصار إعطاؤه الأجرة إتلاف للمال وإضاعة له وقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إضاعة المال) وإن قدر إن هذا القارئ متبرع فإن حضوره لهذا المأتم خطأ وإقرار للبدعة ثم إن العلماء قد اختلفوا هل ينتفع الميت بقراءة الحي فمنهم من قال إنه ينتفع ومنهم من قال إنه لا ينتفع وإن نصيحتي لإخواني الذين يصنعون هذه المآتم أن يتقوا الله عز وجل وألا يتعدوا منهج السلف الصالح فكله خير وقد قال جرير بن عبد الله (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) والنياحة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن النائحة والمستمعة) بل عليهم أن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله عز وجل ويغلقوا بيوتهم ولا يستقبلوا أحدا من المعزين إلا الأقارب الخاصين فيمكن أن يدخلوا ويعزوا أقاربهم وأما فتح الباب للناس فإن ذلك ليس من هدي السلف الصالح.
***(9/2)
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ من تشاد السائل موسى يحيى يقول في هذا السؤال نحن عندنا إذا مات الشخص نجتمع في بيت الميت أو في بيت أحد أقربائه لمدة ثلاثة أيام فإذا جاء أحد للتعزية جمع كفيه يقرأ سورة الإخلاص سبع مرات أو عشر مرات ثم يقلب كفيه على الأرض ثم يقول اللهم اغفر له وارحمه ثم يمد يده مرة ثانية ويقرأ سورة الفاتحة ويمسح على وجهه ما حكم فعل هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاجتماع للعزاء مكروه بدعة وإذا حصل معه إطعام المجتمعين صار من النياحة قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) ولم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه المهتدون فيما نعلم لم يكونوا يجتمعون يتلقوا معزين أبدا غاية ما في الأمر أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) ولم يجتمع إلى آل جعفر علي بن أبي طالب وهو أخوه ولا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه ولا أحد من أقاربه فيما نعلم لم يجتمع إلى آل جعفر ليأكلوا من هذا الطعام ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن شر الأمور محدثاتها والتعزية من العبادة والعبادة لابد أن تكون على وفق ما جاءت به الشريعة وقد صرح بعض أهل العلم بأن الاجتماع بدعة وصرح فقهاؤنا الحنابلة رحمهم الله في كتبهم بأن الاجتماع مكروه ومن العلماء من حرمه وإنك لتعجب في بعض البلدان أنه إذا مات لهم ميت وضع السرادقات الطويلة العريضة وعليها أنوار كثيرة الكاشفة وما دون الكاشفة والكراسي وهذا يدخل وهذا يخرج كأنما هم في وليمة عرس أو أشد من قال هذا؟! من فعل هذا؟! أليس لنا أسوة حسنة في محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله والذين معه ولهذا نجا الله بعض البلاد من هذه البدعة المكلفة ماليا المهلكة للزمن وقتياً المتعبة للأبدان حتى إنهم يأتون من أطراف البلاد إلى هذا الاجتماع سبحان الله لو كان هذا مشروعا على سبيل الوجوب أو الاستحباب لرأيت أنه ثقيل على النفوس لكن لما كان مما لم يأمر الله به ورسوله صار هينا على النفوس فتجد الناس يأتون من بعيد ليجتمعوا لأهل الميت أما ما ذكره السائل من قرآءة الفاتحة وسورة الإخلاص وهذه الأذكار فهي لا تزيد الأمر إلا شدة ولا تزيده إلا بعدا من السنة فهي بدعة فإذا قال قائل إذا أنكرت هذا فكيف نعزي الناس الجواب التعزية ليست واجبة حتى نقول لابد منها وأنها ضرورة التعزية سنة ولا تكون أيضا إلا للمصاب الذي نعلم أنه تأثر لموت هذا الميت فنذهب إليه بدون أن يفتح الباب ويجمع الناس نذهب إليه إذا كان من أقاربنا الذين لابد أن نذهب إليهم وأننا لو لم نذهب لقيل هذا قاطع نذهب إليه ونقول يا أخي اتق الله واصبر واحتسب وأقول نذهب إليه ليس على سبيل الاستحباب لكن خوفا من القطيعة وإلا فهاهو النبي عليه الصلاة والسلام أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن طفلا لها أو طفلة في سياق الموت فجاء رسول ابنته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يخبره ويطلب منه أن يأتي فقال له الرسول (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) ثم عاد الرسول وقال إنها تلح على أن تأتي فذهب إليها الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يحضر لكن لما كان الناس الآن اعتادوا بأنه لابد للأقارب القريبين من أن يأتوا ليعزوا أهل الميت صار ترك هذا قد يعد قطيعة للرحم ويكون الإنسان لوكا للألسن فيذهب ليدرأ عن نفسه مغبة الغيبة فيكون إتيانه هنا لا على سبيل أن هذا تطوع مأمور به ولكن على سبيل أنه درء للمفسدة فقط بدون أن يكون هناك فتح باب هذا يدخل وهذا يخرج لا أنا قريبه وأنا أخوه أنا ابن عمه أنا عمه أنا خاله القريب. القريب اذهب إلى البيت وأستأذن وأدخل وأغلق الباب وتكلم معهم إذا رأيت إنهم تأثروا تأثرا كثيرا وأحيانا لا يتأثر أهل الميت بالميت لأي سبب من الأسباب وليس هذا موضع التمثيل بشيء لكن أحيانا لا تجدهم متأثرين هؤلاء لا يعزون لأن التعزية معناها تقوية المصاب على تحمل المصيبة هذا معنى التعزية فالحاصل أننا نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه الخير والصلاح.
فضيلة الشيخ: التلفون يكفي في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي التلفون في ذلك فيمن لا يرى أن من حقه أن تأتي إليه بنفسك كالأقارب القريبين الذين ذكرناهم آنفاً.
***(9/2)
هل تجوز قراءة القرآن بعد دفن الميت ببيت الميت أو في أي مكان والاجتماع على القراءة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاجتماع على القراءة بعد دفن الميت سواء في بيت الميت أو في المسجد أو في بيت رجل آخر بدعة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك بل اجتماع أهل الميت من تلقي المعزين مكروه عند أهل العلم فإن اقترن به أن يؤتى بالذبائح والولائم ويجتمعون إليها فإنه يكون من باب النياحة التي قال عنها جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (كانوا يعدون الإجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) لهذا نحذر إخواننا من تعاطي هذه الأشياء وأن ينهجوا في تعزيتهم منهج السلف الصالح حيث أن الواحد يعزى متى وجده الإنسان عزاه ولم يكن أحد من السلف الصالح يفتح بابه للمعزين الذين يأتون من أطراف البلاد وربما يأتون من بلاد أخرى ويتكلفون المشاق حتى إنه لو تخلف أحدهم عن ذلك لعده الناس قاطعا لرحمه أو عدوه من الجفاة الذين لا يهتمون بهذه الأمور.
***(9/2)
_____ فتاوى الزكاة _____(/)
حكم الزكاة إذا تلفت - أحكام صدقة التطوع - زكاة الدين(10/1)
يقول السائل ماحكم من لا يؤدي الزكاة كاملة أي أنه ينقص من مقدارها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المرء أن يكون ناصحاً لنفسه محاسباً لها على الواجبات فيقوم بها وعلى المحرمات فيتجنبها لأن نفسك أمانةٌ عندك فالواجب على الإنسان الذي آتاه الله مالاً أن يؤدي زكاته على الوجه الذي أمر به فإذا نقص منها شيئاً فإنه يكون مخلاً بواجبه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من آتاه الله مالاُ فلم يؤدِ زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يأخذ بشدقيه فيقول أنا مالك أنا كنزك) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (قال ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسون ألف سنة حتى يقضى العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذان الحديثان دل عليهما قوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) الواجب على العبد الناصح لنفسه أن يتقي الله في نفسه وأن يخرج زكاة ماله على وجه التمام وأن يعلم أن هذه الزكاة ليست غُرماً وإنما هي غُنْمٌ وأجر وثواب يجده مدخراً له عند الله ويبارك الله له فيما بقي من ماله لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (قال: ما نقصت صدقةٌ من مال) فالصدقات تزيد المال نمواً وطهارةً وبركة.
***(10/2)
يقول السائل يتهاون البعض في أداء الزكاة وربما لا يؤديها في وقتها ماذا عن هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المسلم أن يؤدي الزكاة في حينها لأن إيتاء الزكاة ركن من أركان الإسلام وقد ورد الوعيد الشديد على من تهاون بها فقال الله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وجاء الحديث في مثل هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنّ من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة أي صُوِّر له شجاعا أقرع قال العلماء الشجاع هو ذكر الحيات العظيم والأقرع هو الذي ليس في رأسه شعر لكثرة سمه قد تمرق شعره له زبيبتان أي غدتان كالزبيبة مملوءتان من السم يأخذ بلزيمتيه يعني بلزيمتي صاحب المال يعني شدقيه يعضهما يقول أنا مالك أنا كنزك) وقال الله تباركم وتعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) يعني لا يؤدون زكاتها (وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم ٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أعوذ بالله.
***(10/2)
تقول السائلة رجلٌ مليء كان لا يدفع الزكاة في سنواتٍ مضت ثم تاب كيف يخرج ما مضى وهل هناك كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يخرج ما مضى بأن يحصي أمواله حين وجوب الزكاة وينظر مقدارها ثم يخرجها لأنها دينٌ في ذمته لا تبرأ ذمته إلا بأدائها فإذا قال هذا فيه مشقة وأيضاً ربما لا يكون قد أحصى أمواله نقول تحرَّ واعمل بالاحتياط وأنت إذا زدت ألفاً على ألفٍ يعني أخرجت الضعف خيرٌ من أن تنقص درهماً فالزيادة لك إن كانت واجبة فقد أبرأت ذمتك وإن كانت غير واجبة فهي تطوع وكل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة لكن لو نقص حصل الإثم ودخلت في قوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع الشجاع الحية العظيمة أقرع يعني ليس على رأسه شعر من كثرة السم والعياذ بالله له زبيبتان يعني غدتان مثل الزبيبة الواحدة مثل الزبيبة مملوءتان سماً والعياذ بالله له زبيبتان يأخذ بشدقيه فيقول أنا مالك أنا كنزك أنا مالك أنا كنزك) فليحذر أولئك الذين يبخلون بالزكاة من هذا الوعيد وأمثاله وليتقوا الله الذي أعطاهم هذا المال أن ينفقوا منه لله عز وجل ولزيادة حسناتهم.
***(10/2)
رمضان محمود أحمد من جمهورية مصر العربية يقول أنا أعمل بالعراق منذ حوالي ثلاث سنوات تقريباً وقد جمعت مبلغاً من المال ولكني لم أخرج زكاته لصعوبة أحوالي المادية فعلي الكثير من الدين وأهلي في بلدي ينتظرون مساعدتي لهم بإرسال المال إليهم فهل علي شيء في ذلك وكذلك بالنسبة للصلاة فعملي يستمر ثلاث عشرة ساعة متواصلة فلا أتمكن من أدائها ولو صلىتها يوماً ما صلىتها في اليوم الآخر فما الحكم في فعلي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تضمن فعلك هذا أمرين أحدهما ترك الصلاة والثاني ترك الزكاة وهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فأما الصلاة فإنك لا تعذر بتركها أبداً بأي حال من الأحوال يجب عليك أن تصلى الصلاة لوقتها مهما كان الأمر حتى لو قدر أنك تفصل من هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى أو إلى أن تخرج إلى البر فتحتطب وتبيع الحطب وتنتفع بثمنه فإنه يجب عليك أن تؤدي الصلاة ولا يحق لك أن تؤجلها كما يفعله بعض الجهلة إلى أن ينام فإذا جاء إلى النوم صلى الصلوات الخمس فهذا محرم ولا يجوز وهو من كبائر الذنوب بل من أكبر الكبائر والعياذ بالله لأنه قد يؤدي إلى الكفر وأما الزكاة فإن هذا المال الذي تكتسبه إذا بقي عندك حتى تم عليه الحول فإنه يجب عليك أن تؤدي زكاته وكما أهلك ينتظرون ما ترسل إليهم من الدراهم لا يمنع وجوب الزكاة والزكاة ليست شيئاً صعباً وليست جزءاً كبيراً من المال ما هو إلا واحد في الأربعين فقط يعني اثنين ونصف في المائة وهو أمر بسيط وأمر يسير وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الصدقة لا تنقص المال فهي أي الصدقة تزيده بركة ونموا ويفتح الله للإنسان من أبواب الخير ما لا يخطر على باله إذا أدى ما أوجب عليه الله في ماله فعليك أن تزكي كل مال تم عليه الحول عندك أما ما أنفقته أو قضيت به ديناً قبل أن يتم الحول عليه فإنه لا زكاة عليك فيه.
***(10/2)
يقول السائل إذا حال الحول على مال نقدي عند شخص وقد أحصى زكاته وأخرجها منه لكي يقوم بتوزيعها على مستحقيها وفي أثناء طريقه لتوزيع هذه الزكاة قدر الله على ماله المتبقي بعد الزكاة بحريق أتلفه كله ولم يبق في يده سوى الزكاة التي لم يخرجها بعد فما العمل في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل في مثل هذه الحال ما دام أن الزكاة قد وجبت واستقرت أن يخرج الزكاة ويمضي في إخراجها والله سبحانه وتعالى يرزقه من حيث لا يحتسب لأن إخراج الزكاة حينئذ من تقوى الله وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) فعليه أن يخرج هذه الزكاة التي وجبت عليه ولا يؤخرها.
***(10/2)
السائل س. ع. من حوطة بني تميم يقول لي مبلغ من المال مودع في مؤسسة وقد استخرجت منه مبلغ ثمانية آلاف ريال على أنها زكاة عن كل مالي المودع وحينما أخذتها بدأت في توزيعها على المستحقين فأعطيت شخص خمسمائة ريال وآخر ألف ريال والباقي تركته مع مجموعة من الأغراض اشتريتها ووضعت الجميع في صندوق سيارتي وذهبت متجهاً إلى البيت وفي الطريق وجدت شخصاً منقطعاً يشير إليَّ يريد الركوب فوقفت وأركبته في الصندوق وبعد قطع مسافة من الطريق طلب مني الوقوف لينزل وفعلاً وقفت ونزل وحينما وصلت البيت وأنزلت الأغراض من السيارة تذكرت أنني تركت باقي النقود التي هي باقي الزكاة في الصندوق فبحثت عنها فلم أجدها وربما يكون ذلك الراكب قد أخذها أو أنها سقطت فما الحكم في هذه الحالة وماذا يجب عليّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدراهم التي عزلتها لتؤديها زكاة عن مالك وأديت منها ألفاً وخمسمائة وبقي بعضها جعلته في صندوق السيارة ثم فقدته بعد ذلك يجب عليك أن تخرج مقابل هذا الذي فقدت لأن هذا المال لم يصل إلى مستحقيه فهو ملكك حتى يصل إلى مستحقيه وعلى هذا فيلزمك أن تخرج ستة آلف وخمسمائة عن زكاة مالك.
***(10/2)
يقول السائل صدقة التطوع لمن تعطى وهل يشترط فيها ما يشترط في الزكاة المفروضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صدقة التطوع أوسع من الزكاة المفروضة لأن الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين عينهم الله في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٌ) أما صدقة التطوع فهي أوسع فيجوز للإنسان أن يتصدق على شخص يحتاج إليها وإن لم يكن فقيراً ويجوز أن يتصدق على طلبة العلم وإن كانوا أغنياء تشجيعاً لهم على طلب العلم ويجوز أن يتصدق على غنيٍّ من أجل المودة والإلفة فهي أوسع ولكن كلما كانت أونفع فهي أفضل.
***(10/2)
هل إخبار الناس بما يتصدق به الإنسان أو إبرازه أمامهم مثل لو كان على سبيل الاتفاق على جمع مبلغ معين من كل شخص من مجموعة ما فهل مثل هذا يحرم فاعله من الأجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أظهر الإنسان صدقته أو ظهرت للناس بجمع تبرع أو غيره فإن ذلك لا ينقص أجره لأن الله مدح الذي ينفقون أموالهم سراً وعلانية بل قد تكون العلانية أحياناً خيراً من الإسرار إذا كان في إعلانه مصلحة كاقتداء الناس به وفعلهم كما فعل فيكون هذا من الدال على الخير ومن من سنَّ سنة حسنة ومن دلَّ على خير فكفاعله و (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) نعم لو كان الإنسان يعرف من قلبه أنه في إظهارها يقصد مراءاة الناس وأن يروه فيمدحوه على هذه العبادة فإن هذا من الرياء الذي يجب على الإنسان أن يحاول التخلص منه بقدر ما يستطيع والله الموفق.
***(10/2)
سحنون عبد الله آل سحنون يقول إن والدي بائع ومشترٍ في دكان وأنا بعض الأوقات أساعده في البيع ولكن إذا جاء محتاج مسكين وأنا في الدكان فإنني أعطيه ما أستطيع عليه بدون إذن والدي مع العلم إنني أقول في نفسي اللهم اجعلها على نية أبي، فهل هذه الصدقة جائزة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصدقة جائزة إذا علمت أن والدك لا يمانع فيها، أما إذا علمت أن والدك يمانع فيها ولا يرضى أن تتصدق فإنه لا يحل لك أن تتصدق بشيء من ماله، لأنه لا يحل مال للمسلم إلا بطيب نفسه فهذه المسألة وأشباهها لا تخلو من ثلاث حالات، إما أن نعلم رضا صاحب المال فهذا لا بأس به، أو نعلم عدم رضاه وأنه رجل شحيح لا يرضى أن يتصدق بشيء من ماله فهذا لا يجوز وإما أن نشك فالأفضل احترام المال وألا يتصدق به الإنسان إلا إذا علم رضا صاحبه أو غلب على ظنه.
فضيلة الشيخ: يقول أيضاً سحنون إنني بعض الأوقات آخذ من الدكان فلوساً وليست بالكثير مثل عشرة أو عشرين أو ما يشابهها لكي أشتري به ما أحتاجه إذا نزلت السوق، ولكني آخذها من غير أن يراني والدي لأني أخاف إذا أخبرته أن يقول ماذا تشتري وأنا لا أريد أن أخبره فهل هذه الفلوس تعتبر لي حرام أفتوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تأخذ شيئاً من ماله بغير رضاه كما أسلفنا، لكن نرى في مثل هذه الحال أن تطلب من والدك أن يجعل لك أجراً معلوماً في الشهر لقاء تعبك في ماله، هذا الأجر المعلوم يمكنك أن تتصرف فيه كما شيءت من صدقة ونفقة ويكون بذلك السلامة لك وكذلك أيضاً يكون فيه عون لك على أن تبذل ما تريد.
***(10/2)
من الأخت ي ع ج من القصيم تقول أنا يهدى إليَّ تمر أو غير ذلك مما يشابهه هل يجوز أن أتصدق به أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يتصدق الإنسان بما يهدى إليه من تمر أو غيره لأنه إذا أهدي إليه شيء ملكه وصار داخلا في ملكه يتصرف فيه بما شاء بل لو تُصدق به عليه وهو فقير ثم أهداه إلى غني فلا بأس فإن (رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل ذات يوم على أهله فدعا بطعام فأتى بخبز وأدم من البيت. فقال ألم أر برمة على النار فيها لحم والبرمة:إناء من طين يشبه القدر فقالوا يا رسول الله ذلك لحم تصدق به على بريرة يعني والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها (هو عليها صدقه ومنها لنا هدية) والمهم أن الإنسان متى أهدي له شيء أو تصدق به عليه فهو ملكه إن شاء أهداه وإن شاء باعه وإن شاء تصدق به.
***(10/2)
السائل أحمد يقول حدثونا عن صدقة السر ما هي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صدقة السر هي أن يعطي الإنسان الصدقة من يستحقها سراً لا يطلع عليه أحد وقد امتدح الله سبحانه وتعالى الذين ينفقون أمواله سراً وعلانية فبدأ بالسر فدل ذلك على أن الأصل فيما ينفق ويتصدق به أن يكون سراً ولكن أحياناً يكون الإنفاق في العلن أفضل مثل أن يكون الإنفاق في شيء عام فالإعلان هنا أفضل ليكون الإنسان قدوةً يقتدي به الناس وليدفع اللوم عن نفسه ولأنه إذا أعلن هذا لا محظور فيه بخلاف من يتصدق على شخصٍ معين فإن إعلان الصدقة عليه قد يكون فيها كسرٌ لقلبه وإهانةٌ له فالمهم أن الإنفاق والصدقة تكون سراً وتكون علانية والأفضل السر ما لم يكن في الإعلان مصلحة.
***(10/2)
هل تجوز الصدقة على المساكين المتواجدين في بيت الله الحرام لأنني سمعت أن الصدقة لا تجوز في بيت الله الحرام لإنه مكان للعبادة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة في المسجد الحرام وفي غيره من الأماكن لا بأس بها ومن المعلوم أن أهل العلم يقولون إن الحسنة تضاعف بالمكان الفاضل ولكن الأمر الذي يهم المرء هو هل هؤلاء الفقراء الذين يتظاهرون بالفقر هل هم فقراء حقيقة؟ هذا هو الذي يشكل على المرء ولكن إذا غلب على ظن الإنسان أن هذا فقير فأعطاه فإنها مقبولة ولو تبين بعد ذلك أنه غني، للحديث الذي ورد في ذلك وعليه فالصدقة على هؤلاء لا بأس بها ولو في المسجد الحرام اللهم إلا إذا علم أن في ذلك مفسدة وأن إعطاءهم يوجب كثرتهم ومضايقتهم للناس في المسجد الحرام فحينئذٍ يتوجه بأن يقال لا يُعطون لما في هذا من السبب الموصل إلى هذا المحظور.
***(10/2)
هل طباعة الكتب الإسلامية والقيام بتوزيعها يعتبر من الصدقة الجارية أفيدونا مأجورين وماذا يدخل في الصدقة الجارية جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة الجارية هي التي يستمر الانتفاع بها ولهذا سميت جارية لأنها غير واقفة والصدقة غير الجارية هي التي ينتفع بها الإنسان في وقتها فقط فمثلا إذا أعطيت فقيرا ألف ريال أنفقه في مدة شهر أو شهرين انقطعت الصدقة وإذا أوقفت عمارة أو بيتا أو دكانا ليكون ريعه في الفقراء فالصدقة جارية ما دام ريعه موجوداً وطباعة الكتب والأشياء النافعة صدقة جارية ما دام الناس ينتفعون بها فهي جارية الأجر جارية الثواب وقد تتلف هذه الكتب لكن ينتفع بما نقل منها في كتب أخرى ثم بما نقل من الكتب الأخرى فطباعة الكتب النافعة صدقة جارية لا شك فيها لكن ينبغي لمن أراد أن يطبع كتبا ينتفع المسلمون بها أن يستشير أهل العلم الموثوق بعلمهم ولا يطبع كل كتاب مقدم إليه ولا يأخذ بقول كل إنسان وهو لا يعرفه قد يأتي إنسان متحذلق أعطاه الله تعالى بيانا وفصاحة وأسلوبا جذابا فيأتي لشخص ويقول هذا الكتاب من أفضل الكتب وأحسن الكتب اجتماعي فيه ما لا يوجد في غيره فيغتر الرجل بكلامه هذا ويقول اطبع منه وهذا تسرع بلا شك كلما عرض عليك كتاب لطبعه والصدقة به فاستشر أهل العلم الذين تثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم وأنه ليس عندهم حسد لأحد ربما يقول لك هذا العالم الذي تثق به أنا لا أستطيع ليس عندي فرغة أمهله حتى يفرغ وقل له لو تقرأ منه كل يوم ورقة فهو ثلاثمائة ورقة لك ثلاثمائة يوم ما في مانع وهنا أنبه إخواني الذين يراجعون الكتب سواء من مؤلفات أو غيرها أن يجعلوا شيئاً معيناً كل يوم يلتزمون به خمس ورقات مثلاً خمس صفحات المهم ألا يكونوا يراجعوا اليوم خمس صفحات ثم في الغد لا يراجعون ثم بعد غدٍ لا يراجعون وتروح عليهم الأيام بل إذا حددوا شيئاً معيناً كل يوم يقضونه ولو عند ساعة النوم فإن الكتاب ينتهي لكن إذا ظل على الفرغة متى فرغت راجعت فإنه لن ينتهي بسرعة هذا ما أقوله حول طباعة الكتاب النافعة أنها من الصدقة الجارية سواء بقيت وانتفع بها مباشرة أو بما نقل منها أو عالم قرأها وانتفع بها ونشر علمه فهي من أفضل الأعمال وأكثرها نفعل بإذن الله لكن الذي أرى أنه من الواجب والذي أشير به ألا يقدم أحد من إخواننا التجار على طباعة الكتب إلا بعد مشاورة العلماء الذين يوثق بعلمه وأمانتهم.
فضيلة الشيخ:وماذا يدخل في الصدقة الجارية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل شيء مستمر مما يقرب إلى الله فهو داخل في الصدقة الجارية.
***(10/2)
المستمع فايز م. أ. يقول بعض الإخوة الذين لديهم أموال يبنون مساجد ضخمة في بلادهم وتكلف الكثير من الآلاف وقد يكون في منطقة فيها مساجد كثيرة في حين أن الكثير من البلاد الإسلامية بحاجة إلى بناء مساجد وقد يبنى بهذا المسجد الضخم عشرات المساجد في البلاد الإسلامية إلا أنهم حسب ما أعتقد أنهم يفضلون البناء في بلادهم على غيرها هل هذا من الإسلام وهل من نصيحة لهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بناء المساجد من أفضل ما تبذل فيه الأموال لأن المساجد بيوت الله عز وجل أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه هذا محل عبادته وإقامة الصلاة وتعليم العلم ولهذا ثبت في الحديث الصحيح حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن (منْ بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) وإنفاق الأموال فيها من أفضل الأعمال وأجرها دائم مستمر ليلاً ونهاراً ما دام المسلمون ينتفعون بها وهي أفضل من كثير من الوصايا التي يوصي أهلها بها في أضاحي ونحوها لأن نفع الأضاحي إنما يكون في وقت مخصوص معين وهو أيضاً مقصور على أهل الميت ونفر قليل ينتفعون به بخلاف بناء المساجد فإنه أعم نفعاً وأشمل وأكثر وأبعد عما يحصل من النزاع بين القرابات بسبب هذه الوقوف التي تجعل في أضاحي وشبهها ولهذا نحن ننصح دائماً من يستشيرنا في وصاياه أن يجعلها في مساجد ونحوها مما لا علاقة له بين القرابات حتى يحصل بينهم النزاع والعداوة بسبب هذا الشيء الطفيف وإذا كانت المساجد مما يتقرب بها إلى الله فإنه كلما كانت أنفع وأوسع شمولاً كانت أفضل والقوم الذين كانوا يبنون مساجد ويشيدونها تشييداً كثيراً ينفقون عليه الأموال الطائلة وربما تكون الأحياء في غير حاجة إليها ويدعون أماكن للمسلمين في حاجة إلى هذه المساجد هم على نيتهم ولا نتكلم عنهم في نياتهم ولكننا نقول إن الأفضل ألا يبالغوا في تشييد هذه المساجد حتى يخرجوا بها إلى السرف والبطر والمباهاة لأن هذا خلاف السنة وكلما كان المسجد أقل بساطة كان أدعى للخشوع كما هو مجرب ونقول لهم أيضاً إذا كانت الأحياء في غير حاجة للمسجد فإن بناء المسجد يكون ضراراً يتفرق به المسلمون وقد ذكر أهل العلم أن المسجد إذا كان يضر بقربه أي يضر بمسجد بقربه فإنه يعتبر مسجد ضرار ويجب هدمه ونقول أيضاً كما ذكر السائل إن في بلاد المسلمين ولا سيما الفقيرة منها فيها أماكن محتاجة إلى بناء المساجد وربما يبنى بنفقة هذا المسجد عدة مساجد تنفع المسلمين وما دام الرجل يريد أن يبني المساجد في بلده ابتغاء وجه الله فإنه كلما كانت المساجد أنفع في أي بلاد من بلاد المسلمين كان بناؤها أولى وأحسن.
***(10/2)
يقول السائل يوجد زوجة وزوج وطلبت منه الزوجة أن تتصدق من أموالهم المشتركة بينهم ولكن الزوج قال أنا لا أمنعك ولكن لا أسامحك فماذا تفعل الزوجة أفيدونا بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: للزوجة في هذه الحال أن تقاسم الزوج من هذا المال المشترك بأن تقول أنا آخذ مائة ريال مثلاً وأنت خذ مائة ريال تكون مائة خاصة بك وتكون مائة خاصة بي وأنا أريد أن أتصدق وليس له الحق في منعها من الصدقة لأنها حرة في مالها وأما قوله أنا لا أمنعك ولا أسامحك فهذا تناقض لأنه إذا كان لا يمنعها فإن هذا يقتضي أن يسامحها وإذا كان لا يسامحها فهو يقتضي أن يمنعها فعليه أن يتقي الله في هذه الزوجة التي تحب الخير وألا يمنعها من الصدقة فإن شاء جعل الصدقة من مالها الخاص وخصم عليها ما تصدقت به من المال المشترك وإن شاء أذن لها أن تتصدق من مالهما جميعاً ويكونان شريكين في الأجر.
***(10/2)
تقول السائلة لي والدٌ كبيرٌ في السن وقد فقد العقل بسبب تقدمه في السن وليس له أولاد وأنا أبره إن شاء الله وفي بعض المرات تأخذ من ماله قدراً قليلاً عشرة ريالات أو عشرين ريال وتتصدق به على بعض الأطفال من أولادها وغيرهم وتنوي بذلك الصدقة عنه فهل يلحقها إثمٌ بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يلحقها بذلك إثم لأنه ليس لأحد أن يتبرع بمال أحد وأبوها ماله له فلا يحق لها أن تقربه إلا بالتي هي أحسن ولا بد أيضاً أن تأخذ وكالةً من القاضي أقصد بالوكالة الولاية تأخذ ولاية من القاضي على مال أبيها قد تقول أبي ليس له وارثٌ غيري فنقول لا هذا غير صحيح أنت ليس لك من ميراث أبيك إلا النصف والباقي للعصبة ثم ما يدريها قد تموت قبل أبيها فيرثها أبوها فلذلك أقول لها الآن إن ما أخذته من مال أبيها على هذا الوجه الذي ذكرته لا يحل لها ولا تبرأ ذمتها إلا برد ما أخذت إلى مال أبيها لو فرض أن أولادها فقراء وأن أباها غني فهنا لا بأس أن تأخذ من مال أبيها للإنفاق عليهم لأن الأصول والفروع تجب نفقتهم سواءٌ كانوا وارثين أم غير وارثين.
***(10/2)
السائلة ح. ع تقول هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها للأموات كوالديها أو أقربائها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن مال الزوج للزوج ولا يجوز لأحدٍ أن يتصدق من مال أحدٍ إلا بإذنه فإذا أذن الزوج لها فلا حرج عليها أن تتصدق به لنفسها أو من شاءت من أمواتها فإن لم يأذن فإنه لا يحل لها أن تتصدق بشيء لأنه ماله (ولا يحل مال امرئٍ مسلم إلا عن طيب نفسٍ منه) .
***(10/2)
يقول السائل أقرضت أحداً مالاً لعدة سنوات هل يجب علي دفع زكاة هذا المال وقت القرض أو وقت استردادي لمالي عن المدة الماضية وهل إذا اشترى أحد أرض ليبني عليها منزل له وأخر بناء ذلك المنزل حتى يتوفر عنده مال للبناء , هل عليه دفع زكاة عن هذه الأرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المسألة الأولى وهي ما إذا أقرض الإنسان غيره مالاً فهل فيه زكاة فالجواب إذا كان هذا المال الذي أقرضه إياه مما لا تجب الزكاة في عينه فلا زكاة عليه فيه كما لو أقرضه طعاماً من البر أو الرز أو التمر أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا زكاة عليه فيه إذ لا زكاة في عينه وأما إذا أقرضه دراهم سواء كانت نقوداً من الذهب أو الفضة أو كانت أوراقاً من هذه الأوراق المالية فلا يخلو المقترض من إحدى حالين إما أن يكون غنياًَ وإما أن يكون فقيراً فإن كان غنياً فعلى مقرضه زكاة المال الذي أقرضه وقت وجوب زكاته وإن كان فقيراً فإنه لا زكاة عليه ولو بقي عنده سنوات لكن إن زكاه حين قبضه منه في سنة واحدة فهو أولى وأحوط لأنه حينئذ يشبه الثمرة التي استغلها الإنسان تزكى وقت استغلالها وإن استأنف به حولاً جديداً فلا بأس فصار القرض إذا كان من النقدين وهو على غني تجب زكاته على المقرض كل عام وإن كان على فقير لم تجب عليه زكاته إلا أنه إذا قبضه فينبغي أن يخرج زكاته في سنة واحدة ثم كلما دار عليه الحول زكاه هذا بالنسبة للسؤال الأول أما السؤال الثاني وهو الأرض التي اشتراها ليبني عليها بناء ولكنه لم يتمكن من البناء عليها لعدم وجود ما يبنيها به فإنه ليس فيها زكاة لأن العقارات التي لا تعد في البيع والشراء أي لا يريد التكسب ببيعها وشرائها ليس فيها زكاة لأنها من العروض والعروض لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قصد بها الاتجار وعلى هذا فليس عليه زكاة في هذه الأرض ولو بقيت سنوات كما أنه ليس عليها زكاة إذا بناها أيضاً واستغلها لكن إذا استغلها فإن عليه الزكاة في أجرتها.
***(10/2)
يقول السائل هناك شخص أقرض شخصاً مبلغاً من المال ومضى عليه عدة سنوات ولم يتمكن هذا الشخص الذي اقترض المبلغ من تسديده فهل يجوز لصاحب المبلغ أن يحتسبه من الزكاة التي يقوم بدفعها وذلك كل عام عن المال الذي عنده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يسقط الدين عن الفقير ويحتسبه من الزكاة لأن الزكاة أخذٌ وإعطاء قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وقال الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فلا بد من أخذٍ وإعطاء والإبراء من الدين ليس أخذاً ولا إعطاءً ولأن الدين بالنسبة للعين كالرديء مع الطيب فإن الأموال التي في يدك تتصرف فيها كما تشاء ليست كالديون التي في ذمم الناس فإذا جعلت الديون التي في ذمم الناس زكاةً عن المال الذي في يدك صرت كأنك أخرجت رديئاً عن طيب وقد قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ومن المعلوم أن الناس يفرقون فيما لو كان على الإنسان طلبٌ لشخص فأعطاه من ماله نقداً أو أحاله على شخصٍ فقير كلٌ يعرف الفرق فهو يأخذ منك النقد لكن لا يقبل منك أن تحيله على فقير إذاً فلا يجوز للإنسان أن يسقط شيئاً من الديون التي على الفقراء ويحتسبها من زكاة ماله الذي بيده إلا إن قلنا بوجوب الزكاة في الدين الذي على المعسر فله أن يسقط عن هذا المعسر مقدار زكاة الدين الذي عليه مثال ذلك لو كان عند شخص فقير عشرة آلاف لرجلٍ غني وقلنا إن الدين الذي على المعسر فيه زكاة وأراد صاحب المال أن يسقط عن هذا الفقير مقدار زكاة دينه الذي عليه وهو مائتان وخمسون لكان هذا جائزاً لأن الزكاة الآن صارت من جنس المال المزكى كله الذي هو دين لكن القول الراجح في زكاة الديون أن الديون التي على الموسرين فيها زكاة كل عام وأما الديون التي على المعسرين فليس فيها زكاة ولو بقيت عشرات السنين إلا أن الإنسان إذا قبضها زكاها عند قبضها.
***(10/2)
يقول السائل أقرضت رجلاً مبلغاً من المال وقد تأخر عنده هذا المبلغ وهو كامل النصاب فهل أزكيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المدين الذي عليه الطلب فقيراً لا يمكنك مطالبته من أجل إعساره أو كان غنياً لكنه مماطل ولا تمكن مرافعته إلى المحكمة فإن الدين الذي في ذمته لا زكاة فيه ولو بقي سنوات كثيرة لكن إذا قبض فإنه يزكى لما مضى مرةً واحدة ثم إذا دخل في المال سيزكى مع المال أما إذا كان الدين على غني فإن الزكاة واجبةٌ حتى إذا كان دون النصاب إذا كان عند الإنسان ما يكمل به النصاب وعلى هذا فنقول زكي هذا الدين مع مالك إن شيءت وإن شيءت أخر زكاته حتى تقبضه ثم تزكيه لكل ما مضى من السنوات فمثلاً إذا كان لزيدٍ على عمروٍ عشرة آلاف ريال وكان عمرو غنياً ويمكن لزيدٍ في أي ساعةٍ من الساعات يقول لعمروٍ اعطني حقي فيعطيه ففي هذه الحال يجب على زيد أن يزكي هذا المال كل سنة مع ماله أو يؤخر زكاته حتى يقبضه فإذا قبضه بعد مضي سنتين زكاه لسنتين أو بعد مضي خمس سنوات زكاه لخمس سنوات أو بعد مضي عشر سنوات زكاه لعشر سنوات وبناء على هذا يعرف هذا المقرض الذي أقرض الشخص حكم هذه المسألة وهو أنه إذا كان المستقرض غنيّاً وجبت زكاة ما عنده كل سنة ولكن إن شاء أخرجها مع ماله وإن شاء أخرها حتى يستوفي ثم يخرج ما مضى وإن كان فقيراً فليس عليه أي ليس على صاحب القرض زكاة حتى يقبضه وإذا قبضه زكاه مرةً واحدة لكل ما مضى من السنوات.
***(10/2)
يقول السائل لي قريب يبني منزلا خاصاً به وقد أقرضته مبلغاً كبيراً من المال وعليه ديون كثيرة من جراء هذا البناء وأعرف حالته المادية ومضى على ذلك ما يقارب من سنتين ولم أخرج زكاة عن تلك الأموال فهل في هذا زكاة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القرض لا تجب فيه الزكاة عليك لأنه عند غير قادر على الوفاء والديون نوعان نوع عند شخص قادر على الوفاء متى طلبته منه أعطاك فهذا الدين تجب فيه الزكاة على من له هذا الدين فإن شاء زكاه مع ماله وإن شاء انتظر حتى يقبضه ثم يزكيه لما مضى والثاني دين على معسر أو على مماطل لا تتمكن من مطالبته فهذا لا زكاة فيه إلا إذا قبضته فإنك تزكيه سنة واحدة عن ما مضى ولو طالت المدة هذا هو أقرب الأقوال في مسألة الدين.
***(10/2)
عبد الله علي من جدة يقول سمعت من بعض الناس أن الصدقة المبذولة من شخص عليه دين غير مقبولة ولا يؤجر عليها فهل صحيح هذا وما هي الحقوق الشرعية التي يعفى منها من عليه دين حتى يقضيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعا والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها والإنسان مثاب عليها وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة وهي مقبولة سواء كان على الإنسان دين أو لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول بأن تكون بإخلاص لله عز وجل ومن كسب طيب ووقعت في محلها فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية ولا يشترط ألا يكون على الإنسان دين لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده فإنه ليس من الحكمة ولا من العقل أن يتصدق والصدقة مندوبة وليس بواجبة ويدع ديناً واجبا عليه فليبدأ أولا بالواجب ثم يتصدق وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق فمنهم من يقول إن ذلك لا يجوز له لأنه إضرار بغريمه وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب ومنهم من قال إنه يجوز لكنه خلاف الأولى وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده لا ينبغي له أن يتصدق حتى يوفي جميع الدين لأن الواجب أهم من التطوع وأما الحقوق الشرعية التي يعفى عنها من عليه دين حتى يقضيه فمنها الحج فالحج لا يجب على الإنسان الذي عليه دين حتى يوفي دينه أما الزكاة فقد اختلف أهل العلم هل تسقط عن المدين أو لا تسقط فمن أهل العلم من يقول إن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين سواء كان المال ظاهراً أم غير ظاهر ومنهم من يقول إن الزكاة لا تسقط فيما يقابل الدين بل عليه أن يزكي جميع ما في يده ولو كان عليه دين ينقص النصاب ومنهم من فصل فقال إن كان المال من الأموال الباطنة التي لا ترى ولا تشاهد كالنقود وعروض التجارة فإن الزكاة تسقط فيما يقابل الدين وإن كان من الأموال الظاهرة كالمواشي والخارج من الأرض فإن الزكاة لا تسقط والصحيح عندي أنها لا تسقط سواء كان المال ظاهراً أو غير ظاهر وأن كل من في يده مال مما تجب فيه الزكاة فعليه أن يؤدي زكاته ولو كان عليه دين وذلك لأن الزكاة إنما تجب في المال لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ولقول النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) والحديث في البخاري بهذا اللفظ ولهذا الدليل من الكتاب والسنة تكون الجهة منفكة فلا تعارض بين الزكاة وبين الدين الجهة المنفكة لأن الدين يجب في الذمة والزكاة تجب في المال فإذا كان كل منهما يجب في موضع دون ما يجب فيه الآخر لم يحصل بينهما تعارض ولا تصادم وحينئذ يبقى الدين في ذمة صاحبه وتبقى الزكاة في المال يخرجها منه بكل حال.
***(10/2)
يقول السائل عليَّ دين لبنك التنمية العقاري وأدفع زكات مالي فهل أترك من مالي مقدار ما للبنك بدون زكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم منهم من يرى أن الدين يمنع وجوب الزكاة على ما عندك من مال وعلى هذا فإذا كان عليك دينٌ لبنك العقار أو غيره فإنه لا تجب عليك الزكاة فيما يقابله فإذا كان عندك مائة ألف مثلاً وعليك خمسون ألفاً فلا تزكي إلا خمسين ألفاً فقط والخمسون الأخرى في مقابل الدين لا زكاة فيها وذهب بعض العلماء إلى أن الدين لا يسقط الزكاة وأن الإنسان يجب عليه زكاة ما بيده ولو كان عليه دينٌ يقابله أو أكثر منه وذهب آخرون إلى أنه إن كان المال ظاهراً كالثمار والحبوب والمواشي وجبت فيه الزكاة ولو كان على الإنسان دينٌ يقابله أو أكثر وإن كان المال غير ظاهر كالنقدين يعني القروش الفلوس وعروض التجارة فإنه لا تجب عليه الزكاة فيما يقابل الدين ولكلٍ حجةٌ يتمسك بها أما من قال إن الدين يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة والباطنة فحجته أن الزكاة وجبت مواساةً والمدين أهل للمواساة لأنه هو بنفسه يستحق أن يعطى فكيف يعطي؟ ولأنه في هذه الحال ليس بغني ما دام عليه دين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ حين بعثه لليمن (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وأما من قال بوجوب الزكاة عليه على كل حال فقال إن النصوص عامة (في كل خمس أواقٍ) (ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة ولا فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة ولا فيما دون خمسة أواقٍ صدقة) وفي الرقة في حديث أبي بكر الذي كتبه قال (في الرقة في كل مائتي ردهم ربع العشر) قالوا فهذه الإطلاقات تدل على وجوب الزكاة سواءٌ كان على الإنسان دينٌ أم لا ولأن الزكاة إنما تجب في المال لا في الذمة بدليل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم) والإنسان ذو مال ولو كان عليه دين وعلى هذا فتجب عليه الزكاة ولو كان عليه دينٌ فيؤدي زكاة ما بيده وإذا احتاج لقضاء الدين شيئاً أخذه من الزكاة من غيره وأما الذين فرقوا بين المال الظاهر وغيره فقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لقبض الزكاة من الأموال الظاهرة ولم يكن هؤلاء السعاة يسألون من عليهم الزكاة هل عليكم دينٌ أم لا فدل على وجوب الزكاة فيها مطلقاً ولأن الأموال الظاهرة تتعلق بها أطماع الناس لظهورها وبيانها والديون أمرٌ خفيٌ يخفى على الناس فلا يمكن إسقاط الزكاة التي هي ظاهرة بأمرٍ باطنٍ خفي والذي نرى بعد هذا كله أن الزكاة تجب على المدين ولا تسقط عنه لأن الأدلة عامة والزكاة في المال ليست في الذمة حتى نقول إن الذمة مشغولة بالدين السابق فلا تشغل بالزكاة بل نقول إن الزكاة في المال فما دام هذا المال عنده وجبت عليه الزكاة لا سيما في مثل دين البنك العقاري لأن دين البنك العقاري مؤجل والذي يؤخذ منه في كل سنة ضئيل ولا يمكن أن نقول لهذا الرجل الذي عليه ثلاثمائة ألفٍ للبنك العقاري لا تؤدي زكاة ثلاثمائة ألف من مالك بحجة أن عليك ديناً ستقضيه بعد اثنتي عشر سنة أو أكثر بل يجب عليك أن تؤدي زكاة مالك وإذا حل الطلب الذي عليك للبنك وليس لديك مالٌ توفي به فلك أن تأخذ من الزكاة لأنك من الغارمين إلا في مسألة واحدة لو كان الدين حالاً مع حلول الزكاة وأنت الآن ستسلمه إلى صاحبه فحينئذٍ نقول ليس عليك زكاة في هذا المال لأنك قد أردته للوفاء ولأن عثمان رضي الله عنه (كان يخطب يقول أيها الناس إن هذا شهر زكاة أموالكم فمن كان عليه دينٌ فليقضه أو قال فليؤده) فدل ذلك على أن الدين الحال مقدمٌ على الزكاة إذا كان الإنسان يريد أن يوفيه.
***(10/2)
يقول السائل هل تجب الزكاة على من يوجد عليه مبلغ من الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان عليه دين وبيده مال زكوي فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله هل تجب الزكاة عليه فيما يقابل الدين أو لا فمنهم من يرى أن الزكاة لا تجب عليه فيما يقابل الدين فإذا كان عليه ألف درهم وعنده ألفان من الدراهم لم يجب عليه إلا زكاة ألف واحد وتسقط زكاة الألف الآخر لأنه في مقابل ما عليه من الدين ومن العلماء من قال إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة وعليه أن يزكي كل ما في يده من المال الزكوي ولا ينظر إلى الدين فإذا كان عنده من الدراهم ألفان وعليه ألفان فإن الزكاة تجب عليه في الألفين ولا يعتبر الدين مانعاً من الزكاة ومن العلماء من فرق بين الأموال الظاهرة وهي الحبوب والثمار والمواشي والأموال الباطنة وهي الذهب والفضة وعروض التجارة فقال إن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة ولا يمنعها في الأموال الظاهرة فإذا كان عند الإنسان ماشية تساوي ألفين وعليه ألفان وجبت عليه زكاة الماشية لأن الماشية من الأموال الظاهرة وكذلك الفلاح إذا كان عنده من الزرع ما يبلغ النصاب وعليه دين يقابله فإن الزكاة تجب عليه في زرعه ولا يعتبر الدين مانعاً من الزكاة وأما إذا كانت عنده دراهم وعليه دراهم تقابلها فإنه لا زكاة عليه لأن الدراهم من الأموال الباطنة والذي يترجح عندي وجوب الزكاة على من عليه دين سواء كانت الأموال التي عنده من الأموال الظاهرة أم من الأموال الباطنة لأن عموم الأدلة يشمل من كان عليه الدين ومن لم يكن عليه دين لكن لو كان الدين حالاً قبل وجوب الزكاة وكان متهيئاً لوفائه فإنه يوفيه أولاً ثم يزكي ما بقي وأما إذا كان مؤجلاً لا يحل إلا بعد وجوب الزكاة فإن الزكاة تجب عليه ولو كان الدين يستغرق جميع ما له.
***(10/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل عليَّ دين يزيد عن المليون ليرة سورية ويأتيني في السنة ما يقارب من ثلاثمائة ألف ليرة وهذا المبلغ لا يسدد ربع الدين ولا أستطيع أن أخرج الزكاة لأنني لا أملك التصرف بما يأتيني من مال والآن أنا في حيرة أفيدوني على الطريق الصواب في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المال الذي يأتيه ينصرف أو يصرفه قبل أن يتم عليه الحول فإنه لا زكاة فيه أما إذا تم عليه الحول فإن الزكاة واجبة عليه ولو كان عليه دين لأن الزكاة متعلقة بالمال كما هي متعلقة بالذمة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وأما من قال من أهل العلم إنه إذا كان عليه دين فإن له أن يسقط ما يقابله فلا يزكي عنه مثل أن يكون عليه خمسة آلاف وعنده عشرة آلاف فيقول بعض العلماء إنه لا يزكي إلا خمسة آلاف فقط لأنها هي الفاضلة عن دينه نقول الصواب أنه يزكي العشرة كلها والدين يقضيه الله عنه وربما ينزل الله له البركة في ماله فيما بقي حتى يستطيع أن يوفي الدين.
***(10/2)
يقول السائل أملك مزرعة وتنتج هذه المزرعة محاصيل وعلي ديون كثيرة فهل تجب علي الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجب عليك الزكاة فيما حصل من هذه المزرعة فأدي الزكاة ثم اسأل الله تعالى أن يعينك على قضاء دينك.
***(10/2)
باب زكاة بهيمة الأنعام(10/2)
المستمع محمد مصطفى درويش مصري مقيم في جمهورية العراق محافظة القادسية يقول أملك قطيعاً من المواشي من البقر في جمهورية مصر العربية هل يجوز لي وأنا هنا في الجمهورية العراقية أن أخرج الزكاة المفروضة على هذه المواشي وأنا في العراق أم أنتظر حتى رجوعي إلى بلدي مصر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تخرج زكاتها كلما تم الحول وتوكل من يخرجها هناك في مصر والتوكيل في إخراج الزكاة جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبعث السعاة والعمال على الزكاة فيأخذونها من أهلها ويأتون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (وكل علي بن أبي طالب في ذبح ما بقي من هديه في حجة الوداع) فوكل أحداً ممن تثق به في بلدك في مصر على أن يخرج زكاة هذه المواشي ولا يحل لك أن تؤخرها حتى ترجع لأن في ذلك تأخير للزكاة متضمناً لحرمان أهلها في وقتها ولا تدري فلعلك لا تصل إلى مصر بعد لعلك تموت قبل أن تذهب إلى مصر وحينئذ تتعلق الزكاة بذمتك ولا تدري فلعل الورثة بعدك لا يؤدون ما أوجب الله عليك من هذه الزكاة فبادر يا أخي بادر بارك الله فيك بإخراج الزكاة ولا تتأخر.
***(10/2)
يقول السائل فيما يتعلق بزكاة الغنم نقوم بإخراج شاة من الماعز أو من الضأن والحمد لله ونعطيها لمستحقيها ولكن هل يجوز لنا أن نفرز هذه الشياة ونخرجها زكاة أي أن نبيعها ونوزع ذلك ونعطي الثمن نقدي للمحتاجين لأن الشياة عندنا عندما نعطيها ونخرجها نخرجها لفرد واحد وضحوا لنا هذه المسألة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في زكاة الماشية أن تكون من جنسها البقر من البقر والغنم من الغنم والإبل من الإبل إلا ما دون خمس وعشرين من الإبل فإن زكاتها الغنم في كل خمس شاة ولا يجوز أن نعدل عما فرضه الشارع إلى القيمة إلا إذا كان هناك حاجة ملحة أو مصلحة للفقير بحيث يختار القيمة على العين فإذا وجدت المصلحة أو الحاجة فلا بأس أما بدون مصلحة ولا حاجة فإن الواجب إخراج زكاة كل جنس من جنسه كما أسلفنا إلا ما كان دون خمس وعشرين من الإبل فإن زكاته الغنم من كل خمس شاة.
***(10/2)
السائل أبو حسام من تعز يقول متى تجب الزكاة في الغنم وهل لها عدد محدد حتى تجب الزكاة فيها أم أن الزكاة تجب عليها حتى ولو كانت واحدة وحال عليها الحول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اقتناء الغنم على وجهين الوجه الأول اقتناؤها للدر والنسل فهذه لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين وزكاة الأربعين واحدة من أربعين ولا تجب الزكاة فيها حتى تكون سائمة أي راعية تعيش على المرعى دون أن تعلف إما الحول كله وإما أكثر الحول أما النوع الثاني من اقتناء الغنم فهو اقتناء التجار الذين يتجرون بالغنم يشتري هذه الشاة ويبيعها ويشتري الشاة الثانية ويبيعها هذه فيها زكاة إذا بلغت نصابا بالقيمة ولو لم تكن إلا واحدة فإذا قدرنا أن إنساناً رأس ماله قليل ليس عنده إلا عشر من الغنم يبيع ويشتري فيها ففيها الزكاة حتى لو تناقصت إلى واحدة ولكن قيمة هذه الواحدة تبلغ النصاب فإن عليه الزكاة فيها.
***(10/2)
يقول السائل يكثر من يخطيء منا وخاصة أهل البادية في معرفة عدد المواشي التي عنده ويزكى بدون معرفة العدد وخاصة في الغنم والبعض عنده كثير ولم يزكى إلا بالعدد البسيط فما حكم الشرع في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان أن يتحرى في ماله لإخراج الزكاة منه سواء كان ذلك من المواشي أو من الحبوب والثمار أو من عروض التجارة أو من النقدين الدراهم لأن الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله ومنعها فيه عقوبة عظيمة قال الله تبارك تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضه لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من النار أحمي عليها في نار جهنم فيكو بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فالمسألة خطيرة وعلى الإنسان أن يتحرى ويحاسب نفسه في ماله حتى يؤدي الزكاة بيقين.
***(10/2)
يقول السائل عندي مجموعة من الأغنام يقارب عددها خمسين رأساً مختلطة من الضأن والماعز وهي تتغذى على الأعلاف التي نشتريها فهل فيها زكاة وما مقدارها وهل يستوي في ذلك الضأن والماعز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الغنم التي عندك من ضأن أو معز ينظر في مقصودك بها إن كنت تقصد أنها للتجارة بمعنى أنك تبيع وتشتري بها كلما وجدت في شيء منها ربحاً بعته فهذه عروض تجارة ويجب عليك أن تزكيها بكل حال حتى ولو كنت تعلفها لأنها أموال تجارة فهي كما للتاجر الذي يكون في الدكان ومقدار الزكاة فيها ربع العشر بمعنى أنه إذا حال حول الزكاة فإنك تقدرها كم تساوي من الدراهم وتخرج ربع عشر قيمتها وربع العشر معلوم وهو اثنان ونصف في المائة وخمسة وعشرون في الألف وإن شيءت فقل واحد من كل أربعين بمعنى أنك تقسم المال الذي عندك تقسم قيمته على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة أما إذا كان مقصودك بهذه الغنم من ضأن ومعز التنمية والإبقاء للدر والنسل فإنه يشترط لوجوب الزكاة فيها أن ترعى المباح يعني الذي ينبت في البر أن ترعاه السنة كلها أو أكثرها فإذا كنت تعلفها السنة كلها أو أكثر السنة أو نصف السنة نصف تعلفها ونصف ترعى فإنه لا زكاة عليك فيها وذلك لأن الزكاة إنما تجب فيها إذا كانت سائمة ومقدار الزكاة فيها معلوم في كل أربعين شاة وفي مائة إحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاثة شياه ثم في كل مائة شاة.
***(10/2)
المستمع إبراهيم المطر من سوريا يقول في سؤاله عندي ستون رأسا من الغنم أعلفها ستة أشهر من السنة بأنواع من العلف فمنها التبن والحشيش والشعير فهل عليها زكاة أم لا وإذا كان عليها زكاة فما مقدارها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الغنم التي تعلفها نصف السنة كاملا ليس عليك فيها زكاة وذلك لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة والسائمة هي التي ترعى المباح أي ترعى ما أنبته الله تعالى في الأرض السنة كاملة أو أكثر السنة فأما ما يعلف أكثر السنة أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه إلا إذا كنت قد أعلفتها للتجارة بحيث تكون تاجرا تتاجر بهذه المواشي تبيع هذه وتشتري هذه فهذه لها حكم زكاة العروض وإذا كان هذه حالك أي أنك تتاجر بها وتبيع وتشتري ولست مبقيها للتنمية فإن عليك زكاتها بحيث تقدرها كل سنة بما تساوي ثم تخرج ربع عشر قيمتها أي اثنين ونصف في المائة من قيمتها هذا هو حكم هذه المواشي التي ذكرت.
***(10/2)
السائل ر. م يقول الماشية التي يقوم صاحبها بعلفها هل عليها زكاة إن كثرت أو قلت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الماشية التي يعلفها صاحبها إما أن تكون للتجارة وإما أن تكون للتنمية، فإن كانت للتجارة ففيها زكاة وإن كانت تعلَّف، والتي للتجارة هي التي يشتريها صاحبها للتكسب بها يشتريها في أول النهار ويبيعها في أخر النهار إذا حصل له فيها ربح فتكون هذه الماشية عنده بمنزلة القماش عند التاجر، وبمنزلة الذهب عند تاجر الذهب، وبمنزلة العقارات عند تجار العقارات، لا يريد منها البقاء يريد منها الربح، فمتى حصل الربح أخرجها من ملكه، فهذه فيها زكاة على كل حال قلت أم كثرت حتى لو لم يكن عنده إلا بعير واحدة تبلغ النصاب، أي النصاب من الفضة فإنه يلزمه أن يزكيها فمثلاً إذا كان عنده بعير واحدة تساوي خمسمائة ريال وجب عليه أن يزكيها وهي بعير واحدة، أما إذا كانت الماشية التي عنده لا يريدها للتجارة وإنما يريدها للتنمية واستغلالها باللبن والأولاد فإن هذه لا زكاة فيها ما دام يعلفها أكثر السنة أو كل السنة لأن الأحاديث الواردة في الماشية تقيد هذا بالسائمة، والسائمة هي التي ترعى، ترعى الحول كله أو أكثره، فأما التي تعلف الحول كله أو أكثره فإنه ليس فيها زكاة ما لم تكن للتجارة.
***(10/2)
مستمعة من فلسطين تقول في سؤالها يوجد عندنا قطعان من الغنم ولم نخرج الزكاة عنها بسبب أننا نقوم بإطعامهن على مدار السنة ونقوم بشراء العلف لهنّ هل تجوز الزكاة في مثل هذه الحالة على هذه القطعان من الغنم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كان عند الإنسان غنم اقتناها للتنمية والنسل فإنه لا زكاة فيها إلاإذا كانت سائمة والسائمةهي التي ترعى أكثر الحول أو كل الحول أما إذا كانت معلوفة أكثر الحول فإنه لاز كاة فيها هذا إذا كانت المواشي عنده للتنمية والنسل والدر أما إذا كانت للتجارة كصاحب غنم يبيع ويشتري فيها فإنها عروض تجارة تجب فيها الزكاة بكل حال ولو كان يعلفها وتكون زكاتها بالنسبة وهي ربع العشر وتقدر بالقيمة لا بالعين فإذا كان عنده مائة شاة مثلاً وهو يبيع ويشتري في الغنم بالتكسب فإنه يقدر قيمة هذه المائة ويخرج ربع العشر كما أن صاحب الدكان يقدر ما في دكانه من البضاعة ويخرج ربع عشرها مع أنه كان ينفق عليها مدة الدكان وأوعية البضاعة وما أشبه ذلك والخلاصة أنه إذا كانت هذه المواشي والقطعان للتجارة ففيها زكاة بكل حال وهي ربع عشر قيمتها وإذا كانت للتنمية والدر والنسل فلا زكاة فيها إلا أن تكون سائمة ترعى أكثر الحول وأما إذا كانت تعلف فليس فيها زكاة.
***(10/2)
باب زكاة الحبوب والثمار - المحاصيل التي تجب فيها الزكاة - كيفية زكاة الحبوب والثمار(10/2)
السائل يستفسر عن المحاصيل الزراعية التي تجب فيها الزكاة والمحاصيل التي لا تجب فيها الزكاة وهل في القطن زكاة لأننا سمعنا بأن الزكاة في الحبوب والثمار فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو كما سمع الزكاة في الحبوب والثمار فقط وأما ما عدا ذلك من الخضروات والبطيخ والقطن وما أشبهه فلا زكاة فيه لكن إذا أعده الإنسان للتجارة بعد أن يجنيه صار عروض تجارة.
***(10/2)
ماحكم الزكاة في أنواع الزروع مثل الخضار والفواكه وهل هناك فرق فيما يخرجه الله لنا من الأرض فمنها ما يزكى من جنسه ومنها ما لا يزكى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم اختلافا كثيراً والراجح عندي أنه لا تجب الزكاة إلا فيما يكال ويدخر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والوسق ستون صاعاً من صاع النبي صلى الله عليه وسلم فما لا يكال ولا يدخر لا ينطبق عليه هذا الوصف إذ أنه ليس موسقاً ولا مكيلاً ويرى بعض أهل العلم أنه تجب الزكاة في كل خارج من الأرض ويرى آخرون أنها إنما تجب في أنواع معينة من الحبوب ولكن الذي يظهر لي هو أنها تجب في كل مكيل مدخر كما يشير إليه حديث أبي هريرة (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والله أعلم وبالنسبة لما لا يكال ولا يدخر كالفواكه من تفاح وبرتقال وغيرهما ليس فيه زكاة هو بنفسه ولكن في قيمته إذا بقيت عند الإنسان حتى حال عليه الحول تجب فيها الزكاة لأنها من النقدين أو ما يقوم مقامها.
فضيلة الشيخ: حتى لو لم يكن يربح منهما شيء يعني للاستعمال الخاص الأكل منها فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لأن النقدين يقوم مقامها كالأوراق النقدية تجب فيها الزكاة على كل حال سواء كان يتكسب فيها أو لا يتكسب حتى لو أعدها لشؤونه الخاصة من النفقات أو لزواج أو لشراء بيت يسكنه أو ما شابه ذلك فإنه تجب فيه الزكاة بكل حال.
***(10/2)
هل في الزيتون أو الزيت زكاة وكذلك الرمان والتين لأننا نسكن في منطقة تكثر فيها الزراعة من هذه الأشجار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأشجار ليس فيها زكاة وإنما الزكاة في التمر والعنب أما الزيتون والرمان والبرتقال والتفاح والأترج فكلها ليس فيها زكاة ولكن إذا باعها الإنسان وحصل على ثمن نقد فإنه إذا بقي عنده إلى تمام الحول وجب عليه الزكاة وتكون زكاة نقد لا زكاة ثمار.
***(10/2)
هل على المحاصيل الزراعية زكاة مثل البرتقال الليمون والرمان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ليس فيها زكاة لأنها تعتبر من فصيلة الفواكه وليست مدخرة لكن إذا باعها وحال الحول على ثمنه وجبت الزكاة في الثمن.
***(10/2)
من يحي موسى يحي من السودان يقول: نحن نقوم بزراعة الفول فهل عليه زكاة وكيف تقدر فإن يعض الناس يقولون إن زكاته من قيمته بعد بيعه وقدرها عشرة في المائة وهل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفول تجب فيه الزكاة لأنه من الحبوب وإذا بلغ النصاب وهو ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والواجب فيه العشر كاملاً أعني عشرة في المائة إذا كان يشرب بدون مؤونة أي يشرب سيحاً أو يشرب بعروقه بدون سقي أو من الأمطار فهذا يجب فيه عشرة في المائة أما إذا كان يشرب بمكائن وبمؤونة لاستخراج الماء فإن الواجب فيه نصف العشر أي خمسة في المائة أما إخراج الزكاة فإنه يجوز إخراجها منه ويجوز إخراجها من قيمته إذا بيع كما نص الإمام أحمد على جواز إخراج القيمة إذا باع الإنسان بستانه وإخراج القيمة غالباً أنفع للفقراء لأن الفقير إذا أتته القيمة اشترى بها ما يحتاجه لنفسه من ملابس ومطاعم وغيرها لكن إذا أتاه الفول فقد يرغب أن يأكله وقد يرغب أن يبيعه وحينئذ ربما ينقص عليه.
فضيلة الشيخ: فيما لو زكينا القيمة هل نزكها على قدر زكاة الحب على عشرة بالمائة أو على أساس زكاة نقد بنقد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا على أساس زكاة الحب والثمار ونزكها عشرة في المائة أو خمسة في المائة.
***(10/2)
كيف نخرج الزكاة عن محصول القطن والأرز وكذلك محصول الذرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الخارج من الأرض إذا وجبت فيه الزكاة فإنه يخرج منه نصف العشر إن كان يسقى بالمؤونة كالمكائن وشبهها ويخرج منه العشر كاملاً إن كان يسقى بالأنهار والعيون لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) فيخرج نصف العشر مما تجب فيه الزكاة من عين المال أو من غيره من جنسه فإن كان قد باع ثمره أو الزرع الذي تجب فيه الزكاة فأخرج نصف عشر قيمته فلا بأس لأن هذا أسهل له وأنفع للفقراء وما كان أسهل وأنفع فإنه مصلحة والشريعة جاءت بتحقيق المصالح.
***(10/2)
السائل يقول من كان في بيته نخل لم يؤدي زكاة ثمره جهلاً فكيف يعمل بعد مرور سنوات وهو لا يعلم مقدار تلك الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أمر حله سهل وبسيط يتحرى بقدر ما يستطيع وإذا قَدَّرَ أن الزكاة مائة ريال وأنها تحتمل الزيادة نقول زد فهو خير لك لأن الزيادة إن كانت هي الواجبة فقد أبرأت ذمتك وإن كانت الزيادة زائدة فقد تطوعت بالصدقة وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ويجب أن نعلم أن الزكاة ليست غرماً ولا خسراناً بل هي والله غنيمة. غنيمة عظيمة لو لم يكن منها إلا ما قال الله عز وجل (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) لكان ذلك كافياً فكيف والنصوص دالة على مضاعفة الإنفاق في سبيل الله وأعظم الإنفاق في سبيل الله إخراج الزكاة ولكن الشيطان يثقل الزكاة على الناس ويخفف عليهم أمر الصدقة تجد الإنسان يتصدق بالآلف ويشق عليه أن يزكي بالمئات مع وجوبها ولا شك أن هذا من الشيطان كما يجد ذلك في الصلاة أيضاً تجد الإنسان في صلاة النفل يخشع قلبه وجوارحه ويتأنى في الصلاة لكن في صلاة الفريضة تجده كأنه ملحوق لا يخشع القلب ولا الجوارح ولا تحصل الطمأنينة التي ينبغي أن يأتي بها وهذا كله من وحي الشيطان لأن الله تعالى قال في الحديث القدسي (ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه) فلو بذل الإنسان درهماً في زكاة ودرهماً في صدقة كان درهم الزكاة أحب إلى الله وأكثر أجراً ولو صلى ركعتين فريضة وركعتين تطوعاً ركعتين فريضة كصلاة الفجر وركعتين تطوعاً كسنة الفجر لكانت الفريضة أفضل وأحب إلى الله عز وجل فلذلك نقول لهذا الرجل الذي كان عنده نخلات تبلغ ثمرتها النصاب وليس بصاحب بستان ولكنه ساكن بيته إلا أن فيه نخلا تبلغ ثمرته نصاباً نقول له ما مر عليك من السنين فقدر زكاته ثم زد على ما تقدره فتكون هذه الزيادة إن كانت زائدة عن الواجب تطوعاً وصدقة و (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) وإن كانت هي الواجب فقد برأت ذمتك.
***(10/2)
من سلطنة عمان المرسل س ع س يقول لدينا نخل يزيد على مائتين نخلة نسقيها من الأفلاج وهي العيون الصغيرة عندنا والماء نشتري بعضه وبعضه ما نشتريه فكيف نخرج زكاة هذه النخيل وما هي نسبتها وكيف نخرج زكاة الخضراوات مثل الشمام والبطيخ والقمح والعنب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقضي بأنهم كانوا يسقون هذه المزارع بمؤونة وبغير مؤونة والسقي من الأفلاج يعتبر بغير مؤونة لأن المؤونة التي تكون على الحفر أو على توجيه الماء هذه ليست بمؤونة إنما المؤونة كما قال أهل العلم على إخراج الماء يعني إنه كل سقية لا بد من إخراج وإذا كان كذلك يسقى بمؤونة وبغير مؤونة فإنه يكون فيه ثلاثة أرباع العشر لأن الذي يسقى بمؤونة فيه نصف العشر والذي يسقى بغير مؤونة فيه العشر كاملاً وما يسقى بهما فإنه يكون فيه ثلاثة أرباع العشر ثم إن هذا الأصناف التي ذكرها منها ما فيه زكاة ومنه ما لا زكاة فيه كالبطيخ والخضراوات والشمام وماأشبهها ليس فيها زكاة وإنما الزكاة في قيمتها أو في ثمنها إذا باعها بثمن ثم حال عليها الحول وهو عنده وجبت عليه الزكاة زكاة نقود وأما بالنسبة للزروع وثمار النخيل والأعناب ففيها الزكاة ومقدارها ما ذكرنا سابقاً ثلاثة أرباع العشر.
***(10/2)
السائل ناصر يحي في زكاة الحبوب من المزارع إذا كان أصحاب المزارع يحصدون العلف قبل ميعاده ويعتبر علف للمواشي ولا يخرج منه زكاة لا من القصب ولا من الحب فما هو حكم الشرع في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزرع للعلف وحصد قبل أن يشتد حبه فإنه لا زكاة فيه ولكن إذا بيع في هذه الحال وتمت السنة على قيمته فإن قيمته تزكى وفيها ربع العشر كما وهو معروف أما نفس الزرع فلا زكاة فيه.
***(10/2)
يقول السائل إخراج زكاة ثمار النخيل هل يكفي فيه الخرص فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يكفي الخرص في إخراج زكاة ثمار النخيل تخرص إذا يبست وصارت صالحة للجذاذ فإنها تخرص حينئذٍ ويخرج منها نصف العشر إن كانت تسقى بمؤونة والعشر كاملاً إن كانت تسقى بلا مؤونة.
***(10/2)
السائل فتحي عبد العاطي جمعة مصري مقيم يقول نحن جماعة شركاء في مزرعة وعند موسم الحصاد تأتي لجنة لتقرير الزكاة ثم ندفع لهم ما قدروا فهل يكفي هذا حتى لو كان المحصول أكثر مما قدروا أم يلزمنا أن ندفع زكاة عن الزائد إذا بلغ نصاباً فأكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في زكاة الخارج من الأرض (فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) فيجب على المرء المسلم أن يخرج هذا القسط مما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض إذا بلغ النصاب وإذا قُدِّرَ أن الساعي على الزكاة وهم اللجنة الذين قدروا الزرع وأخذوا زكاته فنقصوا عن الواقع فإنه يجب على المالك إخراج زكاة ما زاد سواء كان الزائد هذا يبلغ نصاباً أو لا يبلغ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب سهماً معيناً ونسبته كما سمعت العشر أو نصف العشر فلابد من إخراج هذا.
فضيلة الشيخ: سؤاله الآخر يقول فيه هذا المحصول الذي قد أخرجنا زكاته هل يلزمنا أيضاً أن نخرج الزكاة من قيمته بعد بيعه نقداً إذا حال عليه الحول أم يكفي تزكيته من جنسه فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زكاه عند حصاده أو عند جنيه فإذا كان ثمراً فإن بقي عنده على ما هو عليه فإنها لا تعاد زكاته مرة ثانية وإذا باعه بدراهم أو أعده للتجارة بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يخرج زكاته إذا تم الحول على هذه الدراهم التي أخذها عوضاً أو تم الحول من نيته به التجارة لأنه إذا نوى به التجارة صار عروض تجارة وعروض التجارة تجب فيها الزكاة وإذا باع هذا المحصول بنقد فإنه يكون نقداً ويتحول إلى زكاة النقد إلا أنه لا تجب عليه الزكاة حتى يتم له حول.
فضيلة الشيخ: بهذه الحالة لا يعتبر أخرج الزكاة مرتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بلى هو أخرج الزكاة مرتين لكن المرة الأولى عن زكاته باعتباره خارجاً من الأرض والثانية عن زكاته باعتباره نقداً أو باعتباره عروض تجارة ولهذا بينهما فرق في المقدار ففي النقود ربع العشر وكذلك في قيمة عروض التجارة ربع العشر.
***(10/2)
إذا استلم المزارع النقود من صوامع الغلال أو من الدولة هل يبقيها إلى أن يأتي عليها الحول أو فور استلامها يخرج الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الدراهم عوضاً عن حبوبٍ وثمار فإنه يجب إخراج زكاتها فوراً لأن الحبوب والثمار تجب زكاتها حين أخذها ولا تحتاج إلى الحول وأما إذا كانت هذه الدراهم عوضاً عن شيء ليس فيه زكاة بعينه كما لو كانت عوضاً عن طماطم مثلاً أو عن بطيخ أو عن خُضر ليس فيها زكاة فهذه لا زكاة عليه فيها حتى يتم عليها الحول فهذا هو الفرق يجب أن يعرف الإنسان الفرق إن كانت هذه الدراهم عوضاً عن شيء تجب الزكاة بعينه كالحبوب من قمح وذرة وشعير أو ثمر نخل أو ثمر عنب على المشهور من المذهب فإن هذه يجب أداء زكاتها فوراً ثم إن حال الحول على هذه الدراهم وجب زكاتها أيضاً زكاة دراهم.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للسائمة هل هي مثل النبات كالحبوب والثمار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كذلك السائمة إذا تم حولها يجب إخراج زكاتها.
فضيلة الشيخ: لكن لو كانت فيها عوض أو من هذا القبيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نفس الشيء لو فرض أنَّ صاحب السائمة باعها بعد وجوب زكاتها وجبت عليها الزكاة فوراً.
فضيلة الشيخ: ربما يتبادر إشكال في العامل على الزكاة وهو إذا أراد العامل نقود بدل الشاة أو بدل الشياه أو بدل الإبل هل يعتبر رضا الدافع أو يجبر صاحب الماشية أو يدفع نقود بدلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه لابد فيها من رضا صاحب الماشية لأن الأصل وجوب زكاته عليه من ماله ولكن إذا اتفقوا هو والساعي فإنه لا حرج في ذلك إذا اقتضته المصلحة أو الحاجة.
***(10/2)
يقول السائل عندي مجموعة من النخيل نسقيها من عين وبئر ومجموع النخل يقارب ألفاً ومائتي نخلة ونخرج الزكاة في حصادها من التمر لكل مائة كيس خمسة أكياس والكيس يزن ما يقارب ستين كيلو ثم تبعث إلى الجهة المختصة مندوبين لتقدير الزكاة ومن ثَمَّ أخذها نقوداً فهل الزكاة التي نخرجها بالأكياس في حصادها تكفي أم تكفي النقود التي تطلب منا من قبل الدولة ولا داعي إخراج الزكاة تمراً من الحصاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على المرء إخراج الزكاة من الحبوب والثمار التي تجب فيها نصف العشر إن كان يسقي بمؤونة كالذي يسقى بالمكائن والسواني وما أشبهها والعشر كاملاً إن كان يسقى بدون مؤونة مثل الذي يسقى بالعيون ونحوها وعلى هذا فإذا كان البستان يسقى بالعيون فإن الواجب في كل مائة كيس عشرة أكياس لا خمسة وإن كان مما يسقى بمؤونة بالمكائن والسواني فإن الواجب نصف العشر وهو خمسة أكياس في كل مائة كيس وإذا كان البستان متنوعاً بعضه أطيب من بعض فإن من أهل العلم من يقول إنه يجب أن يخرج زكاة كل نوع منه ومن أهل العلم من يقول إنه يجوز أن يخرج من الوسط بقدر قيمة الأنواع كلها وإذا أخذ الإنسان عن التمر دراهم حيث يراه المصدق فإنه لا حرج إذا رأى قابض الزكاة أنه يأخذ عن الزكاة دراهم فإنه لا حرج عليه في ذلك بل ربما يكون هذا أنفع للفقراء حيث إنهم يحصلون بالدراهم ما شاءوا من تمر أو قمح أو ثياب أو غيرها بخلاف ما إذا أعطوا تمراً فإذا كانت الحكومة وفقها الله تبعث إليكم من يأخذ الزكاة دراهم فإنه لا يلزمكم أن تخرجوها من التمر أو من أكياس القمح بل تؤدونها إلى الحكومة كما تطلب منكم وتبرأ بذلك ذمتكم.
***(10/2)
باب زكاة النقدين - زكاة الحلي - زكاة الأوراق النقدية - زكاة الراتب - زكاة المال المدخر(10/2)
السائلة خيرية م. م. من حائل تقول عندي ذهب استعمله للزينة فقط وقد سمعت أقوالاً متضاربة حول زكاة الذهب المعد للاستعمال فالبعض يؤكد وجوب الزكاة عليه والبعض الآخر يعفيه من الزكاة فما هو الرأي الصحيح في نظركم مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرأي الصحيح أن حلي الذهب والفضة تجب فيه الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة من غير تفصيل ولأن هناك أحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل ولكن لا تجب الزكاة حتى يبلغ نصاباً وهو في الذهب خمسة وثمانون غراماً وفي الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً فما دون ذلك ليس فيه زكاة وإذا كان للإنسان بنات ولكل واحدةٍ منهن حلي لا يبلغ النصاب فإن كان هذا الأب قد أعطاهن الحلي على سبيل التملك فإنه لا زكاة عليه ولا عليهن فيما عندهن من الحلي لأن كل واحدةٍ منهن لا يبلغ ما عندها نصاباً وإن كان قد أعطاهن على سبيل العارية والانتفاع فالحلي ملكه وعليه أن يضم بعضه إلى بعض ويخرج زكاته إذا بلغ النصاب.
***(10/2)
يقول السائل اشتريت ذهبا حليا لزوجتي فأردت أن أزكيه ولكني عرفت أنه لا زكاة في حلي المرأة المستعمل فهل هذا صحيح وكم نصاب الذهب بالمثاقيل المعروفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذهب المعد للاستعمال اختلف فيه أهل العلم فمنهم من قال أنه لا زكاة فيه وأنه كالثياب التي يلبسها المرء ليس فيها زكاة ومنهم من قال بل فيها الزكاة والصحيح أن الزكاة واجبة فيها لأن الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة عامة ليس فيها استثناء فمن المعلوم أن الناس يتحلون بالذهب والفضة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما لم يرد الاستثناء مع كونهم يملكونها دل ذلك على العموم بل قد ورد في الأحاديث أحاديث خاصة في الحلي ومنها ما أخرجه الثلاثة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بإسناد قال عنه صاحب بلوغ المرام إنه قوي (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتؤدين زكاة هذا؟ قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله) وهذا نص بين في وجوب زكاة الحلي ولم يستفصل الرسول صلى الله عليه وسلم منها هل أرادت بها التجارة أم لم ترد بل ظاهر الحال أنها لم ترد التجارة لأنها قد ألبستها ابنتها ثم إن هذا القول أحوط وأبرأ للذمة وما كان أحوط فهو أولى إذا كان الاحتياط مبنيا على دليل شرعي وأما قياسه على الثياب فإنه قياس ليس بصحيح حتى عند القائلين به وذلك أن الذين قاسوه على الثياب يقولون لو أراد بالحلي الإجارة يعني اقتنى حليا ليؤجره فإن عليه الزكاة فيه ولو أراد بالثياب الإجارة بمعني أنه اقتنى ثياباً لإيجارها فإنه لا زكاة فيها ويقولون أيضا إنه لو أراد بثياب اللبس التجارة فهو قد ملكها من أجل اللبس ثم نواها للتجارة فإنها لا تكون للتجارة ولو أراد بالحلي التجارة وهو قد اشتراه للبس فإنه ينقلب إلى تجارة وهذا الدليل على أن هذا ليس مثل هذا فلا يلحق به فالصواب أن الحلي من الذهب والفضة تجب فيها الزكاة وأما اللؤلؤ والماس وغيرها من المعادن فلا زكاة فيها لأن الأصل براءة الذمة وليس فيها دليل من الكتاب والسنة على وجوب الزكاة فيها إلا إذا أعدت للتجارة وعلى هذا فإذا أديت زكاة حلي امرأتك فلا حرج عليك ولا عليها بل إن هذا من الإحسان (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ومقدار النصاب من الذهب خمسة وثمانون جراما يعني أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع جنيه فإذا كان عند المرأة ما يبلغ مجموعه هذا الوزن وجبت فيه الزكاة وإن كان دون ذلك فإنه لا زكاة عليها فيه.
***(10/2)
تقول السائلة إذا كنت لا أملك مالا لأزكي به عن ذهب الزينة هل أبيع من هذا الذهب لأزكى عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عند المرأة حلي فيه الزكاة ولكن ليس عندها نقود تزكي فإنها تزكي من الحلي إما أن تخرج شيئا منه بقدر الزكاة كما لو كان عندها خواتم تبلغ النصاب وفيها خاتم بقدر زكاة هذه الخواتم فتخرجه لأهل الزكاة وإما أن تقدر قيمة ما عندها وتخرج ذلك من القيمة فمثلا تقدر ما عندها من الحلي بعشرة آلاف وتخرج زكاة عشرة آلاف ولكن كلامنا إذا لم يكن عندها شيء نقول تبيع من هذه الحلي بقدر الزكاة وتخرجها فإذا قال قائل إذن ينفد ما عندها من الحلي على ممر السنين قلنا هذا فرض غير صحيح لأنه إذا بلغ إلى حد ينقص فيه عن النصاب لم يكن فيه زكاة وحينئذٍ لابد أن يبقى عندها شيء دون النصاب.
***(10/2)
السائلة ع. م. م. من العراق تقول: هل على الذهب المستعمل زكاة وهل يعتبر من الأموال المكنوزة وإذا كان عليه زكاة نرجو بيان ذلك بالتفصيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلي من الذهب والفضة اختلف أهل العلم في وجوب الزكاة فيه إذا كان معدّاً للاستعمال فمن أهل العلم من قال إنه لا زكاة فيه، ومنهم من قال إن فيه زكاة والذين قالوا فيه الزكاة منهم من قال إن زكاته ذهباً أو فضة ومنهم من قال إن زكاته مثل استعماله أي أنه يستعمل في منفعة فتكون زكاته منفعة وذلك بإعارته والقاعدة الشرعية لكل مؤمن التي يجب أن تكون مبنى المؤمن في سيره إلى الله عز وجل وعبادته ومعاملته عباد الله وحكماً بين أهل العلم إذا اختلفوا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإذا رددنا هذا الخلاف بين أهل العلم إلى الكتاب والسنة فإنه يتبين إن القول الراجح من هذه الأقوال أن الزكاة واجبة في الحلي المستعمل من ذهب أو فضة فإن نصوص الكتاب والسنة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة عامة لم يخصصها شيء إلا حديث لا يصح، فمن ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وكنز الذهب والفضة هو عدم تزكيتهما لأنهما إذا زكيا لم يكونا كنزاً، ولو كانا في قاع الأرض، وإذا لم يزكيا فهما كنز ولو كانا على رأس جبل، ومن أدلة السنة حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها وفي رواية زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى السبيل إما إلى الجنة وإما إلى النار) وروى عمرو بين شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب يعني سوارين غليظين فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتؤدين زكاة هذا قالت لا، قال أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما وأعطتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله) قال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام (أخرجه الثلاثة وإسناده قوي) ، وهذا الحديث نص في محل النزاع ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مقبولة عند أهل الحديث المحققين منهم كالإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما، ولم يأت بطائل من طعن فيها فإذا كان الراوي من بعد عمرو بن شعيب ثقة فالحديث صحيح وأقل أحواله أن يكون حسناً وإذا كان حسناً وله شاهد في الصحيح كحديث أبي هريرة الذي ذكرناه كان حجة بلا شك، وأما إسقاط الزكاة عن الذهب والفضة قياساً على الثياب والأواني وشبهها فهو قياس في مقابلة النص والقياس في مقابلة النص مطرح غير معمول به ثم إنه قياس مع الفارق فإن الذين لا يوجبون الزكاة للذهب والفضة قياساً على الثياب وشبهها يقولون لو كان الحلي محرماً لوجبت فيه الزكاة مع أنهم لا يرون الزكاة في الثياب المحرمة ويقولون لو أعد الحلي للنفقة أو للكرى لوجبت فيه الزكاة مع أنهم لا يرون الزكاة واجبة في الثياب ونحوها إذا ادخرها الإنسان للنفقة أو للكرى، فإذا كان هذا لا يلحق بهذا في أكثر المسائل فما الذي يجعله يلحق به في مسألة إسقاط الزكاة مع أنه خلاف ما دل عليه النص، على كل حال القول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة واجبة في حلي الذهب والفضة لكن بشرط أن يبلغ النصاب، والنصاب في الذهب عشرون مثقالاً وفي الفضة مائة وأربعون مثقالاً، ومعرفة المثقال منوطة بأهل الذهب وقد قيل إنها تبلغ عشرة جنيهات سعودية من الذهب وخمسة أثمان جنيه، وقيل أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه هذا في الذهب، أما في الفضة فقيل أنها ستة وخمسون ريالاً سعودياً من الفضة ولكن اعتبارها بالمثاقيل أولى لأنها معلومة في كل مكان فهو النصاب من الذهب عشرون مثقالاً ومن الفضة مائة وأربعون مثقالاً، وأما الحلي من غير الذهب والفضة كالماس وشبهه واللؤلؤ فهذا لا زكاة فيه إلا أن يعد للتجارة.
***(10/2)
السائلة ن. ن. أ. القصيم المملكة العربية السعودية تقول ما هو مقدار الزكاة على الذهب ومتى يجب إخراجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في وجوب الزكاة في حلي المرأة التي تعده للاستعمال فمنهم من قال لا زكاة فيه قياساً على الثياب وأواني البيت وفرش البيت وما أشبه ذلك لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) ومنهم من قال إن الزكاة واجبةٌ فيه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ولأنه أخرج الثلاثة في سننهم عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده (أن امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت هما لله ورسوله) قال في بلوغ المرام أعني ابن حجر رحمه الله (إسناده قوي) وقال الشيخ عبد العزيز بن باز إنه (صحيح) فهذا الحديث والحديث السابق قبله الذي أخرجه مسلم في صحيحه كلاهما يدلان على وجوب زكاة الحلي الذي تتحلى به المرأة وهذا القول هو الراجح والقياس الذي قاسه من لا يرى وجوب الزكاة فيه قياسٌ في غير محله لأنه قياسٌ في مقابلة النص ولأنه قياسٌ ليس بمطرد ولا منعكس كما يتبين ذلك في رسالةٍ كتبناها صغيرة مختصرة لكنها مفيدة إن شاء الله فالقول الراجح وجوب زكاة الحلي إذا كان من الذهب أو الفضة سواءٌ كان يستعمل أو لا يستعمل وسواءٌ كان كثيراً أم قليلاً إذا بلغ النصاب والنصاب خمسةٌ وثمانون جراماً أما متى تخرج الزكاة فتخرج الزكاة إذا تم عليه الحول فمثلاً لو أن امرأةً اشترت حلياً أو أهدي لها حلي أو أعطيته في صداق في شهر محرم فإنها فإنه لا يجب إخراج زكاته إلا إذا جاء شهر محرم من السنة الثانية وأما مقدار الزكاة فهو ربع العشر لأن الذهب والفضة وعروض التجارة كلٌ منها زكاته ربع العشر أي واحد من أربعين أو اثنين ونصف من المائة فإذا كان عند المرأة حلي يساوي عشرة آلاف ريال ففيه مائتان وخمسون ريالاً كل سنة ولا بأس أن يؤدي زكاتها زوجها أو أبوها أو أخوها أو عمها إذا كان ذلك بإذنٍ منها فإن لم يكن عندها شيء تؤدي به زكاة هذا الحلي وأدى عنها أحدٌ ممن ذكرنا فقد حصل المقصود وإن لم يؤدِ أحدٌ منها عنها فإنه يجب عليها أن تبيع من هذا الحلي بمقدار الزكاة وقد يقول قائل إذا استمرت على هذا طيلة السنوات فإن الحلي ينتهي فنقول جواباً على هذا أولاً ما الذي أعلم هذا الرجل أن هذه المرأة ستبقى سنوات عديدة ينتهي بها المال هذه واحدة ثانياً أنه لا يمكن أن ينتهي الحلي كله لأنه إذا نقص عن النصاب أي عن خمسة وثمانين جراماً لم يكن فيه زكاة ثم إننا لا ندري لعل الله عز وجل يخلف عليها ما أنفقت كما قال الله تعالى (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) والزكاة لا تنقص المال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ما نقصت صدقةٌ من مال) فإذا قدر أنه نقص من جانب أنزل الله فيه البركة من جانبٍ آخر وربما يكون منع زكاتها في هذا الحلي سبباً لضياعه أو تلفه أو سرقته أو ما أشبه ذلك والزكاة تنزل فيه البركة.
***(10/2)
السائل أحمد السيد أحمد يقول ما مقدار الزكاة في نصاب الذهب وما هو مقدار النصاب في الذهب والفضة وهل المال العائد به معي من عملي في خارج بلدي عليه زكاة وإن كان عليه زكاة فهل تقع على الموجود معي فقط أم الذي أرسلته في السنوات السابقة إلى أهلي للمصروف وعن قطعة أرض لبنائها منزلاً وهل الذي أدفعه إلى أخي مصاريف دراسية وما شابه ذلك يجوز اعتباره من الزكاة أم لا تحل الزكاة على أخي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه عدة مسائل في هذا السؤال أما الأولى فهي نصاب الذهب والفضة، نصاب الذهب عشرون مثقالاً ويساوي بالجرام خمسة وثمانين جراماً وأما نصاب الفضة فهو مائة وأربعون مثقالاً ويساوي بدراهم الفضة السعودية ستة وخمسين ريالاً وأما الأموال التي تحصلها في بلد غير بلادك فتجب فيها الزكاة كما لو حصلتها في بلادك وما تم عليه الحول وجب إخراج زكاته وما صرفته لأهلك قبل تمام الحول أو لنفسك فإنه لا زكاة فيه لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الحول وأما ما تعطيه لأخيك لنفقاته المدرسية فإن كان أخوك تجب عليك نفقته فإن هذا من النفقة عليه فلا تحتسبه من الزكاة وإن كانت نفقته لا تجب عليك لكون الأب موجوداً فإن لك أن تحتسبه من الزكاة مادام أبوك لا يستطيع الإنفاق عليه والإنفاق والصدقة على الأقارب المستحقين لها إذا لم تجب نفقتهم أفضل من الصدقة على غيرهم لأنها تجمع بين الصدقة والصلة.
فضيلة الشيخ: وعن قطعة الأرض التي يريد أن يبنيها منزلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وأما قطعة الأرض التي يريد أن يبنيها مسكناً له فليس فيها شيء من الزكاة لأن جميع عروض التجارة أو جميع العروض التي لا تجب الزكاة في أصلها ليس فيها زكاة إلا إذا أعدها للتجارة فأما إذا أعدها للسكنى أو الاستعمال المنزلي أو ما أشبه ذلك فليس فيها شيء إلا أن الذهب والفضة ولو كان حليّاً مستعملاً تجب فيه الزكاة على القول الراجح إذا بلغ النصاب.
فضيلة الشيخ:بالنسبة للأرض لو كان متردداً بين بنائها أو الاتجار بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو كان متردداً بين بنائها والتجارة بها فلا شيء عليه أيضاً لأنه لابد أن يكون عازماً على أنها للتجارة إذ أن الأصل عدم وجوب الزكاة في الأراضي والعقارات حتى يتحقق أنها للتجارة
فضيلة الشيخ: وإذا كانت للإيجار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت للإيجار فليس فيها زكاة بعينها ولكن الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول وبلغت النصاب.
***(10/2)
تذكر السائلة بأن عندها ستة حبات بناجر من ذهب وقلادة صغيرة فهل يجب عليها الزكاة تقول بأن عندها أيضاً سبحة تسبح الله فيها وتستغفر الله فيها مائة مرة وتحمد الله مائة مرة هل هذا العمل جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة البناجر والذهب الذي عندها فإذا كان يبلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً فعليها زكاته تقدر قيمته عند تمام الحول وتخرج ربع العشر فإذا قدرنا أن هذا الذهب يساوي عشرة آلاف ريال فعليها مائتان وخمسون ريالاً ربع العشر وإذا كان يساوي أكثر فبحسابه حسب ما يساوي وأما من جهة المسبحة فإن الأفضل أن تسبح الله سبحانه وتعالى بأصابعها كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (قال: اعقدنا بالأنامل فإنهن مستنطقات) وإن استعملت المسبحة فلا بأس لكن التسبيح بالأنامل أفضل.
***(10/2)
السائلة ق. ج. من الطائف تقول سمعت في برنامجكم نور على الدرب بأن الذهب إذا بلغ نصاباً يزكى ونصابه اثنان وتسعون جرام وأنا عندي ذهب للاستعمال تبلغ قيمته حوالي ثلاثة آلاف ريال ووزنه لا يبلغ نصاباً كيف أزكيه على حسب القيمة أم على حسب الوزن وما هو مقدرا زكاة النصاب الريال السعودي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الذهب تكون على حسب الوزن فإذا قدر أن هذا الذهب أقل من النصاب وزناً فإنه لا زكاة فيه ولو بلغ ما بلغ من الدراهم وإذا بلغ النصاب بالوزن فإن فيه زكاة وحينئذٍ تقدر الزكاة بقيمته فمثلاً إذا كان عند المرأة نصاب من الذهب فإننا نسأل كم قيمته فإذا قالوا مثلاً قيمته أربعون ألف فالزكاة فيها ألف ريال لأن الزكاة واحد من أربعين وإذا قيل إن قيمته ثمانون ألف فالواجب فيها ألفان وإذا قيل قيمته مائة ألف فالواجب فيه ألفان وخمسمائة ريالاً وعلى هذا فقس وأما سؤالها عن نصاب الفضة فنصاب الفضة ستة وخمسون ريالاً من الريالات السعودية الفضية فما بلغ هذا الوزن من الفضة ففيه الزكاة لأنه بلغ النصاب وما كان دون ذلك فلا زكاة فيه ولا عبرة بالورق لأن الورق يزيد وينقص فمثلاً في وقتنا الآن يذكر أن قيمة الريال من الفضة عشر ورقات فإذا كان الأمر كذلك صار نصاب الفضة من الورق خمسمائة وستين ريالاً ورقية لأن المعتبر قيمة الفضة إذ أن هذه الورقة نفسها ليست فضة حتى تعتبر بنفسها ولكنها مقومة بالفضة وقيمتها تنزل وترتفع.
***(10/2)
يقول السائل لدى زوجتي ذهب للاستعمال الشخصي تبلغ قيمته ثلاثة آلاف ريال فهل عليه زكاة وإذا كان عليه زكاة فما مقدارها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة والصواب أن الحلي المعد للبس فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً وهو من الذهب خمسةٌ وثمانون جراماً فإذا بلغ هذا المقدار وجبت زكاته ودليل ذلك عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وعموم قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم ويكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسون ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذه المرأة التي عندها هذا الحلي صاحبة ذهب ولا دليل على إخراجها من العموم وهناك أدلة خاصة تدل على وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتؤدين زكاة هذا قالت:لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوار من نار فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله) وله شاهدٌ في حديث عائشة وأم سلمة قال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام عن حديث عمرو ابن شعيب قال (إسناده قوي) وعلى هذا فيجب عليها أن تزكيه وكيفية الزكاة أنه إذا حال الحول تقدر قيمته بما يساوي وقت وجوب الزكاة وتخرج ربع عشر القيمة فإذا كان يساوي ثلاثة آلاف ففيه خمسةٌ وسبعون ريالاً وإذا كان يساوي ثلاثين ألف ريال ففيه سبعمائة وخمسون ريالاً لأن زكاة الذهب والفضة ربع العشر.
***(10/2)
السائلة تقول لدي بعض الحلي أتزين به وأستخدمه فهل يجب إخراج الزكاة عليه أم ماذا وكم المقدار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم رحمهم الله في الحلي المعد للاستعمال والعارية هل فيه الزكاة أولا؟ على أقوال جمهور العلماء على أنه لا زكاة فيه ولكن القول الراجح أن فيه الزكاة واختلاف العلماء له مرجع وهو الكتاب والسنة لقول الله تبارك تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقوله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وإذا رجعنا إلى النصوص في هذا وجدنا أن النصوص ترجح القول بالوجوب وهو مذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل وعلى هذا فيجب على المرأة التي عندها حلي أن تخرج زكاته إما منه بقدر الواجب وإما من الدراهم حيث تُقَوِّم الحلي ماذا يساوي وتخرج من قيمته والواجب فيه ربع العشر أي واحد من أربعين إذا بلغ النصاب. والنصاب في الذهب خمس وثمانون جراما فإذا كان عند المرأة من الحلي ما يبلغ خمسة وثمانين جراما وجب عليها أن تخرج زكاته كل عام ربع العشر فتذهب إلى الصاغة أو تجار الذهب وتسألهم ماذا يساوي هذا الحلي فإذا قالوا هذا يساوي ألف ريال لأنه يبلغ خمسة وثمانين جراماً أو أكثر ولكن قميته ألف ريال نقول تخرج عنه خمسة وعشرين ريال.
***(10/2)
السائلة لدي كمية من الذهب عاهدت الله تعالى أن أجمع عليه وأبني به مسجد وألا أبيع منه شيء إلا عند حلول موعد البناء لأبني به المسجد وكنت أزكي عليه كل عام ولكن علمت قريبا بأن الوقف لا زكاة فيه فلم أزك هذا العام فهل يعتبر ما لدي وقف لا زكاة فيه هل يجوز لي التصرف في هذا الذهب للمتاجرة فيه مثلا حتى يزداد لأنني قد تركت العمل لأسباب قهرية مما جعل وزن هذا الذهب كما هو عليه منذ سنتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتطلب مني شيئين الشيء الأول الإجابة على نفس السؤال والشيء الثاني حكم المعاهدة مع الله عز وجل على الأعمال الصالحة وأبدأ بهذا أولا فأقول معاهدة الله سبحانه وتعالى على الأعمال الصالحة هي النذر والنذر نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال (إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء) وكثير من الناس ينذر لله عز وجل أو يعاهد الله عز وجل على فعل الطاعات ليحمل نفسه على فعلها فكأنه يريد إرغام نفسه على أن تفعل وقد نهى الله عز وجل عن مثل هذا في قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعني عليكم طاعة معروفة أي أن تطيعوا الله سبحانه وتعالى بنفوس مطمئنة غير مضطرة إلى فعل ما أمرت به ثم إن عاقبة النذر أحيانا تكون وخيمة إذا نذر الإنسان شيئا لله في مقابلة نعمة ثم حصلت تلك النعمة فلم يف بما عاهد الله عليه فإن العاقبة وخيمة جدا كما قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أكثر الناذرين الذين ينذرون أشياء في مقابلة نعمة من الله أو اندفاع نقمة ثم يندمون وربما لا يوفون تجد الإنسان إذا أيس من شفاء المرض قال لله علي نذر إن شفاني الله من هذا المرض أو شفى أبي وأمي أن أفعل كذا وكذا من العبادات بعضهم يقول أن أصوم شهرين بعضهم يقول أن أصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وبعضهم يقول أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر بعضهم يقول أن أصوم سنة كاملة وما أشبه ذلك ثم إذا حصل ما نذر عليه ندموا وقاموا يطرقون باب كل عالم لعلهم يجدون الخلاص لهذا ننصح إخواننا المسلمين عموما وهذه السائلة خصوصا ألا ينذروا شيئا لله عز وجل ونقول أطيعوا الله تعالى بلا نذر اشكروا الله تعالى على نعمه بلا نذر اشكروا الله على اندفاع النقم بلا نذر وأما الجواب عن السؤال فنقول إن هذه المرأة نذرت بمعاهدتها لله عز وجل أن تجعل ما يحصل لها من الذهب في بناء مسجد فيجب عليها أن تجمع ما يأتيها من الذهب لتبني به المسجد ولا يحل لها أن تتصرف بهذا الذهب تصرفا يخل بالنذر أما إذا كان تصرفا لمصلحة النذر مثل أن تتجر بالذهب حتى ينمو ويسهل عليها إنفاذ ما عاهدت الله عليه فهذا لا بأس به إذا كان يغلب على ظنها السلامة والربح وأما ما ذكرت من أن الوقف ليس فيه زكاة فهذا صحيح لكن هذا الذهب ليس وقفا الآن هي لم توقف الذهب ولكنها عاهدت الله أن تجمع لتبني به مسجدا فهو الآن في ملكها فعليها زكاته كما كانت تزكيه من قبل.
***(10/2)
تقول السائلة يوجد لدي ذهب مقداره سبعمائة جرام مع العلم بأن أهلي قدموه لي للزينة وأنا ألبسه في المناسبات وفي البيت فهل عليه زكاة أم لا وإن كان عليه زكاة فما مقدار ذلك بالريال اليمني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حلي الذهب أو الفضة تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً ونصاب الذهب خمسةٌ وثمانون جراماً ونصاب الفضة خمسمائة وخمسةٌ وتسعون جراماً فإذا كان عند المرأة من الذهب ما يبلغ النصاب وجبت عليها زكاته وكذلك إذا كان عند المرأة من الفضة ما يبلغ نصاب وجب عليها زكاته والسائلة تقول إن عندها من الذهب سبعمائة جرام وهذه بالغة للنصاب فيجب عليها أن تزكي هذا الذهب ولو كانت تعده للبس سواءٌ لبسته أم ادخرته لحاجةٍ تطرأ هذا هو القول الراجح في المسألة وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد واختيار مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز وذلك لدلالة الكتاب والسنة على ذلك فأما الكتاب ففي قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وكنز الذهب والفضة أن لا تنفق في سبيل الله وإخراجها للزكاة من الإنفاق في سبيل الله بلا شك بل هو أفضل الإنفاق في سبيل الله وأما السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسون ألف سنة) وروى أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن (امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار يعني إن لم تؤدين زكاته فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت هما لله ورسوله) وهذا الحديث قال عنه الحافظ بن حجر في بلوغ المرام (إسناده قوي) وصححه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ويؤيده ما ذكرناه أولاً من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها) فقد أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وما علل به من يرى أن لا زكاة في الحلي فإنه لا يقاوم الأدلة التي تثبت وجوب الزكاة في الحلي أما مقدار الزكاة فهو ربع العشر لأن الذهب والفضة وعروض التجارة زكاتها ربع عشرها أي واحد في الأربعين وإن شيءت فقل اثنين ونصف في المائة وإن شيءت فقل خمسةٌ وعشرون في الألف المهم أنه ربع العشر وكيفية استخراج ذلك أن تقسم ما عندك على أربعين فما حصل بالقسمة فهو الزكاة ثم إن كان عند المرأة ما تؤدي منه الزكاة فلتؤد وإن لم يكن عندها شيء تؤدي منه الزكاة فإن تبرع عنها للزكاة زوجها أو أحدٌ من أقاربها بإذنها فلا بأس وإن لم يكن ذلك وجب عليها أن تبيع من حليها بقدر الزكاة وتخرجها فإن قال قائل إذا عملت هذا العمل أصبحت بلا حلي لأنه سوف ينفد بالزكاة فالجواب عنه أنه لا يمكن أن ينفد بالزكاة لأنه إذا بلغ حداً ينقص به النصاب لم تجب الزكاة فمثلاً إذا كانت تنفق منه كل عام حتى وصل إلى أربعة وثمانون جراماً من الذهب فإنه لا زكاة عليها في هذه الحال لأن الذهب الذي عندها لا يبلغ النصاب فإن قال قائل إذا كان عندها من الذهب دون النصاب ولنقل عندها من الذهب ما يبلغ نصف النصاب لكن عندها من الفضة ما يكمل هذا النقص أي عندها من الفضة نصف النصاب مثلاً وبمجموعها يكون النصاب تامّاً قلنا لا يجب عليها أن تضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب لأنهما جنسان مختلفان كما لا يضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب في باب زكاة الثمار والحبوب وفي هذه الحال نقول ليس عليها زكاة فيما عندها من الذهب لأنه نصف نصاب ولا فيما عندها من الفضة لأنه نصف نصاب.
***(10/2)
يقول السائل الذهب المعد للاستعمال هل عليه زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في الذهب المعد للاستعمال هل فيه زكاة أم لا؟ والصواب أن فيه زكاة ودليل ذلك عموم النصوص الدالة على الزكاة في الذهب والفضة من غير تفصيل ولكن لابد أن يبلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً فإن كان دون ذلك فلا زكاة فيه.
***(10/2)
يقول السائل عند زوجتي ذهب للزينة حيث تلبس هذا الذهب في المناسبات فقط هل يجوز أن تخرج زكاة هذا الذهب أم لا علماً بأنها لا تلبسه إلا في المناسبات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول السائل في سؤاله هل يجوز أن تخرج الزكاة والصيغة الأفضل أن يقول هل يجب أن تؤدي الزكاة وهذه المسألة أعني زكاة الحلي في وجوبها خلافٌ بين أهل العلم فمن أهل العلم من قال إنه لا زكاة في الحلي إلا أن يعد للتجارة ومنهم من قال بل فيه الزكاة في كل حال وإن كانت المرأة لا تلبسه إلا نادراً وهذا القول أرجح لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) والمرأة التي تملك الحلي هي صاحبةٌ له ولأن في ذلك أحاديث خاصة في وجوب زكاة الحلي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله أن يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله) ولأن هذا القول أحوط وأبرأ للذمة وهو أي القول بوجوب الزكاة في الحلي مذهب أبي حنيفة وروايةٌ عن الإمام أحمد رحمه الله.
***(10/2)
سائلة تقول عندها ذهب بمقدار أربعة آلاف دينار وتقول استعمل هذا الذهب مرة أو مرتين في السنة وقد اشتريته للزينة هل عليه زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في الحلي المعد للبس أو العارية هل فيه زكاة أم لا والصحيح أن فيه زكاة وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كل ما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ولأحاديث خاصة في ذلك مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتؤدين زكاة هذه فقالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولكن لا تجب الزكاة في حلي الذهب ولا الفضة إلا إذا بلغ النصاب وهو في الذهب خمسة وثمانون جراماً فإذ بلغ هذا المقدار وجبت فيه الزكاة وما كان دون ذلك فليس فيه زكاة يعني لو كان مجموع ما عند المرأة لا يبلغ هذا المقدار فليس فيه زكاة ولا يجمع الحلي بعضه إلى بعض إذا كان مفرقاً على نساء كما يحصل في البنات الصغار يكون عليهن حلي ولو نظرنا إلى كل واحدة بمفردها لوجدنا أن حليها لا يبلغ النصاب ففي هذه الحال لا يلزم ولي أمرهن أن يجمع الذهب ويزكيه لأن نصيب كل واحدة لا يبلغ النصاب.
***(10/2)
تقول السائلة لديها لبس من الذهب الذي تستعمله عندما تذهب إلى الحفلات وتقول إن هذا الذهب قليل فهل عليه زكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قليلاً فإنه لا زكاة فيه والقليل ما دون النصاب والنصاب عشرون مثقالاً وتحريره بالجنيه السعودي إحدى عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه فما بلغ ذلك ففيه الزكاة وما دونه لا زكاة فيه ولا فرق بين أن تكون المرأة تلبسه دائماً أو تلبسه في المناسبات أو قد أعدته للعارية دون اللبس فإن هذا كله تجب فيه الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة ولم يرد تخصيص الحلي بدليل صحيح.
***(10/2)
السائل ك. ع. س. من جدة يقول أود أن أسأل عن الذهب بالنسبة للنساء فلقد سألتني عمتي عن غوايش بناجر لها من ذهب وطقم أزارير وأنها تلبسها في المناسبات والأفراح في ملابس خاصة فهي تستفسر هل عليها إخراج زكاة لذهبها وما لديها من حلي كل سنة أم لا شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح من أقوال أهل العلم أن عليها الزكاة في ذلك إذا كانت هذه الغوايش وما معها تبلغ بمجموعها نصاباً والنصاب عشرون مثقالاً من الذهب أي ما يزن أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع جنيه بالجنيه السعودي الذهبي فإذا بلغ هذا المقدار وجب عليها أن تزكيه كل عام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ... الحديث) وحق المال الذهب والفضة هو الزكاة ولأحاديث أخرى في السنن مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال أتؤدين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله) وهذا الحديث إسناده قويٌ كما قاله الحافظ بن حجر في بلوغ المرام وله شواهد أخرى فالصواب من أقوال أهل العلم وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا بلغ نصاباً فيجب على عمتك أن تخرج الزكاة كل عام عن الذهب الذي عندها سواءٌ كانت تلبسه دائماً أو في المناسبات أو لا تلبسه وإنما أعدته للعارية.
***(10/2)
هل يزكى الذهب من نفسه بمعنى أنه بعد أن يوزن الذهب وتحدد قيمة هذا الذهب يباع منه قطعة ويتم إخراج زكاة هذا الذهب أم أنه يجوز للولي الأب أو الأخ أو الزوج أن يزكي ذهب محارمه من ماله الخاص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة أن تزكي عن حليها من مالها أو من مال زوجها أو مال أبيها أو أخيها ودفع زكاته دراهم أنفع للفقراء لأنها لو أخذت قطعة من حليها للفقير فقد تساوي مائة ريال وإذا باعها الفقير يبيعها بخمسين ريال فالذي نرى أن ذهب المرأة الذي تلبسه والذي لا تلبسه الحلي الذي تملكه نرى أن يقدر قيمته ثم يخرج منها ربع العشر.
***(10/2)
تقول السائلة اشتريت بنية الزينة ذهب لي أنا وبناتي ولكنه يزيد عن النصاب فهل نخرج عنه زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان نصيب كل واحدة منكن يبلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراما من الذهب فعلى كل واحدة منكن الزكاة وأما إذا كان نصيبكن ينقص عن النصاب أي كُلَّ واحدة لا يبلغ حُلِيُّهَا النصاب فليس عليكن زكاة وإن كان بعضكن يبلغ حليها النصاب والبعض الآخر لا يبلغ فمن بلغ حليها النصاب وجبت عليه الزكاة ومن لم يبلغ حليها النصاب لم تجب عليها الزكاة.
***(10/2)
السائلة م من مصر تقول على الرأي القائل بوجوب الزكاة في حلي المرأة فإذا اشترى الرجل لبناته الغير متزوجات حلياً لا يبلغ النصاب لكل واحدة ولا لكن مجموع ذلك يبلغ نصاب فهل فيه زكاة وإذا كانت المرأة تملك حلياً يساوي النصاب بالضبط وليس لها مال غير ذلك فهل تبيع منه لتزكي أم ماذا تفعل وإذا كان أكثر من النصاب فهل تبيع منه أيضاً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان للإنسان بنات غير متزوجات فأعطى كل واحدة منهن حليّاً لا يبلغ النصاب فإن كان أعطاهن ذلك على سبيل الهبة فليس في ذلك زكاة لأن ملك كل واحدة من الحلي لا يبلغ النصاب فلا تجب أما إذا كان أعطاهن إياه على وجه الإعارة وهو يعتقد أن هذا الحلي ملك له وكان مجموعه يبلغ النصاب فإنه يجب عليه أن يزكيه لأنه مالكه. وأما المسألة الثانية وهي ما إذا كان عند المرأة حليٌ بقدر النصاب وليس عندها ما تزكي به عنه فإننا نقول إن زكى عنها أبوها أو أخوها أو زوجها فلا بأس ويبقى الحلي كما هو وإلا وجب عليها أن تبيع منه أو تخرج منه بقدر الزكاة وحينئذٍ لا تجب فيه الزكاة في المستقبل لأنه نقص عن النصاب. وأما المسألة الثالثة وهي إذا كان عندها حلي يزيد على النصاب ولكن ليس عندها مال فهل تبيع منه فنقول فيه كما قلنا في الأول إن تبرع أحد عنها بالزكاة ودفع عنها كفى وإلا وجب عليها أن تخرج منه قدر الزكاة أو تبيع ما يكون بقدر الزكاة وتدفعها لمستحقها.
***(10/2)
السائلة تقول ما حكم الشرع في تركة من ذهب تخص ثلاث بنات القيمة مبلغها تسعة آلاف ريال سعودي وحال عليها الحول هل على ذلك زكاة وكم تساوي هذه الزكاة علما بأنه تم الاحتفاظ بهذا الذهب ولم يلبس وسوف يلبس مستقبلا إن شاء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذهب فيه زكاة لأنها تقول البنات ثلاث وهذا يساوي تسعة آلاف يعني أن ثلاثة آلاف لكل واحدة وثلاثة آلاف فيها الزكاة فيزكى فيدفع ربع عشر القيمة يعني أنه يُقَوّم هذا الذهب عند تمام الحول لموت المورث ثم يخرج ربع العشر ربع عشر القيمة حتى وإن كان معد للبس لأن القول الراجح من أقوال العلماء إن الحلي المعد للبس فيه الزكاة.
***(10/2)
السائلة س. م. ح. تذكر بأنها امرأة توفي زوجها ولديها ثلاثة من الأطفال وعندها حلي من الذهب يقدر بحوالي خمسة عشر ألف ريال لها ثلاثة أسئلة تقول السؤال الاول: كم فيها من الزكاة بالعملة السعودية السؤال الثاني هل أخرجه عن السنين التي مضت عليه وهو في حيازتي وهي أربع سنوات السؤال الثالث هل يجوز لي أن أنفق زكاة ذلك الحلي على أولادي الأيتام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم وجوب زكاة الحلي إذا بلغ النصاب وما دامت السائلة تقول إن قيمته خمسة عشر ألف ريالاً سعودياً فإنه يكون قد بلغ النصاب فيجب فيه ربع العشر بأن تقدر قيمته بما يساوي مستعملاً ثم تخرج منها ربع العشر فإذا قدرنا أنه يساوي عشرون ألفاً كان عشرها ألفين وربع العشر خمسمائة أما الفقرة الثانية وهي هل يجب عليها أن تخرج الزكاة عما مضى من السنوات فجوابها إذا كانت تعتقد وجوب الزكاة منذ أربع سنوات وجب عليها أن تخرج الزكاة لهذه السنوات الأربع لأن تأخيرها يعتبر تفريطاً منها فعليها التوبة إلى الله وإخراج زكاة ما مضى وإن كانت لا تعتقد وجوب الزكاة إما لأنها لم تعلم أو لأنها ترددت من أجل اختلاف العلماء في ذلك ثم بدا لها أن الزكاة واجبة فإنه يجب عليها الزكاة من السنة التي اعتقدت وجوب زكاة الحلي فيها وأما الفقرة الثالثة وهي إعطاء الزكاة لهؤلاء الأيتام فإنه لا يجوز أن تعطيهم الزكاة منها لأن هؤلاء الأيتام يجب عليها نفقتهم ولا يجوز لها أن تخرج الزكاة في قضاء أمرٍ واجبٍ عليها.
***(10/2)
السائلة نجاح من اليمن تقول توفيت والدتي ولم تكن تخرج الزكاة عن الذهب وذلك لأن أبي قال لها سوف أخرج عنك الزكاة وكانت مريضة فهل علينا ذنب في ذلك وماذا يعمل أهل الميت إذا مات لهم شخص لم يكن يخرج الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأم الآن فهمنا من كلام السائلة أنها اعتمدت على زوجها في إخراج الزكاة فيسأل زوجها هل كان يخرج الزكاة أم لا؟ إذا قال: نعم إنه يخرجها فقد انتهي الأمر ولا إشكال وإن قال إنه لم يخرجها قيل له إما أن تخرجها الآن وفاء بوعدك وإما أن تخرج من تركتها قبل كل شيء قبل الوصية وقبل الميراث وأما إذا مات الشخص وهو لا يخرج الزكاة فينظر إن كان ملتزما بها لكنه يقول: غداً أخرجها غداً أخرجها حتي فاجأه الموت فإنها تخرج من تركته ويرجى إن تبرأ ذمته بذلك وإن كان متهاوناً ولم يبال أخرج أم لم يخرج فهذا فيه خلاف بين العلماء هل تبرأ ذمته إذا اخرج عنه الورثة أم لا؟ لكن يخرج من التركة مقدار الزكاة نظرا لأن الزكاة يتعلق بها حق آخر لمستحقيها فتخرج الزكاة من التركة ولكنها لا تبرأ بذلك ذمة الميت لأنه عزم على ألا يخرجها.
***(10/2)
السائل عبد الله جمعان يقول رجل لدى زوجته ذهب للاستعمال وحال الحول على هذا الذهب وجاء وقت إخراج الزكاة عنه وفي نفس الوقت هذا الرجل عليه دين ومبلغ هذا الدين اكثر من قيمة الذهب الذي لدى الزوجة فالسؤال في هذه الحالة هل يخرج الزكاة أولاً ثم يسدد الدين أم يسدد القرض الذي عليه ثم يخرج الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الحلي التي عند زوجته ليس عليه وإنما زكاته عليها لأنها هي مالكته وعلى هذا فالواجب عليه أن يسدد دينه وزوجته هي المكلفة بإخراج زكاة حليها فإن كان لديها ما تخرج منه الزكاة من الدراهم فهذا هو المطلوب وأن لم يكن لديها ذلك فإنها تبيع من هذا الحلي حتى تخرج الزكاة.
***(10/2)
السائل خ ع يقول يوجد عندنا فضة ولم نؤد زكاتها ولو لمرة واحد منذ خمسة عشر عاماً علماً بأنها لم تقدر بثمن ولا ندري كم تزن هل نؤدي زكاتها مرة واحد أم عن كل السنوات الماضية وكيف تزكى وإذا بعناها هل نزكيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليكم أن تؤدوا زكاة هذه الفضة لما مضى لأن الفضة تجب الزكاة في عينها وحينئذ لابد أن تعودوا للماضي وتعرفوا كيف تكون قيمة هذه الفضة عند حلول حول الزكاة فتخرجوا الزكاة بحسب ما تكون قيمتها فإذا قدرنا أن هذه الفضة تساوي في السنة الأولى عشرة آلاف ريال فأخرجوا زكاة عشرة آلاف ريال وفي السنة الثانية نزلت الفضة فصارت تساوي ثمانية آلاف ريال أخرجوا زكاة ثمانية آلاف ريال وفي السنة الثالثة زادت الفضة فصارت تساوي خمسة عشرة آلاف ريال أخرجوا زكاة خمسة عشرة ألف ريال وهلم جرا فيقيسون على هذا وإنني بهذه المناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين من التهاون بأمر الزكاة لأن الله سبحانه وتعالى خوف عباده في قوله (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها وفي لفظ زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فليحذر الأغنياء من مغبة التهاون لزكاة أموالهم وليعلموا حق العلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما نقصت صدقة من مال) بمعنى أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده بركة ونموا وتحميه من الآفات نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا وأن يقينا شح أنفسنا.
***(10/2)
يقول السائل كثيراً ما قرأت في بعض المجلات العربية وسمعت أيضاً من خلال بعض العلماء في بلدي أن حلي المرأة الملبوس ليس عليه زكاة وأن الزكاة تجب فقط على الذهب الذي يكون في شكل سبائك ولكن نظراً لاستماعي الدائم لهذا البرنامج نور على الدرب عرفت أن حلي المرأة تجب عليه الزكاة والسؤال والدتي تملك حلياً فوق النصاب وهو في حوزتها منذ أكثر من عشر سنوات أو أكثر وطلبت منها إخراج الزكاة الواجبة فما حكم السنوات السابقة التي لم تخرج فيها الزكاة لجهلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول السائل إنه كان يفهم سابقاً بأن الزكاة لا تجب في الذهب إلا إذا كان سبائك وفهمه هذا فهم لبعض المسألة لأن الذهب إذا كان سبائك ففيها الزكاة وإذا كان نقوداً كالدنانير ففيه الزكاة وهذا أمر معلوم لدى أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في الحلي المعد للاستعمال أو العارية هل فيه زكاة أم لا والصحيح أن الزكاة واجبة فيه وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ولا حاجة إلى سياق الأدلة لأن السائل قد فهمها وعلم أن الزكاة واجبة لكنه يسأل هل تجب عليه الزكاة عما مضى من السنوات التي كان لا يعتقد وجوب الزكاة فيها والجواب على ذلك أن الزكاة لا تلزمه عن السنوات الماضية لأنه كان لا يعتقد الوجوب لا لجهل منه ولكن لاتباع أهل العلم الذين أمرنا باتباعهم إذا لم يكن لدينا علم قال الله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فما دام في الزمن الماضي لا يخرج زكاة الحلي اتباعاً لأهل العلم الذين يقولون بعدم وجوب الزكاة فيه فإنه لا يجب عليه إخراج الزكاة عما مضى ولكن يجب عليه إخراج الزكاة من حين أن علم أن الصواب وجوب إخراجها ويبتدئ الحول من حين العلم بالوجوب وإن أخرج الزكاة فور علمه فهو أطيب.
***(10/2)
أرجو موافاتنا بزكاة الأموال وعن نصابها بالريال السعودي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصاب الفضة كما جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (خمس أواق من الفضة) وهي بالعدد مائة درهم إسلامي وقد حررت هذه بالريال السعودي فبلغت ستة وخمسون ريالاً سعودياً من الفضة إلى تمام الحول أو ما يعادلها من هذه الأوراق النقدية وجبت فيه الزكاة وإن نقص في أثناء الحول وأنقطع ثم إذا عادت إليه يبتدئ حولاً جديداً إذا ملك النصاب مرة ثانية. وأما بالنسبة للذهب فقد حرر وهو عشرون مثقالاً من الذهب وكان الدينار فيما سبق يزن مثقالاً ثم إنه حرر فبلغ من الذهب أحد عشر جنيهاً سعودياً وثلاثة أسباع جنيه.
***(10/2)
السائل أأ أمن بيشة يقول عندي ثلاثة آلاف ريال وقد حال عليها الحول فكم زكاتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الدراهم واحد في الأربعين وهو ربع العشر وهو اثنان ونصف في المائة وعلى هذا فتكون زكاة الألف خمسة وعشرين ريال وزكاة الألفين خمسين ريال وزكاة الثلاثة خمسة وسبعين ريالاً وإذا أردت أن تعرف مقدار الزكاة مهما كثر المال فاقسم ما عندك على أربعين فما خرج بالقسمة فهو الزكاة فإذا قدرنا أن عند الشخص أربعين ألفاً فزكاتها ألف لأن إذا قسمت الأربعين على أربعين صار الخارج بالقسمة واحداً وعلى هذا فقس.
***(10/2)
السائل جاسم عمر يقول هل يترتب على راتبي الشهري زكاة، وفي أي وقت تدفع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان راتبك الشهري ينتهي بشهره فلا يحول عليه الحول، فلا زكاه فيه، وإن كان يبقى ويحول عليه الحول ففيه الزكاة إذا تم حوله، وفي هذه الحال قد يخفى على المرء الدراهم التي تم حولها والتي لم يتم، فنقول له الأولى أن تخرج الزكاة في وقت معين كشهر رمضان مثلاً فتخرج جميع ما عندك في هذا الشهر وتخرج زكاته، فما كان قد تم حوله فقد أخرجت زكاته في وقتها، وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة لا بأس به، لاسيما في مثل هذه الحال، لأن الحاجة داعية إلى ذلك لأن الإنسان يصعب عليه أن يدرك كل درهم أو ريال أو ليرة متى جاءته من هذا الراتب وهل بقيت أو تلفت.
***(10/2)
السائل ع. م. م. من جدة يقول بأنه موظف يتقاضى راتب شهري هل في هذا الراتب زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر في هذا إذا كان المال يبقى عنده إلى السنة ففيه الزكاة وإذا كان كل ما قبض راتباً صرفه في نفقة أهله وحاجياته ولم يبقَ عنده شيء فهذا لا زكاة عليه.
***(10/2)
يقول السائل إذا بلغ راتبي النصاب فمتى تجب فيه الزكاة وكيف أحسب زكاة المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد من الحول على النصاب والنصاب ست وخمسين ريال من الفضة أو ما يقابلها من الورق فيسأل عن قيمة الفضة الستة وخمسين ريالاً فما بلغ فهو النصاب وهذا كما نعلم جميعاً يختلف أحياناً ترتفع الفضة وأحياناً تنزل فليراعى في هذا.
***(10/2)
يقول السائل رجلٌ متزوج وله طفلان وليس له أملاكٌ لا دار ولا عقار يسكن في غرفةٍ تعود ملكيتها لوالده وله مرتبٌ شهريٌ من الدولة جزاء وظيفته وهذا الأجر الشهري لا يزيد عن سد حاجته أو حاجاته الضرورية جداً فهل عليه زكاة وما مقدارها بالنسبة المئوية للراتب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراتب لا زكاة فيه وغير الراتب لا زكاة فيه أيضاً حتى يتم عليه الحول فإذا أفناه الإنسان وأنفقه قبل تمام الحول فلا زكاة عليه فيه إلا أن ربح التجارة لا يشترط له حول فلو اشترى الإنسان سلعةً للتجارة بعشرة آلاف ثم ارتفعت قيمتها عند تمام الحول إلى خمسة عشر ألفاً فإنه يزكي خمسة عشر ألفاً وإن كانت الخمسة ما حصلت إلا في نهاية العام لأن ربح التجارة يدفع قسطه في الحول وإذا وجبت الزكاة في النقود فإن الواجب فيها ربع العشر يعني واحداً من الأربعين.
***(10/2)
يقول السائل ما كيفية زكاة المرتبات الشهرية التي يتقاضاها العمال والموظفون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول وهي عند المالك فإن أنفقها قبل تمام الحول سقطت زكاتها فعلى هذا فإن المرتبات الشهرية إذا تم عليها الحول وهي عندك تزكيها ولكن كيف تزكيها لك في زكاتها طريقان الطريق الأول أن تعرف حصة كل شهر وتزكيها إذا تم حولها وهذا قد يكون فيه مشقة وعسر لأن الإنسان لا يدري ماذا يبقى بعد ما ينفقه من هذه الدراهم.
وأما الطريق الثاني أن تزكي الجميع إذا تم حول أول راتب فيكون أداء الزكاة عن أول راتب أداءً في وقته ويكون أداء الزكاة عما بعده من الشهور زكاة معجلة وتعجيل الزكاة جائز لا سيما إذا كان فيه مصلحة كهذه الصورة فإن الإنسان إذا فعل ما قلنا يعني أخرج زكاة جميع ما عنده مرةً واحدة كان ذلك أيسر له وأسلم وأبرأ للذمة.
***(10/2)
السائل أحمد محمد يقول أستلم راتبي شهريا وبعد سبعة أشهر أو أكثر أرسل ذلك إلى بعض الأخوان أمانة أو إلى مصلحة كيف أخرج زكاة ذلك المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تخرج زكاته إذا تم لك سنة من قبض هذا المال ولكن بما أن هذا المال راتب يأتي شهرا فشهرا قد يشق على الإنسان أن يراعي كل شهر على حدة فنقول إذا تم الحول من أول شهر فأد الزكاة عن الجميع وتكون الزكاة فيما لم يتم حوله زكاة معجلة مثال ذلك إذا قدرنا أن الراتب ألف ريال ابتداء من محرم فإذا تم شهر ذي الحجة فقد تم على الراتب الأول سنة فإذا أخرج الزكاة عن الجميع أخرج زكاة اثني عشر شهرا جملة واحدة تكون زكاة شهر محرم زكاة مال تم عليه سنة ومعلوم أن المال الذي تمت عليه سنة تجب زكاته وزكاة ما بعد الشهر الأول تكون زكاة معجلة ولا بأس بتعجيل الزكاة لا سيما في مثل هذه الحال التي يصعب على الإنسان أن يعتبر كل شهر على حدة، بقي عندي أنه قال أو إلى مصلحة فلا أدري ما معنى قوله أو إلى مصلحة هل يريد أنه يدفعه إلى عمل تجاري أو إلى مصلحه دينيه كإصلاح الطرق وما أشبه ذلك لا أدري فلذلك يكون الجواب على هذه الفقرة موقوف حتى يتبين لنا أمرها.
***(10/2)
المستمع ص. س. ع. مصري يعمل باليمن الشمالي يقول لي زميلٌ يقوم بإخراج اثنين ونصف بالمائة من أي مبلغٍ يدخل له كزكاةٍ للمال وهو يقوم بذلك قبل أن ينفق من ذلك المال أي شيء فهل ذلك يسقط عنه زكاة المال المشروعة عن المال الذي يحول عليه الحول بعد ذلك وبالطبع ما يقوم بإخراجه هو أكثر بكثيرٍ من هذه النسبة لأنه بذلك يخرج عما يحتاجه وعما يزيد مقدماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول عليها فإذا تم الحول أحصى الإنسان ما لديه وأخرج زكاته إذا كان من عروض التجارة أو كان من النقد فإنه يخرج عنه ربع العشر يعني اثنين ونصف بالمائة فيقسم ما عنده على أربعين والحاصل بالقسمة هو الواجب في الزكاة إلا ربح التجارة فإنه لا يشترط فيه تمام الحول فلو اشترى عقاراً بعشرة آلاف ريال للتجارة ثم بقيت قيمته على هذا الوضع فلما تم أحد عشر شهراً ارتفعت قيمته حتى بلغت خمسة عشر ألفاً فإنه يجب عليه أن يخرج زكاة خمسة عشر ألف ريال وإن لم يتم على هذا الربح إلا شهرٌ واحد فالحول حول الأصل في ربح التجارة وكذلك أيضاً في نتاج السائمة إذا كانت عنده سائمة وأنتجت إنتاجاً يتغير به الفرض فإنه أيضاً لا يشترط لها تمام الحول وهاهنا مسألة تشكل على كثيرٍ من الناس وهي أصحاب الرواتب الذين يأخذون الراتب شيئاً فشيئاً كيف يخرجون الزكاة يقول بعض الناس أنا إذا اعتبرت زكاة كل شهرٍ بنفسه صعب علي ذلك لأنه يشق علي إحصاؤه فماذا أصنع نقول أحسن شيء في هذا إذا تم الحول من أول شهرٍ استلمت فيه الراتب فأدِ زكاة ما عندك كله فما تم حوله فقد أخرج زكاته في الحول وما لم يتم حوله فقد عجلت زكاته وتعجيل الزكاة لا شيء فيه وحينئذٍ تكون قد استرحت وتجعل لك شهراً معيناً وهو أول شهرٍ تم به الحول من أول راتب وتجعل هذا الشهر كلما مر عليك تخرج زكاة ما عندك حتى تستريح من مراعاة حساب كل شهرٍ بنفسه.
***(10/2)
يقول السائل إذا كان مع الرجل أموال يدخرها لحاجته حاجة أهله وبيته وأولاده ولا يتاجر بها ولا يبيع ولا يشتري بها ولكن متى ما صادفته حاجة ضرورية يخرج ما يكفيه من الأموال لذلك فهل على هذه الأموال زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقال في هذا تفصيل فإن كانت الأموال أموال زكوية كالذهب والفضة والنقود ففيها الزكاة على كل حال إذا بلغت النصاب وأما إذا كانت الأموال أعيانا أو عقارات أو أراضي وكلما احتاج باع منها وأنفق على نفسه فليس فيها زكاة.
***(10/2)
السائل من القصيم م. م. ع بريدة يقول أملك مبلغا من المال وقد مضى عليه الحول هل أقوم بدفع زكاة المال أو أقوم بدفعه في تجهيز الزواج حيث إن تكاليف الزواج كثيرة وربما لا يغطيها هذا المبلغ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذا أن يزكي المال الذي عنده ولو كان قد ادخره للمهر لأن الزكاة واجبة في عين المال فعليه أن يؤدي الزكاة عنه على كل حال وهذا لاشك أنه من بركة المال فإن الزكاة سبب لبركة المال.
***(10/2)
ب ش م ع من الرياض يقول لقد بعت سيارتي منذ أربع سنوات تقريبا وكنت أجمع المال لشراء سيارة أخرى وكنت أضع راتبي عليه وأسحب مصروفي من البنك وإلى الآن لم أشتري السيارة علما بأن المبلغ الذي جمعته في نقصان السؤال هل هذا المال عليه زكاة فإذا كان عليه زكاة كيف أخرج زكاة أربع سنوات ماضية علما بأنني لا أتذكر كم المبلغ الذي دار عليه الحول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة واجبة عليك في هذا المال وإن كنت قد أعددته لشراء سيارة فما دام نقوداً ففيهما الزكاة على كل حال وعليك أن تؤدي الزكاة على كل ما مضى وكيفية ذلك أن تسأل البنك عند شهر الزكاة فتقول كم رصيدي في شهر رمضان مثلا لعام ألف وأربعمائة وإحدى عشر كم رصيدي في رمضان لعام ألف وأربعمائة واثنا عشر وكم رصيدي في رمضان لعام ألف وأربعمائة وثلاثة عشر كم رصيدي في رمضان لعام ألف وأربعمائة وأربعة عشر وحينئذ تعرف مقدار ما يجب عليك من الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل لقد جمعت مبلغاً من المال بفضل الله عز وجل سبحانه وتعالى وهذا المبلغ أريده لبناء منزل وقد يزيد عن تكلفة المنزل وقد يكون أقل تكلفة فهل في هذا زكاة ما جمعت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا فيه زكاة ما دام نقداً يعني جنيهات أو دولارات أو ريالات المهم ما دام نقداً ففيه الزكاة كالذهب والفضة فيها الزكاة ولو كان الإنسان قد أعدها لبناء بيت أو لزواج أو ما أشبه ذلك.
***(10/2)
يقول السائل بأنه موظف في شركة ويطبق فيها نظام الادخار أي كل شهر يؤخر المبلغ الذي تريد أن تدخره على أن لا يقل عن ثمانمائة ريال من الدخل الشهري فأحياناً أدخر ثمانمائة ريال وأحياناً أكثر من هذا المبلغ بمبالغ شهرية متفاوتة أحياناً ألف ريال وأحياناً ألف ومائتين ريال وأحياناً تسعمائة ريال وأنا مطبقٌ عليَّ هذا النظام من حوالي سبع سنوات ومن دون فوائد والحمد لله ولا أعرف كم المبلغ الذي في رصيدي منذ بداية عملي بهذه الشركة وحتى الآن وأريد أن أسأل هل يستوجب علي إخراج زكاة عن هذه الأموال التي مضى عليها أكثر من سبع سنوات بالمبالغ المتفاوتة التي ذكرتها لكم في أعلى الرسالة علماً بأنني في حاجة لها عند تسليم الشركة لي هذا المبلغ عند انتهائي من الشركة وإذا كانت الزكاة واجبة عليَّ فما هي الطريقة الشرعية التي تبرئ ذمتي من هذا علماً بأنني لم أسجل النقود التي دفعتها شهرياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة في هذه الأموال التي ادخرتها عند الشركة وأبقيتها على أنها وديعة متى شيءت أخذتها فيها الزكاة لأن هذه مثل التي في صندوقك متى شيءت أخذته وانتفعت به ويجب عليك أن تحصي ما تدخره كل سنة من أجل إخراج زكاته فإذا ادخرت في السنة الأولى مثلاً ثلاثة آلاف ريال وتم عليها الحول فأدِّ زكاتها وفي الثانية مثلاً ادخرت ثمانية آلاف ريال وتم عليها الحول تؤدي زكاتها وزكاة الأولى أيضاً لأن الزكاة تتكرر كل عام وإذا ادخرت في السنة الثالثة مثلها وتم حولها فأدي زكاتها وتؤدي زكاة الثمانمائة السابقة في السنتين الأوليين أيضاً المهم أنه يجب عليه إحصاء هذه الدراهم التي ادخرتها وتخرج زكاتها عن كل سنة.
***(10/2)
السائل من الأحساء يقول بأنه مشترك في جمعية أي يضع المشتركون سهما من أموالهم ويكون السهم مثلا بألف ريال ليجمعوا مبلغ يستلمه الشخص لقضاء حاجاته في نهاية كل شهر فلو كان مقدار الشهور اثنا عشر شهرا واستلم هذا الشخص حصته في الثاني عشر هل يكون في ذلك زكاة بعد أن أكتمل نصاب المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا هذه الجمعية أبين للأخ السائل أنه لا بأس بها -أي- لا بأس أن يتفق الموظفون في جهة ما على أن يقتطع من رواتبهم من كل واحد ألف ريال ليعطوه واحدا والشهر الثاني يعطوه الآخر وفي الثالث وهلم جرا وليس هذا من باب القرض الذي جر نفعا لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض والمصلحة للجميع فالذي انتفع بالجمعية الأول حرم في الثاني وصار الانتفاع للثاني ثم للثالث ثم للرابع وهلم جرا أما الزكاة فإنه يجب عليه أن يزكي ما قبضه إذا كان قد تم عليه الحول لأنه دين على موسر إذا أنه قد علم أن هؤلاء المشتركين سوف يوفون نصيبهم في كل شهر والدين على الموسرين تجب فيه الزكاة.
***(10/2)
نحن عمال وبفضل من الله نرزق بمال كثير في سنتين أو أكثر والبعض من هذا المال نرسله إلى الأهل فكيف تكون الزكاة في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون الزكاة واجبة عليكم إذا بقي عندكم ما بلغ النصاب إلى تمام السنة فإن كان المال الذي تحصلون عليه ينفد قبل تمام السنة فإنه ليس عليكم زكاة فيه لأن من شرط وجوب الزكاة تمام الحول فإذا نفد المال قبل تمام الحول أو نقص عن النصاب قبل تمام الحول فإنه ليس فيه زكاة.
***(10/2)
باب زكاة العروض - زكاة العقارات والمحلات - زكاة السيارات والمعدات - زكاة الاراضي(10/2)
السائل من سوريا يقول هل تجب الزكاة على أثاث البيت مثل المناشف فإنه يوجد في بيتنا ثلاثين مخدة وعشرين لحاف وعشرين مفرش فهل على هذه زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على المسلم زكاة في أواني البيت وفرشه وسيارته التي يركب وسيارته التي يؤجرها وغير ذلك من حوائجه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقه) لكن يستثنى من هذا الحلي من الذهب والفضة فإن فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فقوله (ما من صاحب ذهب ولا فضة) يعم النقود والحلي وغيرهما.
***(10/2)
يقول السائل اللؤلؤ والماس هل عليهما زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على اللؤلؤ والماس زكاة إلاإذا كانا للتجارة أما إذا كانا للبس فليس فيهما زكاة ولو كثر لأن الزكاة إنما تجب في الذهب والفضة فقط إذا بلغا النصاب وأما إذا لم يبلغا النصاب فلا زكاة فيهما أيضاً فإذا كان عند المرأة خواتم قليلة لا تبلغ النصاب فليس عليها فيها زكاة ونصاب الذهب خمسة وثمانون جراماً فما دون خمسة وثمانين جراماً فليس فيه زكاة لأنه لم يبلغ النصاب.
***(10/2)
يقول السائل هل يوجد في الإسلام زكاة على الحطب والفحم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحطب والفحم إذا كان للتجارة ففيه الزكاة لأن عروض التجارة لا تختص بمال معين كل شيء أعدّه الإنسان للاتجار ففيه الزكاة سواء كان عقاراً أو أدوات أو سيارات أو حطب أو فحم أو بر أو رز أو أقمشة أو أواني كل شيء أعده الإنسان للتجارة فإنه من عروض التجارة وفيه الزكاة وزكاته ربع العشر -يعني- أنك تقومه عند وجوب الزكاة وتخرج ربع العشر وطريقة استخراج ربع العشر أن تقسم الدراهم التي هي قيمة هذا المال تقسمها على أربعين فما خرج بالقسمة فهو ربع العشر وهو الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل إذا كان لي ميراث من الوالد عبارة عن ثلث منزل ويدر علي دخل من إيجاره فكيف يمكن حساب زكاته سنوياً وهل يصح إعطاء أي نقود لبعض الأقارب أو الأصدقاء تكون زكاة خاصة لأن دخلهم قليل ومحدود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقار الذي أعدته للإجارة ليس فيه شيء من الزكاة لأنه لم يعد للتجارة وإنما أعد للاستغلال ولكن الزكاة في أجرته إذا قبضتها وتم عليها سنة من العقد فإنه يجب عليك أن تزكيها فإذا قدر أنك آجرته في شهر محرم ثم عند تمام ذي الحجة أعطاك الأجرة فإنه يجب عليك أن تؤدي زكاته لأنه تم عليه الحول وإن أعطاك الأجرة في أثناء السنة وصرفتها قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليك فيها وأما صرف هذه الزكاة وغيرها من الزكوات إلى الأقارب والأصدقاء فإن كانوا أهلاً لها ومستحقين لها فإن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة وهم أفضل من غيرهم وإن كانوا لا يستحقون الزكاة فإنه لا يجوز أن تصرفها إليهم بل يجب أن تصرف إلى من أوجب الله صرفها إليهم في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
***(10/2)
يقول السائل إذا كان الرجل عنده دارٌ مؤجرة غير التي يسكن فيها فهل يدفع الزكاة عن قيمة الدار أو مما يتحصل له من أجرتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدار المؤجرة إن كانت معدة للتأجير والاستغلال فإنه لا زكاة في قيمتها وإنما الزكاة فيما يحصل فيها من الأجرة إذا تم عليه الحول من العقد فإن كان لا يتم عليه حولٌ من العقد فلا زكاة فيه أيضاً مثل أن يؤجر هذا البيت يؤجره بعشرة آلاف مثلاً يقبض منها خمسةً عند العقد فينفقها ثم يقبض خمسةً عند نصف السنة فينفقها قبل تمام السنة فإنه لا زكاة عليه حينئذٍ لأن هذا المال لم يتم عليه الحول أما إذا كانت الدار قد أعدها للإيجارة لكنه في الأصل اشتراها للتجارة وهو الآن ينتظر بها الربح لكنه قال ما دامت لم تبع فإني أؤجرها ففي هذه الحال يجب عليه الزكاة في قيمة الدار وكذلك في أجرتها إذا تم عليها الحول كما قلنا قبل قليل وإنما تجب عليه الزكاة في قيمة الدار حينئذٍ لأنه أرادها للتجارة وما أرادها للبقاء والاستغلال وكل شيءٍ تريده للتجارة والتكسب فإنه فيه الزكاة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وهذا الذي عنده أموالٌ يريد بها التكسب إنما نوى بها قيمتها لا ذاتها فقيمتها دراهم ونقود والدراهم والنقود تجب فيها الزكاة وعلى هذا فيكون هذا الذي قصد بهذا البيت التجارة والاستغلال يكون واجب عليه الزكاة في قيمة البيت وفي أجرته إذا تم عليه حولٌ من العقد.
***(10/2)
يقول السائل رجلٌ لديه منزل يسكنه وعمارة أخرى يقوم بعمارتها للإيجار هل عليه زكاة فيها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما البيت الذي يسكنه فلا زكاة عليه فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وأما البيت الذي يعمره ليؤجره فإذا كان ليس له نيةً سوى تأجيره فليس فيه زكاة أبداً وإنما الزكاة في أجرته إذا تم الحول عليها من حين العقد وأما إذا كانت نيته بهذا البيت الذي يعمره للتأجير نيته به التجارة أيضاً بمعنى أنه يريد هذا وهذا صار عليه الزكاة في عينه أي بعينه ولكنه بالقيمة باعتبار قيمته وصار عليه الزكاة أيضاً في أجرته هذا هو تفصيل المسألة في ذلك.
***(10/2)
يقول السائل شخصٌ توفي وترك ابنتين ومنزل وهذا المنزل عائد لبنتيه الاثنتين فهما يكريان هذا المنزل شهرياً ولكن لا يتصدقان عنه فما هو الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أنه لا يتضح لي الآن حسب السؤال انحصار الإرث في هاتين البنتين فينبغي أن نسأل هل للميت وارث سوى هاتين البنتين أو هل أوصى بهذا البيت لهما دون سائر الورثة أو أن الإرث منحصرٌ فيهما ولا يوجد له أحدٌ يرثه سواهما بفرضٍ ولا تعصيب وعلى كل حال نقول إن كان له وارث سواهما فإنه ينبغي مراجعة هذا الوارث بحيث يشاركهما في تأجير البيت أو إذا كانتا قد اشترتاه منه واختصتا به أما إذا كان قد أوصى به الميت لهما دون سائر الورثة فإن هذه الوصية باطلة ومحرمة ويجب أن يرد في التركة ما لم تجزه الورثة فإن أجازه الورثة المرشدون فلا حرج أن تختص به البنتان وعلى كل حال فأنا أجيب على حسب السؤال وهذه الأسئلة التي طرحتها يجب أن تكون موضع اهتمام هاتين البنتين أما الأجرة التي تحصلانها من هذا البيت إذا كان يمضي عليها الحول من العقد فإن عليهما زكاة أما إذا كان لا يمضي عليها الحول مثل أن يكون البيت يكرى بالشهري وكل شهرٍ تأخذان الأجرة وتنفقانها فإنه في هذه الحال ليس عليهما في ذلك زكاة لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الحول وهنا لم يتم الحول على هذه الأجرة.
***(10/2)
السائلة ك. خ تقول عندي بيت مؤجر من ست سنوات تقريبا في البداية كان الإيجار السنوي عشرة آلاف ثم خمسة عشر ألف والآن عشرون ألف والسؤال هل على هذا البيت زكاة وإذا كان عليه زكاة فكم يكون المقدار علما أن قيمة الإيجار أصرفها للعديد من المتطلبات ولم يبق منها شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البيت المعد للإيجار ليس فيه شيء أي ليس فيه زكاة مهما بلغت قيمته لكن الزكاة تكون في أجرته ولكن متى يدفع الزكاة أي زكاة هذه الأجرة قال بعض العلماء أنه يدفع زكاة الأجرة من حين أن يقبضها لأن الأجرة كالثمرة وكالزرع وقد قال الله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وقال بعض أهل العلم لا تجب عليه زكاة الأجرة إلا إذا تمت سنة من عقد الإيجار وبناء على القول الأول فيلزمه كلما قبض شيئا من الأجرة أن يخرج زكاته مادامت الأجرة بمجموعها تبلغ النصاب وأما على الثاني فإذا قبض الأجرة بعد تمام السنة أخرج زكاته وإن قبض قبل تمام السنة نظرنا إن بقيت عنده حتى تتم السنة لم يصرفها في نفقة أو غيرها أدى زكاتها وإن صرفها في نفقة أو غيرها قبل تمام السنة فلا زكاة عليه لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الحول وهذه المرأة تقول إنها تصرف الأجرة في حوائج بيتها فإذا كانت تصرفها قبل أن تتم السنة فليس عليها زكاة على القول الثاني وأما على القول الأول فيلزمها زكاة لكل أجرة سنة.
***(10/2)
السائل إبراهيم على من المدينة النبوية يقول لدي عمارة أؤجرها رغم أنني أرغب في بيعها لو أتاني مشتري جيد فهل تجب الزكاة في هذا وإذا كانت تجب فيها الزكاة فأنا لا أملك النقود في الوقت الحاضر ماذا يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول وعليه السلام ورحمة الله وبركاته العمارة التي أعدها الإنسان للتأجير لكن لو أتاه من يبذل له ثمنا كثيرا باعها ليس فيها زكاة وإنما الزكاة في أجرتها وأما الذي اشترى عمارة يريد أن يتكسب فيها بالبيع ويريد أن يبيعها وليس له غرض في بقائها لكن يقول ما دمت لم أبعها فسأؤجرها فهذا عليه الزكاة في نفس العمارة وعليه الزكاة أيضا في أجرتها والناس يفرقون بين رجل عقاري يبيع ويشتري في العقار ليتكسب وبين شخص عنده عمارات استثمارية يريد أن يستثمرها لكن لو جاءه أحد وأغراه بثمن كثير باعها فالأول عليه الزكاة في نفس العمارات وفي أجورها والثاني ليس زكاة في نفس العمارات لكن الزكاة في أجورها.
***(10/2)
السائل أبو عمر يقول اشتريت عقار بقيمة مائة وستين ألف جنيه ودفعت مائة وخمسة عشر ألف جنيه مقدم والباقي أقساط على سنتين فكيف أدفع الزكاة وما طريقة دفع الزكاة في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقار هذا ينظر هل هذا رجل يبيع ويشتري في العقارات فيجعل العقارات كأنها سلع مثل التي عند التجار فهذا يجب عليه أن يزكي العقار لأنه عروض تجارة أو أنه أَعد العقار للكسب يؤجره وينتفع بأُجرته فهذا لا زكاة فيه أو اشترى العقار ليسكنه فهذا لا زكاة فيه أما البقية التي بقيت عليه من الثمن إذا كان يملكها وجب عليه زكاتها وإذا كان لا يملكها فلا زكاة عليها.
***(10/2)
يقول السائل إذا اشترى شخص عقار ولكن لم يكمل بنائه فمتى يخرج الزكاة هل عندما يتم البناء أم عند بيعه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ما نية هذا الذي اشترى هو يقول اشترى بيتاً إذا كان نيته أن يسكنه أو يؤجره فلا زكاة فيه أما إذا كان نيته التجارة فعليه الزكاة فيه من حين اشتراه ويكون حوله حول ماله الذي كان بيده فمثلاً إذا اشترى هذا البيت بعد أن مضى ثمانية أشهر من حول الزكاة فإنه يزكيه عند تمام أربعة أشهر لأن عروض التجارة لا يشترط لها حول ما دامت مبينة على حولٍ سابق.
***(10/2)
يقول السائل كيف تكون زكاة مزرعة الدواجن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مزرعة الدواجن ليس فيها زكاة إلا إذا كانت ذات ثمار تجب فيها الزكاة فإذا قدرنا أنّ هذا الرجل عنده مزرعة وفيها برسيم وعلف يعلف به الدواجن فلا شيء عليه فيها أما إذا كانت المزرعة تغل حبوباً وثماراً ففيها الزكاة في حبوبها وثمارها وهي نصف العشر إن كانت تسقى بمؤونة والعشر كاملاً إن كانت تسقى بلا مؤونة أما بالنسبة للدواجن فالدواجن يكون اتخاذها على وجهين الوجه الأول أن يكون اتخاذها تجارة يبيع ويشتري فيها يبيع هذا الداجن اليوم ويشتري بدله ففيها الزكاة في قيمتها تقدر كل سنة بما تساوي حين وجوب الزكاة ويخرج من قيمتها ربع العشر أما إذا كانت الدواجن للتنمية والنسل وكانت تعلف من هذه المزرعة الحول أو أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها لأن الزكاة إنما تكون في السائمة وهي التي ترعى مما أنبته الله عز وجل الحول أو أكثر الحول.
***(10/2)
سائل يقول أعمل في بيع المواشي فهل على هذه التجارة زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليها زكاة لأن هذه المواشي في حقك كأموال التجار من القماشين وأهل الذهب والأواني وهذه التجارة تسمى عروض التجارة وعروض التجارة كل ما أعده الإنسان للربح من مواشي أو سيارات أو معدات أو أراضي أو غيرها كل ما أعد للبيع والربح والتربح فإنه عروض تجارة تجب زكاته وكيفية الزكاة أنه إذا جاء وقت الزكاة وهو تمام الحول تحصي ما عندك من عروض التجارة وتقدر ثمنها بما تساوي عند وجوب الزكاة ثم تخرج ربع العشر أي واحداً من الأربعين فإذا كانت هذه المواشي التي عندك تساوي أربعة آلاف ففيها مائة ريال ربع العشر لأن الواجب في الذهب والفضة وعروض التجارة ربع العشر أي واحداً من أربعين وإن شيءت فقل اثنين ونصف من المائة وإن شيءت فقل خمسة وعشرون من الألف.
***(10/2)
يقول السائل إذا كان عندك فلوس واشتريت بها سيارة أو ما يشبه ذلك هل عليها زكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السيارة التي اشتريتها بدراهمك قبل تمام حول الدراهم ينظر إن اشتريتها للتجارة والتكسب بها بمعنى أنك اشتريتها تنتظر الربح لتبيعها فهي عروض تجارة إذا تم حول الدراهم التي اشتريتها بها وجب عليك أن تؤدي زكاتها فتقومها بما تساوي وقت وجوب الزكاة وتخرج ربع عشر قيمتها أما إذا اشتريت سيارة بدراهمك التي لم يتم حولها وهذه السيارة لأجل أن تستعملها لنفسك أو تستعملها للأجرة فإنه لا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) .
***(10/2)
يقول السائل هل السيارة المعدة للركوب تعد من عروض التجارة أفيدونا بالتفصيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السيارة المعدة للركوب أو للأجرة ليست من عروض التجارة وإنما عُروض التجارة ما عرض للتجارة أي ما كان معداً للبيع والشراء من أجل الربح ولهذا سميت عُرُوضاً لأنها تعرض وتزول أو لأنها تُعَرضَ للتكسب والتجارة وأما شيء قَصَدَ الإنسان به الادخار والتنمية فهذا لا تجب الزكاة فيه أي زكاة العروض ولكن قد تجب في عينه كما في سائمة بهيمة الأنعام وكما في الذهب والفضة.
فضيلة الشيخ: لكن مثلاً التاكسي لو وفر نقوداً كثيرة في أخر العام يزكي على هذه النقود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لأن النقود تجب الزكاة في عينها لا لأنها عروض تجارة فإذا توفر عنده مال من أجرة التاكسي أو من أجرة البيت أو من أجرة السيارة وكان هذا المال نصاباً تم عليه الحول وجبت عليه زكاته.
***(10/2)
السائل عبد الله من الرياض يقول عندي سيارة أجرة وهي مصدر رزقي ولا عندي مصدر عمل آخر فهل أخرج زكاة لهذه السيارة وكيف مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه السيارة ليس فيها زكاة لأنها معدةٌ للأجرة وليس للتجارة ومثلها العقارات لو كان لدى الإنسان عقارات كثيرة تساوي ملايين ولكنه لا يريد بيعها وإنما يريد استغلالها فليس فيها زكاة إنما الزكاة في أجرتها حسب الشروط المعروفة عند أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) .
***(10/2)
تقول السائلة اشترك مجموعة من الأقارب واشتروا سيارة شحن صغيرة وأخذ أحدهم يعمل عليها ويوزع الربح على الشركاء حسب رأس المال والسؤال هل هناك زكاة على هذه السيارة علما بأن ثمنها يعني رأس المال يقل في كل عام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على هذه السيارة زكاة كما لو كانت لرجل واحد فالسيارات العاملة التي تستخدم لصالح الشخص نفسه أو تستخدم لاستغلالها في الأجرة ليس فيها زكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) أي ليس عليه في ذلك زكاة وكل شيء يستعمل لخاصة الإنسان أو للتأجير فلا زكاة فيه إلا شيئاً واحدا وهو الحلي من الذهب والفضة فإن الأدلة تدل على وجوب الزكاة فيه مطلقاً.
***(10/2)
يقول السائل السيارات المستعملة للأغراض الشخصية فقط دون تأجير هل عليها زكاةٌ سواءٌ كانت متعددةً أم واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عند الإنسان سياراتٌ أعدها للأجرة كالتكاسي مثلاً أو سيارات الحمل الكبيرة فإنه ليس فيها زكاة سواءٌ قلت أو كثرت وسواءٌ كانت قيمتها قليلة أم كثيرة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) أما إذا كان صاحب معرض يتجر بالسيارات يبيع هذه ويشتري هذه فإنه تجب عليه الزكاة في قيمة هذه السيارات لأنه تاجر سيارات وعروض التجارة تجب فيها الزكاة كما هو معروف.
فضيلة الشيخ: التي للاستعمال الخاص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التي للاستعمال الخاص لا زكاة فيها.
فضيلة الشيخ: حتى لو تعددت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ولو تعددت وكذلك ما كان للاستغلال والعمل بها لا زكاة فيه.
***(10/2)
يقول السائل هل على المكائن الزراعية زكاة مع العلم أن شراء المكائن لم يمر عليه حول وقد خسرنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه المكائن للتجارة فعليكم الزكاة وإن لم يمر عليها حول ما دام رأس المال الذي اشتريتم به المكائن قد أتى عليه الحول وذلك لأن عروض التجارة يتبادلها الناس ولا يشترط فيها الحول. فالحول لرأس المال الأصلى فمتى تم حوله وجبت الزكاة وأما إذا كانت المكائن قد اشتريتموها للعمل عليها ولكن رغبتم عنها إلى مكائن أخرى أو عدلتم عن الحرث بها أو عن استعمالها ثم بعتموها فهنا يبتدئ حول الزكاة من جديد فإذا تم الحول بعد بيعها وقبض ثمنها وجبت عليكم الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل الآلات الزراعية مثل الحرَّاثة وغيرها هل عليها زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الحرَّاثة زكاة إذا كان الإنسان يستعملها لنفسه أو يستعملها للإجارة أما إذا كان تاجر يتجر في هذه الآلات يبيع ويشتري فيها فإن عليه زكاتها وهذه الزكاة تسمى زكاة العروض والقاعدة في زكاة العروض أن كل ما أعده الإنسان للاتجار فإن فيه زكاة وأما ما أعدة للاستعمال كالسيارة سيارة الأجرة وسيارة الركوب وسيارة النقل وكذلك المكائن الحراثات ورافعة الماء وما أشبهها كلها لا زكاة فيها إلا أنه يستثنى مما يستعمل الذهب والفضة فإن الزكاة واجبةٌ فيما يستعمل منه كحلي المرأة مثلاً على القول الراجح الذي دل عليه القرآن والسنة كما بيننا ذلك في رسالة لنا صغيرة عنوانها زكاة الحلي وكما هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن الباز ومذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
***(10/2)
السائل أبو عبد العزيز من بريدة يقول لقد اشتريت مساحة من الأرض ومحلات تجارية ولقد حال عليها الحول فهل عليها زكاة علما بان المحلات التجارية والأرض لم انتفع منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه فيها تفصيل إذا كان اشتراها يتجر بها بمعنى أنه يشتريها اليوم ويبيعها غداً كسلع التجار بمتاجرهم ففيها زكاة سواء أنتفع بها أم لم ينتفع وأما إذا كان اشتراها للاستثمار فليس فيها زكاة وإنما الزكاة في تجارتها.
***(10/2)
يقول السائل اشترى رجل أرضاً وفي نيته أن يقدمها إلى صندوق العقاري ثم يقوم ببيعها مرة ثانية ولكن مضت مدة طويلة لم يفعل شيئاً فمتى يبدأ بإخراج الزكاة من أول ما اشتراها أم إذا بدأ بعرضها في السوق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ممن اشتراها للتجارة فإنه تبتدئ زكاتها مع ماله فمثلاً إذا كان عند الإنسان مائة ألف نقداً وفي أثناء السنة اشترى أرضاً للتجارة بخمسين ألفاً فإنه إذا تمت السنة سنة المائة ألف وجب عليه أن يخرج الزكاة حتى وإن كانت هذه الأرض لم يملكها إلا في أثناء الحول لأن عروض التجارة مبنية على أصلها وهي القيمة فنقول لهذا الأخ السائل إذا كنت من حين اشتريتها قد نويتها عروض تجارة فزكها مع مالك سواءً بنيتها أم لم تبنها أما إذا كنت لم تنوي التجارة بها وإنما نويت استثمارها إذا بنيتها من صندوق التنمية العقارية فهذه ليس فيها زكاة لأن ما يراد استثماره من العقار فالزكاة في أجرته فقط.
***(10/2)
يقول السائل اشتريت قطعة أرض لبناء مسكنٍ عليها ثم عرضتها للبيع إن جاءت بأعلى من سعر الشراء وذلك لشراء أرضٍ أخرى بقصد بناء مسكنٍ عليها فهل على هذه الأرض زكاة عندما عرضت للبيع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان عندما عرضها للبيع لا يقصد التجارة والربح فليس عليها زكاة لأن ذلك عبارة عن سلعة طابت نفسه منها فيريد أن يبيعها وهذا لا زكاة فيه أما إذا عرضها للبيع بقصد التكسب فهذه عروض تجارة يجب عليه زكاتها إذا تم الحول عليها من نيته لكن يظهر لي والله أعلم من هذا السؤال أن الرجل أراد أن يستغني عن الأرض ويتخذ أرضاً بدلها فإذا كانت هذه النية فليست عروض تجارة أما إذا كانت النية أن يتكسب فيها ويربح فهي عروض تجارة.
***(10/2)
السائل ع أع يقول اشتريت قطعتين من الأرض الأولى لغرض السكن والأخرى للتكسب فهل في القطعتين زكاة أم لا وإذا كان فيهما زكاة فهل تقوم بقيمة شرائهما أم بقيمتهما الحالية وما تساوي في الوقت الحاضر وهل العقار من البيوت ومزارع تكون من عروض التجارة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما القطعة التي اشتريتها من أجل أن تعمرها للسكنة فليس فيها زكاة وأما التي اشتريتها للتكسب فهي التي من عروض التجارة وعلى هذا تجب عليك زكاتها كلها وكيفية التزكية أن تقومها عند وجوب الزكاة بما تساوي ثم تخرج ربع عشر القيمة أي تقسم القيمة على أربعين والناتج بالقسمة هي الزكاة ولا تعتبر ما اشتريتها به وإنما تعتبر ما تساوي حين وجوب الزكاة سواء كان أقل مما اشتريتها به أم أكثر أم كان مساوياً لكن هاهنا مسألة وهي أن بعض الناس يقول إن القيمة قد تشكل عليَّ عند وجوب الزكاة فلا أدري هل تساوي أكثر مما اشتريتها به أو أقل أو تساوي ما اشتريتها به؟ فنقول في هذه الحال زك رأس المال لأنه متيقن والنقص والربح مشكوك فيهما وما كان مشكوك فيه فالأصل عدمه أما المزارع والبساتين التي للتنمية فليس فيها زكاة وإنما الزكاة فيما يحصل منها مما تجب فيه الزكاة وليس كل ما يحصل من البساتين تجب فيه الزكاة فالخضروات والبطيخ وما أشبها ليس فيه زكاة.
***(10/2)
سائلة تقول أنا أملك أرضاً منذ ست سنوات هل تجب فيها الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا زكاة في الأرض ولا زكاة في البيت ولا زكاة في السيارة التي يستعملها وإنما الزكاة فيما أُعد للتجارة من هذه الأشياء أو غيرها وعلى هذا فالأرض التي ملكتها السائلة ليس فيها زكاة إلا إذا نوتها للتجارة فإن نوتها للتجارة وجبت عليها زكاتها إذا بلغت قيمتها نصابا أو ضمت القيمة إلى ما عندها من جنس القيمة وبلغ النصاب.
***(10/2)
السائل جمعة إبراهيم مقيم في المنطقة الشرقية يذكر أن لديه قطعة أرض ينوي بناءها ولكن بعد فترة لا يدري مقدارها يسأل هل عليها زكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأرض التي عند هذا السائل أعدها للبناء عليها ليس فيها زكاة وذلك لأن الزكاة إنما تجب في مثل هذه في الأراضي ومثلها إذا أعدت للتجارة أي إذا كان الإنسان ينتظر بها الربح والمكسب يشتريها اليوم ويبيعها غداً وهكذا كما يبيع التجار ما عندهم من الأثاث والأمتعة والأواني وغيرها فأما الأراضي التي أعدت للبناء عليها فليست فيها زكاة سواءٌ أعدها للبناء عليها ليسكن أو أعدها للبناء عليها ليؤجر فإنه لا زكاة فيها وبناءً عليه نقول لا حاجة إلى أن تعرف مقدار قيمتها أو لا تعرف لأنه ليس فيها زكاة.
***(10/2)
السائل الدكتور عبد المنعم أبو شادي دكتور مصري يقول إذا اشتريت أرضا في مصر فهل عليها زكاة وإذا كانت كذلك فكيف يكون النصاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشترى الإنسان أرضا في مصر أو في السعودية أو في العراق أو في الشام أو في أي مكان من الأرض وهو لا يريد الإتجار بها إنما اشتراها ليبني عليها سكنا أو يبني عليها بناء يؤجره أو اشتراها ليحفظ فلوسه فيها فليس عليه في ذلك زكاة لأن الأراضي عينها ليس فيها زكاة حتى تكون للتجارة أي حتى يجعلها الإنسان رأس مال له يبيع فيه ويشتري فإذا كان الأول هو مرادك بشراء هذه الأرض فليس فيها زكاة وإذا كان قصدك أن تتجر بها كما يتجر أصحاب العقارات بأراضيهم فعليك فيها الزكاة وذلك بأن تقدر قيمتها كلما وجبت الزكاة في كل حول وتخرج ربع العشر أي اتنين ونصف في المائة.
***(10/2)
تقول السائلة يوجد عندي أرض فاضية لي أنا وأمي وأختي ولها مدة كثيرة، ولا يوجد لدينا فلوس نعمرها، ولا وجدنا من يشتريها، فهل عليها زكاة ونحن لم نستفد منها، وإذا كنا لم نجد الزكاة عليها فهل يجوز أن نتركها ولا نزكيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم فيها زكاة، لأن الأراضي والبيوت أو شبهها إذا لم تكن للتجارة فليس فيها زكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) فهي تبقى حتى ييسر الله تعالى من يشتريها، وإذا اشتريت وأخذتم الدراهم، وحال الحول على هذه الدراهم، وبقيت عندكم وجبت الزكاة في هذه الدراهم.
***(10/2)
باب زكاة الفطر حكمها , مقدارها , على من تجب - , حكم تأخيرها عن وقتها , حكم إخراجها نقدا(10/2)
من محمد س ق يقول: دائماً نسمع الحديث كل آخر رمضان من الرمضانات الماضية عن زكاة الفطر علماً أنه لا حاجة ماسة لها لأنها أصبحت تافهة نظراً إلى قلتها وكثرة النِّعم بين الناس فهل نستمر على هذه العادات نرجو الإجابة المقنعة من الذي يتولى الرد على هذه الأسئلة والاستفسارات عبر برنامجكم المفيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا السؤال وجيه وقبيح أما وجهه فكونه يقول إن هذه الزكاة الآن أصبحت قدراً ضئيلاً لا يُلتفت إليها بما أنعم الله على عباده من هذه النعم الوافرة الكثيرة وأما كونه قبيحاً فلأنه قال هل نستمر على هذه العادات فجعل صدقة الفطر التي هي من فرائض الإسلام حيث قال ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر) جعلها من الأمور العادية وقد أخطأ في ذلك خطأً عظيماً في تعبيره ولا أظنه إن شاء الله يعتقد ما يقول إلا أن يكون عن جهل منه ولكني أقول إن هذه الزكاة وهذه الصدقة فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحددها بالحاجة والفقر بل فرضها على كل من يستطيعها يدفعها إلى الفقراء فإذا قُدِّر أنه ليس في البلد فقير فإنه من الممكن أن ينقلها إلى بلد آخر فيه فقراء وإذا لم يمكنه ذلك فإن أمامنا أحد أمرين إما أن نقول بسقوطها حينئذٍ لأنه لما فُقِدَ محلها سقطت كما يسقط غسل الذراع إذا قُطِعت من العضد وإما أن نقول تُعطى أفقر من يكون وأقلهم غنى وحينئذٍ يكون الفقر نسبياً وليس على ما حدده الفقهاء رحمهم الله بأن الفقير هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سنة والحاصل أن هذه الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم تنفيذها إما في بلده إن كان فيه فقراء محتاجون أو في بلد آخر يكون فيه فقراء محتاجون.
***(10/2)
يقول السائل ما مقدار زكاة الفطر وأنسب وقت لتوزيعها على الفقراء وهل رب العائلة يلزم بإخراج حصة من يسكن معه في البيت من أبنائه إذا كان كبيراً ومتزوجاً ويعمل بنفسه وعائلته أم رب العائلة ملزم فقط بإخراج حصة من يعوله من النساء والأولاد البالغين وغير البالغين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن مقدار زكاة الفطر صاع من طعام الصاع النبوي والذي زنته كيلوان وأربعون غراماً يعني حوالي كيلوين وربع من الرز أو غيره من طعام الناس هذا مقدار زكاة الفطر ولا يجوز إخراجها من غير الطعام لأن النبي صلى الله عليه وسلم (فرضها صاعاً من تمر أو شعير) وكان ذلك الوقت هو طعامهم كما قال أبو سعيد (كان طعامنا يومئذ الشعير والتمر والزبيب والأقط) ولم يكن البر شائعاً كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لم يأتي فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كثر في عهد معاوية رضي الله عنه جعل نصف صاع منه يعدل صاعاً ولكن أبا سعيد خالفه في ذلك و (قال: أما أنا فلا أزال أخرجه أي الصاع كما كنت أخرجه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) والصواب مع أبو سعيد رضي الله عنه أنه صاع من أي طعام كان وأما بالنسبة للوقت المناسب لإخراجها فهو صباح العيد قبل الصلاة لأن ذلك وقت الانتفاع بها لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) ولكن مع ذلك يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ولا يجوز إخراجها قبل ذلك خلافاً لمن قال من أهل العلم إنه يجوز أن تخرج بعد دخول شهر رمضان لأن الزكاة تسمى زكاة الفطر من رمضان فهي مضافة إلى الفطر وليست مضافة إلى الصيام ولولا أن الله سبحانه وتعالى يسر على عباده لقلنا: لا يجوز إخراجها بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان وأما إخراجها عن من يعول من الأولاد فهذا ليس بلازم وإنما هو على سبيل الاستحباب فقط وإلا فكل إنسان مطالب بما فرض الله عليه لقول ابن عمر (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين) ولكن إذا أخذ رب العائلة الفطرة عنهم جميعاً وهم يشاهدون ووافقوا على ذلك فلا حرج عليهم ولا عليه في ذلك.
***(10/2)
ما مقدار زكاة الفطر وعلى من تجب وهل يجوز نقلها من البلد الذي فيه المزكي إلي بلد آخر وما هو آخر وقت لإخراجها وأوله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الفطر مقدارها صاع من طعام قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فيما رواه البخاري عنه (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير والأقط) وكونها صاعاً من طعام يشمل أي نوع كان من الأطعمة فإذاً الرز والبر والتمر والزبيب والأقط كله يجوز إخراج الزكاة منه لأنه طعام وأما من تجب عليه فإنها تجب على كل واحد من المسلمين ذكراً كان أم أنثى صغيراً كان أم كبيراً حراً كان أم عبداً وأما وقت إخراجها فإن لها وقتان وقت فضيلة ووقت جواز أما وقت الفضيلة فأن تؤدى صباح يوم العيد قبل الصلاة وأما وقت الجواز فأن تؤدى قبل العيد بيومين أما إخراجها بعد الصلاة فإنه محرم ولا يجزئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة فإذا أُخرجت بعد الصلاة فقد فُعلت على وجه لم يأمر الله به ولا رسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) إلا إذا كان الإنسان معذورا مثل أن ينسى إخراجها ولا يذكرها إلا بعد الصلاة أو يكون معتمداً في إخراجها على من كان عادته أن يخرجها عنه ثم يتبين له بعد ذلك أنه لم يخرج فإنه يخرج ومثل أن يأتي خبر يوم العيد مباغتاً قبل أن يتمكن من إخراجها ثم يخرجها بعد الصلاة ففي حال العذر لا بأس من إخراجها بعد الصلاة وتكون في هذه الحال مقبولة لأن الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة من (نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وإذا كان هذا في الصلاة وهي من أعظم الواجبات المؤقتة ففي ما سواها أولى.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لتأخير الزكاة إلى ما بعد صلاة العيد لو لم يجد من يدفعها إليه حتى انتهى وقت الصلاة وصلى الناس فيكف العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الحال معذور يعني من مثله لو كان من عادته أن يعطيها شخصا معينا من الفقراء ثم إنه ذهب إليه صباح العيد ولم يجده فهذا يكون معذوراً فهذا من الأعذار.
فضيلة الشيخ: بقي الحكم في نقلها إلى بلد آخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما نقلها إلى بلد آخر فإنه لا بأس به لكن الأفضل أن يكون في بلده الذي وجبت عليه الزكاة وهو فيه فإذا كان مثلاً من أهل الرياض وكان في وقت وجوب زكاة الفطر في مكة فإنه يخرجها في مكة ولكن هذا إذا قدر أما إذا كان من خارج بلده أحوج أو أنهم يتميزون عمن في بلده بالقرابة إليه مع حاجتهم فإنه لا حرج أن يخرجها إلى هؤلاء لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل.
فضيلة الشيخ: في هذه الحالة هل الوقت يبدأ من تسليمها إلى المحتاجين أو من وقت إخراجها من نفس الشخص المزكي يعني لو كنت مثلاً أنا في الرياض ودفعتها إلى شخص في خارج مدينة الرياض ربما في منتصف شهر رمضان قلت له هذه زكاة الفطر وتدفعها لمستحقيها في وقت الوجوب هل يصح مثل هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أعطيتها إلى وكيلك في البلد الثاني وقلت هذه زكاة الفطر وأخرجها في وقتها فلا حرج والمعتبر وصولها إلى الفقير في أي بلد.
***(10/2)
يقول السائل: على من تجب زكاة الفطر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن أراد السائل من تجب عليه أي من يجب عليه إخراجها فهي تجب على كل مسلم صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى أن يخرج الفطر عن نفسه وأما إن أراد من تجب له -يعني- من تصرف إليه زكاة الفطر فإنها تصرف إلى الفقراء ليستغنوا بها عن السؤال في يوم العيد ويشاركوا الأغنياء في عدم طلب الطعام في ذلك اليوم ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) .
***(10/2)
توفيق عبد الواسع من اليمن تعز يقول هل زكاة الفطر تخرج عن كل نفر من البيت عن الصغار والكبار أم عن الكبار فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب إخراج زكاة الفطر عن الصغار والكبار والذكور والإناث والأحرار والعبيد وأما الحمل في البطن فإن أخرج عنه فهو خير وإلا فلا يجب الإخراج عنه.
***(10/2)
يقول السائل أخرجت زكاة الفطر عني وعن زوجتي فقط دون أطفالي في عامين وضاقت بنا الأحوال بسبب الغلاء المرتفع في تلك الأيام والمرتب قليل لا يفي بالحاجة وخاصة إذا كانت الأسرة كبيرة مكونة من عشرة أفراد أو أكثر وعندما فتح الله علي بعد سنتين أكملت إخراج الزكاة لذلك العام مع زكاة أطفالي فهل تجوز تلك الزكاة وهل من الممكن أن يخرج الإنسان هذه الزكاة متى ما تمكن من ذلك أم لا تجزئ إلا في وقتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الفطر واجبة لكن لوجوبها شروط ومنها أن يكون قادراً عليها وقت الفطر من رمضان وما دمت في ذلك الوقت الذي أشرت لا تجد ما تزكي به عن أطفالك فإنه لا شيء عليك وإخراجك ذلك بعد هذا يعتبر صدقة وتبرعاً منك لأن جميع الواجبات تسقط مع العجز عنها لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) .
***(10/2)
السائلة من السودان تقول أعمل موظفة في التعليم ووالدي يخرج عني زكاة الفطر عن كل عام وعلمت أخيراً أن من يتقاضى راتباً معيناً يمكنه إخراجها عن نفسه علماً بأنني عملت لمدة سنوات فهل عليَّ ذنب في عدم إخراجها بنفسي من مالي وإن كان كذلك فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل فيما فرضه الله على عباده أن يكون فريضة على العبد نفسه لا على غيره ومن ذلك زكاة الفطر فإنها واجبة على الإنسان نفسه لا على غيره لأننا لو أوجبناها على غيره لحملناه وزرها إذا تركها فنكون محمليه لوزر غيره وقد قال الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فالإنسان مخاطب بنفسه أن يؤدي صدقة الفطر عنها ولكن إذا كان له والد أو أخ كبير أو زوج وأخرجها عنه وهو راض بذلك فلا حرج عليه وعلى هذا يحمل ما ورد عن السلف في ذلك فما دمت قد رضيت بأن يخرج والدك زكاة الفطر عنك فلا حرج عليك حتى وإن كان لك دخل من راتب أو غيره.
***(10/2)
يقول السائل رأيت شخصاً يصلى إماماً بالناس وعند صلاة عيد الفطر يجلس وأمامه مكيال يسمى المد تعادل سعته سبعة كيلو غرامات من الحنطة أو من الدخن ونحن نحضر له زكاة الفطر عيناً وليس نقداً حيث نملء المد عن كل شخص في الأسرة لكنه لا يوزعها على الفقراء بل عند سقوط المطر موسم الزراعة يبيع الحبوب لحسابه الخاص ولا يخرجها هل يجوز ذلك شرعاً يا فضيلة الشيخ في نظركم وهل نكون بعملنا هذا قد أدينا الزكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل فقيراً يحتاج إلى هذه الحبوب فإنه من أهل الزكاة وصرف الزكاة إليه جائز ولكن لا ينبغي له أن يفعل هكذا لأن هذا من سؤال الناس فهو قد سأل الناس بلسان الحال وربما كان يسألهم بلسان المقال أيضاً وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من يستعفف يعفه الله ومن يستغنِ يغنه الله) فلا يليق به وهو إمام كما يظهر من السؤال أن يضع نفسه هذا الموضع وأما إذا كان هذا الرجل غنيّاً فإن دفع الزكاة إليه لا يحل ولا يجزئكم فإن أجبرتم على ذلك فادفعوا إليه مقدار الزكاة دفعاً لشره وأخرجوا الزكاة من جهة أخرى على مستحقيها.
***(10/2)
يقول السائل أتيت يوم العيد كي أؤدي زكاة الفطر فلم أجد أحداً من المساكين فماذا أفعل وهل علي إثم في هذه الحالة إن تركت الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من أراد أن يخرج زكاة الفطر أن يعرف من يخرجها إليه قبل يوم العيد حتى إذا جاء يوم العيد إذا هو قد عرف من يعطيها ومعلومٌ أن الأفضل في دفع زكاة الفطر أن يكون يوم العيد قبل الخروج إلى الصلاة لكن الذي يظهر من حال هذا السائل أنه قد فرط وأهمل ولم يهيئ في فكره أحداً يدفع إليه زكاة الفطر حتى إذا صار يوم العيد ذهب يبحث وهذا خطأ منه والواجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفر الله ويقضي زكاة الفطر أي يدفعها إلى مستحقيها ولو بعد فوات يوم العيد أما من تعمد أن يترك دفعها حتى انتهت الصلاة فإنها لا تجزئه عن زكاة الفطر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (من أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات) .
***(10/2)
يقول السائل ماذا يجب على من لم يدفع زكاة الفطر لعدم معرفته للمستحقين حتى انتهى شهر رمضان ولم يخرجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: زكاة الفطر لا تجب إلا إذا انتهى شهر رمضان لأن وقت وجوبها هو غروب الشمس ليلة عيد الفطر هذا وقت الوجوب فإذا جاء ذلك الوقت وليس حوله مستحق فإنه لا بأس أن يبقيها عنده حتى يجد لها مستحق ولو بعد العيد لكن لا ينبغي للإنسان أن يهمل هذا الإهمال بل ينبغي له أن يحتاط من الأصل فإذا علم أنه ليس في بلده من هو أهل فإنه من الأصل يرسل بها إلى بلاد أخرى تستحقها حتى يدفعها في الوقت الذي يجب أن تدفع فيه.
***(10/2)
هل تجوز زكاة الفطر نقداً أم لا وما مقدارها من الحبوب مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجوز زكاة الفطر نقداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من التمر والشعير كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعير) وقال أبو سعيدٍ الخدري (كنا نخرجها على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والأقط) أربعة أصناف فهي أعني زكاة الفطر لا تجوز إلا من الطعام ولا يجوز إخراجها من القيمة ولا من اللباس ولا من الفرش ولا أن يبنى بها مساكن للفقراء بل يجب أن تخرج مما فرضه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الطعام ولو كانت القيمة معتبرة لم تكن الأجناس مختلفة إذ أن صاعاً من الشعير قد لا يساوي صاعاً من التمر أو لا يساوي صاعاً من البر أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فالواجب إخراج زكاة الفطر من الطعام وكل أمةٍ طعامها قد يختلف عن الأمة الأخرى وهذه القيمة التي تريد أن تدفعها اشتري بها طعاماً وأخرجه وتسلم وتبرأ بذلك ذمتك ونحن لا ننكر أن بعض العلماء قال يجوز إخراجها من القيمة ولكن المرجع عند النزاع إلى ما في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا علمنا أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام إخراج زكاة الفطر من الطعام فلنستمسك بهذه السنة.
***(10/2)
يقول السائل عندنا إمام مسجد وفي خطبة العيد حلل زكاة الفطر أنها تعطى فلوس فما رأي سماحتكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أشرنا في الجواب على السؤال الذي قبل هذا إلى الجواب في هذه المسألة وأنه لا يجوز إعطاء الفطرة من الفلوس وذلك لأن الشرع إنما ورد بفرض صاع من طعام ومن أجناس مختلفة، مختلفة النوع ومختلفة القيمة ما بين زبيب وشعير وتمر وأقط ولو كان المقصود القيمة لعينه بواحد من هذه الأنواع وما يساويه من الأنواع الأخرى لا أن تقدر بصاع معين ثم إن إخراجها من الدراهم يضفي عليها صورة الخفاء وهي إذا كانت من الطعام تكون أشهر وأعلن يعرفها أهل البيت كلهم وكذلك تكون ظاهرةً يأخذها كل إنسان يؤديها إلى الفقير بشكل واضح بين , أما إذا كانت من الدراهم فإنها تكون خفية وربما ينساها المخرج وربما يقدرها بما هو أقل من القيمة وتعترضها آفات كثيرة لهذا نرى أن القول بجواز دفع الفلوس عن الفطرة قول ضعيف وأن الصواب أنه لا يجوز إخراجها إلا مما فرضه الشرع من الطعام.
فضيلة الشيخ: بعض السائلين يقولون نحن دفعنا نقود فهل تجزئ هذه النقود التي دفعت في السنوات الماضية أو يلزمهم دفع زكاة أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان دفعهم إياها مجرد استحسان منهم فإنه يجب عليهم إعادتها لأنهم تصرفوا عن غير علم أما إذا كان استنادا إلى فتوى من يرونه أعلم منهم وهو أهل لذلك فإنه لا شيء عليهم وإثمهم على من أفتاهم.
***(10/2)
السائل م س س يقول في بلدنا نقوم بإخراج زكاة الفطر على شكل نقود وإذا أردنا أن نخرج مما سنَّهُ الرسول صلى الله عليه وسلم من بر أو شعير أو أرز قد لا نجد من يأخذ منا ذلك فوجهونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إخراج زكاة الفطر نقودا غلط ولا يجزئ صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه وثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر (قال فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير) فرضها صاعا من تمر أو صاعا من شعير والفرض يعني الواجب القطعي لكن بعض أهل العلم رحمهم الله جوز أن يخرجها من النقود فمن قلد هؤلاء وأخرج فهي مجزئة إذا كان لا يعلم الحق في هذه المسألة وأما من علم أنه لابد أن تكون من طعام ولكنه أخرج النقود لأنها أسهل له وأيسر فإنها لا تجزئه لكن الصورة التي ذكرها السائل إذا لم نجد من يقبل الطعام يعني ما وجد أحداً يقبل الرز ولا التمر ولا البر وأنهم لا يقبلون إلا النقود فحينئذ نخرجها نقودا فنقدر قيمة الصاع من أوسط ما يكون ونخرجها.
***(10/2)
باب إخراج الزكاة - حكم تأخير الزكاة وحكم تعجيلها , حكم الزكاة في مال الصغير واليتيم - النية في إخراج الزكاة , التوكيل في إخراجها وحكم أخذ الوكيل منها - حكم إخراج النقود بدل عن المقدار الواجب(10/2)
يقول السائل ما حكم تأخير الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يؤخر الزكاة إذا وجبت بل يجب عليه أن يبادر بدفعها إلى مستحقيها لأنها حقٌ لغيره عليه والواجب على الإنسان أن يبادر بدفع حق الغير إليه لكن إن أخر دفعها زمناً قليلاً لمصلحة المدفوع له مثل أن يؤخرها لوقتٍ يكون فيه الفقراء أشد حاجة أو يؤخرها ليبحث عن مستحق وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به لكن لا يؤخرها زمناً طويلاً بل شهراً أو شهرين أو نحو ذلك.
***(10/2)
من سوريا السائل م. ب. س. يذكر بأنه شاب يبلغ من العمر الثالثة والعشرين يقول ومنذ طفولتي كنت متهاون في العبادات أصلى شهر ثم أترك شهر أصوم سنة ثم أترك سنتين وأرتكب بعض المعاصي ولكن الحمد لله تاب الله عليَّ وتبت إلى ربي توبةً نصوح ماذا علي أن أفعل بما فاتني من معاصي وكبائر الذنوب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تاب إلى الله توبةً نصوحاً صادقاً في توبته فإن التوبة تهدم ما قبلها ولا يلزمه أن يقضي صلاةً ولا صياماً ولا زكاةً إذا كان قد ملك المال ولم يتم عليه الحول أما إذا كان قد تم عليه الحول فإن الواجب عليه إخراج زكاة ما سبق لأن الزكاة يتعلق بها حق الغير فلا بد من إيصال الحقوق إلى أهلها وقد يقول قائل إنه حتى الزكاة تسقط عنه لأن الزكاة يغلب فيها جانب العبادة الخاصة لله عز وجل ولكن الاحتياط أن يؤدي الزكاة مثال ذلك رجل يترك الزكاة تهاوناً لمدة أربع سنوات مثلاً ثم تاب فنقول له أدي زكاة أربع سنوات التي مضت لأن الزكاة فيها حقٌ للغير فليؤدى إليه حقه وهذا أحوط وأبرأ للذمة أما العبادات التي بينه وبين ربه فإنها تسقط بالتوبة ولا يلزمه قضاؤها.
***(10/2)
هل يجوز إخراج زكاة المال في أي شهر من شهور السنة أم يتحتم إخراج الزكاة في شهر رمضان المبارك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يتحتم إخراج الزكاة في رمضان بل يخرج الإنسان زكاته إذا تم حوله أي حول ماله ولا يجوز أن يؤخرها إلا شيئاً يسيراً يؤخرها لينظر من هو أحوج أو لزمان فاضل غير بعيد وأما أن يؤخرها إلى زمان بعيد فإن ذلك لا يجوز لأن الزكاة يجب إخراجها على الفور لأنها من الواجبات والأصل في كل الواجبات أن يقوم الإنسان بها فوراً إلا ما قام الدليل على جواز التراخي فيه.
***(10/2)
يقول السائل عندي مبلغ من المال جمعته منذ عدة سنوات ويتزايد سنة بعد أخرى ولكني منذ أربع سنوات لم أزكه وأريد الآن تزكيته فهل أزكي عن السنوات الماضية أم عن السنة الحالية فقط وكم أخرج للزكاة منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عندك نقد مضى عليه عدة سنوات لم تزكه فإنك آثم في تأخير الزكاة لأن الواجب على المرء أن يؤدي الزكاة فور وجوبها ولا يؤخرها لأن الواجبات الأصل وجوب القيام بها فوراً وعلى هذا فإنك آثم بهذا التأخير فعليك أن تتوب إلى الله عز وجل من هذه المعصية وعليك أن تبادر الآن بإخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنوات ولا يسقط عنك شيء من هذه الزكاة بل عليك أن تتوب وتبادر بالإخراج حتى لا تزداد إثماً بالتأخير.
فضيلة الشيخ: كيف يُقدِّر الزكاة في الأربع سنوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يُقدِّرها بحيث يعرف كم كان ماله كل سنة ومعلوم أن الأموال النقدية فيها ربع العشر فيخرج ربع العشر من المال عن كل سنة وهو يرجع إلى ما مضى كم كان ماله عند الحول الأول وعند الحول الثاني وعند الحول الثالث وعند الحول الرابع حتى يتبين له وإذا كان في شك من هذا الأمر فإنه يتحرَّى ويحتاط في إبراء ذمته.
فضيلة الشيخ: إذاً في المال الذي يثبت عنده في الحول المتأخر هل ينقص منه ما أخرجه في الحول الذي قبله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا مثلا إذا كان عند الحول الأول عشرة آلاف يخرج زكاة عشرة آلاف عن الحول الأول وعند تمام الحول الثاني صار عشرين ألفاً فإنه يخرج عن العشرين ألفاً كلها وعند الحول الثالث صار ثلاثين ألفاً يخرج عن ثلاثين ألفاً وعند الحول الرابع صار أربعين ألفاً يخرج عن أربعين ألفاً وهكذا.
فضيلة الشيخ: لكن نقصد إذا كان المبلغ ثابت بعدد معين فهل في كل سنة ينقص الذي أخرجه في التي قبله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا إذا كان ثابتاً لا يزيد فإنه لا ينقص مقدار الزكاة التي تجب عليه لأن الصحيح أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة هو مثلا إذا كان عنده عشرة آلاف ريال فإنه يجب عليه أن يزكيها كل سنة عن أربع سنوات نفس العشرة لأن الزكاة لا تمنع الوجوب.
***(10/2)
يقول السائل شخص ترك بلده إلى بلد آخر طلباً للعلم وقد جمع مالاً من المحسنين ومن بعض المكافآت والمساعدات التي تلقاها ويريد العودة إلى بلاده وقد حال الحول على هذا المال ولو أخرج زكاته ربما لا يكفيه الباقي للعودة إلى بلده فما الحكم لو أجل الزكاة إلى ما بعد وصوله إلى بلده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وجوب إخراج الزكاة على الفور ولكنه إذا كان يتضرر بإخراجه على الفور فلا حرج عليه أن يؤخره حتى يقدم إلى بلده إذا كان قدومه إلى بلده يتأخر تأخراً يسيراً كالشهر والشهرين أما إذا كان يتأخر لمدة طويلة فإنه يخرج الزكاة عما في يده من المال وهو إذا نفذ ما عنده فلا يمكنه أن يصل إلى بلده فيستطيع أن يأخذ باسم الزكاة ما يوصله إلى بلده لأنه يكون حينئذ من أبناء السبيل.
***(10/2)
يقول السائل رجل ترك إخراج زكاة ماله لسنوات, ماذا يجب عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليه الزكاة فيجب عليه عند تمام الحول أن يزكي المبلغ الموجود لسنتين إذا كان تركه سنة وإن تركه سنتين زكى ثلاثاً وهكذا مثال ذلك رجلٌ عنده عشرة ألف ريال بقيت ثلاث سنوات لم يخرج زكاتها يجب عليه أن يخرج زكاة هذه العشرة آلاف لمدة ثلاث سنوات.
***(10/2)
ماحكم إخراج الزكاة من الراتب عن كل شهر رغبة في تعجيلها حتى ولو كان موظفاً عليه دين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج بهذا جزاه الله خيراً هذا من باب التعجيل يعني لو كان الإنسان كلما قبض الراتب أخذ زكاته حالاً فإنه لا بأس بذلك وإن شاء فإذا دار الحول على الراتب الأول أدى الزكاة عن الجميع فيكون بالنسبة للحول الأول قد أدَّى زكاته في وقتها وبالنسبة للأشهر التالية قد عجَّل زكاتها وتعجل الزكاة لا بأس به وهذا أيسر وأسهل أنه يجعل لزكاته شهراً معيناً وهو الشهر الذي تجب فيه زكاة الراتب الأول ويمشي على هذا ويكون ما وجبت زكاته قد أديت زكاته في وقتها وما لم تجب تكون زكاته معجلة والصورة الأولى التي ذكرها السائل أيضاً فيها راحة كلما قبض شيئاً زكاه على طول.
***(10/2)
ماحكم تقديم دفع زكاة المال قبل وقتها وما حكم تأخيرها بعد الحول بفترةٍ قصيرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقديم الزكاة قبل وجوبها جائز بشرط أن يكون التقديم عن مالٍ موجود أي أن يكون النصاب تاماً فإن قدم والنصاب لم يتم فإنه لا يصح لأن الزكاة لم تجب بعد فإذا كان للإنسان مال ورأى أن يقدم زكاته لسببٍ من الأسباب فلا حرج في ذلك بل إن المصلحة إذا اقتضت تقديمه كان تقديمه من الأمور الفاضلة المطلوبة ولكن أهل العلم يقولون إنه لا يقدم إلا لحولين فقط لا لأكثر يعني مثلاً عليك زكاة 1409هـ تحل في محرم والزكاة الأخرى في شهر محرم تحل في شهر محرم عام 1410هـ والزكاة الأخرى تحل في محرم 1411هـ يجوز لك أن تقدم زكاة 1409هـ وزكاة 1410هـ لكن لا يجوز أن تقدم زكاة زكاة سنة 1412هـ فيجوز تعجيل الزكاة لحولين فقط أما تأخيرها عن وقت الوجوب فإنه لا يجوز بل تجب المبادرة لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يموت وتنسى هذه الزكاة أو يتهاون بها ورثته أو يكون هناك موانع وعوارض تعرض وتحول بين الإنسان وبين إخراج الزكاة إلا أنه إذا أخرها من أجل أن ينظر في المستحق لكونه لا يعرف المستحقين من أول وجوب الزكاة وهذا يكون كثيراً في الأموال الكثيرة أي في الأموال التي زكاتها كثيرة فإن الإنسان لا يتمكن من صرف هذه الأموال الكثيرة عند أول وجوبها فحينئذٍ لا حرج أن يعرف مقدار الزكاة ويقيده ويخرج منه شيئاً فشيئاً وإذا حصل في مثل هذه الحال أن يفتح حساباً خاصاً بالزكاة عند أحد الذين يتقبلون مثل هذا فلا حرج أن يفتح حساباً لأجل أن يحول عليه فمثلاً إذا قدر أن زكاته خمسمائة ألف ولا يستطيع أن يفرقها عند أول وجوب الزكاة ففي هذه الحال يجعل هذه الزكاة عند شخص ويأخذ منه وثائق بإذن التحويل عليه ويحول عليه كلما وجد أهلاً للزكاة وهذا أحسن من كون الإنسان يقدم ويؤدي الزكاة حتى إلى غير أهلها لأن الإنسان إذا أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل منه لقول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
***(10/2)
يقول السائل قمنا بافتتاح محل لبيع المواد الغذائية في شهر ربيع الأول والمعروف أن الزكاة تكون عند دوران الحول وأريد أن أخرج الزكاة في شهر رمضان فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فتح هذا المحل لا يخلو إما أن يكون بدراهم كانت عندكم وإما أن يكون بالاستدانة أي أن تشتروا بضائع في ذممكم فإن كان بالأول أي أنكم افتتحتم المحل بدراهم كانت عندكم فإن حول الزكاة يكون من ملككم الدراهم التي قبل افتتاح المحل فمتى دارت السنة على ملككم لهذه الدراهم وجبت الزكاة وأما إن كان الثاني وهو أنكم استدنتم البضاعة من أجل أن تتاجروا بها فإن ابتداء الحول يكون من استدانتكم ذلك فإذا تم الحول وجبت الزكاة عليكم ولكن لا مانع من أن يقدم الإنسان زكاته في رمضان قبل حلول وقتها ويكون هذا من باب التعجيل أعني تعجيل الزكاة وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل.
***(10/2)
يقول السائل توفيت زوجتي وتركت مبلغاً من المال مودعاً في حسابها بأحد البنوك الإسلامية والمبلغ مقسم بين الأولاد والزوج والوالدين ونصيب الأولاد يوقف البنك صرفه لحين بلوغ الأولاد القُصَّر سن الرشد والسؤال هو هل تجب الزكاة في نصيب الأولاد الممنوع صرفه من البنك وهل تجب على المبلغ جملة واحدة أم على نصيب كل طفل على حدة علماً بأن المبلغ الذي يخص الأولاد حوالي أربعة آلاف ونصف جنيه مصري تقريباً يخص كل طفل حوالي ألف جنيه وإذا وجبت الزكاة فهل تدفع عن كل سنة من الآن أم تدفع جملة واحدة بعد صرف المبلغ مستقبلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح من أقوال أهل العلم أن الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون وذلك لأن الزكاة حق المال كما قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تأخذ من أغنيائهم وترد وعلى فقرائهم) وعلى هذا فمال هؤلاء الأيتام القُصَّر تجب فيه الزكاة ولكن إذا كان عند البنك وقد منعهم منه ولا يتمكنون من استخراجه من البنك فإنه لا زكاة عليهم مدة حجز البنك له لأنهم غير قادرين على الانتفاع بمالهم فهو كالدين على المعسر فإذا قبضوه من البنك فإنه يزكون زكاة واحدة فقط لسنة واحدة.
***(10/2)
من المقدمين محمد صالح جمعان الزهراني ومحمد علي دخيل الزهراني يقولان في سؤالهما نرجو إرشادنا عن مبلغ عند رجل أمانة وصاحبه يتيم ومنعه من الزكاة أن يخرجها فعلى من يكون الإثم على الأمين أم على اليتيم علماً بأن اليتيم بلغ الرشد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا بلغ اليتيم الرشد فإنه تزول ولاية وليه لأنه استقل بنفسه فيجب دفع ماله إليه لقوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فلا يجوز للولي أن يبقي مال اليتيم بعد رشده تحت يده بل يجب عليه أن يدفعه له وأما منعه من الزكاة فالإثم على المانع ولكن هذا لا يسقط وجوب الزكاة فإذا قبضه هذا اليتيم فإنه يؤدي زكاته لما مضى لأنه لم يمنعه من التصرف في المال والانتفاع به بل إنما منعه من أداء الزكاة فمتى قدر على أداء الزكاة ولو بعد حين وجب عليه أداءها.
فضيلة الشيخ: لكن المانع هو اليتيم الذي منع
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا فهمت من السؤال أنا المانع الأمين.
فضيلة الشيخ: إذاً لابد من الإجابة على الوجهين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس إذا كان المانع الأمين فهو على ما قلت أنا وإذا كان المانع اليتيم فاليتيم هو الآثم ولا حكم لمنعه أيضاً لأن للولي السلطة فيستطيع أن يخرج الزكاة ولو كان اليتيم ممانع ما دام اليتيم لم يبلغ رشده.
***(10/2)
السائل سعيد مزين من أديس أبابا اثيوبيا يقول لي أخت ولها خمسة من الأولاد وقد بلغوا الحلم ووالدهم قد مات قبل ثلاثة عشرة سنة وقد ظلوا وأولادها منذ فراق أبيهم تحت كفالتي عليهم أعني أنا وأخي الكبير في كل ما يسد المعاش وقبل سنة تطوع بعض أهل الخير بمبلغ من المال لشراء مسكن لها ولأولادها ولكن بسبب الانتظار لمزيد من المال استكمالا لما استلمناه سابقا فقد حال الحول على هذا المال والسؤال هل تجب الزكاة في هذا المال مع أننا لا نأخذ منه شيئاً ولو لنفقتهم وما أشبه ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة واجبة في هذا المال لأنه إما مال المتبرع وإما مال الأيتام وأمهم فلا بد من إخراج الزكاة منه حتى يشترى به عقار.
***(10/2)
شخص نسي أن يزكي ماله فتصدق مرة على أحد الفقراء ثم ذكر بعد مدة أنه لم يزك فنوى تلك الصدقة الزكاة هل يجزئه ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجزئه ذلك لأنه دفع المال الأول بنية الصدقة ولم يكن يخطر بباله الزكاة ومعلوم أن الصدقة تطوع والزكاة فريضة وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وعليه أن يقدر الزكاة الواجبة عليه التي كان نسيها من قبل.
***(10/2)
يقول السائل هل تعطى الزكاة على أنها هدية أو مساعدة بنية الزكاة لقد حصل هذا مني فماذا عليّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أعطيت الزكاة على أنها هدية ولم يفهم الآخذ إلا انها هدية فإنها لاتجزئ لأنه لا يجوز للإنسان أن يجعل الزكاة وقاية لهداياه ولكن نعطيها بنية الزكاة ثم إن كان الآخذ ممن يعتادوا أخذ الزكاة وقبلها فهي زكاة ماضية وإذا كان الآخذ ممن لا يقبل الزكاة فأعطيته الزكاة وأخفيته عليه أنها زكاة فإنها لا تجزئ بل لا بد أن يعلمه بأنها زكاة حتى يقبل أو يرد وهذه مسألة يقع فيها كثير من الناس يكون الآخذ ممن لا يأخذون الزكاة ويتعففون عنها ولكنه من أهل الزكاة فيأتي بعض المحسنين ويدفع إليه زكاته بنية الزكاة وهو يعلم أنه لو أخبره بأنها زكاة لم يقبل وهذا خطأ بل إذا كان الآخذ ممن لا يقبل الزكاة وجب على المعطي أن يبين له أنها زكاة ثم إن شاء قبلها وإن شاء ردها.
***(10/2)
ما الحكم إذا وكل رجلٌ غيره في أداء الزكاة فمن الذي تلزمه النية هل هو الموكل أو الوكيل وهل تجب الزكاة على الدائن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وكل شخصاً في دفع الزكاة فمن المعلوم أن الموكل سوف ينوي عند تسليم الدراهم مثلاً أنها زكاته وهذه النية كافية أما الموكل فيلزمه عند الدفع أن ينوي أنها زكاة فلان الذي وكلني وأما الدائن فإن عليه الزكاة إذا كان مدينه غنيّاً باذلاً أما إن كان المدين فقيراً أو مماطلاً لا تمكن مطالبته فإنه لا زكاة في هذا الدين لكن إذا قبضه فإن عليه أن يزكيه سنةً واحدة لما مضى وإن كان قد بقي سنوات كثيرة.
وهل الأفضل للإنسان أن يدفع زكاته بنفسه أو يعطيها لوكيلٍ يدفعها عنه؟ والجواب أن الأفضل أن يدفعها بنفسه لأنه بذلك يباشر عبادةً من العبادات ولأنه أطمن لقلبه وأوثق في دفع زكاته لكن إذا كان لا يعرف المستحقين أو كان يرى أن هذا الوكيل أعرف منه وأفقه في الزكاة فإنه في هذه الحال يوكله لأن هذا أقوم لمصلحة الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل إذا كان المدين أخرج الزكاة عن الدين الذي عليه بدون إذن صاحبه وأخرجها ليس عن نفسه ولكن عن صاحب الدين فهل تجزئ عن صاحب الدين أو يلزمه إخراجها مرة أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل من أخرج زكاة عن شخص لم يوكله فإنها لا تجزئه عنه لأن الزكاة لابد فيها من النية وليست كقضاء الدين قضاء الدين إذا قضيت ديناً عن شخص بدون إذنه ونويت الرجوع عليه ترجع عليه أما الزكاة فإنها لا تصح إذا أخرجتها عن شخص بدون توكيله وذلك لأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية لمن هي عليه وإذا لم يوكلك فإنك تكون قد أخرجتها عنه بدون نية منه وحينئذ لا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .
***(10/2)
تقول السائلة هل يجوز للمرأة أن تزكي عن نفسها أو يزكي عنها زوجها علما بأن ليس لها مال غير الحلي من الذهب وإذا كان لديها مال هل تزكي منه أم يزكي الزوج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة واجبة على الإنسان نفسه إذا ملك النصاب من المال الزكوي وحلي المرأة من الذهب والفضة من الأموال الزكوية فيجب على المرأة إذا بلغ حليها نصابا من الذهب يجب عليها أن تزكيه وفيه ربع العشر فإن قام زوجها عنها بزكاته فهو مشكور على ذلك ويجزئها وإن لم يقم فإن كان عندها مال زكت منه وأبقت الذهب على ما هو عليه وإن لم يكن لها مال فإنها تبيع من الذهب بقدر الزكاة وتخرج الزكاة وإن قال قائل إذا أو جبتم عليها الزكاة فإنه على مر السنين سوف لا يكون عندها حلي؟ الجواب على هذا أن هذا الحلي إذا بلغ قدرا ينقص عن النصاب فلا زكاة فيه فحينئذ لا يمكن أن تعدم هذا الحلي، أما مالها غير الحلي فهي أيضا تزكيه هي ولكن إن شاء زوجها أن يزكي عنها فلا حرج.
***(10/2)
يقول السائل: إذا كان لزوجتي مثلاً أو لأحد أقربائي مال يودع عندي وأختلط بمالي بإذن صاحبه فهل زكاته إذا حال عليه الحول تكون علي أو على صاحبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تكون زكاته على صاحبه وليست عليك لأنك لست مالكاً له إلا إذا أذن لك باستقراضه إذا أخذته قرضاً فإنك إذا أخذته قرضاً ملكته فإذا ملكته صار من جملة مالك تزكيه مع مالك.
فضيلة الشيخ: وليس على صاحبه زكاة في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صاحبه فإن عليه الزكاة فيه أيضاً مادام المقترض غنيّاً أي ساعة يطلب منه القرض يرده عليه هذا هو القول الراجح في هذه المسألة ويرى بعض أهل العلم أن من عليه دين فإنه لاتجب الزكاة فيما يقابل ذلك الدين وبناءً على هذه القول يكون هذا المقترض ليس عليه زكاة فيما يقابل ما استقرضه من صاحبه ولكن عموم الكتاب والسنة تدل على وجوب الزكاة فيمن عنده مال ولو كان عليه دين إلا أنه إذا كان دينه قد حل قبل وجوب الزكاة فإن الزكاة تسقط عنه في هذه الحال لأنه روي عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول (إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه) يعني ثم يؤدي زكاته بعد.
***(10/2)
يقول السائل أهالي قبيلتنا يجمعون الزكاة ويعطونها الفقيه فيقولون من صام يجب أن يعطيها الفقيه وهي زكاة البدن هل هم على حق أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الفقيه أميناً يعطيها الفقراء المستحقين لها فلا بأس أن يدفع الناس زكاتهم إليه ولكن يكون الدفع قبل العيد بيومٍ أو يومين ويكون إيصاله هو إلى الفقراء قبل صلاة العيد أما إذا كان الفقيه يأخذها لنفسها بحجة أنه فقيه وهو غنيٌ عنها فإنه لا يجوز إعطاؤه إياها وهو أيضاً لا يحل له أن يأخذها وهو غير أهلٍ لها.
***(10/2)
تقول السائلة كان لزوجي صديق له يعمل سائقاً عند الأثرياء وكان هذا الرجل الثري يذبح العديد من الذبائح لتوزيعها على الفقراء فكان هذا السائق يأتي لنا ببعض اللحوم ويقول بأنه لا يجد من يعطي لهم هذه اللحوم رغم أن حالتنا المادية ميسرة فهل هذه اللحوم حرام علينا أم لا وإذا كان حراماً فماذا يجب علينا مقابل ما أخذناه من اللحوم نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا المال الذي يتصدق به هذا الغني قد نص على أنه للفقراء فإنه لا يجوز للغني أن يأخذ منه لكن لو تصدق به على فقير ثم الفقير تبرع به لغني فلا بأس لأن الفقير لما تصدق به عليه صار ملكاً له يتصرف فيه بما يشاء أما إذا قال الغني هذه الذبائح وهذه الأطعمة وهذه الألبسة صدقة ولم يقل للفقراء فإن الغني له أن يأخذ منها لكنه لا ينبغي أن يأخذ منها مع وجود محتاج لها لأن المحتاج أحق.
***(10/2)
يقول السائل يوجد في منطقتنا فرع لجمعية خيرية هل يجوز أن أدفع شيئاً من زكاة مالي فيها لهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القائمون على هذا الفرع الخيري ممن يوثق بهم في دينهم وعلمهم فلا بأس أن تدفع إليهم من زكاتك وتخبرهم بهذا أي بالزكاة لئلا يصرفها مصرف الصدقات أما إذا كنت لا تعرف عن حالهم فالأفضل أن تؤدي ذلك بنفسك بل الأفضل أن تؤدي ذلك بنفسك مطلقاً لأن كون الإنسان يباشر نفسه مطلقاً لإخراج الزكاة بنفسه ويطمئن إلى وصولها إلى أهلها ويثاب ويؤجر على تعب وصولها إلى أهلها أولى من كونه يعطيها لمن يؤديها عنه.
***(10/2)
السائل م. ت.ت من مكة المكرمة يقول سلَّمني أحد أصدقائي مبلغاً وقدره خمسة آلاف ريال من زكاة ماله وعمدني أن أوزعها على الفقراء والمساكين وكنت في ذلك الوقت محتاجاً لهذا المال حاجة ملحة وعلي دين ولم أستطع قضاءه وقد أخذت هذا المال وقضيت به ديني بدون علم منه وأخبرته أني وزعت المال على الفقراء فما حكم عملي هذا وهل يعتبر بذلك قد أدى زكاته أم لا
فأجاب رحمه الله تعالى: إن تصرفك هذا خطأ عظيم حيث كذبت على صاحبك الذي وكلك وزعمت أنك أديته للفقراء وكان الواجب عليك إذا كنت في حاجة إليه وكنت من أهل الزكاة أن تستأذن منه قبل أن تتصرف فيه وأن تقول له هل تسمح لي أن أقضي به ديني فإذا سمح لك بهذا فلا شيء فيه ولكن حين حصل منك ما حصل فعليك أن ترجع إلى صاحبك وأن تخبره بما فعلت وأن تستسمح منه ثم إن سمح لك وأجاز تصرفك بصرف هذا المال إلى الدين الذي عليك فإنه صحيح تبرأ ذمته من زكاته وتسلم أنت من الإثم وأما إذا لم يأذن لك فإنه يجب عليك أن ترد إليه المبلغ وهو يخرج الزكاة عن نفسه لأن الزكاة لم تبلغ محلها.
***(10/2)
يقول السائل رجل فقير وله صديق غني موسر وحينما يريد صديقه الغني دفع الزكاة يقول له هذا الفقير أعطني جزءاً من المال أنفقه لك على بعض الأسر المحتاجة وهو يعني نفسه ولكنه يستحي أن يصرح له بحاجته فيعطيه المال على أن يوزعه على المحتاجين فيأخذه وهو محتاج فعلا فهل يجوز أخذ الزكاة بهذه الطريقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا محرم عليه ولا يجوز وهو خلاف الأمانة لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره وهو يأخذه لنفسه وقد ذكر أهل العلم بأن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكل فيه لنفسه وعلى هذا فإن الواجب عليه الآن أن يبين لصاحبه بأن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه على نفسه فإن أجازه فذاك وإن لم يجزه فإن عليه الضمان أي على هذا الذي تصرف هذا التصرف عليه أن يضمن ما أخذه لنفسه ليؤدي الزكاة عن صاحبه وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة يفعلها بعض الناس الجهال وهو أنه يكون فقيراً ويأخذ من الزكاة ثم يغنيه الله فيعطيه الناس على العادة على أنه لم يزل فقيراً ثم يأخذها فمن الناس من يأخذها ويأكلها ويقول أنا ما سألت وهذا رزق ساقه الله إليَّ وهذا محرم ولا يجوز لأن من أغناه الله تعالى حرم الله عليه أن يأكل شيء من الزكاة ومن الناس من يأخذها ثم يعطيها غيره بدون أن يوكله صاحب الزكاة وهذا أيضا محرم ولا يحل له أن يتصرف هذا التصرف وإن كان دون الأول لكنه محرم عليه أن يفعل هذا ويجب عليه ضمان الزكاة لصاحبها إذا لم يأذن له ويجز تصرفه وإذا كان هذا صادقا فإنه يقول لصاحب الزكاة الذي أعطاه أنا قد أغناني الله ولكني إذا تحب أن أعطيها من أراه أهلا فإن أذن له وإلا فليردها إليه.
***(10/2)
السائلة أي ش تقول نحن عائلة وزوجي يعمل في الصباح براتب بسيط لا يكفي إيجار الشقة التي نعيش فيها ويعمل في آخر النهار على حسب رزق الله له حتى نؤكل منه الأولاد وربما جاءه رزق في يوم وأحياناً يمر عليه اليوم واليومان والأسبوع لا يأتي له رزق وفي كثير من الأحيان كنا لا نجد ما نطعمه الأولاد وكنا نتعفف ولا يشعر بنا أحد ولا يعرف أحد بأننا فقراء ولنا أصدقاء أثرياء لا يعرفون أننا فقراء ولا يعرفون فقراء يعطونهم زكاة أموالهم وسألتني ذات يوم واحده منهن إن كنت أعرف أحد الفقراء ممن يستحق الزكاة زكاة المال ولكن بشروط أن يكون ملتزمين بالصلاة وبالحجاب الشرعي وهذه الشروط تنطبق علينا وقلت لهم نعم وقصدت العائلة أي عائلتنا وأناس آخرين فقراء نعرفهم وكانت تعطينا راتب شهري لكل عائلة من الفقراء مبلغ بسيط وأخذت منهم على أننا عائلة من الفقراء وطلبت صاحبة المال أن نعرف اسم لكل عائلة نأخذ منها هذا المال وبعض البيانات عن العائلة مثل العدد وغير ذلك لتحدد لكل عائلة مبلغ مناسب وذكرت لها عائلتنا وبينت لها بأسماءنا لأننا غير مشهورين لأنني أستحي أن تعرف بأننا فقراء فهل علي إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليك إثم في هذا لأن الواجب أن تقولي الحق ولا ضرر على الإنسان أن يبين حاله فإن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وقد قال الرجل الذي أصاب أهله في رمضان وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه ماذا يجب عليه فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليه أن يعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا وكل هذا يقول الرجل لا أستطيع ثم جلس الرجل فجيء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتمر فقال (خذ هذا تصدق به فقال أعلى أفقر مني فوالله يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال أطمعه أهلك) فهذا الرجل وصف نفسه بأنه ما من أهل بيت بين لابتيها أفقر منه بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقل له شيئاً فالواجب إذا أُعطيتم مالاً للفقراء أن تصرفوه لغيركم وإذا كنتم مستحقين أن تقولوا لمن أعطاكم أعلى مستحق أحق منا كما قال هذا الرجل ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني ولا حرج عليكم في هذا وما حصل منكم من قبل فأخبروا الآن الذي أعطاكم بأنكم أخذتموه نظراً لكونكم مستحقين له وثقي بأن هؤلاء الذين أعطوكم لا يعارضون ما تصرفتم به وفي غالب ظني أنكم إذا أخبرتموهم سوف يسمحون لكم عن ما مضى وسوف يحسبون حسابكم في المستقبل وتكون على بينة وعلى برهان وإنني بهذه المناسبة أقول إن الوكيل والولي والوصي والناظر لا يحل لهم أن يتصرفوا فيما هم عليه بما فيه حظ لأنفسهم فالوكيل هو الذي يتصرف للإنسان بإذنه في حياته مثل أن أوكل شخصاً يشتري لي سيارة فيقيد سيارته لي ويعطيني إياها ولا يخبرني بالواقع هذا حرام عليه أو إنسان أعطيته دراهم وكلته ليوزعها على الفقراء وهو فقير فيأخذ منها بلا إذني هذا حرام عليه لأنني لو أردت لقلت خذ أو قلت خذ هذه وزعها الفقراء وإن كنت محتاجاً فخذ منها. والوصي هو الذي يوصى إليه بعد موت الموصِي مثل أن يقول ثلثي على فلان فهذا الرجل الذي هو الوصي لا يجوز أن يأخذ شيئاً من المال الذي هو وصي عليه ولو قرضاً وبعض الناس يجهل هذا الأمر يكون بيده مال ثلث فإذا احتاج أخذ منه قرضاً ليرده وهذا حرام حتى إن كان واثقاً من نفسه أنه سيرده لأنه لا يدري عن المستقبل قد تختلف الأمور فيفتقر وقد يموت فيضيع حق الموصِي وأما الناظر فهو المتصرف في الوقف مثل أن يقول الإنسان وقفت هذا البيت ويذكر الجهة التي وقفها عليها ثم يقول والناظر فلان فهذا الناظر لا يحل له أن يتصرف في هذا الوقف بشيء فيه حظ له لأنه مؤتمن. وأما الولي وهو الرابع ممن يتصرف في مال غيره فهو ولي اليتيم أو السفيه أو ما أشبه ذلك فهذا أيضا لا يحل له أن يتصرف في مال من هو ولي عليه لحظ نفسه فلو قال ولي اليتيم أنا عندي لهؤلاء الأيتام عشرة آلاف ريال وأنا محتاج إلى خمسة آلاف ريال أستقرضهن وأردها قلنا هذا حرام عليك لا يجوز وإنني بهذه المناسبة أود أن أرشد إخواني الكُتَّابْ الذين يكتبون الوصايا فإن كثير منهم يقول في كتابته: أوصى فلان بثلث ماله يصرف في كذا وكذا وكذا والوكيل فلان هذه العبارة لو أخذناها بظاهرها لكن الموصي إذا مات بطلت الوصية لأن الوكيل إذا مات الموكل انعزل عن الوكالة لكن نعلم أن الكاتب أراد بقوله والوكيل فلان أراد به الوصي وعلى هذا فينبغي للكُتَّاب الذين يكتبون الوصايا أن يقولوا والوصي على ثلثي فلان بن فلان بدلاً عن والوكيل لأن هذا هو تحرير العبارة المطابق لما ذكره أهل الفقه والمطابق لواقع الحال أيضاً والخلاصة أنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف فيما وُكِّلَ فيه بشيء فيه حظ لنفسه فمن أعطي مالاً للفقراء وهو فقير فإنه لا يأخذ منه إلا بعد إذن من أعطاه المال.
***(10/2)
الطيب علي الصادق سوداني مقيم بالدوادمي يقول عندي مبلغ من المال أعطيته أحد الإخوان ليشتغل به في التجارة واتفقنا على أن الفائدة تكون بيننا فما الحكم في ذلك هل حلال أم حرام وأمرت هذا الأخ الذي أعطيته المبلغ بأن يخرج لي زكاة هذا المبلغ كل ما يحول عليه الحول فالتزم لي بذلك ولكن مضت عليه سنتان لم أعرف عنه شيئاً هل أخرجها أم لا فما الحكم بالنسبة لي أنا إذا كان لم يخرجها هل يجب علي إخراجها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن مسألتين المسألة الأولى هل هذه المعاملة صحيحة وهي أن تعطي شخصاً مالاً يتجر به وما حصل من الربح فهو بينكما والجواب على ذلك أن هذه معاملة صحيحة وهي جائزة بالإجماع وتسمى المضاربة وذلك لما فيها من المصلحة للطرفين فالعامل حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال منه المال وذاك منه العمل فصاحب المال حصل له بماله هذا الربح مع راحته وعدم تعبه وذاك العامل حصل له نصيبه من الربح مع تعبه لكن بدون مال يشغله بهذه المعاملة والمهم أن هذه المعاملة جائزة ولا حرج فيها وأما المسألة الثانية التي تضمنها هذا السؤال فهي أنك وكلته بإخراج زكاتك كل عام وهذه الوكالة أيضاً صحيحة فإن التوكيل في إخراج الزكاة جائز وكذلك التوكيل في ذبح الهدي جائز في ذبح الأضحية كذلك جائز وإذا كنت قد شككت هل أدى الزكاة في السنتين الأخيرتين فاسأله إن كان قد أخرج الزكاة فقد أخرجها بوكالتك إياه ويكون إخراجه مجزئاً وإن كان لم يخرجها فأخرجها أنت.
فضيلة الشيخ: إن أخرجها واتضح له بعد ذلك أن صاحبه هذا الموكل قد دفعها فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخرجها وتبين أن صاحبه قد أخرجها فإن ما أخرجه أخيراً يكون تطوعاً لأن ذمته برئت بإخراج وكيله ويكون هذا المال صدقة وينبغي أن نعرف قاعدة ذكرها أهل العلم وهي أن كل فرض أداه الإنسان يحسب أنه عليه فتبين أنه لم يكن فإنه ينقلب نفلاً ومن هذا لو أن الإنسان صلى قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل فإنه إذا دخل الوقت يجب عليه أن يصلى في الوقت وتكون صلاته الأولى نفلاً وكذلك لو صلى ظاناً أنه أخلَّ في صلاته بشيء يوجب عليه الإعادة ثم تبين له إنه لم يخل فإن صلاته الثانية تكون نفلاً.
***(10/2)
من المستمع خالد محمد الخالد يقول لقد سمعنا في لقاء ماضٍ مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث حول الزكاة وقال إن زكاة الفطر لا يجوز إخراج القيمة فيها بدلاً من العين أما الزكاة غير زكاة الفطر فيجوز إخراج ذلك منها نرجو أن نعرف المقصود بالزكاة التي قال فيها زكاة غير الفطر ثم إن كثيراً من الناس إذا باعوا غلاتهم فإنهم لا يزكون إلا بعد الحول على هذه النقود التي عندهم فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نريد بزكاة غير الفطر زكاة المواشي والحبوب والثمار وأما زكاة النقود وعروض التجارة فإنها تؤخذ من النقد لكن زكاة المواشي التي هي الإبل والبقر والغنم إذا كانت سائمة وليست عروضاً وزكاة الحبوب والثمار تؤخذ من أعيانها من نفس الحبوب والثمار أو من نفس الماشية على حسب ما هو معلوم من السنة ولكن إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة أن يخرج عنها نقوداً فإن ذلك لا بأس به لو طلب الساعي المنتدب من قبل الدولة لو طلب أن يعطيه صاحب الماشية بدلاً عن الماشية دراهم نظراً لمصلحة المساكين وخفة الدراهم عليه فإن ذلك لا بأس به فتقوم الماشية مثلاً أعني تقوم الماشية التي هي الزكاة إذا عُرف أن في هذه الغنم الأربعين شاة تقوم هذه الشاة بدراهم ويأخذها الساعي وكذلك في الإبل وكذلك في البقر وكذلك أيضاً في الحبوب والثمار إذا عُرف الواجب منها الواجب في زكاة الحبوب والثمار معلوم للإشاعة بمعنى أنه جزء مشاع وهو نصف العشر فيما يسقى بمؤونة وعشر كامل فيما يسقى بلا مؤونة فإنه يجوز أن تخرج الزكاة من قيمته إذا بعته كما لو دفعته لصوامع الغلال وأخذت عوضاً عنه عشرة آلاف مثلاُ فإنه يجوز أن تخرج الزكاة من هذه الدراهم إذا كانت عشرة آلاف وهو مما يسقى بلا مؤونة كالذي يشرب سيحاً ففي عشرة آلاف ألف ريال وإذا كان يسقى بالمكائن ففي عشرة آلاف خمسمائة ريال لا بأس أن تخرجها من قيمته وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذا كما ذكره صاحب الفروع عنه وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي ذكر أنه لا بأس به إذا أقتضت المصلحة أو الحاجة وهذا لاشك أن فيه مصلحة للدافع والقابض أما للدافع فإنه أبرأ لذمته وأيسر عليه غالباً وأما القابض فإنه أنفع له لأنه ينتفع بالنقود على وجوه متنوعة وأما الحبوب أو الثمار فإنه لا ينتفع بها إلا على وجه واحد وهو أكلها أو يبيعها ويكون بيعها بثمن رخيص يتضرر به هو فهذا ما نريده في قولنا أنه يجوز دفع الزكاة قيمة. قمية الزكاة في غير زكاة الفطر.
***(10/2)
يقول السائل أنه سمع بعض الإشاعات حول جواز دفع النقود بدل الزكاة العينية هل هذا صحيح أم لا وفقكم الله علماً أن الذين يقولون ذلك يرونه أنفع للفقير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما زكاة الفطر فلا يجوز دفع النقد عنها بل يجب أن تدفع من الطعام لأنها هكذا فرضت ولما في دفعها من الطعام من سد حاجة الفقير في يوم العيد وأما غيرها فإن الصحيح جواز دفع القيمة إذا كان ذلك أنفع للفقراء لا سيما إذا طلبها الساعي الذي توجهه الدولة لقبض الزكوات من أهلها فإنه لا حرج في دفع الزكاة إليه قيمة لا من الأعيان مثلاً إذا كنت صاحب ماشية إبل أو غنم أو بقر وطلب منك الساعي الذي وجهته الحكومة لقبض الزكاة دراهم بدلاً عن الإبل في زكاة الإبل وعن الغنم في زكاة الغنم وعن البقر في زكاة البقر فإنه لا حرج عليك في دفعها نقوداً كذلك أيضاً ما حدث أخيراً من كون كثيراً من أهل الزروع يذهبون بزروعهم إلى الصوامع ويستبدلونها بدراهم فيأخذون عنها دراهم فإنه لا حرج أن يخرج زكاته من هذه الدراهم فيخرج إذا كان يسقي بالمكائن يخرج خمسة من المائة وإذا كان يسقي بالسيح فإنه يخرج عشرة من المائة وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة أن الرجل إذا باع ثمره أو زرعه فإنه يخرج العشر من قيمته وهذا الذي نص عليه هو عين المصلحة للدافع والقابض فإن الدافع أسهل له ذلك وأبرأ لذمته وكذلك القابض أنفع له.
***(10/2)
هل يجوز نقل الزكاة إلى بلاد أخرى بسبب أو بدون سبب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن تؤدى زكاة المال في البلد الذي فيه المال لأنه محل أطماع الفقراء ولأنه ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياءهم فترد على فقرائهم) ولكن إذا كان نقلها إلى بلد آخر فيه مصلحة مثل أن يكون في البلد الآخر أقارب لمن عليه الزكاة وهم محتاجون أو يكون أهل البلد الآخر أشد حاجة أو يكون أهل البلد الآخر أنفع للمسلمين فإنه في هذه الحال يكون النقل لهذه الأغراض جائزاً ولا حرج فيه.
***(10/2)
هل يجوز دفع الزكاة من السعودية للسودان وإني أعمل اليوم في السعودية وأرسلت الزكاة إلى هناك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز دفع الزكاة من السعودية إلى السودان أو إلى غيرها من بلاد المسلمين أو إلى أي مسلمٍ استحقها في أي مكانٍ من الأرض لأن الله سبحانه وتعالى يقول (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ففي أي مكانٍ وجد هؤلاء فهم أهل الزكاة تصرف إليهم إلا أن الأولى أن يصرفها الإنسان في البلد الذي فيه المال لأنه البلد الذي تتعلق به أطماع فقرائه فلا ينبغي أن يحرمهم ويبعد الزكاة عنهم إلا إذا كان هناك مصلحة في دفع الزكاة في بلدٍ آخر لكون الذي في البلد الآخر ذا قرابةٍ من المزكي أو أشد حاجة من الذي في بلده أو غير ذلك من الاعتبارات فإنه قد يجعل من المفضول ما يجعله أفضل. وعلى كل حال الزكاة لا يحابى بها أحد فالزكاة لا ينبغي أن تجعل المحاباة نصب عينيك فيها فتقول هؤلاء أهل وطني فأبرهم أكثر من هذا البلد لكن الواجب فيها مراعاة الأصلح لأنها ليست من المال الذي أنت حرٌّ فيه في التصرف بل هي مالٌ معين فيه مستحقوه فيجب عليك أن تراعي في ذلك ما هو الأصلح والأنفع والأجدر والأحق ويظهر لي أن الذين يرسلونها إلى بلادهم ممن هم في السعودية أنهم يراعون أمرين الأمر الأول شدة الحاجة في بلادهم غالباً فإنهم أشد حاجةً من السعوديين فإن السعودي ولله الحمد الغنى فيهم كثير والشيء الثاني أنهم أعرف بالمستحقين في بلادهم منهم في البلاد السعودية لأنهم لا يعرفون الناس في البلاد السعودية.
***(10/2)
تقول السائلة هل يجوز أن نرسل الزكاة إلى بعض البلدان المحتاجة علما بأنه لا يوجد مسلم محتاج عندنا في السويد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز إذا كان الإنسان في بلد ليس فيه محتاج تحل له الزكاة فإن الزكاة تبعث إلى البلاد الأخرى وفي هذه الحال ينبغي أن ينظر الإنسان إلى أشد البلاد حاجة فيبعث بالزكاة إليه ولكن ليكن بعثه للزكاة إلى أيدي أمينة تتقي الله وترحم عباد الله لأن من الناس الذين تبعث إليهم الزكوات أو الإعانات من لا يخاف الله عز وجل ولا يرحم عباد الله فتجده إما أن يتصرف فيها لنفسه وإما أن يتصرف فيها محاباة لقريب أو صديق أو ما أشبه ذلك فمن أهم الأشياء فيما يرسل من التبرعات والصدقات والزكاة والزكوات أن يكون المرسل إليه أمينا ذا علم بما تصرف فيه هذه الأموال.
***(10/2)
علوي الزهراني يقول نحن نسكن في قرية نائية والفقراء بها ولله حمد قليلون فحينما ندفع الزكاة يبقى منها أحياناً وقد يتأخر الباقي عندي حتى أبحث عن مستحق خارج القرية فهل علي في ذلك شيء وهل يجوز لو دفعناها إلى من لم يكن مستحقاً جداً كمن حالته متوسطة ولو كان هناك فقير غائب أعرفه فهل يجوز أن أؤخر حصته من الزكاة لحين عودته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل من كون بلدهم ليس فيه فقراء وأنه يؤخر بعض زكاته إلى حين أن يجد الفقراء نقول له أنه لا ينبغي أن يؤخرها بل إذا كان عارفاً أنه ليس عنده فقراء يستحقون الزكاة فإنه يخرجها في بلد أقرب ما يكون إليه ولا حرج في هذه الحال أن يخرجها من البلد الذي هو فيه بل له أن يخرجها من البلد الذي هو فيه للمصلحة وإن لم يكن للضرورة كما في هذه المسألة وعلى هذا فنقول إذا أردت أن تخرج الزكاة فإنك تخرجها ثم تبعث بها إلى بلد فيه فقراء إن كان قريباً منك فهو أولى وإلا فإلى بلد بعيد، ثم إعلم أن من كان عليه دين لا وفاء له فإنه يجوز أن يقضى دينه من الزكاة وعلى هذا فإذا كان لديكم في البلد من لا يحتاجون للنفقات اليومية ولكن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها فإنه لا بأس أن تقضي عنهم ديونهم من الزكاة حتى لو دفعت الزكاة كلها إلى شخص واحد ودينه يتحملها فإنه لا حرج عليك وأما إذا كانت أحوالهم قائمة ولو كانت وسطاً وليس عليهم ديون فإنه لا يجوز أن تصرف الزكاة عليهم.
***(10/2)
يقول السائل إذا كنت في قرية صغيرة ولا يوجد فيها فقراء أو مساكين هل لي أن أذهب إلى قرية أخرى يوجد فيها فقراء وما الأفضل هل تدفع فلوس أم طعام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن في بلدك فقراء فإنك تنقلها إلى أقرب البلاد التي فيها الفقراء وهذا لا بأس به وكونك تسأل هل توزعها طعاماً أو دراهم إن كنت تعني بذلك زكاة الفطر وهو الصاع الذي يُدفع عند الفطر من رمضان فإنه لا يجزئ عنه الدراهم بل لابد أن يكون طعاماً لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (كنا نخرجها يقصد صدقة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام) وقال ابن عمر رضي الله عنهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) إلى آخر الحديث وكان الشعير يومئذ طعاماً لهم كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وعلى هذا فلا يجوز لك أن تدفع صدقة الفطر إلا من الطعام الذي عيّنَه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(10/2)
يقول السائل هل يجوز إخراج زكاة الفطر في أي بلد ولو هو غير بلد إسلامي مثلاً إذا أدركني العيد وأنا في بلد غير بلدي هل أوصي أهلي بالزكاة أم أزكيها أنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت في بلد ليس فيه مسلمون فإنك توكل من يؤديها عنك في بلد فيه مسلمون وإذا كنت في بلد فيه مسلمون ولو لم تكون بلدك فأد الزكاة في البلد الذي أنت فيه لا سيما إذا كنت في مكة أو في المدينة لشرف المكان فإنك تؤديها هناك.
***(10/2)
السائل إبراهيم بسيوني مصري يعمل في المملكة يقول عندما أصوم رمضان في المملكة هل يجوز لي أن أخرج عن أهلي زكاة الفطر في بلدي لوجود أكثر من محتاج هناك أم لا بد من إخراجها في مكان صيامي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل إخراج الزكاة في البلد الذي وجبت فيه سواءٌ كانت هذه الزكاة زكاة الفطر أو زكاة المال لكن إذا لم يكن في البلد محتاجٌ فلا بأس أن تنقل إلى بلدٍ آخر واختلف العلماء رحمهم الله فيما لو نقلها لمصلحةٍ راجحة إلى بلدٍ آخر فمنهم من قال إن ذلك جائز ومنهم من قال إن ذلك لا يجوز إلا إذا عدم المستحق في بلد المال أو بلد الصائم الذي تجب عليه زكاة الفطر وحيث إن الأمر واسع فإنه ينبغي للإنسان أن يحتاط لدينه وأن يؤدي الزكاة في المكان الذي هو فيه إن كان زكاة فطر وفي المكان الذي فيه المال إن كان زكاة مال هذا هو الأولى والأحسن.
***(10/2)
باب أهل الزكاة , أهل الزكاة ومن يحق لهم الأخذ منها , صرف الزكاة للاقارب والهاشمي , صرف الزكاة لأهل المعاصي وغير المسلمين - , صرف الزكاة في غير الأصناف الثمانية , من وجوه البر العامة - حكم نقل الزكاة وزكاة الفطر من بلد لآخر(10/2)
يقول السائل: هل يجوز للشخص
أن(10/2)
من الكويت عثمان محجوب يقول ما الفرق بين المسكين والفقير وهل تجب الزكاة لكل منهم أقصد هل يستحقونها جميعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً هو أن الفقير أشد حاجة من المسكين لأن الفقير مأخوذ من القفر وهو الخلو ومنه قولهم هذه أرض قفر أي ليس بها نبات فالفقير هو الذي لا يجد شيئاً أو يجد من كفايته دون النصف والمسكين هو فوق ذلك لا يجد الكفاية التامة ولكنه يجد النصف فأكثر والمسكين مأخوذ من سكن يسكن لأن هذا المسكين عنده شيء من الذل بسبب قلة ذات يده فإذا ذكرا جميعاً كان هذا هو الفرق بينهما أما إذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنما معناهما واحد تقول مثلاً تصدق على الفقراء وتصدق على المساكين ويكون المعنى واحداً ويفسر هنا الفقير بأنه من لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة والمسكين يفسر بذلك أيضاً ولهذا نقول في هاتين الكلمتين وأمثالهما إنهما كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا ومثل ذلك الإسلام والإيمان فإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان ما في القلب والإسلام ما في الجوارح وإذا قيل الإسلام عموماً دخل فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب وكذلك إذا قيل هذا مؤمن كمثل قوله تعالى (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) اشتمل على الإسلام والإيمان ولهذا نظائر في اللغة العربية إن الكلمتين تطلقان فيكون لهما معنى عند الانفراد ومعنى عند الاجتماع وتقول إن الصدقة هل تجب للمساكين نقول نعم الصدقة ذكر الله تعالى أهلها في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فالفقراء والمساكين هم الذين يأخذونها لحاجتهم والعاملون عليها هم الذين يأخذونها للحاجة إليهم لأن العامل عليها هو الذي يتولى أخذها من الناس وتوزيعها في أهلها (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) يأخذونها أما لحاجتهم أو للحاجة إليهم فإن كان المقصود بذلك تقوية إيمانهم فهي لحاجتهم وإن كان المقصود بذلك دفع شرهم كان من الحاجة إليهم أي لأنهم محتاجون إلى دفع شرهم (وَفِي الرِّقَابِ) يأخذونها لحاجتهم (وَالْغَارِمِينَ) يأخذونها لحاجتهم أيضاً وقد يكون للحاجة إليهم كما لو غرموا بإصلاح ذات البين (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لحاجتهم وللحاجة إليهم أيضاً فإن الغازي يعطى من الزكاة ليتقوَّى بها على الغزو وهو في هذه الحال محتاج للمال والناس محتاجون إليه لدفاعهم عن دينهم (وَاِبْنِ السَّبِيلِ) هو المسافر الذي انقطع به السفر وهو يأخذ الزكاة لحاجته فهؤلاء هم أهل الزكاة الذين لا يجوز أن تصرف الزكاة لغيرهم كما فرضها الله عز وجل (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
***(10/2)
دفع الزكاة هل الأفضل فيه أن تدفع للمدينين أم للفقراء المعدمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حاجة الفقير أولى لأن حاجة الفقير حاضرة يحتاج إلى أكل وشرب وكسوة والمدين يمكنه أن يقضي الدين في المستقبل ثم إن المدين إذا كان أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه إما في الدنيا وإما في الآخرة لكن الفقير حاجته ملحة ولهذا بدأ الله بالفقراء والمساكين قبل كل أهل الزكاة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
***(10/2)
يقول السائل بأنني كنت أعمل في إحدى الوحدات الريفية من حوالي عشرة سنوات وأثناء عملي بها جاء إلى الوحدة معونة إلى فقراء البلد وللأسف قام المسؤول عن هذه المعونة بتوزيع النصف على أصحابها أي فقراء البلد والنصف الآخر قام بتوزيعه على الموظفين في الوحدة وأنا كنت ضمن الموظفين في هذه الوحدة وأنا الآن ضميري دائماً يحاسبني على هذا الموضوع الرجاء من فضيلة الشيخ الاجابة على رسالتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المقصود أن تصرف هذه المبالغ إلى الفقراء فإن صرفها على موظفي الوحدة خطأ لأن موظف الوحدة يأخذون نصيبهم من الرواتب التي جعلت لهم وخصصت لهم وعليك أن تدفع إلى الفقراء مقابل ما أخذت من هذه الدراهم أو تضعها في أعمال خيرية ولكن صرفها على الفقراء ولا سيما في ذلك المكان أحسن وأولى.
***(10/2)
يقول السائل رجل فقير أراد بعض زملائه أن يجمعوا له زكاة لشراء منزل وبالفعل جمعوا له من الزكاة واشتروا له سكناً ولكن بقي بعض المال فهل يجوز أن يشتروا له بعض الضروريات علماً بأن الذين دفعوا الزكاة لا يهمهم شراء المنزل أو غيره بل المقصود هو دفع الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى جواز دفع الزكاة لشراء منزل لفقير وذلك لأن شراء المنزل سوف يأخذ مالاً كثيراً وإذا كان المقصود دفع حاجة الفقير فإنه يستأجر له من الزكاة وأضرب لذلك مثلاً برجل فقير يمكن أن يستأجر له بيتاً لمدة عشر سنوات بعشرة آلاف ريال ولو اشترينا له بيتاً لم نجد إلا بمائة ألف أو مائتي ألف فلا يجوز أن نصرف له هذا ونحرم الفقراء الآخرين ونقول يستأجر للفقير وإذا تمت مدة الأجرة وهو لا زال فقيراً استأجرنا له ثانياً وأما شراء البيت له من الزكاة فلا أرى جوازه إلا إن كان أحد من أهل العلم أفتاهم بجواز ذلك فالمسألة مسألة اجتهاد وإذا بقي شيء مما دفع لشراء البيت وكان محتاجاً فلا حرج أن يدفع هذا الباقي في شراء حوائج له ولكن لابد أن يستأذن من الفقير ويقال بقي دراهم من قيمة البيت هل ترى أن نشترى لك شيء تحتاجه مع تعيين هذا الشيء الذي سوف يشترى ويقول لهم الفقير وكلتكم في شراءه لي.
***(10/2)
من أخ سوداني معار بالجمهورية العربية اليمنية يقول أخرجت زكاة مالي البقر وأعطيتها لزوجتي باعتبار أنها زكاة وعلى حسب ظني تدخل في نطاق العاملين عليها بمعنى أنها تعينني في رعاية تلك الأبقار وتعد الطعام للعمال الذين يقومون برعاية وسقي تلك الأبقار فهل يصح ذلك وإذا كان غير صحيح فهل علي أن أخرج تلك الزكاة التي مر عليها أربع سنوات مرة أخرى وما معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) أي على الزكاة والمراد بذلك الطائفة التي تقيمهم الدولة لقبض الزكاة ممن تجب عليهم وصرفها في مستحقيها هؤلاء هم العاملون عليها وليس المراد بـ (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) العاملين على المال الزكوي كما ظنه هذا السائل وعلى هذا فإخراج زكاته إلى زوجته بهذه النية لا يجزئه والواجب عليه أن يعيد ما أخرجه بمعنى أن يزكي ماله عن السنة التي أخرج الزكاة فيها إلى زوجته بهذه النية فإذا كان قد أعطاها بقرة أو بقرتين فإنه يخرج الآن بقرة أو بقرتين المهم أنه يضمن الزكاة أو يضمن ما دفعه لامرأته فيخرجه الآن وإني أنصح هذا الرجل وغيره وأقول إن الواجب على المسلم أن يعلم أحكام الله تعالى في عبادته قبل أن يفعلها ليعبد الله تعالى على بصيرة أما كونه يتعبد لله تعالى بالجهل فإن هذا نقص عظيم وربما يفعل شيئاً يحبط العمل وهو لا يدري وربما يترك شيئاً لا بد من وجوده في العمل وهو لا يدري فالواجب على المرء أن يتعلم من أحكام دينه ما تدعو الحاجة إليه والله المستعان.
***(10/2)
من د ن ي كشك من جمهورية مصر العربية تقول كما نعلم أن الزكاة تدفع لليتامى والفقراء والمساكين هل يجوز أن تدفع لأم اليتامى التي لا تصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة كما قالت السائلة تدفع للفقراء والمساكين أما اليتامى فلا تدفع لهم إلا أن يكونوا فقراء أو مساكين أو من بقية الأصناف الثمانية المعروفة لأن اليتم ليس سبباً لجواز صرف الزكاة لمن كان يتيماًَ لأن الله تعالى لم يذكره في آيات الصدقات قال الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ولم يذكر اليتامى فاليتامى إن كانوا فقراء أو مساكين أو متصفين بوصف يستحقون به الزكاة فإنها تدفع إليهم أما لمجرد أن يكونوا يتامى فلا تدفع إليهم واليتيم قد يكون غنياً لا يحتاج إلى الزكاة وعلى كل حال نرجع إلى قولها هل يجوز أن نعطي الزكاة لهؤلاء اليتامى الفقراء؟ نقول فقراء لأنهم لا يستحقون بوصف اليتم وإنما يستحقون بوصف الفقر هل يجوز أن نعطي أمهم شيئاً من الزكاة لانفاقها عليهم؟ والجواب نعم يجوز أن نعطيها لانفاقها عليهم بشرط أن تكون مأمونة عليهم والغالب أن هذا الشرط المحقق بالنسبة للأم لأنه لا أحد أرحم من الوالدة بولدها.
فضيلة الشيخ: ذكرت أنها لا تصلى هل يجوز دفعها لأم اليتامى التي لا تصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو كذلك نقول أنها تدفع لها وإن كانت لا تصلى إذا وثقنا منها وأنها سوف تصرفها إلى هؤلاء الأولاد.
***(10/2)
يقول السائل هل الصدقة على الخادمة من الزكاة جائز علماً بأنا نعطيها الراتب باستمرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج أن يعطي الإنسان زكاته الخادم عنده سواءٌ كان رجلاً أم امرأة إذا كان عنده عائلة في بلده محتاجة ولا يكفيها الراتب الذي يستلمه أما إذا كان الراتب يكفيها أي يكفي العائلة فإنه لا يجوز أن يعطى من الزكاة لقول الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الآية ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن (أعلمهم أن الله افترض عليه صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) .
***(10/2)
هل إعطاء الصدقات للمتسولين يعتبر زكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المتسولين الذين يمرون بالناس ويسألونهم المال لا تخلو أحوالهم من أمرين الأمر الأول أن يغلب على الظن صدقهم وأنهم في حاجة فهؤلاء يعطون من الزكاة ومن صدقة التطوع ولا حرج على الإنسان في إعطائهم ولكن لا ينبغي أن يتخذوا المساجد مكاناً للسؤال بل تكون أماكن سؤالهم عند أبواب المساجد من خارجها والأمر الثاني أن يغلب على الظن أنهم غير صادقين فيما ادعوه من الفقر والحاجة بل يغلب على الظن أنهم كاذبون وأنهم يسألون الناس أموالهم تكثراً فهؤلاء لا ينبغي أن يعطوا لا من الزكاة ولا من الصدقة الواجبة لأن في ذلك تشجيعاً لهم على السؤال المحرم والإنسان يحرم عليه أن يسأل الناس أموالهم تكثراً بل سؤال الناس أموالهم تكثراً من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر) ولقد سمعنا كثيراً عن بعض هؤلاء المتسولين أنهم إذا ماتوا وجدت عندهم أموالٌ كثيرة حتى من الذهب ومن الفضة من النقود وهذا يدل على أن بعضهم يسأل الناس تكثراً لا لدفع حاجةٍ أو ضرورة.
***(10/2)
يقول السائل أنا عندي قوت سنة لكن اليوم لابد من المتطلبات الزائدة على القوت وذلك أن أولادنا يريدون مسايرة المجتمع من كل شيء في وسائل نقل وترفيه مثل المكيف والثلاجة والتلفاز إلى آخره فنتقبل الزكوات التي تأتينا هذه الأيام في شهر رمضان ونتطلع أيضاً إلى زكاة الفطر لأننا نستلم كمية كبيرة لا بأس بها جزى الله المحسنين خيراً والحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام ثم نبيع هذه الكميات التي تصل إلينا ونحيلها إلى نقود نأكل منها طوال السنة ونترفه فيها فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الورع للإنسان أن يدع ما لا يحتاج إليه من الزكوات لئلا يوقع نفسه في شبهة والتغذي بالشيء أمره مهم جداً فينبغي للإنسان أن يحتاط غاية الاحتياط فيما يأكل ويشرب ولكن مع ذلك إذا أخذت الصدقات أعني الزكوات وزكاة الفطر لمسايرة أمثالك من الناس فأرجو ألا يكون به بأس وذلك لأن الحاجة أو النفقة تختلف باختلاف الأحوال وقد أوجب الله تعالى الإنفاق بالمعروف على الزوج فما جرى به العرف لأمثالك من النفقات فلا حرج عليك إذا أخذت الزكاة لأجلها ولكني أنصحك أن تحتاط لنفسك في هذه الأمور ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة بأنها أوساخ الناس وقال (إنها لا تحل لمحمد وآله) فعلى كل حال فالجائز شيء والاحتياط والورع شيء آخر والذي ينبغي للمؤمن أن يسلك السبيل الأحوط والأكمل.
***(10/2)
من عدن الأخت نوال طه مكي تقول أنا امرأة توفي زوجي ولي سبعة أولاد ترك لي مبلغ وقدره أربعين ألف شلن آخذ منها عند الحاجة ومعاشي الشهري أستلمه كل شهر وهو خمسمائة شلن فهل يجوز لي أن آخذ ما يعطى لي من مال الزكاة الذي يفرق بين الناس ومن هم الفقراء الذين تجب لهم الصدقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دامت هذه الفلوس التي تركها الميت والتي تتقاضاها مرتباً تكفي لنفقتها ونفقة عيالها فإنه لا يجوز لها من الزكاة لأن الزكاة لها مستحقون معينون بنص القرآن: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فإذا كانت هذه المرأة عندها ما يكفيها وأولادها للنفقة من طعام وشراب وكسوة ومسكن فإنهم لا حاجة لهم من الأخذ من الزكاة فلا يجوز لهم الأخذ منها والذين تجب لهم الزكاة هم الفقراء الذين لا يجدون كفايتهم لمدة سنة على ما قاله أهل العلم فإذا كان عند الإنسان ما يكفيه لمدة سنة من نقود حاضرة أو مهنةٍ مستمرة أو مغلٍ ثابت فإنه حينئذ لا يجوز لها الأخذ من الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل نرجو إفتاءنا عن الضمان الاجتماعي هل فيه زكاة لو بقي مع صاحبه المستلم من الضمان ودارت عليه سنة هل يحق فيه زكاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب فيه الزكاة إذا مضى عليه الحول وهو في يد المستفيد ولكن بهذه المناسبة أود أن أحذر من طلب الضمان الاجتماعي وهم ليسوا في حاجة إليه فإن الضمان الاجتماعي مخصص للمحتاجين فقط وليس لكل أحد فهو ليس كالراتب الذي تقرره الحكومة وإنما هو لدفع الحاجة فمن لم يكن محتاجاً فإنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً والذي فهمته من سؤال السائل أنه ليس بمحتاج إليه لأنه بقي عنده إلى تمام السنة ومعنى ذلك أنه ليس في حاجة إليه وعلى هذا فلا يجوز له أخذه وعلى المرء أن يستغني بما أباح الله له عما حرم الله عليه حتى يبارك له في ذلك فإنه كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (من أخذ المال من غير وجهه كان كالذي يأكل ولا يشبع ولم يُبارك له فيه) .
فضيلة الشيخ: الآن الذين يأخذون من الزكاة وهم أغنياء يأخذون من الضمان وهم أغنياء عنه يعتبرون ذلك من بيت المسلمين ويقولون نحن من المسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح هذا في الحقيقة إما جهل أو تجاهل منهم الضمان الاجتماعي مخصص للمحتاجين ولهذا فيه لجنة لتقصي الحقائق وهل هو مستحق أو غير مستحق ولو كان لعموم الناس بدون قيد الحاجة لما وضعت هذه اللجنة التي تبحث وتنظر.
***(10/2)
السائلة ع. ف من جدة تقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذا قمنا بتقدير زكاة الذهب فقدرناه وعرفنا قيمته هل يجوز لنا أن نأخذ الزكاة لنا لحاجتنا إلى المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول عليكم السلام ورحمة الله وبركاته لا يجوز للإنسان أن يجعل زكاته إليه بمعنى أنه لا يحل له أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته بل عليه أن يخرج الزكاة إلى مستحقيها الذين ذكرهم الله تعالى في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٌ) بل ولا يحل له أن يعطي زكاته أحداً من آبائه أو أمهاته أو أجداده أو جداته أو أبنائه أو بناته إلا إذا كانوا محتاجين ولا يستطيع الإنفاق عليهم فلا بأس أن يصرف زكاته إليهم أو إذا كانت عليهم ديون وأراد أن يقضيها من زكاته فلا بأس فمثلا لو كان للإنسان أب هو في نفسه قد حصل على الكفاية وليس بحاجة إلى المال لكن عليه دين لا يستطيع وفاءه فأراد ابنه أن يوفي دينه أي دين أبيه من زكاته فلا حرج لأنه في هذه الحال لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا.
***(10/2)
هل الأقارب والأهل والعم والعمة يجب أن أعطيهم من الزكاة وهل هم من الأصناف الثمانية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصناف الثمانية هم الفقراء والمساكين والعاملون على الصدقة والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فإذا كان أعمامك أو أبناء أعمامك أو أبناء إخوانك أو أبناء أخواتك إذا كانوا من أهل الزكاة حسب الأوصاف التي ذكرها الله عز وجل فلا حرج أن تعطيهم من الزكاة أما إذا لم يكونوا كذلك بأن كانوا أغنياء ولا حاجة لهم إلى الزكاة فإنك لا تعطيهم فالقرابة ليست سبباً لاستحقاق الزكاة بل الأسباب ما ذكره الله في سورة برآءة.
***(10/2)
دفع الزكاة للأقارب إذا كانوا ليسوا بفقراء ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دفع الزكاة للأقارب إذا كانوا غير فقراء لا يجزئ وعلى من دفعها وهو يعلم أنهم ليسوا من أهل الزكاة عليه أن يدفع بدلها لأن ذمته لم تبرأ بذلك وهو بإمكانه أن يصل أقاربه من غير الزكاة فإن صلة الرحم من أفضل الأعمال لكن كونه يصلهم بالزكاة ويَحْرِم أهل الزكاة الحقيقيين هذا غلط أما إذا كان الأقارب فقراء مستحقين للزكاة ونفقتهم لا تجب عليه فإنه لا حرج أن يعطيهم من زكاته بل إعطاءهم من زكاته أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة على القريب إنها (صدقة وصلة) . وكذلك إذا كان أقاربه ليسوا بحاجة إلى نفقة لكن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها فله أن يقضي ديونهم من زكاته حتى ولو كانوا أقرب قريب إليه.
فضيلة الشيخ: قلنا إذا كان الأقارب فقراء فهل يشمل الإخوة والأخوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يشمل الإخوة والأخوات ما داموا فقراء ولا تلزمه نفقتهم فإنه يعطيهم للنفقة وإذا كانوا أغنياء من جهة النفقة لكنهم غارمون لا يستطيعون الوفاء فله أن يقضي ديونهم من زكاته حتى ولو كانوا آباءه أو أمهاته.
***(10/2)
من إدريس صالح محمد من اللاجئين الارتريين في السودان يقول: هل يجوز إعطاء الزكاة للأقارب مع العلم أن في المحل جماعة إسلامية ومخصصة عمّال لجمع الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دفع الزكاة للأقارب إذا كانوا من أهل الزكاة أفضل من دفعها إلى غيرهم لأنه يحصل له بدفعها إلى أقاربه صدقة وصلة، إلا إذا كان الأقارب ممن تجب نفقتهم عليه أي على المزكي وكان عنده مال يتسع للإنفاق عليهم فإنه لايجوز له أن يدفع الزكاة إليهم في هذه الحال لأن دفعها إليهم توفير لماله حيث يسقط عنه من الإنفاق عليهم بمقدار ما أخرج من الزكاة، أما إذا كان ماله لايتسع للإنفاق عليهم فهم في هذه الحال لاتجب عليه نفقتهم ويجوز أن يدفع الزكاة إليهم لدفع حاجتهم وكذلك أيضاً يجوز أن يقضي عن أقاربه الدين من زكاته حتى وإن كانوا والديه أو أولاده أو إخوته الأشقاء أو غيرهم من الأقارب فإنه يجوز أن يقضي عنهم الدين من زكاته بكل حال.
***(10/2)
من مكة المكرمة يقول السائل لدي قصار أرعاهم وليس لديهم أي مالٍ بعد والدهم ولكني أقرب الناس إليهم وحالتي والحمد لله المادية ميسورة فحينما أخرج زكاة مالي أدفع إليهم جزء منها ثم أقوم بالصرف منها في قضاء حوائجهم فهل يجوز لي ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لك هذا بشرط ألا تكون نفقتهم واجبة عليك فإن كانت نفقتهم واجبة عليك فإنه لا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة لأنك إذا أعطيتهم من الزكاة وفرت مالك حيث يستغنون بهذه الزكاة عن الإنفاق عليهم وهذا حرام أما إذا كانوا لا تجب نفقتهم عليك فإنه يجوز لك أن تعطيهم من زكاتك بل إن زكاتك إليهم أفضل لكونهم قرابةً منك فتعتبر صدقةً وصلة وهي أفضل من الصدقة على غيرهم.
***(10/2)
تقول السائلة هل تحل الزكاة في الأقارب مثل الأم والإخوة , إذا بلغت النصاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة يجوز صرفها للقريب وصرفها للقريب الذي من أهلها أفضل من صرفها للبعيد لأن الصدقة على القريب (صدقة وصلة) كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن إذا كان الإنسان بدفعه زكاته لقريبه يحمي به ماله فإن ذلك لا يجوز فمثلاً إذا كان هذا القريب تجب نفقته عليه لكونه واسع المال وهو فقير فإنه لا يجوز أن يعطيه من زكاته بل يجب عليه أن ينفق عليه من ماله نفقة غير الزكاة ولا فرق في هذا بين الوالدين وغيرهماً فنقول في جواب السائلة إذا كان لها أم فقيرة من أهل الزكاة ومالها أي مال البنت لا يتسع للإنفاق على أمها لكونه قليلاً ولكنه يبلغ النصاب فإنه يجوز أن تعطي زكاتها لأمها في هذه الحال لأنها لا يلزمها الإنفاق على أمها لأنها لا تستطيع ذلك فيجوز أن تعطيها من زكاتها وكذلك لو كان على أمها دين لا تستطيع وفاءه فإن لها أن تقضي دين أمها من زكاتها والقاعدة كما أشرت إليه أنه يجوز للإنسان أن يدفع زكاته لأقاربه ودفعها لأقاربه الذين يستحقون الزكاة أفضل من دفعها لمن ليس قريباً له ولكن بشرط ألا يحمي بها ماله فإن كان يحمي به ماله بحيث تجب عليه النفقة على هذا القريب فيعطيه من الزكاة من أجل أن يحمي ماله من الإنفاق عليه فإن هذا لا يجوز لأن النفقة الواجبة لا تسقطها الزكاة.
***(10/2)
السائل رضوان حسن من العراق محافظة نينوى يقول: هناك شخص يقوم بتوزيع الزكاة على أبنائه بدلاً من إعطائها للغريب ويقول إن أبنائي أولى بالزكاة من الغريب هل هذا الفعل صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل غير صحيح أي أنه لا يجوز للإنسان أن يعطي زكاته أبناءه أو بناته أو أحداً ممن يجب عليه النفقة عليه لأن الإنسان إذا أعطى شخصاً تجب عليه نفقته إذا أعطاه زكاته فإن ذلك يعود عليه بالنفع ويكون قد قصد بزكاته إحياء ماله وسلامته من الإنفاق وهذا لا يجوز أما لو كان على أبنائه ديون ليس سببها النفقة الواجبة على الأب وقضاها عنهم فإن هذا لا بأس به لأنهم من الغارمين والغارمون لا يلزم أباهم قضاء الدين عنهم إلا إذا كان الدين الذي استدانوه من أجل الإنفاق على أنفسهم مع وجود الإنفاق على أبيهم ففي هذه الحال لا يجوز له أن يعطيهم من الزكاة في قضاء الدين بل عليه أن يقضي الدين لأنهم قاموا بواجب عليه فعليه أن يقضي الدين من ماله لا من زكاته وخلاصة الجواب أن نقول إن دفع الزكاة إلى الأبناء أو البنات لا يجوز ولا يجزئ لأن ذلك يؤدي إلى توفير ماله من الإنفاق إلا إذا كان الأبناء أو البنات عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها وهذه الديون لم تلزمهم بسبب نفقة واجبة على أبيهم فلأبيهم في هذه الحال أن يقضي ديونهم من زكاته.
***(10/2)
يقول السائل الزكاة هل تعطى إلى البنت أو الولد أو الأخ وإذا كانت البنت متزوجة من شخص فقير فلمن تعطى الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة فريضة وركن من أركان الإسلام وصرفها لمستحقها فريضة أيضاً لقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وهذه الأوصاف التي علقت بها الاستحقاق عامة في كل أحد فالأصل أن كل من اتصف بها يجوز صرف الزكاة إليه إلا ما قام الدليل على منعه وعلى هذا فصرف الزكاة إلى البنت والابن والأب والأخ وما أشبه ذلك إن كان في ذلك توفير لمال الإنسان فيما يجب عليه فإن الزكاة لا يحل دفعها إليهم وإن لم يكن فيها توفير فلا بأس بدفع الزكاة إليهم مثال ذلك إن كان لك ابن فقير ومن المعلوم أنك إذا كنت غنياً وهو فقير وجب عليك أن تنفق عليه فلو أعطيته من الزكاة في هذه الحال لكان مقتضى ذلك أن توفر على نفسك الانفاق على هذا الابن وكأنك في الحقيقة لم تدفع الزكاة وعلى هذا فلا يجوز في هذه الحال أن تعطي ابنك من زكاتك وهكذا نقول في الأخ وسائر من تلزمك نفقتهم أنك إذا دفعت إليهم من الزكاة ما توفر به مالك عن الانفاق عليهم فإن ذلك لا يجوز أما إذا كان اعطاؤك إياهم من الزكاة لا يقتضي ذلك فإن إعطاؤهم من الزكاة لا بأس به فلو كان ابنك غريماً أي مطلوباً للناس طلباً ليس سببه الإنفاق الواجب عليك وقضيت دينه من زكاتك فلا حرج عليك مثال ذلك أن يفلس ولدك بتجارته مثلاً مثل أن يشتري عقاراً فتنزل القيم ويخسر بذلك ففي هذه الحال يجوز لك أن تسدد من زكاتك الاقساط التي كانت عليه سواء كانت كثيرة أم قليلة لأن وفاء دينه لا يجب عليك فإذا أوفيتهم من زكاتك فإنك لم توفر شيئاً واجباً عليك في مالك وكذلك لو كان على زوجتك دين ولا تستطيع وفاءه فإنه يجوز أن تقتضي دينها من زكاتك وكذلك والدك لو كان عليه دين لا يستطيع وفاءه لا حرج عليك أن تقضي دينه من زكاتك هذا إذا لم يكن الدين الواجب على هؤلاء سببه الضرورة إلى النفقة فيستدينون بنية الرجوع عليك ففي هذه الحالة لا يجوز لك أن تقضي دينهم من زكاتك لأنك توفر مالك في شيء يجب عليك دفعه وأظن أن الجواب على هذا السؤال قد فهم من هذا التفصيل فنقول يجوز أن تدفع زكاتك لولدك إذا لم توفر شيئاً واجباً عليك في مالك مثل أن تقضي دينه الذي لا يستطيع وفاؤه من زكاتك وكذلك الوالد وكذلك الأخ فكل قريب لا يجب عليك الإنفاق عليه يجوز أن تدفع الزكاة إليه سواء كان من أصولك أو من فروعك أو من حواشيك.
***(10/2)
الأم والأب هل يجوز أن يعطيهم الابن من زكاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأب والأم تجب نفقتهم على الإنسان وإذا كانت تجب نفقتهم فلا يعطيهم من زكاته لأنه إذا أعطاهم من زكاته وفر على نفسه النفقة ولكن لا حرج أن يقضي الديون التي عليهما مثل أن يكون على أبيه دين لا يستطيع وفاءه فيقوم الابن بقضائه من زكاته فلا حرج وكذلك الأم وكذلك الابن أو البنت إذا كان عليهما دين لا يستطيعان وفاءه فأعطاهم أبوهم ما يوفون به فلا حرج لأن وفاء الدين عن الأب أو الأم أو الابن أو البنت ليس بلازم وإذا كان ليس بلازم فله أن يعطيهم من الزكاة لقضاء هذا الدين.
***(10/2)
يقول السائل هل من الممكن أن تكون النفقة للإخوان والأصدقاء المحتاجين صدقة للمال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإخوان إن أراد بهم الإخوة في الدين فنعم يصح أن تكون زكاتك لهؤلاء الإخوة في الدين إذا كانوا من أهل الزكاة محتاجين لنفقة أو محتاجين لقضاء دين لا يتمكنون من قضائه فإنهم يعطون من الزكاة وهي حل لهم أما إن أراد بالإخوان الإخوة من النسب فهذا فيه تفصيل فإن كان تجب عليه نفقتهم فإنه لا يحل لهم أن يعطيهم من زكاته لأنه إذا أعطاهم من زكاته كان في ذلك توفير لماله وإن كان لا تجب عليه نفقتهم مثل أن يكون والدهم موجوداً وهو أي والدهم محتاج لا يقدر على الإنفاق عليهم فلا حرج عليه أن يعطيهم من الزكاة إذا كانوا فقراء وكذلك لو كان لهم أبناء وهم فقراء فإنه يحل له أن يعطيهم من زكاته لأنه في هذه الحال لا تجب عليه نفقتهم وهكذا ينبغي أن تكون قاعدة بل ينبغي أن تعرف فإنها قاعدة نافعة (كل قريب تجب عليك نفقته فإنه لا يحل لك أن تعطيه من زكاتك ما تقوم به تلك النفقة) لأن في ذلك توفيراً لمالك أما إذا أعطيتهم من زكاتك شيئاً لا تتوفر به النفقة بمعنى أن تعطيه لقضاء دين واجب عليه لغير النفقة فإن هذا لا بأس به حتى ولو كان أباك أو ابنك.
***(10/2)
يقول السائل لدي مبلغ من المال وفي السنة الأولى قمت بزكاته ولله الحمد ولكن كنت جاهلاً في شروط دفع الزكاة لمن تدفع ولدي والدتي وأخواتي وقمت بتوزيعها عليهم مع العلم أننا كنا شركاء أنا وأخي في هذا المال المزكى وبعد مضي عامين تقريباً أعطيت أخي نصيبه وصدفة سألت أحد أهل العلم ممن لديهم الخبرة فقال إن زكاتك لوالدتك لا تجوز لأنها ممن تعولهم شرعاً وملزم بالإنفاق عليها وعليك بإعادة تلك الزكاة ودفعها لمن يستحقها ففي هذه الحالة ماذا أفعل هل أعيد الزكاة المدفوعة لوالدتي وأخواتي أم المدفوع لوالدتي فقط أم أنها مقبولة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة التي دفعتها إلى والدتك لا تجزئ لوجوب نفقتها عليك وأما الزكاة التي دفعتها إلى أخواتك فإن كنّ يجب عليك نفقتهنّ فإن دفعك الزكاة إليهن لا يجزئ أيضاً وعليك البدل وإن كنّ لا تجب عليك نفقتهنّ وهنّ فقيرات فإن دفع زكاتك إليهنّ جائز ومبرئ للذمة وليس عليك بدله لأن القاعدة العامة أن كل شخص تجب عليك نفقته فإنك لا تدفع إليه زكاتك إلا إذا دفعتها لغرم غَرِمه لغير النفقة.
***(10/2)
من أ. س. ع. الدمام المنطقة الشرقية يقول: لي اخوة بالغين راشدين متوظفين ولكن ما يتقاضونه من رواتب لا تكفي لمتطلبات حياتهم وقد رزقني الله من فضله وأعطيهم نصف زكاة مالي أو يزيد والباقي أوزعه على الفقراء والمساكين فما حكم الشرع في نظركم في هذا التصرف وهل في هذا ظلم للفقراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان إخوانك هؤلاء عندهم ما يكفيهم ولو على الحد الأدنى لمثلهم فإنه لا يحل لك أن تعطيهم من زكاتك لأنهم في هذه الحالة غير محتاجين للزكاة والزكاة إنما تصرف لمستحقيها من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم ممن ذكر الله تعالى في سورة التوبة في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أما إذا كانوا يحتاجون وكان ما عندهم لا يكفيهم ربما يستقرضون لإتمام حاجتهم أو يستدينون ما يحتاجونه ففي هذه الحال أعطهم من الزكاة وإعطاؤهم من الزكاة أولى من إعطاء الأباعد لأن صدقتك على الأقارب صدقة وصلة.
***(10/2)
يقول السائل لي أخت كبيرة وغير متزوجة وتعيش مع والدتي في مكان واحد ويأكلون ويشربون في وعاء واحد فإذا أعطيتها من زكاة مالي ما يساعدها على المعيشة ولا سيما أنها لا تعمل واختلط هذا المال بمال والدتي التي أنفق عليها فهل فيه حرمة أو شبهة فقد تأكل والدتي من هذا المال نظراً لمعيشتها معاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت أختك هذه عند أبيها وأبوها قادر على الإنفاق عليها وكان ينفق عليها فإنه لا يحل لك أن تعطيها من زكاتك لأنها مستغنية بما ينفق عليها والدها أما إذا كان والدها فقيراً أو كان غنياً لكن لا يعطيها ما يلزمه من النفقة فلا حرج عليك أن تعطي أختك من زكاتك ما يكفيها لمدة سنة وفي هذه الحال يجوز لأختك أن تجعل ما تعطيه إياها من الزكاة مع مال أمها أو مال أبيها وينفق على البيت من هذا المال المختلط والإنسان إذا قبض المال على وجه شرعي فإنه يكون ملكه له أن يتصرف فيه بما شاء مما أحل الله عز وجل فيعطيه من يحرم على المعطي الأول إعطاؤه ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت ذات يوم فقدم إليه طعام فقال ألم أر البرمة على النار- البرمة إناء من خزف يستعمل بدل عن إناء الحديد - فقالوا بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة فقال هو عليها صدقة ولنا هدية) فدل ذلك على أن الإنسان إذا قبض الشيء بحق فإنه لا يحرم على غيره ممن لو قبضه من المعطي الأول لم يحل ونظير ذلك الفقير يأخذ الزكاة ويجوز أن يصنع به طعاماً يدعو إليه الأغنياء فيأكلون منها لأن الغني لم ينتفع به على أنه زكاة بل أنه من هذا الفقير الذي ملكه بحق.
***(10/2)
يقول السائل: لي أخت متوفى عنها زوجها ولها ولد في العشرين يعمل في شركة براتب قدره خمسة ألف ريال وله أخوة يعولهم والبيت إيجاره عليه وأريد أن أخصص زكاة مالي كاملة كل سنة لهم فهل يجوز هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز هذا إذا كانوا يحتاجون إلى ذلك حاجة حقيقيَّة بل إن صرف زكاتك إليهم أفضل من صرفها إلى من ليس بينك وبينهم قرابة فإن الصدقة على القريب اثنتان صدقة وصلة ولكن إياك أن تعطيهم الصدقة الزكاة من أجل أمور كمالية لا تدعوا الحاجة إليها فالمدار على الحاجة لقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فإذا كانوا في حاجة فهم أحق من غيرهم وإن لم يكونوا في حاجة وإنما تعطيهم من أجل الكماليات التي يتظاهر بها كثير من الناس اليوم فلا تعطيهم.
***(10/2)
من الكويت من ر. م. ص. يقول أولاد أخي من أبي هل يجوز أن أصرف الزكاة لهم من باب الصلة وهل يجوز أن أعمل لهم راتب شهري من هذه الزكاة وليس دفعة واحدة أي على مدار العام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان أولاد أخيك من أبيك فقراء مستحقين للزكاة وأنت لا تجب عليك نفقتهم فإنه يجوز لك أن تصرف الزكاة إليهم وأما توزيعها عليهم في كل شهرٍ ما يكفيهم فهذا يحتاج إلى أن تكون أنت وليهم فإن كنت وليهم فلا بأس لأن وليهم يتصرف بما هو أصلح وإن لم تكن ولياً لهم فأعطها وليهم دفعة واحدة وهو يتصرف فيها كما يراه أصلح.
***(10/2)
يقول السائل هل يجوز لي أن أعطي نصيباً من زكاة المال لكل من أخي أو أختي أو عمي أو عمتي أو خالي أو خالتي مع العلم أنهم ليسوا مساكين أو فقراء بالمعنى الصحيح؟
الشيح: لا يجوز أن تعطي هؤلاء شيئاً من الزكاة إذا لم يكونوا من أهل الزكاة بل ولا يجوز أن تعطي غيرهم أيضاً من الزكاة إذا لم يكونوا من أهل الزكاة ولكن ينبغي لك أن تعطي قرابتك من مالك صلة وبراً فإن الله تعالى بين في القرآن فضيلة صلة الرحم وبين عقوبة من قطع رحمه فصلة أرحامك بما جرت به العادة من مال أو خدمة أو جاه أمر مطلوب شرعاً وأما أن تعطيهم حقاً لا يستحقونه من الزكاة فإن هذا حرام عليك ولا يجزئك.
***(10/2)
يقول هل يصح إخراج زكاة المال أو زكاة الفطر إلى إخواني وأخواتي القاصرين الذين تقوم على تربيتهم والدتي بعد وفاة والدي رحمه الله وهل يصح دفع هذه الزكاة إلى إخواني وأخواتي غير القاصرين ولكنني أشعر أنهم محتاجون إليها ربما أكثر من غيرهم من الناس الذين أدفع لهم هذه الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من ليسوا من قرابتك لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز فإذا قدر أن هؤلاء الأخوة الذين ذكرت والأخوات فقراء وأن مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك وكذلك هؤلاء الإخوة أو الأخوات عليهم ديون من الناس فقضيت ديونهم من زكاتك فإنه لا حرج عليك في هذا أيضاً وذلك لأن الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه فيكون قضاؤها من زكاته أمراً مجزئاً حتى لو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد وهو لا يستطيع وفاءه فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك أي يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك بشرط ألا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك لئلا يتخذ ذلك حيلة إلى امتناع الإنسان من الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدينوا ثم يقضي ديونهم من زكاته.
***(10/2)
السائلة ن ص م مقيمة بدولة الكويت تقول تزوجت أختي من رجل بخيل جدا وغليظ القلب وأنجبت منه ثلاثة بنات ما زالوا في سن التكوين صغار وراتبه الشهري لا بأس به ولكن يرسل لزوجته القليل القليل الذي لا يسد حاجتها الضرورية وحاجة البنات الثلاث ولا ندري لماذا ودائما على خلاف معها بسبب بخله الشديد ومعاملته الجافة القاسية وعدم الصرف عليهم كأي رب أسرة السؤال هل يجوز أن أعطي أختي من زكاة مالي علما بأن زوجي موافق وأنا موظفة وإذا كان الرد لا فهل يجوز إعطائها من زكاة مال زوجي علما بأن أختي عفيفة النفس فإذا علمت بأن المال المرسل لها من زكاة سوف ترفضه فما هو الحل في نظركم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتطلب شيئين الأول النصيحة لهذا الزوج البخيل الذي لا يقوم بواجب النفقة فأقول له اتق الله في نفسك ولا تبخل بما أعطاك الله من فضله فإن البخل بالواجب يخشى أن يحق على فاعله العذاب وإذا كان بخيلا فإنه لا ينفعه بخله لأن البخيل إذا ادخر المال من أجل هذا الخلق الذميم فإن المال سيورث بعده شاء أم أبى فلماذا يبخل عن نفسه هو الآن إذا بخل بماله فقد بخل عن نفسه في الواقع لأن هذا المال لابد أن ينتقل إلى غيره بعد موته أما الشيء الثاني فأقول للمرأة التي يبخل زوجها عليها بالنفقة الواجبة لها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه بقدر ما يكفيها ويكفي ولدها لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف لما ذكرت أنه شحيح لا يعطيها النفقة) فإذا قدرت المرأة هذه على أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها فلتفعل فإذا لم تقدر على شيء من ذلك وصارت محتاجة فإنه يجوز أن تعطى من الزكاة ولا حرج على أختها إذا أعطتها من زكاتها أو أعطتها من زكاة زوجها بإذنه لكن في السؤال ما يوجب الإشكال حيث قالت أن أختها عزيزة النفس وأنها لو علمت أنها زكاة لم تقبلها فنقول في هذه الحال لابد أن تعلم أنها زكاة فإن قبلت وإلا لا تعطى لأنه لا يمكن أن يدخل في ملك الإنسان ما لا يريده وإعطاؤها الزكاة يعني أن الزكاة تدخل ملكها فإذا كانت لا تريدها لم يصح إدخال ملكها من هذه الزكاة إلا ما رضيته وهكذا يقال في كل شخص فقير تعرفه فتعطيه من زكاتك إذا كنت تعلم أنه لا يقبل الزكاة فإنه لا يجزئك ذلك حتى تعلمه ويقبلها زكاة أما إذا كنت تعلم أنه فقير ولا تدري هل يقبل أو لا يقبل فلا بأس أن تعطيه بدون أن تعلمه أنها زكاة.
***(10/2)
من م ص د يقول يوجد لي أخ يعول من الأولاد ما يقارب من ثلاثة أولاد في مراحل تعليمهم المختلفة دخله الشهري لا يغطي التكاليف المعيشية وهو مريض بمرض يحتاج إلى علاج طويل ولكنه يشرب السجائر وأحيانا يصلى وغير منتظم في الصلاة هل يستحق زكاة مالي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان حال أخيك ما ذكر فإنه يستحق الزكاة ولكن ينبغي لك أن تقول له عندي دراهم زكاة فماذا تريد أن أشتري لك من حاجات البيت وتشتري له بهذه الدراهم ما يحتاجه في بيته من نفقة أو معدات كالغسالة والبرادة والثلاجة وما أشبهها لأن المبتلى بالدخان إذا كان لديه مال فأول ما يقوم به شراؤه السجائر ومعلوم أن الدخان محرم لما فيه من إضاعة المال وإنهاك البدن وكراهة الخير في بعض الأحيان فلهذا نقول احرص ألا تكون الدراهم بين يدي أخيك فيفسدها بشراء السجائر.
***(10/2)
يقول السائل يوجد لي أخت وزوجها لا يقوم بالصرف عليها بحجة أنه ليس في استطاعته مثل هذه الأشياء الضرورية كالملابس وخلاف ذلك فهل تستحق الزكاة والحال ما ذكر أم أن على الزوج أن يقوم بتغطية النفقات المعيشية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن على الزوج أن يقوم بتغطية نفقات زوجته الضرورية والحاجية التي تشبه الضرورة فإن امتنع عن إعطائها فلها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف) فإن لم تقدر له على مال ولم ينفق عليها ما يجب عليه إنفاقه فإنه يجوز أن تعطى من الزكاة ما يسد حاجتها فقط.
***(10/2)
ماحكم إعطاء الأخت زكاة مالها لأخيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس إذا كانت الأخت من أهل الزكاة ولا تجب على المزكية نفقتها والقاعدة أن من أعطى الزكاة من لا تجب عليه نفقته وهو من أهل الزكاة فلا بأس وكذلك لو أعطى الزكاة من تجب عليه نفقته لكنه أعطاها إياه لغير النفقة كالغرم مثلاً فلا بأس مثال ذلك رجل له أخ فقير ولأخيه هذا أبناء فإن للأخ الغني أن يعطي هذا الفقير من الزكاة ما يكفيه هو وعائلته لمدة سنة ومثال آخر لو كان إنسان عنده مال وهو غني وأبوه مدين أي عليه دين لا يستطيع وفاءه فأوفى دين أبيه من زكاته فلا بأس بذلك وذلك لأن دين الأب لا يجب على الابن قضاءه وكذلك بالعكس لو كان على الابن دين وهو فقير لا يستطع الوفاء وعند أبيه زكاة فله أن يقضي دين ابنه من زكاته لأنه لا يجب على الأب أن يقضي دين ابنه.
***(10/2)
تقول ما حكم دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان محتاجا مثل تسديد الديون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان محتاجا لتسديد الديون جائزة ولا حرج فيها وقد (حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة ذات يوم فأخبرت امرأة عبد الله بن مسعود زوجها بذلك فطلب أن تتصدق عليه وعلى أولاده ولكنها سألت النبي صلى الله علية وسلم فقال صدق عبد الله بن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت عليه) ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر أهل الزكاة بأوصاف معينة فقال (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) ولم يأت نص من الكتاب أو السنة على أن الزوج لا تدفع له زوجته زكاتها أو أن الزوج لا يدفع لزوجته زكاته فإذا تحقق الوصف وصف استحقاق الزكاة في أي إنسان فإنه يجوز أن يدفع له من الزكاة إلا إذا كان الإنسان الذي يدفع الزكاة للشخص يدفع بذلك حقا واجباً عليه فإنه لا يجوز ومعلوم أن الزوجة لا يجب عليها الإنفاق على الزوج ولا يجب عليها قضاء دينه ولهذا نقول لو أن الشخص قضى دين والده من زكاته وكان والده لا يستطيع الوفاء فإن ذلك جائز ولو دفع الزوج زكاته في قضاء دين زوجته وهي لا تقدر على الوفاء فإنه لا بأس بذلك لأنه يصدق عليهم أنهم من الغارمين أما لو أراد الإنسان أن يدفع زكاته لابنه مثلاً من أجل أن ينفق بذلك على نفسه والأب الذي دفع الزكاة قادر على أن ينفق على ولده فإن ذلك لا يجوز لأنه بذلك يدفع عن نفسه واجباً فالقاعدة الآن في أهل الزكاة أن كل من اتصف بوصف من أوصاف أهل الزكاة فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة لكن إذا كان دافع الزكاة يدفع عن نفسه حقا واجبا بها فإن ذلك لا يجوز.
فضيلة الشيخ: هل كذلك الأم تعطي أولادها من الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأم نعم تعطي أولادها من الزكاة إذا كانوا فقراء ولم تجب عليها نفقتهم أما إن وجبت عليها نفقتهم لكونها غنية جدا وأولادها فقراء فإنها تنفق عليهم من مالها لكن لو لزم أحدهم دين فإنه يجوز أن تقضيه من زكاتها.
***(10/2)
يقول السائل هل يجوز دفع زكاة المال إلى زوجة الابن أو زوج البنت إذا كان بحاجة ماسة لذلك ومن هم الذين تعطى لهم زكاة المال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لذين تعطى إليهم الزكاة هم ثمانية أصناف ذكرهم الله تعالى في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أما (الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين) فهم الذين لا يجدون كفايتهم وكفاية من ينفقون عليه لمدة سنة لكن الفقير أشد حاجة من المسكين فيعطى هؤلاء من الزكاة ما يكفيهم ويكفي من ينفقون عليه لمدة سنة وأما (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) فهم الذين أقامهم الإمام أي ولي الأمر لقبض الزكاة وتفريقها فيهم وهم عاملون عليها أي لهم ولاية عليها وأما الوكيل الخاص لصاحب المال الذي يقول له يا فلان خذ زكاتي وزعها على الفقراء فليس من العاملين عليها لأن هذا وكيل فهو عامل فيها وليس عامل عليها وأما (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) فهم الذين عندهم إيمان ضعيف يحتاجون إلى تقويته بشيء من المال فيعطون من الزكاة ما يحصل به التأليف وهل يشترط أن يكونوا سادة في قومهم أم تجوز حتى لأفراد الناس على قولين للعلماء منهم من قال إنه لابد أن يكون المؤلف سيد في قومه لأن ذلك أبلغ في التأثير لأن السيد إذا صلح وقوي إيمانه قوي إيمان أتباعه ومنهم من يقول إن التأليف لمصلحة الإنسان الخاصة فيعطى وإن لم يكن سيداً في قومه وهذا أرجح وأما (الرِّقَابِ) فهم الأرقاء يشترون من أسيادهم بشيء من الزكاة ويعتقون وأما (وَالْغَارِمِينَ) فهم الذين عليهم الديون ولا يستطيعون سدادها فهؤلاء يسدد عنهم من الزكاة فإن قال قائل هل الأفضل أن يعطي هذا المدين ويوفي بنفسه أو الأفضل أن أذهب إلى دائنه وأوفيه فالجواب أن هذا يختلف إن كان المدين أميناً بحيث إذا أعطيناه من الزكاة قضى بها الدين عن نفسه فالأفضل أن نعطيه إياها ويقضي الدين بنفسه وإن كان المدين غير مأمون أي نخشى إن أعطيناه ليقضي دينه أن يتلاعب بها ولا يقضي الدين فحينئذ نذهب نحن بأنفسنا ونعطي دائنه من الزكاة ما يوفي عن ذمته وأما (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فهو الجهاد في سبيل الله فيعطى المجاهدون من الزكاة ويشترى لهم الأسلحة من الزكاة لعموم قوله تعالى (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فهو يشمل المجاهدين وما يجاهدون به وأما (اِبْنِ السَّبِيلِ) فهو المسافر الذي انقطع به السفر يعني رجل سافر من مكة إلى المدينة وفي أثناء الطريق انقضت نفقته فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده هؤلاء هم أهل الزكاة وأما دفع الزكاة لزوجة الابن فإن كان ذلك للإنفاق عليها فهي مستغنية بإنفاق زوجها عليها ليست من أهل الزكاة وإن كان زوجها فقيراً وجب على أبيه أن ينفق على ابنه وعلى زوجة ابنه من ماله الخاص وحينئذ لا يعطيها من الزكاة وأما إن كانت زوجة الابن تحتاج المال لوفاء دين عليها فلا بأس أن يعطيها أبو زوجها من زكاته لتقضي دينها وكذلك لو فرض أن أبَ الزوج ليس عنده إلا مال قليل لا يكفيه وعائلته إلا بمشقة فيجوز أن يعطي من زكاته زوجة ابنه لأنه في هذه الحال لا يلزمه الإنفاق على زوجة ابنه لعدم قدرته على ذلك، وكذلك المسألة الثانية
فضيلة الشيخ: زوج البنت هل يجوز دفع الزكاة إليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وكذلك زوج البنت يجوز أن يعطى من الزكاة بكل حال إذا كان فقيراً لأن زوج البنت لا يجب على أبيها أن ينفق عليه.
***(10/2)
ماحكم الشارع في دفع الزكاة للأشراف السادات في حالة انقطاع الخمس في الوقت الحاضر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فبعضهم قال إن الزكاة لا تحل لآل محمد مطلقا لعموم الحديث وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه العباس (إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) ومنهم من قال إنها تحل لهم إذا لم يكن هناك خمس لأنهم إنما منعوا الزكاة لاستغنائهم بالخمس ولكن ظاهر الحديث العموم (إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) ولم يعلل الرسول عليه الصلاة والسلام بكونهم غير محتاجين إليها بل قال (إنما هي أوساخ الناس) وهي أوساخ الناس سواء أعطوا من الخمس أو لم يعطوا والقول الراجح عندي أنهم لا يعطون من الزكاة مطلقاً ولكن إذا كانوا محتاجين فإنه يمكن أن تدفع حاجتهم بالأموال الشرعية الأخرى.
***(10/2)
يقول السائل هل يشترط إخراج زكاة المال للمحتاجين من المسلمين أم تجوز حتى لغير المسلمين كذلك إذا كانت تجب للمحتاجين من المسلمين فقط فهل يشترط أن يكونوا ممن يقيمون شعائر الله حيث نحن في زمنٍ للأسف كثر فيه المسلمون الذين لا يصلون ولا يقيمون أكثر العبادات فهل يشترط فيمن تجب لهم الزكاة شروط معينة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكافر فإنه لا تدفع إليه الزكاة إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم فإن المؤلفة قلوبهم من الكفار من يجوز أن تدفع لهم الزكاة وأما الفاسق من المسلمين فإنه يجوز أن تدفع إليه الزكاة ولكن صرفها إلى من كان أقوم في دين الله أولى من هذا وأما إذا كان المسلم لا يصلى فإن تارك الصلاة كافر ومرتد لا يجوز أن تدفع له الزكاة لأن ترك الصلاة كفرٌ مخرجٌ عن الملة وعليه فإنه ليس أهلاً للزكاة إلا أن يتوب ويرجع إلى الله عز وجل ويصلى فإنه سوف تصرف إليه الزكاة ولا ينبغي أن تصرف الزكاة لمن يستعين بها على معاصي الله مثل أن نعطي هذا الشخص زكاةً فيشتري بها آلات محرمة يستعين بها على المحرم أو يشتري بها دخاناً يدخن به وما أشبه ذلك هذا لا ينبغي أن نصرفها إليه لأننا بذلك نكون قد أعناه على الإثم والعدوان والله تعالى يقول (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
فضيلة الشيخ: إذاً ليس هناك شروط محددة لمن يستحق الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: شرط الإسلام وشرط اتصافه بالاستحقاق. الاستحقاق هو كونه من الأصناف الثمانية المعروفة.
***(10/2)
السائل أ. أ. الرياض يقول هل الصدقة على غير المسلم فيها أجر إذا كان في أشد الحاجة إليها نرجو إفادة بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة على غير المسلم جائزة وفيها أجر إذا كان محتاجاً لها لكن لا تحل له الصدقة الواجبة أي الزكاة إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم ويشترط في الصدقة عليه ألا يكون ممن يقاتل المسلمين فإن كان ممن يقاتل المسلمين ويخرجهم من ديارهم فإنه لا يتصدق عليه لأن الصدقة عليه تستلزم إعانته على المسلمين يقول الله تعالى (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) .
***(10/2)
يقول السائل هل يجوز أن أدفع الزكاة لأقاربي مع أنهم يقصرون في أداء الصلاة مع الجماعة حيث يصلون في البيت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا بأس أن تدفع زكاتك إليهم بشرط ألا تكون نفقتهم واجبة عليك فإن كانت نفقتهم واجبة عليك فالواجب أن تنفق عليهم من مالك وربما يكون دفعك الزكاة إليهم سببا في هدايتهم وهذا الحكم فيما إذا كانوا يصلون لكن لا يصلون مع الجماعة أما إذا كانوا لا يصلون مطلقا فإنه لا يحل لك أن تدفع إليهم الزكاة لأنهم كفار والكافر لا يحل دفع الزكاة إليه إلا مَن كان مؤلفا والمؤلف هو الكافر الأصلى الذي كان على كفره فتألفه على الإسلام أما المرتد فإنه إما أن يرجع إلى الإسلام وإما أن يقتل وليس ثمّ خيار أخر.
***(10/2)
السائل فضل الله منصور من ليبيا يقول ابن عمي تارك للصلاة وكذلك زوجته لا تصلى لهم ثمانية من الأطفال فهل تعطى من الزكاة وهم في حاجة ماسة لها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعطى أحد من الكفار فضلاً عن المرتدين من الزكاة شيئاً إلا إذا كان ذلك يؤلف قلوبهم للإسلام فإنهم يدخلون في عموم قوله تعالى (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وأما إذا كان هذا لا يزيدهم إلا تمادياً في كفرهم أو أنه لا يؤثر في تأليف قلوبهم للإسلام فإنهم لا يعطون شيئاً ولكن أولادهم الصغار إذا كانوا في حاجة فإنه لا حرج أن يتبرع لهم بكساء أو فراش أو ما أشبه ذلك ولكن لا يكون من الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل لي أخ شقيق وهو فقير هل يجوز أن أعطيه من زكاة أموالي رغم أنه لا يصلى وأنا غني ولله الحمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان أخوك لا يصلى أبدا لا في المسجد ولا في البيت فلا تعطه من زكاتك لأنه مرتد عن الإسلام إلا إذا اشترطت عليه أن يعود إلى دينه ويصلى فحينئذٍ أعطه أولاً صدقة تأليفا له على الإسلام وترغيبا له فيه ثم إذا استقام ومشت أحواله على الوجه المرضي فأعطه من زكاتك وإن لم يكن له أولاد وأنت وارثه الوحيد فإنه يجب عليك أنه توفر له النفقة من مالك لا من الزكاة.
***(10/2)
ما حكم إعطاء زكاة المال لشخص لا يصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لا يصلى أبداً فإنه لا يعطى من الزكاة لأن الذي لا يصلى أبداً مرتد كافر والزكاة لا يجوز دفعها للكافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم وأما إذا كان لا يصلى مع الجماعة ولكن يصلى في بيته فهذا فاسق ولكنه ليس بخارج من الإسلام فإذا كان من أهل الزكاة أعطي منها وفي الصورة الأولى إذا كان لا يصلى أبداً وكان عنده عائلة ونحن نعلم فقرهم فإننا نعطي الزكاة أمهم أو القائم على أهل البيت ولا نسلمها للأب.
***(10/2)
يقول السائل: إذا كان الرجل عاجز بسبب بتر رجليه الاثنتين ولديه أولادٌ صغار ولكن هذا الرجل لا يصلى أبداً فما الحكم إذا أعطيته من الزكاة أو الصدقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لا يصلى أبداً فإنه لا يعطى من الزكاة ولا من الصدقة أيضاً لكن إذا كان له عائلة فإن العائلة يعطون إما أن يأتي بأطعمة وألبسة لهم وهذا من غير الزكاة وإما أن يعطى من الزكاة أمهم التي تليهم وتتولى أمورهم وأما أبوهم فلا حرمة له ولكني أقول لماذا لا ينصح هذا الأب ويقال له ترك الصلاة كفر هل ترضى أن تكون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف يوم القيامة هل ترضى أن تكون خارجاً عن دائرة المسلمين أظنه يقول لا أرضى فلينصح هذا الرجل وليبين له خطر ترك الصلاة لعل الله يهديه.
***(10/2)
عثمان محجوب من الكويت يقول هل يمكن أن تنفق الزكاة في بناء المساجد والمدارس وفي أماكن لتعليم القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه محل خلاف بين العلماء منشؤ الخلاف في تفسير قوله تعالى (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) هل المراد بها كل ما يتقرب به إلى الله من المصالح العامة أو المراد بها الغزو في سبيل الله فقط والذي يظهر لي أن المراد بها الغزو في سبيل الله فقط لأن هذا هو المعروف عند الإطلاق ولأننا لو جعلناه عاماً لم يكن للحصر فائدة في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الخ ولأن حصره في الغزاة أحوط وما كان أحوط فهو أولى بالاتباع أما ما أشار إليه السائل من بناء المدارس ونحوه فإنه فإنها أعمال خير يحث الناس عليها ويكون صرف المال عليها من جهة أخرى من جهة الصدقات وأفعال الخير والبر.
***(10/2)
سعيد يسري يقول: هل يجوز دفع زكاة مالي لبناء مسجد لمدينة يسكنها النصارى أو جزء منها لتشييد هذا المسجد علماً بأنه يبنى بالجهود الذاتية وله أهمية عظمى لخدمة الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الزكاة لا تدفع إلا في الأصناف التي ذكرها الله عز وجل في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) هؤلاء أصنافٌ ثمانية حصر الله تعالى صرف الزكاة إليهم فقال (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فلا يجوز أن تدفع في غير هذه الأصناف الثمانية لأننا لو جوزنا صرفها إلى غير هذه الأصناف الثمانية لم يكن للحصر فائدة والله عز وجل قد ذكرها على سبيل الحصر وقال (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فبين أنه عز وجل فرضها على عباده بمقتضى علمه وحكمته فلا يجوز لأحدٍ أن يزيد منها شيئاً من المعلوم أن بناء المساجد ليس من هذه الأصناف الثمانية وإذا لم يكن منها فإنه لا يجزئ أن تصرف الزكاة في بناء المساجد حتى وإن كان فيها هذه الفائدة التي ذكرها السائل ولكن من الممكن أن يتصل السائل بالأثرياء المحسنين ويعرض عليهم الموضوع وفي ظني أن من أغناه الله عز وجل وأعانه على نفسه لن يتوانى في مساعدة هذا الرجل لإقامة هذا المسجد في هذا المكان المهم.
***(10/2)
هل التبرع لبناء المساجد أو ترميمها وكذلك المعاهد الدينية أو المدارس تعتبر من مخارج الزكاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التبرع لجهات البر العامة كبناء المساجد والمدارس والمعاهد وإصلاح الطرق والأربطة لطلبة العلم وما أشبه ذلك ليس داخلاً في قسم الزكاة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى فرض الزكاة لأصناف ثمانية معينة وحصر هذه الفريضة فيها فقال عز وجل (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فتأمل قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فإن هذه الجملة تفيد الحصر. والحصر كما قال أهل العلم إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، وعلى هذا فالزكاة محصورة في هذه الأصناف الثمانية منتفية عمن سواها، ثم تأمل قوله (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ) حيث جعل الله تعالى هذه المصارف فريضة يجب أن تكون الزكاة فيها لا فيما سواها، ثم تأمل قوله (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يتبين لك أن هذا الفرض صادر عن علم وحكمة من أعلم العالمين وأحكم الحاكمين عز وجل وبهذا نعرف أنه لا يحوز أن تصرف الزكاة في غير هذه المصارف الثمانية فإن قال قائل (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ألا يشمل كل ما يتقرب به إلى الله؟ الجواب لا لأننا لو جعلناه شاملاً لكل ما يتقرب به إلى الله لم يكن للحصر فائدة، وكل ما في القرآن لابد أن يكون مشتملاً على فائدة لأن الله سبحانه وتعالى لن يقول القول اللغو الباطل، وهو سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن بلسان عربي مبين، واللغة العربية تقتضي أن مثل هذا الأسلوب حاصر لا يتعدى الحكم فيه إلى غير ما جرى فيه هذا الأسلوب، وعلى هذا فإن في الآية ما يدل على منع القول بأن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عام بجميع المصالح من بناء المساجد والمدارس والربط وغيرها، ثم إننا نقول لو جعلنا هذه المصارف الخيرية التي لم تذكر في الآية الكريمة مصرفاً للزكاة لانقطع الناس عن عمل البر الذي يتطوعون به إلى الله لأن النفوس مدفوعة على الشح، فإذا فتح لها باب صرف الزكاة إلى هذه الجهات صارت لا تتبرع، لهذه الجهات إلا بما هو واجب.
***(10/2)
المهندس محمد فهمي مصري الجنسية يقول: أحمد الله على كثيرٍ من النعم فأنا ميسور الحال ومنّ الله عليّ بنعمٍ كثيرة ومنها نعمة الإسلام وقد قمت ببناء عمارة بجمهورية مصر العربية ووهبت نصف الطابق الأرضي كمسجد والآن أود أن أؤسس هذا المسجد من فرش وكهرباء ومياه وغير ذلك وفي نفس الوقت علي زكاة مال يجب أن أدفعها عن فائض أموالي ومنذ ثلاث سنوات قمت بحجب جزء من هذه الزكاة بغرض تأسيس هذا المسجد وشراء ما يلزمه السؤال هل في تخصيص جزء كبير من أموال الزكاة لتأسيس هذا المسجد أمرٌ جائز ثانياً هل حجبي لجزء من الزكاة عن الأعوام السابقة فيها مخالفة شرعية ثالثاً هل يجوز إخراج جزء من الزكاة لعمارة المسجد أو المدارس أو المستشفيات من باب (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول بارك الله لأخي السائل في ماله وفيما أنفقه من ماله وأبشره أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة) وأجيب عن أسئلته الثلاثة بأن بناء المساجد وفرش المساجد وإضاءتها لا يصرف من الزكاة لأن أهل الزكاة محصورون في ثمانية أصناف بينهم الله في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فما ادخره من زكاته الماضية لبناء هذا المسجد وتأثيثه والقيام بما يحتاج إليه يجب الآن أن يصرفه في أهل الزكاة الذين ذكرهم الله تعالى في الآية التي قرأناها أنفاً وأرجو ألا يكون عليه إثم بتأخير صرف الزكاة السنوات الماضية لأنه فعل ذلك عن اجتهاد وأتمنى أن لو سأل قبل أن يفعل ليكون فعله مبنياً على علمٍ وبصيرة وهذا هو الجواب عن السؤال الثاني وأما السؤال الثالث وهو المعنى العام الأوسع وهو هل يدخل (في سبيل الله) الإنفاق في كل ما يقرب إلى الله من بناء المساجد والمدارس وطبع الكتب وغير ذلك وجوابي على هذا السؤال إنه لا يدخل في هذا وأن قوله تعالى (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) خاصة بالجهاد في سبيل الله وهو أن يقاتل المرء لتكون كلمة الله هي العليا فتصرف الزكاة للمجاهدين في سبيل الله وتصرف الزكاة في شراء الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله وألحق بذلك العلماء من تفرغ لطلب العلم الشرعي وهو قادرٌ على التكسب فإنه يعطى من الزكاة لأن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله.
***(10/2)
إذا تبرع الناس بأموالهم لبناء مسجد فهل يجوز أن يجعل الباقي في صندوق مصالح المسجد؟
الشيح: لا يجوز لأن المتبرعين تبرعوا لبناء المسجد ما تبرعوا للمسجد عموما ومعلوم أن البناء ليس كالمصالح العامة كالفراش وما أشبهه.
***(10/2)
يقول السائل هل يجوز للمرء أن يعطي شيء من الزكاة لمن أراد أن يحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان الحج نفلا فلا يجوز أن يعطى من الزكاة وأما إذا كان فريضة فذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك وهو أن نعطيه ليحج الفريضة وفي نفسي من هذا شيء لأنه لا فريضة عليه ما دام معسرا وإذا كان لا فريضة عليه فلا يجوز أن يعطى من الزكاة.
***(10/2)
يقول السائل جاري يتعامل بالربا ويربح كثيراً ويتصدق على الجيران في كل أسبوع هل أخبر الجيران بأنه مرابي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمك أن تخبرهم بأنه مرابي إلا إذا كنت تريد أن تتفق أنت والجيران على نصيحته لعل الله يهديه وأما فيما سوى ذلك فلا يلزمك أن تخبرهم بأنه يتعاطى بالربا لأن صدقته عليكم مباحة بالنسبة لكم وبين الصدقة مجردة عن الربا فتكون جائزة ورباه على نفسه ولهذا (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأكل من طعام اليهود فأهدت إليه امرأة عام خيبر شاةً وأكل منها) (ودعاه يهوديٌ في المدينة إلى خبز شعير وإهالة سنخة) .
***(10/2)
_____ فتاوى الصوم _____(/)
مكانة الصيام وحكمه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فيه - الامور التي ينبغي على الصائم فعلها أو تركها - حكم التهاون في الصوم والافطار بغير عذر وصوم من لا يصلى - وقت الامساك والفطر , من يباح لهم الفطر - المريض , المسافر , الحامل , المرضع(11/1)
ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل شهر الصوم أوله رحمه وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل الذي تكثر فيه الدعوات وتكثر فيه الحسنات نود من فضيلتكم مقدمة عن هذا الشهر الفضيل وماذا يجب على المسلم تجاهه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الشهر المبارك شهر رمضان قال الله تعالى فيه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) خصه الله تعالى بأنه نزل فيه القرآن العظيم وخصه الله تعالى بليلة مباركة هي ليلة القدر التي قال الله عنها (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ) وقال الله تعالى عنها (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وخصه الله تعالى بأن فرض صيامه على هذه الأمة وجعل صيامه أحد أركان الإسلام وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه) وخصه الله عز وجل بأن جعل قيام ليلة سبباً لمغفرة الذنوب فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ولهذا شرع للمسلمين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوموا ليالي رمضان جماعة يصلوا في المساجد خلف إمام وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وإنني أحث أخواني المسلمين على صيام رمضان الصوم الذي تزكوا به أعمالهم ويزيد به إيمانهم وهو الصوم الذي يحافظ عليه صاحبه حتى يحقق ما شرع الصيام من أجله وقد اشار الله إلى ذلك في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َ) فبين الله الحكمة من فرض الصيام وهي تقوى الله عز وجل وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (قال من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحكمة من الصوم أن يدع الإنسان قول الزور والعمل به والجهل فأما (قول الزور) فهو كل قول محرم لأن كل قول محرم زور لازوراره عن الصراط المستقيم وانحرافه عنه وكذلك العمل بالزور يشمل كل عمل محرم وأما (الجهل) فهو العدوان على الناس وظلمهم بأنفسهم وفي أموالهم وفي دمائهم وأعراضهم وأحث إخواني المسلمين على أن يغتنموا هذا الشهر بالعناية بقيام لياليه فإنه كما أسلفنا أنفاً (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وقيام رمضان يغفر الله به ما تقدم من ذنب الغافل وأؤكد على إخواني الأئمة الذين يؤمون الناس أؤكد عليهم أن يقوموا للناس قياماً يكون مشتملاً على الطمأنينة وقراءة القرآن بتمهل وألا يفعلوا كما يفعل كثير من الأئمة فيسرعوا اسراعاً لا يتمكن به المأموم من فعل المستحب بل أحياناً يسرعون اسراعاً لا يتمكن به المأموم من فعل الواجب من الطمأنينة والتسبيح ونحو ذلك وقد نص أهل العلم رحمهم الله على أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموين فعل ما يسن فكيف إذا أسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب، والإمام ضامن. ضامن لمن وراءه أن يقوم بهم في الصلاة الكاملة على الوجه الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها (سئلت كيف كان قيام النبي صلى الله عليه وسلم أو كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت كان لا يزيد في رمضان ولا على غيره على إحدى عشر ركعة) فإذا اقتصر الإمام على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة كما جاء ذلك في حديث ابن عباس لكن بتأني وتمهل وطمأنينة ترتيل للقرآن وخشوع في الركوع والسجود وإقامة للذكر المستحب حتى تؤدى الصلاة على الوجه الأكمل ويتمكن من وراءه من أدائها كذلك كان هذا خيراًَ من كثرة العدد بدون طمأنينة وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة (في قصة المسيء في صلاته الذي جاء فصلى صلاة لا يطمأن فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرجع فصلى فإنك لم تصلِّ كرر ذلك عليه ثلاث مرات حتى قال والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) وأحث إخواني المسلمين على الجود في نهار رمضان بالجود بالنفس والجود بالمال فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن) فالعطاء والبذل والإحسان إلى الخلق في هذا الشهر له مزية على غيره لأنه شهر الإحسان والله تعالى يحب المحسنين وهو شهر الجود والله عز وجل يجود على عباده في هذا الشهر بخيرات كثيرة وفيرة أحث أخواني أيضاً على قراءة القرآن فيه بتمهل وتدبر لمعانيه ومباحثت ما يشكل مع أهل العلم فإن الصحابة رضي الله عنهم (كانوا لا يتجاوزن عشرة آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل) فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً وأحذر إخواني المسلمين من إضاعة وقت هذا الشهر المبارك فإن أوقاته ثمينة أحذرهم من أن يتجرؤا على ظلم عباد الله بالكذب في البيع والشراء والغش والخداع في أي معاملة يتعاملون فيها فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال (من غش فليس منا) وجملة القول أنني أحث إخواني المسلمين على كل عمل صالح يقربهم إلى الله عز وجل وأحذرهم من كل عمل سيء يكون سبباً في آثامهم ونقص إيمانهم وأسال الله تعالى لي ولهم التوفيق لما يحبه ويرضاه واجتناب اسباب سخطه ومعاصيه.
***(11/2)
ماهو هدي والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم في شهر رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وهدي السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم بإحسان استغلال هذا الشهر المبارك بكثرة فعل الخير واجتناب فعل الشر فلقد (كان النبي عليه الصلاة والسلام يأتيه جبريل كل ليلة يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان عليه الصلاة والسلام أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان) و (كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعتكف في رمضان في العشرة الأواخر منه) طلباً لليلة القدر والاعتكاف هو أن يلزم الإنسان المسجد ليتفرغ إلى طاعة الله سبحانه وتعالى.
***(11/2)
من الكويت أبو إيمان يقول: كيف كانت حالة الصحابة رضوان الله عليهم في استقبالهم لهذا الشهر الفضيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حال الصحابة رضي الله عنهم في مواسم الخيرات في شهر رمضان وفي عشر ذي الحجة وفي غيرهما من مواسم الخير أنهم أحرص الناس على اغتنام الأوقات بطاعة الله عز وجل لأن هذا من الخيرية التي أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وهكذا ينبغي لنا أن نتأسى بهم في مثل هذه الأمور وأن نحرص على اغتنام المواسم لفعل الخير واجتناب الشر فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله ولهذا تجد الرجل يرى أن كل ما فاته أو كل ما سبق وقته الحاضر في الدنيا كأنه ليس بشيء كما قال الله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) وأنت عند حلول أجلك كحالك عند انتباهك الآن وتدبرك وتفكرك أي أنه إذا حل أجلك لم تجد معك من دنياك شيئاً كأنها مضت وهي أحلام ولكن إذا كنت قد استوعبت هذا الوقت الثمين بطاعة الله فأنت في الحقيقة قد ربحت قال الله تعالى (ووَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .
***(11/2)
أحمد ع. ب. اليمن الشمالي يقول: ما معنى الحديث الشريف (من صام رمضان إيماناً واحتساباًَ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) هل معنى هذا أن الصوم يكفي دون سائر العبادات مثلاً رجل يصوم ولكنه لا يصلى ويؤدي بقية العبادات هل هذا داخل ضمن هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر السائل في هذا الحديث (غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ولكن الزيادة وهي قوله (وما تأخر) لا تصح والثابت قوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ومعنى قوله (إيماناً واحتساباً) أي إيماناً بالله عز وجل وتصديقاً بخبره ومعنى (احتساباً) أي تحسباً للأجر والثواب المرتب على صوم رمضان وأما قوله صلى الله عليه وسلم (غفر له ما تقدم من ذنبه) فالمراد ما تقدم من صغائر الذنوب وليس من كبائرها هذا رأي الجمهور في مثل هذا الحديث حملاً له على قوله صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وعلى هذا فلا يكون في الحديث دلالة على مغفرة كبائر الذنوب ومن العلماء من أخذ بعمومه وقال إن جميع الذنوب تغفر ولكن بشرط ألا تكون هذه الذنوب موصلة إلى الكفر فإن كانت موصلة إلى الكفر فلا بد من التوبة والرجوع إلى الإسلام وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة الثانية في السؤال وهي قوله هل هذا الحديث يغني عن بقية العبادات بحيث إن الرجل إذا كان يصوم ولا يصلى فإنه يغفر له نقول إتماماً للجواب: إن الإنسان الذي لا يصلى لا يقبل منه صوم ولا زكاة ولا حج ولا غيرها من العبادات لأن من لا يصلى كافر والكافر لا تقبل منه العبادات لقول الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) وقد أجمع العلماء على أن من شرط صحة العبادة أن يكون الإنسان مسلماً فإذا كان هذا يصوم ولا يصلى فإن صومه لا ينفعه كما لو أن أحداً من اليهود أو النصارى صام فإنه لا ينفعه الصوم بل إن حال المرتد أسوأ من حال الكافر الأصلى فنقول لهذا الذي يصوم ولا يصلى صلِّ أولاً ثم صم ثانياً وقد تقدم لنا في هذا البرنامج عدة مرات بيان الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح ولا مانع من إعادة ذلك لأهميته فنقول قد دل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة فمن أدلة القرآن قول الله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإن الله تعالى جعل لثبوت أخوتهم لنا في الدين ثلاثة شروط الشرط الأول أن يتوبوا من الشرك فإن بقوا على الشرك فليسوا إخوة لنا في الدين والثاني إقامة الصلاة فإن لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين والثالث إيتاء الزكاة فإن لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين أما الأول وهو أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك فليسوا إخوة لنا فأمر هذا ظاهر ولا إشكال فيه وأما الثاني وهو إذا لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين فهو أيضاً ظاهر من الآية ويؤيده نصوص أخرى منها قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) فقوله تعالى (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) يدل على أنهم في حال إضاعتهم للصلاة ليسوا بمؤمنين ومن الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) و (الكفر) المحلى بأل الدالة على الحقيقة لا يكون إلا الكفر المخرج عن الملة وبهذا يتبين الفرق بين هذا اللفظ وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) فإنه قال (هما بهم كفر) أي من الكفر وهذا غير محلى بأل فلا يكون دالاً على الكفر الحقيقي المخرج من الإسلام وإنما يدل على أن هذا من خصال الكفر وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ومن الأدلة الدالة على كفره قول النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فهذه الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي أن من لم يصل فهو كافر كفراً مخرج عن الملة وأما قوله تعالى (وَآتَوْا الزَّكَاةَ) فإن دلالتها على أن من لم يزك فليس أخاً لنا في الدين عن طريق المفهوم ولكن هذا المفهوم معارض بمنطوق صريح في أن تارك الزكاة الذي يمنع إعطاءها مستحقها ليس بخارج من الإسلام ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي من حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فقوله (حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) دليل على أنه ليس كافراً لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة وأما أقوال الصحابة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة فكثيرة ومنها قول عمر رضي الله عنه (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وقد حكى بعض أهل العلم إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة وقال عبد الله بن شقيق (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) وأما المعنى المقتضي لكفر تارك الصلاة فإن كل إنسان يعلم أهمية الصلاة واعتناء الله بها ومارتب على فعلها من الثواب وما رتب على تركها من العقاب لا يمكنه أن يدعها تركاً مطلقاً وفي قلبه مثقال ذرة من الإيمان فإن تركها تركاً مطلقاًُ يستلزم هذا فراغ القلب من الإيمان بالكلية وعلى هذا فإن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والمعنى كل هذه الأدلة تقتضي كفر تارك الصلاة وإذا كان كافراً فإن صيامه رمضان لا ينفعه ولا يفيده لأن الإسلام شرط لصحة الأعمال وقبولها.
***(11/2)
لماذا خص الله سبحانه وتعالى الصيام بقوله (الصوم لي وأنا أجزي به) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث حديث قدسي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال الله فيه (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وخصه الله تعالى بنفسه لأن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله فإن العبادات نوعان نوع يكون ظاهراً لكونه قولياً أو فعلياً ونوع يكون خفياً لكونه تركاً فإن الترك لا يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل فهذا الصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله عز وجل في مكان لا يطلع عليه إلا ربه فاختص الله تعالى الصيام لنفسه الظهور الإخلاص التام فيه بما أشرنا إليه وقد اختلف العلماء في معنى هذه الإضافة فقال بعضهم إن معناها تشريف الصوم وبيان فضله وأنه ليس فيه مقاصه أي أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحداً فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به لنفسه فيتحمل الله عنه أي عن الظالم ما بقي من مظلمته ويبقى ثواب الصوم خالصاً له.
***(11/2)
ما هي الأمور الشرعية التي ينبغي للصائم أن يقوم بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور الشرعية التي ينبغي للصائم أن يقوم بها كل قول يقرب إلى الله عز وجل من قراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن المعاملة مع الخلق بلين القول وانبساط الوجه وكذلك كل فعل يقرب إلى الله سبحانه وتعالى من الصلاة والصدقة وإعانة من احتاج للمعونة وغير ذلك مما هو معلوم من الشريعة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) وأن (إعانتك الرجل صدقة) وكذلك ينبغي للصائم أن يفعل ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من التسحر وهو الأكل في آخر الليل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا فإن في السحور بركة) ولينو بذلك امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم واتباع هديه والتقوي على الصيام ومما ينبغي له أيضاً أن يفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى ماء وأن يبادر بالفطور لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزال الناس بخير ماعجلوا الفطر) متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ويجب على الصائم خاصة وعلى كل أحد عامة من المسلمين يجب عليه أن يجتنب كل ما حرم الله عليه من ترك الواجبات والتهاون بها ومن فعل المحرمات ويجب عليه أن يقيم الصلاة في أوقاتها مع الجماعة ويجب عليه أن يجتنب الكذب والغش والغيبة والنميمة والغش والعدوان على الخلق.
***(11/2)
يقول السائل: قبل آخر ركعة من سنة الوتر يجلس الإمام في استراحة ويقول انووا الصيام بارك الله فيكم فنقول جميعا (اللهم إنا نوينا صيام غد من شهر رمضان فتقبله منا) ما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا أنه بدعة. بدعة منكرة وأمر الإمام به يدل على جهله والصيام ليست نيته في أول الليل فإنما تكون نيته عند السحور إذا تسحر الإنسان نوى ثم إنه لا يحتاج إلى التلفظ بالنية لأن التلفظ بالنية بدعة وهو جهل بالإنسان أيضا كيف تخبر ربكم بأنك نويت أن تصلى أو نويت أن تصوم أو نويت أن تتصدق أو ما أشبه ذلك أليس الله تعالى يعلم! يعلم ما في قلبك فكلامك هذا لغو والنية محلها القلب ولا ينطق بها في اللسان أبداً والنطق بها بدعة سواء كان ذلك سرّاً أم جهراً.
***(11/2)
يقول السائل رجل صائم وهو يتكلم كثيراً في مجلسه بكلام لا فائدة فيه فهل صيامه صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيامه صحيح ولكنه ينبغي للصائم أن يستغرق صيامه بالطاعات من صلاة وقراءة قرآن وذكر وغير ذلك فأما الكلام اللغو فإنه خسارة على الإنسان سواء كان صائماً أو مفطراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) والكلام اللغو يصحبه أحياناً كلام محرم من غيبة أو سخرية بأحد أو ما أشبه ذلك فينبغي للعاقل ان يحفظ لسانه عن كل شيء لا فائدة فيه سواء كان صائماً أو مفطراً.
***(11/2)
يقول السائل أنا رجل مسلم وملتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى وعند قيامي بأداء الصيام في شهر رمضان تكون عندي إجازة من العمل بذلك وطول الليل أتعمد السهر يومياً بحيث تستمر هذه السهرة حتى منتصف الليل وذلك حتى أنام في النهار كثيراً وبذلك لا أشعر بالعطش هل صيامي صحيح في حالتي هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صيامك صحيح لأنه ليس من شرط الصوم اليقظة فلو أن الإنسان نام في صيامه نوماً طويلاً كان صيامه صحيحاً مبرئاً لذمته ولكن يجب عليك أن تستيقظ لأداء الصلاة جماعة في المساجد ولا يحل لك التهاون بصلاة الجماعة ومن المعلوم أن الأفضل للصائم أن يتشاغل بالطاعة والذكر وقراءة القرآن ونحو ذلك مما يقربه إلى الله.
***(11/2)
يقول السائل بأنه يبلغ الثالثة والخمسين من عمره ولم يصم في حياته إلا سنة واحدة علماً بأنني أحافظ على الصلوات في أوقاتها وعدم صومي الذي حدث مني تهاوناً يشغلني ويقض مضجعي فكيف أعمل في كل هذه السنوات الماضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كانت الأيام بل إذا كانت السنوات الماضية لا تصوم فيها فإنه لا شك أنك مذنبٌ ذنباً عظيماً وتاركاً لركن من أركان الإسلام والواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تعتذر مما صنعت إلى ربك وأن تندم على ما حصل وأن تصلح عملك في المستقبل ولا يلزمك القضاء لما مضى وذلك لأن القضاء لا تستفيد منه شيئاً فإن القاعدة الشرعية التي دل عليها النص أن كل عبادةٍ مؤقتة إذا تركها الإنسان بدون عذر حتى خرج وقتها فإن قضاءها لا ينفعه وذلك لأن العبادة المؤقتة موقوتة بزمنٍ ذي طرفين فكما لا تصح لو قدمها على وقتها فلا تصح أيضاً لو أخرها عن وقتها بلا عذر ولو فرض أنه أخرها عن وقتها بلا عذر ثم صلاها بعد ذلك فإنها لا تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومعلومٌ أن تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها عملٌ ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً غير مقبول قال الله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي فرضاً موقتاً بوقت فإذا أخرجه الإنسان عن وقته لم يصح إلا بعذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فتب إلى الله عز وجل مما تركت من صيام الأعوام الماضية وأصلح العمل ومن تاب تاب الله عليه.
***(11/2)
السائل ح م ينبع يقول بأنه رجل يبلغ من العمر الخامسة والسبعين لم يبدأ الصيام في السن القانوني وإنما كنت أصوم أيام وأفطر أيام أخرى هذا بالإضافة إلى تهاوني في أداء الصلاة فقد كنت أصلى أحيانا وأترك أحيانا أخرى وقد داومت على الصيام والصلاة وأنا في الأربعين من عمري ماذا أفعل في السنوات التي فاتتني ولم أصمها مع العلم بأنني رجل عاجز ولا أستطيع القضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي التوبة في مثل هذا لأن كل إنسان ترك عبادة محددة بوقت بدون عذر شرعي فإنه لا يقضيها إذ أنه لا يستفيد بقضائها شيئا فكل عبادة محددة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فإنه لا يقضيها لأن قضائها سيكون هدراً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من علم عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومعلوم أن العبادة المؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها كانت عملا ليس عليه أمر الله ورسوله فتكون ردّاً.
***(11/2)
السائل ع ب العتيبي يقول من لم يصم رمضان لجهل منه وعدم مبالاة علماً بأن السنة التي لم يصم فيها هي أول سنة لبلوغه أو بلوغها أفيدونا في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سؤاله مركب من وصفين فيما ذكر يقول عن جهل منه وعدم مبالاة وبينهما فرق عظيم فإذا كان قد ترك الصوم عن جهل منه يظن أن الصوم لا يجب عليه مثل أن تبلغ المرأة بالحيض وهي صغيرة ولا تظن أن البلوغ يحصل إلا بتمام خمس عشرة سنة فإن هذه يجب عليه قضاء رمضان لأن الواجبات لا تسقط بالجهل وهذه المسألة تقع كثيراً لبعض النساء اللآتي يبلغن بالحيض وهنّ صغار فتستحي المرأة أن تبلغ أهلها بأنها حاضت فتجدها لا تصوم وأحياناً تصوم حتى أيام الحيض فنقول للأولى التي لم تصم يجب عليك أن تقضي الشهور التي لم تصوميها بعد بلوغك ونقول للثانية التي كانت تصوم في أيام الحيض يجب عليها أن تعيد ما صامته في الحيض لأن الصوم في الحيض لا يصح وأما قوله أو متهاوناً فظاهره أنه يعني أنه لم يصم متهاوناً بالصوم مع علمه بوجوبه فإن كان الأمر كما فهمته فإن من ترك صوم رمضان متهاوناً به مع علمه بوجوبه لا ينفعه قضاؤه ولا يقبل منه ولو صام ألف شهر وذلك لأن العبادات المؤقتة بوقت محدود في أوله وآخره لا يصح أن تقع إلا في ذلك الوقت المحدود فمن فعلها قبل دخول وقتها لم تقبل منه ومن فعلها بعد دخول وقتها لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً بعذر شرعي يبيح له التأخير وهذا عام في كل العبادات المؤقتة وعلى هذا فمن ترك الصلاة تهاوناً لمدة معلومة ولكنه لم يتركها تركاً مطلقاً مثل أن يكون يصلى يوماً ويدع يوم فإنه لا ينفعه قضاء ذلك اليوم الذي ترك الصلاة فيه لأن قضاءها بعد خروج وقتها بدون عذر لا يقبل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وعلى هذا فنقول لمن ترك صيام شهر رمضان متهاوناً نقول له إنه لا ينفعك قضاؤه ولكن عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتكثر من الأعمال الصالحة وألا تعود لمثل هذا الفعل والله الموفق.
***(11/2)
يقول السائل شاب بلغ من العمر إحدى وثلاثين سنة وخلال هذه الفترة من الزمن وبعد سن الرشد ترك الصوم والصلاة لمدة سنتين فقط من هذا العمر فهل لهذا كفارة علماً بأنه الآن يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان إلا أنه متألم وخائف من الله حسرة على ما فاته من تلك السنتين لركنين من أركان الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فيمن ترك العبادات المؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر فمنهم من قال إنه يجب عليه القضاء ومنهم من قال إنه لا يجب عليه القضاء مثال ذلك رجل ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها بدون عذر أو لم يصم رمضان عمداً حتى خرج وقته بدون عذر فمن أهل العلم من يقول إنه يجب عليه القضاء لأن الله تعالى أوجب على المسافر والمريض في رمضان أوجب عليهم القضاء فإذا أوجب الله القضاء عن المعذور فغيره من باب أولى وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (من نام عن صلاة أونسيها فليصلها إذا ذكرها) فأوجب النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على من نسيها حتى خرج وقتها وأوجب على من نام عنها حتى خرج وقتها أوجب عليه أن يقضيها قالوا فإذا وجب القضاء على المعذور فغير المعذور من باب أولى والقول الثاني في المسألة أنه لا يجب القضاء على من ترك عبادة مؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر وذلك لأن العبادة المؤقتة عبادة موصوفة بأن تقع في ذلك الزمن المعين فإذا أخرجت عنه بتقديم أو تأخير فإنها لا تقبل فكما أن الرجل لو صلى قبل الوقت لم تقبل منه على أنها فريضة ولو صام قبل شهر رمضان لم يقبل منه على أنه فريضة فكذلك إذا أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه وكذلك لو أخر صيام رمضان بدون عذر فإنه لا يقبل منه وهذا القول هو الراجح وذلك لأن الإنسان إذا أخرج العبادة عن وقتها وعملها بعده فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليها أمرنا فهو رد) وإذا كان عمله مردوداً فإن تكليفه لقضائه تكليف لا فائدة منه وعلى هذا فنقول لهذا السائل مادمت قد تركت الصلاة سنتين والصيام سنتين بدون عذر فإن عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً وتكثر من الأعمال الصالحة ولا تقضي ما فات لأنك لو قضيته لم تنتفع منه ولكن (التوبة تجب ما قبلها) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(11/2)
تقول السائلة ما حكم من يصوم شهر رمضان وهو لا يصلى وكذلك سمعت من الناس أن صوم الأول من شهر محرم سُنة فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صوم رمضان لمن لا يصلى مردود عليه وذلك لأن الذي لا يصلى كافر مرتد خارج عن الإسلام ومن شرط صحة العبادة أن يكون الفاعل مسلماً فما فعله تارك الصلاة من صيام أو صدقة أو غيرهما من العبادات فهو باطل مردود عليه ولكن إذا منّ الله عليه بالإسلام ورجع فصلى فإن الله يثيبه على ما عمل من عمل الخير في حال كفره لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على ذلك فقال تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسلمت على ما أسلفت من خير) .
***(11/2)
الأخت أم قصي من العراق محافظة نينوى تقول أنها أفطرت في الثمانية أيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي بسبب الدورة الشهرية ولكنها في ذلك الوقت لم تكن تصلى وإنما تصوم رمضان فقط ولكنها الآن والحمد لله قد ندمت على إهمالها وتركها الصلاة وتابت إلى الله لذلك فهي تسأل هل عليها أن تقضي تلك الأيام الثمانية فقط أم تقضي الشهر كله وهل يقبل الصوم مع ترك الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تاركة للصلاة تركاً مطلقاً لا تصلى أبداً فإن ترك الصلاة كفر يخرج به الإنسان من الملة والكافر لا يؤمر بقضاء ما يجب على المكلف من العبادات بدليل قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وعلى هذا فإذا كان شهر رمضان الذي مر عليها قد مر عليها وهي لا تصلى أبداً فإنه لا يصح منها إذا صامت ولا يلزمها قضاؤه إذا أسلمت وما دامت الآن أسلمت بعودتها إلى فعل الصلاة فإنه لا يجب عليها قضاء ما تركته حين تركها للصلاة لما أشرنا إليه آنفاً.
***(11/2)
حماد عبد الحميد من الإحساء يقول لماذا يُسلم كثير من الكفار في شهر رمضان فيصلون ثم يكفرون بعد خروجه فيتركون الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لعل هؤلاء الذين يسلمون بعد الكفر في نهار رمضان يجدون من المسلمين نشاطاً في هذا الشهر نشاطاً ملحوظاً بيناً وعادة الإنسان بفطرته أنه ينشط مع الناشطين ويكسل مع الكاسلين ولهذا كانت العبادة في أيام غربة الدين يكون للعامل فيها أجر خمسين من الصحابة لقلة من يوازره ويعينه ويشد أزره فلعل هؤلاء الذين يسلمون في شهر رمضان ترون هذا النشاط الزائد فيرغبون في الإسلام ثم إذا خرج رمضان كما هي عادة المسلمين وأقولها وأنا متأسف يفترون عن النشاط في عبادة الله فيرجع هؤلاء إلى كفرهم كما رجع هؤلاء المجتهدون من المسلمين إلى كسلهم وعدم نشاطهم في طاعة الله.
فضيلة الشيخ: أليس في تعبير الأخ حماد غلظة لأنه يقول يسلم كثير من الكفار في نهار رمضان فيصلون وهو فيما أعتقد يقصد بعض الناس الذين هم يعتبرون من المسلمين لأنهم قبل رمضان لا يصلون أبداً فإذا دخل رمضان اتجهوا إلى المساجد وصلوا فإذا ذهب رمضان تركوا الصلاة ورجعوا إلى ما كانوا عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو في الحقيقة ليس فيه غلظة لأن الإنسان يجب أن يقول بملء فمه عن الذي لا يصلى أنه كافر لأن الذي قال أرحم الخلق بالخلق محمد صلى الله عليه وسلم قال (من تركها فقد كفر) فالإنسان بعد مراجعة الأدلة وتبينها يقول بملء فمه إن من لا يصلى فهو كافر وليس في ذلك غلظة بل الذي أغلظ لنفسه هو هذا الذي ترك الصلاة فأي دين له بعد أن يترك هذه الصلاة العظيمة مع سهولتها ويسرها.
***(11/2)
ع أم من الرياض المملكة العربية السعودية يقول إذا أسلم الكافر في نهار رمضان هل يلزمه الصيام مع المسلمين مع أنه لم يتعرف على بقية أمور دينه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أسلم الكافر في أثناء النهار فإن للعلماء في ذلك خلافاً والراجح عندي أنه يلزمه الإمساك لأن هذا الرجل صار من أهل الوجوب وقد تجدد في حقه سبب الوجوب فلزمه أن يمسك ونظيره الصغير إذا بلغ في أثناء اليوم فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء وكذلك الكافر إذا أسلم في أثناء النهار لزمه الإمساك دون القضاء لأنه صار من أهل الوجوب والفرق بين هذين وبين المرأة إذا طهرت في أثناء النهار أن طهر المرأة في أثناء النهار زوال مانع وهي قد حل لها انتهاك هذا اليوم مع أنها من أهل الوجوب وأما الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ فإن هذا ليس زوال مانع ولكنه تجدد سبب الوجوب إذ أنهما في أول النهار ليسا من أهل الوجوب فالمرأة من أول النهار من أهل الوجوب لكن فيها مانع والكافر والصغير في أول النهار ليسا من أهل الوجوب فلما تجدد الوجوب في حقهما وجب عليهما الإمساك ولا قضاء عليهما فيكونان بهذا الإمساك قد استفادا ولا قضاء عليهما.
***(11/2)
من ح. ب. مقيم في الدمام يقول كنت فيما مضى لا أبالي بالصلاة ولا بالصيام والآن تبت إلى الله توبة نصوحا والحمد لله وسؤالي هل أصوم بدل السنوات الماضية من أجل أن أكفر عما مضى أم يكفي صيام الاثنين والخميس وأيام البيض حيث أنني أصوم ذلك وكذا بعض الأيام تطوعاً لله تعالى هل أنا مأجور على صيام هذه الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يدع فرائض الله من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج ولكن إذا ابتلي الإنسان فترك الصلاة أياماً أو أشهراً أو سنين وترك الصيام أياماً أو شهراً كاملاً أو سنوات ثم منّ الله عليه بالتوبة فإن التوبة تجب ما قبلها ولا يجب عليه قضاء ما مضى من صلاة أو صيام بل يكثر من التطوع والاستغفار وينيب إلى ربه عز وجل وهذا كاف عما ما مضى لعموم الأدلة الدالة على أن التوبة تجبّ ما قبلها وإنني أهنئ هذا السائل بما منّ الله عليه به من الاستقامة والتوبة إلى الله وأسأل الله تعالى لي وله الثبات على دينه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا.
***(11/2)
يقول السائل أنا شاب عمري الثالثة والعشرين وعندما بلغت سن العاشرة صلىت ثم صمت وعندما بلغت الثامنة عشرة تركت الصلاة والصيام ثم في السنة الثانية أو الثالثة والعشرين تبت إلى الله عز وجل وأقبلت على الله وبقيت أصلى وأصوم ما هو المفروض علي أن أفعله كفارة لتلك السنوات الماضية من صلاة وصيام وكل واجبات دين الله على المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك شيء وإنما الواجب عليك الآن أن تُصلح عملك وتستقيم فيما بقي من عمرك والتوبة تَجُبُّ ما قبلها قال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) فلا يجب عليك قضاء ما فاتك في السنوات التي تركت فيها العبادات عامداً بدون عذر.
***(11/2)
هذا سائل يقول ما حكم من ترك عدت رمضانات تساهلاً أو جهلاً أو عدم مبالاة واتباعٌ للهوى والشيطان هل يقضي الآن بعد هذه السنوات خصوصاً إذا كان تركه هذا من سنواتٍ مضت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر أهل العلم على أنه يلزمه القضاء فإن لم يفعل لم تصح توبته ولكن القول الراجح أنه لا يلزمه القضاء نقول هذا ليس رفقاً به ولكن تشديداً عليه لأنه لو قضى لن يقبل منه أي فائدةٍ في عملٍ لا يقبل وإنما قلنا إنه لا يقبل منه لأن من تعمد تأخير العبادة المؤقتة عن وقتها بلا عذر ثم أتى بها فقد أتى بها على غير ما أمر الله به ورسوله فتكون مردودةً عليه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ عليه وعلى هذا الذي ترك هذه السنوات من رمضان أن يتوب إلى الله ويصلح العمل ويستقيم ويسأل الله الثبات.
***(11/2)
السائل من الجمهورية العربية اليمنية صنعاء س. ل. ي. يقول بدأت أصلى منذ سنوات ولكن عند صيامي لأول مرة صمت نصف الشهر من رمضان وأفطرت النصف الآخر دون سبب ولم أكن أعلم بحديث (الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي ما معناه إنه من أفطر في شهر رمضان دون عذر لم يقبل منه صوم الدهر) فهل أكون آثم بذلك وماذا أفعل في هذه الحالة علماً بأنني كنت أجهل الكثير من أمور ديني في بداية بلوغي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن نقول يجب على كل مسلم أن يكون عالماً بأمور دينه وأن يتعلم كل ما يحتاج إليه ففي الصلاة مثلاً يتعلم أحكام الصلاة وفي الزكاة إذا كان عنده مال يتعلم أحكام الزكاة وفي الصيام إذا وجب عليه الصوم يتعلم أحكام الصوم وفي الحج إذا أراد أن يحج يتعلم كيف يحج لأن الشريعة بل لأن العبادات مبنية على الإتباع ومن لا يعلم ما يتبع فكيف يصحح عبادته إلا اللهم إلا تقليداً للناس على كل حال يجب على كل مسلم أن يتعلم أمور دينه وفي هذا السؤال يقول السائل إنه ترك نصف رمضان ولم يصمه ولكن نقول إنك إذا تبت إلى الله توبةً نصوحاً وأصلحت العمل فليس عليك قضاء الأيام التي تركتها على القول الراجح لأن كل عبادةٍ مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بغير عذر فإنها لا تقبل منه ولو فعلها وعلى هذا فنقول تب إلى الله وأصلح العمل وأكثر من العمل الصالح ولا يلزمك القضاء فيما تركت من صيام رمضان.
***(11/2)
يقول السائل في هذا العام تصادف أيام الامتحانات شهر رمضان المبارك والمدرسة تبعد عنا بمسافة مما يجعل الصيام يشق علينا أيام الامتحان فهل يحل لنا الإفطار والقضاء بعد نهاية أيامه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أنه لا يحل لك الإفطار وأنه يجب أن تصوم ولكن أحسن من هذا أن تعالج المشكلة بأن يكون الاستذكار بالليل فإذا كان الاستذكار بالليل زال الإشكال وزالت المشقة وليس الاستذكار بالنهار أمرا ضروريا حتى نقول لابد منه فالليل يغني عنه فهو أحسن وأريح للناس خصوصا وأن الناس غالبا في ليالي رمضان لا ينامون إلا متأخرين.
***(11/2)
السائل ع. المطيري يقول في هذا السؤال يذكر بأنه شاب ملتزم ويحمد الله على ذلك يقول ولا أزكي نفسي فإنني في أيام من رمضان في الأعوام الماضية لم أصمها بدون عذر مع أنني لا أعرف عدد هذه الأيام والآن بعد أن التزمت والحمد لله أريد منكم أن تبينوا ما يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك قبل كل شيء أن تشكر الله تعالى على نعمته عليك بالالتزام أي بالتزام الدين والشريعة فإن هذه من أكبر النعم بل هي اكبر النعم في الواقع فأحمد الله تعالى على هذا وأشكره عليه وسله الثبات والاستمرار وأما ما مضى من أفعال فإن التوبة منها أي من هذه الأفعال المحرمة تهدم ما كان قبلها كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما رمضان الذي لم تصمه فإنه لا يلزمك قضاءه بل التوبة إلى الله تعالى واللجوء إليه يمحو ذلك كله فنسأل الله لك الثبات وأن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك.
***(11/2)
من ع ع أمصري الجنسية يعمل بالعراق يقول أعمل سائق ولكنني أفطرت بعض الأيام من شهر رمضان وذلك بحكم شغلي الشاق والحر الشديد حيث أنني في بعض الأيام كنت أسافر بالسيارة حوالي ثلاثمائة كيلو متر هل يجوز لي أن أقضي هذه الأيام وإذا كان كذلك ما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى في هذه المسألة أن إفطارك من أجل العمل محرم ولا يجوز وإذا كان لا يمكنك الجمع بين العمل والصوم فخذ إجازة في شهر رمضان حتى يتسنى لك أن تصوم رمضان لأن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام لا يجوز الإخلال به لكنك ما دمت قد افطرت معتقداً أن الفطر يجوز لك في هذه الحال فإن عليك الآن قضاؤه لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وعليك ألا تعود لمثل هذا العمل وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للتوبة النصوح وأن يرزقنا البصيرة في دينه حتى نعبده على بصيرة وندعو إليه على بصيرة.
***(11/2)
كنت أعمل في مزرعة وعندما جاء رمضان قال لي صاحبها أنت مخير بين أمرين إما أن تفطر وتستمر في عملك وإما أن تترك العمل إذا لم تفطر ولذلك أفطرت عشرة أيام من رمضان ما حكم الشرع في نظركم في هذا وهل يصح لي أن أعيد هذه الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يدع فرائض الله من أجل تهديد عباد الله بل الواجب على الإنسان أن يقوم بالفرائض (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أرأيت لو قال لك لا تصلى فإن صلىت فلا تعمل عندي هل تطيعه في ذلك؟ لا شك أنك لا تطيعه وهكذا جميع الفرائض التي فرضها الله عليك لا يحل لك أن تدعها بتهديد غيرك بمنع العمل إذا قمت بها ونقول مرة ثانية لهذا الذي استأجر هذا العامل إن الذي يليق بك وأنت رجل مسلم أن تعينه على طاعة الله من الصلاة والصيام وغيرها من العبادات التي يقوم بها هذا العامل مع وفائه بالعقد الذي بينك وبينه فإنك إذا فعلت ذلك فقد أعنته على البر والتقوى والمعين على البر والتقوى كالفاعل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من جهز غازياً فقد غزى ومن خلفه في أهله بخير فقد غزى) فأنت يا أخي اتقي الله تعالى في هؤلاء العمال ولا تحرمهم من فضل الله عز وجل الذي لا يمنع العمل ولا ينقصه بل إن هذا قد يكون سبباً لبركة العمل وأضيف إلى هذا أنه كثرت الشكاوى من العمال في مكفوليهم حيث إن بعض الكفلاء نسأل الله لنا ولهم الهداية يؤذون المكفول ويماطلونه بحقه ربما يبقى شهرين أو ثلاثة أو أربعة لم يسلمه حقه بل ربما ينكر ذلك أحياناً جاء في الحديث القدسي عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى قال (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فأستوفى منه ولم يعطيه حقه) ثم ليتق الله في هؤلاء الفقراء المساكين الذين جاؤوا يريدون لقمة العيش في هذه البلاد فيماطلهم بحقهم شهرين ثلاثة أربعة أكثر من ذلك وهم في حاجة وأهلوهم قد يكونون في ضرورة.
***(11/2)
يقول السائل يوجد عندي أخت وهي في جبل مقطوع من الماء بينها وبين الماء مسافة لا تقل عن ست ساعات أفطرت في شهر رمضان كاملاً فما رأي سماحتكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السائل لم يبين سبب الفطر في شهر رمضان وظاهر كلامه أنها أفطرت لقلة الماء , على كل حال إذا أفطرت بعذر شرعي فإنها تقضي عدد الأيام التي صامها الناس إذا كان الناس صاموا تسع وعشرين يوما فإنها تقضي تسع وعشرين يوما وإذا كان الناس صاموا ثلاثين يوما فإنها تقضي ثلاثين يوما.
***(11/2)
يقول السائل أفطرت يوماً من رمضان بدون عذر شرعي فهل أصوم اليوم بيوم واحد أم بشهرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ندري بماذا أفطر إن كان أفطر بجماع وهو يعلم أن الجماع محرم فعليه الكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا أما إذا كان فطره بغير جماع فإنما عليه أن يتوب إلى الله ويقضي اليوم الذي أفطره.
***(11/2)
من اليمن الشمالية السائل أحمد علوي يقول أفطرت ثلاثة أيام قبل خمس سنوات ولم اقضها فما الذي يلزمني في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان إفطارك لعذر كمرض وسفر وجهل بوجوب الصوم وما أشبه ذلك من الأعذار الشرعية فأقضها الآن، لقوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، وأما إذا كان بغير عذر ولكنك تركتها عمداً فإن قضاءك لا ينفعك لأنك عصيت الله سبحانه وتعالى وخرجت بالمأمور عن حده الشرعي، فعملت عمل ليس عليه أمر الله ولا رسوله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي هذه الحال عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتصلح عملك وتقبل على عبادة الله.
***(11/2)
السائل ع المطيري يذكر بأنه شاب ملتزم ويحمد الله يقول ولا أزكي نفسي وقد فاتني من رمضان في السنوات الماضية لم أصمها وبدون عذر والآن بعد أن هداني الله عز وجل وأحمد الله على ذلك أريد أن تبرأ ذمتي من هذه الأيام ماذا أفعل علماً بأنني لا أعرف عدد هذه الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أهنئ أخانا بما مَنَّ الله به عليه من الاستقامة بعد الاعوجاج وأسأل الله تعالى أن يثبته على ذلك ويزيده من فضله وهنيئاً له بهذا فليثبت عليه وليتجنب كل شيء يخدشه أو ينقصه ومن المعلوم أن مثل هذا الشاب يكون له أصحاب من قبل يدعونه إلى الهوى فليتجنب هؤلاء الأصحاب وليبتعد عنهم وليصبر على أذاهم فإنهم قد يؤذونه قد يقولون له أنت مطوع أنت متشدد أنت متزمت ما الذي صرفك عن طريقك الأولى وما أشبه ذلك مما يقع من السفهاء لكن ليتجنبهم وليصبر على أذاهم وليستبدلهم بخير منهم أما ما مضى عليه من الصيام والصلاة مما تركه فإن التوبة تهدم ما قبلها وليس عليه قضاء ما فات عليه أن يصلح حاله ويعمل عملاً صالحاً ويرجو ثواب ربه ويخاف عذابه وعفا الله عما سلف.
***(11/2)
يقول السائل فضيلة الشيخ اختلاف البلدان في الصيام فنجد مثلاً أن هذا البلد ما زالت تصوم والأخرى عندهم نفس اليوم عيد فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم إذا ثبت دخول الشهر في بلد هل يثبت حكمه في جميع البلاد الإسلامية أو يختص الحكم فقط بهذا البلد أو يختص الحكم بهذا البلد وبما وافقها في مطالع الهلال؟ في هذا خلاف بين أهل العلم على نحو ستة أقوال في المسألة فمنهم من قال إنه قد ثبت ثبوتاً لا شك فيه أن مطالع الهلال تختلف فإذا كانت تختلف فإن الواجب أن يكون حكم دخول الشهر أو خروجه مربوطاً باختلاف المطالع فإذا اتفقت المطالع بين البلدان فإنه يثبت لهذه البلدان حكم دخول الشهر إذا رؤي في بلد واحد منها وإذا اختلفت المطالع فإن لكل بلد حكمه وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الذي تدل عليه النصوص فمن ذلك قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) والذين تختلف مطالعهم عن بلد الرؤية لم يكونوا شهدوا الشهر وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا) والذين تختلف مطالع الهلال بينهم لم يكونوا يروه والنبي عليه الصلاة والسلام علق الحكم على الرؤية وكما أن هذا مقتضى دلالة الكتاب والسنة فهو مقتضى القياس أيضاً فإن الناس يختلفون في الحكم في طلوع الشمس وغروبها فتجد بلداً قد طلع عليه الفجر فيمسكوا عن الأكل والشرب والبلد الآخر ما زالوا في الليل فهم يأكلون ويشربون وتجد بلداً قد غربت الشمس عندهم فحل لهم الأكل والشرب وبلد آخر لم تغيب الشمس عندهم فهم ما زالوا صائمين وإذا كانت البلاد تختلف باختلاف طلوع الشمس وغروبها وهو توقيت يومي فكذلك يجب أن تختلف البلاد باختلاف مطالع القمر ومغاربه وهذا توقيت شهري ولكن العمل اليوم العمل على أحد الأقوال الستة التي أشرت إليها وهي أن الحكم يتعلق بالعمل أي بالسلطة فإذا كانت هذه البلاد تحت سلطة واحدة فإنه يثبت حكم الهلال في حقها جميعاً ولو تباعدت ويرى بعض العلماء أنه متى ثبتت رؤية الهلال في أي بلاد إسلامي فالحكم لجميع الأمة الإسلامية.
***(11/2)
حسين محمود أردني يدرس الطب في كراتشي بالباكستان يقول ماحكم الاختلاف في رؤية هلال رمضان أو هلال شوال بين بلدان المسلمين وكيف يفعل المسلم إذا حصل اختلاف قد يصل إلى يومين بزيادة أو نقص فمن بدأ الصيام مثلاً في بلد متأخر بيومين ثم صادف في نهاية الشهر أن سافر إلى بلد آخر كان متقدماً في الصيام وعلى هذا فسيكون العيد عندهم مبكراً فماذا يفعل هذا القادم وما الحكم إن كان الفرق أيضاً في رؤية هلال ذي حجة فيكف يكون الحكم والعمل بالنسبة ليوم عرفة وما قبله وما بعده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المسألة اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يرى توحيد المسلمين تحت رؤية واحدة بمعنى أنه إذا ثبت رؤية الهلال بمكان من بلاد المسلمين ثبت حكمه في جميع بلاد الإسلام شرقيها وغربيها فإذا رأوا يعني مثلاً في المملكة العربية السعودية وجب على جميع المسلمين في جميع أقطاب الدنيا أن يعملوا بتلك الرؤيا صوماً وإفطاراً ومنهم من يرى أن الحكم يختلف باختلاف العمل يعني باختلاف الولايات فإذا ثبت في مكان في ولاية واحدة ولو تباعدت اقطارها فإنه يجب العمل به في جميع تلك الولاية أو تلك الدولة دون بقية الدول الأخرى ومنهم من يرى أن المعتبر في ذلك مطالع الهلال فإذا اختلفت مطالع الهلال فإنه لا يلزم الاتفاق في الحكم أما إذا اتفقت المطالع فإنه يلزم الاتفاق في الحكم فإذا رؤي في بلد ما وكانت البلد الأخرى توافقها في مطالع القمر فإنه يلزمهم الصوم وإن كانت تخالفها فإنه لا يلزمه وهذا هو القول الراجح من حيث الدليل ومن حيث التعليل أما الدليل فإن الله تعالى يقول (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) يعني من لم يشهد فلا يلزم عليه الصوم ويقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) فمفهوم هذه الجملة الشرطية أننا إذا لم نره لا يلزمنا صوم ولا فطر والمعنى والقياس يقتضيه فإنه كما اختلفنا في الإمساك والإفطار اليومي كذلك يجب أن يكون خلاف في الإمساك والإفطار الشهري ففي اليوم تغرب الشمس على أهل المشرق قبل غروبها على أهل المغرب ومع ذلك فإن أهل المشرق يفطرون وأهل المغرب صائمون وكذلك أهل المشرق يمسكون قبل أهل المغرب فيكون أهل المشرق قد أمسكوا لطلوع الفجر عندهم وأهل المغرب يأكلون ويشربون لعدم طلوع الفجر عندهم فإذا كان هذا الاختلاف ثابتاً بالإجماع في الإمساك والإفطار اليومي فمثله بلا شك الإفطار والإمساك الشهري إذ لا فرق ولكن مع ذلك نقول إن الرجل إذا كان في مكان فإنه يتبع ذلك المكان إذا أمر ولاة الأمور بالصوم فليصم وإذا أمروا بالإفطار فليفطر فإذا قدم إلى بلد قد سبق برؤية الهلال يعني أنه قدم من بلد كانوا قد صاموا قبل هذا البلد الذي قدم إليه بيومين فإنه يبقى حتى يفطر أهل البلد الذي قدم إليهم وإذا كان الأمر بالعكس بأن قدم من بلاد قد تأخروا في الصوم إلى بلاد قد تقدموا فإنه يفطر مع أهل هذه البلاد ويقضي ما بقي عليه من أيام الشهر لأنه لا ينبغي للإنسان أن يخالف الجماعة بل يوافقهم وإذا بقي عليه شيء أتى به كالصلاة مثلاً يدرك الإمام في أثناء الصلاة فيصلى معه ما أدرك ويقضي ما فاته والحاصل أن هذا هو حكم هذه المسألة أن العلماء اختلفوا فيها وعلى كل حال فإذا كنت في بلد فصم معهم وأفطر معهم أما بالنسبة لرؤية هلال ذي الحجة فإن المعتبر بلا شك البلد التي فيها إقامة المناسك فإذا ثبت الهلال فيها عمل به ولا عبرة ببقية البلدان وذلك بأن الحج مخصوص بمكان معين لا يتعداه فمتى ثبت رؤية هلال ذي الحجة في ذلك المكان وما ينسب إليه فإنه يثبت الحكم حتى لو خالفه بقية الأقطار.
***(11/2)
فضيلة الشيخ: بالنسبة للحالة الأولى التي هي في رمضان من ذهب إلى بلد وقد سبق به الصيام أيام فمعنى هذا أنه لو استمر معهم مع هذا البلد المتأخر قد يكون صام يوم عيد في بلده الذي أنشأ فيه الصيام فهل هذا لا يؤثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يؤثر إذ أن العبرة بمكانه في وقت وجوب الفطر.
فضيلة الشيخ: إذاً العبرة بالعيد في نفس المكان الذي فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في نفس المكان الذي فيه ولهذا قلنا لو قدم من بلد متأخر فإنه يفطر مع هؤلاء ويقضي ما فاته وإذا شيءت فقس هذا باليوم لو أن الإنسان مثلاً سافر من منطقة شرقية إلى منطقة غربية وهو صائم وقد أمسك في المنطقة الشرقية فمعنى ذلك سيزيد عليه ساعات اليوم والعكس بالعكس.
***(11/2)
هناك من يصوم رمضان برؤية الهلال بالمملكة العربية السعودية ومنهم من يصوم تبعاً للدولة التي يسكن فيها مما يسبب بعض الاختلافات في تحديد دخول رمضان فكيف يكون التصرف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة أعني مسألة الهلال مختلف فيها بين أهل العلم فمنهم من يرى أنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان على وجه شرعي فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم إن كان هلال رمضان والفطر إن كان هلال شوال وهذا هو المشروع من مذهب الإمام أحمد وعليه فإذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان وفطراً في شوال وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) قالوا والخطاب للمسلمين فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض ومن العلماء من يقول إنه لا يجب الصوم في هلال رمضان ولا الفطر في شوال إلا لمن رأى الهلال أو كان موافقاً فيمن رآه في مطالع الهلال لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة في ذلك فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته والبلاد الأخرى إن وافقته في مطالع الهلال فهي تبع له وإلا فلا وهذا القول اختيار شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله واستدل لهذا القول بقوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وبقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فصموا وإذا رأيتموه فأفطروا) أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب الصوم على كل أحد إذا ثبتت رؤيته في مكان من بلاد المسلمين لكن يختلف وجه الاستدلال عند شيخ الإسلام بن تيميه في هذه الآية والحديث وهو أن الحكم علق بالشاهد والرائي وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم يرلم يلزمه حكم الهلال وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤية لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رؤي وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم وهذا لاشك وجه قوي في الاستدلال وأقوى من الأول ويؤيده النظر والقياس فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس فقال تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكاً وبالليل إفطاراً والنبي عليه الصلاة والسلام قال (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) وقال (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) والمعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عاماً في جميع البلدان بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمرولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب ويفطرون قبلهم حسب تبين الفجر وغروب الشمس فإذا كان التوقيت اليومي متعلق بكل بلد بحسبه فكهذا التوقيت الشهري يتعلق بكل بلد بحسبه وبهذا يتبين أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله هو القول الراجح أثراً ونظراً هناك قول ثالث أن الناس يتبعون إمامهم فإذا قرر الإمام وهو صاحب السلطة العليا في البلد دخول الهلال وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى هذا الهلال صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس) وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر ولهذا فنقول للسائل الأولى ألا تظهر مخالفة الناس فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك وكانت بلادك لا تعمل بهذا وترى أحد الرأيين الآخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد وبإمكانك أن تصوم سرّاً في هلال رمضان وأن تفطر سرّاً في هلال شوال أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام.
***(11/2)
يقول السائل: سمعت بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حرم في كتابه الفتاوى توحيد الصيام ورؤية الهلال في رمضان هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه متى رؤي الهلال وجب الصوم ومتى رؤي هلال شوال وجب الفطر سواء رئي في الأماكن الأخرى أم لم يرى ولا يلزم الأماكن الأخرى إذا كانت تخالف بلد الرؤية في مطالع الهلال لا يلزمهم أن يصوموا إن كان الهلال هلال رمضان ولا أن يفطروا إن كان الهلال هلال شوال فهو يقول رحمه الله (مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة بذلك فإن اتفقت المطالع وجب اتفاق الجميع وإن لم تتفق فلكل بلدٍ حكمه) وما قاله رحمه الله هو الصواب.
***(11/2)
يقول السائل نحن في البادية وعند قدوم شهر رمضان المبارك لم نصم إلا عندما نرى الهلال والمدن تصوم قبلنا بيومين هل ما نقوم به صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان الذي يكون في بادية يتبع الحكومة التي تحكمه فإذا صام الناس صام، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس) وإن لم يصم الناس لم يصوموا أي أهل البادية، لكن لو فُرِضَ أنهم رأوا الهلال وثبتت رؤيته عندهم وهم بعيدون عن المدن التي يكون فيها حكم الدولة فلا حرج عليهم في هذه الحال أن يصوموا بل قال العلماء إنه في هذه الحال يجب عليهم أن يصوموا لأنه لا يكون في عملهم هذا مخالفة للجماعة وخلاصة القول أن نقول إن أهل البادية يتبعون حكام البلد الذي هم فيه فإن لم يتمكنوا من العلم بذلك كما لو كانوا ليس عندهم إذاعات أو ما أشبه هذا ورأوه هم وثبت عندهم ذلك فلا حرج عليهم أن يصوموا بل يجب عليهم أن يصوموا.
***(11/2)
متى يمسك الإنسان عن الأكل والشرب هل هو أثناء الأذان أم بعد الانتهاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الانتهاء عن الأكل والشرب للصائم معلق بطلوع الفجر لا بالأذان وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن بلال يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) فإذا كان المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فإن الواجب على الإنسان أن يمسك من حين أن يسمع الأذان وأما إذا كان المؤذن يؤذن على حسب ساعته وما رسم له من التحديد الذي لم يبن على مشاهدة الفجر فإنه لا حرج عليه أن يأكل ويشرب ولو كان المؤذن يؤذن لكن لا يتمادى في ذلك.
***(11/2)
متى يبدأ وقت الإفطار ومتى يمسك الصائم عن الأكل والشرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الإمساك عن الأكل والشرب فقد قال الله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإذا تبين الفجر في الأفق والمراد به الفجر الصادق وهو الذي يكون مستطيراً أي ممتداً من الشمال إلى الجنوب إذا تبين وأتضح وجب الإمساك لقوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) فإذا كانت السماء صحواً وأنت ترى الأفق من الشرق ولم يتبين لك النهار فلك أن تأكل حتى يتبين وأما الغروب فقد قال الله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) فإذا شاهدت قرص الشمس قد غاب فقد حل لك الفطر والأفضل المبادرة بالفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم (قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أحب عبادي إليّ أعجلهم فطراً) هذا إذا كان الإنسان يمكنه أن يشاهد الأفق عند طلوع الفجر وغروب الشمس أما إذا كان لا يمكنه مشاهدة ذلك كما هو الغالب في أهل المدن والقرى فإنهم يقلدون من يثقون به من المؤذنين فإذا أذن المؤذن وهو يقول إنني لا أؤذن إلا إذا طلع الفجر فليمسكوا وإذا أذن المؤذن وهم يثقون به فليفطروا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن بلال يؤذن بليل فكلوا وأشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإمساك معلقاً بسماع الأذان وهذا فيمن لا يمكنه أن يشاهد الفجر بنفسه أما من شاهد الفجر بنفسه فإنه يعتبر مشاهدته إياه وكذاك من شاهد غروب الشمس وراءها غربت وغاب قرصها في الافق فله أن يفطر وإن لم يسمع أذان المؤذن.
***(11/2)
حماد عبد الحميد من الأحساء لديه يقول هل يجوز للصائم أن يؤخر الإمساك إلى أن يؤذن لصلاة الفجر أم عليه أن يتحرز ويمسك قبل الأذان بدقيقتين أو ثلاث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله سبحانه وتعالى (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) والله سبحانه وتعالى قد حدد للصائم وقتاً لإمساكه ووقتاً لإفطاره أما وقت الإمساك فقد قال الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) فجعل الله حد الإمساك طلوع الفجر وليس من السنة أبداً أن يُمسك الإنسان قبل طلوع الفجر على سبيل الاحتياط أو التقرب إلى الله عز وجل لأن هذا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فيما لم يشرعه واحتياط في غير محله والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه (إن بلال يؤذن بليل فكلوا وأشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) وقد روي (أنه ليس بين أذانيهما إلا أن هذا يصعد وهذا ينزل) وإن كان في هذه الرواية ما فيها من النظر لكن على كل حال النبي عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم قال صلى الله عليه وسلم (فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) فهذه هي السنة وما يفعله بعض الناس حيث يجعلون إمساكية رمضان مدفع الإمساك يقولون أو وقت الإمساك ثم وقت طلوع الفجر لا شك أن هذا خطأ وليس بالصواب إذاً فالإنسان يأكل ويشرب حتى يتبين له طلوع الفجر إما بمشاهدته إن كان في بر وإما بسماع أذان الثقة الذي لا يؤذن حتى يطلع الفجر وكذلك أيضاً بالنسبة للغروب فإن الناس مأمورون بتعجيل الفطر من حين تحقق غروب الشمس أو غلبة الظن في غروبها فإذا غربت الشمس وإن لم يؤذن فإنك تفطر فإذا قُدِّر أنك في البر أو في مكان مرتفع يتبين به غروب الشمس فإنك تفطر وإن لم تسمع المؤذن وإذا لم تكن في مكان كذلك فإنك تعتمد على أذان الثقة الذي لا يؤذن حتى تغرب الشمس وإذا قُدِّر أن أحداً من المؤذنين أذن قبل أن تغرب الشمس وأنت تشاهد الشمس فإنه لا يجوز لك الإفطار حتى تغرب الشمس.
***(11/2)
يقول السائل هل صحيح أن الصائم له أن يأكل ويشرب حتى يقول المؤذن لا إله إلا الله وما الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح بل إذا علمنا أن المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر وجب علينا الإمساك من حين أن يؤذن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) أما إذا كان المؤذن لا يؤذن على الفجر لكن يتحرى فللإنسان أن يأكل ويشرب ولو كل الأذان لكن لا يتهاون في الأمر فيقول المؤذن إذا يتحرى وسآكل حتى أعرف أنه طلع الفجر لأن الإنسان الآن في قوتنا هذا لا يمكن أن يعرف طلوع الفجر لوجود الأنوار في الأفق التي تحول بين الإنسان ورؤية الفجر.
***(11/2)
يقول السائل: من هم الذين يباح لهم الفطر في نهار رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يباح لهم الفطر في نهار رمضان أنواع فمنهم المريض والمسافر لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ومنهم الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما أو على أنفسهما وولديهما ومنهم من احتاج إلى الفطر لمصلحة غيره وإنقاذ غيره من هلكة كما لو رأى مسلماً حوله نار يخشى عليه منها لا يتمكن من إنقاذه من هذه النار إلا بالفطر ففي هذه الحال له أن يفطر ومنهم الحائض والنفساء فانهما تفطران بل لا يصح منهما الصيام لأنه حرام عليهما.
***(11/2)
السائل جمال عبده مدرس يمني يقول ما معنى قوله تعالى (وَفَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وضحوا لنا بارك الله فيكم هذه الآية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله تعالى أول ما فرض الصوم جعل الخيار للصائم إن شاء صام وإن شاء أطعم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فكان الإنسان مخيرا بين أن يدفع فدية طعام مسكين لكل يوم وبين أن يصوم ولكن الله تعالى رَغَّبَ في الصيام فقال (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ثم نزلت الآية بعدها (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فنزلت هذه الآية بعدها فأوجبت الصيام عيناً وأنه لا يجوز للإنسان أن يطعم مع قدرته على الصيام كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
***(11/2)
من منصور البلوي يقول: يوجد إنسان مريض لا يستطيع أن يصوم رمضان بسبب مرضه وله حوالي خمسة عشرة عاما ماذا يجب عليه أن يفعل علماً بأن قريته التي يسكن بها لا يوجد بها مساكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من سؤاله أن له خمسة عشرة عاماً لا يستطيع الصوم فإذا كان كذلك فإن الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً وإذا لم يكن في قريته أحد من المساكين فلينقله إلى قرية أخرى يكون فيها مساكين فإن عجز عن نقله ولم يتمكن سقط عنه الواجب كسائر الواجبات فإن الله تعالى يقول في كتابه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ويقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقد أخذ العلماء من هذا قاعدة مفيدة وهي أنه لا واجب مع العجز.
***(11/2)
من ع. ع. م. جمهورية مصر العربية محافظة مرسى مطروح يقول أفطرت عدة أيام من شهر رمضان لسوء حالتي الصحية ولم أستطع صيامها لضعفي فماذا أفعل أأصومها حتى ولو سبب لي ذلك متاعب صحية أم ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من حال السائل أنه مريض مرضاً لا يستطيع معه الصوم على وجه مستمر وبناء عليه فإنه لا يلزمه الصوم في هذه الحال وإنما يلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً وذلك لأن العاجز عن الصوم له حالان الحالة الأولى أن يكون عجزه طارئاً بحيث يرجو أن يشفى من مرضه فيقضي ما فاته فهذا ينتظر حتى يشفى ثم يقضي ما فاته والحالة الثانية أن يكون مرضه مرضاً مستمراً لا يرجى منه الشفاء ففي هذه الحال يطعم كل يوم مسكيناً والاطعام له صفتان الصفة الأولى أن يجمع المساكين بعدد الأيام في آخر يوم من رمضان فيعشيهم والصفة الثانية أن يعطيهم شيئاً غير مطبوخ وهو ما يقرب من كيلو من الرز لكل واحد.
***(11/2)
يقول السائل أجريت لي عملية في الكلية اليسرى من أول شهر رمضان المبارك الماضي ولم أصم ذلك الشهر لأنني لم أستطع أن أصبر عن الماء ولو نصف ساعة ولم أقضي إلى هذا الوقت فماذا يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لهذا الرجل الذي أجرى عملية في كليته ولم يستطع الصوم إلى وقت كتابة سؤاله نقول له لا شيء عليك ما دمت عاجزاً ولو أستمر معك هذا العجز وقال الأطباء أنه لابد أن تتناول الماء في هذا الزمن القصير فإنه لا يجب عليك الصيام حيث يكون الغالب أن هذا سيستمر معك وعليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً.
***(11/2)
تقول السائلة: بأنها سيدة مسنة مريضة ضعيفة يقف مرضها حائلا بينها وبين أداء فريضة الصوم ويزداد مرضها إن هي صامت حتى ولو نصف النهار وعلى هذا فهي تفطر الشهر كله ولا تستطيع القضاء وقد تعدد ذلك لعدة سنوات, وتقول: قدرتي المالية متواضعة للغاية تجعلني لا أستطيع أداء كفارة الصوم مهما كانت فماذا علي في ذلك بالنظر إلى حالتي المادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنظر إلى الصوم فإنه لا يجب عليها الصوم لأنها من المعذورين عنه وأما بالنسبة للإطعام فالإطعام أمر يسير لأن الشهر كله تكفيه ستة آصع من الرز مع لحمها لكل خمسة من المساكين صاع من الرز مع لحمه وهذا في ظني أنه يسير لكل أحد والحمد لله في هذه البلاد فإن كانت تستطيع ذلك فالواجب عليها أن تفعل وإن لم تستطع ولم يكن عندها شيء من المال إلى هذا الحد القليل فإنه يسقط عنها الإطعام أيضا وذلك لأن الواجبات تسقط بالعجز لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(11/2)
يقول السائل: أنا مريض بمرض يستوجب أخذ العلاج مدى الحياة وكذلك شرب الماء باستمرار جزء من العلاج كما يقول الأطباء وأنا في شوق عظيم لصيام شهر رمضان فماذا أفعل وأنا أريد الحصول على فضل شهر رمضان العظيم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت محتاجاً إلى العلاج دائماً ولا يمكن أن تدعه فإنه لا حرج عليك أن تفطر في رمضان والواجب على من كان في مثل حالك أن يطعم عن كل يوم مسكيناً هكذا ذكر أهل العلم في المريض مرضاً لا يرجى برءه فجعلوه في حكم الكبير الذي لا يستطيع الصوم فيجب عليه أن يفدي بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً وفي هذه الحال يكون كالذي صام وبإمكانك أن تستغل شهر رمضان بالأعمال الصالحة الأخرى كالصدقة وقراءة القرآن والذكر والصلاة وما أشبه ذلك.
***(11/2)
يقول السائل: أنا صمت رمضان منذ أن بلغت ولله الحمد وفي شهر رمضان الماضي ذهبت إلى الطبيب بقصد الفحص وقال لي بأنك مصاب بالقرحة المعدية ومنعني من الصوم حتى أشفى ولكنني صمت وأكملت شهر رمضان بدون معاناة ولم أحس بشيء السؤال هل أصوم رمضان القادم إن شاء الله علماً بأنني لا أحس بشيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يحتاج إلى سؤال لأنه مادام الرجل قد صام رمضان الماضي على أنه قرب العلاج ومع ذلك لم يرى بأساً فنرجو أن يكون رمضان المستقبل كذلك والمسألة مرهونة بحال هذا السائل عند حلول رمضان إن كان به قدرة على الصيام فليصم وإن لم يكن به قدرة على الصيام فلا يصم.
***(11/2)
هذا السائل أحمد سعيد مصري ويعمل بالمملكة يقول لقد أجريت لي جراحة بسيطة في الرأس وأخذت بنج لإجراء العملية وكنت صائماً في ذلك اليوم وأكملت يومي صائماً بعد العملية فهل هذا الصيام صحيح أم يجب علي الإعادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام صحيح ولا يجب عليك الإعادة لأن إجراء العملية ليس ناقضاً للصوم ولا مفطر للصائم وهنا قاعدة ينبغي لإخواننا المسلمين أن يعرفوها كل إنسان فعل العبادة على وجه مشروع فإننا لا نبطلها إلا بدليل لأن الأصل الصحة وعدم المانع فمثلاً لو قال قائل أكل هذا الشيء ينقض الوضوء قلنا ما الدليل هات الدليل على هذا فإذا لم يأتي بدليل بقي الوضوء بحاله ولو قال قائل إن خلع الجورب بعد مسحه ينقض الوضوء قلنا له أين الدليل هل جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم أن من خلع خفه أو جوربه بعد مسحه فليعد الوضوء ولو قال قائل انتهاء مدة المسح تنقض الوضوء قلنا هات الدليل هل جاء في الكتاب والسنة أن من تمت مدة مسحه بطل وضوءه ولو قال قائل إن الحركة في الصلاة ولو كانت قليلة تبطل الصلاة قلنا هات الدليل وهلم جرّا كل العبادات إذا ادعى مدعي أنها فاسدة أو أن الإنسان فعل ما يناقضها طالبناه بالدليل فهذا الرجل الذي أجريت له عملية وهو صائم لو قيل له إن صومك باطل قلنا لمن قال له ذلك هات الدليل وإلا فالصيام صحيح ونحن نقول في الجواب إن صيام هذا الرجل صحيح لعدم وجود دليل على فساده.
***(11/2)
من ف. ع. العتيبي من الطائف يقول أنا شاب أبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً وقد أصبت بمرض مزمن لم أعرف له علاجاً وقد قمت بمراجعة عدة مستشفيات في الداخل والخارج وأجريت عدة عمليات ولكن دون جدوى ومرضي في بطني وقد مضى عدة سنوات وأنا أصوم بعض الأيام من رمضان وأفطر ولكن تمضي السنة ويأتي رمضان ولم أقض بسبب المرض واليوم الذي أصوم فيه أتعب ولا يتهيأ الوقت إلا وقد أجهدت كثيراً وحيث أن الإنسان معرض للوفاة في أي وقت فكيف أفعل في هذه الأيام والشهور التي لم أقضها وماذا أفعل في الشهور المقبلة من رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حال هذا السائل الذي ذكر عن نفسه أنه مريض بمرض في بطنه وأنه يستطيع الصوم أحياناً ولا يستطيعه أحياناً وأنه في الوقت الذي يستطيعه يجد مشقة عظيمة حاله أن يطعم عن كل يوم مسكيناً عما مضى وفي المستقبل إن بقي على الحال التي هو عليها ذلك أن أهل العلم رحمهم الله ذكروا أن الرجل الذي لا يستطيع الصوم وهو عاجز عنه عجزاً مستمراً فإن فرضه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كالكبير وبهذا تبرأ ذمته فالأيام التي بقيت عليك أطعم عن كل يوم منها مسكيناً والشهور المستقبلة من رمضان أطعم عن كل يوم منها مسكيناً ما دمت على هذه الحال وإن عافاك الله فقد برئت ذمتك مما كان قبل الشفاء ثم تستقبل الصيام في المستقبل.
***(11/2)
يقول السائل والدتي أفطرت شهرين من رمضان وذلك من مدة سنوات لا تقل عن خمسة عشر عام وذلك بسبب الولادة في عامين متتاليين وكانت لا تحسب أن فيها قضاء وأخيراً سمعت بقضاء ما فات ولكن والدتي سنها الآن ما يقارب ستون عاماً وعندها عدة أمراض ولا تستطيع قضاء هذه المدة علماً بأن لوالدتي حوالي سبعة أعوام تصوم الستة الأيام من شوال تطوعاً لله أفيدوني ماذا يترتب على والدتي بحيث أنها قلقة جداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على والدتك أن تصوم ما عليها من رمضان الماضي أي الشهرين جميعاً وصيامها الشهرين جميعاً قد لا يكلفها شيئاً إذ بإمكانها أن تقضي هذا الصيام في أيام الشتاء وهي قصيرة الزمن قليلة الحر ثم بإمكانها أيضاً أن تقضيها متفرقةً ومتتابعةً فإن الله يقول (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يوجب الله سبحانه وتعالى التتابع في القضاء وإنما أوجب التتابع في أداء رمضان ضرورة كونه في شهر والشهر لا يتفرق أما القضاء فالأمر فيه موسع فالذي يجب على والدتك أن تقضي ما عليها من الصيام بقدر ما تستطيع فإن كانت لا تستطيع إطلاقاً ويئس من استطاعتها في المستقبل فإنه يطعم عنها لكل يومٍ مسكيناً بمعنى أن يفرق عنها طعام ثلاثين يوماً عن شهر وثلاثين يوماً عن شهر فيكون ستين مسكيناً ولا بأس أن يطعم ثلاثين مسكيناً فيعطى الفقير الواحد إطعام يومين لكن لا عن شهرٍ واحد بل يومٌ عن شهر لسنة ويومٍ عن شهر لسنة ثانية فيكون المساكين ثلاثين مسكيناً بدلاً من ستين مسكيناً إلا أنه لا يعطى الواحد إطعام يومين من شهرٍ واحد بل يعطى إطعام يومٍ من هذا الشهر شهر سنة سبعين مثلاً وإطعام مسكين لشهر سنة واحد وسبعين.
فضيلة الشيخ: لكن من ناحية الكفارة ألا تعطى مثلاً لثلاثة مساكين أو أربعة مساكين بعدد الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جملةً لا يصلح يعني لا يصلح أن تعطى لمسكين واحد على التوالى بعدد الأيام لا بد من مسكين بكل يوم.
فضيلة الشيخ: ولو لم يتيسر هذا العدد في المدينة مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يتيسر في هذه المدينة يمكن أن يوجد في مدينةٍ أخرى كأهل الزكاة إذا لم يوجدوا في المدينة يجب أن ينظر في مدينةٍ أخرى فتعطى الزكاة لهم.
فضيلة الشيخ: إذاً لا بد من تفريق الكفارة على ستين مسكيناً أو ثلاثين مسكيناً كل يومين يعطى لمسكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعطي مسكين لكن اليومين لا من سنةٍ واحدة.
***(11/2)
سلطان عبد الله من الرياض يقول أصيبت والدتي بمرض في الكبد وهو مرض الاستسقاء أو تليف جزء من الكبد وقد قال الطبيب المعالج لها وهو طبيب مسلم أن الصيام قد يكون ضرراً عليها وقد يسبب زيادة المرض ألماً أيضاً ونصحت بعدم الصيام فما حكم الشرع في نظركم في هذه الحالة وهل علينا أن نسمع كلام الطبيب ثم إذا أفطرت الوالدة هل نطعم عنها عن كل يوم مسكين وما صفة الإطعام وإذا منّ الله عليها بالشفاء في المستقبل بإذن الله تعالى هل عليها إعادة الصيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي من هذا المرض أنه مرض يستمر مع الإنسان وقد يشفيه الله عز وجل منه فإذا قرر الطبيب المسلم أن الصوم يضر بهذا المريض إما بطول المرض وإما بشدة الألم فإنه له الفطر بذلك ويطعم عن كل يوم مسكيناً لكون المرض من الأمراض المستمرة وكيفية الإطعام أن يدفع شيئاً من الرز أو نحوه من الطعام الذي يعتبر من أوسط الأطعمة لدى الناس فيدفع من الرز ستة آصع يوزعها على الفقراء بعدد أيام الشهر ولا فرق بين أن يكون الفقراء في بيت واحد أو في بيوت متفرقة وفي هذه الحال يحسن أن يجعل معها لحماً بقدر ما يؤدمها وإن شاء صنع طعاماً في آخر الشهر ودعا إليه بعدد أيام الشهر مساكين يأكلونه كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل ذلك حين كبر وقول السائل إذا شافها الله بعد ذلك فهل تصوم نقول لا لا يجب عليها أن تصوم لأنها قد برئت ذمتها بالإطعام ونظير هذه المسألة ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في الرجل العاجز عن الحج إذا كان عجزه مستمراً وكان لم يحج من قبل فاستناب من يحج عنه ثم بعد أن حج عنه شفاه الله فإنه يجزئه الحج السابق ولا يلزمه إعادته.
***(11/2)
السائل حسن من الدمام ميناء الملك عبد العزيز يقول لقد أصبت بمرض فشل كلوي ونقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة الدولة حفظها الله وعملت غسيل كلى وتم العلاج لمدة سنتين وكان في أثناء الغسيل يظهر دم باستمرار ولم أصم شهر رمضان المبارك بسبب المرض ومنعني الدكتور أيضاً من الصوم وكان أول المرض هو الضغط وقد سبب لي التهاباً في الكلية اليسرى وجاء شهر رمضان المبارك عام 1404 هـ في أثناء المرض ومنعني الدكتور أيضاً من الصوم وعارضت كلام الدكتور وقمت بالصيام في شهر رمضان كاملاً بعد ذلك جاء شهر شوال وذهبت للدكتور لبعض التحاليل فقال لي لقد فشلت الكلية عندك فقلت له كل شيء من عند الله تعالى والآن أريد أن أعرف هل علي إثم أولاً لأنني عارضت كلام الدكتور لأنه حافظ على حياتي وأما اليوم ولله الحمد فلقد زرعت لي الكلية في عام 1406 هـ في يوم 27/7/1406 هـ ومن يوم زراعة الكلية أنا استعمل العلاج أربعاً وعشرين ساعة ولا زالت نصيحة الدكتور لي بعدم الصيام لأن الكلية لن تشفى وتأخذ قواها الطبيعية فأفتونا جزاكم الله خيراً علماً بأنني من يوم زراعة الكلية مضى علي سنتين ولم أصم رمضان في تلك السنوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نقول لهذا الأخ أنه يجب عليه أن يحافظ على صحته ما استطاع ولا ينبغي للإنسان أبداً أن يدع رخصة الله سبحانه وتعالى التي منّ الله بها على عباده وقد قال الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فكان عليك حين أصبت بهذا المرض الذي يؤثر فيه الصيام فيؤخر برأه أو يزيده كان عليك أن تأخذ بنصيحة الطبيب ولا حرج عليك في هذا فلو أنك تركت الصيام حتى تشفى نهائياً لكان ذلك خيراً لك وأولى فنصيحتي لك ولإخواني المسلمين في مثل هذه الأمور أن يأخذوا برخصة الله سبحانه وتعالى وأن ينتقلوا عن الصيام إلى بدله وهو الإطعام إذا كان هذا المرض مرضاً لا يرجى برؤه فإن أهل العلم قسموا المرض إلى قسمين بالنسبة للصيام قسم يرجى برؤه فهذا صاحبه يفطر ويقضي بعد البرء وقسم أخر لا يرجى برؤه فصاحبه يطعم عن كل يوم مسكين ويكون هذا الإطعام بدلاً عن الصيام وما دامت حالك لا تزال في طور النقاهة فإن الأولى بك أن تنتظر حتى تشفى نهائياً وتقدر على الصوم بدون ضرر ثم تقضي ما فاتك نسأل الله لك الشفاء العاجل والإعانة على طاعته.
***(11/2)
يقول السائل زوجتي تبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما وهي كفيفة البصر ومريضة بمرض السكر وأيضا الكلى والضغط ومشاكل أخرى في القلب ولابد من أخذ الإبر صباحا ومساء يوميا وأخذ الأدوية على مدار اليوم وقد نصحها الأطباء بعدم الصيام لآثاره على صحتها منذ أربع سنوات تقريبا ولكن رفضت وأعانها الله على الصيام تلك المدة فصامت والحمد لله ولكن منذ سنة لم تعد تستطيع الصيام لأسباب صحية كما ذكرت فما هو رأيكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذه المرأة إذا كانت لا تستطيع الصيام ولا يرجى زوال عجزها أن تطعم عن كل يوم مسكينا لأن هذا هو المفروض على الإنسان إذا كان لا يستطيع الصوم على وجه مستمر أما الذي لا يستطيع الصوم لفترة معينة ويرجى أن يقدر عليه فيما بعد فهذا ينتظر حتى يقدر عليه ثم يقضيه لقول الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
***(11/2)
السائل من اليمن الحديدة يقول أبلغ من العمر الخامسة والعشرين وأنا مريض وجسمي نحيف جداً وحالتي الصحية غير جيدة ورغم هذا فأنا أمارس الشعائر الدينية إلا الصوم فإنه يتعبني جداً وإذا أردت أن أصوم قال لي والدي لا خشيةً على صحتك ورحمةً بي. فماذا أفعل فأنا أعيش في حيرةٍ وقلق وخوف من الله وماذا يجب علي في مثل هذه الحالة هل عليّ الصيام وأنا غير قادر أم علي الكفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أسأل الله أن يعافيك وأن يقويك على العبادة وإذا كنت لا تستطيع أن تصوم رمضان ويشق ذلك عليك كثيراً فأطعم عن كل يومٍ مسكيناً لأن هذا هو الواجب على من لا يستطيع الصوم لسببٍ لا يرجى زواله وأنت على الوصف الذي ذكرت من هذا الصنف فأطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا تشق على نفسك بالصوم وأما إذا كنت تستطيع أن تصوم ولكن تحتاج إلى راحة بالنهار فصم وأرح نفسك بالنهار ولا تعمل إلا ما يجب عليك عمله كشهود الجماعة في المساجد واستعن بالله عز وجل وإذا كنت لا تستطيع أن تصوم في أيام الصيف لطول ولشدة الحر النهار ولكنك تستطيع أن تصوم في أيام الشتاء فلا بأس أن تنتظر حتى تصوم في الشتاء.
***(11/2)
تقول السائلة أنها مريضة بالقلب لم تصم أربع رمضانات وعندما جاء العام الخامس تحاملت على نفسها وصامت مع أن الأطباء قد قالوا لها لا تصومي وتقول بأنها يتيمة وفقيرة جداً ولا تستطيع الإطعام ولا تستطيع الصوم نظراً لظرفها هل يسقط الصوم وهل تسقط الكفارة عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يسقط عنها الصوم لعجزها عنه ولا يرجى برء مرضها حتى نقول تنتظر حتى تبرأ ويسقط عنها الإطعام لعجزها عنه وذلك لقول الله تبارك وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تبارك وتعالى حين ذكر الصيام (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(11/2)
تقول أنا فتاة أبلغ من العمر التاسعة عشرة وقائمة بصلاتي والحمد لله ومحجبة ولله الحمد مشكلتي أنني أعاني منذ فترة طويلة من آلام في المعدة وأتضح أنها قرحة وكنت أعالج ولكن لم استفد شيء ومع هذا كنت أصوم طيلة تلك الفترة ولكن هذا العام اشتد بي المرض وعرضت نفسي على دكتور واستمريت في العلاج إلى أن جاء شهر رمضان وحاولت أن أصوم ولكنني لم استطع الصوم لشعوري بالآم تمزقني بسبب الجوع علماً بأن الدكتور لم يعارض من الصوم ولكن عندما أخبرته بالألم نصحني بأن أفطر عندما أحس بتلك الآلام والآن صحتي تحسنت والحمد لله ولم أعد أشرب الدواء إلا عند اللزوم ولكنني لا أقدر أن أظل بدون طعام لفترة طويلة علماً بأن الدكتور أوصاني بأن آكل بنظام ساعات حتى لا أجوع لأن ذلك يؤثر على صحتي كما أن مرضي ليس له دواء ينهيه سؤالي ما حكم الشرع في نظركم إذا لم أصم شهر رمضان المقبل وهل يصح لي أن أكفر عن كل يوم أفطرته وهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المرض لا يرجى برؤه فإن حكم المريض حكم الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم وكلاهما يلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمه الصوم لعجزه عنه وتضرره به وقد قال الله عز وجل في آيات الصيام (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) فإن دام فيك هذا المرض ولم تتمكني من الصوم وكان حسبما وقع لا يرجى زواله في المستقبل فأطعمي عن كل يوم مسكيناً وذلك كاف عن الصوم.
***(11/2)
طارق عباس القيسي العراق بغداد يقول: إني مصاب بمرض الصرع ولم أتمكن من صوم شهر رمضان المبارك وذلك لاستمراري على العلاج ثلاثة أوقات يومياً وقد جربت صيام يومين ولم أتمكن علماًَ أنني متقاعد وتقاعدي يصل إلى ثلاث وثمانين دينار شهري وصاحب زوجة وليس لي أي وارد غير تقاعدي فما حكم الشرع في نظركم في حالتي إذا لم أتمكن من إطعام ثلاثين مسكيناً خلال شهر رمضان وما هو المبلغ الذي أدفعه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان هذا المرض الذي ألم بك يرجى زواله في يوم من الأيام فإن الواجب عليك أن تنتظر حتى يزول هذا المرض لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أما إذا كان هذا المرض مستمراً لا يرجى زواله فإن الواجب عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً ويجوز أن تصنع طعاماً غداء أو عشاء لمساكين بعدد أيام الشهر وتبرأ ذمتك بذلك ولا أظن أحداً يعجز عن هذا إن شاء الله تعالى ولا حرج عليك إذا كنت لا تستطيع أن تطعم هؤلاء المساكين في شهر لا حرج عليك أن تطعم بعضهم في شهر وبعضهم في شهر وبعضهم في شهر حسب ما تقدر عليه.
***(11/2)
من ليبيا ح. م. د. يقول أصبت بمرض نفسي وهذا المرض منعني من النوم مطلقاً فلا أنام إلا بواسطة العقاقير فهل يحق لي أن أستعمل في رمضان هذه العقاقير وهل يكون صيامي صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما استعمال هذه العقاقير في النهار فإنه لا يجوز لأن أكلها يوجب الافطار والإفطار في رمضان حرام إلا لعذر وأما أكلها في الليل فلا بأس به ولكني أشير على هذا الأخ السائل ألا يكثر من أكل هذه الحبوب لأن هذه الحبوب قد تورث أمراً عكسياً يكون أشد عليه من المرض الذي أكل هذه الحبوب من أجله ثم إني أشير عليه أيضاً ألا يأكلها إلا بعد استشارة الطبيب المختص لأن هذه الأدوية قد تختلف مركباتها فإذا اختلفت تضاربت وصار بعضها داء حيث امتزج بالدواء الأول ولو أنه اقتصر على دواء واحد وقلل منه ما استطاع لكان خيراً له.
***(11/2)
السائل عبد الكريم الزهراني من المدينة المنورة يقول في هذا السؤال أفتونا يا فضيلة الشيخ فيما يعمل غسيل كلى هل خروج الدم أثناء غسيل الكُلى ينقض الوضوء وكيف يصوم ويصلى أثناء الغسيل الكلوي بالنسبة لكبار السن قد يتوافق غسيل الدم أثناء قيام الصلاة وجهونا في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء سواء كان بولاً أم غائطاً أم رطوبة أم ريحاً كل ماخرج من السبيلين فانه ناقض للوضوء وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليلهُ ولا كثيرهُ وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء أما بالنسبة للصلاة فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته الظهر والعصر في وقتيهما فيقول له مثلا أخر الغسيل عن الزوال بمقدار ما صلى به الظهر والعصر أو قدمه حتى أتمكن من صلاتي الظهر والعصر قبل خروج وقت العصر المهم أنه يجوز له الجمع دون تأخير الصلاة عن وقتها وعلى هذا فلا بد من التنسيق مع الطبيب المباشر وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك أحياناً أقول إن هذا ليس كالحجامة لأن الحجامة يستخرج منها الدم ولا يعود إلى البدن وهذا مفسد للصوم كما جاء به الحديث والغسيل يُخرج الدم ويُنظف ويعاد إلى البدن لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذية تغني عن الأكل والشرب فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلاً بذلك أبد الدهر يكون ممن مُرِضَ مرضاً لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكين وأما إذا كان ذلك في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضي بعد ذلك وأما إذا كان هذا الخلط الذي يُخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن لكن يصفى الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم وحينئذ له أن يستعمل الغسيل ولو كان في الصوم ويُرجع في هذا الأمر إلى الأطباء.
***(11/2)
من عبد الله محمد الحارثي بلاد بني الحارث يقول والدتي أفطرت شهرين من رمضان وذلك قبل خمسة عشرة عاماً بسبب الولادة، وكانت لا تعلم أن هناك قضاء، وعندما سمعت أخيراً بالقضاء صارت في حيرة من أمرها، ولا تستطيع القضاء لأنها مريضة بسبب الضعف والهزل، وعمرها يقارب ستون عاماً مع العلم أن لها سبع سنوات تصوم الست من شوال تطوعاً لله، أفيدوني جزاكم الله خيراً، ماذا يترتب عليها ونحن مستعدون لكل ما يترتب عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة التي فاتها صيام شهرين من رمضان يجب عليها القضاء ما استطاعت ولو يوم بعد يوم في أيام الشتاء، فإذا كانت لا تستطيع هذا، وعدم الاستطاعة مستمر لا يرجى زواله فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً، وبذلك تبرأ ذمتها.
***(11/2)
يقول السائل أفطرت في رمضان ما يقارب عشرين يوماً بسبب مرض وأعطيت مساكين كفدية إطعام والظاهر بأن هذه الفدية لا تساوي ما أمر به القرآن فما العمل نحو ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان إفطارك لرمضان لمرض لا يرجو برؤه فالواجب عليك الفدية كما هو معروف والفدية هي إطعام مسكين لكل يوم وإطعام المسكين لكل يوم يكون على وجهين الوجه الأول أن يصنع غداء أو عشاءً فيدعو إليه من المساكين بعدد ما عليه من الأيام والوجه الثاني أن يطعمهم رزاً أو قمحاً ويكون لكل واحد من القمح أو الرز كيلو أو ما يقارب الكيلو.
هذا إذا كان المرض لا يرجو برؤه أما إذا كان مرض يرجو برؤه فإن الواجب الانتظار حتى يشفيه الله ثم يصوم لقوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
***(11/2)
كم مقدرا الفدية بالكيلو لمن لم يستطع الصوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال العلماء إنه يطعم عن كل يوم مسكينا وإطعام المسكين عن كل يوم إما أن يغديه أو يعشيه وإما أن يعطيه مدا من الرز أو من البر وأما الكيلو فيختلف لأن بعض الحبوب أثقل من بعض فلا يمكن تحديده بالكيلو لهذا الاختلاف لكن الفقهاء رحمهم الله قدروا الصاع النبوي بالمثاقيل إلا إنهم قالوا إن هذا باعتبار البر الرزين أي الجيد.
***(11/2)
يقول السائل بعض الطلاب يفطر أياماً من رمضان بحجة أنه مسافر ويأتيه رمضان الثاني وهو لم يصم ما عليه من رمضان بحجة أنه لا زال مسافراً فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة اختلف فيها العلماء وهي ما إذا نوى المسافر مدةً أكثر من أربعة أيام أو خمسة أيام أو عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً أو تسعة عشر يوماً على خلاف بينهم يبلغ نحو عشرين قولاً والظاهر أن الإنسان ما دام لم ينوِ إقامةً مطلقةً أو استيطاناً فإنه مسافر ولو نوى إقامة ثلاثة سنوات أو أربعة سنوات يقصر ويمسح على الخفين ثلاثة أيامٍ بلياليها ويجمع ويفطر أيضاً في رمضان لكن لا ينبغي له أن يؤخره إلى رمضان الثاني لأنه إذا فعل ذلك كان هذا عرضة لترك الواجب لأنها تتراكم عليه الشهور وكلما تراكمت الشهور عليه خف نشاطه في أداء هذا الواجب والذي نرى أنه لا يؤخره إلى رمضان الثاني ولو كان مسافراً وبإمكانه أن يصوم في أيام الشتاء لأنه لا بد أن تمر به أيام الشتاء فيقضي ما فاته من رمضان في أيام الشتاء ويحصل المقصود.
***(11/2)
من مدينة حلب الشهباء سوريا محمد علي، أنا شاب أعزب غير متزوج أسافر إلى بعض الدول العربية من أجل العمل لكي أقدم لأخوتي وأخواتي العيش ثم صادفني شهر رمضان المبارك وأنا في لبنان، وأفطرت في بعض الأيام منه لأنه صادفتني بعض الصعوبات فيه، لأنني بعيد عن أهلي وليس لي من يخدمني، وكان عمري في ذلك الوقت تسعة عشر سنة، الآن عمري أربعة وعشرين سنة، وأنا أصلى في هذه الايام أرشدوني وأنا أريد أن أقضيها هل علي صيام أم كفارة، وما هو الحل، علماً بأنه عندما أفطرت في ذلك الايام غير مقصود لكن من ضيق الوقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل ما دام أنه من أهل حلب وكان في لبنان فإنه يعتبر مسافراً، لأنه فارق محل إقامته، والسفر كما قال أهل اللغة مفارقة محل الإقامة، فهو ممن يجوز له أن يفطر في رمضان، وإذا كان أفطر في رمضان متأولاً وظاناً أنه معذور في هذا الفطر فإن عليه قضاء ما أفطر يوماً بيوم، وبعد ذلك لا يكون عليه كفارة.
فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة لتأخر القضاء لأنه أفطر وهو في التاسعة عشر وهو الآن في سن الأربع والعشرين، ما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا في الحقيقة يعتبر تفريطاً أن يعمل العمل ثم بعد مدة طويلة يذهب ويسأل عنه، يجب على المسلم أولاً ألا يدخل في العبادة إلا عن علم وبصيرة ليعرف كيف يعبد الله، ثم إذا لم يكن ذلك فلا أقل أن يسأل عن الأمر في وقته حتى لا تفوت عليه الفرصة فهذا الرجل نقول إنه أخطأ في تأخيره السؤال عن وقته، ولكنه لا يلزمه سوى القضاء لأن القول الراجح، أنه لا يجب على المفرط سوى قضاء رمضان مع التوبة والإستغفار.
***(11/2)
من ن. ع.م العتيبي من منطقة عفيف يقول: سمعت رجلاً يقول بأنه إذا اعتمر الرجل في رمضان لا يجوز له الإفطار لأنه ذاهب يؤدي نافلة فلا يجوز أن يترك فريضة، ونحن إذا ذهبنا لأداء العمرة فإننا نفطر ولكن أصابنا الشك بهذا الكلام فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سافر الإنسان للعمرة في رمضان فإن له أن يفطر من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليها ولو بقي في مكة كل الشهر فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان ولم يصم بقية الشهر مع أنه دخلها في اليوم الثامن عشر أو في اليوم العشرين في العشر الأواخر التي هي أفضل أيام ليالي رمضان وأيامه ومع ذلك لم يصم كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير وأنه صلى الله عليه وسلم مشرِّع لأمته ولكنه أخذ برخصة الله فلم يصم وهو في جوف مكة في العشر الأواخر من رمضان والذي أفتاهم بأنه لا يجوز وعلل بأن صوم رمضان واجب والعمرة سنة لا شك أنه جاهل جهلاً مركباً لأنه جهل وجهل أنه جاهل فإن صوم رمضان في السفر ليس بواجب بنص الكتاب وإجماع الأمة قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فالمسافر لا يجب عليه الصوم بإجماع المسلمين وبدلالة الكتاب والسنة على ذلك فإن (النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في سفره وكان أصحابه معه منهم الصائم ومنهم المفطر) ولم يقل أحد من أهل العلم إن السفر في رمضان حرام إلا إذا كان واجباً، حتى لو فرض أنه سافر سفراً واجباً فإنه يمكن أن نقول إنه لا شيء أوجب من أركان الإسلام الخمسة وما كان واجباً يمكن أن يتلافى بعد رمضان وحينئذ نقول لا تسافر لا سفراً واجباً ولا غير واجب في رمضان ولم يقل بذلك أحد، بل يجوز للإنسان أن يسافر في رمضان سفراً مباحاً ولو للنزهة ويفطر ولا حرج عليه في هذا، لكن لو فرضنا أن شخصاً سافر من أجل أن يفطر أي سافر تحيلاً على الفطر فحينئذ قد نقول إن ذلك حرام عليه أي أنه يحرم عليه أن يسافر وأن يفطر لأن التحيل على إسقاط ما فرض الله لا يسقط فرائض الله، وأما من سافر لغرض مقصود لا يقصد بذلك الفطر فإن له أن يفطر بالنص والإجماع، وإنني أوجه نصيحة لهذا الأخ الذي أفتاهم بأن يتقي الله عز وجل وأن يعرف حق الله وأن يتأدب بين يدي الله عز وجل ورسوله فإن الله تعالى يقول (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ويقول تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وهذا نص صريح في تحريم القول على الله بلا علم، وهذا يشمل القول على الله في ذاته أو في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله أو في أحكامه، كل ذلك حرام لا يحل لأحد أن يتجرأ عليه فيفتي بغير علم، ولا شك أن الإفتاء بغير علم مع كونه محرماً لا شك أنه خلاف الأدب مع الله ورسوله فإن الإفتاء بغير علم تقديم بين يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إني أنصح هذا الأخ وأمثاله من القول على الله بلا علم من إفتاء الناس بلا علم لأن المفتي مبلغ عن الله عز وجل فليتق الله امرؤ عرف قدر نفسه وعرف قدر ربه وقدر شريعته وليتأنَّ وليصبر فإن كان الله تعالى قد كتب له إمامة في الدين فإنها لن تأتيه باستعجالها في معاصي الله ولا تأتيه الإمامة في الدين إلا بالصبر وحبس النفس والتأني والتقوى كما قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) فليصبر حتى يأتيه الله العلم والحكمة وحينئذ يتكلم بما أعطاه الله ليكون إماماً أسأل الله تعالى لي ولإخواني المؤمنين أن يثبتنا بالقول الثابت وأن يحمينا أن نقول عليه ما لا نعلم.
***(11/2)
من أمين الحاج طلحة معلم سوداني باليمن الشمالي لواء ذمار يقول أنا أعمل باليمن والعطلة في نهاية العام الدراسي عندنا تكون دائماً في أواخر شهر شعبان ونسافر للسودان في شهر رمضان وبما أنه هنالك رخصة فإننا نفطر في الطائرة ثم نصل إلى بلدنا ولكننا نتأخر يومين أو ثلاثة في الخرطوم لقضاء بعض الأمور هناك ثم نسافر منها إلى بلدنا أو قرانا والتي تبعد عنها على مسافة تبيح الفطر فهل يجوز لنا الإفطار هذه الثلاثة أيام قبل الوصول إلى قريتنا أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تفطروا هذه الأيام الثلاثة قبل الوصول إلى بلدكم أو إلى قريتكم وذلك لأن الإنسان مسافر حتى يصل إلى بلده وقد قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولكم أيضاً ان تترخصوا برخص السفر الأخرى كالقصر والجمع والمسح على الخفين ثلاثة أيام لأن السفر لا ينقطع إلا بوصولكم إلى وطنكم.
***(11/2)
يقول السائل هل يجوز الفطر في شهر رمضان الكريم مع أن الكثير من الناس يسافرون في سياراتٍ مكيفة ومريحة ولكنهم يفطرون مع العلم بأنهم لو أكملوا صيامهم لم يشعروا أو يحسّوا بشيء من التعب والظمأ فهل عملهم هذا جائزٍ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل جائز لأن الله سبحانه وتعالى يقول (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يذكر الله تبارك وتعالى للسفر قيداً لإباحة الفطر فيه فنفس السفر عذرٌ يبيح الفطر سواءٌ حصلت فيه مشقة أم لم تحصل ولهذا (قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح في اليوم العشرين من رمضان) وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهم الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بقية تلك الأيام التي قدم فيها مكة) أي الأيام الباقية من الشهر مع أنه كان في نفس مكة فالحاصل أن السفر نفسه مبيح للفطر سواءٌ حصلت به مشقة أم لم تحصل.
فضيلة الشيخ: لكن أليس هذا مقيد بأيام معدودة كأربعة أيام أو سواها للبقاء والإفطار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس مقيداً فإن (النبي عليه الصلاة والسلام أقام بمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة) ومتى جاز قصر الصلاة جاز الفطر ولهذا العلماء يقولون يجوز للمريض وللمسافر الذي يقصر الفطر فمتى جاز قصر الصلاة فإن معناه أنه مسافر.
***(11/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع سوداني مقيم بجدة رمز لاسمه بالأحرف أ. س. م. يقول كانت زوجتي نفساء وأتى عليها شهر رمضان ولم تصمه وقبل أن تقضي هذا الشهر وبعد خمسة أشهر فقط حملت بالمولود الثاني وفي خلال الأشهر الخمسة لم تتمكن من القضاء نظراً لأنها كانت مرضعة ولأنها تتعب تعباً شديداً في بداية الحمل يتسبب في ضعفها ويضطرها أن ترقد في المستشفى ثم مرة ثانية جاءها شهر رمضان وهي حامل في شهرها بالمولود الثالث فحاولت أن تصوم ولكنها لم تستطع الصيام فأفطرت وأطعمت عن باقي الأيام عن كل يوم مسكيناً كما أنها أطعمت عن الشهر الأول فهل يكفي الإطعام عن الصيام أسوة بالشيخ الكبير العاجز أم يلزمها القضاء وإذا كان يلزمها القضاء فهل عن كلتا الحالتين أم عن إحداهما وإذا كان الجواب بالقضاء فما معنى كلام الصحابي الجليل (عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها وشق عليها الصيام فقال تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً مد من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم) وإذا اعتبرنا هذا صحيحاً بالنسبة للحامل فهل تدخل فيه النفساء علماً بأن الإطعام كان أو حصل في كلتا الحالتين في المرة الأولى بالنقد وزع المبلغ على المساكين وفي المرة الثانية كان أيضاً بإفطار أحد المساكين طعاماً جاهزاً يأكل ويشرب يومياً حتى نهاية رمضان فهل هذا الأمر صحيح ويجزئ بهذا الشكل أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا العمل الذي عملته مبنياً على استفتاء لأحد من أهل العلم فأنت على ما أفتيت به وإذا كان مبنياً على غير علم فإن القول الراجح في هذه المسألة أن الحامل والمرضع يجب عليهما قضاء الصوم ولابد لأن غاية الأمر أن نلحقها بالمريض وقد أوجب الله تعالى على المريض القضاء فقال (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ) والواجب القضاء دون الإطعام, لكن لو فرض أن هذه المرأة يستمر معها العجز عن الصيام في كل السنة فإنها حينئذ تلحق بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام لأنها أصبحت لا يرجى زوال علتها التي تمنعها من الصيام وحينئذٍ فتطعم عن كل يوم مسكيناً ولابد من الإطعام ولا يجزئ إخراج الفلوس عنه ثم لابد من أن يكون المساكين بعدد الأيام فتكرار الأيام بطعام مسكين واحد كما هو ظاهر السؤال لا يجزئ حتى لو كرره عليه طيلة الشهر بل لابد من أن يطعم تسعة وعشرين مسكيناً إن كان الشهر تسعة وعشرين أو ثلاثين مسكيناً إن كان الشهر ثلاثين يوماً.
فضيلة الشيخ:وكونه أخرج نقوداً في بعض الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرت أنه إن كان مستنداً على فتوى أحد من أهل العلم فهو على ما أفتاه به وإلا فإنه لابد من الإطعام وتكون هذه النقود التي أخرجها صدقة ولا تجزئ عن الواجب.
***(11/2)
السائلة أم أسامة تقول أنها أفطرت في رمضان الماضي بسبب حملها فهل عليها قضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا شك أن من أفطر يوماً من رمضان بعذر فإنه يجب عليه قضاءه لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ) أما من تعمد ألا يصوم يوماً من رمضان فإنه لا يغنيه عنه صوم الدهر كله يعني لو أن أحداً تعمد أن يفطر يوماً من رمضان بلا عذر شرعي فإنه لا ينفعه القضاء لو قضاه لم ينفعه ولهذا كان القول الراجح فيمن تعمد ترك صوم يوم من رمضان بلا عذر أنه لا نأمره بالقضاء ولكن نأمره بالتوبة إلى الله عز وجل وإصلاح العمل.
***(11/2)
السائلة س. ع. ع. مقيمة في الرياض تقول دخل علي رمضان وأنا ما زلت في النفاس وفي اليوم الثاني عشر من رمضان الموافق السابع والثلاثين من النفاس انقطع الدم قبل الفجر فنويت الصيام ولكن لم أكن متيقنة من الطهر انتظرت طوال اليوم ولكن لم أرى شيئا يؤكد الطهر ولم ينزل دم ولم أغتسل إلا بعد آذان المغرب فهل يحتسب لي ذلك اليوم صوم أم أن عليّ القضاء وهل عليّ شيء آخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للمرأة النفساء أو الحائض أن تصلى أو تصوم حتى تتيقن الطهر لأن الأصل بقاء الحيض وبقاء النفاس وما دامت صامت ذلك اليوم وهي شاكة هل هي طهرت أم لم تتطهر فعليها أن تعيد صوم ذلك اليوم لأنه ليس بصحيح.
***(11/2)
السائلة تقول في إحدى ليالي رمضان نسيت أن آخذ حبة منع الحمل ومن خوفي من حصول الحمل أخذت الحبة في نهار رمضان علما بأن أصغر أبنائي الخمسة عمره ثلاثة أشهر مما جعلني في خوف شديد من حصول الحمل علما بأنني قضيت هذا اليوم بعد رمضان فماذا علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليها أن تتوب إلى الله عز وجل حيث أفسدت صيامها بدون عذر شرعي ولا يحل للمسلم أن يتهاون بركن من أركان الإسلام والله عز وجل إذا أراد الحمل لا تنفع هذه الحبوب وإذا لم يرد الحمل ما صار حمل فالواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل وقضاءها لليوم أرجو أن يكون من تمام توبتها.
***(11/2)
السائلة من المغرب تقول النفساء هل تقضي رمضان أم عليها فدية فقد سمعت أنها عليها فدية لأنها مرضع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء كالحائض تماما تقضي الصوم لكن إذا طهرت من النفاس وأرادت قضاء الصوم فإن كان عليها ضرر أو على رضيعها ضرر تنتظر حتى يزول ذلك الضرر ثم تقضي وليس كل مرضع يباح لها أن تفطر إذا كان لا ضرر عليها ولا نقص على إبنها فإنه يحرم عليها أن تفطر.
***(11/2)
السائل عبد الله أحمد من العراق بغداد يقول إذا فات على المرأة المسلمة المتزوجة صيام رمضان بسبب إرضاع طفلها فماذا عليها إذا لم تستطع قضاء ذلك الشهر هل تفدي عنه وهل زوجها هو المكلف بالفدية عنها إذا كانت لا تملك ما تفدي به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة إذا كانت تخاف على ولدها من الصيام بحيث ينقص اللبن حتى يتضرر الطفل فإن لها أن تفطر ولكنها تقضي فيما بعد لأنها تشبه المريض الذي قال الله فيه (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ) فمتى زال المحظور إما في وقت الشتاء لقصر النهار وبرودة الجو فإنها تصوم في ذلك الوقت أو إذا لم يمكن ولو في الشتاء ففي العام القادم تقضيه وأما الإطعام فلا يجوز إلا في حال كون المانع أو العذر مستمراً لا يرجى زواله فهذا هو الذي يكون فيه الإنسان مطعماً.
فضيلة الشيخ: يقول أيضاً إنه في هذا العام صامت ثمانية عشرة يوماً من أيام شهر رمضان ثم أفطرت البقية بسبب مرضها الشديد لضعفها وعدم قدرتها على الصيام فماذا عليها إذا لم تستطع قضاء الأيام المتبقية من رمضان والتي أفطرتها مرغمةً بسبب المرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي إن شاء الله تعالى نأمل ونرجو الله لها الشفاء والعافية وإذا جاء الشتاء قصر النهار وبرد الجو فإنها سوف تقدر إذا عافاها الله فإن استمر بها المرض وأيس من شفائها فإنها تنتقل إلى الإطعام.
فضيلة الشيخ: أي تطعم عن كل يومٍ مسكيناً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.
***(11/2)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة - مفسدات الصوم
الاكل والشرب - الابر المغذية , القطرة , الكحل , الطيب , البخور , الدخان
بخاخ الربو - دهن الشعر – الحناء - دموع العين – القيْ - الحجامة وخروج الدم - من اكل او شرب ناسيا - إذا دخل شيء للجوف من غير عمد - الاحتلام والجنابة والاغتسال - المضمضة والاستنشاق للصائم - التبرد بالماء للصائم - حكم من ظن أن الشمس غربت فأفطر - حكم من أكل معتقدا بقاء الليل فبان نهارا - الصيام في البلاد التي يقصر أو يطول فيها النهار الجماع(11/2)
محمد سالم عبد الله من الأردن يقول ما هي مفسدات الصوم وهل يشترط عقد النية للصيام في كل يوم ومن نسي أن ينوي فهل عليه شيء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن ثلاثة مسائل المسألة الأولى النية وهل يجب أن يعقدها لكل يوم والجواب على ذلك أن النية شرط لصحة العبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا عمل إلا بنية, والنية لها وجهان الوجه الأول نية المعمول له. والوجه الثاني نية العمل ففي الوجه الأول يجب أن يكون الإنسان مخلصا لله تعالى في عبادته لا يريد بها شريكا غيره والغرض منها تعيين المنوي له وتوحيده بتلك العبادة وهو الله سبحانه وتعالى أما الوجه الثاني في النية فهو نية العمل أو تعيينه وتمييزه من غيره لأن العبادات أجناس وأنواع لا يتميز أحدها إلا بتعيينه فلا بد من أن يعين نية الصوم الواجب ففي رمضان ينوي أنه صام يوم من رمضان فالنية في الحقيقة لا تحتاج إلى فعل كبير فإن من قام في آخر الليل وأكل السحور فإنه لا شك نوى للصوم وتعيين النية أيضا إذا كان في شهر رمضان أمر معلوم لأن الإنسان لا يمكن أن ينوي بهذا الصوم إلا أنه صوم رمضان مادام في وقت رمضان وعلى هذا فإذا كان الإنسان في ليالي رمضان وأكل السحور فإنه لا شك في انه قد نوى وعين النية فلا يحتاج أن يقول اللهم إني نويت الصوم أو أنا نويت الصوم إلى الليل أو ما أشبه ذلك ولكن هل يجب في رمضان أن يعين النية في كل يوم أو إذا نوى من أوله كفى ما لم ينو القطع؟ الصواب أنه إذا نوى من أوله كفى إلا إذا نوى القطع وينبني على ذلك مسألة وهي لو نام الإنسان في يوم من رمضان بعد العصر ولم يستيقظ إلا في اليوم الثاني بعد طلوع الفجر فإن قلنا إنه يجب تعيين النية لكل يوم من ليلته فإن صوم هذا الرجل اليوم الثاني لا يصح لأنه لم ينوه من ليلته وإن قلنا بالأول وهو أن رمضان يكفي نية من أوله ما لم يقطعه فإن صومه هذا اليوم صحيح لأن الرجل قد نام بنيته وبلا ريب أنه سيصوم غداً لأنه لا سبب موجب لقطع الصوم وقولنا إذا نوى من أوله ولم ينوِ القطع احترازاً مما لو نوى القطع مثل أن يكون مريضا يصوم يوما ويدع يوما فإنه إذا أفطر لا بد أن يجدد النية في بقية الشهر هذا بالنسبة للنية فصارت الخلاصة أن النية يجب أن يلاحظ فيها شيئان الشيء الأول نية المعمول له وهو توحيد الله تعالى بالقصد بأن يريد الإنسان بعبادته وجه الله سبحانه وتعالى والثاني نية العمل بأن يعين العمل الذي يعمله من طهارة أو صلاة أو زكاة أو صوم سواء كان ذلك تطوعا أو فريضة
المسألة الثانية مفسدات الصوم مفسدات الصوم ذكر الله في القرآن منها ثلاثة وهي الأكل والشرب والجماع فقال تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فهذه ثلاثة مفسدات الأول الجماع والثاني الأكل والثالث الشرب والأكل شامل لكل مأكول سواء كان نافعا أو ضارا وسوء كان حراما أم حلالا وكذلك الشرب شامل لكل مشروب سواء كان نافعا أم ضارا وسواء كان حراما أم مباحا فكله يفطر لعدم الاستثناء فيه الرابع إنزال المني لشهوة بمباشرة أو معالجة حتى ينزل فإنه يكون مفطرا وهو وإن لم يكن داخلا في قوله (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) فإن قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في الصائم يقول (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإن الشهوة تتناول الإنزال لشهوة وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على المني أنه شهوة حيث قال (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) الأمر الخامس من مفسدات الصوم ما كان بمعنى الأكل والشرب وهو الإبر المغذية التي يستغنى بها متناولها عن الطعام والشراب وذلك أنها وإن لم تكن داخلة في الأكل والشرب فإنها بمعنى الأكل والشرب يستغني الجسم بها عن ذلك فأما الإبر التي لا يستغني بها عن الأكل والشرب فليست بالمفطرات سواء تناولها الإنسان في الوريد أو تناولها في العضلات حتى لو وجد طعمها في حلقه لأنها ليست أكلا ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فلا تكون مفطرة بأي حال من الأحوال إذا لم تكن مستغنى بها عن الأكل والشرب الأمر السادس من مفسدات الصوم القيء عمداً يعني إذا تعمد الإنسان القيء حتى خرج فإنه يفطر بذلك لحديث أبي هريرة (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء عمدا فليقض) الأمر السابع إخراج الدم بالحجامة فإذا احتجم الإنسان فإنه يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) والحكمة من إفطار الصائم بالقيء والحجامة هو أنه إذا قاء واحتجم لحقه من الضعف ما يوجب أن يكون محتاجاً إلى الأكل والشرب ويكون الصوم شاقا عليه ولكن مع ذلك إذا استقاء عمدا أو احتجم عمدا في رمضان بدون عذر فإنه لا يجوز له أن يأكل ويشرب مادام في نهار رمضان لأنه أفطر بغير عذر أما لو كان بعذر فإنه إذا قاء أو احتجم يجوز له الأكل والشرب لأنه أفطر بعذر وأما خروج الدم بغير الحجامة مثل أن يخرج منه رعاف أو يقلع سنه أو ضرسه فيخرج منه دم فإن هذا لا شيء عليه فيه ولا يفطر به لأنه ليس بمعنى الحجامة وليس حجامة وهو يخرج منه أيضا بغير اختياره كالرعاف وكذلك لا يفطر بإخراج الدم للاختبار مثل أن يؤخذ منه دم ليفحصه فإنه لا يفطر بذلك لأن هذا دم قليل ولا يؤثر تأثير الحجامة على الجسم فلا يكون مفطراً أما إذا أخذ منه دم للتبرع لشخص مريض فهذا إن كان الدم يسيراً لا يؤثر تأثير الحجامة لم يفطر به وإن كان الدم كثيرا يؤثر على البدن تأثير الحجامة فإنه يفطر بذلك وعلى هذا فإذا كان صيامه واجباً فإنه لا يجوز أن يتبرع لشخص حال صيامه لأنه يلزم منه أن يفطر في الصوم الواجب والفطر في الصوم الواجب محرم إلا لعذر فلو فرض أن هذا المريض معرض للتلف وأنه لو انتظر إلى غروب الشمس لهلك وقال الأطباء أنه ينتفع بدم هذا الصائم فإنه في هذه الحال يفطر ويتبرع بدمه لأنه أفطر لإنقاذ معصوم والفطر لإنقاذ المعصوم جائز مباح ولهذا أذن للمرأة المرضع إذا خافت نقص اللبن على ولدها جاز لها أن تفطر وكذلك الحامل إذا خافت على ولدها يجوز لها أن تفطر ومن أفطر فعليه القضاء فقط إذا كان بعذر وبقي أن يقال ما تقولون في الكحل والسعوط في الأنف والقطرة في الأذن أو في العين فنقول إن القطرة في الأذن أو في العين لا تفطر مطلقا لأن ذلك ليس أكلا ولا شربا ولا بمعنى الأكل والشرب وليس من المنافذ المعتادة التي تصل إلى المعدة عن طريق العين أو الأذن وأما الأنف فإنه إذا وصل إلى جوفه شيء منه عن طريق الأنف يفطر بذلك ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ومن مبطلات الصوم خروج دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة فإذا خرج منها دم الحيض أو دم النفاس وهي صائمة بطل صومها والعبرة بالخروج لا بالإحساس به دون أن يخرج فلو فرض أن امرأة أحست بدم الحيض قبيل غروب الشمس ولكن لم يخرج إلا بعد أن غربت الشمس فصومها صحيح وقد كان بعض النساء يظن أن المرأة إذا رأت الحيض قبل أن تصلى المغرب ولو بعد الغروب فإن صومها ذلك اليوم لا يصح وهذا لا أصل له فالمعتبر خروج الدم إن خرج قبل الغروب فسد الصوم وإن لم يخرج إلا بعده فالصوم صحيح وليعلم أن هذه المفطرات المفسدات للصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة الشرط الأول أن يكون عالماً والشرط الثاني أن يكون ذاكراً والشرط الثالث أن يكون مختاراً فإن كان جاهلا لم يفسد صومه مثل أن يأكل يظن أن الفجر لم يطلع فيتبين أنه طالع أو أن الشمس قد غربت فيتبين أنها لم تغرب فإن صومه لا يفسد بذلك ودليله ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها (قالت أفطرنا في يوم غيم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) ولم يؤمروا بالقضاء وكذلك لو أكل أو شرب ناسيا أنه صائم فإنه لا قضاء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك لو أكره على شيء من المفطرات فإنه لا يفسد صومه بذلك لأن المكره غير مريد ولهذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فقال (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وليعلم أن هذه المفطرات ليس فيها كفارة إلا لشيء واحد وهو الجماع فإن الإنسان إذا جامع زوجته وهو صائم في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم وجب عليه الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وانتبه لهذه الشروط أن يكون فعلك في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم فإن كان في غير رمضان فإنه يفسد صومه ولكن لا كفارة عليه وكذلك لو كان في نهار رمضان وهو ممن لا يجب عليه كما لو جامع زوجته وهو مسافر صائم فإنه لا كفارة عليه حينئذ لأن الصوم لا يجب عليه في هذه الحال إذ يجوز له أن يفطر عمدا.
فضيلة الشيخ:بالنسبة للجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم هل تكون الكفارة على الزوجين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تكون الكفارة على الزوجين إذا اختارت الزوجة أما إذا أكرهت على هذا فإنه ليس عليها كفارة لأنها مكرهة ولا يفسد صومها أيضا بذلك لكونها مكرهة والكفارة على الترتيب وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً فلا يجوز الإطعام لمن كان قادرا على الصوم.
وأما المسألة الثالثة مما يتضمنه السؤال فهي ما إذا نسي النية ولا أتصور أن يقع لأن الإنسان إذا أراد الصوم عادة فسوف يقوم في آخر الليل ويأكل ويتسحر وبهذا يكون قد نوى الصوم فأنا لا أتصور النسيان.
***(11/2)
السائل إبراهيم س ش يقول ما حكم من شرب أو أكل والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب وهو يريد الصوم في رمضان بعد طلوع الفجر لقول الله تبارك وتعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فمتى طلع الفجر فإنه يجب الإمساك على الصائم في رمضان سواء أذن أم لم يؤذن فالعبرة بطلوع الفجر كما أن العبرة في الإفطار بغروب الشمس سواء أذن أم لم يؤذن فإذا كنت في البر والسماء صحو وليس حولك أنوار تحجب رؤية الفجر وأنت تشاهد المشرق ولم تر الفجر فلك أن تأكل وتشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر سواء أذن أم لم يؤذن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) .
***(11/2)
إذا ابتلع الصائم بعضاً من بقايا الطعام التي توجد في فمه هل يفسد صومه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك بغير اختياره فلا يفسد صومه أو ابتلعه ظناً أنه لا يفطر فلا يفسد صومه وأما إذا كان يعلم أنه يفطر وابتلعه قصداً وعمداً فإنه آثم إذا كان الصوم واجباً وعليه قضاؤه وأما إذا كان تطوعاً فهو غير آثم لكن لا يصح صومه ذلك اليوم.
***(11/2)
هل يجوز للصائم المريض أن يأخذ الحقن المغذية في الوريد أو في العضل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب هذه لا يجوز للمريض أن يتناولها إلا إذا اضطُر إليها فيتناولها ويقضي وذلك لأن الإبر المغذية التي تقوم مقام الأكل والشرب وتغني عنهما هي في الحقيقة بمعنى الأكل والشرب فيكون لها حكم الأكل والشرب أما الإبر التي يراد بها التداوي وتنشيط الجسم ولكنها لا تغني عن الأكل والشرب فإنها لا تفطر سواء احتقن بها في الوريد أو في العضلات وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجد وذلك لأنها حينئذٍ ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب على أن لقائل أن يقول في الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب لقائل أن يقول إنها لا تفطر أيضاً وذلك لأن الأكل والشرب يحصل به مع التغذية التلذذ في التشهي وذوق الطعام ولذلك تجد الرجل الذي يُغَذَّى بهذه الإبر تجد منه شوقاً كبيراً إلى الأكل والشرب مما يدل على أنه هذه الإبر لا تفي بما يفي به الأكل والشرب ومن الجائز جداً أن يكون الأكل والشرب حرم على الصائم لا لأجل أنه يغذي فقط ولكن لأنه يغذي وتنال به شهوة الأكل والشرب وحينئذٍ ستكون التغذية جزء العلة وليست العلة ومعلوم أن القياس لا يتم إلا إذا وجدت العلة كاملة في الفرع كما وجدت في الأصل ولكني مع ذلك أقول إن الاحتياط القول بأنها تفطر أعني الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب إن الاحتياط أنها تفطر وأنه لا يجوز للصائم تناولها إلا إذا كان مضطراً لذلك وحينئذٍ يكون معذوراً للفطر فيفطر ويقضي.
***(11/2)
السائل ياسر عبد الرحيم يقول هناك أشياء استجدت في رمضان القطرة الحقنة المغذية ماهو حكمهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذه القطرات التي تقطر في العين أو الأذن وكذلك الإبر وكذلك الحقن كلها لا تفطر وذلك لأن الأصل بقاء الصوم وصحته حتى يقوم دليل من الشرع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين أو القياس الصحيح على أن هذا الشيء مفسد للصوم وهذه الأشياء التي ذكرها السائل لا دليل على أنها تفسد الصوم لا من الكتاب ولا السنة ولا الاجماع ولا قياس صحيح فهي ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب وإذا لم تكن أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فإنها لا تفسد الصوم لأن الذي يفسد الصوم هو الأكل والشرب وما دل الدليل على أنه يفسده مما سوى ذلك وليس هذه الأشياء أكلاً ولا شرباً وهي أيضاً ليست بمعنى الأكل والشرب فهي لا تقوم مقامه وإذا لم يتناولها اللفظ أعني لفظ النص بالدلالة اللفظية ولا بالدلالة القياسية فإنها لا تدخل فيما جاء به النص وعلى هذا يجوز للصائم سواء كان صومه فرضاً أم نفلاً أن يقطر في عينيه وأن يقطر في أذنيه وأن يستعمل الإبر لكن إذا كانت الإبر مغذية بحيث يستغنى بها عن الأكل والشرب فإنها تفطر لأنها بمعنى الأكل والشرب وما كان بمعنى المنصوص عليه فله حكمه لأن الشارع لا يفرق بين متماثلين كما لا يجمع بين متفرقين.
***(11/2)
هناك أمور استجدت في رمضان مثل القطرة الإبرة والكحل ماحكمها بالنسبة للصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأمور التي جدت قد جعل الله تعالى في الشريعة الإسلامية حلها في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تنقسم إلى قسمين قسم ينص على الشيء بعينه وقسم آخر تكون قواعد وأصول عامة يدخل فيها كل ما جدَّ وحدث من الجزيئات فمثلاً مفطرات الصائم التي نص الله عليها في كتابه هي الأكل والشرب والجماع كما قال الله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وجاءت السنة بمفطرات أخرى كالقيء عمداً والحجامة وإذا نظرنا إلى هذه الإبر التي حدثت الآن وجدنا أنها لا تدخل في أكل ولا شرب وأنها ليست بمعنى الأكل ولا بمعنى الشرب وإذا لم تكن أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فإنها لا تؤثر على الصائم لأن الأصل أن صومه الذي ابتداءه بمقتضى الشريعة الإسلامية صوم صحيح حتى يوجد ما يفسده بمقتضى الشريعة الإسلامية فمن أدعى أن هذا الشيء يفطر الصائم مثلاً قلنا له إتي بالدليل فإن أتى بالدليل وألا فالأصل صحة الصوم وبقاؤه وبناءً على ذلك فنقول الإبر نوعان نوع يقوم مقام الأكل والشرب بحيث يستغني به المريض عن الطعام والشراب فهذا يفطر الصائم لأنه بمعنى الأكل والشرب والشريعة لا تفرق بين المتماثلين بل تجعل للشيء حكم نظيره والنوع الثاني إبر لا يستغنى بها عن الأكل والشرب ولكنها للمعالجة وتنشيط الجسم وتقويته فهذه لا تضر ولا تؤثر شيئاً على الصيام سواء تناولها الإنسان عن طريق العضلات أو عن طريق الوريد وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجده لأن الأصل كما ذكرنا أنفاً صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده وكذلك الكحل والقطرة في العين ولا يؤثر ذلك شيئاً على الصائم مطلقاً لأن القاعدة أن ما ليس أكلاً ولا شرباًَ ولا بمعنى الأكل والشرب فإنه لا يؤثر على الصائم استعماله.
***(11/2)
ماحكم القطرة التي توضع في العين بالنسبة للصائم هل تفطر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القطرة التي توضع في العين في حال الصيام لا تفطر حتى لو وجد طعمها في حلقه فأنها لا تفطر وذلك لأن العين ليست منفذا أي لم تجر العادة بأن الإنسان يأكل من عينه أو يدخل الطعام إلى بدنه من عينه ولهذا يفرق بين وضع الدواء في العين حتى يصل إلى الحلق وبين أن يضع الدواء في الأنف حتى يصل إلى الحلق أو إلى المعدة لأن الأنف منفذ ينفذ منه الطعام بخلاف العين ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله إن الإنسان لو وطئ على شيء حاد فأحس بطعمه في حلقه فإنه لا يفطر فيقال كذلك إذا كحل عينه بكحل حاد ووجد طعمه في حلقه فإنه لا يفطر وهذا القول هو القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو المطابق لما تقتضيه الأدلة الشرعية.
***(11/2)
هل يجوز أن يكتحل الإنسان أو أن يقطر في عينه أو في أذنه إذا كانت تؤلمه وما الحكم لو وجد طعم ذلك في حلقه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول نعم يجوز للصائم أن يكتحل ويجوز أن يقطر في عينه ويجوز أن يقطر في أذنه ولا ضرر عليه إذا وجد طعم ذلك في حلقه لأن هذا ليس من الأكل والشرب ولا بمعنى الأكل والشرب ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يكتحل الصائم وأما الأنف فإنه لا يقطر فيه شيئاً لأن الأنف منفذ إلى المعدة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة قال (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ولكن لو استنشق الإنسان وهو صائم ثم تهرب الماء إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك لأنه بغير اختياره ومثله ما يقع لكثير من الناس حينما يشفطون البنزين من اللي أو نحوه فيتهرب ذلك إلى بطونهم فإنه لا يضرهم لأن ذلك بغير اختيار منهم.
***(11/2)
هل يجوز للمرأة في نهار رمضان أن تكتحل أو تمس شيئاً من الطيب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة ولغيرها أيضاً أن تكتحل في نهار رمضان وأن تقطر في عينها وأن تقطر في أذنها وأن تقطر في أنفها أيضاً ولكن القطور في الأنف يشترط فيه ألا يصل إلى الجوف لأنه إذا وصل إلى الجوف عن طريق الأنف كان كالأكل والشرب ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماًَ) وهذا دليل على أن ما وصل عن طريق الأنف فحكمه حكم ما وصل عن طريق الفم ويجوز لها كذلك ولغيرها أن تمس الطيب وأن تستنشق الطيب من دهن العود ونحوه وأما البخور فإنه يجوز للصائم أن يتبخر لكن لا يستنشق الدخان لأن الدخان له جرم يصل إلى الجوف لو استنشقه وعلى هذا فلا يستنشق، والحاصل أنه يجوز للصائم أن يكتحل ويقطر في عينه ويقطر في أذنه ويقطر في أنفه بشرط ألا يصل ما يقطره في الأنف إلى جوفه ويجوز له أن يتطيب بجميع أنواع الطيب وأن يشم الطيب إلا أنه لا يستنشق دخان البخور لأن الدخان ذو جرم يصل إلى المعدة فيخشى أن يفسد صومه بذلك.
***(11/2)
يقول يوجد بعض الناس وخاصة بعض الموظفين إذا أراد الخروج من منزله تطيب طيباً قوياً ووضع بخاخاً في فمه ليُحِّسن من رائحته بعد النوم الطويل بعد الفجر فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التطيب للصائم لا بأس به سواء كان ذلك في رأسه أو في لحيته أو في ثوبه وأما استعمال البخاخ في الفم فهذا أيضاً لا بأس به إذا كان ليس ذا أجزاء تصل إلى المعدة فأما إذا كان ذا أجزاء تصل إلى المعدة فإنه لا يجوز استعماله لأن ذلك يفضي لفساد صومه أما إذا كان بخاراً لا يعدو الفم فإنه لا يضر سواء استعمله لتطييب فمه أو استعمله لتسهيل النفَسَ عليه كما يفعله بعض المصابين بالضغط ونحو هذا على أني أحُب لهذا الذي يستعمل البخاخ لتطييب فمه أحب أن يراجع الأطباء في ذلك لأنني قد سمعت أن استعمال الطيب في الفم نهايته أن يكون في الإنسان بخر ورائحة كريهة في فمه فينبغي ألا يستعمل هذا لا في الصوم ولا غيره حتى يسأل الأطباء والله الموفق.
***(11/2)
السائلة أم حنان من الرياض تقول هل رائحة العطر تفطر وهل استنشاقه أيضا يفطر وماذا عن رائحة العود والبخور للصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رائحة العطر لا تفطر حتى لو استنشق الإنسان هذا العطر فإنه لا يفطر لأنه لا يتصاعد إلى جسمه شيء سوى مجرد الرائحة أما الاستنشاق بالماء فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للقيط بن صبرة رضي الله عنه (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فاستثنى النبي صلى الله عليه وسلم المبالغة في الاستنشاق حال الصيام لأنه إذا استنشق الماء دخل الماء إلى جوفه فلهذا قال (إلا أن تكون صائما) وأما البخور فلا بأس أن يتطيب به الإنسان ويطيب به ثوبه ويطيب به رأسه ولكن لا يستنشقه لأنه إذا استنشقه تصاعد إلى جوفه شيء من الدخان والدخان ذو جرم فيكون مثل الماء وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للقيط (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) ثم إنه ثبت من الناحية الطبية أن استنشاق الدخان مضر على القصبات الهوائية سواء كان بخورا أو غير بخور وبناءً على ذلك لا ينبغي استنشاقه لا في حال الصيام ولا في حال الفطر.
***(11/2)
السائل ر. م. ك الشهري يقول هل استنشاق البخور في نهار رمضان يفطر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المفطرات التي تفطر الصائم لا بد أن يكون عليها دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع وإلا فالأصل أن الصوم صحيح غير باطل والمفطرات معروفة في القرآن والسنة فإن كان يصل إلى باطن الجوف فإنه حرام أعني الاستنشاق وهو مفطر لمن كان يعلم أنه محرم وأنه يفطر الصائم وأما إذا كان الإنسان جاهلا لا يدري فإنه لا يفطر بذلك وهذه قاعدة في جميع المفطرات كل المفطرات إذا فعلها الإنسان وهو لا يدري أنها مفطرة فإنه لا يفطر بها لقوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما (أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس) ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم بالقضاء ولو كان القضاء واجبا لأمرهم به ونُقل إلينا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يؤخر البلاغ عن وقت الحاجة إليه وإذا بَلَّغَ فلا بد أن ينقل لأنه إذا بَلَّغَ صار من شريعة الله وشريعة الله محفوظة والصحابة حين أفطروا في يوم الغيم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء فدل هذا على أن من كان جاهلا فإنه لا قضاء عليه وأما النسيان فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وعلى هذا فنقول للسائل لا تستنشق البخور وأنت صائم ولكن تبخر به ولا حرج وإذا طار إلى أنفك شيء من الدخان بغير قصد فلا يضر ونقول أيضا إذا كنت لا تدري أنه مفطر وكنت تستعمله من قبل حيث تستنشق البخور حتى يصل إلى جوفك فلا شيء عليك لأن جميع مفطرات الصوم لا تفطر إلا إذا كان الإنسان عالما بها وعالما بتحريمها وذاكرا لها.
***(11/2)
هل الدخان الناتج من احتراق خشب أو حطب أو نحو ذلك يفطر الصائم وهل الكحل يفطر أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدخان لا يفطر الصائم وكذلك الكحل فإنه لا يفطر الصائم ولو وصل إلى حلقه طعم الكحل فإنه لا يضر على القول الراجح من أقوال أهل العلم الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وذلك لأن هذا الكحل ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب والعين ليست منفذاً معتاداً ينفذ منه الطعام والشراب إلى الجسم وأما الدخان فلا يفطر أيضاً إلا من استنشقه حتى وصل إلى جوفه فإنه يفطر في هذه الحال لأن الدخان له جرمٌ يتخلل المسام فيصل إلى الجوف وإذا استنشقه فقد أدخله من منفذٍ معتاد فإن الأنف منفذٌ معتاد يغذى به الإنسان عند العجز عن التغذية عن طريق الفم ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) وليعلم أن جميع المفطرات لا تفطر الصائم إذا فعلها جاهلاً بأنها تفطر أو ناسياً أنه صائم لقول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن نسي فأكل أو شرب وهو صائم قال (فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما (أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يؤمروا بالقضاء) لأنهم كانوا جاهلين بأنهم ما زالوا في النهار.
***(11/2)
هل يفسد صوم من يستنشق رائحة دخان المدخنين الذين يمرون بقربه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا، لا يفسد الصوم بذلك ولا يفسد الصوم بالبخور أيضا إذا كان مجرد شم الرائحة أما لو أدنى البخور إلى أنفه وجعل يستنشقه حتى وصل إلى معدته فهذا مفسد للصوم.
***(11/2)
تقول السائلة بأنها مصابة بضيق التنفس في الصدر ووصف لها الأطباء بخاخ يساعدها على التنفس تستعمل هذا البخاخ في الفم والأنف والبخاخ عبارة عن هواء فتستعمل هذا الدواء أحياناً في شهر رمضان في النهار وهي صائمة فهل هذا البخاخ يفطر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا البخاخ لا يفطر لأنها كما قالت هو هواء أو ذرات أكسجين لا تصل إلى المعدة والمحرم على الصائم الأكل والشرب وما كان بمعناهما وهذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب وهو لا يصل إلى المعدة بل إنه ربما لا يصل ولا إلى الحلق فالذي أرى أن هذا لا بأس به وأنه لا حرج إذا استعمله الصائم صياماً فرضاً ولا يفسد الصوم به لا صوم النفل ولا صوم الفريضة.
***(11/2)
من منصور سعود عبد الرحمن من الرياض يقول إنسان عنده حالة ربو وهي حالة مزمنة ويستعمل العلاج بصفة مستمرة ويحاول قدر الإمكان عدم استعمال العلاج وهو صائم لكي لا يفطر ولكن هناك بخاخ يستعمل عن طريق الفم ولا يستعمله إلا في الحالة الضرورية فهل مثل هذا العلاج يفطر إذا كان كذلك فماذا يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال الذي يسأله صاحب الربو الذي يحتاج إلى هذا البخاخ الذي يفتح مسام الهواء إذا كان هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة وإنما هو لتبريد الحلق وفتح قنوات الهواء فإنه لا يفطر بذلك وأما إذا كان سائلاً يصل إلى المعدة فإنه يفطر به فإذا كان محتاج إليه دائماً باستمرار فإن حكمه حكم الشيخ الكبير الذي يطعم عن كل يوم مسكيناً ويجزئه عن الصوم فصار لهذا العلاج حالان الحال الأولى ألا يكون له جرم يصل إلى المعدة فهذا لا يضره إذا استعمله وهو صائم ولا يفطر به الحال الثانية أن يكون له جرم يصل إلى المعدة فهذا يفطر ولكنه إذا كان محتاجاً إليه من أجل هذا المرض الذي أصابه فإنه يستعمله ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
***(11/2)
يقول السائل: بي مرض الحساسية في أنفي وأستعمل له علاج بخاخ للأنف وإذا لم أستعمله يكون فيه مشقة علي من ضيق النفس ولا أستطيع الصبر عن العلاج أكثر من ثلاث ساعات وإن لم أستعمله فإنه يضيق نفسي نهائياً والمشكلة العويصة هي إقبال شهر رمضان حيث أنني أستعمله وأخشى أن يجرح صيامي وإن تركته لا أستطيع علماً بأني كنت في بعض الأيام من رمضان أستعمله ولكن أحرص على عدم وصوله إلى حلقي فما حكم ذلك وما حكم استعماله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسأل الله لك الشفاء والعافية والجواب على سؤالك أن هذا البخاخ الذي تستعمله ما هو إلا شيء يشبه الغاز لكونه يتبخر ولا يصل منه شيء إلى المعدة وحينئذٍ فنقول لا بأس أن تستعمل هذا البخاخ وأنت صائم ولا تفطر بذلك لأنه كما قلنا لا يصل إلى المعدة منه أجزاء لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول ولا يصل منه جرم إلى المعدة حتى نقول إن هذا مما يوجب الفطر فيجوز لك أن تستعمله وأنت صائم.
***(11/2)
هل من مفطرات الصيام دهن الشعر بالزيت للنساء وخروج مادة دهنية من البطن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دهن الصائم ليس من المفطرات لأنه لا يدخل في لفظ الأكل والشرب ولا في معناهما فلو ادهن الإنسان في رأسه أو بدنه فلا حرج عليه أما قول السائل خروج مادة دهنية أنا لا أعرف من أين تخرج هذه المادة؟
فضيلة الشيخ: يفرز جسمه مادة دهنية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المقصود هذا فإن ذلك لا يفطر لأنه مثل إفراز العرق فهو شيء يخرج بغير اختياره وليس مثل القيء لأن القئ مفسد للصوم على القول الراجح إذا كان متعمداً لأن القيء معناه استفراغ الأكل والشرب الذي في المعدة وبه قوام البدن فإذا استفرغ الإنسان حصل له من الضعف ما يجعل الصوم شاقاً عليه فلهذا كان الاستفراغ عمداً مفطراً للصائم ولا يحل للإنسان إذا كان صومه واجباً أن يستفرغ لأن ذلك إفساد لصوم واجب أما إذا خرج هذا بغير اختياره أعني القيء فإنه لا يفطر نظراً لأن من شروط المفطرات أن تقع بإرادةٍ من الفاعل.
***(11/2)
تقول السائلة في أحد شهور رمضان الماضية وأنا صائمة قمت بدهن شعري ولم أكن أعلم أن هذا يبطل الصوم ونبهتني إحدى الأخوات بأن صومي غير صحيح فقمت بالإفطار في ذلك اليوم علماً بأنني قضيت ذلك اليوم بعد انتهاء رمضان وكان ذلك الشهر أول صيام لي فهل علي إثمٌ فيما فعلت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذه الفقرة من الأسئلة التي قدمت من وجهين الوجه الأول هذه التي أفتتها أفتتها بلا علم فإن دهان المرأة وهي صائمة لا يبطل الصوم وإذا كانت هذه الفتوى بلا علم فإني أوجه نصيحةً لكل من يسمع كلامي هذا بأنه لا يحل للإنسان أن يفتي بلا علم لأن الفتوى معناها أن الإنسان يقول عن الله عز وجل ويعبر عن الله سبحانه وتعالى في شرعه بين عباده وهذا محرم ومن أعظم الإثم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) وقد قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) أحذر كل إنسانٍ يتكلم عن الشرع ويفتي عباد الله أحذره أن يتكلم بما لا يعلم وأقول إنه يجب على الإنسان أن يتأنى في الفتوى حتى يعلم إما بنفسه إن كان أهلاً للاجتهاد وإما بسؤال أهل العلم عن حكم هذه المسألة أما الوجه الثاني فهو من جهة هذه المرأة التي أفتيت بغير علم فأفطرت بناءً على هذه الفتوى ثم قضت اليوم الذي عليها فإنه لا شيء عليها الآن لأنها أدت ما يجب عليها.
***(11/2)
هل يجوز وضع الحناء للشعر أثناء الصيام والصلاة وهل الحناء تفطر الصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا صحة له فإن وضع الحناء في أيام الصيام لا يفطر ولا يؤثر على الصيام شيئاً كالكحل وكقطرة الأذن وكالقطرة في العين فإن ذلك كله لا يضر الصائم ولا يفطره وأما الحناء في أثناء الصلاة فلا أدري كيف يكون هذا السؤال إذا أن المرأة التي تصلى لا يمكن أن تتحنى ولعلها تريد أن الحناء هل يمنع صحة الوضوء إذا تحنت المرأة والجواب أن ذلك لا يمنع صحة الوضوء لأن الحناء ليس له جرم يمنع وصول الماء وإنما هو لون فقط والذي يؤثر على الوضوء هو ما كان له جسم يمنع وصول الماء فإنه لا بد من إزالته حتى يصح الوضوء.
***(11/2)
هل الدموع تفطر الصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دموع العينين لا تفطر الصائم بل إذا كانت من خشية الله عز وجل فهي محمودة وإذا كانت من ألم في العين فليس للإنسان فيها حيلة وإن كانت من بكاء على مفقود فهي من طبيعة البشر والخلاصة أن الدموع مهما كانت غزيرة فإنها لا تفطر الصائم.
***(11/2)
صالح خليل من منفوحة يقول كنُت في نهار رمضان صائماً وجاءني قيء أثناء نهار رمضان لكنه قليل فقمت بإفراغ ما في معدتي بنفسي فهل بطل صيامي في ذلك اليوم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت في هذه الحال لا تدري أن هذا العمل يفطر الصائم فإنه لا قضاء عليك لأنك فعلت المفطر جاهلاً ومن فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فإنه لا يفطر أما إذا كنت تدري أن استدعاء القيء يفطر الصائم فإنك بذلك تكون آثماً وعليك القضاء لأنك أفطرت باستدعاء القيء.
***(11/2)
يقول السائل في أحد الأيام من شهر رمضان كان عندي مرض بسيط وبعد هذا المرض طرشت وكان ذلك بعد الإفطار مساءً وقد سمعت من بعض الناس أن من طرش فقد أفطر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان التطريش وهو القيء بعد الإفطار فلا حرج فصومه تام على أي حالٍ كان هذا القيء وأما إذا كان قبل الإفطار وأنت صائم فإذا كان قد غلبك ولم يحصل منك معالجة للقيء فإن صومك صحيحٌ أيضاً لأنك لم تتعمد ذلك وأما إذا تعمدت إخراج ما في معدتك أي تعمدت القيء وأنت صائم فإن صومك يكون باطلاً فعليك قضاؤه إن كان صيام فرض وهذا إذا كنت تدري أن القيء مما يفطر الصائم فإن إذا كنت لا تدري أن القيء مما يفطر الصائم فصومك صحيحٌ ولا قضاء عليك ولو كنت متعمداً ذلك لأن جميع المفطرات لا تؤثر إلا إذا فعلها الإنسان عالماً ذاكراً مختاراً.
***(11/2)
ماحكم من خرج منه قيء بدون قصد في أحد أيام رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا خرج من الصائم قيء بغير قصدٍ منه فإنه لا يضره ولاينقص به الصوم ولا يفسد به لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في السنن (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه أي من غلبه) وأما من طلبه أي طلب القيء فإنه يفطر بذلك.
***(11/2)
هل ترون أن الحجامة تفطر الصائم وقد ورد دليلٌ في مسلم يدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) كان متقدماً وأن آخر أمره عليه الصلاة والسلام الترخيص بها للصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نرى أن الحجامة تفطر إذا ظهر الدم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) وما ذكره السائل من أنه ورد في صحيح مسلم ما يدل على نسخ ذلك فلا أعلمه الآن وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة في رسالةٍ له تسمى (حقيقة الصيام) فليرجع إليها السائل والقول بأن الحجامة مفطرة هو المناسب للحكمة لأن المحجوم يظهر منه دمٌ كثير ويلحقه الضعف والعجز والتعب فصار من حكمة الله أن الصائم إذا احتجم قلنا له أفطرت فكل واشرب ولكننا لا نقول له إن الحجامة جائزة في الصوم بل نقول إن الحجامة محرمة في الصوم الواجب ولكن إذا اضطر الإنسان إليها بأن هاج به الدم حتى خاف على نفسه الهلاك أو الضرر فإنه في هذه الحال يحتجم للضرورة ويفطر فيأكل ويشرب وهذا من الحكمة لا شك فيه وعلى هذا نقول إذا كان الصوم نفلاً فلا حرج على الإنسان الصائم أن يحتجم ولا إثم عليه لأنه يجوز للصائم نفلاً أن يقطع صومه لكنه يكره لغير غرضٍ صحيح وأما إذا كان الصوم واجباً كصوم رمضان وقضاء رمضان وصوم النذر فإنه لا يجوز أن يحتجم وهو صائم لأن الواجب لا يجوز الخروج منه إلا لضرورة فإذا اضطر إلى ذلك واحتجم صار بذلك مفطراً وجاز له أن يأكل ويشرب.
***(11/2)
السائلة تقول والدتي أمكنها الله من صيام شهر رمضان إلا أنه حدث لها نزيف من أسنانها في يومين من رمضان ولمرضها لم تتمكن من القضاء فهل نقضى عن الصوم أم تلزمنا كفارة عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا النزيف الذي حصل لها في أسنانها لا يؤثر على صومها ما دامت تحترز من ابتلاعه ما أمكن لأن خروج الدم بغير اختيار الإنسان لا يعد مفطراً كما لو رأته أو خرج دماً من أسنانه واحترز غاية ما يمكنه عن ابتلاعه فإنه ليس عليه في ذلك شيء ولا يلزمها قضاء، فهذه المرأة نقول لها لا قضاء عليك.
***(11/2)
يقول السائل إذا صمت وجرحت وخرج الدم هل يبطل صومي وهل الاحتلام يبطل الصوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يبطل الصوم بخروج الدم من الجرح ونحوه ولو كثر لأنه بغير اختيار الصائم وكذلك لا يبطل الصوم بنزول المني بالاحتلام لأنه بغير اختيار الصائم والصوم لا يفسد إلا إذا تناول الصائم المفطرات عالماً ذاكراً قاصداً فأما إن كان جاهلاً فصومه لا يفسد وكذلك لو كان ناسياً وكذلك لو كان غير قاصداً للفعل مثال الجهل أن يأكل أو يشرب يظن أن الفجر لم يطلع ثم يتبين أنه قد طلع فصومه صحيح ومثال النسيان أن يأكل ويشرب في أثناء النهار ناسياً أنه صائم فصومه صحيح أيضاً ومثال غير القاصد أن يحتلم فينزل منه المني أو يُكره على الإفطار بأكل وشرب فلا يفطر بذلك.
***(11/2)
تقول السائلة إذا صام الشخص في يوم غير رمضان وأكل ناسيا هل يبطل صيامه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أكل الصائم ناسيا فإن صيامه صحيح سواء في رمضان أو غير رمضان لقول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وأحب أن أزف إلى إخواني المسلمين هذه البشرى وهي أن الله تبارك وتعالى عفا عن كل محرم فعله الإنسان ناسيا أو جاهلا أو مكرها فقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) شامل لكل ما يقع فيه الخطأ والنسيان وقوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) هذا في الكفر إذا أكره الإنسان عليه وقلبه مطمئن بالإيمان فإن الله لا يؤاخذه به فما دون الكفر من باب أولى وقد وردت أحاديث متعددة في سقوط الإثم عن من كان جاهلا أو ناسيا، فلو تكلم الإنسان في الصلاة يظن أن الكلام حلال فليس عليه شيء وصلاته صحيحة، ولو أكل الإنسان وهو صائم يظن أن الشمس قد غربت وهي لم تغرب فليس عليه شيء، ولو أكل يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع فليس عليه شيء، كل محرم فعله الإنسان ناسيا أو جاهلا أو مكرها فليس عليه شيء وهذا من تيسير الله عز وجل ورحمته بعباده أما المأمورات فإنه إذا أمكن تدارك الواجب ولو تركه الإنسان ناسيا وجب عليه تداركه ودليل ذلك أن رجلاً صلى في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يطمئن في صلاته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة وقال (إنك لم تصل) حتى علمه عليه الصلاة والسلام أنه يجب عليه أن يطمئن فدل ذلك على أن ترك المأمورات متى أمكن تداركه وجب على الإنسان تداركه ولو كان قد ترك الواجب جاهلاً أو ناسياً بخلاف المحظورات المحرمات فإن الإنسان إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء إطلاقا لا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج.
***(11/2)
يقول السائل في شهر رمضان قبل ما يقارب خمسة أعوام أو أكثر شربت ماءً عن طريق السهو فأكملت الصوم ولم أفطر وفي يومٍ من الأيام أكلت طعاماً أيضاً عن طريق السهو ولكنني بعد الأكل شربت ماءً جاهلاً فهل أقضي هذه الأيام أم ماذا أفعل علماً أنه كان ذلك قبل خمسة أعوام أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك قضاءٌ في ذلك لا في أكلك ولا في شربك لأن أكلك وقع نسياناً وشربك وقع جهلاً وليس على الإنسان شيء إذا كان ناسياً أو جاهلاً.
***(11/2)
من ليبيا السائل ف. أ. م. يقول في شهر رمضان عندما أصحو من النوم أجد في فمي دم أحياناً أسهو فأبلع هذا الدم فما حكم صيامي مع العلم بأنه يحدث لي يومياً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام هذا السائل صحيح لأن هذا الدم الذي يخرج منه في أثناء النوم إن تسرب منه شيء إلى بدنه في حال نومه فهو معفو عنه لأن النائم ليس عليه إثم فيما جرى منه لأنه قد رفع عنه القلم أما إذا استيقظ ثم ابتلع شيئاً منه بغير قصد فليس عليه قضاء أيضاً ولا يفسد صومه بذلك لأنه ابتلعه بغير اختياره ومن المعلوم أن مفسدات الصوم أي مفطرات الصائم لا تفطره إلا بشروط ثلاثة الشرط الأول أن يكون عالماً الشرط الثاني أن يكون ذاكراً والشرط الثالث أن يكون مريداً للمفسد أي للمفطر فإن كان جاهلاً فصومه صحيح سواء كان جاهلاً بالحكم الشرعي أم جاهلاً بالحال أي بالوقت مثال الجاهل بالحكم الشرعي أن يحتجم الإنسان وهو صائم يظن أن الحجامة لا تفطر فإن هذا لا قضاء عليه ومثال الجاهل بالحال أن يأكل الإنسان ويشرب بعد طلوع الفجر ظاناً أن الفجر لم يطلع ثم يتبين أنه قد طلع أو أن يفطر بناء على غلبة ظنه أن الشمس قد غابت لكونه في يوم غيم أو محبوساً في مكان لا يرى الشمس ثم يتبين بعد ذلك أن الشمس لم تغرب فصومه صحيح أيضاً لما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء وكذلك من الجهل بالحال أن يتناول الإنسان شيئاً مفطراً يظن أنه ليس من المفطرات وهو يعرف مثلاً أن الأكل مفطر للصوم ولكنه يتناول شيئاً يظن أنه من الأشياء الغير المفطرة مثل أن يظن أن المفطر من الأكل ما كان مغذياً ثم يبتلع خرزة أو شبهها مما يظن أنها لا تفطر فهذا أيضاً لا قضاء عليه لأنه جاهل وأما الناسي فليس عليه قضاء أيضاً يعني لو نسي فأكل أو شرب فليس عليه قضاء ودليل هذا -أعني-أن الجاهل والناسي لا يفسد صومه بتناول ما يفطر عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) والحديث الخاص حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في كونهم أفطروا قبل مغيب الشمس ثم طلعت الشمس والحديث الخاص أيضاً في الناسي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) أما من ليس مريداً للمفطر مثل أن يدخل الماء إلى جوفه حين المضمضمة بدون قصد فلأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ويقول عز وجل (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) وهذا الرجل لم يتعمد المفسد فهو في معنى الجاهل والناسي من وجه وفيه الدليلان اللذان ذكرتهما ومن المعلوم أن النائم غير مريد لما يبتلعه فيما لو ابتلع دماً خرج من أسنانه وهو نائم وخلاصة القول في جواب هذا السائل أن هذا الدم الذي يخرج منه وهو نائم في حال صومه لا يفطره ولو فرضنا أنه ابتلع شيئاً منه في حال النوم وأما بعد النوم فإنه يجب عليه أن يلفظ هذا الدم فإن ذهب منه شيء إلى جوفه بدون قصد فلا حرج عليه وصومه صحيح.
***(11/2)
من بريدة السائلة ب هـ ن تقول إذا نزل في حلقي بنزين أو رائحة من البنزين ووصل إلى جوفي بدون قصد فهل ذلك يفطر علما بأنني لم أفعل ذلك متعمدة بل كنت أريد أن أسقي المزرعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا نزل إلى جوف الصائم بنزين أو ماء أو غيرهما بغير قصد فإن ذلك لا يفطره لأن من شروط الفطر بالمفطرات أن يكون الفاعل عالما قاصدا ذاكرا فضد العلم الجهل وضد الذكر النسيان وضد القصد عدم القصد ولهذا لو أكل الإنسان أو شرب يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه طالع فلا شيء عليه وصومه تام ولو أكل أو شرب ناسيا فصومه تام ولو نزل إلى بطنه ماء أو غيره بغير قصد فصومه تام.
***(11/2)
من اليمن الشمالي ش. ق. ع. يقول من احتلم في نهار رمضان فهل عليه قضاء ذلك اليوم أم يغتسل ويكمل صيامه وليس عليه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يغتسل ويكمل صيامه وليس عليه شيء وذلك لأن الاحتلام وإن حصل به إنزال لا يفطر به الصائم لأنه حصل بغير اختيار منه ومن شروط الفطر بالمفطرات أن يكون الصائم مختاراً مريداً لهذا المفسد وإن كان غير مختار ولا مريداً له فإنه لا يفطر به فغير المختار هو المكره والنائم ونحوه مما مثل به أهل العلم للكره فيما لو طار إلى حلقه شيء يفطر به فعجز عن أن يخرجه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر به لأنه غير مريد له.
***(11/2)
المستمع يقول في سؤاله من طلع عليه الفجر وهو جنب في رمضان ما الحكم الشرعي في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب السؤال أنه إذا طلع الفجر على الصائم وهو جنب فإن صومه صحيح ولا شيء عليه ودليل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أما من كتاب الله فقد قال الله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) فأحل الله الجماع في الليل إلى أن يتبين الفجر وهذا يستلزم ألا يغتسل إلا بعد طلوع الفجر لأنه إذا كان الفعل مباحاً له حتى يتبين الفجر فإنه سيبقى إلى آخر لحظة من الليل وسيكون اغتساله بعد طلوع الفجر وأما من السنة قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يصبح جنباً ويصوم) ولكن الأفضل لمن حصلت له الجنابة أن يبادر بالاغتسال ليكون على طهارة فإن لم يمكن أن يغتسل فليتوضأ لأن الوضوء يخفف من الجنابة وقد (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنب ينام فقال صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فليرقد) وهذا دليل على أن الوضوء يخفف من الجنابة ودليل على أنه ينبغي للإنسان ألا ينام إلا على طهارة إما طهارة تامة وهي الاغتسال وإما طهارة مخففة وهي الوضوء.
***(11/2)
يقول السائل إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر في رمضان وجاء الوقت وأنا جنب فهل يبطل الصوم أم عليَّ الاغتسال وأصلى وصومي صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أذن الفجر والإنسان يريد الصوم وكان عليه جنابة فإنه لا حرج عليه أن يصوم ثم يغتسل بعد طلوع الفجر لقول عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ويصوم) ويؤخذ هذا من قول الله تبارك وتعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإباحت الجماع إلى أن يطلع الفجر يستلزم ألا يكون الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر.
***(11/2)
السائلة من الرياض تقول ما حكم من يكون عليه جنابة قبل وقت السحور أي أثناء وقت السحور ثم تسحر وبعد الآذان نوى الإمساك ثم ذهب ونام وهو لم يؤد الصلاة ولم يغتسل من الجنابة ونام حتى المغرب ولم يؤد الصلاة ولم يغتسل علماً بأن الزوجة قامت بأمره وهو مستيقظ ولم يسمع كلامها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل يدع الصلاة في هذا اليوم وفي غيره فإنه لا صيام له وصيامه باطل مردود عليه لأن الصيام لا يصح من كافر وتارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وهو مرتد عن الإسلام إذا مات على هذه الحال فهو من أهل النار المخلدين فيها الذين يحشرون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أما إذا كان تركها في ذلك اليوم وحده وكان من عادته أن يصلى فلا شك أنه أتى إثماً عظيماً ولكنه لا يكفر بذلك وصيامه صحيح لأنه ليس من شرط الصيام الطهارة من الجنابة ولهذا لو أن الإنسان أصبح جنباً وهو صائم كان صومه صحيحاً يعني لو أنه حصلت عليه جنابة في آخر الليل ثم تسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صيامه صحيح ودليل ذلك قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وهذا يقتضي أنه يجوز أن يجامع إلى أن يطلع الفجر ومن لازم ذلك إنه لن يغتسل إلا بعد طلوع الفجر ولهذا (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبح جنباً من أهله ثم يصوم) .
***(11/2)
يقول إذا احتلم الصائم في نهار رمضان وهو مستيقظ من أثر النظر أو التفكير فماذا يلزمه وهل يكمل صيام ذلك اليوم وهل عليه كفارة أو قضاء بعد رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال هذا عجيب لأنه يفهم منه أنه أحتلم وهو يقظان والاحتلام إنما يكون في النوم ولكن لا بد من الإجابة فنقول الاحتلام في النوم لا يضر الصائم أبدا لأنه ممن رفع عنه القلم وأما الإنزال في حال اليقظة فإن كان لمجرد التفكير فإنه لا يفسد الصوم ولا يلزم الصائم القضاء وإن كان معه حركة بمعنى أن الإنسان يحرك عضوه التناسلي حتى ينزل فقد أساء وعليه قضاء ذلك اليوم.
***(11/2)
يقول السائل عند الوضوء وأثناء الصيام إذا دخل الماء أثناء التمضمض هل يعني ذلك أنني أفطرت وكيف يتم التمضمض في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يتم التمضمض للصائم كما يتم لغيره بمعنى أنه يدخل الماء في فمه ويمره عليه ثم يلفظه وفي هذه الحال لو أنه أي الصائم دخل إلى جوفه شيء من هذا الماء بغير قصده لم يفطر بذلك لأن شروط الفطر بالمفطرات ثلاثة الأول أن يكون الإنسان عالماً والثاني أن يكون ذاكراً والثالث أن يكون مختاراً قاصداًَ فأما العلم فإن ضده الجهل فلو تناول الإنسان شيئاً من المفطرات جاهلاً أنه يفطر أو جاهلاً أنه في النهار ثم تبين له بعد ذلك فإن صومه صحيح مثل أن يحتجم الإنسان وهو لا يعلم أن الحجامة مفطرة للصائم فإنه في هذه الحال لا يفسد صومه لأنه جاهل ومثل أن يأكل الإنسان ويشرب يظن أن الفجر لم يطلع ثم يتبين له أن الفجر قد طلع فإنه لا قضاء عليه ومثل أن يكون في مكان لا يسمع فيه النداء والسماء مغيمة فيظن أن الشمس قد غربت فيفطر ثم يتبين له بعد ذلك أن الشمس لم تغرب فإنه لا قضاء عليه لأنه جاهل وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ولو أمرهم به لنقل لأنه إذا أمر به صار من شريعة الله وشريعة الله تعالى لا بد أن تحفظ وتنقل إلى عباد الله وأما قولنا أنه يشترط لفساد الصوم بالمفطرات أن يكون الصائم ذاكراً فإن الذكر ضده النسيان فلو أكل الإنسان أو شرب وهو صائم ناسياً فإن صومه صحيح لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وأما اشتراط أن يكون الصائم مختاراً قاصداً فلأن غير المختار وغير القاصد لا إثم عليه وإذا نتفى الإثم انتفى حكم الفعل ودليل ذلك قوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ) فإذا انتفى حكم الكفر وهو أعظم الذنوب بالإكراه فما دونه من باب أولى وذلك لأن المكره غير قاصد للشيء فإذا حصل المُفَطِّر للإنسان بدون قصد منه مثل أن يتمضمض فينزل الماء إلى جوفه فلا قضاء عليه لأنه بغير اختياره.
***(11/2)
السائل إبراهيم المالكي من الليث يقول في يوم من أيام شهر رمضان بالغت في وضوئي لصلاة العصر فنزل شيء قليل من الماء إلى جوفي وأنا غير مبال بذلك وقد حصل بدون إرادتي وكان ذلك أثناء المضمضة فسألت عن ذلك فقيل لي لا شيء عليك في هذا ويجب عليك إتمام صومك إلى الليل فأتممت صومي فماذا يجب عليّ في هذه الحالة هل صومي كامل أم بنزول القليل من الماء إلى جوفي قد بطل الصيام علماً بأنني كما قلت غير قاصد لذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا أن صيامك صحيح لأنك إنما أدخلت الماء إلى فمك من أجل المضمضة وليس من أجل أن يصل إلى جوفك فإذا وصل بغير إرادة منك فإنك لا تفطر به ولكن لا ينبغي لك أن تبالغ لا في المضمضة ولا في الاستنشاق وأنت صائم لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ومثل ذلك ولو أن أحداً جلب الماء باللي أو نحوه ووصل شيء منه إلى بطنه فإنه لا يفطر به لأن ذلك بغير أرادته.
***(11/2)
من النماص فايز غرامة أبو حسين ومحمد أبو ساعية الشدي يقولان نحن اثنان زملاء واختلفنا على حكم المضمضة في الوضوء في نهار رمضان فيقول أحدنا إنها واجبة إلا في رمضان ويقول الثاني إنها واجبة حتى في شهر رمضان، ولكن بدون مبالغة في المضمضة في رمضان نرجو من فضيلتكم التوضيح عن الحكم في ذلك أثابكم الله وجزاكم عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المضمضة واجبة في الوضوء والغسل، سواء في نهار رمضان أو في غيره، أي سواء كان الإنسان صائماً أم مفطراً، ولا يجوز للإنسان أن يخل بها، لكن الصائم لا يبالغ فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) ، فإذا كان الاستنشاق لا يبالغ فيه في الصيام فالمضمضة من باب أولى، وأعلم أن المضمضة للصائم تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم واجب وهو إذا ما كان في وضوء أو غسل، وقسم جائز وهو ما إذا احتاج الصائم إليها لنشاف ريقه ويبس فمه، فإنه يجوز حينئذ أن يتمضمض ليبل فمه بهذا الماء، من غير أن يبتلعه، وقسم ثالث مكروه، وهو إذا كان عبثاً ولعباً، فإنه يكره للصائم أن يتمضمض لأن ذلك لا حاجة له فهو كذوق الطعام يكره للصائم إلا لحاجة.
***(11/2)
يقول السائل ذهبت مبكراً إلى البر لكي أبحث عن أغنام لنا ولم أعد إلا قُبيل صلاة الظهر وعدت عطشاناً مما اضطرني أن أنغمس في ماء كثير لكي أذُهب عن قلبي وعن كبدي شدة الحرارة فصاح علي أهلي وأخوتي الثلاثة ووالدي وقالوا إن هذا يفسد صومك فما مدى صحة ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا صحة لذلك فالصائم يجوز له أن ينغمس في الماء ويجوز له أن ينام عند المكيف ويجوز له أن يبل ثيابه ويرش بدنه من أجل الحر وشدة العطش وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان يصب على رأسه الماء من العطش) وكان ابن عمر رضي الله عنهما (يبل ثوبه وهو صائم من العطش) وكان لأنس ابن مالك رضي الله عنه (حوض ينغمس فيه وهو صائم) وكل هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أن يفعل المرء ما يخفف عنه شدة العبادة وألمها حتى يؤدي العبادة وهو مستريح وهي ميسرة عليه وقد قال الله تعالى في سياق آيات الصوم (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
***(11/2)
السائل أبو عبد الله من القصيم يقول كنت مسافراً من مكة إلى المدينة في رمضان وقرب المدينة أذن المؤذن في مكة فأفطرت ظاناً بأن المغرب في المدينة يدخل قبل مكة فهل صيامي صحيح أم أعيد صومي بهذا اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يبين السائل ماذا تبين له هل كان غروب الشمس في المدينة قبل مكة أو بالعكس وعلى كل حال فمادام هذا ظنه أي أنه ظن أن الشمس تغرب في المدينة قبل غروبها في مكة وأفطر بناءً على هذا الظن فإنه لا قضاء عليه لأنه في الحقيقة جاهل بالوقت وبالمناسبة فإنني أقول جميع مفطرات الصوم من أكل أو شرب أو جماع أو غيرها إذا تناولها الإنسان وهو جاهل بأن تناولها بعد طلوع الفجر وهو لم يعلم أنه طلع أو تناولها قبل غروب الشمس وهو لم يعلم أنها غربت لكنه غلب على ظنه أنها غربت فإنه لا شيء عليه ودليل ذلك من كتاب الله قوله تبارك وتعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله تعالى (قد فعلت) ولما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس) ولما ثبت في الصحيح (عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه صام فجعل تحت وساده عقالين أحدهما أسود والثاني أبيض وجعل يأكل وينظر إلى العقالين فلما تبين له الأبيض من الأسود أمسك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) ولم يأمره بالقضاء وكذلك حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء مع أنهم أفطروا قبل أن تغرب الشمس لكن هذا ظنهم ولو كان القضاء واجباً لكان من الشريعة ولكان تبليغه واجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته لنقل لأن الشريعة محفوظة فلما لم ينقل أنَّ الرسول أمرهم بالقضاء عُلم أن القضاء ليس بواجب وهذا هو القول الصحيح الذي ينطبق على أدلة الشريعة العامة التي أخذت من يسر هذه الشريعة وسهولتها وخلاصة الجواب للأخ الذي أفطر بين مكة والمدينة ظاناً أن مكة تسبق المدينة في الغروب نقول له ليس عليك قضاء.
***(11/2)
من محمد إبراهيم عسيري - محايل - مدرسة مالك بن ربيعة يقول: في شهر رمضان الماضي ذهبت إلى مكة لأداء العمرة وقبل الأذان بحوالي خمس دقائق تقريباً سمعت صوتاً وكنت خارج الحرم فحسبته صوت مدفع الإفطار فأفطرت أنا ومجموعة من زملائي وأقاربي ووالدتي وبعد قليل - أي بعد أن شربنا الماء - أرتفع صوت أذان المغرب لمنطقة مكة المكرمة، فهل يجب علينا إعادة صوم ذلك اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لايجب عليكم إعادة صيام ذلك اليوم الذي أفطرتم فيه قبل الغروب ظناً منكم أن الشمس قد غربت بواسطة ما سمعتم من صوت المدفع على أنه يمكن أن يكون صوت المدفع على غروب الشمس ولكن تأخر الأذان وعلى كل حال فينبغي أن يعلم - وأقوله لك أيها السائل ولجميع المستمعين - أن كل من أفطر وأكل وشرب ظاناً أن الشمس قد غربت ثمّ تبين أنها لم تغرب فإن صومه صحيح ولا يجب عليه إعادة ذلك اليوم، وإنما يجب عليه الامتناع عن الأكل والشرب من حين يعلم أنه في النهار، فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم لأنه ثبت في صحيح البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت: (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثمّ طلعت الشمس) ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ذلك اليوم إذ لو أمرهم لنقل ولو كان واجباً عليهم القضاء لأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم لوجوب التبيلغ عليه ولو أمرهم لنقل لأن الشريعة قد تكفل الله تبارك وتعالى بحفظها فلمّا لم ينقل إلينا أنهم أمروا بقضاء الصوم علم أنهم لم يأمروا به، ثمّ إن هذا فرد من أفراد العموم الثابت في قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت) ، فهذه الآية العامة قاعدة عظيمة من أصول الشريعة لا يشذّ عنها شيء وإذا اجتمع في هذه المسألة الدليل الخاص وهو حديث أسماء وهذا الدليل العام تبيّن أنه لاقضاء عليكم.
***(11/2)
ما الحكم في شخص أكل في شهر رمضان معتقداًَ أنه ليل فبان أنه نهار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه لا شيء عليه لأنه كان جاهلاً وقد أشرنا في إحدى الحلقات أن الصائم إذا تناول شيئاً من المفطرات جاهلاً فلا قضاء عليه لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله (قد فعلت) ولحديث عدي بن حاتم (أنه جعل تحت وسادته عقالين أسود وأبيض وجعل يأكل وينظر إليهما فلما تبين له الأبيض من الأسود أمسك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالقضاء) ولحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما (أنهم أفطروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء) فدل هذا على أن من أكل جاهلاً بالوقت يظن أنه في ليل ثم تبين أنه في نهار فلا قضاء عليه وكذلك لو كان جاهلاً بالحكم.
***(11/2)
ما الحكم في الصائم الذي يسافر من منطقته الحارة إلى منطقةٍ باردة في الجو أو إلى بلدٍ يكون النهار قصيراً فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليه في ذلك إذا كان قادراً على هذا الشيء فإنه لا حرج أن يفعل لأن هذا من فعل ما يخفف العبادة عليه وفعل ما يخفف العبادة عليه أمرٌ مطلوب وقد (كان النبي عليه الصلاة والسلام يصب على رأسه الماء من العطش أو من الحر وهو صائم) وكان ابن عمر رضي الله عنه (يبل ثوبه وهو صائم) وذكر (أن لأنس بن مالك رضي الله عنه حوضٌ من الماء ينزل فيه وهو صائم) كل هذا من أجل تخفيف أعباء العبادة وكلما خفت العبادة على المرء صار أنشط له على فعلها وفعلها وهو مطمئنٌ مستريح ولهذا (نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلى الإنسان وهو حاقن أي محصور بالبول فقال عليه الصلاة والسلام لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان) كل ذلك من أجل أن يؤدي الإنسان العبادة وهو مستريح مطمئن مقبلٌ على ربه وعلى هذا فلا مانع من أن يبقى الصائم حول المكيف وفي غرفةٍ باردة وما أشبه ذلك.
***(11/2)
من محمد عبد المجيد معلم سوداني مقيم باليمن الشمالي يقول نتحرك من هنا في رمضان وهناك فارق في الزمن وهو ساعة فإذا تحركت الطائرة من هنا قبل الإفطار بنصف ساعة مثلاً نصل السودان ووقت الإفطار بعيد بحيث يكون الصائم قد صام أكثر من ساعات النهار فما هو العمل في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل في مثل هذه الحال أن تبقى صائماً حتى تغرب الشمس لقول الله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وعلى هذا فيلزمكم البقاء على صيامكم إلى أن تغرب الشمس وإن كان يزيد على توقيت المكان الذي قمتم منه ساعة أو ساعتين أو أكثر كما أنه لو كان الأمر بالعكس بأن قمتم من السودان متجهين نحو المشرق ثم غربت الشمس قبل وقت غروبها في السودان فإنه يحل لكم الفطر وهذه القاعدة ينبغي أن يعرفها كل أحد وهو أنه مادام في المكان الذي أنت فيه ليل ونهار غروب شمس وطلوعها فإنه يجب الإمساك من حين أن يتبين الفجر إلى أن تغرب الشمس ولو طال الزمن أما لو كان الإنسان على أرض المطار وغربت الشمس وأفطر ثم قامت الطائرة فلما ارتفعت في الجو شاهد الشمس فإنه في هذه الحال لا يلزمه الإمساك لأنه أفطر بعد غروب الشمس وانتهى يومه.
***(11/2)
السائل محمد م. م. يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أضع أمامكم مشكلتي متمنياً لكم التوفيق والسداد في وضع الحل المناسب وللعلم أنني رغم مضي فترة سنتين مازلت أتأسف وأتألم حزناً على ما حدث وخلاصة ذلك، كان الوقت في شهر رمضان وفي يوم جمعة بينما كنت نائماً جاءت زوجتي وأرادت إيقاظي وبالفعل نهضت من الفراش في ذلك اليوم الفضيل وأمسكت بزوجتي وأرغمتها رغم محاولتها بأن الوقت رمضان صباحاً وجامعتها في ذلك اليوم، وبعد ذلك شعرت بالأسف الشديد وحزنت على ما جرى ولم نكمل اليوم صياماً بل أفطرنا، ومن ذلك الوقت إلى هذا الحين وأنا في دوامة أريد الخلاص من ذلك، ولكني لم أجد أحداً يرشدني إلى التكفير عما حدث لكي أكون مطمئناً وبعيداً عن العقاب وللعلم البعض نصحني بصيام شهرين متتابعين ولكن جسمي نحيل ولا أستطيع صيام تلك المدة لذا كتبت لكم مشكلتي هذه راجياً من المولى العلي القدير أن ترشدوني إلى ما هو الأفضل وشكر الله لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نرجو أن يكون ما وقع منك مكفراً لسيآتك حيث ندمت على ما مضى ونرجو أن تكون عازماً على عدم العود لمثل هذا العمل المحرم ولكن الواجب عليك كفارة وهي عتق رقبة والآن هذا أمر متعذر فإن لم تجد وليس بواجد الآن، فعليك صيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع لا صيفاً ولا شتاءً فأطعم ستين مسكيناً، وبذلك تكفر عن نفسك، أما بالنسبة لزوجتك، فإن كانت مكرهة، لا تستطيع الخلاص منك فليس عليها كفارة وليس عليها قضاء لا تقضي ولا تكفر لأنها مكرهة إلا إذا أفطرت فيما بعد كما هو ظاهر سؤالكم، أنها أفطرت وأكلت وشربت فعليها القضاء فقط من أجل أكلها وشربها، وأما إذا كانت موافقة على هذا الأمر وتستطيع أن تتخلص ولكنها لم تحاول فإن عليها مثل ما عليك، يعني كفارة، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكين على الترتيب.(11/2)
فضيلة الشيخ: كم يعطى المسكين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المساكين إما أن يغديهم أو يعشيهم، وإما أن يعطي كل واحد ربع صاع، والصاع النبوي هو كيلوان وأربعون غراماً.
***(11/2)
السائل من جمهورية مصر العربية محمد ص. يقول أنا أعمل في المملكة واستدعيت زوجتي لزيارتي وبالفعل أتت لدي وكنت لمدة كبيرة بعيداً عنها ووصلت لي في شهر رمضان ثم أتيتها في نهار رمضان ولم أدرِ ما كفارة ذلك وبعد ذلك بثلاثة أشهر أديت فريضة الحج أنا وزوجتي ما هي الكفارة لهذا وهل الحج صحيح علماً بأنني لم أكن أعلم مدى خطورة هذا العمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما بالنسبة للحج فالحج صحيح لأن عدم القيام بالكفارة لا يوجب فساده وأما الكفارة فيجب عليه أن يكفر هو وزوجته إذا كانت مطاوعة والكفارة عتق رقبة على كل واحد فإن لم يوجد فعلى كل واحد أن يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا إلا إذا كانت الزوجة مكرهة فإنه لا شيء عليها لا قضاء ولا كفارة كذلك لو كانت الزوجة تظن أنه يجب عليها إجابة الزوج في هذه الحال فإنه ليس عليها قضاءٌ ولا كفارة لأنها جاهلة وهنا يجب أن نعلم الفرق بين الجهل بالحكم وبين الجهل بما يترتب على الحكم، الجهل بالحكم يعذر فيه الإنسان ولا يترتب على فعله شيء والجهل بما يترتب على الفعل لا يسقط ما يجب فيه فمثلاً إذا كان رجل جامع في نهار رمضان يعلم أنه حرام لكن لا يعلم أن فيه هذه الكفارة المغلظة فإن الكفارة لا تسقط عنه فيجب أن يكفر وأما إذا كان يظن أنه لا شيء فيه يعني ليس فيه تحريم فهذا ليس عليه شيء ويدل لهذا (قصة الرجل الذي جامع زوجته نهار رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره وقال ماذا علي فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة) فهذا دليل على أن الرجل إذا جامع ويعلم أن الجماع حرام ولكن لا يدري ماذا عليه أن عليه الكفارة، واستدراكاً على ما حصل في قصة المرأة التي قدمت إلى زوجها وجامعها في نهار رمضان أقول إذا كانت المرأة حين قدومها مفطرة على أنها مسافرة ثم جامعها زوجها فليس عليها هي شيء لأن القول الراجح أن المسافر إذا قدم مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك بل يبقى على فطره.
***(11/2)
السائل ع. ع. ج. من العراق يقول إذا أفطر الصائم عمداً ولم يجد رقبة كي يعتقها وليس له قوة لصوم شهرين متتاليين وكان شاباً في بداية حياته ليس له دخلٌ خاص به كي يطعم منه ستين مسكينا فماذا يفعل هل الاستغفار جائز في مثل هذا الموقف وهل يستطيع المرء أن يعاهد الله بإطعام ستين مسكيناً عندما يكون له دخلٌ خاص ويتوظف وماذا يكون الحكم في هذا الشاب إذا توفي قبل أن يتوظف وقبل أن يطعم الستين مسكينا وهل يستطيع المرء أن يأخذ من مال أبيه للتصرف في مثل هذا الموقف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل لم يبين في سؤاله هل أفطر بما يوجب كفارة أو بغيره وذلك لأن الإفطار عمداً في رمضان محرم ومعصيةٌ لله عز وجل والواجب على من فعل ذلك أي على من أفطر في نهار رمضان الواجب عليه أن يتوب إلى الله وأن يقضي اليوم الذي أفطره وأما الكفارة فإن كان الفطر بجماع فعليه الكفارة وإن كان بغير جماع بل بالأكل أو الشرب أو إنزال المني بشهوة أو ما أشبه ذلك من المفطرات فإنه ليس عليه كفارة لأن الكفارة إنما تجب في الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم ويجب أن نتفطن بهذه القيود إنما تجب بالجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم فأما لو جامع الإنسان في صيام كفارة أو في صيام قضاء رمضان وهو ما يكون بعد الشهر فإنه يأثم بقطع الفرض والواجب ولكن ليس عليه كفارة ولو كان بالجماع وكذلك لو كان أثناء رمضان مسافراً ومعه زوجته وهما صائمان فجامعها في حال السفر فإنه ليس عليه كفارة وليس عليه إثم وإنما عليه القضاء فقط لأن المسافر يجوز له أن يفطر ولو في أثناء النهار وعلى كل حال نقول لهذا السائل إن كان إفطاره في رمضان بغير الجماع فليس عليه إلا القضاء وإن كان إفطاره في رمضان بالجماع فعليه القضاء والتوبة والكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً فإن لم يستطع فلا شيء عليه ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحن وغيرهما من حديث أبي هريرة (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال ما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل يجد رقبة فقال لا فقال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين فقال لا فقال هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً فقال لا ثم جلس الرجل فجيء بتمرٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ هذا فتصدق به فقال أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أطعمه أهلك) فهذا يدل على وجوب الكفارة في الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم وأنها على الترتيب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فإن لم يستطع سقطت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين له أنها يقين في ذمته ولأن القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن الواجبات تسقط بالعجز عنها والكفارة من الواجبات فإن كان عاجزاً عنها حين الوجوب فإنها تسقط عنه وعلى هذا فنقول لو مات هذا السائل أو هذا الذي جامع زوجته وهو لم يستطع على واحدٍ من مسائل الكفارة المذكورة فإنه لا شيء عليه ولا إثم عليه لأن الواجب سقط عنه بعجزه عنه حين وجوبه.
***(11/2)
يقول السائل تزوجت قبل عشرين سنة في شعبان وكنت قد أتيت زوجتي طول النهار جامعتها في رمضان جهلاً مني ومنها بذلك بل وأتيتها في رمضان الآخر يومين فماذا علي هل عليَّ كفارة أم صيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان جاهلاً حقاً يظن أنه لا يفطر إلا الأكل والشرب وأن الجماع لا يفطر فلا شيء عليه وهذا في الحقيقة بعيد فيمن عاش بين الناس وأما إذا كان عالماً لكن لا يدري إن عليه كفارة فعليه الكفارة إذا كان كل يوم يجامع فعليه ثلاثون كفارة إذا كان الشهر ثلاثين وتسعٌ وعشرون كفارة إذا كان الشهر تسع وعشرين وكذلك في رمضان الثاني والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
***(11/2)
أم علي من الطائف تقول امرأة جامعها زوجها في نهار رمضان وهو صائم وهي مفطرة بسبب الحمل فماذا يجب عليها وعلى زوجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة للزوج هو آثمٌ عليه أن يتوب إلى الله ويكفر بعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً أما بالنسبة للمرأة فليس عليها شيء لأنها مفطرة.
***(11/2)
من اليمن السائل ع ص أاليماني يقول أبلغ من العمر اثنين وعشرين سنة وأنا متزوج وقد صمت رمضان الماضي وفي يوم من رمضان صلىت الفجر ورجعت من المسجد إلى البيت بعد الصلاة فحكم علي إبليس وأتعبني وجامعت زوجتي وأنا لم أشعر بنفسي فما حكم هذه القضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الأخ السائل قد تبين له أن جماع الصائم في نهار رمضان محرم وعظيمة من العظائم فهو يذكر أنه جامع زوجته ولم يشعر بنفسه فإن كان مراده بقوله لم أشعر بنفسي أنه جامعها وهو نائم أو بين النوم واليقظة ولا يدري ما يفعل فلا شيء عليه لأنه لا يدري ما يفعل وإن كان قصده أن نفسه غلبته وأغلقت عليه قصده وإرادته حتى فعل ما فعل فإنه يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر ويصوم شهرين متتابعين إن استطاع فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً وحكم زوجته حكمه إذا كانت مختارة فإن كانت مكرهة فليس عليها شيء وذلك (لحديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلك قال أتيت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال هل تجد رقبة قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال هل تستطيع أن تطعم ستين مسكين قال لا) فدل هذا على وجوب الكفارة على هذا الترتيب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكين.
***(11/2)
المرسل ق. ع. ق. الخبر المنطقة الشرقية يقول: في رمضان عام 1398 هـ كنت حديث عهد بزواج فوقعت على زوجتي ثلاث مرات في فترات متقطعة من نهار رمضان فماذا أفعل؟ فهل علي كفارة؟ وإذا كان علي كفارة فهل أصوم عن كل يوم شهر، شهرين متتابعين وعند ذلك سأكون في حرج لأنني احتاج إلى ستة شهور متتابعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على المرء المؤمن بالله واليوم الآخر أن يحكم عقله فيما يفعله وفيما يذر، وألا تغلبه شهوته حتى يقع فيما حرم الله عليه فالإنسان المتزوج، وإن كان حديث عهد بزواج كيف لا يملك أن يحبس نفسه لمدة قصيرة وهي أثناء النهار، ولكن الهوى والشهوة قد يسيطران على العاقل حتى يقع في أمر يندم عليه، هذا الأمر الذي فعلت وهو إتيان أهلك في رمضان له جانبان، الجانب الأول من جهتك فالواجب عليك أن تكفر بإعتاق رقبة إن وجدت، ولن تجد في عهدنا الحاضر، وإذن تنتقل إلى المرتبة الثانية وهي صيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فتطعم ستين مسكيناً، وإذا كان هذا الأمر تكرر منك في أيام متعددة فإن العلماء اختلفوا هل تكفيك كفارة واحدة عن الأيام الثلاثة أو لكل يوم كفارة؟ فمنهم من يرى أنه يجب عليك لكل يوم كفارة لأن كل يوم عبادة مستقلة عن اليوم الآخر، لأنها أي هذه العبادة لا تفسد بفساد اليوم الثاني، ولا تكمل بكمال اليوم الثاني، فهي عبادة مستقلة فإذا انتهك حرمة يوم وجبت عليه كفارته، وحرمة ثاني وجب عليه كفارة ثانية، وحرمة ثالث يجب عليه كفارة ثالثة، وهكذا، ومن العلماء من يقول يجب عليك كفارة واحدة فقط لأنها كفارات من جنس واحد وكل كفارات من جنس واحد لم يكفر عن الأول منها فإنها تتداخل كما لو اجتمع على الإنسان أحداث من أجناس والاحتياط لك أن تكفر عن كل يوم كفارة لأنه أبرأ لذمتك ولكن لا نقول هذا على سبيل الوجوب بل على سبيل الاحتياط فإذا كان يشق عليك الأمر فكفارة واحدة تجزئك.
***(11/2)
يقول السائل من العراق ع. ع. س. قبل ثلاث سنوات وقعت في شهر رمضان بخطأ استوجب مني صيام شهرين متتابعين وبعد الصيام ثلاثين يوماً أبلغت من شخص بأن هذه الفترة مجزية أي تحقق التتابع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال نقول لهذا الأخ إن الرجل إذا جامع زوجته في نهار رمضان في حال يجب عليه الصيام فيها فإن عليه أن يكفر بعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وإذا كان هو أي هذا الرجل قد اقتصر على صيام الشهر الواحد فإن ذلك لا يجزئه ويجب عليه أن يستأنف من جديد لأنه لو أتم لَفَاتَ التتابع والتتابع شرط لقول النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي جاء يتستفتيه وقد جامع امرأته في نهار رمضان (قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) وهذه القضية تبين لنا الخطر العظيم الذي يحصل من فتوى بعض الناس لبعض عن غير علم فإن هذا المفتي الذي أفتاه لا شك أنه لا علم عنده والفتوى بغير علم محرمة في كتاب الله وهي قول على الله وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ) (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) وقال الله عز وجل (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فعلى إخوتنا الذين يتسرعون في الفتوى ويفتون بغير علم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وأن يحذروا عقاب الله وأن يعلموا أنهم مسؤولون عن هذا كما قال تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) ثم إن الذين يفتون بغير علم قد يترتب على فتواهم ضرر على غيرهم كما حصل في هذه القضية فإن هذا الرجل بعد أن كان قائماً بما يجب عليه من الصيام وعازماً على أن يتم الشهرين قد اغتر بفتوى هذا الرجل الذي أفتاه بالاقتصار على شهر وهذا ضرر على الغير في الفتوى بغير علم ثم إنه ينبغي لعامة الناس إذا أفتاهم أحد بما يستنكرونه ويخالف ما هم عليه ألا يتسرعوا في قبول فتواه حتى يسألوا من هو أعلم منه لأنه ربما يكون هذا الذي أفتاهم قد فهم خطأ أو لم يدرس المسألة دراسة وافية فيحصل بذلك الخلل.
***(11/2)
باب مايكره في الصوم ويستحب وحكم القضاء - آداب الصيام في (الافطار والسحور) - حكم جمع الريق أو بلعه وذوق الطعام - الاسنان (السواك , الفرشاة, المعجون, البنج , حشو الاسنان) - حكم التقبيل للصائم - أحكام القضاء - الحكم إذا أتت العادة الشهرية في أثناء النهار - حكم من بلغ ولم يصم لجهله - من مات وعليه صيام(11/2)
يقول السائل سمعت أن الصائم عند إفطاره يجب أن يفطر على عدد فردي من التمر أي خمس أو سبع تمرات وهكذا فهل هذا واجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بواجب بل ولا سنة أن يفطر الإنسان على وتر ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع إلا يوم العيد عيد الفطر فقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يغدو للصلاة يوم عيد الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) وما سوى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصد أن يكون أكله التمر وتراً.
***(11/2)
هذه السائلة من ليبيا أأ تقول هل الاقتصار في السحور على الماء يسمى سحوراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يسمى سحوراً لكن إذا لم يجد طعاماً لحديث (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد حسى حسوات من ماء) فإذا كان ليس عنده طعام يعني ليس عنده مأكول أو عنده مأكول لكن لا يشتهيه وشرب ماءً فأرجو أن تحصل له السنة.
***(11/2)
هل هناك دعاء يقوله المسلم عند تناوله السحور وما هو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تناول السحور كتناول غيره يعني يجب على الإنسان أن يسمي عند الأكل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالتسمية عند الأكل وأخبر أن من لم يسم شاركه الشيطان في أكله لكن لما كان السحور مأمورا به فإنه ينبغي للإنسان أن يستحضر عند تناول السحور بأنه إنما تسحر امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم واقتداءً به صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستعانة بذلك على الصيام وإذا فرغ منه حمد الله (فإن الله تعالى يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها) وليس هناك ذكر مخصوص للسحور.
***(11/2)
يقول السائل ما رأيكم فيمن صام دون أن يتسحر علماً بأنه مواصل صيام الشهر فهل لا يجوز الصوم إلا بنطق النية صباح ذلك اليوم وخصوصاً إذا نام ولم يستيقظ وقت السحور وينوي الصيام مثلاً فهل يقول نويت الصيام أم ماذا يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكل السحور سنة إن أكله الإنسان فهو أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تسحروا فإن في السحور بركة) وإن لم يأكله فلا حرج عليه وكثير من الناس يتعشَّى في الليل عشاء كثيراً فإذا قام في آخر الليل لم يكن مشتهياً للأكل فيبقى على عشائه إنما المنهي عنه أن يواصل الإنسان بين يومين لا يأكل بينهما شيئاً فإن هذا من الوصال الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نهياً شديداً حتى إنه نهاهم ذات سنة فواصلوا فواصل بهم يوماً ويوماً وقال (لو تأخر الهلال لزدتكم) كالمنكِّل لهم وأما مسألة النية فإنه إذا كان ذلك في رمضان فالمسلم قد نوى أن يصوم رمضان كله من أول يوم ولا حاجة أن يجدد النية كل ليلة إلا أن ينقطع صومه بسفر أو مرض ثم يريد أن يستأنف الصوم فهنا لا بد من نية الاستئناف وأما إذا كان مقيماً صحيحاً مستمراً في صومه فإن نية رمضان أول يوم تكفي عن الجميع فعلى هذا لو أن أحداً نام في رمضان من بعد العصر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من الغد فإن صيامه صحيح.
***(11/2)
ما الحكمة من تعجيل الفطور وتأخير السحور في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من ذلك هو التسهيل على العباد والتقيد بحدود الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى قد حدد الأكل في السحور بتبين طلوع الفجر فقال سبحانه وتعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وتأمل قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) ولم يقل حتى يطلع الفجر ليظهر لك الإشارة الواضحة إلى التيسير على الأمة وأنهم لا يكلفون إلا ما يطيقون وأما تعجيل الفطور فلأنه أيضاً أسرع إلى إعطاء النفس حظها مما تشتهيه وامتنعت منه طاعةً لله عز وجل وفيه أيضاً تقيد بالحدود الشرعية لأن الله يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد افطر الصائم) .
***(11/2)
هل طعام السحور من الشروط أو الواجبات لصيام التطوع، وإن صام رجل ونسى ولم يتسحر وهو قادر على إتمام الصيام هل يتم صومه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكل السُحُور بالضم لأن السحور بالفتح اسم لما يتسحر به، وهو الطعام والسحور بالضم اسم للفعل، كما نقول الطهور اسم لما يتطهر به وهو الماء أو التراب، والطُهور بالضم هو الفعل يعني فعل الطهارة، على كل حال نقول إن أكل السحور للصوم ليس بواجب لا في الفريضة ولا في النافلة لكنه أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا فإن في السحور بركة) ، ولكن لو لم يتسحر ونوى في أثناء النهار أنه صائم وهو نفل فلا حرج عليه في ذلك ولكن لا يحصل الثواب له إلا من النية فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .
***(11/2)
من س م أمن الرياض يقول هل هناك أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار وعند السحور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما عند الإفطار فإنه قد أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول عند فطره (اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي) والدعاء عند الفطر حَرِيٌّ بالإجابة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) فينبغي أن يستغل الإنسان زمن الفطر بالدعاء بما ورد إن علمه أو بغيره إن لم يعلم وأما الدعاء عند السحور فلا أعلم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الإنسان يدعو عند أكله وشربه في كل وقت بما جاءت به السنة فيسم الله تعالى في أوله ويحمد الله تعالى في آخره (فإن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها) .
***(11/2)
هل وردت أدعية مخصصة عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند الإفطار وعند السحور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما عند السحور فلا أعلم في ذلك أدعية خاصة لكن هناك أدعية عامة عند الأكل والشرب في جميع الأحوال مثل التسمية عند الأكل أو الشرب ومثل الحمد إذا فرغ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن أبي سلمة وهو ربيبه قال له (يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك) وأخبر عليه الصلاة والسلام (أن الله تعالى يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها) وأما ما يفعله بعض العامة عند انتهائه من السحور فيقول اللهم إني نويت الصيام إلى الليل فإن هذا من البدع لأن التكلم بالنية في جميع العبادات بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند فعل العبادة نويت أن أفعل كذا وكذا فلم يكن يقول عند الوضوء نويت أن أتوضأ ولا عند الصلاة نويت أن أصلى ولا عند الصوم نويت أن أصوم وذلك لأن النية محلها القلب لأنها قصد الشيء عازماًَ عليه والله عز وجل عالم بما يكون في قلب العبد كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وأما الدعاء عند الفطر فقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث منها (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) وإن دعا الإنسان بشيء آخر عند فطره بما يحب من سؤال المغفرة والرحمة والقبول وغير ذلك فهو حسن لأن دعوة الصائم عند فطره حريّة بالإجابة إن شاء الله.
***(11/2)
تقول السائلة قرأت حديثاً (عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن للصائم دعوة لا ترد) هل هي في الدنيا أو في الآخرة وإذا دعا الصائم بأي شيء هل يستجاب له؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب نعلم أن الإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى بإخلاص وافتقار واعتقاد أنه سبحانه وتعالى قادر على إجابة الدعوة فإن الله سبحانه وتعالى لن يخيب دعاءه فإما أن يستجيب له ما دعا به وإما أن يدخر ذلك عنده يوم القيامة وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم فداعي الله يعني الذي يدعو الله لن يخيب أبداً بل لا يخلو من واحد من هذه الأمور الثلاثة فليلح الإنسان بالدعاء وليفتقر إلى الله سبحانه وتعالى في كل شيء وليسأل ربه كل شيء وإن كان شيئاً يسيراً لأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه ولا يستحسر إذا دعا فلم يستجب له فليعتقد أنه رابح في كل حال والله تبارك وتعالى قد يمنع عن عبده ما دعا به لرحمة العبد كما قال الله تعالى (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .
***(11/2)
المستمع ع ع ج يقول نقوم في شهر في رمضان المبارك بقراءة بعض الأذكار والمأثورات وذلك قبل موعد الإفطار وبصورة جماعية هل يجوز لنا ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يوم الجمعة تحمر عيناه ويعلو صوته ويشتد غضبه فيقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم عند الإفطار يجتمع إليه الناس حتى يذكروا الله عز وجل أو يدعوا الله عز وجل بصوت مرتفع جماعي وإنما كان الإنسان يفطر مع أهله ويدعوا كل واحد منهم لنفسه بدعاء خفي بينه وبين ربه وإذا لم تكن هذه العادة التي أشار إليها السائل معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تكون من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن كل بدعة ضلالة وأن كل ضلالة في النار فنصيحتي لهؤلاء أن يكونوا عند الإفطار راجين خائفين راجين رحمة الله بقبول صيامهم خائفين من ذنوبهم وما فرطوا في صيامهم وأن يسألوا الله تعالى أن يتقبل منهم وأن يغفر لهم ذنوبهم فإن للصائم عند فطره دعوة حريّة بالإجابة.
***(11/2)
ما حكم من يجمع ريقه ثم يبتلعه في نهار رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يفعل ذلك لأنه ينبغي للإنسان أن يجعل الطبيعة على ما خلقها الله عليه وهذا الريق إذا جمعته ثم بلعته فقد حبسته عن سيره المعتاد ثم إن بعض أهل العلم قال إنه يكره أن يجمع ريقه فيبتلعه وعلى هذا فلا ينبغي لك أن تفعل ذلك ولكن لك أن تتمضمض إذا نشف فمك وصعب عليك الكلام أو شق عليك ذلك تمضمض لأجل أن يبتل الفم لأن الفم ليس الوصول إليه مفطراً أعني ليس وصول الطعام أو الشراب إليه مفطراً.
***(11/2)
من خ. ب. من الرياض يقول أحياناً يصاب الإنسان بزكام وهو صائم وقد يبتلع شيء من ريقه وهو صائم فهل عليه شيء وهل صومه صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا بلع الصائم ريقه فإن صومه لا يفسد بذلك ولا يمكن لأحد أن يقول إن الصائم إذا بلع ريقه أفطر لأن تحاشي بلع الريق أمر شاق جداً ولا يمكن أن تأتي الشريعة بمثله وعلى هذا فإننا نقول إذا بلع الصائم ريقه فإن صومه صحيح ولا يفسد بذلك.
***(11/2)
هل يجوز بلع الريق للصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يبلع الصائم ريقه لكن بعض العلماء قال يكره أنه يجمع الريق ثم يبتلعه وأما بدون جمع فإن الريق لا يضر سواء قل أم كثر على أنه لو جمعه وابتلعه فلا حرج عليه فلا يفطر بذلك لأنه لم يأكل ولم يشرب والمحرم هو الأكل والشرب.
***(11/2)
من أم حنان من الرياض تقول إذا ذقت الطعام لكي أعرف هل هو مالح أم لا فهل عليَّ في ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذوق الطعام للحاجة لا بأس به ولا يفطر الصائم لأنه لا يصل إلى جوفه كالماء الذي يتمضمض به فإنه لا يفطره لأنه لا يصل إلى جوفه ولكن إن بقي شيء من طعم الطعام في فمها فلتتمضمض بالماء حتى يذهب ذلك الطعم.
***(11/2)
هل يجوز استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للصائم في رمضان وغيره أن يستعمل المعجون بشرط ألا يصل إلى حلقه ولكن كما نعلم جميعا المعجون له نفوذ سريع يصل الحلق وقد لا يتحكم فيه الإنسان فلهذا نرى أن الأفضل ألا يستعمله الصائم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فقال (إلا أن تكون صائما) لئلا تفضي المبالغة في الاستنشاق إلى نزول الماء من خياشيمه إلى حلقه أو إلى جوفه فالأولى ألا يستعمل الإنسان هذا المعجون في حال الصيام وإن استعمله وتمكن من ضبطه بحيث لا ينزل إلى جوفه ولا يصل إلى حلقه فلا بأس.
***(11/2)
من أحمد محمد عبد الرحمن مصري في العراق بغداد يقول: هل يجوز استعمال معاجين الأسنان أو المساحيق والسواك في رمضان والإنسان لا يقصد أن يتمضمض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواباً على هذا السؤال نقول إن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فكل شيء يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم فقد بينه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن الله حرم على الصائم الأكل والشرب والنكاح فقال سبحانه وتعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) والأكل والشرب مفسدان للصوم بإجماع أهل العلم وأما ما يصل إلى الفم فقط فإنه ليس بمفسد للصوم بإجماع أهل العلم أيضاً فيما نعلم فهذا الصائم يتمضمض بالماء فيصل الماء إلى فمه ولا يفطر بالإجماع وهنا ثلاثة أشياء:
الأول: في الفم لا يفطر الصائم بالواصل إليه بالإجماع.
الثاني: المعدة يفطر الصائم بما وصل إليها بالإجماع فيما نعلم وإن كان في بعض الأشياء الواصلة كالذي لا يغذي خلاف لكن هذا خلاف لا يلتفت إليه فالواصل إلى المعدة مفطر بلا ريب.
والثالث ما يصل إلى الحلق ولا يصل إلى المعدة فهذا موضع خلاف بين أهل العلم هل يفطر أو لا يفطر وبعد هذه المقدمة يتبين لنا أن استعمال الصائم للمعجون لتنقية أسنانه وتطييب نكهة فمه لا بأس به ما لم يصل إلى معدته فإن وصل إلى المعدة فإنه يكون مفطراً إذا وصل إلى ذلك باختياره وأما ما تهرب منه عند استعماله من الفم إلى المعدة بغير اختياره فإنه لا يفطر به لأن من شرط التفطير أن يكون الصائم متعمداً لتناول المفطر وهذا لم يتعمد تناول ما يفطر به ويدل لجواز ذلك أن السواك يجوز للصائم بل هو مشروع في حقه في أول النهار وفي آخره على القول الراجح قال عامر بن ربيعة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استثناء الصائم بعد الزوال والأصل بقاء النصوص على عمومها وعلى هذا فيجوز للصائم أن يتسوك وأن يستعمل المعجون ولكن يحترز من أن يصل شيء منه إلى معدته ويجوز له أن يتمضمض إذا يبس فمه من شدة العطش فيجوز أن يتمضمض لأجل أن يرطب فمه فيسهل عليه النطق وكل هذا لا يفطر.
***(11/2)
ما حكم الكحل واستعمال السواك وفرشاة الاسنان بالنسبة للصائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التكحل للصائم جائز ولا حرج فيه وذلك لأن الله عز وجل إنما حرم الأكل والشرب والجماع على الصائم في قوله (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وكذلك جاءت السنة بأشياء أخرى ليس هذا موضع ذكرها فلا حرج على الصائم أن يكتحل ولا يضره ذلك ولو وجد طعم الكحل في حلقه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وذلك لأن وجود طعم الكحل في الحلق لا يتناوله لفظ الأكل والشرب ولا معناه فلا يكون ممنوعاً وأما التسوك للصائم فهو جائز أيضاً سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعد الزوال على القول الراجح من أقوال أهل العلم لعموم الأدلة الدالة على استحباب السواك على العموم أو في أحوال خاصة فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وهذا عام يشمل الصائم وغيره ولكن إذا كان السواك ذا طعم مثل السواك الجديد الذي يكون له طعم فإنه لا يبتلع هذا الطعم بل يتفله لئلا يوصل إلى جوفه طعاماً وأما بالنسبة للفرشاة وهي التسوك بمعجون الأسنان المعروف فالذي أرى أن الأولى تركها وذلك لأن لهذا المعجون قوة سريان يخشى أن يسري إلى جوفه وهو لا يشعر به ولكن لو فعل فلا حرج عليه إذ ليس عليه إثم ولو تسرب إلى جوفه بدون اختياره فلا بأس به أي فلا يفطره لكن الأولى كما قلت ألا يستعمل هذه الفرشاة ويكفيه استعمالها بعد الأفطار.
***(11/2)
السائلة ش أح من الرياض تقول بالنسبة للبنج الذي يوضع في السن في نهار رمضان هل علي قضاء ذلك اليوم إذا أخذت هذا البنج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا لأن البنج لا يفطر البنج موضعي يؤثر على الموضع بالخدورة ولكنه لا يصل إلى المعدة فمن بُنِّجَ وهو صائم نفل أو فرض فصيامه صحيح.
***(11/2)
من ن. أ. هـ. من الرياض تقول هل يجوز للإنسان أن يحشي أسنانه أو يقلع منها شيئاً في نهار رمضان وهل يجوز أن يستخدم الحقن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان الصائم في رمضان وفي غيره أن يحشي أسنانه وأن يقلع منها ما يقلع ولكن إذا ظهر دم فإنه لا يبتلع الدم لأن الدم من غير جنس الريق فهو مؤثر على الصائم. أما الحقن ففيها تفصيل فإذا كانت الحقن من الحقن التي تغذي ويستغنى بها عن الأكل والشرب فإنها مفطرة ولا يجوز استعمالها في الصوم الواجب إلا عند الضرورة وأما إذا كانت لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب فإنها لا تفطر ولا بأس باستعمالها.
***(11/2)
المرسل ق. ع. ق. من الخبر من المنطقة الشرقية يقول هل ضم الزوجة وتقبيلها في نهار رمضان بشهوة يبطل الصوم أم أنه بعكس الوضوء، وقد أفتى أحد خطباء المساجد عندنا هنا في الخبر أن الضم والتقبيل بشهوة في نهار رمضان لا يفسد الصيام إطلاقاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يبدو من هذا السؤال أن أحد الخطباء استفتي فأفتى فإذا كان السائل هو الذي استفتاه وأفتاه بأنه لا يبطل الصائم ضم الزوجة وتقبيلها بشهوة، فإنه لا ينبغي له أن يسأل مرة أخرى، لأن الرجل إذا استفتى عالماً يثق بعلمه ودينه ويعتقد أن ما يقوله هو الحق، فإنه لا يجوز أن يعدل إلى غيره ليطلب رأي آخر مخالف له، لأن هذا من باب التلاعب في دين الله سبحانه وتعالى وشريعته، نعم لو كان سمع هذا الخطيب يفتي غيره، وهو لم يستفته أو يقوله في الخطبة بدون أن يستفتيه، فلا بأس أن يسأل عما سمع، لأنه لم يستفت ولم يلتزم بما يقوله هذا المفتي، فالذي أنصح هذا الرجل وغيره من الناس أنه إذا استفتى عالم يثق بعلمه ودينه يعتقد أن ما يقوله في هذه المسألة هو الحق فإنه لا يسأل غيره بعد ذلك، ويعمل بما أفتاه به لأنه هو الحق في نظره، إلا إذا سمع بدون استفتاء من أحد قولاً يخالف ما أفتي به ودلل عليه هذا القائل الذي قال القول المخالف فإنه حينئذ لا بأس أن يسأله ليناقشه فيقول ذكرت كذا واستدللت عليه وأنا قد أفتيت بكذا، فما هو جوابك، لأن هذه المسائل من المسائل المهمة جداً التي نرى بعض الناس يستفتي عدة من علماء، إما لينظر إلى أسهلها وأقربها لهواه، وإما ليضرب أراء أهل العلم بعضها ببعض، وكل هذا من باب التلاعب، أما بالنسبة لأصل المسألة وهو تقبيل المرأة حال الصيام وضمها فإذا لم ينزل الإنسان بذلك فصيامه صحيح، لأنه (ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيل الرجل وهو صائم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم سل هذه، يعني أم سلمة، فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله وأخشاكم له) ، فدل ذلك على جواز تقبيل الرجل امرأته وهو صائم، وأنه لا بأس به لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله وأرشد إلى الجواب بكونه أمر عمر بن أبي سلمة أن يسأل أم سلمة رضى الله عنها، أما إذا أنزل لذلك فإن صومه يفسد عند جماهير أهل العلم، ولهذا قالوا إن ظن الإنسان أنه ينزل بالتقبيل حرم التقبيل، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا ظن الإنسان أنه إذا قبَّل زوجته ينزل لكونه قوي الشهوة وسريع الإنزال فإنه يحرم عليه أن يقبِّل.
***(11/2)
السائل م. م. ع. يقول: أنا رجلٌ وقعت في مشكلة وهي أنني كنت أُقَبِّلُ فتاة وهي متزوجة وذلك في أيام رمضان وأقبلها وأنا صائم لأنني قد تعودت على الصوم وأنا صغير جداً وعند ذلك عرضت مشكلتي على أحد المطاوعة فألزمني صيام ثلاثة أيام فقط وفعلت وأنا يساورني الشك في هذا الإفتاء أرجو الجواب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة التي قبَّلتها وهي متزوجة قد فعلت بها جنايتين الجناية الأولى التقبيل المحرم لأن الإنسان لا يجوز له أن يقبِّل امرأة أجنبية منه والجناية الثانية انتهاك فراش زوجها فإن هذا من الجناية عليه فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن تستغفره مما وقع وأن تعلم بأن الحسنات يذهبن السيئات ولكن الصوم الذي كنت متلبساً به حين التقبيل لا يفسد ما لم يحصل منك إنزال فإذا لم يحصل منك إنزال فصومك صحيح والذي أفتاك بصوم ثلاثة أيام لا وجه لفتواه فهي فتوى غير مبنية على أصلٍ شرعي فلا عبرة بها وأنت لا يلحقك الشك بعد هذا تابع الحسنات وأكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله ونرجو الله أن يتوب عليك.
***(11/2)
من قبَّل زوجته وداعبها شهر رمضان خلال النهار فهل يكون ارتكب إثم حتى ولو لم يتم الجماع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرتكب إثماً إذا قبَّل زوجته وهو صائم في نهار رمضان وكذلك لو مازحها أو داعبها ولكنه يجب عليه أن يلاحظ أنه إذا فعل ذلك وهو يظن الإنزال أو يتيقنه لعلمه حال نفسه فإن ذلك يحرم عليه وأما إذا كان يعرف من نفسه أنه لا ينزل بمثل هذه المداعبة وبمثل هذا التقبيل فإنه لا حرج عليه في ذلك وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس خشية لله وهو أعظمهم تقوى (كان صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم) .
***(11/2)
هل يجوز تقبيل الزوج لزوجته في نهار رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للزوج أن يقبِّل زوجته في نهار رمضان لأن ذلك ثبت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم واستفتاه (عمر بن أبي سلمة في ذلك فقال سل هذه يعني أم سلمة فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، فقال له عمر ابن أبي سلمة إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلمهم بالله وأتقاهم لله وأخشاهم له) يعني فإذا فعله فمن دونه من باب أولى، وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يقبل زوجته وهو صائم في رمضان وفي غيره، لكن إن خشي أن يفسد صومه بأن يكون الرجل قوي الشهوة سريع الإنزال فلا يعرض صومه للخطر، أما إذا كان مالك لنفسه ويعرف أنه ليس بذاك الرجل السريع في إنزاله فلا حرج عليه أن يقبل.
***(11/2)
يقول هل يجوز لزوجتي أن تتزين لي في نهار شهر رمضان المبارك وهل يحق لي أن أقبلها إذا أردت ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تقبيل الرجل زوجته في حال الصيام فلا بأس به ما لم يعرف من نفسه أنه ينزل بالتقبيل فإن عرف من نفسه أنه ينزل بالتقبيل فإنه لا يجوز له أن يُقَبِّلْ حينئذٍ لأنه يكون متسبباً لفساد صومه إذ أن القول الراجح هو أن إنزال المني بشهوة يقظة مفطر للصائم إذا كان ذلك بعمل لا بتفكير أما إذا كان الرجل يعرف من نفسه أنه لا ينزل بتقبيل زوجته فلا حرج عليه في ذلك وأما تزينها له في حال الصوم فهو أيضاً لا بأس به إذا كانت تعلم من زوجها تقوى الله عز وجل وعدم تجشمه للجماع المفسد لصومه وصومها وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه رخص في القبلة للصائم) (وأنه كان يقبل وهو صائم) .
***(11/2)
من حميد عيادة الشمري يقول بإنه شاب يؤدي ما أوجب الله عليه من الفروض ويحمد الله على ذلك يقول لقد حصل لي حادث سيارة قبل رمضان بما يساوي نصف شهر وصرعت بعد هذا الحادث ولم أستيقظ إلا بعد رمضان فهل يجب عليّ صيام رمضان قضاء أم لا؟ فإن كان يجب علي القضاء فكيف أقضي ولقد صمت بعده ثلاث رمضانات فهل أقضي وأدفع كفارة في التأخير أم ماذا أعمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تقضي شهر رمضان الذي مر بك وأنت مغمى عليك من هذا الحادث ولا يحل لك أن تأخره إلى رمضان الثاني إلا لعذر فإن أخرته إلى رمضان الثاني أو الثالث أو الرابع فإنك آثم بهذا وعليك أن تتوب إلى الله فتستغفر وتندم على ما جرى منك وتقضي ما فاتك والقول الراجح أنه لا يلزمك كفارة مع القضاء لأنه ليس هناك دليل من السنة على وجوب الكفارة مع القضاء بل عموم قول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يشمل ما إذا قضاه الإنسان قبل رمضان الثاني أو بعده ولم يوجب الله سبحانه وتعالى إلا عدة من أيام أخر فالقول الراجح أن من قضى رمضان لا يلزمه مع القضاء كفارة إلا أنه تختلف الحال بالنسبة للمعذور وغيره في الإثم فقط فإن أخر إلى رمضان الثاني بدون عذر فهو آثم وإن أخره لعذر فهو غير آثم أما الكفارة فلا تجب في كلتا الحالين.
***(11/2)
من جنوب المملكة المغربية تقول السائلة سبق لي أن صمت في السنوات الماضية لقضاء دينٍ علي فأفطرت متعمدة وبعد ذلك قضيت ذلك الصيام يوم واحد ولا أدري هل يكتفى بيومٍ واحد كما فعلت أم بصيام شهرين متتابعين وهل تلزمني كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شرع الإنسان في صومٍ واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين وكفارة فدية الحلق في الحج إذا حلق المحرم قبل أن يحل وما أشبه ذلك من الصيام الواجب فإنه لا يجوز له أن يقطعه إلا لعذرٍ شرعي وهكذا كل من شرع في شيء واجب فإنه يلزمه إتمامه ولا يجوز له قطعه إلا بعذرٍ شرعي يبيح القطع وهذه المرأة التي شرعت في القضاء ثم أفطرت في يومٍ من الأيام بلا عذر وقضت ذلك اليوم ليس عليها شيء بعد ذلك لأن القضاء إنما يكون يوماً بيوم ولكن عليها أن تتوب وتستغفر الله عز وجل مما وقع منها من قطع الصوم الواجب بلا عذر.
***(11/2)
من س. س. الزهراني يذكر بأنه شاب في الثانية والعشرين من عمره ومتزوج ويحمد الله على ذلك يقول وزوجتي مضى لها ثلاثة سنوات تقريباً وهي تنجب في شهر رمضان المبارك وكما تعلمون بأن الحائض والنفساء ليس لهما صيام في ذلك الشهر وليس لدى زوجته الاستطاعة للقضاء في الأشهر التي تلي ذلك فماذا نفعل هل يصح أن نصوم عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام عنها لا يصح وذلك لأن الصوم عبادةٌ بدنية والعبادات البدنية لا يقوم فيها أحدٌ عن أحد إلا إذا توفي من هي عليه وكانت مما يقضى فتقضى عنه وإذا كانت مما لا يقضى فإنه لا يقضى عنه مثال الذي يقضى إذا مات شخص وعليه صيام فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) وكذلك في الحج فإن (النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن أمها أنها نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام أن تحج عن أمها) وأما ما لا يقضى كالصلاة فإنه لا يقضى عن الميت فلو مات شخص وعليه صلواتٌ لم يصلها فإنه لا يقضى عنه ولا يتصدق عنه بسبب تركه هذه الصلوات, وبهذه المناسبة أود أن أبين مسألةً يغفل عنها الكثير من الناس وذلك أن بعض المرضى إذا وصل إلى حد الإجهاد والتعب ترك الصلاة قال حتى أنشط وأتوضأ وأصلى قائماً وما أشبه ذلك فهذا حرامٌ عليه فالواجب أن يصلى المريض على أي حالٍ كان فيتوضأ فإن لم يستطع يتيمم فإن لم يكن عنده ما يتيمم به صلى ولو بلا تيمم ويصلى قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب ويصلى مطهراً ثيابه ومكانه وإن لم يستطع صلى ولو كانت ثيابه نجسة أو مكانه نجساً المهم أنه لا يجوز تأخير الصلاة لأي سببٍ من الأسباب نعم لو فرض أن المريض مغمى عليه من شدة المرض فبقي يومين أو ثلاثة لا يشعر ثم صحى فإنه لا يجب عليه القضاء ولا يمكن أن يصلى في حال الإغماء لأنه لا عقل له ولكن إذا كان صاحياً فإنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة من أجل العجز عن شيء من شروطها أو أركانها.
***(11/2)
المرأة التي تفطر في رمضان بسبب العادة الشهرية هل يجب عليها الإعادة لتلك الأيام التي أفطرتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب عليها أن تقضي الأيام التي أفطرتها.
***(11/2)
تقول السائلة أنها منذ أن وجب عليها الصيام وهي تصوم رمضان ولكنها لا تقضي الأيام التي تفطرها بسبب الدورة الشهرية لجهلها بعدد الأيام التي أفطرتها وتطلب إرشادها إلى ما يجب عليها فعله الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يؤسفنا أن يقع مثل هذا بين نساء المؤمنين فإن هذا الترك أعني ترك قضاء ما يجب عليها من صيام إما أن يكون جهلاً وإما أن يكون تهاوناً وكلاهما مصيبة لأن الجهل دواؤه العلم والسؤال وأما التهاون فإن دواؤه تقوى الله عز وجل ومراقبته والخوف من عقابه والمبادرة إلى ما فيه رضاه فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وأن تستغفر وأن تتحرى الأيام التي تركتها بقدر استطاعتها فتقضيها وبهذا تبرأ ذمتها ونرجو لها أن يقبل الله توبتها.
***(11/2)
يقول إذا وجب على المرأة صيام شهرين متتابعين فهل انقطاع صيامها بسبب عذرها الشرعي يؤثر على شرطية التتابع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر على شرطية التتابع لأنه انقطاع بعذر شرعي وهكذا نقول في غيرها فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين فقطع التتابع بعذر شرعي أو بعذر حسي فإنه لا ينقطع التتابع فإذا قدر أن شخصاً عليه صيام شهرين متتابعين فسافر في أثنائهما فإن سفره هذا إذا أفطر فيه لا ينقطع به التتابع لأنه فطر مأذون فيه وكذلك لو انقطع بعذر شرعي كما لو صار في هذين الشهرين صادف شهر رمضان أو صادفت أيام عيد الأضحى وأيام التشريق وما أشبه ذلك فإنه لا يقطع التتابع.
فضيلة الشيخ: وهل عليه فور انتهاء هذا العذر أن يستأنف صيامه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.
***(11/2)
من الأخت ع. ع. م. من العراق تقول منذ خمس سنوات بدأت أصوم رمضان وحرصاً مني على عدم الإفطار وطمعاً في فضل صيام رمضان كنت لا أفطر أبداً حتى إذا جاءت الدورة الشهرية جهلاً مني بوجوب الإفطار والقضاء ولكني بعد أن علمت أنني كنت أخالف الواجب بفعلي ذلك ندمت عليه وحينما أهل شهر المحرم عزمت على صيامه وفعلا صُمته كله كفارة وتعويضا عن ذلك فهل هذا يكفي أم يلزمني شيء آخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيامها شهر المحرم كفارة عن ما فعلته من صيام في حال الحيض وعدم قضائه إذا كانت تريد أن يكون ذلك كفارة عن ذنب فعلته فإنه لا يجزئها عن القضاء وعليها أن تقضي ما أفطرت بل على الأصح ما صامته في أيام الحيض لأن ما صامته في أيام الحيض ليس بصحيح وأما إذا كانت صامت شهر المحرم قضاءً عن الأيام التي صامتها في أيام حيضها لاعتقادها أنه صوم فاسد يجب عليها قضاءه فإن ذلك صحيح ويكون هذه الأيام التي قضتها عن الأيام التي صامتها في حال الحيض إذا كانت في عددها فإن كانت الأيام التي صامت أقل من العدد التي صامتها أيام الحيض فإنه يجب عليها أن تكمل ما بقي.
يافضيلة الشيخ:كونها خصت شهر المحرم بالصيام هل في هذا شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كونها خصته لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) فهي خصته لفضله.
***(11/2)
السائلة أم عبد الله تقول امرأة عليها قضاء من رمضان ولكنها شكت هل هي أربعة أيام أم ثلاثة والآن صامت ثلاثة أيام فماذا يجب عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء فإنه يأخذ بالأقل فإذا شكَّت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة فإنه يأخذ بالأقل لأن الأقل متيقن وما زاد مشكوك فيه والأصل براءة الذمة ولكن مع ذلك الاحوط أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه, لأنه إن كان واجب عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين وإن كان غير واجب فهو تطوع والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
***(11/2)
فيحاء محمد تقول هل يلزم قضاء ما فات من رمضان متفرقاً أم يلزم فيه التتابع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم قضاء رمضان متفرقاً ولا يلزمه متتابعاً فالإنسان بالخيار إلا إذا بقي من شعبان المقبل بقدر ما عليه من رمضان فيجب التتابع لأنه لا يجوز أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضانٍ آخر.
***(11/2)
لقد فاتني يومٌ من شهر رمضان وأنا مسافر وجاء شهر رمضان الثاني ولم أقضِ هذا اليوم الذي فاتني هل يجوز لي أن أقضيه فيما بعد علماً بأن السنة دارت وأنا لم أقضِ هل يجوز لي القضاء الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يقول (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فهذا الرجل كان مسافراً وأفطر يوماً فعليه أن يقضيه امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى حيث أوجب عليه أن يقضيه في سنته فلا يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني لقول عائشة رضي الله عنها (كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن اقضيه إلا في شعبان وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني) فقولها (ما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) دليلٌ على أنه لا بد من القضاء قبل دخول رمضان الثاني ولكن إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني فإن عليه أن يستغفر الله وأن يتوب إليه وأن يندم على ما فعل وأن يقضي هذا اليوم لأن القضاء لا يفوت بالتأخير فيقضي هذا اليوم ويجزئه وتبرأ به ذمته.
***(11/2)
يقول: السائل أفطرت يوماً من رمضان حيث كنت مسافراً ثمّ حال عليّ الحول ولم أقدر أصومه ثمّ إني صمته بعد أن حال عليّ الحول - أي مرّ رمضان الثاني قبل صوم اليوم الذي أفطرته في رمضان الأول، فهل تجب عليّ كفارة مع صيام ذلك اليوم وما هي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك كفارة في هذه الحال وذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يذكر الله تعالى شيئاً غير الصوم فمن أفطر يوماً من رمضان لعذر فإنه يجب عليه ألايأتي رمضان الثاني إلا وقد قضاه فإن لم يفعل فإنه يصومه بعد رمضان الثاني.
***(11/2)
من فهد غازي البشري يقول صمت شهر رمضان في العام الماضي وأفطرت يوماً واحداً وأتاني رمضان آخر وأنا لم أقضي اليوم علماً بأنه ليس هناك ما يمنعني من قضائه فماذا علي في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تأخيرك قضاء الصوم بدون عذر حتى يدخل رمضان الثاني خطأ لأن أهل العلم يقولون لا يجوز للمرء أن يؤخر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الثاني لما في ذلك من الإهمال وعدم المبالاة ولأنه عرضة بأن تتراكم عليك الأيام فتعجز عنها فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تستغفر مما وقع منك وألا تعود إلى هذا مرة ثانية ثم أقضى اليوم الذي فاتك من العام الماضي لقوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
***(11/2)
يذكر السائل بأنه رجل أجرى عملية جراحية في شهر رمضان قبل ست سنوات ولم يصم ذلك الشهر وبعد مضي هذه المدة لم يتسنى له أن يصوم ذلك الشهر فماذا يجب عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد ترك قضاء رمضان الذي كان عليه لعذر بحيث كان ضعيفاً بعد العملية لا يستطيع القضاء فلا حرج عليه متى قدر قضى وإذا كان تهاوناً منه فإنه آثم لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضان الذي بعده كما جاء ذلك في حديث (عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإذا كان تأخيره لغير عذر فعليه التوبة وعليه أن يبادر الآن بقضائه وقد ألزمه بعض أهل العلم بكفارة عن كل يوم لأنه أخر ذلك لغير عذر فإن فعل فقد أحسن وإن ترك أي لم يطعم فلا حرج عليه.
***(11/2)
تقول السائلة بعد رمضان لحقني صيام بعض الأيام فقمت بتأخيرها إلى فصل الشتاء وذلك لأن الصيام يتعبني جداً وأحياناً لا أتحمله فصمت بعضهن في شعبان وكنت أريد الإكمال لكن أتت الدورة على غير عادتها فجاء رمضان هذه السنة 1416هـ ولم أقض من رمضان الفائت إلا ثلاثة أيام فما الذي يجب عليَّ أن افعله وما كفارة ذلك وهل يلحقني إثم بتأخيري الصيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها كفارة وإنما عليها أن تصوم ما بقي عليها من القضاء فقط وأما الإثم بالتأخير فلا إثم عليها لأن الحيض أتاها في غير وقته الذي قدرته فهي كانت تقدر أنها يمكنها أن تصوم الأيام التي عليها قبل رمضان لكن الحيض جاءها في غير وقته فامتنعت من الصيام وحينئذ تكون غير آثمة لأن لكل إنسان يجب عليه القضاء له أن يؤخر القضاء إلى أن يبقى بينه وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه من القضاء وهذه قد فعلت جائزاً وفاعل الجائز لا إثم عليه.
***(11/2)
يقول السائل أفطرت بعض أيام من رمضان لمرض أصابني ولم استطع قضاء تلك الأيام كلها في نفس السنة ولم أقضها إلا بعد مرور سنة أخرى فهل علي شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء سوى ذلك لأنك تركتها لعذر أي أخرتها إلى السنة الثانية بعذر وهو عدم الاستطاعة وحينئذٍ ليس عليك إلا صيامها وقد فعلت وقد قال الله تعالى في كتابه (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فأنت أديت ما أوجب الله عليك ونسأل الله لنا ولك القبول.
***(11/2)
السائلة من حائل تقول بأنها امرأة كانت في الرابعة عشر من العمر وقد أتتها الدورة الشهرية ولم تصم شهر رمضان في تلك السنة علماً أن هذا العمل تقول ناتج عن جهلي وجهل أهلي حيث أننا كنا منعزلين عن أهل العلم ولا علم لنا بذلك تقول وقد صمت في الخامسة عشر وكذلك فقد سمعت من بعض المفتين أن المرأة إذا وافتها الدورة الشهرية فإنه يلزم عليها الصيام ولو كانت في أقل من سن البلوغ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه السائلة التي ذكرت عن نفسها أنها أتاها الحيض وهي في الرابعة عشرة من عمرها ولم تعلم أن البلوغ يحصل بذلك ليس عليها إثم حين تركت الصيام في تلك السنة لأنها جاهلة والجاهل لا إثم عليه لكن حين علمت أن الصيام واجب عليها فإنه يجب عليها أن تبادر بقضاء ذلك الشهر الذي أتاها بعد أن حاضت فإن المرأة إذا بلغت وجب عليها الصوم وبلوغ المرأة يحصل بواحد من أربعة إما أن يتم لها خمسة عشر سنة وإما أن تنبت عانتها وإما أن تنزل وإما أن تحيض فإذا حصل واحد من هذه الأربعة فقد بلغت وكلفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبير فأقول لها إنه يجب عليها الآن إذا لم تكن قد صامت الشهر الذي صادفها وهي حائض أقول يجب عليها الآن أن تصومه ولتبادر به حتى يزول عنها الإثم.
***(11/2)
من السائلة ن. م. من الأردن تقول ما حكم من لم يقض الأيام التي أفطرها في رمضان قبل ثلاث سنوات وما الكفارة في ذلك مع العلم بأنني لم أكن أصلى ولا أصوم الأيام التي أفطرتها في رمضان مع العذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من عليه قضاء رمضان أن يقضيه قبل أن يأتي رمضان الثاني كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (كان يكون علي صوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني فإن كان لعذر فلا شيء عليه إلا القضاء وإن كان لغير عذر فعليه التوبة من هذا التأخير لأنه أصاب ذنباً واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك كفارة عن كل يوم مع الصيام أو لا يلزمه والصحيح أنه لا يلزمه كفارة لتأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني لأنه لا دليل على وجوب الكفارة وعموم قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يشمل من قضى بين الرمضانين ومن أخر القضاء إلى رمضان الثاني فالصحيح أنه ليس عليه كفارة وليس عليه إلا القضاء.
***(11/2)
السائلة ب ع محمد تقول عليَّ قضاء صوم قد مر عليه سنوات الرجاء معرفة كيف القضاء وهل أدفع عن تلك الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء أن تصوم هذه السائلة بقدر الأيام التي عليها لقول الله تعالي وتبارك (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وعليها أن تتوب إلى الله وتستغفر وتندم على ما حصل منها من تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان التالي لأنه لا يجوز لمن عليه صوم من رمضان أن يؤخره إلى ما بعد رمضان الثاني بل الواجب أن يقضيه قبل أن يمر عليه شهر رمضان الثاني وهذه المرأة كما ذكرت قد مضى عليها سنوات فعليها أن تتوب إلى الله وتستغفر من هذا الذنب وأن تقضي عدد الأيام التي عليها وليس عليها بعد ذلك إطعام على القول الراجح في هذه المسالة.
***(11/2)
من عليه قضاء أيام من رمضان ولم يتذكر ذلك إلا بعد دخول شهر رمضان فماذا يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عليه قضاء أيام من رمضان ونسي ولم يتذكر إلا بعد أن دخل رمضان الثاني فإنه يستمر في صيام رمضان الثاني وإذا انتهى قضى ما عليه من رمضان السابق ولا إثم عليه في هذه الحال لأنه معذورٌ بنسيانه وقد قال الله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) وفسرها النبي عليه الصلاة والسلام بأنه (الرجل ينسى الصلاة أو ينام عنها) فقال عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاةٍ أن نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ثم تلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) .
***(11/2)
السائلة سميرة أحمد تذكر بأنها فتاة تبلغ من العمر التاسعة عشرة تقول مشكلتي أنني قبل سبع سنوات قد مرضت وكان ذلك في أول شهر من رمضان ونتيجة لذلك المرض أجريت عملية ولم أصم من الشهر إلا حوالي خمسة أو ستة أيام وأنا لا أدري كم بالتحديد لصغر سني في ذلك الوقت فهو أول شهر يجب علي الصوم فيه فهل يجب علي صوم الشهر كامل متتالي دون انقطاع أو متفرق وهل أصوم ذلك أو أترك الأيام التي ظننت أنني صمتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأيام التي صامتها لا يجب عليها قضاؤها لأنها وقعت موقعها وأجزأت والأيام التي يغلب على ظنها أنها لم تصمها يجب عليها أن تقضيها متتابعة لأنها أخرت القضاء وإن صامتها متفرقة فلا شيء عليها لا سيما مع مشقة التتابع عليها ونصيحتي لها ولغيرها ممن يسمع ألا يتهاونوا في سؤال أهل العلم فيؤخروا السؤال إلى سنوات بل الواجب على الإنسان أن يسأل أولاً قبل أن يعمل ليتبين له ما يجوز له من العمل وما لا يجوز وما يجزئ وما لا يجزئ حتى يعبد الله على بصيرة ثم إذا قدر أنه فعل بدون سؤال وتبين أن في عمله خلل فإن الواجب عليه أن يبادر بسؤال أهل العلم وألا يتأخر لأن التأخير له آفات قد يمرض الإنسان ولا يستطيع فعل ما فاته وقد يموت وقد يلحقه أعمال لا يتمكن معها من الفعل وما أشبه ذلك فالمهم أن الواجب على الإنسان الذي يتق الله عز وجل أن يسأل قبل أن يعمل ثم إذا عمل وذكر له أن في عمله خلل فالواجب أن يبادر بالسؤال أما أن يبقى سنوات ثم بعد ذلك يتفطن هذا غلط نعم ربما يكون بعض الناس لم يطرأ على باله أن في عمله خللاً فهو ساكت حتى يعرض بحث فيه بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين أو يسمع من العلماء ما يدل على خللٍ في عمله فهذا يكون معذوراً لأنه لم يؤخر السؤال عن عمد.
***(11/2)
السائلة ن. ن. أ. المملكة العربية السعودية تذكر بأن عليها كفارة صيام شهر كامل تقول لأنني أخرت القضاء لعدة سنوات مع مقدرتي على ذلك ولكنني قضيت الشهر كامل والحمد لله وبقيت الكفارة فهل أخرج عن كل يوم نصف صاع بحيث يصبح لكل مسكين نصف صاع أم أخرج خمسة عشر صاعاً دفعةً واحد ولعائلة واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أي في تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بدون عذر أن على الإنسان أن يستغفر الله عز وجل لما حصل منه من التأخير وأن يؤدي القضاء ولا إطعام عليه هذا هو القول الراجح لأن الله تعالى إنما أوجب على المسافر والمريض أياماً معدودة مثل الأيام التي أفطرها فقط فقال (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يوجب الله تعالى شيئاً سوى الأيام التي ترك صومها ولكن لا يجوز للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان لسنة أربعة عشر وأربعمائة وألف إلى رمضان سنة خمسة عشر وأربعمائة وألف لحديث عائشة رضي الله عنها (كان يكون علي صوم رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) وهذا يدل على أنه لا يجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني إذ لو جاز ذلك لم يكن فرق بين ما بعد رمضان الثاني وما قبله وعائشة (تقول فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) وعلى هذا فنقول لهذه السائلة استغفري الله وتوبي إليه من هذا التأخير وليس عليك إطعام.
فضيلة الشيخ: كم يساوي الصاع النبوي بالكيلو تقريباً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يساوي بالكيلو كيلوين وعشرة غرامات من البر الجيد أو ما يماثله في الوزن.
***(11/2)
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما قد يفوتها من شهر رمضان مقدماً أي قبل حلول شهر رمضان المبارك مقارنة بجواز تقديم زكاة الفطر لعدة سنوات خوفاً من القحط أو الفقر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لها هذا السؤال غريب جداً فإنه لا أحد يفرض أن يصوم الإنسان رمضان قبل حلول رمضان كما أنه لا أحد يفرض أن يصلى صلاة الظهر قبل زوال الشمس وإذا قدر أن أحداً صام رمضان قبل حلول رمضان فإن هذا الصيام لا ينفعه ولا يثيبه الله عليه لأنه بدعة بل هو للاثم أقرب منه إلى السلامة وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) كل هذا خوفاً من أن يحتاط الإنسان فيتقدم على رمضان بيوم أو يومين وأما قياسه على زكاة الفطر فإن زكاة الفطر لا يجوز تقديمها ولو خاف القحط بل لا تؤدى زكاة الفطر لشهر من شهور رمضان إلا قبل العيد بيوم أو يومين فقط فإذا كان الرجل لو أخرج زكاة الفطر لهذا العام في منتصف رمضان لا تجزئه الزكاة على القول الراجح فما بالك بمن يقدم زكاة الفطر لعدة سنوات هذا لا يقوله أحد وما كنت أظن أن أحداً يسأل هذا السؤال ولكن على كل حال من سأل فإن الواجب إجابته وحينئذٍ نقول لا يجوز أن يصوم أحد رمضان قبل حلوله ولا يجوز أن يقدم أحد زكاة الفطر قبل الفطر إلا بيوم أو يومين فقط.
***(11/2)
من أ. أ. هـ. من عفيف يقول: في رمضان الماضي اشتد بي العطش حتى أشرفت على الهلاك فشربت قليلاً من الماء هل يلزمني القضاء فقط أم أن علي الكفارة وإذا كان علي كفارة فأرجو أن تبيّنوها لي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك كفارة في هذه الحال لكن الشأن كل الشأن في جواز الإفطار ولكن السائل يقول إنه خشي الهلاك وإذا كان خشي الهلاك فإنه يجوز له أن يفطر وليس عليه إثم وليس عليه كفارة وإنما عليه القضاء فقط.
***(11/2)
سائلة تقول طهرت من الحيض قبل الفجر الثاني ونَوَتْ الصيام واغتسلت بعد خروج الوقت بدقيقة أو دقيقتين فهل عليها قضاء ذلك اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها قضاء يعني إذا طهرت المرأة قبل الفجر ونوت الصيام ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فصيامها صحيح ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من أهله من غير احتلام فيصوم) .
***(11/2)
من جدة السائلة م ع ع تقول إذا صمت يوم قضاء ولكن في وقت الظهر جاءني العذر الشهري فهل يجب أن أعيد صوم هذا اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صامت المرأة ثمّ جاءها الحيض في أثناء النهار فإن صومها يفسد لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المرأة (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وذلك أنه خطب النساء يوم العيد فقال (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قالوا يا رسول الله ما نقصان عقلها فأخبرهم أن شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد قالوا وما نقصان دينها قال أليس إذا حاضت لم تصل ولن تصم) فإذا حاضت المرأة أثناء النهار وهي صائمة بطل صومها فإن كان واجبا وجب عليها قضائه وإن كان تطوعا لم يجب عليها قضائه.
***(11/2)
تقول السائلة أنه حدث لها في أحد أيام شهر رمضان المبارك الماضي بداية نزول الحيض في الساعة السابعة إلا ربع والمغرب يؤذن الساعة السابعة أي قبل المغرب بربع ساعة فأتمَّت الصيام ولم تفطر فهل يجب عليها القضاء أم أن الصوم صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليها القضاء لأن الحيض إذا حدث للصائمة ولو قبل غروب الشمس بيسير فإن صومها يفسد وإذا كان ذلك في رمضان فإنه يلزمها قضاء هذا اليوم، لكن لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بيسير ولو قبل أن تصلى المرأة المغرب فإن صومها صحيح وقد اشتهر عند بعض النساء أن المرأة إذا رأت الحيض بعد غروب الشمس وقبل أن تصلى المغرب فإن صومها يكون فاسداً وهذا خطأ، بل متى غربت الشمس والمرأة لم تر الحيض فإن صومها صحيح ولو حاضت قبل أن تصلى المغرب.
***(11/2)
إذا أتت المرأة العادة الشهرية في رمضان ثم طهرت منها في أثناء نهاره فماذا تفعل في صيام ذلك اليوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما اليوم الذي أتت فيه العادة في أثنائه فإنه صوم فاسد تفطر بقية ذلك اليوم تأكل وتشرب وتقضي وأما اليوم الذي طهرت فيه في أثنائه فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك على قولين أحدهما أنه يلزمها الإمساك احتراماً للزمن وعليها قضاء ذلك اليوم لأنها لم تصمه من أوله والثاني أنه ليس عليها إمساك في ذلك اليوم لأنها حين وجب الإمساك ليست من أهل وجوب الإمساك لوجود الحيض عليها ولأنها لا تستفيد من هذا الإمساك شيئاً ولأن اليوم ليس محترماً في حقها إذ أنه زالت حرمته بكونها تأكل فيه في أول النهار ولهذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال (من أكل في أول النهار فليأكل آخره) وعلى هذا فلا يلزمها أن تمسك بقية هذا اليوم لأنها لا تستفيد منه شيئاً والله أعلم ولكن يلزمها قضاء هذا اليوم كما هو معلوم وظاهر.
***(11/2)
السائلة ف. أ. ع. من السودان تقول إذا كانت المرأة صائمة قضاء أو صوماً في حينه ثم أتتها الدورة الشهرية فقطعت صيامها وبعد أن طهرت استأنفت الصيام وبعد يوم من صيامها رجعت عليها العادة فأفطرت فهل ذلك اليوم الذي صامته يكون صيامه صحيحاً أو عليها أن تقضيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مادامت المرأة قد رأت الطُّهر قبل أن تصوم هذا اليوم وقد صامت هذا اليوم وهي متيقنة الطُّهر فإنه يصح صوم هذا اليوم, لأن النقاء طهر والحكم معلق بالحيض فمتى وجد الحيض ثبتت أحكامه ومتى طهرت انتفت أحكامه.
فضيلة الشيخ: لكن لو كانت استعجلت مثلاً في التطهر ربما لم تكن قد أوفت عادتها التي هي معتادة عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا عبرة بالعادة العبرة بالطُّهر فإذا كانت قد تعجلت قبل أن ترى الطُّهر فإن هذا اليوم في حكم الحيض فتيعد صومه أما إذا كانت قد رأت الطُّهر وعرفت أنها طاهرة فإنه يجزئها صوم هذا اليوم.
فضيلة الشيخ: حتى لو كانت بيوم يومين مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إن كان يومين أو ثلاثة مادام رأت الطُّهر فهي طاهر.
***(11/2)
من الأخت ن عبد الحفيظ الصبحي تقول صمت رمضان السنة الماضية وجاءتني العادة الشهرية وأخذت ستة أيام مثل كل شهر، ثم انتهت وبعد أيام رجعت مرة ثانية وأنا لا أعرف السبب جلست معي يوم ثم انتهت وصمت اليوم الآخر ثم رجعت مرة أخرى وهكذا وأنا لا أعرف كم يوم أفطرت لأن العادة جاءت متقطعة، وفي آخر الشهر رجعت ثاني وأخذت سبعة أيام ولأن التي أعرفها هي الستة والسبعة أيام، أما الأيام الأخرى المتقطعة لا أعرف كم ولهذا السبب ما صمتها، وجاء رمضان الثاني وهي عليَّ، ثم صمت وأفطرت فيه خمسة أيام فقط، أفيدوني جزاكم الله خيراً، وهل علي كفارة وهل يجوز لي أن أطعم من بيت أبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليكِ أن تقضي ما علمتِ أنه واجب في ذمتك، فالأيام الخمسة التي عليكِ من رمضان الثاني يجب عليكِ قضاؤها، إن كنتِ لم تقضيها، وكذلك الأيام المتقطعة يجب عليكِ قضاؤها ولكن لا يلزمك إلا ما علمتِ أنك أفطرتِ فيه فإذا قدر أنك شككتِ هل أفطرتِ خمسة أيام أو ستة، لم يجب عليك إلا قضاء خمسة أيام فقط، لأنه المتيقن وما عداها مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن إن راعيتي جانب الاحتياط وأخذت بالأكثر فلا حرج، يعني لو قلتي مثلاً أنا أشك هل هي خمسة أيام أو ستة، وأريد أن أقضي ستة أيام احتياطاً فلا حرج عليكِ في ذلك، إنما الواجب عليكِ ما تيقني أنك أفطرتِ فيه، وهو الخمسة أيام في المثال الذي ذكرنا.
***(11/2)
السائلة من المملكة العربية السعودية الرياض هـ ع. تقول أنا صاحبة وسواس فإذا جائتني العادة في رمضان وأفطرت سبعة أيام أزيد يوماً احتياطاً وتصير ثمانية وإذا كانت ثمانية أيام أقضيها تسعة، وإذا كنت صائمة وطار في حلقي شيء من الهواء أو شيء كان في رمضان يخيل لي أن صيامي غير صحيح، فأعيد ذلك اليوم في شهر رمضان، تقول إنها تزيد دائماً فما الحل لها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل لهذا المرأة المبتلاة في هذا الوسواس أن تكثر من ذكر الله عز وجل ومن دعائه سبحانه وتعالى أن يزيل عنها ما نزل بها، وأن تكثر الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن تصمم وتعزم على إرغام الشيطان بترك الخضوع لوساوسه ومع الاستعانة بالله وبذل المجهود في إزالة ذلك سوف يزيل الله عنها ما حصل من هذه الوساوس، ولتعلم أن المرأة إذا طهرت من الحيض بسبعة أيام، لا يجوز أن تترك اليوم الثامن فلا تصومه إذا كان ذلك في رمضان، فإن تركها لليوم الثامن وهي طاهر هذا من كبائر الذنوب لأنه ترك لفريضة من فرائض الإسلام إذ أن صوم أيام رمضان فريضة، كل يوم فريضة يجب على الإنسان صومه، فإذا أخلت به كان ذلك ضرراً كبيراً عليها، والشيطان لا يريد منها إلا أن تقع في هذا المحظور فتدع صيام يوم أوجب الله عليها صيامه.
***(11/2)
من السائلة ح. ص. من مكة المكرمة تقول أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري عندما جاءتني العادة الشهرية في رمضان وانتهت وبعد نهايتها بثلاثة أيام رجع الدم مرة أخرى واستمر معي بقية شهر رمضان، وصمت تلك الأيام التي رجع علي الدم فيها وصلىت فهل أعيد صيام تلك الأيام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدم الذي أصابك دم استحاضة يعني بكونه استمر معك كل الشهر أو أكثره فإنه لا قضاء عليك لأن دم الاستحاضة لا يمنع الصوم ولا الصلاة وأما إذا كان دم حيض بحيث إنه مر بك في أيام معلومة وانقطع فإن عليكِ أن تقضي ما صمتِ فيه لأن دم الحيض لا يصح الصوم فيه. وإنه بهذه المناسبة أود أن أُبيّن للنساء أن من أكثر ما يكون سبباً لاختلاف العادة واضطرابها تناول الحبوب المانعة للحيض، فإن هذه الحبوب المانعة للحيض وإن كانت في أصل الشرع جائزة من حيث هي، لكن نظراً لما ينتج عنها من اختلاف العادة واضطرابها فإننا ننهى النساء عن تناولها ثم إنه فيما يظهر أن فيها ضرراً على المرأة لأنه حبس شيء من الطبيعة أن يخرج ولا شك أنه يؤثر على الجسم رد فعل ولذلك نحن نحذر النساء من استعمال هذه الحبوب المانعة للحيض لما ذكرنا من مفاسدها وإن كانت حسب ما قاله أهل العلم ليس بها بأس.
***(11/2)
جاءتني العادة الشهرية في سن مبكر وعمري ثلاثة عشر سنة وجاء شهر رمضان ولم أصم طول الشهر لأنني لا أقدر على ذلك وأستحي أن أخبر أهلي بذلك وفي السنة التالية صمت شهر رمضان ولم أصم القضاء حتى الآن وأستحي أن أخبر أحد بذلك ماذا أفعل الآن بعد أن كبرت ومضى على ذلك خمس سنوات أرجو إفادتي ما الذي عليّ وما الذي يجب أن أفعله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للمرء المسلم أن لا يستحي من الحق فإن الاستحياء من الحق جبنٌ وخور والواجب على المسلم أن يكون قويّاً شجاعاً في دينه لا سيما حين يتعلق بمثل هذه الفرائض العظيمة وكان الواجب عليها أن تصوم قضاء رمضان في سنتها ولكن نظراً إلى أنها فرطت إلى هذه السنة فإن عليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتعرف أنها أصابت ذنباً فتندم تلح بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى ليكفر عنها ما مضى ثم تقضي هذه الأيام التي عليها إن شاءت قضتها متفرقةً وإن شاءت قضتها متتابعةً لأن الله سبحانه وتعالى حين أوجب قضاء رمضان قال (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل متتابعة ولم يقل مثل رمضان وأما من أوجب القضاء متتابعاً فإنه لا دليل له لأن التتابع في أداء رمضان إنما وجب ضرورة كونه في رمضان وأما القضاء فأمره واسع فالإنسان الذي عليه قضاء له أن يؤخره حتى يبقى من رمضان بقدر ما عليه.
***(11/2)
تقول السائلة عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري وكنت قد بلغت سن التكليف بالحيض لم أتمكن من صيام شهر رمضان وذلك لإلحاح والدي عليّ بعدم الصيام ظناً منه بأنني صغيرة ولا أحتمل الجوع أو العطش وقد مر على هذه الحادثة حتى الآن أكثر من عشر سنوات ولم أصم ذلك الشهر فإذا كنت لا أستطيع أن أصوم نظراً لحالتي الصحية وأنا مرضع فماذا يجب عليّ علماً أن سبب تأخير لقضاء الصوم كان لعدم معرفتي بأنه لابد من قضاء ذلك وهذا الخطأ يقع فيه غالب الناس وهو الذي جعل والدي يمنعني من الصوم لأنه لم يعلم أنني أقضي فما هو توجيهكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا أوجه نصيحة إلى الآباء والأمهات بالنسبة لأولادهم الذين لم يبلغوا التكليف ويريدون أن يصوموا أوجه نصيحتي لهؤلاء الآباء والأمهات أن يتقوا الله عز وجل وألا يمنعوا أولادهم من الصيام بل قال العلماء يجب على ولي الصبي أن يأمره بالصوم إذا أطاقه وكان الصحابة رضي الله عنهم يُصَوِّمون أولادهم الصغار حتى إن الصبي ليبكي فيعطونه اللعبة من العهن يتلهى بها إلى الغروب هذه هي حال السلف والرحمة الحقيقية بالأولاد أن تحملهم على طاعة الله هذه الرحمة الحقيقية ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) والضرب مؤلم لكنه رحمة لهم وبهم فهؤلاء الآباء والأمهات الذين بلغوا من الجهل إلى هذا الحد يجب عليهم أن يتعلموا ويتقوا الله وأن يأمروا أطفالهم الصغار الذين لم يبلغوا بالصوم إذا أطاقوه ولا يحل لهم أن يمنعوا الصبيان من بنين أو بنات من الصوم إذا اشتهى الصبي أن يصوم وكونه لا يتحمل الجوع والعطش هذا صحيح. صحيح أنهم أقل تحمل للجوع والعطش من الكبار لكن كونهم يهوون ذلك يخفف عنهم كثيراً ألم الجوع والعطش هذا ما أقوله في مقدمة الجواب على سؤال هذه المرأة أما بالنسبة لقضائها الصوم فإذا كانت في المدن والقرى التي يكثر فيها العلماء فإن عليها أن تقضي الصوم الذي تركته ولو كان ذلك بأمر من أبيها وأمها وأما إذا كانت ليس في مدن وقرى وهي في البادية وبعيدة من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله فليس عليها القضاء فلتنظر لنفسها الآن هل هي من هؤلاء أو هؤلاء ولتعمل بما تقتضيه الحال.
***(11/2)
تقول السائلة أنا فتاة أبلغ من العمر العشرين عام ومنذ أن وجب الصيام علي وأنا لم أصم لعدم إدراكي وتوعيتي من قبل الأسرة بضرورة الصيام وقد التزمت بالصيام وأنا في سن الثالثة عشر ولكن ما يحيرني هو هل أقضي الصيام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن قضيتي الصيام الذي تركتيه بعد البلوغ فهو أحسن وإن لم تقضيه فينظر إن كنت في مكان شاسع بعيد عن العلماء وطلبة العلم ولم يخطر ببالك أن الصيام واجب عليك قبل إتمام خمسة عشر ة سنه فليس عليك قضاء وإن كنت في بلد فيه العلماء وفيه طلبة العلم ولكن فرطت في ترك السؤال فعليك القضاء.
***(11/2)
سائلة تقول في سؤالها بأنها فتاة بلغت منذ الحادية عشرة من عمرها ولكن لصغر سنها وجهلها بأحكام الدين كانت تظن بأن الصيام لايجب إلا على من بلغ الخامسة عشرة ولذلك مرت أربع سنوات بدون أن تصوم فيها رمضان فماذا عليها الآن أن تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى في هذه المسألة أنه إذا كانت في بلاد بعيدة عن العلم الشرعي وليس عندها علم لا هي ولا أهلها فليس عليها قضاء أما إذا كانت في بلدٍ فيه العلماء وأهلها يعلمون لو سألتهم لأخبروها فهي مفرطة وعليها أن تقضي الأشهر التي لم تصمها بعد بلوغها.
***(11/2)
يقول السائل: بأنه لا يدري في أي سن بلغ ولم يصم شهر رمضان في الصف الأول المتوسط فإذا كنت لا أعلم بأني قد بلغت فهل علي قضاء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك قضاء وذلك لأن الأصل عدم بلوغك حتى تعلم أنك بلغت وتركت الصوم وأنت بالغ فمادمت شاكّاً هل صمت بعد بلوغك أو أنك تركت الصوم فالأصل براءة ذمتك ولا يلزمك القضاء.
***(11/2)
من أم علي من الطائف تقول بأنها امرأة لم تصم شهرين من رمضان بسبب شدة الحر لأنها كانت تعيش في البادية وتقوم برعي الأغنام طوال العام وكانت الحرارة شديدة جداً في ذلك الوقت حتى الكبار لم يستطيعوا الصيام تقول كنت أبلغ من العمر خمسة عشرة سنة في حينها أيضاً جهلاً مني كنت أصلى أحياناً وأترك أحياناً وهذا منذ عشرين عاماً والآن أنا محتارة هل أصوم ذلك أم أطعم وماذا علي تجاه الصلوات الفائتة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليها أن تقضي ما تركت صيامه من بعد بلوغها وأما ما كان قبل البلوغ فلا يلزم قضاؤه فإنه ليس بواجب والصلاة إن قضتها فهو أحسن وإن لم تقضها فلا حرج التوبة تهدم ما قبلها وإنما قلت إن قضت فهو أفضل لأنها لم تتعمد الترك تهاوناً فيما يظهر ولكن جهلاً وأما من ترك الصلاة عمداً متهاوناً ثم من الله عليه واستقام فإنه لا يقضيها لا يقضي الصلاة وذلك لعدم الفائدة من قضائها إذ لو أنه قضاها ألف مرة لم تنفعه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردوداً عليه ومن تعمد ترك الصلاة عن وقتها بلا عذر فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً.
***(11/2)
يقول السائل أبي أفطر في شهر رمضان وكان عمره يناهز السبعين تقريباً وذلك لمرضه ثم توفي ولم يقض ما عليه فما الذي يجب أن نفعله في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في مثل هذه الحالة أي فيما إذا أفطر الإنسان رمضان لكبر يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً وهكذا كل من أفطر بعذر لا يرجى زواله كالمريض بمرض لا يرجى زواله فإنه يطعم عن كل يوم مسكين أما من أفطر لمرض مرجو الزوال ولكنه استمر به حتى مات فإنه لا شيء عليه وأما من أفطر لمرض مرجو الزوال أو غير مرجو الزوال ثم زال وعوفي منه وتمكن من قضاء ما فاته ولكنه لم يفعل ثم مات فإنه يقضى عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وبهذا نعرف أن ترك الصيام للمرض ونحوه ينقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول أن يكون هذا العذر لا يرجى زواله ففي هذه الحال يطعم عن كل يوم مسكين الحال الثانية أن يرجى زواله ولكن يستمر به المرض حتى يموت فلا شيء عليه الحال الثالثة أن يعافى من هذا المرض أياماً يتمكن بها من قضاء ما فاته ولكنه لم يفعل فهذا يصام عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فإن لم يفعل وليه لا يلزمه أن يصوم ولكن في هذه الحال يطعم عن كل يوم مسكيناً.
***(11/2)
مات شخص وعليه صيام واجب فصام أولاده جميعاً عنه في يوم واحد عن هذه الأيام العديدة فهل يجزئ ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الإنسان وعليه صيام فصام عنه أولاده في يوم واحد فلا حرج فإذا قدر أنه مات وعليه سبعة أيام من رمضان وكان له أولاد سبعة فصاموا عنه في يوم واحد أجزأ ذلك لكن إذا كان الصوم متتابعاً أي يشترط فيه التتابع ككفارة القتل أو كفارة الظهار وكفارة اليمين فإنه لا يجزئ عنه أن يصوم جماعة في يوم واحد لفوات التتابع لأن التتابع معناه أن يكون يوم بعد يوم وعلى هذا فإذا مات وعليه صيام أيام متتابعة قلنا لواحد منهم إذا شيءت أن تصوم فصم هذه الأيام متتابعة كما وجبت على أبيه.
***(11/2)
يقول السائل توفي والدي في منتصف رمضان وقالوا لنا صوموا ما تبقى عنه أو أطعموا هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا ليس بصحيح لأن الإنسان إذا مات أنقطع عمله فإذا مات المريض أو غير المريض في منتصف رمضان مثلا فإنه لا يقضى عنه ما بقي من رمضان ولا يطعم عنه أيضا لأنه انتهت حياته وانتهى عمله.
***(11/2)
السائلة أم حمزة من خميس مشيط تذكر بأنها فتاة ولها أم متوفية تقول قبل وفاتها بلغها بأن أمها لم تستطع الصوم وبلغها رمضان الثاني وهي لم تستطع أيضاً الصوم وانتهت السنة وتوفيت الأم بسبب مرضها ولم تقض ما فاتها من رمضان في السنتين مع العلم أن والدي كان يطعم عنها عن كل يوم مسكين فهل يجب عليَّ القضاء عنها وأنا قادرة على الصوم والحمد لله وهذا الأمر قد فات عليه عشر سنوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمها أن تصوم عن أمها ولا يشرع لها أن تصوم عن أمها قضاءً ذلك لأن والدها قد قام بما يجب وهو الإطعام عن كل يوم مسكيناً وهذا هو الحال أن هذا المرض الذي أصاب أمها لا يرجى زواله لأنه استمر معها طيلة السنتين ثم ماتت وعلى هذا فما قام به أبوها -أي- أبو البنت من الإطعام عن الأم عن كل يوم مسكيناً كافي والأم حينئذٍ ليس عليها واجب صيام لأن ذمتها برئت.
***(11/2)
السائلة تقول رجلٌ سافر في رمضان إلى خارج البلاد وصام ثلاثة أيام ولم يصم الباقي ولما عاد إلى بلده لم يصم بل أطعم عن الأيام التي لم يصمها وتوفي الرجل فهل يصوم عنه أبناؤه أم يكفي ما أطعم علماً بأنه مسافر للنزهة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجزئ الإطعام بدلاً عن الصيام إلا لشخصٍ لا يستطيع الصيام أبداً كالكبير الذي لا يستطيع الصيام والمريض مرضاً لا يرجى برؤه وأما من مرض مرضاً يرجى برؤه فإن الواجب عليه أن يصوم والذي يبدو من هذا السؤال أن الرجل ليس مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه وإنما هو متهاون وله أن يتهاون في قضاء الصيام الذي عليه إلى أن يبقى بينه وبين رمضان بمقدار ما عليه من الصوم وعلى هذا فنقول الإطعام لا يجزئ عنه وإنما يصوم عنه وارثه وليه سواءً كانت الأم أو الأب أو الأخوة أو الأبناء لقوله صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ويكون الإطعام الذي أطعمه إذا كان جاهلاً يعتقد أن الإطعام يكفي يكون صدقةً لكنه لا يبرئ الذمة عن الصيام.
فضيلة الشيخ: لو صامت الزوجة ما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو صامت الزوجة فلا بأس ولو تقاسم الورثة الصوم عنه فلا بأس مثل لو كان عليه عشرة أيام وله أولادٌ خمسة وصام كل واحدٍ يومين فلا بأس.
***(11/2)
السائلة تقول إحدى الأخوات ماتت والدتها في شهر شوال وكانت مريضة طول شهر رمضان ولم تصم منه شيئا فهل يجب على ابنتها أن تصوم عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على ابنتها أن تصوم عنها لأنه إن كان مرضها مرضاً مخوفاً ميئوساً من برئه فالواجب أن يطعم عنها عن كل يومٍ مسكين وإن كان مرضها مرضاً عادياً يرجى زواله ولكن الله تعالى قدر عليها فماتت فلا قضاء عليها أصلاً وذلك أن المرض ينقسم إلى قسمين قسمٌ لا يرجى زواله بل نهايته الموت كالسرطان ونحوه من الأمراض المعروف أنها لا يشفى منها فهذا يطعم عن كل يومٍ مسكينا والقسم الثاني ما يرجى أن يشفى منه ولكن يقدر الله عز وجل أن يستمر به المرض حتى يموت فهذا لا يطعم عنه ولا يصام عنه لأن الواجب عليه قضاء رمضان ولم يتمكن منه.
***(11/2)
هذه رسالة وردتنا من سعدية محمد من مكة المكرمة شارع منصور تقول توفيت والدتي وأنا لم أتجاوز الخامسة من عمري وعندما كبرت سمعت من والدي أن والدتي كان عليها صوم قضاء ولا يعلم عدد هذه الأيام وسؤالي ماذا أفعل هل أقضيه أنا عنها أم أكتفي بالصدقة إذا كنت سوف أقضي عنها فكيف أفعل وأنا لا أعلم عن هذه الأيام وهل سوف تعاقب والدتي على هذه الأيام وهذه المدة التي لم يُصم أو يُفدى عنها وما هي عقوبتي إن لم أفعل ما يرضي الله بالنسبة لهذه الأم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول مادامت هذه الوالدة قد توفيت وأنت في هذه السن المبكرة الصغيرة فإن الذي يبدو والله أعلم أن واجبها قد قُضي إما بصوم أو بإطعام ويحسن أولاً أن تسألي الوالد أو من كان أكبر منك في السن ماذا صنعوا نحو هذه الأيام التي على الوالدة ثم إن هذه الأيام التي عليها إذا كانت مريضة مرضاً طارئاً ثم استمر بها المرض إلى أن ماتت فإنه في هذه الحال لا يجب عليها شيء لأن الله يقول (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) والمريض إذا استمر به المرض وكان مرضه حين دخول رمضان مما يرجى برؤه ثم استمر به حتى مات فإنه لا يجب عليه قضاء لأنه لم يدرك الأيام التي أوجب الله عليه القضاء فيها وأما إن كان مرض أمك مرضاً لا يرجى زواله مثل أن يكون عجزها عن الصيام من أجل الكبر والضعف الذي لا يُرجَى أن يزول فهذه تطعم عن كل يوم مسكيناً وعلى كل حال تحققي في الموضوع قبل أن تباشري شيئاً.
فضيلة الشيخ: لكن أليس هذه الطاعنة في السن أو الطاعن في السن يصام عنه بعد رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا، الطاعن في السن أو الطاعنة في السن الواجب عليهما إطعام مسكين لكل يوم
***(11/2)
من مكة المكرمة السائل ص. ص. يقول: والدتي توفيت منذ عشرين عاماً وهي لم تصم رمضان كاملاً لظروف الولادة وأنا الآن في حيرة هل علي قضاء هذا الشهر وهل هنالك كفارة وذلك يكون نيابةً عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يتبين لي من السؤال هل المرأة قضت الصوم أو لم تقضه وهل كانت في حالةٍ لا يرجى شفاؤها فأطعمت أو لا وما دمنا لا ندري فالأصل براءة الذمة ولسنا مكلفين بفعل غيرنا لكن إن أراد هو أن يصوم عنها وينوي إن كانت قد أخلت بواجبٍ فهو عنه وإلا فهو تطوع فلا حرج عليه إن شاء الله.
***(11/2)
السائل يقول سألت أحد الإخوة المتفقهين في الدين وإمام مسجد قائلاً: هل يجوز لي الصلاة قضاء عن والدي رحمه الله حيث أن ظروف مرضه قبل رحيله عن عمرٍ يناهز الـ65 عاماً هي عبارة عن شلل نصفي وجلطة مركزة في المخ وكان الجواب بنعم فقال يجوز لك أن تصلى عنه وقد توفي والدي في غرفة العناية المركزة وكان آخر ما قال (الحمد لله لا إله إلا الله) وأنا أصلى جميع الفروض عنه وأصوم عنه فهل يجوز لي هذا وهو متوفى منذ عامين تقريباً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل ما ختم به حياة والدك صادراً عن إخلاص ويقين حتى يتحقق أن آخر ما قال لا إله إلا الله والبشرى لمن كان آخر قوله من الدنيا لا إله إلا الله أن يدخل الجنة نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولإخواننا المسلمين بخاتمة التوحيد والإيمان، أما الصلاة عن أبيك فإنه لا يجوز أن تقضي الصلاة عنه لأن القضاء عبادة والعبادة مبنية على التوقيف أي على ورود الشرع بها ولم يرد الشرع بأن الميت يقضى عنه شيء من الصلوات وعلى هذا فلا تقضي عن والدك شيئاً والذي أفتاك بهذا ليس على صواب في فتواه أي الذي أفتاك بأن تقضي عنه الصلاة ليس على صواب في فتواه أم الصوم فإنه أي أباك لا يلزمه الصوم مادام مرضه هذا المرض الذي ذكرت لأن مثل هذا المرض لا يرجى برئه وعلى هذا فالواجب أن يطعم عن كل يوم مسكين والصاع من البر يكفي لأربعة مساكين أي يكفي لأربعة أيام فإذا كان أبوك لم يصم شهرين وكان الشهران تامين فإنه يلزمك أن تطعم ستين مسكيناً مرتين مرة للعام الأول ومرة للعام التالي ولا تصم عنه لأن كل من لا يرجى زوال عذره إذا أفطر فإن فرضه الإطعام وليس فرضه الصيام عنه وعلى هذا خلاصة الجواب أن لا تصلى عن أبيك ما فاته من الصلوات لأن ذلك لم يرد به الشرع والقضاء عبادة تحتاج إلى ورود من الشرع ولم يرد الشرع إلا في الصوم وأما ما فات أباك من الصيام فإنه يطعم عن كل يوم مسكين لأن الصيام ليس واجب عليه وإنما الواجب عليه الإطعام وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (منْ مات وعليه صيام صام عنه وليه) فهذا إنما يكون في رجل تمكن من القضاء أي من قضاء ما تركه من الصوم ولكنه لم يقض فهذا هو الذي إذا مات يصام عنه.
***(11/2)
إذا كان الوالد أو الوالدة لا يصلىان فهل تجوز الصلاة عنهما بعد الوفاة وهل أيضاً الصيام عنهما يجوز بعد الوفاة أيضاً وهل لي أن أزكي عنهما أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الوالد والوالدة لا يصلىان كما ذكر السائل وماتا على ذلك فإنه لا يصلى عنهما ولا يصوم عنهما ولا يتصدق عنهما لأن القول الراجح أن من ترك الصلاة ولو متهاوناً فهو كافر مرتد يخرج عن الإسلام والكافر المرتد لا ينفعه العمل الصالح إذا عمل له بل ولا يجوز للإنسان أن يعمل له عملاً صالحاً لقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وأما إذا كان الوالدان يصلىان ويخليان أي أحياناً يصلىان وأحياناً لا يصلىان فإن الصلاة لا تقضى عن الميت وأما الصيام فإنه يقضى عن الميت إذا كان الميت قد ترك الصوم لعذر كمرض أو نحوه فإنه يقضى عنه إذا مات لقول النبي صلى الله عليه وسلم (منْ مات وعليه صيام صام عنه وليه) وأما الزكاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو كان الإنسان معروفاً بالبخل وعدم أداء الزكاة ثم مات هل تقضى الزكاة من ماله أي من تركته بعد موته لأن فيها حق للآدمي وهم أهل الزكاة أو لا تقضى لأنها لا تنفع الميت؟ فالميت إذا كان لا يزكي فإن الزكاة عنه بعد موته لا تنفعه ولا تبرأ بها ذمته وذلك لأنه مات على عدم الزكاة وهو متهاون ولكن من وجهة نظر الأولين الذين يقولون تقضى الزكاة عنه يقولون لأن هذه العبادة تعلق بها حق الغير فتقضى عنه من أجل إعطاء الغير حقه وهم الفقراء وأهل الزكاة وأما هو فلا تبرأ ذمته.
***(11/2)
باب صيام التطوع - حكم صيام التطوع وفضله وحكم قطعه وحكم قضاؤه - النية في صيام التطوع وحكم صومه جماعة - صوم شهر الله المحرم - صوم رجب وشعبان - صوم الست من شوال - حكم قضاء رمضان مع صيام التطوع بنية واحدة - حكم صوم التطوع قبل قضاء رمضان - صوم عشر من ذي الحجة ويوم عرفة - صوم يوم الجمعة والسبت - صوم ثلاثة أيام من كل شهر(11/2)
السائلة م. م. من الرياض تقول: أيهما أفضل صيام التطوع وهو ستة أيام من شوال أو صيام يومي الاثنين والخميس أو ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام عشرة من ذي الحجة ويوم عرفة أو تاسوعاء أو عاشوراء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه أيام لكل واحد منها فضل فصيام ستة أيام من شوال إذا صام الإنسان رمضان وأتبعه بها كان كمن صام الدهر وهذا فضل لا يحصل في صوم يومي الاثنين والخميس ولكن لو صام الإنسان يومي الاثنين والخميس من شهر شوال ونوى بذلك أنها للستة أيضاً حصل له الأجر لأنه إذا صام الاثنين والخميس سيكمل الستة أيام قبل أن يتم الشهر وأما صيام عشرة من ذي الحجة وصيام يوم عرفة فله أيضاً مزية فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة يعني عشرة من ذي الحجة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) وأما صوم يوم عرفة فقال (احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها والسنة التي بعدها) ولكن ليعلم أن صوم يوم عرفة لا يسن للحاج الواقف بعرفة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه مفطراً وأعلن فطره للناس وشاهدوه من أجل أن يتبعوه في هذا وهذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أظهره لأمته حتى يعملوا به ويتبعوه عليه مخصص لعموم الحديث الدال على فضل صوم يوم عرفة والذي ذكرته آنفاً وأما صوم تاسوعاء وعاشوراء فهو أيضاً له مزية فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صوم عاشوراء (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) ولكنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يصام يوم قبله أو يوم بعده وقال (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يعني مع العاشر) فالسنة لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله اليوم التاسع فإن لم يتمكن صام اليوم الحادي عشر وذلك لأجل مخالفة اليهود الذين كانوا يصومونه لأن الله نجى فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه.
***(11/2)
السائلة هـ ع تقول: ما معنى (من صام يوما في سبيل الله أبعد الله عنه النار يوم القيامة سبعين خريفاً) وهل صيام في سبيل الله يعني الجهاد أم يعني الأيام العادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام في سبيل الله يعني الصيام في الجهاد في سبيل الله لأن الصيام مع الجهاد فيه مشقه فلهذا كان جزاء من صام فيه وهو مجاهد في سبيل الله أن يباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ومعني (سبعين خريفاً) سبعين سنة وكان العرب يطلقون الخريف وهو أحد فصول السنة على السنة كاملة من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وهذا تعبير معروف عند العرب فإن قال قائل لم خص ذلك بسبعين خريفاً؟ قلنا أن مثل هذه الأمور لا يمكن الإجابة عليها لأن عقولنا قاصرة عن إدراك الحكمة في تقييد ذلك بسبعين خريفاً ولو قدره النبي صلى الله عليه وسلم بأقل وأكثر لم يكن لدينا علم عن الحكمة في ذلك فمثل هذه الأمور يسلم الإنسان فيها تسليما كاملا لما جاء به الشرع خبرا أو طلبا حتى الطلب الآن قد طلب منا أن نصلى خمس صلوات في كل يوم وليلة فلماذا كانت خمس صلوات؟ ولماذا كانت أربعا في الظهر والعصر والعشاء واثنتين في الفجر؟ لماذا لم تكن ثمانيا أو أربعا في الفجر وما أشبه ذلك من الأمور التي ليس لنا فيها إلا أن نسلم ونقول (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) .
***(11/2)
هل يجوز أن أصوم صيام النوافل مثل الاثنين والخميس شهراً وأترك ذلك ثلاثة أشهر مثلا أم لا بد من الاتصال دائما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام التطوع دائما سواء كان يوم الاثنين أو الخميس أو صيام أيام البيض أو صيام الستة أيام من شوال أو عشرة من ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم عاشورا أو ما أشبه ذلك كله أنت فيه بالخيار إن شيءت فاستدم ذلك وان شيءت فلا وإن شيءت فصم يوم الاثنين وحده أو يوم الخميس وحده كل ذلك جائز وليس فيه حرج لكن الأفضل للإنسان إذا عمل عملا أن يثبته وأن يداوم عليه لقول النبي صلى الله علية وسلم (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فأنت إحرص إذا كنت تعتاد أن تصوم يومي الاثنين والخميس أن تستمر في ذلك وإذا كنت تعتاد أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر أن تستمر علي ذلك وهكذا ولكنك لو تركت فليس عليك إثم لأن كله تطوع.
***(11/2)
السائلة تقول أنا طالبة في الخامسة عشرة من عمري أريد أن أتزود من الأعمال الصالحة لكي أفوز بجنة النعيم وأريد أن أتطوع بصيام يومي الاثنين والخميس وقد أخبرت والدتي واستأذنتها بصيام الاثنين والخميس ولكنها لم توافق وقالت لي عندما تتزوجين صومي عند زوجك وقد اقترحت عليها هذا الأمر عدة مرات ولكنها لم توافق فهل في صوم يومي الاثنين والخميس معصية لها أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً: نوجه الكلام إلى الأم التي منعتك من فعل الخير فننصحها بأن لا تمنعك من فعل الخير لأنكِ إذا فعلتِ الخير لا يضرها وهو نافع لك وربما تدعين الله لها عند الافطار فيتقبل الله دعائك ولا ينبغي للوالدين أن يمنعا أولادهم من ذكور أو إناث من فعل الخير بل ينبغي أن يشجعوهم على فعل الخير وأن يعينوهم عليهم وأما بالنسبة لك فلا حرج عليك إذا صمت مع القيام بما يلزم أمك من خدمة وغيرها وعدم الضرر عليك ولكن إذا أمكن أن تداري الوالدة بأن تصومي من غير أن تشعر فهذا خير وأحسن ولكن أرجو أن الوالدة بعد سماعها لهذا الكلام أرجو ألا تمنعك من الصوم وأن تيسر لك الأمر.
***(11/2)
إذا أرادت المرأة الصيام أي صيام النافلة لكن الزوج يمانع من ذلك الصيام هل تطيعه في ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أرادت الزوجة أن تصوم صيام تطوع وزوجها شاهد -أي- حاضر فإنه لا يحل لها ذلك حتى يأذن لها فإن منعها حرم عليها أن تصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصوم امرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) هذا الحديث أو معناه ولكن ينبغي للزوج إذا رأى من زوجته محبةً للصيام وليس عليه في ذلك مشقة ولا تفويتٌ لحقه فإنه ينبغي له أن يأذن لها لأن ذلك من المساعدة على الخير وهو ينفعها لمباشرتها فعل الخير وينفعه لإعانته عليه ثم إن هذا يكون أطيب لقلبها وأقرب إلى قوة محبتها لزوجها حيث لا يعاسرها ولا يمانعها والأمر في هذا سهل.
***(11/2)
من العراق محافظة بابل المستمعة التي رمزت لاسمها بـ أ. م. ف. ي. د. تقول في رسالتها أنها كانت تصوم الاثنين والخميس قبل الزواج وعندما تزوجت تغيرت حياتها لأن زوجها يأتي كل شهر سبعة أيام ثم يذهب السؤال تقول هل يجوز لي عندما يذهب زوجي أن أغير صيام الاثنين والخميس وأصوم من كل شهر ثلاثة أيام ليس خوفاً من زوجي ولكن لا أريد أن يتضايق من صيامي لكي أرضي الله ثم أرضي زوجي ولا أريد أن أترك صيام التطوع فماذا أفعل وإذا لم يقبل زوجي أن أصوم أو أن أصلى صلاة الليل هل يلزمني طاعته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان زوجها شاهداً يعني حاضراً فإنه لا يجوز لها أن تصوم إلا بإذنه كما ثبت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان غائباً فلا حرج عليها أن تصوم ما شاءت سواء كان ثلاثة أيام من كل شهر أو الاثنين والخميس أو غير ذلك مما يشرع صيامه وكذلك صلاة الليل إذا كان زوجها شاهداً وكانت صلاتها في الليل تمنعه من بعض الاستمتاع فإنها لا تفعل ذلك إلا بإذنه وإن كان غائباً فلها أن تصلى ما شاءت وكذلك إذا كان حاضراً ولم تمنعها صلاتها من أن يستمتع بها كمال الاستمتاع فإنه لا حرج عليها أن تصلى وإن كان حاضراً.
***(11/2)
يقول السائل في يوم الخميس كنت في صيام تطوع وفي وقت الغداء جاءني صديق فقدمت له الغداء ونويت الإفطار وأكلت معه وقد سمعت بأنها سنة هل هذا صحيح وهل أستمر في الأكل والشرب أم أمسك إلى الليل أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أكل الإنسان في اليوم وهو صائم فإن صومه يفسد ولا يمكن أن يصح إلا أن يقع ذلك نسياناً أو جهلاً فإن وقع نسياناً أو جهلاً فإن صومه تام لحديث أبي هريرة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك لو كان جاهلاً مثل أن يظن أن الشمس قد غربت فأكل ثم تبين أنها لم تغرب فصيامه صحيح ولا قضاء عليه لما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ولو كان القضاء واجباًَ لأمرهم به ولو أمرهم به لنقل لأن الشريعة والحمد لله محفوظة لا يمكن أن يضيع منها شيء والحاصل أن إفطارك مع هذا الصديق الذي دخل عليك فأفطرت حين قدمت له الغداء إفطارك هذا جائز ولاحرج فيه لأن صوم النفل إن شاء الإنسان أتمه وإن شاء أفطر. ولكن الأفضل أن يتم ولا يفطر إلا لغرض صحيح.
***(11/2)
تقول السائلة أخبرتني إحدى صديقاتي أنها كانت صائمة قضاء وقد فوجئت بضيوف في منزلها ومن باب المجاملة أرادت أن تفطر لتشاركهم في الأكل والشرب فسألتني عن ذلك فأجبتها بأن ذلك جائز وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى إحدى زوجاته وهو صائم فيسألها إن كان لديها طعام أفطر وأكل معها وإلا واصل الصيام فهل هذا صحيح وهل يجوز للصائم قضاءً إذا حصل ما يجعله يفطر أن يفطر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام ولا يجوز لأن القاعدة الشرعية أن كل من شرع في واجب فإنه يجب عليه إتمامه وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه لأن الأصل ليس بواجب فالقضاء ليس بواجب فعلى هذا إذا كان الإنسان صائما صيام نفل وحصل له ما يقتضي الفطر فإنه يفطر وهذا هو الذي ورد (عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال هل عندكم شيء فقالت أوتي لنا حيس فقال أرنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل منه صلى الله عليه وسلم) وهذا في النفل وليس في الفرض لكن أنا أنصحك ألا تفتي بشيء إلا وأنت تعلمينه لأن الإفتاء معناها القول على الله والقول على الله بغير علم محرم كما قال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وقال سبحانه وتعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فلا يحل لأحد أن يفتي غيره إلا عن علم.
***(11/2)
تقول السائلة أنا أصوم من كل شهر ثلاثة أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهل يجب علي القضاء إذا أفطرت خلال هذه الأيام نتيجة لأسباب الحيض أو نتيجة نسيان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وجوب القضاء غير وارد وذلك لأن هذا الصوم صوم تطوع وصوم التطوع لا يأثم الإنسان بتركه ولا يجب عليه قضاؤه ولكني أخبر السائلة أنَّ صيام الثلاثة من الشهر تجزئ سواء في أوله أو وسطه أو آخره كما (كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يبالي أن يصومها في أول الشهر أو وسطه أو آخره) وأن كونها في اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر سنة ولا يفوت أجرها إن جعلها فيما قبل هذه الأيام أو فيما بعدها نظير ذلك مثلاً الصلاة في أول وقتها أفضل ولكن لو صلاها في أخر الوقت أو في وسط الوقت أجزأت كذلك صيام الأيام الثلاثة في أيام البيض أفضل ولكن لو صامها في أول الشهر أو آخره حصل بذلك الكفاية والأجر.
***(11/2)
السائلة تقول هل يبطل صيام النافلة إذا شرب الإنسان أو أكل ناسياً وهل يبطل صيام القضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال هو أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً ليس عليه إثمٌ وليس عليه قضاء بل صومه تام ودليل ذلك عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) وخصوص قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فليتم صومه) دليلٌ على أن صومه لا ينقص بذلك وإضافة هذا الأمر إلى الله في قوله (فإنما أطعمه الله وسقاه) دليلٌ على أنه لا جناح عليه في هذا وأنه لا ينسب إليه الفعل وعلى هذا فإذا أكل الإنسان أو شرب ناسياً وهو صائم صيام نفل أو صيام رمضان أو صيام قضاء رمضان أو صيام كفارة فصيامه تام صحيح ولكن يجب عليه بمجرد أن يذكر أن يمتنع حتى لو كانت اللقمة في فمه أو جرعة الماء في فمه فعليه أن يلفظها ولا يجوز له بلعها بعد أن يذكر ثم ها هنا سؤال آخر ينبني على ذلك هل يجب على من رآه يأكل أو يشرب وهو صائم أن ينبهه أو يقول هذا رزقٌ ساقه الله إليه فلا أكلمه فيه؟ والجواب أنه يجب عليه أن ينبهه لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى والآكل والشارب وهو ناسي معذور لكن أنت أيها المؤمن هو أخوك وقد فعل ما هو مفسد لولا المانع فذكره وقد يستدل لذلك بعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا نسيت فذكروني) فالواجب على من رأى صائماً يأكل أو يشرب أن ينبهه ويقول يا أخي أذكر أنك صائم.
***(11/2)
عبد الله مؤمن من الجماهيرية الليبية يقول أصوم كل يوم اثنين وخميس صيام تطوع وحدث أنه في ليلة من الليالي تسحرت ونمت دون أن أشرب وبعد الفجر بساعة قمت من النوم وأنا شديد العطش فشربت وأكملت الصيام إلى الليل مع العلم أنني أعلم أنه قد مضى على الفجر ساعة هل الصيام صحيح أم لا وإن كان لا فهل يجب عليّ كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام ليس بصحيح لأن الصيام لا بد أن يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقول الله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وعلى هذا فليس لك أجر في هذا اليوم الذي صمته لعدم موافقته الشرع وليس عليك في ذلك إثم لأن صوم النفل يجوز للإنسان أن يقطعه وليس عليك كفارة أيضاً والكفارة لا تجب في أي صوم كان حتى في الفرض إلا إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان وهما ممن يجب عليهما الصوم ففي هذه الحال تجب الكفارة عليه وعليها إن طاوعت وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وأما إذا كان الزوج والزوجة لا يجب عليهما الصيام مثل أن يكونا مسافرين في رمضان وجامعها فلا حرج عليه ولا عليها لأن المسافر يحل له أن يفطر ولكن عليهما قضاء ذلك اليوم إذا رَجَعَا من السفر حتى لو فُرِضَ أنهما كانا صائمين في ذلك اليوم وهما مسافران سفراً يبيح لهما الفطر ثم جامعها فلا حرج عليهما في ذلك وليس عليهما كفارة وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم الذي أفطراه.
***(11/2)
هل يجوز الصيام تطوعا من دون نية مسبقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيام تطوعا يجوز بنية في أثناء النهار ودليله (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل ذات يوم على أهله فسأل هل عندكم شيء قالوا لا قال فإني إذن صائم) لكن الصوم المقيد بيوم لا يكفي فيه النية من أثناء النهار يعني يوم عرفة مثلا يشرع صومه فلو لم ينوِ الصوم إلا في أثناء النهار لم يحصل على الأجر الذي رتب على صوم يوم عرفة لأنه لم يصم إلا بعض اليوم وكذلك صوم الأيام الست من شوال التابعة لرمضان لو لم ينوِ الإنسان إلا في أثناء النهار لم يكتب له صيام يوم كامل فإذا قدر أنه في أول يوم نوى من الظهر ثم أتى بعد ذلك بصيام خمسة أيام فإنه لم يدرك صيام ستة أيام لأنه صام خمسة أيام ونصف إذ أن الأجر لا يكتب إلا من النية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وأول النهار لم ينوِ أن يصومه فلا يحصل له كمال اليوم.
***(11/2)
هل يجوز للمسلم أن ينوي الصيام بنية واحدة أعني صيام التطوع يومي الاثنين والخميس حسب الاستطاعة أي بدون أن يكرر نية الصيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن النية لا تحتاج إلى تعب ومشقة ولا إلى كلفة فالإنسان إذا قام في أخر الليل وأكل فإنه لم يقم في آخره ويأكل إلا بنية الصيام فإذا قام ليلة الاثنين في آخر الليل وأكل وشرب وأمسك فهذا هو الصيام، والأعمال لا تحتاج إلى عناء في إثبات النية لأن كل إنسان عاقل مختار يفعل فعلاً فلابد أن تكون النية سابقة للفعل لأن النية هي الإرادة فمتى أراد الفعل فقد نواه، ولا يمكن عملٌ إلا بإرادة إلا من إنسان غير عاقل أو من إنسان مكره، وبناءً على ذلك نقول إن الصوم يحصل إذا قام الإنسان من آخر الليل فأكل أوشرب ثم أمسك ولا يحتاج إلى نية، لكن أحياناً يكون الإنسان قد نوى ونام وهو على نيته ولكنه لم يقم إلا بعد أذان الفجر فهل يستمر في صومه؟ نقول نعم يستمر لأنه نام على نية ولم يوجد ما ينقض هذه النية والأصل بقاء ما كان على ما كان، أحياناً تكون من عادته أن يصوم يومي الاثنين والخميس وينسى، حتى عند النوم ينسى أن غداً الاثنين وينام ولا يقوم إلا بعد طلوع الفجر ثم يذكر أن هذا اليوم يوم الاثنين فهل ينوي الصوم ويستمر أو نقول إنه لما طلع الفجر بدون نية فإنه لا يصوم؟ والجواب أن نقول يصوم لأنه ما دامت هذه عادته ونسى نسياناً فإنه متى ذكر ولو في أثناء النهار فليستمر في صومه لكن لو فرض أنه أكل قبل أن ينوي فإن النية لا تنفعه حينئذ لأنه فعل ما ينافي الصوم في أول النهار.
***(11/2)
السائل س. ع. هـ. القصيم البكيرية يقول هل تجب النية في صوم التطوع المعين كصيام الست من شوال وعرفة وعاشوراء أم تجوز النية من النهار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفل نوعان نفلٌ مطلق ونفلٌ مقيد فالنفل المطلق يجوز للإنسان أن ينويه في أثناء النهار إذا لم يفعل ما يفطر قبل ذلك مثاله رجل قام لصلاة الفجر وقبل أن يفطر فطور الصباح أحب أن يصوم ذلك اليوم فنوى فصيامه صحيح مجزئ ويثاب على الصوم من نيته لا من طلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وهذا لم ينوِ من الفجر بل نوى من أثناء النهار والنوع الثاني نفلٌ مقيدٌ بيوم فهذا لا بد أن ينويه من قبل الفجر ليكون قد صام يوماً كاملاً كيوم عرفة مثلاً مثاله شخص قام يوم عرفة وليس من نيته أن يصوم لكنه في أثناء النهار صام وهو لم يأكل ولم يشرب من قبل ولم يأتِ مفطراً فنقول الصيام صم ليس فيه مانع لكنك لا تثاب ثواب من صام يوم عرفة فإنك لم تصم يوم عرفة صمت بعض يوم عرفة فلا يحصل لك ثواب من صام يوم عرفة.
***(11/2)
يقول السائل شخص لم يتذكر يوم عاشوراء إلا أثناء النهار فهل يصح إمساكه بقية يومه مع العلم بأنه أكل أول النهار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو أمسك بقية يومه فإنه لا يصح صومه وذلك لأنه أكل في أول النهار وصوم النفل إنما يصح من أثناء النهار فيمن لم يتناول مفطرا في أول النهار أما من تناول مفطرا في أول النهار فإنه لا يصح منه نية الصوم بالإمساك بقية النهار وعلى هذا فلا ينفعه إمساكه مادام قد أكل أو شرب أو أتى مفطرا في أول النهار.
***(11/2)
يقول السائل هل يجوز لنا اذا كنا جماعة أن نصوم صوماً جماعيّاً مثلاً يوم الاثنين نأتي ونقول نصوم هذا اليوم جماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من عادة السلف أن يتفقوا على فعل عبادة معينة فيقولوا مثلاً سنجعل يوما نصوم فيه جميعا يوم الاثنين أو يوم الخميس أو وقتا نصلى فيه جميعا أو ما أشبه ذلك ويخشى من هذا العمل وهو الاتفاق على أن نصوم اليوم جميعا وما أشبه ذلك وجعل ذلك عادة يخشى أن يترتب من هذا عبادات أخرى يتفق عليها هؤلاء وهي مما ينهي عن الاتفاق فيه أما لو كان هذا غير معتاد عندهم وأنهم يقولون أن من صام غداً يوم الاثنين أو يوم الخميس فإننا سنفطر عند فلان أو فلان أو إننا سنفطر في البر فهذا لا بأس به وأما اتخاذ ذلك سنة راتبة يحافظون عليه ويجتمعون عليه فإني أخشى أن يكون هذا من البدع.
***(11/2)
ما حكم صيام شهر محرم كاملاً من واحد إلى ثلاثين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو سنة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) .
***(11/2)
الذي يصوم يوم العاشر من شهر الله المحرم فقط ولا يصوم يوما قبله ولا يوما بعده هل يجزئه ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مخالف لأمر النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال (خالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده) .
***(11/2)
تقول السائلة قد يأتي اليوم التاسع وأنا لم أطهر من العادة الشهرية فهل لي أن أصومه قضاءً بعد اليوم التاسع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تصومه قضاءً لأن هذا اليوم يوم معين مخصوص فإذا فات وقته فقد سنيته فلو صامت لم يحصل لها أجر صيام ذلك اليوم وربما يقال إنه يحصل لها لأنها تركته بعذرٍ كما لو تركت صيام رمضان بعذرٍ فإنها تقضيه لكن في هذا نظر لأن قضاء رمضان واجب لا بد من فعله أما هذه سنة فات محلها والسنة إذا فات محلها سقطت.
***(11/2)
تقول السائلة صامت امرأة التاسع من محرم وحاضت يوم عاشوراء فهل يجب عليها القضاء أو يلزمها كفارة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لا يجب الصيام على المرء المسلم إلا صيام رمضان، وصيام رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام) أما صوم محرّم فقد كان واجباً في أول الأمر ثم نسخ بصوم رمضان وصار صومه تطوعاً أعني صوم محرم وصوم العاشر منه أوكد من صوم بقية الأيام منه، وبناء على هذا فنقول في الجواب على سؤال هذه المرأة نقول إنها لما صامت اليوم التاسع ومن نيتها أن تصوم اليوم العاشر ولكن حال بينها وبينه ما حصل لها من الحيض فإنه يرجى أن يكتب لها أجر صوم اليوم العاشر لأنها قد عزمت النية على صومه لولا المانع والإنسان إذا نوى العمل الصالح وسعى في أسبابه ولكن حال بينه وبينه ما لا يمكن دفعه فإنه يكتب له أجره لقول الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهذه المرأة التي حصل لها ما يمنع صوم اليوم العاشر وهو الحيض، لا يشرع لها أن تقضي اليوم العاشر لأن صوم اليوم العاشر مقيد بيومه فإن حصل منه مانع شرعي فإنه لا يقضى لأنه سنة فات وقتها.
***(11/2)
السائل أبو عبد الله يقول النية المعلقة في يوم تاسوعاء وعاشوراء بحيث أنني لا أعرف هل دخل الشهر أم هو كامل فأصوم التاسع والعاشر والحادي عشر بنيةٍ مطلقة ما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بهذا يعني إذا شك الإنسان في دخول الشهر فلا حرج أن يصوم ثلاثة أيام لكني أقول لا حاجة لهذا لأنه إذا لم يثبت دخول الشهر برؤية الهلال فإن دخوله يثبت بإكمال شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً وشهر ذي الحجة لا بد أن يكون معلوم شرعاً لأن الناس سيقفون في اليوم التاسع ويضحون في اليوم العاشر فإذا لم يرَ الهلال ليلة الثلاثين من ذي الحجة أكملنا ذي الحجة ثلاثين ولم يبقَ شك وإن رُئي عملنا بالرؤية ولم يبقَ شك والقول بالشك هنا غير وارد إطلاقاً لأن الأمر واضح حتى لو فرض أننا لم نره ليلة الثلاثين من ذي الحجة ثم رأينا الهلال كبيراً رفيعاً فلا حاجة للشك ولا ينبغي أن نشك لأن لدينا طريقاً شرعياً (إن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وإدخال الشكوك على النفوس مما يوجب القلق.
***(11/2)
آدم عثمان من السودان يقول أستفسر عن صوم الأيام التالية هل هو صحيح أول خميس من رجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صوم أول خميس من رجب ليس له أصل وتخصيص هذا اليوم بالصوم بدعة وعلى هذا فلا يصمه السائل.
فضيلة الشيخ: السابع والعشرين من رجب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كذلك أيضا ليس له خصوصية الصوم ولكن اشتهر عند كثير من الناس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به ليلة السابع والعشرين من شهر رجب ولكن هذا لا أصل له لم يثبت تاريخيا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به في تلك الليلة بل الأقرب أنه عرج به في شهر ربيع الأول ومع هذا فلو ثبت أنه عرج به في ليلة من الليالي في ربيع أو غير ربيع فإنه لا يجوز إحداث احتفال لها لأن إحداث شيء احتفاء برسول صلى الله عليه وسلم واحتراماً له ولم يرد من الشرع أمر به فإنه لا يجوز لأن مثل هذا عبادة والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فمن أحدث في دين الله ما ليس منه فليس له إلا العناء والمشقة وعمله مردود وطريقته ضالة قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) .
فضيلة الشيخ: النصف من شعبان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النصف من شعبان ورد عن بعض المتقدمين أنه كان يصوم يوم النصف من شعبان لكنه لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يعتمد عليه وعلى هذا فلا يشرع تخصيص ذلك اليوم بصوم ولكن يقال للإنسان إن شهر شعبان كان الرسول عليه الصلاة والسلام يكثر الصوم فيه فلم يكن يصوم في شهر غير رمضان أكثر مما يصوم في شعبان فليكثر الإنسان من الصوم في شعبان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصوم فيه.
***(11/2)
ما عن حكم صيام رجب والخامس عشر من شهر شعبان وقيام ليلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل هذا لا أصل له بالنسبة لصيام رجب كغيره من الأيام لا يختص بصوم ولا تختص لياليه بقيام أما شعبان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم فيه لكنه لا يخص يوم الخامس عشر منه قالت عائشة رضي الله عنها (كان أكثر ما يصوم يعني في النفل شعبان) وأما ما اشتهر عند العامة من أن ليلة النصف من شعبان لها تهجد خاص ويومها له صيامٌ خاص وأن الأعمال تكتب في تلك الليلة لجميع السنة فكل هذا ليس له أصلٌ صحيح يعول عليه.
***(11/2)
ما حكم صيام اليوم الخامس عشر من شهر شعبان وهل يجوز صيام يوم الشك تمام الشهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا للصواب في القول والعمل صيام النصف من شهر شعبان وردت فيه أحاديث في فضله وفي فضل قيام الليلة ليلة النصف وفضل يوم النصف أيضاً لكنها أحاديث ضعفها أكثر أهل العلم والأحاديث الضعيفة لا تثبت بها حجة لا سيما في المسائل العملية وبناء على ذلك فإن تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام وتخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام غير مشروع لعدم صحة الأحاديث الواردة في ذلك عند أكثر أهل العلم ولم يثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في فضلها أما إذا صام الإنسان ثلاثة الأيام البيض من شهر شعبان وهي اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر فإن هذا لا بأس به لأنه يسن للإنسان أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام والأفضل أن يجعلها في هذه الأيام الثلاثة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) . وأما صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت ليلة الثلاثين مغيمة أو فيها ما يمنع رؤية القمر فإنه منهي عنه لقول عمار بن ياسر رضي الله عنه (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) .
***(11/2)
ما حكم صيام الثامن من رجب والسابع والعشرين من نفس الشهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تخصيص هذه الأيام بالصوم بدعة فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الثامن والسابع والعشرين ولا أمر به ولا أقره فيكون من البدع، وقد يقول قائل كل شيء عندكم بدعة؟ وجوابنا عليه حاش والله إنما نقصد البدعة في الدين وكل شيء تعبد الإنسان به لله عز وجل بدون دليل من الكتاب والسنة فهو بدعة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور) فالمراد البدعة في الدين التي يتقرب بها الإنسان لله عز وجل من عقيدة أو قول أو فعل فهذه بدعة وضلالة أما البدع فيما يتعلق بأمور الدنيا فكل شيء نافع من أمور الدنيا وإن كان لم يكن موجودا من قبل فإننا لا نقول إنه بدعة بل نحث عليه إذا كان نافعا وننهى عنه إذا كان ضاراً.
***(11/2)
عبد الله إبراهيم زياد يقول لقد سمعت بعض أهل العلم يُرغِّب في صيام النصف من شهر شعبان ويذكر أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان ولذا فهو سنة وليس ببدعة وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أجيبونا أجابة مفصلة حول هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان لأن القبلة حولت فيه هذا يحتاج أولاً إلى صحة النقل لأن القبلة تحولت في شعبان وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه فإن هذه الأيام التي حولت فيها الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها والواجب على المسلمين أن يتبعوا آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وألا يغتروا بما يعمله الناس اليوم فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محدث وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) .
***(11/2)
السائل عبد الله مطر من العلا يقول ما هو فضل صيام الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من شهر شعبان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام ثلاثة أيام من كل شهر من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام قالت عائشة رضي الله عنها (لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخرة) ولكن الأفضل أن تكون هذه الأيام الثلاثة يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لا كما ما قال السائل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر ولا فرق بين شعبان وغيره لكن كونه يخص ذلك في شعبان يقتضي أنه يعتقد أن ذلك سنة في شعبان دون غيره وليس الأمر كذلك فأيام البيض ويوم النصف من شعبان كغيرها من الأيام في غيره فلا مزية لشعبان على غيره في هذه المسألة وقد ورد في الأحاديث لكنها ضعيفة في فضل صوم يوم النصف من شعبان إلا أنها ضعيفةٌ لا تقوم بها حجة.
***(11/2)
تقول: السائلة بأنها تصوم كل اثنين وخميس وتصوم أيضا في شعبان لكن والدتي تمنعني من الصيام في شعبان بحجة أنه لا يجوز الصيام قبل رمضان فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيامك يوم الاثنين والخميس صومٌ مستحب مطلوب فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم يوم الاثنين والخميس (ويقول: هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) وكذلك الإكثار من الصيام في شعبان فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يصوم في شهر مثلما يصوم في شعبان إلا رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم أكثر شعبان لكن من لم يكن يصوم في شعبان فإنه منهي أن يصوم قبل رمضان بيوم أو يومين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه) فالمهم أن تبلغي أمك بأن صيام شعبان من السنة أن يصومه الإنسان كله أو إلا قليل منه.
***(11/2)
ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين إلا إذا كان الرجل يصوم يوماً فصادفه فليصم ذلك اليوم) السؤال ما معنى هذا الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللفظ الذي ذكره السائل ليس هو لفظ الحديث لكنه بمعناه فقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتقدم الإنسان رمضان بصوم يومٍ أو يومين إلا من كان له صومٌ يعتاده فليصمه) وذلك أن تقدم صوم رمضان بيومٍ أو يومين فيه نوعٌ من التنطع والتشدد أن يقوم أحدٌ بتقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين احتياطاً منه على ما يزعم فيكون في هذا تنطعٌ في دين الله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون) ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن كان له صومٌ اعتاده أن يصومه ولو صادف قبل رمضان بيومٍ أو يومين فمثلاً إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوم الاثنين وكان يوم الاثنين هو التاسع والعشرين من شعبان فإنه يصومه ولا إثم عليه لأنه لم يصم هذا اليوم احتياطاً لرمضان وإنما صامه لأن هذا من عادته وكذلك إذا كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر ولكنه لم يصمها في شعبان ولم يتيسر له صومها إلا في آخر شعبان فصامها في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين فإنه لا شيء عليه لأن ذلك صومٌ كان يصومه وكذلك لو كان عليه قضاءٌ من رمضان وقد بقي عليه يومٌ أو يومان فصامهما في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شعبان فإنه لا يضره والمهم أن الحكمة من النهي لئلا يتنطع المتنطع فيقول أصوم قبل رمضان بيومٍ أو يومين احتياطاً.
***(11/2)
من تبوك سرحان خويتم الشمري يقول: ما الحكمة من صيام ست من شوال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من صيام ست من شوال هي الحكمة في بقية النوافل التي شرعها الله لعباده لتُكمَّل بها الفرائض فإن صيام ستة أيام من شوال بمنزلة الراتبة للصلاة التي تكون بعدها ليكمل بها ما حصل من نقص في الفريضة ومن حكمة الله تعالى ورحمته أنه جعل للفرائض سنناً تكمل بها وترقع بها فصيام ستة أيام من شوال فيها هذه الفائدة العظيمة وفيها أيضاً صيام السنة فإنه قد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر) .
فضيلة الشيخ: يقول هل يلزم من صامها سنة الإستمرار عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم من صامها سنة أن يصومها في بقية عمره لأن هذا تطوع والتطوع للمرء أن يفعله ويدعه ولكن الذي ينبغي للمرء إذا عمل عملاً أن يثبته سواء في هذا أو في الصلاة فإذا عمل عملاً فينبغي له ألا يدعه ويتخلى عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر (لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) مع أن قيام الليل ليس بواجب لكن ينبغي للإنسان إذا عمل طاعة أن يستمر عليها ولكن ذلك ليس بواجب في غير الواجبات.
فضيلة الشيخ: هل من صام ثلاثة أو خمسة أيام ولم يكمل الستة الأيام من شوال هل له أجر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم له أجر ولكنه لا يحصل الأجر الذي رتبه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال فكأنما صام الدهر) وأيضاً لابد ألا يعتقد أن هذا العدد الذي صامه ناقصاً عن ستة أيام يحصل به هذا الثواب أو يكون من السنن لأنه ليس من السنة أن تصوم خمسة أيام من شوال ولكن إذا كان الإنسان نشيطاً وفتر وترك يوماً من هذه الستة فلا حرج عليه. وأقول أيضاً تتميم للأول لو صام ثلاثة أيام من شوال بنية أنها عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر فلا بأس بذلك ولكنه لا يحصل ثواب صيام ستة أيام.
***(11/2)
يقول السائل صيام ست من شوال تكون متتابعات أو متفرقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تجزئ سواء صامها متفرقة أو متتابعة وسواء صامها ثاني يوم العيد أو أخرها إلى النصف أو إلى العشرين المهم ألا يخرج شوال إلا وقد صام ما لم يكن هناك عذر كما لو نفست امرأة يوم العيد مثلا ولم تتمكن من صيامها أي صيام الست إلا بعد خروج شوال فلا حرج لأنها أخرت الصيام لعذر ومن أخر شيئاً مؤقتاً من العبادات لعذر فإنه يقضيه إذا زال ذلك العذر.
***(11/2)
من زينب العمري تقول هل يجوز صيام ستة من شوال متفرقة وأيهما الافضل متتابعة أو متفرقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل صيام ستة أيام من شوال أن تكون متتابعة وأن تكون بعد يوم الفطر مباشرة لما في ذلك من المسارعة إلى الخير ولا بأس أن يؤخر ابتداء صومها عن اليوم الثاني من شوال ولا بأس أن يؤخر فيصومها الإنسان متفرقة إلى آخر الشهر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال فكأنما صام الدهر كله) ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون متتابعة ولا أن تكون بعد رمضان مباشرة.
***(11/2)
صيام ثلاثين من شوال من أيام الست إذا كان الشهر في التقويم تسع وعشرون يوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التقويم مبني على الحساب وليس مبنياً على الرؤية ولهذا تجده قد وقّت الشهور من أول شهر في السنة إلى آخر شهر قبل أن يدرك آخر السنة, وعلى هذا نقول: إذا كان الشهر في التقويم تسعة وعشرون يوماً وكان الشهر الذي قبله قد تم ثلاثين يوماً فإن الأصل بقاء الشهر الثاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وعلى هذا فنقول شوال يحسب على أنه ثلاثون يوماً وإن كان في التقويم تسعة وعشرون يوماً.
***(11/2)
تقول السائلة:هل يجوز جمع صيام القضاء مع صيام التطوع بنية واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأنها تشير إلى أن تصوم مثلاً يوم عرفة بنية القضاء أو يوم عاشوراء بنية القضاء. فإذا كان كذلك فإنه لا حرج لا بأس أن تصوم المرأة يوم عرفة تنوي به القضاء ويحصل لها ثواب يوم عرفة وكذلك تصوم يوم عاشوراء بنية القضاء ويحصل لها الثواب.
فضيلة الشيخ: وهل كذلك صيام الست من شوال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد أن يتقدم صوم رمضان كاملاً قبل صيام الأيام الست من شوال فمثلاً لو عليها خمسة أيام من رمضان وقضتها يوماً بعد يوم ثم صامت الست فلا حرج ولو لم يتتابع والمهم أن نفهم أنه لابد من إنهاء قضاء رمضان وهذه المشكلة تشكل على كثير من الناس فإن بعض النساء يظن أن صيام ست أيام من شوال يجوز ولو قبل القضاء حتى أنه إذا ضاق شوال عن أيام الست وعن القضاء نسمع أن بعض النساء يصمن الأيام الست قبل القضاء وهذا خطأ لأن قضاء رمضان لابد أن يتقدم على صيام الستة أيام من شوال.
فضيلة الشيخ: إذاً لا يصح صيام ست من شوال إلا بعد أن ينهى صيام رمضان كاملاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.
***(11/2)
من العراق السائلة ن. د تقول: هل يجوز صيام ستة أيام من شوال قبل صيام قضاء رمضان وإذا لم يجز هذا هل يجوز صيام الاثنين من شهر شوال بنية قضاء رمضان وبنية صيام شوال وبنية أجر يوم الاثنين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام ستة أيام من شوال لا يحصل ثوابها إلا إذا كان الإنسان استكمل شهر رمضان فمن عليه قضاء من رمضان فإنه لا يصوم ستة أيام من شوال إلا بعد قضاء رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) فيقول (من صام رمضان ثم أتبعه) ومن عليه قضاء من رمضان لم يكن قد صام رمضان وعلى هذا فنقول لمن عليه القضاء صم القضاء أولاً ثم صم ستة أيام من شوال وإذا اتفق أن يكون صيام هذه الأيام الستة في يوم الاثنين أو يوم الخميس فإنه يحصل له الأجر بنيته أجر الأيام الستة وأجر الاثنين أو الخميس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى) .
***(11/2)
السائل إسماعيل محمد من مصر يقول رجل أفطر بعض الأيام في شهر رمضان بعذر شرعي فهل يجوز له أن يصوم ستة أيام من شهر شوال قبل قضاء الأيام التي أفطرها في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجزئ الأيام الستة إلا إذا قضى رمضان نهائيا بمعنى أنه إذا كان عليه قضاء يوم من رمضان أو أكثر فإنه لا يصوم الأيام الستة حتى يقضي هذه الأيام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) ومعلوم أن من عليه القضاء ولو يوما واحدا لا يقال إنه صام رمضان بل يقال صام رمضان إلا قليلا منه أو إلا نصفه أو ربعه أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فنقول لهذا الرجل اقض أولاً ما عليك من رمضان ثم صم ستة أيام من شوال.
***(11/2)
تقول السائلة أفطرت في رمضان وجاء يوم التاسع من ذي الحجة ولم أصم قضاء ما علي من رمضان بعد وصمت يوم التاسع علماً بأنني أصومه كل سنة فهل يجزئ عن اليوم الذي أفطرته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجزئ عن اليوم الذي أفطرته في رمضان إذا نويته نفلاً عن اليوم التاسع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل امرئٍ ما نوى) ولا ينبغي لها أن تصوم التاسع نفلاً وعليها شيء من رمضان ولكن إذا صامت التاسع بنية أنه من القضاء الذي عليها فلا حرج عليها في ذلك ويرجى أن يحصل لها الأمران القضاء وأجر صيام هذا اليوم كما لو دخل الرجل في المسجد والإمام يصلى فإنه يحصل له بذلك أداء الفريضة وتحية المسجد وهذا مثلها فإذا صامت التاسع من ذي الحجة ونوت به من القضاء الذي عليها أجزأها من القضاء ويرجى أن يحصل لها ثواب اليوم وكذلك في التاسع والعاشر من محرم لو صامتهما ونوت بهما القضاء فإنه يحصل لها الأمران القضاء وأجر صيام هذين اليومين.
***(11/2)
هل يجوز لمن عليها قضاء أيام من رمضان أن تصوم تطوعاً قبل أن تقضي وهل يجوز الجمع بين نيتي القضاء والتطوع مثل أن تصوم يوم عرفة قضاء عن يوم من رمضان وتطوعاً لفضله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام التطوع قبل قضاء رمضان إن كان بشيء تابع لرمضان كصيام ستة أيام من شوال فإن ذلك لا يجزئها وقد كثر السؤال في أيام شوال عن تقديم صوم ستة أيام من شوال من أجل إدراك الشهر قبل القضاء ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كأنما صام الدهر) فقال (من صام رمضان ثم أتبعه) ومن عليه قضاء من رمضان لم يكن قد صام رمضان وعلى هذا فصيام ستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان لا يتبع الصيام ست من شوال لأنه لابد أن تكون هذه الأيام تابعة للشهر وبعد تمامه أما إذا كان التطوع بغير الأيام الستة أي بعدد صيام الأيام الستة من شوال فإن للعلماء كذلك قولين فمنهم من يرى أنه لا يجوز أن يتطوع من عليه قضاء رمضان بصوم نظراً لأن الواجب أهم فيبدأ به ومنهم من قال أنه يجوز عن التطوع لأن قضاء الصوم موسع إلى أن يبقى من شعبان بقدر ما عليه وإذا كان الواجب موسعاً فإن النفل قبله أي قبل فعله جائز كما لو تطوع بنفل قبل صلاة الفريضة مع سعة وقتها وعلى كل حال نقول حتى مع هذا الخلاف فإن البداية بالواجب هي الحكمة ولأن الواجب أهم ولأن الإنسان قد يموت قبل قضاء الواجب فحينئذٍ يكون مشغول بهذا الواجب الذي أخره وأما إذا أراد أن يصوم هذا الواجب حين يشرع صومه من الأيام كصيام عشرة ذي الحجة وصيام عرفة وصوم عاشوراء أداء للواجب فإننا نرجو أن يثبت له أجر الواجب والنفل لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن صوم يوم عرفة قال (احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) فأرجو أن يحقق الله له الأجرين أجر الواجب وأجر التطوع وإن كان الأفضل أن يجعل للواجب يوماً وللتطوع يوم آخر.
***(11/2)
من السائل يحيى جابر عسيري من رجال ألمع يقول هل يجوز قضاء الأيام التي فاتتني من رمضان مع أيام الستة، أم أصوم الستة ثم بعدها قضاء الأيام التي لم أصمها في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لابد من قضاء رمضان قبل صيام الأيام الستة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) ، ولا يمكن اتباع رمضان إلا بتمام أيامه فيجب أولاً صيام القضاء ثم صيام الأيام الستة من شوال، ولكن لابد أن تكون الأيام الستة في شوال فلو أخر القضاء عن شوال بدون عذر ثم قضى ثم صام الأيام الستة لم يحصل على أجرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيده بقوله (أتبعه بست من شوال) أما إذا أخر قضاء رمضان لعذر مثل أن تكون المرأة نفساء في رمضان وتطهر مثلاً في أثناء شوال وتبدأ بالقضاء فهي لن تنتهي منه إلا بعد خروج شوال، فإذا صامت الستة بعد قضاء رمضان حصل لها ثوابها لأنها أخرتها لعذر.
***(11/2)
السائل ن ع هـ يقول هل يجوز لي أن أصوم الست من شوال أو يوم عاشوراء وأنويه قضاء عن بعض أيام رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صيام الست فلا يصح أن تجعلها عن قضاء رمضان لأن أيام الست تابعة لرمضان فهي بمنزلة الراتبة للصلاة المفروضة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستة من شوال كان كصيام الدهر) والنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث جعلها تابعة لشهر رمضان وما كان تابع للشيء فإنه لا يغني عنه ثم إنه يكثر السؤال عن تقديم هذه الأيام الست على القضاء فيمن عليه قضاء من رمضان والجواب على ذلك أن هذا لا يفيد أي أن تقديم الست على قضاء رمضان لا يحصل به الأجر الذي رتب النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها بعد رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) ومن كان عليه قضاء فإنه لا يطلق عليه أن يكون قد صام رمضان بل لا بد من صيام الشهر كله أداء وقضاء ثم بعد ذلك يصوم هذه الأيام الستة وأما إذا نوى بصيام يوم عاشوراء نوى به القضاء فإننا نرجو أن يحصل له القضاء وثواب اليوم لأن الظاهر أن المقصود هو أن يصوم ذلك اليوم وكذلك إذا صام يوم عرفة عن قضاء رمضان فإننا نرجو له أن يحصل له الأمران جميعاً وكذلك إذا صام ثلاثة عشرة وأربعة عشرة وخمسة عشرة من الشهر وهي أيام البيض ونواها عن قضاء رمضان فإننا نرجو أن يحصل له الثواب بالأمرين جميعاً وكذلك إذا صام يوم الخميس ويوم الاثنين عن قضاء رمضان فإننا نرجو أن يحصل له أجر القضاء وأجر صيام هذين اليومين لأن المقصود أن تكون هذه الأيام صوماً للإنسان.
***(11/2)
تقول السائلة ما حكم من كان عليها قضاء صيام فصامت قبل أن تقضي هذه الأيام التي أفطرتها في رمضان الأيام الفضيلة كيوم عرفة ويوم عاشوراء ولم تقض صيامها بعد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للمرء أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة فالمشروع في حق هذه المرأة وغيرها ممن عليه قضاء رمضان أن يبدأ بالقضاء أولاً ثم بالتطوع، ولو أن هذه المرأة صامت الأيام التي يشرع صيامها بنية أنها من القضاء لكان ذلك خيراً يحصل لها فضل صيام هذا اليوم، وتبرأ ذمتها بقضاء ما عليها من الصيام، وقد قلنا إن المشروع أن يبدأ الإنسان بالفريضة قبل النافلة.
***(11/2)
تقول السائلة هل يمكن صيام يوم عرفة وعاشوراء قبل أن أكمل ما علي من قضاء أيام أفطرتها في رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام التطوع صيام نفل ليس واجباً على المرء ولا متعلقاً بذمته وقضاء رمضان أو الصيام عن كفارة واجبة صوم واجب يتعلق بذمة الصائم ولا تبرأ ذمته إلا بفعله وإذا كان كذلك فإنه من المعلوم أن تقديم الواجب أهم وأن من ذهب يتطوع بالصوم مع بقاء الواجب في ذمته فقد خالف ما ينبغي أن يفعل ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه إذا صام تطوعاً مع بقاء الواجب عليه من قضاء رمضان فإن صومه لا يصح والذين قالوا بصحة صومه يرون أن الأفضل أن يبدأ بالواجب لأنه أهم ولأن الذمة مشغولة به حتى يفعله من كان يريد الخير فليبدأ بالواجب عليه قبل التطوع هذا بالنسبة للتطوع المطلق أو التطوع المقيد بيوم معين كيوم عرفة ويوم عاشوراء فأما التطوع التابع لرمضان كصيام ستة أيام من شوال فإنها لا تنفعه حتى ينتهي من رمضان كله أي لا يحصل له صيام ستة أيام شوال حتى يصوم رمضان كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) ومعلوم أن من عليه قضاء من رمضان لا يقال عنه أنه صام رمضان فلو أن أحداً من الناس كان عليه عشرة أيام من رمضان قضاء فلما أفطر الناس يوم العيد شرع في صيام أيام الست فصام ستة أيام من شوال ثم قضى العشرة بعد ذلك فإننا نقول له إنك لا تنال ثواب صيام ستة أيام من شوال بهذه الأيام التي صمتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط للثواب المرتب على صيامها أن يكون صيامها بعد رمضان لأنه قال (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) وبناءً على ذلك فإننا نقول من صام ستة أيام من شوال قبل أن يقضي ما عليه من صيام رمضان فإنه لا ينال ثوابها.
***(11/2)
يقول السائل ما حكم صوم يوم عرفة بقصد القضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صوم يوم عرفة سنة مؤكدة وفيه فضل عظيم قال فيه النبي صلى الله عليه واله وسلم (احتسب على الله ان يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) فإن صامه الإنسان تطوعاً فهو خير وان صامه قضاءً أي بأن كان عليه أياماً من رمضان فصام يوم عرفة من هذه الأيام التي عليه فلا حرج في ذلك وارجو أن يحصل له ثواب القضاء وثواب يوم عرفة.
***(11/2)
لو صامت المرأة التاسع من ذي الحجة أو التاسع والعاشر من محرم نوته نفلاً وعليها واجب من رمضان هل يقع ذلك الصيام عن نفس اليوم أم لا يقع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم فمنهم من يرى أنه لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بنفلٍ قبله ومنهم من يرى أنه يجوز أن يتطوع بنفلٍ قبله وذلك لأن هذا القضاء وقته موسع فيجوز للإنسان أن يؤخره إلى شعبان إلى أن يبقى بينه وبين رمضان الثاني بمقدار ما عليه فإذا كان وقته موسعاً فالتنفل قبله جائز كما يجوز للإنسان أن يتنفل قبل صلاة الفريضة في وقتها _يعني_ يجوز له أن يتنفل إذا دخل وقت الظهر وبعد صلاة العصر إذا دخل وقت العصر لأن الوقت موسع فإذا كان مضيقاً بحيث لم يبقَ عليه من شعبان إلا بمقدار ما عليه من رمضان فهنا لا يصح التطوع وأما مع سعة الوقت فإن التطوع يصح ولكن يحصل المقصود بدون محظورٍ إذا فعلت ما أشرنا إليه سابقاً بأن نوت بهذا اليوم شيئاً من القضاء عليها.
***(11/2)
هل يجوز للمرأة أن تنوي صيام الست من شوال قبل صيام القضاء بحيث تصوم القضاء في شهور أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا. لا ينفعها ذلك ولا يكون لها أجر من صام السنة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من صام رمضان ثم أتبعه ست من شوال) فقال (من صام رمضان) والمرأة التي عليها قضاء لم تصم رمضان إنما صامت بعضه فلا بد أن تقع الأيام الستة لمن أراد ثوابها بعد قضاء رمضان كله وعلى هذا فإذا كانت المرأة أفطرت أيام حيضها سبعة أيام ثم تأخرت في قضائها حتى انتهى شوال فإنها تقضيها أي تقضي هذه الأيام ولا تقضي الأيام الستة لأنها أخرت القضاء بلا عذر أما لو كان لعذر كما لو كانت نفساء أو مريضة أو مسافرة فلها أن تقضي القضاء وتقضي أيضاً الأيام الستة من شوال وقضاء الأيام الست من شوال على سبيل الاستحباب لأنها أصلاً ليس بواجب لكن إذا أرادت.
***(11/2)
تقول السائلة: امرأة عليها أيام من رمضان وقد سمعت في حديث بأنه (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله) وهي لا تستطيع أن تقضي فهل يصح منها أن تصوم الستة أيام من شوال وتقضي في ذي القعدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا. لا ينفعها إذا صامت الأيام الستة قبل قضاء رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) فلا بد من إكمال رمضان أولاً ثم يتبع بعد ذلك بصيام ستة أيام من شوال لكن إذا كان لا يمكنها أن تقضي في شوال مثل أن تكون امرأة نفست في أول يوم من رمضان وبقي عليها دم النفاس أربعين يوماً ثم طهرت وشرعت في صوم رمضان فستصوم من شوال عشرين يوماً من رمضان والبقية في ذي القعدة ففي هذه الحال يكون لها الأجر كاملاً لأنها أخرت صيام الأيام الستة لعذر وقد ظن بعض الناس أن صيام الستة أيام من شوال كسائر التطوع بالصوم وقال إنه إذا كان يجوز للمرأة أو يجوز لمن عليه قضاء من رمضان أن يتطوع بالصوم فإنه يجوز أن يقدم صيام الأيام الستة قبل القضاء ولكن هذا ليس بصحيح إي هذا الظن ظن غير صائب لأن النبي عليه الصلاة والسلام صرح بأن هذه الستة لا بد أن تكون تابعة لرمضان والتابع لا يمكن أن يكون قبل تمام المتبوع أما صوم التطوع من غير رمضان فالنزاع فيه معروف فإن من أهل العلم من قال إن التطوع قبل القضاء أعني التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان غير صحيح ومنهم من قال إنه صحيح ولا شك أن الاحتياط عدم الصحة بمعنى أننا نأمر هذا الرجل أن يصوم الدين الواجب عليه وهو قضاء رمضان قبل أن يتطوع وهذا هو مقتضى العقل أن يبدأ الإنسان بأداء الواجب قبل فعل التطوع فمثلاً إذا قال قائل أنا علي صيام عشرة أيام من رمضان وجاء عشرة من ذي الحجة فهل أصوم بنيةصيام عشرة ذي الحجة أو بنية قضاء رمضان نقول صم بنية قضاء رمضان وإذا وقع هذا القضاء في أيام عشرة ذي الحجة فقد يكتب الله لك الأجرين جميعاً.
***(11/2)
السائلة تقول: هل يجوز للمرأة إذا كان بها عذر يوم عرفة أو يوم عاشوراء أن تقضي هذه الأيام بعد أن تطهر وإذا كانت المرأة نفساء في رمضان ثم قضت ما عليها في شوال ولم يبقَ من شوال سوى يومين هل لها أن تكمل الستة من شوال في ذي القعدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن شيئين الأول إذا صادف يوم عرفة المرأة وهي حائض فهل تقضي هذا إذا طهرت فالجواب لا لأن هذا مقيدٌ بيومٍ معين إذا فات فات به وكذلك عاشوراء أما الثاني الذي تضمنه السؤال فهو المرأة يكون عليها قضاء رمضان ولا تتمكن من صوم أيام الست من شوال إلا بعد ذلك فنقول هذه يحصل لها الأجر لأن هذه الست تابعة لرمضان فهي كالرواتب التابعة للصلوات المكتوبة فنقول إذا لم تتمكن المرأة من صيام رمضان وستٍ من شوال في شوال فإنها تقضي الست مع قضاء رمضان.
***(11/2)
ما حكم صيام عشرة من ذي الحجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صوم عشر ذي الحجة من الأمور المرغوب فيها لقوله صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) فعلى هذا نقول إن الصيام من الأعمال الصالحة فإذا صام الإنسان في عشر ذي الحجة كان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عمله من أفضل الأعمال.
***(11/2)
هل صيام يوم عرفة مكفر للكبائر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنه (يكفر السنة التي قبله والتي بعده أنه) يكفر الكبائر لكن كثير من العلماء رحمهم الله قالوا إنه لا يكفر الكبائر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغشى الكبائر) قالوا فإذا كانت الصلاة المفروضة وهي أفضل أعمال البدن لا تكفر إلا إذا ترك الكبائر فغيرها من باب أولى وعلى هذا فنقول صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده بالنسبة للصغائر فقط أما الكبائر فلا بد فيها من توبة مستقلة.
***(11/2)
السائلة م. ع. م من حائل تقول هل يجوز صيام يوم أو يومين قبل يوم عرفة أم أنه يلزم أن نصوم من أول الشهر أي من أول يوم من ذي الحجة حتى اليوم التاسع وهو يوم عرفة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم الإنسان أن يصوم عشر ذي الحجة كلها بل لو اقتصر على يوم عرفة كفى لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) لكن صيام العشر أعني عشر ذي الحجة الأولى سنة رَغَّبَ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) ولا أحد يشك في أنَّ الصيام من الأعمال الصالحة بل هو من أفضل الأعمال حتى إن الله تعالى أختصه لنفسه في قوله في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .
***(11/2)
السائلة ب ع ع خ من الرياض تقول: هل يجوز صيام بعض عشر ذي الحجة وترك بعضها لعدم تحمل الجسم للصيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يصوم بعض أيام العشر في ذي الحجة ويدع بعضها وإذا كان ترك البعض من أجل مرض ألم به أو ضعف ألم به وكان من عادته أنه يصومها فإنه يكتب له أجرها كاملاً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) .
***(11/2)
من دولة الكويت السائلة ع. ب. ج. تقول عشر ذي الحجة هل تصام جميعها من غير العاشر وهو يوم العيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تصام العشر من واحد ذي الحجة إلى التاسع والتاسع ختامها وهو يوم عرفة إذا صامه الإنسان فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) وهذا لغير الحاج فأما الحاج فلا يسن له أن يصوم يوم عرفة في عرفة وإنما قيل لها عشر ذي الحجة مع أنها تسع من باب التغليب.
***(11/2)
تقول السائلة لو كان الشخص يريد أن يصوم عشرة ذي الحجة وأراد أن يحج فهل يصومهن أم لا وهل يشترط أن تصام جميع الأيام العشرة أو يجوز صيام بعضها لمن أراد التطوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام عشرة ذي الحجة ليس بفرض فإن شاء الإنسان صامها وإن شاء لم يصمها سواء سافر إلى الحج أم بقي في بلده لأن كل صوم يكون تطوعاً فالإنسان فيه مخير وعلى هذا فإذا كانت في بلدها وتحب أن تصوم فلتصم أما إذا سافرت ورأت مشقة في الصوم فإنها لا تصوم لأنه لا ينبغي على من شق عليه الصوم في السفر أن يصوم لا فرضاً ولا نفلاً ولكن في يوم عرفة لا تصوم لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مفطراً في يوم عرفة وقد روي عنه في حديثه في موافق أنه (نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) .
***(11/2)
ما حكم صيام يوم السبت ويوم الجمعة نفلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بذلك لا بأس أن يصوم يوم الجمعة ويوم السبت مقترنين ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد أخبرته بأنها صائمة يوم الجمعة قال لها أصمت أمس قالت لا قال أتصومين غداً قالت:لا قال: فأفطري) فقوله (أتصومين غداً) يعني مع الجمعة وهذا دليل واضح على جواز صيامهما مقترنين فأما إفراد أحدهما فمكروه وإفراد الجمعة أشد كراهة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صيامه إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
***(11/2)
يقول السائل ماحكم صيام يوم الجمعة تطوعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بصيام يوم الجمعة تطوعاً إذا ضم إليه الخميس أو السبت (لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى نسائه وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها أصمت أمس قالت لا قال أتصومين غداً قالت لا قال فأفطري) فدل هذا على أن صيام يوم الجمعة لا بأس به إذا ضم إليه الخميس أو السبت أما إذا أفرده فإنه مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) .
***(11/2)
هل يجوز صيام يوم الجمعة منفردا قضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام يوم الجمعة منفرداً نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (دخلت عليه امرأة من نساءه أو دخل هو عليها فوجدها صائمة فقال لها أصمت أمس قالت لا قال أتصومين غدا قالت لا قال فأفطري) لكن إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة مثلاً وصامه وحده فلا بأس لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم الجمعة وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له الفراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده لأنه لم يفرده لأنه يوم الجمعة ولكن أفرده لأنه يوم فراغه وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فصامه فإنه لا حرج عليه أن يفرده لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء لا لأنه يوم الجمعة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) فنص على الخصوصية أي على أن يفعل الإنسان هذا لخصوصية يوم الجمعة وليلة الجمعة.
***(11/2)
من إبراهيم محمد الخالدي من الدمام يقول ما هي العلة في النهي عن أفراد يوم الجمعة بالصيام دون أن يتقدمه بيومٍ أو يصوم بعده يوم علماً أنه أفضل أيام الأسبوع وهل هذا النهي خاصٌ بصيام التطوع أم حتى لو كان صيام قضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) والحكمة في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام أن يوم الجمعة عيدٌ للأسبوع فهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة لأن الإسلام فيه أعيادٌ ثلاثة هي عيد الفطر من رمضان وعيد الأضحى وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة فمن أجل هذا نهي عن إفراده بالصوم ولأن يوم الجمعة يومٌ ينبغي فيه للرجال التقدم إلى صلاة الجمعة والاشتغال بالدعاء والذكر فهو شبيهٌ بيوم عرفة الذي لا يشرع للحاج أن يصومه لأنه مشتغلٌ بالدعاء والذكر ومن المعلوم أنه عند تزاحم العبادات التي يمكن تأجيل بعضها يقدم ما لا يمكن تأجيله على ما يمكن تأجيله فإذا قال قائل إن هذا التعليل بكونه عيداً للأسبوع يقتضي أن يكون صومه محرماً لا إفراده فقط كيوم العيدين قلنا إنه يختلف عن يوم العيدين بأنه يتكرر في كل شهرٍ أربع مرات فلهذا لم يكن النهي فيه على التحريم ثم هناك معانٍ أخرى في العيدين لا توجد في يوم الجمعة وأما إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فإن الصيام حينئذٍ يعلم بأنه ليس الغرض منه تخصيص يوم الجمعة بالصوم لأنه صام يوماً قبله وهو يوم الخميس أو يوماً بعده وهو يوم السبت وأما سؤال السائل هل هذا خاصٌ بالنفل أم يعم حتى القضاء فإن ظاهر الأدلة العموم وأنه يكره تخصيصه بالصوم سواءٌ كان لفريضة أو نافلة إلا أن يكون الإنسان صاحب عمل لا يفرغ من العمل ولا يتسنى له أن يقضي صومه إلا في يوم الجمعة فحينئذٍ لا يكره له أن يفرده بالصوم لأنه محتاجٌ إلى ذلك.
***(11/2)
السائلة لولوة سلمان آل جاسم من البحرين تقول: أفيدكم أنني امرأة أصوم العشرة الأيام الأولى من الأضحى والمحرم والست من شوال والأيام البيض وكذلك الاثنين والخميس ويصادف في هذه الأيام أن أصوم يوم الجمعة وبعض الناس يقولون بأن صوم يوم الجمعة مكروه لأنه يوم عيد للمسلمين أرجو بيان حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما قاله هؤلاء لكِ من أن صوم يوم الجمعة مكروه هو صحيح لكن ليس على إطلاقه فصوم يوم الجمعة مكروه لمن قصده وأفرده بالصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) وأما إذا صام الإنسان يوم الجمعة من أجل انه صادف صومٌ كان يعتاده فإنه لا حرج عليه في ذلك وكذلك إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا حرج عليه في ذلك ولا كراهة مثال الأول إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوم عرفة فصادف يوم عرفة يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة ويقتصر عليه لأنه إنما أفرد هذا اليوم لا من أجل أنه يوم الجمعة ولكن من أجل أنه يوم عرفة وكذلك لو صادف هذا اليوم يوم عاشوراء واقتصر عليه فإنه لا حرج عليه في ذلك وإن كان الأفضل في يوم عاشوراء أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده وكذلك أيضاً لو صام يوم الجمعة لا من أجل سببٍ خارجٍ عن كونه يوم الجمعة فإننا نقول له إن كنت تريد أن تصوم يوم السبت فاستمر في صيامك وإن كنت لا تريد أن تصوم يوم السبت ولم تصم يوم الخميس فأفطر كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أما فعلكِ أنتِ من كونكِ تصومين هذه الأيام التي ذكرت وتصادف يوم الجمعة فإنه لا حرج عليك أبداً ولم تفعلي مكروهاً.
***(11/2)
من الأردن السائلة ل ل أردنية تعمل في المملكة تقول نحن نعرف بأنه لا يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً إلا إذا سبقه يوم أو لحق به يوم وكذلك أيضاً يوم السبت ولكن إذا نوى الإنسان صيام الجمعة على أنه سيصوم بعده السبت ولكن لم يصم السبت لعذر شرعي أو غير شرعي فما حكم صيام الجمعة وكذلك إذا نوى صيام السبت والأحد وصام السبت فقط ولم يصم يوم الأحد أرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائلة إنه لا يجوز صوم يوم الجمعة هذا التعبير فيه تساهل لأنه إذا قيل لا يجوز فإن معناه محرم والأمر في صوم يوم الجمعة ليس كذلك بل النهي فيه للكراهة فقط وليس للتحريم والنهي إنما هو فيما إذا صامه الإنسان مخصصاً يوم الجمعة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليتلها بقيام) فإذا صام الإنسان يوم الجمعة وحده لأنه يوم الجمعة كان ذلك مكروهاً فنقول له صم يوم الخميس معه أو يوم السبت ولو صام يوم الجمعة على أنه يريد صوم يوم السبت ولكن حصل له مانع فلا إثم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمري ما نوى) وأما قول السائلة وكذلك يوم السبت فليس يوم السبت كالجمعة لصحة النهي عن صوم يوم الجمعة وحده دون يوم السبت فإن الحديث في النهي عن صوم يوم السبت فيه نظر فإن من العلماء من ضعفه لشذوذه ومنهم من قال إنه منسوخ وعلى كل حال فإن تخصيص يوم السبت بالصوم ليس كتخصيص يوم الجمعة ولو صام أحد يوم السبت ويوم الأحد فلا إشكال فيه ,وإن صيام يوم السبت وحده فليس بمنهي عنه كالنهي عن يوم الجمعة والله أعلم.
***(11/2)
لوصادفت المرأة أحد أيام الخميس أو الاثنين وحصل لها عذر شرعي منعها من الصيام فهل لها أن تقضيه في يوم آخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وافق يوم الاثنين أو الخميس حالاً لا يمكن صيامه فيها كالحيض وكالعيد وأيام التشريق فإنها لا تصومه وأما كونها تقضيه فهذا عندي محل نظر وتردد ولعلنا نراجعه فيما بعد إذا تبين فيه الحكم إن شاء الله.
***(11/2)
يقول السائل ما حكم صيام يوم السبت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به إذا كان الإنسان محتاجاً إليه مثل أن يكون عليه قضاء ولايتمكن من ذلك إلا بصوم يوم السبت أو يكون عليه قضاء ولم يبقى من شعبان إلا يوم واحد هو يوم السبت أما إذا كان عنه مندوحه أي يمكنه أن يصوم في يوم آخر فإن الأولى ألا يصوم لحديث ورد في النهي عنه ولكن إذا صام معه يوم الجمعة أو يوم الأحد زال النهي.
***(11/2)
ما حكم صيام يوم السبت نفلاً أو فرضاً في غير رمضان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في صوم يوم السبت هل هو جائز أو مكروه أو يفرق بين أن يصومه منفرداً أو مضمون إليه ما قبله أو ما بعده فمن العلماء من قال إن صومه لا بأس به وأن الحديث الوارد فيه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ومن شرط العمل بالحديث ألا يكون شاذّاً لأن عدم الشذوذ شرط لصحة الحديث أولكونه حسناً وما ليس بصحيح ولا حسن لا يجوز العمل به وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء السابقين والمعاصرين ومنهم من قال إن صومه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) ومنهم من فصل أو فرق بين أن يصومه منفرداً أو يصوم يوماً قبله أو يوم بعده وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لجويرية وقد كانت صائمة يوم الجمعة قال (أصمتِ أمس، قالت: لا، قال: أتصومين غداً، قالت: لا، قال: فأفطري) فأمرها أن تفطر لئلا تفرد يوم الجمعة بصوم والشاهد من هذا الحديث أنه (قال أتصومين غداً) يعني يوم السبت فدل ذلك على جواز صوم يوم السبت مع الجمعة وهذا ما لم يكن هناك سبب لتخصيص يوم السبت مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو يوماً يصومه الإنسان فإنه لا كراهة في ذلك لأن الصائم لم يصمه لأنه يوم سبت ولكن لأنه صادف فمثلاً لو كان يوم السبت يوم عرفة فإنه يصومه بلا كراهة أو كان يوم عاشوراء فإنه يصومه بلا كراهة لكن يوم عاشوراء ينبغي أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده أو كان في صوم يصومه مثل أن يكون هذا الرجل يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم صومه يوم السبت فإنه لا بأس بذلك.
***(11/2)
رجل صام يوم الخميس ونوى بعد ذلك صوم يوم وإفطار يوم كصيام داود عليه السلام ثم جاء صيام السبت منفرداً هل يجوز ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا كان يصوم يوماً ويفطر يوم يوماً يجوز أن يصوم الجمعة مفرداً أو السبت أو الأحد أو غيرها من الأيام ما لم يصادف ذلك أياماً يحرم صومها فإن صادف أياماًَ يحرم صومها وجب عليه ترك الصيام فإذا قدر أن رجلاً كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فصار يوم فطره يوم الخميس ويوم صومه يوم الجمعة فلا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة حينئذ لأنه لم يصم يوم الجمعة لأنه يوم جمعة ولكنه صادف اليوم الذي يصوم فيه أما إذا صادف اليوم الذي يصوم فيه يوماً يحرم صومه فإنه يجب عليه الفطر كما لو صادف عيد الأضحى أو أيام التشريق وكما لو كانت امرأة تصوم يوماًَ وتفطر يوماً فأتاها ما يمنع الصوم من حيض أو نفاس فإنها لا تصوم حينئذ.
***(11/2)
هل صحيح أن من صام ثلاثة أيام من كل شهر كأنه صام الدهر كله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) ووجه ذلك أن ثلاثة أيام إذا كانت الحسنة بعشر أمثالها صارت ثلاثين يوماً فيكون صيام ثلاثة أيام من كل شهر كأنما صام الدهركله.
***(11/2)
السائلة ب ع. ي. ف تقول صيام ثلاثة أيام من كل شهر هل لا بد أن تكون الأيام البيض فقط أم يجوز أن يصام منها ثلاثة أيام من أي يوم من الشهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يصوم الإنسان ثلاثة أيام من الشهر في أول الشهر أو وسطه أو آخره متتابعة أو متفرقة لكن الأفضل أن تكون في أيام البيض الثلاثة وهي ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره) .
***(11/2)
تقول السائلة أصوم الأيام البيض من كل شهر ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر ولكن أحياناً يصادف وجود الدورة الشهرية فهل يجوز لي أن أصوم ثلاثة أيام بدلاً منها من نفس الشهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة وقد (أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) ولكن الأفضل أن تكون في الأيام البيض ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر فإن لم يمكن بأن كانت الأنثى عليها العادة أو حصل سفر أو حصل ضيف أو حصل ملل أو مرض يسير أو ما أشبه ذلك فإنه يحصل الأجر لمن صام في غير هذه الأيام الثلاثة قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يبالي أصامها في أول الشهر أو وسطه أو آخره) فالأمر في هذا واسع فصيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة سواء في أول الشهر أو وسطه أو آخره لكن كونها في الأيام الثلاثة أيام البيض أفضل وإذا تخلف ذلك لعذر أو حاجة فإننا نرجو أن الله تعالى يكتب الأجر لمن كان من عادته أن يصومها ولكن تركها لعذر.
***(11/2)
أم مشعل من الرياض تقول إذا طهرت من الحيض في اليوم الثالث عشر من أي شهر فهل يجوز لي أن أصوم يوم الرابع عشر والخامس عشر وهي الأيام البيض وأيضاً إذا طهرت في اليوم الرابع عشر هل يجوز لي صيام يوم الخامس عشر فقط من هذه الأيام أم الواجب في صيام هذه الأيام أن تكون متتالية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صيام الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر سنة وليس بواجب فلو تركها الإنسان ولم يصمها فلا حرج ولو صام يوماً وترك يومين فلا حرج ولو صام يومين وترك يوماً فلا حرج ولو صام ثلاثة متفرقة أو متوالية أو متتابعة فلا حرج ولو صام في أول الشهر أو وسطه أو آخرها فلا حرج قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يبالي من أول الشهر صامها أو من وسطه أو من آخره) ولكن لا شك أن الأفضل أن يكون صيام هذه الأيام الثلاثة في يوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر ولكن ليس هذا على سبيل الوجوب ولا على سبيل أنه لو لم يصم في هذه الأيام الثلاثة لم يحصل الأجر بل من صام ثلاثة أيام من كل شهر فهو كصوم الدهر كله سواء كان من أول الشهر أو وسطه أو آخره. والخلاصة أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعادل صوم الدهر كله وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر جائز في أول الشهر أو وسطه أو آخره وأن الأفضل أن تكون هذه الأيام الثلاثة في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
***(11/2)
باب الإعتكاف - الإعتكاف - فضله - حكمه - حكم الإعتكاف في غير المساجد الثلاثة - العشر الأواخر وليلة القدر(11/2)
من أحمد عبد الله من الرياض يقول هل وردت أحاديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تحث على الاعتكاف في رمضان وهل هناك شروط معينة للمعتكف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الترغيب في الاعتكاف في رمضان وقد أشار الله تعالى إلى الاعتكاف في كتابه حيث قال (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والاعتكاف هو أن يلزم الإنسان مسجداً من المساجد لإقامة طاعة الله عز وجل فيشتغل بقراءة القرآن وذكر الله والصلاة وغير ذلك وليس الاعتكاف كما يفعله بعض الناس يبقى في المسجد ويأتي إليه أصحابه فيشغلونه دائماً بالكلام اللغو الذي لا فائدة منه وربما يكون كلاماً محرماً يشتمل على الغيبة فإن الأصل في الاعتكاف أن يكون الإنسان منقطعاً عن الناس في بيتٍ من بيوت الله لطاعة الله عز وجل لكن لا حرج أن يتحدث إلى بعض أصحابه أو إلى أحد من أهله حديثاً غير طويل ولا مشغل عما اعتكف من أجله (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان طلباً لليلة القدر واعتكف أزواجه من بعده) وهذا دليل على أن هذه السنة باقية لم تنسخ ومن أهم شروط الاعتكاف أن يبقى الإنسان في المسجد فلا يخرج منه إلا لحاجة لا بد منها وقد قسم أهل العلم خروج المعكتف إلى ثلاثة أقسام قسم: يجوز له بدون شرط وقسم يجوز له بشرط وقسم لا يجوز له لا بشرط ولا بغير شرط أما الذي يجوز له بدون شرط فهو أن يخرج الإنسان لما لا بد منه مثل أن يخرج لقضاء الحاجة حاجة البول أو الغائط إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته أو أن يخرج للطعام أو الشراب إذا لم يكن له أحد يأتيه بهما وأما ما يجوز بشرط فمثل أن يشترط إن مات قريبه المريض فإنه يشيع جنازته أو يشترط أن يعود مريضاً أو نحو ذلك مما يخرج إليه وهو في طاعة الله عز وجل لأن هذه عبادة لا تنافي الاعتكاف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لضُباعة بنت الزبير وقد أرادت الحج وهي مريضة قال لها النبي عليه الصلاة والسلام (حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيتي) وأما القسم الثالث وهو الخروج الذي لا يجوز بشرط ولا بغير شرط فهو أن يخرج الإنسان لأمر ينافي الاعتكاف مثل أن يخرج للبيع والشراء أو يخرج للتمتع بأهله أو ما أشبه ذلك من الأمور المنافية للاعتكاف فهذه لا يجوز الخروج لها بشرط ولا بغير شرط.
***(11/2)
عبد الله أحمد من الرياض يقول هل الاعتكاف خاص برمضان وما هي شروط الاعتكاف وهل الاعتكاف في المسجد الحرام له أجر يختلف عن المساجد الأخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل هذا هو الاعتكاف الشرعي أن يلزم الإنسان نفسه البقاء في مسجد من مساجد الله عز وجل يتفرغ للعبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى من العبادات هذا هو الاعتكاف والاعتكاف المشروع المطلوب من الإنسان فعله هو الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) تحرياً لليلة القدر وكان قبل ذلك (قد اعتكف العشر الأول ثم الأوسط ثم قيل له إنها أي ليلة القدر في العشرة الأواخر من رمضان فاعتكف العشرة الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل) ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع لأمته الاعتكاف في غير رمضان ولا أنه اعتكف في غير رمضان إلا سنة (ترك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال) هذا هو الاعتكاف المشروع أن يكون في العشرة الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر وتفرغاً للعبادة فيها ولكن مع ذلك يصح الاعتكاف في غير رمضان ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك) فدل هذا على جواز الاعتكاف في غير رمضان ولكننا لا نطلب ذلك من الإنسان ونقول له اعتكف في غير العشر الأواخر من رمضان لا نقول له ذلك لأنه لم يرد في السنة وأما ما ذكره بعض الفقهاء من إنه ينبغي للإنسان إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه فنقول هذا لا أصل له من السنة بل ظاهر السنة خلافه فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في البكور إلى الجمعة وقال (من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة وفي الثانية كأنما قرب بقرة وفي الثالثة كأنما قرب كبشاً أقرن وفي الرابعة كأنما قرب دجاجة وفي الخامسة كأنما قرب بيضة) ولم يشر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا إلى أن ينوي الإنسان المتقدم الاعتكاف مدة بقائه في انتظار الجمعة ولو كان هذا من الأمور المشروعة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليخفيه عن أمته لأننا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على إبلاغ العلم وأحرص الناس على نفع الخلق فلا يمكن أن يدع شيئاً ينفعهم دون أن يخبرهم به ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى أن ينوي الرجل إذا دخل المسجد الاعتكاف مدة لبثه فيه وعلى هذا فلا يسن لمن قصد المسجد للصلاة أو لقراءة العلم أو للدراسة أو ما أشبه ذلك أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه ثم إن الاعتكاف يكون في المسجد الحرام وفي المسجد النبوي وفي المسجد الأقصى وفي غيرها من المساجد وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة أنه (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهذا إن صح فالمراد به أن الاعتكاف الأكمل والأفضل ما يكون إلا في هذه المساجد الثلاثة لأن هذه المساجد الثلاثة أفضل المساجد على وجه الأرض وهي التي تضاعف فيها الصلاة وتشد إليها الرحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) وقول السائل هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره؟ جوابه نعم الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل ولكن ها هنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة زمانها ومكانها أي ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها يعني أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المسجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثره في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة ودليل هذا من السنة وكلام أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان) ومقتضى هذا الحديث أن يؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها حتى يقضي حاجته من مأكول أو تخلي وهذا يستلزم تأخير الصلاة عن أول وقتها مع أن الصلاة في أول الوقت أفضل لكن النبي صلى الله عليه وسلم ألغى مراعاة الزمان هنا من أجل إكمال العبادة ذاتها ويرى أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها ومراعاة ما بتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها وهذه نقطة ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم أن يلاحظها وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها.
فضيلة الشيخ: ما هي الأمور التي يجب أن يفعلها المعتكف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو لا يجب عليه فعل شيء أكثر من غيره لكنه يتجنب أشياء لا يتجنها غيره ومنه قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُون في المَسَاجِدِ) فيحرم على المعتكف مباشرة النساء في حال الاعتكاف ويحرم عليه أيضاً أن يخرج من معتكفه إلا ما دعت الحاجة إليه كالخروج إلى الأكل والشرب إذا لم يتأتى حصولهما عنده في المسجد وكخروجه إلى البول أو الغائط وكخروجه إلى غسل واجب لا يحصل له في المسجد وما أشبه ذلك من الأمور الضرورية.
***(11/2)
من علي صالح المهدي من المدينة المنورة يقول ما هي شروط الاعتكاف وما هي الأشياء التي تفسده وهل يصح في مسجد لا تقام فيه صلاة الجمعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاعتكاف سنة مشروعة أشار الله إليه في القرآن وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأقر عليه فاعتكف وأعتكف أزواجه من بعده صلوات الله وسلامه عليه قال الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (أعتكف العشر الأول من شهر رمضان ثم الأوسط يبتغي بذلك ليلة القدر ثم العشر الأخير) وأستقر على ذلك لأن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وبهذا علم أن الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله سبحانه وتعالى ليتفرغ الإنسان فيه لعبادة الله والإنابة إليه والرجوع إليه وهو سنة في العشر الأواخر من رمضان لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أما في غير العشر الأواخر من رمضان فإنه من باب الشيء المباح ولهذا قال عمر بن خطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم (إني نذرت أن أعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك) والاعتكاف يصح من كل مسلم ذكراً كان أو أنثى وهل يشترط له الصوم أو يصح بدون صوم؟ فيه خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال إنه يشترط له الصوم ومنهم من قال إنه ليس بشرط وظاهر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لا يشترط له الصوم ولكن لابد أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة فلا يصح أن يعتكف الإنسان في حجرة من بيته أو أن يعتكف في رباط لطلبة العلم أو للقرَّاء أو نحو ذلك بل لابد أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة والأفضل أن يكون في مسجد جامع لئلا يتخلله الخروج إلى صلاة الجمعة ثم إن الذي يفسد الاعتكاف المباشرة أي مباشرة المرأة بالجماع والتقبيل بشهوة وما أشبه ذلك لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن الجماع لقوله (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ويفسده كذلك إذا خرج من المسجد بدون عذر ويفسده إذا خرج إلى المسجد لبيع أو شراء أو نحو ذلك وقد قسم أهل العلم خروج المعتكف من المسجد ثلاثة أقسام قسم جائز بشرط وبدون شرط وهو أن يخرج الإنسان إلى ما لابد له منه كخروجه إلى قضاء حاجته البول أو غائط إذا لم يكن في المسجد ماء يقضي به ذلك فإن كان في المسجد حمامات يتمكن من قضاء حاجته فيها فإنه لا يخرج وكذلك إذا خرج لإحضار طعامه وشرابه إذا لم يكن عنده من يحضرهما له فإن هذا أمر لابد منه.
والقسم الثاني: يجوز بشرط ولا يجوز بدون شرط مثل أن يخرج لعيادة مريضٍ قريبٍ له أو صديق له فيشترط في اعتكافه أني أخرج لعيادة مريضي أو لتشيع جنازته إن مات أو ما أشبه ذلك فهذا يجوز بشرط ولا يجوز بدون شرط وقسم ثالث لا يجوز مطلقاً وهو أن يخرج لما ينافي الاعتكاف من بيع وشراء ونحو ذلك فإن أهل العلم يقولون إن هذا لا يصح شرطه ولو خرج بناءً على شرطه فسد اعتكافه فلا ينبني أخره على أوله.
***(11/2)
هل المرأة مثل الرجل في الاعتكاف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المرأة يشرع لها الاعتكاف كما يشرع للرجل لكن بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أو فتنة فإن كان يترتب على ذلك مفسدة أو فتنة فإنها لا تعتكف ولوكان المرأة يترتب على اعتكافها أن يضيع أولادها في بيتها أو أن تهدر حق زوجها فليس لها أن تعتكف.
***(11/2)
يقول السائل هل يخرج المعتكف من معتكفه إذا مات أحد والديه أو هما معاً وهل يخرج إذا خرج ولده الصغير ولم يعد للمنزل منذ مطلع الشمس حتى غروبها أو اشتعلت النار في ممتلكاته أو منزله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: خروج المعتكف من معتكفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول أن يكون خروجاً لما ينافي الاعتكاف كما لو خرج ليجامع أهله أو خرج ليبيع ويشتري وما أشبه ذلك مما هو مضادٌ للاعتكاف ومنافٍ له فهذا الخروج لا يجوز وهو مبطلٌ للاعتكاف سواءٌ شرطه أو لم يشترطه ومعنى قولنا لا يجوز أنه إذا وقع في الاعتكاف أبطله وعلى هذا فإذا كان الاعتكاف تطوعاً وليس بواجبٍ كنذرٍ فإنه إذا خرج لا يأثم لأن قطع النفل ليس فيه إثم ولكنه يبطل اعتكافه فلا يبني على ما سبق.
القسم الثاني من خروج المعتكف أن يخرج لأمرٍ لا بد له منه وهو أمرٌ مستمر كالخروج للأكل إذا لم يكن له من يأتي به والخروج لقضاء الحاجة إذا لم يكن في المسجد دورات مياه وما أشبه ذلك من الأمور التي لا بد منها وهي أمورٌ مضطردة مستمرة فهذا الخروج له أن يفعله سواءٌ اشترط ذلك أم لم يشترطه لأنه وإن لم يشترط باللفظ فهو مشترطٌ في العادة فإن كل أحد يعرف أنه سيخرج لهذه الأمور.
القسم الثالث ما لا ينافي الاعتكاف ولكن له منه بد مثل الخروج لتشييع الجنازة أو لعيادة مريض أو زيارة قريب أو ما أشبه ذلك مما هو طاعة ولكنه له منه بد فهذا يقول أهل العلم إن اشترطه في اعتكافه فإنه يفعله وإن لم يشترطه فإنه لا يفعله فهذا هو ما يتعلق بخروج المعتكف من المسجد وأما خروجه لطلب ابنه الضائع أو لإطفاء الحريق المحترق في ماله فهذا أمرٌ واجبٌ عليه فعليه أن يخرج لطلب ابنه وعليه أن يخرج لإطفاء الحريق عن ماله لأنه مأمورٌ بحفظ أمواله وحفظ أولاده فليخرج وهنا إن قلنا بأنه أمرٌ ضروري طارئ فلا يبطل الاعتكاف فله وجه ولكن إن قلنا إنه يبطله فإنه يكون قد انتقل من مفضولٍ إلى أفضل لأن القيام بالواجب أفضل من الاستمرار في التطوع ثم إذا زالت هذه الضرورة رجع إلى معتكفه.
***(11/2)
من مصر البحيرة ومقيم في الأردن يقول: سمعت أحد طلاب العلم يقول بأن الاعتكاف لا يصح إلا في ثلاث مساجد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى هل هذا صحيح وإذا كان صحيح فهل يجوز الاعتكاف في المساجد الأخرى مع العلم إن بعض الناس لا يستطيعون الاعتكاف في هذه المساجد لحالتهم المادية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما سائله السائل عن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة فإن القول الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة جائز وحديث حذيفة الذي فيه أنه (لا اعتكاف إلا في هذه الثلاثة المساجد) إن صح فهو محمول على أن الاعتكاف في هذه المساجد أفضل من الاعتكاف في غيرها كما أن الصلاة في هذه المساجد أفضل من الصلاة في غيرها ولا يعني ذلك أن غير هذه المساجد لا يصح فيه الاعتكاف قال الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وهذا لفظ عام ولو قلنا أنه خاص بالمساجد الثلاثة لكان الله تعالى يخاطب الناس بالخطاب العام مع أن الذي يمكن أن يقوم بهذا العمل نفر قليل منهم لأن نسبة من في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى إلى العالم الإسلامي ليس بشيء فكيف يعطى هذا الحكم العام في منطقة ضيقة لا تحتمل إلا القليل القليل من المسلمين فالصواب الذي لا شك فيه ما عليه جمهور أهل العلم أن الاعتكاف في كل مسجد جائز وصحيح ويثاب الإنسان عليه.
***(11/2)
هل الأفضل للمرأة أن تعتكف في المسجد الحرام أم المسجد النبوي أو الأفضل عدم الاعتكاف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن تعتكف المرأة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو أي مسجد آخر بشرط ألا يكون هناك فتنة والمشاهد للمسجدين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي يرى أن الأفضل ألا تعتكف المرأة في المسجد لأنها لا يمكن أن تنفرد بمكانها بخلاف الأمر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يمكن أن تضرب المرأة خباءً لها في المسجد وتبقى فيه لكن في الوقت الحاضر لا يمكن هذا فيحصل في اعتكافها من الشر والبلاء والفتنة ما لا ينبغي أن يكون في المسجدين ربما تنام المرأة في مكانها فيمر الناس منها ذاهبين وراجعين وربما تتكشف لأن بعض الناس إذا نام لا يحس بنفسه بل أكثر الناس لذلك نرى أنه لا ينبغي للمرأة أن تعتكف في المساجد لكن لو فرض أن هناك مساجد غير الحرمين فيها أمكنة خاصة بالنساء وأرادت أن تعتكف المرأة فيها فلا بأس لكن بشرط ألا تضيع شأن بيتها وزوجها وأولادها لأن مراعاة بيتها وزوجها أولادها أهم من أن تعتكف في المسجد وهو أفضل لها لأنها تؤدي واجباً والاعتكاف ليس بواجب.
***(11/2)
السائل يقول هناك البعض من الشباب يحبون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فيذهبون إلى جامع معين بحجة أن الجمع فيه كثير وأن مقصدهم أن يزيدوا من إيمانهم رغم أن المساجد الموجودة في القرية كثيرة فهل هذا الذهاب يعد من شد الرحال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعد من شد الرحال ما دام المسجد في البلد شد الرحال معناه أن الإنسان يسافر من بلد إلى آخر من أجل المسجد فليس عليهم بأس إذا اختاروا في البلد مسجداً يجتمعون فيه له مزية بكثرة الجمع أو بحسن قراءة الإمام أو ما أشبه ذلك.
***(11/2)
السائل علي رمضان مصري يعمل بوزارة الشيءون الإسلامية بالكويت يقول أعمل مؤذناً بدولة الكويت والسكن الخاص بنا داخل المسجد فهل إذا نويت الاعتكاف مدة مكوثي في المسجد لا أدخل السكن بل أظل في المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت الغرفة التي يسكنها هذا المؤذن هي نفس المسجد أي أنها غرفةٌ من غرف المسجد فحكمها حكم المسجد فيجوز له أن يدخل فيها وأن يخرج منها إلى المسجد ولا حرج لأنها إذا كانت من المسجد صار وجوده فيها كأنه موجودٌ في جهةٍ من جهات المسجد أما إذا كان الغرفة منحازة وبابها خارج المسجد فإنها تعتبر بيتاً مستقلاً ولا يصح الاعتكاف فيها.
***(11/2)
من العراق السائلة م. ش. تقول أعلم أن الاعتكاف لا يجوز إلا في مسجد جامع إلا أني كفيفة البصر ولا يوجد مسجد قريب من بيتنا كما أن المساجد البعيدة لا يوجد فيها مكان مخصص للنساء، فهل يجوز لي أن أعتكف في البيت، علماً بأنني في البيت لا يشغلني شيء عن العبادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الانقطاع للعبادة في بيتكِ إذا لم يشغلكِ عن ما هو أهم وأنفع من العبادات لا بأس به، ولكنه ليس اعتكافاً شرعياً، لأن الاعتكاف الشرعي لابد أن يكون في المساجد لقوله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فالعكوف لا يكون إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، وأنتِ في بيتك ليس عندك مسجد تقام فيه الجماعة، لكن يكفيك أن تتفرغي للعبادة من الذكر والقرآن والصلاة وغير ذلك مما يقرب إلى الله بشرط أيضاً ألا يشغلها عما هو أهم من العبادات الأخرى، لأن بعض الناس قد يقتصر على هذه العبادات القاصرة ويترك أشياء أهم منها، والإنسان المؤمن يتقلب بما هو أطوع لله وأرضى له، وأنظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام (يقوم حتى يقال لا ينام، ويصوم حتى يقال لا يفطر) وكذلك (يفطر حتى يقال لا يصوم وينام حتى يقال لا يقوم) ، يعني أنه عليه الصلاة والسلام ينظر ما هو الأصلح وكل حال لها مقال.
***(11/2)
للعشر الأواخر فضل عظيم ومنزلة كبيرة العشر الأواخر من رمضان السائل عبد الله آل حمد يقول نرجو بيان فضل هذه العشر الأواخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العشر الأواخر من رمضان هي أفضل شهر رمضان ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بالاعتكاف طلباً لليلة القدر وفيها ليلة القدر التي قال الله عنها (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بقيام الليل كله فينبغي للإنسان في هذه الليالي العشر أن يحرص على قيام الليل ويطيل فيها القراءة والركوع والسجود وإذا كان مع الإمام فليلازمه حتى ينصرف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) عند انتهائها يكون تكبير الله عز وجل ويكون دفع زكاة الفطر لقوله تعالى (لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة) و (أمر صلى الله عليه وسلم أن تؤدى زكاة الفطر قبل الصلاة أي يوم العيد) .
***(11/2)
متى تكون بداية ليلة القدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي في العشر الأواخر من رمضان، وفي السبع الأواخر منه أرجى وأرجى، وفي ليلة السابع والعشرين أرجى وأرجى أيضاً، ولكنها تتنقل قد تكون هذا العام في ليلة ثلاث وعشرين وفي العام الثاني في خمس وعشرين وفي الثالث في سبع وعشرين أو في أربعة وعشرين أوستة وعشرين أوثمانية وعشرين.
***(11/2)
بارك الله فيكم شيخ محمد العشرة الأواخر من شهر رمضان مزية عظيمة حبذا لو تحدثتم عن هذا وكيف يكون شد المئزر الوارد في الحديث وما المقصود به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم العشر الأخيرة من رمضان فيها فضل عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصها بالاعتكاف ويخصها بالقيام كل الليل ويوقظ أهله فيها وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فلا ينبغي للإنسان أن يضيعها بالتجول في الأسواق هنا وهناك أو بالسهر في البيوت فيفوته في ذلك خير كثير و (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف أول الشهر العشرة الأولى منه ثم اعتكف العشرة الأوسط لرجاء ليلة القدر ثم قيل له إنها في العشر الأواخر فصار يعتكف العشر الأواخر) رجاء لهذه الليلة العظيمة وإني أحث إخواني على اغتنام الصلاة فيها مع الإمام وألا ينصرفوا حتى ينتهي الإمام من صلاته لأنهم بذلك يكتب لهم قيام ليلة والناس في مكة يصلون أول الليل بإمام وأخر الليل بإمام والإمام الذي يصلون به في أخر الليل يوتر ويكون من الناس من يحب أن يصلى قيام الليل في أخر الليل مع الإمام الثاني فإذا أوتر مع الإمام الأول فإنه إذا سلم الإمام أتى بركعة ليكون الوتر شفعاً ولا حرج عليه في ذلك فإن هذا نظير صلاة المقيم خلف الإمام المسافر إذا سلم الإمام المسافر عند الركعتين قام فصلى ما بقي وهكذا الرجل الذي يدخل مع الإمام الأول الذي يوتر أول الليل وهو يريد أن يقوم مع الإمام الثاني الذي يقوم أخر الليل فإنه ينوي إذا قام الإمام الأول إلى الركعة الأخيرة الوتر ينوي أنه يريدها شفعاً فيصلىها ركعتين ليكون إيتاره مع الإمام الثاني في أخر الليل.
***(11/2)
من منى عبد العزيز من مكة المكرمة تقول ما هي الليالي التي تتحرى فيها ليلة القدر وما هو أفضل دعاء يقال فيها وما هي علاماته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أرجى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين ولكنها ليست هي ليلة قدر جزماً بل هي أرجأها ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم أن ليلة القدر تتنقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين وتارة تكون في ليلة ثلاثة وعشرين وفي ليلة خمس وعشرين وفي ليلة سبع وعشرين وفي ليلة تسع وعشرين وفي الأشفاع أيضاً قد تكون وقد أخفاها الله عز وجل عن عباده لحكمتين عظيمتين إحداهما أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط والحكمة الثانية أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم لينتفعوا به أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث (عائشة أنها قالت يا رسول الله أريت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها وأما علامتها فإنها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع فيها وهذه علامة متأخرة وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار زيادة النور فيها وطمأنينة المؤمن وراحته وانشراح صدره كل هذه من علامات ليلة القدر.
***(11/2)
من الرياض سعد بن تركي يقول فيه هل ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من كل عام أم أنها تنتقل من ليلة لأخرى من الليالي العشر في العام الآخر نرجو توضيح هذه المسألة بالأدلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليلة القدر لا شك أنها في رمضان لقول الله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وبين الله تعالى في آية أخرى أن الله أنزل القرآن في رمضان فقال عز وجل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) و (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأول من رمضان يرجو ليلة القدر ثم اعتكف العشر الأوسط ثم رآها صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان ثم تواطأت رؤيا عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها في السبع الأواخر من رمضان فقال أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر من رمضان فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) وهذا أقل ما قيل فيها أي في حصرها في زمن معين وإذا تأملنا الأدلة الواردة في ليلة القدر تبين لنا أنها تنتقل من ليلة إلى أخرى وأنها لا تكون في ليلة معينة كل عام فالنبي عليه الصلاة والسلام أري ليلة القدر في المنام وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين وكانت تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين وقال عليه الصلاة والسلام (التمسوها) في ليالي متعددة من العشر وهذا يدل على أنها لا تنحصر في ليلة معينة وبهذا تجتمع الأدلة ويكون الإنسان في كل ليلة من ليال العشر يرجو أن يصادف ليلة القدر وثبوت أجر ليلة القدر حاصل لِمن قامها إيماناً واحتساباً سواء علم بها أم لم يعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ولم يقل إذا علم أنه قامها فلا يشترط في حصول ثواب ليلة القدر أن يكون العامل عالماً بها بعينها ولكن من قام العشر الأواخر من رمضان كلها فإننا نجزم بأنه قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً سواء في أول العشر أو في وسطها أو في أخرها.
***(11/2)
هل للحائض أن تتحرى ليلة القدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو تحرت ليلة القدر لم تنتفع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا) والحائض لا تقوم ليلة القدر لأنها ممنوعة من الصلاة لكن أرجو إذا دعت في تلك الليلة إذا دعت ربها عز وجل وتعلقت بفضله ورحمته أرجو ألا تخيب.
***(11/2)
يقول ما رأي الشرع في نظركم فيمن قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه المسألة أن ليلة القدر أفضل من ليلة الإسراء بالنسبة للأمة وأما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فقد تكون ليلة الإسراء التي هي ليلة المعراج في حقه أفضل لأنها خاصة به ونال فيها من الفضائل ما لم يناله في غيرها فلا نفضل ليلة القدر مطلقاً ولا نفضل ليلة الإسراء التي هي ليلة المعراج مطلقاً وكأن السائل يريد أن يشير إلى ما يفعله بعض الناس ليلة سبع وعشرين من رجب من الاحتفال بهذه الليلة يظنون أنها ليلة الإسراء والمعراج والواقع أن ذلك لم يثبت من الناحية التاريخية فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به في تلك الليلة بل إن الذي يظهر أنه أي المعراج كان في ربيع الأول ثم على فرض أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به في ليلة السابع والعشرين من رجب فإن ذلك لا يقتضي أن يكون لتلك الليلة احتفال واختصاص بشيء من الطاعات وعلى هذا فالاحتفال بليلة المعراج ليلة سبع وعشرين من رجب لا أصل له من الناحية التاريخية ولا أصل له من الناحية الشرعية وإذا لم يكن كذلك كان من العبث ومن البدعة أن يحتفل بتلك الليلة.
***(11/2)
_____فتاوى الحج _____(/)
كتاب الحج والعمرة - وجوبهما - فضلهما - شروطهما - التوكيل(12/1)
يقول كنا عند أحد الكبار في بلدتنا ودخل علينا شخص جليل وسلم على هذا الكبير وقال له بالحرف الواحد لقد حجيت إليك حجة الأشواق لا ما يوجب الإسلام فجاء في نفسي من هذا القول فاعترضت عليه أثناء المجلس وقلت له ما يجوز إنما الحج للبيت العتيق في مكة المكرمة فرد علينا بمحاضرة طويلة قال فيها إن الحج هو القصد وأنا قد قصدت أبا فلان والحجاج إنما يحجون إلى البيت لأنهم يشتاقون إليه وقد فعلت وأنا اليوم اشتقت إلى هذا الشخص فحجيت إليه وقد أفهمني هذا الرجل بمقدرته البارعة وقرب بديهته وقوة لهجته فأنا اليوم أضع هذه القضية بين أيديكم إن كنت مخطئاً استغفرت الله وإن كنت مصيباً شكرته ولعلّ هذا الشخص يسمع ما تقولون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن للحج معنيين معنى لغوياً ومعنى شرعياً أما المعنى اللغوي فهو ما أشار إليه هذا الرجل الذي رد اعتراض السائل عليه وهو أنه يراد به القصد فكل من قصد شيئاً ومشى إليه وسعى إليه فقد حج إليه أما المعنى الشرعي فهو قصد البيت الحرام أو قصد مكة لأداء المناسك هذا هو الحج شرعاً وحيث أن المعنى اللغوي انتقل إلى المعنى الشرعي فإنه لا ينبغي استعماله إلا في معناه الأصلى فإن أهل العلم قالوا إن الحقائق ثلاثة، شرعية ولغوية وعرفية وأن الشرعية مقدمة على اللغوية والعرفية وعلى هذا فالمسلمون الآن يعتبروا الحج في لغتهم هو قصد مكة لأداء المناسك فإنكار هذا السائل على القائل لهذا الشيخ أنا حججت إليك وما أشبه ذلك هو في محله ودفاع ذلك عن نفسه بأن الحج في اللغة القصد هو عبارة عن شُبْهَة لا حجة وذلك لأن الحج نقل معناه شرعاً إلى حج بيت الله الحرام ولهذا عندما يطلق المسلمون كلمة الحج الآن لا تنصرف إلا إلى حج البيت لأداء المناسك فقط ثم إن قوله لهذا الشيخ حججت إليك لا شك أن فيه غلواً إما لفظياً وإما معنوياً ويخشى أن يفتح باب الغلو في المشايخ ومن يسمى بالأولياء كما فسر أهل التخييل والمنغمسون في الصوفية فسروا الحج الموجود في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قصد مشايخهم وأوليائهم فعلى كل حال إنكار هذا السائل على القائل للشيخ حججت إليك إنكار في محله ونحن نرى أنه لا ينبغي للمسلم أن يطلق القصد إلى شخص ليطلق عليه الحج لأن الحج معروف شرعاً بأنه قصد البيت لأداء المناسك.(12/2)
يافضيلة الشيخ: وأيضاً نهاية كلامه أو عبارته في قوله حجيت إليك حجة الأشواق لا ما يوجب الإسلام كلمة لا ما يوجب الإسلام يمكن يتخيل منها السامع أن حجته لصاحبه أفخم أو أعظم من حجة الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ربما يفيد ذلك وربما أنه يريد أن ما أردت الحج هنا ليس الحج الشرعي وأنه الحج بالمعنى اللغوي العام علي كل حال ما ينبغي هذا الكلام.
***(12/2)
حسب اعتقادي أن فريضة الحج ولدت بولادة الدين الإسلامي ولكن تبين لي أن الناس كانوا يحجون قبل الدين الإسلامي وكان الرسول عليه السلام يجتمع مع هؤلاء الحجاج كي يدعوهم للإسلام فكيف كان ذلك أرجو إفادتي وفقكم الله وجزاكم خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحج في الجاهلية من العبادات المألوفة المعروفة وليس فيه تغييرٌ إلا شيئاً يسيراً مثل كون أهل الحرم لا يقفون وقوف عرفة إلا بمزدلفة كما يدل عليه حديث جابر وكذلك جاء الإسلام بتعديل ما خالفوا فيه حيث كانوا ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس ولا يدفعون من مزدلفة إلا بعد شروق الشمس فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فوقف في عرفة ولم يدفع منها إلا بعد غروب الشمس ودفع من مزدلفة حين أسفر جداً قبل أن تطلع الشمس ولا أعرف شيئاً أكثر من هذا بالنسبة للحج في الجاهلية وأما في الإسلام فالأمر فيه واضح ولله الحمد فإن الله تعالى فرضه على القول الراجح في السنة التاسعة من الهجرة أو العاشرة وحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع وبيّن للناس مناسكهم وفقه الناس في المناسك فقهاً تاماً وكان يقول عليه الصلاة والسلام (لتأخذوا عني مناسككم) فتعلم الناس الحج ونقله السلف إلى الخلف وتلقاه الخلف عن السلف حتى أصبح بيناً واضحاً ولله الحمد وإن كان يوجد فيه بعض الخلافات التي مصدرها الاجتهاد من أهل العلم فهذه للمجتهد المصيب أجران وللمجتهد المخطئ أجرٌ واحد.
***(12/2)
جزاكم الله خيراً السائلة مصرية ومقيمة بالرياض لها هذا السؤال تقول سمعت بأن للمرأة حجة واحدة وعمرة واحدة فهل هذا صحيح وإذا رغبت في تكرار العمرة فهل لها ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة كالرجل في الحج والعمرة ولهذا سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل على النساء جهاد قال (نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) لكن لا ينبغي للمرأة أن ترهق زوجها أو وليها في تكرار العمرة أو الحج لأن هناك أبواباً كثيرة للخير قد تكون أكثر من العمرة أو الحج فإطعام الجائع وكسوة العاري وإزالة الأذى عن المسلمين أفضل من الحج والعمرة وأعني بذلك الحج والعمرة إذا كان تطوعاً أما الفريضة فلا بد منها.
***(12/2)
يقول هل مفروض على الجن الحج وإن كان كذلك فأين يحجون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة وحجهم يكون كحج الإنس زمناً ومكاناً وإن كانوا قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الأنس.
***(12/2)
بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله علي سوداني محافظة دارفور يقول ما الفرق بين الحج والعمرة وما هو الركن الذي لا يصح الحج إلا به وما هي مبطلات الحج مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن جواب هذا السؤال يحتاج إلى مجلد فالحج والعمرة يختلفان فالحج حجٌ أكبر والعمرة حجٌ أصغر فالعمرة مكونة من إحرام وطواف وسعي وحلقٌ أو تقصير يعني أربعة أشياء إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير أما الحج فمركبٌ من أكثر من ذلك فهو إحرام وطواف وسعي وحلقٌ أو تقصير ووقوفٌ بعرفة ومبيتٌ بمزدلفة ومبيتٌ بمنى ورمي جمار فهو أكبر وأوسع من العمرة ثم الحج يختص بوقتٍ معين هي أيام الحج وأما العمرة ففي كل وقت ثم الحج من أركان الإسلام باتفاق العلماء أما العمرة ففيها خلاف فمن العلماء من قال إنها واجبة ومنهم من قال إنها ليست بواجبة ومنهم من قال إنها واجبة على غير المكي غير واجبة على المكي أي الساكن في مكة وأما المحظورات محظورات الإحرام فتشترك فيها العمرة والحج لأنها تتعلق بالإحرام والإحرام لا يختلف فيه الحج والعمرة وأما الواجبات والأركان فتختلف العمرة عن الحج يتفق العمرة والحج بأن من أركانهما الطواف والسعي والإحرام وهذه الثلاثة أركانٌ في العمرة وليس فيها ركنٌ رابع وأما الحج ففيه ركنٌ رابع وهو الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحج عرفة) وهذا يختص به الحج أما الواجبات فالواجبات في العمرة شيئان فقط أن يكون الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً وأن يحلق أو يقصر بعد الفراغ من الطواف والسعي وأما الحج فواجباته أكثر يشترك مع العمرة في الواجبات بأن يكون الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً والحلق أو التقصير ويزيد الحج بوجوب البقاء في عرفة إلى غروب الشمس ووجوب المبيت في مزدلفة ووجوب المبيت في منى الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة من شهر ذي الحجة والثالثة عشرة إن تأخر ووجوب الرمي يعني رمي الجمار وأما طواف الوداع فليس من واجبات الحج الثابتة وليس من واجبات العمرة الثابتة وإنما يجب على من أدى العمرة أو أدى الحج إذا أراد الخروج إلى بلده ولهذا فلا يجب الطواف على أهل مكة لأنهم مقيمون فيها.
***(12/2)
المستمع حسين عبد السلام يقول في رسالته ما حكم من أدى العمرة فقط ولم يؤد فريضة الحج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أن أداءه للعمرة واقع موقعه وقد برئت ذمته من العمرة وأدى الواجب عليه فيها ولكن بقيت عليه فريضة الحج التي هي فرض بالنص والإجماع فعليه إذا أدرك وقت الحج أن يحج البيت إذا كان مستطيعاً لقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وأما ظن بعض الناس أن من أتى بالعمرة قبل الحج فإنه لا عمرة له فهذا لا أصل له بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد هجرته قبل أن يحج.
***(12/2)
من العراق بابل محمد فيصل يقول آمل أن تجيبوني على أسئلتي بارك الله فيكم إنني أرى كثيراً من الناس يؤدون فريضة الحج ويصومون شهر رمضان مع أنهم لا يصلون هل هذا ينفعهم؟ أفيدونا بارك الله فيكم
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة عظمية وخطيرة يقع فيها بعض الناس بأن يكونوا يصومون ويحجون ويعتمرون ويتصدقون ولكنهم لا يصلون هل أعمالهم الصالحة هذه مقبولة عند الله عز وجل أم مردودة هذا ينبني على الخلاف في تكفير تارك الصلاة فمن قال إنه لا يكفر قال إن هذه الأعمال مقبولة ومن قال إنه يكفر قال إن هذه الأعمال غير مقبولة ومرجع خلاف العلماء ونزاعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ونحن إذا رددنا نزاع العلماء في هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله وجدنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على أن تارك الصلاة كافر وأن كفره كفر أكبر مخرج عن الملة فمن ذلك قوله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فإن هذه الجملة الشرطية تدل بمنطوقها على أنه لا تتم الإخوة لهؤلاء إلا بهذه الأمور الثلاثة التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأيضا تدل بمفهومها أنه إذا تخلف واحد منها لم تثبت الأخوة الدينية بيننا وبينهم ولا تنتفي الأخوة الدينية بين المؤمن وغيره إلا بانتفاء الدين كله ولا يمكن أن تنتفي بالمعاصي وإن عظمت فمن أعظم المعاصي قتل المؤمن وقد قال الله فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع ذلك فقد قال الله تعالى في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فجعل الله تعالى القتيل أخاً للقاتل مع أن القاتل قتله وقتل المؤمن من أعظم كبائر الذنوب بعد الشرك وهذا دليل على أن المعاصي وإن عظمت لا تنتفي بها الأخوة الدينية أما الكفر فتنتفي به الأخوة الدينية فإن قلت هل تقول بكفر من منع الزكاة بخلاً قلت لولا الدليل لقلت به بناءً على هذه الآية ولكن هناك دليل رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة في مانع الزكاة حيث ذكر عقابه ثم قال بعد ذلك (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وكونه يرى سبيله إلى الجنة دليل على أنه لم يخرج من الإيمان وإلا ما كان له طريق إلى الجنة وأما الدليل من السنة على كفر تارك الصلاة فقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه بريدة وأخرجه أهل السنن (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وهذا هو الكفر المخرج عن الملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بين إسلام هذا الرجل وكفره فاصلاً وهو ترك الصلاة والحد الفاصل يمنع من دخول المحدودين بعضهما ببعض فهو إذا خرج من هذا دخل في هذا ولم يكن له حظ من الذي خرج منه وهو دليل واضح على أن المراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة وليس هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) لأنه قال هما فقط بهم كفر أي أن هذين العملين من أعمال الكفر وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فجعل الكفر منكَّراً عائداً على القتال أي أن القتال كفر بالإخوة الإيمانية ومن أعمال الكافرين لأنهم هم الذين يقتلون المؤمنين وقد جاء في الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بكفر تارك الصلاة فقال عبد الله بن شقيق وهو من التابعين الثقات (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) ونقل إجماع الصحابة على ذلك أي على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة نقله إسحاق بن راهوية الإمام المشهور والمعنى يقتضي ذلك فإن كل إنسان في قلبه إيمان يعلم ما للصلاة من أهمية وما فيها من ثواب وما في تركها من عقاب يعلم ذلك لا يمكن أن يدعها خصوصاً إذا كان قد بلغه أن تركها كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة فإنه لا يمكن أن يدعها ليكون من الكافرين وبهذا علمنا أن دلالة الكتاب والسنة وآثار الصحابة والاعتبار الصحيح كلها تدل على أن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة وقد تأملت ذلك كثيراً ورجعت ما أمكنني مراجعته من كتب أهل العلم في هذه المسألة وبحثت مع من شاء الله ممن تكلمت معه في هذا الأمر ولم يتبين لي إلا أن القول الراجح هو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وتأملت الأدلة التي استدل بها من يرون أنه ليس بكافر فرأيتها لا تخلو من أربع حالات إما أن لا يكون فيها دليل أصلاً وإما أن تكون مقيدة بوصف يمتنع معه ترك الصلاة وأما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من ترك الصلاة لكون معالم الدين قد اندرست وإما لأنها عامة مخصصة بأحاديث أو بنصوص كفر تارك الصلاة ومن المعلوم عند أهل العلم أن النصوص العامة تخصص بالنصوص الخاصة ولا يخفى ذلك على طالب علم وبناء على ذلك فإنني أوجه التحذير لإخواني المسلمين من التهاون بالصلاة وعدم القيام بما يجب فيها وبناء على هذا القول الصحيح الراجح وهو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة فإن ما يعمله تارك الصلاة من صدقة وصيام وحج لا يكون مقبولاً منه لأن من شرط قبول الأعمال الصالحة أن يكون العامل مسلماً وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) فدل ذلك على أن الكفر مانع من قبول الصدقة مع أن الصدقة عمل نافع متعد نفعه للغير فالعمل القاصر من باب أولى أن لا يكون مقبولاً وحينئذ فالطريق إلى قبول أعمالهم الصالحة أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما حصل منهم من ترك الصلاة وإذا تابوا فإنهم لا يطالبون بقضاء ما تركوه في هذه المدة بل يكثرون من الأعمال الصالحة ومن تاب تاب الله عليه كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) أسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم وأن يمن علينا بالتوبة النصوح التي يمحو بها ما سلف من ذنبونا إنه جواد كريم.
***(12/2)